الكتاب: إنباء الغمر بأبناء العمر المؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ) المحقق: د حسن حبشي الناشر: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - لجنة إحياء التراث الإسلامي، مصر عام النشر: 1389هـ، 1969م عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- إنباء الغمر بأبناء العمر ابن حجر العسقلاني الكتاب: إنباء الغمر بأبناء العمر المؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ) المحقق: د حسن حبشي الناشر: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - لجنة إحياء التراث الإسلامي، مصر عام النشر: 1389هـ، 1969م عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] الجزء الأول بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وهون وأعن واختم بخير يا كريم، وصلى الله على سيدنا محمد. الحمد لله الباقي وكل مخلوق يفنى، الواقي ولو أعرض عن عبده لما استغن، سبحانه له الصفات العلى والأسماء الحسنى، قسم الأرزاق والآجال في الطرفين والأثنا، وقدر الأحوال خوفاً وأمناً، وكل عنده لأجل مسمى، وقد أحاط علماً للكل أقصى وأدنى، أحمده وأستعينه وحق لعبده أنه بمحامده يعنى، ولا يحصى الثناء ولو أثنى العبد ما أثنى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ترفع قائلها إلى المقام الأسنى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث إلى الثقلين إنساً وجناً، والمنعوت بأكرم الأخلاق وأطيب الأعراق من هنا وهنا، المرتقى إلى المراتب العلية حتى كان قاب قوسين أو أدنى، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الذين هاجروا وهجروا وآووا ونصروا فسبق الآباء وتلاهم الأبناء، صلاةً وسلاماً يتلازمان فيلتزمان لمديمهما بالحسنى. أما بعد فيقول العبد الضعيف أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن محمود ابن أحمد بن حجر العسقلاني الأصل المصري المولد القاهري الدار: هذا تعليق جمعت فيه حوادث الزمان الذي أدركته منذ مولدي سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة وهلم جراً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 مفصلاً في كل سنة أحوال الدول عن وفيات الأعيان مستوعباً لرواة الحديث خصوصاً من لقيته أو أجاز لي وغالب ما أورد فيه ما شاهدته أو تلقفته ممن أرجع إليه أو وجدته بخط من أثق به من مشايخي ورفقتي كالتاريخ الكبير للشيخ ناصر الدين بن الفرات وقد سمعت عليه جملة من الحديث، وكصارم الدين بن دقماق، وقد اجتمعت به كثيراً وغالب ما أنقله من خطه ومن خط ابن الفرات عنه وللحافظ العلامة شهاب الدين أحمد بن علاء الدين بن جحى الدمشقي، وقد سمعت منه وسمع مني والفاضل البارع المفنن تقى الدين أحمد بن علي المقريزي والحافظ العالم شيخ الحرم تقى الدين محمد ابن أحمد بن علي الفاسي القاضي الملكي بمكة والحافظ المكثر صلاح الدين خليل بن محمد بن محمد الأقفهسي وغيرهم وطالعت عليه تاريخ القاضي بدر الدين محمد العيني وذكر أن الحافظ عماد الدين بن كثير عمدته في تاريخه وهو كما قال لكن منذ انقطع ابن كثير صارت عمدته على تاريخ ابن دقماق حتى كان يكتب منه الورقة الكاملة متوالية وربما قلده فيما يهم فيه حتى في اللحن الظاهر مثل اخلع على فلان، وأعجب منه أن ابن دقماق يذكر في بعض الحادثات ما يدل على أنه شاهدها فيكتب البدر كلامهبعينه بما تضمنه وتكون تلك الحادثة وقعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 بمصر وهو يعد في عينتاب ولم أتشاغل بتتبع عثراته بل كتبت منه ما ليس عندي مما أظن أنه اطلع عليه من الأمور التي كنا نغيب عنها ويحضرها وسميته إنباء الغمر بأبناء العمر، والله أسأل أن يختم لنا بخير. وهذا الكتاب يحسن من حيث الحوادث أن يكون ذيلاً على ذيل تاريخ الحافظ عماد الدين ابن كثير فإنه انتهى في ذيل تاريخه إلى هذه السنة، ومن حيث الوفيات أن يكون ذيلاً على الوفيات التي جمعها الحافظ تقى الدين ابن رافع فإنها انتهت أيضاً إلى أوائل هذه السنة وعلى الله تعالى أعتمد، ومن فيض كرمه أستمد، وهو المستعان، وعليه التكلان، ثم قدر الله سبحانه لي الوصول إلى حلب حرسها الله تعالى في شهر رمضان سنة ست وثلاثين فطالعت تاريخها الذي جمعه الحاكم بها العلامة الأوحد الحافظ علاء الدين ذيلاً على تاريخها لابن العديم وقد بيض أوائله فطالعته كله من المبيضة ثم من المسودة وألحقت فيه أشياء كثيرة وسمعت منه أيضاً وسمع مني متع الله ببقائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة استهلت والخليفة المتوكل المعتضد محمد بن المكتفي بن الحاكم العباسي، وسلطان الديار المصرية الأشرف شعبان بن الأمير حسين بن الملك الناصر محمد بن الملك الأشرف بن الملك المنصور قلاوون النجمي الصالحي، ومدبر المملكة منكلي بغا، والدوادار الكبير طشتمر ونائبه بدمشق منجك ونائبه بحلب اشقتمر، ثم نقل عن قريب لطرابلس واسنقر ايدمر وصاحب مكة عجلان بن رميثة الحسنى وسيأتي نسبه في سنة وفاته، وصاحب المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والتحية والإكرام عطية بن منصور بن جماز بن شيحة الحسيني، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 وصاحب البلاد اليمنية الأفضل عباس بن المجاهد على ابن المؤيد داود بن المظفر يوسف بن المنصور عمر بن علي بن رسول وصاحب ماردين الملك المظفر داود بن الصالح محمود بن المغان بن الأتعى وصاحب حصن كيفا الملك الصالح أبو بكر بن العادل غازي بن العادل مجير الدين محمد بن الكامل أبي بكر بن الموحد عبد الله بن المعظم توران شاه بن الصالح أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب، وصاحب الروم مراد بك بن عثمان التركماني، وصاحب العراق أويس بن الشيخ حسين بن آقبغاء ونائبه على تبريز ولده السلطان حسين، وصاحب أرزن الروم القاهر علي بن المنصور جلال الدين ابن عماد الدين السلجوقي، وصاحب خراسان وبلاد العجم والشرق تيمور الملقب باللنك وقد عاث فيها بالنهب والتخريب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وصاحب فاس أبو فارس عبد العزيز بن أبي الحسن المريني، وصاحب الأندلس بن الأحمر وصاحب تلمسان الحفصى، وصاحب تونس. والقضاة بمصر الشافعي البهاء أبو البقاء والحنفي السراج الهندي، والمالكي البرهان الأخنائي، والحنبلي نصر الله وكاتب السر البدر بن فضل الله، وناظر الجيش محب الدين، والوزير فخر الدين بن التاج موسى بن أبي شاكر وقضاة دمشق الشافعي الكمال العزى، والحنفي نجم الدين بن العز والمالكي الزين بن الماروني والحنبلي علاء الدين العسقلاني، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 وكاتب السر فتح الدين ابن الشهيد، وناظر الجيش تاج الدين بن مشكور، والوزير تاج الدين بن شمس الدين بن التاج. فمن الحوادث في هذه السنة كائنة شمس الدين الركراكي أحد الفضلاء المالكية وكان من الطلبة بالشيخونية فوقع بينه وبين شيخها أكمل الدين فقام عليه ورفعه للحكام وادعى عليه بما يقدح في الشريعة وعقد له مجلس لذلك عند الجاي ثم حقن دمه ونفى إلى الشام ثم آل أمره إلى أن ولى قضاء المالكية بعد مدة كما سيأتي. وفيها كائنة بعادة القبطى مشارف المواريث الحشرية ادعى عليه بأشياء منها أنه يديم ترك الصلاة فحكم بعض المالكية بقتله فقتل وطيف برأسه وكان الرهوني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 قد تعصب له وأفتى بحقن دمه فلم يقبل منه، وفي ذلك يقول شهاب الدين بن العطار: أضحى بعادة يخفي ... كفراً ويبدي عناده. ولو تشهد قالوا ... والله ماذا بعاده. وفيها زاد النيل زيادة مفرطة وثبت إلى أيام من هاتور فاجتمع جماعة بالجامع الأزهر وبجامع عمرو وسألوا الله تعالى في هبوطه وكرروا ذلك فهبط وزرع الناس، وقال في ذلك شهاب الدين بن العطار مقاطيع، وشهاب الدين بن أبي حجلة مقامته المشهورة وفيها أمر السلطان الأشراف أن يمتازوا عن الناس بعصائب خضر على العمائم ففعل ذلك في مصر والشام وغيرهما. وفي ذلك يقول أبو عبد الله بن جابر الأندلسي الأعمى نزيل حلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 جعلوا لأبناء الرسول علامة ... إن العلامة شأن من لم يشهر. نور النبوة في كريم وجوههم ... يغني الشريف عن الطراز الأخضر. قال في ذلك جماعة من الشعراء ما يطول ذكره ومن أحسنها قول الأديب شمس الدين محمد ابن إبراهيم بن بركة الدمشقي المزين وأنشدني إياه إجازة. أطراف تيجان أتت من سندس ... خضر بأعلام على الأشراف. والأشراف السلطان خصصهم بها ... شرفاً ليفرقهم من الأطراف. وفي صفر استقر شرف الدين موسى بن أرقطاي في نيابة صفد عوضاً عن علم الدار. وفيها استقر شمس الدين بن الصائغ الحنفي في قضاء العسكر وتدريس جامع ابن طولون عوضاً عن بهاء الدين السبكي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 واستقر كمال الدين السبكي في إفتاء دار العدل عوضاً عن بهاء الدين أيضاً واستقر قي تدريس الشيخونية عوضاً عنه الشيخ ضياء الدين القرمي العفيفي. وفيها استقر القاضي برهان الدين بن جماعة في قضاء الشافعية عوضاً عن أبي البقاء السبكي. وكان ابتداء ذلك أن القاضي برهان الدين الأخناي بحث مع أبي البقاء فقال له أبو البقاء: لو كان مالك حياً لناظرته في هذه المسألة أو نحو ذلك، فزبره البرهان وقال: لو غيرك قالها لأوقعت فيه الفعل وتفارقا. فاتفق أن السلطان عزل أبا البقاء عقب ذلك عزلاً فاحشاً فاستقر في الأذهان أن ذلك ببركة الإمام مالك، وكانت صورة عزله أنه حضر دار العدل على العادة في ذلك الوقت فجاء شخص إلى أبي البقاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 فأسر إليه كلاماً ثم التفت إلى رفقته من القضاة فقال لهم: إن السلطان عزله وأمره بلزوم بيته، ففعل ذلك واستمر المنصب شاغراً إلى أن وصل الخطيب برهان الدين بن جماعة في خامس جمادى الآخرة وكان برهان الدين حين عزل أبو البقاء بدمشق زائراً لأهله من ربيع الأول ورجع بعد خمسين يوماً بعد أن فوض له النائب نظر القدس والخليل فخالفه البريدي في الطريق فأمره النائب بلحاقه إلى القدس فلحقه فخطب في السادس عشر من جمادى الآخرة خطبة بليغة تعرض فيها لتوديعهم فأبكاهم وتوجه على البريد، فلما اجتمع بالسلطان عرض عليه المنصب فاشترط شروطاً كثيرة فالتزم له السلطان بها ولبس الخلعة وركب مع الحجاب والقضاة على العادة ومشى معه الجاي اليوسفي والامير الكبير إلى باب القلعة وركب في حشمة عظيمة وأبهة زائدة، فراح الناس إلى تهنئته حتى القاضي المعزول فرحا منه به لعلمه برياسته، وحسن سياسته. وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه: كان منكلي بغا نائب السلطنة يعظم القاضي بهاء الدين السبكي. ولما عزل كان في الصيد، فلما بلغه لم يسهل به، فلما عاد من الصيد اجتمع به بهاء الدين فأشار إليه أن يستقر قاضي الشام فامتنع فغضب منه، وكان منكلي بغا يبغض المعزى لما يعتمده من تناول الرشوة فكان يحب عزله، فلما لم يوافقه بهاء الدين غضب منه فعزله من تدريس الفقه بالمنصورية وعزل ابنه بدر الدين من تدريس الحديث بالقبة وكان استقر فيه بعد موفق الدين وقرر في الفقه شمس الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 التبريزي في الحديث ابن مرزوق التلمساني، فلما مات واستقر الجاي ناظر المارستان أعادهما إلى الوظيفتين وكان منكلي بغا يقوم في حق القاضي بهاء الدين القيام التام حتى أنه لما عزل طلب أمين الحكم وألزم بعمل المحاسبة وكشف المودع وندب بدر الدين بن الخشاب للتنقيب على تصرف بهاء الدين فحضر منكلي بغا يوم الموعد إلى المدرسة الصالحية وكشف المودع بحضرته فلم يظهر على بهاء الدين شيء. وفيها في أواخر شهر رجب قرر القاضي بهاء الدين أبو البقاء في قضاء الشام عوضاً عن كمال الدين المعزى فبلغه ذلك فسافر إلى الحج ثم استعفى أبو البقاء فأعفى وأرسلت إلى المعزى خلعة الاستمرار، فبلغه ذلك بعد أن وصل إلى بصرى وأن البريدي واصل إليه بخلعة الاستمرار فترك الحج ولاقى البريدي ولبس الخلعة واستمر في قضاء دمشق. وفيها أراد السراج الهندي قاضي الحنفية أن يساوي قاضي الشافعية في لبس الطرحة وتولية القضاة في البلاد وتقرير مودع الأيتام فأجيب إلى ذلك، فاتفق أنه توعك عقب ذلك وطال مرضه إلى أن مات في رجب ولم يتم له الذي أراده، واستقر عوضه صدر الدين بن التركماني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 وفيها استجد الملك الأشرف عند طلوعه من سرحة الأهرام أن يلبس الأمراء الكبار أقبية حرير بسمور وأطرزة مزركشة عراض ومن دونهم بأقبية حرير بقاقم ومن دونهم بسنجاب والجميع بأطرزة متفاوتة وألحق مقدم المماليك وهو يومئذ سابق الدين مثقال بكبار الخاصكية في ذلك وهو أول من وقع له ذلك من مقدمي المماليك. وفيها كملت عمارة حمام منجك ببصرى ومدرسة زين الدين الأسعردي بدمشق. وفيها أحدثت خطبة بخان السلطان العتيق بدمشق. وفيها تنازع عماد الدين الحسباني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وشهاب الدين الزهري فقهاء الشام في تدريس الجاروخية، وكان زين الدين الجعفري قد نزل عنها للعماد فباشرها ثم انتزعها منه الزهري ثم استعادها العماد واستقرت معه. وفي أول يوم من جمادى الآخرة وصل قود نائب الشام منجك يشتمل على شيء كثير جداً حتى اتفق أهل المعرفة أنه لم يتقدمه بمثل ذلك نائب، ومن جملة ما كان فيه أسدان وضبع وإبل ونحو الخمسين من الكلاب المعلمة ونحو الخمسين من البخاتي بلبوسها وخمسة من البخاتي أيضاً كل منها بسنامين ولها بثياب أطلس ونحو الأربعين حملاً يشتمل على قماش وحلوى وفاكهة ونحو الأربعين هجيناً ومن الكنابيش الزركش والعرقيات الزركش والقبى الحرير شيء كثير جداً ومن الصوف الملون والحرير والفرى خمسون بقجة إلى غير ذلك. وفيها أقدم رجل مفرط الطول طوله أربعة أذرع بالحديد وعرضه ذراعان وصف للسلطان فتعجب من شكله فأرسل في طلبه فأحضر فوصل إلى دمشق في شهر رجب ثم دخل القاهرة وكان جلداً. وفيها شدد منجك نائب الشام على أهل اللهو وأمر بقطع الأشجار الصفصاف التي بين النهرين وبتخريب المكان الذي أحدث بالشرف الأعلى وأزال المنكرات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 من هذا المكان ومن الذي فوق الجبهة أيضاً وهدم الأبنية والحوانيت المستجدة هناك. وفيها شكى الحاج من أمير الركب الدمشقي لنائب الشام فرسم عليه فدخل الحمام فجب ذكره وأنثبيية بالموسن فحمل مغشياً عليه فلما رأه النائب أمر بإطلاقهإلى منزله فبقي مدة متمرضاً ثم أفاق وعاش وهو ابن أفجا. وفي ليلة الرابع عشر من شهر ربيع الأول خسف القمر واستمر إلى التسبيح. وفي هذه السنة ملك اللنك واسمه تيمور بفتح المثناة وسكون التحتانية وضم الميم وسكون الواو بعدها راء ومعناه بالعربية حديد بن ترغاي بن الغاي المغلى وأصله من كش مدينة مشهورة مما وراء النهر بينها وبين سمرقند يوم واحد ويقال: إن أمه أو جدته من ذرية جنكز خان ومولده على ما كان يذكر في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وكان أبو هـ من الفلاحين ونشأ خاملاً إلا أنه كان قوي القلب. شديد البطش ذكياً فطناً مطبوعاً على الشر ولما بلغ أشده وترعرع صار يتحرم فسرق مرة فرماه راعيها بسهم فأصاب رجله فعرج منه فمن حينئذ قيل له اللنك ثم انضمت إليه طائفة فصار يقطع الطريق ويقال: أنه كان ببلدهم عابد يقال له شمس الدين الفاخوري ولأهلها فيه اعتقاد زائد فقصده اللنك فزاره وأهدى له ماعزاً وقعد بين يديه فسأله أن يدعو له بأمور يتمناها فدعا له بأن تقضى حاجته فكان لا يتوجه إلى جهة فيرجع خائباً وكان يلهج بأنه سيملك البلاد ويبيد العباد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 وكان قد اشتهر بمعرفة الخيل فطلبه صاحب خيل السلطان بسمرقند فقرره في خدمته فحظي عنده فاتفق أنه مات عن قريب فقرره السلطان مكانه وكان اسمه حسين من ذرية جنكزخان وكانت هراة وغيرها من بلاد الشرق في ملكه فاستمر اللنك في خدمته إلى أن بدا منه إجرام على نفسه فهرب وانضم إليه جمع وعاد إلى قطع الطريق فاهتم السلطان بأمره وجهز إليه جيشاً فظفروا به فلما أحضروه استوهبه بعض أقارب السلطان فاستنابه وأقره في خدمته رغبة في شهامته فاستمر إلى أن خرج خارج بسجستان وكان ينوب فيها فجهز إليه السلطان عسركاً رأسهم اللنك فأوقعوا بذلك النائب واستولى اللنك منه على مال كثير فقسمه بين العسكر الذين صحبته واستنواهم في الاستبداد بتلك البلد وما حولها فأطاعوه وعصوا على السلطان فاتفق في تلك الأيام موت السلطان واسمه حسين وقام بعده ولده غياث الدين في المملكة فجهز إلى اللنك عسكراً كثيفاً فلم يكن له بهم طاقة ففر منهم إلى أن اضطروه إلى نهر جيحون فترجل عن فرسه وأخذ معرفها بيده وولج النهر سابحاً إلى أن قطعه ونجا إلى البر الآخر فتبعه جماعة من أصحابه على ما فعل وانضموا إليه وتبعهم جمع كانوا على طريقته الأولى فالتفوا عليه وقصدوا نخشب وهي مدينة حصينة فطرقوها بغتة فقتل أميرها واستولى اللنك على قلعتها واتخذها حصناً له يلجأ إليه ثم توجه إلى بلخشان وبها أميران من جهة السلطان وكانا قريبي العهد بغرامة ألزمهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 بها السلطان لجناية صدرت منهما فكانا حاقدين عليه فانضما إلى اللنك فكثر جمعه، واتفق في تلك الأيام خروج طائفة من المغل على تمر خان صاحب هراة فجمع لهم والتقوا فهزموه فبلغ ذلك اللنك فسار إليهم وصاروا على كلمة واحدة فتوجه صاحب هراة إلى بلخ وتوجه اللنك بمن معه إلى سمرقند فنازلها فصالحه النائب بها واسمه علي شير على أن تكون المملكة بينهما نصفين فأقره بسمرقند وتوجه إلى بلخ فتحصن السلطان منه فحاصره إلى أن نزل إليه بالأمان فقبض عليه وتسلم البلد ورجع إلى سمرقند فدخلها آمناً وذلك في أوائل هذه السنة سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة فأقام رجلاً من ذرية جنكزخان يقال له سرغتمش وكانت السلطنة يومئذ قد انتهت إلى طقتمش خان بالدشت وتركستان فبلغه ما اتفق لسلطان هراة فجمع العساكر وقصد اللنك بسمرقند فالتقوا بين سمرقند وخجند فكانت الكسرة أولاً على اللنك ثم عادت على طقتمش خان فانتصر اللنك ويقال إنه كان في عسكره عابد يقال له بركة، فلما رأى اللنك الهزيمة تمسك به فصاح على عسكر طقتمش خان فانهزموا ويحتمل أن يكون هذه من وضع بعض من يتعصب للنك ويحتمل الصحة ليقضي الأمر المقدور " إنما نملي لها ليزدادوا إثماً " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 ولما تمت الكسرة على طقتمش خان دخل اللنك خجند ففر أميرها وأمر فيها بعض جنده واستولى على بقية البلاد التي لم تكن دخلت في طاعته رهبة ورغبة ثم دخل سمرقند فأول شيء فعله بعلي شير صاحبه الذي أعانه على مستنيبه وقسم البلد بينه وبينه ولقي عاقبة غدره فقتله غيلة ثم أوقع بمن كان بسمرقند من الزعر وكانوا عدداً كثيراً قد أسعروا البلاد وكان اللنك أعلم بهم من غيره لأنه كان يرافقهم كثيراً وكان إيقاعه بهم بالتدريج بطريق المكر والخديعة والحيلة إلى أن استأصلهم وكفى أهل البلاد شرهم ثم لما استقرت قدمه في المملكة خطب بنت ملك المغل وهو تمرخان فزوجها له وزادوا في اسمه كوركان فلذلك كان يكتب عنه تيمور كوركان ومعناه الصهر ثم توجه بعساكره إلى خوارزم وجرجان فصالحوه على مال ثم قصد هراة فنزل إليه ولد ملكها غياث الدين بالأمان واستولى عليها واستصحب ملكها معه إلى سمرقند فسجنه فاستمر في سجنه إلى أن مات ثم قصد سجستان فنازلهم فتحصنوا منه مدة ثم طلبوا منه الامان فأمنهم على شريطة أن يمدوه بما عندهم من السلاح فاستكثروا له من ذلك ليرضوه وصار يستزيدهم فبلغوا الجهد في التقرب إليه بما قدروا عليه منه فلما ظن أن غالب سلاحهم صار عنده وأن غالبهم صار بغير سلاح بذل فيهم السيف وخرب المدينة حتى لم يبق بها بعد أن رحل عنها من تقوم بهم الجمعة ولما استولى على هذه الممالك مع سعته وشدة فتكه بأهلها توارد أمراء النواحي على الدخول في طاعته والوفادة عليه ومنهم خجا علي بن مؤيد بطوس وأمير محمد بباورد وأمير حسين بسرخس فأقرهم نواباً في ممالكهم وكذا جميع من بذل له الطاعة ابتداء ومن راسله فعصى عليه يتعذر أن يعفو عنه إذا قدر عليه وكان من جملة من راسل شاه شجاع صاحب شيراز وعراق العجم فبذل له الطاعة وسأله المصاهرة فزوج ابنته بابن اللنك وهاداه وهادنه واستمر على ذلك ويقال إنه كان يدعو الله ويتضرع إليه أن لا يسلط اللنك عليه، فاتفق أنه مات حتف أنفه قبل أن يتوجه اللنك إلى شيراز وسيأتي ذلك في ترجمته سنة سبع وسبعين وسبعمائة. وإنما جمعت هذه الأخبار مع أنها لم تكن في سنة واحدة ليسهل معرفتها على من أراد أن يعرف أولية اللنك. لك كان يكتب عنه تيمور كوركان ومعناه الصهر ثم توجه بعساكره إلى خوارزم وجرجان فصالحوه على مال ثم قصد هراة فنزل إليه ولد ملكها غياث الدين بالأمان واستولى عليها واستصحب ملكها معه إلى سمرقند فسجنه فاستمر في سجنه إلى أن مات ثم قصد سجستان فنازلهم فتحصنوا منه مدة ثم طلبوا منه الامان فأمنهم على شريطة أن يمدوه بما عندهم من السلاح فاستكثروا له من ذلك ليرضوه وصار يستزيدهم فبلغوا الجهد في التقرب إليه بما قدروا عليه منه فلما ظن أن غالب سلاحهم صار عنده وأن غالبهم صار بغير سلاح بذل فيهم السيف وخرب المدينة حتى لم يبق بها بعد أن رحل عنها من تقوم بهم الجمعة ولما استولى على هذه الممالك مع سعته وشدة فتكه بأهلها توارد أمراء النواحي على الدخول في طاعته والوفادة عليه ومنهم خجا علي بن مؤيد بطوس وأمير محمد بباورد وأمير حسين بسرخس فأقرهم نواباً في ممالكهم وكذا جميع من بذل له الطاعة ابتداء ومن راسله فعصى عليه يتعذر أن يعفو عنه إذا قدر عليه وكان من جملة من راسل شاه شجاع صاحب شيراز وعراق العجم فبذل له الطاعة وسأله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 المصاهرة فزوج ابنته بابن اللنك وهاداه وهادنه واستمر على ذلك ويقال إنه كان يدعو الله ويتضرع إليه أن لا يسلط اللنك عليه، فاتفق أنه مات حتف أنفه قبل أن يتوجه اللنك إلى شيراز وسيأتي ذلك في ترجمته سنة سبع وسبعين وسبعمائة. وإنما جمعت هذه الأخبار مع أنها لم تكن في سنة واحدة ليسهل معرفتها على من أراد أن يعرف أولية اللنك. وممن نازله اللنك في هذه السنة حسين صوفي صاحب خوارزم ومات فاستقر ولده يوسف مكانه واستولى اللنك على خوارزم فخربها كدأبه في غيرها من البلاد. ذكر من مات في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة من الأعيان. أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن عمرو بن الشيخ أبي عمر بن قدامة الصالحي شهاب الدين المعروف بابن النجم، الحنبلي، ولد سنة اثنتين وثمانين وستمائة وأحضر على الفخر على أمالي ابن شمعون وغيرها على التقى الواسطي الاربعين للحاكم وغير ذلك وحدث، سمع منه القدماء وجماعة من اكابر رفقتنا وأصاغر شيوخنا، مات في ثالث جمادى الآخرة، وهو ممن أجاز عاماً لكن لم أدخل في عموم إجازته. أحمد بن بلبان بن عبد الله الدمشقي، شهاب الدين المالكي الفقيه المفتي كاتب الحكم، مات في صفر وخلف مالاً كثيراً رحمه الله تعالى. أحمد بن علي بن عبد الكافي بن يحيى بن تمام أبو حامد بهاء الدين السبكي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 مقري، ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، وكان اسمه أولاً تماماً ثم غيره أبوه بعده بعد أبن بلغ سن التمييز، وحفظ القرآن صغيراً وتلا على التقى الصائغ ببعض القراءات، وأحضر على علي بن عمر الواني، وأسمع على الحجاز وغيره، وسمع بنفسه من جماعة واشتغل بالعلوم فمهر فيها فأفتى ودرس وله عشرون سنة، وولي وظائف أبيه بالقاهرة وله إحدى وعشرون سنة لما تحول أبوه إلى قضاء الشام وقد ولي قضاء الشام مرة بدلاً عن أخيه وذلك سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وحضر أخوه تاج الدين على وظائفه بالقاهرة، وولي بهاء الدين درس الفقه بجامع ابن طولون والخطابة به والميعاد، ودرس الفقه بالمنصورية وقضاء العسكر وافتاء دار العدل ودرس الشافعية بالشيخونية أول ما فتحت. قال العماد ابن كثير في حقه: كان قانتاً عابداً كثير الحج، وقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 ابن حبيب: إمام علم زاخر اليم، مقرون بالوفاء الجم، وفضله مبذول لمن قصد وأم، وقلمه كم باب عدل فتح، وكم شمل معروف منح، وأفتى وهو ابن عشرين سنة، وكان مواظباً على التلاوة والعبادة وهو القائل: اتتنى فآتتنى الذي كنت طالبا ... وحييت فأحييت لي منى ومآربا. وقد كنت عبداً للكتابة أبتغي ... فرقت على رقي فصرت مكاتبا. مات بمكة في شهر رجب وله ست وخمسون سنة، وقرأت بخط القاضي تقى الدين الزبيري: لما مات بهاء الدين كان أرسل في مرض موته نجابا إلى القاضي محب الدين ناظر الجيش أن يدير وظائفه باسم أولاده فنازعه مختص النقاشي وكان له قدر عند الأشراف فأخذ الخطابة والميعاد بالجامع الطولوني لابن أستاذه أبي هريرة بن النقاش ولم يقدم محب الدين على معارضته، واستقر الشيخ سراج الدين البلقيني في درس التفسير بالمنصورية وأبو البقاء في تدريس الشافعي، واستقر أبو البقاء في تدريس الشيخونية فعارضه أكمل الدين وقرر فيها الشيخ ضياء الدين. أحمد بن محمد بن عثمان البكري شهاب الدين ابن المجد الشاعر، كانت له قدرة على النظم، وله مدايح في الأعيان ومن شعره قصيدة أولها: رعاهم الله ولا روعوا ... ما لهم ساروا ولا ودعوا. مات بمنية ابن خصيب في شهر رمضان. أحمد بن شرف الدين محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن أبي العشائر الحلبي شهاب الدين موقع الحكم، سمع صحيح البخاري من سنقربفوت وحدث وتفرد، مات في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 ثاني رجب وقد قارب الثمانين فإن مولده سنة سبع وتسعين، وكان قد انقطع قبل موته بمنزله مدة يسيرة. ايدمر بن عبد الله بالشيخي عز الدين نائب حماة، وليها مراراً، مات في هذه السنة بحلب نائباً. أبو بكر بن رسلان بن نصير البلقيني أخو شيخنا سراج الدين كان على طريقة والده بزى أهل البر، وكان يتردد إلى أخيه بالقاهرة وهو أسن منه بقليل فقدر أنه قدم في هذه السنة ليزوج ولده جعفراً فمرض فمات عند الشيخ فأسف عليه كثيراً لأنه مات في غربة وهو شقيقه وصار يقول: ذهب أبو بكر فيذهب عمر هذا أو معناه، فبينا هو في هذه الحالة إذ سمع قارئاً يقرأ: فأما الزبد فيذهب وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " فعاش بعد أخيه اثنتين وثلاثين سنة، وقد أنجب أبو بكر هذا أولاداً نبغ منهم أبو الفتح بهاء الدين بن رسلان فمهر وأفتى ودرس وناب في الحكم، وكان شكلاً حسناً كثير النفع للطلبة مع التواضع والتودد وهو أول أولاده وفاة، ومنهم جعفر، وكان فقيهاً فاضلاً ديناً متواضعاً، ناب في الحكم وولي قضاء بعض البلاد كسمنود، ومنهم ناصر الدين، كان يحفظ المحرر للرافعي، ناب في الحكم بعد أن كتب في التوقيع مدة، ومنهم شهاب الدين، كان يعرف بالعجمى، ولي قضاء المحلة مدة طويلة. أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عبد القاهر النصيبي ثم الحلبي شرف الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 بن تاج الدين أبي المكارم، سمع على أبي بكر بن العجمى وحدث، وكان من كتاب الإنشاء بحلب حسن الخط، مات وله سبع وسبعون سنة. أبو بكر بن محمد العراقي ثم المصري تقى الدين الحنبلي، كان من فضلاء الحنابلة، مات في جمادى الأولى. الحسن بن أحمد بن عبد الله بن الحافظ الحنبلي، إمام محراب الحنابلة بدمشق، سمع التقى سليمان وغيره وحدث، وكان بارعاً في العلم، مات في أواخر شعبان. ست الخطباء بنت الشيخ تقى الدين السمكي أسمعت من ابن الصواف وعلى ابن القيم، وكانت قد أضرت. عبد الله بن يعقوب بن محمد بن علي بن مفرح البكري المدني، بدر الدين المعروف بابن قبال. ولد بالمدينة سنة أربع عشرة وسبعمائة، وسمع من الجمال المطري ومحمد بن إبراهيم المؤذن، وحدث بالمدينة، سمع منه شيخنا العراقي، وحدث أبو حامد بن ظهيرة عنه في معجمه بالإجازة، ومات بالمدينة في ربيع الأول. عبد الله المصري الشيخ درويش، أحد من كان يعتقد بمصر. مات في رجب. عبد الرحمن بن عبد الله الحيري أبو محمد المقرئ المؤدب، نزيل مكة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 سمع بدمشق من المزى وبمكة من الوادي آشى والزين الطبري وغيرهم وحدث، سمع منه أبو حامد بن ظهيرة، ومات في صفر. عبد الرحمن بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر الصالحي شمس الدين أبو الفرج، ولد في رجب سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من عيسى المغارى والحسن بن علي الخلال والتقى سليمان، وكان عالماً بالفرائض، خطب بالجامع المظفري بالسفح، ومات في مستهل شعبان وله خمس وسبعون سنة. عبيد الله بالتصغير بن محمد بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي شمس الدين أبو محمد، قرأ الروايات وسمع التقى سليمان وطبقته، وكان ينظم، ودرس وأفتى، ومات في جمادى الآخرة، وكانت جنازته حافلة. عثمان بن محمد بن أبي بكر بن حسين الحراني ثم الدمشقي فخر الدين بن المغربل، ويعرف قديماً بابن سينا، ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من القاسم بن مظفر وابن الشيرازي وغيرهما، ثم طلب بنفسه فحصل الكثير وحدث، مات بحلب في حادي عشر ذي القعدة أو ذي الحجة، ذكره ابن رافع وقال: رافقته في السماع، وذكره الذهبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 في المعجم المختص وقال فيه: الفقيه فخر الدين بن القماح المغربل شاب حسن متواضع، تفقه قليلاً وحج كثيراً ودار مع المحدثين. عراق بن عبد الله التركي، أحد الأمراء الكبار بدمشق، عمر طويلاً إلى أن جاز المائة وكان أعفى أخيراً من الخدمة وأعطى خبزاً يقوم بكفايته، يقال إمرة طبلخاناة. علي بن إبراهيم بن حسن بن تميم الحلبي علاء الدين، كاتب السر بحلب، مات بها عن نيف وستين سنة، وكان عزل قبل موته ونكب. عمر بن أرغون بن عبد الله التركي ركن الدين، ولد نائب السلطنة ولد بالقاهرة وأسمع على وزيرة والحجاز والرضي الطبري وغيرهم، وولي نيابة صفد وغزة والكرك وحدث، مات في ذي الحجة. عمر بن إسحاق بن أحمد الغزنزي، سراج الدين الهندي، قاضي الحنفية بالقاهرة، ويقال اسم أبيه إسماعيل والصحيح إسحاق، تفقه على الوجيه الرازي بمدينة دهلي بالهند والسراج الثقفي والركن البدايوني وغيرهم من علماء الهند، وحج فسمع من الشيخ خضر شيخ رباط السدرة عوارف المعارف، وحدث به عنه عن القطب القسطلاني عن مؤلفه، وقدم القاهرة قديماً نحو سنة أربعين، وسمع من أحمد بن منصور الجوهري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 وغيره وظهرت فضائله، ثم ولي قضاء العسكر بعد أن كان ينوب عن الجمال للتركماني ثم عزل، وقرأت بخط القاضي تقى الدين الزبيري: كان عالماً فاضلاً، له وجاهة في كل دولة، وكان أول ما قدم، لازم درس القاضي زين الدين البسطامي وهو قاضي الحنفية في ذلك الوقت، ثم لازم القاضي علاء الدين التركماني فأذن له في العقود والفروض بالحانوت الذي بين القصرين مقابل المدرسة الصالحية، ثم قويت شوكته لما مات علاء الدين وولي ولده جمال الدين، فاستنابه ولم يستنب غيره واستبد بجميع الأمور، ولما مات علاء الدين بن الأطروش محتسب القاهرة كان بيده قضاء العسكر فسأل الهندي شيخو فيه، فامتنع وأعطاه أقطاعاً جيداً، فتوجه الهندي إلى صرغتمش وسأله فيه فولاه، فشق ذلك على شيخو، ثم قتل شيخو فعظمت منزلة الهندي عند صرغتمش وعند السلطان حسن، فلما أمسك صرغتمش عمل الهرماس على الهندي وقال للجمال التركماني: إن السلطان رسم بعزل الهندي فعزله، فتغير خاطره من القاضي وهجره وأقام بمنزله والناس يترددون إليه ويقرؤون عليه ويلازمون دروسه والأخذ عنه، ثم قربه السلطان حسن وصار هو وابن النقاش يلازمانه ويركبان معه في السرحات، ويدخل القاهرة وهما معه ورتب لهما الرواتب العظيمة، فاتفق أن الهرماس حج سنة ستين فتمكن الهندي وابن النقاش من الطعن عليه عند السلطان وأطلعاه على احواله إلى أن تغير عليه وامتحن المجنة المشهورة فتمكن الهندي ثم خمل لما أمسك السلطان مدة يلبغا، ثم لما ولي الأشراف تقدم عند الجاي وغيره وقرر في قضاء الحنفية استقلالاً سنة تسع وستين، ولما مات البسطامي أضيف إليه تدريس جامع ابن طولون، وتكلم في أوقاف الشافعية لما ولي الجاي نظر الأوقاف، فلما حضر مع استعرض الدروس في الجامع الطولوني وبالمدرسة الأشرفية وضيق عليهم، فقام الهندي، فقام الهندي في ذلك قياماً عظيماً وأغلظ له في القول حتى قال: إقطاعك يبلغ ألفي ألف درهم وتستكثر على الفقيه المسكين هذا القدر! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 فقال: أنا آخذ الإقطاع لحفظ بلاد المسلمين، فقال: ومن علمكم الجهاد إلا الفقهاء؟ فسكت وترك كل أحد على حاله. وللهندي شرح المغني والهداية وبديع ابن الساعاتي وتائية بن الفارض. وكان واسع العلم، كثير الإقدام والمهابة، وكان يتعصب للصوفية الاتحادية، وعزر ابن أبي حجلة لكلامه في ابن الفارض، مات في الليلة التي مات فيها البهاء السبكي سابع شهر رجب، وكانت ولايته نحو أربع سنين، وكان يكتب بخطه: مولدي سنة أربع وسبعمائة. عمر بن عثمان بن موسى الجعفري الدمشقي وين الدين، تفقه وبرع ودرس بالجاروخية، وخطب بجامع العقيبة، مات في نصف المحرم راجعاً من الحج رحمه الله. أبو الفتح بن يوسف بن الحسن بن علي الشحري المكي الحنفي، إمام مقام الحنفية بمكة، صحب الشيخ أحمد الأهدل اليمني، وتزهد ودار بمكة وفي عنقه زنبيل. محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن إبراهيم بن سعيد بن حامد الهلالي الإسكندراني المالكي، كمال الدين بن فخر الدين بن كمال الدين بن الربغي، قاضي الإسكندرية وابن قاضيها، ولد بها سنة ثلاث وسبعمائة، وسمع من عبد الرحمن بن مخلوف وغيره، وسمع بمكة من عيسى بن الحجي، سمع منه شيخنا العراقي وهو الذي أرخه. محمد بن أبي بكر بن علي السوقي الصالحي عز الدين، أحد المسندين بدمشق، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 ولد سنة إحدى أو اثنتين وثمانين وستمائة، وسمع من عمر بن القواس معجم ابن جميع ومن إسماعيل بن الفراء بعض سنن ابن ماجة، وحدث وتفرد، وهو أحد من أجاز عاماً: مات بالصالحية في أحد الجمادين من هذه السنة، وأرخه بعضهم في ربيع الأول ولعله أتقن. محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن عبد الخالق، جمال الدين أبو العيث بن تقى الدين بن نور الدين بن الصائغ الدمشقي، سمع من الحجاز وأسماء بنت صصرى وغيرهما، وولي قضاء حمص وغزة، ودرس بالعمادية بدمشق. وأقام عند جده بحلب مدة، وناب في الحكم بسرمين، ومات في ذي الحجة عن نحو الأربعين، وقال ابن حبيب: عن بضع وأربعين، قلت: وهو أخو شيخنا أبي اليسر أحمد. محمد بن فيروز بن كامل بن فيروز الحوارني شمس الدين قاضي القدس، مات به في ربيع الأول، وكان قد ولي قضاء حلب وغيرها. محمد بن محمد بن عبد الله الهاشمي أبو الخير بن فهد المالكي، سمع من الفخر النويري والسراج الدمنهوري وغيرهما، مات في ذي الحجة. محمد بن محمد بن عيسى الأقصرائي الحنفي بدر الدين، قدم دمشق وسمع على المزي وغيره ودرس بالمعزية البرانية بالشرف الأعلى وخطب بها، مات في ذي القعدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 محمد بن محمد بن يعقوب النابلسي ثم الدمشقي، بدر الدين بن الخواسي الحنفي، سمع من عيسى المطعم وأبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وغيرهما، وعني بالعلم، وناب في الحكم، مات في تاسع شهر ربيع الآخر عن ستين سنة وأشهر. محمد بن موسى بن ياسين بن مسعود الحوراني ثم الدمشقي، سمع من الحجار وغيره، وناب في الحكم بدمشق، وولي قضاء القدس، مات في تاسع عشر ربيع الأول بدمشق. محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمد اليحصبي اللوشي بفتح اللام وسكون الواو بعدها شين معجمة الغرناطي سمع علي ابن جعفر ابن الزبير سنن النسائي الكبرى والشفاء والموطإ، سمع على أبي الحسن فضل بن محمد المعافري، وكان عارفاً بالحديث، وضبط مشكله وبالقراءات وطرقها مشاركاً في الفقه وغيره، مات في جمادى الآخرة أخذ عنه شيخنا قاسم بن علي المالكي الذي مات سنة إحدى عشرة وثماني مائة. محمد نظام الدين بن الخوارزمي ثم المصري، مدرس الفقه بالجامع الطولوني، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 ذكره محمد بن عبد الرحمن العثماني قاضي صفد في طبقات الفقهاء فقال: كان من أكابر العلماء الشافعية وعلمائها مات بمصر. يحيى بن عبد الله الرهوني شرف الدين الفقيه المالكي، اصله من المغرب، واشتغل ومهر ودرس بالشيخونية ودرس الحديث في الصرغتمشية وأفتى، وله تخاريج وتصانيف تخرج به المصريون، مات في ثالث شوال، ورثاه ابن الصائغ وأرخه بعضهم سنة أربع وسبعين في ذي القعدة. يحيى بن محمد بن زكريا بن محمد بن يحيى العامري البلدي الحموي بن الخباز الشاعر الزجال تلميذ السراج المحار، تمهر ونظم في الفنون وشارك في الآداب، وقد كتب عنه الصفدي وغيره، وكان يتشيع، مات في ذي الحجة، وقد عمر طويلاً، قال الصفدي: اجتمعت به غير مرة وأنشدني من نظمه، وسألته عن مولده فقال: في سنة سبع وتسعين وستمائة في شهر المحرم بحماة. وكان مشاركاً في الآداب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 سنة أربع وسبعين وسبعمائة فيها اشتد الحر بوادي الأخيضر على الحاج الشامي وهم رجوع، فمات منهم جماعة عطشاً، وكان السبب في ذلك أن أمير الحاج في الذهاب ضرب الموكلين على الفساقي بسبب قلة ما بها من الماء، فلما عاد الحاج لم يجدوا أولئك ملؤا في الفساقي شيئاً أصلاً حقداً منهم على ما صنع بهم وكان في ظن الحاج أنهم يجدون الفساقي ملأ فقدموا ملأى فقدموا معتمدين على ذلك حتى أن بعضهم سقى بقية ما معه من الماء للجمال، ولما وصلوا فلم يجدوا الماء اقتتلوا على البئر فمات منهم خلق كثير من الزحمة ومن العطش، ومات بعد ذلك منهم اكثر ممن قتل بالعطش. وفيها كان الوباء بدمشق فدام قدر ستة أشهر، وبلغ العدد في كل يوم مائتي نفر، وفي ربيع الأول الموافق لتشرين الأول زادت الأنهار بدمشق فسدت أبوابها فانكسر بعضها فانقلب على نهر بردى، فتلف بسبب ذلك شيء كثير وبطلت طواحين كثيرة وحمامات. وفيها ولي صلاح الدين بن عرام نيابة الإسكندرية عوضاً عن شرف الدين موسى الأزكشي، وكانت ولاية الأزكشي في هذه السنة اشهراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وفيها أمر أن لا يزيد عدد الشهود في كل مركز على أربعة وان لا يستنيب أحد من القضاة من غير مذهبه، وذلك من قبل الجاي اليوسفي المتحدث في المملكة. وفيها استقر الجاي أتابك السلطنة، وولي نظر المارستان فاستناب كريم الدين بن الغنام فيه. وفيها ولي اشقتمر المارديني نيابة حلب بعد ايدمر المتوفي في العام الماضي. وفيها استقر يلبغا الناصري شاد الشربخاناة. وفيها وصل قود منجك ناثب الشام، وكان شيئاً كثيراً إلى الغاية وفيه سباع وضبع وأيل وغير ذلك. وفيها أرسل الجاي أخاه طغيتمر الحنسي إلى دمشق لعرض الأجناد بها فحصل أموالاً عظيمة حتى قيل: غن الذي خصه خمسون ألف دينار، وأخذ من ذخائر القلعة أشياء نفيسة، وبالغ في الظلم فاستغاث الناس إلى منحك نائب الشام فكاتب فيه، ثم توجه المذكور إلى جهة حلب ففعل في بقية البلاد أشد مما فعل بدمشق، ولولا تلطف النائب وناظر الجيش بالناس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 لهلكوا معه واستناب الجاي في نظر الأوقاف الشريف بكتمر الذي كان والي القاهرة وصار يحمل إليه المعلوم. وفيها عزل الشريف فخر الدين من نقابة الأشراف بسبب ما أنهاه الشريف بدر الدين حسن النسابة أنه يرتشى ممن ليس بشريف، فيلبسه العلامة الخضراء فعقد له مجلس وعرض الجماعة وحصل للجماعة التعصب، وعزل الشريف وقرر الشريف عاصم نقيباً في تاسع شوال، فباشرها إلى العشرين من ذي الحجة، ثم أعيد فخر الدين. وفيها ولي شهاب الدين احمد بن شرف الدين موسى بن فياض المقدسي الحنبلي الحكم بحلب عوضاً عن أبيه بسؤاله في ذلك. وفيها استقر شمس الدين محمد بن أحمد بن مهاجر كاتب السر بحلب عوضاً عن ابن علان لما مات. وفيها كان الحريق بقلعة الجبل داخل الدور السلطانية، واستمر أياماً ففسد شيء كثير، ويقال إن أصله من صاعقة وقعت. وفيها مات منكلي بغا الشمسي، فرسم السلطان لأجناده أن يمشوا في خدمة ولي العهد أمير علي، هو الذي تولى السلطنة بعده، وفي جمادى الأولى ولي بيدمر نيابة طرابلس. وفيها عقد الجاي مجلساً بالعلماء في إقامة خطبة بالمنصورية، فأفتاه البلقيني وابن الصائغ وآخر بالجواز، وخالفهم الباقون، فانفصل المجلس على ما قاله الجمهور، وصنف البلقيني كتاباً في الجواز، وصنف شيخنا الحافظ العراقي كتاباً في المنع، وقد سبق بالتصنيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 في المنع تقى الدين السبكي فجمع فيه عدة تواليف صغار، وقفت على أربعة منها، ووقفت بعد ذلك على جزء جمعه القاضي برهان الدين بن جماعة في المنع. وفيها استقر ابن الغنام وزيراً وولده عبد الله ناظر البيوت، وكريم الدين بن الرويهب ناظر الدولة، وجمال الدين عبد الرحيم بن الوراق ناظر الخزانة الكبرى، وقرطائ كاشف الوجه القبلي، وأمسك الوزير المنفصل وهو فخر الدين بن تاج الدين موسى. وفيها ضربت عنق بن سويرات بسبب أمور تنافي الشريعة، فحكم البرهان الأخناي بسفك دمه، وكان من أهل الحسينية ظاهر القاهرة. وفيها قدم بعض الشيوخ الزواكرة إلى دمشق ومعه تمر ومرسوم أن يباع ما معه من التمر كل تمرة بدرهم، فشق ذلك على الباعة وأكثروا الشناعة، ذكر ذلك ابن كثير. وفي هذه السنة راسل اللنك شاه ولي صاحب مازندران وهو شاه ولي يستدعيه إلى حضرته فأرسل إليه جماعة من أكابر مملكته منهم إسكندر الجلالي وأرشبوند وإبراهيم القمي فأكرمهم اللنك. وراسل شاه ولي ملوك العراق، فأطعمه أحمد بن أويس صاحب بغداد في نصرهم إن قصده اللنك، وامتنع شاه شجاع من إجابته لكونه هادن اللنك وهاداه قبل ذلك، ورحل اللنك بعساكره طالباً مازندران فنازلها، فلم يثبت شاه ولي في الكفاية فانهزم إلى الري، وكان بها أمير من جهته يقال له محمد جوكار فغدر به وقبض عليه وأرسله إلى اللنك متقرباً إليه به، فأمر بقتله، ودخل جوكار في طاعة اللنك، وغلب اللنك على تلك البلاد كلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 ذكر من مات في سنة أربع وسبعين وسبعمائة من الأعيان إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل الجعفري الدمشقي الحنفي، برع في الفقه وناب في الحكم ودرس، مات في المحرم. إبراهيم بن خليل بن شعبان الصارم، أستاد دار الأتابك اسندمر، مات في ذي القعدة. إبراهيم بن محمد بن عيسى بن مطير بن علي بن عثمان الحكمي اليمنى، كان عالماً صالحاً عارفاً بالفقه، درس وأفتى وحدث عن أبيه. وكان مقيماً بأبيات حسين من سواحل اليمن، وكان يلقب ضياء الدين، سمع من والده ومن محمد بن عثمان بن هاشم الحجري وغيرهما، حفظ وحدث. أحمد بن رجب بن الحسن بن محمد بن مسعود السلامي البغدادي نزيل دمشق، والد الحافظ زين الدين بن رجب، ولد ببغداد ونشأ بها، وقرأ بالراويات وسمع من مشايخها، ورحل إلى دمشق بأولاده فأسمعهم بها وبالحجاز والقدس، وجلس للإقراء بدمشق وانتفع به، وكان ذا خير ودين وعفاف، ومات في هذه السنة أو التي قبلها. أحمد بن عبد الله العباسي ثم المصري الحنبلي، سبط أبي الحرم القلانسي، مات في جمادى الأولى، وهو منسوب إلى العباسية من قرى الشرقية. أحمد بن عبد الوارث البكري، الفقيه الشافعي، شهاب الدين، وهو والد الشيخ نور الدين الذي ولي الحسبة وأخو صاحبنا عبد الوارث المالكي وجد صاحبنا نجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الدين عبد الرحمن، مات في شهر رمضان. قال لي شيخنا ابن القطان: كان عارفاً بالفقه والأصل والعربية منصفاً في البحث، ولي تدريس مدرسة اطفيح، واعتزل الناس في آخر عمره. أحمد ابن محمد بن جمعة بن أبي بكر بن إسماعيل بن حسن الأنصاري الحلبي شهاب الدين أبو العباس الشافعي، ويقال له ابن الحنبلي، سمع من التاج النصيبي جزء محمد بن الفرج الأزرقي، وأفتى وحدث وناب في الحكم، مات في ذي الحجة عن نحو من سبع وسبعين سنة، فإن مولده في ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين. أحمد بن محمد بن علي بن سعيد الدمشقي، صدر الدين أبو طاهر بن بهاء الدين ابن إمام المشهد، ولد سنة اربع وثلاثين أو بعد ذلك، وأحضر على زينب بنت الكمال وأحمد بن علي الجزري، وسمع من أصحاب الفخر فأكثر وبرع في الطلب، وكتب الطباق بخطه الحسن، ووقع على القضاة، ومات في ثامن شعبان. أحمد بن محمد بن محمد بن المسلم بن علان القيسي الدمشقي، شهاب الدين، كاتب السر بحلب، باشرها سنة واحدة، ومات وله نيف وخمسون سنة. ارغون ططر بن عبد الله التركي، كان من مماليك حسن، وتقدم في دولة يلبغا، ثم ولي رأس نوبة ثم قبض بعد كائنة يلبغا سنة ثمان وستين وحبس بالإسكندرية ثم أفرج عنه، وولي إمرة حماة واستقر بها غلى أن مات في أوائل هذه السنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن ضوء بن درع البصروي ثم الدمشقي، الفقيه الشافعي الحافظ عماد الدين ابن الخطيب شهاب الدين، ولد سنة سبعمائة، وقدم دمشق وله نحو سبع سنين سنة ست وسبعمائة مع أخيه بعد موت أبيه وحفظ التنبيه، وعرضه سنة ثماني عشرة، وحفظ مختصر ابن الحاجب، وتفقه بالبرهان الفزاري والكمال ابن قاضي شهبة، ثم صاهر المزي، وصحب ابن تيمية، وقرأ في الأصول على الأصبهاني، وألف في صغره أحكام التنبيه، فيقال إن شيخه البرهان أعجبه وأثنى عليه، واتفق قدوم ابن جماعة في الرحلة بولده عمر سنة عشر إلى دمشق، فاستقدمه معه وانتفع به في تخريج أحاديث الرافعي، ورأيت نسخة من تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب لم يبيضها بخط تقي الدين ابن رافع، وكان كثير الاستحضار قليل النسيان جيد الفهم، وكان يشارك في العربية ويستحضر التنبيه ويكرر عليه إلى آخر وقت وينظم نظماً وسطاص، قال ابن حجى: ما اجتمعت به قط إلا استفدت منه، وقد لازمته ست سنين. وقد ذكره الذهبي في معجمه المختص فقال: الإمام المحدث المفتي البارع، ووصفه بحفظ المتون وكثرة الاستحضار جماعة منهم الحسيني وشيخنا العراقي وغيرهما، وسمع من الحجار والقاسم بن عساكر وغيرهما، ولازم الحافظ المزي وتزوج بابنته، وسمع عليه أكثر تصانيفه، وأخذ عن الشيخ تقي الدين ابن تيمية فأكثر عنه، وصنف التصانيف الكثيرة في التفسير والتاريخ والأحكام. وقال ابن حبيب فيه: إمام ذوي التسبيح والتهليل، وزعيم أرباب التأويل، سمع وجمع وصنف، وأطرب الأسماع بقوله وشنف، وحدث وأفاد، وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد، واشتهر بالضبط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 والتحرير، وانتهت إليه رئاسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير. مات بدمشق في خامس عشر شعبان، وقد أجاز لمن أدرك حياته، وهو القائل: تمر بنا الأيام تترى وإنما ... نساق إلى الآجال والعين تنظر. فلا عائد ذاك الشباب الذي مضى ... ولا زائل هذا المشيب المكدر. قلت: ولو كان قال: فلا عائد صفو الشاب إلى آخره، لكان أمتع. ولما رتب الحافظ شمس الدين بن المحب المعروف بالصامت مسند أحمد على ترتيب حروف المعجم حتى في التابعين المكثرين عن الصحابة أعجب ابن كثير فاستحسنه، ورأيت النسخة بدمشق بخط ولده عمر فألحق ابن كثير ما استحسنه في الهوامش من الكتب الستة ومسندي أبي يعلى والبزار ومعجمي الطبراني ما ليس في المسند، وسمى الكتاب جامع المسانيد والسنن وكتبت منه عدة نسخ نسبت إليه وهو الآن في أوقاف المدرسة المحمودية، المتن ترتيب ابن المحب والإلحاقات بخط ابن كثير في الهوامش والعصافير، وقد كنت رأيت منه نسخة بيضها عمر بن العماد بن كثير مما في المتن والإلحاق، وكتب عليه الاسم المذكور. إسماعيل بن محمد بن نصر الله بن يحيى بن دعجان بن خلف العدوي، فخر الدين ابن عمر محيي الدين بن فضل الله كاتب السر، سمع من البنديجي مشيخته وحدث، ومات في المحرم وله سبع وسبعون سنة، لأن مولده سنة سبع وتسعين وستمائة، ولو سمع على قدر سنة لأدرك إسناداً عالياً. أبو بكر بن محمد بن يعقوب الشقاني المعروف بابن أبي حربة، كان فقيهاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 عارفاً فاضلاً زاهداً صاحب كرامات شهيرة بلاده، وهو من شقان بضم المعجمة وتشديد القاف وآخره نون من السواحل بين جدة وحلى. بهادر قلقاس. وكيل السلطان بدمشق، كان من أكابر الظلمة ففرح الناس بموته. بركة خاتون بنت عبد الله المولدة، والدة الملك الأشرف، تزوجت الجائي في سلطنة ولدها، وماتت في عصكته في ذي القعدة، ولها مدرسة بالتبانة، وكان الأشرف كثير البر لها بحيث أنه أعادها مراراً حتى بالروضة مقابل مصر، وماتت في ذي القعدة، فأراد الأشراف أن يزوج الجاي ابنته، فقيل: لا تحل له، فجمع القضاة فأفنوه بالمنع لأن بنت الربيب ربيبة، فعوضه عنها بسرية له وكان يحبها اسمها بستان فأعتقها وزوجها له، ثم وقع بينهما منافرة بسبب تركة أم الأشراف التي ماتت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 الحسن بن عبد العزيز بن عبد الكريم بن أبي طالب بن علي بن سيدهم اللخمي التستراويني ثم المصري، أبو محمد بدر الدين، كان جواداً وافر المروءة كثير المكارم محباً في الصالحين، باشر ديوان طبيغا الطويل ودخل معه حلب لما وليها ثم رجع، وكان قد سمع من الحجار وعبد الرحمن بن مخلوف بن جماعة ومحمد بن عبد الحميد الهمداني والجلال بن السلام وجماعة، ولازم سماع الحديث من المتأخرين، وحدث بكتاب المدخل لابن الحاج بسماعه منه، وكتب عدة أجزاء بخطه، وهو عم صهري كريم الدين عبد الكريم بن أحمد بن عبد العزيز، مات في العشرين من جمادى الأولى. وكان قد ركبه الدين الكثير وهو لا يترك طريقته في العطايا والجود فاتفق أن ماتت زوجته وتركت مالاً جزيلاً فمات عقبها فوفى دينه قريبه المذكور بموجوده ولم يأخذ من ميراثه شيئاً بل جاء حقه بحقه، وكذا اتفق لقريبه المذكور لكن على غير هذه الكيفية كما سأذكره إن شاء الله تعالى في ترجمته سنة سبع وثماني مائة. قال الحافظ أبو المعالي ابن عشائر: حدث بحلب بالمائة المنتقاة من الصحيح لابن تيمية بسماعه من الحجار ووزيرة ولم يتحقق لنا سماعه لذلك ولكن قرؤوا عليه بأخباره والمحقق سماعه للحدث الفاصل من ابن مخلوف والمتوكل من ابن الصواف وكلاهما بالإسكندرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 سليمان بن محمد بن حميد بن محاسن الحلبي ثم النيربي الصابوني ولد سنة إحدى وسبعمائة بمصر، وأحضر على الحافظ الدمياطي في الرابعة السيرة النبوية واليقين لابن أبي الدنيا، وحدث عن ست الوزراء والحجار، فقرات بخط محمد بن يحيى بن سعيد في شيوخ حلب سنة ثمان وأربعين أن ذلك لم يكن صحيحاً وإنما له منهما إجازة. قلت: وذكره ابن رافع في معجمه، وكنيته أبو قمر وكانت وفاه بالنيرب في شهر رمضان، سمع منه البرهان محدث حلب. سنقر بن عبد الله الواسطي، ويقال له عبد الله، كان مولى الحسين الواسطي، سمع من المزي ويحيى بن إسحاق الشيباني قاضي زرع من سنن الدارقطني وحدث، وكان كثير الصدقة والتودد مواظباً على الجماعة، مات في ربيع الآخر. طاهر بن أبي بكر بن محمد بن محمود بن سعيد التبريزي ثم الدمشقي، الخواجا نجم الدين، سمع من الحجار والمزي والجزري وغيرهم، وكان يكفن الموتى من ماله ثم افتقر ونزل صوفيا بالسميساطية، ومات في أواخر صفر وقد جاوز الثمانين بأربع سنين لأن مولده كان سنة أربعين وستمائة. قال ابن كثير: كان من أحاسن الناس وفيه حشمة ورئاسة وإحسان، وكان قد حظي عند تنكز وولاه أنظاراً كباراً ووظائف، وهو الذي كفن المزي من ماله. عبد الله بن عمر بن سليمان المصري، المعروف بالسبطين، وأصله مغربي، كان مقيماً بالجامع الأزهر، وللناس فيه اعتقاد، وهو والد صاحبنا شهاب الدين أحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 عبد الرحمن بن الحضر بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يوسف بن عثمان السخاوي ثم الحلبي الأديب زين الدين أبو محمد، كاتب الدرج بحلب، أناف على الخمسين، ومن نظمه: حمام الأراك أراك الهوى ... شجونا غدوت لها مستكينا. فولا النوى ما عرفت النواح ... ولولا الشجاما ما ألفت الشجونا. أثنى عليه ابن حبيب. عبد العزيز بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق، أبو فارس المريني بن أبي الحسن بن أبي سعيد بن أبي يحيى البربري صاحب فاس، لما مات أبوه أبو الحسن اعتقل هو غلى أن غلب الوزير عمر بن عبد الله بن علي على أمر المملكة. ونصب تاشفين بن أبي الحسن أخا عبد العزيز هذا في السلطنة، وذلك في سابع عشر ذي القعدة سنة اثنتين وستين، وقاتل أبا سالم إبراهيم بن أبي الحسن إلى أن قتل، فثار محمد بن أبي عبد الرحمن بن أبي الحسن في صفر من سنة ثلاث وستين، فكانت له حروب آلت إلى خروجه إلى مصر فحج ورجع فمات، فقام أخوه عبد الرحمن بسجلماسه فسجن، وقام أبو الفضل بن أبي سالم بمراكش، وقام عبد الرحمن ابن أبي علي مبادلاً فحاربهم الوزير المذكور ثم توهم من أبي زيان فقتله في المحرم سنة ثمان وستين، وبايع عبد العزيز فأخرجه من الاعتقال وسلطنه ورحل به من فاس في شعبان منها فنازل مراكش فوقع الصلح بينه وبين أبي الفضل ومن معه رجعوا إلى فاس، فشق على أبي فارس استبداد الوزير وساء ما بينهما فهم الوزير بخلعه ولإقامة أخيه عمر فبادر وقتله بغتة واستولى على أمواله وتتبع أهله وحشمه فقتل بعضاً وأسر بعضاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وتوجه من فاس إلى مراكش فنازل أبا الفضل حتى قتله ثم حارب عامر بن محمد المتغلب بفاس حتى هزمه ثم ظفر به فقتله وقتل تاشفين في سنة إحدى وسبعين، ثم ملك تلمسان في يوم عاشوراء سنة اثنتين وسبعين، واستوسق له ملك المغرب الأوسط وثبت قدمه ودفع الثوار والخوارج واستمال العرب، ولم يزل إلى أن طرقه ما لابد منه، فمات بمعسكره من تلمسان في شهر ربيع الآخر، واستقر في السلطنة بعده ولده السعيد محمد ثم خلع سنة ست وسبعين، واستقر السلطان أبو العباس بن أبي سالم. عثمان بن محمدب ن عيسى بن علي بن وهب القشيري فخر الدين بن دقيق العيد المصري، سمع من عم أبيه تاج الدين أحمد بن علي الأول من مشيخة ابن الممتري وناب في الحكم ونظر في الأوقاف ودرس بجامع آق سنقر والمسرورية والنابلسية، وكان مزجي البضاعة، مات في شهر ربيع الأول. علي بن إبراهيم بن سعد الأنصاري، أبو الحسن بن معاذ، كان يذكر أنه من ذرية سعد بن معاذ الأوسي، وكان فاضلاً مشاركاً في عدة علوم، متظاهراً بمذهب أهل الظاهر يناضل عنه ويجادل مع شدة بأس وقوة جنان ومعاشرة لأهل الدولة خصوصاً القبط، وكتب بخطه شيئاً كثيراً خصوصاً من كتب الكيمياء، وقد سمع من ابن سيد الناس ولازمه مدة طويلة، وسمع منه البرهان محدث حلب، ومات بمصر في رابع شوال. أخذ عنه الشيخ أحمد القصير مذهب الظاهر وكان يذكر لنا عنه فوائد ونوادر وعجائب والله يسامحه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 علي بن الحسن بن خميس البابي الحلبي الشافعي، عني بالعلم وأفتى وانتفع الناس به، ودرس بالسيفية، مات في صفر. عمر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن عبد الله الكناني الصالحي، المعروف بابن النقبي، سمع من عمر بن القواس معجم ابن جميع وجزء ابن عبد الصمد وغير ذلك وتفرد بذلك، مات في ذي القعدة عن نيف وثمانين سنة. فاطمة بنت نصر الله بن أبي محمد بن محمد السلامي، قرابة بن نافع، ولدت تقريباً سنة عشر، وأسمعت على الواني، وكانت خيرة دينة، ماتت في صفر سنة مات قريبها. محمد بن أحمد بن إبراهيم الديباجي المعروف ب المنفلوطي، الشيخ ولي الدين الملوي الشافعي، سمع من الحجار وأسماء بنت صصرى وغيرهما بدمشق، ثم تجرد إلى الروم وأخذ عن جماعة من علمائها، ثم رجع إلى دمشق وقدم القاهرة مراراً، ثم استوطنها ودرس بالمنصورية والسلطانية حسن وغيرهما، وكان فاضلاً متواضعاً جداً، قليل التكلف، إذا لم يجد ما يركب مشى، كثير الإنصاف ولو على نفسه، خبيراً بدينه ودنياه، عارفاً بالتفسير والفقه والأصلين والتصوف، صنف عدة تواليف صغار، فيها مشكلات من تصوف الاتحادية. وكان ابن عقيل قد ولي درس مدرسة حسن قبل موت السلطان، فلما قتل أراد يلبغا هدم المدرسة ومنع ابن عقيل من تدريسها وولاها الشيخ ولي الدين، فغضب ابن عقيل وهجر ولي الدين، ثم استرضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 يلبغا ابن عقيل بالخشابية واستمر التراضي بينهما، وحدث باليسير. قال ابن حجى: كان يحفظ تنجيز التعجيز وسمع في صباه من الحجار وأسماء بنت صصرى. وكان من ألطف الناس وأظفرهم شكلاً، ويرقص في السماع، ويجيد التدريس، وله توليف بديعة الترتيب، وكان يصغر عمته ويتصوف، مات في شهر ربيع الأول عن بضع وستين سنة، وكان الجمع في جنازته حافلاً متوفراً يقال بلغوا ثلاثين ألفاً. قال العثماني الصفدي: رايته شاباً في حلقة النور الأردبيلي حسن الملبوس مشرق الهيئة ثم رأيته بالقدس بعد ثلاثين سنة وعليه دنسة وبيده عكاز وقد نحف جسمه، قال: وتوجه غلى مصر مجرداً فزار الشافعي فحضر الدرس بجانب القبة فعرفه المدرس وأكرمه وأجلسه معه، ثم سأله أن يدرس فدرس في الموضع الذي كانوا فيه اتفاقاً مما عظم به قدره. ويقال إنه قال عند موته: حضرت ملائكة ربي وبشروني وأحضروا لي ثياباً من الجنة فانزعوا عني ثيابي! فنزعوها، فقال: أرحمتموني. ثم زاد سروره ومات في الحال. محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الصمد بن مرجان الصالحي المقرئ الحنبلي، سمع من القاضي سليمان وعيسى بن المطعم ويحيى بن سعيد وغيرهم وحدث، مات في شعبان عن سبعين سنة. محمد بن رافع بن أبي محمد بن شافع بن محمد بن سلام السلامي، الحافظ تقي الدين الصميدي نسبة إلى قرية من قرى دمشق المصري المولد والمنشأ ثم الدمشقي، ولد سنة أربع وسبعمائة، وسمع بإفادة أبيه من علي بن القيم والحسن سبط زيادة نحوهما، وأجاز له الدمياطي، ثم ارتحل به وأبوه إلى الشام سنة أربع عشرة، وأسمعه من التقى سليمان وأبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وعيسى المطعم وإسماعيل بن مكتوم وست الوزراء، ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 طلب بنفسه بعد العشرين، وتخرج بالقطب الحلبي وأبي الفتح اليعمري، ورحل سنة ثلاث وعشرين إلى دمشق أيضاً، فسمع من القاسم بن عساكر وأبي نصير بن الشيرازي وابن الشحنة، ولازم المزي والبرزالي والذهبي مدة ثم رجع، ثم عاد صحبة القاضي تقى الدين السبكي سنة تسع وثلاثين، وولي درس الحديث بالنورية بعد الذهبي سنة ثمان وعشرين، وخرج لنفسه معجماً حافلاً في أربع مجلدات، وجمع الوفيات التي ذيل بها على البرزالي، وجمع الذيل على تاريخ ابن النجار لبغداد، وكان ذر صلاح وورع ومعرفة بالفن فائقاً، وكان الشيخ تقي الدين السبكي يرجحه على العماد ابن كثير. قال ابن حبيب: إمام مقدام في علم الحديث ودرايته، ومميز بمعرفة أسماء ذوي إسناده وروايته، ورحل وطلب، وسمع بمصر ودمشق وحلب، وأضرم نار التحصيل واجج، وقرأ وكتب وانتقى وخرج، وعني بما روى عن سيد البشر، وجمع معجمه الذي يزيد على ألفي نفر، وكان لا يعنى بملبس ولا مأكل، ولا يدخل فيما أبهم عليه من أمر الدنيا إذا أشكل، ويختصر في الاجتماع بالناس، وعنده في طهارة ثوبه وبدنه أي وسواس، سكن دمشق وباشر التدريس في الحديث بالنورية وغيرها، ومات بها في شهر جمادى الأولى عن سبعين سنة، وكان أبوه من المحدثين فأحضر ابنة هذا على الشيخ علي بن هارون وابن الصواف وغيرهما وأسمعه من جماعة، ثم حبب إليه الطلب، فرحل به إلى دمشق وحلب، فأسمعه من جماعة، واستجار له أبوه من الدمياطي وغيره، وقرأ أبوه تهذيب الكمال على المزي فسمعه معه، وسمع من التقي سليمان وطبقته ومن بعدهم، ثم رجع إلى القاهرة فتخرج بالقطب والفتح، ثم قدم دمشق صحبة السبكي لما قدم قاضياً، وانتقى له الذهبي جزءاً من عواليه، وحدث قديماً. ذكره الذهبي في المعجم المختص وقال فيه: المتقن الرحال، رحل به أبوه فسمعه تهذيب الكمال على مؤلفه، ثم مات والده فحبب إليه هذا الشأن، ورحل مراراً منها في سنة تسع وعشرين إلى حلب وحماة وسمع بها وبغيرها. وقال أيضاً: قدم دمشق مراراً وآخرها سنة تسع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وثلاثين فاستوطنها، وحصل وظائف. وذكره في المعجم الكبير أيضاً وأنشد عنه شرعاً أنه أنشده إياه عن الذهبي نفسه فحدث عن واحد عن نفسه بشيء من شعره، ولما توفي المزي أعطاه السبكي مشيخة الحديث النورية وقدمه على ابن كثير وغيره، ولما شغرت الفاضلية عن الذهبي قدمه على من سواه من المحدثين، وذكر لي شيخنا العراقي أن السبكي كان يقدمه لمعرفته بالأجزاء وعنايته بالرحلة والطلب. قلت: والإنصاف أن ابن رافع أقرب إلى وصف الحفظ على طريقة أهل الحديث من ابن كثير لعنايته بالعوالي والأجزاء والوفيات والمسموعات دون ابن كثير، وابن كثير أقرب إلى الوصف بالحفظ على طريقة الفقهاء لمعرفته بالمتون الفقيهة والتفسيرية دون ابن رافع، فيجمع منهما حافظ كامل، وقل من جمعهما بعد أهل العصر الأول كابن خزيمة والطحاوي وابن حبان والبيهقي، وفي المتأخرين شيخنا العراقي. وكان ابن رافع كثير الإتقان لما يكتبه والتحرير والضبط لما يصنفه، وابتلي بالوسواس في الطهارة حتى انحل بدنه وأفسد ذهنه وثيابه وتأسف هو على ذلك، ولم يزل مبتلي به حتى مات. قال ابن حجى: كان يحفظ المنهاج والألفية ويكرر عليهما إلى أن مات. محمد بن عبد الله الصوفي الكازروني الشيخ بهاء الدين، قدم مصر فصحب الشيخ أحمد الحريري صاحب الشيخ ياقوت تلميذ أبي العباس المرسي وانقطع بعده في المشتهى من الروضة، وكان الناس يترددون إليه ويعتقدونه وكان الشيخ أكمل الدين كثير التعظيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 له، وكان أعجوبة في جذب الناس إليه وإقامتهم عنده وانقطاعهم عن أهلهم خصوصاً المرد فإنه كان لا يحضر عنده أحد منهم ثم يستطيع أحد من أهله أن يستعيده، وممن اتفق له معه ذلك من أصحابنا الشيخ بدر الدين محمد بن إبراهيم البشتكي الشاعر المشهور فيما أخبرني به، وكان يكثر الثناء عليه، وذكر لي أنه نسخ له شيئاً كثيراً خصوصاً من تصانيف محيي الدين ابن العربي، وكان منقطعاً إليه إلى أن مات. واتفق من العجائب ما حكاه لي الشيخ نجم الدين البالسي أنه لما مات حضر جنازته في جملة خلق كثير فهو في أثناء دفنه وإذا باللاحد قد خرج من القبر أمرد جميل الصورة إلى الغاية فاشتغل الناس أو غالبهم بالنظر إليه وقضوا العجب من استمرار ملازمة هذا الجنس للشيخ حتى حين دفنه، ومات في ذي الحجة، أرخه ابن دقماق ليلة الأحد خامس ذي القعدة. محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن السراج الزبيدي الحنفي، أحد الفضلاء، يكنى أبا يزيد، مات عن ثلاث وخمسين سنة. محمد بن عبد الكريم بن محمد بن صالح بن هاشم الحلبي، ظهير الدين أبو محمد بن العجمي، سمع صحيح البخاري وسنن ابن ماجه والبعث لابن أبي داود من سنقر الزيني، وسمع مشيخة ابن شاذان من بيبرس العديمي، وسمع من غيرهما وحدث، مات في خامس عشر المحرم عن ثمانين سنة، لأن مولده كان سنة أربع وتسعين وستمائة، سمع منه شيخنا العراقي وأرخه، وسمع منه أيضاً ابن عساكر وأبو إسحاق سبط بن العجمي وهو أقدم شيخ له، والبرهان آخر من روى عنه وآخرون، وطلب بنفسه، كتب الطباق والأجزاء ونسخ كثيراً من الكتب بالأجرة، وكان يسترزق من الشهادة، فإذا طلب منه الإسماع طلب الأجرة لما يفوته من الشهادة بقدر ما يكفيه من القوت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 محمد بن عثمان بن موسى بن علي بن الأقرب الحلبي الحنفي، شمس الدين بن فخر الدين، كان فاضلاً متواضعاً، درس بالأتابكية والقليجية، مات في سنة نيف وستين ذكره ابن حبيب. قال ابن كثير: كان من أحاسن الناس، وفيه حشمة ورئاسة وإحسان. وأخوه شهاب الدين أحمد كان فاضلاً، رحل إلى مصر واشتغل بها ومهر في المعقول، وولي قضاء عينتاب، وأخوهما علاء الدين تلذ للقوام الأبزاري ومهر في الفتوى. محمد بن علي بن أحمد السمرقندي بن العطار، نزيل دمشق، كان زاهداًُ عابداً ديناً عالماً ملازماً للعلم والعمل، أثنى عليه ابن كثير ووصفه بالجمع بين العلم والعبادة، وكان يؤثر على نفسه حتى بقميصه ويغضب في إزالة المنكر لله، وكان حسن الفهم للعلم على عجمة فيه، وكان يعظ على كرسي، وتحصل له حال في تلك الحالة. محمد بن علي بن إسماعيل الزواري، سمع الصحيح من وزيرة والحجار وحدث به، مات في أوائل السنة عن خمس وسبعين قتيلاً. محمد بن عوض بن عبد الخالق بن عبد المنعم البكري الفقيه، ناصر الدين الشافعي، ولد سنة سبعمائة، واشتغل كثيراً، وولي تدريس الفيوم مدة طويلة، وكان عارفاً بالأصلين والفقه والعربية والهيئة، وصنف تصانيف مفيدة، وهو والد صاحبنا نور الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 البكري المعروف بابن قييلة، مات بدهروط في شهر رمضان وهو يصلي الصبح. ورأيت بخط ابن القطان وأخبرنيه إجازة قال: سمعت الشيخ يحيى الجزولي المالكي يقول سمعت الشيخ شهاب الدين بن عبد الوارث البكري يقول: كان بيني وبين الشيخ ناصر الدين وقفة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: اصطلح مع محمد البكري، فسافرت في البر واصطلحت معه قلت: واتفق أن ماتا في شهر واحد. محمد بن محمد بن أحمد بن الصفي الدمشقي، ناصر الدين بن العتال الحنفي الحاسب، كانت لأبيه رواية عن الحافظ الضياء، ونشأ هو في طلب العلم فسمع الحديث، وتمهر في الفقه واشتغل، وبرع في الحساب، وأتقن المساحة إلى أن صار إليه المنتهى في ذلك والمرجع إليه عند الاختلاف، ولم يكن في دمشق من يدانيه في ذلك، وكان يقصد للاشتغال عليه فيه، ثم إنه ترك ذلك بأخرة وأقبل على التلاوة، وكان مأذوناً له بالإفتاء، ولوالده رواية عن الحافظ الضياء، ومات هو سنة أربع وسبعين، ومن شعره وهو نازل: حديثك لي أخلى من المن والسلوى ... وذكرك شغلي في السريرة والنجوى. سلبت فؤادي بالتمني وإنني ... صبرت لما ألقى وإن زادت البلوى. محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان، شمس الدين الموصلي، نزيل دمشق، ولد على رأس القرن، وكتب بخطه سنة تسع وتسعين، وكتب الخط المنسوب، ونظم الشعر فأجاد، وكان أكثر مقامه بطرابلس ثم قدم دمشق وولي خطابة جامع يلبغا يسيراً وتصدر بالجامع الأموي. قال العثماني صاحب تاريخ صفد: رافقته إلى دمشق سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وكان لما استقر بدمشق حصل وظائف فعوند فيها فقنع بما تيسر، وصار يتجر في الكتب فحلف تركة هائلة تبلغ ثلاثة آلاف دينار، وشرح نظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 المطالع في مجلدة كبيرة اختصرها من المطالع وحررها، وأرخه في سنة ثلاث وسبعين فوهم. وقال فيه ابن حبيب: عالم علت رتبته الشهيرة، وبارع ظهرت في أفق المعارف شمسه المنيرة، وبليغ يثني على قلمه ألسنة الأدب، وخطيب تهتز لفصاحته أعواد المنابر من الطرب، كان ذا فضيلة مخطوبة، وكتابة منسوبة، وخبرة بالفنون الأدبية، ومعرفة بالفقه واللغة العربية، وله نظم المنهاج ونظم المطالع وعدة من القصائد النبوية، وهو القائل في الذهبي لما اجتمع به: ما زلت بالطبع أهواكم وما ذكرت ... صفاتكم قط إلا همت من طربي. ولا عجيب إذا ما ملت نحوكم ... فالناس بالطبع قد مالوا إلى الذهب. ورأيت بخطه نسخة في مجلدة واحدة من صحيح البخاري في غاية الحسن، وتصدر بالجامع الأموي، وولي تدريس الفاضلية بعد ابن كثير، وكان التاج السبكي أسكنه بدار الحديث الأشرفية فاستمر ساكناص بها إلى أن مات. محمد بن محمد بن الشهاب محمود الحلبي، بدر الدين بن شمس الدين، ناظر الجيش والأوقاف بحلب، سمع على الحجار ومحمد بن أبي بكر بن النحاس وغيرهما وحدث، وولي عدة وظائف، مات وله خمس وسبعون سنة. أخذ عنه شيخنا العراقي وغيره، وكان جواداً مفضالاً ممدحاً. محمد بن محمد الزفتاوي، ناصر الدين المؤذن، يلقب بساسب، كان عارفاً بالميقات، وباشر الرئاسة في ذلك بالجامع الأزهر وبجامع القلعة، واتصل بالأشراف شعبان وحظي عنده، ومات في شهر رجب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 محمد بن أبي محمد أبو عبد الله الطوسي شمس الدين، سمع القاسم بن عساكر وغيره وحدث بدمشق. محمد بن يوسف بن صالح الدمشقي المالكي، شمس الدين القفصي، سمع من الشيخ شرف الدين البارزي قاضي حماة وغيره، وولي مشيخة الحديث السامرية، وناب في الحكم، مات في ربيع الأول عن ثلاث وسبعين سنة لأن مولده كان سنة إحدى وسبعمائة، وله نظم. مرجان بن عبد الله الخادم، نائب السلطنة ببغداد لأويس، وكان قد تغلب عليها فقصده أويس من تبريز ثم حضر إليه فعفا عنه وذلك في سنة سبع وستين، واستمر نائباً ببغداد إلى هذه الغاية. وكان شهماً شجاعاً، كانت الطرقات قد فسدت بسبب عزله، فلما أعيد أصلحها. منكلي بغا بن عبد الله الشمسي، اتابك العساكر بعد قتل اسندمر، وكان قبل ذلك نائب السلطنة بمصر، وولي إمرة دمشق وحلب وصفد وطرابلس في أوقات، وتزوج بنت الملك الناصر ثم بنت ابنه حسين أخت الملك الأشرف، وكان مشكور السيرة. قال ابن كثير: آثر بدمشق آثار حسنة واحبه أهلها، وهو الذي فتح باب كيسان وكان له من عهد نور الدين الشهيد لم يفتح، وجدد خطبة في مسجد الشهر زوري. قلت: وبنى بحلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 جامعاً أيضاً، وعمر الخان عند جسر المجامع والخان بقرية سعسع، وهو والد خوند زوج الملك الظاهر برقوق. يحيى بن الرهوني المالكي، تقدم في السنة الماضية. يعقوب بن عبد الرحمن بن عثمان بن يعقوب، شرف الدين بن خطيب القلعة الحموي، ولد سنة وأخذ عن ابن جوبر وغيره، ومهر في الفقه والعربية والقراءات إلى أن انتهت إليه رئاسة العلم ببلده، وأخذ عنه أكثر فضلائها، وآخر من بقي ممن أخذ عنه موقع الحكم بحماة شرف الدين بن المغيزل، لقيته في سنة ست وثلاثين وثماني مائة بها، وذكر لي أنه قرأ عليه وأجازه، وذكره ابن حبيب في تاريخه وأثنى عليه وقال: انتهت إليه مشيخة بلده، واشتهر بالعلم والدين والصلاح، وكان خطيباً بليغاً وواعظاً مذكراً، مات في شهر، وأرخه العثماني قاضي صفد في المحرم سنة خمس، فكأنه ببلوغ الخبر له. يوسف بن محمد بن يوسف بن أحمد بن يحيى بن محمد بن علي القرشي الدمشقي، بهاء الدين أبو المحاسن ابن الزكي، أجاز له في سنة خمس وتسعين أبو الفضل بن عساكر والعقيمي والعز الفراء وآخرون، وأجاز له الرشيد بن أبي القسم وابن وزيرة وابن الطبال وغيرهم من بغداد، عني بالفقه والحساب، وكان يحفظ التنبه، وولي وقف درس وقف درس الكلاسة وباشر نظر الأسرى، مات في ربيع الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 سنة خمس وسبعين وسبعمائة فيها في المحرم قتل الجاي اليوسفي، وكان قدتنافر هو والسلطان الأشرف بسبب منازعة وقعت بينهما في تركة والدة السلطان، فركب الجاي واقتتل مع مماليك السلطان بسوق الخيل فكسروه، فانهزم إلى بركة الحبش ثم رجع من وراء الجبل الأحمر إلى قبة النصر، فهرب جماعة من أصحابه إلى السلطان وخامر اينبك عليه، ثم ثار له العسكر السلطاني فهرب فساقوا خلفه إلى الخرقانية من أعمال قيلوب، فرمى بنفسه في بحر النيل فغرق، ثم اطلع من بحر النيل ودفن في ترتبه، وكان أول أمره حاجباً في أول حاجباً في أول دولة يلبغا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 ثم استقر خزندارا، ثم حبس في أيام اسندمر، ثم أفرج عنه بعد قتل اسندمر واستقر أمير سلاح، وتزوج أم السلطان وعلت كلمته إلى أن صار هو الحاكم في الدولة كلها، وكان تام الشكل حسن التودد إلى العوام مع هوج فيه أداه إلى أن ركب على العامة بالسيف في سنة سبعين، فلولا أنه كان في آخر النهار لأفنى منهم خلقاً كثيراً، وذكر بعض خواصه أنه كان يتصدق في كل يوم اثنين وخمسين بألف درهم دائماً، وكان استقراره في الأتابكية بعد منكلي بغا، فلم تطل أيامه في ذلك وقبض على جماعة من حواشيه، فقيل إن سبب مخامرته أنه كان يبيت عند السلطان ليلة الموكب فجاءه من أخبره أن السلطان يريد القبض عليه فتأخر وأرسل أحضر ثياب مبيته، فأرسل له السلطان يعاتبه فاعتذر، ثم شرع في تفرقة السلاح على أتباعه، فبلغ السلطان فأمر الأمراء بالاجتماع عنده، فلما كان في السابع من المحرم ركب الجاي ممن معه إلى الرميلة والتقى مع أطلاب الأمراء ومماليك السلطان، فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى قيل أنهم التقوا أحد عشر وجهاً وقتل جماعة وجرح جماعة في الأخر انهزم الجاي إلى قبة النصروتفرق عنه الجيش وتردد الناس من عند السلطان إليه في الصلح فلم يتم، وأرسل إليه خلعة بنيابة حماة فلم يقبل، ثم تقلل الجمع عنه إلى أن صار في خمسمائة، فخرج إليه أرغون شاه في جماعة من الخاصكية فقاتلوه فانهزم وتفرق من معه، ونودي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 بالقاهرة: من أمسك مملوكاً من مماليك الجاي أخذ خلعة، فقبض على أكثرهم وصودر من كان في خدمته، واستقر أيدمر نائب طرابلس أتابك العساكر، أحضره السلطان منها بعد قتل الجاي في صفر، واستقر في نيابة طرابلس يعقوب شاه، واستقر اقتمر عبد الغني في نيابة السلطنة بمصر. وفيها غضب السلطان على سابق الدين مثقال مقدم المماليك وأمره بلزوم بيته، وولي عوضه مختار الجانمي ثم أعيد سابق الدين إلى وظيفته بعد قليل. وفيها في شهر رمضان حضر منجك نائب الشام إلى مصر فاستقر نائب السلطة بها، وفوضت إليه جميع أمور المملكة من الكلام في الوزارة والخاص والأوقاف والأحباس وإخراج الأقطاع إلى ستمائة دينار والعزل والولاية لأرباب المناصب بما يقتضيه رأيه، وقرئ تقليده بذلك، وكان النائب قبله اقتمر عبد الغني فنفي إلى الشام في جمادى الأولى، وكانت مدة نيابة أربعة أشهر، ثم قرر نائباً بطرابلس عوضاً عن يعقوب شاه. وفيها في صفر أبطل الملك الأشرف ضمان المغاني ومكس القراريط التي كانت في بيع الدور وقرأ بذلك مرسوم على المنابر، وكان ذلك بتحريك الشيخ سراج الدين البلقيني وإعانة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 أكمل الدين وبرهان الدين بن جماعة، ويقال إن السلطان كان توعك فأشاروا عليه بذلك فاتفق أنه عوفي فأمضى ذلك واستمر. وفيها توقف النيل عن الزيادة وأبطأ الوفاء إلى أن دخل توت أول السنة القبطية، ووقع الناروز قبل كسر الخليج حتى قال بدر الدين ابن الصاحب: ناروز مصر بلا وفاء ... يعد صفعا بغير ماء. واستمر التوقف إلى تاسع توت فاجتمع العلماء والصلحاء بجامع عمرو بن العاصي واستسقوا، وكسر ذلك اليوم الخليج عن نقص أربعة أصابع من العادة، ثم توجهوا إلى الآثار وأخذوها إلى المقياس فأقاموا من قبل العصر إلى آخر النهار يتوسلون إلى الله تعالى ويبتهلون ويستسقون، فلم يزدد الأمر إلا شدة، ثم نودي بصيام ثلاثة أيام، وخرجوا في ثالث ربيع الآخر إلى الصحراء مشاة، وحضر غالب الأعيان ومعظم العوام وصبيان المكاتب ونصب المنبر، فخطب عليه شهاب الدين ابن القسطلاني خطيب جامع عمرو وصلى صلاة الاستسقاء ودعا وابتهل وكشف رأسه، واستغاث الناس وتضرعوا، وكان يوماً مشهوداً، وفي صبح هذا اليوم اجتمع العوام بالمصاحف وسألوا أن يعزلوا علاء الدين بن عرب عن الحسبة، فعزل واستقر عوضه بهاء الدين بن المفسر وأضيفت إليه وكالة بيت المال ونظر الكسوة، ثم عزل في أثناء السنة وأعيد علاء الدين، فاتفق وقوع أمطار كثيرة بحيث زرع الناس عليها البرسيم، وكان في الصعيد أيضاً مطر غزير زرع الناس عليه بعض الحبوب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 واتفق أيضاً زيادة النيل في سابع هاتور الموافق لنصف جمادى الأولى، واستمر أياماً، ثم نقص بعد أن بلغت الزيادة ثمانية عشر إصبعاً، وابتدأت زيادة الأسعار في الغلال والحبوب من شهر ربيع الأول وهلم جراً إلى أن بلغ سعر الأردب خمسين درهماً تقدير دينارين هرجة ونصف وثلث، ثم تزايد إلى الستين والسبعين، وهذا في ذلك الوقت نحو أربعة دنانير. وفيها عزل ابن الغنام من الوزارة، وولي عوضه تاج الدين الملكي المعروف بالنشو، وكان استقر ناظر الدولة في هذه السنة عوضاً عن ابن الرويهب بعد نفي ابن الرويهب إلى الشام، واستمر ابن الغنام في نظر المارستان، ثم عزل بالبرهان الحلبي ناظر بيت المال، ثم أعيد ابن الغنام. وفيها ولي أحمد بن آل مالك نيابة غزة، ثم عزل وولي نظر القدس والخليل، ثم عزل ورجع إلى القاهرة في رمضان. وفيها في شعبان استقر بهاء الدين أبو البقاء قاضياً بالشام، ونقل قاضيها كمال الدين المعري إلى قضاء حلب عوضاً عن فخر الدين الزرعي بحكم واستقر في تدريس الشافعي بعده ولده بدر الدين، ثم انتزعه منه ابن جماعة. وفيها في جمادى الآخرة استقر بيدمر الخوارزمي في نيابة السلطنة بحلب، ثم نقل عنها إلى نيابة دمشق في شهر رمضان وأعيد اشقتمر المارديني إلى حلب، ونقل منجك إلى القاهرة كما تقدم، وكان دخول منجك إلى القاهرة في ذي القعدة، وخرج جميع العساكر لملتقاه، ولم يتأخر عنه إلا السلطان، وولاه النيابة، كما تقدم، واستقر شهاب الدين أحمد بن علاء الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 بن فضل الله كاتب السر بدمشق عوضاً عن فتح الدين بن الشهيد. وفيها وصل حيار بن مهنا أمير آل فضل إلى باب السلطان طائعاً، فخلع عليه واستقر في إمرة العرب، وكان السلطان قد غضب عليه بسبب قشتمر بحلب قبل هذا التاريخ. وفيها فتحت مدرسة الجاي بعد موته، وكان بقي من عمارتها شيء فأكمله الأوصياء، واستقر في تدريس الشافعية بها الشيخ سراج الدين البلقيني، وفي تدريس الحنفية جمال الدين محمود القيسري. وفيها لازم شخص من العوام الصياح تحت القلعة: اقتلوا سلطانكم ترخص أسعاركم، فأخذ وضرب بالمقارع وشهر. وفيها كائنة جمعة البواب، وذلك أنه كان مقيماً بتربة خارج باب النصر، وكان هو وامرأته يأخذان الأطفال اغتيالاً فيخنقانهم لأجل أثوابهم، فقبض عليهما فاعترفا فقتلا شنقاً. وفي أول جمادى الأولى حدثت زلزلة لطيفة. وفي هذه السنة ابتدأت قراءة البخاري في رمضان بالقلعة بحضرة السلطان، ورتب الحافظ زين الدين العراقي قارئاً، ثم اشرك معه شهاب الدين أحمد بن علي العرياني يوماً بيوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وفيها كان الغرق ببغداد، زادت دجلة زيادة عظيمة وتهدمت دور كثيرة حتى قيل إن جملة ما تهدم من الدور ستون دار، وتلف للناس شيء كثير بسبب ذلك، ويقال إنه لم يبق من بغداد عامر إلا قدر الثلث، ودخل الماء الجامع الكبير والمدارس، وصارت السفن في الأزقة تنقل الناس من مكان إلى مكان ثم من تل إلى تل ثم يصل الماء إليهم فيغرقهم، وجرت في بغداد بسببه خطوب كثيرة، وخلا أكثر أهلها، ثم عاد من عاد فصار لا يعرف محلته فضلاً عن داره. وفيها هبت ريح عاصفة حارة بسنجار فأحرقت أوراق الأشجار. وفيها ورد إلى حلب سيل عظيم على حين غفلة وارتفع زيادة عن العادة فخرب بسببه دور كثيرة وخربت نواحي كثيرة بالرها والبيرة. وفيها ولي فخر الدين عثمان البرقي ولاية القاهرة. وفيها كان غرق بغداد، وامتدت دجلة حتى اختلطت بالفرات وأرسلت إليها الأنهار والعيون والسحب من كل جهة حتى بقيت بغداد في وسط الماء كأنها قصعة في فلاة، وصارت الرصافة ومشهد أحمد ومشهد أبي حنيفة وغيرهما من المشاهد والمزارات لا يوصل إليها إلا المراكب، فصار أهل بغداد في أرغد عيش من كثرة النزه التي حدثت بذلك وانفتح من البستان الأربعين الذي كان الخليفة اتخذه منتزهاً في وسط دوره فتحة على باب الأزج فتدافع أمراء بغداد في سدها ورمى ذلك بعضهم على بعض، وكان الشيخ نجم الدين التستري في تلك الأيام قد عزم على الحج في خمسين نفراً من الصبوفية وقد هيأ من الزاد ما لا مزيد عليه، فاستدعى خادمه وقال: أنفق على سد هذه الفتحة جميع ما معنا حتى الزاد، ففعل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 ويقال: انصرف عليها عشرة آلاف دينار، وبلغ السلطان أويس ذلك فاستعظم همته ووعد أنه يكافيه، ثم اكترى من الملاحين على حمل رحله وجماله ورجالته من بغداد إلى الحلة، وكان سفر الناس أجمعين في تلك السنة في المراكب، وخرجوا في خامس شوال فلم يمض لهم إلا خمسة أيام حتى هبت ريح عاصف قصفت سور المدينة، ثم تزايد الماء فانكسر الجسر وغرقت غالب الدور حتى أن امرأة من الخواتين ركبت من مكانها إلى كوم من الكيمان بألف دينار وتقاتل الناس وذهبت أموالهم، وأصبح غالب الأغنياء فقراء، ثم بعد عشرين يوماً نقصت دجلة وانقطع الماء الذي يوصل بغداد من المقطع فبقيت البلد كأنها سفينة غرقت، ثم نقص الماء الذي يوصل بغداد من المقطع فبقيت البلد كأنها سفينة غرقت، ثم نقص الماء فبقيت ملآنة بأهلها ودوابهم الموتى فجافت ونتنت وبقي الماء كأنه الصديد، فوقع الفناء في الناس بأنواع من الأمراض من الاستسقاء وحمى الدق، وغلت الأسعار. وكان أويس بتبريز فلما بلغه غضب على نوابه، فالتزم الوزير عن نائبه أن يعمر بغداد من خالص ماله بشرط أن يطلق الناصر العراق ثلاث سنين للزراع والمعامل وأن لا يطالب أحد أحداً بدين ولا بصداق ولا بإجازة ولا بحق، فقبل السلطان ذلك، فشرع في ذلك ونادى: من أراد عمارة بيته يجيء يأخذ دراهم ويسكن فيه بالأجرة حتى يوفي ما يقترضه ثم يصير البيت له، وأخذ في عمارة السوق والسور. وكان أويس قد عمل العراق وشن الغارات كرهاً على بغداد في هلاكها، ثم آل أمره إلى أن خلع نفسه عن الملك لولده حسين وأوصى، فحبس ابنه الآخر حسن لأنه كان استنابه في سلطانه، فقتل الأمراء وعصى، وأوصى لولده على بغداد وحفر له قبراً، فاتفق أن ضعف يوم الأحد ومات بعد أسبوع، وأقامت بغداد ستة أشهر لا يدخلها سفر ولا يخرج منها سفن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 والله المستعان. ذكر من مات في سنة خمس وسبعين وسبعمائة من الأعيان. إبراهيم بن أحمد بن عيسى بن عمر بن خالد بن عبد المحسن بن نشوان المخزومي المصري، بدر الدين أبو إسحاق بن أبي البركات بن الخشاب الشافعي، كان يذكر نسباً له إلى خالد بن عمر بن خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، سمع على وزيرة والحجاز والشريف موسى بن علي وعلي بن القيم وغيرهم وحدث، وناب في الحكم بالقاهرة، وكان فصيحاً بصيراً بالأحكام عارفاً بالمكاتب، ثم ولي قضاء حلب ثم قضاء المدينة وخرج منها بسبب مرض أصابه في أثناء هذه السنة راجعاً إلى مصر، فمات في الطريق بين ينبع والعيون وله سبع وسبعون لأن مولده كان في ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وستمائة. أرغون الأحمدي اللالا، أحد أكابر الأمراء، مات بالإسكندرية. أسن قطلي الإبراهيمي. واسندمر الجوباني. واسن قجا اليلبغاوي، كان رأس نوبة السلحدارية. وآقبغا من مصطفى. وآل ملك الصرغتمشى. وأروس بن عبد الله المحمودي. والجاي اليوسفي، تقدمت ترجمته في الحوادث. وبكتمر الجمالي. وتغرى برمش بن الجاي اليوسفي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 أبو بكر بن عبد الله الدوهرطي الفقيه الشافعي السليماني، كان يحفظ الكثير من الشامل لابن الصباغ مع الزهد والخير، وكان لأهل بلاده فيه اعتقاد زائد، وكان يقول إنه جاوز المائة، مات في شوال. حسن بن محمد بن سرسق بن محمد بن عبد العزيز بن الشيخ عبد القادر الجيلي المارديني السنجاري، بدر الدين، كانت له حرمة ووجاهة بتلك البلاد، مات أبوه سنة تسع وثلاثين وسبعمائة عن سن عالية، وكان قد حج سنة خمس وثمانين وستمائة، وأثنى عليه الشيخ تاج الدين بن الفركاح، ومات بدر الدين هذا في هذه السنة عن سن عالية أيضاً. زياد بن أحمد الكاملي اليمني، فخر الدين، أحد أكابر الأمراء عند الأفضل، مات بالجثة وكانت أقطاعه. وانجب ولده الأمير بدر الدين محمد الذي تقدم بعد ذلك في دولة الأشراف وولده الناصر. زينب بنت قاسم بن عبد الحميد بن العجمي، سمعت على الفخر بن البخاري مشيخته، سمع منها بعض شيوخنا وحدثت، ماتت في هذه السنة عن تسعين سنة. شاكر بن غبريل بن عبد الله بن البقري الكاتي، ناظر الذخيرة، مات في شوال، نسبته إلى دار البقر من الغربية، وكان نصرانياً فأسلم على يد شرف الدين موسى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 الأزكشي، وباشر نظر الذخيرة في أيام السلطان حسن، وهو الذي بنى المدرسة البقرية بقرب جامع الحاكم، ولما احتضر أبعد من عنده من النصارى وأرسل إلى كمال الدين الدميري وغيره من أهل العلم فلقنوه الشهادة عند موته، ودفن بمدرسته. صبيح بن عبد الله الخازن النوبي الجنس، كان مقدماً في دولة الأشراف حتى كان لا يقول له إلا: يا أبى! وكان الأكابر يدعونه بذلك، مات في المحرم وخلف ملاً كثيراً جداً وأملاكاً كثيرة، وكان يوصف بخير ودين. طيبغا الفقيه. عبد الغفار بن محمد بن عبد الله القزويني الشافعي، رضي الدين، اشتغل بالفقه فمهر، وولي نيابة الحكم ببغداد، ومات في ذي القعدة بعد الغرق من هذه السنة، وكان حسن الخلق والخلق ديناً متواضعاً. عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر الله بن سالم بن أبي الوفاء الحنفي، أبو محمد محيي الدين القرشي، ولد سنة ست وتسعين وستمائة، وسمع وهو كبير، وأقدم سماع له على ابن الصواف، سمع منه مسموعه من النشاي ومن الرشيد بن المعلم ثلاثيات البخاري، ومن حسن الكردي الموطأ، ومن عبد الله بن علي الصنهاجي وزينب بنت أحمد بن شكر وغيرهم، ولازم الاشتغال فبرع في الفقه ودرس وأفاد وصنف، وشرح الهداية سماه العناية وشرح معاني الآثار للطحاوي، وعمل الوفيات من سنة مولده إلى سنة ستين، وصنف البستان في فضائل النعمان، والجواهر المضيئة في طبقات الحنفية وغير ذلك، مات في شهر ربيع الأول بعد أن تغير وأضر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 علي بن أحمد بن كسيرات الحاج علي مهتار الطشتخاناة، كانت له وجاهة، زائدة عند الأشراف، وكان قد خدم الناصر محمداً ومن بعده إلى أن مات في المحرم. علي بن الحسن الأسناوي، نور الدين، أخو الشيخ جمال الدين، كان فقيهاً فاضلاً، شرح التعجيز. وكان موصوفاً بكثرة المال ولا يظهر عليه مع ذلك أثره، مات في رجب. علي بن الحسين بن علي بن عبد الله بن الكلاي البغدادي المقرئ الحنبلي، سبط الكمال عبد الحق، ولد سنة ثلاث وتسعين، وأجاز له الدمياطي ومسعود الحارثي وعلي بن عيسى بن القيم وابن الصواف والشريف موسى بن علي بن أبي طالب الموسوي وغيرهم. قال ابن حبيب: كان كثير الخير والتلاوة، حج مراراً وجاور، ومات في هذه السنة، وخرج له ابن حبيب مشيخة. عمر بن تقي الدين المسعودي، شيخ خانقاه بكتمر، مات في ذي الحجة. محمد بن عبد الله بن أحمد بن الناصح عبد الرحمن بن محمد بن عياش بن حامد السوادي الأصل الدمشقي الحنبلي، شمس الدين المعروف بقاضي الكفر كان من رؤساء الدمشقيين، أفتى ودرس وحدث مع المروءة التامة والهيئة الحسنة، مات في ذي الحجة، سمع منه ابن ظهيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 محمد بن عبد الله، بدر الدين الأربلي، الأديب المعمر، ولد سنة ست وثمانين وستمائة، ومهر في الآداب ودرس بمدرسة مرجان ببغداد، ومات في جمادى الآخرة. محمد بن عبد الله الكركي، تاج الدين، كان قاضياً ببلده ثم بالمدينة النبوية على الحال بها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام ثم قدم القاهرة وولي نيابة الحكم بمصر عن أبي البقاء ثم عن ابن جماعة وكان منفرداً بذلك فيها إلى أن مات في شعبان، وكان فاضلاً مستحضراً مشكور السيرة. محمد بن عمر بن علي بن عمر الحسيني القزويني ثم البغدادي، محب الدين، إمام الجامع ببغداد، وكان أبوه آخر المسندين بها، حدث عن أبيه وغيره، واشتغل بعد أبيه على كبر إلى أن صار مفيد البلد مع اللطافة والكياسة وحسن الخلق، وصار يسمع البخاري في كل سنة ويجتمع عنده الخلق الكثير، مات في هذه السنة عن نيف وستين سنة. محمد بن عيسى اليافعي الفقيه الشافعي، قاضي عدن، كان فاضلاً خيراً، وهو والد صاحبنا الفقيه عمر قاضي عدن أيضاً. محمد بن قاسم بن محمد بن علي الغساني المالقي، كان عارفاً بالقراءات مع مشاركة في الفنون، وهو من شيوخ شيخنا بالإجازة قاسم بن علي المالقي. محمد بن محمد البكري صدر الدين الحنفي، قاضي الإسكندرية، كان أصله من الشام، فقدم مصر فولاه السراج الهندي نيابة الحكم، ثم ولي قضاء الإسكندرية إلى أن مات في ذي القعدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 محمد بن مسعود المقرئ المالكي، صلاح الدين، تلا بالسبع علي التقي الصائغ، وكان متصدياً للإقراء حتى أن القاضي محب الدين ناظر الجيش كان يقرأ عليه. ماجد بن إسحاق بن عبد الوهاب بن عبد الكريم، سعد الدين بن تاج الدين القبطي المصري، ناظر الخاص بدمشق، عظمه ابن حبيب وأثنى عليه. مارى حاطة بن منشا مغا بن منشا موسى بن أبي بكر التكروري صاحب التكرور، مالك بعد أبيه وهادي الملوك، وكان كثير التبذر والفسق فطرقه مرض النوم فصار ساسا مدة حتى مات في هذه السنة، وملك ابنه منشا موسى. محمود بن علي بن عبد العزيز بن أبي جرادة، نور الدين الحنفي العقيلي الحلبي، ولد سنة أربع وسبعمائة، ومات في المحرم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 محمود بن قطلوشاه السراي الحنفي، أوحد الدين قدم من بلاده وهو كبير فأقام بالشام مدة، فشغل وأفاد. وتخرج به جماعة، ثم أقدمه صرغتمش بعد وفاة القوام الاتقاني فولاه مدرسته فلم يزل بها إلى أن مات. وكان غاية في العلوم العقلية والأصول والعربية والطب مع التودد والسكون والانجماع مع عظم قدره عند أهل الدولة، مات في شهر رجب عن ثمانين سنة أو أزيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 سنة ست وسبعين وسبعمائة فيها طلع النيل على عادته وأوفى في ربيع الأول رابع عشرى مسرى، واستهلت والغلاء قد تزايد جداً إلى أن بلغ الأردب بمائة وعشرة ثم بلغ في شعبان مائة وخمسة وعشرين، وقيمتها بالذهب إذ ذاك خمسة مثاقيل وربع، وبيع إذ ذاك دجاجة واحدة بأربعة دراهم، وصار أكثر الناس لا يقدر إلا على النخالة كل قرص أسود بنصف درهم، وأكل الفقراء السلق والطين، وكادت الدواب أن تعدم لكثرة الموت بها، وأكلوا الميتات، وأمر السلطان بتفرقة الفقراء على الأغنياء، فكان على الأمير المقدم على الألف مائة فقير، وعلى كل أمير بعدد ممالكيه ونحو ذلك، وعلى الدواوين كل واحد بحسبه، وعلى التجار كذلك، ونودي في البلد بأن من سأل في الأسواق صلب، ومن تصدق عليه ضرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وفيها عقب الغلاء وزيادة النيل وتكامل الزرع وقع الفناء فتزايد في الفقراء لا سيما لما دخل البرد، وزاد ذلك إلى أن بلغ في اليوم من الحشريين مائتي نفس ومن الطرحاء نحو خمسمائة، ثم بلغوا إلى نحو الألف، وتصدى الأمير ناصر الدين بن آقبغا آص والأمير سودون الشيخوني لدفن الطرحاء من أموالهما. وبلغ ثمن الفروج خمسة وأربعين، والسفرجلة خمسين، والرمانة عشرة، والبطخية سبعين، ثم ارتفع الفناء وتراجع السعر إلى أن بيع القمح في ذي القعدة سعر سبعين وفي آخرها إلى عشرين. وفيها أعيد ابن الغنام إلى الوزارة في شهر رجب، وسلم له التاج الملكي فصادره إلى ثمانين ألف دينار، ونفاه إلى الشام على حمار، وخرب داره بمصر إلى الأرض. وفيها صرف كمال الدين المعري من قضاء حلب، وأعيد الفخر الزرعي. وفيها شغر قضاء الحنفية بموت قاضيه صدر الدين بن التركماني، فطلب الأشرف القاضي شرف الدين بن منصور لذلك من دمشق فحضر فلم يتم له أمر، وعرض السلطان القضاء على الشيخ جلال الدين التباني فامتنع فألح عليه وأحضرت الخلعة فأصر على الامتناع وقال: العجم لا يعرفون أوضاع أهل مصر، فآل الأمر إلى استقرار صدر الدين بن الكشك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 وفي ربيع الأول تحدث السلطان بسفر الحجاز وأمر الأمراء بالتجهيز. وفي آخر السنة قبض على الوزير ابن الغنام وأبطل من الوزارة، واستقر شرف الدين موسى الأزكشي مشيراً، وسعد الدين بن زيشه ناظر الدولة. وفيها حضر إلى الطاعة أحمد بن يغمر التركماني أحد الشجعان وكان يقطع الطريق على تجار العراق فطلبه السلطان فهرب، فشدد عليه الطلب فاستشفع بأم سالم الدوكاري التركماني، فحضرت صحبته إلى القاهرة وشفعت فيه عند السلطان فقبلها وأقطعه أقطاعاً بمصر وأمره بالإقامة بها. وفي رابع عشرين ذي الحجة عزل القاضي برهان الدين بن جماعة نفسه من القضاء بسبب تثقيل بعض الأمراء عليه في أمر بعض الموقعين، فراسله السلطان فامتنع، فأرسل إليه بهادر أمير آخور فخلف عنده بالطلاق أن السلطان حلف بالطلاق أنه إن لم يجب إلى العود نزل إلى بيته وألزمه به، ولم يزل به إلى أن ركب معه إلى القلعة فاجتمع بالسلطان فسأله أن يعود وألح عليه، فكان آخر كلامه الإمهال إلى أن يستخير الله تعالى في الليلة، فلما أصبح طلع إلى القلعة في الخامس والعشرين من ذي الحجة واشترط شروطاً أجابه السلطان إليها، ونزل في أبهة عظيمة إلى الغاية، وازدادت مهابته وتصميمه في الأمور. وفيها أمطرت بشيرز ثعابين على ما قيل. وفيها أحضر عيسى بن بانجك وإلى الأشمونين، وكان يسكن عند جامع آل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 ملك بالحسينية إلى الأمير منجك بنتاً له عمرها خمس عشرة سنة فذكر أنها لم تزل بنتاً إلى هذه الغاية فانسد الفرج فظهر لها ذكر وانثيان واحتلمت، فشاهدوها وأمر بإلباسها لبس الرجال وسماها محمداً، وأمرها بلزوم خدمته وأقطعها أقطاعاً، وشاهدها جماعة من أصحابنا. رأيت بخط ابن دقماق: رأيته غير مرة وتكلمت معه، وقصتها شبيهة بالقصة التي ذكرها ابن كثير في أواخر ذيل تاريخه من وقوع نحو ذلك بدمشق، وأنه كدمها بعد أن صار رجلاً، ووجد في كلامها أنوثة ووفور الحياء الذي طبع عليه النساء باق. قلت: ووقع في عصرنا نظير ذلك في سنة اثنتين وأربعين وثماني مائة. وفيها بعد موت السلطان أويس صاحب تبريز وبغداد استقر في السلطنة ولده حسين، وكان له حسن وحسين وأحمد وعلي وغيرهم، وأكبرهم حسن فقتله الأمراء خشية من شره، وسلطنوا حسيناً لضعفه، فتشاغل باللهو واللعب، وصار يخطف النساء من الأعراس وغيرها، فقتلوه أيضاً وسلطنوا أحمد، فجاء أخوهم شيخ على منكراً قتل أخيه حسن، فاجتمع لكل جماعة من الأمراء، فوقعت بينهم مقتلة بناحية أربل، فقتل شيخ علي في المعركة. وفيها وثب شاه شجاع صاحب شيراز بعد موت أويس إلى تبريز، فملكها وأساء السيرة، فراسل أهل تبريز حسين بن أويس، فتجهز إليه في العساكر، فلما بلغ ذلك شاه شجاع تقهقر عن تبريز ودخلها حسن ومن معه بغير قتال. وفيها فتحت سيس وكانت قد بقيت في يد الأرمن النصارى على يد اشقتمر المارديني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 نائب حلب، وكان قد تجهز إليها بعسكر حلب فنازاها شهرين إلى أن قلت عندهم الأقوات، فنصب عليها المجانيق وقدم في القتال التركمان من جميع الأصناف الأرج فيه واليورقية، وكان الذي نصب المنجنيق يقال له: المعلم خليل الغساني، وهو ممن اشتهر بالمعرفة فيه فأبلى فيهم فأحسوا بالبوار، فطلب صاحبها تكفور الأمان وسلم القلعة، فعلت كلمة أهل التوحيد بتلك البقعة بعد دهر طويل، وجهز اشقتمر صاحب سيس وجنده إلى القاهرة، ودقت البشائر بسبب ذلك، ومدح الشعراء اشقتمر فأكثروا فمن ذلك قول أبي بكر بن زين الدين بن الوردي: يا سيد الأمراء فتحك سيسا ... سر المسيح وأحزن القسيسا. وبك الإله أعز دين محمد ... وأذل قوماً تابعوا إبليسا. لله درك من مليك حازم ... ضحك الزمان به وكان عبوساً. وهي طويلة. وقال جمال الدين سليمان بن داود المصري عم صاحبنا شمس الدين محمد بن الخضر بن داود الموقع. لقد أذعنت للأخذ سيس وجئتها ... بيوم خميس بينهم سر إلى الصبح. سفحت دماء المشركين بسفحها ... فسالت بسيف الله في ذلك السفح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وفوض الأشرف نيابة سيس ليعقوب شاه، وهو أول من حكم فيها من ملوك الترك، ثم استقر عوضه في هذه السنة آقبغا عبد الله، واستقر نجم الدين بن الشهيد كاتب السر بها، ثم جعلت مملكة برأسها وسميت الفتوحات الجاهانية وأضيفت إليها طرسوس وأذنة وإياس وغيرها واستقر في إمرتها شرف الدين موسى بن محمد بن شهرى واستقر بها. وفيها كائنة الشيخ محمد المقارعي، كان عامياً يقول الشعر ويدعى العرفان، ويجتمع إليه العوام فيتكلم بكلمات فظيعة، فثار عليه جماعة من الحنابلة، وادعى عليه عند صدر الدين بن العز قاضي الحنفية بدمشق بأشياء قبيحة تشتمل على الاتحاد والطعن في القرآن والشريعة وإنكار البعث، وشهد عليه ببعضها فسجن، ثم سعى بعض من تعصب له، فنقل إلى القاضي أبي البقاء وجددت عليه الدعوى، فأجاب بأنه أشعري وأن من شهد عليه حنبلي وأنهم تعصبوا عليه، وأحضروا كتاباً زعموا أنه من تأليفه وأنه يشتمل على زندقة، فتأمله القاضي، فذكر أنه ليس فيه شيء من ذلك ورده إلى السجن، ثم أخرج في المحرم من السنة المقبلة وجددت عليه الدعوى وشهد بعض الشهود، ثم آل الأمر إلى أن حقن دمه وأطلق. وفيها صادف الحاج سيل عظيم بخليص، اتلف شيئاً كثيراً في الذهاب، ثم صادفهم في الرجعة هواء عاصف. وكان الشعير في الطلعة قد غلا جداً حتى بيع الكيل بمائة. وفيها وقع الغلاء بحلب وأعمالها كنحو ما وقع بمصر. وفيها كان الطاعون فاشياً بدمشق من رمضان من السنة الماضية، فتزايد في المحرم إلى أن بلغ خمسمائة، ثم تناقص بعد ذلك، ومات فيه جماعة من الأعيان، فذكر الشهاب بن حجى أن يعقوب الدلال بسوق الخيل أخبره أنه رأى الجن عياناً على خيل كالجراد المنتشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 بأيديهم رماح في بعض أزقة الصالحية وطاعنهم وطاعنوه، وصار يتحدث بذلك ويحلف، والناس ما بين مصدق ومكذب، فطعن هو ومات عن قرب، ورثى في بدنه أثر طعنات، قال: أخبرني بذلك من ولي غسله. وفيها ولي سري الدين أبو الوليد إسماعيل بن محمد بن محمد بن عمر الأندلسي المالكي قضاء حلب، وهو أول مالكي قضى بها. وفيها لما قرأ البخاري أمر السلطان مشايخ العلم أن يحضروا عنده سامعين ليتباحثوا، فحضر جماعة من الأكابر. وفيها مات من أمراء الترك جماعة، منهم: اسنبغا القوصوني، واسنبغا البهادري، والطنبغا النظامي، وسلطان شاه بن قرا، وطغيتمر دوادار يلبغا الكبير، وقرقماش الصرغتمشي. وفيها حج الصالح صاحب حصن كيفا وعزم على المجاورة والتخلي عن الملك، فأشار عليه من معه من أمرائه بتأخير ذلك لئلا تضيع المصلحة بأهله وقومه بالحصن، فرجع إلى مقر ملكه، وكان ما سنذكره إن شاء الله تعالى في حوادث 780، من تفويضه حصن كيفا لأخيه سليمان. ذكر من مات في سنة ست وسبعين وسبعمائة من الأعيان. إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن محمد بن هبة الله الحلبي، كمال الدين ابن أمين الدولة الحنفي، كان وكيل بيت المال بحلب، ولي بها عدة ولايات، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وكان كاتباً مجيداً، وقد سمع من سنقر الزيني البخاري ومشيخته تخريج المقاتلي والذهبي، ومن إبراهيم ابن عبد الرحمن الشيرازي جزء ابن عيينة، ومن أبي بكر أحمد وأبي طالب عبد الرحيم ابني ابن العجمي جزء ابن فارس وحدث، مات في جمادى الأولى عن إحدى وثمانين سنة لأن مولده كان في ربيع الآخر سنة خمس وتسعين، سمع من ابن ظهيرة بحلب ودمشق. إبراهيم بن حسن بن عمر بن حمود البعلي ثم المرقبي، سمع من الحجار، سمع منه ابن حجى وأرخه في صفر. إبراهيم بن عبد الله البغدادي، نزيل دمشق، وهو شيخ زاوية البدرية تجاه الأسدية ظاهر دمشق، وكان خيراً معمراً صالحاً مثابراً على الخير، مات في ربيع الآخر. إبراهيم بن محمد بن أحمد الخطيب، سمع من المطعم وابن سعد، وكان جده قيماً بالسامية بالشام، مات في صفر، ويعرف بالخطيب الخيار، وله إجازة من التقي سليمان وجماعة في سنة ثلاث عشرة. إبراهيم بن محمد بن غريب البعلبكي، القزاز الحمامي، سمع من الخطيب ضياء الدين عبد الرحمن الأربعين المنتقاه من شرح السنة للبغوي تخريج ابن أبي الفتح سنة اثنتين وسبعمائة، وكانت وفاته في ذي القعدة عن نحو ثمانين سنة. أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن الحسن الرهاوي ثم المصري، المعروف بطفيق، سمع من الحسن الكردي والواني والخنتى والدبوسي وغيرهم، وناب في الحسبة، وحدث، سقط من سلم فمات في ذي القعدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة بن عبد الله، شرف الدين الدمشقي المعروف بابن الكفري، الحنفي، أخذ عن أبيه وغيره، وناب في الحكم مدة، واشتغل وتقدم، ثم استقل بالحكم مدة أولها سنة ثمان وخمسين، وكان قد ترك القضاء، نزل عنه لولده يوسف سنة ثلاث وستين وأقبل هو على الإفادة والعبادة وإقراء القرآن بالروايات حتى مات عن خمس وثمانين سنة وقد كف بصره، وكان مولده سنة تسعين أو إحدى وتسعين، وقيده البرزالي فيها، وكتب اسمه في إجازة أجاز له فيها التقى الواسطي وأخوه وابن القواس وابن عساكر وابن أبي عصرون والفاروثي والغسولي ونحوهم، وسمع من ابن مشرف وعيسى المغازي والجرائدي، سمع منه ابن رافع والشريف الحسيني وماتا قبله، وسمع منه شيخنا العراقي، والشهاب بن حجى وآخرون. أحمد بن خضر الدمشقي، أحد مشاهير المؤذنين بالجامع الأموي، مات في المحرم. أحمد بن سليمان بن محمد بن سليمان الأربدي الدمشقي، تفقه على الشيخ شمس الدين بن خطيب يبرود وغيره، وكان حنبلياً ثم انتقل شافعياً، فمهر في الفقه والأصول والأدب، وكان محبباً إلى الناس، لطيف الأخلاق، قليل الشر، أخذ أيضاً عن الفخر المصري، وسمع من محمد ابن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم، وكان يذكر أنه سمع الألفية من أحمد بن غانم، وكانت له أسئلة حسنة في فنون من العلم، مات في ليلة الجمعة تاسع عشر صفر. أحمد بن عبد الله بن علي الحديثي بن السمسار شهاب الدين المقرئ، الملقن بالجامع الأموي بدمشق، كان ذا ثروة، مات في المحرم. أحمد بن عبد اللطيف بن أيوب الحموي، ولي قضاء طرابلس ثم حلب ثم حماة، ومات بها عن بضع وستين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 أحمد بن عيسى بن عبد الكريم بن مكتوم القيسي، كان خيراً ديناً، وهو أخو العالم بدر الدين الآتي ذكره في هذه السنة، وفيه ذكر لهذا. أحمد بن محمد بن إبراهيم بن علي، شهاب الدين بن أمين الدين، المعروف بابن عبد الحق، كان مدرس العذراوية بدمشق، مات في شهر ربيع الآخر. أحمد بن محمد بن أحمد بن المحب عبد الله المقدسي الحنبلي، أحضر علي الحجار وأسمع من غيره وتمهر، وعمل المواعيد فأجاد فيها، وكان لوعظه وقع في القلوب، وكانت له عناية بالحديث وفضيلة، مات في ربيع الآخر، وهو أخو المحب عبد الله الذي ماست سنة 37. أحمد بن محمد بن الحسام آقوش، الرومي الأصل، اليونيني ثم الدمشقي، المؤذن، سمع من ابن مشرف وإسماعيل بن عمر الحموي والحجار وغيرهم، وأجاز له الدشتي والقاضي وابن مكتوم وجماعة وحدث، مات في المحرم. أحمد بن محمد بن براغيث، أحد الأعيان بالقاهرة، وكان خال أبي، مات في شوال. أحمد بن محمد بن محمد بن علي الأصبحي، أبو العباس العنابي النحوي، اشتغل في بلاده، ثم رحل إلى أبي حيان فلازمه واشتهر بصحبته وبرع في زمانه، ثم تحول بعده إلى دمشق، وعظم قدره، واشتهر ذكره، وانتفع به الناس، وصنف كتباً منها شرح التسهيل، وشرح اللباب، ومات بها في تاسع عشر من المحرم وقد جاوز الستين. قال ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 حبيب: عالم حاز أفنان الفنون الأدبية، وفاضل ملك زمام العربية. وقال ابن حجى: كان حسن الخلق، كريم النفس، شافعي المذهب. أحمد بن إمام الدين محمد بن زين الدين محمد بن أمين الدين محمد بن قطب الدين محمد بن أحمد القسطلاني المكي، الخطيب شهاب الدين، سمع الكثير على الرضي الطبري، وكان خيراً متمولاً، مات بمكة عن ست وستين سنة. أحمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الواحد التلمساني المعروف بابن أبي حجلة، نزيل دمشق ثم القاهرة، شهاب الدين أبو العباس، ولد بزاوية جده بتلمسان سنة خمس وعشرين، واشتغل ثم قدم إلى الحج فلم يرجع، ومهر في الأدب، ونظم الكثير، ونثر فأجاد، وترسل ففاق، وعمل المقامات وغيرها، وكان حنفي المذهب حنبلي المعتقد، وكان كثير الحط على الاتحادية، وصنف كتاباً عارض به قصائد ابن الفارض، كلها نبوية، وكان يحط عليه لكونه لم يمدح النبي صلى الله عليه وسلم ويحط على نحلته ويرميه ومن يقول بمقالته بالعظائم، وقد امتحن بسبب ذلك على يد السراج الهندي. قرأت بخط ابن القطان وأجازنيه: كان ابن أبي حجلة يبالغ في الحط على ابن الفارض حتى أنه أمر عند موته فيما أخبرني به صاحبه أبو زيد المغربي أن يوضع الكتاب الذي عارض به ابن الفارض وحط عليه فيه في نعشه ويدفن معه في قبره، ففعل به ذلك، وكان يقول للشافعية إنه شافعي، وللحنفية إنه حنفي، وللمحدثين إنه على طريقتهم. قال: وكان بارعاً في الشعر مع انه لا يحسن العروض، وعارض المقامات فأنكروا عليه. قال: وكان كثير العشرة للظلمة ومدمني الخمر. قال: وكان جده من الصالحين، فأخبرني الشيخ شمس الدين بن مرزوق أنه سمى بابن أبي حجلة لأن حجلة أتت إليه وباضت على كمه. وولي مشيخة الصهريج الذي بناه منجك، وكان كثير النوادر والنكت ومكارم الأخلاق، ومن نوادره أنه لقب ولده جناح الدين وجمع مجاميع حسنة منها: ديوان الصبابة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 ومنطق الطير والسجع الجليل فيما جرى من النيل، وسكردان السلطان، والأدب الغض، وأطيب الطيب، ومواصيل المقاطيع، والنعمة الشاملة في العشرة الكاملة، وحاطب ليل عمله كالتذكرة في مجلدات كثيرة، والنحر في أعمدة البحر، وعنوان السعادة، ودليل الموت على الشهادة، وقصيرات الحجال، وهو القائل: نظمي علا وأصبحت ... ألفاظه منمقة. فكل بيت قلته ... في سطح داري طبقة. مات في مستهل ذي الحجة وله إحدى وخمسون سنة. إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن جماعة، الحموي الأصل المقدسي، وجده عبد الرحمن هو أخو القاضي بدر الدين بن جماعة، ولد سنة عشر وسبعمائة، وناب في تدريس الصلاحية، وخطب بالمسجد الأقصى بعد انتقال ابن عمه برهان الدين إلى قضاء القاهرة، وأفتى ودرس، وكان قد سمع على الختني وابن مزير وغيرهما، ومات في ربيع الأول عن ستين سنة. إسماعيل القلقشبدي، تقي الدين، مات ببيت المقدس، رحمه الله تعالى. اسنبغا البوبكري، يأتي في السنة التي تليها. أويس بن الشيخ حسين بن حسن بن آفبغا المغلي ثم التبريزي، صاحب بغداد وتبريز وما معهما، بويع بالسلطنة سنة ستين، وكان محباً في الخير والعدل، شهماً شجاعاً عادلاً خيراً، دامت ولايته سبع عشرة سنة، وقد خطب له بمكة، راسل عجلان بن رميثة صاحب مكة بمال جليل وقناديل ذهب وفضة للكعبة، فخطب باسمه عدة سنين، عاش بضعاً وثلاثين سنة، قيل إنه رأى في النوم أنه يموت في وقت كذا، فخلع نفسه من الملك وقرر ولده حسين بن أويس وصار هو يتشاغل بالصيد ويكثر العبادة، فاتفق موته في ذلك الوقت بعينه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 وكتب إلى المؤرخ حسن بن إبراهيم الحسيني الحصني أنه كان استدعى ولده لذلك، فاتفق موته قبل وصوله إلى بغداد، وكان جده حسين تزوج بغداد بنت النوين جوبان، فبلغ أبو سعيد حسنها فانتزعها منه وأبعده، ولما مات أبو سعيد افترقت مملكة المغل وأخذ كل كبير ناحيةً فملك حسين بغداد، وجرت له حروب وخطوب مع طغاي بن سوتاي ثم مع إبراهيم بن بارنباي بن سوتاي، ورزق النصر واستقام أمره، وكاتب ملوك مصر وهادنهم. وتزوج دلشاد بنت دمشق بن جوبان وهي بنت أخي بغداد المقدم ذكرها، فحظيت عنده حتى كانت هي الحاكمة في مملكة العراق، وعدل في آخر عمره بين الرعية، وظفر في بغداد بخبيئة، قيل إنه وجد فيها خمسمائة ألف مثقال ذهباً، ومات سنة سبع، وخمسين وسبعمائة، فقام بعده ابنه حسين، ومات سنة ستين، فقام بعده أويس. ايبك بن عبد الله التركي، عز الدين، الكاتب المجود، كان مملوك طوغاي الجاشنكير الناصري فأعتقه، وتعاني الخط جتى فاق أقرانه، برع في الخط المنسوب، وقرر مكتباً في مدرسة أم السلطان الأشرف بالتبانة، مات وقد أسن، وكان خيراً، وشيخه في المنسوب فخرالدين السنباطي. ايدمر بن عبد الله الناصري الأنوكي، عز الدين، كان دويدارا للناصر، ثم ولي نيابة حلب ثم طرابلس، ثم صار أتابك العساكر بعد الجاي، وكان متواضعاً، جاوز السبعين. أبو بكر بن حسام الدين الحسن بن أحمد بن الحسن الرازي الحنفي، سمع الصحيح على ابن مشرف، وأجاز له من بغداد عبد الرحمن المكبر وغيره، ومن دمشق عمر بن القواس وأحمد بن عساكر ويوسف الغسولي وغيرهم وحدث عنهم. أبو بكر عبد المحسن بن معمر، تقي الدين الواسطي الفاروثي المقرئ، كان فاضلاً مشاركاً في عدة فنون، ويقال: اسمه عبد الرحمن وسيأتي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 أبو بكر بن علي بن محمد بن بردس الحنفي الدمشقي الشاهد، سمع الحجار وحدث، مات في المحرم. أبو بكر بن فليح، يأتي في المحمدين. حسن بن علي بن إسماعيل بن يوسف القونوي، الشيخ بدر الدين ابن الشيخ علاء الدين، ولد سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وسمع الحجار وغيره، وناب في الحكم عن عز الدين بن جماعة ثم عن برهان الدين بن جماعة، وكان قليل التصدي لذلك، وولي مشيخة سعيد السعداء، ودرس بالشريفية، واختصر الأحكام السلطانية للماوردي فجوده، وكتب شيئاً على التنبيه، مات في شعبان عن خمس وخمسين سنة. وكان له حضور على الدبوسي في الرابعة في القناعة لابن أبي الدنيا. حسن بن محمد بن أحمد المقدسي الحنبلي، شرف الدين بن صدر الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين، كان موقعاً في الإنشاء، ومدرساً بجامع الحاكم، مات في ذي القعدة. حيار بن مهنا بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن عقبة بن فضل بن ربيعة، أمير عرب آل فضل بالشام، مات عن بضع وستين سنة، واستقر ولده بعده. خضر بن عمر بن علي بن عيسى الرومي الحنفي، صلاح الدين بن شهاب الدين، من أهل البلستين، كان فاضلاً خيراً، حسن الشكل، مات بالشام، وكان يعرف بابن السمتوفي، وكان له سماع من أبي بكر بن عنتر، وكانت لديه فضيلة، وجمع كتاباً في الأحكام، وكان شيخ زاوية جده بصالحية دمشق عفا الله تعالى عنهما. خليل بن أيدغدي، كان حاجباً بدمشق، أستاذاً في لعب الأكره، مات في المحرم. خليل بن مودود المصري، سمع الصحيح من وزيره والحجار وحدث. ستيتة بنت الشيخ تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي، أسمعها أبوها من حسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 بن عمر الكردي وحدثت، وهي أم بدر الدين بن أبي الفتح وأم سري الدين الملاي، ماتت في ذي القعدة. عبد الله بن أحمد بن علي بن عبد الكافي السبكي، جمال الدين بن أبي حامد، مات هو وأخوه عبد العزيز وابن عمهم علي بن تاج الدين الثلاثة في يوم واحد خامس عشرين ذي القعدة بالطاعون، وعمتهم ستيتة قبلهم بقليل. عبد الله بن عبد الرحمن القفصي المالكي، كان مشهوراً بالعلم منصوباً للفتوى، وكان يوقع عند الحكام، مات في ثالث شهر رمضان. عبد الله بن عمر بن داود الكفيري، أحد الفقهاء النبهاء، مات في ربيع الآخر. عبد الله بن محمد بن أحمد الحسيني النيسابوري، الشريف جمال الدين، كان بارعاً في الأصول والعربية، وولي تدريس الأسدية بحلب وغيرها، وأقام بدمشق مدة وبالقاهرة مدة، وولي مشيخة بعض الخوانق، وكان يتشيع، عاش سبعين سنة، وهو القائل: هدب النفس بالعلوم لترقى ... وترى الكل وهو للكل بيت. إنما النفس كالزجاجة والعقل سراج وحكمة الله زيت. فإذا أشرقت فإنك حي ... وإذا أظلمت فإنك ميت. كان أحد أئمة المعقول، حسن الشيبة. عبد الله بن ياقوت بن عبد الله الشافعي، جمال الدين بن العنبري، اشتغل بالفقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 والعربية، وتقدم في الفنون، ودرس وناظر، ثم صحب ابن الغنام فولاه نظر المواريث الحشرية، ولم يكن محمود السيرة، مات في ذي القعدة رحمه الله تعالى. عبد الرحمن بن الحسين بن عبد الله بن نصر بن المعمر بن عبد الكريم بن المعمر البكري الواسطي ثم الفاروثي، أخو عبد المحسن، ولد سنة إحدى عشرة وسبعمائة، وسمع من الصفي عبد المؤمن وغيره، وتفقه للشافعي وشارك في الفنون، وله نظم حسن، أخذ عنه ابن سند، وكانت وفاته في المحرم بدمشق، وأخوه عبد المحسن مات قبله، وكان صوفياً بالشميساطية، وله سماع من ابن الخباز وابن تبع، ولهما أخوان آخران: عبد الرزاق ومحمد. عبد الرحمن بن عبد الكريم بن محمد بن صالح بن هاشم بن العجمي، أبو طالب، سمع من قريبه أبي طالب عبد الرحيم بن محمد بن عبد الرحمن بن العجمي الرباعيات ليوسف بن خليل عنه وحدث بها، مات في صفر عن نيف وسبعين سنة. عبد الرحمن بن علي بن محمد بن هارون الثعلبي المصري، زين الدين المعروف بابن القارئ، سمع من أحمد بن إسحاق الأبرقوهي ومن ابن أبي الذكر وابن الصواف ومن والده وغيرهم وحدث وعمر، خرج له الشيخ زين الدين العراقي مشيخة وحدث بها مراراً، وكان يعمل المواعيد، وقد تفرد بسماع جزء ابن الطلاية من الأبرقوهي وهو في الخامسة، ومات في نصف ذي القعدة، وهو ممن أجاز عموماً لمن أدرك حياته خصوصاً المصريين رحمه الله تعالى. وذكر ابن دقماق أنه سمع منه البخاري ومشيخته. عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن علي الخروبي، عز الدين أبو عمر، كان من أكابر التجار بمصر، ولم يعمر بعد أبيه، وهو صاحب المدرسة المليحة بالقرب من دار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 النحاس وهي بجوار داره وهي من أحسن الدور، مات وله ستون سنة، وكان أبوه صلاح الدين من مشاهير التجار بمصر وكذا عمه بدر الدين صاحب المدرسة التي تقابل المقياس. عبد العزيز بن بهاء الدين السبكي، تقدم ذكره مع أخيه عبد الله. عبد المحسن هو أبو بكر، تقدم في أخيه عبد الرحمن بن الحسين. عبد الوهاب بن أحمد بن عساف بن وهبة الجمحي الدمشقي، شاهد القيمة، سمع من التقي سليمان ويحيى بن سعد والحجار وغيرهم وحدث، وكان عابداً يحي الليل بالذكر والتلاوة، مات في صفر، وكان يسمى وهبة. علي بن أيوب الأصبهاني، نزيل القاهرة، حدث بالكاملية عن أبي الحسن الواني، مات في ذي القعدة. وهو أحد من سمع عليه قاضي القضاة جلال الدين البلقيني مع قلة مشايخه. علي بن عبد الوهاب بن علي السبكي، ولي خطابة الجامع الأموي بعد أبيه وله عشر سنين، وقد درس في حياة أبيه بالأمينية وعمره سبع سنين، مات كما تقدم مع ولدي عمه بهاء الدين في يوم أحد. علي بن عثمان بن أحمد بن عمر بن أحمد بن هرماس بن نجا بن مشرف البعلي الزرعي ثم الدمشقي، المعروف بابن شمرنوخ، ولد بعد الثمانين، ولم يرزق سماع الحديث في العلو، وكانت له عناية بالعلم، وولي قضاء عدة بلاد بحلب، ثم ولي وكالة بيت المال بدمشق، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 ثم قضاء حلب مرتين أولهما سنة اثنتين وأربعين، وهو القائل رحمه الله تعالى: أحسن إلى من أسا ما استطعت واعف إذا ... قدرت واصبر على رزء البليات. وماء وجهك خير السلعتين فلا ... تبعه بخساً ولو باليوسفيات. فكل ما كان مقدوراً ستبلغه ... وكل آت على رغم العدى آتي. وكان يعرف التركي ويتكلم به، ويلقب بالقرع، وقد كان كتب له بقضاء دمشق بعد السبكي الكبير فلم يتم له ذلك، وباشر توقيع الدست ونظر الجامع، وكان حسن الحظ جداً سريع الكتابة بحيث أنه كتب صداقاً بمدة واحدة. وكان مفرط الكرم حتى أنه في الآخر افتقر جداً وانقطع ببستانه خاملاً إلى أن مات في جمادى الآخرة. علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن أبي الفتح بن هاشم الكناني العسقلاني الحنبلي، علاء الدين، قاضي دمشق، ولد سنة بضع عشرة، وسمع من أحمد بن علي الجزري، وأجاز له ابن الشحنة، وناب أولاً في الحكم بالقاهرة عن موفق الدين، ثم ولي قضاء دمشق بعد موت ابن قاضي الجبل في ذي القعدة سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، وكان فاضلاً متواضعاً ديناً عفيفاً، وكان أعرج، كثير الانجماع حتى يقال: إنه لم يسجل عليه حكم وإنما كان نائبه يتصدى لذلك، مات في نصف شوال وقد نيف على الستين، وهو والد شيخنا جمال الدين عبد الله بن علاء الدين الجندي. عمر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة، الكناني الحموي ثم المصري، سراج الدين بن عز الدين بن بدر الدين، ولد سنة تسع عشرة، وأسمعه أبوه من الواني والحجار وابن المصري وست الفقهاء بنت الواسطي وإسحاق الآمدي وغيرهم بمصر والقدس ودمشق، وناب عن أبيه في تدريس جامع ابن طولون، ولم يكن محمود السيرة، مات عن خمس وخمسين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 عمر بن منصور بن أبي بكر بن عبد العزيز البعلي، روى عن خاله موسى بن عبد العزيز بن جعفر، ومات في صفر ببعلبك. محمد بن إبراهيم بن علي بن أحمد بن علي بن يوسف بن إبراهيم الدمشقي، أمين الدين بن القاضي برهان الدين، الشهير بابن عبد الحق الحنفي، ويعرف بابن قاضي الحصن، كان من الأعيان، اشتغل ودرس بالعذراوية والخاتونية وولي الحسبة ونظر الجامع الأموي، مات بدمشق عن بضع وستين سنة في المحرم بالطاعون. وكان فاضلاً ممدحاً ابن نباتة وغيره. محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد المعطي الخزرجي المكي، جمال الدين، ولد سنة اثنتين وسبعمائة، وسمع الكثير من جده لأنه صفي الدين أحمد الطبري وأخيه الرضي والفخر التوزري وجماعة، وكان عارفاً بالفرائض والفقه، وحدث بالكثير من مسموعاته وتفرد ببعضها، مات في تاسع عشر شهر رجب، وكان يقال له أحياناً: ابن الصفي نسبة لجده لأمه. محمد بن أحمد بن عبد القوي الكناني الحلبي، خادم الخانقاه الصلاحية بحلب، سمع من سنقر الزيني بحلب، وكان خاتمة من روى عنه بها. محمد بن أحمد بن عبد الوارث البكري، ناصر الدين، أخو صاحبنا عبد الوارث، كان فاضلاً، اشتغل على جماعة، وولي إعادة تدريس الشافعي، ومات في ثاني شوال، وقد تقدم ذكر أبيه في سنة 774. محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن جامع الدمشقي، شمس الدين بن اللبان المقرئ، ولد سنة عشر أو سنة ثلاث عشرة، وأخذ القراءات أولاً عن شهاب الدين سبط ابن السلعوس، ثم رحل فأخذ عن ابن السراج وعلي أبي العباس المرادي وعن أبي حيان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وغيرهم، وتصدى للإقراء وأكثر الناس عليه، وكان يحفظ كثيراً من الشواذ، وربما قرأ ببعضها في الصلاة فأنكر ذلك عليه، وقد حدث عن ابن الشحنة وعن وجيهة بنت الصعيدي الإسكندرانية وغيرهما، وكان طلب بنفسه وكتب الطباق، ومات في ربيع الآخر وقد جاوز الستين. محمد بن أحمد بن عمر بن أبي عمر المقدسي الحنبلي، عز الدين بن عز الدين بن عز الدين الحنبلي، سمع مشيخة الكاشغري على الحجار وحدث. محمد بن ارغون شاه، نائب الشام، كان يشتغل ويحصل الكتب، وله بذلك عناية، مات في المحرم. محمد بن أبي بكر بن إسماعيل، محب الدين حفيد الشيخ مجد الدين له معرفة جيدة بالحساب، مات في شوال. الزنكلوني الشافعي، تفقه بأبيه وسمع من الدبوسي وغيره، وكان متواضعاً. محمد بن ثعلب المصري المالكي، أحد المدرسين بالقمحية بمصر، مات في رابع شوال. محمد بن حسن بن طلحة المصري، مات في شوال. محمد بن الحسن بن عبد الله الحسيني الواسطي، نزيل القاهرة، ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، واشتغل ببلاده، ثم قدم الشام وتميز وأفاد ودرس، وكان بارعاً في الفقه والأصول، شرح مختصر ابن الحاجب، وجمع شيئاً في الرد على التناقض للأسنوي، واختصر الحلية، وكان منجمعاً على الناس، وله تفسير كبير، وخطه مليح، من ستين سنة إلى الآن. محمد بن حسن بن محمد بن عمار بن متوج بن جرير الحارثي الدمشقي، شمس الدين بن قاضي الزبداني، ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة، وتفقه على كبر على برهان الدين بن الفركاح وابن الزملكاني، وسمع من إسماعيل بن مكتوم وطبقته، وقرأ على علي بن يحيى الشاطبي، وتميز وبرع وأفتى ودرس بالشامية والعادلية والنجيبية والظاهرية والعادلية الصغرى وبالجامع بدمشق، وانتهت إليه رئاسة الفتوى بالشام، حتى قيل: إنه لم يضبط عليه خطأ في فتوى، مات في مستهل المحرم. وكان شيخه البرهان الفزاري يثن على ذكائه وعلى كتابته المحررة في الفتوى، وكان مقصوداً لقضاء حوائج الناس عند القضاة، معظماً عندهم، مقبول القول، كثير التواضع، يخضع له الشيوخ. وقد نقل عنه التاج السبكي في الطبقات في ترجمة ابن الزملكاني، ومن مروياته: مسند الشافعي سمعه على وزيرة، وكتاب البسملة لأبي شامة سمعه على علي بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 يحيى الشاطبي بسماعه من مصنفه، وقد طلب بنفسه وقتاً وكتب الطباق. قال العثماني قاضي صفد: انتهت إليه رئاسة العلم بالشام وغيرها، وسمي شيخ المذهب، وتفرد بإجادة الكتابة على الفتوى في زمانه، وأرخ وفاته سنة خمس فوهم. محمد بن السقاء، الشيخ شمس الدين بن المالكي، أحد الفضلاء كان فاضلاً متواضعاً مطرحاً للتكلف، مات في المحرم. محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد بن علي السلماني اللوشي الأصل الغرناطي الأندلسي، لسان الدين بن الخطيب، كان أبوه يخدم بني الأحمر على مخازن الطعام، وكان بارعاً فاضلاً، مات سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وولد له ابنه محمد فتأدب واختص بصحبة الحكيم يحيى بن هذيل وتعلم منه الفلسفة وبرز في الطب، ثم قال الشعر وترسل ففاق أقرانه، ومدح أبا الحجاج ملك غرناطة فرقاه إلى خدمته واستكتبه من تحت يد أبي الحسن بن الحباب، فلما مات في الطاعون العام قدمه إلى رئاسة الكتاب، وأضاف إليه الوزارة فاستقل بجميع ذلك، وجمع مالاً كثيراً، وبلغ من اختصاصه ما لم يبلغه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 أحد، وترسل إلى أبي عنان، فلما قتل أبو الحجاج سنة خمس وخمسين وقام بعده ابنه محمد أفرد ابن الخطيب بوزارته، واتخذ لكتابته غيره ثم استمد أبا عنان وبعثه رسولاً في الوقعة الكائنة بين الفرنج، فمدح أبا عنان فاهتز له وأحسن إليه، فلما تسلطن إسماعيل بن أبي الحجاج وخلع محمد بن أبي الحجاج أخاه نحى الوزير فأرسل أبو سالم بن أبي الحسن فشفع في ابن الخطيب، فأفرج عنه وقدم صحبة سلطانه محمد إلى فاس، فأقبل عليه أبو سالم وقد مدحه، فأجزل صلته، ثم سار إلى مراكش فأتحفه عمالها بما يليق به، ثم شفع له أبو سالم إلى ابن الأحمر أن يرد عليه ضياعه فشفعه فيه، فلما عاد السلطان محمد إلى ملكه لحق به ابن الخطيب فأعاده إلى مكانه فلم يزل حتى وقع بينه وبين عثمان بن يحيى بن عمر شيخ الغزاة منافرة فلم يزل ذلك حتى نكب عثمان في شهر رمضان سنة أربع وسبعين ونفاه، فانفرد ابن الخطيب بتدبير المملكة، وأقبل الملك على اللهو فحسده أهل الدولة، فبلغه ذلك وأنهم سعوا به إلى السلطان ليهلكه، فسعى في الخلاص وراسل صاحب فاس المريني في اللحاق به، وخرج من غرناطة على انه يتفقد الثغور الغربية حتى حاذى جبل الفتح، فركب إلى سبتة ودخل فاس سنة ثلاث وسبعين، فبالغ المريني في إكرامه وأجرى له الرواتب، فاستقرت قدمه واستكثر من شرى الضياع والبساتين، فقام أعداؤه بالأندلس وأثبتوا عليه عند القاضي كلمات منسوبة إليه تقتضي الزندقة، فأثبت ذلك وحكم بزندقته وأرسل بها إلى صاحب فاس ليعمل بها ويقتله، فامتنع وقال: هلا فعلتم ذلك وهو عندكم! وأما أنا فلا يصل إليه أحد ما كان في جواري، فلما مات السلطان اختص ابن الخطيب بعده بالوزير أبي بكر بن غازي، فلم يزل مكرماً إلى أن تسلطن أبو العباس فأغراه به سليمان بن داود بن أعراب كبير بني عسكر، وكان من أكبر أعدائه حتى أجابه أبو العباس إلى القبض على ابن الخطيب فسجن، فلما بلغ ذلك ابن الأحمر أرسل وزيره أبا عبد الله بن زبرك وادعى على ابن الخطيب في مجلس السلطان بالكلمات التي ثبتت عليه وأقيمت البينة، فعزر بالكلام ثم بالعقاب ثم أعيد إلى السجن، واشتوروا في قلته فأفتى بعض الفقهاء بقتله، فطرق عليه السجن ليلاً وقتل في السجن ليلاً، وأخرج من الغد ودفن، فلما كان من الغد وجد على شفير قبره مطروحاً وحوله أحطاب كثيرة، فأضرمت فيها النار فاحترق شعره واسودت بشرته، ثم أعيد إلى حفرته، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 وكانت له من التصانيف الإحاطة بتاريخ غرناطة وروضة التعريف بالحب الشريف والغيرة على أهل الحيرة وحمل الجمهور على السنن المشهور والتاج على طريقة يتيمة الدهر والإكليل الزاهر فيما ندر عن التاج من الجواهر كالذيل عليه وعائد الصلة في التاريخ وغير ذلك، وكان قتله في سنة ست وسبعين وسبعمائة، واشتهر أنه نظم حين قدم للقتل الأبيات المشهورة التي يقول فيها: فقل للعدى ذهب ابن الخطيب ... وفات فسبحان من لا يفوت. فمن كان يشمت منكم به ... فقل يشمت اليوم من لا يموت. والصحيح في ذلك ما ذكره صديقه شيخنا ولي الدين ابن خلدون أنه نظم الأبيات المذكورة وهو في السجن لما كان يستشعره من الفتك به، وذكر الشيخ محمد العصباني أن ابن الأحمر وجهت رسولاً إلى ملك الفرنج في رسالة، فلما أراد الرجوع أخرج له رسالة من ابن الخطيب بخطه تشتمل على نظم ونثر، قال: فلما قراتها قال لي: مثل هذا كان ينبغي أن يقتل! ثم بكى حتى بل ثيابه. من محاسن نظمه قوله: طال حزني لنشاط ذاهب ... كنت أسقى زمناً من حانه. وشباب كان يندى خده ... نزل الثلج على ريحانه. محمد بن عبد الله بن عبد الباقي بن عبد الأحد الحلبي الصوفي، أبو الفضل، سمع من سنقر الزيني مشيخته وحدث، مات في شعبان وله ست وسبعون سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن المصري الحنفي، شمس الدين بن تاج الدين، مدرس الأطباء بجامع ابن طولون، وكان فاضلاً، له نظم، مات في ثامن عشر شوال. محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر الإخميني، كان صالحاً معتقداً، مات في رابع شوال. محمد بن عبد الله بن علي بن عبد القادر، تقي الدين بن الأطرباني المصري، ولد سنة إحدى وسبعمائة تقريباً وأسمع من الشريف الموسوي واب عبد الحميد ووزيرة والحجار وغيرهم، وأجاز له الدمياطي وغيره، وكان يوقع في الإنشاء، مات في صفر. محمد بن عبد الله بن علي بن عثمان بن إبراهيم بن مصطفى، القاضي صدر الدين بن القاضي جمال الدين بن القاضي علاء الدين التركماني، تفقه واشتغل ومهر في العلم، وناب في الحكم، ولازم الشيخ أكمل الدين، ثم استقل به بعد موت السراج الهندي إلى أن مات في ذي القعدة ولم تكمل أربعون سنة، وكان مهيباً وشكلاً بهياً، وله نظم. محمد بن عبد الله الهاروني، الفقيه أبو جابر المالكي، مشهور بكنيته، كان ماهراً في مذهبه، كثير المخالفة لأقرانه في الفتوى، كثير الاستحضار على هوج فيه. ومات معه في السنة ولده شرف الدين محمد، وكان فاضلاً أيضاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 محمد بن عبد الله الصفوي الهندي ثم الدمشقي، كان رومي الأصل، أسمعه مولاه صفي الدين الهندي الحديث، وحفظ التنبيه في صغره، وألبسه الخرقة وكان يلبسها عن مولاه، وتفرد برواية جزء البيتوتة على أبي الفضل بن عساكر حضوراً عليه، وأجاز له القواس والعز أحمد الحسيني وعائشة بنت المجد وجماعة، وكان حسن الشيبة، يعرف شد المناكيب ويجودها، وكان يضرب بصنعته المثل، أخذ ذلك عن زين الدين عبد الرحيم البغدادي، أثنى عليه البرزالي وأرخه سنة تسع عشرة وله ثمان وسبعون سنة. محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي الحسن الزمردي الشيخ، شمس الدين بن الصائغ الحنفي النحوي، ولد سنة ثمان وسبعمائة أو بعدها بقليل وسمع من الحجار والدبوسي وغيرهما، واشتغل في عدة فنون، ولازم أبا حيان، ومهر في العربية وغيرها، ودرس بجامع ابن طولون للحنفية، وولي قضاء العسكر في سنة ثلاث وسبعين، وكان فاضلاً بارعاً، حسن النظم والنثر، كثير الاستحضار، قوي البادرة، دمث الأخلاق، وهو القائل: لا تفخرن بما أوتيت من نعم ... على سواك وخف من كسر جبار. فأنت في الأصل بالفخار مشتبه ... ما أسرع الكسر في الدنيا لفخار. ومن تصانيفه: شرح الألفية رأيته بخطه في مجلدين، وشرح المشارق وقفت عليه بخطه في ست مجلدات وله فيه مباحث لطيفة، والتذكرة النحوية، والمباني في المعاني، والمنهج القويم في القرآن العظيم، والثمر الجني في الأدب السني، والغمز على الكنز، والاستدراك على المغني لابن هشام استفتحه بقوله الحمد لله الذي لا مغني سواه، أخبرني ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم الحنفي إذناً وكتبته من خطه قال أخبرني شمس الدين بن الصائغ أنه شاهد بمصر بجامع عمرو أكثر من خمسين متصدراً يقرأ عليهم الناس العلوم. قلت: وأدركت أنا في الجامع نحو هذا العدد لكنهم لا يحضرون أصلاً بل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 يأخذون المعلوم من وقف الجامع، ثم قطعوا في آخر دولة الأشرف ثم أعيد بعضهم في دولة الظاهر، وذكرت بما قال ابن الصائغ ما قرأت بخط الفارقي التاجر الزبيدي: أنه كان بمصر في أول دولة الناصر من التجار الكارمية أكثر من مائتي نفس وعد من عبيدهم الذين كانوا يسافرون لهم في التجارة بالسفرات الكبار أكثر من مائة وأنشدني قال أنشدني لنفسه: بروحي أفدي خاله فوق خده ... ومن أنا في الدنيا فأفديه بالمال. تبارك من أخلى من الشعر خده ... وأسكن كل الحسن في ذلك الخال. قال: وما أحسن قول ابن أبي حجلة: تفرد الخال عن شعر بوجنته ... فليس في الخد غير الخال والخفر. يا حسن ذاك محيا ليس فيه سوى ... خال من المسك في خال من الشعر. قلت: وبين المقطوعين كما بين الثريا والثرى، مات في شعبان. محمد بن عبد الرحيم بن يحيى، أبو البركات، كمال الدين السبكي، سمع من يحيى بن المصري وأحمد بن علي الجزري وغيرهما، واشتغل بالحديث، وقرر مدرساً فيه بالشيخونية بعناية الشيخ بهاء الدين وهو ابن عمته، وقد جمع جزاء فيما وافق فيه عمر بن الخطاب ربه أجاده، واختصر الزهر الباسم لمغلطاي، وولي إفتاء دار العدل، وكان ساكناً منجمعاً على الناس، مات في شوال. محمد بن علي بن أحمد بن محاسن الدمشقي المؤذن، سمع من عبد الرحيم بن أبي اليسر وغيره من جامع الترمذي، وكان من القراء بالألحان، مات في المحرم. محمد بن علي بن عبد الله اليمني، شمس الدين، أبو القاسم، أقام بمصر ملازماً لعز الدين بن جماعة، وكان فاضلاً، مات في المحرم. وكان ولي مشيخة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 الإقراء، بالشيخونية، ووقع بينه وبين الأكمل فنزح إلى الشام فأكرمه تاج الدين السبكي ونزله ببعض الخوانق، ثم ترك ذلك زهداً، ومات مطعوناً. قال ابن حجى: كان فاضلاً مفتياً يستحضر أشياء من غريب الحديث وأسماء الرجال وفقه الشافعية من كتاب البيان، وكان يرويه بإسناد له، وكان يخضب بالحناء، وصنف كتاباً. قلت: وقفت له على عدة تصانيف لطاف دالة على اتساعه في العلم. محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر السعدي، فتح الدين بن علاء الدين بن فتح الدين بن محيي الدين، نائب موقع الدست، سمع من زينب بنت شاكر والحجار وغيرهما وحدث، مات وله سبع وستون. محمد بن عيسى بن عبد الكريم بن عساكر بن سعد بن أحمد بن محمد بن سليم بن مكتوم القيسي الدمشقي العطار، بدر الدين بن مكتوم، أحد الفضلاء الشافعية، ولد سنة سبعمائة، وسمع من الشيخ برهان الدين بن الفركاح وصحب الشيخ حماد الزاهد، ومات هو وأخوه أحمد في هذه السنة، ومات هذا في المحرم. وكان مولد أحمد سنة عشر وسبعمائة. وكان يشهد بالرواحية، وورث من أخيه مالاً فقضى به ديناً كان له عليه، ثم مات هو أيضاً. محمد بن قليج بن كيكلدي العلائي، ابن أخي الحافظ صلاح الدين، ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة، سمع بعناية عمه من القاسم بن عساكر وأبي نصر بن الشيرازي وغيرهما، وله إجازة من حسن الكردي ويونس الدبوسي وغيرهما، وكان فاضلاً ديناً خيراً، مات في شعبان مطعوناً ببيت المقدس، وكان يعاني المباشرات مع جودة وانجماع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 محمد بن محمد بن أحمد بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر، سعد الدين بن صلاح الدين بن تقي الدين، مات مطعوناً في المحرم وكان قد سمع وحدث، وعاش أبوه بعده خمس سنين. محمد بن محمد بن عبد الله، شرف الدين بن أبي جابر المالكي، تقدم مع أبيه. محمد بن محمد بن محمد بن عبد القوي المصري، المؤدب، ناصر الدين الكناني، ولد سنة اثنتين وتسعين وستمائة أو ثلاث، وسمع من وزيرة والحجار وهو كبير وحدث، ومات في خامس عشرين رمضان. محمد بن محمد بن محمد بن يوسف، بدر الدين بن العلاف، سمع من الواني وغيره، وكان مولده سنة ثلاث وتسعين وستمائة وحدث، مات وقد قارب التسعين، ولو سمع صغيراً لكان مسند مصره في عصره. محمد بن محمد بن محمد بن الكيناني، ناصر الدين، رئيس المؤذنين بالمنصورية، مات في خامس عشرين رمضان بالقاهرة. محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب، كمال الدين، أبو الفضل بن الشحنة، والد العلامة محب الدين أبي الوليد، كان فاضلاً بارعاً، يدرس في مذهب الحنفية، ومات بحلب في ربيع الأول. محمد بن أبي محمد التبريزي الشافعي، قدم من بلاد العجم وأخذ عن القطب التحتاني وبرع في المعقول، وقرر له منكلي بغا بالقاهرة معلوماً على تدريس بالمرستان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 المنصوري، ثم قرره في تدريس الفقه بالمنصورية، ثم عزله الجاي، ثم ولي درس جامع المارداني وأعاد تدريس الشافعي وشغل الناس كثيراً وانتفعوا به، مات في مستهل ذي الحجة. محمد بن أبي محمد بن البقال المعبر الدمشقي، انتهت إليه الرياسة في فنه، مات في شوال. محمد بن أبي محمد البقاعي المالكي، قاضي طرابلس، وهو أول من ولي قضاء المالكية بها بطريق الاستقلال. محمد بن أبي محمد، تاج الدين بن تقي الدين بن الهمام، إمام جامع الصالح بالقاهرة. ذكره شيخنا ابن الفرات في تاريخه وقال: كان حسن الوجه، ظاهر النعمة، كريم الشمائل، موقراً عند الكبار. غرق في النيل وهو يريد الروضة في ربيع الأول. محمد بن محمود بن إسحاق بن أحمد الحلبي ثم المقدسي، أبو موسى، المحدث الفاضل، سمع من ابن الخباز وابن الحموي ونحوهما ولازم صلاح الدين العلائي وأبا محمود وتخرج بهما، وقدم دمشق فلازم ابن رافع، وبرع في هذا الشأن، وجمع تاريخ بيت المقدس، وكان حنفياً فتحول شافعياً بعناية القاضي تاج الدين السبكي. ورأيت بخطه وفيات مختصرة إلى قرب سنة موته، مات في شهر رمضان رحمه الله تعالى. محمد بن مسلم بن حسين بن مسلم بن عبد الله البالسي ثم المصري، ناصر الدين، أحد كبار التجار، اعجوبة عصره في كثرة المال حتى كان يقال: إنه لا يعلم قدر ماله. وذكر سبطه شهاب الدين بن يسير أن ما له حزر فجاء عشرة آلاف ألف دينار. ويقال: إنه خاصم بدر الدين الخروبي فقال له ابن مسلم: اشتر بمالك كله شكائر وأحضرها أملأها لك مالاً. ويقال: إنه ما مات له عبد في الغربة، كانوا يدورون في التجارات ولا يتفق موت الواحد منهم إلا بمصر حتى أن واحداً منهم غاب عشرين سنة وعاد فمات عنده. وكان موصوفاً بالإمساك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 جداً لكن يقال: إنه كان يتصدق سراً. وكان لا يحبس أحداً ولا يوكل به، وأوصى بعمارة مدرسة بستة عشر ألف دينار فعمرت بمصر هي مشهورة وورثت أولاده أمواله بعده، فأما علي وهو الأكبر فأفسدها ما وصل إليه في أسرع مدة وصار فقيراً مدقعاً وربما استعطى في آخر عمره بالورق، وأما ابنه أحمد وكان سماه باسم ولد له آخر كان أكبر أولاده، وكان أنجب فيه، فمات في حياته بقوص في المحرم سنة أربع وسبعين وسبعمائة، ومات ناصر الدين وابنه أحمد الثاني صغير. فرباه خادمه كافور إلى أن كبر وتسلم ماله، فتواردت عليه أيدي الظلمة وسوء التدبير مع شدة إمساكه حتى آل أمره بعد الثلاثين إلى أن صار في عداد المساكين لولا أن لهم بقوص أرضاً تغل في بعض السنين شيئاً، وكانت وفاة ناصر الدين في شوال في ليلة الجمعة ثاني عشره. ومن وجوه البر التي فعلها: المطهرة الكبيرة جوار جامع عمرو بن العاص، وقد حصل الانتفاع بها جداً، وكان جده وأبوه وعمه محمد من التجار حتى كان يقال لعمه شمس الدين: نصف الدنيا، وجده لأمه شمس الدين محمد بن يسير البالسي كان أيضاً من كبار التجار المشهورين، وأعقب ذرية لم ينجب منهم، إلا القليل، وكانت وفاته في المحرم سنة ثمان وستين رحمهم الله أجمعين. ماجد بن تاج الدين موسى بن أبي شاكر القبطي المصري، فخر الدين، كان صاحب ديوان يلبغا، ثم ولي الوزارة في دولة الأشرف ونظر الخاص، ومات في هذه السنة وأبوه حي. مثقال بن عبد الله الحبشي سابق الدين صاحب المدرسة السابقية بين القصرين، كان محباً في أهل العلم والخير، وهو مقدم المماليك عند الأشرف. منجك بن عبد الله التركي، تنقل في الولايات بالبلاد، وولي الوزارة بالقاهرة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 واستقر في الآخر نائب السلطنة بمصر وإليه أمور المملكة، وقد عمر خانات نافعة وجوامع وأصلح الجسور والطرقات، مات في تاسع عشرين ذي الحجة وقد جاوز الستين. ومن أحكامه مع ما كان يعني من تعمير المدارس والخوانق والخانات والقناطر أمره بكسر أواني الخمر ومنع عملها، ومنع النساء من الركوب بين الرجال والخروج إلى واضع النزه والخروج في الليل، وتضييق الأكمام، ومنع تعليق الأجراس بأعناق الحمير، وألزم كل من يدخل الحمام بالتستر بالميازر وغيرها. نصر الله بن أبي بكر بن نصر الله المقرئ، ناصر الدين، تصدر للإقراء بدمشق، وأخذ عنه تاج الدين السبكي، ولم يكن إسناده عالياً إلا أنه كان يرغب فيه لجودة معرفته، مات في جمادى الأولى. وهبة في عبد الوهاب. يوسف بن عبد الله الطبيب، صلاح الدين بن المغربي، رئيس الأطباء بالقاهرة، مات في جمادى الآخرة، وهو صاحب الجامع الذي يقابل الخليج الحاكمي بالقرب من باب الخوخة بالقاهرة. يوسف بن علي بن محمد الدمشقي، جمال الدين بن المهتار، ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، واحضر على التقي سليمان ونحوه، وسمع من الحجار وطبقته، وأجاز له الدشتي وغيره، وكان إمام مسجد إلياس، مات في جمادى الآخرة ولحيته سوداء إلا أنه يقال: إنه لم يتزوج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 يوسف بن محمد بن مسعود بن محمد بن علي بن إبراهيم الحنبلي جمال الدين السرمري العقيلي الحنبلي، نزيل دمشق، ولد سنة ست وتسعين وستمائة بسر من رأى. وسمع ببغداد من الصفي عبد المؤمن وابن الدقوقي، وبدمشق من أصحاب ابن عبد الدائم وغيرهم، وأخذ الفقه عن سراج الدين حسين بن يوسف بن أبي السري التستري ثم انتقل إلى بغداد سنة تسع وعشرين، وأجاز له ابن الشحنة وابن الدواليبي وغيرهما، وبرع في العربية والفرائض، ونظم وخرج وحدث، واقعد بأخرة، وجاز الثمانين، وله من التصانيف: عقد اللآلي في الأمالي، وغيث السحابة في فضل الصحابة، ونشر القلب الميت بفضل أهل البيت، وعجائب الاتفاق وغرائب ما وقع في الآفاق، والأربعين الصحيحة فيما دون أجر المنيحة، والثمانيات، وغير ذلك، وقد أخذ عنه ابن رافع مع تقدمه وذكره في معجمه وحدث عنه ومات قبله، وذكره الذهبي في المعجم المختص فقال: قدم علينا سنة ست وأربعين، وقرأ علي، وله معرفة بالمذهب ونظم جيد في علوم الحديث وغيرها انتهى. وكان مشاركاً في العربية والفرائض، ويقال: إن مصنفاته بلغت مائة وإنها في نيف وعشرين علماً. يوسف بن يحيى بن إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي، جمال الدين بن أبي البركات عز الدين بن أبي الطاهر شمس الدين ابن شيخ الإسلام عز الدين، ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة وسمع على ابن مشرف جزء أبي موسى المديني، وأجاز له ابن الموازيني وابن القيم من مصر، وكان يباشر في الأوقاف، وعلى ذهنه حكايات ونوادر، مات في جمادى الأولى وله ثمان وثمانون سنة، ولو أسمع على قدر سنه لأدرك الإسناد العالي. يوسف الحاضري الحنفي، نائب الحسبة، مات في شوال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 سنة سبع وسبعين وسبعمائة فيها في المحرم طهر السلطان أولاده وعمل لهم مهماً عظيماً أنفق فيه من الأموال ما لا يحصى. وظهرت فيه من الفواحش والقبائح ما لا مزيد عليه، واستمر ذلك سبعة أيام. وفي العشرين من المحرم استقر نجم الدين بن الكشك في قضاء الحنفية بالقاهرة نقلاً من دمشق، واستقر عوضه ابن عمه صدر الدين على دمشق، ثم استغنى نجم الدين بعد مائة يوم ونقل إلى دمشق، ونقل ابن عمه إلى القاهرة، واستقر صدر الدين بن منصور في قضاء العسكر، ثم عزل صدر الدين بن الكشك في رمضان واستقر ابن منصور في قضاء الحنفية بالقاهرة. وفي صفر ابتدئ في عمارة المدرسة الأشرفية تحت قلعة الجبل، وهدم من جوارها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 عدة أماكن للناس، منها بيت كبير لسنقر الجمالي، ونقل إليها عمودان عظيمان وجدا في بيت خوند الحجازية عمة السلطان برحبة العيد، وكان المشد عليها اينبك. وفي آخر ربيع الأول عزل ابن الأزكشي من المشورة، وأعيد التاج الملكي إلى الوزارة، فقبض على ابن الغنام وأراد هدم داره جزاء بما عامله، فبادر ابن الغنام وصير داره مدرسة في ليلة واحدة، فاستمرت ولم يجسر الملكي على التعرض لها، ثم قبض عليه في ذي القعدة، واستقر شمس المقسي مشيراً بغير وزير واستقر أمين الدولة خبيص مستوفي الدولة. وفيها استقر آقتمر الحنبلي في نيابة السلطنة بالقاهرة بعد منجك. وفيها وقع الغلاء العظيم بدمشق فبلغت الغرارة خمسمائة بعد أن كانت في الرخص بخمسين، واستمرت الشدة حتى أكلوا الميتات، وعمل فيه ابن حبيب: استمر غول الغلاء كاشراً عن أنياب النوائب، ناشراً حبائل مصائد المصائب، وزاد إلى أن نقصت الأقوات، وتزايد فيه أمواج الأموات. واستمر إلى آخر السنة فتناقص السعر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 ووقع الغلاء بالقاهرة في اللحم خاصة حتى بيع كل رطل بدرهم ونصف. وكان الغلاء أيضاً في حلب حتى بيع المكوك بثلاثمائة، ثم زاد إلى أن بلغ الألف حتى أكلوا الميتة والقطاط والكلاب، وباع كثير من المقلين أولادهم، وافتقر خلق كثير، ويقال: إن بعضهم أكل بعضاً حتى أكل بعضهم ولده، ثم عقب بعد ذلك الوباء ففني خلق كثير حتى كان يدفن العشرة والعشرون في قبر بغير غسل ولا صلاة، ويقال: إنه دام بتلك البلاد الشامية ثلاث سنين، لكن أشده كان في الأولى. وفيها استقر ولي الدين بن أبي البقاء في قضاء الشام والخطابة عوض أبيه، وكان أبو هـ قد سعى أن يكون مستقلاً بذلك في مرض موته فأجيب. ووافاه التوقيع بعد موت أبيه، فولي شمس الدين بن مزهر وكالة بيت المال عوضاً عنه، وذلك في جمادى الأولى. وفيها وقع حريق كثير بدمشق. وفيها استقر بدر الدين الأخنائي في قضاء المالكية في رجب. وفيها وقع الضعف الشديد بالقاهرة بالباردة والنافض. وفيها توجه إلى الحجاز في رجب جمع كثير، فمات منهم الكثير بالضعف. وفيها تسلم السلطان سنجار وأحضر صاحبها إلى القاهرة، واستناب السلطان بها حيدر بن يونس المعروف بابن العسكري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وفيها وصلت هدايا صاحب اصطنبول من الروم، وفي جملة الهدية صندوق فيه شخوص لها حركات كلما مضت ساعة من الليل ضربت تلك الشخوص بأنواع الملاهي، وكلما مضت درجة سقطت بندقة. وفي شعبان اتفقت كائنة عجيبة بدمشق. وهو أن بعض الشرفاء كان ببرزة فوقع بينه وبين خطيب الجامع مخاصمة، فتوجه الشريف إلى الحاجب واستدعى على الخطيب بأنه سبه وأخذ معه جندارية، فتوجه لإحضاره وأخذوا الخطيب وشددوا عليه وساروا به والشريف يستطيل عليه، فاتفق الخطيب، وكان في ذلك عبرة عظيمة. وفيها ولي المجد إسماعيل الحنفي قضاء العسكر، وناصر الدين الطوسي توقيع الدست. وفيها استقر بدر الدين بن مزهر في كتابة السر بدمشق عوضاً عن أحمد بن فضل الله بحكم وفاته. وفيها انتقل سري الدين بن المسلاتي عن مذهب مالك واستقر شافعياً، وناب في الحكم عن ابن جماعة، واستمر على ذلك. وفي آخر هذه السنة نهب الحاج المصري في رجوعهم، وفي ذلك يقول شهاب الدين بن العطار: لقد نهب الحجاج في عام سبعة ... وسبعين جهراً بعد ذبح تمكنا. وصار أمير الركب بورى هارباً ... ولولا قليل كان بورى مكفنا. وجرى للحاج الشامي أشد مما جرى للمصري فإنهم جاءهم سيل بخليص تلف منهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 بسببه شيء كثير، وفي الرجعة هبت عليهم ريح عاصف، ثم اشتد عليهم الغلاء في الطريق حتى بيعت الغرارة الشعير بمائة درهم. وفيها استولى الأمير صرماً التركماني على الموصل وكان صاحبها بيرم حجا قد وقع بينه وبين التركماني ببروان فكسروه، فلما بلغه استيلائ بيرما على الموصل استنجد بالصالح صاحب الحصن والمظفر صاحب ماردين فأنجداه بعسكرين فحاصر الموصل، وانسلخت السنة وهم على ذلك. وفيها عثر على رجلين رافقا تاجراً فأطعماه شيئاً فرقد وأخذا ما معه، فعرفا. وفيها كانت بين أبي زيان بزاي وتحتانية مثقلة، وهو محمد بن السعيد عثمان بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن، وبين أبي حمو بفتح المهملة وتشديد الميم، وهو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن بتلمسان حروب شديدة قتل فيها عبد الله بن صغير أمير كبير دولة أبي حمو، وكانا يتنازعان المملكة، وأول ما ملكها أبو حمو سنة ستين وسبعمائة. وفيها استقر تمراز في نيابة القدس، وهو أول من ولي نيابتها، وكانت قبل ذلك يكون فيها وال من جهة والي الولاية دمشق. وفيها وقف ناصر الدين بن براق داره مدرسة بدمشق، وتقرر فيها شمس الدين الحبتي إماماً. وفيها غلا البيض بدمشق فبيعت الحبة الواحدة بثلاثة دراهم يكون من حساب ستين بدينار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 اللهم ارخص أسعار المسلمين. ذكر من مات في سنة سبع وسبعين وسبعمائة من الاعيان. إبراهيم بن حمزة السبكي، سمع من أصحاب النجيب، وطلب بنفسه، ودرس بالجاولية، يأتي ذكره مع أبيه، مات بمكة. إبراهيم بن بهاء الدين عبد الله الحلي، برهان الدين، كان شكلاً حسناً عاقلاً فاضلاً، ولي نظر الجيش بدمشق والمارستان وبيت المال بالقاهرة. إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الأخنائي، برهان الدين بن علم الدين، كان شافعي المذهب كأبيه وحفظ التنبيه ثم تحول مالكياً كعمه، وقد أسمع على الحجار وغيره، وولي الحسبة ونظر الخزانة، وناب في الحكم، ثم ولي القضاء استقلالاً سنة ثلاث وثلاثين واستمر إلى أن مات، وكان مهيباً صارماً قوالاً بالحق قائماً بنصر الشرع رادعاً للمفسدين، وقد صنف مختصراً في الأحكام، مات في رجب. أحمد بن ازدمر الجمالي، أحد أمراء طرابلس، كان ذا كرم ومروءة، وهو ابن أخي العلائ، أسمعه عم أبيه صلاح الدين العلائي على فاطمة بنت العز مشيخة أبي مسهر، ومات في ذي القعدة. أحمد بن سنقر، كان أحد الفضلاء، وله نظم، مات في صفر. أحمد بن عبد الله المرسي يأتي في مسعود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 أحمد بن عبد القادر بن عمر بن أبي القاسم السلاوي، سمع عمه الشيخ محمد بن عمرو البرزالي وغيرهما، وكان شكلاً حسناً، مات في شوال. أحمد بن عبد الكريم بن أبي بكر بن أبي الحسن البعلبكي الحنبلي الصوفي المسند، سمع صحيح مسلم من زينب كندى، وسمع من اليونيني والتاج عبد الخالق، وأجاز له أبو الفضل بن عساكر وابن القواس، وحدث بالكثير، وارتحلوا إليه، واستدعاه القاضي تاج الدين السبكي سنة إحدى وسبعين وسبعمائة إلى دمشق فقرؤوا عليه الصحيح، قال ابن حجى: كان حسناً خيراً، خرجت له جزأ، ومات في رجب وقد جاوز الثمانين. أحمد بن علي بن محمد بن يسير البالسي، التاجر الكارمي، شهاب الدين، أحد التجار المصريين، وكان جده من كبارهم، ونشأ هذا في رئاسة لكنه لم يكن بذلك الحازم، ومات في ذي الحجة كهلاً، وخلف ولده مرضعاً وهو أبو القاسم على الذي سيأتي ذكره في سنة تسع وتسعين. أحمد بن علي بن يحيى بن فضل الله، شهاب الدين بن علاء الدين العدوي المصري ثم الدمشقي، ولد بعد سنة أربعين، ونشأ في حجر السعادة إلى أن ولي كتابة السر بدمشق، فمات بها في شهر المحرم، فكانت مدة مباشرته دون السنة. أحمد بن لؤلؤ الحاكمي الشاعر، مات في ربيع الأول. أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن إلياس بن الخضر بن علي، جمال الدين بن عز الدين الرهاوي الدمشقي، تفقه على ابن الفركاح، وأخذ عن الأصبهاني وابن نصحان، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 وسمع من ابن الشحنة، وعني بالعلم حتى فضل، ودرس وأفتى، وناب في الحكم، وتعانى المباشرات والحساب، وكان سريع الإدراك حسن المناظرة، قال ابن حجى: كان الشيخ تقي الدين السبكي يثنى على فهمه وكتب هو من تصانيف السبكي شيئاً كثيراً قراها عليه وقد سمع من الحجار وغيره، ولما ولي البلقيني وازره وتصدى لمخاصمة تاج الدين السبكي فأدى ذلك إلى انحراف كثير من الناس عنه وتحاملوا عليه وكبسوا بيته وأخرجوا منه خمراً قيل إنه كان لبعض غلمانه: فآل أمره إلى الخمول حتى مات في ربيع الأول عن سبع وسبعين سنة. أحمد بن محمد بن محمد الشبشيري ثم البعلي، كان تعانى الحديث بالعراق، وسمع منه الشيخ نصر الله بن أحمد الحنبلي وأجاز لولده القاضي محب الدين مات في المحرم. أحمد بن محمد بن أبي المجد بن أبي الوفاء بن المرجاني الهمداني سمع الصحيح من الحجار، وكانت بينه وبين القيراطي مكاتبات أدبية، مات مقتولاً في جمادى الأولى عن ثلاث وستين. أحمد بن أبي محمد، شهاب الدين بن الشامية. لأحمد بن يوسف بن فرج الله بن عبد الرحيم، شهاب الدين الشار مساحي، تفقه على الشيخ جمال الدين الأسنوي وغيره برع في الفقه والأصول وولي قضاء المحلة ومنفلوط وغيرهما، وكان موصوفاً بالفضل والعقل. أحمد المرجاني، كان أحد اللطفاء مقصوداً من الأكابر بالعشرة لظرفه وكان حسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 الحظ، كتب الصحاح بخطه ثم اغتيل في داره في جمادى الأولى ووضع في صندوق وأخذ ماله فاتهم به جماعة ممن يعاشره فاحتيط بهم منهم جمال الدين بن خطيب داريا، ثم ظهر قاتلوه في رمضان وبرئ المتهم. ارغون المحمدي الأنوكي، والي قلعة الجبل، وكان قد ولي خزندار السلطان. إسرائيل دوادار بيدمر النائب بدمشق، مات في جمادى الأولى، وكان مشكور السيرة. اسنبغا بن بكتمر الأمير سيف الدين البوبكري، ولي نيابة حلب، وبنى بالقاهرة مدرسة معروفة واستقر في أيام السلطان أمير آخور ثم حاجب الحجاب، ومات وهو أمير الميسرة في المحرم ويقال إنه أقام مدة لم يشرب ماء، وكان يذكر أن له خمساً وأربعين سنة ما جامع شيئاً ولد سنة ثلاث عشرة. بهادر، نائب بعلبك، مات في ربيع الأول. جركتمر بن عبد الله المنجكي أحد أكابر الأمراء بالقاهرة، ثم تنقلت به الأحوال كان منجك تبناه، ثم صار من اكابر الأمراء في أيام اسندمر، ثم ولي نيابة قلعة الروم، ثم نيابة الإسكندرية، ومات في رجب. حسن بن الرفاعي، شيخ الطائفة الرفاعية بدمشق، مات في جمادى الآخرة. حسن بن الحناني، شاهد القيمة، كان عارفاً بالحساب في المساحة فرداً في ذلك، مات بدمشق في صفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 الحسين بن عمر بن الحسن بن عمر بن حبيب الحلبي، شرف الدين، رحل وجمع وأفاد وخرج الفهرست والمشيخة، ومن مشايخه أبو طالب العجمي ووالده وسنقر الزيني وغيرهم. وذكره الذهبي في المعجم المختص فقال: شاب متيقظ، سمع وخرج وكتب عني الكاشف، اعتنى به أبوه بحلب، وسمع بنفسه من بنت صصرى وابن أبي التائب، وكان مولده في جمادى الآخرة سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وأخذ عن والده وعبد الرحمن وإبراهيم ابني صالح وغيرهم. قلت: وأخذ عنه ابن عشائر ووصفه بالفضل وحسن المحاضرة، وكان يوقع على الحكام، مات بحلب في ذي الحجة. حسين الهيتي المقيم بمسجد إسحاق، كان صالحاً معمراً، يقال: جاوز التسعين، وكان قال لهم في مرض موته: إن وجدتم معي أزيد من عشرة دراهم فلا تصلوا علي، فلم يجدوا معه سوى عشرة، وبيعت ثيابه بعشرين درهماً فقسم ورثته ميراثه ثلاثين درهماً عشرة عشرة، وكانوا ثلاثة أخوة. حمزة بن علي بن محمد بن أبي بكر بن عمر بن عبد الله، أبو يعلى السبكي المالكي، سمع من الدبوسي والواني والطبقة، وطلب وكتب ودرس وناب في الحكم، ووقع في الدست وفي الأحباس، وله إلمام بالحديث، وكان يدعى أنه شريف فأخبرني الشيخ زين الدين العراقي أن الشيخ تقي الدين السبكي أنكر ذلك عليه، مات راجعاً من الحج ودفن برابغ عن نحو من ثمانين سنة لأن مولده سنة ثمان وتسعين وستمائة، وكان ابنه إبراهيم صحبته فمات بمكة وكان لطيف الذات حسن المعاشرة فحزن أبوه عليه، وتضعف واستمر إلى أن مات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 حمزة، شاد الدواوين بدمشق، مات تحت العقوبة في جمادى الآخرة. خليل بن أرغون الكاملي، ولد النائب، مات في رجب. ذو النون بن أحمد بن يوسف السرماري، نزيل عينتاب، يعرف بالفقيه، أخذ عن مشايخ أذربيجان وديار بكر وغيرهم، وقدم عينتاب في حدود الستين فأقام بها يشتغل الطلبة، وشرح مقدمة أبي الليث وقصيدة البستي، وتصدر بجامع النجار بجوار ميدان عينتاب، وكان قائماً بالأمر بالمعروف شديداً في ذلك إلى أن مات في رمضان، نقلت ترجمته من تاريخ العيني. زاده الشيخ، يأتي في الميم. سنقر الجمالي مولى ابن الشريشي، له رواية، مات في ذي الحجة بدمشق. صالح بن أحمد بن عبد الله، علم الدين الأسنوي، اشتغل قليلاً، ووقع في الحكم وناب في الحكم وتقدم عند السلطان إلى أن صار نافذ الكلمة عند كل أحد، وحصل له من الوظائف ما لا مزيد عليه حتى يقال: إن معاليمه في الشهر كانت خمسمائة دينار، فكان مع ذلك في غاية الجهل حتى قيل فيه: معيد لو كتبت له حرفاً ... وقلت أعد على تلك الحروف. لقصر في إعادته عليها ... فكيف يعيد في العلم الشريف. طيبغا الشيخوني، كان أحد أمراء الطبلخانات. عبد الله بن علي بن عبد الملك بن عبد الله بن أبي حامد بن العجمي ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من أبي طالب بن العجمي وغيره وحدث، عاش ثمانين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 عبد الله بن محمد بن أبي بكر عبد الله بن خليل بن إبراهيم بن يحيى بن أبي عبد الله بن فارس ابن أبي عبد الله بن يحيى بن إبراهيم بن سعد بن طلحة بن موسى بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان العسقلاني ثم المكي، بهاء الدين بن رضي الدين، نزيل الجامع الحاكمي بالقاهرة، ولد في آخر سنة أربع وتسعين وستمائة وطلب العلم صغيراً بمكة فسمع من الصفي والرضي الطبريين والتوزري وغيرهم، وارتحل إلى دمشق فأخذ عن القاضي سليمان وأبي بكر الدشتي وعيسى المطعم وغيرهم بدمشق، وسمع على بيبرس العديمي وعلى علي بن القيم وطبقته بمصر، وتفقه على علاء الدين القونوي وتاج الدين التبريزي وشمس الدين الأصبهاني، وأخذ عن أبي حيان وغيرهم ثم دخل دمشق وأخذ عن ابن الفركاح وغيره، ثم رجع إلى مصر فاستوطنها، وكان قد حفظ المحرر، ومهر في الفقه والعربية واللغة والحديث، وقد بالغ الذهبي في الثناء عليه في كتابه بيان زغل العلم، وفي غيره قال: وكان شيئاً عجيباً في الزهد والانجماع وقول الحق، وقال في المعجم الكبير: المحدث القدوة، وقال: هو لون عجيب في الورع والدين والانقباض وحسن السمت، وهو جيد الفقه قوي المذاكرة كثير العلم، وقال في المعجم المختص: هو الإمام القدوة الرباني، قرأ بالروايات، واتقن الحديث وعني به ورحل فيه، متين الديانة ثخين الورع، كبير القدر مؤثراً للانقطاع، ثم قرأ المنطق وحصل جامكية، ثم ترك ذلك وانقطع مرابطاً بزاوية ظاهر الإسكندرية. وقال الشيخ شهاب الدين بن النقيب: بمكة رجلان صالحان: احدهما يؤثر الخمول وهو ابن خليل، والآخر يؤثر الظهور وهو اليافعي، وكان ابن خليل ربما عرضت له جذبة فيقول فيها أشياء. وكان قد ولي مشيخة الخانقاه الكريمية بالقرافة ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 تركه واشتغل بالعبادة وانقطع في خلوة بسطح جامع الحاكم، وقد تصدى للإسماع في أواخر زامنه، ومع ذلك فلم يحدث بجميع مسموعاته لكثرتها، وكان يرد على كبار المحدثين حال قراءتهم عليه ما يقضون العجب من استحضاره مع طول بعد العهد، وقد اشتهر عند المصريين ب الشيخ عبد الله اليمني، وكان ينكر على من ينسبه لذلك، وعند المحدثين بن ابن خليل، وقد ذكر بعض أصحابه أنه أعطاه دراهم، قال: فاشتريت بها ورقا فما كتبت في شيء منه في حاجة إلا قضيت، وكان يحب سماع غناء العرب الذي كان يقال له قديماً النصب، وأضر بأخرة. قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه: كان محدثاً فاضلاً فقيهاً نظاراً بحاثاً ذا قدم راسخ في العلم، تهرع إليه الملوك فمن دونهم، وعنده نفرة من الناس، ودفن بتربة تاج الدين بن عطاء بالقرافة، وأرخه سنة خمس وسبعين غلطاً، فإنه مات في جمادى الأولى من هذه السنة، وشهد جنازته من لا يحصون كثرة رحمه الله تعالى ونفع ببركته. عبد الرحمن بن سعادة بن إبراهيم الحسباني، يعرف بعبيد، كان أحد الفقهاء بالشام، تفقه بالقدس على تقي الدين إسماعيل القلقشندي، وصار يستحضر كثيراً، ومات في رمضان. عبد العزيز بن عبد الله، الواعظ الرومي القيسري، قدم دمشق وولي مشيخة الشميساطية فلم يتمكن من مباشرتها لضعفه، ومات في رجب، وكان ماهراً في العربية. عجلان بن رميثة بن أبي سعد بن علي بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن سليمان بن عبد الله بن موسى بن الحسن بن علي الحسني، عز الدين، أمير مكة، وليها شريكاً لأخيه ثقبة سنة أربع وأربعين عوضاً عن أبيها، ثم استولى عجلان على حلى سنة ثلاث وستين، وكان ذا عقل وسياسة، واقتنى من العقار والعبيد شيئاً كثيراً، وكان يحترم أهل السنة مع اعتقاده في الزيدية، وفي أيامه عوض عن المكس الذي كان يأخذه من المأكولات بمكة بألف إردب قمح يحمل إليه من مصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 علي بن إبراهيم بن محمد بن الهمام بن محمد بن إبراهيم بن حسان الأنصاري الدمشقي، علاء الدين بن الشاطر، ويعرف أيضاً بالمطعم الفلكي، كان أوحد زمانه في ذلك، وكان أبوه مات وله ست سنين فكلفه جده وأسلمه لزوج خالته وابن عم أبيه علي بن إبراهيم بن الشاطر فعلمه تطعيم العاج، وتعلم علم الهيئة والحساب والهندسة، ورحل بسبب ذلك لمصر والإسكندرية سنة تسع عشرة، وكان لا يتكثر بفضائله ولا يتصدى للتعليم ولا يفخر بعلومه، وله ثروة ومباشرات ودار من أحسن الدور وضعاً وأغربها، وله الزيج المشهور والأوضاع الغريبة المشهورة وله أوضاع غريبة مشهورة التي منها البسيط الموضوع ف منارة العروس بجامع دمشق. علي بن غريب البرجمي، أحد المشايخ المعتقدين، وكان بزي الجند، وكان كثير التعصب لابن تيمية وأتباعه، مات في ربيع الآخر. علي بن محمد بن عقيل البالسي، نو رالدين ابن الشيخ نجم الدين، كان فاضلاً عارفاً بالفقه كثير العبادة والتأله ساذجاً من أمور الدنيا، درس بالطيبرسية وغيرها، ولما نشأ ابنه الشيخ نجم الدين وتقدم في خدم الأمراء كان لا يأكل من بيت ابنه شيئاً تورعاً، مات في ربيع الآخر. علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن حجر العسقلاني ثم المصري الكناني، ولد في حدود العشرين وسبعمائة، وسمع من أبي الفتح بن سيد الناس وغيره، واشتغل بالفقه والعربية، ومهر في الآداب، وقال الشعر فأجاد، ووقع في الحكم، وناب قليلاً عن ابن عقيل ثم ترك لجفاءنا له من ابن جماعة لما عاد بعد صرف ابن عقيل من أجل تحققه بصحبة ابن عقيل وأقبل على شأنه، وأكثر الحج والمجاورة، وله عدة دواوين، منها ديوان الحرم مدائح نبوية ومكية في مجلدة، وكان موصوفاً بالعقل والمعرفة والديانة والأمانة ومكارم الأخلاق ومحبة الصالحين والمبالغة في تعظيمهم، ومن محفوظاته الحاوي، وله استدراك على الأذكار للنووي فيه مباحث حسنة، وكان ابن عقيل يحبه ويعظمه، ورأيت خطه له بالثناء البالغ، ولما قدم الشيخ جمال الدين بن نباتة أخيراً أنزله عنده ببيت من أملاكه في جواره وطارحه ومدحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 بما هو مشهور في ديوانه، ثم انحرف عليه وانتقل إلى القاهرة كعادته مع أصحابه في سرعة تقلبه عفا الله تعالى عنه. وهو القائل ومن خطه نقلته: يا رب أعضاء السجود عتقتها ... من عبدك الجاني وأنت الواقي. والعتق يسري بالغنى يا ذا الغنى ... فامنن على الفاني بعتق الباقي. قرأت بخط ابن القطان وأجازنيه: كان يحفظ الحاوي الصغير وينظم الشعر وكان مجازاً بالفتوى وبالقراءات السبع، حافظاً لكتاب الله تعالى معتقداً في الصالحين وأهل الخير جعله الله تعالى منهم، وكان أوصى أن يكفن في ثياب الشيخ يحيى الصنافيري، قال: ففعلنا به ذلك، مات يوم الأربعاء ثالث عشرين شهر رجب. قلت: وتركني لم أكمل أربع سنين وأنا الآن أعقله كالذي يتخيل الشيء ولا يتحققه وأحفظ منه أنه قال: كنية ولدي أحمد أبو الفضل رحمة الله تعالى. عمر بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن الحلبي، كمال الدين بن العجمي الشافعي، ولد سنة أربع وسبعمائة، وسمع من أحمد بن إدريس ابن مزيز وأبي بكر بن العجمي والحجاز والمزي وغيرهم، وعني بهذا الشأن، وكتب الأجزاء والطباق، ورحل إلى مصر والإسكندرية، وسمع بدمشق من أعيان محدثيها الحجار ومن كان هناك وبمصر وغيرها، ودرس وأفتى، وانتهت إليه رئاسة الفتوى بحلب مع الشهاب الأذرعيأ مات في ربيع الأول. ومن مسموعاته من ابن مزيز جزء البيتوتة ومن أبي بكر بن العجمي جزء بكر بن بكار. ذكره الذهبي في المعجم المختص وقال: قدم علينا طالب حديث وله فهم ومشاركة وفضائل انتهى. وأثنى عليه ابن حبيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 رحمه الله تعالى. عمر بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد المؤمن الحلبي بن أمين الدولة، اشتغل بالحديث والأدب، ووقع في الإنشاء ببلده، ثم ترك وأقبل على العبادة، عاش سبعاً وستين سنة. عمر بن أحمد بن عمر بن مسلم بن عمر بن أبي بكر العوفي الصالحي، زين الدين المؤذن الكتاني الحجار ولد سنة تسعين وستمائة، وسمع من ابن مشرف والتقى سليمان وأبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم ومحمد بن سعد وغيرهم وحدث، مات في المحرم. غازي بن قطلوبغا التركي، شرف الدين المكتب، جود الخط على شمس الدين بن أبي رقيبة، محتسب مصر، ثم نبغ في زمانه وخالفه في طريقته واخترع طريقة مولدة من طريقة ابن العفيف وابن خطيب بعلبك ومهر فيها، وكتب الناس احتساباً بالمدرسة الظاهرية البيبرس بين القصرين إلى أن مات في شهر رجب، وعاش شيخه بعده سنتين. قرمان، كاشف الوجه البحري، كان أمير طبلخاناة بمصر. كلثم بنت محمد بن محمود بن معبد البعلية، روت عن الحجار، وعنها ابن بردس وغيره، ماتت في صفر. محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عرام بن إبراهيم بن ياسين بن أبي القاسم بن محمد بن إسماعيل بن علي الربعي الإسكندراني، سمع من الرشيد بن المعلم والشريف موسى بن أبي طالب والحسن بن عمر الكردي وتاج الدين بن دقيق العيد وعبد الرحمن بن مخلوف وخلق كثير، وعني بهذا الفن وكتب العالي والنازل، وخرج لبعض مشايخه، وكان كثير التخيل من الناس. وذكر لي الشيخ زين الدين العراقي عنه أنه كان يقول ما معناه: إذا سمعت الحديث من شيخ وأجازنيه شيخ آخر سمعه من شيخ والأول عنه بالإجازة فشيخ السماع يروي عن شيخه بالإجازة وشيخ الإجازة يرويه عن ذلك الشيخ بعينه بالسماع كان ذلك في حكم السماع على السماع. وخرج له الكمال الأدفوي مشيخة وحدث بها ومات قبله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 محمد بن أحمد بن صفي بن قاسم بن عبد الرحمن، أبو عبد الله الغزولي المصري، ولد سنة سبع أو ثمان وتسعين وستمائة، سمع من علي بن القيم وحسن سبط زيادة وأحمد بن العماد أبي بكر المقدسي وزينب الإسعردية وحدث، وكان حسن الحظ، مات في أوائل السنة، وكان يؤم بالبيبرسية بالقاهرة، وله أخ اسمه محمد أصغر منه بثمان سنين، سمع من الحجار، قرأ عليه بعض الطلبة القطعة المسموعة من مستخرج الإسماعيلي بسماعه من علي بن عيسى بن القيم، والسماع إنما هو لأخيه المذكور ولكن كاتب الطبقة ما قال فيها الكبير ولا الصغير فلعلها لما قرئت لم يكن الثاني ولد رحمه الله تعالى. محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن سليمان، شمس الدين بن خطيب يبرود، ولد في سنة سبعمائة أو في التي بعدها، واشتغل بالعلم وعني بالفقه والأصول والعربية. ودرس وأفتى، أخذ عن البرهان بن الفركاح وابن الزملكاني وابن قاضي شهبة والشمس الأصبهاني والنجم القجقاري وابن جهبل، وولي التدريس بأماكن كبار كالشامية الكبرى بدمشق ومدرسة الشافعية بالقرافة لأنه دخل القاهرة سنة مات ابن اللبان، فولى تدريس الشافعية بعده ثم نزل عنه لبهاء الدين أبي حامد بن السبكي وتعوض منه الشامية البرانية، وكان استقر فيها بعد موت أخيه حسين بن السبكي. قال ابن حجى: كان من أحسن الناس إلقاء للدروس، ينقب ويحرر ويحقق، وكان الغالب عليه الأصول، مناظراً بحاثاً، وكانت له تنديرات على طريقة شيخه القحفازي. وقال العثماني: كان يضرب بتواضعه المثل، وكان من أئمة المسلمين في كل فن، مجمع على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 جلالته، وكان مسدداً في فتاويه. وولي قضاء المدينة، وحدث بالإجازة عن التقى سليمان وعن الحجاز وغيرهما، وكان يذكر أنه سمع الصحيح من الحجار، وحدث عن ابن جهبل بمسند الشافعي، وناب عن الجلال القزويني في المنصب، مات في شوال. محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن، شمس الدين، أبو المعالي ابن الشيخ شهاب الدين العسجدي، سمع على عبد القادر بن الملوك وغيره بعناية أبيه وحدث، مات في رجب. محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح البعلي، كان مولهاً، مات في شعبان رحمة الله تعالى. محمد بن أحمد القرشي، ناصر الدين، الموقع، تنقلت به الأحوال إلى أن ولي توقيع الدست ثم نظر الخزانة والأحباس، وكان أحد وجوه القاهريين، مات في شعبان رحمة الله تعالى. محمد بن أبي بكر بن ناصر القرشي العبدري الشيبي الحجي، جمال الدين، خازن الكعبة، كان ذا حشمة ومروءة، ولي الحجابة نحو الثلاثين سنة من سنة تسع وأربعين إلى أن مات إلا أنه صرف عنها لغيبته بمصر في سنة سبع وخمسن ثم أعيد. محمد بن سلام الإسكندراني، التاجر المشهور، سكن القاهرة ورأس بها، وهو والد صاحبنا ناصر الدين، مات في رجب. محمد بن شرف بن عادي بن عبد الله، الشيخ شمس الدين الكلائي الفرضي، كان فاضلاً متقشفاً على طريقة السلف، اشتغل الناس عليه في الفرائض والحساب واشتهر بمعرفتها وصنف فيها التصانيف الفائقة، وكان يقرئ العربية أيضاً. ويقال: إن الناصر أراد أن يعمل في مدرسته درس فرائض فقال له بعض الأكابر ويقال هو البهاء السبكي: هو باب من أبواب الفقه، فأعرض عن ذلك فاتفق وقوع قضية مشكلة في الفرائض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 سئل عنها السبكي فلم يجب فيها فأرسلوا إلى الكلائي فقال: إذا كان الفرائض باباً من أبواب الفقه فما له لا يجيب؟ فشق هذا الجواب على بهاء الدين وندم على ما قال. وقد قرره أبو غالب القبطي في مدرسته التي على الخليج، ثم مات بالمدرسة القطبية في شهر رجب. محمد بن عبد الله بن علي بن محمد بن عبد السلام الكازروني ثم المكي، جمال الدين، ولد في سنة ثمان وسبعمائة، وقدم مكة فاستقر مؤذن المسجد الحرام، وسمع من الرضي الطبري، وكان عارفاً بالميقات ونظم فيه، مات في شوال رحمه الله تعالى. محمد بن عبد البر بن يحيى بن علي بن تمام، بهاء الدين، أبو البقاء السبكي، ولد سنة ثمان وسبعمائة وفي معجم ابن رافع: سنة سبع وسبعمائة، وتفقه على القطب السنباطي والمجد الزنكلوني وعلاء الدين القونوي والزين الكتناني، وأخذ عن أبي حيان ولازمه والجلال القزويني، وسمع من وزيرة والحجار والواني والخنتي وغيرهم وحدث عنهم، وانتقل إلى دمشق سنة تسع وثلاثين، ولي قريبه تقي الدين القضاء وناب عنه في الحكم بدمشق ثم ولي استقلالاً بعد صرف ابنه تاج الدين السبكي مدة شهر واحد وذلك سنة تسع وخمسين، ثم ولي قضاء طرابلس، ثم رجع إلى القاهرة وولي قضاء العسكر ووكالة بيت المال في سنة خمس وستين، ثم ولي قضاءها في سنة ست وستين بعد عز الدين بن جماعة بعد أن كان ينوب عنه وذلك في جمادى الآخرة، ثم ولي قضاء دمشق، ومات بها في ربيع الآخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وكان الشيخ جمال الدين الأسنوي يقدمه ويفضله على أهل عصره، وكان الشيخ عماد الدين الحسباني يشهد أنه يحفظ الروضة، وكان الشيخ بدر الدين الطبندي يحكي عنه أنه كان يقول: أعرف عشرين علماً لم يسألني عنها بالقاهرة أحد، ومع سعة علمه لم يصنف شيئاً. قال ابن حبيب: شيخ الإسلام وبهاؤه، ومصباح أفق الحق وضياؤه، وشمس الشريعة وبدرها، وحبر العلوم وبحرها، كان إماماً في المذهب، طرازاً لردائه المذهب، رأساً لذوي الرئاسة والرتب، حجة في التفسير واللغة والنحو والأدب، قدوة في الأصول والفروع، رحلة لأرباب السجود والركوع، مشهوراً في البلاد والأمصار، سالكاً طريق من سلف من سلفه الأنصار، درس وأفاد، وهدى بفتاويه إلى سبيل الرشاد، وباشر القضاء بمصر والشام. قلت: وكان له شعر وسط، أنشدني الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد البر إجازة قال أنشدنا أبي لنفسه: قبلته ولثمت باسم ثغره ... مع خده وضممت مائس قده. ثم انتبهت ومقلتي تبكي دماً ... يا رب لا تجعله آخر عهده. وذكره الذهبي في المعجم المختص وقال: إمام متبحر مناظر بصير بالعلم، يحكم العربية مع الدين والتصون انتهى. وخرج له أبو الحسين بن أبيك جزءاً من حديثه حدث به ومات قبله بدهر، وكتب عنه ابن رافع في معجمه من نظمه. وقرأت بخط بن القطان وأجازنيه: كان إماماً في العلوم عارفاً بالجدل يؤدي دروسه بتؤدة ولطافة وللفقه من فيه حلاوة وطلاوة، وهو أنظر من رأينا غير أنه كان إذا ظهر المنقول بخلافه أو اتجه عليه البحث تظهر الكراهية في وجهه، وكان يغض من كثير من العلماء لا سيما أهل العصر، قال: وذكر لي الشيخ بهاء الدين بن عقيل أنه كان معيداً عنده في درس القلعة قبل أن يتوجه إلى الشام، وكانت ولايته طرابلس بسعي تاج الدين عند السلطان حسن في إخراجه من الشام، ثم سعى في أيام يلبغا فأذن له في دخول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 القاهرة، قال: وكان بخيلاً بالوظائف على مستحقيها كثير التخصيص بها لأولاده ومن يختص به، وكان يجيز من يعرض عليه كتاباً في الفقه، ولما عزل من قضاء القاهرة وسعى في قضاء الشام بعد أن كان السلطان الأشرف أمر بإخراجه فاستقر بها، ثم في هذه السنة سعى أشد السعي حتى استقر ولده ولي الدين في قضاء الشام في حياته، وعاش بعد ذلك قليلاً ومات. قلت: وقال ابن حجى: كان إماماً نظاراً جامعاً لعلوم شتى، وقد كتب قطعة من مختصر المطلب، وقطعة من شرح الحاوي، وقطعة من شرح المختصر، وكانت ولايته القضاء أخيراً بالشام سنتين، وأضيفت إليه الخطابة قبل موته بشهر واحد ثم مرض مائة يوم ومات في ربيع الأول. محمد بن عبد القادر بن الحافظ أبي الحسين علي بن محمد بن عبد الله اليونيني ثم الدمشقي الحنبلي، ولد سنة أربع عشرة، وسمع من أبيه وعمه القطب موسى وغيرهما، واشتغل بالفقه وبرع في الفتيا، وأم بمسجد الحنابلة، وأنشأ بالقرب منه مدرسة للجنابلة ودرس بها، ووقف عليها أوقافاً، وكان لين الجانب وجيهاً متعبداً، وانقطع بأخرة، وكان لا يخرج إلا لشهود الجماعة، وحدث، مات في ذي القعدة عن ثلاث وستين سنة، وهو والد المعين القاضي. محمد بن عبد الملك، المؤذن الواعظ، المعروف بابن الخطيب، كان له صيت كبير في فنه، مات في رجب. محمد بن عبيد النابلسي، شمس الدين، قاضي حمص، وكان منشأوه بدمشق، واشتغل ودرس ببعض مدارسها، فلما تولى قضاء حمص نيابة عن القاضي تاج الدين السبكي أخذت وظائفه، ثم جمع مالاً فأخذه مملوك له وهرب، وكان كثير التقتير فعاد يشهد بحلب وبحمص ثم فقد في هذه السنة، ويقال: مات في شهر رمضان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 محمد بن علي بن أبي سالم الحلبي، بدر الدين، الموقع، ولد سنة تسع عشرة، وسمع على العز إبراهيم بن صالح وحدث، وكان موقع الدست والدرج، مات في شهر رمضان. محمد بن عمر بن الحسن بن حبيب، كمال الدين، ولد سنة اثنتين وسبعمائة وكتب بخطه سنة ثلاث، وأحضر على سنقر الزيني، وسمع من بيبرس العديمي وجماعة، وخرج له أخوة الحسين مشيخة، وحدث بالكثير ببلده وبمكة، وكان خيراً، مات في جمادى الآخرة بالقاهرة. وكان رحل بولده يسمعه فأسمعه بدمشق من ابن أميلة وغيره ثم توجه إلى مصر فأدركه أجاه بها، وكان عنده عن سنقر عدة كتب منها السنن لابن الصباح. أنا الموفق عبد اللطيف بسنده سمعه منه محدث حلب في عصرنا الحافظ برهان الدين سبط ابن العجمي. محمد بن قيران الحسامي، كان أمير طبلخاناة بمصر. محمد بن محمد بن عبد الله بن علي بن صورة المصري، صلاح الدين بن قطب الدين، تفقه بالتاج التبريزي والشمس الأصبهاني وبهاء الدين بن عقيل، وناب عنه في الحكم بجامع الصالح، سمع الحديث من عبد الله بن هلال والمزي وغيرهما، وكان من أعيان الشافعية. محمد بن محمد بن عبد الوهاب الحسني، الشريف عماد الدين، مات بمكة في سلخ رمضان. محمد بن محمد بن علي بن إبراهيم القيصري الأصل الدمشقي، علاء الدين بن شمس الدين، كان أبوه شيخ الخاتونية وهو شيخ الربوة، ويشهد تحت الساعات، سمع قطعة من مسلم على السلاوي وغيره، ومات في أواخر ربيع الآخر. محمد بن محمد بن محمد الإسكندراني المالكي، كمال الدين ابن التنيسي، ولد سنة ثمان وثلاثين، وسمع من ابن الصفي والوادي آشى وغيرهما، وولي قضاء بلده. محمد بن محمد بن محمود بن سلمان بن فهد الحلبي ثم المصري، تقي الدين بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 شمس الدين بن الشهاب محمود، موقع الدست بالقاهرة. وقد تقدم ذكر أخيه بدر الدين في سنة أربع وسبعين. محمد بن أبي محمد الحنبلي، أخو عبد الجليل، قدم القاهرة ودرس بمدرسة السلطان حسن واشتهر بالفضل، ثم أضر بأخرة، ومات في شعبان. مسعود بن عبد الله المريسي الأسود قيل اسمه أحمد، وكان مجذوباً وللناس فيه اعتقاد زائد، وكان يأكل في رمضان ويبدو منه أمور يتكلم بها فيقع كل ما يقول ويكاشف كثيراً، قرات بخط ابن دقماق أنه كان يغيب أحياناً ويحضر أحياناً، قال: واتفقت لي معه ماجريات ولم ازل في بركته كذا قال. منجك الناصري، أحد أكابر الأمراء تقدم ذكره في الحوادث، وأول ما ولي إمرة حلب عقب طاز سنة تسع وخمسين، ثم تنقل في الولايات وولي الوزارة وغيرها وله أوقاف كثيرة على وجوه البر وجاوز الستين. المؤيد بن حمويه، أبو المفاخر علاء الدين الجويني، المعروف بالشيخ زاده شيخ الشميساطية، قال ابن حجى: كان شيخاً حسناً سليم الصدر وكانت المشيخة بيد أسلافه دهراً طويلاً، فخرجت عنهم في سنة إحدى وسبعمائة للبدر بن جماعة ثم تداولها القضاة وكتاب السر إلى سنة إحدى وسبعين فانتزعها هذا إلى أن مات في جمادى الآخرة. ياقوت مقدم المماليك الأشرفية، كان يلقب افتخار الدين. يوسف بن فرج بن عبد الرحيم، جمال الدين الشارمساحي، قاضي دمياط، تفقه بالكمال السنباطي وأفتى ودرس، ومات بدمياط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 أبو غالب القبطي كان يباشر في دواوين الأمراء، ثم أسلم وحج وبنى مدرسة على شاطئ الخليج، وولي نظر الذخيرة، ومات في شوال. خوند بنت منكلي بغا زوج الأشرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 سنة ثمان وسبعين وسبعمائة فيها تمرض السلطان ثم تعافى ثم انتكس، ثم لازمه الشيخ جار الله الحنفي والشيخ أبو البركات المالكي فتعافى فشكر للشيخ جار الله فولاه قضاء الحنفية بعد عزل شرف الدين بن منصور نفسه، وكان أهل الخانقاه سعيد السعداء قد رافعوه فعزل عن المشيخة في المحرم فلم يلبث أن ولي القضاء في شهر رجب منها، وفي أثناء ذلك كان ابن آقبغا آص تكلم في إعادة ضمان المغاني فبلغ ذلك برهان الدين بن جماعة فغضب وامتنع من الحكم فتكلم الشيخ سراج الدين البلقيني وغيره مع السلطان في ذلك فأنكره السلطان وأمر بإبطال ذلك من مصر والشام وقبض بعد مدة يسيرة على ابن آقبغا آص ونفي إلى الشام وصودر، وكان ضمان المغاني من القبائح الشنيعة ما كان أحد يقدر يعمل عرساً حتى يغرم قدر عشرين إلى ثلاثين مثقالاً ذهباً وكانوا بمصر والقاهرة لا تغيب مغنية عن بيتها ولو إلى زيارة أهلها إلا أن أخذ الضامن منها رشوة وأما بلاد الريف فكان للمغاني حارة مفردة يعمل فيها من الفساد جهراً ما يقبح ذكره. ومن اجتاز بها غلطاً ألزم أن يزنى بخاطئه، فإن لم يفعل فدى نفسه بشيء، وأبطل الأشرف أيضاً ضمان القراريط، وكان مكساً يؤخذ من كل باع داراً ولو تكرر بيعها في الشهر الواحد مراراً لا بد أن يأخذ الضامن على ذلك مكساً معلوماً، ولا يستطيع أحد من الشهود أن يكتب خطه في مكتوب دار حتى يرى الختم في المكتوب. وفيها نفي التاج الملكي إلى الكرك ثم شفع فيه فأعيد، وقرر ابن الغنام في الوزارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 وفيها قرر الشريف بكتمر في ولاية القاهرة ثم عزل وقرر حسين بن علي الكوراني. وفيها غرق الحسينية ظاهر القاهرة، انقطع من الخليج الحاكمي بجوار بيت ابن قائماز فغرقت الحسينية إلى أن بلغ الماء جامع ابن شرف الدين، فقيل: خربت بسبب ذلك نحو ألف دار. وفيها تجهز السلطان الملك الأشرف إلى الحج فأرسل أخوته وأولاد أعمامه جميعاً إلى الكرك فسجنوا بها وأرسل معهم سودون الشيخوني ليقيم عندهم محتفظاً بهم، وأرسل آقتمر الحنبلي إلى الصعيد في جماعة أمراء لحفظ البلاد من العرب، وأرسل عدة من الأمراء إلى سائر الثغور لحفظها أيضاً. وفيها خرج السلطان في تجمل زائد إلى الغاية طالباً للحج فأقام بسر ياقوس يوماً ثم سافر في الثاني والعشرين من شوال، فلما وصل عقبة أيلة في مستهل ذي القعدة خامر عليه الأمراء الذين صحبته وأكثر مماليكه وكانوا طلبوا منه أن ينفق عليهم نفقة اخترعوها فامتنع فداروا على الأمراء فمن أجابهم ألزموه بالركوب معهم ومن امتنع تهددوه بالقتل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وركبوا بغتة فناوشهم الخاصكية القتال إلى الليل، فلما بلغه ذلك هرب راجعاً إلى القاهرة، وكان الذين خلفهم بالقلعة قد تواعدوا مع الذين خامروا عليه بالعقبة أنهم يسلطنون ولده علياً ففعلوا ذلك بأن اتفقوا وجاؤوا إلى الزمام فأخبروه أن السلطان مات وطلبوا منه أن يخرج لهم ولده علياً فامتنع فهجموا عليه وكسروا بابه ونهبوا بيته وأمسكوه وأخرجوا الصبي قهراً فأقعدوه بباب الستارة. ثم أركبوه إلى الإيوان وأرسلوا إلى الأمراء الذين بالقاهرة فامتنعوا من الحضور فأنزلوا الصبي إلى الأصطبل ولقبوه بالعادل ثم بعد يومين بالمنصور فصعد إليه الأمراء وأحضروه إليه أكمل الدين وضياء الدين القرمي وحلفوا له، فأمسكهم بعض القائمين بالأمر وهم طشتمر اللفاف وقرطاي وأسندمر وأينبك، وحبسوهم بالقلعة وقروا آقتمر عبد الغني نائب السلطنة، ثم عهد إلى الأمراء الأكابر، ولما أرادوا سلطنة علي عارضهم الضياء القرمي ووعظهم وقال لهم: إن الأشراف أستاذكم قد أحسن إليكم وأخرجكم من السجن وأعطاكم الأموال فكيف تكون هذه مجازاته منكم؟ فلم يقبلوا منه بل هموا بقتله فردهم عنه قرطاي ورجع إلى بيته فتحول إلى القاهرة، وفي غضون ذلك وصل قازان الصرغتمشي فأخبر بكائنه السلطان بالعقبة فأرسلوا إلى قبة النصر فوجدوا أرغون شاه وصرغتمش ويلبغا وغيرهم من الأمراء الذين كانوا صحبة السلطان وهربوا معه قد وصلوا صحبته على الهجن فغلب عليهم النوم هناك فكبسوا عليهم فقتلوهم، وهرب السلطان لما دهموه هو ويلبغا الناصري، ثم استخفى السلطان عند آمنة بنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 عبد الله امرأة ابن المستوفي المغينة كان يعرفها قبل ذلك فأخفته، ثم دلهم عليه بعض الناس فكبسوا البيت فوجدوه قد اختفى في البادهنج فأمسكوه واطلعوه إلى القلعة فتولى أينبك تقريقه على الذخائر وضربه تحت رجليه نحواً من سبعين ضربة بالعصي، ثم خنق في خامس ذي القعدة ودفن بالقرب من الست نفيسة ثم نقل إلى تربة أمه. وكان الأشرف هيناً ليناً محباً في المال في أهل الخير والفقراء والصلحاء والعلماء مذعناً للأمور الشرعية، ملك أربع عشرة سنة وشهرين ونصفاً، وكانت الدنيا في زمانه طيبة آمنة. وفيها ظهر رجل بدمشق يقال له: حسن النووي، يدعى إخراج الضائع فكان يتحيل في الإطلاع على بعض الأمور فيخبر بها، فارتبط عليه الناس إلى أن سئل عن سرقة فدل على رجل فظهرت عند غيره فاستفتى عليه فأفتى بتأديبه فضربه الحاجب وشهره. وفيها ظهر بدمشق نجم كبير له ذؤابة طويلة من ناحية المغرب وقت العشاء، وفي آخر الليل يظهر مثله في شرقي قاسيون. وفيها شكى أهل بعلبك من نائبهم فولى نائب دمشق غيره فوصل من مصر نائب غيره، فقيل لهم إنه أخو الذي شكوا عليه وإنه أضمر لهم سوءاً، فباتوا منه وجلين فمات في الطريق قبل أن يصل إليهم وفرج عنهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وفيها كان بين أبي حمو وبين قريبه أبي زيان حروب بتلمسان، وآل الأمر إلى أن انقضت جموع أبي زيان فنزل بتوزر فأكرمه يحيى بن ملوك ثم لحق بتونس فأكرمه متوليها. وفيها عقب استقرار على ولد الأشراف في السلطنة لقب الملك المنصور، وعمره إذ ذاك ثمان سنين، واستقر. واستمر آقتمر الحنبلي نائب السلطنة وطشتمر أتابك العساكر عوضاً عن أرغون شاه وقرطاي رأس نوبه عوضاً عن صرغتمش وأسندمر أمير سلاح وأينبك أمير آخور واستقر قرطائي عوضاً عن صرغتمش واينبك عوضاً عن يلبغا السابقي وأقاموا خليفة من أولاد عم المتوكل لغيبة المتوكل بالعقبة وحمزة بن علاء الدين بن فضل الله عوضاً عن أخيه بدر الدين في كتابة السر ثم أخرج طشتمر الدويدار إلى نيابة الشام وعزل بيدمر. وفي شعبان منها خسف الشمس والقمر جميعاً فطلع القمر خاسفاً ليلة السبت رابع عشرة ثم انجلى بسرعة قبل الفراغ من صلاة المغرب وكسف من الشمس بين الظهر والعصر يوم السبت ثامن عشرينه أكثر من نصفها واستمرت إلى بعد العصر فصلى للشمس ولم يصل للقمر. وفيها أبطلت المعاملة بالفلوس العتق من دمشق. وفيها ولي القاضي محب الدين بن الشحنة الحنفي القضاء بحلب عوضاً عن جمال الدين إبراهيم بن العديم. وفيها استقر ناصر الدين ابن القاضي سري الدين في قضاء المالكية بحلب ثم عزل قبل وصوله إليها بابن القفصى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وفيها كان الغلاء الشديد بحلب وطرابلس حتى بيع المكوك بستمائة درهم وأكلت الكلاب وغيرها وبيع الشيء الذي كان يباع بدرهم بأربعين درهماً ولما فر السلطان من العقبة اضطرب الناس فانحدر القاضيان برهان الدين الشافعي وجار الله الحنفي إلى القدس فأقاما فيه إلى أن سكنت الفتنة ثم قدما القاهرة يوم الاثنين سادس عشر ذي القعدة ورجع أكثر الرؤساء إلى القاهرة. وتوجه بهادر المشرف بمن بقي إلى مكة وأخذت خزائن السلطان فنهبت ورجع طشتمر والخليفة وتقي الدين بن ناظر الجيش وكان سافر معهم عوضاً عن أبيه لضعفه وبدر الدين كاتب السر وبدر الدين الأخنائي قاضي المالكية والشيخ سراج الدين البلقيني وصحبتهم حريم السلطان إلى أن دخلوا القاهرة فلما دخلوا أنكر طشتمر ما جرى وركب إلى قبة النصر وأراد أن يسلطن الخليفة فلم يوافق على ذلك فاقتتلوا معه فانكسر ثم أعطى النيابة بدمشق وتوجه إليها في عاشر ذي القعدة. وجددت البيعة في ثامن ذي القعدة للملك المنصور ثم ثار المماليك الذين أعانوا الأمراء على قتل الأشرف فطالبوهم بالنفقة التي وعدوهم بها وهي على ما قيل لكل نفر خمسمائة دينار فماطلوهم فجاهروهم بالسوء فلما خشوا على أنفسهم أمروا بمصادرة المباشرين والتجار ودام ذلك مدة وكان ما أخذ من المودع الحكمي مائتي ألف دينار فيما قيل ومن مثقال الجمالي مائة ألف دينار ومن صلاح الدين بن عرام نحو خمسين ألف دينار وما أخذ من الوزير وناظر الخاص وغيرهما من الدواوين جمل مستكثرة. وعمد قرطاي إلى الخزائن فأنفدها النفقات والهبات وكان كثير السخاء وأنفق على المماليك كل واحد خمسمائة دينار عشرة آلاف درهم فضة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 نقرة وكانت عدتهم ثلاثة آلاف من الأجلاب وغيرهم وقيل بل ألفين وقيل بين ذلك. قال ابن حجى: رئي هلال شوال بجميع بلاد الشام حتى السواحل ليلة الثلاثاء إلا دمشق فلم ير بها لغيم حال دونه فعيدوا يوم الأبعاء. وفيها قرر علم الدين البساطي في قضاء المالكية بعد عزل بدر الدين الأخنائي وذلك في سابع عشرين ذي القعدة وكان الذي سعى له في ذلك إبراهيم بن اللبان شاهد ديوان قرطاي فاستنابه البساطي فصار أكبر النواب وتعاظم إلى الغاية، وكان البساطي ينوب عن الأخنائي في الشارع الأعظم وليس من بيت نائب السلطنة آقتمر. وفيها في العشرين من ذي القعدة ولي جمال الدين محمود القيسري حسبة القاهرة بعد عزل شمس الدين الدميري وكان جمال الدين ولي الخطابة بمدرسة الجاي وكان بدر الدين ابن أبي البقاء لما توجه السلطان إلى الحج توجه إلى دمشق لزيارة أخيه ولي الدين فناب عنه عشرة أيام ووصل الخبر بما جرى للسلطان فبادر إلى الرجوع إلى مصر فآل الأمر إلى ولايته القضاء كما سيأتي. وفيها أخذ بيرم خواجا الموصل بالأمان بعد حصار أربعة أشهر وزوج ابنته للأمير بيرم الذي كان غلب على الموصل واستناب أخاه بردخجا على الموصل. وفيها استقر تقي الدين بن محب الدين في نظر الجيش عوضاً عن أبيه والأشرف إسماعيل صاحب اليمن في السلطنة عوضاً عن أبيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 والبرهان الصنهاجي في قضاء المالكية بدمشق عوضاً عن الماروني وناصر الدين بن أبي الطيب في كتابة السر بحلب عوضاً عن ابن مهاجر والظاهر عيسى بن المظفر داود صاحب ماردين في السلطنة عوضاً عن أبيه والله المستعان. ذكر من مات سنة ثمان وسبعين وسبعمائة من الأعيان. إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن فلاح الإسكندراني الأصل ثم الدمشقي، ولد سنة خمس وتسعين وستمائة، وأحضر على عمر بن القواس معجم ابن جميع وتفرد به عنه كاملاً، وسمع من محمد بن مشرف الدين الفزاري صحيح البخاري ومن تاج العرب بنت المسلم بن علان فوائد سختام سنة أربع وسبعمائة، وأجاز له ابن عساكر وجماعة، وكان يؤم بمشهد أبي بكر كأبيه وجده، حسن الحظ والقراءة، وعنده سكون وانجماع، مات في ذي الحجة. إبراهيم بن إسحاق بن يحيى بن إسحاق فخر الدين الآمدي الأصل ثم الدمشقي، ولد بدمشق سنة خمس وتسعين وستمائة أيضاً، وسمع من ابن مشرف والتقي سليمان وابن الموازيني وأبي يعلى بن القلانسي وغيرهم، وأجاز له من بغداد بن رويدة وغيره ومن دمشق بن عساكر وإسماعيل الفراء ومن الإسكندرية الغراقي خرج له صدر الدين ابن إمام المشهد عنهم مشيخة وقد ولي نظر الأوقاف والأيتام ثم نظر الجيش بدمشق والجامع وغير ذلك من المناصب الجليلة وكان مشكور السيرة معظماً عند الناس وحصل له في آخر عمره صمم وحدث بمصر ودمشق، ومات في ربيع الأول. إبراهيم بن عبد الله العجمي أحد من كان يعتقد بدمشق. إبراهيم بن مالك التروجي برهان الدين المالكي أحد الفضلاء بالقاهرة ناب في الحكم، ومات في شعبان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 أحمد بن سالم بن ياقوت المكي المؤذن شهاب الدين ولد سنة ست أو سبع وتسعين، وسمع من الفخر التوزري وتفرد بالسماع منه ومن الصفي والرضي الطبريين وغيرهما وكان إليه أمر زمزم وسقاية العباس، مات عن ثمانين سنة وأشهر. أحمد بن سليمان بن عبد الله الصقيلي بفتح المهماة وكسر القاف بعدها تحتانية ساكنة أخذ عن الشيخ شمس الدين بن اللبان وغيره ودرس وأفاد وكان خيراً صالحاً ولي خطابة المدينة ثم رجع إلى القاهرة، مات في ربيع الآخر بجامع الحاكم. أحمد بن عبد الرحيم التونسي شهاب الدين أبو العباس صاحب الشيخ جمال الدين بن هشام النحوي كان عالماً بالعربية تخرج به الفضلاء ومات في ثالث عشر شعبان. أحمد بن علي بن محمد بن قاسم العرياني المحدث شهاب الدين، ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، وسمع بدمشق من أحمد بن علي الجزري والذهبي وبمصر من الميدومي وبالقدس من علي بن أيوب وغيره وحصل الكتب والأجزاء ودار على الشيوخ ورافق الشيخ زين الدين العراقي كثيراً وأسمع أولاده وصنف لغات مسلم وشرح الإلمام ودرس في الحديث بالمنكوتمرية وولي خانقاه الطويل، وناب في الحكم وكان محمود الخصال، مات في جمادى الآخرة. وذكر لنا الشيخ سراج الدين البلقيني أنه رآه في المنام على هيئة حسنة. أحمد بن عيسى الحرامي بمهملتين أمير حلى كان شجاعاً جواداً ممدحاً وفيه يقول قاسم بن العليف: أنت من جملة الكرام ولكن ... فيك أشياء لم تنلها الكرام. تعرف الرمز بالتشكي ومن لم ... يعرف الرمز لم يفده الكلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 أحمد بن محمد بن أحمد بن علي الحسيني كاتب الإنشاد بحلب ونقيب الأشراف بها، وكان مشكور السيرة مات بحلب في هذه السنة وعاش أزيد من سبعين سنة. أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد، سبعة في نسق سابعهم ابن أبي بكر بن إبراهيم بن جماعة الزهري أبو البركات بن النظام القوصي ثم المصري، ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وسمع من الواني والدبوسي والختني والحجار وغيرهم وحدث، مات في شهر رجب. إسماعيل بن خليفة بن عبد المعالي الحسباني ثم الدمشقي عماد الدين الفقيه الشافعي أصله من نابلس، ولد سنة ثمان عشرة تقريباً وقدم هو والشيخ علاء الدين حجى بن موسى بن أحمد من حسبان إلى الشام ثم انقطع إسماعيل إلى الشيخ تقي الدين القلقشندي فلازمه بالقدس ثم قدم دمشق سنة ثمان وثلاثين فلازم ابن النقيب وغيره وتقدم وأجازه الفخر المصري بالإفتاء ومهر وسمع من المزي وبنت الكمال والجزري وغيرهم، وكتب على المنهاج وشرحه نحواً من عشرين مجلدة، وكان الشهاب الأذرعي يكاتبه في المشكلات وناب في الحكم بدمشق عن أبي البقاء وعن البلقيني وكانت نفسه قوبة في العلم، وله مشاركة في غير الفقه، ومات في ذي القعدة، وهو والد صاحبنا شهاب الدين قاضي دمشق، قال العثماني قاضي صفد في ترجمته: تفرد بالإفتاء مع وجود الأطواد، قال: وشرحه على المنهاج قدر عشرين مجلدة، وقال ابن حجى: كان ممن قام على تاج الدين السبكي وكان مشاراً إليه بجودة النظر وصحة الفهم وفقه النفس وقوة المناظرة، قال: وقد رأيت مجلداً بخطه من شرحه على المنهاج، وقد نقل الأذرعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وكأنه انتسخه لنفسه ولم يشهر هذا الكتاب فإنه كان ضنيناً به لكثرة ما فيه من النقول والمباحث ثم إن ولده لم يمكن أحد منه حتى احترق في الكائنة العظمى بدمشق، قال: ولما مات أثبت ابن الجزري محضراً بأن شرط واقف جامع التوبة أن يكون الخطيب حافظاً للقرآن وأن شهاب الدين ولد عماد الدين لا يحفظ القرآن فقرر في الخطابة بحكم ذلك في غيبة شهاب الدين بمصر، فقدم ومعه توقيع بالخطابة فانتزعها من ابن الجزري. إسماعيل بن علي بن الحسن بن سعيد بن صالح القلقشندي، نزيل بيت المقدس، ولد سنة اثنتين وسبعمائة، وتفقه بمصر ودمشق ثم صاهر الحافظ صلاح الدين العلائي على ابنته، ودرس بالصلاحية بعد العلائي وكان العلائي في حياته يراجعه في الفقهيات، وتخرج به العماد الحسباني وعلاء الدين حجى وغيرهما، وكان ديناً خيراً مثابراً على الخيرات فاضلاً مستحضراً للفقه حتى كان يقال إنه يحفظ الروضة وحدث بالصحيح لمسلم عن الشريف موسى وبالصحيح عن الحجار، مات في رجب وأرخه الزبيري سنة سبع. إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الأيوب عماد الدين بن الملوك، سمع من قريبه عبد القادر ومن أبيه إسماعيل وإبراهيم بن الخيمي وابن سيد الناس وغيرهم وحدث، مات في شهر رجب. وفيها مات من الأمراء اسنبغا عبد الغني واسنبغا العزي والطنبغا الإبراهيمي وأرغون شاه الجمالي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وفخر الدين إياس المارديني وجركتمر الأشرفي وجرجي البالسي. بهادر التاجي بالمثناة نسبة لتاج الدين ثم سمي عبد الله جمال الدين، كان فاضلاً في الفقه، مات في جمادى الآخرة بدمشق. أبو بكر المازري المالكي قاضي دمشق وسيأتي في التي بعدها. حسن بن عبد الله المليكشي المغربي الفقيه المالكي، كان فاضلاً كثير العلم مع هوج فيه أعاد بالناصرية وغيها، مات يوم عرفة. حسن بن علي البعلبكي الملاعقي كان يجيد صنعة الساعات ويصنع الأرباع، مات في ربيع الآخر. حماد الأصبهاني المصري، أحد من كان يعتقد بمصر، انقطع بسطح الجامع الأزهر في السطوح، ومات في ذي الحجة. خليل بن حسين بن محمد بن قلاوون الصالحي الأمير غرس الدين خليل أخو الملك الأشرف، مات قبله في شعبان. خليل بن قوصون، كان أحد الأبطال بالقاهرة وكان سبط الملك الناصر محمد بن قلاوون. داود بن صالح الملك المظفر بن الملك الصالح صاحب ماردين، ولي السلطنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 بماردين وهو ابن ثمانية أعوام وثمانية أشهر، ومات في ربيع الآخر وله سبع وأربعون سنة، ولما استقر ولده الظاهر عيسى في المملكة مفوضاً لوزير أبيه موسى فقبض عليه الظاهر بعد ثلاثة أشهر، وكان ظالماً غاشماً ففرح أهل البلد بذلك. ذكي الخوارزمي أخو جرمل دوادار بيدمر، كان موصوفاً بالجودة، مات في جمادى الأولى. سالم بن إدريس بن أحمد بن محمد الحبوضي صاحب ظفار، كان أحد الفرسان، قتل في شهر رجب. سليمان بن داود بن يعقوب بن أبي سعيد الحلبي المعروف بابن المصري. كان فاضلاً في النظم والنثر، كتب في الإنشاء ونظك الشعر الحسن، وله الشفعية في مدح خير البرية، وهي التي يقول فيها الشيخ بدر الدين البشتكي: عصت جنود معانيها الورى وغدت ... مطيعةً لسليمان بن داود. وهو عم صاحبنا شمس الدين بن المصري. وفيها مات من الأمراء شاهين أمير علم وصرغتمش الخاصكي، وطاز العثماني، وطيدمر البالسي، وطيغتمر العثماني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون الصالحي الملك الأشرف صاحب الديار المصرية وما معها، مات مقتولاً في ذي القعدة، وقد تقدم ذكره في الحوادث، عاش أربعاً وعشرين سنة. عباس بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول اليماني الملك الأفضل بن المجاهد بن المؤيد بن المظفر بن المنصور صاحب زبيد وتعز ولي سنة أربع وستين. وقام في إزالة المتغلبين من بني ميكائيل إلى أن استبد بالمملكة وكان يحب الفضل والفضلاء، ألف كتاباً سماه نزهة العيون، وغير ذلك، وله مدرسة بتعز وأخرى بمكة، مات في شهر ربيع الأول وقيل في شعبان. عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن أحمد بن سعيد الحلبي ثم المصري جمال الدين بن كمال الدين بن الأثير، ولد سنة ثمان وسبعمائة، وسمع من الحجار ووزيره، وحدث بالصحيح، وكان ماهراً في العربية، وقد ولي كتابة السر بدمشق، ثم انقطع للعبادة بالقاهرة، ومات بها في جمادى الآخرة. عبد الله بن محمد بن الصائغ تقي الدين بن نور الدين، ولد سنة ثلاث وسبعمائة، وسمع من إسحاق الآمدي والحجار وغيرهما، أجاز له ابن مكتوم وعلي بن هارون وغيرهما، وكان أحد الرؤساء بدمشق منور الشيبة حسن الصورة، مات في رجب. عبد الله بن مشكور تاج الدين ناظر الجيش بحلب ثم بدمشق، وكان يحسن إلى الفقراء ويحبهم وفيه مروءة، وله بالقدس آثار حسن، مات في جمادى الآخرة. عبد الرحمن بن سلطان بن الزعبوب. مات في رمضان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 عبد الرحيم بن محمد بن علي بن عبد الواحد أبو نعيم بن الشيخ أبي أمامة بن النقاش، مات شاباً لم يبلغ العشرين ومات أبوه وهو صغير ونشأ في صيانة، واشتغل وتمهر، فرأت بخط صهره الشيخ علاء الدين الحلبي أنه لم يحفظ عنه أنه خرج من البيت وحده قط لا لحاجة، ولا لغيرها، وكثر التأسف عليه. عبد المؤمن بن عبد الله التركي الساقي، كان اسمه آقوش، وكان جيد الحظ، فتقدم إلى أن أمر عشرين بغزة، ثم استقر سلحدارا بالقاهرة، ثم صيره الأشرف رأس نوبة السقاة، مات في هذه السنة بعد الأشرف. عثمان بن أحمد بن أحمد بن عثمان الزرعي، فخر الدين بن شمرنوخ الشافعي، قاضي حلب وليها غير مرة، ومات بها في شعبان عن ست وخمسين سنة، وكان ولي قضاء طرابلس ثم نقل إلى حلب لما نقل الكمال المعري إلى دمشق، وقيل: إنه بذل في ذلك خمسة آلاف دينار. وأثنى عليه ابن حبيب وقال: حكم بطرابلس ثم بحلب عشرين سنة، وكان موصوفاً بالرئاسة والفضل والإحسان والتواضع والبر ومعرفة الأحوال. عثمان بن عمر بن عمار بن معمر الجيلي الشافعي، أحد نبهاء الطلبة بدمشق، ولد في حدود الثلاثين، وتعانى الفقه، وسمع الحديث، وكان ملازماً للطلب عديم الشر. وذكر أنه رأى ابن جملة في المنام فسأله عن ثواب القراءة إلى الميت هل يصل إليه؟ قال: نعم، مات في صفر. علي بن أبي بكر البعلبكي بن اليونيني، نزيل حماة، كان مدرس العصرونية، وكان يفيد ويفتي إلى أن مات عن نيف وستين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 علي بن خلف بن كامل بن عطاء الله الغزي، نور الدين، أحد رواة الصحيح عن الشيخين، حدث بغزة، وولي القضاء بها مدة أنا، عنه الشيخ الغزي بالإجازة، ومات في هذه السنة. علي بن ذي النون الاسعردي ثم الدمشقي، صاحب الخان المشهور بقرب الكسوة كان من كبار التجار وعمر هذا الخان فنفع الناس به، ومات في ذي القعدة. علي بن عبد الله بن السدار، أحد من كان يعتقد بالقاهرة، مات في رجب، ويحكي عنه عجائب في المكاشفات وغيرها، ودفن بزاويته بخوخة أيدغمش. علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي، علاء الدين بن عز الدين بن شمس الدين بن وجيه الدين، ولد سنة عشر وسبعائة، ومسع من ابن مشرف ووزيره وهي ابنة عم جد والده، وحدث عنهما بالصحيح، وكان خيراً، مات في ربيع الآخر. قلت: وهو أخو شيختنا فاطمة بنت المنجا التي أكثرت عنها، عاشت بعده بضعاً وعشرين سنة حتى كانت خاتمة المسندين بدمشق. علي بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن أبي العشائر الحلبي الخطيب، كان فاضلاً، له ثروة ظاهرة، ولي نظر الأوقاف بحلب وأنشأ بها دار قرآن، وانجب ولده الشيخ ناصر الدين بن عشائر، ومات أبوه محمد بن هاشم سنة ثمان وثلاثين. علي بن يوسف بن صالح الحسباني، علاء الدين، تفقه بطرابلس، كان مشهوراً بالفضل جيد الفهم، مات في رجب. عمر بن حسن بن مزيد بن أميلة بن جمعة بن عبد الله المراغي ثم الحلبي ثم الدمشقي ثم المزي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 ولد سنة ثمانين على ما كتب بخطه لكن وجد له حضور فيها فيحتمل أن يكون ولد في التي قبلها ولكن وجد بخط البرزالي أن مولده في رجب سنة اثنتين وثمانين، وهذا هو المعتمد ولعل ذاك أخ له وأسمع على الفخر ابن البخاري جامع الترمذي وسنن أبي داود ومشيخة تخريج ابن الظاهري وذيلها للمزي والشمائل، وتفرد بالسنن والجامع والذيل. رحل الناس إليه، وكان صبوراً على السماع، وأم بجامع المزة مدة، وحدث نحواً من خمسين سنة، وسمع من العز الفاروثي بعض الذرية الطاهرة، وسمع أيضاً من الصوري وابن القواس وابن عساكر والعز الفراء وأبو جعفر بن المفسر وجماعة، وخرج له الياسوفي مشيخة لطيفة حدث بها، وكان صبوراً على السماع، ربما أسمع غالب النهار ولا يعتب وقارب المائة، مات في ربيع الآخر. وكان خيراً، ذكر أنه قرأ القراءات على ابن نصحان، وكان عنده فضل ودين وخير، وله شعر وسط وهو القائل: ولي عصا من جريد النخل أحملها ... بها أقدم في نقل الخطى قدمي. ولي مآرب أخرى أن أهش بها ... على ثمانين عاماً لا على غنمي. عمر بن محمد بن أبي بكر بن يوسف الحموي، ولد سنة خمس وسبعمائة، وسمع من نخوة بنت النصيبي الثاني من المستخرج لأبي نعيم علي البخاري وحدث، مات في جمادى الآخرة. عمر السلفي الشافعي من فقهاء المقادسة، مات في رجب. عائشة خاتون بنت الملك الناصر محمد بن قلاوون المعروفة بخوند القردمية، عمرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وكان المثل يضرب بكثرة أموالها، فلم تزل تسعى في إتلافها إلى أن ماتت على مخدة من ليف في جمادى الأولى. قطلوبغا المنصوري، حاجب الحجاب، كان مشكور السيرة. القطب العجمي، نزيل دمشق، أحد الزهاد، كان مقصوداً لإقراء التصوف، ويعمل بعد الجمعة ميعاداً بالجامع بدمشق، وللناس فيه اعتقاد زائد، ورسائله لا ترد، مكات في شوال. قبلائ الحاجب بدمشق، مات في ربيع الآخر. محمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن محمد بن محمد بن المظفر بدر الدين السلمي المصري ابن السكري، سمع من وزيره مسند الشافعي وحدث به، وكان خيراً حسن البشر، وله إجازة من جماعة من المصريين سنة ثلاث عشرة، مات في رمضان. وقد ذكره البرزالي فيمن كان بمصر من المسندين في سنة تسع وعشرين وسبعمائة. محمد بن براق المصري، أحد الموقعين بديوان الإنشاء، كان متقدماً عند بدر الدين بن فضل الله كاتب السر. محمد شاه بن دنيا، جمال الدين الساقي، كانت أمه من خطايا الناصر فقرره في ديوان المماليك السلطانية بأقطاع ثقيل. وكانت أمه تدعي أنه ابن الناصر ولكن لم يعترف به أخوته، واستمر هو طرخانا، وأحب الاشتغال فلازم موفق الدين الحنبلي وحبب إليه كلام ابن تيمية فكان يتغالى في تحصيله ويتعصب له مع أنه كان شافعي المذهب، مات في ذي الحجة. محمد بن عبد الغني بن يحيى بن عبد الله الحراني، بدر الدين بن تقي الدين الحنبلي، كان فاضلاً في مذهبه وولي بعض المدارس، وذكر للقضاء فلم يبق، وسمع من علي بن القيم وزينب بنت شكر والشريف الموسوي وغيرهم، مات في رجب وله سبع وسبعون سنة. محمد بن عبد القاهر بن عبد الرحمن بن الحسن بن عبد القادر بن الحسن بن علي بن المظفر ابن علي بن القاسم الشهرزوري أبو حامد، أخذ عن المزي ولازمه وسمع من جماعة من أصحاب ابن عبد الدائم ونحوهم وحصل وطلب، وكان حسن الخط دقيقه منور الشيبة أعوج العنق، من بيت كبير مشهور كانوا أعيان الموصل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وله شعر نازل فمنه: أبا من فاق أفضالاً وفضلاً ... علينا وهو للأصحاب محسن. تفضل واقض شغلي فهو سهل ... عليك وأنت تحسن كيف تحسن. مات في ربيع الآخر. محمد بن علي بن أحمد بن أبي رقيبة المصري المجود، ولد بعد سنة سبعمائة، ولازم الشيخ عماد الدين بن العفيف إلى أن مهر في طريقته في الخط المنسوب، وأخذ عن الشيخ شمس الدين ابن صاعد الأكفاني وغيره، وناب في الحسبة، وأدب الملك الكامل شعبان بن الناصر، ثم ولي حسبة مصر، وقرب من قلب الأشرف شعبان جداً، مات في وسط السنة. محمد بن علي بن أحمد الحسيني الشريف فخر الدين النقيب، وهو ابن قاضي العسكر، كان جواداً كثير اللهو، وقد سمع من أصحاب النجيب وحدث باليسير، مات في رجب كهلاً. محمد بن علي بن عيسى بن أبي القاسم بن منصور الحلبي ثم الدمشقي بدر الدين بن قوالح، ولد سنة خمس وتسعين وستمائة، وأحضر وهو في الثالثة على أبي الفضل بن عساكر صحيح مسلم، وسمع البخاري من أبي الحسين اليونيني وعلي بن القواس عمل يوم وليلة لبن السني بفوت، ودرس في المعزية أكثر من ستين سنة حتى أن الشيخ نجم الدين القحقازي كان منزلاً عنده، ومات قبله بمدة طويلة وحدث ابن قوالح وتفرد وكان يركب البغلة ويرخي العذبة ويتجمل في ملبسه ولكنه كان قليل الحظ في العلم قاله ابن حجى. محمد بن علي بن محمد اليونيني البعلبكي، بدر الدين بن اسلار الحنبلي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 ولد سنة أربع عشرة وسبعمائة، وسمع من الحجار والقطب اليونيني، وتفقه بابن عبد الهادي وابن القيم وغيرهما، وجلس للشغل بجامع بعلبك، وكان طويل الروح حسن الشكل طوالاً، يخضب بالجناء، فاضلاً كثير الاستحضار، واختصر كتاباً في الفقه سماه السرقيل وعلق بخطه كثيراً، مات في ربيع الأول. محمد بن عمر ويقال ابن محمود بن أبي بكر بن محمود الخراساني الأصل الدمشقي، شيخ خانقاه القصاعين، سمع من ابن مشرف والحجار صحيح البخاري وحدث، مات في ربيع الأول. قال ابن حجى: رأيت بيده ثبت سماعه للصحيح، وسام أبيه مكشوط، كان عمر، فصير محموداً أو بالعكس، فذكر لي أنه كان يتسمى بهما جميعاً. محمد بن عمر المصري، شمس الدين بن الجوخي، كان عارفاً بالموسيقا، ويعلم أهل الوعظ الألحان، وينظم وسطاً، وكان يؤدب في سبيل الظاهر بيبرس بين القصرين. محمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد العزيز القرشي نصير الدين أبو المعالي بن المؤرخ شمس الدين الجزري، ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وأسمع من المطعم وابن الشيرازي والقاسم بت مظفر وغيرهم، ثم طلب بنفسه بعد الثلاثين فقرأ الكثير وسمع وكتب الأجزاء واشتغل بالفقه وربما كتب على الفتوى، وكان السبكي فمن دونه يرجعون إلى قوله، وله همة عالية، وولي مباشرة الأيتام، وكان مشكور السيرة، مات في جمادى الآخرة. محمد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد، الأرتاحي الأصل المصري بهاء الدين بن فتح الدين بن وجيه الدين بن المفسر، سمع الناسخ والمنسوخ من ابن مكرم ومن الحجار ووزيرة صحيح البخاري، وولي وكالة بيت المال والحسبة بمصر مراراً وبالقاهرة كذلك، وكان مشكور السيرة مهاباً في مباشرته، مات في رجب وله ثمانون سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 محمد بن محمد بن الشامية الموقع، تقدم في التي قبلها. محمد بن أبي محمد بالحمصي التاجر، اشتغل بالفقه وتعانى النظم، كتب عنه ابن حجى من نظمه وأرخ وفاته في المحرم. محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم الحلبي الأصل محب الدين ناظر الجيش، ولد في سنة سبع وتسعين وستمائة، واشتغل ببلاده ثم قدم القاهرة ولازم أبا حيان والتاج التبريزي والبرهان الرشيدي وغيرهم، وحفظ المنهاج والألفية وبعض التسهيل، وتلا بالسبع على الصائغ، ومهر في العربية وغيرها ودرس فيها وفي الحاوي، وكان قد سمع من الشريف موسى ومن الشيخ علي بن هارون والشيخ نصر المنبجي وست الوزراء وغيرهم، وحدث وأفاد، وخرج له الياسوفي مشيخة، وشرح التسهيل إلا قليلاً واعتنى بالأجوبة الجيدة عن اعتراضات أبي حيان وشرح تلخيص المفتاح شرحاً مفيداً، ودرس بالمنصورية في التفسير بعد الرشيدي، وكانت له في الحساب يد طولى، ثم ولي نظر الجيش، وكان في أول أمره مقلاً وأول مبا باشر عند الأمير حنكلي بن البابا ناظر ديوان، ثم ولي ديوان منكلي بغا الفخري، ثم ولي نظر البيوت في دولة السلطان حسن، ثم ولي نظر الجيوش في سنة تسع وخمسين، ورفع يلبغا منزلته وعظم قدره، وكان عالي الهمة نافذ الكلمة كثير البذل والجود والرفد للطلبة والرفق بهم والمبالغة في السعي في قضاء حوائجهم، وتزايدت مرتبته عند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 الملك الأشرف، وزادت مروءته وعظمت همته وشاع خيره وبره، وكان من العجائب أنه مع فرط كرمه في غاية البخل على الطعام حتى قال لي القاضي كريم الدين بن عبد العزيز ناظر الجيش عنه إنه سمعه يقول: إذا رأيت شخصاً يأكل طعامي أظن أنه يضربني بسكين هذا أو معناه هذا مع بذله الآلاف، قرأت بخط ابن القطان وأجازنيه أنه بلغت مرتباته لأهل الخير في الشهر ثلاثة آلاف، وكان كثير الظرف واللطف والنوادر. قلت: لم ألق أحداً ممن لقيه إلا ويحكي عنه في المروءة والجود ما لا يحكيه الآخر حتى من لم يكن بينه وبينه معرفة، وفي الجملة فكان من محاسن الدنيا مع الدين والصيانة وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه أنه كان أول أمره شاهداً عند ابن البابا، وكان عالماً بالتفسير ودرس فيه بالمنصورية، وعمل على التسهيل شرحاً، وأول ما ولي نظر البيوت ثم نظر الجيش، ولما تجهز السلطان إلى الحج كان هو وعك من أول شعبان واستمر فجهز ولده تقي الدين عبد الرحمن في خدمة السلطان فاستراح هو من الفتنة التي وقعت، ثم مات بعد قليل في ثاني عشر ذي الحجة. موسى بن فياض بن موسى بن فياض بن عبد العزيز النابلسي أبو البركات الحنبلي، ولد قبل القرن واشتغل ببلاده ثم قدم دمشق، وسمع من عيسى المطعم ويحيى بن سعد وغيرهما، وولي قضاء حلب سنة ثمان وأربعين وسبعمائة واستمر بها نيفاً وعشرين سنة، وهو أول حنبلي قضى بها استقلالاً، مات في ذي القعدة بعد أن أعرض عن الحكم في سنة أربع وسبعين، واستقر ولده أحمد مكانه وانقطع هو للعبادة. ومات فيها من الأمراء: محمود شاه بن دنيا، وكان قد ولد على فراش الملك الناصر وأراد الصالح إسماعيل أن يستلحقه فلم يتم ذلك. ومحمد بن مختار، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 ومحمد بن قمارى، ومختص الملقب شادروان وخوند الحجازية صاحبة المدرسة برحبة العيد. يوسف بن الحاج أحمد بن سليمان بن فرنج الصالحي جمال الدين الطحان الحنبلي، أخذ عن ابن قاضي الجبل وشمس الدين بن مفلح وغيرهما، وسمع وحدث ودرس وأفاد مع الدين والورع والانجماع، وكان نبيهاً سريع الإدرام حسن الإيراد، وكان يرتفق من شهادة الجرائد، وكان محبوباً إلى الناس، مات في شوال. يوسف بن عبد الله بن علي بن حاتم بن محمد بن يوسف البعلي بن الحبال الدمشقي، سمع من التاج عبد الخالق السيرة لابن هشام وتفرد بها عنه، مات في رجب وله ثمان وتسعون سنة لأنه ولد في صفر سنة ثمانين، وسمع أيضاً من الحسين اليونيني وأخيه القطب وابن أبي الفتح والتاج الفزاري. أبو عبد الله القاري المالكي المغربي، أحد الفضلاء، ناب في الحكم، ومات بالإسكندرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 سنة تسع وسبعين وسبعمائة فيها وقعت الفتنة بين أينبك وقرطاي، وذلك أن قرطاي لما استقر أتابك العساكر صاهره أينبك فعظم قدره ثم غدر أينبك بصهره وتمالأ مع جماعة من المماليك مثل بركة وبرقوق ومن نضم إليهما، ووعد كلاً من هذين بإمرة طبلخانات، وأركب السلطان فحضر الأمراء إلى الإصطبل فرطب قرطاي ومن معه من الأمراء كسودون الجركسي وقطلوبغا البدري ومبارك شاه الطازي وقطلوبغا جركس وغيرهم، فأحسوا بالغلبة، فهرب قرطاي وأرسل يطلب نيابة حلب وهو بسرياقوس فأجيب إلى ذلك وذلك في أواخر صفر، ثم أمسك جماعة من الأمراء الذين كانوا معه واستمر آقتمر الحنبلي نائب دمشق وآقتمر عبد الغني نائب السلطنة بمصر وأينبك أتابك العساكر ودمرداش اليوسفي رأس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 نوبة وقطلوبغا أخو أينبك أمير آخور وأطلمش الأرغوني دوادارا كبيراً، وأسكن أينبك مماليكه مدرستي حسن والأشرف، وأعطى كلاً من ولديه أحمد وأبي بكر تقدمه ألف. وكان استقراراً أينبك في ثاني عشرين صفر، وأشاع العوام أن بعض الأمراء ركب على أينبك ولم يكن لذلك حقيقة، فأمر ابن الكوراني الوالي أن يسمر طائفة منهم، فيقال إنه أخرج من الحبس جماعة ممن وجب عليهم القتل فسمرهم ووسطهم بعد أن نادى عليهم: هذا جزاء من يكثر الفضول، ثم التمس من الخليفة أن يولي أحمد بن يلبغا السلطنة لأن أم أحمد كانت تحته فامتنع وقال: ما اعزل ملك ابن ملك وأولى ابن أمير! فقال له: إن أحمد ما هو إلا ابن السلطان حسن فإن أمه كانت حاملاً به منه لما قتل فأخذها يلبغا ولم يشعر بذلك فولد أحمد على فراشه، فقال الخليفة: هذا ما يثبت، فزبره أينبك وغضب منه وأمر بإمساكه ونفاه إلى قوص، وقرر قريبه زكريا بن الواثق في الخلافة ثم لم يلبث إلا نصف شهر حتى جاءت الأخبار من بلاد الشام بمخامرة النواب وموافقتهم لطشتمر وأنهم جمعوا جمعاً كبيراً وكان اتفاقهم على ذلك في ربيع الأول، فتجهز أينبك إلى قتالهم وخرجت مقدمته في سادس عشرين شهر ربيع الأول، وهم أخوة قطلوبغا وأحمد بن أينبك ويلبغا الناصري ودمرداش اليوسفي وبلاط الصغير وتمرباي الحسني وجماعة منهم بركة وبرقوق وبوري الأحمدي في آخرين وأخرج معه السلطان ورضي على الخليفة المتوكل وأعاده إلى الخلافة واستصحبه معه وخرج ببقية العسكر في ربيع الآخر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 واتفق أن ذلك كان وقت وفاء النيل فتفاءل المصريون على أينبك بالكسر فإنه خرج في ليلة الكسر فلم يلبث الجاليش أن رجعوا في ثاني ربيع الآخر من بلبيس خوفاً من الأمراء الذين صحبتهم وكان ذلك مكيدة من يلبغا الناصري فإنه قال: يا أخي أينبك! احترز على نفسك فإن بركة وبرقوق يريدان قتلك، فلم يكذبه وفر في الحال. ففر قطلوبغا في ثلاثة أنفس إلى أخيه، ويقال إن كتب الأمراء وردت من الشام إلى من بمصر بتوبيخهم على تامير أينبك فرجعوا إلى أنفسهم وأجابوهم بالاعتذار وأنهم معهم، فأطلع السلطان إلى القلعة ثم ركب قطلقتمر العلائي والطنبغا السلطاني ليلاً ومعهما جمع كثير إلى قبة النصر في ثالث ربيع الأول فتوجه إليهما قطلوبغا في مائتي نفس فأمسكوه وانكسر عسكره، فلما بلغ ذلك أينبك هرب فرجع الأمراء إلى الإصطبل، وتحدث قطلقتمر في المملكة ذي ذلك اليوم خاصة ثم أمسك في اليوم الذي يليه لأنه كان نزع لباس الحرب فاجتمع الأمراء الذين قاموا معه وأشاروا عليه بتقرير سلطان كبير من أولاد الناصر يكون مالك أمره، فامتنع ثم طلع في ذلك اليوم الأمراء الذين كانوا خامروا على أينبك وهم يلبغا الناصري ودمرداش اليوسفي وبلاط الصغير ومن الطبلخانات برقوق وبركة وغير هؤلاء فتكلموا مع قطلقتمر المذكور في أمر المملكة فزاد الكلام ونقص إلى أن قبضوا عليه وأمسك معه الطنبغا السلطاني ومبارك شاه الطازي فأرسلوا إلى الإسكندرية واستقل بالكلام يلبغا الناصري وبرقوق العثماني وبركة الجوباني فركب الثلاثة وأمسكوا دمرداش اليوسفي وتمرباي الحسني ونحوهما فأرسلوا الجميع إلى الإسكندرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 ولم يكن في الثلاثة أكبر من يلبغا الناصري وإنما كانت إمرة برقوق وبركة طبلخانات عن قرب ثم تقدما واستقر بركة أمير مجلس وبرقوق أمير آخور أتابكا فحضر من الشام في ثاني شهر جمادى الأولى، وخرج السلطان لتلقيه فاستقر أتابك العساكر وحضر صحبته سودون الشيخوني وتمرباي الدمرداشي وكانا قد نفيا إلى الشام واستقر يلبغا الناصري أمير سلاح وتمر باي الدمرداش رأس نوبة وبرقوق أمير آخور وبركة أمير مجلس وانتظم الحال على ذلك واستبد برقوق وبركة بالحكم، وانطاع لهما طشتمر وذلك في ثالث جمادى الأولى، وكان ابتداء تقدمة برقوق إلى إمرة مائة في سادس ربيع الآخر، وكذلك بركة، وكان يلبغا الناصري استقر أمير آخور فانتزعه برقوق وسكن الإصطبل وسكن بركة بيت شيخون واستبد بالحكم واستقر في نيابة الشام آقتمر الحنبلي وفي نيابة حلب اشقتمر وفي نيابة حماة منكلي بغا البلدي، وكان كل هؤلاء مع طشتمر لما عزم على التوجه لمصر لنزع أينبك، وفي الخامس من المحرم استقر قرطاي أتابك العساكر عوضاً عن طشتمر اللفاف لما مات، واستقر مبارك شاه الطازي رأس ولي جار الله قضاء الحنفية وانفصل صدر الدين بن منصور من دمشق، وفي العشرين من صفر أحضر أولاد الناصر من الكرك، وكان الأشرف سيرهم إليها لما حج وهم أولاد حسن وأولاد حسين وأولاد حاجي فنزلوا الدور بالقلعة على عادتهم. ير مجلس وانتظم الحال على ذلك واستبد برقوق وبركة بالحكم، وانطاع لهما طشتمر وذلك في ثالث جمادى الأولى، وكان ابتداء تقدمة برقوق إلى إمرة مائة في سادس ربيع الآخر، وكذلك بركة، وكان يلبغا الناصري استقر أمير آخور فانتزعه برقوق وسكن الإصطبل وسكن بركة بيت شيخون واستبد بالحكم واستقر في نيابة الشام آقتمر الحنبلي وفي نيابة حلب اشقتمر وفي نيابة حماة منكلي بغا البلدي، وكان كل هؤلاء مع طشتمر لما عزم على التوجه لمصر لنزع أينبك، وفي الخامس من المحرم استقر قرطاي أتابك العساكر عوضاً عن طشتمر اللفاف لما مات، واستقر مبارك شاه الطازي رأس ولي جار الله قضاء الحنفية وانفصل صدر الدين بن منصور من دمشق، وفي العشرين من صفر أحضر أولاد الناصر من الكرك، وكان الأشرف سيرهم إليها لما حج وهم أولاد حسن وأولاد حسين وأولاد حاجي فنزلوا الدور بالقلعة على عادتهم. وفيها أمر بنفي بيدمر من صفد إلى طرابلس ثم شفع فيه فأقام بالقدس بطالاً. وفيها قرر بيدمر الخوارزمي في نيابة الشام بعد موت آقتمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وفي تاسع عشر شهر ربيع الآخر حضر أينبك وحده إلى بلاط الصغير فتوجه معه إلى يلبغا الناصري فأرسله إلى سجن الإسكندرية، وفي ذلك يقول شهاب الدين بن العطار: من بعد عز قد ذل أينبكا ... وانحط بعد السمو من فتكا. وراح يبكي الدماء منفردا ... والناس لا يعرفون أين بكا. وفي ليلة الرابع من رجب سكر قطلقتمر أخو أينبك وهو في السجن، وقام ليبول فسقط من طاق في المكان فمات سكراناً، ودفن في صبيحة ذلك اليوم من غير غسل ولا صلاة وكان هو رأس هذه الفتنة كلها لأنه أكبر الأسباب في القيام على الأشرف، وأراد بلاط الصيد فغدا إلى الجيزة فأرسل إليه برقوق يخيره في أي نيابة أراد من البلاد فامتنع وأراد إثارة الفتنة فوجد المعادي قد عوقت عليه فتوجه إلى الكرك بطالاً. وفي ذي الحجة وقعت الوحشة بين الأميرين برقوق وبركة وبين أتابك العساكر طشتمر، وكان يحب السلامة ويكره القتال، وكان يسلم للأميرين جميع ما يختارانه من ولاية وعزل وأمر ونهى وغير ذلك، فطمعا فيه وصارا يقترحان عليه إبعاد واحد بعد واحد من أمرائه وخواصه فيفعل ما يقترحانه عليه إلى أن كان آخر ذلك أن أمراه بنفي كمشبغا رأس نوبته، فأراد تسليمه لهما فامتنع ودخ عليه مماليكه ليلة عرفة ملبسين وقالوا له: إن لم تركب معنا قتلناك، فوعدهم وصرفهم ودخل إلى بيت الحريم ثم أقفل الباب، فركب من كان لبس من مماليكه إلى الرميلة وبلغ ذلك الأميرين فركبا ودقت الكوسات وتكاثر مماليك طشتمر على أولئك فكسروا طلب بركة وعدة من أطلاب الأكراء وظهرت من تقطاي الطواشي خادم طشتمر شجاعة عظيمة وحمل في مائتي نفس فكسرهم وهو يقول: أين أصحاب الخصى؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 فاتفق أن جاءت في كمشبغا رأس نوبة طشتمر نشابة فنحرته فحمل إلى طشتمر وهو في السياق فقال له: انظر كيف قاتلت عنك حتى قتلت؟ فقال: قتلت نفسك ورحت إلى النار وخربت بيتي، وفتحت باب فتنة كان قد أغلق، فمات كمشبغا من ساعته وانكسر أصحاب طشتمر بعده لأنه ما كان ركب أصلاً فلما رأى ذلك جعل في رقبته منديلاً وركب من إصطبله إلى برقوق وهو إذ ذاك زوج ابنته بغير سلاح وسلم نفسه له وقال: أنا أحب أن أكون فدى المسلمين فاصنع بي ما شئت، وقبض عليه وعلى أطلمش الدويدار وجماعة من حواشيه، وسيره إلى الإسكندرية ونفى تقطاي وجماعة معه إلى قوص واستقر برقوق في ثالث عشر ذي الحجة أتابك العساكر ولم يتحول من الإصطبل، واستقر أخوه قرادمرداش أمير آخور، وسكن في جانب الإصطبل، ثم قبض برقوق في نصف ذي الحجة على يلبغا الناصري، وسيره إلى الإسكندرية، وقرر أينال اليوسفي رأس نوبة مكان يلبغا الناصري. وفي هذه السنة تزايد الرخاء بمصر حتى بيع بدرهم واحد أربعة وعشرون رغيفاً بارداً والقنطار الجبن الجاموسي بثلاثين درهماً، وبيع بدرهم أربعون حبة من البيض وأمثال ذلك، وفي ذلك يقول شيخنا بدر الدين بن الصاحب: إن برقوق لغصن ... كعبة في الناس أخضر. وفي العشرين من جمادى الأولى استقر الشيخ برهان الدين الأبناسي في مشيخة سعيد السعداء بعد وفاة علاء الدين السراي بعناية شمس الدين المقسي ناظر الخاص، وفي ثالث عشرين جمادى الأولى أعيد القاضي علم الدين البساطي إلى قضاء المالكية فصرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 بدر الدين الأخنائي وكان البساطي عزل في صفر، وأعيد البدر ثم صرف البدر في رجب، وأعيد العلم، وفي رجب صرف التاج النشو من الوزارة واستقر كريم الدين بن الرويهب. وفي صفر قبض على يلبغا النظامي. وفيه استقر سودون الشيخوني حاجباً، وكذلك بلوط الصرغتمشي. وفيه نفي منكلي بغا الأحمدي البلدي وكان نائب طرابلس إلى الكرك ثم نقل إلى دمشق أميراً بها. وفيها أفرج عن يلبغا الناصري وكان نفي إلى الشام فاستقر أمير طبلخانات، وفي شعبان عزل القاضي برهان الدين بن جماعة نفسه عن القضاء لوقوع هذه الفتن، وكان قد انقطع عن حضور الموكب فعين الأمير طشتمر الشيخ سراج الدين البلقيني مكانه فنزل الشيخ سراج الدين لولده بدر الدين عن ق (ضاء العسكر ونزل ولده بدر الدين لأخيه جلال الدين عن توقيع الدست ولم يتم لطشتمر ما أراد من تولية البلقيني بسعي بدر الدين بن أبي البقاء عند الأميرين بكة وبرقوق فقرراه في الولاية في ثامن عشر شعبان واسترضيا الشيخ سراج الدين بتدريس الشافعي والشيخ ضياء الدين بتدريس الفقه والحديث بالمنصورية عوضاً عن بدر الدين، وتوجه ابن جماعة إلى القدس على الخطابة والتدريس كعادته، وكان طشتمر يميل إلى الشيخ سراج الدين البلقيني فاتفق معه أن يعزل ابن جماعة ويقرره في القضاء فنزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 البلقيني عن قضاء العسكر لولده بدر الدين وباتوا ليلة من الليالي يقرروا نواب البلاد والنواب بالقاهرة حتى قيل إن بدر الدين طرق على أبيه الباب نصف الليل فقال له: غلطنا في تولية فلان فإنه جرى منه كذا واتفقنا على تقرير غيره فيما عيناه له فأصبح بدر الدين بن أبي البقاء قاضياً فقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه لما حضر طشتمر واستقر أتابك العساكر في جمادى الآخرة شرع الشيخ سراج الدين البلقيني في الحط على ابن جماعة واستعان على ذلك بالضياء القرمي فذكرا فيه معائب وأنه يستحق العزل، واستكتبا في ذلك عدة من الفقهاء في محضر وتقرر أن ابن البلقيني يستقر قاضي الشافعية فعورض طشتمر في ذلك، واستقر بدر الدين بن أبي البقاء كما ذكرنا. وفيها استقر علم الدين القفصي في قضاء المالكية بدمشق عوضاً عن البرهان الصنهاجي وكمال الدين المعري في الحكم بحلب عوضاً عن جلال الدين بن نجم الدين الزرعي. وفيها استقر في الوزارة كريم الدين بن الرويهب عوضاً عن التاج الملكي، ثم عزل في شوال واستقر في الوزارة صلاح الدين بن عرام الذي كان نائب الإسكندرية، واستقر بالملكي ناظر الدولة. وفيها استقر في نيابة حلب منكلي بغا البلدي عوضاً عن اشقتمر ثم أقبل كمشبغا واستقر بمرتبته. وفيها قتل بدر الدين المنشي الذي كان الصالح صاحب حصن كيفا فوض إليه أمر المملكة وكان قتله وهو يصلي التراويح في شهر رمضان ليلة إحدى وعشرين، وكان قد ضعف عن تدبير المملكة وأشرفت البلاد على الخراب فاتفق الجند على قتله فقتلوه بغتة ثم أعلموا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 الصالح بذلك، فاستقر الرأي على تفويض المملكة للملك العادل عز الدين سليمان، وكان قد حج في تلك السنة فتأخر الأمر إلى حضوره في السنة التي تليها. وفيها استقر الشيخ زاده بن أبي أويس في سلطنة بغداد واستمر أخوه حسين مقيماً بتبريز. وفيها ولي قضاء المالكية بحماة رجل يقال له: شمس الدين الأدمي، كان نقيب الحكم عند القفصى فثار يه المالكية بدمشق وعقدوا له مجلساً عند النائب وحرروا أنه جاهل وأنه شاهد زور وأنه كاتب مكس، فكاتب النائب فيه فتوجه إلى مصر ثم رجع بتوقيع بالاستمرار على ولايته فباشر في السنة المقبلة وفي شوال سمر تكا السلحدار بأمر برقوق لأنه كان أخبر طشتمر بأنه يريد أن يقبض عليه وأنكر تكا ذلك وحلف ثم أمر بإطلاقه، وفيه أمر شركس الخليلي وتكلم في أمور المملكة، وفيه استقر عبد الله بن الحاجب والي القاهرة، وصرف تقي الدين بن محب الدين عن نظر الجيش وأضيفت إلى التاج الملكي. وفيها نازل أبو العباس بن أبي سالم المريني صاحب فاس أبا بكر بن غازي بن يحيى بن الكاس الوزير، وكان غلب على عيتابة واستقل بإمارتها فحاصره أبو العباس إلى أن قبض عليه فقتله طعناً بالخناجر حتى مات، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وكان أبو بكر المذكور استوزره عبد العزيز بن أبي الحسن المريني في سنة ثمان وستين فقام بأموره أتم قيام حتى مات سلطانه فقرر في السلطنة ولده محمداً وهو صبي وحجر عليه واستبد بالأمور، فثار عليهم أبو العباس هذا في سنة خمس وسبعين ولم تزل الحري دائرة بينهم إلى أن غلب أبو العباس على فاس في سنة ست وسبعين بعد أن أمر أبا بكر ثم قبض عليه فأخرجه إلى عيتابة فأقام بها مسجوناً فاغتنم الفرصة ووثب على أميرها واستقل بإمارتها إلى أن نازله أبو العباس فخرج عليه بالعساكر في هذه السنة. ذكر من مات في سنة تسع وسبعين وسبعمائة من الأعيان أحمد بن إبراهيم بن وهيبة الصلتي قاضي حمص وبعلبك، ولد سنة ثمان وعشرين واشتغل ومهر، مات في جمادى الآخرة وله إحدى وخمسون سنة رحمه الله. أحمد بن علي بن عبد الرحمن العسقلاني الأصل المصري الشهير بالبلبيسي الملقب سمكة كان عارفاً بالفقه والعربية والقراءات، وكان الأسنوي يعظمه وهو من أكابر من أخذ عنه، واشتغل وبرع وأذخ عن علماء عصره، وسمع من الميدومي وغيره، ورافق شيخنا العراقي في سماع الحديث، وقرأ بالروايات، وكان خيراً متواضعاً. مات في المحرم. أحمد بن قوصون التركي أحد الأمراء، وكان ساكناَ خيراً ديناً، مات في ذي الحجة. أحمد بن يوسف بن مالك الرعيني أبو جعفر الغرناطي الأندلسي ارتحل إلى الحج فرافق أبا عبد الله بن جابر الأعمى فتصاحبا وترافقا إلى أن صارا يعرفان بالأعميين، وسمعا في الرحلة من أبي حيان وأحمد بن علي الجزري والحافظ المزي وغيرهم، وكان أبو جعفر شاعراً ماهراً عارفاً بفنون الأدب، وكان رفيقه عالماً بالعربية مقتدراً على النظم، واستوطنا البيرة من عمل حلب، وانتفع بهما أهل تلك البلاد، ونظم أبو عبد الله البديعية فشرحها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 أبو جعفر، وصنف أبو جعفر أيضاً في العروض والنحو وكان أبو جعفر كثير العبادة، مات عن سبعين سنة. أحمد بن أبي الخير اليمني الصياد أحد المشهورين بالصلاح والكرامات من أهل اليمن، كان محافظاً على التقوى معظماً في النفوس، ويقال إنه اجتمع هو ورجل من الزيدية فتوافقا على دخول الخلوة وإقامة أربعين يوماً بغير أكل ولا شرب، فضج الزيدي من رابع يوم فأخرج وثبت ابن الصياد إلى آخر الأربعين فتاب الزيدي على يده هو وجميع من معه، مات في شوال وله أربعون سنة. إسماعيل بن سلطان الكردي، أحد من كان يعتقد بدمشق. وكان يأكل من كسب يده وله نظم، مات في شوال. آقتمر الحنبلي الصالحي كان من مماليك الصالح إسماعيل، وولي رأس نوبة في دولة المنصور بن المظفر ثم خازن دار في دولة الأشرف ثم تقدم في سنة سبعين ثم نفاه الجاي إلى الشام ثم أعيد بطالاً ثم استقر رأس نوبة ثم نائب السلطنة بعد منجك، ثم عزل منها في أواخر دولة الأشرف لإنكاره على بعض خواصه ثم أعيد بعد الأشرف ثم نفاه أينبك إلى الشام ثم قرره في نيابة الشام بعد مجيء طشتمر إلى مصر إلى أن توفي في هذه السنة في شهر رجب، وكان يعرف أولاً بالصاحبي، وكان يرجع إلى دين وخير وعنده وسواس كثير في الطهارة وغيرها، فلقب لذلك الحنبلي، وكان يحب الأمر بالمعروف وإزالة المنكر، واتفق في آخر عمره أن بعض مماليكه قبضوا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 امرأة أنكروا أمرها فاستغاثت وظن بعض العامة أنهم أرادوا بها الفساد فرجموهم فأدموا وجه أحدهم فشكوا إلى النائب فأمسك من وجد في ذلك المكان وأمر بقطع أيديهم فشفعوا فيهم فأمر بضربهم بالمقارع فضربوا، وغالبهم برئ فابتهلوا بالدعاء عليه فلم يقم إلا دون الشهر ومات، وكانت إمرته على دمشق عاماً واحداً وشهراً، ومات في جمادى الأولى. أبو بكر بن بهادر بن سنقر الشاعر أسد الدين، كان كثير الهجاء وبلغ ديوانه مجلدات وكان شيعياً وكان يلقب أسد الدين وسيف الدين وكان له أقطاع وكان قد سمع من ابن مشرف ويقال كان صحيح العقيدة إلا أنه يحب أهل البيت وسلك في شعره طريق الإغراب وكان يوسوس عند النية ليقرنها بالتكبير في أول الصلاة فربما كرر التكبير حتى يفرغ الإمام من الرباعية وكان يدعى أنه يجتمع بالجن ويقال إنه اجتمع بابن تيمية فقال له: بلغني أنك تفضل بلالاً على علي، فقال ابن تيمية: أنا ما فضلته ولكن الله فضله، قال: في أين؟ قال: في قوله تعالى: " لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ". فقال له: في الاستدلال بهذه الآية على المدعي نظر، قال: اجلس أقرره لك، فأبى وقال:: بلغني أنك ما ناظرت أحداً فقطعك، ومات في جمادى الأولى. أبو بكر بن دانيال عماد الدين، مات في ربيع الأول. أبو بكر بن علي بن عبد الملك الماروني زين الدين المالكي قاضي دمشق بعد موت المسلاتي ثم قاضي حلب ثم عزل واستمر بدمشق بعد ذلك إلى أن مات، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وكان سمع من ابن مشرف مشاركاً في العلوم إلا أنه كان بذيء اللسان مع حسن صورته، مات فجاءة في شوال بدمشق وبلغ الستين. أبو بكر بن يحيى بن غازي بن يحيى بن الكاس وزير صاحب فاس، تقدم ذكره في آخر الحوادث. أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الطرسوسي ثم الدمشقي يعرف بابن أبي القاضي، سمع من عمه العماد على ابن أحمد الطرسوسي القاضي الحنفي وأبي نصر بن الشيرازي وغيرهما، مات في شوال. الحسن بن أحمد بن هلال بن سعد بن فضل الله الصرخدي ثم الصالحي المعروف بابن الهبل الطحان ولد سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وسمع من الفخر بن البخاري الجزء الثاني من الحربيات ومن التقى الواسطي الجزء الثاني من مسند أبي بكر لابن صاعد وأجاز له، وسمع بنفسه من التقي سليمان وأخيه ومن فاطمة بنت سليمان والدشتي وعثمان الحمصي وعيسى المغازي وغيرهم، حدث بالكثير ورحل الناس إليه، مات في صفر. حسن بن عبد الله الكناني رئيس المؤذنين بالجامع الأموي، كان إليه المنتهى في حسن الصوت وطول النفس، مات في عاشوراء بدمشق. حسن بن علي بن موسى الحمصي بدر الدين، سمع من أبي بكر بن قوام والعلم سليمان المنشد والبرزالي وغيرهم، ودرس بالخاتونية وناب في الحكم، وكان حسن الشيبة والخط، مات في تاسع ذي القعدة. الحسن بن عمر بن الحسن بن عمر بن حبيب بن عمر بن شويخ بن عمر الدمشقي الأصل الحلبي أبو محمد بدر الدين، ولد بحلب سنة عشر وأحضر في الشهر العاشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 من عمره على إبراهيم وعبد الرحمن وإسماعيل بني صالح العجمي عشرة الحداد بسماعهم على يوسف بن خليل وأحضر على بيبرس العديمي وغيره، ورحل فسمع بالقاهرة جزء ابن عرفة على محمد ابن إبراهيم بن معضاد أنا النجيب وسمع بها من محمد بن غالي وعبد المحسن بن الصابوني ويحيى بن المصري وغيرهم، واشتغل وبرع إلى أن صار رأساً في الأدب والشروط، ثم انتقى وخرج وأرخ وتعانى في تواليفه السجع وكتب الشروط على القضاة وناب في الحكم ووقع في الإنشاء وصنف فيها ونسخ البخاري بخطه، واشتهر بالأدب فنظم ونثر وجمع مجاميع مفيدة ثم لزم منزله بأخرة مقبلاً على التصنيف والإفادة فمنها: درة الأسلاك في دولة الأتراك، وتذكرة النبيه في أيام المنصور وبنيه وكل منها منثور، وكان دمث الأخلاق حسن المحاضرة حميد المذاكرة وهو القائل: وبي من بنات العرب هيفاء قدما ... متى لاح حنى الغصن في الورق الخضر. إذا مال في الطرف بالكنانة ... يقول منادي خدها يا بني النضر. مات ضحى يوم الجمعة حادي عشر شهر ربيع الآخر بحلب عن تسع وستين سنة وهو والد الشيخ زين الدين طاهر وقد ذيل على تاريخ أبيه. خديجة بنت أحمد بن الطنبا المعروف أبوها بابن الحلبة سمعت من العماد البالسي وابن مشرف وهدية بنت عساكر وغيرهم، وحدثت وهي والدة شيخنا عمر البالسي، ماتت بحلب في رجب. داود الكردي أحد من كان يعتقد بدمشق وكان لا يخالط أحداً ولا يقطع التلاوة يتلو القرآن كلمة كلمة ويتدبرها ويقوم الليل ولا يخرج من جامع تنكز بدمشق إلا نادراً، مات في شوال. دنيا بنت الأقباعي المغنية الدمشقية، اشتهرت بالتقدم في صناعتها فاستدعاها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 الملك الناصر حسن على البريد فأكرمها ثم وفدت على الملك الأشرف فحظيت عنده وهي كانت من أعظم الأسباب في إسقاط مكس المغاني، سألت السلطان في ذلك فأجاب إليه ثم أراد ابن آقبغا آص إعادتها فتكلم الشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ ضياء الدين مع الأشرف وهو ضعيف فأنكر على ابن آقبغا آص ذلك واستمر إبطاله. راشد بن عبد الله بن صالح التفتي قرية بعجلون، سكن دمشق، وكان كثير التلاوة جداً يجهرها، ويذكر أنه من ذرية معاذ ويغلط في ذلك فإن معاذاً لم يعقب، وكان يقرئ القآن، قرأ عليه خلق كثير ولم يكن لسانه يفتر، مات في ربيع الآخر. زينة بنت أحمد بن عبد الخالق بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يونس الموصلية، سمعت من عيسى المطعم وابن النشو وغيرهم، وحدثت بالكثير، ماتت في شعبان. صالح بن أحمد بن عمر بن يوسف بن أبي السفاح الحلبي صلاح الدين أبو النسك كان يتعانى الكتابة فباشر وكالة بيت المال ونظر الأوقاف بحلب وكان رئيساً عالي الهمة حسن العشرة مشكور السيرة. ومن إنشاده وما أدري هل هوله أو لغيره: لا نلت من الوصال ما أملت ... إن كان متى ما حلت عن يحلت. أحببتكم طفلاً وها قد شبت ... أبغي بدلاً ضاق على الوقت. وكان قد تضعف في هذه السنة فخرج إلى الحج فمات ببصرى في شوال وله سبع وستون سنة، أرخه طاهر بن حبيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 طشتمر اللفاف التركي تأمر في أخر دولة الأشراف ثم كان ممن قام مع قرطائ في تلك الفتنة واستقر أتابك العساكر ثم سكن في بيت أرغون شاه واحتاط على جميع موجوده، فلما ضعف في أول هذه السنة وثقل في المرض أوصى أن جميع موجوده ملك ورثة أرغون شاه، مات في ثالث المحرم مطعوناً. طلحة بن محمد بن عثمان الشرمساحي تقي الدين موقع الحكم، تقدم في صناعته وبرع في فنه وولي ضهادة الخزانة وصاهر أبا البقاء وعظمت منزلته وقد حدث عن بعض أصحاب النجيب، مات في عاشر المحرم، وهو عم صاحبنا عز الدين ابن أبي طلحة. عبد الله بن العلامة فخر الدين محمد بن علي بن إبراهيم المصري ثم الدمشقي جمال الدين بن الفخر المصري الفقيه الشافعي أبوه، ولد بعد سنة ثلاثين وأسمع على زينب بنت الكمال وجماعة فطلب بنفسه وكتب، مات في شعبان، وكان رئيساً محتشماً كريم النفس، خلف له أبوه مالاً كثيراً فأذهبه في النفقات وعني بالفقه على كبر وكان عند موت أبيه مشتغلاً بالتجارة فاستقر جمال الدين ابن قاضي الزبداني في تدريس الدولعية فباشرها نيابة عنه وشغله في المنهاج وغيره إلى أن تأهل ودرس وقد طلب الحديث بنفسه وقرأ وكتب واسمع أولاده. عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي أخو العلامة الحافظ شمس الدين، سمع مع أخيه من التقي سليمان كتاب العلم للمروزي ومن المجدي الفرج لابن أبي الدنيا ومن الحجار الأمالي لابن عفان ومن أبي نصر بن الشيرازي وابن سعد، مات في جمادى الآخرة وكان أحد شهود مجلس الحكم الحنبلي ويكتب خطاً حسناً. عبد السلام بن محمد بن محمود بن روزبه بن إبراهيم الكازروني ثم المدني، أحد الفضلاء بالمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم مات في ربيع الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم البعلبكي المقريزي علاء الدين ولد بدمشق وسمع بها واشتغل حنبلياً ثم قدم القاهرة بدر الدين بن الصائغ ونزوج ابنته أسماء سنة خمس وستين وكتب التوقيع والشهادة بالديوان عند آقتمر عبد الغني المعروف بالحنبلي النائب بديار مصر، وكان عاقلاً سنياً متديناً وهو والد العلامة تقي الدين، ومات في خامس عشرين رمضان. علي بن الجمال محمد بن أبي بكر العبدري الشيبي، إمام مقام الحنفية بمكة. عني بالعلم في أواخر ذي القعدة بخليص وحمل إلى مكة ودفن بها. أبو العباس الطرابلسي، كان فاضلاً ببلاده، مات في رمضان. فاطمة بنت أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطبري أم الحسن بنت أبي العباس بن الرضي الإمام، سمعت من جدها الرضي وحدثت، وماتت في هذه السنة. قرطاي بن عبد الله التركي أكبر القائمين على الأشرف وكان من مماليك طاز ثم كان ممن خدم عند يلبغا، فلما قتل يلبغا وأبعد من كان من جهته إلى أن ولي طشتمر الدويدار، فأعاد جماعة منهم هذا فاستقر رأس نوبة عند ولد السلطان وقدمه الأشرف، ثم كفر نعمته وأزال دولته وقتله وفرق الخزائن فمزقها في أسرع وقت ثم لم يتمتع بذلك بل مات بطرابلس قتيلاً وكان قد اتفق مع جماعة على الخروج على نائب الشام فعلم بذلك فأرسل من خنقه في رمضان. محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الشامي جمال الدين أبو الفضل نزيل المدينة، تفقه بالعماد الحسباني وأخذ عن أبي العباس العنابي وتقي الدين بن رافع، وسمع من ابن أميلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وغيره، وتخرج بالعفيف المطري وسمع بمصر وغيرها. وكان ترافق هو وعبد السلام الكازروني إلى مكة فيقال إنه دس عليهما سم بسبب من الأسباب فقتلهما فمات الشامي في صفر ثم الكازروني بعده بأيام وقد حدث باليسير ولم يكمل الأربعين. محمد بن سليمان بن العماد السيرجي، تنقل في الولايات بدمشق ما بين توقيع الدست مكان أبيه والحسبة وغيرها، وكان قد حج في هذه السنة فمات في ذي الحجة قبل أن يصل إلى مكة. محمد بن علم الدين صالح الأسنوي بدر الدين ناظر الأوقاف، جاور مكة فمات بعد رجوع الحلج في ذي الحجة. محمد بن عبد الله الطرابلسي الحلبي الشافعي الفروع الحنبلي الأصول، صاحب بن القيم، حمل عنه الكثير، وكان فاضلاً مشهوراً وذهن جيد، وله نظم حسن، وكان قصيراً جداً، ولم يكن يعاشر الفقهاء، ودرس بالظاهرية. مات في رمضان. محمد بن عبد الله المنوفي الفقيه المالكي، كان أبوه أحد المعتقدين، وكان من الفضلاء، مات في رمضان. محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن زهرة الحلبي مجد الدين أبو سالم، جال في بلاد العجم ولقي العلماء بها واشتغل بالمعاني وغيرها وقال الشعر، وكان يذكر أنه سمع المشارق من محمد بن محمد بن الحسن بن أبي العلاء الفيروزابادي بسماعه من محمد بن الحسين بن أحمد النيسابوري المعروف بالحنفية عنه وحدث بشيء من ذلك بحلب ومن نظمه: أبا سالم اعمل لنفسك صالحاً ... فما كل من لاقى الحمام بسالم. مات في ربيع الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 محمد بن عيسى بن حسن بن حسين بن عبد المحسن الجزري الأصل الياسوفي ثم الدمشقي، سمع من أحمد بن الجزري، وصار نقيباً بالدرس وحدث، قال الشهاب ابن حجى، كان لا بأس به، مات في ربيع الأول وله نحو خمسين سنة. محمد بن محمد بن إبراهيم البلبيسي مجد الدين الإسكندراني الأصل، موقع الحكم، سمع من الواني والمزي وغيرهما، وتفقه بالمجد الزنكلوني وأخذ عن ابن هشام وعني بالحساب فكان رأساً فيه وفي الشروط، وانتهت إليه معرفة السجلات، وكان يوقع عن المالكية وينوب عن الحنفية، عاش ستين سنة. محمد بن محمد بن أحمد بن المغربل البصروي نزيل دمشق سمع من الشيخ شرف الدين الفزاري غالب سنن النسائي ومن علاء الدين الوداعي وغيرهما، واعتنى بالفقه والعربية، مات في جمادى الآخرة وقد أسن فإنه أدرك الشيخ برهان الدين الفزاري، وأخذ عن ابن مسلم الحنبلي، وقد حدث قديماً حتى أن الشيخ شهاب الدين بن الشيخ زين الدين القرشي ولي مشيخة الكندية، وحضر عنده أبو البقاء وغيره فحدث في الدرس عن هذا المغربل وهو حاضر وهو لا يشعر: قال ابن حجى: ولم يتفق لي السماع من المغربل إلا بهذه الطريق. محمد بن محمد بن علي بن الشمس أحمد بن خلكان الأربلي الأصل ثم الدمشقي بدر الدين، سمع من الحجار وغيره، وحدث عن الحيلي بالمنتقي من البيهقي، ومات في ربيع الآخر عن اثنتين وستين سنة كان مولده سنة سبع عشرة وسبعمائة. محمد بن محمد بن مشرف بن منصور بن محمود شرف الدين الزرعي قاضي عجلون كان من الفضلاء حسن السيرة مات بدمشق في ربيع الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 محمد بن محمد بن يحيى بن عثمان بن رسلان البعلي شمس الدين بن بدر الدين السلاوي يعرف بابن الشقراء ولد بعد سنة سبعمائة، وسمع في سنة سبع سبعمائة من شمس الدين ابن أبي الفتح وبعد ذلك من القطب اليونيني ومن جماعة، وحدث، أخذ عنه الياسوفي وابن حجى وغيرهما، وكان رجلاً خيراً مات في جمادى الأولى. محمد بن مكيال اليمني بدر الدين أمير حرض والمهجم وغيرهما من بلاد اليمن زمن المجاهد، ثم خرج عليه وادعى أنه حسني وخطب له بالسلطنة على المنابر ومات المجاهد في غضون ذلك فنهض الأفضل لحربه إلى أن فر فلجأ إلى الإمام الزيدي بصعدة فأقام عنده حتى مات في هذه السنة. محمود بن أحمد الحلبي الجندي الخلعي إمام فارس اشتغل كثيراً بحلب ومهر وحفظ كتباً وبحث وقرأ ثم قدم دمشق فمت بها وهو شاب وله دون الأربعين. ميمون أبو وكيل التونسي المالكي أحد الفضلاء بالقاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 سنة ثمانين وسبعمائة في أولها مات أينبك في السجن بالإسكندرية، ووهم من أرخه في الماضية، وكان الوصول بخبر موته في يوم عاشوراء وصودرت زوجته على مال عظيم جداً وأهينت إلى الغاية. وفيها في المحرم استقر كريم الدين بن مكانس في نظر الدولة عوضاً عن التاج الملكي، ثم استقر في سادس صفر عوضاً عن ابن عرام في الوزارة نقلا من نظر الدولة، واستقر أخوه فخر الدين في نظر الدولة. وفيها أعيد تقي الدين بن محب الدين إلى نظر الجيش في تاسع عشر صفر وعزل التاج الملكي وصودر. وفي ثامن المحرم قبض على ابن آقبغا آص وصودر على مائة ألف ثم اعتقل بالكرك. وفيها كان الحريق العظيم بدار التفاح ظاهر باب زويلة فعمل في الفاكهيين والنقليين والبراذعيين ولولا أن السور منع النار النفوذ لاحترق أكثر المدينة فاهتم بأمره بركة وركب بنفسه وركب معه دمرداش الأحمدي وأيتمش وغيرهما إلى أن خمد بعد ثلاثة أيام وأقام الناس في شيل التراب ثلاثة أشهر، وعمل فيه زين الدين طاهر بن حبيب الموقع قطعة منها: بباب زويلة وافي حريق ... أزال معاني الحسن المصون. وما برح الخلائق في ابتهال ... لمحى الأرض من بعد المنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 إلى أن قال في لطف خفي ... وفضل عناية يا نار كوني. وعمل شهاب الدين بن العطار: حانوت غازي ونائب الحنفي ... قد أشعلا النار في الدجى الساري. ولا عجيب من احتراقهما ... فقد أتى قاضيان في النار. وفيها أفرج عن يلبغا الناصري، واستقر في تقدمة ألف بدمشق، ثم نقل إلى نيابة طرابلس. وفي عاشر صفر استقر تاج الدين الرملي وزيراً بالشام، وقد عاش هذا إلى أن ولي نظر الدولة فدام فيها إلى أن امت بعد أربعين سنة من هذا الوقت. وفيها قبض على تمرباي رأس نوبة تحيل عليه بركة حتى أمسكه ونفاه إلى الإسكندرية واستقر بركة في وظيفته وباشر نظر المارستان واستناب جمال الدين العجمي عوضاً عن بدر الدين الأفقهسي واستقر دمرداش في وظيفة بركة وهي أمير مجلس، واستقر الطنبغا الجوباني على تقدمة تمرباي وتتبع برقوق مماليك الجاي وحواشيه فنفاهم إلى قوص وإلى الشام وإلى الإسكندرية وغير ذلك وقد قيل كان عدد من نفاه منهم ثماني مائة نفس وأهينوا إلى الغاية فكانوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 يجعلون يد هذا ويد هذا في خشبة ويحسبهما في خزانة شمائل، ووسط منهم جماعة وسمر آخرين، ثم قبض على جماعة من مماليك الأمراء أرادوا إثارة فتنة ثم قبض على جماعة من الأشرفية فحبسوا. وفي سادس ربيع الأول صودر سيف الدين المقدم على مائة ألف دينار فأورد منها قدر النصف ثم شفع فيه واستمر وقبض على محمد بن يوسف المقدم فضرب بحضرته حتى مات. وفيها أضيفت حسبة مصر لجمال الدين العجمي عوضاً عن الشريف عاصم، فقرر فيها رفيقه سراج الدين عمر الفيومي. وفيها ولي الشريف مرتضى نظر الأشراف، فطلب من الشريف شرف الدين علي بن فخر الدين نقيب الأشراف كتاب وقف الأشراف فامتنع من إرساله فأهانه الأمير برقوق جداً وعزله عن النقابة، وقرر فيها الشريف عاصماً. وفي سابع عشر شهر ربيع الآخر كائنة الشيخ سراج الدين بن الملقن وكان ينوب في الحكم، فتكلم برقوق في من يوليه قضاء الشافعية عوضاً عن بدر الدين بن أبي البقاء لسوء سيرته، وكان الشيخ سراج الدين يتردد إلى برقوق فذكره للولاية ومن عزمه أن لا يغرمه شيئاً فذكر ذلك لبعض أصحابه فبلغ الخبر بدر الدين بن أبي البقاء فسعى ببذل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 مال جزيل فلم يلتفت برقوق لذلك وصمم على ولاية ابن الملقن فبلغه ذلك فأشار عليه بعض أصحابه أن يرضى بركة لئلا يفسد عليه الأمر بسعي ابن أبي البقاء، فكتب له ورقة بأربعة آلاف دينار لبركة فلما شاور برقوق الأمراء في تولية ابن الملقن وأثنى عليه بالدين والفضل فقال له بركة: يا آغا! اصبر علي حتى أقبض منه الذي وعدني به، فتغيظ من ذلك وأخذ الورقة وأمر بإحضار ابن الملقن وجميع العلماء، فتكلم كل أحد بما يهوى، فأخرج برقوق الورقة وقال للشيخ سراج الدين: هذا خطك؟ فقال: لا، وصدق في ذلك فإن الورقة لم تكن بخطه وإنما كتبها الذي أشار عليه على لسانه، فازداد غيظه عليه وأهانه وسلمه للمقدم محمد بن يوسف وأمره أن يخلص منه المال الذي وعده به في الورقة، فاتفق أن المقدم المذكور كان وقع في واقع فرفع أمره إلى ابن الملقن فحكم بحقن دمه فرعى له ذلك، فلما كان يوم الخميس رابع عشرين ربيع الآخر اجتمع البلقيني والركراكي وطائفة من العلماء وسألوا الأمير في الشيخ سراج الدين فوعدهم بأن يطلقه فصمم البلقيني وقال: لا أتوجه إلا به، فسلمه له فنزل به وكان ابن الملقن قد دخل في رأسه دخان المنصب فولي وعزل وعين جماعة لوظائف، فلم يتم له شيء من ذلك، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري: كان السبب في سعي ابن الملقن أن برقوق كان طلب من يقرأ عنده عليه البخاري في رمضان سنة تسع وسبعين، فذكروه له فاجتمع به وصارت بينهما صداقة، فلما استقر بدر الدين بن أبي البقاء استنابه في الصالحية وأعطاه الشرقية لقربه من برقوق فتاقت نفسه إلى المنصب، فذكر القصة وذكر أنه أهين في ذلك المجلس وأنه لما سئل أجاب بأنه سعى لتعيين ذلك عليه فأمر برقوق القاضي بدر الدين بعزله وسلمه لشاد الدواوين فبقي عنده إلى أن خلص في أول جمادى الآخرة. وفي ربيع الأول سعى الشيخ شمس الدين العليمي في مشيخة الخانقاه الأسدية بدمشق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وكانت بيد الشيخ صدر الدين الياسوفي، وأعانه على ذلك الشيخ حب الله فانتزعها من الصدر فاتفق أن العليمي قبض عليه والي الشرطة في خامس عشر شهر ربيع الآخر في بيت نصراني وبين يديه باطية خمر فحمله إلى الحاجب فأقام عليه الحد واتفق أن الذين وشوا به كانوا من أتباع الياسوفي فانتصر له النائب فرسم عليهم وعلى الياسوفي وقرر في مشيخة الأسدية الشيخ شمس الدين بن سند. وفي ربيع الآخر قام جماعة على الشيخ شمس الدين الحنفي القونوي المقيم بالمزة ورفعوا إلى السلطان أنه يقع في العلماء حتى في الصحابة، فرسم أن يعقد له مجلس بدمشق فطلبه النائب وادعى عليه فلم يثبت عليه شيء فأطلق وعظم قدره بعد ذلك. وفيها استقر أمير غالب بن أمير كاتب همام الدين بن قوام الدين الإتقاني في قضاء الحنفية بدمشق، وكان مذكوراً بالفسق والجهل. وفيها نازل الفرنج طرابلس في عدة مراكب فالتقاهم يلبغا الناصري فهزمهم فإنه أمر العسكر أن يتأخروا فطمع فيهم الفرنج وتبعوهم إلى أن بعدوا عن البحر فرجع عليهم بالعسكر فهزمهم وقتل منهم جماعة وكان فتحاً مباركاً لأنه استطرد لهم إلى أن صاروا في البر فضرب عليهم مريحاً فقبض على أكثرهم وقتل منهم جمع كثير وفر من بقي إلى المراكب فاقلعوا بها هاربين. وفيها نازل مبارك الطازي نائب البلستين خليل بن دلغادر التركماني ومن معه فانكسروا فتبعهم فردوا عليه فكسروه وأمسكه خليل فضرب عنقه صبراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وفي جمادى الأولى قبض على الشمس المقسي ناظر الخاص وصودر على مال جزيل ونقل ما في منزله فوجد من جملته ألف بدن سنجاب، وأضيف نظر الخاص لابن مكانس مع الوزارة. وفيه ظهر كوكب له ذؤابة وبقي يرى في أول الليل من ناحية الشمال وفي آخر الليل من ناحية الجنوب. وفيها تحدث بركة في نظر الأوقاف وتكلم معه فيها كمال الدين المحتسب وانتزعوا جميع الأوقاف من الشافعي حتى جامع ابن طولون، وذلك في شهر رجب. وفيها في شعبان سعى شمس الدين ابن أخي جاز الله في مشيخة سعيد السعداء وكانت بيد الشيخ برهان الدين الأبناسي فحج في السنة الماضية، واستناب صديقه الشيخ زين الدين العراقي وجاور، فقام جماعة من أهلها فرافعوا الشيخ برهان الدين وذكروا أنه يهمل أمرها، وقال قوم منهم: أعرض عنها، فقرر بركة شمس الدين المذكور عوضاً عنه، وسعى جماعة ممن يتعصب للشيخ برهان الدين في عقد مجلس وساعدهم الشيخ سراج الدين البلقيني فما أفاد، واستقر ابن أخي الجار. وفيها أطلق طشتمر من سجن الإسكندرية ونقل إلى دمياط، فأقام بها بطالاً مطلقاً. وفيها استقر كمشبغا اليلبغاوي في النيابة بدمشق وصرف بيدمر وسجن بالإسكندرية. وفيها أغار قرط أمير أسوان على أولاد الكنز فأمسك منهم أحد عشر نفساً من أكابرهم وأحضرهم إلى القاهرة فقتلوا، وهو أول من تعرض لهم وكانوا يسكنون خارجاً عنها وهم من ذرية بعض عبيد بني عبيد أصحاب القصر بالقاهرة، وكاتب بذلك كبير الدولة فعلقت الرؤوس بباب زويلة، وأرسل صحبتهم نحو المائتي نفس فاسترقوا وبيعوا فانفتح منهم على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 أهل البلاد باب شر وآل الأمر إلى أن خربت أسوان بأيديهم وجلا عنها أهلها زماننا هذا واستولى بقاياهم عليها. وفيها استقر موسى بن قرمان كاشف الوجه القبلي وأمر تقدمة ألف وكوتب بملك الأمراء، وهو أول من صنع له ذلك وذلك بعد قتل مراد الكاشف من عربان البحيرة بدر بن سلام ومن معه. وفيها استقر تمرباي الدمرداشي في نيابة حماة عوضاً عن كمشبغا. وفيها أفرج عن قزدمر من المرقب وعن ابن أخيه يلك وأقاما بطرابلس ثم نقلا إلى دمشق ثم عين قزدمر لنيابة حلب فلم يتم ذلك، ثم أعطى إقطاع حطط، ثم استقر حطط في نيابة حماة لما انتقل تمرباي إلى نيابة حلب. وفيها قبض على اشقتمر نائب حلب وسجن بالإسكندرية ثم أفرج عنه ونقل إلى القدس بطالاً، واستقر في نيابة حلب منكلي بغا الأحمدي، ثم قبض عليه في رجب وسجن بالقلعة، ونقل تمرباي من نيابة حماة إلى نيابة حلب. وفيها قدم الشيخ أمين الدين الحلواني فأنزل في دار الضيافة، وحصل له من الأمراء فتوح كثير فشرع في عمل السماعات وإنفاق ما يدخل عليه من الفتوح في ذلك فانثال عليه الناس وكثر زائروه ومعتقدوه، وذكر أنه دخل إلى بلاد برغال وأهلها كفار فدعاهم إلى الإسلام فأسلم غالبهم على يده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وفيها توجه شخص من أهل الصلاح يقال له: عبد الله الزيلعي إلى الجيزة، فبات بقرب أبو النمرس فسمع حس الناقوس فسأل عنه فقيل له إن بها كنيسة يعمل فيها ذلك كل ليلة حتى ليلة الجمعة وفي يومها والخطيب على المنبر، فسعى عند جمال الدين المختسب في هدمها فقام في ذلك قياماً تاماً إلى أن هدمها وصيرها مسجداً، وفي جمادى الآخرة تكلم تغرى برمش الحاجب الكبير في الوزير ابن مكانس وشدة عسفه وظلمه، فقال له بركة: أصلح أنت نفسك! فغضب ورمى قباه ولزم بيته، ثم نقل إلى حلب حاجباً فسار إليها. وفي أواخر شوال قبض على فخر الدين بن مكانس وأخيه الوزير وأهينا وصودرا ثم هربا، واستقر التاج الملكي في الوزارة والشمس المقسي في نظر الخاص، وكان ابن مكانس في مباشرته أهوج شديد الجور وإحداث المظالم حتى أنه قبل القبض عليه بقليل توجه بنفسه إلى بركة الحاج وأمر المقومين أن يحضروا أوراق مكس الجمال التي معهم ومن لم يحضر ورقه ألزم بإعادة المكس، فحصل بذلك للحجاج ضرر كبير، وهو أول من أحدث ذلك فعوجل وكان قبل ذلك بقليل بلغه أن بقيسارية جركس كثيراً من القماش بغير ختم فأغلقها في ليالي العيد ثمانية أيام ففاتهم الموسم وكثر دعاؤهم عليه. وفيها أمسك ابن التركية أمير عربان البحيرة، فقبض عليه أيدمر والي البحيرة وسجن وتوجه جمع كثير من الأمراء إلى الصعيد لتتبع العربان، فهربوا فرجعوا بغير طائل، وكان الأمير مراد استقر في كشف الصعيد في ثالث عشر صفر، وهو أول من ولي ذلك بتقدمة ألف، فوقع بينه وبين بدر بن سلام أمير عرب البحيرة وقعة انجلت عن قتل مراد فنقل في مركب إلى القاهرة في شعبان. واستقر موسى بن قرمان أمير الأمراء بالوجه القبلي، وهو أول من عملها وقرر في خدمته حاجباً أمير أربعين وذلك في سادس رمضان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وفيها كانت بين تمرباي نائب حلب وبين التركمان وقعة كبيرة فيها كسرة شنيعة، وارتفعت رؤوس التركمان من يومئذ ومنعوا العداد من هذا التاريخ. وفيها ولي ناصر الدين أحمد بن التنيسي قضاء الإسكندرية وصرف عز الدين بن الريغي، وكان استقر بعد موت أبيه ثم صرف بعد قليل، وعاد ابن الريغي ثم صرف، وعاد ابن التنيسي في ذي الحجة منها، وصارا يتنازعان ذلك مدة إلى أن نقل ابن التنيسي إلى القضاء بالقاهرة كما سيأتي. وفيها جهز الأشرف صاحب اليمن المحمل إلى مكة ومعه كسوة للكعبة، فحال أمير الركب المصري بينهم وبين كسوة الكعبة وكادت تقع الفتنة ثم خمدت بلطف الله تعالى بعناية صاحب مكة، وحصل له بسبب ذلك من اليمنيين ذكر. وفيها حمل إلى المارستان رجل كان منقطعاً بين النهرين في عريش، فمرض فبقي ملقى على الطريق أياماً فحمله بعضهم إلى المارستان، فنزل فيه ثم مات فغسل وصلى عليه وحمل إلى المقبة، فلما أدخل القبر عطس فأخرج، ثم عوفي وعاش، وصار يحدث الناس بما رأى وعاين، وكانت هذه كائنة غريبة بدمشق في جمادى الآخرة. وفي السادس عشر من ذي الحجة كان قد تكلم الأمراء في إبطال الأوقاف من أراضي الديار المصرية بسبب أن الواقفين يشترون الارض بطريق الحيلة ثم يوقفونها، فعقد لذلك مجلس حضره أهل العلم والأعيان، فقال برقوق: ما أضعف عسكر المسلمين إلا هذه الأوقاف، والصواب استرجاعها، فأنكر الشيخ أكمل الدين ذلك وتكلم معه ومع بركة التركي إلى أن نفر فيه بركة وأظهر الغضب، فبدر الشيخ سراج الدين البلقيني وقال: أما أوقاف الجوامع والمدارس وجميع ما للعلماء والطلبة فلا سبيل إليه، ولا يحل لأحد نقضه لأن لهم في الخمس أكثر من ذلك، وأما ما وقف على عويشة وفطيمة واشترى لأمثالهم من بيت المال بالحيلة، فينبغي أن ينقض إذا تحقق أنه أخذ بغير حق، فقال بدر الدين بن أبي البقاء القاضي: الأرض كلها للسلطان يفعل فيها ما يشاء، فرد عليه بدر الدين ابن الشيخ سراج الدين وقال: بل السلطان كآحاد الناس لا يملك من الأرض شيئاً إلا كم كما يملكه غيره، فكثر اللغط وانفصلوا على غير شيء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 إلا أن الشيخ أكمل الدين بعد ذلك بالغ في الرد على من أراد إبطال شيء من الأوقاف وقبح فعل ذلك، وساعده الشيخ ضياء الدين القرمي إلى أن سكن الحال. وفيها اسستقر أوحد الدين موقع برقوق في نظر خزانة الخاص بعد موت علاء الدين بن غراب. وفي شوال رمى ابن الحاجب عبد الله بطيراً فصرعه وادعة لبركة وشرع في تجهيز التقدمة على العادة، والعادة في ذلك أن يقدم من يفعل ذلك للأمير الذي يدعي له تقدمة هائلة تساوي قدر ألفي دينار، فذكر بعض الأمراء لبركة أن عبد الله بن الحاجب هذا قدم لصرغتمش قبل هذا التاريخ أضعاف ذلك، فغضب بركة وأخذ التقدمة وأمر بنفيه هو وولده إلى الشام بطالين، ثم شفع عنده فيهما فأمر بردهما فبذلا عشرة آلاف دينار، فأمر عبد الله أربعين وأقام ابنه بطالا. وفيها في خامس عشرين ذي الحجة وجدت ورقة عند برقوق فيها أن غلام الله مشد الشربخانات يريد أن يكبس عليكم في صلاة الجمعة مع العبيد، فأمر الخطيب أن يوجز الخطبة، واتفق حضور قرط من أسوان ومعه كتب من غلام الله إلى أولاد الكنز يحرضهم على المجيء فقبض على غلام الله وسجن. وفيها طغا التركمان وتجمعوا بعد كسر مبارك الطازي وقتله، فأرسل برقوق إلى تمرباي نائب حلب أن يرسل إليهم الجيوش وجهز عسكر دمشق إليهم أيضاً فتوجهوا فكسرهم التركمان وتبعوهم إلى الدربند وتبجحوا في ذلك، وكان التركمان لما أحسوا بالغلبة أرسلوا منهم أربعين نفساً بالتحف والهدايا، واظهروا الطاعة والخضوع قبل الوقعة والتزموا بدرك سائر الطوائف فلم يقبل منهم ذلك، وأمسكت رسلهم وأخذ ما معهم وكبس في الحال على منازلهم ونهبت أموالهم وسبيت نسؤهم فانتهكت محارمهم حتى كان الغلمان والأتباع يقتضون الأبكار بغير إنكار، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 فلما ألح العسكر في أتباعهم رجعوا عليهم مستقبلين فوقفوا لهم عند مضيق فقتل من العساكر عدد كثير وجرح أكثرهم ونهب ما معهم وهزموهم، فقيل كان جملة ما نهب ثلاثين ألف جمل محملة وثلاثة هشر ألف فرس ونحو ذلك، فحمى التركمان واجتمعوا وأكمنوا لهم عند مضيق يقال له فاز الملك على شاطئ البحر بالقرب من بلدة أناس وطريقه لا يسلكها إلا جمل واحد، فلما مروا بهم أوقعوا بهم فلم ينج منهم إلا الشارد وهلك المعظم، ويقال إن تمرباي أسر فلم يعرف فتحيل حتى أطبق وملك التركمان بلستين واستعدوا لقصد حلب ونهبها. وفي صفر منها استقر السلطان الملك العادل فخر الدين سليمان بن غازي في مملكة حصن كيفا، فوض إليه ذلك أخوه الملك الصالح بعد أن أشهد على نفسه بالرضا بذلك وخلع نفسه من الملك، وضربت الدراهم والدنانير باسم سليمان، ورسخت قدمه في المملكة. وفيها أمسك على سابق الدين مثقال الأشرفي زمام الأشرف شعبان كان صودر على مال كثير على يد سيف المقدم فأخذ منه ثلاثة آلاف دينار. وفي شوال أمر بتبطيل الوكلاء من دور القضاء. ذكر من مات في سنة ثمانين وسبعمائة من الأعيان. إبراهيم بن عبد الله الحكري برهان الدين المصري، ولي قضاء المدينة، وكان عارفاً بالعربية، وشرح الألفية، ثم رجع فمات بالقدس في جمادى الآخرة، وقد ناب في الحكم عن البلقيني في الخليل والقدس وأم عنه نيابة بالجامع بدمشق. أحمد بن خضر بن أحمد بن سعد بن عمار بن غزوان بن علي بن مشرف بن تركي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 الحسباني السعدي شهاب الدين نزيل دمشق، كان من أهل حسبان، وسكن دمشق فكانت له جلادة وصرامة، وكان من الشهود، ذكره قريبه شهاب الدين بن حجى، وذكر أنه وجد شهادة عم جد أبيه على المعظم بن العادل في سنة خمس وستمائة في وقف جامع حسبان، شهد بذلك عمار ابن غزوان بن علي السعدي ثم أدى تلك الشهادة عند الحاكم بحسبان عبد الحق بن عبد الرحمن سنة عشرين وستمائة، مات بدمشق. أحمد بن سليمان بن محمد العدناني أبو العباس البرشكي بكسر الموحدة والراء وسكون المعجمة بعدها كاف والد صاحبنا المحدث زين الدين عبد الرحمن، روى عن الوادياشي والشريغ المغربي واشتغل ومهر، وله حواش على رياض الصالحين للنووي في مجلد، وله تواليف، روى عنه عبد الله بن مسعود بن علي بن القرشية وغيره من أهل تونس، ومات بها في هذه السنة. أحمد بن عبد الله العجمي المعروف بأبي ذر، قدم مصر بعد أن صحب الشريف حيدر بن محمد فأقام مدة ثم رجع إلى القدس وبه مات، واشتهر على ألسنة العوام باذار أركان يعرف علم الحرف ويدرس كتب ابن العربي، وله اشتغال في المعقول وذكاء، وكان كثير التقشف، وللناس فيه اعتقاد، مات في ذي الحجة وقد أضر، وجاوز السبعين. أحمد بن محمد بن إسماعيل الطبري المكي، سمع من الرضي الطبري وغيره وحدث. أحمد بن محمد بن عبد الله بن ملك بن مكتوم العجلوني بن خطيب بيت لهيا شهاب الدين بن فخر الدين، ولد سنة تسع وسبعمائة، وسمع من الحجار وإسماعيل بن عمر الحموي وغيرهما وحدث، وكان رئيساً وجيهاً، وله عدة مشاركات، مات في المحرم. أحمد بن محمد بن محمد بن حسن العزي بالعين المهملة المكسورة ثم الزاي، كان أحد المؤذنين والقراء بالألحان، فاق أقرانه وكان وجيهاً، يتعانى الشهادة ثم ترك، وكان شريف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 النفس منجمعاً محبباً إلى الناس، مات في جمادى الأولى وقد جاوز الأربعين، وهو خال الشيخ شهاب الدين بن حجى. أحمد بن مخلص السخاوي الشيخ شهاب الدين الدمشقي، ولد سنة بضع وسبعمائة، وسمع من السلاوي والمزي والبرزالي وغيرهم، وكان صوفياً بخانقاه خاتون منجمعاً مقتنعاً بملك له وقفه على نفسه ثم على الخانقاه وحدث، مات في جمادى الآخرة. اطلمش الدوادار، مات بالإسكندرية، وكان يقال له الأرغوني، أمر أربعين بعد قتل الأشرف ثم استقر دويدارا كبيراً، ثم قبض عليه مع طشتمر ثم أعطى تقدمة ألف بالشام، ثم مات في ربيع الآخر. آقبغا الجمدار خزندار الجاي، كان شجاعاً مقداماً، تقدم في زمن أستاذه ثم نفي بعده إلى الشام ثم أعطى إمرة عشرة بمصر، ثم قبض عليه في صفر وقتل. بسسى مات بعد رجوعه من القاهرة. أبو بكر بن الحافظ تقي الدين محمد بن راقع، ولد في رمضان سنة ست وثلاثين، وأسمعه أبوه من زينب بنت الكمال والجزري وغيرهما وحدث، وكان قد درس بالعزيزية بعد أبيه، مات في رجب. الحسن بن عبد الله الصيرفي المصري كان نقيب الفقراء، وله نظم، مات في صفر. الحسن بن محمد بن حسن بن أحمد بن عبد الواحد الدمشقي بدر الدين بن الزملكاني، كان من رؤساء الدمشقيين، ومات في رمضان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 الحسن بن سالار بن محمود الغزنوي ثم البغدادي الفقيه الشافعي، رحل قديماً فسمع من الحجار وغيره، ثم رجع وحدث ببغداد بصحيح البخاري عن الحجار وبتلخيص المفتاح عن مصنفه الجلال القزويني، مات في شوال. داود بن إسماعيل القلقيلي نسبة إلى قرية بين نابلس والرملة يلقب بهاء الدين، كان فاضلاً شافعياً يدرس ويفتي، سكن حلب. ومات في هذه السنة ذكره القاضي علاء الدين في تاريخه. صالح بن محمد بن صالح المناوي أحد المعتقدين بالقاهرة، مات بمنية الشيرج وبها كانت زاويته ويذكر عنه كرامات، وكان كثير الضيافة للواردين، وللنا فيه اعتقاد كثير، مات في رمضان. ضياء بن سعد الله بن محمد بن عثمان القزويني ويقال له القرمي ويعرف بقاضي القرم ويسمى أيضاً عبد الله، الشيخ ضياء الدين العفيفي، أحد العلماء، تفقه في بلاده وأخذ عن القاضي عضد الدين وغيره، ثم اشتغل على أبيه والبدر التستري والخلخالي، وتقدم في العلم قديماً حتى كان سعد الدين التفتازاني أحد من قرأ عليه، وحج قديماً فسمع من العفيف المطري بالمدينة وكان اسمه عبيد الله فكان لا يرضى أن يكتبه فقيل له في ذلك فقال: لموافقته اسم عبيد الله بن زياد قاتل الحسين، وكان يستحضر المذهبين ويفتي فيهما ويحسن إلى الطلبة بجاهه وماله مع الدين المتين والتواضع الزائد وكثرة الخير وعدم الشر والعظمة الزائدة، وكانت لحيته طويلة جداً بحيث تصل إلى قدميه ولا ينام إلا وهي في كيس، وكان إذا ركب فرقها فرقتين، وكان عوام مصر إذا رأوه قالوا: سبحان الخالق! فكان يقول: عوام مصر مؤمنون حقاً لأنهم يستدلون بالصنعة على الصانع، ولما قدم القاهرة استقر في تدريس الشافعية بالشيخونية وفي مشيخة البيبرسية وغير ذلك، وكان لا يمل من الاشتغال حتى في حال مشيه وركوبه، ويحل الكشاف والحاوي حلا إليه المنتهى حتى يظن أنه يحفظهما أو يقدر على سردهما، وكان يقول: أنا حنفي الأصول شافعي الفروع، وكان يدرس دائماً بغير مطالعة، وعظم قدره جداً في أيام دولة الأشراف، مات في ثالث عشر ذي الحجة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 فقرأت بخط قاضي القضاة تقي الدين الزبيري وهو فيما أجازنيه أن سبب موته أنه عقد عند برقوق مجلس بسبب الأوقاف فتكلم الضياء بكلام قوي فغضب منه برقوق وأجابه بجواب خشن خاف منه على نفسه فرجع إلى الشيخونية ثم رجع إلى بيته فمرض واستمر إلى أن مات، كتب إليه زين الدين طاهر بن الحسن بن حبيب: قل لرب الندى ومن طلب العلم مجداً إلى سبيل السواء. إن أردت الخلاص من ظلمة الجهل فما تهتدي بغير الضياء. فأجاب: قل لمن يطلب الهداية مني ... خلت لمع السراب بركة ماء. ليس عندي من الضياء شعاع ... كيف تبغي الهدى من اسم الضياء. طلحة بن عيسى بن إبراهيم بن عيسى الزبيدي المهتار، كان صالحاً، له كرامات، مات في ربيع الآخر. عارف بن محمد العجمي نزيل القاهرة، كان عارفاً بالموسيقى وانتهت إليه الرئاسة في ذلك، وكان أحد الصوفية بالبيبرسية، مات في ذي القعدة. عبد الله بن عبد الله الجبرتي صاحب الزاوية بالقرافة، أحد من يعتقد بالقاهرة، مات في سادس عشر المحرم. عبد الله بن محمد بن سهل المرسي المغربي نزيل الإسكندرية، ويعرف بالشيخ نهار، كان أحد من يعتقد ببلده ويذكر عنه مكاشفات كثيرة، مات في جمادى الأولى. عبد الله بن محدار شاهد الإصطبل، وكان من الخواص عند ابن الغنام وولي نظر المواريث، وكان شديد السمرة، مات رجوعه من الحج في صفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم، عز الدين أبو محمد بن العجمي الحلبي، سمع من أبي بكر أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن العجمي مجالس ابن عبد كوية الثلاثة، سمع منه ابن ظهيرة والبرهان المحدث وغيرهما، ومات راجعاً من الحج في ثالث المحرم، وكان شيخاً منقطعاً عن الناس، له وقف يرتزق منه وهو من بيت كبير بحلب. عبد الملك بن عبد الكريم بن يحيى بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى القرشي، محيي الدين ابن الزكي الدمشقي، كان من بيت كبير بدمشق، ولد قبيل الثلاثين، وسمع من زينب بنت الكمال وغيرها، وطلب بنفسه واشتغل وحدث، وناب في الحكم ودرس وكان من الرؤساء، مات في ذي القعدة ولم يكمل الخمسين، وكان له نظم. علي بن صالح بن أحمد بن خلف بن أبي بكر الطيبي ثم المصري، سمع من الحجار ووزيرة، وحدث عن ابن مخلفو بالسادس من الثقفيات سماعاً قال أخبرنا جعفر، مات في سابع عشر المحرم، سمع منه أبو حامد بن ظهيرة بالقاهرة. علي بن عرب الطنبذي محتسب القاهرة، ولي أيضاً وكالة بيت المال ونظر الخزانة، وحج في هذه السنة فمات بعد قضاء حجه بمكة في ثالث عشر ذي الحجة. علي بن كلفت، والعامة تقول كلبك شاد الدواوين، كان مشهوراً بالعفة ويقال إنه ما ارتشى قط لكنه كان ظالماً غشوماً، مات بالطريق بين حلب ودمشق في جمادى الآخرة فحمل إلى دمشق فدفن بها، ويقال إنه لما كان بحلب ظلم ظلماً كثيراً فطلبه منكلي بغا النائب وأهانه وضربه فكان ذلك سبب موته عفا الله تعالى عنه. مبارك شاه الطازي أحد الأمراء، كان من أعيان أتباع طاز وأول ما تأمر أربعين في شوال سنة ثمان وستين، ثم أمر تقدمة في سنة خمس وسبعين ثم كان ممن أعان على قتل الأشرف، واستقر في أول سنة تسع وسبعين رأس نوبة، ثم قبض عليه مع قرطاي وسجن بالإسكندرية ثم أطلق وأعطى إمرة البلستين ثم نقل إلى نيابة غزة في أول سنة ثماني ثم أعيد إلى البلستين فقتل في صفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 محمد بن إبراهيم بن محمد بن يوسف الدمشقي شمس الدين الحسباني، ولد بحسبان وأصله من غزة، وإنما ولي أبوه القضاء بحسبان ونشأ هو بها وكتب بين يدي أبيه ثم ولي كتابة الحلة بدمشق، وكان مشهوراً بالمهارة في ذلك عارفاً بالوثائق، مات في المحرم عن سبعين سنة. محمد بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي الصالحي، صلاح الدين بن تقي الدين بن العز، مسند الدنيا في عصره، ولد سنة أربع وثمانين، وتفرد بالسماع من الفخر بن البخاري، سمع منه مشيخته وأكثر مسند أحمد والشمائل والمنتقي الكبير من الغيلانيات، وسمع من التقي الواسطي وأخيه محمد وأحمد عبد المؤمن الصوري وعيسى المغري والحسن بن علي الخلال والعز الفراء والتقي بن مؤمن ونصر الله بن عياش في آخرين، وأجاز له في سنة خمس وثمانين جماعة من أصحاب ابن طبرزد والكندي وخرج له الياسوفي مشيخة وحدث بالإجازة عن النجم بن المجاور وعبد الرحمن بن الزين وزينب بنت مكي وزينب بنت العلم، وأسمع الكثير ورحل الناس إليه وتزاحموا عليه وأكثروا عنه، وكان ديناً صالحاً حسن الإسماع، أم بمدرسة جده، وأسمع الحديث أكثر من خمسين سنة، وكان أولاً يتعسر ثم سمع، وقد أجاز لأهل مصر خصوصاً من عموم فدخلنا في ذلك، مات في شوال عن ست وتسعين سنة وأشهر، ونزل الناس بموته درجة، ولد في آخر سنة ثلاث أو أول أربع وثمانين فأكمل ستاً وتسعين سنة وأشهراً. محمد بن أحمد بن رسول الأبناسي محتسب دمشق وليها مراراً، مات في ذي القعدة. محمد بن أحمد بن علي بن جابر الهواري الأندلسي أبو عبد الله بن جابر الضرير صاحب البديعية، تقدم ذكره مع رفيقه أبي جعفر الغرناطي ومات هو في هذه السنة. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حسن الخراساني، بدر الدين بن ركن الدين بن وحيد الدين، الخراساني الأصل الدمشقي، شيخ خانقاه الطواويس تلقاها عن والده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 سنة إحدى وأربعين، وكان مولده سنة عشرين وسبعمائة، وسمع من السادجي بعض جامع الترمذي وحدث، ومات في صفر. محمد بن إسماعيل بن أحمد الدمشقي الفراء الأشقر الملقب بالقزل، سمع المزي وإبراهيم بن الفريسة والبرزالي وجماعة من أصحاب بان الدائم وحدث، وكان دمث الأخلاق يحب أهل الحديث وأصحاب ابن تيمية، حفظ القرآن على كبر وقد حفظ عليه القرآن جماعة، مات في ربيع الآخر. محمد بن علي بن الجبعاء العادلي، ناصر الدين، نشأ في رياسة وتعانى الفروسية، ومهر في لعب الأكرة، وولي إمرة عشرة ثم طبلخانات، ثم أمر تقدمة في سنة سبع وسبعين، وولي نيابة السلطنة في أول سنة ثمانين ثم ولي نيابة غزة في ربيع الأول منها، ثم استعفى لمرض عرض له ومات في جمادى الآخرة منها. محمد بن عيسى شمس الدين النابلسي قاضيها وخطيبها، هو سبط القلقشندي، مات في جمادى الآخرة وهو من أبناء الأربعين. محمد بن محمد بن سعيد بن عمر بن علي الهندي الصنعاني ضياء الدين، نزيل المدينة، ثم كة، كان فاضلاً صاحب فنون، ويدري الفقه والعربية والأصول وله سماع من البدر الفارقي والعفيف المطري، وكان يتعانى التجارة، مات في ذي الحجة وقد جاوز الثمانين، وهو والد صاحبنا شهاب الدين بن الضياء قاضي الحنفية الآبن بمكة، وقد ادعى والده أنهم من ذرية الصنعاني وأن الصنعاني من ذرية عمر بن الخطاب، وكان الضياء قد سمع علي الجمال المطري والقطب بن مكرم والبدر الفارقي، وكان سبب تحوله من المدينة أنه كان كثير المال فطلب منه جماز أميرها شيئاً فامتنع فسجنه ثم أفرج عنه فاتفق أنهما اجتمعا في المسجد فوقع من جماز كلام في حق أبي بكر وعمر فكفره الضياء وقام من المجلس فتغيب وتوصل إلى ينبع واستجار بأميرها أبي الغيث فأرسله إلى مصر فشنع على جماز فأمر السلطان بقتله فقتل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 في الموسم فنهب آل جماز دار الضياء فتحول إلى مكة وتعصب له يلبغا فقرر له درساً للحنفية في سنة ثلاث وستين فاستمر مقيماً بمكة إلى أن مات، وكان عارفاً بالفقه والعربية شديد التصعب للحنفية كثير الوقيعة في الشافعية. محمد بن محمد بن عثمان بن الصفي أحمد بن محمد بن أبي بكر الطبري، سمع من جده عثمان وجماعة بدمشق ومكة وحدث، أخذ عنه السراج الدمنهوري وغيره وكتب الكثير وتوجه إلى بلاد الهند سنة ثمان وخمسين فأقام بها إلى أن مات في هذه السنة. محمود بن علي بن إبراهيم القيصري شيخ الخانقاه الخاتونية ونظر الربوة وولي أيضاً نظر الأسرى، وكان مكيناً عند الناس كثير الإفضال والمكارم، وقد نزل لولده عبد الملك عن المشيخة قبل موته بقليل، وكانت له مكانة عند الناس ومكارم أخلاق، مات في شوال، سمع صحيح مسلم على السلاوي، ونزل له صهره ابن حمويه عن مشيخة الشيوخ فما سعى فيها واستمر بالخاتوينة. موسى بن عبد الله الأزكشي نائب السلطنة في عدة أقاليم وبالقاهرة ثم الأستادارية والحجوبية والإشارة والكلام في أمور المملكة كلها، مات في المحلة في ذي القعدة، وكان معروفاً بالعفة والديانة. موسى بن محمد بن شهري بضم المعجمة وسكون الهاء التركماني، أحد أكابر الأمراء بالبلستين والنائب في سيس وغيرها من البلاد الشمالية، مت في رمضان وقد جاوز الأربعين، وكان يحب العلم ويفهم كثيراً ويذاكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 ويتمذهب للشافعي، ويقال إن الباريني أذن له في الإفتاء، وكان ذلك في سنة وفاته وقد ولي نيابة. نهار الذي كان يعتقد بالإسكندرية هو عبد الله تقدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 سنة إحدى وثماني وسبعمائة فيها وصل الحجاج إلى الأزلم فلم يجدوا بها الإقامة على العادة فوقع فيهم الغلاء الشديد، وكان السبب في تأخير الإقامة أن العرب الذين جرت عادتهم بحملها نقل لهم عن عرب بلى أنهم أرادوا نهب الإقامة فتأخروا بمغارة شعيب، فوصل الحاج إلى المويلحة فلم يجدوا شيئاً ثم إلى عيون القصب فلم يجدوا شيئاً فغلا الشعير حتى بيعت الويبة الشعير باثنين وتسعين درهماً قيمتها حينئذ تزيد على خمسة دنانير هرجة، ومات من الجمال شيء كثير، وقاسى الحجاج مشقة شديدة وتأخروا عن العادة خمسة أيام. وفي رابع عشرين المحرم استقر قرط نائب السلطنة بالوجه القبلي وابنه حسين والي قوص، وأوقع قرط في ربيع الآخر بالعرب فكسروه وقتلوا عدداً من مماليكه ثم عاد فانتصر عليهم وقتل منهم مقتلة وأرسل رؤوساً إلى القاهرة فعلقت. وفيها توجه فخر الدين إياس في طلب برهان الدين بن جماعة لشكوى الناس من سيرة ابن أبي البقاء فوصل في أواخر صفر فخرج بركة لملتقاه وطلع صحبته إلى برقوق ونزل في آخر النهار في صهريج منجك، ثم طلب صبيحة قدومه إلى القلعة وخلع عليه ونزل في موكب حافل فيه ثلاثة عشر من الأمراء الكبار وارتجت له القاهرة بحيث كان أعظم من يوم المحمل وباشر بحرمة ومهابة أعظم من المرة الأولى، واستعاد من البلقيني تدريس الشافعي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وكان انتزعه البلقيني لما استقر ابن أبي البقاء في القضاء، ثم إن ابن جماعة اصطلح مع البلقيني وعوضه نظر وقف السيفي ووقف المدرسة الطقجية، وكانت مدة ولاية ابن أبي البقاء هذه الأولى سنة وأربعة أشهر. وقرأت بخط الزبيري أن العظمة المذكورة لابن جماعة كانت من جهة بركة، فلما تلاشى أمره لم ينفق لابن جماعة مثل الصورة التي كانت في أيام الأشرف بعناية ابن آقبغا آص. وفيها أمر بركة بمسك الكلاب ونفيهم إلى الجيزة وقرر على كل أمير وعلى صاحب دكان منهم شيئاً كثيراً. وفيها قيس المديان وجعل على كل أمير فدان فأحضر كل أمير رجالاً من عنده فعزقوه وأصلحوه، وفي صفر قبض على مثقال الجمالي الزمام الأشرفي وسئل عن ذخائر الأشرف بعد أن عرض على العقوية فدل على ذخيرة وجدرا فيها ثلاثين ألف دينار ثم هدد فأقر بأخرى فيها نصف الأولى وفيها برنية فصوص من جملتها فص عين هر زنته ستة عش درهماً ثم ضرب وسعط مراراً فلم يقر بشيء، ثم وجدت ورقة بخط الأشرف فيها فهرسة ذخائره فاعتبرت فتحققوا أنه ما بقي عند مثقال شيء فأطلق. وفي ربيع الآخر أمر بركة بتسمير جماعة من قطاع الطريق فسمروا وكانوا نحو الستة عشر نفساً. وفيها شاع بين العامة أن بركة يريد أن يركب عليهم فتحدثوا في ذلك فأمر بركة والي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 القاهرة أن يقبض على الزعر والعبيد فتتبعهم واشتد خوف العامة فأمر برقوق الوالي أن ينادي للعامة بالأمان فاطمأنوا. وفيها قبض على مملوكين بدمشق كانا يأخذان النساء قهراً فصلبا، وذلك في ربيع الأول. وفيها ثار آقبغا عبد الله وجماعة معه على نائب الشام وكان قد تجرد مع نائب حلب في عسكري البلدين بسبب التركمان فوقعت بينهم وبين آقبغا المذكور ومن معه وقعة فكسرهم نائب الشام وهرب آقبغا إلى نعير فاستجار به وصادف موت أخيه قارا أمير عرب آل فصل نعير عمه صول بن حيار إلى مصر يطلب الأمان لآقبغا ويخطب الإمرة لنفسه ويلتزم الطاعة فلم يقع ذلك الموقع وسجن صول المذكور. وفيها أعيد اشقتمر إلى نيابة حلب فسافر في ربيع الآخر أو جمادى الأولى وأمر برفع المكس عن أهس عزاز وأرسل الأمان إلى آقبغا فأرسله نعير فوصل إلى حلب ثم إلى دمشق ثم استقر نائب غزة فأقام بها، وقسمت الإمرة بين نعير وبين ابن عمه زامل. وفيها أرسل تمر باي نائب حلب إلى الدس بطالا في جمادى الأولى. وفي جمادى الأولى أرسل بيدمر إلى القدس بطالا أيضاً فوصلا إلى القدس جميعاً في جمادى الآخرة. وفيها أوفي النيل، فنزل بركة إلى كسر الخليج فحلق العامود بالمقياس ورجع في الحراقة فصدمه مركب مقلع فكسر مقدم الحراقة ووقع شاش بركة عن رأسه فنزل من الحراقة إلى شختور لطيف فكسر الخليج ثم رجع إلى منزله فتشأموا له بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وفيها أمر بركة بسلسلة القناطر لئلا يدخل فيها الشخاتير بالمتفرجين في بركة الرطلى وغيرها فعمل على قنطرة فم الخور سلسلة وعلى قنطرة الفخر أخرى، ووكل بهما من يفتح السلسلة للمراكب الكبار التي تجلب البضائع من الوجه البحري ويمنع المتفرجين. وفي ذلك يقول ابن العطار: هم سلسلوا البحر لا لذنب ... وأرسلوا للحجاز باشه. وأشار بذلك إلى إرسال سودون باشا إلى الحجاز لإصلاح الطرقات في هذه السنة. وفيها أمر بركة بكسر جرار الخمر بحارة الأسارى فكسر منها شيء كثير على يد مأمور الحاجب الكبير. وفيها فاض الخليج الناصري من يحمون الجمالي فأغرق البساتين وقنطرة الحاجب وكوم الريش والتاج ومنية الشيرج وشبرا وانقطعت الطرق. وفيها تكلم جار الله قاضي الحنفية في إعادة ما كان السراج الهندي سعى فيه من إحداث مودع للحنفية وفي استنابة القضاة في البر في لبس الطرحة في المواكب، وكان ذلك مما جرت به العادة القديمة بانفراد الشافعي به، واتفق أن السراج أجيب إلى ذلك فشغله الضعف عنه إلى أن مات فأجيب سؤال جار الله إلى ذلك ولبس خلعة لذلك وعين شخصاً يكون أمين الحكم ومكاناً يكون مودعاً، فشق ذلك على برهان الدين بن جماعة وسعى في إبطاله وساعده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 الشيخ أكمل الدين وغيره من أرباب الدولة فعقد لذلك مجلس حافل عند برقوق في نصف جمادى الأولى، فتكلم أكمل الدين وبالغ في مساعدة الشافعي وجرى بينه وبين جار الله مقالات كثيرة وإساءات، وفي آخر الأمر قال أكمل الدين لبرقوق: إن في هذا الذي يطلبه جار الله شناعة عظيمة على الحنفية وإنهم يطلبون منك ذلك تحيلاًمنهم على إبطال الزكاة، فنفر برقوق من ذلك وأمر بإبطال ذلك، وقام مع الشافعية الشيخ خلف الطوخي وكان برقوق يحبه ويعتقده، فلما كان في الثاني والعشرين من جمادى الأولى خلع على ابن جماعة واستقر على قاعدته وأن لا يخرج شيء من الأوقاف الحكمية والمودع عن أمره وحصل للعجم من ذلك غم عظيم وشنع العامة عليهم بما ذكره أكمل الدين من قصدهم إبطال الزكاة حتى قال ابن العطار: أمرت تركنا بمودع حكم ... حنفي لأجل منع الزكاة. رب خذهم فإنهم إن أقاموا ... نخش أن يأمروا بترك الصلاة. وقال في ذلك أيضاً: ظهر البرهان لما ... لعبت عجم بترك. واستقام الدست حتى ... صرف الجار يبكي. وفيها عزر جمال الدين عبد الرحيم بن الوراق وعزل من نيابة الحكم للحنفية، وذلك أن امرأة أقرت عنده بانقضاء عدتها بسقط مخلق فحكم بذلك، ثم ادعت أنها حامل فكتب لها فرض حمل، فاستفتى عليه فأفتى علماء مذهبه بأن ذلك مخالف لهم فأمر برقوق بعزله وتعزيره. وفيها أمر برقوق بعزل زين الدين الإسكندري نائب الحكم من الحكم أيضاً أو ذلك بشكوى مأمور الحاجب لبرقوق منه أنه يمنع منه الخصوم، وأمر برقوق بشخص من العامة احتمى عند زين الدين المذكور من مأمور فضرب بالمقارع وجرس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وفيها أحضر قاضي الحنفية جار الله إبراهيم الحلواني الوعظ فعزره وسجنه ومنعه من الكلام، وذلك أنه كان يوماً في ميعاده يقرأ بالجامع الأزهر فأحضر له شخص يقال له القدسي كتاباً فيه من مناقب الشافعي، فقال له: أمرك القاضي برهان الدين بن جماعة أن تقرأ هذا الكتب على الناس، فقرأه فمر فيه أن شخصاً رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقرأ هذه الآية: " فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين "، وأشار عند قوله: " هؤلاء " إلى أبي حنيفة وأصحابه وبقية الآية إلى الشافعي وأصحابه، فبلغ ذلك بعض الحنفية فشكوه إلى جار الله، فأحضره وعزره وأحضر القدسي فحلف أن ابن جماعة لم يأمره بشيء من ذلك وإنما اقترح هو ذلك من قبل نفسه وأراد أن تسمع الناس مناقب الشافعي ولم يعرف أن فيها هذه القصة فعزره الحنفي أيضاً وسجنه، ثم سعى الشيخ سراج الدين البلقيني في أمر الحلواني إلى أن اخرج من السجن وأقام في منزله ممنوعاً من قراءة البخاري، ثم سعى هو حتى أذن له في الكلام على عادته، وأعانه برهان الدين بن جماعة. وفيها سعى كمال الدين سبط صلاح الدين الخروبي في الوزارة وذلك أنه نشأ يجب الكتابة والمباشرة فتكلم مع فقيه الأمير خضر استادار بركة فأحضره خضر عند بركة وقرر أمره وأن يكون كمال الدين وزيراً وزوج خالته ابن السقطي ناظر الدولة وفقيه خضر ناظر الخاص وكراي بن خاص ترك شاد الدواوين وشخص دلال بالوراقين كان يصحبهم مقدم الدولة وضمن للأمير بركة تكفية الدولة ستة أشهر بشرط أن يسلم له خاله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 تاج الدين الخروبي وقريبهم ركن الدين الخروبي وغيرهما، وضمن لبركة أن يخلص منهم مائة ألف دينار، فأجابه إلى جميع ذلك، فبلغ ذلك أقاربه فسعوا عليه عند القبط، فوصل الأمر إلى برقوق فأنكر ذلك وطلب المذكور وضرب بحضرته بالمقارع وضرب معه فقيه خضر وجرسا بطراطير، وذلك في أوائل شهر رمضان بمصر والقاهرة، ونودي عليهما جزاء من يتحدث فيما لا يعنيه، وهرب ابن خاص ترك، ثم نفي كمال الدين المذكور إلى قوص فتغرب هناك إلى أن مات. وفيها ادعى شخص فقير أنه محمد بن عبد الله النبي الأمي فقبض عليه وسجن بالمارستان، وكان سئل عن معجزته فقال: إن أحرف القرآن تنطق لي، وسئل أيضاً فاعترف بنبوة محمد بن عبد الله رسول الله، وأنه أرسل بعده ليقرر شرعه وأنه وعد بالسلطنة والحكم بالعدل، فشهد رؤساء المارستان أن في عقله اختلالاً، فقيد زماناً ثم أطلق، وقد رأيته بعد ذلك بمدة طويلة يستعطي الناس فلا يذكر شيئاً مما تقدم ويتأذى ممن يذكر له ذلك. وفي جمادى الآخرة عقد مجلس بسبب عز الدين الرازي حين ولي تدريس الحديث بالمنصورية، فقام في ذلك الشيخ برهان الدين الأبناسي والشيخ زين الدين العراقي وغيرهما وقالوا: إن هذا لا يعرف شيئاً من الحديث، فلما حضروا أعطى جزأ من صحيح البخاري ليقرأ فيه بالحاضر فقرأ شيئاً فصحف في مواضع واضحة فافتضح وانفصل الأمر على ذلك، فأراد جمال الدين المحتسب ستر القضية فأخذ التدريس لنفسه من الناظر وخشي الشناعة فأحضر بعض المحدثين إلى منزله وقرأ عليه الحديث، وواظب على سماع الحديث على بعض المشايخ كالآمدي والدجوي فصاروا يحضرون إلى منزله، واستمر تدريس الحديث بيده ثم استقر فيه ولده بعده إلى أن صار إلى كاتبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 وفيها استنجز بركة مرسوماً من السلطان بالاستيلاء على تركة بن الأنصاري قاضي دمنهور وعلى تركة محمد بن سلام التاجر، فاجتمع به برهان الدين بن جماعة فوعظه وسأله أن يترك ذلك لله تعالى ووعده أن الله تعالى يعوضه خيراً من ذلك فأجاب سؤاله. وفي أوائل ذي القعدة ادعى على الشيخ زين الدين عمر بن مسلم القرشي الواعظ أنه مجسم وشهد عليه جماعة بكلام قاله يتعلق بالصفات، فرسم عليه جمال الدين المحتسب فقام القاضي برهان الدين بن جماعة في أمره إلى أن أطلق بعد ستة أشهر. وفيها عكر بركة الميضاة المنسوبة له بمكة المشرفة وأمر بإصلاح بئر زمزم وبإجراء الماء في القناة من عين الأرزق إلى الفساقي في باب المعلاة. وفيها طب بركة الوزراء المعزولين، فنفي ابن الرويهب إلى طرسوس وابن الغنام إلى القدس، وضرب ابن مكانس بالمقارع وهرب أخوه فخر الدين، ثم شفع يلبغا الناصري في ابن مكانس فأطلق. وفيها في ذي الحجة حضر جماعة من الرجال والناسء وذكروا أنهم كانوا نصارى فأسلموا ثم اختاروا الرجوع إلى دينهم فأرادوا التقرب إلى ربهم بسفك دمائهم ندماً على ما فعلوا، فعرض عليهم القاضي علم الدين المالكي الرجوع إلى الإسلام فامتنعوا، فأمر بعض نوابه بسفك دمائهم فضربت أعناق الرجال عند اللصالحية وأعناق النساء تحت القلعة في الرميلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وفيها جاء رجل جندي إلى الصالحية فنزل عن فرسه وسأل عن القاضي المالكي وقال: أريد أن يطهرني فإني مرتد عن الإسلام، فأمسك وأحضر إلى جمال الدين المحتسب، فضربه وسجنه وسأل الأطباء أن كان مختل العقل أولاً فيقال، إنهم شهدوا أنه مجنون فسجن بالمارستان. وفيها في أوائل رجب شاع بين الناس أن شخصاً يتكلم من وراء حائط فافتتن الناس به، واستمر ذلك في رجب وشعبان، واعتقدوا أن المتكلم من الجن أو الملائكة، وقال قائلهم: يا رب سلم! الحيطة تتكلم. وقال ابن العطار: يا ناطقاً من جدار وهو ليس يرى ... أظهر وإلا فهذا الفعل فتان. لم تسمع الناس للحيطان ألسنة ... وإنما قيل للحيطان آذان. ثم تتبع جمال الدين المحتسب القصة وبحث عن القضية إلى أن وقف على حقيقتها، فتوجه أولاً إلى البيت فسمع الكلام من الجدار فرسم على الجندي جار المكان وضرب غلامه وقرره وأمر بتخريب الدار فخربت، ثم عادوا بعد ذلك وسمعوا الكلام على العادة، فحضر مرة أخرى فأمر من يخاطب المتكلم فقال: هذا الذي تفعله فتنة للناس فإلى متى؟ قال: ما بقي بعد هذا اليوم شيء، فمضى ثم بلغه أنه عاد وقوي الظن وأن القصة مفتعلة، فلم يزل يبحث حتى عرف باطن الأمر وهو أنه وجد شخصاً يقال له الشيخ ركن الدين عمر مع آخر يقال له أحمد الفيشي قد تواطأا على ذلك وصارا يلقنان زوج أحمد الفيشي ما تتكلم به من وراء الحائط من قرعة تصير الصوت مستغرباً لا يشبه صوت الآدميين، فانتهى الأمر إلى برقوق فسمرهم بعد ضرب الرجلين بالمقارع والمرأة تحت رجلها وحصل لكثير من الناس عليهم ألم عظيم، وخلع على جمال الدين خلعة بسبب ذلك، وقيل إن أصل ذلك أن المرأة كانت تغار من زوجها فرتبت مع الشيخ عمر أن يتكلم لها من وراء الحائط من القرعة وينهاه عن أذاها، فنقب الحائط إلى أن لم يصر منه سوى قشرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وركب القرعة وتكلم من ورائها فقال له في الليل بذلك الصوت المنكر: يا أحمد! اتق الله وعاشر زوجتك بالمعروف فإنها امرأة صالحة وكرر ذلك، فارتاع الرجل وصالحها. فلما طالت المدة وتراضيا أطلعته المرأة على الحيلة فانفتح لهم دكان تحصيل فصار الناس يهرعون إلى بيت أحمد الفيشي ليسمعون الكلام واستقرت المرأة هي التي تتكلم وأعان المحتسب على الاطلاع على أمرهم أن الكلام الذي كان يسمع ليس فيه إخبار عن مغيب ولا عن حادث يأتي. وكان الركن عمر قد أقام بجامع عمرو ثلاثين سنة على قدم جيد والناس يتبركون به ويزورونه، وكانت الواقعة منهم في ثاني رجب وكان أحمد المذكور أحد العدول الجالسين بالقرب من الجامع الأزهر وسكن بالقرب من زاوية ابن عطاء. وفيها وقع الخلف بين الأمراء الثلاثة فتواطأ برقوق وبركة على أينال اليوسفي فبلغه ذلك فأضمر الشر، فاتفق أن خرج بركة في شعبان إلى البحيرة للصيد على العادة فانقطع أينال في بيته وأظهر أنه ضعيف فسلم عليه برقوق مرة بعد مرة ثم إنه ركب مرة إلى المطعم فبلغ ذلك أينال فركب إلى الإصطبل وذلك يوم الاثنين رابع عشرين شعبان فملك الإصطبل ونهب أصحابه بيت برقوق واستولى على ما في خزائن برقوق وألبس من وجده من مماليك برقوق السلاح ووعدهم بالمال والإقطاعات، وقبض على جركس الخليلي وأمر بضرب الكوسات وطلب أينال من الزمام أن ينزل له السلطان إلى الإصطبل فامتنع فطار إلى برقوق فخاف فقوي أيتمش عزمه وأنزله في إصطبله وألبس مماليكه وركبوا في خدمته وطلعوا من باب الوزير وقصدوا القاعة على حين غفلة من أصحاب أينال لاشتغالهم بالنهب فأحرقوا بابا السرو ودخلوا منه واجتمع معهم من العامة ما لا يحصى، فساعدوهم بالعصى والحجارة لما قاتلهم أصحاب أينال فانكسر الأينالية وأظهر أينال من الشجاعة ما لا مزيد عليه، ووقعت في أينال نشابة من بعض مماليك برقوق فجرح فانهزم إلى بيته مكسوراً، فأرسل برقوق في أثره فأسر وأحضر إليه فقرره ليلاً عمن تواطأ معه من الأمراء فلم يعترف بشيء وحلف له أنه ما كان غرضه إلا الذب عن نفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 فأرسل به إلى الإسكندرية فسجنه واطمأن برقوق ونزع السلاح ونادى للعامة بالأمان، وكاتب بركة بما اتفق فأسرع العود وتلاقيا في الميدان وترجلا جميعاً وتعانقا وسارا إلى الرميلة ثم افترقا إلى منازلهما. وفيها قتل محمد بن مكي الرافض بدمشق بسبب ما شهد به عليه من الانحلال واعتقاد مذهب النصرانية واستحلال الخمر الصرف وغير ذلك من القبايح وذلك في جمادى الأولى، وأرخه بعض أصحابنا في سنة ست وثمانين فالله أعلم وضربت عنق رفيقه عرفة بطرابلس وكان على معتقده. وفيها حج المحمل اليمني أيضاً أرسله الأشرف بن الأفضل. وفيها نازل القاهر صاحب أرزن العادل صاحب حصن كيفا فأكرمه وركب معه للصيد، وكان العادل خاله وتوجه العادل إلى اسعرد وقرر أمورها. ذكر من مات في سنة إحدى وثمانين وسبعمائة. إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عسكر بن مظفر بن بحر بن سادن بن هلال الطائي برهان الدين بن شرف الدين القيراطي، ولد في صفر سنة ست وعشرين، تفقه واشتغل وتعانى النظم ففاق فيه، وله ديوان جمعه لنفسه يشتمل على نظم ونثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 في غاية الإجادة، واشتهرت مرثيته في الشيخ تقي الدين السبكي وبالغ الصفدي في تقريظه بسببها وطارحه بأبيات طائية أجاد القيراطي فيها غاية الإجادة، وله في محب الدين ناظر الجيش وفي تاج الدين السبكي غرر المدايح ورسالته التي كتبها للشيخ جمال الدين بن نباتة في غاية الحسن والطول، وكان مع تعانيه النظم والنثر عابداً فاضلاً، درس بالفارسية، وكان مشهوراً بالوسوسة في الطهارة، وقد حدث عن ابن شاهد الجيش بالصحيح وعن ابن ملوك وأحمد بن علي بن أيوب المستولي والحسن بن السديد الأربلي وشمس الدين بن السراج، وحدث عنه من نظمه القاضي عز الدين بن جماعة والقاضي تقي الدين بن رافع وغيرهما ممن مات قبله، وسمع منه جماعة من شيوخنا، وله في أبي مدايح حسنة ومطارحات، مات بمكة مجاوراً في ربيع الآخر، وله خمس وخمسون سنة إلا أشهراً. إبراهيم بن عبد الله التروجي، كان ديناً عابداً محباً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان يكثر من ذلك فيؤذي فلا يرجع، وكان دمث الأخلاق، وهو الذي قام على الفارعي وكفره وادعى عليه، مات في ربيع الأول. إبراهيم بن محمد بن المجد البعلي برهان الدين، كان قاضي بعلبك ثم انفصل ثم طلبه النائب طلباً مزعجاً فتحيل ودخل إلى مغارة في بيته هارباً وأطبقها عليه فمات من ضيق النفس وكان معه مملوك له فبادر إلى الخروج فعاش وذلك في رمضان. أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عسكر البغدادي الشيخ شرف الدين المالكي نزيل القاهرة، كان فاضلاً، قدم دمشق فولي قضاء المالكية بها، ثم قدم القاهرة في دولة يلبغا فعظمه وولاه قضاء العسكر ونظر خزانة الخاص، وقد ولي قضاء دمياط مدة، وحدث عن أبيه وابن الطبال وغيرهما، ولم يكن بيده وظيفة إلا نظر الخزانة فانتزعها منه علاء الدين بن عرب محتسب القاهرة فتألم من ذلك ولزم منزله إلى أن كف بصره، فكان جماعة من تجار بغداد يقومون بأمره إلى أن مات في سادس عشر شعبان وله أربع وثمانون سنة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 سمع منه من شيوخنا جماعة ومن آخر من كان يروي عنه شمس الدين محمد بن البيطار الذي مات سنة خمس وعشرين وثمانمائة. أحمد بن محمد بن عبد الله بن سالم العجلوني العرجاني شهاب الدين بن خطيب بيت لهيا ولد في رمضان سنة سبع وستمائة، وسمع من الضياء إسماعيل بن عمر الحموي وابن الشحنة وحدث، وكان من الرؤساء مات في المحرم. أحمد بن محمود بن محمد الجعفري النقشواني شيخ الخانقاه الشميساطية بدمشق شهاب الدين بن تقي الدين، كان عالماً ديناً باشر المشيخة أربع سنين ومائة يوم، مات في شوال. إسماعيل بن زكريا بن حسن الدامغاني ثم البغدادي أحد الأمراء ببغداد، وكانت له في عمارتها بعد الغرق والتخريب اليد البيضاء، مات في نصف رجب. أبو بكر بن محمد بن أحمد بن أبي غانم بن أبي الفتح بن الجبال ويعرف بابن الصائغ وبابن عريف الصاغة حلبي الأصل دمشقي نشأ بالصالحية ويلقب عماد الدين، مولده في أوائل سنة سبع وسبعمائة، حضر على هدية بنت عسكر وعبد الأحد بن تيمية وغيرهما، وسمع من سليمان وعيسى المطعم وغيرهما وحدث عنهم وعن أحمد بن ضرغام بالقاهرة وغيره، مات في ربيع الآخر، سمع منه بمصر وكان يذاكر بأشياء حسنة وقسم ماله قبل موته بين ورثته وانقطع يحدث ببستانه بالزعيفرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 حاجي بك بن شادي أحد الأمراء بالديار المصرية ولي طبلخانات، ومات في هذه السنة. حسن بن عبد الله الصبان الشيخ أحد المشايخ المعتقدين، كان يسكن ظاهر باب النصر وأقعد بأخرة وكان أبي يعتقده، وذكر لي شمس الدين الأسوطي أنه غضب عليه فرمى بسهم في الهوى فقال أصابه فلم يلبث إلا يسيراً حتى مات، مات الشيخ حسن في ربيع الآخر. خضر بن عبد الله الكردي المهلل، كان يدور في الأسواق بدمشق ومعه كعك في عصا يبيعه ويرفع صوته بالتهليل ويذكر بالذكر، المأثور وكان معتقداً للناس فيه اعتقاد وتظهر له كرامات، مات في شهر رمضان وكانت جنازته حافلة جداً. خطط اليلبغاوي أحد الأمراء ولي نيابة حماة وغيرها. صالح بن عبد الله الجزيري كان يسكن بجزيرة أروى ويعتقده الناس مات في ربيع الأول وهو غير صالح المناوي المذكور في التي قبلها. عبد الرحمن بن أحمد بن علي الواسطي نزيل مصر الشيخ تقي الدين البغدادي شيخ القراء قدم القاهرة قديماً وتلا على التقي الصائغ وسمع من حسن سبط زيادة ووزيرة وتاج الدين بن دقيق العيد وجماعة، خرج له عنهم أبو زرعة بن العراقي مشيخة وهو آخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 من حدث عن سبط زيادة وتصدر للإقراء مدة وانتفع به الناس ودرس للمحدثين بالشيخونية ودرس القراءات بجامع ابن طولون، مات في تاسع صفر، عاش تسعاً وسبعين سنة، قرأ عليه شيخنا العراقي بعض القراءات وشرح الشاطبية ونظم غاية الإحسان لشيخه أبي حيان أرجوزة ووقف عليها شيخه وقرظها وسميه الشيخ تقي الدين الواسطي المقري رحمهما الله تعالى. عبد الرحمن بن الحسين بن عبد الله بن المعمر البكري الواسطي نزيل دمشق، قدمها في حدود الأربعين ونزل بالشميساطية، وكان عالي الإسناد في كتاب الإرشاد للعز القلانسي، وكان معمراً. عبد الواحد بن حسن المغربي الصنهاجي ثم الزرعي نزيل الحرمين، كان عابداً خاشعاً معتقداً. عثمان بن يوسف بن أحمد الطائي فخر الدين بن القواس الدمشقي، ولد سنة خمس وتسعين وستمائة، وحضر على عمر القواس وتفرد بالرواية عنه، وسمع من جد والده الزين أحمد وغيره، وكان من قدماء الشهود بدمشق، عاش بضعاً وثمانين سنة، ومات في جمادى الآخرة. عثمان الصرخدي فخر الدين، كان فاضلاً، مات في رجب رحمه الله تعالى. علي بن إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن طاهر بن نصر الله بن جهبل الحلبي ثم الدمشقي علاء الدين بن تاج الدين، سمع من الحجار وولي قضاء طرابلس، مات في رجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 رحمه الله. علي بن عمر بن منصور الحداد الدمشقي، كان فاضلاً ماهراً في الفقه رحمه الله. علي بن محمد بن إبراهيم بن نصر الكردي الحاسب، حضر علي الحجار وغيره، وبرع في معرفة الحساب، مات في تاسع شوال عن اثنتين وسبعين سنة رحمه الله. علي بن محمد بن عرب. تقدم في التي قبلها. علي بن صالح صاحب ماردين، قتل في شعبان، واستقر بعده أخوه عبد الرحمن. علي بن عصفور علاء الدين الدمشقي، أحد الرؤساء بها. عمر بن المحب عبد الله بن المحب المقدسي، عني بالحديث وسمع الكثير، ومات في جمادى الآخرة. عمر بن أبي القاسم بن معيبد الزبيدي تقي الدين وزير الأفضل صاحب اليمن. قارا بن مهنا بن عيسى بن مهنا أمير عرب آل فضل، تقدم ذكره في الحوادث، ومات معتقلاً، وكان ينطوي على دين وشجاعة وسلامة باطن، جاوز السبعين. محمد بن أحمد بن الحسن الحنبلي صلاح الدين بن الشيخ شرف الدين بن شيخ الجبل، سمع الكثير بعناية أبيه وحدث، مات في شهر رجب رحمه الله تعالى. محمد بن أحمد بن عيسى بن المظر بن محمد عز الدين بن السيجي الأنصاري من بيت مشهور، ولد في شوال سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من جماعة وهو كبير وحدث، وكان من قدماء مباشري الجامع الأموي، مات في ذي القعدة، وقد عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 رحمه الله تعالى. محمد بن أحمد بن مزهر شمس الدين كاتب بيت المال بدمشق، كان أحد الرؤساء بها، ولي وكالة بيت المال مدة وهو أخو بدر الدين بن مزهر الذي ولي كتبة السر بعد هذا بمدة، قالوا: وكانت عنده جرأة ومجازفة في الكلام، مات في شوال رحمه الله. محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق أبو عبد الله التلمساني المالكي العجيسي ولد بتلمسان سنة إحدى عشرة وسبعمائة وسمع بالمغرب من منصور المشدالي وإبراهيم بن عبد الرفيع وأبي زيد بن الإمام وأخيه أبي موسى ورحل قديماً فسمع بمكة من عيسى الحجي وغيره وبمصر من أبي الفتح بن سيد الناس وأبي حيان وغيرهما وبدمشق من ابن الفركاح وبالمدينة من الحسن بن علي الواسطي خطيب لامدينة ومحمد بن محمد بن خلف المطري وغيرهما، وكان قد تقدم في بلاده وتمهر في العربية والأدب والأصول ثم رحل ثم رجع فتقدم أيضاً ثم قدم مصر سنة ثلاث وسبعين فدرس بالصرغتمشية والشيخونية والنجمية بمصر، وكان يكتب خطاً حسناً، وله شرح الشفاء رأيته بخطه لم يكمله وشرح العمدة في خمس مجلدات جمع فيه بين كلام ابن دقيق العيد وابن العطار والفاكهاني وغيرهم، قال ابن الخطيب: كان مليح الترسل حسن اللقاء كثير التودد طيب الحديث ممزوج الدعابة بالوقار والفكاهة بالتنسك أبو الحسن وأقبل عليه إقبالاً عظيماً، فلما مات أفلت من النكبة في وسط سنة اثنتين وخمسين ودخل الأندلس فاشتمل عليه سلطانها وقلده الخطابة ثم رجع إلى باب أبي عنان في سنة أربع وخمسين، وقد عني بالحديث ولقاء المشايخ وتكثيرهم حتى بلغ عدد شيوخه ألف شيخ ثم تقدم عند أبي سالم ثم وقعت له الكائنة المشهورة فانتهبت أمواله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 وأقطعت رباعه واصطفيت أمهات أولاده وتمادى به الاعتقال إلى أن وجد الفرصة فركب في البحر إلى المشرق وتقدمه أهله وأولاده في وسط رجب عام أربعة وستين، ثم كتب ابن مرزوق في حاشية تاريخ ابن الخطيب: أنه وصل إلى تونس في رمضان سنة خمس فلقي بها من الإكرام والاحترام أضعاف ما كان يأمله وفوضت إليه الخطابة بجامع السلطان وتداريس أكثر المدارس واستمر بها إلى أن مات السلطان سنة إحدى وسبعين فاستمر مع ولده وابن أخيه على ذلك إلى سنة ثلاث وسبعين فركب البحر في شهر ربيع الأول فقدم القاهرة فاجتمع بالأشرف فأحسن إليه وأجرى عليه راتباً وولي المدارس بالقاهرة، وكان حسن الشكل جليل القدر، مات في ربيع الأول رحمه الله تعالى. محمد بن أحمد بن هبة الله الشافعي زين الدين بن الأنصاري، كان متجملاً كثير المال عارفاً بصحبة الأكابر وله مكارم وصدقات ومعرفة بأمور الدنيا، وقد ولي قضاء دمنهور والبحيرة وغيرهما ومات في رجب. محمد بن أبي بكر بن علي بن محمود الجعفري زين الدين الأسيوطي تفقه على الدمنهوري، وكتب الخط الحسن وشارك في الفضائل، وولي قضاء بلده وكان صارماً في أحكامه، وبنى بأسيوط مدرسة تنسب إليه. محمد بن عبد الله بن محمد بن الفخر عبد الرحمن البعلي شمس الدين بن تقي الدين البعلبكي حضر على عيسى المطعم وأبي الفتح بن النشو وغيرهما بعناية عمه ثم طلب بنفسه فسمع الكثير، وكان فصيح القراءة وقرأ على البرزالي، وجلس تحت الساعات، وكان موثوقاً به بين الشهود، مات في ذي الحجة. محمد بن عبد الملك بن عبد الله بن محمد بن محمد أبو عبد الله بن أبي مروان ابن الشيخ محمد المرجاني التونسي الأصل الإسكندراني الدار نزيل مكة ولد سنة أربع وعشرين، وكان خيراً صالحاً صاحب عبادة وانجماع ومعرفة بالفقه وعناية بالتفسير، وكان يعرف علم الحرف مات في شوال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 محمد بن محمد بن غانم جمال الدين بن ناصر الدين أحد الرؤساء بدمشق رحمه الله تعالى. محمد بن هبة الله بن عيسى الأنصاري عز الدين بن السيرجي ولد على رأس القرن، وسمع وهو كبير وباشر الجامع وحدث، مات في ذي القعدة. محمد بن يوسف بن عبد الله بهاء الدين بن يونس شاهد أولاد السلطان حسن كان أحد الرؤساء بالقاهرة مات في جمادى الآخرة. محمد بن يوسف بن علي بن إدريس الحرازي ناصر الدين الطبردار سبط العماد الدمياطي ولد بدمياط سنة ست وتسعين وستمائة وسمع كتاب الخيل تأليف الدمياطي منه وسمع عليه كتاب العلم للرهبي أيضاً وتفرد بالرواية عنه بالسماع وحدث ورحلوا إليه ومات في شهر ربيع الأول أو في رجب وله أربع وثمانون سنة. محمود بن أحمد بن صالح شرف الدين الصرخدي نزيل دمشق تفقه على الفخر المصري وأفاد ودرس وكان ناسكاً خاشعاً عابداً يصفر بالحناء وانقطع أخيراً عن حضور المدارس لضعف بصره، قال ابن حجى أخبرني أبي قال كان أول ما قدم علينا كنا نشبه طريقه بطريق النووي، مات في مستهل ذي القعدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 ياقوت الحبشي الرسولي شيخ الخدام بالحرم الشريف النبوي يلقب افتخار الدين، مات في رمضان وقد أقام في المشيخة إحدى وعشرين سنة. سطلمش أحد الأمراء الكبار بمصر، عمر دهراً وحج بالناس سنة إحدى وخمسين، وكانت له همة وعبادة، يقال إنه قارب التسعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 //الجزء الثاني بسم الله الرحمن الرحيم سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة قرأت بخط ابن دقماق: في أوائل هذه السنة وصل بريدي من حلب فأخبر أن شخصاً عبث بإمام جماعة وهو يصلي فانقلب وجه العابث وجه خنزير، وأنه كتب بذلك محضر ووصل صحبته، وأنه ممن شاهد ذلك. وفيها في ربيع الأول عمل برقوق عقيقة ولده محمد، وطلع إليه جماعة من الأمراء فأمسكهم فلبس الباقون السلاح خوفاً على أنفسهم، وتغير خاطر بركة لأنه بلغه أن ايتمش قال: إنه اتفق مع اينال وجماعة من الأمراء على مسك بركة، فالتمس من برقوق أن يمكنه من ايتمش فوعده وماطله، فبلغ ذلك ايتمش فاستشفع إليه بالشيخ أكمل الدين وغيره فرضي عنه وخلع عليه، ثم بلغ برقوق في تاسع عشر صفر أن بركة يريد الركوب عليه فأرسل برقوق القضاة والمشايخ إلى بركة، فسعوا بينهما في الصلح مرات إلى أن أذعن بركة ونودي بالأمان وخلع على من سعى في الصلح من القضاة وغيرهم، واجتمع الأمراء في الميدان ولعبوا بالأكرة، واستقر الصلح، ثم بلغ ايتمش عن بركة ما يسوؤه فركب في يوم الاثنين سابع ربيع الأول في طائفة من الأمراء على بركة، ومان صراي أخو بركة قد اجتمع في ذلك اليوم ببرقوق وأعلمه أن بركة عزم على مسكه يوم الجمعة، فأذن برقوق لأيتمش ومن ممعه بالركوب على بركة ونادى في العوام بنهب داره، فتوجهوا إلى باب بيته فأحرقوا الباب فخرج من الباب الآخر إلى جهة الشارع وأخذ معه الوالي حتى فتح له باب الفتوح لأنه كان أغلق الأبواب أول ما ثارت الفتنة، وشق القاهرة متوجهاً إلى قبة النصر، واجتمع إليه أصحابه فعسكر بهم هناك ونهب العامة كلما وجدوا في بيته، فخرج إليه ايتمش ومن معه فوقعت بينهما وقعات كان غالب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 الظفر فيها لعسكر بركة حتى حصن برقوق مدرسة حسن ودار الضيافة وصهريج منجك بالفرسان، ثم عزل بهاء الدين الطبردار والي القاهرة، وأعاد ابن الحكوراني، فبالغ في حفظ القاهرة، وفتح حوانيت أصحاب السلاح فأخذ ما فيها، فأمد به البرقوقية، ومنع من يخرج إلى أصحاب بركة بمأكول أو مشروب أو سلاح، وتقدم شهاب الدين بن يغمر في أصحاب بركة فأظهر شجاعة عظيمة وإقداماً وجرأة إلى أن كسروا أصحاب برقوق عشرين مرة، ثم كانت آخر وقعة جرت بينهم عند العروسين، وفي أثناء ذلك أرسل برقوق سودون الشيخوني إلى بركة بخلعة بنيابة الشام فغضب منه وقال: لولا أنك رجل جد شيخ لقتلتك لكن متى عدت ضربت عنقك، ثم استعان برقوق بالزعر فرموا أصحاب بركة بالحجارة، ولولا إعانة البرقوقية برمي الحجارة على أصحاب بركة لأخذوا القلعة لكنهم استظهروا على بركة ومن معه بالزعر ففعلوا فيهم الأفاعيل من الرجم، فلما كان يوم الأربعاء ثاني عشر ربيع الأول حطم بركة بمن معه على ايتمش وأصحابه فانهزموا إلى القلعة، فتقنطر به فرسه فركب غيره ورجع وانهزم أصحابه فتسلل أكثر من معه، والتقى يلبغا الناصري وايتمش فانتصر ايتمش ورجع يلبغا منهزماً، فلما رأى ذلك بركة توجه هو وآقبغا صيوان إلى جامع المقسي فاستخفى عند الشيخ محمد القدسي فنموا عليه فأمسك في يومه، قبض عليه يونس الدوادار وطلع به إلى القلعة فأرسله ليلة الخميس إلى الإسكندرية هو وآقتمر الدويدار وقار مرداش، وخلع في يوم الحميس على ايتمش واستقر رأس نوبة، والطنبغا الجوباني أمير مجلس، وجركس الخليلي أمير آخور، وسلم صيوان وكان استادار بركة، وخضر وكان رأس نوبة عنده إلى سيف المقدم فأهانهما بأنواع العذاب، وعزل جمال الدين المحتسب بعد مسك بركة، واستقر شمس الدين الدميري محتسباً بالقاهرة، والشريف شرف الدين نقيب الأشراف محتسباً بمصر وأفرج عن اينال اليوسفي وأعطى نيابة طرابلس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وفيها قبض على بيدمر نائب دمشق لأنه كان من جهة بركة فأرسل بريدياً إلى الأمراء بدمشق ورأسهم حاجب الحجاب ناصر الدين محمد بك بالقبض على نائب الشام من غير كتاب، فحضر إليه الأمراء بسبب ذلك فامتنع وظن أن ذلك من قبل الحاجب لتعصبه عليه وتمسك بعدم وصول كتاب بالقبض عليه، فاجتمع رأي الأمراء على محاربته فاجتمعوا ووقفوا تحت القلعة، فخرج بيدمر في جماعته فاصطدموا فساعدته العامة فأمر الحاجب من بالقلعة بالرمي عليهم فانهزموا، وقبض على بيدمر فقيد وسجن بالقلعة، ووصل الخبر بذلك مع سيفه في خمسة أيام، ويقال: إنه قتل بينهم في هذه الوقعة أكثر من عشرين نفساً، ثم قبض الحاجب ومن معه على جماعة اتهموا بمباطنة بيدمر ثم أطلقوا، وقرر نائب طرابلس منكلي بغا الأحمدي في نيابة حلب إلى أن مات في جمادى الآخرة، فنقل اينال اليوسفي من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب. وقبض ايتمش على جماعة، وقبض على الأمراء الذين قاموا مع بركة مثل قطلبك النظامي ويلبغا المنجكي، وتمربغا الشمسي، وقرابغا الأبو بكري، وأمير حاج بن مغلطاي، والشهاب أحمد بن يغمر وغيرهم، ووجد لبركة في المصطبة التي كان يقعد عليها أحياناً سبعمائة ألف دينار فيما قيل، ووجد له عند جمال الدين محمود وديعة تزيد على عشرين ألف دينار. وفيها في صفر حضر شخص إفرنجي عند بركة قبل كائنته فادعى على شخص بحق له في زعمه فلم يثبت عليه شيء فأخرج الفرنجي سكيناً فضرب بها الترجمان واسمه عنان فقتله، فأمسك الإفرنجي وأحرق. وفي الحادي والعشرين من المحرم استقر تقي الدين أبو بكر الآمدي الفقاعي وكيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 بيت المال بدمشق وكان يلقن القرآن بالجامع الأموي وله كيزان للفقاع يكريها وكان يشتري مملوكاً بعد مملوك فيعلمه القرآن والكتابة ثم يبيعهم فيربح فيهم كثيراً، فاتفق أنه قدم منهم واحداً لبرقوق فوقع منه موقعاً حسناً فسعى فولاه وكالة بيت المال عوضاً عن النجم السنجاري. وفيها كثر شر عرب البحيرة وكبيرهم بدر بن سلام فجرد لهم برقوق في جمادى الأولى العساكر منهم أحمد بن يلبغا ومامور وايتمش والجوباني فوصلوا إلى قرب تروجة في جمادى الأولى فوقعت بينهم وقعة، قتل فيها من العرب أكثر من ألف وانهزموا، وكان بلغهم على أن بدر بن سلام عزم على أن يكسبهم فأخلوا له الخيام وكمنوا قريباً منها فكبس بدر الوطاق فلم يجد فيه أحداً فاشتغل أصحابه بالنهب فدهمهم الترك ثم سعى بدر بن سلام في الصلح وأن يتدرك بعمارة ما خرب من البلاد ويتدرك بتعويض ما نهبه العرب، وقام معه ابن عرام في ذلك فتوجه إليه بهادر المنجكي ومعه الأمان وقرئ على المنبر بدمنهور، فأذعن بدر إلى الطاعة ولبس الخلعة، نودي بالأمان، وترافق بهادر مع بدر فحضر صحبته إلى قرب القاهرة وقدم بعد أن لبس خلعة السلطان ورجع إلى بلاده، وقيل: إن ابن عرام نائب الإسكندرية تواطأ مع بدر بن سلام، فلما التقاه ابن عرام قال له ايتمش كبير الأمراء: إن الجاسوس أخبره أن بدر بن سلام عزم على كبس العسكر، فأنكر ذلك ابن عرام وقال: إن ابن سلام لا يتجاسر على ذلك، ثم أشار عليه بالاحتراز، فاتفق رأي الأمراء على أن تركوا الوطاق وافترقوا فرقتين: فرقة فيها ايتمش توجهت إلى الناحية التي أخبرهم ابن عرام أن ابن سلام يأتي منها، وفرقة علان الشعباني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 أقامت بالقرب من الوطاق فجاء ابن سلام من غير الجهة التي ذكرها ابن عرام فلم يجد بالوطاق إلا القليل فقاتلهم فهزمهم، وفتك العرب فيهم ونهبوا الوطاق، ثم خشي ابن سلام من رجوع العسكر فتوجه على حمية وتخلف بعض النهابة، فدهمهم علان بمن معه، فدارت الحرب بينهم وكسروه مرتين، ثم كسرهم في الثالثة، وأسر بني بدران وأمعن في القتل، وأما ايتمش فإنه استقر في البرية فلم جد أحداً فرجع بمنه معه، فالتقى بدر بن سلام راجعاً من الوطاق فهرب، وتبعه جماعة منهم فلم يدركوه ولكن قتلوا من جماعته خلقاً كثيراً منهم ولد بدر، وراح في هذه الوقعة الطائع بالعاصي، وخربت تروجة خراباً شديداً، وكذا غالب ما حولها وانتهبت أموالها. وفيها كائنة بيدمر نائب دمشق، أرسل برقوق بإمسكه فامتنع لأنه لم يرد بذلك كتاب، وألبس مماليكه، فحاربه الحاجب فانهزم فنهبت داره وقيد وسجن، وقتل في تلك المعركة نحو عشرين نفساً، ثم قبض على أمراء اتهموا بممالاة بيدمر. وفيها استقر قرط بن عمير كاشف البحيرة، فاستخدم جنداً من التركمان والعرب وتوجه، فأوقع بالعرب وجرت له بينهم حروب كصيرة، وذلك في شوال، فاتفق أن شاع أن قرط بن عمير قتل واتفق حضور خضر بن موسى من عربان البحيرة فأمر بضربه بالمقارع، ثم حضر حسين بن قرط فأخبر أن أباه في عافية وأن سلاحه نفد، فخلع على حسين وأمد أبوه بالسلاح، وجردت العساكر تقدمهم ستة أمراء، فوقعت لهم وقعات كثيرة في شوال منها. وفي جمادى الآخرة توقف النيل وانهبط في سادس عشر توت، فوقع الغلاء، فأعيد جمال الدين إلى حسبة القاهرة، واستقر شرف الدين بن عرب سبط بهاء الدين ابن المفسر محتسباً بمصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وفيه استقر الشريف بكتمر الذي كان والي القاهرة نائباً بالبحيرة، فأقام بتروجة، وكوتب ملك الأمراء وهو أول من كوتب بذلك ممن ولي نيابة البحيرة. وفيها ولي طشتمر الدويدار نيابة صفد في رجب منها بعد أن أخرج من الإسكندرية إلى دمياط قبل ذلك، فاستمر إلى رمضان سنة أربع وثمانين، فاستعفى وطلب الإقامة ببيت المقدس بطالاً فنقل إليها. وفيها قتل بركة بسجن الإسكندرية أمر بقتله نائبها بمقتضى مرسوم جاءه من القاهرة، وقيل: إنه كان شاع عن ابن عرام أنه باطن بدر بن سلام فقدم القاهرة ليتنصل من ذلك ومعه هدايا، وتقادم فقبلها منه الأمراء وقبلوا عذره وخلع عليه، واستمر نائباً فواطأه برقوق على قتل بركة سراً فلما رجع دس إليه من قتله وأشاع أنه وجده ميتاً، فلما بلغ ذلك أخوته تنمروا وأرادوا القيام على برقوق فأنكر أن يكون أمر بقتله وأرسل إلى ابن عرام فأحضر في خامس عشرين شهر رجب فقبض عليه يونس الدويدار واحتيط على حواصله وأملاكه ووكل ناسابه، ولما توجه كشف أمر بركة فوجده مدفوناً في المكان الذي قتل فيه، فنبش عنه فوجده قد دفن بثيابه من غير غسل ولا صلاة عليه، ووجد في جسده ضربات إحداهن في رأسه فغسله وكفنه وصلى عليه ودفنه في تربة بناها له. وأرسل ابن عرام في البحر الملح ثم في النيل خشية من عرب بدر بن سلام أن يخلصوه، فأودع أول ما قدم في خزانة شمائل، ثم أمر بتسميره وسلم للوالي فقرره على أمواله، ثم شنع عليه الأمراء فأمر برقوق بضربه بالمقارع ونودي عليه: هذا جزاء من يقتل الأمراء بغير إذن، فيقال: إنه أخرج ورقة من جيبه وقال: هذا خط الأمراء بالإذن في ذلك، فلم يلتفت إليه، ثم سمر وأنزل به، فضربه مماليك بركة بالسيوف وعلقوا رأسه على باب زويلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وفي المحرم أيضاً سعى الشهاب بن خضر الدمشقي الحنفي في تدريس الركنية عند الهمام بن القوام قاضي الحنفية يومئذ عوضاً عن القاضي صدر الدين بن منصور، وحكم بفسقه تهوراً، فقام عليه حنيفة دمشق ورفعوا الأمر للنائب وأثنوا على القاضي صدر الدين، فرسم بعقد مجلس فعقد وانفصل الأمر على إبطال حكم الهمام، وأعيد صدر الدين إلى وظيفته، وكانت هذه الفعلة من عجائب تهور الهمام. وفي أوائل السنة مات خطيب إخميم، وكان مشهوراً بكثرة المال، فأرسل بركة محمد بن الدمرداشي للحوطة مع أنه خلف عدة أولاد وأقارب، ففتك الدمرداشي في حاشية الخطيب فتكاً عظيماً. فاتفق مسك بركة، فأمر برقوق بإحضار الدمرداشي وضربه فضرب ضرباً شديداً وأهين وصودر ونفي. وفيها استقر صدر الدين بديع بن نفيس الطبيب التبريزي ثم البغدادي نزيل القاهرة شريكاً لعلاء الدين بن صغير في رئاسة الطب بالقاهرة بعناية برقوق به، وكان نفيس يهودياً فأسلم، وهو عم فتح الله بن مستعصم بن نفيس الذي ولي كتابة السر في آخر دولة برقوق، وارتغم غالب الناس لابن صغير لتقدمه في صناعته وحسن مباشرته للناس وتودده لهم، حتى عمل الشيخ يدر الدين ابن الصاحب: قالوا بديع غدا شريكاً ... لابن صغير وذي تعاسة. قلت شريك بنصف جعل ... ولم يشاركه في الرئاسة. وعمل ابن العطار: قالوا بديع غدا شريكاً ... لابن صغير وشال رأسه. قلت قبيح على بديع ... من أين هاذاك والرئاسة. وفيها قبض على التاج الملكي وضرب، ثم خلع عليه بالاستمرار، ثم استعفى من الوزارة ولبس الفقيري ولازم جامع عمرو بن العاصي، ثم أمسك في سابع عشرين شهر ربيع الآخر وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 لبهادر الأعسر المعروف بالشاطر الزردكاش فصادره وعذبه بأنواع العذاب إلى أن مات تحت الضرب، فقال فيه ابن العطار: الملكي مات واستراحت ... من نجس أغلف الوزارة. وقالت الميضه أبعدوه ... من أين ذا الكلب والطهارة. وأضيفت الوزارة لشمس الدين المقسي مع نظر الخاص، وقال فيه أيضاً وكان موته اتفق يوم النيروز: قضى الملكي في النيروز نحباً ... وراح مصادراً ومضى وسارا. وعم المسلمين به سرور ... وتم بموته عيد النصارى. وفي جمادى الآخرة اتفق بدمشق شيء غريب وهو وقوع المطر الغزير برعد وبرق في خامس عشرين أيلول، وسقط برد كبار مثل البندق، وكثر جداً حتى صارت الأرض بيضاء، وكثر الوحل، وجرى الماء في الشوارع، كل ذلك في سنة واحدة ولم يعهد مثل ذلك قبلها. وفيها نودي أن لا يلعب أحد الناروز، فلعبت جماعة فأمسك منهم أربعة من العامة فضربوا بالمقارع وجرسوا. وفي يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة وصل أنس بن عبد الله العثماني والد برقوق إلى القاهرة، فخرج ولده والعسكر لملتقاه فالتقاه بعكرشة ووصل صحبته قاضي حلب كمال الدين المعري وقاضي دمشق ولي الدين بن أبي البقاء، ونزل في ذلك بالخانقاه ومد له ولده سماطاً عظيماً وأقعده في صدره، وقعد عن يمينه أيدمر الشمسي وعن يساره آقتمر عبد الغني وقعد برقوق دون أيدمر، وكان أنس أعجمياً لا يعرف بالعربي ولا بالتركي حرفاً، ثم ركب معه إلى القاهرة وأعطاه تقدمة ألف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وفي ربيع الآخر أحدث السلام على النبي صلى الله عليه وسلم تسليماً عقب أذان العشاء ليلة الاثنين مضافاً إلى ليلة الجمعة بدمشق، ثم أحدث بعد عشر سنين عقب كل صلاة إلا المغرب، وسيأتي في مكانه. وفيه أمر بكتابة محضر بسيرة قاضي الحنفية بدمشق، وسار به البريد إلى دمشق فكتبوه، وكان القاضي بمصر يسعى بالمال إلى أن عاد على وظيفته. وفيها استولى على بلاد الدشت طقتمش خان الجنكزي وقتل خاني، وكان أقام في مملكتها عشرين سنة. وفي ذي الحجة منها غلت الأسعار بدمشق وتأخر المطر فاستسقوا بعد صيام ثلاثة أيام فسقوا، ووجد شخص بعد النداء مفطراً فعزر. وفيها أمسك على امرأة تزوجت برجلين شرطت لأحدهما الليل وللآخر النهار بحيلة احتالت بها عليهما، فاطلع عليها فجرست. وفيها استقر صدر الدين بن منصور في قضاء الحنفية عوضاً عن أخيه شرف الدين، وكان لما مات عرض برقوق القضاء على الشيخ جلال الدين التباني فامتنع، فألح عليه، فأصر وأحضر معه مصحفاً وكتاب الشفاء، وتوسل بهما إليه أن يعفيه من ولاية القضاء فأعفاه واستشاره فيمن يصلح، فعين له ابن جماعة صدر الدين، فأرسل إليه فتشاغل بدمشق بمرض أخيه شرف الدين إلى أن مات في شعبان، فتوجه بعده إلى القاهرة فوصلها في رمضان فولاه في ثامن رمضان. وفي نصف رمضان أمر أن يخفف من نواب القضاة، وأن يكون لكل قاض أربعة نواب، إلا الحنبلي فلا يزيد على اثنين، فاستقر برهان الدين بن جماعة بأربعة الصدر بن المناوي وابن رزين وجمال الدين الخطيب الأسناوي، والثلاثة بالقاهرة، وفخر الدين القاياتي بمصر، واستقر الحنفي بجمال الدين المحتسب، ومجد الدين إسماعيل البلبيسي، وشمس الدين الطرابلسي، وشهاب الدين الشنشي الأطروشي، واستقر المالكي ببهرام، والشهاب الدفري، وعبيد البشكالسي الثلاثة بالقاهرة، وبجمال الدين التنيسي بمصر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 والمتنع الحنبلي من استنابة أحد. وفيها ابتدأ الوباء بالإسكندرية في شوال واستمر إلى آخر السنة، ويقال: إنه كان يموت بها كل يوم مائة وخمسون نفساً. وفيها أبطل برقوق ضمان المغاني بحماة والكرك والشوبك ومنية بن خصيب وزفتا، وأبطل ضمان الملح بعينتاب وضمان الدقيق بالبيرة وضمان القمح بدمياط وفارسكور، وأبطل المقرر على أهل البرلس وبلطيم، وأمر بعمارة جسر الشريعة بطريق الشام، وجاء طوله مائة وعشرين ذراعاً، وانتفع الناس به. وفي الثالث من ذي الحجة أفرد للذخيرة والمتجر وخاص الخاص المستأجرات والأملاك ناظراً، وهو أول من أفرد بذلك. وفيها مات بيرم خجا صاحب الموصل، واستقر بعده أخوه مراد خجا. وفيها في رمضان ارتد نصراني كان أسلم وتزوج مسلمة وأولدها، فرفع للقاضي فأنكر، فقامت عليه البينة عند بعض نواب المالكي، فحكم بإسلامه فسجن، فعسى عند مستنسبه فأنكر عليه حكمه وقال: ما أذنت له في الحكم بذلك إلا بعد المشاورة، وأطلق المذكور من السجن، فعزل النائب نفسه، وذلك كله بدمشق، فبلغ السلطان فرسم بعقد مجلس، فحضر النائب وادعى على مستنيبه أنه عزره بالشتم وقال له: يا يهودي! فأنكر فأقام البينة وهي الياسوفي والقرشي عند القاضي شهاب الدين الزهري، فاعتذر بأن للقاضي أن يعزر بالشتم، فثبت ذلك عند الزهري وهو نائب ولي الدين الشافعي في غيبته، وكان ولي الدين يومئذ بالقاهرة، طلب هو وكمال الدين المعري الذي كان قاضياً قبله ثم ولي قضاء حلب ثم سعى في قضاء الشام فطلبا معاً، فلما كان في ثامن عشر الشهر جيء بالنصراني وعقد المجلس ثانياً، فبادر ثانياً إلى الإسلام، فحكم الحنبلي بصحة إسلامه وحقن دمه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وادعى في ذلك المجلس على القاضي المالكي أن نصرانياً آخر من القرينين رفع عليه أنه يستهزئ بالنبي صلى الله عليه وسلم فحبسه نائب المالكي، فأطلقه المالكي فسئل عن ذلك فاعترف وأبدأ شهباً، فطلب النصراني المذكور فاستتيب فقال: لا أرجع عن ديني، فحكم المالكي بقتله إلا إن تاب، فقال الحنبلي: حكمت بقتله ولو تاب، فضربت عنقه وأحرقت جثته. وفيها في ربيع الآخر ألزمت أهل الذمة بركوب الحمير بغير إرسال الرجل ووضع الخواتيم في أعناقهم ليتميزوا عن المسلمين في الحمام، كل ذلك بدمشق. وفيها أعيد فتح الدين بن الشهيد إلى وظيفته، وأمر بالترسيم على شهاب الدين أحمد بن نجم الدين بن شهاب الدين بن فضل الله ليورد ما التزم به على كتابة السر، وكانت مباشرته مدة يسيرة منها بنفسه شهرين فقط، فأقام بالعذراوية مدة ثم عجز عن التكملة، فأمر بأن يضرب ليستخلص منه المال، فضرب ضرباً عنيفاً بالعصي بعد أن كان أمر بضربه بالمقارع، فشفع فيه، ثم أمر أن ينادي عليه في البلد: هذا جزاء من يسعى في الوظائف الكبار بما لا يقدر عليه، فنودي عليه بذلك في المدرسة فقط بعد الشفاعة، ونفي إلى سلمية، وكانت كائنة شنيعة جداً، وكان القدر خمسة آلاف دينار. وفيها أعيد منكلي بغا البلدي إلى نيابة حلب، ونقل اشتقمر إلى نيابة دمشق، واستقر اينال اليوسفي في نيابة حلب ثم صرف، واستقر يلبغا الناصري. ذكر من مات في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة من الأعيان. إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر المرشدي، مات في شوال، وهو والد صاحبنا جمال الدين وجد عبد الغني بن عبد الواحد المحدث. أحمد بن إبراهيم بن سالم بن داود بن محمد المنبجي بن الطحان، سمع البرزالي وابن السلعوس وغيرهما، وكان حسن الصوت بالقرآن، وكان الناس يقصدونه لسماع صوته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 بالتنكزية، وكان إمامها، وكان أخذ القراءات عن الذهبي وابن السلعوس وغيرهما، وكان مولده في المحرم سنة ثلاث وسبعمائة، ومات بدمشق في صفر، والطحان الذي نسب إليه كان زوج أمه، وكان أبوه إسكافا فمات وهو صغير فرباه زوج أمه فنسب إليه، وله نظم فمنه ما سمعه منه الشهاب بن حجى وأخبرنا به إجازة: طالب الدنيا كظام ... لم يجد إلا أجاجا. كلما أمعن فيه ... زاده ورداً وهاجا. أحمد بن حسن بن منيع بن شجاع المصابري، نزيل حلب، حدث بالبخاري. أحمد بن علي بن منصور بن ناصر الحنفي الدمشقي، شرف الدين بن منصور، ولد سنة سبع عشرة، واشتغل إلى أن ولي قضاء دمشق عوضاً عن صدر الدين بن العز، وكان طلب إلى مصر ليتولى القضاء بعد موت ابن التركماني فقدمها فاتفق أن ولي نجم الدين ابن العز فأقام بمصر مدة يدرس، ثم ولي القضاء في رمضان سنة سبع وسبعين إلى رجب سنة ثمان وسبعين فتركه ورجع إلى دمشق، واختصر المختار في الفقه وسماه التحرير ثم شرحه، وكان مشهوراً بالفضيلة في الأصول والفروع، حسن الطريقة، جميل السيرة، وولي القضاء بمصر سنة سبع وسبعين، ثم انفصل وقدم دمشق في المحرم سنة تسع، وكانت عنده صرامة وتصميم في الأمور، وكان قد سمع من محمد بن يوسف بن دولة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 سمع منه المسلسل عن النجيب وجزء ابن عرفة، وسمع من عبد الرحمن بن تيمية وابنه والمزي والبرزالي وآقش الشبلي وحبيبة بنت العز وغيرهم، مات في شعبان وله خمس وستون سنة، وهو أصغر سناً من أخيه صدر الدين وأفقه. أحمد بن محمد بن عبد الله البدماصي، شهاب الدين، كان فقيهاً فاضلاً ديناً. أبو بكر بن أحمد بن أبي الفتح بن إدريس بن سامة الدمشقي عماد الدين بن السراج، ولد سنة خمس وسبعمائة، وسمع من الحجار، وتفقه على الشيخ شرف الدين البارزي وأذن له في الإفتاء، وسمع من المزي والبرزالي وغيرهما، وأثنى عليه الذهبي في المعجم المختص بالمحدثين، وكان يعمل المواعيد ويجيد الخط، مات في شوال عن سبع وسبعين سنة، وهو آخر من ترجم له الذهبي في هذا المعجم، وكان يقرأ البخاري في كل سنة بالجامع في رمضان، ويجتمع عنده الجم الغفير، وللناس فيه اعتقاد زائد. بركة بن عبد الله، الأمير، تقدم في الحوادث، وكان أصله من جماعة يلبغا، وبقي مع مماليك يلبغا الأجلاب، ثم عاد في إمرة طشتمر، وكان لما قتل الأشرف أمير عشرة، ثم كان ممن قام مع اينبك، ثم قام عليه هو وبرقوق، وكان من أمره ما مضى مفصلاً، وكان شجاعاً مفرط الشجاعة مشهوراً بذلك، وكانت مدة عظمته منذ ولي أمير مجلس في جمادى الأولى سنة تسع وسبعين إلى أن قبض عليه بالقاهرة ثلاث سنين إلا شهرين. بيبغا الصالحي، من أمراء الطبلخانات بدمشق، كان مشكور السيرة رحمه الله تعالى. جوكان الجركسي، كان من أقدم الجراكسة، واول أمره أنه كان من جماعة إياس ثم ولي نيابة حمص ثم قلعة دمشق ثم حجوبية الحجاب بحلب. ثم خرج مع العسكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 إلى التركمان، فقتل في أواخر هذه السنة أو في أوائل التي بعدها، ثم تحرر لي أنه قتل في الوقعة في صفر من السنة المقبلة. حجى بن موسى بن أحمد بن سعد الحسباني، علاء الدين الشافعي نزيل دمشق، ولد في سنة إحدى وعشرين، وقيل قبل ذلك، وسمع من أحمد بن علي الجزري والبرزالي وغيرهما، وأخذ الفقه أولاً بالقدس عن مشايخها، وحفظ كتباً: التنبيه وابن الحاجب والعمدة، ثم أخذ بدمشق لما قدمها سنة 34، عن الشيخ شمس الدين بن النقيب، وشرف الدين خطيب جامع جراح وشهد له بأنه فقيه المذهب، وتاج الدين السبكي وشهد له بالتقدم في الفقه، وتقدم في التدريس والفتوى وأفاد الناس، وتخرج به أهل بلده بدمشق، وكان كثير الاطلاع، صحيح النقل، غواصاً، نقالاً، عارفاً بحل المشكلات، صحيح الفهم، سريع الإدراك مع الرياضة وحسن الخلق، انتهت إليه رئاسة المذهب بدمشق، وأول ما حدث سنة ثمان وستين وكان متصدياً للأشغال، فارغاً عن طلب المناصب، مواظباً على الصلاة، مطرحاً للتكلف، تاركاً للتردد إلى الأكابر، ساذجاً من أحوال الدنيا لا يعرف صنجة عشرة من عشرين، ولا يحسن براية قلم ولا تكوير عمامة، ومات في صفر بعلة البطن وقد جاوز السبعين. حسن بن الشياح بمعجمه ثم تحتانية ثقيلة وآخره مهملة الصالحي، أحد من يعتقد بدمشق، وكان له مكاشفات كثيرة، ومات في ربيع الآخر. خليل بن علي بن عرام الإسكندراني، صلاح الدين، نائب الإسكندرية، وأول ما ولي بها الحجوبية ثم النيابة، ثم ولي بمصر الحجوبية والوزارة مرة، ولما أوقع الفرنج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 بالإسكندرية كان هو إذ ذاك نائبها لكنه كان قد حج فوقع ذلك في غيبته، ورأيت له تاريخاً جمع فيه فأوعى في التراجم والحوادث وهو في عشر مجلدات، وولي نيابة الإسكندرية مراراً، وصودر بعد قتل الأشرف على مال عظيم، ثم عمل أستادارية بركة، ثم أعيد إلى نيابة الإسكندرية فجرى له ما جرى، وله مدرسة ظاهر القاهرة بالقرب من جامع أمير حسين، وكان مرة قد تجرد عن الإمرة ولبس بالفقيري ومال إلى الفقراء وتجرد معهم، وربما سلك على يد بعضهم وأقام بزاوية ثم رجع، وكان شهماً فاضلاً، مات في رجب. صراي تمر، كان مع طشتمر لما قام على الأشرف، وولي نيابة الكرك، ثم صفده ثم قبض عليه وسجن بالكرك في سنة ثمانين، ومات في المحرم من هذه السنة. عاصم بن محمد الحسني، نقيب الأشرف وليها مرتين، ومحتسب مصر وليها مرة. عباس ين حسين بن بدر التميمي، الشيخ شرف الدين الشافعي، كان ينفع الطلبة في الفقه والقراءات، ودرس بالسابقية بالقاهرة، وخطب بجامع أصلم، مات في ذي الحجة، وكان برجله داء الفيل. عبد الله بن عمر بن عيسى بن عمر البارنباري، جمال الدين بن تقس الدين، درس عن أبيه بحلب، وباشر نظر الأسرى وغيرها. عبد الرحمن بن أحمد بن إبراهيم بن جملة، تقي الدين الحجي الصالحي، ابن عمر الخطيب جمال الدين، سمع من الحجار وحدث، وناب في الخطابة عن ابن عمه، وكان أكبر من بقى من بني جملة، وكان من أعيان الشاميين، وفيه بر وإحسان، مات في شعبان عن إحدى وسبعين سنة، وكان خيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 عبد الرحمن بن يوسف بن سحلول الحلبي، شمس الدين، كان مقرباً عند الإسعردي نائب حماة، وبنى له خانقاه على شط نهر فويق وكان غاية في مكارم الأخلاق، وقد باشر الوظائف الجليلة بحلب، مات في تاسع عشرين المحرم. عبد الرحيم بن أحمد بن محمد المنهاجي، سبط الشيخ شمس الدين بن اللبان، سمع من ابن عبد الهادي في صحيح مسلم، وحدث عن جده، وكان من أطيب الناس صوتاً بالأذان واشتهر بذلك في زمانه، مات في جمادى الأولى، وهو أخو صاحبنا أمين الدين محمد ووالد صاحبنا شمس الدين محمد أحد الفضلاء الآن. عبد الوهاب بن يوسف بن إبراهيم بن بيرم بن بهرام بن السلار محمود بن عبيد بن السلار بختيار الدمشقي، أمين الدين ابن السلار، عني بالعلم وأخذ عن التقي الصالح وجماعة، وكانت لديه معرفة بالفرائض والعربية، وله مشاركة في الفقه، وصنف في القراءات مؤلفات مفيدة، وانتهت إليه رئاسة الإقراء بدمشق، وله خطب جياد، وسمع من الحجار وغيره، وطلب الحديث بنفسه، وكتب الطباق بدمشق، وكان ثقة صحيح النقل، وله نظم، وألف مؤلفات محررة، مات في ثامن عشر شعبان عن خمس وثمانين سنة، فإن مولده كان كما كتب بخطه في شوال، ويقال: في ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وستمائة، وأخذ عن ابن نضحان والشهاب الحراني، وبمصر عن التقي الصائغ وتفرد به بدمشق، وسمع من أسماء بنت صصرى وأيوب الكحال والمزي، ودخل بغداد والبصرة، وخرج له السرمري مشيخة قرأت عليه، واستقر بعده في الإقراء بتربة أم الصالح شمس الدين بن الجزري لكونه أولى من بقي بذلك، وحضره الأعيان وأثنوا على درسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 علي بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن مهدي الفوي ثم المدني المدلجي، نور الدين، عني بالحديث، وجال في البلاد، وسمع بالشام والعراق ومصر من ابن شاهد الجيش وأبي حيان وابن عالي والميدومي وجماعة من أصحاب الفخر بدمشق وببلاد كثيرة، وحدث بالإجازة عن الرضي الطبري والحجار، ومهر في العربية والحديث، ودرس بمدرسة إسماعيل بن زكريا أمير بغداد بها، وحدث عن أصحاب النجيب والفخر، واتفق له وهو ببلاد العجم أن شخصاً حدثه بحديث عن آخر عنه فقال له: أنا الفوي اسمع مني يعلو سندك، وهو نظير ما اتفق للطبراني مع الجعابي، وكان عارفاً بالعربية وغيرها، وأقام بالمدينة النبوية مدة ودرس بها، مات بالقاهرة في ربيع الآخر أو جمادى الأولى، سمع منه أبو حامد بن ظهيرة. علي بن زياد بن عبد الرحمن القاضي الحبكي، الفقيه الشافعي، عني بالفقه والأصول، ودرس وأفاد، وأخذ عن أبي البقاء وعلاء الدين بن سلام وابن قاضي شهبة وغيرهم، وكان يفتي باخرة بدمشق مع الدين والورع والملازمة للاشتغال بالعلم، وعنده وسواس في الطهارة، مات في ذي القعدة، والحبكي بحاء مهملة ثم موحدة ثم كاف، منسوب إلى قرية من حوران. علي بن عبد الصمد الحلاوي، نور الدين المالكي الفرائضي، انتهت إليه رئاسة الفرائض وكان مشاركاً في الفنون، عارفاً بالمعاني والبيان والحساب والهندسة، مات في العشر الأخير من ذي الحجة، وكان يدرس بغير مطالعة مع جودة القريحة وسيلان الذهن، انتفع به جماعة. علي بن عمر بن علي بن محمد الإربلي، سبط الشيخ كمال الدين الشريشي، علاء الدين، كان يشهد على الحكام، مات في رجب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 علي بن محمد بن محمد بن إبراهيم الدربندي ثم الدمشقي، ولد قبل سنة تسعين وستمائة، واستقر مؤذناً بالجامع الأموي بعد أن كانت له سياحات، ووجد له إجازة من عمر بن القواس وأحمد بن عساكر وغيرهما، ولم يتفق له أن يحدث بها لكون ذلك لم يظهر إلا بعد موته، ثم وجدت ابن حجى أرخ مولده سنة ثمان وثمانين. عمر بن حمزة بن يونس بن حمزة بن عباس العدوي الأربلي ثم الصالحي، ابن القطان، نزيل صفد، سمع التقي سليمان وأحمد بن عبد الدائم وابن الزراد وابن شرف، وكان فاضلاً له مذاكرات حسنة مقرئاً للسبع، طلب الحديث، وكتب لاكثير، وحدث، سمع منه ابن رافع وكتب عنه في ظهر معجمه ومات قبله بمدة، وخرج له الياسوفي جزءاً، وعاش ستاً وثمانين سنة سواء. محمد بن أحمد بن العز محمد بن التقي سليمان الحنبلي الصالحي، خطيب الجامع المظفري، يلقب عز الدين مات في ربيع الأول. محمد بن أبي بكر بن أحمد الدوالي الزبيدي، جمال الدين الشافعي، كان بارعاً في الأدب مشاركاً في غيره مع الصلاح والعبادة، وأشعاره سائرة باليمن. محمد بن حامد بن أحمد بن عبد الرحمن المقدسي، ولد سنة اثنتين أو ثلاث وسبعمائة، وسمع من محمد بن يعقوب الجرائدي وزينب بنت شكر وغيرهما وحدث، روى عنه الشهاب ابن حجى بالإجازة وأرخه في شعبان. محمد بن علي بن عرام، صلاح الدين، نائب الإسكندرية، تنقل في الولايات، وولي تقدمة ألف بالقاهرة، وكان فاضلاً عارفاً، كتب بخطه تاريخاً في عشر مجلدات، وكان يحب الفقراء ويدنيهم، تقدم ذكر قتله في الحوادث، ويقال اسمه: خليل كما تقدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 محمد بن عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب الدمشقي الأسدي، شمس الدين بن نجم الدين بن شرف الدين ابن قاضي شهبة، ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة في ربيع الأول كذا وجد بخطه، وتفقه على عمه كمال الدين وبرهان الدين ابن الفركاح، وأخذ العربية عن الشيخ شرف الدين الفزاري، ولما مات عمه كمال الدين سنة ست وعشرين قعد مكانه للأشغال واستمر على ذلك أكثر من خمسين سنة على طريقة واحدة من إيثار الانجماع وعدم الالتفات إلى المناصب، يخدم نفسه ويشتري حاجته ويحملها، ثم ولي في آخر عمره تدريس الشامية البرانية بغير سؤال، وذلك في ذي الحجة سنة 777، ثم تركها بعد سنة وثلاثة أشهر للشهاب الزهري وسمع من ابن الموازيني الأموال لأبي عبيد وغير ذلك، ومسع من ست الأهل بنت علوان وست الوزير وطائفة وناب في الحكم عن السبكي يسيراً وكان لا يتصدى لذلك. وكانوا يثنون عليه بالورع حتى أن الشيخ شرف الدين الغزي ذكر أنه لما اجتمع بالشيخ جمال الدين الأسنوي سأله عن شيوخ دمشق فوصف له ابن قاضي شهبة فقال: هذا مثل الشيخ مجد الدين الزنكلوني عندنا، وكان أقعد الشاميين في الفقه وأقدمهم هجرة حتى كان أكثر الفضلاء بها من تلامذته وتلامذة تلامذته، فمن الطبقة الأولى ممن جضر دروسه ابن خطيب يبرود والعماد بن كثير والشهاب الأذرعي، وكتب الأذرعي بخطه على ظهر مجلد من شرح التوسط لابن الأستاذ هذه المجلدة لسيدي وشيخي شمس الدين ابن قاضي شهبة، وقد حدث، فسمع منه العراقي والهيثمي وابن رجب والياسوفي وابن ظهيرة وابن حجى والبرهان الحلبي وآخرون، مات في ثامن المحرم وقد أكمل تسعين سنة ودخل في عشر المائة، أعاد في حلقة ابن الفركاح، وقرأ الجرجانية على الفزاري، وأول ما جلس للأشغال بعد موت عمه مستقلاً سنة ست وعشرين، وممن جلس عنده ابن خطيب يبرود وابن كثير، وكان اشتهر بمعرفة التنبيه وشروحه وحسن تقريره، وكذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 الجرجانية، ولم يكن يحضر المحافل ولا يفتي، وكان يستحضر الرافعي وينزله على مسائل التنبيه تنزيلاً عجيباً، وعنده انجماع وعدم معرفة بأمور الدنيا، وكانت وفاة أبيه بشهبة، وهو قاضيها سنة سبع وعشرين، وقضى بها أربعين سنة، فعاش بعده خمساً وستين سنة. محمد بن عمر بن محمد بن بنت المغربي، وكان ربيب القاضي بدر الدين بن أبي البقاء، وكان جده صلاح الدين بن المغربي رئيس الأطباء، مات في ذي الحجة. محمد بن محمد بن عبد الله بن محمود، جلال الدين بن قطب الدين قاضي الحنفية، يلقب جار الله، ويقال له: الجار، تقدم عند الأشرف بالطب، وكان نائباً في الحكم عن صهره السراج الهندي، وكان بارعاً في العلوم العقلية كالطب وغيره، وحظي عند الأشرف، وقد ولي مشيخة سعيد السعداء، ثم ولي القضاء إلى أن مات في رجب، ويقال: إنه جاوز الثمانين، وكان مشاركاً في العربية، وفي الفقه قليلاً، وقد تقدم ف يالحوادث ما اتفق له من إرادة إقامة المودع للحنفية، وقد ناب أولاً عن صهره السراج الهندي، واستقر في تدريس المنصورية بعد موته في رجب سنة ثلاث وسبعين، واستقر في تدريس جامع ابن طولون في سنة ست وسبعين بعد ابن التركماني، واستقر في قضاء الحنفية في رجب سنة ثمان وسبعين. محمد بن محمد بن عثمان بن أحمد بن عمر بن محمد الزرعي الأصل، يعرف بابن شمرنوح، جلال الدين بن نجم الدين بن فخر الدين، قاضي حلب وابن قاضيها، وهو سبط جمال الدين بن الشريشي، باشر الحكم نيابة بحلب ثم استقلالاً إلى أن مات في ربيع الأول، وكان قليل الكلام، جميل الوجه، قوي المعرفة بالأحكام، وقد ولي بدمشق قضاء العسكر ووكالة بيت المال. محمد بن محمد بن هبة الله الأنصاري، زين الدين، ناب في الحكم، ومات في ربيع الآخر. محمد بن محمد الشاذلي زين الدين بن المواز، صهر الشيخ محمد بن وفاء، مات في ربيع الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 محمد الحكري، شمس الدين المقرئ، قرأ على البرهان الحكري، وناب في الحمن بجامع الصالح، وولي قضاء القدس وغزة، مات في ذي الحجة، وذكر لي الشيخ برهان الدين بن زقاعة الغزي أنه قرأ عليه القراءات وأذن له في الإقراء. محمد المقدسي المجرد، أحد المؤذنين بدمشق، كان حسن الصوت، مات في رجب. محمد بك الإسماعيلي حاجب الحجاب بدمشق، وقد ولي نيابة قلعة الروم وغيرها، مات في هذه السنة، وكان عنده أدب وتواضع وخضوع لأهل العلم. مختار، مقدم المماليك، مات في هذه السنة، واستقر عوضه جوهر الصلاحي. منكلي بغا البلدي، تنقل في الولايات، فأول ما تأمر عشرة في سنة إحدى وسبعين، ثم أعطي طبلخانات بعد قليل، ثم أعطي تقدمة في جمادى الآخرة سنة أربع وسبعين، ثم أعطي نيابة صفد في رمضان سنة خمس وسبعين، ثم نقل إلى نيابة طرابلس آخر السنة، ثم قبض عليه في أول سنة تسع وسبعين وسجن بالكرك، ثم أطلق في ربيع الأول وجعل أتابك الشام، ثم ولي نيابة طرابلس، ويقال إنه ولي نيابة حماة قبل ذلك، ثم نقل إلى نيابة حلب، ثم قبض عليه وسجن بها، ثم أطلق وقدم في رمضان سنة ثمانين بطالاً، ثم ولي نيابة صفد في المحرم سنة إحدى وثمانين، ثم نقل في شعبان منها إلى طرابلس ثم إلى حلب في ربيع الأول، كما تقدم في هذه السنة، وكان صارماً شجاعاً كبير المروءة، مات في جمادى الآخرة بحلب. يحيى بن يوسف بن محمد بن يحيى المكي، الشاعر، محي الدين، المعروف بالمبشر مدح أمراء مكة وكتب لهم الإنشاء، كان غاية في الذكاء وسرعة الحفظ، فحظ التنبيه في أربعة أشهر، وكان سمع من نجم الدين الطبري وعيسى الحجي وغيرهما، وعاش سبعين سنة. أبو القاسم بن أحمد بن عبد الصمد اليماني المقرئ، نزيل مكة، تصدى للقراءات وأتقنها، وأقرأ الناس حتى يقال إن الجن كانوا يقرؤون عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة فيها ابتدأ الطاعون بالقاهرة، فأول من مات من الأمراء أيدمر الشمسي، فأعطيت إمرته لأنس والد برقوق في المحرم. ثم مات علي بن قشتمر، فتقرر مكانه تغرى برمش. وفيها في صفر قبض على الشمس المقسي وتسلمه بهادر المنجكي بخمسمائة ألف درهم وأطلق إلى منزله، واستقر في وظائفه كريم الدين بن مكانس، وكان السبب في ذلك أن برقوق لما استقر في تدبير المملكة أخرج كثيراً من البلاد المتعلقة بالدولة لجماعة من جهته، فضاق الحال على الوزير فاستعفي، فغضب منه وولي غيره وقبض على صهره علم الدين يحيى ناظر الدولة وعلى شمس الدين بن غراب وغيرهما، وانتهز ابن مكانس الفرصة فالتزم بالتكفية، فقرر وزيراً فباشر على هوج فيه. وفيها قبض على سيف المقدم وصودر على مائتي ألف درهم، واستقر عوضه أحمد العظمة، فقال الشاعر: مضى المقدم سيف ... بنغمة وبتهمه. وكان لحماً سميناً ... فأبدلوه بعظمه. وفيها تزايد الطاعون في صفر، وتناهى في أواخر ربيع الأول، وقرأت بخط صارم الدين بن دقماق أنه سمع الشيخ علياً الروبي حن حضر من الفيوم إلى القاهرة في أواخر صفر وكان للناس فيه اعتقاد زائد، وتهرع الناس إليه للزيارة يقول: إن الطاعةن يرتفع في آخر ربيع الآخر، فوقع كما قال. وفيها عاد ابن التنسي إلى ولاية القضاء عوضاً عن ابن الريغي، ثم استقر ابن الريغي عوضاً عن ابن التنسي، ثم تكرر ذلك منهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 وفيها استقر سودون الشيخوني مقدم ألف. وفي المحرم خلع على القاضي ولي الدين بن أبي البقاء وأعيد إلى دمشق على وظيفة القضاء فوصل في سادس صفر، وكذا خلع على الكمال المعري واعيد إلى حلب على وظيفة القضاء فوصلها في ثامن صفر. وفيها استقر الشيخ أصلم في مشيخة سرياقوس عوضاً عن أبيه نظام الدين. وفيها خرج الحجاج في شهر رجب. وفيها مات السلطان الملك المنصور علي بن الأشرف شعبان في شهر ربيع الأول، وكانت المملكة باسه وهو محجوب، وعاش ثلاث عشرة سنة منها في المملكة خمس سنين وأربعة أشهر، وقرر مكانه أخوه حاجي بن الأشرف وعمره ست سنين وأربعة أشهر ولقب الصالح. وفيها ضيق قرط على العرب فحضر إلى ايتمش ومن معه من الأمراء المجردين بالبحيرة خمسة من أمراء العربان ومعهم ستمائة فارس وجماعة من الرجال، فأقبلوا عليهم وطيبوا قلوبهم، ثم أرسل بدر بن لام إلى بلوط نائب الإسكندرية يطلب الأمان وأن يحضر صحبته إلى القاهرة فلم يتم ذلك، ثم حضر رحاب أمير تروجة وجماعة من أمراء البحيرة صحبة قرط إلى القاهرة طائعين فخلع عليهم واستمر قرط بدمنهور يعمر ما خرب منها ويوطن أهلهان ولم يهرب منهم غير بدر بن سلام. وفيها في رجب جهز برهان الدين إبراهيم الدمياطي الذي كان نقيب الحكم عند المالكية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 ثم ولي بعد ذلك نظر المواريث إلى الحبشة رسولاً من قبل السلطان، وكان السبب في ذلك أن بعض الحبشة وصلوا إلى قرب أسوان وأفسدوا في نواحيها وخاف منهم أهلها فطالعوا السلطان بذلك، فأرسل إلى بترك النصارى اليعاقبة متى بن سمعان فتهدده، فأرسل من جهته رسلاً لكشف الخبر، ثم كتب إلى ملك الحبشة ينكر عليه ويأمره أن لا يحدث حادثاً، وجهز إبراهيم المذكور من جهة السلطان بالكتب. وفي صفر ورد الخبر إلى دمشق بعزل القاضي برهان الدين التادلي قاض المالكية واستقرار الشيخ برهان الدين الصنهاجي عوضه، فامتنع البرهان وصمم فبقي المنصب شاغراً إلى أن استقر علم الدين القفصي في جمادى الأولى. وفيها هبت ريح عظيمة بدمشق فأتلفت كثيراً من الأشجار وقلعتها بعروشها، وشاهد أهل دمشق من ذلك هؤلاء عظيماً. وفيها استقر حضر شخص عجمي عند برقوق وأخبره أن النيل يتوقف من مستهل جمادى الأولى فلا يزيد بعد ذلك شيئاً، فأمر بحبسه، فاتفق أن النيل زاد في ذلك اليوم خمسة عشر إصبعاً وفي اليوم الذي يليه ستة عشر فأحضر العجمي وأمر بضربه، فضرب مقترحاً مائة عصى وجرس، فشفع فيه مأمور الحاجب فأطلق، وأوفى النيل في عاشر الشهر المذكور ولله الحمد. وفيها غضب برقوق على جمال الدين المحتسب وأمر بنفيه فخرج، ثم شفع فيه فأعيد إلى بيته بطالاً، وكان ذلك في أوائل شعبان، وكان السبب فيه أن برقوق تكلم بالتركي في حق القضاة بسبب من الأسباب نقل له عن بعضهم فقال: ما هم مسلمين، فذكر ذلك جمال الدين لصدر الدين بن منصور قاضي الحنفية فذكره ابن منصور لبرهان الدين بن جماعة واستشاره في عزل نفسه فسكنه، وركب ابن جماعة إلى برقوق فذكر له ذلك، فغضب على جمال الدين وعزله، وقرر في الحسبة تاج الدين المليجي ثم أعيد جمال الدين إليها في ذي القعدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وفيها استقر سعد الدين بن البقري في نظر الخاص والخليلي مشير الدولة، فأحدث فلوساً وأمر الناس بالمعاملة بها، فلم يمش له فيه حال فتركت. وفيها غضب السلطان على علم الدين البساطي فعزله عن قضاء المالكية، واستشار فيمن يوليه مكانه، فأشار عليه ابن جماعة بجمال الدين عبد الرحمن بن خير الإسكندراني فولاه، وقيل: كان السبب في عزله أنه وقع منه في بعض المجالس كلام تغير منه ابن جماعة فتكلم مع أكمل الدين في أمره وسعى في عزله حتى عزل. وفيها أمسك كريم الدين بن مكانس وأخوته وأهينوا وصودروا، وتولى الوزارة علم الدين سن إبرة، وكان السبب في ذلك أن ابن مكانس فتك في الناس وبالغ في الظلم وألزم المباشرين كلهم بجامكية شهرين وظلم التجار وأخذ منهم أموالاً جمة، فاستغاثوا بأهل الدولة حتى رفعوا أمورهم للسلطان فعزله في رمضان عن نظر الخاص، واستقر عوضه سعد الدين بن البقري، ثم عزل عن الوزارة واستقر علم الدين سن إبرة، ثم صرف في ذي القعدة فاستقر شمس الدين كاتب آرلان في ديوان برقوق، وكان ابن مكانس أشار بتوليته وزارة الشام خوفاً منه، فأرسل إليها، ثم استعيد واستقر في ديوان برقوق عوضاً عن علم الدين بن قارورة، وارتفع في هذه السنة سعر القمح إلى أربعين فأعيد محمود إلى الحسبة. وفيها ولي صلاح الدين خليل بن عبد المعطي حسبة مصر بعد أن سعى أن يكون نقيباً عند الحنفية فلم يجب. وفي جمادى الأولى خرج نظر الأوقاف عن القاضي برهان الدين بن جماعة ووليه فخر الدين إياس الحاجب، واستقر سودون الشيخوني حاجباً كبيراً بعد علي بن قشتمر، ومات أمير سلاح علان فأعطى أنس والد برقوق تقدمته. وفيها استقر شهاب الدبن ابن أبي الرضي الشافعي في قضاء حلب بعد موت المعري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وفيها جردت العساكر إلى الشام بسبب التركمان ومقدم العساكر يونس دوادار برقوق، فكسروا التركمان على مرعش، وقتل منهم خلق كثير، وذلك من ابتداء جمادى الأولى إلى شعبان بعد أن فر خليل بن دلغادر وأخوته وهم كانوا السبب في هذه الحركة لأنهم كانوا جمعوا جموعاً كثيرة فوصلوا إلى العمق وإلى تيزين وخاف أهل حلب منهم، وكاتب اينال اليوسفي، فجردت العساكر من دمشق ومن جميع المماليك، ومشوا على التركمان من حلب إلى عينتاب، ثم إلى مرعش، ثم إلى أبلستين، ثم إلى ملطية، والتركمان تفر منهم وتتحصن بالجبال المنيعة إلى أن وصل هزمهم إلى أطراف بلاد الروم، ولما بلغ العسكر في نهب ما قدروا عليه وانتهوا إلى ملطية كاتبوا بذلك فأذن لهم في الرجوع. وفيها كانت حلب الوقعة بين العسكر الحلبي والتركمان فانكسر العسكر، ثم وقع بهم نائب حلب اشقتمر وانتصف منهم، ثم لما توجه يونس الدوادار إلى الشام بسلطنة الصالح أمر العسكر الشامي بالتوجه إلى غزو التركمان، فجمعوا العربان والجند وتوجهوا إلى جهة حلب فخرجوا في ربيع الآخر، فلما كان في ثامن جمادى الأولى وهم بمرعش هبط جماعة من التركمان عليهم من مكان عال فوقع بينهم وبين شرف الدين الهدباني ومن معه من الأكراد وعرب بني كلاب مقتلة فانكسر التركمان وجرح الهدباني وأسر، ثم أفلت. ثم وقعت الوقعة الكبرى في حادي عشرة فاستظهر الترك وانكسر التركمان وانهزموا أقبح هزيمة بعد أن قاسى العسكر شدة في سلوك المضايق والأوعار وشدة البرد، وأما كبير التركمان سولى بن دلغادر فنجا وقطع الفرات إلى خرت برت، وانتهبت العسكر من التركمان شيئاً كثيراً، وأرسل خليل بن دلغادر ومن معه يطلبون الأمان. وفيها فتحت مدينة دوركي واستقر في إمرتها إبراهيم بن محمد بن شهري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وفي رجب نفي مأمور الحاجب ثم أعطي نيابة حماة عوضاً عن طشتمر الشعباني. وفي رمضان أحضر يلبغا الناصري إلى مصر واستقر أمير سلاح رأس الميسرة، واستقر جركس الخليلي مشير الدولة، ثم في شوال قرر في نيابة حلب عوضاً عن أينال اليوسفي، واستقر يونس الدوادار بأمرة يلبغا وأمر الوزير أن لا يتكلم في شيء إلا بعد مراجعته. وفي جمادى الأولى عقد الجسر بحجارة مقنطرة على نهر بردى عند جامع يلبغا، وكان قبل ذلك خشباً عمله الطنبغا دوادار قزدمر، ثم عمل نظيره مقابه على نهر الخندق وحصل به رفق كبير. وفيها في ذي الحجة شاع أن ابن قرنميط وكان رأس ميسرة بالقاهرة، وقد فعل ما لا يحصى فجاء تائباً إلى زاوية الشيخ إسماعيل الأنبابي، فبلغ برقوق فأرسل حسين الكوراني إليه فقبض عليه وعلى اثنين من أتباعه، فسلخوا وحشوا تبنا وعلقوا بباب زويلة. وفي حادي عشر ذي الحجة وسط قرط رحابا أمير العرب وثلاثة معه وعلقت رؤوسهم بباب زويلة. وفيها ارتفع السعر بالحجاز حتى بلغت الغرارة أربعمائة درهم. وفيها كائنة ابن القماح البزاز بقيسارية جركس، وكان قد تعامل هو والبواب فصار يفتح له القيسارية بالليل ويغقل عليه فيفتح حوانيت الناس ويأخذ منها ما يريد إلى أن كثر ذلك وافتضح، فعثروا عليه، فأمسك وضرب بالمقارع هو وولده وسجنا بخزانة شمائل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وكانت سلامته من القطع من العجائب، وفي ذلك يقول بدر الدين بن الصاحب مضمناً وكان بلغه أنه عثر فسقط فانلكسرت يده: قالوا بأن يد القماح قد كسرت ... فأعلنت أختها بالويل والغير. تأخر القطع عنها وهي سارقة ... فجاءها الكسر يستقصي عن الخير. وقد اهتدم ذلك برمته من البيتين السائرين في تاريخ ابن خلكان: إن العماد بن جبريل أخا علم ... له يد أصبحت مذمومة الأثر. تأخر القطع إلى آخره. وفيها في جمادى الأولى حضرت رسل حسين بن أويس صاحب بغداد وتبريز إلى برقوق، وهم: قاضي البلد الشيخ زين الدين علي بن عبد الله بن سليمان بن الشامي المعري المقانعي الآمدي الشافعي، وشرف الدين عطاء بن الحسين الواسطي الوزير، وشمس الدين محمد بن أحمد البرادعي، فأكرموا غاية الغكرام، وذكر المقانعي أنه غرم على سفرته عشرة آلاف دينار وأنه جاء في مائة عليقة، وكان يكثر الثناء على أهل الشام وتردد الكبار للسلام عليهم حتى القضاة، ورتب لهم برقوق رواتب كثيرة، وطلبهم عنده مرة ومد لهم سماطاً حافلاً، وكان تسفيرهم في العشر الآخر من رجب. وفيها كانت الوقعة بالتركمان وزعيمهم ابن دلغادر، أوقع بهم العسكر الشامي ومعهم نائب حلب ونائب دمشق في جمادى الأولى، فانكسروا كسرة شنيعة وقتل منهم جماعة، ثم رجع العسكر التركماني فهزموا العسكر، وجرح نائب ملطية منطاش وتمرزق الجيش، ووقع التركمان في النهب، وقتل جوبان الجركسي، وكان من قدمائهم، له ذكر في الحوادث سنة خمسين وسبعمائة، وكان من أتباع الفخر إياس، وولي نيابة حمص ثم قلعة دمشق ثم الحجوبية بحلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وفيها ابتدئ في عمارة المدرسة الظاهرية بين القصرين، فابتدئ بهدم خان الزكاة بين القصرين، وحصل للناس بذلك مشقة زائدة. وفيها في شهر رمضان أمطرت السماء مطراً عظيماً حتى صار باب زويلة خوضاً إلى بطون الخيل، وخرج سيل عظيم من جهة طرا فغرق زرعها، وأقام الماء أياماً، ولم يعهد الناس ذلك بالقاهرة. وفيها ظهر نجم له ذؤابة قدر رمحين من جهة القبلة، وذلك في شعبان. وفيها أمسك شخص يقال له الحاج علي السروري وجد عنده رؤوس بني آدم، فضرب وجرس. وفيها أجرى الماء إلى الميدان بسوق الخيل وإلى الحوض الذي على بابه، وكان له نحو من سبعين سنة منقطعاً. وفيها في شهر رمضان قام شخص يقال له ابن نهار إلى ابن جماعة فأمسك بعنان بغلته عند العنبرانيين وقال له: حمت في بغير حكم الشرع، فرجع ابن جماعة إلى برقوق فشكاه إليه، فاتفق أنه كان مفكراً في أمر من أمور المملكة، وزاد ابن نهار في الإساءة على ابن جماعة بحضرة برقوق فلم يرد عليه، فرجع ابن جماعة إلى التربة فأقام بها وعزل نفسه من الحكم، فبلغ ذلك الأمير فأنكر القصة واعتذر بالفكرة التي كان فيها، فأرسل إلى ابن نهار فأحضره، وعقد له مجلس فأفتى البلقيني ووافقه العلماء بتعزيره، فعزر وضرب بحضرة برقوق بالمقارع، وأرسل قطلوبغا الكوكاي وإياس الصرغتمشي إلى ابن جماعة فترضياه، وطلع معهما إلى برقوق، فقام إليه وترضاه، واعتذر إليه وأعاده إلى القضاء وقال له: من تكلم في حقك بكلمة ضربته بالمقارع، فقبل ذلك ونزل. وقرأت بحط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه ما نصه: وفي شهر رمضان تسلط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 شخص يقال له ابن هار على القاضي ابن جماعة بالإساءة والسب وكتب فيه تصنيفاً، واستمر على ذلك مدة حتى لقي ابن جماعة قد خرج من عند برقوق فشتمه ولعنه، فأمسكه ابن جماعة ودخل به إلى برقوق وقال له: هذا قال لي كذا وكذا، فلم يحبه، فعزل نفسه ونزل إلى تربة الشيخ جمال الدين الأسنائي ظاهر باب النصر يسافر منها إلى القدس فقام الأمراء الذين حضروا ذلك مثل قطلوبغا الكوكاي وسودون الشيخوني وإياس الصرغتمشي وسألوا برقوق في عقد مجلس فذكر قصته، وفي آخرها أنه جرس ونفي. وفيها ثار جماعة على الملم الأشرف صاحب اليمن فأرادوا الفتك به وتولية خاله المظفر، فعرف بهم وأراد القبض عليهم فهربوا إلى الدملوة فخرج عليهم العرب فأمسكوهم وأحضروهم إليه فاستتابهم وعفا عنهم، وقيل: كان ذلك في السنة التي قبلها. وفيها وقع بين العادل صاحب الحصن وبين السليمانية ورئيسهم غرز الدين، وأعانه صاحب بدليس وجميع حكام ديار بكر ومن جملتهم سيف الدين اليحي صاحب جزيرة ابن عمر، فعرف غرز الدين بكثرة العساكر فأرسل أباه بهاء الدين في الصلح، فاجتمع أبوه بصاحب أرزن فجمع بينه وبين العادل فأقبل عليه ورحل عنهم. وفيها في شعبان كائنة الشيخ شمس الدين القونوي، وكان مقيماً بزاويته بالمزة، وللناس فيه اعتقاد، وكان شديد الإنكار على أهل الظلم، ورسائله إلى الحكام لا ترد، فاتفق أن الحاجب يلو نائب الغيبة بدمشق عزل ابن بلبان من ولاية البر وكتب فيه إلى مصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 بما يعتمده محضراً، فجاء الجواب بالتنكيل به، فبلغه فهرب إلى زاوية الشيخ شمس الدين القونوي فاستجار به فأجاره ابن الشيخ فغضب الشيخ، وكان الشيخ يشطح في حقه وحق غيره فبلغ الحاجب فغضب وأرسل إليه الجمادرة ليحضروا الشيخ وابنه والوالي فمنعوا أنفسهم ووقع بينهم مقاتلة فشج الشيخ في رأسه، ثم غلبوا فأحضروا إلى الحاجب، فأحضر القضاة وعرضوا عليهم أمرهم، وأحضروا السلاح الذي قاتلوا به، وأمر بكتب محضر بصورة الحال فأنكر الشيخ أن يكون عرف بحضور ابن لبان وإنما ابنه فعل ذلك، فانفصل، الحال على أن ضرب الوالي وابن الشيخ وسجنا بالقلعة، وتوجه الشيخ إلى منزله، وذلك في شعبان، وحصل للشيخ من ذلك غم كثير وأقام في زاويته بالمزة وأقصر مما كان فيه من الإنكار ومراسلة الأمراء، وكان للناس فيه اعتقاد كبير، ورسائله إلى الحكام لا ترد. فلما كان في جمادى الأولى سنة خمس وثمانين وصل المرسوم السلطاني إلى الشيخ بالتعظيم والإكرام وبطلب الذين قاموا عليه وتمكينه من تعزيرهم، ووصل إليه كتاب بالتعظيم والتبجيل والإكرام وبطلب الدعاء منه، فأحضر النائب إليه أربعة فربط واحداً منهم في شجرة وأمر بسجن آخر، وزال ما عند من الانكسار ورجع إليه إلى حالته الأولى. وفيها كائنة الشيخ شمس الدين محمد بن خليل الجزري الحنبلي المنصفي كان إمام مدرسة الضياء بسبب فتواه بشيء من مسائل ابن تيمية فأحضره ولي الدين قاضي دمشق وأراد ضربه ثم سجنه فشفع فيه الحنبلي ومنعاه من الفتوى، وذلك في رمضان. ذكر من مات في سنة ثلاث وثماني وسبعمائة من الأعيان. إبراهيم بن حسين بن الملك الناصر أخو الملك الأشرف شعبان كان خيراً ديناً، وقد ذكر للسلطنة فلم يتم ذلك، مات في جمادى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الغني بن محمد بن أحمد بن سالم بن داود الأذرعي، شهاب الدين، نزيل حلب، ولد سنة سبع وسبعمائة، وتفقه بدمشق قليلاً، وناب في بعض النواحي في الحكم بها، ثم تحول إلى حلب فقطنها، وناب في الحكم بها، ثم ترك وأقبل على الاشتغال والتصنيف والفتوى والتدريس وجمع الكتب حتى اجتمع عنده منها ما لم يحصل عند غيره، وظفر من النقول ما لم يحصل لأهل عصره وذلك بين في تصانيفه، وتعقب المهات للأسنوي بقدر حجمها، والذي بيضه منها إلى النكاح في أربع مجلدات وهو ثبت في النقل وسط في التصرفات قاصر في غير الفقه وأجاز له القاسم بن عساكر والحجار وغيرهما، وسمع من الكمال بن عبد وطائفة وجمع له شهاب الدين بن حجي مشيخة وتفقه بشيوخ عصره ومهر في الفن وكان اشتغاله على كبر، وله في ذلك حكاية ومنام ذكرها في خطبة كتابه التوسط، وسأل السبكي أسئلة شهيرة اسمها الحلبية وصنف شرحين على المنهاج وجمع على الروضة كتاباً سماه التوسط والفتح بين الروضة والشرح أكثر فيه من النقولات المفيدة، وانتهت إليه رئاسة العلم بحلب، مات في نصف جمادى الآخرة بعد أن حصل له عرج وقليل صمم وضعف بصره، وله شعر فمنه ما حكاه ابنه عبد الرحمن عنه وأخبرني أنه سمعه يقول: رأيت في المنام رجلاً وقف أمامي وهو ينشد: كيف ترجو استجابة لدعاه ... قد سددنا طريقه بالذنوب. كيف لا يستجيب ربى دعائي ... وهو سبحانه دعاني إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 مع رجائي لفضله وابتهالي ... واتكالي في كل خطب عليه. قال: وانتهبت وأنا أحفظ الأبيات الثلاثة، قرأت بخط الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة أن جمال الدين الطيماني أخبره أنه ذكر في مجلس الشيخ سراج الدين البلقيني شيئاً استغربه فقال: من أين هذا؟ قال فقلت له: من القوت للأذرعي، فطلبه فأحضرته فبقي عنده أياماً، ثم قال لي: رحمه الله لقد أفد، قلت: ولقد كنت أتعجب حين أطالع في تصحيح المنهاج لشيخنا وأجده يوافق الأذرعي في مواضع إلى أن وفقت على هذه الحكاية فعرفت أنه استعان بكلامه. أحمد بن عبد الله المزي، شهاب الدين، كان رجلاً صالحاً حج ماشياً، وكان يصوم مع ذلك، مات في ربيع الأول سقط من سطح فمات شهيداً. أحمد بن علي بن عبد الله الفارسي، شهاب، كان فاضلاً خيراً ديناً، مات في شهر ربيع الأول. أحمد بن محمد بن إبراهيم بن غانم بن واقد، شهاب الدين بن المحدث شمس الدين، سمع من القاسم بن عساكر وأبي نصر بن الشيرازي وغيرهما وحدث، وولي نقابة الحكم، مات بدمشق في رجب. أحمد بن عبد الله التونسي، أبو العباس، مشهور بكنيته، وكان أحد الفضلاء بزي العجم. أحمد بن محمد بن عبد المؤمن الحنفي، الشيخ ركن الدين القرمي، ويقال له أيضاً: قاضي قرم، قدم القاهرة بعد أن حكم بالقرم ثلاثين سنة، فناب في الحكم، وولي إفتاء دار العدل، ودرس بالجامع الأزهر وغيره، وجمع شرحاً على البخاري، استمد فيه من شرح شيخنا لبن الملقن، رأيت بعضه، وكان يزن بالهنات، مات في شهر رجب، سمعت الشيخ عز الدين بن جماعة يقول سمعت الشيخ ركن الدين يقول: شرف العلم من ستة أوجه: موضوعه، وغايته، ومائله، ووثوق براهينه، وشدة الحاجة إليه، وخساسة مقابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 قال لنا الشيخ عز الدين: ولما ولي الشيخ ركن الدين التدريس قال: لأذكرن لكم في التفسير ما لم تسمعوه، فعمل درساً حافلاً فاتفق أنه وقع منه شيء فبادر جماعة وتعصبوا عليه وكفروه، فبادر إلى السراج الهندي وكان قد استنابه في الحكم فادعى عليه عنده وحكم بإسلامه، فاتفق أنه بعده حضر درس السراج الهندي ووقع من السراج شيء فبادر الركن وقال: هذا كفر، فضحك السراج حتى استلقى وقال: يا شيخ ركن الدين! تكفر من حكم بإسلامك! قال: فأخلجه. أحمد بن محمد بن أبي العمران المحزومي الشافعي، أحد الفضلاء، مات شاباً. أحمد بن محمد الأرموي الصالحي، كان من بقايا الأكابر، مات في رجب. إسحاق بن عاصم، ويقال لعاصم أيضاً: محمد الهندي، نظام الدين، شيخ الخانقاه الناصرية بسرياقوس، كان ذا همة عالية مع لطاقة الذات وحسن الصفات، مات في ربيع الآخر بسرياقوس، وحمل إلى داره تحت قلعة الجبل فدفن بها. إسماعيل بن أبي البركات بن أبي العز بن صالح الحنفي، المعروف بابن الكشك، عماد الدين، قاضي دمشق، وليه بعد القاضي جمال الدين بن السراج فباشر دون السنة وتركه لولده نجم الدين. ودرس بعدة مدارس بدمشق، وكان جامعاً بين العلم والعمل وكان مصمماً في الأمور حسن السيرة، عمر حتى جاور التسعين، مات في شوال أو بعده بدمشق من هذه السنة. آقتمر عبد الغني التركي، تنقل في الإمرة، وتقلبت به الأحوال، وأول ما ولي طبلخاناة في حياة شيخون، ثم أعطى تقدمة ألف واستقر خزندارا، ثم ولي نيابة طرابلس في سلطنة الناصر حسن سنة تسع وخمسين، ثم أعاده يلبغا إلى أن استقر حاجباً كبيراً، ثم ولي نيابة الشام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 في صفر سنة ثمان وخمسين، ثم أعيد إلى القاهرة حاجباً، ثم استقر في نيابة السلطنة بمصر سنة خمس وسبعين، ثم ولي نيابة طرابلس ثم صفد، ثم عاد إلى الحجوبية سنة ثمان وسبعين، ثم استقر نائب الغيبة لما حج الأشرف، ثم قبض عليه وسجن، ثم أعطي إمرة بغزة، ثم عاد إلى النيابة في سنة تسع وسبعين، ثم قرر أميراً كبيراً إلى أن مات وهو أمير كبير، رأس الميسرة في جمادى الآخرة، وكان ليناً سليم الصدر متواضعاً يرجع إلى خير. أنس بن عبد الله الجركسي، والد برقوق، كان كثير البر والشفقة لا يمر به مقيد إلا ويطلقه ولا سيما إذا رأى الذين يعمرون في المدرسة التي ابتدأ ابنه بعمارتها، مات في شوال ودفن بتربة يونس ثم نقل إلى المدرسة وأعطي ولده الشيخ جلال الدين التباني ثلاثين ألف درهم فحج عنه وقيمتها إذ ذاك ألف وخمسمائة مثقال ذهباً، ويقال: إنه جاوز التسعين، واستقر في تقدمته قطلوبغا الكوكاي. ايدمر الشمسي عز الدين، أحد كبار الأمراء، مات في صفر مطعوناً، وكان من أمراء الناصر أمره طبلخاناة، ثم تقدم إلى أن كان رأس الميمنة، وكان لين الجانب. آلان بن عبد الله الشعباني، أحد كبار الأمراء، مات في رجب، والعامة يقول: علان بالعين المهملة بدل الهمزة، وكان أصله من مماليك حسن، وكان شجاعاً فأمر تقدمة بعد فتنة بركة، واستقر أمير سلاح حتى مات. أبو بكر بن يوسف بن عبد القادر بن سعد الله بن مسعود الخليلي ثم الصالحي الحنبلي، عماد الدين، ولد سنة خمس وسبعمائة في صفر وسمع بعد العشرين وعني بالحديث، وطلب بنفسه، وقد ذكره الذهبي في المعجم المختص وقال: من فضلاء المقادسة، مليح الكتابة، حسن الفهم، له إلمام بالحديث، وقرأ بنفسه قليلاً، ونسخ لنفسه ولغيره كثيراً انتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 وحدث عن الحجار وعن أبي نصر بن الشيرازي وأبي الحسن بن هلال وغيرهم، مات في جمادى الأولى بدمشق. جوكان الجركسي، ذكر في الحوادث وقد تقدم في السنة التي قبلها. جويرية بنت أحمد بن أحمد بن الحسن بن مسوك الهكاري، تكنى أن أبيها سمعت من ابن الصواف مسموعه من النسائي وسمند الحميدي ومن علي بن القيم ما عنده من صحيح الإسماعيلي، وكانت خيرة دينة، أكثر الطلبة عنها، ماتت في صفر. حسام بن أبي الفرج أحمد بن عمر بن محمد بن ثابت بن عثمان بن محمد بن عبد الرحمن بن ميمون بن محمد بن حسان بن سمعان بن يوسف بن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة النعمان بن ثابت، الفرغاني النعماني، نزيل بغداد، اشتغل كثيراً، وسمع الحديث من سراج الدين عمر بن علي القزويني، وله من أبي الفضل صالح بن عبد الله بن جعفر بن الصباغ إجازة، وأعاد بمشهد أبي حنيفة ببغداد، نقلت نسبه من خط ابن أخيه القاضي تاج الدين البغدادي لما قدم علينا من بغداد بعد العشرين وثماني مائة، وكان محمد قد قدم في أواخر زمن المؤيد فاراً من ابن قرا يوسف لأنه كان آذاه وجدع أنفه، ففر منه إلى القاهرة وألب عليه، فهم المؤيد بغزو بغداد وصمم على ذلك ثم خانه الأجل، فتحول تاج الدين بعد موت المؤيد إلى دمشق وولي بها بعض المدارس، ومات بها في وكان تاج الدين حدث بمسند أبي حنيفة جمع أبي المؤيد محمد بن محمود بن محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 الخوارزمي بروايته عن عمه عن ابن الصباح عن مؤلفه وبروايته عن عبد الرحمن بن لاحق الفيدي عن علي بن أبي القاسم بن تميم الدهستاني إجازة عن مؤلفه سماعاً. حسين بن أويس بن حسين، صاحب تبريز وبغداد، قتل بمواطاة أخيه أحمد بإشارة الشيخ خجا الكجحاني، وكان حسين شهماً شجاعاً، واستقر بعده أحمد في السلطنة، وقيل: كان ذلك في ربيع الآخر من السنة التي بعدها، وسيأتي. داود بن زكريا التكروري، الشيخ زين الدين العباسي، من أصحاب الشيخ أبي العباس الضرير، وكان ممن يعتقد، مات في أواخر ذي الحجة. سيف بن عبد الله المقدم، كان رأساً في الظلم، مهيناً، مات تحت العقوبة. طشتمر بن عبد الله الشعباني، كان حاجباً صغيراً بدمشق، وناب في قلعة الروم سنة سبع وستين، وولي الحجوبية بدمشق سنة تسع وسبعين وبعدها، ثم ولي نيابة حماة، ومات بعينتاب في رجب، وكان صارماً شهماً. عبد الله بن حسين بن طوغان، جمال الدين بن الأوحدي، كان خيراً كثير التلاوة وافر العقل، وانجب ولده شهاب الدين أحمد، مات في صفر. عبد الله بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن بن عتيق الأنصاري، جمال الدين بن حديدة، ولد سنة إحدى عشرة وسبعمائة، وسمع على ابن شاهد الجيش وإسماعيل التفليسي وابن الأخوة وغيرهم، وعني بالحديث وكتب الأجزاء والطباق، وجمع كتاباً سماه المصباح المضيء في معرفة كتاب النبي وكان خازن الكتب بالخانقاه الصلاحية بالقاهرة، وربما سمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 محمداً، وكان يذكر أنه سمع من الحجار ولم يظفروا بذلك مع أنه حدث عنه بالثلاثينات بقوله، ومات في شعبان. عبد الله القبطي، المعروف بالرقيق، كان كاتباً موصوفاً بالمعرفة، خدم عند اينبك، ومات في صفر مطعوناً. عبد الوهاب بن عبد الله القلعي، مؤذن جامع القلعة وجامع شيخون، كان موصوفاً بحسن الصوت وطيب النغمة، مات هو ومحمد بن حسن البصري جميعاً، وكانا متناظرين. عثمان بن محمد بن أيوب بن مسافر الإسعردي، الخواجا، التاجر في المماليك، هو الذي أحضر والد برقوق إلى القاهرة، وهو الذي أحضره من قبل أبيه في دولة الأشراف، وكان قد سعى في إبطال مكس الرمان بدمشق، فاجيب إلى ذلك، وكان له جاه وصيت في البلاد، وعمر بدمشق قيسارية مليحة، مات في رجب، وأسف عليه برقوق وصلى عليه وأكثر البكاء عليه. عرفك بن موسى بن عرفك بن بدر بن محمد بن محمود بن رماح بن محمود المخزومي من عرب المشارقة، المعمر جاوز المائة، فقرؤوا عليه بالإجازة العامة من الفخر بن البخاري وغيره، وكان يكنى أبا حميضة، وكان يذكر أنه رأى الشجاعي ولا جين ويعرف القنص. عطية بن منصور بن جماز الحسني، أمير المدينة، مات هو وأخوه نعير وابن أخيه هبة بن جماز بن منصور في هذا العام. علان، تقدم في الهمزة. علي بن شعبان، تقدم في الحوادث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 علي بن عبد الله اللحفي، المعروف بالمكشوف، ويقال له: أبو لحاف، لأنه كان مكشوف الرأس شتاءً وصيفاً، وكان شامياً سكن مصر، ويذكر عنه كرامات كثيرة، مات في صفر. علي بن أبي الفضل بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن فلاح الإسكندري ثم الدمشقي، العطار، علاء الدين، كان من بيت الرواية والفضل، ولد سنة سبع وتسعين وستمائة، وسمع من القاضي نجم الدين بن صصرى مشيخته تخريج العلائي، ومن علاء الدين بن العطار أربعي النووي، وكان لما كبر نزل الحانوت وافتقر، وانقطع بمسجد إلى أن مات في ربيع الأول وله بضع وثمانون سنة، وحدث، ولو أسمع على قدر سنه لكان من أعلى أهل عصره إسناداً. علي بن قشتمر التركي، ولي نيابة الكرك ثم الإسكندرية، وأمر تقدمة بمصر بعد الأشرف، واستقر حاجباً ثانياً إلى أن مات في شهر ربيع الأول، واستقر في تقدمته تغرى برمش، وترك لأولاده عدة إقطاعات. عمر بن إسماعيل بن عمر بن كثير، عز الدين بن عماد الدين، عني بالفقه، وكتب تصانيف أبيه، وولي الحسبة مراراً ونظر الأوقاف، ودرس بعده أماكن، وعاش خمساً وأربعين سنة، مات في رجب. عمر بن عثمان بن أبي القاسم عبد الله بن معمر، كمال الدين المعري، اشتغل قليلاً، وعني بالفقه، ويقال: إن شرف الدين البارزي أذن له فولي قضاء بلده ثم طرابلس ثم حلب في سنة ثلاث وخمسين، ثم تكررت ولايته لها وأقام مرة من سنة تسع وخمسين إلى سنة إحدى وسبعين، ثم ولي دمشق بعد تاج الدين البكي إلى أن عزل منها سنة خمس وسبعين، ثم أعيد في سنة تسع وسبعين، ثم عزل، ثم أعيد إلى أن مات. قال ابن حجي: سمعنا منه، وكان يحفظ الدرس جيداً، ويذاكر بأشياء حسنة، وخلف مالاً طائلاً، وقد حدث عن الحجار وغيره، ولم يكن مشكوراً في الحكم ولا متورعاً فيه، بل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 كان يأخذ الرشوة ظاهراً على ما قيل، مع أنه كان يكثر الصوم والحج والعبادة، ومن العجيب أنه ولي دار الحديث الأشرفية انتزعها من الحافظ عماد الدين بن كثير مع أن شرطها أن تكون مع أعلم أهل البلد بالحديث، فمقته الطلبة وعدوا عليه غلطات وفلتات، منها أنه قال: الجهبذ فنطق بها بضم الجيم وفتح الهاء، وكان طلق الوجه كثير السكون كثير المال والسعي، وكان يكتب خطاً حسناً، ونسخ بخطه كتباً، وكان يحفظ الدرس جداً ويذاكر بوفيات وغيرها، وكان عارفاً بالأحكام والمصطلح، كثير التودد والمروءة، عاش إحدى وسبعين سنة، وأول ما ولي قضاء بلده في سنة ثلاث وثلاثين، فكان يقول: ليس في قضاء الإسلام أقدم هجرة مني، مات في رجب. فاطمة بنت أحمد بن الرضي الطبري، أم الحسن، سمعت على جدها تساعياته وغيرها وحدثت، ماتت في ذي الحجة أو في أوائل شوال. فاطمة بنت الشهاب أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر الحرازي والدها المكية ثم المدينة، سمعت على جدها لأمها الرضي الطبري الكثير، وسمعت على أخيه الصفي حضوراً، وأجاز لها الفخر التوزري والعفيف الدلاصي وأبو بكر الدشتي والمطعم وآخرون، وكانت خيرة، ماتت في شوال عن ثلاث وسبعين سنة. فرج بن قاسم بن أحمد بن لب، أبو سعيد الثعلبي الغرناطي، برع في العربية والأصول، وشارك في الفنون، وأقرأ ببلده وأفاد، وولي خطابة الجامع بغرناطة، أخذ عنه شيخنا بالإجازة قاسم بن علي المالقي وذكر أنه مات في هذه السنة تقريباً، ورأيت له تصنيفاً في الباء الموحدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الدمشقي، أمين الدين بن الشماع، ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من وزيره مسند الشافعي بفوت يسبر وصحيح البخاري، وسمع على التقي محمد بن عمر الحريري تفسير الكواشي بروايته عنه، ودرس في الفقه، وأذن له الشريف البارزي في الإفتاء، وناب عن عز الدين بن جماعة، وولي قضاء القدس عن السبكي الكبير، ثم ترك وجاور بمكة فمات بها في نصف صفر. محمد بن حسب الله، الزعيم، التاجر، كان واسع الملاءة كثير الثروة مشهوراً بمعرفة التجارة، إلا أنه كان كثير الربا، مات بمكة. محمد بن حسن المصري، رئيس المؤذنين بالجامع الأزهر وغيره، وكان مشهوراً بحسن الصوت وطيب النغمة، مات في شهر ربيع الأول، ومات معه رفيقه عبد الوهاب كما مضى. محمد بن شكر، الشاهد بدمشق، كان يحج كثيراً، يقال: حد خمساً وثلاثين حجة، مات في جمادى الأولى. محمد بن عبد الله بن العماد بن إبراهيم بن النجم أحمد بن محمد بن خلف، فخر الدين الحاسب، سمع من التقي سليمان والحجار وطبقتهما، واشتغل بالفقه والفرائض والعربية، وأفتى ودرس، وكان حسن الخلق تام الخلق، فيه دين ومروءة ولطف وسلامة باطن، مهر في الفرائض والعربية، وكان عارفاً بالحساب، وذكر لقضاء الحنابلة فلم يتم ذلك، مات راجعاً من القدس بدمشق. محمد بن عثمان بن حسن بن علي الرقي ثم الصالحي، المؤذن، ولد سنة اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة وسبعمائة، وسمع البخاري على عيسى المطعم وأبي بكر بن عبد الدائم وغيرهما، وحضر على التقي سليمان وسمع وهو كبير من المزي والجزري والسلاوي وغيرهم، وأجاز له الدشتي وطبقته من دمشق، وابن مخلفو ونحوه، وحسن الكردي، وعلي بن عبد العظيم الرسي، وعبد الرحيم الميساوي، وابن المهتار، والوداعي وابن مكتوم، وابن النشو، والشريف موسى، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 والرشيد بن المعلم وغيرهم من مصر والإسكندرية، وخرج له ابن حجي مشيخة وقال: إنه كان أوحد عصره في التلقين، وكان على طريقة السلف من السكون والتواضع والعفة وكف اللسان، وكان عارفاً بعلم الميقات، ويقرئ الناس متبرعاً، مات في شعبان. محمد بن علي بن محمد بن نبهان بن عمر بن نبهان بن عباد، شمس الدين، شيخ زاوية قرية جبرين، مات في صفر، سمع من عمر أبيه صافي بن نبهان جزأين وحدث. سمع منه البرهان سبط بن العجمي، وأثنى عليه القاضي علاء الدين في تاريخ حلب. محمد بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمد بن محمود بن عبد الله الزرندي الحنفي، قاضي المدينة بعد أبيه، كان فاضلاً متواضعاً، يكنى أبا الفتح، وهو بها أشهر. محمد بن عمر بن عيسى بن أبي بكر الكناني المصري، زين الدين، سمع من وزيرة والحجار، وكان خيراً. ولي نيابة الحكم، وسمع منه نور الدين على ابن شيخنا سراج الدين بن الملقن بقراءة أبي زرعة بن العراقي. محمد بن عمر بن مشرف الأنصاري الشراريبي، الملقب طقطق ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، وسمع من المزي وغيره وحدث، وكان شيحاً ظريفاً، يحفظ أشعاراً، ويذاكر بأشياء، ويتردد غلى مدارس الشافعية، مات في جمادى الآخرة. محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن رشيد الجمالي السرائي الأصل الدمشقي، ولد بسراي في الثاني والعشرين من جمادى الأولى سنة سبع وسبعمائة، وقدم الشام كثيراً، وعني بالحديث على كبر وطلبه وقتاً، وسمع من الميدومي أظنه بالقدس ونحوه، وكتب بخطه وهو خط حسن، ونظم الشعر المقبول، وكتب عنه ابن سند وجماعة، منهم سبط بن العجمي، وكان ديناً خيراً، يكنى أبا حامد، وأبا المجد، وأبا الفياض، وكان فاضلاً، له نظم جيد، ومشاركة في العلم، وورع زائد. ولم يكن يملك شيئاً إلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 ما هو لابسه، وكان تارة يمشي بطاقية ولا يتكلف هيئة مع التواضع والبشاشة وحسن الخلق والخلق، وكان العلماء يترددون إليه، ولا يقوم لأحد، ولا يملك شيئاً ولا يقتنيه. محمد بن محمد بن محمد، شمس الدين بن السيوري، انتهت إليه الرياسة في حسن الضرب بالعود، وكان عارفاً بالموسيقى حسن الخط، مليح العشرة، وله أقطاع تعمل في السنة ألف دينار، وكان يقول إنه من ذرية عمار بن ياسر، رضي الله عنه، مات في صفر. محمد بن محمد بن دقيق، شمس الدين بن ولي الدين، ناب في الحكم، وولي بعض الخوانق. محمود القازاني، شاد الاوقاف بدمشق، قتل في تجريدة التركمان في جمادى. نعير بن منصور. وابن أخيه هبة بن جماز، تقدما في عطية. يعقوب بن عبد الله المغربي المالكي، كان عارفاً بالفقه والأصول والعربية، انتفع به الناس، ومات في صفر. يوسف بن ماجد بن أبي المجد بن عبد الخالق المرداوي، ولي الدين الحنبلي، كان فاضلاً في الفقه، وامتحن مراراً بسبب فتياه بمسألة ابن تيمية في الطلاق، وكذا في عدة من مسائله، وقد حدث عن الحجاز وابن الرضي والشرف بن الحافظ وغيرهم، وكان شديد التعصب لمسائل ابن تيمية، وسجن بسبب ذلك، ولا يرجع حتى بلغه أن الشيخ شهاب الدين بن المصري، حط على ابن تيمية في درسه بالجامع فجاء إليه فضربه بيده وأهانه، مات في تاسع عشر صفر. يوسف بن أبي راجح محمد بن إدريس بن غانم بن مفرح العبدري، جمال الدين الشيبي الحجبي، شيخ الحجبة، مات بمكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 سنة أربع وثمانين وسبعمائة فيها في المحرم وقع الطاعون بدمشق، وتزايد في صفر حتى قارب الثلاثمائة، ثم تناقص، ويقال: جاوز الأربعمائة، ثم تناقص في ربيع الآخر إلى ثمانين. وفيها في المحرم وقع الغلاء بمصر، وارتفع السعر إلى أن بيع القمح بمائة درهم الأردب، وعدمت الأقوات، ثم فرج الله تعالى عن قرب، ودخل الشعير الجديد وانحط القمح إلى أربعين. وفي المحرم استقر كمشبغا الحموي في إمرته. وفيها لما كثر الغلاء أمر برقوق الحكام أن لا يحبس أحد على دين لأجل الغلاء وأفرج عن المحابيس. وفيها رضي برقوق على بيدمر ورده إلى نيابة الشام وذلك في صفر، وهي المرة السادسة، وكان الذي أجضره من الإسكندرية بكلمش العلائي فوصل في الحادي والعشرين من المحرم فخلع عليه بنيابة الشام. وأرسل اشقتمر النائب الذي كان قبله إلى دمشق بطالاً. ودخل بيدمر الشام في شهر ربيع الأول فاحتفل به أهل الشام وفرحوا بولايته جداً، وكان يوم دخوله يوماً مشهوداً وجاوزوا الحد في ذلك. وفيها شرع جركس الخليلي في عمل جسر بين الروضة ومصر كان طوله مائتي قصبة في عرض عشرة، وحفر في وسط البحر خليجاً إلى فم الخليج الناصري عنده موردة الجيش وكان غرضه بذلك أن يستمر النيل في جهة بر مصر فلم يتم مراده، بل كان ذلك أعظم الأسباب في عكس ما قصده وانطرد النيل عن بر مصر حيث كان ينشف نصفه فنشف كله إلى قرب المقياس. ثم بعد عشرين سنة حفر النيل بغير سعي أحد وصار يلبث قليلاً قليلاً إلى هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 الغاية، ولم يلزم الخليلي أحداً من الناس فيما انفقه على هذا الجسر بغرامة درهم فما فوقه، فأنشد ابن العطار في ذلك: شكت النيل ارضه ... للخليلي فأحضره. ورأى الماء خائفاً ... أن يطأها فجسره. وفيها عمل الخليلي على النيل طاحوناً تدور في الماء فاستأجرها منه بعض الطحانين فحصل منها مالاً عظيماً لكثرة من كان يأتي إليه برسم الفرجة. وفيها في ثالث المحرم استقر سودون الشيخوني حاجب الحجاب، وأعطى إمرة تغرى برمش وأرسل تغرى برمش إلى القدس بطالاً، واستقر أيدكار حاجب الميسرة. وفيها حضر الشيخ علي الروبي من الفيوم إلى مصر، وحصل للناس فيه محبة زائدة واعتقاد مفرط، وسارعوا إلى الاجتماع به وهو في الجيزة. وفيها امتنع القاضي برهان الدين بن جماعة من الحكم، وذلك في صفر، والسبب فيه أن تجراً مات وخلف ملاً كثيراً فثبت عند القاضي برهان الدين أن له ورثة، فمنع أهل المواريث من التعرض للمال فغضب برقوق من ذلك وراسله في تسليم المال، فصمم وبلغه أن برقوق طلب من يوليه القضاء، فذكر له الشيخ برهان الدين الأبناسي، فاختفى، فوقف البرهان عن الحكم بين الناس، وسعى بدر الدين بن أبي البقاء في العود إلى المنصب وبذل مالاً، وأن لا يتعرض للتركة المذكورة فأجيب واستقر في سلخ صفر وتوجه برهان الدين بن جماعة إلى القدس في ثالث عشر ربيع الأول. وقرر ابن أبي البقاء في أمانة الحكم بالقاهرة شهاب الدين الزركشي مضافاً إلى أمانة الحكم بمصر وقرر في نظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 الأوقاف بمصر شمس الدين بن الوحيد عوضاً عن زين الدين الزواوي، وفي نظر الأوقاف بالقاهرة جمال الدين العجمي عوضاً عن تقي الدين الأسنائي. وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه: في أول سنة أربع وثمانين سأل برقوق من يختص به أن يطلب له رجلاً جيداً يوليه قضاء الشافعية فذكر له جماعة منهم الشيخ برهان الدين الأبناسي، فطلبه مع موقعه أوحد الدين وعرفه القصة فواعده على أن يجيء إليه ويتوجه معه إلى الإصطبل، فهرب واختفى، فأقام على ذلك أياماً وابن جماعة لا يعرف بشيء من ذلك بل يظن أن ذلك لأمر آخر، فلما أيسوا منه طلب القاضي بدر الدين بن أبي البقاء فأعيد إلى القضاء في يوم الخميس تاسع عشرين صفر، واستمر معه تدريس الشافعي، وتوجه ابن جماعة إلى القدس انتهى. ويقال: إن برقوق كان يعرف قوة نفس برهان الدين بن جماعة فخشي أن لا يوافقه إذا رام أن يتسلطن ويعارضه فلا ينتظم امره، فعمل على عزله وتولية من لا يخالفه لكونه هو الذي أنشأ ولايته، وكان الشيخ برهان الدين الأبناسي يقول إنه لما واعد أوحد الدين ودخل إلى منزله ففتح المصحف فخرج: " قال رب السجن أحب لي مما يدعونني إليه ". فأطبقه وتغيب. وفيها صرف همام الدين ابن الشيخ الاتقاني من قضاء الحنفية بدمشق، وأعيد نجم الدين بن الكشك، وكان وصل الخبر بعزله وولاية النجم فامتنع النواب من الحكم، فأنكر عليهم الهمام واستمر يحكم حتى قدم النجم فتوجه الهمام إلى النائب، وكان غائباً عن البلد ثم رجع معزولاً. وكان الهمام من عجائب الدهر في الجهل والخبط وقلة الدين. وفيها استقر تقي الدين الزبيري في نيابة الحكم بالقاهرة، وقد تولى القضاء استقلالاً بعد ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وفيها انكسر الجسر من جهة المنشية عند المريس فنزل الماء إلى البركة التي هناك، ففاضت على الميدان، فلم يركب السلطان تلك السنة إلا ميدانين خاصة. وفيها حضر رسل صاحب إشبيلية من عند ملك الكيتلان يسألون السلطان الشفاعة في صاحب سيس، فأرسله إليهم مكرماً. وفيها حضر رسول سيس ومعه كتاب يخبر فيه بأن الأرمن الذين هناك مات كبيرهم فأمروا عليهم زوجته فحكمت فيهم مدة ثم عزلت نفسها فاتفق رأيهم على أن يفوضوا أمرهم لصاحب مصر فيختار لهم من يوليه عليهم، فانتقى لهم برقوق واحداً من الأرمن الأسارى الذين يسكنون بالكوم ظاهر القاهرة ويبيعون الخمور، فأخذوه معهم فملكوه عليهم. وفيها في ربيع الآخر ولي بدر الدين محمد بن أحمد بن مزهر كتابة السر بدمشق عوضاً عن فتح الدين بن الشهيد، وهرب ابن الشهيد بعد أن طلب، فأمسك ولده تاج الدين ورسم عليه، ثم ظهر لما ولي بيدمر فقرر عليه مال ورسم عليه بالعذراوية ثم بالدماغية، ثم أطلق وهرب ابن منهال الذي استقر كاتب لكونه ألزم بوزن ما التزم به من المال فلم يقدر على ذلك فاستقر عوضه ابن مزهر. وفيها ولي القضاء بالقدس خير الدين الحنفي، وهو أول حنفي قضى به. وولي القضاء بغزة موفق الدين رسول الحنفي، وهو أول حنفي قضى بها، وهذان من طلبه الحنفية بالشيخونية، وكان الثاني أولاً ينوب عن الهمام الاتقاني بدمشق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وفي رمضان من هذه السنة خلع الملك الصالح حاجي من السلطنة، وكانت مدة مملكته سنة ونصفاً ونصف شهر وبويع برقوق بالسلطنة ولقب الملك الظاهر وكني أبا سعيد، ولم تنتطح في ذلك عنزان وكان يعمل في تدبير المملكة من بعد مسك بركة إلى أن أفنى المماليك الأشرفية نفياً وقتلاً، وقرب الجراكسة وأبعد الترك. ثم طلب القضاة والعلماء والأمراء واستشارهم في أمر المملكة وأن الأمور اضطربت لصغر سن السلطان وطمع المفسدون في الأمر، فاجمعوا على طاعته وبايعوه، وذلك يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان، وخطب له بالجامع يوم الجمعة حادي عشرة، وتوجه البريد إلى البلاد فبويع له بدمشق في يوم الخميس سابع عشريه، وخطب له يوم الجمعة ثامن عشريه، واستقر أيتمش أتابك العساكر، والجوباني أمير مجلس، وجركس الخليلي أمير آخور وسودون الشيخوني نائب السلطنة، وقزدمر الحسني رأس نوبة ويونس في الدويدارية. وفي يوم سلطنته انحط سعر القمح فاستبشر الناس بذلك. وأدخل الملك الصالح داخل الدور وقرأ تقليد الظاهر يوم الاثنين رابع عشريه. وفي ربيع الأول هرب ابن مكانس الوزير من الترسيم، فبلغ برقوق فغضب على شاد الدواوين بهادر الأعسر وحبسه بخزانة شمائل ثم شفع فيه فأطلق، وبالغ في أذية أخوة ابن مكانس وأقاربه، وبسط عليهم العذاب وضربوا بالمقارع وهجموا على حريمهم وهجموا على بيوت معارفهم، واستقصوا في التفتيش عليه من الكنائس والديور فلم يقعوا به. وفي شعبان أراد جماعة من مماليك برقوق ومماليك أولاد السلاطين الفتك ببرقوق، وأنذره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 الشيخ الصفوي وهو يكبسه، فقعد، فدخل أحدهم، فوثب برقوق فضربه ضربة انقلب، ثم نزل إلى باب الإصطبل وطلب الأمراء وتتبع الذين أرادوا الفتك به، فسجن منهم ونفي، وغضب على الأبغا العثماني لأنه بلغه أنه اطلع على القضية وأخفاها عنه، فنفاه إلى طرابلس، وأعطى إمرته لشخص من أقاربه قدم عليه من الجراكسة وهو قجماس. وفي ربيع الآخر منها جهزت التجريدة إلى الفيوم بسبب صد عرب البحيرة عن الدخول إلى الصعيد، فتجهز خمسة أمراء من المقدمين ومن تبعهم، فتوجهوا إلى أن تحققوا أن العرب توجهوا إلى جهة برقة، فرجعوا في جمادى الأولى. وفيها كائنة الشيخ صدر الدين على ابن العز الحنفي بدمشق، وأولها أن الأديب علي بن أيبك الصفدي عمل قصيدة لامية على وزن بانت سعاد وعرضها على الأدباء والعلماء فقرظوها ومنهم صدر الدين علي بن علاء الدين بن العز الحنفي، ثم انتقد فيها أشياء فوقف عليها علة ابن أيبك المذكور فساءه ذلك ودار بالورقة على بعض العلماء فأنكر غالب من وقف عليها ذلك وشاع الأمر فالتمس ابن أيبك من ابن العز أن يعطيه شيئا ويعيد إليه الورقة فامتنع، فدار على المخالفين وألبهم عليه، وشاع الأمر إلى أن انتهى إلى مصر، فقام فيه بعض المتعصبين إلى أن انتهت القضية للسلطان فكتب مرسوماً طويلاً، منه: بلغنا أن علي بن أيبك مدح النبي صلى الله عليه وسلم بقصيدة وأن علي بن العز اعترض عليه وأنكر أموراً منها التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والقدح في عصمته وغير ذلك وأن العلماء بالديار المصرية خصوصاً أهل مذهبه من الحنفية أنكروا ذلك، فتقدم بطلبه وطلب القضاة والعلماء من أهل المذاهب ونعمل معه ما يقتضيه الشرع من تعزير وغيره، وفي المرسوم أيضاً بلغنا أن جماعة بدمشق ينتحلون مذهب ابن حزم وداود ويدعون إليه، منهم القرشي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وابن الجائي والحسباني والناسوفي، فتقدم بطلبهم فإن ثبت عليهم منه شيء عمل بمقتضاه من ضرب ونفي وقطع معلوم، ويقرر في وظائفهم غيرهم من أهل السنة والجماعة وفيه وبلغنا أن جماعة من الشافعية والحنابلة والمالكية يظهرون البدع ومذهب ابن تيمية فذكر نحو ما تقدم في الظامرية، فطلب النائب القضاة وغيرهم فحضر أول مرة القضاة ونوابهم وبعض المفتين فقرأ عليه المرسوم، وأحضر خط ابن العز فوجد فيه قوله: حسبي الله، هذا لا يقال إلا لله، وقوله: اشفع لي، قال: لا يطلب منه الشفاعة، ومنها: توسلت بك، قال: لا يتوسل به، وقوله: المعصوم من الزلل، قال: إلا من زلة العتاب، وقوله: يا خير خلق الله، الراجع تفضيل الملائكة، إلى غير ذلك فسئل فاعترف ثم قال: رجعت عن ذلك وأنا الآن أعتقد غير ما قلت أولاً: فكتب ما قال وانفصل المجلس، ثم طلب بقية العلماء فحضروا المجلس الثاني وحضر القضاة أيضاً، وممن حضر: القاضي شمس الدين الصرخدي، والقاضي شرف الدين الشريشي، والقاضي شهاب الدين الزهري، وجمع كثير، فأعيد الكلام فقال بعضهم: يعزر، وقال بعضهم: ما وقع معه من الكلام أولاً كاف في تعزير مثله، وقال القاضي الحنبلي: هذا كاف عندي في تعزير مثله، وانفصلوا ثم طلبوا ثالثاً وطلب من تأخر وكتب أسماؤهم في ورقة، فحضر القاضي الشافعي، وحضر ممن لم يحضر أولاً: أمين الدين الأتقى، وبرهان الدين بن الصنهاجي، وشمس الدين بن عبيد الحنبلي وجماعة، ودار الكلام أيضاً بينهم، ثم انفصلوا ثم طلبوا، وشدد الأمر على من تأخر فحضروا أيضاً وممن حضر: سعد الدين النووي، وجمال الدين الكردي، وشرف الدين الغزي، وزين الدين بن رجب، وتقي الدين بن مفلح، وأخوه، وشهاب الدين بن حجي، فتواردوا على الإنكار على ابن العز في أكثر ما قاله ثم سئلوا عن قضية الذين نسبوا إلى الظاهر وإلى ابن تيمية فأجابوا كلهم أنهم لا يعلمون في المسمين من جهة الاعتقاد إلا خيراً، وتوقف ابن مفلح في بعضهم، ثم حضروا خامس مرة واتفق رأيهم على أنه لا بد من تعزير ابن العز إلا الحنبلي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 فسئل ابن العز عما أراد بما كتب؟ فقال: ما أردت إلا تعظيم جناب النبي صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره أن لا يعطى فوق حقه، فأفتى القاضي شهاب الدين الزهري بأن ذلك كاف في قبول قوله وإن أساء في التعبير، وكتب خطه بذلك، وأفتى ابن الشريشي وغيره بتعزيره، فحكم القاضي الشافعي بحبسه فحبس بالعذراوية، ثم نقل إلى القلعة، ثم حكم برفع ما سوى الحبس من التعزيرات، ونفذه بقية القضاة، ثم كتبت نسخة بصورة ما وقع وأخذ فيها خطوط القضاة والعلماء وأرسلت مع البريد إلى مصر، فجاء المرسوم في ذي الحجة بإخراج وظائف ابن العز، فأخذ تدريس العزية البرانية شرف الدين الهروي، والجوهرية على القليب الأكبر: واستمر ابن العز في الاعتقال إلى شهر ربيع الأول من السنة المقبلة. وأحدث من يومئذ عقب صلاة الصبح التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، أمر القاضي الشافعي بذلك المؤذنين ففعلوه. وفي الرابع من ذي القعدة طلب ابن الزهري شمس الدين محمد بن خليل الحريري المنصفي فعزره بسبب فتواه بمسألة الطلاق على رأي ابن تيمية وبسبب قوله: الله في السماء، وكان الذي شكاه القرشي فضربه بالدرة وأمر بتطويفه على أبواب دور القضاة، ثم اعتذر ابن الزهري بعد ذلك وقال: ما ظننته إلا من العوام لأنهم أنهوا إلى أن فلاناً الحريري قال كيت وكيت، حكى ذلك ابن حجي، وهذا العذر دال على أنه تهور في أمره ولم يثبت فلله الأمر. ومن اطرف ما يحكي عن المنصفي أن بعض الناس اغتم له مما جرى فقال: ما أسفي إلا على أخذهم خطي بأني أشعري فيراه عيسى بن مريم إذا نزل. وفيها كان الحاج بمكة كثيراً بحيث مات من الزحام بباب السلام أربعون نفساً أخبر الشيخ ناصر الدين بن عشائر أنه شاهد منهم سبعة عشر نفساً موتى بعد أن ارتفع الزحام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 وان شيوخ مكة ذكروا أنهم لم يروا الحاج أكثر منهم في تلك السنة، وكانت الوقفة يوم الجمعة بلا ارتياب عندهم، ولكن وقع للشيخ زين الدين القرشي أنه قيل عنه انه ضحى يوم الجمعة لأجل شهادة من شهد برؤية هلال ذي الحجة ليلة الأربعاء فلم يصم يوم الخميس وضحى يوم الجمعة، وشاع عنه أنه أمر بذلك فبلغ القضاة فشق عليهم ورفعوا أمره للنائب فطلبه النائب فتغيب ثم حضر واخبر بأنه لم يضح واعترف بأنه لم يصم احتياطاً للعبادة واستدل بأشياء تدل على قوة ما ذهب إليه وخالفه جماعة في ذلك وانفصل الحال، وكان استجار بالأمير تمرباي فأرسل إلى القضاة فكفوا عنه، ثم أحضر النقل من مصنف ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي أنهم كانوا يرون صوم يوم عرفة إلا أن يتخوفوا أن يكون يوم النحر وأنه أفطر لذلك الأمر وذكر لهم أن ابن تيمية نقل الإجماع أنه لا يعتبر بذلك الشك وأن هذا الأثر يرد عليه فعورض بأن الأخذ بالأثر المذكور يخالف مذهب الشافعي لعدم قوله بصوم يوم الشك من رمضان ولم يلتفتوا إلى الاحتياط المذكور. وفي شعبان انتهت زيادة النيل إلى إصبع من أحد وعشرين ذراعاً. وفي رمضان استعفى طشتمر الدويدار من نيابة صفد فأعفى وتحول إلى القدس بطالاً. وفيها استقر محمود شاد الدواوين وكان قبل ذلك استادار سودون باق. وفيها حججت مع زكي الدين الخروبي، وكانت وقفة الجمعة وجاورنا، فصليت بالناس في السنة التي تليها، وقد كنت ختمت من أول السنة الماضية واشتغلت بالإعادة في هذه السنة فشغلنا أمر الحج إلى أن قدر ذلك بمكة، وكانت فيه الخيرة. وفي تاسع شوال صرف بدر الدين بن فضل الله من كتابة السر بمصر، واستقر أوحد الدين عوضه فيها، وكان أوحد الدين موقع برقوق وله به معرفة قديمة فجازاه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 وفيه قدم الشيخ أبو زيد بن خلدون من المغرب فأكرمه السلطان. وفي ذي القعدة أسلم أبو الفرج الأسعد كاتب الحوائج خاناة فسماه السلطان: موفق الدين، وولاه نظر ديوان أولاده، وتقدم واشتهر ذكره. وفيها وقع بين الشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ بدر الدين بن الصاحب في الخشابية بجامع مصر بحث ألزمه فيه البلقيني بالكفر، فجرى بينهما كلام كثير وتولد منه شر كبير، فقام على ابن الصاحب جماعة وادعوا عليه عند المالكي، فسعى له آخرون عند اكمل الدين، حتى نقل القضية إلى القاضي الشافعي، وأقام مدة في الترسيم حتى حكم بحقن دمه، واستمر في وظائفه وعاش بعدها مدة. فحدثني بعض من سمع الشيخ سراج الدين يجهر بصوته بين القصرين وابن الصاحب مع الرسل الموكلين به سائراً مع البلقيني وهو يقول: يا معشر المسليمن! هذا كفر، فيقول ابن الصاحب: يا معشر المسلمين! هذا رأى الشيخ ذلك عدل إلى قوله: يا معشر المسلمين! هذا قال: غن نبيكم مت هو مدفون بالمدينة، وكان البحث بينهما في شيء من ذلك، وتعصب له جماعة منهم الفاضل محمد النحاس المصري فقال فيه: لبدر الدين بين الناس فضل ... فمذهبه الصحيح بلا اعوجاج. فأشرق في سماء العلم بدرا ... فأطفأ نوره نور السراج. وفي ذي القعدة توجه السلطان إلى بولاق التكرور فاجتاز من الصليبة وقناطر السباع وفم الخور، وكان عادة السلاطين قبله من زمن الناصر لا يظهرون إلا في الأحيان ولا يركبون إلا من طريق الجزيرة الوسطانية، ثم تكرر ذلك منه وشق القاهرة مراراً، وجرى على ما ألف في زمن الإمرة. وأبطل كثيراً من رسوم السلطنة، وأخذ من بعده بطريقته في ذلك إلى أن لم يبق من رسمها في زماننا إلا اليسير جداً. وفيه استسلم الظاهر أبا الفرج الذي استوزره بعد ذلك، وكان كاتب الحوائج خاناة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 واللحم، فاتفق أن المعلمين في اللحم ضجروا من تأخر حقهم، فغضب الظاهر على الوزير علم الدين سن إبرة وضربه وأمر بإحضار أبي الفرج فحضر وهو فزع فعرض عليه الإسلام فبادر إليه فلقبه موفق الدين وخلع عليه وأركبه فرساً بكنبوس ذهباً. وفيه هرب الطنبغا السلطاني نائب البلستين إلى سيواس. وفيها بنى السلطان قناطر بني منجا فأحكم عمارتها. وفيها غضب السلطان على قرط فظقر به فأهانه وصادره ونودي على ولده حسين، وذلك في ذي الحجة. وفيها ولي عبد الرحمن بن رشد المغربي المالكي القضاء بحلب عوضاً عن علم الدين القفصي. وفيها وقع الخلف بين أحمد بن عجلان صاحب مكة وبين الأشرف صاحب اليمن بسبب المحمل اليمني، فغضب الأشرف عليه ومنع التجار من الاجتياز عليه، فسافروا من جهة سواكن، فضاق ابن عجلان من ذلك فتشفع إليه حتى رضي عنه وأطلقهم. وفيها قتل حسين بن أويس اغتيالاً اغتاله أحمد بن أويس أخوه سلطان بغداد، وكان استنابه على البصرة وتوجه إلى تبريز فمالأ أحمد الأمراء عليه حتى قتل واستقل بالسلطنة. ذكر من مات في سنة أربع وثمانين وسبعمائة من الأعيان. أحمد بن أحمد بن أحمد بن فضل الله شهاب الدين بن عز الدين بن شهاب الدين، كاتب السر بطرابلس ثم بدمشق، وكان قد اشتغل ومهر، وكان مقداماً، مات في جمادى الأولى، ومات أبوه قبله بشهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الناصح عبد الرحمن الحنبلي، شهاب الدين بن تقي الدين، ولد سنة اثنتين وسبعمائة، وسمع من ابن مشرف والتقي سليمان وغيرهما، وله إجازة من جماعة، وكان له حانوت يبيع فيه القز بالصالحية، وكان مباشر الأوقاف، مات في المحرم وله اثنتان وثمانون سنة. أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن فضل الله، شهاب الدين بن بهاء الدين، كاتب السر بطرابلس ثم بدمشق، وكان قد اشتغل ومهر، مات في جمادى الأولى، ومات أبوه قبله بأشهر، وكان له اشتغال بالفرائض والعربية والأدب، وكان شهماً مقداماً، وعاش أبوه بعده نحو نصف شهر وقد باشر عن ولده كتابة السر. أحمد بن علي بن يحيى بن عثمان بن نحلة، شرف الدين الدمشقي، ولد سنة أربع وسبعمائة، وحضر على حسين الكردي وسمع من أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وأبي بكر بن النحاس وغيرهما وحدث، وكان من كبار العدول بدمشق تحت الساعات، ثم انقطع ببستانه، مات في رمضان وله ثمانون سنة. أحمد بن محمد بن خلف البهوتي المصري، سمع على الواني وحدث، وكان كثير التلاوة. أحمد بن موسى بن أحمد بن حسن بن يوسف بن محمود القاضي، شهاب الدين العينتابي الحنفي، والد القاضي بدر الدين محمود، رأيت بخط ولده أنه ولد في حدود سنة عشرين، وأنه كان يستحضر الفروع ويعرف أمور السجلات والمكاتيب، وأنه ناب في الحكم نحواً من ثلاثين سنة، وأنه مات في رجب هذه السنة، وقدم ولده بدر الدين محمود إلى القدس سنة ثمان وثمانين وله من العمر ستة وعشرين سنة فصادف الشيخ علاء الدين السيرامي يزور القدس فقدم معه إلى القاهرة فنزله في الظاهرية ثم جعله خادماً بها، فلما مات العلاء أخرجه جركس الخليلي بسبب عرض له ثم صحب جكم بعد موت الظاهر فسعى له في الحسبة فوليها في أول ذي الحجة سنة إحدى وثمانمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 أمير غالب بن أمير كاتب بن أمير عمر بن العميد بن أمير غالب الفارابي الاتقاني، همام الدين بن قوام الدين، اشتغل قليلاً بالشام، وكان بزي الجند، وله أقطاع ثم ولي الحسبة في ذي الحجة سنة تسع وسبعين فبدت منه عجائب، ثم ولي قضاء الحنفية سنة ثمانين وانتزع التداريس من علماء الحنفية، وكان مع فرط جهله وقلة دينه جواداً سليم الصدر، ويحكى عنه أحكامه أشياء تشبه ما يحكى عن قراقوش وأطم حتى أنه حلف امرأة ادعت وحكم على المدعي عليه أنه يدفع لها ما حلفت عليه، وحكى لي عنه ابن الفصيح وكان نقيباً عنده مساوي من الإسراف على نفسه، وكان ابن جماعة يحكي عنه أنه قدمت له قصة فيها فلان له دعوى شرعية على شخص يسمى أسد فكتب إن كان وحشياً فلا يحضر مات في جمادى الأولى أو ربيع الأول عن خمسين سنة. إياس الصرغتمشي، تنقلت به الأحوال إلى أن صار دوادار مخدومه، ثم نفي بعده إلى مصنات ثم أعاده يلبغا وجعله مقدم المماليك، ثم جعله سندمر دواداره، ثم رتبه الأشرف لولده على دويدارا ثم نقل إلى الحجوبية وأضيف إليه نظر الأوقاف في السنة الماضية فاستمر فيها إلى أن مات في ربيع الآخر، واستقر بعده سودون الشيخوني. أمين الدين الحنبلي الحلبي، كان فاضلاً في مذهبه كثير الاستحضار جداً مشهوراً بالعلم والديانة، اتفق أنه في أواخر عمره استغاث به شخص فنزل إليه من بيته فضربه بسكين فقتله وقتل قاتله في الحال. حسين بن أويس بن الشيخ حسن النوين بن حسين بن آقبغا بن ايلكان بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 القان، غياث الدين، ولي السلطنة بالعراق بعد أبيه، واستخلف أخاه أحمد على البصرة، فلما اختلف عليه الأمر وتوجه من بغداد إلى تبريز توجه أحمد ومالأ الأمراء حتى اغتال أخاه حسيناً بتبريز وقام بالسلطنة وذلك في صفر ربيع الآخر، وكان شهماً شجاعاً حسن السياسة. زبالة البارقاني، نائب قلعة دمشق، تنقل في الولايات، وكان مشكور السيرة متواضعاً، مات في شعبان وقد جاوز السبعين. صالح بن إبراهيم بن صالح بن عبد الوهاب بن أحمد بن أبي الفتح بن سحنون التنوخي الحنفي، تقي الدين بن خطيب النيرب، ولد سنة عشرين أو قبلها، وحضر على زينب بنت ابن عبد السلام مسند انس للحنيني، ثم سمعه عليها وعلى أبي بكر بن عسر من لفظ البرزالي وغيرهم وحدث، وكان يشهد عند جامع تنكز، وفيه انجماع وسكون، مات مطعوناً في جمادى الأولى. عباس بن عبد المؤمن بن عباس الكفرماوي الحارمي، قاضي جبة عسال، ولد قبل العشرين، وحضر عند الشيخ برهان الدين بن الفركاح، واشتغل قديماً، وولاه السبكي الكبير قضاء الخليل، وسمع من الجزري وابن النقيب وحدث، وتولى عدة بلاد، ثم ناب بدمشق عن ولي الدين بن أبي البقاء، ثم ولي قضاء صفد في رمضان سنة ثمانين ومات في رجب. عبد الله بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن راجح، موفق الدين، كان شاباً ذكياً ملازماً للدرس، ومات شاباً بعد والده بسنة. عبد الله بن محمد الصفدي ثم الدمشقي، شاهد الحكم للحنفية، مات في ربيع الأول، وكان مشكور السيرة. عبد الله بن موسى بن علي الجبرتي، جمال الدين الفقيه الزاهد، مات في رمضان بالشام، وكان رجلاً صالحاً. عبد الرحمن بن حمدان، العينتابي زين الدين، ولد بعينتا من نابلس، وقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 الشام لطلب العلم، فتفقه بابن مفلح وغيره، وسمع من جماعة، وتميز في الفقه، واختصر الأحكام للمرادي مع الدين والتعفف. عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن التقي سليمان المقدسي الحنبلي، ولد سنة اثنتين وثلاثين، وتفقه بابن قاضي الجبل وغيره، وسمع من جماعة، وولي دار الحديث الأشرفية بالجبل، وناب عن ابن قاضي الجبل قليلاً، ومات في ذي الحجة. عبد العزيز بن عبد المحيي بن عبد الخالق الأسيوطي، عز الدين المصري، سمع علي الدبوسي وغيره، وعني بالفقه، ودرس في حياة ابن عدلان، ويقال إن الشيخ سراج الدين قرأ عليه في بداية أمره، وتفقه به جماعة، ومات في ذي الحجة وجاوز الثمانين. عبد الكريم بن محمود بن علي بن إبراهيم، جلال الدين القيصري، شيخ خانقاه خاتون بدمشق، كان معروفاً بالكرم، وحج في هذه السنة ورجع مع أمير الحاج المصري، فمات في أواخر ذي الحجة. عبد الوهاب بن أحمد بن علم الدين بن محمد بن أبي بكر الأخنائي، بدر الدين بن كمال الدين الشافعي ثم المالكي، ولي القضاء، وحدث عن صالح الأشهى وعبد الغفار السعدي وغيرها، وعزل في أواخر عمره سنة تسع وسبعين فأقام معزولاً، ثم حج وجاور في الرجبية سنة ثلاث وسبعين، ثم رجع فتوعك إلى أن مات في سادس عشر رجب، وكان عزل سنة تسع وسبعين بالبساطي. علي بن تمربغا التركي، ابن نائب الكرك، كان شجاعاً عارفاً بفنون الحرب كلها، مات هو وابنه محمد في ليلة واحدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 علي بن عمر بن محمد بن الشيخ تقي الدين محمد بن علي القشيري، علاء الدين، موقع الحكم، وكان كبير اللحية وفيه يقول الشاعر: لعلاء الدين ذقن ... تملأ الكف وتفضل. فاعمل الغربال منها ... لدقيق العيد وانخل. مات في صفر. عمر بن علي بن أبي بكر بن الفوي، زين الدين، خطيب طرابلس، ولد سنة ست وعشرين وكان يقرأ الصحيح قراءة حسنة، ويفهم الحديث، وله عناية يضبط رجاله، مات في المحرم بحماة وقد جاوز الستين. غازي بن محمد بن أحمد بن عمر الشراريبي، الفلاح، نزيل المزة، جاوز المائة فقرؤوا عليه بإجازته العامة عن الفخر علي، وكان جلداً قوي الهمة، يدور البلد ويسأل الناس، مات في جمادى الأولى. قيس بن يمن بن قيس الصالحي، البياع، سمع من أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم ويحيى بن سعيد وجماعة وحدث، مات في ذي الحجة. محمد بن إبراهيم بن راضي الصلتي، شمس الدين، ولد سنة عشر، واشتغل وقرأ كتباً، ثم قدم دمشق فاشتغل بالشامية، ثم دخل مصر بعد السبعين وولي القضاء بقوص وغيرها، ثم رجع، ومات بمصر في المحرم وقد جاوز السبعين. محمد بن إبراهيم الجرماني ثم الدمشقي، ولد قبل الأربعين، وسمع الحديث من جماعة، وتفقه بابن مفلح وغيره حتى برع وأفتى، كان إماماً في العربية مع العفة والصيانة والذكاء وحسن الإيراد، مات في شوال. محمد بن إبراهيم جمال الدين بن الجلاد الزبيدي، أحد المباشرين بتلك البلاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 محمد بن أحمد بن يحيى بن فضل الله، نجم الدين العدوي، كبير الموقعين بدمشق، وقد سمع من محمد بن أبي بكر بن عبد الدائم وغيره، ومات في شوال، وكان له مند ولي توقيع الدست ثلاثين سنة وساء. محمد بن طريف، الشيخ شمس الدين الغزي، كان يذكر بالخير والصلاح، مات في ذي الحجة. محمد بن عبد الله الأرزكاني، شرف الدين، أحد فضلاء العجم، شرح المشارق والكشاف، وانتفع به أهل تلك البلاد، وكان قدم الشام قبل الثمانين أيام أبي البقاء، وقرأ عليه الكشاف وغيره، وقد نقل عنه الشيخ شمس الدين بن الصائغ في شرحه للمشارق شيئاً كثيراً. محمد بن محمد بن أحمد بن سليمان القفصي، حضر علي الحجار في الرابعة سنة ثمان وعشرين، وكان بزي الجند، وهو والد القاضي علم الدين القفصي الذي ولي قضاء المالكية. محمد بن محمد بن عبد الله بن الحاسب، موفق الدين بن فخر الدين المقدسي، سبط الشيخ صلاح الدين بن أبي عمر، اشتغل وحفظ المقنع، وكان يستحضره، وكان خيراً متواضعاً، مات في ربيع الآخر. محمد بن محمد بن علي بن يوسف الأسناوي، الخطيب جمال الدين، قدم مصر سنة إحدى وعشرين، وسمع علي الحجار، وتفقه بالقطب السنباطي وابن القماح وابن عدلان وغيرهم، وأخذ العربية عن أبي الحسن والد شيخنا سراج الدين بن الملقن، ودرس وأفتى، وشرح التعجيز في الفقه، وناب في الحكم، وكان عالماً خيراً ذا مهابة وصيانة وعفاف قائماً بالحق حتى أنه كتب على قصة سئل فيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 أن يحضر يلبغا وهو إذ ذاك صاحب المملكة يحضر أو وكيله فلما وقف عليها يلبغا عظم قدره عنده، ويقال: إن ذلك كان بطريق الامتحان من يلبغا، وأنه لما أن جاءه الرسول قال له: " قل له: إني أصالح غريمي " فقال الرسول: " والله ما أقدر إلا أن تروح معي أو وكيل أو الغريم يقول: قد أرضيت فأعجبه ذلك ودفع للرسول ألف درهم، وأرسل إلى القاضي ذهباً وبغلة، فرد ذلك، فاشتد اغتباطه به وعاتقاده فيه، وكان في سمعه ثقل بأخرة ولذلك يقال له: الأطروش، مات في ثامن ربيع الأول. محمد بن محمد بن ناصر بن أبي الفضل، الفراء الحمصي ثم الحلبي، المعروف بابن رياح، ويعرف أيضاً بالقيم وبالفقيه، ولد بحمص سنة ست وسبعمائة. وكان يحفظ القرآن ويتعانى التجارة في الفراء، وكان مشكوراً في صناعته، وحدث بصحيح البخاري عن ابن الشحنة وكان سماعه منه سنة سبع عشرة بحمص، ومات في جمادى الآخرة في السنة. محمد بن محمد بن الكامل، ناصر الدين بن صلاح الدين، مات في رمضان بدمشق. محمد بن محمد بن يوسف المرادي، شرف الدين الحنبلي، سبط القاضي جمال الدين، ولد قبل الأربعين، وأخذ عن جده، ونخرج بابن مفلح، وسمع الحديث من جماعة، ولم يكن بالصين، مات في ربيع الآخر. محمد بن النظام محمود، جلال الدين، إمام منكلي بغا، كان عارفاً بالفقه والأصول والعربية والنظم. أخذ عن بهاء الدين الإخميمي وأبي البقاء، وتصدر بالجامع، وكان بزي الجند، مات في رمضان، وكان يعرف قديماً بابن صاحب شيراز، وحفظ الحاوي الصغير وغير ذلك. مفتاح الزيني السبكي، مولى زين الدين عبد الكافي، والد تقي الدين السبكي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 كان تقي الدين يركن إليه وكلمته نافذة عنده، وسمع مع أولاده من زينب بنت الكمال وغيرها وحدث، مات في جمادى الآخرة. همام الدين، هو أمير غالب، تقدم. شمس الدين بن غراب، الكاتب القبطي، مات في صفر، وهو والد سعد الدين الذي بلغ الرتبة في الآمرية. كريم الدين عبد الكريم بن عبد الله بن الرويهبة القبطي المصري، ولي الوزارة ثلاث مرات وغيرها، وقد تقدم شرح حاله في الحوادث. جهان طيي، الجحفلية، والدة الملك الأشرف، قامت بتدبير أمر ولدها قبل أن يترعرع، وكانت حسنة التدبير كثيرة العطاء والإحسان إلى العسكر والتقرب من قلوب الرعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 سنة خمس وثمانين وسبعمائة فيها في المحرم حضر يلبغا الناصري نائب حلب إلى القاهرة، فخرج سودون النائب إلى ملتقاه في أكثر العسكر، فحضر الموكب بدار العدل، فخلغ السلطان عليه استقراراً، وركب عن يمينه أيتمش وعن يساره الجوباني، ثم توجه إلى بلاده في عاشر الشهر. وفيها طلب السلطان شمس الدين إبراهيم القبطي، المعروف بكاتب أرلان، فعرض عليه الوزارة فامتنع، فألزمه، فاشترط شروطاً كثيرة أجيب إليها حتى وضع السلطان يده على يد نفسه وقال للأمراء: انظروا إلى يد الوزير فقد جعلتها فوق يدي مبالغة منه في تنفيذ كلمته، فسلك في وزارته مل لم يسلكه أحد قبله في الضبط وترك القبط في أضيق من سم الخياط ودقق عليهم الحساب، ولم يتناول من الرواتب غير شيء يسير جداً، ولم يزل يسوس القضايا إلى أن حصل في بيت المال جملة كثيرة جداً مع تغليق المعاملين وتقديم رواتب المماليك وجوامكهم، وفتح الطواحين بمصر بعد أن كانت مغلقة، وأعاد المخابز السلطانية، وملأ حواصل الحوائج خانات من جميع الأصناف، وكان إذا ركب ركب وحده ولا يترك أحداً يركب معه لا مقدم ولا غيره، وجرى بينه وبين ناظر الخاص ابن البقري وجركس الخليلي مشير الدولة منازعة ومفارضة آل أمره فيها إلى أن منع السلطان الخليلي من الكلام في الدولة، ولما استقر في الوزارة لم يلبس ما جرت به عادة الوزراء يلبسه من القبع الزركش والعنبرية وغير ذلك. وقرر علم الدين الحزين مستوفي الدولة عوضاً عن أمين الدين ابن حنيص. وفي صفر وصل رسل بغداد أحمد بن أويس، فأحضروا بدار العدل وقدموا هديتهم فخلع عليهم وأنزلوا بدار الضيافة. وفيه أفرج عن الأمير قرط، فتوجه إلى بيته بطالاً. وفيه وقعت بين قبلاي نائب الكرك وخاطر أمير العرب بها مقتلة، فانكسر قبلاي وخلص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 خاطر من كان قبلاي أمسكه قبل ذلك منهم، ثم تحيل قبلاي على خاطر إلى أن حضر عنده فذبحه ولده غدراً. وفيها حضر سالم الدوكاري التركماني إلى نائب حلب طائعاً فأمره السلطان بإرساله إلى مصر، ولم يكن أطاع ملكاً قبله. وفي جمادى الأولى نزل السلطان إلى النيل فخلق المقياس وكسر الخليج بحضرته، ولم يباشر ذلك بنفسه سلطان قبله من زمن الظاهر بيبرس. وفيها أمر السلطان جمال الدين المحتسب أن يتحدث في الأوقاف الحكمية فتحدث فيها فشق ذلك على القاضي الشافعي فتحدث مع أحد الدين فراجع له السلطان فقال: أنا ما وليت جمال الدين وعزلت الشافعي وغنما أمرته أن يتحدث معه في عمارة ما تهدم، ثم شافه السلطان القاضي بذلك وقال له: أنت الناظر وهذا ينوب عنك في ذلك، فسأله المحتسب أن يكون الأمير قديد معه في العمارة، وبالغ من بيده شيء من الأوقاف في إصلاحه خوفاً من الغهانة، وفي ذلك يقول شهاب الدين بن العطار: يا من أكلتم من جني أوقافنا ... لحماً طرياً فاصبروا لقديد. وفيه عمل أهل برمة وهم نصارى عرساً بالمغاني والملاهي على عادتهم فقام المؤذن يسبح على العادة فأنزلوا، فبلغ ذلك الخطيب فانتصر للمؤذن وساعده الإمام فأهانهما أهل البلد، فتوجهوا إلى القاهرة وشكوا الأمر للنائب، فأرسلهم إلى صاحب برمة وهو جركس الخليلي فضرب الثلاثة وحبسهم، فبلغ ذلك السلطان من جهة ناصر الدين بن الميلق الواعظ فتغيظ على الخليلي وأمره بإطلاقهم وإنصافهم من غرمائهم، فأحضر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 برمة جماعة من المسالمة فشهد عليهم بالزندقة، فضرب القاضي المالكي رقاب ستة أنفس، وسر المسلمون بذلك، وقد قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه أن ابن خير حكم بضرب رقابهم بحضور القضاة فضربت في المجلس وكان سودون النائب حاضراً بين القصرين، قال: ثم قام بعض المالكية وادعى أنه خالف مذهبه وبالغ في التشنيع يعني ابن جلال الدميري وجرى على ابن خير ما لا خير فيه، ثم إنه استفتى أهل العلم الموجودين قي ذلك الوقت فأفتوا بتصويب فعله وانتصر على خصمه. وفي جمادى الآخرة نازل الفرنج بيروت في عشرين مركباً، فراسلوا نائب الشام فتقاعد عنهم واعتل باحتياجه إلى مرسوم السلطان، فقام إينال اليوسفي فنادى الغزاة في سبيل الله، فنفر معه جماعة فحال بين الفرنج وبين البحر وقتل بعضهم، ونزل إليه بقية الفرنج فكسرهم وقبض من مراكبهم ستة عشر مركباً، فسر المسلمون بذلك سروراً عظيماً، ولما بلغ السلطان قبل ذلك تحرك الفرنج جهز عدة أمراء لحفظ الثغور من الفرنج كرشيد ودمياط وغيرهما، فلما توجهوا إلى بيروت وكسروا بها حصلت الطمأنينة منهم، وممن توجه من المطوعة القاضي المالكي ومعه المغارية والشيخ شمس الدين القونوي ومعه خلائق من المطوعة، ثم جمع القاضي الشافعي جمعاً من الفقهاء وتوجه، وكان الفرنج قد دخلوا صيداء فوجدوا المسلمين قد نذروا بهم فأحرزوا أموالهم وأولادهم بقرية خلف الجبل، فوجد الفرنج بعض أمتعتهم فنهبوها وأخذوا ما وجدوا من زيت وصابون وأحرقوا السوق وقصدوا بيروت فتداركهم المسلمون، ثم وصل النائب وانكسر الفرنج بحمد الله تعالى، ثم عاد الفرنج إلى مباهلة بيروت فطرقوها في شعبان، فتيقظ لهم أهلهم فحاربوهم وراموهم، ونزل طائفة من الفرنج فوجدوا بالساحل خمسة عشر نفساً فقتلوهم، ثم قتل من الفرنج جماعة، فوصل النائب من دمشق بعد انقضاء الوقعة ورجوع الفرنج بغيظهم لم ينالوا خيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وفيها ابتدأ الأمير أيتمش بإنشاء مدرسته التي بالقرب من القلعة. وفي صفر عزل القاضي الحنفي بدمشق نوابه بسبب بدر الدين القدسي، ثم أعاد واحداً منهم وهو تقي الدين الكفري، فشاع الخبر أن النائب تعصب للكفري وكاتب فيه ليلى القضاء استقلالاً ثم وصل الخبر بذلك واستقر في ربيع الأول. وفيها أراد جماعة القيام على السلطان ونزعه من الملك وساعدهم على ذلك الخليفة المتوكل وغيره، فبلغه ذلك فأمسك الخليفة وسجنه وخلعه من الخلافة فوضها لقريبه عمر بن إبراهيم بن الواثق، ورتب له ما كان للمتوكل، ولقب الواثق، أو المستعصم، وسمرقرط بن عمر الكاشف وإبراهيم بن قطلقتمر وغيرهما وكان الذي نم عليهم بذلك صلاح الدين محمد بن محمد بن تنكز وأخبره بأنهم اتفقوا مع الخليفة وجمعوا ثماني مائة نفس وتواعدوا على قتل السلطان إذا نزل للعب الكرة بالميدان، وقيل إن بدر بن سلام كان وافقهم على ذلك فأرسل السلطان لما سمع بذلك إلى سودون النائب فأخبره بما قيل فبرأهم من ذلك وقال: إن الخليفة رجل عاقل لا يصدر منه شيء من ذلك، فأمر السلطان بإحضاره، وإحضار قرط وإبراهيم بن قطلقتمر فقررهم على ما بلغه، فأنكروا فشدد على قرط وهدده فأقر فالتفت إلى الخليفة فقال: ما يقول هذا؟ قال: يكذب، ثم قرر السلطان إبراهيم بن قطلقتمر فأقر بنحو ما أقر به قرط فسأل الخليفة فأنكر، فجعل إبراهيم يحاققه ويذكر أمارات وهو مصر على الإنكار إلى أن غضب السلطان وسل السيف وأراد ضرب عنقه فحال بينهما سودون النائب، ثم أمر بتسمير الثلاثة، فقال له سودون النائب: متى سمرنا الخليفة رجمتنا العامة، فوافقه بعض من حضر، ثم عقد مجلس بالعلماء والقضاة فلم يصرح أحد منهم بوجوب قتل أحد من المذكورين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 فانفصل المجلس وحبس الخليفة في القلعة وقيد بقيد ثقيل وأمر بتسمير قرط وإبراهيم فتسلمها حسين بن علي الكوراني والي القاهرة فطاف بهما مصر والقاهرة، ثم استأذن عليهما العصر فأمر بتوسيطهما فوسط قرط، ثم وقعت الشفاعة في إبراهيم فحبس بالخزانة وحبس معه حسين بن قرط بن عمير. وفيها خرج سلام بن التركية مع العرب بالوجه البحري، وتوجهوا إلى جهة الفيوم ومعهم إبراهيم بن اللبان، وكان يوقع عند بعض الأمراء فاتفق مع الذين أرادوا الخروج على السلطان، وأشعر بهم العرب وأظهر للعرب أنه قريب الخليفة وتعمم بزي الخليفة فهرعوا إليه، فصار يأمر وينهى، فجهز السلطان إليهم أربعة أمراء، فلما بلغهم ذلك توجهوا إلى جهة الصعيد وتبعوهم، وكان ما سيأتي ذكره. وفيها حصر أبو العباس بن أبي سالم المريني مدينة تادلة وخرب قصرها، ثم ملك مراكش وعاد إلى فاس، وخرج لغزو أبي حمو بتلمسان ففر عنه. وفيها زاد النيل زيادة عظيمة إلى أن تهدمت به بيوت كثيرة وانفتح مقطع بالزريبة فبادر إليه أيدكار الحاجب وحسين الوالي فأحضروا المراكب وسدوه بأبواب وصواري وأخشاب فلم ينسد إلا بعد أيام، ورتب السلطان جماعة من الأمراء والمماليك بالإقامة بجوانب البحر والخلجان لحفظ الجسور. وفيها حضر رسل صاحب سنجار، ورسل صاحب قيسارية، ورسل صاحب بتكريت بهداياهم، وتضمنت كتبهم سؤال السلطان أن يكونوا تحت حكمه ويخطبوا باسمه، فاجيب سؤالهم وكتب لهم بذلك تقاليد، وخلع على رسلهم. وفيها قبض على سعد الدين بن البقري ناظر الخاص، وذلك في تاسع رمضان، واتفق أنه كان في بيته عرس بعض بناته، وقد تجمع عندهم النساء بالحلي والحلل، فأحيط بهم، ولم يسمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 بمثل كائنته، ونهب جميع ما عنده، وأهين هو وضرب بالمقارع بحضرة السلطان، وباع موجوده إلى أن بلغ ما حمل من منزله ثلاثمائة ألف دينار وأمر السلطان الوزير أن يباشر نظر الخاص فامتنع وأصر، فاستقر في نظر الخاص أبو الفرج موفق الدين الذي تقدم ذكر إسلامه قريباً، ثم أعيد الضرب على ابن البقري في ذي القعدة فضرب تحت رجليه ثلاثمائة عصى وعلى ظهره مقترح مثلها وعلى إسته مثلها، وصار من شدة الضرب يمرغ وجهه في الحصباء إلى أن أثر ذلك في وجهه أثراً لم يزل إلى أن مات بعيد دهر طويل وأثر ذلك ظاهر فيه. وفي رجب جدد للمحمل ثوب أطلس معدني وصبغ وعمل عليه رنك السلطان، وذلك بعناية الخليلي، وفيه دخل السلطان المارستان المنصوري بين القصرين وعاد المرضى وسأل عن أحواهم. وفي شوال أطلق إبراهيم بن قطلقتمر فأرسله السلطان إلى والده، وشفع سودون في الخليفة ففك قيده، ثم في ذي الحجة أسطن في بيت الخليلي بالقلعة، وأذن لعياله في الاجتماع به. وفي رمضان أمر السلطان بإطلاق من في الحبوس من اهل الديون وقام جركس الخليلي في المصالحة بينهم. وفي صفر ولي مسعود قضاء حلب، وعزل ابن أبي الرضا، فباشر خمسة أشهر ثم رافعوه، فعزل وحبس بالقلعة. وفيها استقر برهان الدين بن جماعة في قضاء الشام بعد موت ولي الدين بن أبي البقاء، وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه أنه استقر فيه مع وظائفه التي بالقدس فاستناب فيها وباشر القضاء بدمشق بعظمة ورئاسة، واشترى بها بستاناً بالمزة، وصرف على عمارته مالاً كثيراً، ووقع بينه وبين إينال اليوسفي فانتصر البرهان انتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 وذكر لي غيره أن البرهان كان حضر من القدس إلى دمشق ثم رجع فوصل كتاب السلطان إلى نائب الشام بيدمر يذكر فيه أنه يعرض منصب القضاء على البرهان فإن أجاب ألبس الخلعة التي صحبة البريدي، فأرسل إليه بيدمر البريدي فرجع من مرحلتين وعرض عليه ذلك فأجاب وقال لو ولاني السلطان قضاء قرية لقبلتها، وكان سبب ذلك ما تقدم من الإشاعة عنه التي أوجبت عزله أنه لا يوافق على تولية برقوق السلطنة، فألبسه بيدمر الخلعة واستأذنه في التوجه للقدس فأذن له فتوجه مسرعاً وخطب بهم خطبة وداع ورجع هو وأهله فأقام بدمشق إلى أن مات، ويقال إنه لم يجد في المودع الحكمي شيئاً فما زال بحسن سياسته ونزاهته وعفته إلى أن امتلأ ووجد فيه لما مات جملة من الأموال النقد وغيره. وفيها اشترى السلطان أيتمش البجاسي من ورثة جرجي أستادار بجاس، وذلك أن أستاذه بجاس مات قبل أن يعتقه واستحق ميراثه ورثة أستاذه جرجي فصار أيتمش مرقوقاً لهم، فسأل السلطان في شراه منهم فاشتراه منهم بمائة ألف درهم، ثم أعتقه وأمر له بأربعمائة ألف درهم وعد ذلك من الغرائب فإن جرجي مات سنة اثنتين وسبعين، فأقام أيتمش سبع عشرة سنة في الرق يتصرف الأحرار إلى أن صار أكبر الأمراء بالديار المصرية. وفيها فوض أمر نقابة الأشرف والنظر عليهم لعبد الرحيم الطباطي، وكان القاضي الشافعي قبل ذلك ينظر فيه. وفيها خرج سعد الدين بن أبي الغيث صاحب ينبع على ركب المغاربة بوادي العقيق وطلب منهم مالاً، فتكاثروا عليه وقيدوه، فقام العرب الذين كانوا معه فقاتلوهم فقلت بينهم مقتلة عظيمة، ثم جاء التكرور فساعدوا المغاربة فكثرت القتلى، ونهبت من المغاربة والتكرور أموال عظيمة، فبلغ ذلك بهادر أمير المحمل فقام في لم شعث هذه القضية وتسكين هذه الفتنة إلى أن هدأت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 وفيها خرج زامل النووي على ركب العراق في ثمانية آلاف نفس فنهبهم ومنعهم من التوجه إلى مكة حتى جبوا له عشرين ألف دينار عراقية. وانسلخت هذه السنة ومضت في غاية الرخاء حتى بيع اللحم الضأني السليخ بثمانين درهماً القنطار، والبقري بخمسين درهماً القنطار، والسمن بستة عشر القنطار، والقمح من ثمانية إلى خمسة عشر الإردب، والشعير من ستة إلى ثمانية الإردب. وفيها وقع بين نعير بن حيار بن مهنا وابن عمه عثمان بن قارا فتنة، فساعد يلبغا الناصري عثمان فكسر نعير ونهبت أمواله حتى قيل إن جملة ما نهب له ثلاثون ألف بعير. وفيها سار يلبغا الناصري بالعساكر الحلبية وبعض الشامية إلى جهة التركمان فنازلوا أحمد بن رمضان التركماني فتواقعوا عند الجسر على الفرات، فانكسر التركمان وأسر إبراهيم بن رمضان وابنه راشد، فوسطهم يلبغا الناصري، ثم تجمع التركمان وواقعوا الناصري عند أذنة فانكسر العسكر وقلعت عين الناصري وجرح، ثم تراجع العسكر ولم يفقد منه إلا العدد اليسير فطردوا التركمان إلى أن كسروهم، فغدر التركمان بنائب حماة وبيتوه، فانهزم، ثم ركب يلبغا الناصري فهزمهم. وفيها حضر نصراني القاضي ولي الدبن بن أبي البقاء بدمشق فاعترف بأنه أسلم ثم ارتد وسأله بأن يضرب عنقه، فهم بذلك، فلما رأى القتل أسلم، ثم ارتد فحمل إلى المالكي فضرب عنقه بدمشق في صفر. وفيها قبض على بيدمر نائب الشام وحبس بصفد، وفيه يقول الشاعر: نائب الشام قد نفى ... صفدا بعد ما اجتهد. والشيطان لم تزل ... بعد شعبان في صفد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وفيها مات سيف الدين الحبى صاحب جزيرة ابن عمر في رجب، واستقر بعده أخوه عز الدين أحمد، وعلي طنزة ولده عبد الله بن سيف الدين وعلي فيل ولده أبو بكر. وفيها أوقع العادل صاحب الحصن بالزرقية، وأعانه على ذلك جمع من النجمية وغيرهم. ذكر من مات في سنة خمس وثمانين وسبعمائة من الأكابر. إبراهيم بن خضر بن عبد الله المقدسي ثم الدمشقي، برهان الدين، كان مؤذناً ببيت المقدس، ثم قدم دمشق، وأخذ عن الشيخ صدر الدين بن منصور، وصحب إسندمر نائب الشام، فلما مات ابن الربوة ولاه خطابة جامع يلبغا لأنه كان الناظر عليه لكونه أخا الواقف، ثم نزل عنه لولده تقي الدين فنازعه شمس الدين الكفري ثم اشتركا وانفرد المقدسي بالإمامة إلى أن مات، وكانت وفاة إبراهيم برهان الدين في سادس عشر ذي القعدة. إبراهيم بن رمضان التركماني، كان مقدماً على العساكر لما واقعهم عسكر حلب مع يلبغا الناصري كما مضى في الحوادث، وكان من تحت يد أخيه أحمد بن رمضان في ثالث العشرين من ذي الحجة. إبراهيم بن عبد الله، المعروف بابن الفار بالفاء وبتشديد الراء الكركي، كان من الزهاد العباد حسن الآداب، صحبه ناصر الدين بن الغرابيلي ولم يزل معه حتى مات في هذه السنة. إبراهيم بن علي الصرخدي، برهان الدين، ناب في الحكم بحلب ثم دمشق، ومات في رمضان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 أحمد بن عبد الله التهامي، شهاب الدين، قاضي الشرع بزبيد، قضى بها نيفاً وخمسين سنة، ومات في جمادى الآخرة. أحمد بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الكلبي، أبو بكر بن جزي، أجاز له أبو عبد الله بن رشيد وابن ربيع وابن برطال ومن مصر الحجار وابن جماعة، وسمع من الوادياشي وابن الزيات وأبي عبد الله بن سالم وأبي بكر بن مسعود وغيرهم، وكان عالماً بالفقه والفرائض والعربية والنظم، وشرح الألفية وغيرها، وولي الخطابة بغرناطة والقضاء بها، ونظمه سائر كأبيه. أحمد بن محمد بن عمر بن الخضر بن مسلم الدمشقي، شهاب الدين الحنفي، المعروف بابن خضر، ولد سنة ست وسبعمائة، كان يدري الفقه والأصول، ودرس بأماكن، وسمع من عيسى المطعم والحجار وغيرهما، وكان فاضلاً، حدث بدمشق، ومات بها في رابع عشر رجب عن ثمانين سنة بنقص يسير، وكان جلداً قوياً، ولي إفتاء دار العدل بدمشق وهو أول من وليه، وشرح الدرر للقونوي في مجلدات. أحمد بن بحي بن مخلوف بن مري بن فضل الله بن سعد بن ساعد، شهاب الدين الأعرج السعدي، اشتغل بالعلم، وتعاني الأدب ونظم الشعر وهو صغير، وأدب الأطفال، ومن الاتفاق الذي وقع أنه أنشد لما ماتت أم الأشرف وهي إذ ذاك زوج الجاي اليوسفي: ماتت أم الأشرف: فالله يرحمها ويعظم أجره ... ويكون في عاشور موت اليوسفي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 فاتفق أن كان ذلك في سنة ست وسبعين، وهو القائل: وكيف يروم الرزق في مصر عاقل و ... من دونه الأتراك بالسيف والترس. وقد جمعته القبط من كل وجهة ... لأنفسهم بالربع والثمن والخمس. فللترك والسلطان ثلث خراجها ... وللقبط نصف والخلائق في السدس. وله في علم الدين صالح لما مات: على كل ميت إذ يموت نوادب ... وما ثم من يبكي على موت صالح. فإن جميع الناس سروا بموته ... سرور ثمود يوم ناقة صالح. أرغون دوادار طشتمر، مات بحمص. إسماعيل بن محمد بن بردس بن نصر بن بردس بن رسلان البعلبكي، المحدث الفاضل، ولد سنة عشرين، وسمع من القطب اليونيني وطائفةوعني بالحديث ورحل في طلبه إلى دمشق فأخذ عن مشايخها وقرأ بنفسه، وكتب الكثير، ونظم النهاية لابن الأثير في غريب الحديث، ونظم طبقات الحفاظ للذهبي وخرج، وألقى المواعيد وحدث، وتخرج به جماعة، ومات في العشر الآخر من شوال. أمة العزيز بنت الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، حضرت على عيسى المطعم وغيره، وسمعت من الحجار وجماعة وحدثت. أيدمر بن صديق الخطائي، عز الدين، أخو طغيتمر النظامي، كان أحد الأمراء الكبار بالقاهرة، مات مجرداً بالقاهرة. بلاط الصغير، أحد أكابر الأمراء بطرابلس، مات في جمادى الأولى. تمرباي بن عبد الله التركي الحسني، نائب صفد، كان أحد الأمراء الكبار بالقاهرة، تقدم عند الأشرف، وتنقل في الولايات والنيابات، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 قال ابن حجي: كان شاباً، عنده شهامة، ومات وهو نائب صفد بغتة. حسن بن منصور بن ناصر، بدر الدين الزرعي، ناب في الحكم عن تاج الدين السبكي ومن بعده، وكان أبوه قاضي نابلس فأرسله إلى القدس ليشتغل فأخذ عن تقي الدين القلقشندي وغيره، ثم تنبه، وولي القضاء في بعض البلاد، ثم استوطن دمشق، وناب في الحكم، وكان عنده تصميم وقوة نفس بحيث كان يعزل نفسه أحياناً، وباشر الأوقاف مباشرة حسنة، وعين مرة لقضاء حلب، مات في صفر. حيدر بن علي بن أبي بكر بن عمر، قطب الدين الدهقلي الشيرازي، نزيل دمشق، سمع الكثير، واسمع أولاده، وكتب الطباق بخطه، أخذ عن أصحاب الفخر وغيرهم، ثم سكن الهند، ثم مات غريقاً، وهو والد شيخنا عبد الرحمن. زينب بنت العماد محمد بن الضياء محمد بن علي البالسي، سمعت من أبيها سنة ثمان وسبعمائة، وكانت تذكر أنها سمعت من عمتها ست الخطباء، ماتت في صفر وقد جاوزت الثمانين. سليمان بن أحمد الكناني العسقلاني، علم الدين الحنبلي، اشتغل بالعلم وبرع في المذهب فافتى ودرس، وصاهر موفق الدين وناب عنه إلى أن صار كبير النواب، مات في جمادى الآخرة. عائشة بنت الحسن بن علي الدمشقية، ولدت بعد العشرين، وسمعت بإفادة ولدها العلامة شمس الدين بن الجزري من أصحاب الفخر، وماتت في ربيع الآخر من هذه السنة. عبد الله بن أبي البقاء محمد بن عبد البر السبكي، ولي الدين، أبو ذر بن بهاء الدين، ولد سنة خمس وعشرين بالقاهرة، واحضر على يحيى بن فضل الله ومحمد بن غالي وأبي نعيم الاسعردي وغيرهم، ثم سمع بدمشق من الجزري والمزي وبنت الكمال وغيرهم، واشتغل بالعلم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 ومهر في الآداب، وناب في الحكم عن أبيه بالقاهرة ودمشق وعن تاج الدين السبكي، ثم استقل بالقضاء بعد أبيه، وكان ينظم جيداً ويحفظ الحاوي ويذاكر به ويدرس منه، وكان يدرس في الكشاف، وله مشاركة جيدة في العربية، وكان قد باشر توقيع الدست، وحج سنة ثلاث وخمسين وسنة ثلاث وستين، وكان جيد الفهم، فطناً، عارفاً بالأمور، كثير المداراة، لين العريكة، بعيداً من الشر، صبوراً على الأذى، وكان كثير الإحسان للفقراء سراً، قال ابن حجي رحمه الله: كان أديباً بارعاً له نظم وقصائد طنانة وبلغني أن له ديواناً، وكان يحفظ الحاوي الصغير ويذاكر به ويدرس منه، وله مشاركة في العربية، ومات في شوال وله خمسون سنة وزيادة، قرأت بخط ابن القطان وأجازنيه: كان فاضلاً عارفاً بدنياه منتصراً لأصحابه. عبد الله بن محمد نجم الدين أبي الرضا، ابن أخت القاضي برهان الدين بن جماعة، يقال: مات مسحوراً في جمادى الآخرة. عثمان بن أحمد الرصدي، فخر الدين، رئيس المؤذنين بجامع طولون، أخذ عن ناصر الدين بن سمعون وصاهره، واشتهر بمعرفة الميقات، مات في جمادى الأولى. عثمان بن محمد بن محمد بن الحسن بن الحافظ عبد الغني، فخر الدين، سمع من الحجار واشتغل بالفقه وقتاً على التاج المراكشي، وسمع من ابن الرضي وبنت الكمال، وحفظ التسهيل، وحدث وأفاد، ومات في رجب. علي بن محمد بن عبد المنعم الحنبلي، سبط عبد الرحمن بن صومع، نقيب السبع مات في ربيع الأول. علي بن محمد العقبي، رئيس المؤذنين بدمشق، مات في جمادى الأولى. قرط بن عمير الكاشف، تقدم في الحوادث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 قطلوبغا الكوكائي، أحد المقدمين من الأمراء، مات وهو صاحب الحجاب بالقاهرة في المحرم. محمد بن أحمد بن صفر، شمس الدين الغساني، قاضي الأقضية بزبيد وليها في زمن المجاهد واستمر بضعاً وثلاثين سنة. محمد بن أحمد بن عثمان التشتري ثم المدني، شمس الدين، سمع الشفاء على محمد بن محمد بن حريث وتفرد عنه به، مات في شعبان، وله خمس وسبعون سنة. محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الحسن المزي الصحراوي، المعروف بابن قطليشا، ولد سنة أربع عشرة، وسمع من ابن الشيرازي وغيره، وكان يشهد قسم الغلات بالمزة وحدث، مات في جمادى الأولى عن ثلاث وسبعين سنة، روى عنه الياسوفي وابن حجي وابن الشرائحي وآخرون. محمد بن أحمد بن محمد بن علي، تاج الدين الخروبي، أحد التجار الكبار بمصر، وهو صاحب المدرسة بجوار بيته بشاطئ النيل بالشون، مات مجاوراً بمكة في أواخر المحرم. محمد بن أزبك الفاف، أحد الأمراء، مات بالقاهرة. محمد بن صالح بن إسماعيل الكناني المدني، سمع من أبي عبد الله القصري وتلا عليه بالسبع، وناب في الخطابة بالمدينة، وكان خيراً، مات في تاسع المحرم عن اثنتين وثمانين سنة. محمد بن عبيد بن داود بم أحمد بن يوسف، شمس الدين المرادي الحنبلي، كان ذا عناية بالفرائض، وقرأ الفقه، ولازم ابن مفلح حتى فضل، ودرس، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 قال ابن حجي: كان يحفظ فروعاً كثيرة وغرائب، وله ميل إلى الشافعية، وكان بشع الشكل جداً، مات في ذي القعدة. محمد بن علي القيسري أحد المعيدي بالبادرائية وله نظم ركيك، وكان يخضب بالسواد، مات في صفر. محمد بن محمد بن محمد بن محمود الصالحي المنبجي، كان من فضلاء الحنابلة، سمع الحديث، وحفظ المقنع، وأفتى ودرس، وكان يتكسب من حانوت له، على طريق السلف مع الدين والتقشف والتعبد، مات في رمضان، وهو صاحب الجزء المشهور في الطاعون، ذكر فيه فوائد كثيرة عمله في سنة أربع وستين. محمد البهنسي، الصاحب شمس الدين، ناظر الجامع الأموي، مات في ربيع الأول، وكان فاضلاً، له نظم حسن، وكان محموداً في مباشرته، وولي نظر المارستان، وكان له شرف نفس، يلزم بيته إذا عزل فاتفق موته وهو معزول، وكان بيدمر يكرهه فإذا ولي النيابة عزله. محمود بن الصفدي الغرابي نسبة إلى غرابة بفتح المعجمة وتشديد الراء ثم موحدة من قري صفد الشافعي، اشتغل بدمشق على الشيخين تاج الدين المراكشي والفخر المصري، وفضل، وتنزل بالمدارس بدمشق ثم رجع إلى صفد فأقام بها يدرس إلى أن مات بها في صفر. موسى بن محمد بن محمد بن الشهاب محمود، شرف الدين، أبو البركات بن بدر الدين بن شمس الدين بن شهاب الدين، أحد الفضلاء في الأدب والكتابة، مات بالرملة عن ثلاث وأربعين سنة، كتب الإنشاء بحلب وفاق في حسن الخط والنثر والنظم، وناب في الحكم، وهو القائل وكتبهما على مجموع: ومجموع كعقد الدر نظماً ... على تفضيله الإجماع يعقد. يطابق كل معنى فيه حسناً ... فمجموعاً تراه وهو مفرد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 يوسف بن أحمد بن ذبيان بن أبي الحسن البعلي، جمال الدين، التاجر، المعروف بابن طسان، كان أحد التجار المياسير، وله إحسان وإفضال ومال، ولا يشدد في تقاضي ماله من الدين، ويتصدق، مات في شعبان وله بضع وستون سنة. يوسف بن محمد بن عبد الرحمن بن سندي بن المصري، العطار، جمال الدين الرسام، سمع من ابن الجزري والمزي وحدث، مات في المحرم. أمين الدين عبد الله القبطي، مستوفي المرتجع، يعرف بجعيص، مات في المحرم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 سنة ست وثمانين وسبعمائة في أول يوم الجمعة دخل برهان الدين بن جماعة دمشق قاضياً وكان ولي في ذي القعدة سنة خمس بعد موت ولي الدين بن أبي البقاء، فخرج نائب الشام لتلقيه إلى خان العقبة، وهو شيء لم يعهد منذ دهر، ثم لبس الخلعة، ومدحه فتح الدين بن الشهيد بقصيدة قرأت عليه، ومدح بعده بعدة قصائد. وفيها قدم زكي الدين الخروبي من المجاورة فأهدى للسلطان هدايا جليلة ولغيره من الأمراء، ووقع بينه وبين شهاب الدين الفارقي أحد أعيان التجار اليمنيين وهو أخو شرف الدين وزير صاحب اليمن فترافعا إلى السلطان فنسب الفارقي زكي الدين إلى أمور معضلة فأخرج الخروبي كتاب الأشرف صاحب اليمن إليه وضمنه كتاب من الفارقي يقول فيه: إن مصر آل أمرها إلى الفساد وليس بها صاحب له قيمه فلا ترسل بعد هذه السنة هدية فإن سلطانها اليوم أقل المماليك وأرذلهم فأمر السلطان بالقبض على الفارقي وقطع لسانه فتسلمه شاد الدواوين وصودر ثم شفع في لسانه فأطلق ولم يلبث بعد ذلك أن عمي، وخلع على زكي الدين خلعة معظمة واستقر كبير التجار. وفيها خرج موسى بن أبي عنان المريني على أبي العباس بن أبي سالم، وكان أبو العباس قد حصر أبا حمو بتلمسان وخرب قصورها فسار عنها فرجع إليها أبو حمو فتنكر له ابنه أبو تاشفين فخرج أبو حمو ليصلح الأعمال فجاهره أبو تاشفين بالعصيان وقبض عليه بتلمسان وسجنه وأخذ ماله واعتقله بوهران. وفيها قدم بيدمر نائب الشام غلى القاهرة فأكرمه السلطان وقبل منه هديته وتقدمته ورده إلى نيابته مكرماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وفيها في ربيع الأول ضعف الطنبغا الجوباني أحد الأمراء الكبار فعاده السلطان في بيته. وفيها شغر منصب القضاء للحنفية بموت صدر الدين بن منصور أكثر من أربعين يوماً، وسعى فيه جماعة من النواب إلى أن ترجع أمر شمس الدين الطرابلسي بعناية أوحد الدين فاستقر بعد أن عرض المنصب مرة ثالثة على الشيخ جلال الدين التباني فامتنع كعادته. وفيها عاد برهان الدين الدمياطي من الرسيلة إلى الحبشة، وكان قد حصل له من صاحبها اخراق بسبب فساد حصل منه هناك ثم طرده من بلاده. وفيها راجع السلطان ناظر الجيش تقي الدين عبد الرحمن بن محب الدين في شيء فأجابه فغضب منه فأمر بضربه فبطح فضرب بين يديه نحو ثلاثمائة عصاه فحمل إلى منزله مريضاً فأقام ثلاثة أيام ومات، واستقر في نظر الجيش موفق الدين الذي أسلم قريباً مضافاً لنظر الخاص. وفيها توجه شهاب الدين الطيلوني لعمارة البرجين بدمياط. وفيها وقع في دمشق سيل عظيم، ذكروا أنهم لم يشاهدوه مثله. وفيها ولي بدر الدين بن منهال صهر الشيخ سراج الدين البلقيني زوج ابنته نظر المواريث فباشره أحد عشر يوماً وعزل. وفيها اعتنى الطنبغا الجوباني بالشيخ ولي الدين بن خلدون إلى أن استقر في قضاء المالكية عوضاً عن جمال الدين بن خير في جمادى الآخرة، وكان قدم قبل ذلك في السنة التي مضت ليحج فلم يتهيأ له في تلك السنة، فأقام وتعرف بالجوباني فراج عليه وجمعه على السلطان، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 فقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري أنه باشر بقوة وشدة وخروج عن العادة، وعاند الخليلي وغيره من الأكابر فلم تطل مدته. وفيها نزل بدمشق سيل عظيم وفيها هدمت قبة القاهرة. وفيها وقع بين الشيخ أكمل الدين وبين الشيخ شمس الدين الركراكي منازعة في الشيخونية فعزله من الدرس، فتشفع إليه بالأمراء فامتنع فتوصل إلى أن تشفع عنده بالسلطان فراسل أكمل الدين في ذلك فلم يجب، فتغير خاطر السلطان على الشيخ أكمل الدين وشكى منه لجلسائه، فبلغ ذلك الشيخ أكمل الدين فطلع إلى القلعة يوم الجمعة وصلى مع السلطان وشكى إليه صورة الحال وأنه لم يرد رسالته إلا لما يترتب على ذلك من بهدلته عند أهل الخانقاه وتدخل عليه إلى أن أرضاه واستمر عزل الركراكي، واستقر تاج الدين بهرام في تدريس المالكية عوضه، ثم لم يلبث أكمل الدين أن مات في رمضان فعاد الركراكي إلى وظيفته، واستقر عز العرب الفزاري في مشيخته الشيخونية نقلاً من البيبرسية، واستقر في مشيخة البيبرسية عوضه شرف الدين عثمان الكرادي المعروف بالأشقر إمام السلطان. وفيها توجه سودون النائب وبعض القضاة إلى الكنيسة المغلقة بمصر فهدموا منها أماكن جددها النصارى. وفي شهر رجب ابتدئ بعمارة المدرسة الظاهرية بين القصرين، واستقر جركس الخليلي شاد العمائر بها، وأسست في المكان الذي كان خان الزكاة وهدم في سنة ثلاث وثماني وسبعمائة فلما تكامل شيل التراب شرع في العمارة. وفيها ورد كتاب من نائب حلب يخبر فيه أن القضاة الأربعة بحلب تخاصموا في شيء فآل أمرهم إلى المماسكة بالذقون، ثم وردت منهم أربعة محاضر من كل قاض محضر يتضمن فسق البقية، فقال الظاهر: لا يحل تولية الفساق، وأمر بعزل الأربعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وفي رمضان بعد موت أكمل الدين الدعى على برهان الدين الدمياطي عند ابن خلدون وأنه قال: لا رحم الله أكمل الدين! فعزره بالحبس، ورفع عند ابن خلدون على تاج الدين بن الطريف وعز الدين الطيبي أنهما أعانا على بيع وقف بأن محيا الكتابة من المكتوب وقدما تاريخ الإجازة، فلما ثبت ذلك عنده عليهما عزرهما ومنعها من التوقيع، وفي كائنة الطيبي يقول ابن العطار: سمر الطيبي بتزويره ... وظن ابن خلدون لم يرقب. وما ساقه الله إلا لأن ... يميز الخبيث من الطيب. وفيها وصلت مركب من المغرب فيها ولد ابن خلدون وعياله وهدية من صاحب المغرب ورسول صاحب مصر المجهز لذلك بسبب ابن خلدون، فلما وصلت المركب إلى المينا غرقت وغرق أكثر من كان فيها وغرق مسعود رسول صاحب مصر الذي كان توجه إحضارهم، وسلم عبد الله الساسي رسول صاحب المغرب وولدا ابن خلدون وهما محمد وعلي وغرق للقاضي خمس بنات، وبقي من الهدية فرس وبغلة وشيء يسير جداً. وفيها عاد بدر الدين بن فضل الله إلى كتابة السر بعد موت أوحد الدين وفيها مات بهادر أمير الركب فدفن بعيون القصب في قبة، فأرسل السلطان ابن أخيه أبو بكر بن سنقر أميراً على الحج فأدركهم بمكة وحج بهم. وفيها قدمت رسل طقتمش خان ابن أزبك سلطان الدشت، واسم كبيرهم جسن بن رمضان، وكان أبوه نائب القرم، أرسل بهم صاحب القرم ومعهم هدية، فقبلت وأرسلت أجوبتهم. وفيها أوقع العادل صاحب حصن كيفا بالزرقية فصالحوه على ترك الغارة وقطع الطريق. وفيها راسل قرا محمد من الموصل يخطب بنت القاهر صاحب ماردين، فامتنع فتجهز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 بعساكر التركمان لقصد ماردين، فاستنجد صاحب ماردين بصاحب الحصن فأنجده بأخيه الصالح المخلوع وأمره أن يشير على صاحب ماردين بالمداراة مع قرا محمد جهد الطاقة، فبلغه ذلك فامتنع وأرسل من فضل من العساكر فأوقع بهم قرا محمد فهزمه أمير العسكر من قبل صاحب ماردين واسمه فياض، ثم وقع الصلح على أنه يزوج أخت صاحب ماردين وهودن مع ذلك بمال جزيل ورحل عنهم. ذكر من مات في سنة ست وثمانين وسبعمائة. إبراهيم بن سرايا الكفرماوي الدمشقي الشافعي، المعروف بالحارمي، عرف بذلك لكونه ولي قضاءها، اشتغل كثيراً وناب في الحكم عن ابن أبي البقاء، قال ابن حجي: كانت عنده فضيلة ويستحضر الحاوي الصغير وناب في عدة بلاد، مات في ذي القعدة. إبراهيم بن عيسى الحلبي، أحد فقهاء الشافعية، كان معيداً بالبادرائية وبذلك اشتهر، قال ابن حجي: كان على سمت السلف سليم الفطرة، وخطه ضعيف لكنه ألف كثيراً، ووقف كتبه، ومات في رمضان بطرابلس. أحمد بن محمد بن محمد القيسي، شهاب الدين، ناظر المواريث وغيرها، مات في رجب. أحمد بن محمد المدني، شهاب الدين، طلب الحديث وحصل الأجزاء وكتب الطباق، واستقر أحد أئمة القصر بالقلعة. إسماعيل بن محمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 بردس، تحول من سنة خمس وثمانين. بهادر بن عبد الله الجمالي، المعروف بالمشرف، كان للناصر الكبير، فتنقلت به الأحوال إلى أن أمر طبلخانات في سلطنة الناصر حسن، ثم تقدم في سلطنة الأشرف، واستقر أمير الحاج من سنة ثمان وسبعين إلى هذه الغاية وصارت له معرفة قوية بالطرقات وأهلها. حسن بن محمد بن عبد القادر بن الحافظ أبي الحسن علي بن محمد اليونيني، سمع وحدث، ومات في ربيع الأول ببلده. رضوان بن عبد الله الرومي، شيخ الرباط بالمدرسة الركنية بيبرس مات في ذي الحجة، واستقر ولده علي في المشيخة بعناية السلطان، فراجعه شيخ الخانقاه شرف الدين بن الأشقر بأنه صغير لا يصلح، فأمر بعرضه عليه فلما رآه أعرض عنه فقرره صوفياً واستقر غيره في مشيخة الرباط. سليمان بن خالد بن نعيم بن مقدم بن محمد بن حسن بن تمام بن محمد الطائي، أبو الربيع، علم الدين البساطي المالكي، كان في ابتداء أمره عريفاً بمكتب السبيل، موقع طشتمر حمص أخضر بحدره البقر، ثم ولي نيابة الحكم بجامع الصالح، ثم استقل بالقضاء، وكان يدعى أنه يجتمع بالخضر وله في ذلك أخبار كثيرة يستنكر بعضها، وكان أصله من شبرابسيون من الغربية، ونزل عمه عثمان بساط وأخوه خالد في كفالته فولد له سليمان بها، ثم قدم القاهرة، واشتغل وتمهر، وناب عن الأخناي، ثم سعى على بدر الدين بجاه قرطاي بعد قتل الأشرف حتى استقل بالقضاء في ذي القعدة سنة ثمان وسبعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 وكان متقشفاً، مطرح التكلف واستمر على ذلك، وكان طعامه مبذولاً لكل من دخل عليه، فصرف بعد ثمانين يوماً بالبدر الأخنائي ثم أعيد في رجب سنة تسع وسبعين واشتد في أمره، وعاند ابن جماعة والآكمل فتمالآ عليه حتى صرف في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين فلزم داره حتى مات في سادس عشر صفر. شيخ علي شاه زاد بن أويس بن حسن بن حسين بن آقبغا، كان من جملة الأمراء، فلما قتل أحمد بن أويس أخاه حسناً في سنة أربع وثمانين قبض على أمراء الدولة فقتلهم وأقام أولادهم في وظائفهم، فنفرت منه قلوب الرعية وتمالؤا عليه وأقاموا أخاه هذا سلطاناً وتوجهوا به من بغداد إلى تبريز فالتقاهم بمن معه ومعه قرا محمد بن بيرم خوجا صاحب الموصل وهو صهره كانت بنته تحت أحمد فالتقى بمقدمة القوم فراسله خضر شاه بن سليمان شاه الأسلاي وكان أجل أمراء بغداد فانهزم خضر شاه وأصيب شاه زاد بسهم فحمل إلى أخيه أحمد وبه رمق فمات. طشتمر بن عبد الله الدوادار، مات بالقدس بطالاً. طقج المحمدي أحد الأمراء المقدمين بالقاهرة، ثم نقل إلى دمشق فمات بها. عبد الله بن الحاجب بيبرس، تقدم بالقاهرة في دولة أينبك، وكان خيراً متواضعاً، وكان ولي كشف الجسور فأنكر عليه السلطان أمراً فكتب إليه كتاباً يتهدده فيه، فخاف وغلب عليه الخوف فمرض ومات في جمادى الأولى. عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم التيمي الحلبي الأصل، تقي الدين بن محب الدين، ناظر الجيش، ولد سنة ست وعشرين وسبعمائة، واشتغل بالعلم، ثم باشر كتابة الدست في حياة أبيه، وتقدم في معرفة الفن، وصنف فيه تصنيفاً لطيفاً، عليه اعتماد الموقعين إلى هذه الغاية، وكانت له عناية بالعلم، وسمع الشفاء على الدلاصي وغيره، ثم ولي نظر الجيش استقلالاً بعد أبيه، ومات في حادي عشر جمادى الأولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 عبد الرحيم بن أحمد بن عبد الرحيم بن الترجمان عماد الدين الحلبي، سمع حضوراً على العز إبراهيم ابن صالح بن العجمي في الثانية من أول عشرة الحداد إلى ترجمة أبي المكارم سنة 31، وسمع وهو كبير على غيره، وكان ذا ثروة، وبنى مكتباً للأيتام ووقف عليه وقفاً، سمع منه الشيخ برهان الدين المحدث، ومات يوم عيد الفطر سنة ست وثمانين. عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين بن أبي حفص الأفريقي ثم المصري، أوحد الدين، سبط القاضي كمال الدين بن التركماني، اشتغل على مذهب الحنفية قليلاً، وباشر توقيع الحكم، ثم اتصل ببرقوق أول ما تأمر، والسبب في معرفته به أن شخصاً يقال له يونس كان أمير طبلخانات في حياة الأشرف مات وكان أوحد الدين شاهد ديوانه فادعى برقوق أنه ابن عمه عصبته فساعده أوحد الدين على ذلك إلى أن ثبت ذلك بالطريق الشرعي فلما قبض برقوق الميراث ممن وضع يده عليه وهو أحمد بن الملك مولى يونس الميت المذكور أعطى أوحد الدين منها ثلاثة آلاف درهماً وهي إذ ذاك تساوي مائة وخمسون مثقالاً ذهباً فامتنع من أخذها واعتذر أنه ما ساعده إلا لله تعالى، فحسن اعتقاد برقوق فيه، فلما صار أمير طبلخانات استخدمه شاهد ديوانه، ثم لما تأمر جعله موقعاً عنده فاستمر في خدمته وبالغ في نصحه. واستقر موقع الدست مع ذلك إلى أ، تسلطن فصيره كاتب سره وعزل بدر الدين بن فضل الله فباشرها أوحد الدين مباشرة حسنة مع حسن الخلق وكثرة السكون وجمال الهيئة وحسن الصورة والمعرفة التامة بالأمور، وبلغ من الحرمة ونفاذ الكلمة أمراً عجيباً لكن لم تطل مدته بل تعلل وضعف ثم اشتد به الأمر حتى ذهبت عنه شهوة الطعام وابتلي بالقيء فصار لا يستقر في بطنه شيء إلى أن مات في ذي الحجة ولم يكمل الأربعين. علي بن أحمد الطيبرسي، كان استادار خوند أم الأشرف، وسئل في الإمرة مراراً فامتنع، مات في شوال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 علي العريان، الشيخ علي، أحد من كان يعتقد ويزوره الأمراء، وللعوام فيه اعتقاد كبير، وكان يركب الخيول، وله طريقة، مات في شوال. قرابغا العلائي، نسبة إلى الأمير علي المارديني، ولي حجوبية دمشق مدة ونيابة الرحبة، وحج بالناس سنة سبعين، مات بدمشق في شعبان. كافور بن محمد بن أحمد بن عبد الله الهندي الطواشي، عمر طويلاً حتى زاد على الثمانين. محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم بن عبد الرحمن بن القاسم بن عبد الله النويري نسبة إلى النويرة من عمل القاهرة المكي القاضي، كمال الدين أبو الفضل، كان ينسب إلى عقيل بن أبي طالب وسمع من عيسى بن عبد الله الحجي وجده لأمه القاضي نجم الدين الطبري والزبير بن علي وغيرهم، ورحل إلى دمشق فسمع من المزي والجزري وغيرهم، وبرع في الفقه وغيره، وساد أهل زمانه ببلده، وولي قضاء مكة ثلاثاً وعشرين سنة إلى أن مات في شهر رجب وله أربع وستون سنة، وحدث بالكثير، ودرس وأفاد وأفتى، وكان مشهوراً بالعلم والذكاء، سمعت خطبه وكلامه، وكان مولده في شعبان سنة اثنتين وعشرين، وتفقه بالتقي السبكي والتاج المراكشي وولي الدين الملوي وابن النقيب، وأخذ عن الجمال بن هشام في العربية، وشارك في المعارف، وناب عن الشهاب الطبري في الحكم بمكة، ثم ولي الحكم بعد التقي الحرازي في سنة ثلاث وستين مع الخطابة ونظر الحرم، ومات وهو متوجه إلى الطائف في ثالث عشر رجب فحمل إلى مكة فدفن بها، وكان فصيح العبارة لسناً جيد الخطبة متواضعاً محباً للفقراء، قال ابن حجي: كان يستحضر فقهاً كثيراً، وبلغني أنه كان يستحضر شرح مسلم للنووي، قال: وخلف تركة وافرة، وكان ينسب إلى كرم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 محمد بن عبد الله بن أحمد الهكاري ثم الصلتي، شمس الدين، ولي قضاء حمص أخيراً وكان اشتغل على أبيه بالصلت، وكان مدرساً ثم درس بعد أبيه ثم قدم دمشق فسمع بها، وكان لا يمل من الاشتغال بالعلم وتعليق الفوائد، وتنقل في قضاء البر، ولخص ميدان الفرسان في قدر نصفه. محمد بن علي بن الحسن بن عبد الله أمين الدين الأنفي، بفتحات المالكي، ولد سنة 713 وعني بالحديث وظهر له سماع من الحجار فحدث به وسمع من البندنيجي وأسماء بنت صصرى وغيرهما، فطلبه بنفسه وكتب الكثير، وسمع العالي والنازل، وأخذ عن البرزالي والذهبي، ونسخ كثيراً من مصنفاته وغيرها، وولي قضاء حلب يسيراً، وكان يفتي على مذهب مالك، وناب في الحكم عن السلاي خمس سنين، وولي مشيخة الحديث بالناصرية ومشيخة الخانقاه النجمية، ثم ولي قضاء حلب في شوال سنة سبع وخمسين فأقام أربع سنين، ثم رجع إلى دمشق فناب عن الماروني، ثم ترك، قال ابن حجي: كان حسن العشرة يقصده الناس لحسن محادثته ويطلبه الرؤساء لذلك ويحرصون على مجالسته لفكاهة فيه، مات في شوال عن ثمانين سنة، وقال الذهبي في المعجم المختص: كان يحفظ كثيراً من الفوائد الحديثة والأدبية. محمد بن علي بن منصرو بن ناصر الدمشقي الحنفي، ولد سنة سبع وسبعمائة أو قبلها، أخذ عن أبيه والبرهان بن عبد الحق والنجم القحفازي وابن الفويرة ورضي الدين المنطقي وجلال الدين الرازي وعلاء الدين القونوي، وسمع من الحجار والبندنيجي وغيرهما، وحدث ودرس في أماكن، وولي قضاء مصر في رمضان سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، ودرس بالصرغتمشية وغيرهل إلى أن مات في ربيع الأول، وكان بارعاً في الفقه، صلباً في الحكم، متواضعاً، لين الجانب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 محمد بن محمد بن محمود بن أحمد الرومي، البابرتي أكمل الدين بن شمس الدين بن جمال الدين، ولد سنة بضع عشرة وسبعمائة واشتغل بالعلم ورحل إلى حلب، فأنزله القاضي ناصر الدين بن العديم بالمدرسة الساوجية، فأقام بها مدة، ثم قدم القاهرة بعد سنة أربعين فأخذ عن الشيخ شمس الدين الأصبهاني وأبي حيان، وسمع من ابن عبد الهادي والدلاصي وغيرهما، وصحب شيخون واختص به، وقرره شيخاً بالخانقاه التي أنشأها وفوض أمورها إليه فباشرها أحسن مباشرة، وكان قوي النفس عظيم الهمة، مهاباً، عفيفاً في المباشرة، عمر أوقافها وزاد معاليمها، وعرض عليه القضاء مراراً فامتنع، وكان حسن المعرفة بالفقه والعربية والأصول، وصنف شرح مشارق الأنوار، وشرح البزدوي والهداية وعمل تفسيراً حسناً وشرح مختصر ابن الحاجب وشرح المنار والتلخيص وغير ذلك، وما علمته حدث بشيء من مسموعاته، وكانت رسالته لا ترد مع حسن البشر والقيام مع من يقصده والإنصاف والتواضع والتلطف في المعاشرة والتنزه عن الدخول في المناصب الكبار، بل كان أصحاب المناصب على بابه قائمين بأوامره مسرعين إلى قضاء مآربه، وكان الظاهر يبالغ في تعظيمه حتى أنه إذا اجتاز به لا يزال راكباً واقفاً على باب الخانقاه إلى أن يخرج فيركب معه ويتحدث معه في الطريق، ولم يزل على ذلك إلى أن مات في ليلة الجمعة تاسع عشر شهر رمضان، وحضر السلطان فمن دونه جنازته، وأراد السلطان حمل نعشه فمنعه الأمراء وحملها أيتمش، وأحمد بن يلبغا وسودون النائب ونحوهم، وتقدم في الصلاة عليه عز الدين الرازي ودفن بالخانقاه المذكورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 محمد بن مكي العراقي عارفاً بالأصول والعربية، فقتل على الرفض ومذهب النصيرية في جمادى الأولى، وقد تقدم ذكره في حوادث سنة إحدى وثمانين، والله أعلم. محمد بن يوسف بن علي بن عبد الكريم الكرماني الشيخ شمس الدين نزيل بغداد، ولد في سادس عشر جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وسبعمائة، واشتغل بالعلم، وأخذ عن والده بهاء الدين، ثم حمل عن القاضي عضد الدين ولازمه اثنتي عشرة سنة، وأخذ عن غيره ثم طاف البلاد فدخل مصر والشام والحجاز والعراق، ثم استوطن بغداد، وتصدى لنشر العلم بها ثلاثين سنة، وكان مقبلاً على شأنه معرضاً عن أبناء الدنيا، وقال ولده: كان متواضعاً باراً لأهل العلم وسقط من علية فكان لا يمشي إلا على عصا منذ كان ابن أربع وثلاثين، قال ابن حجي: كان تصدى لنشر العلم ببغداد ثلاثين سنة، وصنف شرحاً حافلاً على المختصر وشرحاً مشهوراً على البخاري وغير ذلك، وقد حج غير مرة، وسمع بالحرمين ودمشق والقاهرة وذكر أنه سمع بجامع الأزهر على ناصر الدين الفارقي وذكر لي الشيخ زين الدين العراقي أنه اجتمع به في الحجاز، وكان شريف النفس، قانعاً باليسير لا يتردد إلى أبناء الدنيا، مقبلاً على شانه، باراً لأهل العلم، ورأيت في الدعوات أو بعدها من شرحه للبخاري أنه انتهى في شرحه وهو بالطائف البلد المشهور بالحجاز، كأنه لما كان مجاوراً بمكة كان يبيض فيه وما أكمله إلا ببغداد، وذكر لي ولده الشيخ تقي الدين يحيى أنه سمع عليه جميع شرحه، ومات راجعاً من مكة في سادس عشر المحرم بمنزلة تعرف بروض منها، ونقل إلى بغداد فدفن بها، وكان أعد لنفسه قبراً بجوار الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وبنيت عليه قبة، ومات عن سبعين سنة إلا سنة، فإن مولده كان في جمادى الآخرة سنة سبع عشرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 محمود بن عبد الله الانطالي باللام، شرف الدين الحنفي قدم دمشق فأقام بها إلى أن ولي مشيخة السميساطية فباشرها مدة، ودرس بالعزية، وتصدر بالجامع، وكان من الصوفية البسطامية، مات في رمضان، وولي بعده المشيخة القاضي برهان الدين بن جماعة. معيقل بن فضل بن مهنا أحد أمراء العرب من آل فضل. موسى بن عبد الله تاج الدين، ابن كاتب السعدي، ولي نظر الخاص مرة أياماً يسيرة. يلو الشركسي العلاي نسبة إلى علاء الدين ألطنبغا الطويل كان من أتباعه، فلما مات تأمر عشرة بمصر بواسطة قطلوبغا كوكاي، لأنه كان أخا أبيه، ثم ترقى إلى أن أعطى تقدمة ألف، ثم تولى الحجوبية بدمشق ثم ناب في حماة، ثم ولي نيابة صفد في أوائل هذه السنة فمات بها بعد ثلاثة أشهر في شهر رمضان. يحيى بن الملك الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاون. تاج الدين ابن وزير بيته ناظر الإسكندرية، مات بها في ربيع الآخر. تاج الدين العزولي، مستوفي الدولة، مات في ربيع الأول. هبة بنت أحمد بن محمد بن سالم بن صصرى، ولدت سنة إحدى عشرة أو اثنتي عشرة وأحضرت على ست الوزراء في الثالثة من صحصح البخاري، وحدثت، ماتت في شهر رمضان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 سنة سبع وثمانين وسبعمائة فيها وصل رسل الأسكري صاحب إصطنبول ومعهم الهدايا يسأل أن يكون لهم قنصل بالإسكندرية كالبنادقة فأجيبوا إلى ذلك. وفيها نفي بلوط الصرغتمشي نائب الإسكندرية إلى الكرك. وفيها أمر السلطان أن لا يدخل أحد من الأمراء القصر إلا بمملوك واحد ويترك بقية الأتباع خارج القصر، فامتثلوا ذلك. وفيها ظهرت عمارة المدرسة الظاهرية. وفي صفر وصل رسيل طقتمش خان ومعهم هدية جهزها تمرلنك مدبر المملكة، وفيها: إنا نحب أن نكون أخوة كما كان أسلافنا مع أسلافكم. وفيها أضيف نظر الخاص بدمشق إلى وزيرها ابن بشارة. وفيها في شوال وصل مصر خجا التركماني أخو بيرم خجا عم قرا محمد التركماني طائعاً، وكان له الحكم من ماردين إلى الموصل، وسأل السلطان أن يكون من جهته وأن ينضاف إليه، فأجاب سؤاله، ثم وصل سولى بن دلغادر التركماني إلى حلب ثم رجع هارباً. وفي ربيع الآخر استقر نعير بن حيار في إمرة آل فضل عوضاً عن عمه. وفيها اشترى الملك الظاهر منطاش بن عبد الله التركي من أولاد أستاذه وأعتقه، وهو أخو تمرباي الحسني، فما كان بين ذلك وبين أن خامر وأثار تلك الفتن إلا نحو ستين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وفيها أنشأ الأمير الطنبغا الجوباني أغربة وشواني لغزو الفرنج في البحر الرومي، واجتهد في عملهم وإصلاحهم، وساروا إلى دمياط فوجدوا بساحلها غراباً للجنوية فكبسوا عليه وأسروا من فيه وقتل من الفرنج نحو العشرة وأسر منهم فوق الثلاثين نفساً فبذل ثلاثة منهم عن أنفسهم ثلاثمائة نفس قيمتها يومئذ خمسة عشر ألف دينار، ووصلت الأغربة بالأسارى إلى بولاق في جمادى الآخرة فعرضوا على السلطان في ثاني يوم وصولهم. وفي جمادى الأولى عزل ابن خلدون عن قضاء المالكية وأعيد بن خير، فكانت ولاية ابن خلدون دون السنة. وفي رجب كبس أولاد الكنز أسوان فقتلوا من وجدوه بها إلا القليل، وهرب واليها إلى قوص، فأمر السلطان حسين بن قرط على أسوان فتوجه إليها. وفيها كان الطاعون بحلب فزادت عدة الموتى فيه على ألف نفس في كل يوم. وفيها عزل يلبغا الناصري من حلب وأحضره إلى القاهرة، فتلقاه بهادر المنجكي إلى بلبيس فقيده ووجهه إلى الإسكندرية فسجن بها، وتوجه محمود شاد الدواوين إلى حلب للاحتياط على موجود يلبغا المذكور، واستقر سودون المظفري في نيابة حماة وكان السبب في عزل يلبغا أن سولى بن قراجا بن دلغادر التركماني وهو أخو خليل صاحب الوقائع المشهورة حضر إلى حلب طائعاً صحبة بعض البريدية فأنزله يلبغا عنده، وكاتب السلطان في أمره فأرسل بإمساكه وتجهيزه إلى القاهرة مقيداً، فقيد فأمسك وجعل في القلعة فحضر بريدي وعلى يده مطالعة إلى نائب القلعة بإطلاقه ولم يكن لذلك حقيقة فاغتر نائب القلعة وأطلقه فاجتمع بيلبغا وكان ذلك بتدبيره فأمره بالهرب، ففر ليلاً فأصبح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 يلبغا فأظهر إنكار ذلك ذلك، وخرج بالعسكر في طلبه، فساروا يوماً في غير الطريق التي توجه فيها، فلم يروا له أثراً، فبلغ ذلك السلطان فاتهمه به، وكان ما كان من عزله. وفي شعبان زلزلت مصر والقاهرة زلزلة لطيفة، وذلك في ليلة الثالث عشر منه. وفيه أحضرت إلى أحمد بن يلبغا صغيرة ميتة لها رأسان وصدر واحد ويدان فقط ومن تحت السرة صورة شخصين كاملين كل شخص بفرج أثنى ورجلين، فشاهدها الناس، وأمر بدفنها. وفي رمضان أمر عبيد البرددار مقدم الدولة أن يلبس بزي الترك ففعل، ثم أذن له بعد فرجع إلى شلكه الأول في السنة التي تليها. وفيها أمسك الجوباني ثم أطلق في آخر السنة وأعطي نيابة الكرك. وفيها ثارت فتنة بين عبيد صاحب مكة وبين التجار ونهبوا منهم شيئاً كثيراً. وفيها استقر محب الدين بن الشحنة في قضاء حلب بعد موت جمال الدين إبراهيم بن العديم. وفيها وقع الغلاء بمصر إلى بلغ القمح بخمسين درهماً كل أردب. وفيها أمسك الناصري وحبس بالإسكندرية، واستقر عوضه بحلب سودون المظفري، ثم في السنة المقبلة عصى منطاش عليه فعجز عنه سودون المظفري فأخرج برقوق الناصري من الإسكندرية وأعاده إلى نيابة حلب واستمر سودون المذكور مقيماً بحلب أميراً كبيراً. وفيها أوقع العادل صاحب الحصن بالتجيبية وكبيرهم عبد الله التجيبي وأعانه صاحب ميافارقين وغرز الدين السلماني وصاحب أرزن ولكنه لم يظهر ذلك وأغار عبد الله المذكور على الطرقات ونهب القوافل فقصده العادل فانهزم إلى قلعة وانحصر بها مدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 ثم بنى العادل بمساعدة قرا محمد التركماني قلعة تقابل التجيبي وهي ما بين دجلة وسط الدرب ويقال: إنها كانت قديمة البناء من عهد سليمان النبي عليه السلام ثم خرجت قلعة تل ويقال لها: قافان. ذكر من مات في سنة سبع وثمانين وسبعمائة. إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي الحلبي المعروف بابن العديم جمال الدين بن ناصر الدين بن كمال الدين، سمع من الحجار وحدث عنه، وكان هيناً ليناً ناظراً إلى مصالح أصحابه، ناب عن والده مدة بحلب ثم استقل بعد وفاته ومات عن نيف وسبعين سنة. أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الحضرمي الزبيدي مفتي أهل اليمن في زمانه انتهت إليه الرئاسة في ذلك، مات في شهر رجب. أحمد بن عبد الرحمن بن محمد المرداوي نزيل حماة، ولد بمردا وقدم دمشق للفقه فبرع في الفنون وتميز، ثم ولي قضاء حماة فباشرها مدة ودرس وأفاد ولازمه علاء الدين بن المغلى وتميز به وله نظم. أحمد بن عبد الهادي بن أبي العباس الشاطر الدمنهوري شهاب الدين المعروف بابن الشيخ ولد سنة ثلاث وثلاثين وتعانى الأدب، فكان أحد الأذكياء، وكان أديباً فاضلاً، أعجوبة في حل المترجم وهو القائل: نادى مناد لقرط ... فطاب سمع البريه. وشنف الأذن منه ... قرط أتى للرعيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وكان لا يسمع شعراً ولا حكاية إلا ويخبر بعدد حروفها فلا يخطئ، جرب ذلك عليه مراراً، مات في ذي القعدة. أحمد بن عثمان بن حسن بن عيسى بن حسن بن حسين بن عبد المحسن نجم الدين الياسوفي الأصل الدمشقي المعروف بابن الجابي ولد سنة ست وثلاثين وبرع في الفقه والأصول وسمع من أصحاب الفخر بطلبه، وكان جابي أوقاف الشامية فعرف به، وكان اعتناؤه بالطلب بعد السبعين، فقرأ بنفسه وكتب الطباق ونسخ كثيراً من الكتب الحديثية وصار يفهم فيه، وأخذ عن العماد الحسباني وغيره. قال ابن حجي: كان سريع الإدراك والفهم، حسن المناظرة، كثير الجرأة والإقدام في المحافل، وكان يجيد في بحثه ويخرج على من يباحثه، وكان مع ذلك منصفاً سريع الانتقال وقد درس بالدماغية وأعاد بغيرها وكان أولاً فقيراً ثم تمول واتسع وسافر إلى مصر، وحصلت له وجاهة، وصحب أوحد الدين واختص به، ويقال إنه سم معه وتأخر عمل السم فيه إلى أن مات بدمشق بعد عودة في جمادى الأولى، وقد جاوز الخمسين بدمشق. أحمد بن محمد بن محبوب الدمشقي، تاج الدين، ولد سنة خمس وسبعمائة، كان عارفاً بالتاريخ، فاضلاً مشاركاً، مات بدمشق في ذي الحجة أو في المحرم وسيعاد. أهيف بن عبد الله الطواشي المجاهدي، والي زبيد، خدم المؤيد فمن بعده وعمر دهراً. أبو بكر بن أحمد الجندي، سيف الدين بن ناظر الحرمين، كان شيخاً مباركاً يجتمع عنده للذكر وهو بزي الجند وله أقطاع وعنده كيس وتواضع ولين جانب وقضاء لحاجة من يقصده، وله مكانة عند النائب وغيره، وكان شكلاً حسناً طوالاً يلبس الصوف بزي الجند مع الاعتقاد والحشمة، مات في جمادى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 أبو بكر بن علي بن أحمد بن محمد الخروبي زكي الدين، التاجر المشهور، كان رئيساً ضخماً، ولد سنة خمس وعشرين تقريباً ونشأ مع أبيه، فكان منقطعاً بزاويته بشاطئ النيل الغربي بالجيزة، فلما مات عمه بدر الدين ثم مات والداه كان عصبتهما فورث مالاً كثيراً فتعانى الرئاسة وعظك قدره في الدولة وصار كبير التجار ورئيسهم وكثرت مكارمه ولم يمش على طريقة التجار في التقتير بل كان جواداً ممدحاً، وله مجاورات بمكة ورأيته يجرد القرآن حفظاً في سنة خمس وثمانين، وكان أبي قد أوصاه بي فنشأت عنده مدة إلى أن مات في المحرم وأنا مراهق ويقال إنه مات مسموماً وأوصى بأشياء كثيرة في وجوه البر والقربات، منها للحرمين بألفي مثقال ذهباً. أبو بكر بن عمر بن مظفر الحلبي شرف الدين الوردي الفاضل بن الفاضل، مات عن سبعين سنة بحلب. أبو بكر بن محمد بن أبي بكر بن جميع بفتح الجيم عماد الدين البالسي، سمع من أبي بكر بن عبد الدائم وغيره وحدث مات في شعبان. بيليك التركي كان والي الأشمونين، مات في ربيع الآخر. حسن بن محمد بن أبي الحسن بن الشيخ الفقيه أبي عبد الله اليونيني شرف الدين البعلبكي، ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وقرأ وسمع الحديث ورحل فيه وأفتى ودرس وأفاد، مات في رمضان. شاه شجاع بن محمد بن مظفر اليزدي، كان جده مظفر صاحب درك يزد وكرمان في زمن بوسعيد بن خربندا، ثم كان ابنه محمد فقام مقامه وأمنت الطرقات في زمانه، ولم يزل أمره يقوى حتى ملك كرمان عنوة انتزعها من شيخ محمود شاه، ثم تزوج محمد بن مظفر امرأة من بنات الأكابر بكرمان، فقاموا بنصره وفر شيخ إلى شيراز، فحاصره محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 بن مظفر فيها إلى أن ظفر به فقتله واستقل بعد موت بوسعيد بملك العراق كله وأظهر العدل وكان له من الولد خمسة: شاه ولي وشاه محمود وشاه شجاع وأحمد وأبو يزيد، فاتفقوا على والدهم فكحلوه وسجنوه في قلعة سرية من عمل شيراز وذلك سنة ستين وسبعمائة فتولى شاه شجاع شيراز وكرمان ويزد وتولى شاه محمود أصبهان وكروماسان، ومات شاه ولي واستمر أحمد وأبو يزيد في كنف شاه شجاع، ثم وقع الخلف بين شاه محمود ثم استولى شاه شجاع على آذربيجان انتزعها من أويس، ثم قتل شاه شجاع، قتله أخاه لكونه قتل أباه، ولما مات شاه شجاع استقر ولده زين العابدين واستقر أبو يزيد بن محمد بن مظفر عمه أتابكة، واستقر أحمد بن محمد في كرمان وشاه يحيى بن شاه ولي في يزد وشاه منصور أخاه بتستر ثم إنه غلب على شيراز وكحل ابن عمه زين العابدين فخرج عليه اللنك فقبض عليه وقتله وقتل أقاربه، وكان شاه شجاع ملكاً عادلاً عالماً بفنون من العلم، محباً للعلماء والعلم، وكان يقرئ الكشاف والأصول والعربية وينظم الشعر بالعربي والفارسي مع سعة العلم والحلم والإفضال والكرم وكتب الخط الفائق، وكان قد ابتلى بترك الشبع فكان لا يسير إلا والمأكول على البغال صحبته فلا يزال يأكل. عبد الله بن أحمد التنوسي كان يقول: إنه شريف، وله شعر حسن وأناشيد لطيفة ومات في صعيد مصر في هذه السنة ومن شعره موالياً: ركبت في جارية ... لم ير فيها عين. وصحبتي جارية ... تسوى جمل من عين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 إلى المرج جارية ... وأنا عليها عين. من كائنة جارية ... أو من حسد أو عين. وله: عذار كظل الغصن في صفحة النهر ... ووجه يريك البدر منتصف الشهر. قضى لفؤاد الصب ما قد قضت به ... عيون المهابين الرصافة والجسر. عبد الله بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري ثم المكي، عفيف الدين، أبو محمد بن الزين أبي الطاهر بن الجمال بن المحب، ولد في المحرم سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة بمكة وسمع من والده وعيسى الحجي والأمين الأقشهري والوادي آشى والزبير بن علي والجمال المطري في آخرين واجاز له الدبوسي والحجار وغيرهما، وطلب بنفسه وقرأ على القطب بن مكرم والجمال محمد بن سالم وغيرهما، وسمع من شهاب الدين بن فضل الله من شعره، ودخل الهند وحدث بها، ودرس في الفقه وخطب ثم رجع وولي قضاء بجيلة وما حولها مدة ومات بالمدينة في جمادى هذه السنة. عبد اللطيف بن عبد الله المصري، والواعظ المعروف بابن الجعبري، كان يتردد إلى دمشق، وبعظ في الجامع، فتزدحم عليه العامة ويتعصبون له، وكان ظريفاً مطبوعاً غريب الأسلوب في وعظه، وربما مشى بين الصفوف يذهب ويجيء ويقعد في أثناء ذلك، ومات بدمشق في جمادى الأولى. عبد اللطيف بن محمد بن أبي البركات موسى بن أبي سعيد فضل الله بن أبي الخير نجم الدين الميهني الخراساني، نزيل حلب وشيخ الشيوخ بها، مات وقد جاوز السبعين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 ذكره طاهر بن حبيب في ذيله وأثنى عليه في طريقته في الرياضة. عثمان بن قارا بن مهنا بن عيسى أمير آل فضل كان شاباً كريماً شجاعاً جميلاً يحب اللهو والخلاعة ومات شاباً. علي بن الجنيد الفيومي الخادم بسعيد السعداء، مات في صفر. علي بن أبي راجح محمد بن إدريس العبدري الشيبي شيخ الحجبة بمكة، مات في صفر. علي بن عمر بن معيبد اليمني وزير الملك الأشرف بعد أبيه. فضل الله بن إبراهيم بن عبد الله الشامكاني الفقيه الشافعي سعد الدين قرأ على القاضي عضد الدين وغيره وحدث عنه بشرح مختصر ابن الحاجب وبالمواقف وغير ذلك وصنف في الأصول والعربية وعلق ةنظم وتقدم في العلوم العقلية، مات في جمادى الأولى. قر بلاط الأحمدي أحد المقدمين ونائب الإسكندرية في آخر عمره. محمد بن إبراهيم بن محمد بن محمود البعلي الأصل الدمشقي المعروف بابن مري، محتسب دمشق، مات في صفر عن أربع وستين سنة لأنه ولد سنة اثنتين أو ثلاث وعشرين وأحضر على ابن الشحنة، وكان مليح الخط، باشر بالجامع وغيره، وكان أمثل من ولي الحسبة في هذه الأعصار، وباشر قضاء العسكر للحنفية ثم ركبه الدين وافتقر، ومات في ربيع الآخر. محمد بن إبراهيم بن وهيبة النابلسي بدر الدين قاضي طرابلس، سمع المزي وابن هلال وغيرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 محمد بن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر النصيبي شمس الدين من بيت كبير مشهور بحلب، وولي هذا الإنشاء بحلب، وكان كثير التلاوة حسن الخط، مات في الطاعون بحلب. محمد بن أبي كبر بن محمد التدمري الأصل الدمشقي المؤذن بدر الدين قاضي القدس، كان ماهراً في الفقه، ولم يكن محمود الولاية، قال ابن حجي: ولي القدس عن البلقيني وكان يكتب على الفتوى بخط حسن وعبارة جيدة إلا أنه يتحمل للمستفتي بما يوافق غرضه، ويأخذ على ذلك جعلا، قال: وقد اجتمعت به فأعجبني فقهه واستنباطه في اللغة واستخراج الحوادث من أصولها وردها إلى القواعد قال: ولكنه كان متساهلاً في الصلاة فربما تركها وكان ضنيناً بنفسه معجباً بها كثير الحط والازدراء لغيره حتى أنه في طول المجلس الذي اجتمعت به فيه ما ذكر أحداً بخير، مات في ربيع الأول وقد قارب السبعين. محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زين الدين عمر بن مكي بن عبد الصمد بن أبي بكر بن عطية العثماني الأصل الدمشقي الشافعي علم الدين بن تقي الدين بن المرحل سبط التقي السبكي، ولد سنة سبع وأربعين، وسمع من ابن أبي اليسر وعلي بن العز عمر وغيرهما، وكان له اشتغال وفهم ودرس بالعذراوية، وكان ينوب عن خاله تاج الدين فيها فسعى عليه من الدولة واستقل بها، وكان مع ذلك كثير الرياسة والأدب والتواضع والمروءة والمساعدة لمن يقصده ومات في شوال. محمد بن عبد الله العبسي شمس الدين القاهري الأديب الفاضل، ولي استيفاء الأحباس، وكتب في التوقيع ونظم الشعر، مات في شعبان، وهو القائل: بي من بني الترك رشيق اهيف ... مثل الغزال مقبلا ومعرضا. ما جاءني قط بليل زائرا ... إلا كبرق في الظلام أومضا. محمد بن محمد بن الحسن صلاح الدين الجواشني، ولد سنة تسع وتسعين وستمائة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 وسمع من البدر بن جماعة الشاطبية قرأها عليه الكوتاتي وحدث بها ومات في سابع عشرين ذي القعدة. محمد بن محمد بن محمد بن ميمون البلوي أبو الحسن الأندلسي، تقدم في معرفة الفرائض والعربية، وسمع بنفسه بالقاهرة ومصر من ابن أميلة وغيره ورافقه الشيخ أبو زرعة بن العارقي في السمع كثيراً ومنهم من أرخه سنة 93. محمد بن محمد بن يحيى بن سالم الحسني، سمع من الطبري وغيره، وفضل في العلم، وعاش أربعاً وسبعين سنة. محمد بن محمد المالكي أبو عبد الله الجديدي، أحد الفضلاء الصلحاء، مات بمكة. محمد بن يوسف بن إبراهيم بن العجيل اليمني جمال الدين، مات في ذي الحجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 سنة ثمان وثمانين وسبعمائة فيها مات أحمد بن عجلان أمير مكة، واستقر ولده محمد بن أحمد فعمد كبيش بن عجلان إلى أقاربه فكحلهم منهم أحمد بن ثقبة وولده وحسن بن ثقبة ومحمد بن عجلان ففر منه عنان بن مغامس إلى القاهرة فشكى إلى السلطان من صنيعه والتزم بتعمير مكة وسعى في إمرتها فأجيب سؤاله، وكان ما سيأتي ذكره من قتل محمد بن أحمد بن عجلان. وفيها تأخر وصول المبشرين بالحجاج إلى سادس المحرم، ثم حضر القاصد وأخبر أن صاحب ينبع عاقهم خوفاً عليهم من العرب ولم يتعرض لهم بسوء. وفيها تزوج السلطان بنت منكلي بغا وأمها أخت الملك الأشرف. وفيها وصل رسل صاحب ماردين فأخبروا أن تمرلنك قصد تبريز فنازلها، وواقع صاحبها أحمد بن أويس إلى أن كسره فانهزم إلى بغداد ودخل تمرلنك تبريز فأباد أهلها وخربها وجهز أحمد بن أويس إلى صاحب مصر امرأة تخبره بأمر تمرلنك وتحذره منه وتعلمه أنه توجه إلى قرا باغ ليشتي بها ثم يعود في الصيف إلى بغداد ثم إلى الشام، فوصلت المرأة إلى دمشق فجهزها بيدمر صخبة قريبة جبريل. وفيها تجهز قديد الحاجب وبكتمر العلائي إلى طقتمش خان في الرسلية من صاحب مصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وفي ربيع الأول أفرج عن يلبغا الناصري من الإسكندرية وأذن له بالإقامة في دمياط. وفيها قتل خليل بن قراجا بن دلغادر التركماني، فتك به إبراهيم بن يغمر التركماني بمواطأة السلطان وكان قتله خارج مرعش، توجه إليه إبراهيم في جماعة، فلما قرب منه أرسل إليه يعلمه أنه يريد الاجتماع به لإعلامه بأمر له فيه منفعة، فاغتر بذلك ولاقاه فرآه وحده فأمن ونزل عنده فتحدثا طويلاً فخرج جماعة إبراهيم فقتلوه، وركب إبراهيم ومن معه هاربين فاستبطأ أصحاب خليل صاحبهم فوجدوه قتيلاً، فتتبعوا القوم فلم يلحقوهم وذهب دمه هدراً، وكان في ربيع الأول. وفيها استقر أمر السلطان بتعمير الأغربة وتجهيزها لقتال الفرنج. وفيها قيل للسلطان أن جماعة أرادوا الثورة عليه، فقيض على تمربغا الحاجب ومعه عشرة مماليك وأمر بتسميرهم وتوسيطهم لكون تمربغا اطلع على أمرهم ولم يعلم السلطان بذلك ثم تتبع السلطان المماليك الأشرفية فشردهم قتلاً ونفياً إلى أن شفع الشيخ خلف في الباقين فقطعت إمرتهم وتركوا بطالين. وفيها انتهت عمارة السلطان لمدرسته الجديدة بين القصرين في ثالث شهر رجب، وكان الشروع فيها في رجب سنة ست وثمانين، وكان القائم في عمارتها جركس الخليلي وهو يومئذ أمير آخور ومشير الدولة، وقال الشعراء في ذلك كثيراً فمن أحسن ما قيل: الظاهر الملك السلطان همته ... كادت لرفعتها تسمو على زحل. وبعض خدامه طوعاً لخدمته ... يدعو الجبال فتأتيه على عجل. وأخذه ابن العطار فحسنه فقال: يكفي الخليلي إن جاءت لخدمته ... شم الجبال لها تأتي على عجل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 قد أنشأ الظاهر السلطان مدرسة ... فاقت على إرم مع سرعة العمل. ومن رأى الأعمدة التي بها عرف الإشارة، نزل إليها في الثاني عشر من شهر رجب، وقرر أمورها ومد بها سماطاً عظيماً وتملك فيها المدرسون، واستقر علاء الدين السيرامي مدرس الحنفية بها وشيخ الصوفية بها وبالغ السلطان في تعظيمه حتى فرش سجادته بيده وحضر جميع الأعيان وأخذ الشيخ في قوله تعالى: " قل اللهم ملك الملك تؤتي الملك من تشاء "، ونقل السلطان أولاده ووالده من الأماكن التي دفنوا بها إلى القبة التي أنشأها بها ثم أقيمت بها خطبة في عاشر شهر رمضان، وفوض الخطابة إلى جمال الدين المحتسب وكان قد أمر ابنه صدر الدين أحمد بالصلاة بها في رمضان وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وعمل له مهماً حافلاً. واستقر بها الشبخ أوحد الدين الرومي السنوي مدرس الشافعية بعناية الشريف الأخلاطي والشيخ شمس الدين بن مكين نائب الحكم بمصر مدرس المالكية والشيخ صلاح الدين بن الأعمى مدرس الحنابلة والشيخ أحمد زاده العجمي مدرس الحديث، والشيخ فخر الدين الضرير إمام الجامع الأزهر مدرس القراءات، فلم يكن فيهم من هو فائق في فنه على غيره من الموجودين غيره، ثم بعد مدة قرر فيها شيخنا البلقيني مدرس التفسير وشيخ الميعاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 وفيها ثار المنتصر وأبو زاين أبناء أبي حمو على أخيهما أبي تاشفين بسبب أبيهما فحصرهما أبو تاشفين بجبل قطري وبعث ولده أبا زيان لقتل أبي حمو بمعتقله بمدينة وهران فلما أحس أبو حمو بذلك نظر من شق في الجدار وصاح بأهل البلد فأتوه من كل جهة فتدلى بحبل وصله بعمامته وسقط إلى الأرض سالماً فبلغ الذين حضروا لقتله فهربوا واجتمع عليه أهل البلد وسار إلى تلمسان فكان ما سنذكره في التي تليها. وفيها مات الخليفة عمر بن إبراهيم بن الواثق بن محمد بن الحاكم، واستقر في الخلافة أخوه المعتصم زكريا في شوال. وفي ربيع الأول منها رخص اللحم جداً حتى بلغ الضأني السميط كل قنطار بخمسين درهماً. وفي جمادى الآخرة زلزلت الأرض زلزلة لطيفة. وفي ربيع الآخر قبض على بهادر المنجكي الاستادار الكبير. وفيها وقع الفناء بالإسكندرية فمات في كل يوم مائة نفس. وفيها تولى كريم الدين بن مكانس نظر الدولة بعد الوزارة، وعلم الدين سن إبرة نظر الأسواق بعد الوزارة أيضاً وتعجب الناس منهما. وفيها حضر أمير زاد بن ملك الكرج إلى السلطان فادعى أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: أسلم على يد خادم الحرمين، فأصبح فسأل عن خادم الحرمين فقيل له: إنه صاحب مصر، فهاجر إليه فأخبره بذلك، فتلقاه بالإكرام وأمر بالإسلام، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 فأسلم بمحضر من القضاة الأربعة في دار العدل، فأعطاه إمرة عشرة وأسكنه القاهرة، وكان ذلك في جمادى الأولى. وفيها عزل شهاب الدين أحمد بن ظهيرة عن قضاء مكة، ونقل إلى قضائها محب الدين بن أبي الفضل النويري، وقرر في قضاء المدينة عوضاً عنه الشيخ زين الدين العراقي، واستقر الشيخ سراج الدين بن الملقن مدرساً بالكاملية عوضاً عن العراقي. وفيها توجه نواب الشام إلى قتال التركمان فانكسر العسكر وفتك فيهم التركمان وقتلوا سودون العلائي نائب حماة وغيره، وكان أصل ذلك أن السلطان أمر نواب الشام بالتوجه إلى قتال سولى بن دلغادر ومن معه من التركمان، فوصلوا إلى طنون وهي بين مرعش وابلستين فالتقى بهم سولى، فقتل سودون نائب حماة في المعركة وكذا سودون نائب بهسنا، وكان ذلك في أول جمادى الآخرة فبلغ السلطان فشق عليه ولم يزل يعمل الحيلة حتى دس على سولى من قتله كما قتل أخاه كما سيأتي بيانه. وفي جمادى الآخرة وصلت رسل الفرنج بهدايا جليلة. وفي أواخر السنة وصلت رسل الحبشة بهدايا جليلة أيضاً. وفي أواخر رمضان عز الفستق عزة شديدة إلى أن بيع الرطل منه بمثقال ذهب ونصف، ثم وصل منه شيء كثير إلى أن بيع بعد العيد بربع مثقال الرطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 وفي شعبان أسلم نصراني صبان يقال له ميخائيل من أهل مصر فقرر ناظر المتجر السلطاني وحصل للناس منه ضرر كبير، وسيأتي ما آل إليه أمره في سنة تسع وثمانين. وفيها أمسك شهاب الدين أحمد بن الرهان ومن معه من الشام، وأحضروا إلى القاهرة وكانوا أرادوا القيام على السلطان فطاف أحمد البلاد داعياً إلى ذلك ثم استقر بدمشق، فدعا الناس إلى القيام فأطاعه خلق كثير إلى أن فطن بهم ابن الحمصي والي قلعة دمشق، فنم عليهم عند السلطان، وكان يبغض بيدمر نائب الشام فوجد من ذلك سبيلاً إلى الافتراء عليه، فكاتب السلطان بالاطلاع على أمرهم وأن بيدمر معهم، فأمره السلطان بالقبض عليهم وعلى بيدمر، فقبض عليهم وجهزهم إلى القاهرة، فعاقب السلطان الشيخ أحمد ومن معه من الفقهاء فضربوا بين يده بالإصطبل بالمقارع وحبسهم في حبس الجرائم بعد أن قررهم على من كان متفقاً معهم في ذلك. وفيها وصل إبراهيم بن قراجا بن دلغادر إلى القاهرة طائعاً، وكان صاحب خرت برت هي قلعة حصينة بقرب ملطية، وكان له أولاد عدة فعصى عليه بعضهم، ففر منهم فأعطاه السلطان إمرة طلبخاناة، وسكن ظاهر القاهرة، ثم وصلت رأس خليل بن دلغادر من عند نائب حلب، فقبض على إبراهيم وعلى عمه عثمان. وفيها في صفر سرق الجملون الذي في سوط القاهرة، وأخذ من حوانيت البزازين مال كثير إلى الغاية، فقام حسن بن الكوراني في تتبع الحرامية إلى أن ظفر بعشرين منهم فسمرهم وطاف بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 وفيها أمر السلطان بإحضار الشيخ شهاب الدين بن الجندي الدمنهوري، فاحضر فضرب بين يديه لأنه كان بدمنهور يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فشكى منه مقطع دمنهور إلى السلطان فأمر بإحضاره فضرب، ثم شفع فيه بعض الأمراء وعرف السلطان قدره وأنه طلب للقضاء فامتنع فخجل السلطان وأرسل إليه فخالله وخلع عليه وأذن له في الرجوع إلى بلده على عادته. وفيها حج بالناس آقبغا المارداني وحج فيها جركس الخليلي أميراً على الركب الأول، فلما وصل إلى مكة وأراد صاحبها محمد بن أحمد بن عجلان أن يقبل رجل الجمل الذي عليه المحمل السلطاني على العدة، بدر إليه شخص فداوى فقتله وزعم أن السلطان أذن له في ذلك، وفطن كبيش لذلك فجمع عساكره وخرج من مكة بهم خوفاً على نفسه وخوفاً على الحاج من النهب وقرر جركس الخليلي عنان بن مغامس في الإمرة وحج الناس آمنين، ثم التقى كبيش ببطا الخاصكي رأس المبشرين فقال له: اعلم السلطان أنني طائع وإنني منعت العرب من نهب الحاج وأنني لا أرجع عن طلب ثأري من غريمي عنان، وفرق الخليلي بمكة صدقات كثيرة جداً. وفيها اشتد أذى الوزير للتجار حتى رمى عليهم من القمح مائة ألف أردب وأزيد كل أردب بدينار وكانت خسارتهم فيها جملة مستكثرة. وفيها سعى شهاب الدين بن الأنصاري في مشيخة سعيد السعداء والتزم بتكفية الخانقاه وعمارة أوقافها وبذل لهم ثلاثين ألف درهم من ماله لذلك من غير رجوع عليهم بها فأجيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 سؤاله. وفيها طرق اللنك شيراز فحاربه شاه منصور وثبت ثباتاً عظيماً وأنكأ في عسكر اللنك وهجم على المكان الذي فيه تمرلنك ففر منه واختفى بين النساء، فوصل شاه منصور في حملته فتلقاه النساء فقلن له: ليس علينا قدرة ونحن في طاعتك، فكف عنهن ورجع فقاتل، فخذله بعض أمرائه ففت في عضده ولم يقاتل حتى ارتث في المعركة وانهزم بقية من معه، فقامت في قيامة اللنك على فقده لأنه لم يجده في القتلى، ثم ظفر به بعض الجند فعرفه فحز رأسه وأحضره إلى اللنك، فلما تحققه فرح في الباطن وأظهر الأسف عليه في الظاهر وأمر بقتل قاتله، واستولى على شيراز وأكرم زين العابدين وقرر له رواتب، ولما بلغ السلطان أحمد صاحب كرمان الخبر راسل اللنك بالطاعة وأرسل مع رسله هدية جليلة وكذلك صنع شاه يحيى صاحب يزد، فقبل الهدية وتوجه بعسكره إلى أصبهان فنازلها وحاصرها، فلما لم يكن لهم به طاقة صالحوه على كال له صورة فتوزعوه بينهم، فأرسل اللنك أعوانه فعاثوا وأفسدوا ومدوا أيديهم إلى الأموال والحرم، فشكوا ذلك إلى ملكهم، فواعدهم أنه يضرب الطبل عند العشاء، فإذا سمعوه قتل كل منهم من عنده من الأعوان، فلما فعلوا ذلك وكانوا نحواً من ستة آلاف عظم ذلك على اللنك، ورجعوا إلى المدينة فتحصنوا فحضرهم حتى اشتد الحصار، فأشار عليهم بعض عسكره أن يجمعوا أطفالهم ويقفوا بهم على طريق اللنك، فاجتاز بهم فسأل عنهم فقال له المشير عليهم: هؤلاء أطفال لا قدرة عليهم ولا عقاب بجناية آبائهم وهم يسترحمونك، فمال بعنان فرسه عليهم وتبعه العسكر فصاروا طعمة لسنابك الخيل، ثم هجم البلد واستخلص الأموال وخرب البلد ورجع إلى سمرقند وحين وصوله أمر حفيده محمد سلطان بن جهانكير إلى أقصى ما يبلغ مملكته وهو من وراء سيحون آخذاً مشرقاً إلى نحو شهر في ممالك المغل والخطا، فمهدوا تلك الأراضي وبنوا فيها عدة قلاع وبنوا مدينة على طرف سيحون من ذلك الجانب سماها اللنك شاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 رخيه، وخطب له أحد أمرائه الله داد بعض الملكات وأحضرها إليه صحبته فأولدها شاه رخ الملك المشهور في عصرنا هذا. ذكر من مات في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة أحمد بن الناصر حسن بن الناصر محمد بن المنصور قلاون الصالحي كان أكبر أخواته وقد عين للسلطنة مراراً فلم يتفق له ذلك، ومات في رابع عشر جمادى الآخرة. أحمد بن عبد العزيز بن يوسف بن المرحل المصري نزيل حلب شهاب الدين، سمع من حسن سبط زيادة وتفرد به، سمع منه شمس الدين الزراتيتي المقري وغيره من الرحالة، وأخذ عنه ابن عشائر والحلبيون وأكثر عنه المحدث برهان الدين. أحمد بن عجلان بن أبي رميثة بن أبي نمى بن أبي سعد بن علي بن قتادة بن إدريس ابن مطاعن شهاب الدين أبو العباس الحسني أمير مكة وما معها، وكان عظيم الرئاسة والحشمة، اقتنى من العقار والعبيد شيئاً كثيراً، وكان يكنى أبا سليمان، ولاه أبوه عجلان إمرة مكة وهو حي في شوال سنة اثنتين وستين، وكان قبل ذلك ينظر في الأمور نيابة عن أبيه أيام مشاركة أبيه وعمه ثقبة، ثم اعتقله السلطان هو وأخوه كبيش وابوهما بالقاهرة، لأن الضياء الحموي كان ولي خطابة الحرم فخرج في شعار الخطبة، فصده أحمد بن عجلان عن ذلك، ومات ثقبة في أوائل شوال سنة اثنتين وستين، ولم يزل أحمد يتقدم في الأمر إلى أن غلب على أبيه، ثم يزل إلى أن أفرده بالسلطنة سنة أربع وسبعين، فاستمر إلى أن اشترك معه ولده محمد سنة ثمانين، وجرت له بمكة خطوب وحروب، وكان يحب العدل والإنصاف، مات في شعبان، واستقر ابنه محمد، ثم قتل في أول ذي الحجة. أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن إسماعيل بن وهب بن محبوب تاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 الدين الحميري المعري ثم البعلي ثم الدمشقي، أحضر على ابن الموازيني وست الأهل، سمع من ابن مشرف وابن النشو والقاسم والمطعم والرضي الطبري وغيرهم، وله إجازة من سنقر الزيني وبيبرس العديمي والشرف الفزاري وإسحاق النحاس والعماد النابلسي وغيرهم، وكان يذاكر بفوائد، وأصيب بأخرة فاستولت عليه الغفلة، ورأيت بخطه تذكرة في نحو الستين مجلدة وعبارته عامية وخطه رديء جداً، مات في المحرم. أحمد بن محمد بن عبد المعطي، المكي المالكي، شهاب الدين أبو العباس، أخذ عن أبي حيان وغيره، ومهر في العربية وشارك في الفقه، وتخرج به أهل مكة، مات في المحرم وقد جاوز السبعين. أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن سليم بن حنا، الشيخ بدر الدين بن شرف الدين ابن فخر الدين بن الصاحب بهاء الدين المصري المعروف بابن الصاحب، تفقه ومهر في العلم ونظم ونثر وفاق أهل عصره في ذلك وفاق أيضاً في معرفة لعب الشطرنج، وكان جماعاً للمال، لطيف الذات، كثير النوادر، ألف تواليف في الأدب وغيره، وكتب الخط الحسن، وكان يحسن الظن بتصانيف ابن العربي ويتعصب له، ووقعت له محنة مع الشيخ سراج الدين البلقيني وكان يكثر الشطح ويتكلم بما لا يليق بأهل العلم من الفحش ويصرح بالاتحاد وهو القائل: أميل لشطرنج أهل النهى ... وأسلوه من ناقل الباطل. وكم رمت تهذيب لعابها ... وتأبى الطباع على الناقل. مات في تاسع عشرين جمادى الآخرة وله إحدى وسبعون سنة، رأيته واجتمعت به وسمعت من فوائده ونوادره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 أحمد بن محمد الزركشي شهاب الدين أمين الحكم بالقاهرة ومصر، مات في ربيع الأول فجأة، وضاع للأيتام عنده أموال عظيمة، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري أنها تزيد على ثلاثمائة ألف درهم تكون نحواً من خمسة عشر ألف دينار فبيع موجوده فكان دون النصف، قلت: والذي تحرر لي أن المحاصة وقعت على ربع وسدس عن كل درهم، وبلغ السلطان ذلك فأسرها في نفسه على القاضي الشافعي حتى عزله في السنة التي بعدها. إسماعيل بن عبد الله الناسخ المعروف بابن الزمكحل، كان أعجوبة دهره في كتبه قلم الغبار مع أنه لا يطمس واواً ولا ميماً، ويكتب آية الكرسي على أرزه وكذلك سورة الإخلاص، وكتب من المصاحف الحمائلية ما لايحصى. حسن بن علي بن عمر بن أبي بكر بن مسلم الكتاني بدر الدين الصالحي المؤذن بالجامع المظفري، ولد سنة 713، وسمع من الحجار وغيره وحدث بالإجازة عن الدشتي وإبراهيم بن عبد الرحمن بن الشيرازي وجماعة، مات في المحرم عن بضع وسبعين سنة. خليل بن قراجا بن دلغادر التركماني أمير الأبلستين بعد والده، قتل بيد إبراهيم بن يغمر التركماني بالقرب من مرعش، قال القاضي علاء الدين: كان عارفاً، ذا رأى صائب وله أفعال جميلة وملاطفة حسن وسياسة، وكانت له مدة متحيراً في البلاد لغضب سلطان مصر عليه، وكان قتله بمكيدة احتالها عليه إبراهيم، وجاوز خليل من العمر ستين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 داود بن محمد بن داود بن عبد الله الحسني الحمزي صاحب صنعاء من جبال اليمن، حاربه الإمام صاحب صعدة فغلب على صنعاء وانتزعها منه، ففر داود منه إلى الأشرف صاحب زبيد فأكرمه إلى أن مات في ذي القعدة، وهو آخر من وليها من أهل بيته، ودامت مملكتهم لها قريباً من خمسمائة سنة. سريجا بفتح المهملة وكسر الراء، بعدها تحتانية ساكنة ثم جيم مفتوحة بغير مد بن محمد بن سريجا بن أحمد الملطي ثم المارديني، زين الدين ابن بدر الدين، كان من أعيان علماء تلك البلاد في زمانه في الفقه والقراءات والأدب وغير ذلك، وله تصانيف، منها شرح الأربعين النووية سماه نثر فرائد المربعين النبوية في نشر فوائد الأربعين النووية وجنة الجازع وجنة الجارع صنعه عند موت ولد له سنة إحدى وثمانين وسد باب الضلال وصد ناب الصلال في ترجمة الغزالي ونظم قصيدة في القراءات السبع بوزن الشاطبية، أولها: يقول سريجا قانتاً متبتلا ... بدأت بنظمي حامداً ومبسمل. ومن شعره: خذ بالحديث وكن به متمسكا ... فلطالما ظمئت به الأكباد. شد الرحال له الرجال إذا سعوا ... لأخطار ما صرت له الآساد. مات بماردين في المحرم ول ثمان وستون سنة، اخذ عنه ولده عقيل الذي مات سنة أربع عشرة، وبدر الدين بن سلام الذي أخذ عنه سنة سبع وثلاثين وثمانمائة وآخرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 ششك بنت محمد بن الشيخ علي التركماني، سمعت من عبد الله بن علي الصنهاجي وحدثت. سودون العلائي نائب حماة، مات قتلا بيد التركمان. صدقة بن الركن عمر بن محمد بن محمد المصري شرف الدين العادلي، سمع من أبي الفتح الميدومي وطبقته، ورافق الشيخ زين الدين العراقي مدة في السمع، ثم ترك لبس الجندية ولبس بالفقيري، وصحب الفقراء القادرية إلى أن صار من كبارهم، مات بالفيوم في جمادى الآخرة، ورأيته مراراً وسمعت كلامه. عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب الباجي، سمع من محمد بن علي بن ساعد وغيره، مات في شعبان عن بضع وثمانين سنة. عبد الحميد شيخ زاوية المنيبع، مات في شهر رمضان وقد جاوز الثمانين. عبد الرحمن بن محمد بن عثمان بن الجمال محمد بن علوان بن زين الدين بن الأستاذ الحلبي الضرير حضر على سنقر الزيني كتاب الصمت لابن أبي الدنيا وتفرد به. عبد اللطيف بن عبد المحسن بن عبد الحميد بن يوسف السبكي نزيل دمشق قطب الدين ابن أخت التقي السبكي، حضر على ابن الصواف مسموعه من النسائي، وتفرد به، ومن أبي الحسن بن هارون من مشيخة جعفر الهمداني تخرج الزكي البرزالي، وحدث وكان كثير التسري، يقال أنه وطئ أزيد من ألف جارية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 مات في خامس جمادى الأولى، روى عنه شيخنا العراقي وابن سند وابن حجي وغيرهم. عبد المعطي بن عبد الله فتح الدين، كان يؤدب بكتاب المارستان، وكان أحد من قرأ على أبي حيان، وهو والد صلاح الدين محمد، الذي ولي حسبة مصر ونظر المواريث وغير ذلك في حياة والده، مات في رمضان وقد أسن. عبد الوهاب بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن أسد الإسكندراني القروي، محيي الدين، سمع من عبد الرحمن بن مخلوف عدة كتب منها المحدث الفاصل والدعاء للمحاملي، ومن محمد بن عبد المجيد بن الصواف التوكل، وسمع بمكة من الرضي الطبري مسلسلات ابن شاذان، وقرا على عبد لانصير ابن الشعراء القراءات بكتاب الإعلان عن المكي الأبي وحدث، ومات في ذي القعدة وله ست وثمانون سنة، وقد خرج له الذهبي جزءاً من حديثه. علي بن أحمد بن علي الحلبي علاء الدين، صاهر أبا أمامة بن النقاش على ابنته، ودرس بجامع أصلم وطلب الحديث وكتب بخطه، مات كهلاً. علي بن عبد القادر المراغي الصوفي شرف الدين، اشتغل في بلاده ومهر في الفقه والأصول والطب والنجوم، وفاق في العلوم العقلية وشغل في الكشاف وغيره، وقام عليه جماعة من أهل السميساطية، وكان صوفياً بها، فشهدوا عليه بالاعتزال فاستتيب بعد أن عزر، ثم قرر بخانقاه خاتون إلى أن مات، وكان يدري النجوم وأحكامها، وينسب إلى الرفض، وكان من تلامذة السيد المجد، قرأ عليه تقي الدين ابن مفلح ونجم ابن حجي وغيرهما، ومات في شهر ربيع الآخر. عمر بن إبراهيم بن محمد بن أحمد المستعصم بن الواثق بن المستمسك ابن الحاكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 العباسي، ولي الخلافة بعد خلع المتوكل، ومات في هذه السنة واستقر بعده أخوه زكرياء. عائشة بنت الخطيب عبد الرحيم بن بدر الدين بن جماعة، اخت قاضي القضاة برهان الدين، سمعت علي الواني وغيره وحدثت. محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التركستاني الأصل، الشيخ شمس الدين القرمي، نزيل بيت المقدس، ولد بدمشق سنة عشرين، ثم تجرد وخرج منها سنة إحدى وأربعين، وطاف البلاد ودخل الحجاز واليمن، ثم أقام بالقدس وبنيت له زاوية، وكان يقيم في الخلوة أربعين يوماً لا يخرج إلا للجمعة وصار أحد أفراد الزمان عبادة وزهداً وورعاً، وقصد بالزيارة من الملوك يستزورونه وله خلوات ومجاهدات، وسمع بدمشق من الحجار وغيره، وكان يتورع عن التحديث ثم انبسط وحدث، وكان عجباً في كثرة العبادة وملازمة التلاوة حتى بلغ في اليوم ست ختمات، وقيل بلغ ثمان، وسأله الشيخ عبد الله البسطامي فقال له: إن الناس يذكرون عنك القول في سرعة التلاوة، فما القدر الذي تذكر أنك قرأته في اليوم الواحد؟ فقال: اضبط أني قرأت من الصبح إلى العصر خمس ختمات، ويذكر عنه كرامات كثيرة وخوارق مع سعة العلم ومحبة الانفراد وقهر النفس، انتفع به جماعة، ومات في تاسع شهر رمضان. محمد بن طلحة بن يوسف بن هبة الله الحلبي، سمع من الكمال بن النحاس وغيره، ومات في شوال وقد جاوز الثماني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 محمد بن تنبك السوي كان من رؤساء الحلبيين، وانشأ جامعاً بحارة القناصة، ومات بها في مدينة الرها في هذه السنة أو نحوها. محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشافعي الآسجي بمدة وفتح المهملة بعدها جيم الأديب شمس الدين، نزيل مكة جاور بمكة عدة سنين وباشر بالحرم، واختص بالناس حتى، ومات في شعبان، وكان شاعراً مكثراُ، أكثر عنه صاخبنا نجم الدين المرجاني. محمد بن تقي الدين عبد الله بن محمد بن محمود بن أحمد بن عزاز الحنبلي، القاضي شمس الدين بن التقي المرداوي، ولد سنة أربع عشرة وسبعمائة فيما قيل، سمع الكثير من أبي بكر بن الرضي والشهاب الصرخدي والشرف بن الحافظ وعائشة ابنة المسلم وجماعة، تفقه وناب في القضاء من سنة ستين وهلم جراً، ثم استقل به سنة ست وسبعين إلى ان مات، وكان محموداً في ولايته إلا أنه في حال نيابته عن عمه كان كثير التصميم بخلافه لما استق، وكان يكتب على الفتاوي كتابة جيدة، وكان كيساً متواضعاً قاضياً لحوائج من يقصده، وكان خبيراً بالأحكام، ذاكراً للوقائع، صبوراً على الخصوم، عارفاً بالإثباتات وغيرها، لا يلحق في ذلك، وكان يركب الحمارة على طريقة عمه، وقد خرج له ابن المحب الصامت أحاديث متبائنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 وصلت إلى خمسة عشر حديثاً، وحدث بمشيخة ابن عبد الدائم عن حفيده محمد بن أبي بكر عن جده سماعاً، مات في رمضان عن أربع وأربعين سنة. محمد بن عطيفة الحسني أمير المدينة. محمد بن عمر بن محمد بن محمود بن أبي الفخر الزرندي ثم الصالحي، سمع من الحجار وغيره، مات بدمشق عن سبعين سنة. محمد بن عيسى بن أحمد الزيلعي نزيل اللحية من سواحل اليمن، ويعرف بصاحبها، كان يذكر بالكرامات ومكانه يزار الآن. محمد بن محمد بن أحمد بن المحب عبد الله المقدسي شمس الدين، ولد في ذي القعدة سنة 731، وسمع من ابن الرضي والجزري وبنت الكمال وغيرهم، وأحضر على أسماء بنت صصرى وعائشة بنت مسلم وغيرهما، وعني بالحديث وكتب الأجزاء والطباق وعمل المواعيد، وأخذ عن إبراهيم بن قيم الجوزية، وكتب بخطه الحسن شيئاً كثيراً، وكان شديد التعصب لابن تيمية، مات في جمادى الأولى، وله سبع وخمسون سنة. محمد بن محمد بن علي بن حزب الله المغربي، قرأت بخط القاضي برهان الدين بن جماعة: مات الإمام العالم الكاتب البليغ أبو عبد الله بن جزب الله بدمشق، في خامس عشرين شعبان سنة ثمان وثمانين، له نظم وسط وفضائل قلت: منها كتاب سماه عرف الطيب في وصف الخطيب صنفه للبرهان ومن عنوان نظمه قصيدة أولها: لبريق الأبريق والنقا ... طار مني القلب إذ تألقا. محمد بن يوسف بن إلياس الحنفي الشيخ شمس الدين القونوي، نزيل المزة، ولد سنة خمس عشرة أو في بعدها، وقدم دمشق شاباً وأخذ عن التبريزي وغيره، وتنزه عن مباشرة الوظائف حتى المدارس، وكان الشيخ تقي الدين السبكي يبالغ في تعظيمه، وكان له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 حظ من عبادة وعلم وزهد، وكان شديد البأس على الحكام، شديد الإنكار للمنكر، أماراً بالمعروف، يحب الانفراد والانجماع، قليل المهابة للأمراء والسلاطين والحكام، يغلظ لهم كثيراً، وكان قد أقبل على الاشتغال بالحديث بأخرة، والتزم أن لا ينظر في غيره، وصارت له اختيارات يخالف فيها المذاهب الأربعة لما يظهر له من دليل الحديث قال ابن حجي: كانت له وجاهة عظيمة وكان ينهى أولاده وأتباعه عن الدخول في الوظائف. وكان ربما كتب شفاعة إلى النائب، نصها: غلى فلان المكاس أو الظالم أو نحو ذلك، وهم لا يخالفون له أمراً ولايردون له شفاعة، وكان كثير من الناس يتوقعون الاجتماع بع لغلظه في خطابه، وكان مع ذلك يبالغ في تعظيم نفسه في العلم حتى اقل مرة: أنا أعلم من النووي وهو أزهد مني، وكان يتعانى الفروسية وآلات الحرب ويحب من يتعانى ذلك، ويتردد إلى صيدا وبيروت على نية الرباط، وقد باشر القتال في نوبة بيروت، وبنى برجاً على الساحل، وصنف كتاباً سماه الدرر فيه فقه كثير، نظم فيه فقه الأربعة على أسلوب غريب، مات في الطاعون في جمادى الآخرة وقد جاوز السبعين واختصر شرح مسلم للنووي وتعقب عليه مواضع، وشرح مجمع البحرين في عشر مجلدات، وقد قدم القاهرة وأقام بها مدة وأقام بالقدس مدة، ثم رجع إلى دمشق وانقطع بزاويته بالربوة، ثم انقطع بزاويته بالمزة رحمه الله. محمد بن يوسف بن محمد بن عمر شرف الدين بن جمال الدين بن الشيخ شمس الدين بن قاضي شهبة، اشتغل على جده ثم على أبيه، وتعانى الأدبيات وقال الشعر وكتب الخط الحسن، قال ابن حجي: كان جميل الشكل، حسن الخلق، وافر العقل، كثير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 التودد، ولي قضاء الزبداني مدة ثم تركه، ومات في عشر الأربعين في ربيع الآخر، ووجد عليه أبوه وجداً كثيراً، حتى مات بعده عن قرب. محمد الأصبهاني إمام الدين كان عالماً عابداً مشهوراً بالفضل والكرامات، وكان ينذر بوقوع البلاء على يد اللنك ويخبر أنه ما دام حياً لا يصيب أهل أصبهان أذى، فاتفق وفاته في ليالي طروق اللنك لهم في هذه السنة. موسى بن الفافا شرف الدين استادار أيتمش، كان يتعصب للظاهرية ويميل إلى مذهبهم، مات في شوال. هيازع بن هبة الحسني قريب أمير المدينة، وهو أخو جماز الذي تأمر بعد ذلك. يوسف بن المجد أبي المعالي محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي القاسم بن جعفر الأنصاري المعروف بابن الصيرفي، ولد في رمضان سنة عشر وسبعمائة، وأسمعه أبوه الكثير من أبي بكر الدشتي والقاضي سليمان وعيسى المطعم وغيرهم، وحدث بالكثير، وكان يزن في القبان ثم كبر وعجز، وكان باخرة يأخذ الأجرة ويماكس في ذلك، مات في ذي الحجة عن ثمانين سنة، وكان له ثبت يشتمل على شيء كثير من الكتب والأجزاء، وآخر من حدث عنه الحافظ برهان الدين محدث حلب. شمس الدين الغزولي المصري الميقاتي، انتهت إليه الرياسة في هذا العلم في بلده، وكان اطروشاً، مات في رجب. شمس الدين بن الجندي الخطائي المصري انتهت إليه الرياسة في حل التقاويم ومعرفة الميقات، وكان لكل منهما أعني الغزولي وابن الجندي عصبة، فاتفق أن ماتا في سنة واحدة، مات الغزولي في رجب ومات ابن الجندي في شعبان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 سنة تسع وثمانين وسبعمائة وفيها في تاسع عشر المحرم ولي الجوباني نيابة الشام عوضاً عن اشقتمر. وفيها أخذ السلطان بلعب الرمح وألزم الأمراء والمماليك بذلك فاستمر. وفيها ابتدأ أيضاً في رمضان بالحكم بين الناس يومي الأحد والأربعاء، ونودي: من كانت له ظلامة فليحضر إلى الباب، وحصل للناس بسبب ذلك حصر خصوصاً الرؤساء وتشويش كبير وصار من شاء من الأراذل أن يهين الأكابر فعل. وفيها كثرت الشكاوي من بدر الدين بن أبي البقاء، فعين السلطان ناصر الدين محمد بن عبد الدائم الشاذلي ابن بنت الميلق الواعظ، وطلبه في رابع شعبان وفوض له قضاء الشافعية فاستخار الله بعد صلاة ركعتين وقبل، وكان يعرفه من خطبته بمدرسة حسن، ووصفه له سودون النائب وغيره، فتم أمره، وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري أن سبب عزل ابن أبي البقاء ما تقدم من قصة أمين الحكم وانضاف إلى ذلك أن بعض مدركي البلاد السلطانية مات في أول هذه السنة، وكان يذكر بالمال الجزيل فجهز القاضي أمين الحكم ليحتاط علة موجوده فذكر ذلك للسلطان فأنكر عليه وأحضر أمين الحكم وضربه وعزل القاضي، وطلب من يوليه عوضه فغرم القاضي في هذه الحركة خمسة آلاف دينار، ثم ما أفاد بل طلب ابن بنت المليق، وولاه فباشره بعزة وعظمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 وفيها جمع كبيش العربان ونهب جدة وأخذ منها للتجار ثلاثة مواكب وتقابل هو وعنان أمير مكة فقتل كبيش في المعركة بعد أن كاد يتم له النصر وذلك بأذاخر بالقرب من مكة. وفيها سار علي بن عجلان من مكة إلى القاهرة، فقدمها في رمضان فأشرك السلطان علي بن عجلان في إمرة مكة مع عنان فتوجه عنان إلى وادي نخلة ومنع الجلب عن مكة فوقع فيها الغلاء، فوافى قرقماش أمير الركب إلى مكة بتقليد علي بن عجلان، وأمره أن يتجهز إلى عنان، فخرج وأرسل معه طبول المحمل فدقوا بين الأودية فظن عنان أن العساكر دهمته فهرب فدخلت القافلة فباعوا ما معهم برخص حتى انحطت الويبة من القمح إلى عشرة بعد ثلاثين. وفيها استولى على إمرة المدينة علي بن عطية ثم قتل وذلك أنه طرق المدينة فنهبها وقتل فيها أناساً فأفرج السلطان عن ثابت بن نعير وقلده إمرة المدينة وأمره بالمسير. وفي رابع ربيع الأول قبض على كريم الدين بن مكانس وضرب بالمقارع وصودر على مائة ألف، ثم عزل عن نظر الدولة في ثاني رمضان. وفيها خامر منطاش نائب ملطية وهو لقب واسمه تمربغا الأفضلي وجماعة من المماليك الأشرفية الذين نفاهم برقوق، ووافقهم القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس وقرا محمد التركماني كبير التركمان ويلبغا المنجكي وجمعوا جمعاً كبيراً وبلغ ذلك السلطان فجرد العساكر إليهم فسار اينال الأتابك بدمشق، وقزدمر وسودون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 باق والطنبغا المعلم ومقدمهم يلبغا الناصري نائب حلب فنازلوا ملطية، فهرب منطاش فتوجهوا إلى سيواس ونازلوها فاستنجد برهان الدين صاحبها الأرمن وغيرهم، فوقعت بينهم وبين عساكر الشام وقعة وقتل فيها من الفريقين جماعة، ثم كان النصر على يد يلبغا الناصري وانهزم برهان الدين ثم أرسل يطلب الأمان ويبذل الطاعة للظاهر فأمنه وصار من جهته وكانت عدة الذي مع الناصر نحو الألف والذين تجمعوا لقتاله عشرين ألفاً. وفيها قبض على جبريل قريب بيدمر وعلى محمد بن بيدمر وتسلمهما والي القاهرة فصادرهما على مال كثير. وفيها قتل بدر بن سلام أمير العربان بالبحيرة، قتله بعض العرب غيلة وكان قد قهر السلطان وأعجز العسكر من التجاريد إليه وهو يفر من مكان إلى مكان وفسدت أحوال البحرية. وفيها في أواخر شعبان استقر في الوازارة علم الدين إبراهيم القبطي بن كاتب سيدي وكان مستوفي المرتجع فوصى ابن كاتب أرلان بأن يستوزره بعده فقبل الظاهر ذلك. وفي تاسع رمضان نزل جلال الدين البلقيني عن توقيع الدست لزوج ابنته بهاء الدين البرجي، ونزل بدر الدين بن البلقيني أخيه جلال الدين عن إفتاء دار العدل واستمر بيد بدر الدين قضاء العسكر. وفي ليلة الثلاثاء ثامن عشر جمادى الآخرة ظهر كوكب عظيم من جهة الشمال ثم امتد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 وتشعب منه ثلاث شعب إحداهما ذنب طويل نحو الرمح ونورها شديد وذلك بعد العشاء بنحو ساعة. وفي هذه السنة انتهت زيادة النيل إلى أربعة عشر إصبعاً من تسعة عشر ذراعاً وثبتت إلى خامس بابه. وفي أوائلها ملك ألو حمو تلمسان فحاصره ولده أبو تاشفين إلى أن قبض عليه وسجنه بالقصر فسأله أبو حمو أن يخرجه إلى الديار المصرية ليحج فأسعفه وحمله في مركب فخدع أبو حمو صاحبها حتى أنزله وبعث إلى محمد بن أبي محمد مهدي القائد ببجاية يستنصره، فأنزله عنده وكتب إلى السلطان بتونس، فأمره بمساعدته واستنفر العرب فنفروا معه، فقتل أبو زيان بن أبي تاشفين في الحرب وانقض جمع أبي تاشفين فخرج من تلمسان ودخلها أبو حمو في رجب سنة تسعين. وفيها كائنة ميخائيل الأسلمي، وكان نصرانياً وأسام في شعبان سنة ثمان وثمانين بحضرة السلطان وعناية محمود فأركب بغلة وعمل تاجر الخاص كما تقدم ثم قرر في نظر الإسكندرية في المحرم من هذه السنة، فلما كان ثالث عشر ربيع الآخر ضربت عنقه بالإسكندرية بعد أن ثبت عليه أنه زنديق وشهد عليه بذلك خمسون إلا واحداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وفيها ضربت الدراهم الظاهرية، وجعل اسم السلطان في دائرة فتفاءلوا له من ذلك بالحبس فوقع عن قريب، ووقع نظيره لولده الناصر فرج في الدنانير الناصرية. وفيها كان الغلاء بدمشق وقلة الماء بالقدس حتى بلغت الجرة نصف درهم. وفيها وقعت بين ابن يغمر نائب الأبلستين وبين ابن دلغادر حرب. وفي سادس عشر جمادى الآخرة وهو تاسع ابيب توقف النيل ثم نقص ثم رد النقص وزاد في رابع عشريه. وفي هذه السنة نازل عسكر تمرلنك صحبة ولده آمد ففر منه قرا محمد في مائة فارس إلى ملطية، فاضطرب أول الأمر بالقاهرة، وجمع الظاهر الفقهاء والأمراء وتحدث في إعادة ما وقف من الأراضي الخراجية فطال النتازع وآل الأمر إلى أنه يؤخذ لتجهيز العسكر متحصل سنة، وأمر الظاهر بتجهيز أربعة من الأمراء وهم قرادمرداش ويونس والطنبغا المعلم وسودون باق وغيرهم، فتوجهوا وخرجوا في أول رجب فوصلوا إلى حلب فوجدوا تمرلنك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 قد رجع إلى بلاده لأمر حدث بها، وأرسل نائب الشام رجلاً اتهم بأنه جاسوس فضرب فأقر على ثلاثة بدمشق فضرب وحبس وكتب إلى دمشق بإحضار رفقته، ولما وصل الأمراء إلى حلب في شعبان كاتبوا بأن اللنك رجع فصادف وصول الخبر بمخامرة منطاش فأمروا أن يتوجهوا إلى محاربته فتوجهوا، وكان ما سنذكره في السنة الآتية. وفيها عاد اللنك إلى عراق العجم فاستقبله ملوكها وأذعنوا له بالطاعة مثل إسكندر الجلالي وأر سعيد وإبراهيم العمي وأبو إسحاق السيرجاني وسلطان أحمد بن أخي شجاع وابن عمه شاه يحيى، وكان جملة من اجتمع عنده من ملوك العجم سبعة عشر ملكاً، فبلغه أنهم تواعدوا على الفتك به، فسبقهم وأمر بالقبض عليهم، وقد اجتمعوا في خيمة وقرر في ممالكهم أولاده وأحفاده وتتبع ذراري المقتولين فلم يبق منهم أحداً، ثم توجه نحو عراق العرب، فبلغ ذلك أحمد بن أويس فجهز له عسكراً كثيفاً مع أمير يقال له: اسنباي، فتلاقيا على مدينة سلطانية فانهزم جند بغداد فلم يتبعهم اللنك وعطف على همذان وما يليها، فقبض على متوليها واستناب فيها ثم كر راجعاً إلى بغداد فبلغ أحمد بن أويس ذلك فعرف أنه لا طاقة له بلقائه، وكان أحمد بن أويس استولى على مملكة نبريز عوضاً عن أخيه حسين بعد قتله فلم يلبث إلا قليلاً حتى فاجأه عسكر اللنك، فلما بلغ ذلك رحل عنها وترك أهلها حيارى، فهجم عليهم العسكر عنوة فانتهبوها وفعلوا فيها ما لا يمكن شرحه، وأقاموا بها شهر رجب كله في استخلاص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 الأموال وتخريب الدور وتعذيب ذوي الأموال بالعصر والإحراق والضرب وأنواع العذاب، وانتهكوا الحرمات وسبوا الحريم والذراري، وكان قبل ذلك استولى على تبريز وفعل بها الأفاعيل، وكان أحمد ابن أويس قد أرسل ذخائره وحريمه وأولاده إلى قلعة يقال لها النجاء في غاية الحصانة وقرر فيها أميراً يقال له النون مع ثلاثمائة نفس من أهل النجدة، فنازله اللنك فلم يقدر عليها وقتل في الحصار أميران كبيران من عسكره، ثم ترحل عنها لما بلغه ما طرق بلاده من جهة طقتمش خان وأنه قد تعرض لأطراف بلاده فكر راجعاً أيضاً، ولما بلغه ذلك قرا محمداً التركماني انتهز الفرصة ووصل إلى تبريز فملكها، وقرر فيها ولده مصر خجا ورجع إلى بلاده. وفي تاسع رجب أمر المحتسب بطلب ذوي الأموال واستخراج زكواتها منها وأن يتولى قاضي الحنفية الطرابلسي تحليفهم، فعمل ذلك في يوم واحد، فلما ورد الخبر برجوع تمر لنك رد على الناس ما اخذ منهم وبطلت مطالبتهم بالزكاة وبالخراج أيضاً. وفي العشرين من رمضان استقر جمال الدين المحتسب في قضاء العسكر عوضاً عن شمس الدين القرمي بعد وفاته، وسعى تجم الدين بن عرب في الحسبة فبذل فيها خمسين ألف درهم قيمتها يومئذ أكثر من ألفي مثقال ذهباً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 وفي نصف شوال أفرج الظاهر عن يلبغا اناصري من دمياط وأعطاه شيئاً كثيراً وقرره في نيابة حلب، وسافر في تاسع ذي القعدة، وقرر سودون المظفري نائب حلب أتابك العساكر بها. وفي هذه السنة في ذي الحجة صرف تقي الدين الكفري عن قضاء الحنفية وقرر عوضه نجم الدين بن الكشك. وفي رابع ذي الحجة استقر أمير حاج مغلطاي في نيابة الإسكندرية. ذكر من مات في سنة تسع وثمانين وسبعمائة من الأعيان. إبراهيم بن عبد الله شمس الدين الوزير القبطي المعروف بكاتب أرنان أصله من نصارى القبط فأسلم وخدم الأمراء إلى أن اتصل بالظاهر قبل سلطنته في ديوانه ثم قلده الوزارة فباشر أحسن مباشرة، فتنقلت به الأحوال إلى أن خدم في ديوان برقوق وهو أتابك العساكر فأراد ابن مكانس أن يبعده عنه فيعينه لوزارة الشام، فاستعفى ثم ولاه برقوق الوزارة فنهض فيها نهوضاً تاماً حتى قيل إنه دخل الدولة وليس فيها درهم ولا قدح غلة، وخرج عنها وفيها من النقد ألف ألف درهم ومن الغلة ثلاثمائة ألف أردب وستون ألف أردب ومن الغنم ستة وثلاثون ألف رأس وغير ذلك حتى أنه كتب في مرض موته أوراقاً بحواصله وكان جملة قيمتها خمسمائة ألف دينار، فأرسل بالوراق إلى السلطان ويقال بل عاده السلطان في الليل سراً فناولها له، وكان منذ ولي الوزارة لم يغير ملبوسه ولا شيئاً من حاله وعنده جواري في البيت فيغلق بابه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 إذا ركب، ويحمل مفتاحه معه ولا يمكن أحداً من الركوب معه سوى غلامه على بغلة ووراءه عبد معه الدواة، ويقال إنه كان في الباطن على النصرانية والله أعلم بغيبه، مات في شعبان. أحمد بن إبراهيم بن إسحاق بن أبي يحيى شهاب الدين الغزاوي، ناب أبوه في الحكم ونشأ له ولده هذا فتعلق بالمباشرات في الديوان عند الأمراء وخطب بالصالحية وخدم في الإصطبل السلطاني شاهداً، وكان لطيف المعاشرة حسن التودد مات في آخر صفر. أحمد بن أبي القاسم بن شعيب الأخميمي أبو القاسم المصري، أحد فقهاء القاهرة. إسماعيل بن مازن الهواري أحد أكابر العرب، مات في هذه السنة وخلف أموالاً كثيرةً جداً، فيقال إن القاضي أمر أمين الحكم أن يتكلم فيها فجر ذلك عزل القاضي وضرب أمين الحكم. أبو بكر بن أحمد بن أحمد بن طرخان الأسدي، مات في شعبان. بيدمر بن عبد الله الخوارزمي نائب الشام مراراً، يقال كان اسمه في الأصل زكريا بن عبد الله ابن أيوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 خليل بن فرج بن سعيد الإسرائلي المقدسي ثم الدمشقي القلعي، أسلم ببيت المقدس، وله تسع عشرة سنة، وعني بالعلم ولازم الشيخ ولي الدين المنفلوطي، وانتفع به وقرأ القرآن، ولقب محب الدين، وكان مولده في آخر سنة 712، وتفقه على مذهب الشافعي فمهر وصار أكثر الناس موظبة على الطاعة من قيام الليل وإدامة التلاوة والمطالعة، وولي مشيخة القصاعين ثم تركها لولده وجاور في آخر عمره بمكة، فقدم دمشق ممرضاً فمات حادي عشر صفر. سليمان بن يوسف بن مفلح بن أبي الوفاء الشيخ صدر الدين الياسوفي الدمشقي، سمع الكثير، وعني بالحديث واشتغل بالفنون، وحدث وأفاد وخرج مع الخط الحسن والدين المتين والفهم القوي والمشاركة الكثيرة، أوذي في فتنة الفقهاء القائمين على الملك الظاهر فسجن، فمات في السجن بعد أيام بالقلعة، مع أنه صنف في منع الخروج على الأمراء تصنيفاً حسناً، وقفت عليه بدمشق، وهو القائل: ليس الطريق سوى طريق محمد ... فهي الصراط المستقيم لمن سلك. من يمش في طرقاته فقد اهتدى ... سبل الرشاد ومن يزغ عنها هلك. وكان مولده تقريباً سنة تسع وثلاثين، وحفظ محفوظات وكان مشهوراً بالذكاء سريع الحفظ ودأب في الاشتغال ولازم العماد الحسباني وغيره، وفضل في مدة يسيرة، وتنزل في المدارس ثم تركها، وقرأ في الأصول على الإخميمي، وترافق هو وبدر الدين بن خطيب الحديثة، فتركا الوظائف جملة وتزهداً وصاراً يأمران بالمعروف وينهيان عن المنكر، وأوذيا بسبب ذلك مراراً، ثم حبب إلى الصدر الحديث فصحب ابن رافع وجد في الطلب، وأخذ عن أصحاب ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 البخاري كثيراً، وخرج لجماعة من الشيوخ، ورحل إلى مصر سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، وسمع بها من جماعة وخرج لناظر الجيش جزءاً وصادف ولاية ابن وهبة قضاء طرابلس عند موت ابن السبكي فولي وظائفه، بعناية ناظر الجيش وهي تدريس الأكرمية ومشيخة الأسدية وغيرهما، ودرس وأفتى واستمر على الاشتغال بالحديث يسمع ويفيد الطلبة القادمين وينوه بهم مع صحة الفهم وجودة الذهن. قال ابن حجي: وفي آخر أمره صار يسلك مسلك الاجتهاد ويصرح بتخطئة الكبار، واتفق وصول أحمد الظاهري من بلاد الشرق فلازمه فمال إليه، فلما كان كائنة بيدمر مع ابن الحمصي أمر بالقبض على أحمد الظاهري ومن ينسب إليه، فاتفق أنه وجد مع اثنين من طلبة الياسوفي فسئلا فذكرا أنهما من طلبة الياسوفي فقبض على الياسوفي وسجن بالقلعة أحد عشر شهراً إلى أن مات في ثالث عشر شوال. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن السجلماسي أبو زيد المعروف بالحفيد بن رشد المالكي، كان بارعاً في مذهبه، وروى عن أبي البركات البلقيني والعفيف المطري والشيخ خليل، وتقدم في الفقه على مذهبه، وولي قضاء حلب ثم غزة ثم سكن بيت المقدس، قرأت بخط القاضي علاء الدين في تاريخ حلب: كان فاضلاً يستحضر لكن كلامه أكثر من علمه، حتى كان يزعم أن ابن الحاجب لا يعرف مذهب مالك، وأما من تأخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 من أهل العمل فإنه كان لا يرفع بهم رأساً إلا ابن عبد السلام وابن دقيق العيد، وكان كثير الصخب في بحثه، ووقع بينه وبين شهاب الدين بن أبي الرضا قاضي حلب الشافعي منافرة، فكان كل منهما يقع في حق الآخر وأكثر الحلبيين مع ابن أبي الرضا لكثرة وقوع الحفيد في الأعراض، وسافر في تجارة من حلب إلى بغداد ثم حج وعاد إلى القاهرة، ومات عن ثلاث وسبعين سنة معزولاً عن القضاء ولم يكن محموداً. عبد الواحد بن عمر بن عباد المالكي تاج الدين بن الجرار، برع في الفقه وشارك في غيره. علي بن الحسين بن علي بن أبي بكر عز الدين الموصلي، نزيل دمشق كان معتنياً بالآداب، قدم دمشق قديماً، وراسل الصلاح الصفدي ونظم على طريقة ابن نباتة، وعني بالفنون، وكان ماهراً في النظم قاصراً في النثر، نظم البديعية واخترع التورية في كل بيت باسم ذلك النوع وشرح هذه البديعية شرحاً حسناً وكان يشهد تحت الساعات، وله ديوان شعر وشعره سائ، ورثاه علاء الدين بن أيبك بقوله: يقولون عز الدين وافي لقبره ... فهل هو فيه طيب أو معذب. فقلت لهم قد كان منه نباتة ... وكل مكان ينبت العز طيب. علي بن عمر بن عبد الرحيم بن بدر الجزري الأصل الصالحي أبو الحسن النساج، ولد سنة بضع وسبعمائة، وسمع الكثير من التقي سليمان من ذلك الطبقات لمسلم، ومن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وابن سعد وغيرهما، وحدث، وكان يقال له أبو الهول وهو بها أشهر من اسمه، عاش نحواً من تسعين سنة، ومات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 في ربيع الأول وكان سمحاً بالتحديث ثم لحقه في أواخر عمره طرف صمم فكان لا يسمع إلا بمشقة، وقد حدث بالكثير، سمع منه اليشكري وسبط بن العجمي وابن حجي وآخرون. علي بن عنان البزار الرئيس، تقدم عند الأشرف ورأس بين التجار وجمع مالاً كثيراً، فلما وقعت كائنة الأشرف خاف على نفسه ودفن ماله وأظهر التقلل والفقر، ثم مرض ففاجاه الخرس قبل أن يدل أولاده على موضع ماله ومات على ذلك، فحفروا غالب الأماكن فلم يظفروا بشيء. علي بن محمد البعلي، مات في جمادى الآخرة. عائشة بنت الخطيب عبد الرحيم بن بدر الدين بن جماعة، أخت قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة، سمعت من الواني وغيره وحدثت. كبيش بن عجلان، قتل في الوقعة التي تقدم ذكرها في الحوادث. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي، شمس الدين أبو المجد الحسني، نقيب الأشراف بحلب، ذكره طاهر بن حبيب في ذيل تاريخ أبيه، وأثنى عليه بالفضل الوافر وحسن المجالسة وطيب المحاضرة، ومات في الطاعون الكائن بحلب سنة تسع وثمانين وسبعمائة، واتفق أنه قبض روحه وهو يقرأ سورة يس وهو أخو شيخنا بالإجازة عزالدين ابن أبي جعفر أحمد النقيب. محمد بن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن هبة الله النصيبي شمس الدين، أحد الأعيان الحلبيين، أثنى عليه القاضي علاء الدين في الذيل، قال: كان حسن الخط، كثير التلاوة، كتب في الإنشاء في حلب، ومات في هذه السنة بالوباء الكائن بها. محمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن المحب عبد الله الصالحي أبو بكر بن المحب المقدسي الحنبلي المعروف بالصامت، الحافظ شمس الدين، ولد سنة 713، وأحضر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 على التقي سليمان، وأسمع الكثير ممن بعده وطلب بنفسه فأكثر، وكتب الأجزاء والطباق وكان إليه المنتهى في معرفة العالي والنازل وقد جمع مجاميع ورتب أحاديث المسند على الحروف ونسخ تهذيب الكمال وكتب عليه حواشي مفيدة وبيض من مصنفات ابن تيمية كثيراً، وكان معتنياً به محباً فيمن يحبه، وكان له حظ من قيام الليل والتعبد، دقيق الخط جداً مع كبره، وصنف في الضعفاء كتاباً سماه التذكرة عدم في الفتنة اللنكية، وحدث بالكثير وتخرج به الدماشقة، وكان كثير الانجماع والسكون، فقيل له الصامت لذلك، كثير التقشف جداً بحيث يلبس الثوب أو العمامة فيتقطع قبل أن يبدلها أو يغسلها وربما مشى إلى البيت بقبقاب عتيق وإذا بعد عليه المكان أمسكه بيده ومشى حافياً، وكان يمشي إلى الحلق التي تحت القلعة فيتفرج على أصحابها مع العامة، ولم يتزوج قط، وكانت إقامته بالضيائية، فلما مات باع ابن أخيه كتبه بأبخس ثمن وهو كثير الإسراف على نفسه فبذر الثمن في ذلك بسرعة، مات الشيخ في خامس ذي القعدة. محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل فتح الدين ابن الشيخ بهاء الدين، مات في صفر، وكان موقعاً في الإنشاء وكان لطيف الخلق. محمد بن عبد الله القرشي شمس الدين قاضي العسكر، كان وجيهاً عند الملك الظاهر، مقبول الشفاعة، وكان يرتشي الكثير على قضاء الأشغال ويخدم السلطان بذلك، مات وله نيف وأربعون سنة، وكان عرياً عن العلم، وهو الذي قرب الشيخ علاء الدين السيرامي للظاهر وكذلك غيره من العجم. محمد بن علي بن محمد بن عمر بن خالد بن الخشاب المصري، سمع الصحيح من وزيره والحجار وحدث به، وولي نيابة الحسبة وأضر قبل موته، ومات في شعبان. محمد بن علي بن محمد بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن أبي المكارم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 بن عبد المنعم بن أبي حامد بن أبي العشائر الحلبي الحافظ ناصر الدين، سمع الكثير ببلده ودمشق والقاهرة، وكان خطيب بلده، فقدم القاهرة بسبب وظائف توزع فيها ففاجأته الوفاة في ربيع الآخر، ويقال إنه مات مسموماً وكان بارعاً في الفقه والحديث والأدب، حسن الخط جيد الضبط جمع مجاميع مفيدة وحدث وناظر وألف لم يكمل الخمسين فأنه ولد سنة 742، وأخذ بدمشق عن ابن رافع، وفي العربية عن العناتي وكتب بخطه وقرأ بنفسه وأسمع ولده ولي الدين الكثير وشرع في تاريخ لحلب ذيل على تاريخ ابن العديم ثم جمعه مسودة ذكر ذلك ابن حجي، فظفر بها بعده القاضي علاء الدين فبيضها ونقل عنه كثيراً وأضاف ما تجدد وكمل في أربعة أسفار مرتبة على الحروف يذكر فيها من مات من أهل حلب أو دخلها أو دخل شيئاً من معاملاتها على قاعدة أصله فأفاد وأجاد، قال ابن حجي: وكان رأس ببلده وصار يذكر لقضائها وله ثروة وملك كثير ومشاركة جيدة في الفقه والعربية وخط حسن جداً متقن، وكان حسن المذاكرة، ومات غريباً بالقاهرة. محمد بن قطب البكري المصري، عني بالفقه ونفع الناس، مات في شوال. محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر الدمراني الهندي محب الدين الحنفي قدم مكة قديماً، وسمع من العز بن جماعة وهو عالم بارع، وكان يعتمر في كل يوم ويقرأ كل يوم ختمة، ويكتب العلم ولكنه كان شديد العصبية، يقع في الشافعي ويرى ذلك عبادة، نقلت ذلك من خط الشيخ تقي الدين المقريزي، ومات وقد قارب المائة. محمد بن محمد بن النسفي أمين الدين الحلوي، كان مشهوراً بالصلاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وتربية المريدين، عظمه السلطان ورتب له الرواتب، وولاه نظر المارستان الكبير، وكان حسن السمت مهيباً متنساً، مات في شعبان. محمد بن الملك الكامل محمد بن الملك السعيد عبد الملك بن الصالح إسماعيل بن العادل بن أيوب، صلاح الدين الدمشقي، كان أحد الأمراء بدمشق، ومولده سنة عشر تقريباً، أجاز له الدشتي والقاضي وغيرهما وحدث، مات في رمضان. محمد بن الوحيد شمس الدين الدمشقي، قدم القاهرة للسعي في بعض الوظائف بها، وولي نظر المواريث والأوقاف وشهادة الجيش، ومات في ربيع الأول. محمود بن موسى بن أحمد الأذرعي التاجر. أجاز له التقي سليمان وغيره وحدث. منشا موسى بن ماري حاطه بن منشا مغا بن منشا موسى بن أبي بكر التكروري ملك التكرور، وليها بعد أبيه سنة خمس وسبعين، وكان عادلاً عاقلاً، مات في هذه السنة. موسى بن علي بن عبد الصمد المراكشي، نزيل مكة كان خيراً صالحاً مشاركاً في الفقه، وكان للناس فيه اعتقاد زائد بحيث زائد بحيث أنه لما حمل عنان أمير مكة جنازته، وهو والد صاحبنا الحافظ جمال الدين بن موسى. يوسف بن موسى الجناني، له كرامات، مات في ذي القعدة. يوسف بن محمد بن عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب الأسدي جمال الدين بن الشيخ شمس الدين ابن قاضي شهبة، ولد في رمضان سنة عشرين وسبعمائة، واشتغل على والده وغيره ومهر، وكان والده برجحه على أقرانه، وولي قضاء الزبداني ثم الكرك ثم نزل له أبوه عن وظائفه فباشرها في حياته ثم ولي تدريس العصرونية، وأفتى وشغل الناس بالجامع، وكان ساكناً منجمعاً ديناً خيراً حسن الشكل، مات في شوال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 سنة تسعين وسبعمائة فيها أصاب الحاج في رجوعهم في ليلة التاسع من المحرم عند ثغرة حامد سيل عظيم، فمات عدد كثير عرف منهم مائة وسبعة وثلاثون نفساً وأما من لم يعرف فكثير جداً، وتلف من الأمتعة شيء كثير جداً. وفيها في صفر أمر السلطان بعرض الحلقة وكتب إلى جميع البلاد بذلك فقاسوا من ذلك شدة. ثم استعان الأمراء ليلة المولد النبوي بالشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ برهان الدين بن زقاعة وكان السلطان يعتقده فشفعا فيهم أعانهما الأمراء فأمر بترك العرض. وفيها كانت الوقعة بين العسكر المجهز من القاهرة مع عساكر دمشق وحلب وفيهم الطنبغا المعلم وقزدمر وسودون باق وآخرون، فنازلوا سيواس فاستعان عليهم صاحبها بالتتار المقيمين ببلاد الروم، فافترقوا فرقتين فرقة تقابل التتار، وفرقة تقابل التركمان، إلى أن كسروا الطائفتين وحاصورا سيواس وطال عليهم الأمر إلى أن جرح كثير من خيولهم وقلت الأقوات لديهم فأمدهم السلطان بالمال الكثير والجند والخيول والأمتعة وجهز لهم ذلك صحبة ملكتمر الدويدار، وأذن لهم في ترك حصار سيواس والرجوع إلى ملطية، فلما أرادوا الرجوع كبسهم التتار من خلفهم، فأنجدهم يلبغا الناصري نائب حلب ومعه نحو ألف نفس فكسرهم وهم نحو عشرة آلاف، وقيل بل أكثر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وكان السبب في ذلك أن الناصري لما وصل إلى سيواس راسله القاضي برهان الدين صاحبها يطلب الأمان واقترح أن الناصري يرحل بالعسكر إلى الجانب الآخر ليخرج إليه ويسلمه منطاش فخشي الناصري من المكيدة فاحترز ورحل فنزل قريباً فاستمر أكثر العسكر راجعاً إلى حلب، فلما تحقق برهان الدين ذلك ركب في عسكره ومعه منطاش ومن انضوى إليه فحملوا على الناصر فثبت لهم وحمل عليهم بمن معه فانهزموا وطلبوا المدينة واستمر في حصارها إلى أن أذن له في الرجوع إلى حلب فقتل من التتار خلق وأسر منهم نحو الألف وغنموا كثيراً من خيولهم ورجعوا إلى حلب وقتل إبراهيم بن شهري نائب دوركي على سيواس، ثم توجع العسكر إلى حلب ثم إلى القاهرة فدخلوها في ثالث شعبان، وكان توجههم من حلب في ربيع الآخر، وكبيرهم يونس الدوادار وكان خروج المدد لهم مع ملكتمر في جمادى الآخرة. وفيها أراد الطنبغا الجوباني نائب الشام المخامرة، فطن به بعض الأمراء فكاتب السلطان بأنه ضرب طرنطاي حاجب الحجاب، واستكثر من استخدام المماليك ونحو ذلك، فأذن له بالقبض عليه، فأحسن الطنبغا بذلك فركب جريدة إلى القاهرة مظهراً للطاعة متنصلاً مما نقل عنه، فتلقاه فارس الجوكندار إلى سرياقوس، فسار به إلى الإسكندرية فسجنه بها في شوال، واستقر طرنطاي نائب دمشق، وحمل إليه التقليد مع سودون الطرنطاي الذي ولي نيابة الشام بعد ذلك، وأمر طرنطاي بقبض الأمراء البطالين ببلاد الشام، وبالقبض على كثير ممن يظن به المخامرة، فقبض على عدد كثير وقبض على الطنبغا المعلم أمير سلاح وقزدمر رأس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 نوبة وسجنا بالإسكندرية أيضاً، وقبض على كمشبغا الحموي نائب طرابلس في شوال بأمر السلطان أيضاً، واستقر اسندمر حاجبها نائباً بها. وفي المحرم سمر علي بن نجم أمير العرب في عشرين نفساً من أكابر قومه لقتلهم محمداً وعمراً ابني شاد واليهم. وفيه قدمت رسل أبي يزيد بن عثمان ملك الروم بهدية منه إلى الظاهر فقلبت هديته وردت أجوبته. وفيه كان الغلاء ببلاد الشام حتى بيعت الغرارة بإثني عشر ديناراً واكثر، وعز الماء في القدس جداً. وفيها استقر جمال الدين محمود شاد الدواوين استادارا كبيراً بعد موت بهادر المنجكي وأضيف إليه أمر الوزير وناظر الخاص أن لا يخالفاه فيما يراه مصلحة وكان تقريره في اللاستادارية في ثالث جمادى الآخرة. وفي وظيفة المشورة في الخامس منه، واستقر ناصر الدين بن الحسام الصقري شاد الدواوين عوضاً عن محمود المذكور. وفيها بعد أن رجع تمرلنك إلى الدشت وبلغ ذلك قرا محمداً الرتكماني، فنازل وغلب عليها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 وخطب فيها باسم السلطان وكتب السكة باسمه، وأرسل الدراهم إليه بذلك ففرح السلطان بذلك وكتب له أجوبته بالشكر. وفي رجب وقع الخلف بين برهان الدين أحمد صاحب سيواس ومنطاش، فأراد البرهان القبض عليه ففر منه. وفيها كانت الوقعة بين عنان بن مغامس وعلي بن عجلان، فانكسر عنان وتوجه إلى القاهرة فوصل في شوال. وفي شهر ربيع الأول هبت ريح عظيمة بمصر وتراب شديد إلى أن كاد يعمي المارة في الطرقات، وكان ذلك صبيحة المولد الذي يعمله الشيخ إسماعيل بن يوسف الأنبابي فيجتمع فيه من الخلق من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 لا يحصى عددهم بحيث أنه وجد في صبيحته مائة وخمسين جرة من جرار الخمر فارغات إلى ما كان في تلك الليلة من الفساد من الزناء واللواط والتجاهر بذلك فأمر الشيخ إسماعيل بإبطال المولد بعد ذلك فيما يقال، ومات في سلخ شعبان. وفي صفر ابتدأ الظاهر بشرب التمر والبسر واستمر ذلك كل يوم أربعاء. وفيها استولى الفرنج على جزيرة جربة انتزعوها من المسلمين. وفيها عمل إبراهيم بن الجمال المغني المشهور وأخوه خليل المشبب السماع على العادة في المولد لبعض المصريين بمكان بالقرب من رحبة الخروب فسقط البيت الذي هم فيه فمات المغني والمشبب وجماعة تحت الردم وتهشم من عاش منهم حتى أن بعض معارفنا استمر أحدب إلى أن مات، وكان إلى ولدي ابن الجمال المنتهي في صناعتهما. وفي ربيع الأول استقر فخر الدين بن مكانس في نظر الدولة عوضاً عن أمين الدين عبد الله بن ريشة. وفيها استقر سري الدين بن المسلاتي، وهو سبط الشيخ تقي الدين السبكي في قضاء الشافعية عوضاً عن برهان الدين بن جماعة، وحمل إليه التقليد إلى دمشق في أواخر شعبان وأعيد تقي الدين الكفري إلى قضاء الحنفية عوضاً عن نجم الدين بن الكشك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 وفي تاسع عشر رمضان غضب السلطان على سعد الدين بن البقري ناظر الديوان المفرد، وصادره على خمسة آلاف دينار، وقبض على سعد الدين بن قارورة مستوفي الدولة وصودر على ألف دينار أو أكثر، وقبض على الوزير علم الدين كاتب سيدي في شهر رمضان وقرر عليه عشرة آلاف دينار، فمات بعد ذلك في أواخر ذي الحجة، وقرر في الوزارة عوضه كريم الدين بن الغنام. وفي عاشر شوال استقر شمس الدين ابن أخي الجار في مشيخة سعيد السعداء عوضاً عن شهاب الدين الأنصاري. وفي رجب قدم بعض التجار بجماعة من أقارب السلطان الجراكسة، فخرج عليهم طائفة من الفرنج الجنوبية فأسروهم فبلغ الظاهر الخبر، فأمر بالقبض على من بالإسكندرية من الجنوبية وختم على حواصلهم في أواخر شعبان، فبلغهم الخبر فأطلقوا من بأيديهم منهم فقدم الإسكندرية خواجا على أخو الخواجا عثمان بجميع من أسره الفرنج من أقارب السلطان ففك الختم عن حواصل الفرنج، وذلك في أواخر ذي الحجة. وفيها في ربيع الأول رتب نجم الدين الطنبذي المحتسب من فقراء الفقهاء من يعلم أصحاب الدكاكين من العامة الفاتحة وفرائض الصلاة ونهى قراء المواعيد والوعاظ عن التهتك وأمرهم أن يبدلوه بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها غضب السلطان على بهادر مقدم المماليك بسبب أنه وجد سكراناً في بيت على البحر فضربه وأمر بنفيه إلى صفد، وقرر عوضه في التقدمة صندل الأسود الملقب شنكل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 وفيها بلغ السلطان أن كريم الدين بن مكانس وأبو البركات بن الرويهب صهره نصبا خيمة على شاطئ النيل وأحضرا من يغني وعملا مقاماً حافلاً فأمر بالقبض عليهما وضربهما بالمقارع ومصادرتهما، فأخذ خط ابن مكانس بمائة ألف وابن الرويهب بخمسين ألفاً. وفيها في رجب ضرب محب الدين السمياطي أمين الحكم بين يدي السلطان نحو مائتي عصاة، لأنه رفع عليه أن تحت يده لإسماعيل بن مازن أمير العرب بالصعيد وديعة ذهب، وأنه لم يطلع السلطان عليها فحصل بسبب ذلك للقاضي بدر الدين بن أبي البقاء إهانة، وعزل عن قرب. وفيها نازل الفرنج طرابلس الشام فواقعوهم المسلمون فكسروهم وأخذوا منهم ثلاثة مراكب. وفيها حج جركس الخليلي وعمل في الحجاز خيراً كثيراً. وفي أواخرها خامر يلبغا الناصري بائب حلب. وفيها كان الرخص الزائد حتى بيع الأردب القمح بثمانية دراهم. وفي ربيع الأول تزايد الموت بالأمراض الحادة والطاعون حتى بيعت البطيخة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 الصيفي بخمسين درهماً قيمتها يومئذ دينارين وكان أكثر الموت في المماليك السلطانية حتى زاد كل يوم على عشرين نفساً منهم، فندب القاضي برهان الدين بن الميلق جماعة لقراءة البخاري بالجامع الأزهر ودعوا الله عقب ختمه برفع الوباء، ثم اجتمعوا يوم الجمعة بالجامع الحاكمي ففعلوا مثل ذلك، ثم اجتمعوا أكثر من عددهم الأول فاستغاثوا بالجامع الأزهر، وكان وقتاً عظيماً فارتفع الوباء في ثاني جمادى الآخرة بعد أن بلغ في كل يوم ثلاثمائة نفس. وفيه استقر ايدكار حاجباً كبيراً بعد أن شغرت الوظيفة أربع سنين منذ مات قطلوبغا الكوكائي. وفي ثالث عشر مسري أوفي النيل بمصر وذلك في أول يوم من شعبان. وفي ذي الحجة استقر محمد بن عيسى أمير عرب العائد في كشف الشرقية عوضاً عن قطلوبغا التركماني. وفيها وقع الخلف بين قرا محمد التركماني وبين حسن بن حسن بك وثارت الفتنة بينهما. وفي ذي الحجة استقر شمس الدين محمد بن أحمد بن مهاجر في قضاء الشافعية بحلب عوضاً عن مسعود، واستقر محب الدين بن الشحنة في قضاء الحنفية بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 ذكر من مات في سنة تسعين وسبعمائة من الأعيان. إبراهيم بن عبد الرحيم بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الأصل ثم المقدسي قاضي الديار المصرية ثم الديار الشامية، برهان الدين بن جماعة الشافعي أبو إسحاق، كان مولده سنة خمس وعشرين، وسمع الكثير بالقاهرة ودمشق، وأخذ عن جده وطبقته وحضر عند الذهبي ولازمه وأثنى الذهبي على فضلئله وناب في الحكم ثم ولي خطابة القدس ثم خطب إلى قضاء الديار المصرية فوليه مرتين بصرامة وشهامة وقوة نفس وكثرة بذل وعزل نفسه مراراً، ثم يسأل ويعاد حتى هم السلطان في بعض المرات أن ينزل إليه بنفسه ليترضاه، وكان حسن الإلقاء لدرسه، محباً في الحديث وأهله، كثير الإنصاف والاعتراف، قوياً في أمر الله، ثم ولي قضاء الشام من سنة خمس وثمانين عقب ولي الدين بن أبي البقاء إلى أن مات، وكان قوالاً بالحق معظماً لحرمات الشرع، مهاباً، محباً في السنة وأهلها، لم يأت بعده له نظير ولا قريب من طريقته، مات في شعبان، وخلف من الكتب النفيسة ما يعز اجتماع مثله، لأنه كان مغرماً بها فكان يشتري النسخة من الكتب التي إليها المنتهى في الحسن، ثم يقع له ذلك الكتاب بخط مصنفه فيشتريه، ولا يترك الأولى إلى أن اقتنى بخطوط المصنفين ما لا يعبر عنه كثرة، ثم صار أكثرها لجمال الدين محمود الاستادار، فوقفها لمدرسته بالموازنيين وانتفع بها الطلبة إلى هذا الوقت، وكان محباً للآداب، مصيغاً للأمداح، كثير البذل للشعراء، مدحه البدر البشتكي بغرر القصائد، فأخبرني شمس الدين الفيومي الكتبي قال سمعت البرهان يقول: ما قارب أحد من أهل العصر ابن نباتة إلا هذا الرجل، ومع ذلك فكان ينظم نظماً عجيباً، فقرأت بخط من أثق به أنه من خطه ذم مصر لما وقع بها الغلاء سنة ست وسبعين: وماذا بمصر من المؤلمات ... فذو اللب لا يرتضى يكسن. فترك وجور وطاعون وفرط غلا ... وهم وغم والسراج يدخن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 يا رب لطفاً منك في أمرنا ... فالقلب يدعو واللسان يؤمن. إبراهيم بن محمد بن شهري التركماني صاحب دوركي، قتل في هذه السنة في وقعة سيواس. إبراهيم بن محمد بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن يحيى بن أبي المجد اللخمي جمال الدين الأميوطي ثم المكي، ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة، وتفقه على الزنكلوني والتاج التبريزي والكمال النشاي، ولازم الشيخ جمال الدين الأسنوي، وصحب شهاب الدين بن الميلق وأخذ عنه في الأصول وفي التصوف، وسمع صحيح البخاري من الحجار، وصحيح مسلم من الواني، وحدث عنهما وعن الدبوسي ونحوه بالكثير، وسمع بدمشق من الذهبي والمزي وجماعة، واشتغل في الفقهه والعربية والأصول، ومهر في الفنون، وناب في الحكم، ثم جاور بمكة مدة طويلة من سنة سبعين، وتصدى بها للتدريس والتحديث، وكان حسن الخط فصيح اللسان، وكان شرع في الجمع بين الشرح الكبير والروضة والمهمات فبيض من ذلك نصف الكتاب في تسع مجلدات، وله شرح بانت سعاد، ومات بمكة في ثالث شهر رجب وله خمس وسبعون سنة، ذكر لي بعض من أثق به أنني سمعت عليه ولم أتحقق إلى الآن ذلك. أحمد بن اليمني شهاب الدين الحنفي، عني بالنحو والفقه والقراءات والفرائض، وأقام ببلاده، مات بزبيد. أحمد بن محمد بن عمر شهاب الدين ابن الشيخ شمس الدين بن قاضي شهبة، وهو والد صاحب طبقات الشافعية، ولد سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، واشتغل على أبيه حتى أذن له ومهر في الفرائض وصنف ودرس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 وأعاد وجلس مكان أبيه بالجامع يشغل الناس، وكان كثير الإحسان للطلبة ولا يخلو بستانه يوم السبت والثلاثاء من جماعة منهم فيطعمهم ولم يكن من يشابهه في ذلك إلا النجم ابن الجابي، مات في ذي القعدة. أحمد بن محمد بن غازي بن حاتم التركماني شهاب الدين المعروف بابن الحجازي، ولد سنة ثلاث وسبعمائة، وحضر على أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وغيره، وأجاز له ابن المهتار وست الوزراء وغيرهما، وهو جد أبيه لأمه، وطلب بنفسه بعد الثلاثين، فسمع من جماعة، وأجاز له جماعة، وكان فاضلاً مشاركاً، أقرأ الناس القراءات، مات في رجب. أحمد بن مطيع الأنصاري، كان يقرأ المواعيد بالجامع الأزهر ويصحب ناصر الدين بن الميلق، مات في تاسع جمادى الأولى. إسماعيل بن علي بن المشرف عماد الدين، أحد الرؤساء بالقاهرة، وكان من أتباع جركس الخليلي. إسماعيل بن يوسف بن محمد الأنبابي، كان أبوه صاحب الزاوية بأنبابة على طريقة السطوحية فنشأ ولده على طريقة حسنة واشتغل بالعلم ثم انقطع بزاويته، ثم صار يعمل عنده المولد كما يعمل بطنتدا ويحصل من المفاسد والقبائح ما لا يعبر عنه، مات في شعبان. إشقتمر ولي نيابة حلب سبع مرات، ونيابة الشام ثلاث مرات، وهو صاحب المدرسة بحلب داخل باب النيرب، وكان موصوفاً بالمعرفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 أبو بكر بن محمد بن قاسم السنجاري المقانعي الحنبلي، شجاع الدين نزيل بغداد، روى جماع المسانيد ومسند الشافعي ورموز الكنوز للرسغي في التفسير والتوابين لابن قدامة وحدث، مات عن ثمانين سنة، سمع منه نصر الله بن أحمد التستري وولده محب الدين. بهادر بن عبد الله الرومي المنجكي الأستادار، أحد الأمراء الكبار بالقاهرة، وكان ظالماً جائراً كثير الحرمة مسموع الكلمة مع كثرة صدقاته للفقراء خصوصاً الغرباء. جلبان الحاجب الأمير سيف الدين، كان متديناً عارفاً. سبرج بن عبد الله الكمشبغاوي، أحد الأمراء الأربعين بالقاهرة، كان نائب القلعة، وكمشبغا الذي نسب إليه، كان خزندار صرغتمش وسبرج بضم السين والراء المهملتين بينهما موحدة ساكنة وآخره جيم. سليمان بن فيروز بن عبد الله القرافي علم الدين، كان أعجوبة دهره في شجا الصوت عند الإنشاد، وكان صديق أبي، ولا ينشد غالباً إلا من شعره، وكان أبي ينظم له في وقائع الأحوال وحصل عنده ديوان من نظمه، أخبرني ولده أبو الخير: أنه عاش ثلاثاً وستين سنة. عبد الله بن فضل الله بن عبد الله أمين الدين بن ريشة ناظر الدولة، مات في جمادى الأولى. عبد الله بن محمد بن حسن بن مسافر الحراني ثم الدمشقي، محتسب دمشق ومباشر الأوقاف بها، جمال الدين، مات في ذي القعدة. عبد الله بن محمد بن محمد بن سليمان النيسابوري الأصل، ثم المكي المعروف بالنشاوري، ولد سنة خمس وسبعمائة، وقيل قبل ذلك، وسمع من الرضي الطبري، وأجاز له أخوه الصفي، وحدث بالكثير، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 سمعت عليه صحيح البخاري بمكة، وتفرد عن الرضي بسماع الثقفيات وغيرها، وقد حضر إلى القاهرة في أواخر عمره وحدث، ثم رجع إلى مكة وتغير قليلاً، مات بها في ذي الحجة. عبد المحسن بن عبد الدائم بن عبد المحسن بن يحيى الدواليبي البغدادي الحنبلي، ولد سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، وروى عن جده عفيف الدين عبد المحسن بن محمد وغيره، وكان واعظاً يكنى أبا المحاسن. عبد الواحد بن عبد الله المغربي المعروف بابن اللوز، كان فاضلاً ماهراً في الطب والهيئة وغير ذلك، مات في شوال. عبد الوهاب بن عبد الله القبطي المعروف بكاتب سيدي، ولي الوزارة بعد كاتب أرلان، ثم عزل بعد قليل وكان مستضعفاً. العلاء بن أحمد بن محمد بن أحمد السيرامي بمهملة مكسورة بعدها تحتانية ساكنة علاء الدين، كان من كبار العلماء في المعقولات، قدم من البلاد الشرقية بعد أن درس في تلك البلاد، ثم قدم فأقام في ماردين مدة، ثم فارقها لزيارة القدس فلزمه أهل حلب للإفادة، وبلغ خبره الملك الظاهر فاستدعى به وقرره شيخاً ومدرساً بمدرسة التي أنشأها بين القصرين، وأفاد الناس في علوم عديدة، وكان إليه المنتهى في معرفة علم المعاني والبيان، وكان متودداً إلى الناس محسناً إلى الطلبة قائماً في مصالحهم لا يطوي بشره عن أحد مع الدين المتين والعبادة الدائمة، مات في ثالث جمادى الأولى، وكانت جنازته حافلة، وقد جاوز السبعين. علي بن عبد الله المؤذن رئيس المؤذنين علاء الدين يعرف بابن الشاطر، مات في ربيع الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 علي بن محمد بن عبد الرحمن المصري، نزيل حلب المعروف بابن العبي بضم المهملة وسكون الموحدة بعدها تحتانية ثم ياء النسب نشأ بالقاهرة وحصل وظائف وتعانى الأدب وقال الشعر الحسن ولقي الصلاح الصفدي بدمشق وغيره، وسمع بحلب من ابن المرحل وغيره، وولي بها توقيع الدست، وكان جاور قبل ذلك بالمدينة الشريفة، قال البرهان المحدث: كان عارفاً بعيوب الشعر ونظم نظماً حسناً، قلت وأنشد له: حلاوية ألفاظها سكرية ... قلتى وقوت نار قلبي بالعجب. ومسير دمعي في خدودي مشبك ... ومن أجل ست الحسن قد زاد السكب. مات في غرة المحرم. عمر بن عبد الله الأسناوي سراج الدين، لقبه قنور، وفيه يقول بدر الدين بن الناصح بلقية أولها: قنور عمر فأر السنداس كله أنجاس. عمر بن منهال الدمشقي، كاتب السر بدمشق، وليها قليلاً، وكان حسن المحاضرة، وكان موقع القبلية مدة وحصل أموالاً، وكان وهاباً نهاباً وتسحب لما عجز عن الوفاء بما وعد له على كتابة السر فولي غيره واستمر غائباً مدة، ثم ظهر واستمر خاملاً إلى أن مات في رمضان. محمد بن إبراهيم بن يعقوب شمس الدين شيخ الوضوء الشافعي كان يقرئ بالسبع ويشارك في الفضائل، وقيل له شيخ الوضوء لأنه كان يطوف على المطاهر فيعلم العامة الوضوء، وكان يعاب بالنظر في كلام ابن عربي، ومات في سابع عشرين شعبان، وبخط ابن حجي: مات في جمادى الآخرة وقد جاوز السبعين، قال ابن حجي: قدم من صفد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 وسمع علي السدجي أحد أصحاب الفخر وتفقه بوالدي وغيره وأذن له ابن خطيب يبرود بالإفتاء، وكان التاج السبكي يثني عليه، وسلك مع ذلك طريق التصوف، وكانت بيده إمامة الطواويس وله فيها وقت للذكر وله راتب على الجامع، ثم دخل القاهرة واجتمع بالسلطان ورتب له راتباً على المارستان المنصوري، وذكر أنه طالع النهاية مرة، وكان حسن الفهم جيد المناظرة، قال: وكان يعتقد ابن العربي، وأقام بالقاهرة تسع سنين. محمد بن أحمد بن عبد الرحمن المنبجي شمس الدين الأسمري خطيب المزة، سمع الكثير على التقي سليمان ووزيره وابن مكتوم وغيرهم، وتفرد بأشياء وأكثروا عنه، مات في ذي القعدة عن ست وثمانين سنة، وكان آخر من حدث عن ابن مكتوم بالموطأ وعن وزيرة بمسند الشافعي، وولي بأخرة قضاء الزبداني. محمد بن أحمد بن علي بن القاصح بدر الدين، نشأ في طلب الكتابة فكتب الخط المنسوب وشارك في الفضائل والآداب، ونظم الشعر وخدم ابن فضل الله وكان لطيف الذات حسن الشكل رأيته وسمعت من نظمه ونوادره، مات في جمادى وله نحو الثلاثين سنة. محمد بن إسماعيل الأربلي بدر الدين بن الكحال عني بالفقه والأصول، وكان جيد الفهم، فقيراً ذا عيال وهو مع ذلك راض قانع، جاوز الأربعين. محمد بن عبد اللطيف بن محمود بن أحمد الربعي، أبو اليمن عز الدين بن الكويك، أصله من تكريت ثم سكن سلفه الإسكندرية وكانوا تجاراً، وسمع هذا بالإسكندرية من العتبي ووجيهة بنت الصعيدي وبدر الدين بن جماعة وعلي بن قريش وأبي حيان وغيرهم وكان رئيساً، مسموع الكلمة عند القضاة، مات في جمادى الأولى عن خمس وسبعين سنة، فإنه ولد في شعبان سنة خمس عشرة وسبعمائة. محمد بن علي بن زبا المصري، سمع من السديد بن الأربلي وغيره وحدث، مات في ربيع الآخر، سمع منه أصحابنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 محمد بن فرج المعروف بالجمال بن تقلجلد كان من غلمان أحمد بن عجلان، كثير التردد إلى الرسلية، وكان ممن قام في الفتن والحروب التي بين عنان وبني عجلان حتى قتل كبيش ولما تسلطن علي بن عجلان استنابه فقام بتدبير أمر مكة مدة، ومات في حادي عشر المحرم. محمد بن قطلوبغا الفخري المعروف بليليك. محمد بن محمد بن عبد الله المالكي، فتح الدين بن شاش، كان أبوه ينوب في الحكم، وكان متشدداً في الوثائق، فنشأ ولده مشتغلاً ولده بصناعته الإنشاء واتصل في الخدم إلى أن اتصل بيونس الدوادار، فوقع عنده وتولى توقيع الإنشاء الدست ونيابة كتابة السر وعين كتابة السر بعد موت أوحد الدين وركب ليلبس وأحضر تشريفه فاستأذن يونس الدويدار السلطان على ذلك، فأمر بصرفه واستدعى في الوقت القاضي ابن فضل الله، ومات في شعبان. محمد بن محمد الرحبي بنج الدين، أحد أعيان التجار بدمشق. محمد بن علي بن رستم الخراساني ثم الدمشقي، نجم الدين، قرأ على ابن اللبان وتصدر للإقراء بالجامع الأموي مدة، ومات في ربيع الآخر. منشامغا بن ماري حاطه التكروري ملك التكرور، ملكها سنة تسع وثمانين وقيل سنة تسعين هذه السنة. مطهر بن عبد الله الهروي الزيدي الصنعاني الشاعر، مدح ملوكها وغيرهم. نافع بن عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز الفيشي، معين الدين الشاهد المالكي، كان مشهوراً بالاحتراز في الشهادات، فكان يقصد لذلك، مات في ثالث عشر شعبان. يلبغا المحمدي أمير جندار، عمر طويلاً، وأقام في هذه الوظيفة عشرين سنة. يوسف بن أحمد بن إبراهيم، جمال الدين، سمع الجزري وابن أبي اليسر والذهبي وغيرهم، مات في ذي الحجة عن ثلاث وسبعين سنة. تقي الدين بن الفحام نقيب الحكم، مات في المحرم فجأة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 شرف الدين النويري، شاهد ديوان يونس ونائب الحسبة بالقاهرة. أم الخير بنت القاضي موفق الدين عبد الله الحنبلي، آخر من مات من أولاده. أم عمر ألتى بنت ازدمر، حضرت على الحجار، وسمعت من البندنيجي بعناية عم أبيها صلاح الدين العلائي، ماتت في ذي الحجة عن سبع وسبعين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 سنة إحدى وتسعين وسبعمائة في المحرم حضرت رسل على باي بن قرمان صاحب قونية وغيرها من بلاد الروم ومعهم هدية فقبلت وأكرموا. وفي عاشوراء مطرت السماء على الحجاج مطراً عظيماً واشتد البرد جداً في حال رجوعهم. وفي تاسع عشر من المحرم حضر رسل صاحب جنوة ومعهم خواجا على أخو عثمان الذي كان الفرنج نهبوا مركبه وأسروا منه أخت قجماس بنت عم السلطان، فأعادوا المركب بما فيه وقدموا هدية فقبلت منهم. وفيها انكسر منطاش من التركمان وبقي في نفر يسير، وذلك أن ناصر الدين بن خليل بن دلغادر ونائب سيس جمعا التركمان الذين في طاعة السلطان وأوقعا بمنطاش فانهزم فاتفق مع الناصري بحلب، وكان الناصري قد وقع الخلف بينه وبين سودون المظفري أحد الأمراء الكبار بحلب، وكان قبله نائباً بحلب فتكاتبا إلى السلطان وحط كل منهما على الآخر، فأرسل السلطان إلى الناصري هدية جليلة وكتاباً فأمره فيه بالحضور فقبل الهدية وماطل في الحضور وتعلل بالخوف من منطاش والتركمان، فأرسل السلطان إلى تلكتمر المحمدي أن يصلح بين يلبغا الناصري وسودون المظفري بحضرة الأمراء والقضاة، وكتب السلطان إلى سودون في الباطن أن يقبض على يلبغا ويفتك به وكان مملوك الناصري بالقاهرة قد أخر الظاهر أجوبته ليسبقه تلكتمر ففر حتى دخل حلب قبل تلكتمر وأعلم الناصري بصورة الحال فاحترز، ويقال إن تلكتمر كان صهر حسن رأس نوبة يلبغا الناصري، فاطلع يلبغا على القصة من هذه الجهة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 فلما وصل تلكتمر إلى حلب تلقاه الناصري وقبل الكتب التي معه وامتثل ما فيها وجمع القضاة والأمراء بدار العدل ليقرأ عليهم مرسوم السلطان، فلما حضر سودون المظفري لذلك لمس قازان أمير آخور الناصري قماش سودون فأحس أنه لابس الحرب فأنكر عليه وقال: من يطلب الصلح يدخل في آلة الحرب، فشتمه سودون فسل قازان سيفه وضرب به سودون في المجلس فقتله ولم يكن الناصري حاضراً بل وقع ذلك قبل أن يخرج من مكانه إلى القاعة التي اجتمعوا فيها وهي القاعة الحمراء فتناوش مماليكه ومماليك الناصري وقامت الفتنة فقتل من مماليك سودون أربعة وأمسك الناصري الحاجب الكبير بحلب وركب بمن معه إلى القلعة فحصنوا عليه قليلاً، ثم سلها له نائبها وانهال الناس عليه بالدخول معه والمخامرة على السلطان ورجع تلكتمر من حلب فأخبر السلطان بما اتفق، فأرسل إلى إينال اليوسفي وهو يومئذ أتابك دمشق أن يتوجه إلى نيابة حلب وأن يمسك الناصري، وتجهز السلطان بالعساكر لقصد حلب واهتم لذلك ولما بلغ من بطرابلس من الأمراء الذين نفاهم السلطان تحالفوا ووثبوا على باب اسندمر نائب طرابلس فامسكوه وقتلوا جماعة من الأمراء وأرسلوا إلى الناصري يعلمونه باتفاقهم على طاعته، فكان ممن قام في ذلك من المشهورين كمشبغا الخاصكي الأشرفي وبزلار العمري ودمرداش اليوسفي وآقبغا قبجق وممن قتل خليل بن سنجر وولده ثم دخل كمشبغا المنجكي نائب بعلبك في طاعة الناصري ثم خرج ثلاثة عشر أميراً من دمشق على حمية طالبين حلب فأوقع بهم النائب فانهزموا بعد أن خرج منهم عدة واستمروا ذاهبين إلى حلب، ثم اتفق من بحماة من المماليك على قتل النائب بها فبلغه ذلك فهرب، فقام بيرم العزي الحاجب فاستولى هو ومن معه على القلعة فتوجه منطاش وكان قد حضر عند الناصري إلى حلب فسار إلى حماة فتسلمها وأرسلوا إلى الناصري بالطاعة، ثم توجه سنقر نائب سيس إلى طاعة الناصري فعارضه خليل بن دلغادر التركماني وقبض عليه وأرسل سيفه إلى السلطان، ثم دخل سوط بن دلغادر أمير التركمان ونعير أمير العرب في طاعة الناصري فأقام سناجق خليفته ودعا إلى نصر الخليفة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 ولما تواردت هذه الأخبار إلى السلطان حبس الخليفة في البرج فضيق عليه، ثم أفرج عنه في اليوم الثاني في ربيع الأول واعتذر إليه ووعده بمواعيد جميلة لما بلغه أن الناصري ينقم عليه حبس الخليفة ثم أرسل إليه دراهم وثياباً وضيق على ذرية الناصري بالحوش وأنفق النفقات الكثيرة حتى حمل إلى كل واحد من الأمراء الكبار مائة ألف درهم فضة قيمتها يومئذ أكثر من أربعة آلاف دينار وأحواله مع ذلك مضطربة وتغيرت النيات عليه وشرع في إبطال الرمايات والمظالم، ونادى في هذا الشهر بإبطال السلف على البرسيم والشعير وكان الناس يقاسون من ذلك شدة عظيمة، وأمر بإبطال مكس القصب والقلقاس وقياس ذلك، ثم أعيد بعد قليل وعزل موفق الدين ناظر الخاص عن نظر الجيش، وولاه جمال الدين المحتسب في ربيع الآخر واستقر شرف الدين الأشقر في قضاء العسكر عوضاً عن جمال الدين، فلم تطل مدته بل مات في ربيع الآخر كما سيأتي، فاستقر ابن خلدون عوضه في مشيخته البيبرسية، واستقر سراج الدين محتسب مصر في قضاء العسكر عوضاً عنه أيضاً واستقر في الحسبة همام الدين، واستقر شمس الدين البلالي في مشيخة سعيد السعداء عوضاً عن ابن أخي الجار، ثم توجه الجاليش السلطاني صحبة ايتمش وجركس الخليلي وينس الدوادار وغيرهم فوصلوا إلى غزة فأمسكوا نائبها آقبغا الصفوي وحبسوه بالكرك، واستقر حسن بن باكيش في نيابة غزة، ثم توجهوا إلى دمشق فتلقاهم نائبها، فأرسلوا جماعة من العلماء غلى الناصري في الصلح فتوجهوا إليه، فأكرمهم وسار من حلب إلى دمشق بمن معه من العساكر، فالتقاهم في تاسع عشر ربيع الآخر على خان لاجين، فانكسر الناصري مرتين، فخامر أحمد بن يلبغا وايدكار الحاجب وجماعة معهما وقاتلوا رفقتهم إلى أن كسروهم، وقتل جاركس الخليلي في المعركة، وفر يونس فقتل بعد ذلك بالخربة، قتله عنقاء بن شطي من آل فضل، ووقع في العسكر المصري النهب الشديد والقتل الذريع، وملك الناصري دمشق وحبس أيتمش بالقلعة واحتاط على موجوده وراسل حسن بن باكيش الناصري بالطاعة، وغمى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 الناصري الأخبار على السلطان وواطأه مامور نائب الكرك وحسن بن باكيش على ذلك، ومر أينال اليوسفي وأينال أمير آخور وغيرهما بحسن بن باكيش هاربين إلى مصر فأمسكهم وحبسهم بالكرك، وكان أينال اليوسفي قد هرب هو وأينال أمير آخور وصحبتهم نحوثمانين من المماليك فوصلوا إلى غزة، فأكرمهم نائبها ثم كبس عليهم لما رقدوا فأمسكهم جميعاً، ثم راسل الناصري بذلك، ولما بلغ السلطان ذلك أمر الخليفة والقضاة وسودون النائب والحاجب الكبير بالركوب ومعهم موقع حكم يقرأ ورقة فيها أن السلطان رفع المظالم وعرض الصلح على الباغي فامتنع فاحترسوا على أنفسكم واعملوا في كل حارة درباً، ونادى في كل يوم بإبطال مكس من المكوس المشهورة ثم لا يصح شيء من ذلك، وأمر بتحصين القلعة واستعد للحصار وحصل مؤنة شهرين وأجرى الماء إلى الصهريج الذي بناه بالقلعة، وخرج الناصري من دمشق بعد أن قرر في نيابتها جنتمر وهو أخو طاز في سادس جمادى الأولى، فلما شاع ذلك راسل السلطان أمراء العرب من الوجه البحري ومن الوجه القبلي فتباطؤا عنه، ثم حضر بعضهم وشرع في حفر خندق تحت باب القلعة عند باب القراقة، وسدت خوخة أيدغمش وعملت الدروب بالقاهرة فاستكثروا منها وأرسل إلى الأمير محمد بن علي أمير عرب العائد يأمره بتحويل الإقامات التي كان جهزها لأجل العسكر ويخبره أنه وهبها له، وكان مراده أن يلبغا الناصري تضيق عليه الأقوات والعليق فانعكس الأمر ولم يتمكن المذكور من تحويل ذلك، ووصلت العساكر فلم يسعه إلا تمكينهم من ذلك، وكان في الحواصل أربعة عشر ألف إردب شعير وثمانية آلاف حمل تبن ونحو مائتي حمل حطب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 وخطب في يوم الجمعة عاشر جمادى الأولى باسم الخليفة المتوكل قبل السلطان، وتحالف الخليفة والسلطان على الموالاة والمناصحة، ثم قدم على البشلاقي والي قطية منهزماً من عسكر الناصري في أواخر جمادى الأولى فسد ابن الكوراني باب المحروق وباب الجديد فلما قرب الناصري من الديار المصرية تسلل إليه الأمراء أولاً فأولاً فسار إليه ابن سلار اللفاف رأس نوبة بركة ومحمد بن سندمر وقريبه جبريل وإبراهيم بن قطلقتمر، ثم تسلل إليه محمد بن أيتمش ونزل الناصري بعساكره ظاهر القاهرة في الثالث من جمادى الآخرة فخرج إليه سودون باق وقرقماش الخزندار وجمهور الأمراء حتى لم يبق عند السلطان إلا ابن عمه قجماش وسودون النائب وتمربغا المنجكي وسودون الطرنطاي وأبو بكر بن سنقر وصواب السعدي مقدم المماليك في نفر يسير واختفى حسين بن الكوراني والي القاهرة فعاث أهل الفساد بسبب ذلك وكسروا السجون وخزانة شمائل، وأرسل السلطان إلى الناصري يطلب منه الأمان لنفسه، وذلك في يوم السبت ثالث جمادى الآخرة فجاءه أبو بكر ابن أخت بهادر، فأمره أن يختفي قدر جمعة لينكسر عنه حدة الأعداء ففعل ذلك واختفى ليلة الاثنين خامس جمادى الآخرة، ووقع النهب في الحواصل التي بالقلعة وبالقاهرة وضواحيها قليلاً، وكان أهل مصر أقل نبهاً من أهل القاهرة ودخل منطاش يوم الاثنين إلى القلعة فأخذ الخليفة وتوجه إلى يلبغا الناصري بقبة النصر فطلعوا جميعاً إلى القلعة وعرضوا المملكة على الناصري فامتنع، فاتفق الرأي على إعادة حاجي ابن الملك الأشرف إلى السلطنة، وقيل إنهم رموا قرعة فخرج اسمه فغيروا لقبه الأول ولقب المنصور، واستقر يلبغا الناصري مدبر المملكة وسكن الاصطبل والطنبغا الجوباني رأس نوبة كبير ودمرداش الأحمدي أمير سلاح وأحمد بن يلبغا أمير مجلس وتمرباي الحسني حاجب كبير وآقبغا الجوهري استادار وقرقماش خزندار وظهر حسين بن الكوراني وأعيد إلى ولاية القاهرة وأمسك جماعة من الأمراء فسجنوا بالإسكندرية، ووقع النهب بالقاهرة يومين فندب الناصري له تنكزبغا فنزل عند الجملون وسط القاهرة، ونزل أبو بكر الحاجب عند باب زويلة فسكن الحال قليلاً، ثم نودي: من نهب من التركمان شيئاً شنق، وظهر بعد ذلك المباشرون والقضاة وهنؤا الناصري والخليفة، ثم ظهر محمود الاستادار وقدم تقاديم عظيمة فأعيد إلى وظيفته، ثم غضب عليه منطاش بعد ذلك فضربه وأهانه وصادره، ثم اشتد الطلب على الملك الظاهر ونودي: من أحضره أعطي ألف دينار، فشاع ذلك فخشي على نفسه فراسل الناصري فأرسل إليه الجوباني فأحضره من بيت شخص خياط مجاور لبيت أبي يزيد صهر أكمل الدين، وكان أبو يزيد حينئذ أمير عشرة فكان الظاهر قد أمن إليه فأخفاه فطلع به الجوباني نهاراً إلى القلعة فحبس بقاعة الفضة، وأراد منطاش قتله فدافع عنه الناصري، وأرسله إلى الكرك، فتوجه في ثاني عشرين جمادى الآخرة صحبة ابن عيسى فسار به على طريق عجرود إلى الكرك، وصحبته ثلاثة صغار من مماليكه وهم قطلوبغا واقباي وسودون فتسلمه حسن الكجكي نائب الكرك، وأنزله في قاعة تعرف بقاعة النحاس، وكان بالقلعة امرأة مامور نائب الكرك وهي بنت يلبغا الكبير فعرفته فخدمته أتم خدمة وأعدت له جميع ما يحتاج إليه، وتلطف به الكجكي نائب الكرك، ووعده بأن يخلصه، ثم خلع على الخليفة في خامس عشر جمادى الآخرة ونزع الأمراء السلاح وأقروا القضاة وأصحاب الوظائف على ما كانوا عليه، واستقر بزلار نائب الشام، وكمشبغا الحموي نائب حلب، وشنجق نائب طرابلس، وأحمد ابن المهمندار نائب حماة، وقطلوبغا الصفوي نائب صفد، واستقر كريم الدين بن مكانس مشير الدولة، وأخوه فخر الدين ناظرها، وأخوهما زين الدين صاحب ديوان الناصري، وأعيدت المكوس كلها كما كانت، ونودي بأمان الجراكسة، ومن ظهر منهم فهو باق على أقطاعه ومن اختفى شنق، ثم قبض على جمع كثير من الأمراء الكبار والصغار وجميع من عرف بالانتماء للملك الظاهر وسجن بالإسكندرية نحو ثلاثين من الأمراء، وبالقلعة خلق كثير من المماليك، وبخزانة شمائل خلق كثير من المماليك أيضاً. االجوهري استادار وقرقماش خزندار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 وظهر حسين بن الكوراني وأعيد إلى ولاية القاهرة وأمسك جماعة من الأمراء فسجنوا بالإسكندرية، ووقع النهب بالقاهرة يومين فندب الناصري له تنكزبغا فنزل عند الجملون وسط القاهرة، ونزل أبو بكر الحاجب عند باب زويلة فسكن الحال قليلاً، ثم نودي: من نهب من التركمان شيئاً شنق، وظهر بعد ذلك المباشرون والقضاة وهنؤا الناصري والخليفة، ثم ظهر محمود الاستادار وقدم تقاديم عظيمة فأعيد إلى وظيفته، ثم غضب عليه منطاش بعد ذلك فضربه وأهانه وصادره، ثم اشتد الطلب على الملك الظاهر ونودي: من أحضره أعطي ألف دينار، فشاع ذلك فخشي على نفسه فراسل الناصري فأرسل إليه الجوباني فأحضره من بيت شخص خياط مجاور لبيت أبي يزيد صهر أكمل الدين، وكان أبو يزيد حينئذ أمير عشرة فكان الظاهر قد أمن إليه فأخفاه فطلع به الجوباني نهاراً إلى القلعة فحبس بقاعة الفضة، وأراد منطاش قتله فدافع عنه الناصري، وأرسله إلى الكرك، فتوجه في ثاني عشرين جمادى الآخرة صحبة ابن عيسى فسار به على طريق عجرود إلى الكرك، وصحبته ثلاثة صغار من مماليكه وهم قطلوبغا واقباي وسودون فتسلمه حسن الكجكي نائب الكرك، وأنزله في قاعة تعرف بقاعة النحاس، وكان بالقلعة امرأة مامور نائب الكرك وهي بنت يلبغا الكبير فعرفته فخدمته أتم خدمة وأعدت له جميع ما يحتاج إليه، وتلطف به الكجكي نائب الكرك، ووعده بأن يخلصه، ثم خلع على الخليفة في خامس عشر جمادى الآخرة ونزع الأمراء السلاح وأقروا القضاة وأصحاب الوظائف على ما كانوا عليه، واستقر بزلار نائب الشام، وكمشبغا الحموي نائب حلب، وشنجق نائب طرابلس، وأحمد ابن المهمندار نائب حماة، وقطلوبغا الصفوي نائب صفد، واستقر كريم الدين بن مكانس مشير الدولة، وأخوه فخر الدين ناظرها، وأخوهما زين الدين صاحب ديوان الناصري، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 وأعيدت المكوس كلها كما كانت، ونودي بأمان الجراكسة، ومن ظهر منهم فهو باق على أقطاعه ومن اختفى شنق، ثم قبض على جمع كثير من الأمراء الكبار والصغار وجميع من عرف بالانتماء للملك الظاهر وسجن بالإسكندرية نحو ثلاثين من الأمراء، وبالقلعة خلق كثير من المماليك، وبخزانة شمائل خلق كثير من المماليك أيضاً. وفي حادي عشرين جمادى الآخرة عرض الجوباني المماليك الظاهرية فأفرد لخدمة السلطان مائة، نزلهم بالطباق وفرق البقية على الأمراء. وفي وسط جمادى الآخرة ثار آقبغا الصغير بدمشق في أربعمائة فأوقع بهم جنتمر فهزمهم على آقبغا فسجنه. وفي سادس عشرين جمادى الآخرة أعيد شرف الدين علي بن قاضي العسكر إلى نقابة الأشراف عوضاً عن الطباطبي. وفي سلخ جمادى الآخرة كسرت جرار الخمر بالرميلة حملت من بيوت أسارى الأرمن التي بالكوم قرب الجامع الطولوني. وفي رجب جردت العساكر لردع عرب الشرقية الزهيرية لكثرة فسادهم. وفي أول يوم منه ادعى على ابن سبع شيخ العرب بزفته بأشياء تنافي الشريعة، وشهدت عليه جماعة عند قاضي القضاة ابن خير المالكي، فسعى له جماعة إلى أن خلص ونقل إلى الشافعية فحكم بحقن دمه، ثم سعى به إلى أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 عقد له مجلس عند الناصري، فقال له ابن خلدون الذي كان قاضي المالكية: يا أمير أنت صاحب الشوكة وحكمك نافذ، فحكم بحقن دمه وغطلاقه فأطلق، وذلك في سادس هذا الشهر، وكان في الأيام الظاهرية قد وقع له نظير ذلك فيقال إنه برطل بأربعمائة ألف درهم حتى خلص، وكان القائم في أمره كريم الدين بن مكانس وهو يومئذ متولي أمر ديوان الناصري، ومحب الدين ابن الإمام وهو شاهده، وغيرهم من خاصكيته فاخرجوا ابن سبع من حبس ابن خير، وكان ممن حضر المجلس المعقود له في الإصطبل الشيخ سراج الدين البلقيني والقضاة يومئذ ابن الميلق والطرابلسي وابن خير ونصر الله، فجهد بهم الناصري أن يحكم أحد منهم بقبول إسلامه وحقن دمه، فامتنع لكون ابن خير سبق بالحكم بإراقة دمه، فلما أطلق ابن سبع بعد أن حكم الناصري بحقن دمه بحكم إسلامه ونفذه القضاة توجه إلى بلاده، فاتفق إلى بلاده، فاتفق أنه دخل الحمام فدخل عليه جماعة فقتلوه وذهب ذمه هدراً. وفي هذا الشهر استقر شهاب الدين أحمد بن عمر القرشي في قضاء الشافعية بدمشق عوضاً عن سري الدين. وفي ربيع الآخر مات الشيخ شرف الدين ابن الأشقر فاستقر في قضاء العسكر عوضاً عنه سراج الدين القيصري، ثم انفصل منه في شهر رجب واستقر بدر الدين محمود الكلستاني، وعزل همام الدين عن حسبة مصر، واستقر شمس الدين بن العلاف فيها، وكان ابن العلاف يؤدب الأطفال بمصر وهو أحد من أقرأني القرآن، ثم سافر إلى حلب واتصل بيلبغا الناصري، واستقر في إمامته ووصل معه إلى القاهرة فولاه الحسبة، واستقر علاء الدين البيري موقع يلبغا الناصري في توقيع الدست. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 وفي ثامن رجب خلع على نعير أمير العرب خلعة السفر، وكان قد قدم بعد العسكر على السلطان، وكان الظاهر برقوق قد عجز فيه أن يحضر إلى مصر وهو يمتنع فحضر في هذه الدولة طوعاً، وشفع قبل أن يسافر في جماعة من الأمراء فقبلت شفاعته وأطلقوا من السكندرية. وفي ثامن رجب خلع السلطان على شخص خياط وقرره خياط السلطان، فبلغ ذلك الناصري فأمر بإحضاره فنزع منه الخلعة وضربه ضرباً مبرحاً، فغضب السلطان من ذلك ولم ينفعه غضبه، ثم أمر الناصري بتفرقة المماليك الذين رتبوا في أطباق القلعة لخدمة المنصور على الأمراء، وأبطل المقدمين والسواقين والطواشية ونحو ذلك وأراد انحلال أمر المنصور، فلما أن كان في سادس عشر شعبان أظهر منطاش أنه ضعيف وكان خاطره قد تغير بسبب أشياء سأل فيها فلم يجبه الناصري إليها وفهم من الناصري أنه يطلب السطلنة لنفسه، فلما شاع ضعفه عاده الجوباني فقبض عليه، وركب إلى مدرسة حسن في سبعة وثلاثين نفساً فنهب الخيول التي على باب السلسلة وأركبها المماليك الذين معه فمر من عليهم آقبغا الجوهري، فأمر الزعر أن ينهبوا بيته فهجموا إصطبله ونهبوا جميع ما فيه من خيل وقماش، وفر هو ولم يلبث منطاش إلا وقد اجتمع إليه نحو خمسمائة نفس والتفت عليه من المماليك الأشرفية والظاهرية وساعده العوام والزعر فنهب بيوت من خالفه، واشتد الحصار على من بالإصطبل والقلعة ورموا عليهم من مأذنتي مدرسة حسن. ثم راسله الناصري مع الخليفة في الصلح فامتنع وقال: هو الذي بدأ بالغدر ونكث ما اتفقنا عليه فقويت شوكة منطاش وتابعه أكثر الأمراء فهرب الناصري وملك منطاش الإصطبل وطلع إلى القلعة يوم الخميس تاسع عشر شعبان فاجتمع بالسلطان فقال له: أنا مملوكك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 ومطيع أمرك، وجلس حيث كان يجلس الناصري، ثم أمسك الناصري من سرياقوس أو من ربهون في ذلك اليوم فأرسل إلى الإسكندرية، وأرسل معه جماعة من الأمراء مثل الطنبغا المعلم ومأمور الحاجب وآقبغا الجوهري وغيرهم، وأنفق منطاش على الذين قاتلوا معه وساعدوه نحو عشرة آلاف درهم فضة جمعها من الحواصل الظاهرية، ومن المصادرات، منها من جهة محمود وحده ألف ألف وخمسمائة ألف، ومن جهة جاركس الخليلي ألف ألف وسبعمائة ألف، وجدت مودوعة له بخان مسرور في حاصل مفرد، وكان أصل منطاش واسمه تمربغا وأخوه تمرباي عند تمراز الناصري وكانا من أولاد الجند فخدما عند تمراز في دولة حسن وتربيا عنده مع أبيهما وكان اسم تمرباي محمداً واسم منطاش أحمد، ثم خدم تمرباي عند الأشرف وكبر في دولته، ثم من بعده إلى أن ولي نيابة حلب، ومات وتولى منطاش نيابة ملطية، وكان الظاهر كلما هم بالقبض عليه فيخلصه منه قجماس ابن عم السلطان لكونه لما مر عليه وهو مع التاجر الذي جلبه بالغ في الإحسان إليه فكافأه، وكان ممن تعصب له أيضاً سودون باق لأنه كان في خدمة تمرباي، ثم كاتب منطاش بالعصيان إلى أن كان منه ما كان، وقد تقدم أن برقوق اشتراه من أولاد أستاذه واعتقه فكان ذلك عند منطاش لم يصادف محلاً لأنه يعرف أصل نفسه. وفي العشرين من شعبان قبض على ابن مكانس وعصر وصودر واختفى أخوه فخر الدين، ثم ظهر ووعد بمال فأطلق على وظيفته، وأمر منطاش بصندل، فعذب على ذخائر الظاهر، وعصر مراراً حتى دل عليها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 وأخذ منطاش في تتبع المماليك الظاهرية فأبادهم قتلاً وحبساً، وقرر في ولاية القاهرة حسين بن الكوراني بسؤال العامة في ذلك بعد أن كان اختفى، وتولى نائبه محمد بن ليلى فعظم الضرر بالزعر، فظهر حسين والتزم بتحصيل المماليك الظاهرية، فأعيد خامس شهر رمضان بعد أن سأل العوام منطاش في إعادته بسبب الزعر ثم تتبع الزعر فأبادهم، وكانت شوكتهم قد اشتدت لنصرتهم لمنطاش في قتال الناصري، وكان قربهم وعرف فيهم عرفاء، وأنفق فيهم مالاً، ثم جهز منطاش أحمد البريدي إلى الكرك لقتل برقوق، فلم يوافق النائب حسن الكجكني على ذلك، فاجتمع أهل الكرك على نصر برقوق وبايعوه في تاسع شهر رمضان، فحصن الكرك وحكم بها، فتسامع به أصحابه ومن كان يحبه فتسللوا إليه، فاجتمع له جمع كثير نحو ألف فارس، وكاتبه نعير أمير آل فضل بالطاعة، وحضر إليه العشير من عرب الكرك. وفي تاسع رمضان خلع على محمود الاستادار، واستقر في وظيفته بعد أن أخذ له من الأموال من عدة ذخائر ما يفوق الوصف ما بين كنابيش ذهب وطرز ذهب وفرى سمور وسنجاب وفضة طوب، ومن الذهب البهرجة والفلوس شيء كثير، فلما رأى ذلك وهو مختفي وفي كل يوم يظهر له ذخيرة ويحول إلى منطاش، ظهر فأمسك وضرب وصودر على ألفي ألف درهم فضة، ثم أفرج عنه وأعيد إلى وظيفته. وفي سلخ رمضان جاء كتاب ابن باكيش نائب غزة إلى منطاش صحبة بدوي وجندي أرسلهما إليه برقوق يدعوه إلى طاعته فسلمهما منطاش للوالي فقبلهما وعين منطاش خمسة أمراء مقدمين وثلاثمائة مملوك للتوجه إلى الكرك لمحابة برقوق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 وفي شوال عصى كمشبغا نائب حلب على منطاش، فركب عليه إبراهيم بن قطلقتمر وشهاب الدين أحمد بن أبي الرضي قاضي حلب مع جماعة من أهل بانقوسا، فانتصر عليهم وقتل الأمير والقاضي صبراً يعد أن أحضره إلى جهة الشام وقتل جماعة ممن ساعدهم. وفي ذي لبقعدة توجه برقوق من الكرك ومن أطاعه، وقام علاء الدين المقيري الذي ولي بعد ذلك السر، وهو أخو قاضي الكرك، فخدمه ووقع عنه في تلك الأيام، وأعانه أخوه عماد الدين قاضي الكرك بالمال، ثم ندم أخوهما ناصر الدين واجتمع بأخيه عماد الدين وأكابر أهل الكرك وخشوا من عاقبة برقوق وإنكار السلطان عليهم ما فعلوه فاتفقوا على أن يقبضوا على برقوق وأن يكون ذلك عذراً لهم عند السلطنة، فأغلقوا باب الكرك بعد أن أخرج برقوق إيناته وعسكره وتأخر هو ليكمل بقية مهماته، فلما وصل إلى الباب وجده مغلقاً، فاستعان بعلاء الدين على إخوته حتى فتح له، وتوجه إلى جهة غزة في أواخر شوال فالتقاهم حسين بن باكيش نائب غزة فقاتلهم فهزموه، وتوجه برقوق إلى دمشق ليحاصرها، فبلغ ذلك جنتمر نائب الشام فجمع العساكر فالتقى بالظاهر بشقحب فكسره، ثم رجع الظاهر عليهم بكمين فكسرهم وقتلت بينهم مقتله عظيمة، وساق خلفهم إلى دمشق، فهرب جنتمر إلى القلعة وتحصن بها وتوجه خلق كثير من المهزومين إلى جهة القاهرة، واستمر الحصار على دمشق، ونزل الظاهر بقبة يلبغا وهو في غاية الوهن من قلة الشيء، فبلغ كمشبغا نائب حلب خروجه من الكرك، فأرسل إليه مائتي مملوك فقوي بهم ثم حضر ابن باكيش وقد جمع من العشير والترك شيئاً كثيراً، فواقعه الظاهر فكسره واحتوى على جميع أثقاله، فقوي بذلك قوة ظاهرة وتسامع به مماليكه، ومن كان له فيه هوى فتواتره عليه حتى كثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 جمعه ثم هجم برقوق ومن معه على دمشق فدخلوها، فرمى عليهم العوام الحجارة والمماليك السهام فكسروهم، ونهب العامة وطاقه في الميدان حتى لم يبق لهم خيمة واحدة، وباتوا في تلك الليلة تحت السماء، وكل واحد قد أمسك عنان فرسه بيده، فأصبحوا في شدة عظيمة ويئسوا من أنفسهم، فوصل إليهم في تلك الحالة إينال اليوسفي وقجماس ابن عم السلطان ومعهم نحو مائتي نفس من مماليك الظاهر مستعدين بالسلاح وصلوا إليه من صفد، وكان السبب فيه أن يلبغا السالمي وهو من مماليك الظاهر خدم دوادارا عند قطلوبك النظامي النائب بصفد، فلما بلغه توجه الظاهر من الكرك ووقعته بشقحب وتوجهه إلى دمشق اتفق مع من كان هناك من مماليك الظاهر أنهم يتوجهون إلى الظاهر، فتجهزوا وأعانهم، فبلغ ذلك النائب فخرج من ورائهم ليردهم، فعمد يلبغا إلى الحبس فأخرج منه اينال اليوسفي وجمعاً من المسجونين فملكوا القلعة فلما رجع النائب سقط في يده وهرب، فنهبوا حواصله وتوجهوا إلى برقوق فوجدوه نازلاً على قبة يلبغا في الحالة المذكورة فكانوا له فرجاً عظيماً، فقوي بهم ورجعوا إلى حصار دمشق. وفي الثاني عشر من ذي الحجة وصل كمشبغا الحموي من حلب فنزل مرج دمشق، فتلقاه مماليك الظاهر فحضر عند الظاهر وقدم له أشياء كثيرة، فقويت أحوال الظاهر بعد أن كادت تتلاشى، ومن جملة من قدم معه بكلمش العلاي وبهادر مقدم المماليك. وفي شعبان قبض منطاش على عنان بن مغامس أمير مكة وحبسه مقيداً، ولما بلغ نعير بن حيار أمير العرب مسك الناصري اتفق هو وسولى بن دلغادر وخرجا عن الطاعة. وفي عاشر رمضان قتل أهل الكرك الشهاب أحمد البريدي، وكان من أولاد أهل الكرك، فتزوج بنت العماد أحمد بن عيسى قاضي الكرك، ثم طلقها أبوها منه، فوصل حتى خدم عند منطاش، فجهزه بعد أن حكم بقتل برقوق، فقدم الكرك فتوعد قاضيها وأهلها بكل سوء، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 فاتفق أن النائب بها لم يوافق على قتل الظاهر، وماطله بذلك أياماً، فبلغ ذلك أهل الكرك، فتعصبوا للظاهر وهجموا على أحمد البريدي، فقتلوه واشتد الأمر على منطاش لما سمع هذه الأخبار وتهيأ للتجهيز وخرج بجمع عظيم من القاهرة، واخرج معه القضاة والخليفة والسلطان وفرق الحواصل وباع جميع الغلال وغيرها بأبخس ثمن وحصل للناس من ذلك شر كبير، ثم اقترض من مال الأيتام خمسمائة ألف درهم، ورتبت فتيا صورتها: رجل خرج على الخليفة والسلطان وشق العصا وقتل شريفاً في الحرم الشريف واستحل الأموال والأنفس إلى غير ذلك، فكتب عليها العلماء والقضاة بجوار قتاله ودفعه عن ذلك، وامتنع الركراكي من الكتابة، وناظر على ذلك فغضب منه منطاش وأهله وسجنه في البرج مع مماليك الظاهر بالقلعة. وفي ذي الحجة استقر عبد الله العجمي في قضاء العسكر عوضاً عن سراج الدين عمر. وفيها اعتقل زكريا الذي كان الظاهر عمله خليفة، وكتبوا عليه إشهاداً بأنه لا يسعى في الخلافة بعد، وانسلخت هذه السنة والظاهر على حصار دمشق ومنطاش سائر بالعساكر إلى جهته، وبالغ القاضي شهاب الدين القرشي في التحريض على برقوق، وكان يرتب من يسبه على الأسوار، وكان لا ينزل من مخيمه، بل كان اينال اليوسفي ومن معه يباشرون القتال وخرب ما حول دمشق. وفي غضون ذلك وصل إليهم كمشبغا من حلب ومعه عسكر ضخم، فنزل بالمرج شرقي دمشق، ثم وصل إلى برقوق في ثاني عشر ذي الحجة كما تقدم، ففرح به وقدم له خيمة سلطانية وخيولاً وأمتعة وجمالاً فاستقام أمره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 وفيها كانت الوقعة بين التركمان فتحارب كبيرهم قرا محمد صاحب تبريز وقرا حسن بن حسين بك، فقتل قرا محمد في المعركة، وانهزم أصحابه وغنم يار حسين ومن معه ما كان معهم وذلك في ربيع الآخر، وتأمر يار حسين على التركمان، ثم اجتمع الكل وأمروا عليهم نصر خجا بن قرا محمد واستنجدوا بصاحب ماردين وغيره. وفي ثالث عشرين المحرم استقر جلال الدين بن نصر الله البغدادي في تدريس الحديث بالظاهرية الجديدة عوضاً عن الشيخ زاده، واستقر ولي الدين بن خلدون في تدريس الحديث بالصرغتمشية عوضاً عن ابن نصر الله المذكور. وفي أول شعبان أمر نجم الدين الطنبذي المحتسب أن يزاد بعد كل أذان الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، كما يصنع ذلك ليلة الجمعة بعد العشاء فصنعوا ذلك إلا في المغرب لضيق وقتها بزعمهم. وفي سادس شعبان وهو سادس مسرى أو في نيل مصر. وفيها اجتمع الأمراء والمماليك الذين نفوا إلى قوص، فأمسكوا والي قوص وساعدهم حسين بن قرط والي أسوان ومبارك شاه الكاشف، فأرادوا التوجه من البر الشرقي إلى جهة السويس ليتوصلوا إلى الكرك، لما بلغهم خروج الظاهر وخلاصه من السجن، وكان ذلك في شوال، ففر منهم حسين بن قرط ووصل في سادس ذي القعدة وأخبر أن مبارك شاه إنما وافقهم خوفاً على نفسه، وانه فر منهم، وأرسل منطاش جماعة من الأمراء إليهم فأمسكوا نحو الثلاثين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 منهم، وتفرق من بقي شذر مذر وأحضروا المأسورين، فأمر بحبسهم وتجهز منطاش بالعساكر في أواخر ذي القعدة، وكان سفرهم في سادس عشر ذي الحجة. وفي الحادي عشر من شوال اجتمع العوام فشكوا من المحتسب، فأحضره منطاش وضربه مائتي عصا وعزله، وقرر عوضه سراج الدين عمر القيصري. وفي شوال تزوج منطاش ستيتة بنت الملك الأشرف أخت السلطان المنصور فزفت عليه، وكان جهازها على خمسمائة جمال، وعلق برأسها ليلة الزفاف ديناراً زنته مائتا مثقال، ثم ديناراً زنته مائة مثقال. وفي ثالث عشر شوال استقر شمس الدين السلاوي الدمشقي في قضاء الشافعية بالمدينة عوضاً عن الشيخ زين الدين العراقي. وانتهت زيادة النيل هذه السنة إلى ثمانية عشر إصبعاً من عشرين ذراعاً وثبت إلى تاسع بابه، وذلك في شوال منها. وفي ثالث عشرين شوال قبض على نور الدين الحاضري، وضرب وعصر وسجن لكونه كان مباشراً عند أخت الملك الظاهر وأفحش حسين الوالي ابن الكوراني في أخت الملك الظاهر وأولادها، ومن يقوم من جهتهم. وفي حادي عشرين شوال استقر أبو الفرج في الوزارة وكريم الدين بن الغنام في نظر الخاص بعد استدعاء شمس الدين بن المقسي، وعرضت عليه الوظيفتان معاً فامتنع، ثم استعفى ابن الغنام وقبض عليه وصودر على ثلاثمائة ألف وأضيف نظر الخاص إلى موفق الدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 وفي إمارة منطاش ثارت الفتنة بين أمراء العرب وأمراء التركمان والمماليك المنفيين، ثم اتفقوا كلهم على العصيان فقاتلهم مبارك شاه نائب الوجه القبلي فهزمهم. وفي سلخ شوال استقر القاضي صدر الدين المناوي أحد نواب الشافعية في القضاء عوضاً عن ناصر الدين ابن بنت الميلق، وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري، وأجازنيه أن السبب في ذلك أن ديناراً اللالا الأشرفي كان وقف رزقه على جامع المارداني، وكان القاضي ناصر الدين يومئذ يعمل فيه الميعاد للعامة ففوض إليه نظرها، فلما غلب منطاش على الملك استعظمها لأنها كانت قديماً أقطاعه فعارضه فيها القاضي وكرر السؤال في أمرها، فقيل لمنطاش إن الحدود التي في كتاب الوقف مغايرة لحدود الطين المذكور، فعرض ذلك على القاضي فصمم على أنها وقف، فغضب وعزله وولي المناوي وكان أحد من ينوب في الحكم عن ابن بنت الميلق فأقام أربعين يوماً، ثم حصلت حركة منطاش إلى الشام فرام من المناوي أن يقترض ما في المودع من الأموال فامتنع فعزله، وقرر بدر الدين بن أبي البقاء بعد أن كان بدر الدين سعى في قضاء دمشق وكتب توقيعه عوضاً عن سري الدين وأفردت لسري الدين المشيخة وخطابة الجامع، ثم بطل أمر بدر الدين عن دمشق، واستقر في قضاء الشم شهاب الدين القرشي، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري، عزل المناوي بعد أن نزل منطاش بالريدانية، وخلع على بدر الدين هناك، فدخل القاهرة وهو بالخلعة، واستناب صدر الدين ابن رزين في غيبته، وكان صاهر عنده وقرر ولده جلال الدين في إفتاء دار العدل فكانت مدة ولاية المناوي وهي الأولى نحو أربعين يوماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 وفيها مات المنتصر ابن أبي حمو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن عبد الواد، وكان تأمر وأبوه حي، ووقع بينه وبين أخيه أبي تاشفين لما أن خرج على أبيهما حروب. وفي ذي الحجة سنة إحدى وتسعين بعث أبو العباس المريني ملك فاس ولده أبا فارس عبد العزيز والوزير محمد بن يوسف بن علان نصرة لأبي تاشفين لاستنقاذ تلمسان من يد أبي حمو والد أبي تاشفين وكان أبو تاشفين انتصر به على أبيه، فسلم موسى بن يحلف عسان من قبل أبي تاشفين، ثم أسل والده أبو حمو عميراً إلى تلمسان فسلمها له أهل البلد، فقبض على موسى بن يحلف فقتل، فواقعه الوزير بن علان في عساكر بني مرين فانهزم منهم، فكبا به فرسه فسقط فقتل في أول السنة الآتية. ذكر من مات في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة من الأعيان. إبراهيم بن علي بن إبراهيم الشامي المعروف بابن الحلوى الواعظ، كان أبوه بالقاهرة يبيع الحلوى، وأصله من الشام، فنشأ ولده هذا فولع بعمل المواعيد من صباه فمهر، وكان حسن الصوت، طيب النغمة، جيد الأداء، مليح الوجه، قوي الذهن، فراج سوقه وحج مراراً وجاور وامتحن بيد الجار الهندي ثم خلص، ولم يزل على حاله في الكلام على الكرسي إلى أن مات في تاسع صفر منها. إبراهيم بن قطلقتمر كان ممن يتعصب على الظاهر فقتله كمشبغا بحلب صبرا. أحمد بن إسماعيل بن محمد بن أبي العز بن صالح بن أبي العز القاضي نجم الدين بن الكشك، ولي الحكم بالقاهرة عاضاً عن ابن التركماني ثم عزل بابن عمه صدر الدين، ثم ولي الحكم بدمشق سنة سبع وسبعين، ثم عزل ثم أعيد ثم قتل بالصالحية بيد شخص مجنون وذلك في مستهل ذي الحجة. أحمد بن عمر بن محمد أبي الرضا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 شهاب الدين أبو العباس ابن أبي الرضا الشافعي الحلبي أصله من. كان من أعاجيب الزمان في الذكاء وولي قضاء حلب في سنة. بالغ الحافظ برهان الدين محدث حلب في الثناء على فضائله فقال: كان أوحد العلماء، مشاركاً في علوم كثيرة، شرح العضد ونظم غريب القرآن، وكان يحافظ على الجلوس في الجامع لا يخرج منه إلا لحاجة، ويكاد يستحضر شرح مسلم للنووي، ومعالم السنن للخطابي، ويستحضر مذاهب غريبة مع حسن محاضرة ولطافة شكل وتنزه نفس، وكان يعظم أهله ولا يستكثر عليهم شيئاً ولا يقدم عليهم أحداً، ومن إنشائه غريب القرآن منظوم سماه عقد البكر في نظم غريب الذكر أجاد فيه ورثاه الشيخ حميد العابر بخمس يعاد فيه، وكان قد ولي القضاء بحلب فاشتهرت فضائله، وفاق الأقران، فلما كانت كائنة برقوق وخروج يلبغا الناصري عليه ثم عاد من سجن الكرك إلى أن تسلطن ثانياً ذكر له كمشبغا الكبير ما كان يبدو من هذا القاضي وغيره في حقهم، فنقم عليه وأمر بحمله إلى القاهرة فاغتيل في الطريق وقتل ظلماً بخان شيخون بين المعرة وكفر طاب فقرأت بخط العيني في تاريخه: قتل شر قتله. وكان ذلك أقل جزائه لأن الظاهر هو الذي جعله من أعيان الناس وولاه القضاء من غير بذل ولا سعي، فجازاه بأن أفتى في حقه بما أفتى وقام في نصر أعدائه بما قام، وشهر السيف وركب بنفسه والمنادي بين يديه ينادي: قوموا انصروا الدولة المنصورية بأنفسكم وأموالكم، فإن الظاهر من المفسدين العصاة الخارجين، فإن سلطنته ما صادفت محلاً إلى غير ذلك، قال: فجازاه الله بالإهانة والذل والإخراج من وطنه بهيئة قطاع الطريق والرمي في البرية بغير غسل ولا كفن ولا صلاة، وقال في حقه أيضاً: إنه كان عنده بعض شيء من العلم ولكنه كان يرى نفسه في مقام عظيم، وكان مولعاً بثلث أعراض الكبار، وكان باطنه رديئاً وقلبه خبيثاً، قال: وسعت أنه كان يقع في حق الإمام أبي حنيفة. أحمد بن عمر بن محمود بن سلمان بن فهد، شهاب الدين بن زين الدين بن الشهاب، الحلبي الأصل الدمشقي المعروف بالقنبيط، ولد سنة عشر أو نحوها، وسمع من أمين الدين محمد بن أبي بكر بن النحاس وغيره، ووقع في الدست وكان أكبرهم سناً وأقدمهم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 مات في ربيع الأول عن ثمانين سنة وزيادة، ولم يحدث شيئاً، وهو الذي أراد صاحبنا شمس الدين بن الجزري بقوله: باكر إلى دار عدل جلق يا ... طالب خير فالخير في البكر. فالدست قد طاب واستوى وغلا ... بالقرع والقنبيط والجزر. وأشار بالقنبيط إلى هذا وبالجزر إلى نفسه وبالقرع إلى أبي كبر بن محمد الآتي ذكره سنة أربع وتسعين، وقال ابن حجي: كان سمح النفس، كثير التبسط في المآكل والملابس. أحمد بن محمد بن عمر، شهاب الدين، إمام الشامية البرانية، كان من نبلاء الطلبة الشافعية، مات في ذي الحجة. أحمد بن محمد، محب الدين المعروف بالسبتي، انقطع بمصلى خولان ظاهر مصر بالقرافة، وكان معتقداً ويشار إليه بعلم الحرف والزيجات، مات في العشرين من صفر عن سن عالية، أظنه جاوز الثمانين، رأيته بالمصلى في يوم عيد، وكان حسن السمت. أحمد بن موسى بن علي، شهاب الدين بن الوكيل، عني بالفقه والعربية وقال النظم فأجاد، وكان سمع بمكة من الجمال ابن عبد المعطي المكي، وبدمشق من الصلاح ابن أبي عمر، ومن شيوخه في العلم: صلاح الدين العفيفي، ونحم الدين ابن الجابي، وجمال الدين الأسيوطي، وشمس الدين الكرماني، أخذ عنهم بمكة، وكان يتوقد ذكاء، مات بالقاهرة في صفر. أحمد بن أبي يزيد بن محمد السراي الشهير بمولانا زاده الحنفي شهاب الدين بن ركن الدين، قال الشيخ بدر الدين الكلستاني في حقه ومن خطه لخصت: ولد في عاشوراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 سنة 754 وكان والده كثير المراعاة للعلماء والتعهد للصالحين، وكان السلاطين من بلاد سراي قد فوضوا إليه النظر على أوقافهم، فكان تحمل إليه الأموال من أقطار البلاد ولا يتناول لنفسه ولا لعياله شيئاً وكان يقول: إنما أتحدث لهم وأتجنبه ليرزقني الله ولداً صالحاً، ثم مات الشيخ سنة ثلاث وستين، وخلف ولده هذا ابن تسع سنين، وقد لاحت آثار النجابة عليه، فلازم الاشتغال حتى اتقن كثيراً من العلوم، وتقدم في التدريس والإفادة وهو دون العشرين، ثم رحل من بلاده فما دخل بلداً إلا عظمه أهلها لتقدمه في الفنون ولا سيما فقه الحنفية ودقائق العربية والمعاني، وكانت له مع ذلك يد طولى في النظم والنثر، ثم حبب إليه السلوك فبرع في طريق الصوفية، وحج وجاور ورزق في الخلوات فتوحات عظيمة، واخبر عن نفسه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تسليما في المنام فاستقرأه أوائل سورة البقرة، ثم قدم القاهرة، ثم رجع إلى المدينة فجاور بها ثم رجع فأقام بخانقاه سعيد السعداء، واستقر مدرساً للمحدثين بالظاهرية الجديدة أول ما فتحت بين القصرين، وقرر مدرساً بالصرغتمشية في الحديث أيضاً، قال الكلستاني: ثم إن بعض الحسدة دس إليه سماً فتناوله فطالت علته بسببه إلى أن مات في المحرم، ومن كلامه الدال على ذكائه قوله: أعجب الأشياء عندي البرهان القاطع الذي لا مجال فيه للمنع والشكل الذي يكون لي فيه فكر ساعة. ومات فيها من الترك ونحوهم أرنبغا التركي مقدم البريدية، مات في صفر. واشقتمر المارداني نائب حلب وليها مراراً، وولي تقدمة الشام مرتين، ثم أصيب بوجع رجليه فعزل وأقام بحلب بطالاً إلى أن مات في شوال، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وكان أصله لصاحب ماردين فقدمه للناصر حسن، وكان عارفاً بتحصيل الأموال، محباً في العمائر وله مدرسة بحلب، ولي نيابة طرابلس وحلب ودمشق مراراً، وقيل إنه كان يحسن ضرب العود. وبزلار العمري، كان من مماليك الناصر حسن، فرباه مع أولاده ثم تقدم، وولي النيابة بدمشق، وكان شجاعاً فطناً مشاركاً، مات بقلعة دمشق مسجوناً. وتلكتمر كاشف الجسور في أول السنة. جركس بن عبد الله الخليلي كان تركماني الأصل، أصله من مماليك يلبغا، وتقدم عند الظاهر، وكان حسن الشكل مهيباً مع الرأي الرصين والعظمة، وكان له في كل يوم خبز يتصدق به على بغلين يدور بهما أحد مماليكه بالقاهرة على الفقراء وبمكة والمدينة، وولاه الظاهر أمير آخور بتقدمة ألف، وقرره مشير الدولة وخلف أموالاً كثيرة جداً، وكان بإحدى رجليه داء الفيل، قتل في المعركة بالربوة ظاهر دمشق. حسن بن علي بن قشتمر أحد أمراء العشرات بالقاهرة، لم يتأمر من أخوته غيره، وكان شاباً حسن الشكل. الحسين بن عبد الله الحبار بالمهملة ثم الموحدة الشيخ المشهور بالشاذلي، كان يتكلم على الناس، وحفظت عنه كلمات فيها إشكال وكان للناس فيه اعتقاد زائد. مات في ربيع الأول. صراي الطويل، أخو بركة، تقدم ذكره في الحوادث وأنه نم على أخيه عند برقوق وحظي عند فأقره على إمرته إلى أن مات في ربيع الأول. سودون المظفري نائب حماة ثم حلب، تقدم ذكره في الحوادث، وكان أصله عند قطلوبغا المظفري نائب حلب، وباشر عند جرجي الإدريسي خزندار ثم انتقل إلى أن ولي نيابة حماة ثم نيابة حلب في سنة سبع وثمانين، ثم اتصل بيلبغا الناصري واستقر أتابكا بها إلى أن وقع بينه وبين الناصري فقتل سودون المذكور، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 وكان خيراً عارفاً يحب العلماء وأهل الخير ويقربهم ويكثر البر والمعروف ويكره الشر جملة مع العبادة وكثرة السكون رحمه الله تعالى. عبد الله بن محمد بن تاج الدين بن قطب الدين بن صورة، ولد قبل العشرين، واشتغل وناب في الحكم وخطب، وكان بهي الشكل وقوراً، مات في. عبد الله بن العلامة علاء الدين مغلطاي التركي المسند جمال الدين، سمع بإفادة أبيه الكثير من مشايخ عصره، وحدث، سمع منه أصحابنا. عب الخالق بن محمد بن محمد الشعيبي بالمعجمة والموحدة مصغراً الإسفراييني أبو المعالي صدر الدين، ويقال له أيضاً: محمد، ولد سنة أربع وثلاثين، وكان عارفاً بالفقه على مذهب الشافعي، وحدث بكتاب المناسك تصنيف أبيه عنه، وشرح منه قطعة، وجمع هو كتاباً في المناسك أيضاً كثير الفائدة. وكان مشهوراً ببغداد، مات بفيد منصرفاً من الحج في المحرم. عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن سليمان الإسكندراني المالكي القاضي جمال الدين خير، سمع من ابن المصفى والوادياشي وغيرهما، وكان عارفاً بالفقه، ديناً، خيراً، ولي الحكم فحمدت سيرته، قرأت عليه شيئاً، مات في سابع عشر رمضان، واستقر بعده تاج الدين بهرام الدميري في قضاء المالكية بعناية الخليفة المتوكل. عبد الرحيم بن عبد الكريم بن عبد الرحيم بن رزين، نجم الدين الحموي الأصل، القاهري، سمع الصحيح من وزيرة والحجار وسمع من غيرهما وحدث، سمعت عليه بمصر، مات في جمادى الأولى وله إحدى وتسعون سنة. عبد السلام السلاوي، المعروف بالهندي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 عبد القادر بن سبع، تقي الدين البعلبكي، عني بالعلم وحصل ودرس وألف مختصراً في الأحكام، وولي قضاء بعلبك فلم يحمد في القضاء، مات بدمشق. عبد الوهاب بن إبراهيم بن حراز، تاج الدين الوزير، وزر بدمشق سنة خمس وسبعين، ومات في صفر. عبد الوهاب بن عبد الله الوزير علم الدين المعروف بابن كاتب سيدي القبطي، كان كاتباً مطيقاً، باشر الوزارة بلين زائد، ولكن مشت أحواله، لأنه ولي عقب شمس الدين ابن كاتب ارلان، وكان أراد القبض على كريم الدين، ابن الغنام فسعى ابن الغنام واستقر في الوازارة عوضه وقبض عليه وصادره، وذلك في شهر رمضان سنة تسعين، فمات في المحرم سنة إحدى. علي بن أحمد بن محمد بن التقي سليمان بن حمزة المقدسي ثم الصالحي، فخر الدين، ولد سنة أربعين، وسمع الكثير، ولازم ابن مفلح فتفقه عنده وخطب بالجامع المظفري، وكان أديباً ناظماً ناثراً منشئاً، له خطب حسان ونظم كثير وتعاليق في فنون، وكان حسن المباشرة، لطيف الشمائل، وهو القائل: حماة حماها الله من كل آفة ... وحيا بها قوماً هم بغية القاصي. لقد لطفت ذاتاً ووصفاً ألا ترى ... دواليبها خشب تبكي على العاصي. مات في جمادى الآخرة. علي بن الجمال محمد بن عيسى اليافعي، كان عارفاً بالنحو ببلاد اليمن مات بعدن في صفر. عثمان بن سليمان بن رسول بن يوسف بن خليل بن نوح الكرادي، الشيخ شرف الدين الأشقر الحنفي، أصله من تركمان البلاد الشمالية، واشتغل في بلاده قليلاً، ثم قدم القاهرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 في دولة الأشرف فصحب الملك الظاهر قبل أن يتأمر، وكانت له به عناية، يعرفه من بلاده فلما كبر قرره إماماً عنده، وتقدم في دولته، وولاه قضاء العسكر ومشيخة الخانقاه البيبرسية، وكان حسن الهيئة، مشاركاً في الفضائل، جيد المحاضرة، مات في رابع عشري ربيع الآخر عن نحو خمسين سنة. علم دار الناصري، خدم الملك الناصر محمداً فمن بعده، ثم مات بطالاً بدمشق، وكان ملازماً لحضور الجماعات والخوانق، كثير التلاوة والذكر، وله أثار حسنة بمصر ودمشق في ترميم السبل والخانات، جاوز الثمانين وهو آخر من مات من مماليك الناصر. عيسى بن الجمال محمد بن عيسى اليافعي أخو علي الماضي قريباً، كان عارفاً فالفرائض، مات في عدن. مثقال الساقي سابق الدين الزمام، كان أصله من خدم المجاهد صاحب اليمن، ثم صار لحسين بن الناصر وخدم عند زوجته أم الأشرف إلى أن ماتت، فاستقر لال أمير حاج بن الأشرف، ثم صار مشيد الحوش ثم استقر زماماً وعظم قدره في دولة الأشرف، وعمر المدرسة المشهورة بالقاهرة، فلما قتل الأشرف صودر وأهين ثم استوطن المدينة بعد التردد إلى مكة وإلى القدس مراراً، ومات في آخر ذي القعدة ببدر طالباً للحج. محمد بن عبد الله بن محمد بن فرحون، محب الدين بن بدر الدين اليعمري المغربي ثم المدني المالكي، كانت له عناية بالعلم، وولي قضاء بلده ولم يجاوز الخمسين. محمد بن عبد القادر بن علي بن سبع البعلي، تقي الدين، اشتغل ودرس مكان عمه أحمد في الأمينية وغيرها، وأفتى ودرس وولي قضاء بعلبك وطرابلس ولم يكن مرضياً في سيرته، وجمع كتاباً في الفقه مع قصور في فهمه، وكان يكتب خطاً حسناً ويقرأ في المحراب قراءة جيدة ويخطب بجامع رأي العين، مات في المحرم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 محمد بن علي بن أحمد بن عبد الغفار عز الدين بن كسيرات الكاشف، سمع المطعم والحجار وغيرهما. محمد بن عمر بن رسلان البلقيني بدر الدين أبو اليمن ابن الشيخ سراج الدين، كان أعجوبة في الذكاء والفطنة، ولد سنة نيف وخمسين ونشأ محباً في الاشتغال، فمهر وهو صغير ودرس وناظر، وكان لطيف الشكل حسن الصورة جداً جميل المعاشرة، وكان أبوه معجباً به، مات في سابع عشرين شعبان وتألم أبوه عليه كثيراً وقد باشر قضاء العسكر وإفتاء دار العدل وعدة تداريس. محمد بن محمد بن محمد بن محمد الهندي ثم المكي الحنفي، سمع من عز الدين بن جماعة وغيره، وكان فاضلاً في مذهبه كثير الخروج إلى الحل للعمرة، وله حظ من خير وعبادة، مات فيها أو في التي قبلها. محمد بن محمد بن محمد الشعيبي، تقدم في عبد الخالق. محمد بن محمود بن عبد الله النيسابوري، شمس الدين، ابن أخي جار الله الحنفي، قدم القاهرة ولازم عمه وغيره في الاشتغال، وولي إفتاء دار العدل ومشيخة سعيد السعداء، وكان بشوشاً حسن الأخلاق عالماً بكثير من المعاني والبيان والتصوف، مات في ربيع الآخر ولم يكمل الخمسين. محمد بن مسعود الشريف الحسني الينبعي. محمود بن عمر بن عبد الله العجمي الشيخ سعد الدين التفتازاني، ولد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 سنة 712، وأخذ عن القطب وغيره وتقدم في الفنون، واشتهر ذكره وطار صيته وانتفع الناس بتصانيفه، وله شرح العضد وشرح التلخيص وأخر أطول منه، وشرح على المفتاح وشرح على التنقيح، وحاشية على الكشاف وغير ذلك، مات بسمرقند. منهاج الدين الرومي الحنفي، كان أعجوبة في قلة العلم والتلبيس على الترك في ذلك، قدم القاهرة فولي تدريس الحنفية بمدرسة أم الأشرف، قال لنا شيخنا ناصر الدين بن الفرات: حضرت درسه مراراً فكان لا ينطق بكلمة بل إذا قرأ القارئ شيئاً استحسنه وربما تكلم بكلام لا يفهم منه شيء، مات في رابع عشرين ربيع الأول. نوغاي العلاي كان من أمراء الطبلخاناة، ثم ولاه الظاهر أمير علم فاستقر في ذلك إلى أن مات. يونس بن عبد الله التركي الدوادار، كان من عتقاء جرجي نائب حلب، ثم خدم عند يلبغا ثم اسندمر ثم تقدم عند برقوق، وتنقل إلى أن أعطى تقدمة ألف وباشر الدويدارية في إمرته، ثم في سلطنته بمهابة عظيمة وحرمة، وكان ديناً، كثير الصلاة والصيام، مكرماً للفقهاء وللفقراء، وهو صاحب خان يونس بطريق الشام بالسلفة بالقرب من غزة، قتل بعد الوقعة المقدم ذكرها في ثاني عشرين ربيع الآخر، وله بضع وستون سنة، وترك ملقى على قارعة الطريق، فدفنه بعد ذلك شخص من أصاغر مماليكه على ما أخبرني به في الطريق، وكان قد بنى تربة معظمة بمصر وأخرى بالشام فلم يقدر دفنه في واحدة منهما، وكان مقدم العساكر المصرية في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة لما حاصروا برهان الدين بسيواس، ثم كان مقدم العساكر في هذه الكائنة فقتل على يد عنقاء بن شطي أمير آل مري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 //الجزء الثالث بسم الله الرحمن الرحيم سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة استلهت وبرقوق محاصر دمشق والعسكر المصري متوجه صحبة منطاش ومعه السلطان المنصور والخليفة والقضاة إلى دمشق، وكان وصول العسكر المصري إلى غزة في ثاني المحرم، وفي السادس منه أمر نائب الغيبة صراي تمر أن تؤخذ خيول الناس من الربيع فتجهز إلى منطاش فأخذ شيء كثير وجهز، وفي الثامن منه نودي بزينة القاهرة ومصر، ووصل في الصورة الظاهرة بريدي معه كتب تتضمن أن برقوق هرب، وفي هذا الشهر بلغ النائب أن جماعة من المماليك الظاهرية أرادوا القيام عليه فكبس عليهم بالبرقية فأمسك منهم جماعة ثم تتبع المماليك الظاهرية وألزم الوالي التنقيب عليهم فبالغ في ذلك، وأفرط إلى أن كان ذلك أعظم الأسباب وانحراف الظاهر عنه وغضبه عليه بعد ذلك، وكان قد كبس على أخت الظاهر وأخذ ولدها منها فحبسه بالقلعة وأخرجها بين العامة إلى باب زويلة إلى أن وقعت فيها الشفاعة وفي حادي عشر المحرم وصل العسكر المنصوري إلى وادي شقحب فرجع إليهم برقوق من دمشق فالتقوا فحمل منطاش على ميسرة الظاهر فهزمها وحمل بعض أصحابه على الميمنة فهزمها أيضاً واشتغل الجهتان ومن تبعهما باتباع المنهزمين فخلا القلب من مقاتل فحمل برقوق ومن معه على من بقي فانهزموا فاحتوى على الخليفة والسلطان والقضاة وجميع أهل الدولة ونهب من معه جميع الأثقال واحتوى على الخزائن كلها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وأما منطاش وأصحابه فلججوا في اتباع المنهزمين إلى أن ظفروا بمن ظفروا به منهم وفاتهم من فاتهم واستمر كمشبغا وكان فيمن انهزم ومعه جمع كثير إلى أن وصل إلى حلب فبادر وملك القلعة ولما رجع العسكر المصري إلى معسكرهم وجدوا برقوق قد احتوى عليه فتناوشوا القتال أيضاً فعمد برقوق فأقام جاليش منطاش وجمع الذين احتوى عليهم تحته فصار كل من يأتي من العسكر يظن أن منطاش هناك تحت العصائب فأما أن يوافق فيسلم وأما أن يخالف فيقتل، فلما وصل منطاش ورأى صورة الحال ناوشهم القتال نهاره أجمع، فلما دخل الليل أقبل أكثر من معه إلى الظاهر فرجع منطاش إلى جهة دمشق وأقام الظاهر بشقحب أياماً فعدمت الأقوات حتى بيعت البقسماطة بخمسة دراهم ورخصت الأمتعة من كثرة ما نهب حتى بيع الفرس بعشرين درهماً، فلما رأى الظاهر ذلك رحل إلى جهة مصر بعد أن خلع المنصور نفسه من السلطنة باختياره، وأشهد عليه الخليفة والقضاة وأكثر من حضر من الأمراء وبايعوا الجميع برقوق وأقر لقبه الظاهر على ما كان عليه، وتردد في التوجه إلى دمشق ومحاصرة منطاش بها أو الرجوع إلى مصر، ثم اتفق رأيه ومن معه على التوجه إلى مصر، فاستناب في صفد فخر الدين إياس، وفي الكرك قديداً، وفي غزة آقبغا الصغير، وكان منصور الحاجب بها قد قبض على نائبها حسين بن باكيش، وجهزه إلى الظاهر فعذبه قبل أن يتوجه، ثم وصل إلى غزة في أواخر المحرم راجعاً، وأرسل في مستهل صفر إلى نائب قطية أن يحفظ الطرقات، وكان اسمه علاء الدين بن البشلاقي، فامتثل الأمر وأرسل من الفور إلى القاهرة قاصداً بكتاب يخبر فيه بما اتفق للظاهر من النصر، فصادف وصول قاصده نصرة مماليك الظاهر المسجونين على أصحاب منطاش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 وغلبهم على القلعة وجميع المملكة، فكان ذلك يعدّ من عجائب الاتفاق، حتى لو كانوا على ميعاد ما وقعت هذه الموافقة، وكان السبب في نصرة مماليك السلطان الظاهر أن منطاش أودع منهم السجون جملة كثيرة، وكان الكثير منهم في السجن بالقلعة، فضاق عليهم الأمر واشتد بهم الخطب، فتحيلوا إلى أن فتحوا باباً مسدوداً وجدوه في سرداب عندهم، فخرجوا منه بغتة على نائب الغيبة، فهرب منهم، فنهبوا بيته واحتلوا خيله وقماشه، وكان كبيرهم يقال له: بُطا، فبلغ ذلك نائب القلعة فقاتلهم، ثم عجز فهرب، فاجتمع صريتمر وقطلوبغا الحاجب وبقية المماليك فصعدوا إلى مدرسة حسن، وبادر بطا فأخرج سودون النائب من الحبس فرتبه في القلعة، وتسامع مماليك الظاهر فتكاثروا عند بطا وتناوشوا القتال مع المنطاشية، وساعدهم عليهم العامة حتى هزموهم، وكان العوام قد قاموا مع منطاش على الناصري إلى أن غلب كما تقدم، لكن ظهر بعد ذلك منه هوج وسوء تدبير وعدم معرفة، فرجعوا عنه وأحبوا عود دولة برقوق فساعدوا أصحابه، وكان ذلك كله في أوائل صفر، وكان ابتداء ذلك في ليلة الثاني منه وانتهاء ذلك في رابع صفر. وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري فيما أجازنيه: أن المحبوسين كانوا في خزانة الخاص القديمة المجاورة لباب القصر ووكل بهم جماعة يحرسونهم بالنوبة وبالغوا في التضييق عليهم، فلما كان في أواخر المحرم وهم يستغيثون من الحر والضيق ويتوقعون القتل كل وقت وأشاعوا أنهم عزموا على أن يرموا عليهم خبزاً ويمنعوهم الماء ليهلكوا أجمعين بذلك، فاتفق أن واحداً منهم جلس في مكان، فعبث ببلاطة تحته فقلعها فأزالها فأحس بهواء فأراد ما تحتها واستعان ببعض رفقته فوجدوا سراب الحمام، فمشوا فيه إلى أن انتهوا إلى باب من أبواب الاصطبل، فاتفق أنهم وجدوه مفتوحاً كان البواب نسي أن يغلقه، فأخذ كل منهم قيده في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 يده وصاحوا صيحة واحدة في وسط الاصطبل بالدعاء للأمير تكا فظن صراي تمر أن تكا خامر وأراد القبض عليه فرمى بنفسه من السور وتبعه أتباعه فطلع المماليك إلى أماكنهم من الاصطبل فانتهبوها ولبسوا الأسلحة وركبوا الخيول وقدموا كبيرهم بطا وكان ما كان، فجهز بطا عنان بن مغامس صاحب مكة - وكان مسجوناً معه - إلى الظاهر يعلمه بما اتفق فالتقاه في الطريق فرد معه آقبغا أخا بطا، فوصلا إلى القاهرة في ثامن صفر فنادوا للعامة بالأمان وتزيين البلد وتجهيز الإقامات، وشكر السلطان لعنان هذه البشارة، فشركه مع عجلان في إمرة مكة، وكان ذلك في أوائل شهر ربيع الآخر بعد أن استقر برقوق بالقاهرة، وسار عنان إلى مكة في ثاني عشرين ربيع الآخر بعد أن استخدم عدة من الترك. وفي عاشر صفر قبض بطا على حسين بن الكوراني، وصودر فوصل كتاب السلطان في ثاني عشر صفر على حسين بعمل شيء من الأمور السلطانية فأفرج عنه بطا وخلع عليه وأعاده للولاية وقال له: حصل لنا المنطاشية كما كنت تصنع معنا إلى أن يرد أمر السلطان بما يرد، ثم قبض عليه بعد ذلك، ودخل الظاهر بالعسكر يوم الثلاثاء رابع عشر صفر إلى القلعة على طريق الصحراء، وتلقاه الناس للسلام والفرجة على سائر طبقاتهم وكان يوماً مشهوداً، وأركب الملك المنصور المخلوع بجانبه والخليفة أمامه والقضاة قدامه وباقي الأمراء إلى أن جلس على تخت الملك وجددت له البيعة بالإصطبل وأدخل المنصور إلى بيته بالحوش عند أهله وأقاربه. وفي صبيحة هذا اليوم استقر كريم الدين بن عبد العزيز - الذي تزوجت أنا ابنته بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 هذا بست سنين - في نظر الجيش نقلاً من صحابة الديوان عوضاً عن جمال الدين الذي كان محتسباً، لأنه كان تقدم مع منطاش إلى دمشق فلم يستطع العود، واستقر موفق الدين أبو الفرج في الوزارة والخاص واستقر فخر الدين بن مكانس في نظر الدولة ثم أمسك وصودر ثم ضرب فأخذ وأهين، ثم أفرد الخاص لسعد الدين بن تاج الدين موسى كاتب السعدي عن قرب وأفردت الوزارة لموفق الدين ثم قبض عليه في ربيع الآخر. واستقر في الوزارة سعد الدين بن البقري زوج ابنة موفق الدين، واستقر محمود الاستادار مشيراً عليهما، واستقر قرقماس استاداراً كبيراً إلى أن مات في جمادى الأولى فأعيد محمود إلى الاستادارية، واستقر حسين بن علي الكوارني في ولاية القاهرة على عادته، ثم قبض عليه عن قرب في سادس عشرين صفر - وسلم لمشد الدواوين محمد بن آقبغا آص فعاقبه وشدد عليه العذاب - واستقر بطا دويداراً كبيراً وسودون الشيخوني في النيابة على عادته واينال اليوسفي اتابك العساكر لانقطاع أيتمش بقلعة دمشق مسجوناً وكان الظاهر لما غلب على العسكر - المنطاشي وتوجه إلى القاهرة دخل منطاش إلى دمشق فأقام بها يعزل ويولي ويصادر وكان قاضي الشافعية حينئذ شهاب الدين ابن القرشي وكان الناصري ولاه فاستمر وكان قبل دخول منطاش قام في صد برقوق عن دخول دمشق وصار يلبس آلة الحرب ويصعد الأسوار ويحفظها بالرجال والآلات ويطلق لسانه في برقوق وبرقوق يسمع، فلما رجع منطاش إلى دمشق من وقعة شقحب عزله وولى شهاب الدين الزهري وحبس القرشي وضيق على جمال الدين ناظر الجيش على بدر الدين كاتب السر وكانا رجعا من شقحب مقهورين وسجن جماعة من الأمراء ممن أسر في الوقعة منهم ايتمش، واستقر الطباطبي في نقابة الأشراف والنظر عليهم عوضاً عن الشريف شرف الدين ابن قاضي العسكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 واستقر علاء الدين على الكركي في كتابة السر عوضاً عن بدر الدين ابن فضل الله لانقطاعه أيضاً بدمشق واستقر أبو عبد الله الركراكي في قضاء المالكية عوضاً عن بهرام، لأن الظاهر شكر له ما اتفق عليه بسبب امتناعه من الكتابة في الفتوى المرتبة عليه، وكان قد سجن إلى أن خلص مع بطا واستقر نجم الدين الطنبدي في الحسبة بالقاهرة عوضاً عن سراج الدين القيسري، واستقر نور الدين علي بن عبد الوارث في الحسبة بمصر عوضاً عن همام الدين. وفي تاسع عشرين صفر جلس السلطان ليحكم على عادته بالإصطبل يومي الأربعاء والأحد، فهرع الناس إليه واشتد خوف الرؤساء من البهدلة. وفي صفر قبض بكلمش على كريم الدين ابن مكانس وضربه بالمقارع بسبب ما استأداه من دواوينه في أيام الناصري، فهرب فقبض على أخويه فخر الدين وزين الدين وجماعة من حواشيه، واستقر علم الدين سن إبرة في نظر الدولة، واستقر تاج الدين المليحي في نظر الأحباس عوضاً عن شمس الدين الدميري، واستقر عماد الدين الكركي أحمد بن عيسى أخو علاء الدين الذي استقر في كتابة سر الشام في قضاء الشافعية عوضاً عن بدر الدين ابن أبي البقاء، وكان عماد الدين وأخوه هذا قد بالغا في خدمة الظاهر بالكرك، فعظمهما وقدمهما، وكانت ولاية عماد الدين للقضاء في ثالث شهر رجب، والسبب فيه أنه لم يحضر من الكرك إلا بعد أن استهل رجب، فخرج إليه أخوه لتلقيه وخرج معه الأعيان، فحضر عند السلطان في ثاني رجب، فعظمه جداً ومشى له خطوات وعانقه ثم خلع عليه بولاية القضاء في صبيحة ذلك اليوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 وفي ثامن جمادى الأولى بعد إطلاق أكثر الأمراء المحبوسين استقر الطنبغا الجوباني نائب السلطنة بدمشق، وجهزت صحبته العساكر لقتال منطاش، فوصلوا في جمادى الآخرة، فبرز لهم منطاش فقاتلهم ثم انهزم، ثم بلغه أن ايتمش ومن معه في الحبس بقلعة دمشق وثبوا على نائبها، فأمسكوه وملكوا القلعة، فكر راجعاً إلى دمشق، فقتل من قدر عليه وأخذ ما أمكنه من الأموال وتوجه إلى الجهة الشمالية، وتسلل أكثر من كان مع منطاش إلى الظاهر، فدخلوا القاهرة أرسالاً واستولى الطنبغا الجوباني على دمشق وقبض على ما أمكنه من أصحاب منطاش، فلما وصلت الأخبار إلى القاهرة بذلك زينت عشرة أيام، ثم قدم عسكر طرابلس باستدعاء منطاش فوجدوه قد هرب، فقبض على أعيانهم أخذاً باليد وجهزت سيوفهم إلى القاهرة. وفي العشرين حضر السلطان دار العدل، ولم يدخلها المنصور منذ خلع الظاهر، ولما فرغ الموكب دخل السلطان القصر فحضر الخليفة ومعه القضاة. فقريء عهد السلطنة بحضرتهم وحضور الأمراء وخلع على الخليفة وركب من باب القصر حجرة بسرج ذهب وكنبوش مزركش، وكان الحنفي ضعيفاً فلم يحضر، وحضر المناوي وهو معزول فجلس تحت الحنبلي. وفي الثاني عشر من شهر رجب وصل بدر الدين ابن فضل الله وجمال الدين العجمي إلى القاهرة فأمرا بلزوم بيوتهما وأغرم كل منهما مالاً كثيراً. وفيه استقر علاء الدين ابن الطبلاوي في ولاية القاهرة. وفيه قوى كمشبغا بحلب على النائب الذي بها من جهة منطاش، وكان كمشبغا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 لما انهزم في وقعة شقحب سار إلى حلب في البرية، فوصل في ثامن عشر المحرم فدخلها مختفياً، ثم التفت عليه جماعة من الظاهرية فحاصروا القلعة وقد قبضوا على ولد نائبها حسين ابن الفقيه فهددوه بقتل ولده ففتح لهم الباب، فدخلوها وأرسلوا إلى كمشبغا فملكها، فحاصره النائب من قبل منطاش وهو تمنتمر وعاونه أهل بانقوسا، فأحرقوا باب القلعة والجسر الواصل، ونقبوا من ثلاثة مواضع، فرمى عليهم كمشبغا بالمكاحل وصار يتخطفهم بالكلاليب، فدام ذلك نحو شهرين أو أكثر، فلما سمع تمنتمر هرب منطاش من دمشق خاف على نفسه، فهرب، فبلغ ذلك كمشبغا فعمر الجسر وخرج فقاتل أهل بانقوسا، وعمر أسوار حلب أحسن عمارة في أسرع وقت، وكانت من وقعة قازان خراباً. فلما انتصر كمشبغا عليهم قتل غالب أهلها، وهم زيادة على أربعة آلاف نفس، وقتل كبيرهم أحمد بن الحرامي، وخربها إلى أن جعلها دكا، وقتل قاضي حلب وغيره صبراً، كما سيأتي في الوفيات، فلما بلغ ذلك كله السلطان أعجبه، وأرسل إلى كمشبغا يطلب منه الحضور إلى القاهرة فحضر، وكان ما سنذكره. وفي العشرين من رجب كان شاع أن بطا يريد أن يثير الفتنة فحل سيفه بحضرة السلطان في القصر وعمل في عنقه منديلاً واستسلم للموت، فشكر الظاهر فعله وبرأه مما نقل عنه، وجمع الأمراء وحلفهم وحلف المماليك وطيب خواطرهم وأحضر مملوكاً يقال إنه الذي أثار الفتنة فضربه وسجنه. وفي رجب خرج يلبغا الناصري والطنبغا الجوباني بالعساكر من قبل الظاهر وقد قرر في نيابة دمشق الطنبغا الجوباني وقرادمرداش في نيابة طرابلس ومأموراً في نيابة حماة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 وتوجه عليهم يلبغا الناصري ومعه جماعة من المماليك الظاهرية وغيرهم، فتوجهوا إلى دمشق، فبلغ ذلك منطاشا وكان قد جبا من الأموال من أهل دمشق شيئاً كثيراً فخرج بها وهي نحو من سبعين حملاً في ثالث عشر جمادى الآخرة بعد أن قتل ممن هو من جهة الظاهر نحو مائة وعشرين نفساً، واستصحب معه ابن جنتمر وابن اينال اليوسفي، وسار من دمشق فخرج ايتمش من الحبس فملك القلعة وراسل الجوباني، فدخل الجوباني دمشق وهرب محمد بن اينال اليوسفي ونحو مائتي نفر من منطاش، فرجعوا إلى دمشق، ثم خرج الطنبغا الجوباني والناصري ومن معهم وانضم إليهم في طلب منطاش فالتقوا به بين حمص وقوسا فانكسرت الميمنة وفيها الناصري، فانهزم وثبت الجوباني فخامر عليه بعض من معه فجرح في رأسه فسقط فقتله نعير بيده وتمت الهزيمة، واتفق أن ميسرة العسكر كسرت منطاشاً ففر في طائفة فلما بلغه قتل الجوباني رجع فقتل آقبغا الجوهري ومأموراً، ووقع النهب في العسكر من العرب والتركمان ورجع الناصري إلى دمشق فبلغت هذه الأخبار السلطان فساءه قتل الجوباني، وقرر يلبغا الناصري في نيابة دمشق، وجهز أبا يزيد الذي كان اختفى عنده لما هرب وصحبته شمس الدين الصوفي لكشف الأخبار، وكان الصوفي من العباسة - بلدة معروفة بالشرقية، وكان قد اتصل بالظاهر لما كان بالكرك، وشهد معه وقعة شقحب، وتزيا له بزي الخليفة وانتسب عباسياً فحصلت لبرقوق بذلك منه نوع مساعدة وفي رمضان نزل نعير على سرمين فثار عليه أحمد بن المهمندار في عسكر كبير من التركمان فأسروا ابنه علياً وهزموه وأرسلوا ابنه إلى كمشبغا فاعتقله. وفي ثامن رمضان استقر ناصر الدين محمد بن رجب في شد الدواوين عوضاً عن ابن آقبغا آص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 وفي سابع عشر رمضان استقر مجد الدين إسماعيل الكناني البلبيسي الحنفي في قضاء الحنفية عوضاً عن شمس الدين الطرابلسي بحكم عزله. وفي العشرين من رمضان أعيد أبو الفرج إلى الوزارة وقبض على سعد الدين ابن البقري. وفيها غلب ابن أبان التركمان على طرابلس في أثناء الفتنة بين الظاهر ومنطاش، فأرسل إليها الظاهر قرادمرداش فغلب عليها ثم نقله الظاهر إلى نيابة حلب، وأمر كمشبغا بالتوجه إلى القاهرة فاستقر بها أميراً كبيراً. وفيها وصل رسل صاحب تونس أبي العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر الحفصي ومقدمهم محمد بن علي بن أبي هلال صحبة الركب القاصد إلى الحج، وحج معهم أبو عبد الله بن عرفة الفقيه المشهور وقد أجاز إلى المذكور بعد أن رجع من الحج في السنة المقبلة. وفيها نازل منطاش ونعير حلبا فتحصن كمشبغا من أول رمضان إلى العشر الأخير منه فراسل نعير كمشبغا يعتذر، فبلغ ذلك منطاشاً، فأخذ حذره من نعير وخدعه بأن طلب منه جماعة من العرب يغيرون معه على بعض التركمان فأرسل معه جماعة، فلما بعدوا ونزلوا بالليل أخذ خيولهم وتوجه إلى البلاد الشمالية، وكان نعير ملّ من الحرب فأرسل يعتذر إلى السلطان ويطلب منه الأمان فقبل ذلك منه وأرسل إليه بما يرغب فيه، فسار منطاش إلى مرعش وهرب معه عنقا ابن شطى واجتاز باعزاز فانتهبها، ثم نازل منطاش عيتاب ومعه سولى بن دلغادر. وذلك في شوال فغلب عليها وأوقع فيها النهب والتخريب إلى أن تفرق أهلها شذر مذر بعد أن كان نادى لهم بالأمان، ثم غدر بهم، ثم حاصر القلعة وتحصن نائبها محمد بن شهري التركماني بقلعتها، ثم كبس على منطاش فقتل أكثر من معه، ومع ذلك فدام الحصار إلى آخر السنة إلى أن تجهز يلبغا الناصري نائب الشام ونائب حلب إليه، وقبل وصولهم بيوم هرب منطاش، وقدم محمد بن بيدمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 الذي كان أبوه نائب الشام وسندمر رأس نوبة منطاش مستأمنين في طائفة من المنطاشية فأكرمهم السلطان. وفيها قتل الأمير بردوباك بن ارتنا صاحب الروم واستقر بعده في مملكة الروم أبو يزيد بن عثمان. وفي شوال عطش الحاج بعجرودا حتى بلغت القربة مائة درهم فضة، ووقع بين عمالهم العرب الكثير لما رجعوا وكان أمير الأول بيسق أمير آخور وأمير المحمل عبد الرحيم بن منكلى بغا. وفي أواخر ذي الحجة استقر ناصر الدين ابن الحسام وزيراً عوضاً عن أبي الفرج فاستخدم الوزراء الذين كانوا قبله وهم شمس الدين المقسي وسن إبرة في نظر الدولة وفخر الدين بن مكانس وسعد الدين ابن البقري في استيفاء الدولة، وأعيد محمد بن آقبغا آص إلى شد الدواوين ونقل ناصر الدين ابن رجب إلى كشف المعاصر عوضاً عن خاله ناصر الدين ابن الحسام المذكور، وكان ابن الحسام أولاً يخدم عند سعد الدين ابن البقري دويداراً واقفاً في خدمته لما كان ناظر الخاص فانعكس الحال وصار ابن البقري تحت أمره وربما يكلمه الكلام الفض، فلله الأمر. وفي شوال جهزت عائشة خوند أخت الملك الظاهر للحجرة الشريفة كسوة حرير منقوش بالغت في تحسينها وطرزت بابها بالزركش. وفي رمضان توجه ابن الحسام إلى الصعيد فحصل بها الأموال السلطانية فكبس عليه ابن التركية ونهب جميع ما حصله، فبلغ ذلك السلطان فأرسل إليه عسكراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 وفيها اختلفت كلمة التركمان وتحزبوا أحزاباً بعد قتل قرا محمد، ووقع بينهم وقائع كثيرة إلى أن أصلح بينهم سالم الدوكاري. وفي رمضان نزل الفرنج على طرابلس فلما أشرفوا على المينا أرسل الله عليهم ريحاً فرقت مراكبهم وغرق الكثير منهم فردوا عن طرابلس، فقصدوا البسكرية فنازلوها وبها أبو العباس صاحب تونس ففتح لهم البلد فدخلوها فقاتلهم وكسرهم بعد أن قتل منهم خلائق. وفيها قتل صاحب تلمسان أبو حمو بن يوسف بن عبد الرحمن ابن يحيى، قتله ولده وغلب على ملكه، وكانت دولة أبي حمو إحدى وثلاثين سنة. وفي ذي الحجة استقر قرا دمرداش في نيابة حلب نقلاً من طرابلس واستقر في طرابلس اينال ابن خجا علي وسولى بن دلغادر في نيابة الأبلستين، وتوجه كمشبغا من حلب إلى جهة القاهرة. وفيه منع من تلبس العمامة ومن ركوب الخيل إلا الوزير وكاتب السر وناظر الخاص، وأذن لهم في ركوب البغال ونودي أن الطحانين لا يستعملون الخيل الصحاح، وكذلك الحمارة. وفيها مات فخر الدين ابن سبع الخولى فأرسل السلطان قرقماش الخزندار إلى زفتا بلد المذكور للحوطة على ماله وكان المذكور نصرانياً فأسلم ثم وقع في واقع كما تقدم في الحوادث أولاً وثانياً فاتفق أن بعض أعدائه قتله في الحمام غيلة، فيقال إنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 حمل من ماله ألف ألف ومائتي ألف درهم، ووجد له من الغلال والمواشي والرقيق ما يساوي ألفي ألف وكان يزرع في كل سنة ألف فدان، ويطعم كل ليلة مائة نفس، وكان قتله في جمادى الآخرة. ذكر من مات في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة من الأعيان إبراهيم بن عبد الله الواسطي أحد من كان يعتقد بالقاهرة، مات في جمادى الآخرة. إبراهيم بن محمد بن إسماعيل الحراني الخواجا برهان الدين التاجر، سمع الصحيح على الحجار وحدث، مات في ربيع الآخر. أحمد بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة بن محمد بن علي بن عليان بن هاشم بن مرزوق المخزومي المكي الشافعي القرشي القاضي شهاب الدين، ولد سنة ثماني عشرة وسمع من نجم الدين الطبري وعيسى الحجي والأقشهري والوادي آشي وغيرهم، وحدث وتفقه على النجم الأصفوني والعلائي وأذن له في الإفتاء، وأخذ القراآت عن البرهان المسروري مقريء مكة وتقدم في العلم، ودخل بلاد المغرب فأخذ عن بعض الشيوخ هناك ودرس وأفتى وأقرأ، ثم ولي قضاء مكة بعد أبي الفضل النويري، ثم عزل بولد أبي الفضل ومات وهو معزول في شهر ربيع الأول عن أربع وسبعين سنة، وكانت مدة ولايته سنة وتسعة أشهر، وكان جليلاً مهاباً وقد ولي قضاء مكة بعده ابن أخيه الشيخ جمال الدين ثم ولده أبو البركات بن الشهاب ثم ولده أبو السعادات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 أحمد بن عبد الله بن فرحون المدني المالكي قاضي المدينة، مات في رمضان. أحمد بن موسى بن علي شهاب الدين ابن الحداد الزبيدي الحنفي، كان عارفاً بالفرائض، مات في ذي الحجة. إسماعيل بن حاجي الهروي شرف الدين الفقيه كان من العلماء الشافعية ببغداد في المستنصرية، ودرس في الحاوي، ثم قدم دمشق في حدود السبعين، فأفاد بها بالجامع وغيره ودرس بالمعينية وغيرها، وكان ديناً خيراً تصدق بما يملكه في مرض موته، ومات في صفر. آقبغا بن عبد الله الجوهري اليلبغاوي قتل في وقعة حمص وقد قارب الستين، وكان كثير المعرفة يذاكر بمسائل فقهية مع حدة خلق. الطنبغا بن عبد الله الجوباني التركي أحد كبار الأمراء تنقل في الولايات إلى أن قتل بدمشق وهو نائبها، وكان يحب العلماء خصوصاً الأدباء ويجمعهم عنده ويسمع كلامهم ويختبر مدائحهم. خليل بن إبراهيم الحافظي روى عن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وغيره وحدث وتفرد، مات في ربيع الأول. سرحان بن عبد الله الفقيه المالكي كان عارفاً بمذهبه، مات في ذي الحجة بالقاهرة وكان أكولاً مشهوراً بذلك. عبد الرحمن بن إسماعيل بن عمر بن كثير البصروي ثم الدمشقي، كتب الكثير بخطه من تصانيف أبيه وكان بزي الجند، وقد ذيل على تاريخ أبيه قليلاً، مات في ذي القعدة. عبد المؤمن بن أحمد بن عثمان المارداني ثم الدمشقي الشافعي، قدم دمشق فاشتغل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 ومهر واستنابه التاج السبكي في إمامة الجامع والخطابة فاستمر ينوب في ذلك إلى أن مات، وكان ديناً خيراً ملازماً للجامع يشغل الطلبة، مات في ربيع الآخر. عثمان بن عبد الله الأبار نزيل جامع عمرو بن العاصي، كان أحد من يعتقده المصريون، مات في رجب. علي بن خلف بن كامل بن عطاء الله الشافعي الغزي قاضي غزة، ولد سنة تسع وسبعمائة وحدث عن الحجار بالصحيح سماعاً وأخذ عنه الرحالة، وسمع من أبي بكر بن عنبر وزينب بنت يحيى بن عبد السلام وغيرهما، وتفقه على أخيه الشيخ شمس الدين صاحب ميدان الفرسان وعلى العماد الحسباني وغيرهما، وولي قضاء غزة فرأس بها، قرأت في تاريخ ابن حجي: كان له اشتغال قديم بدمشق وأخذ عن ابن الفركاح وهو أسن من أخيه ويقال إن أخاه قرأ عليه أولاً وكذلك العماد الحسباني، وكان يفتخر بذلك ثم تقدما وتأخر هو ومات بغزة في أحد الربيعين، ويقال في جمادى الأولى ويقال في صفر ويقال في شعبان، وسمع أيضاً من زينب السلمية. علي بن عبد الله المغربل أحد من كان يعتقد بالقاهرة، مات في جمادى الأولى بزاويته التي بالقرب من المقس. علي بن أبي علي الجعيدي سلطان الحرافيش، مات في سادس عشر جمادى الأولى ولم يأت بعده في فنه مثله. عمر بن سعيد بن عمر بن بدر بن مسلّم بن سعيد الكتاني - بالمثناة المشددة ثم النون - زين الدين القرشي البلخي الأصل القبيباتي، ولد سنة أربع وعشرين وسبعمائة واشتغل كثيراً وسمع الكثير وعني بالحديث والفقه والأصول والعربية وكان يعمل المواعيد وللناس فيه محبة واعتقاد وقد امتحن مرة بسبب المذهب التيمي كما تقدم في الحوادث، ثم امتحن بصحبة ولده لمنطاش وكان مسجوناً بقلعة دمشق في جمادى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 قرأت بخط المحدث برهان الدين: بحلب اجتمعت به فوجدته عالماً كثير الاستحضار في فنون منها التفسير والفقه والأصول يحفظ متوناً كثيرة جداً وألفاظ التفسير كما هي ويجود غرائب من المتون وزيادات غريبة يعزوها ويعرف أسماء الرجال وطبقاتهم ويتكلم في الصحيح والضعيف ولم يكن عنده مكر ولا غش مع الدين والخير وملازمة السنة. وقرأت في تاريخ ابن حجي: ورد إلى دمشق بعد الأربعين فنزل القبيبات وقرأ وأخذ عن خطيب جامع جراح شرف الدين قاسم وعن البهاء الإخميمي واشتغل بعلم الحديث وبعمل المواعيد النافعة للعامة والخاصة حتى إن كثيراً من العوام انتفعوا به وصارت لديهم فضيلة مما استفادوا منه، وكان مع ذلك يتصدى للإفتاء والإفادة ودرس بالمسرورية والناصرية، ولما ولي القاضي برهان الدين بن جماعة وقع بينهما بسبب الناصرية ووكل به لاستعادة المعلوم مدة، فذهب إلى مصر فردوه من الطريق وسجن بالقلعة ثم اصطلح مع ابن جماعة وعوضه الأتابكية ثم لما ولي ولده القضاء أعطاه الخطابة والناصرية والأتابكية ودار الحديث الأشرفية، فلما عادت دولة الظاهر أخذ وسجن بالقلعة وكان التاج السبكي هو الذي أدخله بين الفقهاء فلما امتحن تاج الدين كان هو أشد من قام عليه، وكان مشهوراً بقوة الحافظة ودوام المحفوظ، قل أن ينسى شيئاً حفظه، وكان كثير الإنكار على أرباب التهم، شجاعاً مقداماً كثير المساعدة لطلبة العلم لا يحابي ولا يداهن، واقتنى من الكتب النفيسة شيئاً كثيراً وكان لا يمل من الاشتغال، مات في ثالث عشر ذي الحجة مسجوناً بقلعة دمشق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 محمد بن أحمد بن علي المصري شمس الدين المعروف بالرفاء، عني بالعلم قليلاً. وسمع الحديث فأكثر وسمع العالي والنازل وجاور كثيراً فكان يلقب حمامة الحرم وكان يسكن الناصرية بين القصرين، صحبته قليلاً، ومات في جمادى الأولى. محمد بن أحمد بن عمر بن عبد الكريم بن محبوب فخر الدين ابن مجد الدين سبط شرف الدين ابن الحافظ، سمع من يحيى بن سعيد وابن الشحنة والتقي ابن تيمية وغيرهم، وكان مكثراً من الحديث وقد تفقه على جده وأذن له في الإفتاء وكان فاضلاً ذكياً يتعانى كل شيء يراه حتى الخياطة والنجارة والبناء والموسيقى مع حسن الشكالة ولطف المعاشرة ورقة النظم، مات في ربيع الأول عن ثمان وثمانين سنة. محمد بن إسماعيل الافلاقي المالكي، كان فاضلاً ينظم الشعر نظماً وسطاً، مات في سادس جمادى الأولى. محمد بن بلبان الناصري ابن المهمندار أحد أكابر الأمراء بحلب، ثم ولاه الظاهر برقوق نيابة القلعة، فلما خامر يلبغا الناصري على الظاهر سلمه ابن بلبان القلعة، ثم لما غلب الناصري ومنطاش على الملك وسجن الملك الظاهر برقوق وثار منطاش على الناصري صادر ابن بلبان هذا على مال كثير ثم قتله في هذه السنة وخلف ولدين: أحمد ولي نيابة حماة بعد ذلك ومحمداً كان حاجباً بحلب. محمد بن عبد الله ابن أبي بكر الحثيثي - بمهملة ومثلثتين مصغر الصردفي جمال الدين الريمي - بفتح الراء بعدها تحتانية ساكنة - نسبة إلى ريمة ناحية اليمن - اشتغل بالعلم وتقدم في الفقه فكانت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 إليه الرحلة في زمانه، وصنف التصانيف النافعة، منها شرح التنبيه في أربعة وعشرين سفراً أثابه الملك الأشرف على إهدائه إليه أربعة وعشرين ألف دينار ببلادهم يكون قدرها ببلادنا أربعة آلاف مثقال ذهباً، وله " المعاني الشريفة " و " بغية الناسك في المناسك " و " خلاصة الخواطر " وغير ذلك، ولي قضاء الأقضية بزبيد دهراً من ذي الحجة سنة تسع وثمانين إلى أن مات في أواخر المحرم، وقيل في أول صفر، قال لي الجمال المصري: كان الريمي كثير الازدراء بالنووي، فرأيت لسانه في مرض موته وقد اندلع واسود فجاءت هرة فخطفته فكان ذلك آية للناظرين، رب سلم. محمد بن عبد الله الصرخدي شمس الدين كان عارفاً بأصول الفقه، مات بدمشق، وكان قد أخذ عن العنابي في العربية وتفنن حتى صار أجمع أهل دمشق للعلوم، فأفتى ودرس وشغل وصنف، وكان يقال إن قلمه أقوى من لسانه، وكان متقللاً لم يتفق أنه حصل له شيء من المناصب إلا أنه تصدر بالجامع وناب في عدة مدارس عن الصبيان الذين تقرروا مدرسين بغير تأهل، وكان شديد التعصب للأشعرية. كثير المعاداة للحنابلة، وله اختصار إعراب السفاقسي واعترض عليه في مواضع وشرح المختصر في ثلاثة أسفار واختصر قواعد العلائي ومهمات الأسنوي، وكان كثير العيال مقلاً من الدنيا، مات في ذي القعدة. محمد بن علي بن محمد بن محمد بن أبي العز الحنفي الصالحي ابن الكشك صدر الدين ابن علاء الدين، اشتغل قديماً وتمهر، ودرس وأفتى وخطب بحسبان مدة ثم ولي قضاء دمشق في المحرم سنة تسع وسبعين، ثم ولي قضاء مصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 بعد ابن عمه فأقام شهراً ثم استعفى ورجع إلى دمشق على وظائفه، ثم بدت منه هفوة اعتقل بسببها، ثم مات في هذه السنة بعد أن أقام مدة فقيراً خاملاً إلى أن جاء الناصري فرفع إليه أمره فأمر برد وظائفه إليه، فلم تطل مدته بعد ذلك، ومات في ذي القعدة. محمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن فلاح الإسكندراني ثم الدمشقي شمس الدين ابن شرف الدين، سمع من الحجار وحدث، وكان ينسب إلى غفلة. محمد بن محمد بن عمر الأنصاري البلبيسي صلاح الدين، نزيل مصر، سمع صحيح مسلم على الشريف الموسوي موسى بن علي بن أبي طالب والعز محمد بن عبد الحميد وتفرد به عنهما بالسماع، وقد تأخر بعده رفيقه محمد بن ياسين لكنه كان حاضراً، وقد اجتمعت بصلاح الدين هذا مراراً، وأشك هل سمعت عليه شيئاً أو أجازني أم لا؟ مات في رمضان عن سبع وثمانين سنة. محمد بن موسى بن محمد بن سند بن تميم اللخمي الدمشقي المحدث شمس الدين، ولد في ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وسبعمائة، وعني بالحديث وطلب من سنة بضع وأربعين، فسمع من فاطمة بنت العز خاتمة أصحاب إبراهيم بن خليل ومن جماعة من أصحاب ابن عبد الدائم، وصنف وخرج وكتب العالي والنازل وعنده عن أبي الفتح الميدومي ومن بعده كابن الملوك وأحمد بن المظفر، وكان يقول إنه تخرج به وأخذ أيضاً عن الذهبي، وذكره في المعجم المختص وهو آخر من ذكر فيهم وفاة وكان حسن القراءة جداً مع الذكاء المفرط، وله محفوظات، وأخذ العربية عن المراكشي، وأذن له في الإقراء في العربية سنة خمسين، وصحب العلائي وابن كثير والسبكي، وأخذ أيضاً عن شرف الدين خطيب جامع جراح وناب عن بعض القضاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 الشافعية كالتاج السبكي، وكان شديد اللزوم له وقارئاً لتصانيفه في دروسه، وناب عنه في مشيخة دار الحديث الأشرفية وغيرها، ثم تحول مالكياً، فناب عن بعض المالكية ثم رجع، فناب عن ولي الدين ابن أبي البقاء، ومات شافعياً في خامس صفر، ووهم من أرخه سنة إحدى، وهو القائل: الحافظ الفرد إن أحببت رؤيته ... فانظر إلي تجدني ذاك منفردا كفى لهذا الدليل أنني رجل ... لولاي أضحى الورى لم يعرفوا سننا أنشدناه عنه شرف الدين القدسي. وقرأت بخط البرهان المحدث أنه اختلط قبل موته بسنة بسبب مرض طال به اختلاطاً فاحشاً، قال: وكان عالماً، له يد في النحو والحديث، حسن الشكل، كيساً، متواضعاً، لين الجانب، وكان يعمل الميعاد فيسرده من غير تلعثم ويعمل أشياء حسنة. وقرأت بخط ابن حجي أنه تغير في آخر عمره تغيراً شديداً، ونسي بعض القرآن، فكان يقال إن ذلك لكثرة وقيعته في الناس. موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمر اسن التلمساني من بني عبد الواد بطن من زناتة يكنى أبا حمو، وهو بها أشهر، ملك تلمسان بعد أبيه، وجرت له مع جماعة حروب وخطوب مع ولده أبي تاشفين، وقد ذكرت بعضها في الحوادث، وكان قتله في ثالث المحرم هذه السنة. يعقوب بن عيسى الأقصراي شرف الدين ثم الدمشقي ولد سنة عشرين، وسمع من الحجار والمزي وغيرهما، وحدث وخطب ودرس وناب في الحكم، وكان رجلاً خيراً، مات في دمشق في ذي الحجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة في صفر حضر كمشبغا من حلب فأمر السلطان بتلقيه. وفي المحرم احتال الناصري وايتمش فأظهرا التنافس وألبس الناصري مماليكه وأظهر الخروج عن طاعة السلطان وأمر مناديه فنادى: من كان من جهة منطاش فليحضر، فحضر إليه ألف ومائتا نفس فقبض عليهم وسجنهم. وفيها توجه منطاش في جمادى الآخرة من مرعش إلى العمق، ثم سار منها إلى سرمين ثم إلى حماة ثم إلى حمص ثم إلى بعلبك، فبلغ ذلك الناصري فخرج إليه من طريق الزبداني فخالفه منطاش إلى دمشق، فنزل القصر الأبلق، وذلك في رجب، وسار أحمد شكر بجماعة البيدمرية ودخل دمشق من باب كيسان، ولاقى منطاش بالخيول، فرجع الناصري فاقتتلا قتالاً كثيراً، وكاتب الناصري السلطان يستحثه على الوصول لدمشق، فاتفق خروج السلطان في العساكر في أواخر شعبان إلى أن بلغ دمشق في رمضان، فلما قرب من دمشق هرب منطاش، فدخل في العشر الأخير من رمضان، ثم توجه إلى حلب فدخلها في العشر الأخير من شوال، وكان الناصري في أول السنة أظهر الخروج عن طاعة السلطان ونادى: من كان من جهة منطاش فليحضر إلي أستخدمه، فحضر إليه أكثر من ألف نفس فحبسهم، فلما بلغ السلطان ذلك شكره، وكان طروق منطاش البلاد الشامية في جمادى الآخرة، فأول ما طرق سرمين، فبلغ ذلك نائب حماة فخاف منه فهرب فدخل حماة بغير قتال، ثم كثر جمعه فتوجه إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 حمص، فهرب صاحبها إلى دمشق، فملكها أيضاً ثم توجه إلى دمشق، فلما وصل إلى بعلبك هرب نائبها أيضاً، فدخلها بغير قتال ولم يشوش على أحد من أهل هذه البلاد، ثم توجه إلى دمشق فخرج إليه الناصري بعساكر دمشق من جهة الزبداني، وكان منطاش قد توجه إلى جهة طرابلس فخالف شكر أحمد التركماني، وكان من جهة منطاش الطريق التي توجه منها الناصري في العسكر، فدخل دمشق فالتفت عليه جماعة من البيدمرية فأخذ منها خيولاً كثيرة وتوجهوا بها إلى منطاش، فقوي بهم ورجع إلى دمشق من طريق أخرى ونزل القصر الأبلق، وبلغ ذلك الناصري فرجع وحاصره بدمشق ودام القتال بينهما وقتل من الطائفتين جماعة ونهبت دور كثيرة وخربت، فلما طال الحصار ترك منطاش دمشق وتوجه إلى بعلبك، فوصل نعير فيمن معه من العرب والتركمان فقاتل الناصري وكاتب السلطان واستحثه على المجيء إلى الشام، فخرج في العساكر واستخلف في غيبته كمشبغا في الاصطبل وسودون النائب بالقلعة والصفوي حاجب الحجاب، واستصحب معه الخليفة والقضاة والمباشرين وجماعة من القضاة والمباشرين المعزولين، فوصل دمشق في الثاني والعشرين من شهر رمضان، فدخل في طاعته جميع المخالفين من العرب والتركمان ولم يشهر في وجهه سيف، وكان يلبغا الناصري التقاه فترجل له السلطان وأركبه من مراكيبه الخاصة وصلى الجمعة ثاني يوم قدومه، ونادى في البلد بالأمان وأن الماضي لا يعاد، فكثر الدعاء له، وولي القاضي شهاب الدين الباغوني قضاء الشام والخطابة وعزل الزهري وكان بدر الدين ابن أبي البقاء أخذ الخطابة عن سري الدين، فلما دخل الناصري مصر وغلب على المملكة نزل عنها ابن أبي البقاء لابن القرشي فأضافها إلى القضاء، فلما عزل منطاش ابن القرشي عن القضاء وولاه الزهري استمر حتى دخل برقوق دمشق فعزله، وولى الباغوني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 وأرسل إليه نعير بالطاعة والاعتذار عما جرى منه والتزم له بإحضار منطاش بعد أن طلب لنفسه الأمان ولأصحابه فأجيب سؤاله، ووصل إليه رسول سولى بن دلغادر يتنصل من الذي جرى منه وأرسل هدية جليلة، منها مائتا اكديش واستناب في قلعة دمشق سودون باق فظلم الناس بالمصادرة وسفك الدماء فلم يفلح وقتل بعد ذلك، وبرز السلطان إلى برزة في سابع شوال، وسار في تاسعه طالباً للبلاد الحلبية، وقرر فخر الدين ابن مكانس وزيراً بالشام فوصل إلى حلب في الثاني والعشرين منه فقرر بدر الدين ابن فضل الله في كتابه السر عوضاً عن علاء الدين الكركي بحكم ضعفه وكان استصحب ابن فضل الله معه بطالاً، وأمر الكركي بالعود إلى دمشق فأقام بها متمرضاً من أول غيبة السلطان في سفرته إلى حلب، فلما عاد وجده على حاله من الضعف فتوجه صحبته إلى مصر فاستمر بها ضعيفاً إلى أن مات، ووصل إلى السلطان كتاب من صاحب ماردين يتضمن أنه اجتمع عنده ثلاثة عشر أميراً من الأشرفية وجملة من المماليك فجهز إليه اينال اليوسفي فتسلمهم وأحضرهم صحبته بعد أيام قلائل وكان كبيرهم قشتمر الأشرفي فشكر السلطان ذلك لصاحب ماردين، ووصل أيضاً كتاب من سالم الدوكاري التركماني يخبر السلطان الظاهر أن منطاش في قبضته فجهز السلطان دمرداش نائب حلب في جريدة من إحدى الجهات وجهز يلبغا الناصري نائب دمشق في جريدة أخرى من جهة أخرى، فوصل دمرداش إلى سالم وأقام عنده أربعة أيام يماطله في تسليم منطاش، فلما طال عليه الأمر ركب عليه ونهب بيوته وقتل جماعة من أصحابه فهرب سالم ومنطاش إلى جهة سنجار ثم قدم يلبغا الناصري بعد الهزيمة، فتفاوض هو ودمرداش إلى أن غضب الناصري وجرد الدبوس على دمرداش ثم أصلح الحاضرون بينهما فرجعا إلى السلطان فأخبره دمرداش بأن الناصري هو الذي كاتب منطاش أولاً حتى حضر إلى دمشق وأنه هو الذي يخذل عنه في أول الأمر وآخره وأحضر إليه كتاباً من عند سالم التركماني أن الناصري أرسل إليه يعرفه فيه أنه لا يسلم منطاش ولا يخذله ويقول فيه بأنه ما دام موجوداً فنحن موجودون، فلما وقف السلطان على ذلك خلا بالناصري فعاتبه على ذلك عتاباً كثيراً، ثم أفضى به الأمر إلى أن أمر بذبحه، فذبح بحضرته، وذلك في ذي القعدة، ثم تتبع جماعة من أصحابه بالقتل والحبس، منهم أحمد بن المهمندار نائب حماة وقرر في نيابة دمشق بطا الدويدار، وفي نيابة حلب جلبان عوضاً عن قرا دمرداش، واستصحب قرا دمرداش إلى القاهرة، وفي نيابة طرابلس فخر الدين إياس، وفي نيابة حماة دمرداش المحمدي، واستقر أبو يزيد دويداراً عوضاً عن بطا، ثم رجع السلطان إلى دمشق فدخلها في ثالث عشر ذي الحجة، فقتل بها جماعة من الأمراء، منهم أحمد بن بيدمر، وكان شاباً حسن الشكل فحزن عليه جميع من بدمشق، ومحمد بن أمير علي المارداني، وكمشبغا المنجكي، وقرابغا الأشرفي وغيرهم، وخرج منها في ثالث عشرين ذي الحجة متوجهاً إلى القاهرة. طله في تسليم منطاش، فلما طال عليه الأمر ركب عليه ونهب بيوته وقتل جماعة من أصحابه فهرب سالم ومنطاش إلى جهة سنجار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 ثم قدم يلبغا الناصري بعد الهزيمة، فتفاوض هو ودمرداش إلى أن غضب الناصري وجرد الدبوس على دمرداش ثم أصلح الحاضرون بينهما فرجعا إلى السلطان فأخبره دمرداش بأن الناصري هو الذي كاتب منطاش أولاً حتى حضر إلى دمشق وأنه هو الذي يخذل عنه في أول الأمر وآخره وأحضر إليه كتاباً من عند سالم التركماني أن الناصري أرسل إليه يعرفه فيه أنه لا يسلم منطاش ولا يخذله ويقول فيه بأنه ما دام موجوداً فنحن موجودون، فلما وقف السلطان على ذلك خلا بالناصري فعاتبه على ذلك عتاباً كثيراً، ثم أفضى به الأمر إلى أن أمر بذبحه، فذبح بحضرته، وذلك في ذي القعدة، ثم تتبع جماعة من أصحابه بالقتل والحبس، منهم أحمد بن المهمندار نائب حماة وقرر في نيابة دمشق بطا الدويدار، وفي نيابة حلب جلبان عوضاً عن قرا دمرداش، واستصحب قرا دمرداش إلى القاهرة، وفي نيابة طرابلس فخر الدين إياس، وفي نيابة حماة دمرداش المحمدي، واستقر أبو يزيد دويداراً عوضاً عن بطا، ثم رجع السلطان إلى دمشق فدخلها في ثالث عشر ذي الحجة، فقتل بها جماعة من الأمراء، منهم أحمد بن بيدمر، وكان شاباً حسن الشكل فحزن عليه جميع من بدمشق، ومحمد بن أمير علي المارداني، وكمشبغا المنجكي، وقرابغا الأشرفي وغيرهم، وخرج منها في ثالث عشرين ذي الحجة متوجهاً إلى القاهرة. ذكر بقية الحوادث الكائنة في هذه السنة في المحرم أمسك أبو الفرج موفق الدين الوزير وصهره سعد الدين ابن البقري فصودرا. وفي ثامن صفر أمر الظاهر بهدم سلالم البوابة التي لمدرسة السلطان حسن والبسطة التي قدام الباب إلى العتبة، وقفل الباب وسد من داخله وأمر بفتح شباك مقابل باب الإصطبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 وجعل باباً إلى المدرسة فصار الناس يستطرقون منه، وكان أحد قاعات المدرسين، وسدت الطرق إلى الأسطحة والمؤاذن وأبطل الأذان على المنارتين، وجعل على الباب الذي فتح، كل ذلك لما حدث من منطاش ومن بعده من اتخاذهم المدرسة المذكورة عدة لمن يحاصر القلعة، ودام ذلك دهراً طويلاً إلى أن أمر الأشرف قبل الثلاثين وثمانمائة بفتح الباب الكبير وإعادة السلم والبسطة فأعيد جميع ذلك. وفيه ضرب حسين بن باكيش بالمقارع، واستمر في الحبس إلى أن وسط في شعبان، واستقر يلبغا المجنون كاشف الوجه القبلي، وضرب القاضي شمس الدين بن الحبال قاضي طرابلس تأديباً بسبب فتيا أفتى بها لمنطاش في حق السلطان. وفي ثالث عشر ربيع الأول توجه يلبغا السالمي على البريد لتقليد نعير إمرة العرب، فسمع في هذه السفرة على أبي هريرة ابن الذهبي الأربعين التي أخرجها له أبوه، وحدث بها بعد ذلك. وفي رابع جمادى الأولى وصل ايتمش من دمشق إلى القاهرة، فتلقاه نائب السلطنة وأكرمه السلطان ومن دونه، ووصل صحبته جمع كثير من الأمراء المسجونين بدمشق الذين كانوا قد خرجوا عن الطاعة وقاتلوه ومنعوه من دخول دمشق وأساؤا في حقه، منهم آلابغا الدوادار وجنتمر أخوطاز، وأمير ملك بن أخت جنتمر، ودمرداش اليوسفي وتمام سنة وثلاثين أميراً فسجنوا، ثم أطلق منهم جبريل الخوارزمي بشفاعة نعير، ووصل صحبته أيضاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 شهاب الدين أحمد بن عمر القرشي قاضي دمشق، وفتح الدين ابن الشهيد كاتب السر بها، وتاج الدين مشكور ناظر الجيش بها، الثلاثة في الترسيم والجميع في القيود، فصودر ناظر الجيش على مال وأطلق وسجن القاضي وكاتب السر، وكان ابن القرشي أفحش في أمر الظاهر جداً حتى كان يقف على الأسوار ويصيح: إن قتال برقوق أوجب من صلاة الجمعة! ثم قدم جبريل الخوارزمي فاراً من منطاش فأكرمه السلطان، ثم قبض عليه وعلى كثير من الأمراء وقتل أكثرهم توسطاً وخنقاً. وفيه استقر قطلوبغا الصفوي حاجب الحجاب. وفيه شرع في عمارة الوكالة الظاهرية بجوار وكالة قوصون. وفي جمادى الآخرة استقر كمال الدين ابن العديم قاضي العسكر بحلب عوضاً عن جمال الدين بن الحافظ بحكم استقراره في قضاء حلب عوضاً عن محب الدين ابن الشحنة، والبرهان الشاذلي المالكي في قضاء دمشق عوضاً عن البرهان القفصي. وفيه قبض على جماعة من الأمراء الذين كان هواهم مع منطاش فسلموا للوالي فسمرهم، ثم أمر بتوسيطهم فوسطوا منهم: اسندمر اليونسي وآقبغا الظريف، وصربغا وإسماعيل التركماني وكزل القرمى في آخرين. وفي نصف جمادى الآخرة ادعى رجل عجمي على القاضي شهاب الدين ابن القرشي قاضي دمشق بين يدي السلطان بأن له في جهته مالاً فأحضره السلطان من البرج فأنكر الدعوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 فلم يحتج خصمه إلى إقامة بنية بل أمر السلطان بضربه فضرب بحضرته بالمقارع نحو الخمسين شيباً وسلم للوالي وكان قد بالغ في الإساءة على الظاهر لما حاصر دمشق فحقد عليه فأمر الوالي بضربه عنده فكرر عليه الضرب مرات، وبالغ في إهانته وآل أمره إلى أن ضرب بالمقارع مرة نحو المائتي شيب - ثم حبس فمات بعد قليل، قيل إنه خنق وادعى جمال الدين الهذباني على أمير ملك بن جنتمر قريب بيدمر بمال فأمر السلطان بضربه، فضرب بين يديه بالمقارع وتسلمه الوالي - فمات في يده. وفي هذا الشهر استقر قاسم ابن كمشبغا أمير طبلخاناة وهو ابن سبع سنين أو نحوها. وفيه تتبع الوالي المماليك الأشرفية ممن كان مع بركة ثم منطاش فأفناهم قتلاً وخنقاً، فمن قتل صرى تمر نائب الغيبة لمنطاش وتكا الأشرفي ودمرداش اليوسفي ودمرداش القشتمري وعلي الجركتمري وجنتمر أخو طاز الذي كان نائب الشام في أيام منطاش وتقطاي الطواشي الطشتمري الرومي أحد الشجعان، ضربت رقابهم بالصحراء ظاهر القاهرة. وفي شعبان أيضاً قتل فتح الدين ابن الشهيد كاتب السر أحد الفضلاء، رحمه الله وقتل حسين ابن الكوراني بخزانة شمائل في هذا الشهر أيضاً، وممن قتل أيضاً أحمد ومحمد ابنا بيدمر وأحمد ابن محمد بن المهمندار وأرغون شاه وآقبغا المارداني وآقبغا الدباج وآلابغا العثماني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وفي نصف رجب ادعى عند الركراكي قاضي المالكية بحضرة بتخاص الحاجب بالصالحية على الطنبغا الحلبي والطنبغا دويدار جنتمر بأمور تقتضي الكفر، فحكم القاضي بإراقة دمهما، فضربت أعناقهما بين القصرين. وفي نصف شعبان استقر جمال الدين المحتسب في قضاء الحنفية عوضاً عن شيخنا مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم الكناني، فكانت مدة مباشرته دون السنة. وفي ثالث شعبان استقر شمس الدين ابن الجزري في قضاء الشافعية بدمشق وكتب توقيعه بالقاهرة، وخرج مع العسكر عوضاً عن مسعود، ثم فتر أمره فإن السلطان لما دخل دمشق سعى مسعود وأعيد. وفي رمضان استقر بهاء الدين ابن البرحي في الحسبة عوضاً عن نجم الدين الطنبذي. وفيه أمر كمشبغا نائب الغيبة أن لا يخرج النساء إلى الترب بالقرافة وغيرها، وشدد في ذلك، ومنع المتفرجين في الشخاتير، وهدد على ذلك بالتغريق والتوسيط، فحصل لأهل الخير بذلك فرح، ولأهل الشر بذلك ترح، ثم منع النساء من لبس القمصان الواسعة الأكمام، وشدد في ذلك إلى أن رتب ناساً يقطعون أكمام من يوجد أكمامها واسعة، وساس الناس سياسة حسنة حتى لم يتمكن أحد في مدة مباشرته الحكم في هذه الغيبة أن يتظاهر بفسق ولا فجور من هيبته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 وفي شوال نازل ابن عثمان قيسارية فملكها. وفيها سافرت إلى قوص وغيره من بلاد الصعيد ولم أستفد منها شيئاً من المسموعات الحديثية بل لقيت جماعة من أهل العلم، منهم ناصر الدين قاضي هو وابن السراج قاضي قوص وجماعة من أهل الأدب، سمعنا من نظمهم. وفيها مات فير حسن الذي كان تأمر على التركمان بعد قتل قرا محمد، وأقاموا بعده ابنه حسين بك. وفيها كمل تعمير المدرسة الفخرية. وفيها مات عمر بن يحيى الأرتقي من أولاد الملوك بماردين بحصن كيفا، وكان قد لجأ إلى العادل بحصن كيفا وأقام عنده مغاضباً لابن عمه، فمات في هذه السنة. وفي ثامن عشر المحرم بعد موت صدر الدين بن رزين استقر العراقي في تدريس الظاهرية العتيقة، والقاياتي في الحكم بايوان الصالحية. وفي تاسع صفر قدم كمشبغا من حلب فتلقاه النائب فهاداه السلطان فمن دونه بشيء كثير جداً، وحضر صحبته حسن الكجكني. وفي تاسع عشر صفر استقر يلبغا المحنون كاشف الوجه القبلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 وفي آخر صفر أحضر شهاب الدين أحمد بن محمد بن الحبال قاضي الحنابلة بطرابلس، وضرب بين يدي السلطان الظاهر بسبب قيامه مع منطاش وفتواه لأهل طرابلس بقتال الظاهر، وأمر بسجنه ثم شفع فيه فأطلق، وقد ولى هذا قضاء الشام في دولة الملك الظاهر ططر بعناية علم الدين ابن الكويز كاتب السر إذ ذاك بصحبته إياه من طرابلس. وفيها قدم رسول سولى بن دلغادر بهدية ومفاتيح سيس وكتاب اعتذار عن أخذها، ويسأل عمن يسلمها له. وفي شوال أعيد ابن فضل الله إلى كتابة السر واستقر ناصر الدين محمد الفاقوسي في توقيع الدست عوضاً عن ناصر الدين محمد بن علي بك الطوسي. وفيها أرسل السلطان الشيخ شمس الدين الصوفي ناظر المارستان يستكشف أخبار منطاش، فوصل إلى حلب ورجع في ربيع الأول فأخبر أن منطاش توجه إلى صنبوا شارداً من العساكر. وفيها في جمادى الآخرة ادعى شخص مسخرة عند السلطان على أمير يلك بن أخت جنتمر أخو طاز بأنه غرمه ستمائة ألف درهم وأغرى به منطاش حتى ضربه بالمقارع فأمر به الظاهر فجرد وضرب بالمقارع نحو المائتي شيب وسلمه لوالي القاهرة فأرسل إلى الخزانة ودس عليه من خنقه، فمات في ليلته ليلة خامس عشرية. وفي جمادى الآخرة منها ظهر كوكب كبير بذؤابة طول رمحين أو ثلاثة رماح، قليل النور، فصار يظهر من أول الليل إلى أن يغيب نصف الليل، وكان قد ظهر مثله في سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 ثمان وسبعين في أواخر دولة شعبان، فتفاءل بعض الناس بذلك على الظاهر فلم يؤثر فيه. وأوفى النيل عاشر مسرى وانتهت زيادته إلى أصبع من عشرين. وفي هذه السنة كثر تتبع السلطان لعرب الزهور، وكانوا قد أفسدوا في الشرقية وبالغوا في ذلك، وأحضر ابن فضالة شيخ عرب الزهور فضرب بحضرته بالمقارع، وأحضر خالد بن بغداد، فضرب بين يديه بالعصي، فشفع فيه بكلمش أمير آخور فرده، ثم عاد فغضب منه وضربه بالنمجاة ضربتين وأمر بإمساكه فأمسك، ثم شفع فيه الأمراء آخر النهار فأطلقه واستمر على إمرته. وفي شعبان قبض على محمد بن آقبغا آص شاد الدواوين وسلم لابن الطبلاوي لعصارة فبالغ في عقوبته، واستمر في شد الدواوين ناصر الدين محمد بن رجب، وسار صحبة العسكر فأعيد إلى القاهرة وعلى يده مثال إلى محمود الاستادار، فإذا المثال يتضمن أن يقبض عليه ويلزمه بوزن مائة وستين ألف درهم، فقبض عليه فحمل سبعين ألفاً. وفي رمضان وسط أحمد بن علي البشلاقي والي قطية. وفي سادس عشرين شوال استقر الشريف شهاب الدين أحمد بن محمد بن حسين بن حيدر ابن بنت عطاء في حسبة مصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 وفيها غلب أبو يزيد بن عثمان على قيسارية. وفيها أمر الظاهر أن يعزل جميع ولاة الأعمال بالريف وأن لا يولى عليها أحد ممن كان قد تولى، فاختار سودون النائب ثلاثة أنفس فولاهم بغير رشوة، فاستقر شاهين الكلفتي في الغربية، وطرقجي في البهنسا، وقجماس في المنوفية، واستقر يلبغا المجنون نائب الوجه القبلي، وأسنبغا السيفي والي الفيوم وكشف البهنسا، وتقطائي الشهابي والي الأشمونين، ودمرداش السيفي نائب الوجه البحري. ذكر من مات في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة من الأعيان أحمد بن آل ملك بن عبد الله الجوكندار، تأمر في أيام الناصر الكبير، ثم تقدم في سلطنة حسن، ثم تنقل في الولايات بغزة وغيرها، ثم رمى الإمرة في سنة تسع وسبعين ولبس بالفقيري وصار يمشي في الطرقات، وحج كثيراً وجاور إلى أن توفي في جمادى الآخرة. أحمد بن زيد اليمني الفقيه أحد المصلحين في بلاد المخلاف، سخط عليه الإمام صلاح الدين بن علي في قصة جرت له فأمر بقتله فبلغه ذلك فحمل المصحف مستجيراً به على رأسه فلم يغن عنه ذلك، وقتل في تلك الحالة فأصيب الإمام بعد قليل، فقيل كان ذلك بسببه. أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خير المالكي، ولي الدين، ولد قاضي القضاة، قرر في بعض وظائف أبيه بعد موته، منها درس الحديث بالشخيونية، ومات شابا في جمادى الآخرة. أحمد بن عبد الله الدمنهوري شهاب الدين ابن الجندي أحد الفضلاء المشهورين بالخير، تقدم ما جرى له مع برقوق في الحوادث وكان معظماً عند أهل بلده وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 أحمد بن عمر بن مسلم بن سعيد بن عمرو بن بدر بن مسلم القرشي الدمشقي القاضي شهاب الدين ابن الشيخ زين الدين، كان فاضلاً، تشاغل بالوعظ على طريقة أبيه، وكان العوام يعجبون به جداً ويعتقدونه، ثم ولي قضاء الشام في أيام الناصري لأنه كان ممن يعتقده، فلما حاصر الظاهر دمشق قام القرشي في صده عنها، وحرض عليه العامة، ثم قبض عليه منطاش وسجنه، فلما ظفر الظاهر قبض عليه على يد أيتمش وأحضره إلى القاهرة فبالغ في إهانته، ثم أقام شخصاً ادعى عليه بحضرته أنه أخذ له مالاً وفعل به أفعالاً قبيحة، فجرده الظاهر وضربه بالمقارع وسلمه لوالي القاهرة فوالى ضربه مراراً وعصره، ثم دس عليه من خنقه، فيقال إنه لما حضر عنده بادر فقال: " تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين " فلم يرق له وأمر بحبسه فحبس إلى أن قتل خنقاً في محبسه في ليلة تاسع شهر رجب. قرأت بخط البرهان المحدث: اجتمعت به مراراً وكان أفضل أولاد أبيه، وكان كثير الفوائد والمجون. أحمد بن قطلو العلاي الحلبي، سمع من إبراهيم بن صالح بن العجمي شيئاً من عشرة الحداد وحدث، ومات في شعبان وقد جاوز السبعين. أحمد بن محمد الأنصاري المصري شهاب الدين شيخ الخانقاه السعيدية كان يجلس في الشهود ويكتسب فأثرى وكثر ماله ولم يتزوج وتقرب إلى القاضي برهان الدين، فعمل درساً بجامع الأزهر، وقف عليه ريعاً يغل مالاً كثيراً، وطلب منه أن يدرس فيه ففوضه لبرهان الدين الأنباسي، ثم بذل مالاً لأهل سعيد السعداء، حتى عمل شيخها وعمر أوقافها وأنشأ بها مأذنة وبالغ في ضبط أحوالها فأبغضوه وقاموا عليه حتى صرفوه وكان موسراً والتزم أن لا يأخذ لها معلوماً، ثم عزل بابن أخي الجار، ومات في ذي القعدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 جلال بن أحمد بن يوسف بن طوع رسلان الثيري - بكسر المثلثة وسكون التحتانية بعدها راء - الشيخ العلامة جلال الدين التباني، وقيل اسمه رسولا قدم القاهرة قديماً، وذلك في أواخر دولة الناصر وأقام بمسجد بالتبانة، فغلبت عليه النسبة إليها، وكان يذكر أنه سمع صحيح البخاري على علاء الدين التركماني، وتلمذ للشيخين جمال الدين ابن هشام وبهاء الدين ابن عقيل، فبرع في العربية وصنف فيها وتفقه على القوام الأتقاني والقوام الكاشي وانتصب للإفادة مدة، وشرح المنار، ونظم في الفقه منظومة، وشرحها في أربع مجلدات، وعلق على البزودي، واختصر شرح البخاري لمغلطاي، وعلق على المشارق والتلخيص، وصنف في منع تعدد الجمعة، وفي أن الإيمان يزيد وينقص، ودرس بالصرغتمشية والالجهية وغير ذلك، وعرض عليه القضاء مراراً فامتنع، وأصر على الامتناع، ومات في ثالث عشر شهر رجب، وهو والد صاحبنا العلامة شرف الدين يعقوب. جنتمر ويقال جردمر أخوطاز، تنقلت به الأحوال في الخدم إلى أن استقر أتابكاً بدمشق، وحبس في صفد مدة، ثم أطلقه الناصري وناب عنه بدمشق في غيبته، ثم أمسكه منطاش بعد إمساك بزلار، ثم كان ممن قام على برقوق لما حاصر دمشق، ثم تغير عليه منطاش وسجنه، فلما استقام الأمر للظاهر طلبه إلى مصر فقتل مع عشرة، وكان شكلاً حسناً شجاعاً حسن الرأي والتدبير محمود السيرة رحمه الله. صلاح بن علي بن محمد بن علي العلوي الزيدي الإمام، ولي الإمامة بصعدة وحارب صاحب اليمن مراراً، وكاد أن يغلب على المملكة كلها، فإنه ملك لحج وأبين، وحاصر عدن وهدم أكثر سورها وحاصر زبيد فكاد أن يملكها ورحل عنها، ثم هادنه الأشراف وصار يهاديه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 وكان فاضلاً عالماً عادلاً، سقط من بغلته بسبب نفورها من طائر طار فتعلل، حتى مات بعد ثلاثة أشهر في ذي القعدة. عامر بن عبد الله المسلمي المصري الشيخ، أحد من كان يعتقده المصريون، مات في صفر. عائشة بنت السيف أبي بكر بن عيسى بن منصور بن قواليج الدمشقية، روت عن القاسم بن مظفر والحجار وغيرهما وحدثت، ماتت في شوال، وهي بنت عم بدر الدين ابن قواليج. عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن بهرام الحلبي الشروطي، حفيد القاضي شمس الدين محمد بن بهرام، ولد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة واشتغل وتفقه ووقع في الحكم وتعانى الشروط وصنف فيه، ولي قضاء عين تاب، وكان حسن الخط، قدوة في فنه. عبد القادر بن محمد بن عبد القادر النابلسي ثم الدمشقي شرف الدين قاضي الحنابلة بدمشق كان فاضلاً، مات شاباً في ذي القعدة أو ذي الحجة، وكان مولده بنابلس سنة سبع وخمسين، وكان قد صحب الركراكي فسعى له في القضاء، وانفصل به ابن المنجا بعد أن كان هو في خدمته فلم تطل مدته في القضاء، ثم مات بعد أشهر في ذي القعدة، وبلغ أباه موته فانزعج لذلك واختلط عقله وما زال مختلطاً حتى مات في سنة. علي بن طيبغا الحلبي علاء الدين الموقت، اشتغل في الهيئة والحساب والجبر والمقابلة والأصلين، ومهر في ذلك واشتهر حتى صار موقت البلد من غير منازع في ذلك، وكان يسكن جامع الطنبغا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 قرأ عليه جماعة من شيوخ حلب كأبي البركات وشمس الدين النابلسي وشرف الدين الدادنجي وعز الدين الحاضري، وذكر القاضي علاء الدين في تاريخه: أن جمال الدين ابن الحافظ قال له يوماً: يا كافر! فقال له ابن طنبغا: بما عرفت الله؟ فسكت، فقال علاء الدين: فمن هو الكافر الذي يعرف الله أو لا يعرفه؟ قال: وكان يعرف بفساد العقيدة، وينسب إلى ترك الصلاة وشرب الخمر، ولم يكن عليه وضاءة الدين والعلم، وكان أكثر الأمراء يعتمد عليه في أحكام النجوم. علي بن عبد الله الروبي - بالباء الموحدة نسبة إلى موضع بالفيوم - كان مجذوباً وتظهر منه أشياء خوارق للعادة، وللناس فيه اعتقاد زائد، مات في في ذي الحجة. علي بن عبد الله الحراني علاء الدين قاضي المحلة، مشهور، مات في المحرم. عمر بن عبد المحسن بن عبد اللطيف صدر الدين ابن رزين، سمع الدبوسي والقطب الحلبي وغيرهما، وأجاز له الحجاز وابن الزراد وطائفة، وحدث وناب في الحكم بصلابة ومهابة، ودرس بأماكن، مات في المحرم، وكان بيده تدريس الحديث بالظاهرية البيرسية وبالفاضلية، فاستقر فيهما شيخنا العراقي بعده. فاطمة بنت عمر بن يحيى المدنية تعرف ببنت الأعمى، أجاز لها الدشتى والقاضي والمطعم ونحوهم، وحدثت بمصر مدة، ماتت في آخر السنة. فاطمة بنت محمد بن عبد الرحيم الأميوطي أخت الشيخ جمال الدين، سمعت من وزيرة والحجار. محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن محمد بن أبي الكرم النابلسي الأصل، ثم الدمشقي، فتح الدين ابن الشهيد أبو بكر، أحد أفراد الدهر ذكاء وعلماً ورياسة ونظماً، تفقه ومهر في التفسير والفقه، وبرع في الأدب والفضائل وإقراء الكشاف وغيره، ونظم السيرة النبوية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 نظماً مليحاً إلى الغاية وحدث بها، لما قدم القاهرة سنة إحدى وتسعين قرأها عليه شيخنا الغماري وهو أسن منه وأثنى هو وجميع فضلاء القاهرة على فضله، وأثنى عليه ينظمها قبل ذلك الحافظ شمس الدين ابن المحب ومدحه بقصيدتين فأجابه عنهما، وكانت له دروس حافلة عظيمة، وكان رئيساً عالي الرتبة رفيع المنزلة، له آثار حميدة وسجايا جميلة ومحاضرة حسنة، ولي كتابة السر بدمشق مراراً ومشيخة الشيوخ بها، ودرس وتقدم إلى أن قتل ظلماً في شعبان من سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وذلك أنه لما خرج منطاش ويلبغا الناصري وملكا الأمر ونفى برقوق إلى الكرك ثم خلص منها وحاصر دمشق قام ابن الشهيد وجمع لمحاربته، فلما آل الأمر إلى برقوق حقد عليه فأمر بالقبض عليه فحمل إلى القاهرة مقيداً، فأودع السجن مع أهل الجرائم ثم أمر به فأخرج إلى ظاهر القاهرة فضربت عنقه بالقرب من القلعة، وذلك قبل رمضان بيوم، وكان بينه وبين بيدمر شر كبير، فإذا ولي بيدمر النيابة سعى في أذاه بكل طريق وصودر غير مرة واختفى وعزل مراراً، ثم يعود، وكان أعظم ذنوبه عند الظاهر أن منطاش لما سجن الشهاب القرشي أعطاه الخطابة، فكان يحرض في خطبته على الظاهر. محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن محمد النابلسي الأصل ثم الدمشقي شمس الدين ابن الشهيد أخو الذي كان قبله، كان مقيماً بالقاهرة، فمات قبل قتل أخيه فتح الدين ودفن أخوه عنده. محمد بن إبراهيم النابلسي ثم الدمشقي، نجم الدين ابن الشهيد أخو اللذين قبله، تنقل في البلاد وولي كتابة السر بسيس عشرين سنة، ثم قدم القاهرة فمات بها بعد أخويه في ذي القعدة، واتفق أن دفن الثلاثة في قبر واحد بعد الشتات الطويل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الدمشقي تقي الدين ابن الظاهري، سمع من الحجار ومحمد بن محمد بن عرب شاه وتفقه، مات في صفر سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حاتم تقي الدين المصري ابن إمام جامع ابن الرفعة، ولد سنة سبع عشرة، وسمع على الحجار والواني والدبوسي وغيرهم، وكان عارفاً بالفقه، درس بالشريفية ودرس للمحدثين بقبة بيبرس، وحدث وأفاد، مات في ذي القعدة. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد العسقلاني، فتح الدين أبو الفتح المصري إمام جامع طولون، ولد سنة أربع وسبعمائة، وتلا بالسبع على التقي الصائغ وسمع عليه الشاطبية، فكان خاتمة أصحابه بالسماع وأقرأ الناس بأخرة فتكاثروا عليه، مات في المحرم. محمد بن أحمد بن أبي الوليد محمد بن أحمد بن أبي محمد القرطبي أبو الوليد ابن الحاج ثم الغرناطي نزيل دمشق، أم بالجامع، وكان فاضلاً، مات في ذي الحجة. محمد بن أحمد بن محمد بن مزهر بدر الدين الدمشقي كاتب السر، وليها مرتين قدر عشر سنين، وكان قد تفقه على ابن قاضي شهبة وهو الذي قام معه في تدريس الشامية البرانية، ونشأ على طريقة مثلى وباشر بعفة ونزاهة. محمد بن أحمد بن موسى بن عيسى البطرني الأنصاري أبو الحسن، سمع من والده كثيراً وأجاز له أبو جعفر بن الزين وقاضي فاس أبو بكر محمد بن محمد بن عيسى بن منتصر وتفرد بذلك، وكان آخر المسندين ببلاد افريقية، وكان زاهداً مقبلاً على القراءات والخير، مات بتونس في ذي القعدة عن تسعين سنة وأشهر. محمد بن إسماعيل بن سراج الكفربطناني، حدث بالصحيح عن الحجار بمصر وغيرها، وكان من فقهاء المدارس بدمشق، وأذن له ابن النقيب، مات في أحد الجمادين ببيسان راجعاً من القاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 محمد بن الحسن الأسدي شمس الدين، كان إمام خانقاه سعيد السعداء، مات راجعاً من الحج. محمد بن عبد الله بن أبي العلج زين الدين المصري، كان ممن يعتقد بمصر، مات في جمادى الأولى. محمد بن عبد الله المحلى القاضي الشيخ موفق الدين العابد، كان كثير القدر معتقداً عند أهل بلده. محمد بن علي بن أحمد بن محمد اليونيني البعلي الحنبلي شمس الدين ابن اليونانية، ولد سنة سبع وسبعمائة، وسمع من الحجار وتفقه، وسمع الكثير وتميز ولخص تفسير ابن كثير في أربع مجلدات وانتفع به، ومات في شوال. محمد بن أمير علي المارديني، مات بدمشق في ذي الحجة. محمد بن علي الطوسي المصري ناصر الدين موقع الدست، ولد بعد العشرين وسمع من ابن عبد الهادي وغيره، واشتغل حتى مهر، وكان يستحضر كثيراً من التاريخ والأدبيات، وكان في أول أمره من صوفية الخانقاه بسرياقوس، ثم تنقلت به الأحوال إلى أن ولي شهادة الخاص ثم التوقيع، وكان حسن المذاكرة، جميل المحاضرة، وصار من وجوه الموقعين ويشار إليه بالفضل دون كثير منهم، مات في شوال وقد قارب السبعين بحلب لما توجه السلطان الظاهر إليها بعد عوده إلى السلطنة. محمد بن محمد بن عبد الله بن عمر بن عوض الصالحي ناصر الدين البيطار حضر على ابن مشرف وسمع على القاضي وابن عبد الدائم وأجاز له الدمياطي والموازيني والشرف الفزاري وآخرون، مات في شعبان عن تسع وثمانين سنة. محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد القادر بن عبد الله بن سوار عز الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 الزبيري الملبحي، سمع من الحسن بن عمر الكردي، وتفرد عنه بالسماع، وسمع الصحيح على الحجار وحدث به، مات في جمادى الآخرة. محمد بن محمد بن النجيب عبد الخالق الحنبلي قاضي بعلبك، أمين الدين سبط فخر الدين ابن أبي الحسين اليونيني، كان فاضلاً وهو أول من ناب في الحكم عن الحنابلة ببعلبك، قتل في فتنة منطاش في رمضان وله تسع وأربعون سنة. محمد بن محمد بن محمد بن ميمون البلوي أبو الحسن الأندلسي، تقدم في سنة 787. محمد بن يوسف الزيلعي يكنى أبا عبد الله، حدث بالبخارى عن عبد الرحيم بن شاهد الجيش وكان أحد من يعتقد. محمد بن يوسف أبو عبد الله الركراكي المالكي شمس الدين، كان عالماً بالأصول والمعقول، وينسب لسوء الاعتقاد وقد امتحن بسبب ذلك ونفي إلى الشام، ثم تقدم عند الظاهر وولاه القضاء وسافر معه في هذه السنة، فمات بحمص في رابع شوال. ورثاه عيسى بن حجاج العالية بقوله: لهفي على قاضي القضاة محمد ... إلف العلوم الفارس الركراكي قد كان رأساً في القضا فلأجل ذا ... أسفت عليه عصابة الأتراك ولما سمع شيخنا سراج الدين بموته قال: لله در عقارب حمص، وكانت هذه تعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 في نوادر شيخنا إلى أن وجد في ربيع الأبرار أن أرض حمص لا يعيش بها العقارب وإن دخلت فيها عقرب غريبة ماتت من ساعتها. موسى بن عمر بن منصور بن رجل بن نجدة شرف الدين اللوبياني الشامي، ولد بعد سنة عشرين وسمع من الحجار وكان فقيهاً نبيهاً، مات في ربيع الأول، وكان ابن النقيب هو الذي أذن له، وكان يدرس ويفتي ويرتزق من الشهادة، ومات في ربيع الأول. منصور بن عبد الله الحاجب بغزة. يلبغا بن عبد الله الناصري أحد كبار الأمراء وقد حكم في المملكة أياماً قلائل، ثم ثار عليه منطاش كما تقدم في الحوادث وكان سبباً لبقاء مهجة برقوق ثم جازاه أن ولاه نيابة دمشق ثم حلب، ثم قبض عليه وقتله كما تقدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 سنة أربع وتسعين وسبعمائة في أولها وصل بهادر مقدم المماليك بحريم السلطان فتجهز نائب الغيبة في حادي عشر المحرم لملتقى السلطان إلى بلبيس ودخل السلطان القاهرة يوم الجمعة سابع عشر المحرم وكان يوماً مشهوداً، واستقر شهاب الدين النحريري في قضاء المالكية عوضاً عن الركراكي وكان كمشبغا أذن لشهاب الدين الدفري أن يتكلم في الأمور إلى أن يحضر السلطان. وفي صفر قبض على دمرداش نائب حلب وحبس بالبرج وعلى قزدمر الحسني. وفيه استقر ركن الدين عمر بن قايماز في الوزارة عوضاً عن ابن الحسام. وفي نصف صفر استقر الشريف مرتضى بن إبراهيم بن حمزة الحسني في نظر القدس والخليل. وفيه هجم على بطا النائب بدمشق خمسة أنفس منهم آقبغا دوادار فقتلوه وأخرجوا من في الحبس من المناطشية وهم نحو مائة نفر وملكوا القلعة فحاصرهم الحاجب في عسكر دمشق وضيق عليهم إلى أن غلبوا فأحرقوا عليهم الباب وأمسكوا الثائرين فلم يبقوا منهم إلا من هرب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 ولما بلغ السلطان ذلك قرر في نيابة دمشق سودون الطرنطاي فخرج إليها في ثامن ربيع الأول ودخلها في العشر الأخير منه فلم يلبث أن مات في رمضان وكانت ولايته سبعة أشهر واستقر مكانه كمشبغا الأشرفي، ومات من مماليكه وجماعته نحو مائة نفس بالطاعون. وفي سادس ربيع الأول ولي جمال الدين القيصري قاضي الحنفية مشيخة الشيخونية بعد وفاة العز الرازي. وفي نصف ربيع الأول أمر السلطان القضاة بتخفيف النواب وكان القاضي عماد الدين الكركي قد استكثر منهم جداً حتى استناب من لم تجر له عادة بالنيابة مثل جمال الدين ابن العرياني وولي الدين ابن العراقي وعز الدين عبد العزيز البلقيني ونحوهم، فعزل من نوابه أكثر من عشرين نفساً، وأبقى تقي الدين الزبيري وتقي الدين الأسنائي وفخر الدين القاياتي خاصة، فهؤلاء الثلاثة في إيوان الصالحية بالنوبة وأذن لبهاء الدين أبي الفتح البلقيني بالجلوس في القبة وآخر معه بالنوبة واستقر القاضي المالكي بخمسة من النواب أيضاً وهم ابن الجلال وجمال الدين الأقفهسي وشهاب الدين الدفري وخلف الطوخي وقد ولى الأولان القضاء استقلالاً بعد ذلك، وناب عنه بمصر جمال الدين العبسي. وفي هذا اليوم أمر السلطان أن ينقل محب الدين ابن الشحنة قاضي حلب من عند محمود فتسلمه والي القاهرة، وكذلك تسلم علاء الدين البيري موقع الناصري وكان قبض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 عليهما بالشام فقتل البيري واعتقل ابن الشحنة ثم أفرج عنه في أواخر هذا الشهر بعناية محمود الاستادار. وفيها خلع السلطان على يوسف بن علي بن غانم أحد أمراء العرب لما رجع من الحج وتوجه إلى بلاده في ربيع الأول. وفيها عزل ناصر الدين ابن الخطيب عن قضاء حلب واستقر شرف الدين الأنصاري. وفي آخر ربيع الآخر عزل ابن البرخي عن الحسبة وأعيد نجم الدين الطنبدي. وفي هذا الشهر قتل ايدكار الحاجب وقراكسك وأرسلان اللفاف وسنجق وغيرهم من الأمراء. وفي المحرم مات ناصر الدين ابن الحسام بعد مرض طويل. وفي ثاني عشرين صفر استقر محمد بن محمود في نيابة الإسكندرية. وفيه جهز حسن الكجكنبي بهدية إلى صاحب الروم. وفيه أعيد نظر جامع طولون إلى القاضي الشافعي، وكان الحاجب قد تحدث فيه نحو سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 وفيه أمر السلطان الدويدار وكاتب السر أن يتكلما في الأوقاف الحكمية لما بلغه من تخريب الأوقاف فأمر نصر الله بن شطية كاتب المرتجع باسترجاع الحساب من مباشري الأوقاف وألزمهم بعمل حساب المودع مدة عشر سنين. وفي تاسع عشر جمادى الآخرة استقر كمشبغا أتابكاً بموت أينال اليوسفي واستقر ايتمش رأس نوبة. وفي رجب ثار جماعة من المماليك على محمود الأستادار وطالبوه بالكسوة والنفقة ورجموه من الطباق وضربوا بعض مماليكه بالدبابيس وأرادوا قتله فمنعه منهم أيتمش. وفيها عزل ابن قايماز عن الوزارة واستقر عوضه تاج الدين ابن أبي شاكر، واستقر ابن قايماز في الأستادارية كسراً لشوكة المماليك ثم أنفق محمود على المماليك وكساهم فأعيد إلى وظيفته في نصف شعبان، وكان ذلك أول وهن دخل عليه. وفي شعبان قدم عنان بن مغامس أمير مكة وشريكه علي بن عجلان فقعد علي لصغر سنه تحت عنان فرفعه السلطان على عنان، ثم خلع عليه في رمضان وأفرده بالإمرة واعتقل عناناً بالقاهرة. وفي رمضان شكا تاج الدين النصراني معلم أولاد كريم الدين بن مكانس الكتابة أنه مختف في بيته فأرسل معه بكلمش أمير آخور جماعة من الوجاقية فدق تاج الباب فخرج إليه ابن مكانس فقال له: ما هذا؟ قال: تاج، ففتح مطمئناً به لكثرة دخوله عليه فهجم عليه الأوجاقية فحولوه إلى بكلمش فعرضه على السلطان فأمر الوالي أن يتسلمه فخاف تاج أن يتخلص ابن مكانس فأسلم على يد بكلمش ولبس بالجندية وخدم عنده شاداً في بعض بلاده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 وفي ذي القعدة قبض جماعة من المماليك بسرياقوس على شاب من العامة قهراً فارتكبوا فيه الفاحشة فأمعنوا في ذلك إلى أن مات فرفع الأمر إلى السلطان فأمر بالقبض عليهم وسلمهم لوالي القاهرة. وفي هذه السنة عصى طغيتمر نائب سيس فبلغ ذلك الظاهر فتحيل عليه فدس لأهل الكرك أن يقفوا له يوم المحاكمة ويشكوا من نائبهم ويسألوه أن يولي عليهم طغيتمر ففعلوا ذلك، وخفيت هذه المكيدة على بكلمش، وكان طغيتمر من جهته فكاتبه بما جرى فاطمأن وحضر إلى القاهرة فقبض عليه السلطان. وفي شعبان مات سودون الطرنطاي نائب دمشق وقرر بعده كمشبغا الخاصكي الأشرفي وكان سودون محباً في الخير، عديم الهزل، كارهاً في الخمر جداً والمظالم، ولكنه كان متعاظماً جداً، ولم يبلغ ثلاثين سنة، وكان مهاباً، ويقال إنه قال لما ولي النيابة: كيف أعمل في الأحكام بين الناس وأنا لا أدري شيئاً من الأمور الشرعية وكان يتنزه عن الرشوة، وحصل له قبل موته برسام فكانت تصدر منه أفعال لا تشبه أفعال العقلاء، وعزله الملك الظاهر قبل موته بعشرة أيام. وفي نصف رمضان أمر تغرى بردى تقدمة ألف. وفيه قرر بدر الدين الطوخي في وزارة دمشق عوضاً عن ابن مكانس بحكم انفصاله ورجوعه إلى القاهرة. وفي شعبان كان الحريق العظيم بدمشق. فاحترقت المأذنة الشرقية وسقطت واحترقت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 الصاغة والدهيشة وتلف من الأموال ما لا يحصى، وعمل في ذلك صاحبنا الأديب تقي الدين ابن حجة الحموي مقامة في نحو عشر أوراق من رائق النثر وفائق النظم وهي أعجوبة في فنها. وفيها كان الغلاء المفرط بدمشق. وأوفى النيل ثالث مسرى وانتهى إلى عشرين اصبعا من عشرين ذراعاً. وفي شعبان وقع الوباء في البقر حتى كاد إقليم مصر أن يفنى منها. وفيها استقر بدر الدين الأقفهسي شاهد الجاي ناظر الدولة. وفيها شكا أهل خانقاه سرياقوس من شيخهم فأمر السلطان بإحضاره فسأله عما أنهى عنه، فأومأ بيده فلمح بعض الناس فيها أحرفاً مقطعة فأعلم السلطان بذلك فسأله فاضطرب، فقيل للسلطان إنه ساحر، فعزله عن المشيخة وسلمه لشاد الدواوين وولاها الشريف فخر الدين، وقيل إن الظاهر كان أودع عنده خمسة آلاف دينار قبل أن يقع قصة الناصري، فلما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 عاد طالبه فأجاب بأنه تصدق بها وأصر على ذلك فأسرّها الظاهر في نفسه إلى هذه الغاية. وفي العشرين من شوال استقر جمال الدين في نظر الجيش مضافاً إلى القضاء ومشيخة الشيخونية وعظم شأنه وكثر تردد الناس إليه، ويقال إنه بذل في ذلك مالاً كثيراً. وفيها كائنة سعيد المغربي وكان مقيماً بقبة جامع طولون، وللناس فيه اعتقاد زائد، وكان السلطان يزوره ويعظمه ويقبل شفاعته، فكثر تردد الأكابر عليه ثم إنه سافر إلى العراق، فلما عاد دخل للسلام على السلطان، وذلك في العشرين من جمادى الآخرة، فلما انصرف ذكر بعض البازدارية أنه رآه عند نعير أمير العرب، فغضب السلطان وتخيل أنه جاسوس، فأرسل إليه من قبض عليه وكان آخر العهد به. وفي آخر شوال استقر تاني بك أمير آخور ونقل بكلمش إلى مرتبة أخرى فاستقر أمير سلاح. وفي سلخ شوال أمر أصحاب العاهات والقطعان أن يخرجوا من القاهرة ثم أذن للقطعان بالعود. وفي آخر ذي الحجة عزل الشهاب النحريري عن قضاء المالكية، واستقر ناصر الدين ابن التنسي نقلاً من قضاء الإسكندرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 وفي أواخر ذي القعدة قتل جماعة من الأمراء المعتقلين، منهم طغيتمر وقرادمرداش. وفي ثامن عشرين ذي القعدة استقر تقي الدين الكفري في قضاء الشام عوضاً عن نجم الدين ابن الكشك. وفي خامس عشرين ذي الحجة وصل المبشر من الحجاز. وفي آخر ذي الحجة عزل القاضي عماد الدين الكركي من قضاء الشافعية وأمر بلزوم بيته بسبب أن المكيين رافعوا فيه فشغر فضاء الشافعية إلى أن انسلخت السنة. وفيها أرسل السلطان نائب الكرك أمير حسن الكجكني إلى ابن عثمان صاحب الروم بهدايا جليلة. وفيها ضربت بالإسكندرية فلوس ناقصة الوزن عن العادة طمعاً في الربح، فآل الأمر فيها إلى أن كانت أعظم الأسباب في فساد الأسعار ونقص الأموال. وفي أواخر هذه السنة قبض علي بن عجلان على سبعين نفساً من الأشراف، فقامت حرمته لذلك. وفيها وقع الحرب بين قرا يوسف بن قرا محمد أمير التركمان وبين حسين بك فقتل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 قرا يوسف أحد أمراء التركمان غدراً واستولى على امرأته، وكانت من أجمل النساء، فخلا بها في ليلته، وقال: مات عنك شيخ وتزوجك شاب. وفيها نازل قرا يوسف ماردين، فخادعه صاحبها والتمس الصلح على مال يحمله إليه، ثم راسله بما أراد وراسل أمراءه حتى أفسدهم وأغار عليهم عسكر ماردين بغتة، فتخلى عنه عامة أصحابه فانهزم، واتفق رأي التركمان على تأمير حسين بك، ومات في تلك الأيام بعد عمه قرا يوسف. وفيها رجع تمر إلى بلاد العراق في جمع عظيم فملك أصبهان وكرمان وشيراز، وفعل بها الأفاعيل المنكرة، ثم قصد شيراز فتهيأ منصور شاه لحربه، فبلغ تمرلنك اختلاف من بسمرقند فرجع إليها، فلم يأمن منصور من ذلك بل استمر على حذره، ثم تحقق رجوع تمرلنك فأمن، فبغته تمرلنك فجمع أمواله وتوجه إلى هرمز، ثم انثنى عزمه وعزم على لقاء تمرلنك، فالتقى بعسكره وصبروا صبر الأحرار لكن الكثرة غلبت الشجاعة فقتل شاه منصور في المعركة، ثم استدعى ملوك البلاد فأتوه طائعين فجمعهم في دعوة وقتلهم أجمعين. ذكر من مات في سنة أربع وتسعين وسبعمائة من الأعيان إبراهيم بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن إسماعيل بن عمر بن بختيار الصالحي ناصر الدين الدمشقي ابن السلار، سمع من عبد الله بن أحمد بن تمام وابن الزراد وست الفقهاء بنت الواسطي والنجدي وهو آخر من روى عن الدمياطي بالإجازة وكان له نظم ونباهة، مات في شعبان وله تسعون سنة سواء، لأن مولده كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 سنة أربع، وكان كتب الكثير بخطه، وله فوائد ومجاميع مشتملة على غرائب مستحسنة، وكان موت والده في المحرم سنة ست عشرة وسبعمائة. أحمد بن أيوب بن إبراهيم المصري القرافي شهاب الدين ابن المنفر، سمع الواني والدبوسي والختني وحدث، مات في ربيع الأول. أحمد بن محمد بن علي الدنيسري شهاب الدين ابن العطار القاهري، ولد سنة ست وأربعين وقرأ القرآن، واشتغل بالفقه على مذهب الشافعي ثم تولع بالأدب ونظم فأكثر، وأجاد المقاطيع في الوقائع، ومدح الأكابر بالقصائد، ونظم بديعية، ولم يكن ماهراً في العربية فيوجد في شعره اللحن، وقد تهاجى هو وعيسى بن حجاج وله " نزهة الناظر في المثل السائر " وكان حاد البادرة، وله ديوان قصائد نبوية نظمها بمكة سماها " فتوح مكة " وديوان في مدائح ابن جماعة سماه " قطع المناظر بالبرهان الحاضر " و " الدر الثمين في التضمين " وهو القائل: أتى بعد الصبا شيبي وظهري ... رمى بعد اعتدال باعوجاج كفى إن كان لي بصر حديد ... وقد صارت عيوني من زجاج مات في ربيع الآخر. أحمد بن محمد الدفري شهاب الدين المالكي، ناب في الحكم، ومات في آخر السنة. اينال اليوسفي، مات في هذه السنة وهو أكبر الأمراء مطلقاً، ومشى السلطان في جنازته، وكان شكلاً حسناً شجاعاً مهيباً، مشهوراً بالفروسية، كثير المودة لأصحابه، لكنه لا يطاق عند الغضب بل تظهر له أخلاق شرسة، وكان قد قارب السبعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 بطا الدويدار صار نائب الشام، ومات بها في المحرم، واستقر بعده سودون الطرنطاي، ومات في سنته في شعبان. أبو بكر بن محمد الدمشقي الملقب بالقرع النحوي، أخذ عن ابن عبد المعطي وغيره وبرع في العربية، وكان شافعي المذهب. أبو بكر بن يوسف النشائي المصري خادم الشيخ عبد الله بن خليل، لازمه فأكثر عنه، وقد سمع من العرضي وغيره، واعتنى بالحديث وكان معيداً بالبيرسية ولم ينجب. تلكتمر التركي، تنقل في الولايات بالقاهرة وغيرها، مات في بيته بطالاً. طلحة بن عبد الله المغربي ثم المصري، كان مجذوباً وكان للناس فيه اعتقاد يجاوز الوصف، وكان ربما بطش ببعض من يزوره، أقام مدة بالجامع الجديد، ثم بمسجد بالقرب منه، ثم بدار ابن التمار النصراني، مات في رابع عشرين شوال ودفن بالصحراء جنب المكان الذي صار خانقاه للملك الظاهر. عبد الله بن أبي بكر بن محمد الدماميني، ثم الإسكندراني شهاب الدين، سمع الموطأ من الجلال بن عبد السلام وتفرد به، وسمع من محمد بن سليمان المراكشي الرابع وثلاثة أجزاء بعده من الثقفيات وتفرد به أيضاً، ومات في ربيع الآخر وكان فاضلاً أديباً. عبد الله بن خليل بن عبد الرحمن جلال الدين البسطامي نزيل بيت المقدس، صاحب الأتباع، كان للناس فيه اعتقاد كثير، مات بالقدس، وزاويته هناك معروفة، وهو والد صاحبنا عبد الهادي، وكان نشأ ببغداد وتفقه بمذهب الشافعي إلى أن أعاد بالنظامية، فاتفق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 قدوم الشيخ علاء الدين على العشقي البسطامي - وعشق من عمل بامان - فلازمه وانتفع به وصار من مريديه، فسلكه وهذبه وتوجه معه لزيارة القدس، فطاب للشيخ المقام به فأقام وكثر أتباعه واستمر الشيخ عبد الله يتعانى المجاهدات وأنواع الرياضات والخلوات إلى أن حضرت شيخه الوفاة، فعهد إليه أن يقوم مقامه فقام أتم قيام ورزقه الله القبول وكثر أتباعه وكان كثير التواضع، مهيباً، مات في 22 المحرم. عبد الله ويدعى محمد بن أبي زبا، قيم المدرسة المنصورية، سمع الحديث وحدث، ومات في شعبان. عبد الله بن ظهيره بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المخزومي. والد قاضي مكة وأخو قاضيها، ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وسمع من عيسى الحجي وعيسى بن الملوك وغيرهما، وكان ديناً خيراً، له نظم وعبادة، مات في شهر ربيع الآخر سنة أربع وتسعين، حدث عنه ولده. عبد الله بن محمد الفيشي المالكي جمال الدين، ناب في الحكم ولم يكن مرضياً، مات في ربيع الأول. عبد الخالق بن علي بن الحسن بن الفرات المالكي، موقع الحكم، برع في الفقه وشرح مختصر الشيخ خليل، وحمل عن الشيخ جمال الدين ابن هشام، وكتب الخط المنسوب، ودرس، ووقع على القضاة، رأيته مراراً، وكان سمع من أبي الفتح الميدومي وحدث، وهو والد صاحبنا شهاب الدين أحمد، مات في جمادى الآخرة. عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس فخر الدين الكاتب، ولي نظر الدولة مراراً، وتنقل في الولايات، وولي وزارة دمشق أخيراً، ثم استدعى إلى القاهرة ليستقر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 وزيراً بها، فاغتيل بالسم في الطريق، فدخل القاهرة ميتاً، وكان ماهراً في الكتابة، عارفاً بصناعة الحساب، أعجوبة في الذكاء، له الشعر الفائق والنظم الرائق، ما طرق سمعي أحسن من قوله في الرسالة التي كتبها للبشتكي لما صاد السمكة وهي الرسالة الطويلة جاء فيها: وقعد لصيد السمك بالمرصاد، وأطاعه حروف النصر، فكلما تلا لسان البحر نون، تلا لسان العزم صاد. وهو القائل: علّقتها معشوقة خالها ... قد عمها بالحسن بل خصصا يا وصلها الغالي ويا جسمها ... لله ما أغلى وما أرخصا مات في خامس عشر ذي الحجة، سمعت من لفظه شيئاً من الشعر، وكانت بيننا مودة. عبد الرحيم بن محمد الطباطبي الشريف الحسني، كان مؤذن الملك الظاهر. علي بن عبد الله بن يوسف بن حسن البيري علاء الدين الموقع، خدم الناصري بحلب وقدم معه القاهرة فولى توقيع الدست واستمر إلى أن أمر الظاهر بقتله في هذه السنة، فقتل، وكان الناصري يعتمد عليه والكتب ترد على الملك الظاهر بخطه في تلك الفتنة، فحقد عليه، ولما عاد إلى الملك لم يهجه بل استمر في التوقيع، وأمره بمساعدة علاء الدين الكركي لقلة معرفة الكركي بصناعة الديوان فباشر إلى أن سافر الملك الظاهر إلى حلب، وقتل الناصري وأمر بالقبض على البيري فقيد وحمل إلى القاهرة فقتل خنقاً في رابع عشر ربيع الأول وأوصى أن يكتب على قبره: بقارعة الطريق جعلت قبري ... لأحظى بالترحم من صديق فيا مولى الموالي أنت أولى ... برحمة من يموت على الطريق وكان بينه وبين أمين الدين الحمصي مكاتبات ومراسلات، ولم يكن نظمه ونثره بالفائق، بل كان مكثراً مقتدراً، حتى كان يكتب في شيء أنشأ غيره وينشيء في غيره، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 وهو أخو علم الدين سليمان، وقد عاش بعده أكثر من ثلاثين سنة، وكانا سمعا جميعاً على الأعميين ابن جابر وأبي جعفر الغرناطي، وهو القائل: بشاهين عيني صاد قلبي متيم ... ومن لامني في لامه فهو واقع وكيف خلاصي فيه من جارح الحشى ... وطائر قلبي نحو شاهين واقع علي بن البهاء عبد الرحمن ابن العز محمد بن التقي سليمان بن حمزة المقدسي، حضر على جد أبيه، وسمع من ابن سعد والحجار وكان نبيهاً في العلم، رئيساً، مات في شعبان عن ثمانين سنة. قال ابن حجي: وكانت عنده وجاهة وكرم وقد بقي صدر آل بيته، وكان شيخ دار الحديث المقدسية وناظرها، معروفاً بالصيانة. علي بن عصفور أحد كبار التجار، مات فيها في شوال. علي بن عيسى بن موسى بن عيسى بن سليم الكركي علاء الدين كاتب السر، خدم الظاهر وهو في سجن الكرك، وقام معه بنفسه وماله ورجاله لما خرج، فشكر له ذلك فولاه كتابة السر، واستمر فيها إلى أن خرج مع السلطان في سفرته إلى الشام فضعف بدمشق، فأذن له السلطان في الرجوع إلى مصر، وقرر ابن فضل الله في كتابة السر، فلما عاد السلطان سلم عليه وهو ضعيف فوعده أن يعيده إلى وظيفته، فازداد بعد ذلك ضعفاً، ثم عوفي ثم انتكس ثم مات في ربيع الأول، وكان شكلاً، حسناً، جميل الخلق. علي بن مجاهد المجدلي علاء الدين، اشتغل ببلده، ثم قدم القدس فلازم التقي القلقشندي ثم قدم دمشق فاشتغل، وقدم مصر سنة ثمانين فأخذ عن الضياء القرمي، وعاد إلى دمشق وتصدر بالجامع وشغل الناس، واختص بالقاضي سري الدين وأضاف إليه قضاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 المجدل ثم وقع بينهما فأخذت وظائفه ثم غرم مالاً حتى استعادها وولي مشيخة النجيبية بأخرة وسكنها، وكان جيداً متوسطاً في الفقه، مات في شهر رمضان. قرا دمرداش نائب حلب في أيام الظاهر برقوق، مات في ذي الحجة مقتولاً. قطلوبغا الصفوي أحد كبار الأمراء، مات في ربيع الأول. قطلوبغا الخزندار، مات في صفر. محمد بن أحمد بن عبد الله الحلبي شمس الدين ابن مهاجر، ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وكان حنفياً فاضلاً، ورأس فيهم حتى كان يقصد للفتوى، ثم ولي كتابة السر بحلب مدة، ثم صرف سنة سبع وثمانين فدخل القاهرة، وتحول فصار شافعياً وولي قضاء حماة ثم حلب، ثم عزل بابن أبي الرضا، وكان ذا فضيلة في النظم والنثر، أثنى عليه فتح الدين ابن الشهيد، وكان فاضلاً خيراً مهيباً، حسن الخط، مات في ربيع الأول. محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي بدر الدين المنهاجي، ولد بعد الأربعين، ثم رأيت بخطه سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وسمع من مغلطاي وتخرج به في الحديث، وقرأ على الشيخ جمال الدين الأسنوي وتخرج به في الفقه، ورحل إلى دمشق فتفقه بها، وسمع من عماد الدين ابن كثير، ورحل إلى حلب فأخذ عن الأذرعي وغيره، وأقبل على التصنيف فكتب بخطه ما لا يحصى لنفسه ولغيره، ومن تصانيفه: تخريج أحاديث الرافعي في خمس مجلدات وخادم الرافعي في عشرين مجلدة، وتنقيحه للبخاري في مجلدة، وشرع في شرح كبير لخصه من شرح ابن الملقن، وزاد فيه كثيراً، ورأيت منه المجلد الأول بخطه، وشرح جمع الجوامع في مجلدين وشرح المنهاج في عشرة، ومختصره في مجلدين، والبحر في أصول الفقه في ثلاث مجلدات، وغير ذلك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 ورأيت بخطه شرح الأربعين النووية، وأحكام المساجد وفتاوى جمعه وحواشي الروضة للبلقيني، و " نظم الجمان في محاسن أبناء الزمان " ومجلد من شرح البخاري له مسودة، ومن تذكرته أربع مجلدات والمعتبر في تخريج ابن الحاجب، والمختصر والكلام على علوم الحديث، وله استدراك عائشة على الصحابة، والفوائد المنثورة في الأحاديث المشهورة، والديباج على المنهاج، والفوائد على الحروف وعلى الأبواب، ومختصر الخادم وسماه تحرير الخادم وقيل لب الخادم، وله على العمدة كذا ورأيت أنا بخطه من تصنيفه البرهان في علوم القرآن من أعجب الكتب وأبدعها مجلدة، ذكر فيه نيفاً وأربعين علماً من علوم القرآن وتخرج به جماعة، وكان مقبلاً على شأنه، منجمعاً عن الناس، وكان بيده مشيخة الخانقاه الكريمية وكان يقول الشعر الوسط، مات في ثالث رجب. محمد بن عبد الله بن الخباز صلاح الدين رئيس القراء بالجوق، وكان مقدماً على أبناء جنسه لتقدم سنه، معظماً في الدول، كف في آخر عمره ويقال إنه جاوز المائة. محمد بن عبد الله الركراكي المغربي أبو عبد الله نزيل المقس، كان مشهوراً بالخير، معتقداً في العامة، قارب المائة. محمد بن عبد الحميد بن محمد بن عبد الرحمن بن بركات اللخمي ابن الشيرازي شمس الدين الملقب بالقاضي، ولد في جمادى الأولى سنة سبعمائة وسمع من جدته ست الفخر بنت عبد الرحمن بن أبي نصر مشيخة كريمة بسماعها منها، وتفرد بذلك، وكان يذكر أنه سمع البخاري من ابن الشحنة بحضور ابن تيمية، وكان من الرؤساء المعتبرين، وله مال جزيل وثروة ووقف متسع وأنفق غالب ذلك على نفسه ومن يلوذ به قبل موته، ومات في جمادى الآخرة في عشر المائة. محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي شمس الدين ابن الرشيد، سمع القاضي والمطعم وابن سعد وغيرهم وحدث، مات في شوال عن أربع وثمانين سنة. محمد بن عمر بن إسماعيل السبكي شمس الدين، اعتنى قليلاً بالحديث، وباشر الحسبة بدمشق، ومات في ليلة عرفة. محمد بن قاسم بن محمد بن مخلوف الصقلي، نزيل الحرمين، كان خيراً، سمع من الزيادي وابن أميلة وغيرهما، ولازم قراءة الحديث بمكة، مات في شوال. محمد بن محمد بن إسماعيل ابن أمين الدولة الحلبي الحنفي شمس الدين المرغياني، ذكره طاهر بن حبيب وقال: سكن القاهرة، وكان من الفضلاء على مذهب الحنفية، ناب في الحكم وولي مشيخة خانقاه طقزدمر بالقرافة، مات في شوال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 محمد بن محمد بن عبد المجير بدر الدين ابن الصائغ الدمياطي، سمع من الميدومي ومن بعده، واعتنى بالحديث، وحصل كتباً كثيرة وتنبه قليلاً ولم ينجب، مات في ربيع الآخر. محمد بن محمد بن النجيب نصر الله بن إسماعيل الأنصاري جمال الدين ابن النحاس، ولد سنة تسع عشرة وسبعمائة سنة موت أبيه، وسمع من ابن الشيرازي وابن عساكر والحجار وغيرهم وأحضر على والده من مشيخة قريبه العماد ابن النحاس، واعتنى به أخوه فأسمعه الكثير، وخرج له ابن الشرايحي مشيخة فمات قبل أن يحدث بها، وكانت عنده معرفة وعلى ذهنه فوائد ويذاكر بتاريخ، مات في شوال عن خمس وسبعين سنة. محمد بن نصر الله بن بصاقة الدمشقي بدر الدين، سمع على أسماء بنت صصري ومهر في العربية وأحسن الخط، ولازم العنابي وابن هشام، مات في رمضان. محمد بن لاجين الصقري ناصر الدين المعروف بابن الحسام، كان دويدار ابن البقري، ثم خدم استاداراً عند سودون باق، ثم عمل شد الدواوين إلى أن ولي الوزارة فباشرها بهيبة وصولة ويقظة، واستخدم عنده أستاذه الأول ابن البقري في استيفاء الدولة، ورتب معه ثلاثة ممن ولي الوزارة، وشرك بينهم في الوظيفة المذكورة، وكان ذكياً عارفاً مفرط الكرم، مات في صفر، وهو والد صاحبنا إبراهيم الذي ولي الحسبة بعد ثلاثين سنة من هذا الوقت، ومات بعد أن رجع مع السلطان من حلب. محمود بن محمد بن إبراهيم بن سنبكي بن أيوب ابن قراجا الحلبي الحنفي، جمال الدين ابن الحافظ قاضي حلب، مات بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 موسى بن ناصر بن خليفة الباعوني شرف الدين أخو القاضي شهاب الدين، قدم دمشق وتنزل بالبادرائية وقرأ بالسبع على ابن اللبان، وسمع من ابن أميلة وغيره، وطلب بنفسه وكتب بعض الأجزاء وكان أسن من أخيه فأسمع أخاه معه قليلاً، ولما ولي أخوه استنابه وقرر له بعض جهات، مات عن قرب في رمضان. ناصر بن أبي الفتح الحنبلي تقي الدين أخو القاضي ناصر الدين، ولي نقابة الحكم عند القاضي موفق الدين، وانقطع بأخرة إلى أن مات في ربيع الآخر. يحيى بن يوسف بن يعقوب بن يحيى بن زعيب الرحبي محيي الدين التاجر، ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة، وسمع الصحيح من الحجار والمزي وحدث به، وكان معتنياً بالعلم، وله رئاسة وحشمة، وقد أكثر عن الجزري وغيره وطلب بنفسه، ولازم ابن كثير وأخذ عنه فوائد حديثية، وأخذ عن كثير من أصحاب ابن تيمية، وكان تاجراً، فلما كبر دفع ماله لولده محمد وأقبل على الإسماع وكان يقصد لسماع الصحيح، وله به نسخة قد أتقنها، وكان البرهان بن جماعة قد صاهر إليه، فكان له بذلك جاه كبير وأصيب في رجليه بالمفاصل، وحج مراراً، ومات في ربيع الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 سنة خمس وتسعين وسبعمائة في ثامن المحرم استقر صدر الدين المناوي في قضاء الشافعية عوضاً عن القاضي عماد الدين الكركي، وكان عزل في سادس عشرين ذي الحجة. وفي التاسع منه أعيد موفق الدين إلى الوزراة وصرف تاج الدين ابن أبي شاكر. وفيها استقر قلمطاي دويداراً عوضاً عن أبي يزيد بحكم انتقاله إلى نيابة دمشق ومات أبو يزيد فيها. وفيها هجم جنتمر أمير الركب الشامي على بعض أهل المدينة من الجند الأشراف بسبب صقر يصطاد به فدافعوه عنه فوقع الشر وقتل منهم اثنان فركب ثابت بن نعير فسكن الفتنة. وفيها عاث تمرلنك بالعراق وخرب بغداد وتبريز وشيراز وغيرها كما سيأتي، واتصل شرر فتنته إلى الشام ووصل خبر ضرره إلى مصر، فارتاع لما يحكى عنه كل قلب، فكان مسيره إلى السلطانية فنازل السلطانية فقتل صاحبها، ثم قصد تبريز فدخلها عنوة ونهبها كعادته، وأرسل إلى جميع البلاد نواباً من قبله، ثم طلب بغداد، وذلك في أواخر شوال فنازلها في ذي القعدة، فلم يلبث صاحبها أحمد أن أخذ حريمه وخزائنه وهرب، فبلغ ذلك تمر فأرسل ابنه مرزا في طلبه فأدركه، فلما كاد أن يقبض عليه رمى بنفسه في الماء، فسبح إلى الجهة الأخرى فسلم هو ومن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 معه، واحتيط بأهله وخزائنه، وهجم تمر على بغداد فملكها قهراً، ثم شن الغارات على بلاد بغداد وما حولها وما داناها، ثم تمادوا إلى البصرة والكركر والحلة وغيرها، وأوسعوا القتل والفتك والسبي والأسر والنهب والتعذيب، وفر من نجا من أهل بغداد، فوصل الشيخ غياث الدين العاقولي إلى حصن كيفا هارباً فأكرمه صاحبها، ثم سار عسكر تمر إلى إربل فحاصروها فأطاعه صاحبها، ثم صاروا إلى تكريت، فعصت عليهم فنازلها فصبر لهم أهلها فراسلوا تمرلنك بذلك فأمدهم بأمير شاه ملك وأردفه بخواجا مسعود صاحب خراسان وأقام هو ببغداد إلى آخر السنة، وكان دخول اللنك بغداد في شوال، ثم توجه نحو الشمال فوصل إلى ديار بكر، وعصت عليه قلعة تكريت فحاصرها من ذي الحجة إلى أن أخذها بالأمان في صفر سنة ست وتسعين. وفيها مات كمشبغا الأشرفي نائب الشام فاستقر عوضه تاني بك الحسني. وفي أول هذه السنة عصى نعير على السلطان لكونه أجار منطاش لما استجار به فاجتمع عليهما من العرب والتركمان عسكر كثير فقصدوا سلمية، فخرج إليهم محمد بن قارا التركماني فقتل منهم جماعة، وجرح منطاش وسقط وهو لا يعرف، لأنه كان حلق شواربه فأردفه ابن نعير خلفه وانهزموا، ثم طرق منطاش ونعير حماة فنهبوها، فبلغ ذلك نائب حلب وكان قد استقر آقبغا الصغير فكبس على بيوت العرب وسبى نساءهم وساق أموالهم وأكمن لهم في بيوتهم الكمناء، فلما بلغهم سبي نسائهم رجعوا على وجوههم إلى بيوتهم فخرج عليهم الكمناء فقتلوهم وأسروا خلقاً كثيراً وانهزم الباقون، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 فلما رأى أولاد نعير ذلك جنحوا إلى طاعة السلطان وملوا من الحرب وكرهوا منطاشاً لما فيه من الهوج فراسلوا السلطان في طلب الأمان والتزموا له بمسك منطاش فأكرم رسلهم، فلما بلغ ذلك أباهم أذعن للطاعة وراسل نائب حلب ليسلم له منطاش، فلما تحقق منطاش ذلك ضرب نفسه ليقتلها فلم تمت، وتسلمه قصاد نائب حلب، ثم تسلمه نائب القلعة، ثم أرسل السلطان فأمر بقتله وحمل رأسه فحملت بعد أن طيف بها جميع البلاد الشامية التي يقع المرور عليها، فلما وصلت إلى القاهرة طاف بها الوالي ابن الطبلاوي على قناة ثم علقها على باب زويلة ثلاثة أيام، ثم دفنت وأرسل السلطان إلى نعير بالخلع وبتحليفه على الطاعة. وفي شعبان وصل عامر بن ظالم بن حيار بن مهنا ابن أخي نعير مغاضباً لعمه، فأكرمه السلطان، ثم قدم أبو بكر وعمر ولدا نعير مفارقين لأبيهما فأكرما بدمشق. وفي شوال أمطرت السماء مطراً غزيراً حتى خاض الناس في المياه، وذلك في أول يوم من توت والشمس في برج السنبلة. وفيها حضر رسل صاحب دهلك ومعه فيل وزرافة وغير ذلك هدية. وفي شعبان وصل رسل تمرلنك إلى الظاهر يظهر له الوداد والكتب على لسان طقتمش خان سلطان الدشت. وفيها هرب أحمد بن أويس من بغداد، وذلك لأنه كان شديد العسف بالرعية والأمراء، فلما قصده تمرلنك كان إذا أرسل أحداً من الأمراء بكشف خبره يعيد إليه جوابا غير شاف، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 فعميت عليه الأخبار إلى أن دهمه فلم يكن له به طاقة فخرج من أحد أبواب البلد، وفتح أهل البلد الباب الآخر لتمرلنك، فأرسل في طلب أحمد ففات الطلب ودخل الشام، وكان تمرلنك قد غلب قبل ذلك على تبريز وكاتب أحمد أن يذعن له بالطاعة ويخطب باسمه، فأجاب لذلك لعلمه بأن لا طاقة له بمحاربته، فكاتب أهل بغداد تمرلنك في الوصول إليهم فوصل، وكان أحمد أرسل الشيخ نور الدين الخراساني إلى تمر فأكرمه، وقال أنا أتركها لأجلك ورحل، فكتب الشيخ نور الدين الخراساني إلى أحمد يبشره بذلك، وسار تمر من ناحية أخرى فلم يشعر أحمد وهو مطمئن إلا وتمر قد نزل بغداد في الجانب الغربي فأمر أحمد بقطع الجسر ورحل وهرب أحمد لكن لم يعامل تمرلنك البغداديين بما قصدوه، فإنه سطا عليهم واستصفى أموالهم وهتك عسكره حريمهم، وخلا عنها كثير من أهلها وأرسل عسكراً في أثر ابن أويس فأدركه بالحلة فنهبوا ما معه وسبوا حريمه وهرب هو ووضع السيف في أهل الحلة ليلاً ونهبوها وأضرم فيها النار، ولما وصل أحمد في هربه إلى الرحبة أكرمه نعير وأنزله في بيوته ثم تحول إلى حلب فنزل الميدان وأكرمه نائبها وطالع السلطان بخبره، فأذن له في دخوله القاهرة. وفي ذي القعدة رجع حسن الكجكني من بلاد الروم من عند أبي يزيد بن عثمان بعد أن أصلح بينه وبين ابن قرمان بأمر السلطان ووصل صحبته بهدايا ابن عثمان مع رسله فأكرمهم السلطان وأرسل صحبتهم بسؤالهم محمد بن محمد الصغير الطبيب وجهز صحبته كثيراً من العقاقير وغيرها، ثم جهز اللنك ولده بعسكر حافل إلى صالح ابن جيلان صاحب البصرة والبحرين فقاتلوه فهزمهم وأسر ولد تمرلنك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 وخرج في إحضاره عز الدين ازدمر وجهز السلطان إليه ثلاثمائة ألف درهم فضة برسم النفقة فبعث إليه عسكراً آخر فظفر بهم. وفيها كانت وقعة عظيمة للفرنج بنستروه، طرقوها في رمضان في أربعة غربان فنهبوها وقتلوا النساء والأطفال وأقاموا بها ثلاثة أيام. وفيها كانت وقعة عظيمة بالمدينة بين جماز بن شيحة الذي كان أمير المدينة النبوية وبين ثابت بن نعير المستقر فيها، وقتل بينهم خلق كثير. وفيها في شوال كانت محنة القاضي ناصر الدين ابن الميلق، فقرأت بخط قاضي القضاة تقي الدين الزبيري وأجازنيه قال: لما كان ابن الميلق قاضياً طلب أمين الحكم وقت الصرّ إلى الحجاز وكان من بالقاهرة من أهل الحجاز شكوه للقاضي وقالوا إنه يقول إنه ما يصرّ إلا بحكم النصف، فأنكر عليه القاضي وقال تعمل هذا في أيامي وألزمه بتكملة الصرّ ولم يكن عنده ما يكمل به الصرّ لتأخر حضور مال الوقف من الشام، وكان منطاش ختم على مودعي الحكم بالقاهرة والحسينينة وصار يحط على القاضي لامتناعه من إقراضه مال المودع فحضر بدر الدين القلقشندي أمين الحكم وأخوه جمال الدين موقع الحكم وذكرا للقاضي أنه حضر من وقف البرج والغازية قدر أربعين ألفاً من جهة علم دار وهي في جهة شخص هو زوج ابنة تمنتمر ناظر المارستان وأنهم لم يجتمعوا به والمبلغ حاضر معه لا غيبة له وسألوه أن يقترضوا الأربعين من مودع مصر وكان لم يختم ليكمل بذلك الصر ويعيدوها إذا قبضوها من القاصد فأذن لهم فكتبوا قصة سألوا فيها أن تنقل أربعين ألفاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 من مودع مصر إلى مودع القاهرة فكتب لهم بالنقل على الوجه الشرعي فقبضوه وصرّره وطالبوا القاصد فمطلهم وخرج منطاش والعسكر وذاك متجوه عليهم بتمنتمر إلى أن انفصل ابن الميلق ولما استقر عماد الدين الكركي أوفوا من المبلغ عشرة آلاف، فلما أن ولى المنادي ذكروا له ذلك فأمر أمين الحكم بمصر وهو شهاب الدين البيدقي أن يرفع الأمر إلى السلطان فقدم قصة قرئت فأمر بإحضار ابن الميلق فحضر فأوقفه ثم عقد له مجلس وهو واقف فألزموه بغرامتها فخرج فباع من وظائفه وأملاكه واقترض إلى أن وفاها " وعند الله تجتمع الخصوم " انتهى ما نقلته، وبلغني أنه في أول حضوره المجلس على تلك الصورة أنه خرّ مغشياً عليه فما أفاق حتى رشوا عليه الماء، ومع ذلك لم يرحمه أحد ممن حضر ولم ينصفه أحد من هذه المظلمة ولعل ذلك يكون كفارة له وتوجع لابن الميلق بسبب ذلك جماعة كانوا يكرهون المناوي لبأو كان فيه فبسطوا ألسنتهم فيه وذموه بكل وجه فلم ينزعج لهم وصار ينتقم منهم واحداً بعد واحد ولله الأمر. وفي ذي الحجة شكا بعض التجار لنائب الكرك نوف القشتمري أن جماعة من العشير أخذوا لهم مالاً من الغنم وغيرها فركب وتحدث معهم وسألهم أن يعيدوا ما أخذوا فأخذوا البعض فطلب البقية فذكروا أنهم لم يأخذوا إلا ذلك، فجمع مشايخهم ليحلفهم فاجتمعوا فقبض عليهم فغضب الباقون فوقعوا فيه فقتلوه وكان في ناس قلائل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 وفي ربيع الآخر حصل سيل عظيم بحلب فساق جملة كثيرة من الوحوش والأفاعي فوجد فيها ثعبان عظيم يسع فمه ابن آدم إذا ابتلعه وكان طوله نحو سبعة أذرع أو أكثر. وفيه وقع الفناء بالإسكندرية فيقال مات في مدة يسيرة عشرة آلاف. وفيها استقر الشيخ سيف الدين السيرامي في تدريس الفقه والمشيخة بالشيخونة عوضاً عن جمال الدين محمود لاشتغاله بوظيفة نظر الجيش، وأذن له السلطان أن يستنيب عنه من يحضر وقت العصر في الظاهرية ويحضر هو بالشيخونية ويدرس بالمكانين ولم يتفق ذلك لغيره. وفيها استقر أبو يزيد الدويدار في نظر جامع ابن طولون انتزعه من القاضي المناوي، فلما مات استعاده المناوي ولبس لأجله خلعة. وفيها كان الطاعون الشديد بحلب فقرأت في تاريخها للقاضي علاء الدين: بلغت عدة الموتى كل يوم خمسمائة نفس وأكثر، ثم تناقص في أواخر السنة، قال: ومات فيه جمع من الأعيان ولكن كان غالبه في الصغار. وفي هذه السنة أكملت مدرسة أينال اليوسفي خارج باب زويلة، ونقل إليها فدفن بها. وفي تاسع عشرين ذي الحجة نودي بأمر السلطان في الناس بمصر والقاهرة أن يتجهزوا إلى القتال لتمرلنك وطرده عن بلاد الإسلام فإنه قتل العباد وأخرب البلاد وهتك الحريم وقتل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 الأطفال وخرب الديار، وركب سودون النائب وجماعة معه ومعهم ورقة يقرأ فيها من ذكر مساويه وسيرته القبيحة الأمور الفظيعة فاشتد خوف الناس وعظم ضجيجهم وبكاؤهم وكان يوماً مهولاً. وفي هذه السنة اجتمع بالقدس أربعة أنفس من الرهبان ودعوا الفقهاء لمناظرتهم، فلما اجتمعوا جهروا بالسوء من القول وصرحوا بذم الإسلام والقائم به وأنه ساحر كذاب فثار الناس عليهم وقتلوهم وأحرقوهم. وأوفى النيل سادس عشر مسرى. وفي ذي القعدة قبض على تاج الدين ابن أبي شاكر الوزير وسلم لوالي القاهرة، فضربه بالمقارع وأخرجه على حمار وفي عنقه الحديد فترامى على الناس وطرح نفسه على الأبواب يستعطي ما يستعين به في مصادرته ثم أفرج عنه واستقر ناظر الإصطبل. ذكر من مات في سنة خمس وتسعين وسبعمائة من الأعيان إبراهيم بن خليل بن عبد الله بن محمود بن يوسف بن بدر البعلي الشرايحي كان يقال له ابن سمول، سمع من القطب اليونيني وغيره وحدث وهو والد صاحبنا الحافظ جمال الدين ابن الشرايحي. أحمد بن إبراهيم الكتبي الصالحي من فضلاء الحنفية، وكان يشارك في فنون ويفتي ويناظر، وكان يلازم أبا البقاء السبكي مدة ويقرأ عليه في الكشاف وهو المشار إليه في كتابة السجلات، مات في رجب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 أحمد بن صالح بن أحمد بن خطاب بن رقم البقاعي شهاب الدين المعروف بالزهري الدمشقي الفقيه الشافعي، ولد سنة اثنتين أو ثلاث وعشرين، وأخذ عن النور الأردبيلي والفخر المصري وابن قاضي شهبة وأبي البقاء السبكي والبهاء الإخميمي ولازم الاشتغال إلى أن مهر في الفقه وغيره، وسمع الحديث من ابن أبي التائب والبرزالي والمزي وغيرهم، ودرس كثيراً، وأفتى وتخرج به النبهاء وناب في الحكم عن البلقيني وغيره، ودرس بالشامية وبالقليجية والعادلية، وولي إفتاء دار العدل، واستقل بالقضاء في ولاية منطاش وأوذى بسبب ذلك، وكانت مدة ولايته شهراً ونصفاً، وعد الناس ذلك من زلات العقلاء فإنه كان وافر العقل فلما صرف انقطع، قال ابن حجي: كان مشهوراً بحل " المختصر " في الأصول و " التمييز " في الفقه، وله نظم، وكان له حظ من عبادة مع حفظ لسانه وترك الوقيعة في الناس، وكان مهيباً مقتصداً في معاشه كثير التلاوة وكان قد انتهت إليه رياسة الشافعية في زمانه بدمشق، مات في المحرم عن إحدى وسبعين سنة. أحمد بن صالح البغدادي الحنبلي شهاب الدين خطيب جامع القصر ببغداد كان من الفضلاء، قتل لما دخل تمرلنك بغداد. أحمد بن عبد الغالب بن محمد بن عبد القاهر بن محمد بن ثابت الماكسيني الخابوري الأصل ثم الدمشقي، ولد سنة عشر وسبعمائة، وسمع من القاسم بن عساكر والحجار والبندنيجي وابن تيمية وغيرهم وحدث، مات في ربيع الأول وله خمس وثمانون سنة، وكان جيداً منزلاً بمدارس الشافعية وعنده معرفة بأحوال الناس. أحمد بن عمر بن هلال الإسكندراني ثم الدمشقي الفقيه المالكي شهاب الدين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 أخذ عن الأصبهاني وغيره، وشرح ابن الحاجب في الفقه وكان حسن الخط والعبارة ماهراً في الأصول، فاضلاً، إلا أنه كان يرتشي على الإذن في الإفتاء، ويأذن لمن ليس بأهل فعيب بذلك، وكان أخذ عن أبي حيان والأصبهاني ودرس بالقمحية بمصر، وكان حسن الخط، جيد العبارة، وشاع عنه أنه قال وهو في النزع: قولوا لابن الشريشي يلبس ثيابه ويلاقينا إلى الدرس، فمات شرف الدين ابن الشريشي عقب ذلك. أحمد بن محمد بن إبراهيم بن إسحاق المناوي شهاب الدين ابن الضياء الشافعي، ابن عم القاضي صدر الدين ناب عنه في الحكم، وولي مشيخة الخانقاه الجاولية، ومات في ربيع الأول. أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن عشائر ولي الدين أبو حامد بن الحافظ ناصر الدين أبي المعالي خطيب حلب وابن خطيبها، ولد سنة ..... وأسمعه أبوه الكثير بحلب وغيرها ورحل به إلى القاهرة واشتغل ومهر ونظم الشعر وخطب بعد أبيه مدة، ومات في ذي الحجة بها بالطاعون شاباً. أحمد بن محمد بن مخلوف نقيب الحكم بالقاهرة للشافعية مات فيها. الخضر بن يوسف بن سحلول الحلبي، كان فاضلاً، له نظم. قال القاضي علاء الدين الحلبي في تاريخه: كان عنده ظرف وأدب، وباشر التوقيع بحلب، وكان بعد من الأعيان وهو أخو الرئيس شمس الدين عبد الرحمن الماضي في سنة 782 ومات بالمدينة في ذي الحجة. سليمان بن أحمد بن أحمد بن مبارك بن إبراهيم الصالحي الملقن، سمع من أبي بكر بن الرضا، ومات في ذي القعدة عن نحو من خمس وستين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 سليمان بن داود بن سليمان المزي - بالزاي - المعروف بالعاشق حضر على ابن الشيرازي وغيره، وحدث، وكان كثير الحج، مات في مستهل صفر. عبد الله بن أحمد بن أحمد الحسني الحلبي، ناب عن والده في نقابة الأشراف بحلب، ومات في كفاية في شوال. عبد الله بن عبد الكريم بن الغنائم، كان جميل القامة، جميل الوجه باشر وفرح به أبوه، ثم فجع به، وعاش بعده قريباً من ثلاثين سنة. عبد الله بن المقسي شمس الدين كان يقال له " شمس " وهو نصراني، فلما أسلم لقب شمس الدين وسمي عبد الله، ويقال: إنه كان حسن الإسلام، ومن أدلة ذلك أن أمه ماتت فحضر الخلق جنازتها، فخرج إليهم فقال: إن لها أهل دين غيركم وتجديده الجامع بباب البحر وأوصى أن يدفن بجواره، وكان يقرب العلماء ويحب الصلحاء، مات في ثالث شعبان وقد أسن، سمعت كلامه. عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي الحافظ زين الدين، بن رجب ولد ببغداد سنة ست وثلاثين وسبعمائة، وسمع بمصر من الميدومي، وبالقاهرة من ابن الملوك، وبدمشق من ابن الخباز، وجمع جمّ، ورافق شيخنا زين الدين العراقي في السماع كثيراً، ومهر في فنون الحديث أسماء ورجالاً وعللاً وطرقاً واطلاعاً على معانيه، صنف شرح الترمذي فأجاد فيه في نحو عشرة أسفار وشرح قطعة كبيرة من البخاري وشرح الأربعين للنووي في مجلد، وعمل وظائف الأيام سماه " اللطائف " وعمل طبقات الحنابلة ذيلاً على طبقات أبي يعلى، وكان صاحب عبادة وتهجد، ونقم عليه إفتاؤه بمقالات ابن تيمية، ثم أظهر الرجوع عن ذلك فنافره التيميون فلم يكن مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، وكان قد ترك الإفتاء بأخرة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 وقال ابن حجي: أتقن الفن وصار أعرف أهل عصره بالعلل، وتتبع الطرق وكان لا يخالط أحداً ولا يتردد إلى أحد، مات في رمضان رحمه الله، تخرج به غالب أصحابنا الحنابلة بدمشق. عبد الرحيم بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن الفصيح الهمذاني الأصل، ثم الكوفي ثم الدمشقي الحنفي، قدم أبوه وعمه دمشق فأقام بها وأسمع أحمد أولاده من شيوخ العصر بعد الأربعين، وقدم عبد الرحيم هذا القاهرة في سنة خمس وتسعين وسبعمائة هذه السنة فحدث عن أبي عمرو بن المرابط بالسنن الكبرى للنسائي بسماعه منه في ثبت كان معه، وقد وقفت على الأصل بخط والده وفيه سماعه وسماع ولده بخطه وليس فيهم عبد الرحيم فلعله في نسخة أخرى، وحدث عن محمد بن إسماعيل بن الخباز بمسند الإمام أحمد كله والاعتماد على ثبته أيضاً، وسمع منه غالب أصحابنا، ثم رجع إلى دمشق فمات بها في شوال هذه السنة وهو والد صاحبنا شهاب الدين بن الفصيح. علي بن ايدغدي التركي الأصل الدمشقي الحنبلي البعلي كان يلقب حنبل، سمع الكثير وطلب بنفسه وجمع معجم شيوخه وترجم لهم، قال ابن حجي: علقت من معجمه تراجم وفوائد، قال: ولا يعتمد على نقله، مات في رجب. علي بن محمد بن عبد المعطي بن سالم المصري علاء الدين ابن السبع - بفتح المهملة وسكون الموحدة - حضر بعض البخاري على وزيره والحجار، وسمع من يحيى بن فضل الله والدلاصي ومحمد بن غالي وغيرهم وكان ممن يخشى لسانه، وحدث، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 وكان أبوه قاضي المدينة، مات هو في رمضان وقد اختلط عقله. علي بن محمود بن علي بن محمود بن علي بن محمود - ثلاثة على نسق - علاء الدين بن العطار الحراني، سبط الشيخ زين الباريني، ولد بعد الستين وتفقه بالشيخ أبي البركات الأنصاري وغيره، وبرع في النحو والفرائض وتصدى لنفع الناس وتصدر بأماكن، وكانت دروسه فائقة وكان يتوقد ذكاء، ذكر القاضي علاء الدين في تاريخ حلب أنه حفظ ربع ألفية العراقي في يوم واحد، ولو عمر لفاق الأقران لكن مات عن نيف وثلاثين سنة في شهر رمضان سنة خمس وتسعين وسبعمائة. علي بن محمد بن عبد الرحيم الأقفهسي الشيخ علاء الدين المصري، قدم من بلده سنة إحدى وثلاثين وهو كبير، واشتغل وأخذ عن ابن عدلان والكمال النسائي وغيرهما ومهر في الفقه، وشارك في غيره وكان ديناً مع فكاهة فيه، درس بأماكن بالقاهرة وأعاد وولي مشيخة خانقاه يشبك، وناب في الحكم، مات في شوال، انتفع به جمع كثير من الطلبة رحمه الله تعالى. عمر بن نجم بن يعقوب البغدادي نزيل الخليل يعرف بالمجرد كان مشهوراً بالخير والعبادة، مات في ذي الحجة وله ثلاث وستون سنة. قال ابن حجي: رأيته شيخاً طوالاً يلبس قبعاً بلا عمامة، وكان محباً في فعل الخير، كلما جاءه فتوح يفرقه. وكان يكفي الذين يقرؤن عنده، ولا يترك أحداً يقيم عنده بطالاً، وكان لا يضع جنبه بالأرض. كمشبغا الخاصكي، ولي نيابة دمشق أربعة أشهر ومات بها وهو كمشبغا الحموي الذي كان نائب حلب ثم صار أكبر الأمراء بمصر وتأخر موته فلذلك كان يقال له الكبير ليتميز عن هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 محمد بن إبراهيم بن الشيخ أحمد شاه الخلخالي ثم التبريزي، كان متمولاً فعمل عليه أحمد بن أويس حتى قتله في صفر وذلك لعظم قدره وطواعية أهل ناحيته له، فكأنه خاف من ناحيته وطمع في ماله، وله خانقاه بالشرف الأعلى بدمشق وكان لأبيه خانقاه بالخلخال. محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي ثم المقدسي نجم الدين، ناب في تدريس الصلاحية ثم استقل بها بعد موت القاضي برهان الدين، ومات في ذي القعدة بالقاهرة، وكان قدمها في شوال. محمد بن أحمد بن الرضي إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري، محب الدين أبو البركات المكي ولد سنة بضع وعشرين، وسمع من عيسى الحجي وطائفة وسمع أيضاً على الوادي آشي والأمين الأقشهري، وأجاز له الحجار وآخرون، مات في ذي القعدة، واجتمعت به وصليت خلفه مراراً، وكان أعرج لأنه سقط فكسرت رجله، وباشر العقود، وعمر بعده أخوه أبو اليمن دهراً. محمد بن أحمد بن علي بن عمر شمس الدين التاجر، المعروف بابن حق الدين المصري، نزيل مكة، كان له اختصاص بأحمد بن عجلان، وولي الوكالة عن الأمير جركس الخليلي، وكان يتولى صدقاته بنفسه، رأيته مراراً بمكة سنة خمس وثمانين، ومات في المحرم. محمد بن حسن بن سليمان بن حسن بن حمزة الحسيني جمال الدين الطرابلسي المعروف بالبلدي، كان وكيل بيت المال بطرابلس، وكان ينسب إلى حشمة ومروءة وإحسان للواردين، مات في شعبان بالطاعون. محمد بن عمر بن منهال الأذرعي أحد أعيان الموقعين بدمشق، مات في ذي الحجة. محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الدمشقي الحنفي أمين الدين ابن الأدمي، ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، وأخذ عن زوج أمه الفخر ابن الفصيح، وسمع من ابن الخباز وابن تبع وغيرهما، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 عني بالعربية وأخذ عن الصلاح الصفدي وغيره، وكانت له وجاهة بدمشق وباشر بها أماكن، وهو والد صاحبنا القاضي صدر الدين علي، مات في جمادى الأولى فجأة، قال ابن حجي: لم يكن بالمحمود بالنسبة إلى الوقيعة في الناس، وكان مع ذلك أحد أوصياء تاج الدين السبكي، ثم صار من أخصاء البرهان ابن جماعة ودرس بالإقبالية، وحصل دنيا واسعة وأموالاً جمة، وعرض عليه بعض الحكام نيابه فلم يقبل. محمد بن محمد بن آقبغا آص، تقدم ذكره في الحوادث. محمد بن محمد بن سالم بن عبد الرحمن الحنبلي صلاح الدين ابن الأعمى المصري المقدسي الأصل، مدرس الظاهرية الجديدة بين القصرين، وكان بارعاً في مذهبه، أفاد ودرس وتعين لقضاء الحنابلة، ومات في ربيع الأول، قال الشيخ تقي الدين المقريزي: كان أبوه وعمه عبد الجليل مشهورين بالعلم والفقه والدين فاقتدى بهما وأربى عليهما، قال: وكان سمحاً كريماً حسن الملتقى، جميل المحيا، وكان يتعصب لابن تيمية. محمد بن محمد بن عبد الله الصوفي زين الدين المصري نادرة عصره في النوادر الطيبة ولقبه زوين، وكان يكثر الكون عند ابن الغنام فغضب عليه مرة فأمر بحبسه فكان كل من دخل عليه الحبس من أصحابه يسأله عن سبب غضب الصاحب عليه فيشير إلى قنينة فارغة علقها وكان ابن الغنام يلقب قنينة في صباه، فبلغه ذلك فبادر إلى إطلاقه. محمد بن يحيى بن سليمان السكسوني جمال الدين المغربي المالكي كان عارفاً بالمعقولات إلا أنه طائش العقل، ولي قضاء حماة وطرابلس فلم يحمد، ثم ولي قضاء دمشق شهرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 بعد غلبة الظاهر فبدأ منه طيش أهين بسببه، وذلك أنه تصدى لأذى الكبار وتعزيز بعضهم، فكوتب فيه السلطان وعرفوه بثبوت فسقه فقدم مصر، ثم نفي إلى الرملة فمات بها في أوائل هذه السنة، قال ابن حجي: كان كثير الدعوى، ولما عزل عن القضاء وقف للسلطان بمصر وتشكى من غرمائه فقال له: أنا ما عزلتك، هم حكموا بعزلك فأخذ يعرض ببعض الأكابر فعملوا عليه حتى أخرجوه. محمود بن أبي بكر بن أحمد ابن أبي بكر الوائلي شرف الدين ابن كمال الدين بن جمال الدين الشريشي، ولد سنة تسع وعشرين بحمص وأبوه قاضيها إذ ذاك، وأخذ عن والده وابن قاضي شهبة، حتى مهر في العلوم وتصدى للتدريس والإفتاء وكثر النفع به وقد حدث عن الحجار بالإجازة، ونشأ في عبادة وتقشف وسكون وأدب وانجماع، ودرس بالبادرائية وبالرواحية قليلاً وكان يكتب على الفتاوي كتابة حسنة حتى كان يقصد لذلك من الجهات البعيدة، وانتهت إليه وإلى رفيقه الشهاب الزهري رياسة الإفتاء، وله نظم ونثر. قال ابن حجي: لم أر أحسن من طريقته ولا أجمع لخصال الخير منه، وكان يلعب بالشطرنج، مات في تاسع صفر عن خمس وسبعين سنة. مقبل الرومي الشهابي شيخ الخدام بالمدينة، أصله من خدم الصالح إسماعيل بن الناصر ثم اختص بشيخو ثم يحسن، ثم انقطع بالمدينة ثم ولي المشيخة بها حتى مات. منصور بن مظفر بن محمد بن المظفر اليزدي، ويقال له شاه منصور وهو ابن أخي شاه شجاع صاحب بلاد فارس، قتل في حروب وقعت بينه وبين تمرلنك وقتل معه أخوه شاه يحيى بن المظفر. منطاش التركي الأشرفي، تقدم ذكره في الحوادث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 موسى بن أحمد بن منصور العبدوسي المالكي، كان عالماً عابداً صالحاً على طريقة السلف، نزل دمشق وعين للقضاء فامتنع ودرس وأفاد، ثم تحول على القدس وله أسئلة مفيدة واعتراضات واستنباطات حسنة، وكان على طريقة السلف، ومات ببلد الخليل بزاوية الشيخ عمر المجرد في جمادى. نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم الكناني الحنبلي ناصر الدين قاضي الحنابلة بنابلس، سمع من عبد الله بن يوسف الحنبلي جزء ابن ملاس بإجازته من سبط السلفي، وبدمشق من أحمد بن علي الجزري، وبمصر من الحسن بن السديد الأريلي وإبراهيم القطبي وغيرهم، وتفقه ومهر في مذهبه، وناب في الحكم عن صهره نحواً من عشرين سنة، ثم استقل بعد وفاة حموه موفق الدين سبعا وعشرين سنة إلى أن مات في شعبان عن سبع وسبعين سنة، وكان دينا عفيفاً مصوناً صارماً مهيباً، محباً في الطاعة والعبادة، حدث ودرس وأفاد وأجاز لي بعد أن قرأت عليه شيئاً، قرأت بخط قاضي القضاة تقي الدين الزبيري وهو في جملة ما أجازنيه، قال: توفي القاضي ناصر الدين في نصف شعبان، وأقام قاضي الحنابلة بعد وفاة صهره القاضي موفق الدين ما يزيد على خمس وعشرين سنة، لم ينكب فيها يوماً ولا عزل ولا مرض بل يضحك على الناس كلما عزل أحد أو مات، إلى أن جاءه أمر الله فلم يضعف غير هذه الضعفة فمات فيها. يحيى بن عبد الله بن بشارة الوزير تاج الدين أسلم هو وأخوه وأبوهما وكان اسمه يحنا - بضم أوله وفتح المهملة وتشديد النون - فسمي يحيى، وباشر نظر الخاص مدة ثم ولي الوزارة بسعي منه على والده، ثم صرف في دولة الظاهر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 ولما قدم الظاهر سنة ثلاث وتسعين اختفى، ثم قبض عليه في هذه السنة وسجن بالقلعة، فمات في جمادى الأولى، ومات أبوه في سنة ثلاث وتسعين. شاه يحيى بن المظفر تقدم قريباً مع أخيه منصور. أبو بكر بن عثمان بن العجمي زين الدين الحلبي نزيل القاهرة، سمع الحديث ببلده واشتغل بالآداب فمهر فيها وطارح الصلاح الصفدي بقصيدة شهيرة أجابه عنها وهي في " ألحان السواجع " للصفدي، وولي التوقيع بالقاهرة، وكان يكتب خطاً حسناً وينظم شعراً وسطاً ونثره كذلك مع دين وخير ومحبة في العلم، مات عن سبعين سنة أو أكثر. أبو الطيب بن علي بن أحمد الفوّي سمع الكثير بعناية أبيه من أصحاب الفخر، وتفقه قليلاً، ثم دخل في أمر الدولة فقطع لسانه ثم بقية أعضائه، ثم مات عن أربعين سنة. أبو تاشفين ابن أبي حمو موسى بن يوسف التلمساني من بني عبد الواد، خرج على أبيه وحاربه وجرت له معه خطوب وحروب إلى أن قتل أبوه في المحرم سنة 92، وأسر أخوه أبو عمر فقتله هو وملك تلمسان وصار يخطب لصاحب فاس لكونه نصره على أبيه ويقوم له كل سنة بمال إلى أن قام أبو زيان بن أبي حمو فجمع جموعاً ونزل على تلمسان وحصرها فكاده أخوه وفرق جمعه ووفد على صاحب فاس فجهز معه عسكراً في هذه السنة، فمات أبو تاشفين في شهر رمضان، فأقام وزيره أحمد ابن العز ولده فسار إليهم يوسف بن أبي حمو فقتل الصبي والوزير فخرج صاحب فاس إلى تلمسان فملكها وانقضت دولة بني عبد الواد بتلمسان وصارت لصاحب فاس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 أبو يزيد الدوادار كان خامل الذكر فاتفق أن السلطان استخفى عنده لما نازله الناصري ومنطاش، فلما عاد إلى السلطنة عظمه ثم قربه ثم رتبه في الدويدارية بعد بطا إلى أن مات في رجب. أمة الرحيم ويقال أمة العزيز بنت الحافظ صلاح الدين العلائي أسمعها من الحجار وغيره وحدثت، ماتت في تاسع شوال، وكذلك أسماء أختها ماتت في العشرين منه. فاطمة بنت تقي الدين الجعبري، حضرت على أسماء بنت صصري وسمعت من ابن الرضي وكان المزي جد أمها، وحدثت بدمشق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 سنة ست وتسعين وسبعمائة فيها وصل أحمد بن أويس إلى القاهرة في ربيع الأول فتلقاه الأمراء وخرج له السلطان إلى الريدانية فقعد بالمسطبة المبنية له هناك، فترجل له أحمد بن أويس من قدر رمية سهم فأمر السلطان الأمراء بالترجل له، ثم لما قرب منه قام له ونزل من المسطبة يمشي إليه فالتقاه وأراد أحمد تقبيل يده فامتنع، فطيب السلطان خاطره وأجلسه معه على مقعده، ثم خلع عليه وأركبه صحبته إلى القلعة فأنزله في بيت طقزدمر على بركة الفيل، ونزل جميع الأمراء في خدمته ثم أرسل له السلطان مالاً كثيراً وقماشاً ومماليك للخدمة، يقال قيمة ذلك نحو عشرة آلاف دينار، ثم حضر الموكب السلطاني فأذن له السلطان بالجلوس وأركبه معه إلى الجيزة للصيد، ثم تزوج السلطان بنت أخيه خوندتندي بنت حسين بن أويس وبنى عليها قرب السفر، ثم أمر السلطان بالتجهيز إلى الغزاة وطلب من القاضي الشافعي أن يقرضه ما في المودع من أموال الأيتام، فامتنع فسعى بدر الدين بن أبي البقاء في القضاء وبذل مالاً، وذلك في ربيع الآخر فعزل المناوي بعد أن خرج السلطان إلى الريدانية، وأعيد ابن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 البقاء في يوم الاثنين الرابع عشر من شهر ربيع الآخر وخلع عليه بالريدانية ودخل القاهرة ومعه قلمطاي الدويدار وغيره من الأمراء، وسافر مع السلطان في رابع عشريه بعد أن بذل ما أرادوا منه فقيل: كان ستمائة ألف، وعوض السلطان أصحابها أرضاً يستغلون خراجها إلى الآن، واقترض السلطان من ثلاثة من التجار ألف ألف درهم فضة، وهم برهان الدين المحلى ونور الدين الخروبي وشهاب الدين ابن مسلم، وكتب لهم بذلك مسطوراً ضمنه فيه محمود الاستادار، وكان ذلك بتدبيره، واستصحب السلطان معه القضاة والخليفة وشيخ الإسلام البلقيني، واستأذن البلقيني بعد وصوله إلى دمشق لولده جلال الدين في الرجوع لأنه كان قاضي العسكر، فأذن له فرجع وتوجه الشيخ صحبة الركاب إلى حلب، وخرج إلى السلطان وهو معسكر ظاهر القاهرة شخص يقال له أحمد بن عباس الحريري، فذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تسليماً في المنام وأنه قال له: رح إلى برقوق وقل له إنك منصور بأمارة أنك تقرأ سورة الفاتحة على أصابعك العشرة عشر مرات عند الركوب ثم تقول " إن ينصركم الله فلا غالب لكم " فصدق الأمارة وبكى وأمر للرأي بمال فلم يقبل منه إلا نذراً يسيراً، والذي يظهر لي كذب هذا الرأي، وكأنه بلغ الأمارة من بعض خواص السلطان المطلعين على سره، وإلا فلو كان صدقاً لكان قد انتصر، والواقع أنه لم يقع له قتال مع أحد، وعزل موفق الدين عن الوزارة واستقر ناصر الدين ابن رجب فقرر في نظر الدولة سعد الدين ابن البقري. وفيها كائنة الشريف العنابي - بضم العين المهملة والنون - كان السلطان يعتقده فاتفق مع جماعة من مماليك بركة على القيام عليه، فنم عليه موسى بن محمد بن عيسى العائدي شيخ عرب العائد، وكان في الحبس فأرسل إلى الوالي ورقة بخط العنابي، يقول فيها: يا موسى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 أرسل إليّ عربك يجتمعوا ويعسكروا قرب القاهرة فإذا جاز السلطان قطية أركب أنا ومن معي من المماليك فنملك القاهرة وتخلص من الحبس ونتساعد على ذلك فإذا غلبنا قررنا سلطاناً نتفق عليه، وأستقر أنا خليفة وأحمد بن قايماز أتابك العساكر، فتوجه الوالي بالورقة إلى السلطان فأرسل يلبغا السالمي إلى الشريف العنابي ليسأله عن ذلك فأحس الشريف فهرب ثم أمسك الوالي عبداً من عبيده فأقر بأن سيده في بيت الصارم الحلبي بسويقة السباعين، فبادر الوالي فقبض عليه وعلى أحمد بن قايماز فأحضرهما إلى السلطان وهو بالريدانية قد برز بالعسكر للتوجه فاعترف العنابي بأن الورقة بخطه وأن ابن قايماز هو الذي رتبه فيما يفعل، فأنكر ذلك ابن قايماز وتبرأ منه فأمر السلطان بالتوكيل بهما، فسعى عمر بن قايماز أخو أحمد عند أخت السلطان حتى شفعت في أخيه على مال جزيل بذله وأطلق، وأمر السلطان بتوسيط الشريف العنابي فوسطه الوالي، وكذلك وسط موسى بن محمد بن عيسى بن موسى العائدي وعمه مهنا بن عيسى وجماعة من نفره كانوا في القبضة، وذلك بعد سفر السلطان، ووصل السلطان إلى دمشق في العشرين من جمادى الأولى فوصل له قاصد طقتمش خان ملك القفجاق يتضمن السؤال أن يكونوا يداً واحدة على الطاغي تمرلنك، فكتب أجوبتهم ثم وصلت إليه رسل أبي يزيد بن عثمان صاحب الروم تتضمن استئذان السلطان على الحضور إلى نصره على قصد تمرلنك لما بلغهم من سوء سيرته، فكتب أجوبته أيضاً. وفي أول هذه السنة سار تمرلنك بنفسه وعساكره إلى تكريت فحاصرها بقية المحرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 كله ودخلها عنوة في آخر هذا الشهر فقتل صاحبها، وبنى من رؤوس القتلى منارتين وثلاث قباب، وخرب البلد حتى صارت قفرة، وكان استولى على قلعة تكريت وأميرها حسن بن يغمور ونزل بالأمان فأرسله اللنك إلى دار ثم دس عليه من هدمها، فمات تحت الهدم، ثم أثخن في قتل الرجال وأسر النساء والأطفال، ثم نازل الموصل وصاحبها يومئذ يار علي بن برد خجا فصالحه وصار في خدمته، ثم نزل إلى رأس عين فملكها، ونازل الرها فأخذها بغير قتال، ووقع النهب والأسر والسبي، وذلك في آخر صفر واتفق هجوم الثلج والبرد، ولما بلغ ذلك صاحب الحصن جمع خواصه وما عنده من التحف والذخائر وقصد تمرلنك ليدخل في طاعته فقرر ولده شرف الدين أحمد نائباً عنه، وسار إلى أن اجتمع به بالرها فقبل هديته وأكرم ملتقاه ورعى له لكونه راسله قبل جميع تلك البلاد، ثم خلع عليه وأذن له في الرجوع إلى بلاده وأصحبه بشحنة من عنده، ثم قصده صاحب ماردين فتنكر له لكونه تأخرت عنه رسله وتربص به حتى قرب منه فوكل به فصالحه على مال فوعده بإرساله إذا حضر المال فلما حضر زاد عليه في التوكيل والترسيم، ثم أخذ في نهب تلك البلاد بأسرها، واستولى على بلاد الجزيرة والموصل وسار فيهم سيرة واحدة من القتل والأسر والسبي والنهب والتعذيب ثم أقام على نصيبين في شدة الشتاء، فلما أتى الربيع نازل ماردين في جمادى الآخرة فحاصرها وبنى قدامها جواسق فحاصرها منها ففتحها عن قرب، وقتل من الناس من لا يحصى عددهم، وعصت عليه القلعة فرحل عنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 ثم رحل إلى آمد فحاصرها إلى أن ملكها وفعل بها نحو ذلك، ثم توجه إلى خلاط ففعل بها نحو ذلك، وسبب رجوعه عن البلاد الشامية أنه بلغه أن طقتمش خان صاحب بلاد الدشت والسراي وغيرها مشى على بلاده فانثنى رأيه فقصد تبرين وصنع في بلاد الكرج عادته في غيرها من البلاد، ثم رحل راجعاً إلى تبريز فأقام بها قليلاً، ثم توجه قاصداً إلى قتال طقتمش خان صاحب السراي والقفجاق، وكان طقتمش قد استعد لحربه فالتقيا جميعاً ودام القتال، وكانت الهزيمة على القفجاق والسراي فانهزموا وتبعهم الجقطاي في آثارهم إلى أن ألجؤهم إلى دخل بلادهم، وراسل اللنك صاحب سواس القاضي برهان الدين أحمد يستدعى منه طاعته فلم يجبه وأرسل نسخة كتابه إلى الظاهر صاحب مصر وإلى أبي يزيد ملك الروم. وفي شوال غلب على غالب القلاع، وتوجه في ذي القعدة إلى جهة بلاده وأمر بسجن الطاهر في مدينة سلطانية، وفي غضون ذلك خرج من حلب أميران مقدمان ومعهما نحو ألف فارس لحفظ الرها فوجدوا اللنكية فتحوها، فوقع بهم جمع كبير من اللنكية، فحصل بينهم وقعة انهزم فيها اللنكية، وقتل منهم جمع عظيم، وصادف ذلك رحيل اللنك عن الرها، ورجع أهل حلب بالأسرى ورؤس القتلى، ووصل الخبر بذلك إلى الظاهر في ربيع الأول، ففرح به وأخذ في التجهيز بالعسكر المصري فخرج في ربيع الآخر وصحبته في هذه السفرة الشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ شهاب الدين ابن الناصح وأبو عبد الله الكركي والشيخ محمد المغربي والشيخ إبراهيم بن زقاعة وغيرهم. وفيها وصلت رسل تمرلنك إلى الظاهر يتضمن الإنكار على إيواء أحمد بن أويس والتهديد إن لم يرسل إليه فجهز السلطان إليهم من أهلكهم قبل أن يصلوا إليه وأحضر إليه ما معهم من الهدايا، فكان فيها ناس بزي المماليك، فسألهم السلطان عن أحوالهم، فقالوا إنهم من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 أهل بغداد، ومن جملتهم ابن قاضي بغداد، وإن تمرلنك أسرهم واسترقهم، فسلمهم السلطان لجمال الدين ناظر الجيش فألبس ابن قاضي بغداد بزي الفقهاء، وكان في كتاب تمرلنك إيعاد وإرعاد وأوله: " قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون " اعلموا " أنا جند الله "، خلقنا من سخطه وسلطنا على من حل عليه غضبه لا نرق لشاكي ولا نرحم عبرة باكي " وهو كتاب طويل وفيه " ودعاؤكم علينا لا يستجاب فينا ولا يسمع، فكيف يسمع الله دعاؤكم وقد أكلتم الحرام وأكلتم أموال الأيتام وقبلتم الرشوة من الحكام " قلت: وأكثر هذا الكتاب منتزع من كتاب هولاكو إلى الخليفة ببغداد وإلى الناصر بن العزيز بدمشق وهو من إنشاء النصير الطوسي، وكتب جواب اللنك كاتب السر ابن فضل الله وهو كلام ركيك ملفق غالبه غير منتظم لكنه راج على أهل الدولة، وقريء بحضرة السلطان والأمراء فكان له عندهم وقع عظيم وعظموه جداً وأعادوه، وكان النائب بحلب أرسل رجلاً بعث به سالم الدوكاري فلما وصل إلى القاهرة أخبر السلطان أن المقاتلة مع اللنك عشرون ألفاً وأن له أختاً معه تضرب بالرمل، ثم حضر شخص آخر كان من مماليك الأشرف وخدم شكر أحمد التركماني وأنه توجه معه إلى اللنك فهرب منه فأخبر بمثل ما أخبر به التتري المذكور. وفي رابع عشرين ربيع الأول قبض على شخص من الططر فعرض على السلطان فضربه فأقر على عدة جواسيس فقبض منهم على سبعة أنفس ما بين تجار وغيرهم وتجهز السلطان إلى السفر وأنفق في المماليك في ثالث ربيع الآخر لكل واحد ألفي درهم، فبلغه أنه تمنعوا فجلس بنفسه وأمر بالنفقة فأخذوا ولم يتكلم أحد منهم وأعطى لكل مقدم ألف ستين ألفاً وللخليفة عشرة آلاف، ويقال كان جملة النفقة تسعة آلاف ألف، كان ثمنها من الذهب الهرجة ثلاثمائة ألف وستين ألف دينار، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 وكان اقترض من التجار ألف ألف، ومن موجود جركس الخليلي ثماني مائة ألف، ومن موجود أرغون شاه نحو النصف من ذلك، ومن موجود إينال اليوسفي نحو ذلك أو أكثر، فبرز في سابع الشهر وخرج من القلعة في عاشره وسافر من الريدانية في ثاني عشري الشهر وترك في الاصطبل بيبرس أمير آخور، وبالقاهرة سودون النائب ونائباه، وبالقلعة ارسطاي ومعه ثلاثمائة مملوك، ودخل دمشق ثاني عشرين جمادى الأولى فأقام بدمشق خمسة أشهر وعشرة أيام، واستبرأ الأخبار فتحقق رجوع اللنك فجهز أحمد بن أويس إلى بغداد ودفع له حين السفر خمسمائة ألف درهم قيمتها عشرون ألف دينار وخمسمائة فرس وستمائة جمل وجهزه أحسن جهاز، فخرج في مستهل شعبان وسافر في ثالث عشره وسار معه عدة من الأمراء الكبار إلى أطراف البلاد صحبه سالم الدوكاري، ثم جهز السلطان كمشبغا وجماعة من الأمراء إلى حلب فتوجهوا قبله ثم توجه بعدهم في أول ذي القعدة فدخلها في العاشر وأقام إلى عيد الأضحى، ورجع إلى الديار المصرية في الثاني عشر منه وكان أمر بعرض أجناد الحلقة وتجهز من له خبز ثقيل بعبرة ثقيلة إلى السفر وألزم مباشرو الخاص وغيرهم أن يؤخذ من كل واحد بغلة أو ثمنها ثم اختار من أجناد الحلقة أربعمائة فارس انتقاهم، ثم نادى للأجناد البطالين بالحضور لينفق فيهم ليسافروا فحضر منهم نحو الخمسمائة، فقبض قلطاي منهم بأمر السلطان على ثلاثمائة وسبعين فسجنهم وهرب الباقون، ثم عرضهم ابن الطبلاوي عند محمود وأفرج عن مائتين منهم، ولما دخل الشام شكوا من الباعوني فعزله ونكّل به وخلع على علاء الدين ابن أبي البقاء وأقام الظاهر بدمشق خمسة أشهر، وعزل المنجا الحنبلي، وولى عوضه شمس الدين النابلسي وعزل ابن الكشك، وولى عوضه ابن الكفري ثم وصل السلطان إلى حلب فوصل إليه ابن نعير فأخبره أن أباه غلب على بغداد بعد رحيل تمرلنك عنها وخطب فيها باسم الملك الظاهر فجهز أحمد بن أويس بجماعته إلى بغداد بعد أن جهزه جهازاً حسناً فأرسل عسكراً كثيراً فيهم كمشبغا الأتابكي وأحمد بن يلبغا وبكلمش وغيرهم إلى أطراف المملكة، وأقام، السلطان نازلاً على الفرات إلى أن وصل قاصد أحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 بن أويس يخبره بأنه دخل بغداد وجلس على تخت ملكه وخطب باسم السلطان بها، فرجع السلطان إلى حلب وحضر إليه وهو بها سالم الدوكاري التركماني طائعاً فخلع عليه وعظمه وألبسه بزي الترك، ووصل إليه كتاب القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس يبذل له الطاعة، وذكر أحمد بن أويس في كتابه أنه لما وصل إلى ظاهر بغداد خرج إليه نائب تمر فقاتله وأطلق الماء على عسكر ابن أويس فأعانه الله وتخلص، وفي هذه السفرة استقر بدر الدين محمود بن عبد الله الكلستاني العجمي في كتابة السر بعد موت بدر الدين بن فضل الله، وكان السلطان استدعى به من القاهرة بعد أن سافر ليقرأ له كتاباً ورد عليه من بلاد العجم بالعجمي، وذلك بإشارة جمال الدين ناظر الجيش، فتوجه وهو في غاية الخوف ظناً منه أنه وشى به بعض أعدائه، وما درى أنه نقل أمره إلى العز الزائد بعد الذل المفرط واستقر في نيابة حلب بعد رحيل السلطان بإمرة تغري بردى وفي نيابة طرابلس أرغون شاه، وفي نيابة صفد آقبغا الجمالي. وفي هذه السنة كان بالقاهرة من الرخص ما يضرب به المثل حتى أن عنوانه أن البطيخ العبدلاوي بيع كل قنطار بدرهم، وقس على ذلك. ثم في آخرها توقف النيل حتى مضى نصف أبيب ثم مضى نصف مسرى الأول، ثم فتح الله تعالى فزاد في أسبوع واحد نحو عشرة أذرع وتزايد بسبب التوقف سعر القمح إلى أن بلغ أربعين درهماً كل أردب ثم زاد ضعفها. وفيها أرسل أبو فارس ابن أبي العباس المريني، بعد موت أبيه إلى تلمسان أبازيان بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 أبي حمو بعد أن أخرجه من محبسه بفاس وصار أميراً على تلمسان من قبله وأرسل إلى بني عامر مالاً فغدروا بيوسف ابن أبي حمو وأرسلوه إلى أبي فارس، فقتله وبعث برأسه إلى أخيه أبي زيان واستمر أبو زيان في إمرة تلمسان عن أبي فارس. وفي رجب أخذت الفرنج عدة مراكب تحمل الغلال إلى الشام. وفي هذه السنة أشيع أن امرأة طال رمدها فرأت النبي صلى الله عليه وسلم تسليماً فأمرها أن تأخذ من حصى أبيض في سفح المقطم أشيافاً وتكتحل به بعد سحقه ففعلت فعوفيت، فتكاثر الناس على استعماله وشاع ذلك ثم بطل. وأوفى النيل ثامن عشرين مسرى وانتهت الزيادة في ذى الحجة إلى الحادي عشر من الثاني عشر فارتفعت الأسعار فأمر سودون النائب أن يتحدث ابن الطبلاوي في الأسعار ففعل فلم يزدد الأمر إلا شدة. ذكر من مات في سنة ست وتسعين وسبعمائة من الأعيان إبراهيم بن خليفة بن خلف، خطيب برزة، كان خيراً معتقداً، مات في شعبان. إبراهيم بن عبد الله بن عمر الصنهاجي المالكي برهان الدين القاضي، ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، وسمع من الوادي آشي وغيره، وتفقه بدمشق على القاضي بدر الدين الغماري المالكي، وتزوج بنته بعده وكان يحفظ الموطأ وولي قضاء دمشق غير مرة، أولها سنة ثلاث وثمانين، فلما جاء التوقيع لم يقبل وصمم على عدم المباشرة وامتنع من لبس الخلعة فولى غيره، ثم ولى في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين فامتنع أيضاً فلم يزالوا به حتى قبل، فباشر ثلاث سنين، ثم صرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 ومات في ربيع الآخر فجأة بعد أن خرج من الحمام وقد ناهز الثمانين وهو صحيح البنية حسن الوجه واللحية، قال ابن حجي: كان فاضلاً في علوم وكان يخالط الشافعية أكثر من المالكية ويعاشر الأكابر بحسن محاضرته وحلو عبارته. أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني السلطان أبو العباس بن أبي سالم بن أبي الحسن صاحب فاس ولقبه المستنصر بالله أمير المسلمين ثم اعتقل بطنجة فلم يزل حتى بعث ابن الأحمر صاحب غرناطة إلى محمد بن عثمان أمير سبتة أن يخرجه ويساعده، فركب إلى طنجة فأخرجه وبايع له وحمل الناس على طاعته وبايعه أهل جبل الفتح وأمده ابن الأحمر بعساكر، وكتب ابن الأحمر إلى الأمير عبد الرحمن بن أبي يغمراسن بموافقته ومعاضدته وكان بينهما بون فتصافيا ونازلوا فاس فجرح السعيد محمد بن عبد العزيز بن أبي الحسن سلطانها فاختل أمره وانهزم، وركب أبو العباس وحصر البلد في سنة خمس وسبعين إلى أن دخل سنة ست وسبعين، واستقل السلطان أبو الحسن بملك فاس والمغرب وأمر عبد الرحمن على مراكش، واستوزر أبو العباس محمد بن عثمان بن العباس وألقى إليه المقاليد، ثم غدر عبد الرحمن فأخذ من بلاد أبي العباس اربونة، فترددت الحرب بينهما إلى أن قتل عبد الرحمن في آخر جمادى الآخرة سنة أربع وثمانين، ثم ملك تلمسان وهرب منها صاحبها أبو حمو ثم ثار موسى بن أبي عنان على أبي العباس ونزل دار الملك بفاس، فرجع أبو العباس فنزل تازي فتركه أهل عسكره وتوجهوا إلى موسى فآل الحال إلى أن غلب موسى وقيده وحمله إلى الأندلس فأكرمه ابن الأحمر ولم ينشب موسى أن مات فأقيم المستنصر بن أبي العباس في الملك فبلغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 ذلك ابن الأحمر فأخرج أبا العباس ليرسله إلى فاس، ثم بذا له فرده إلى الاعتقال فأرسل الواثق محمد بن أبي الفضل ابن السلطان أبي الحسن فتوجه إلى فاس فملكها في شوال سنة ثمان وثمانين وقبض على المنتصر فبعثه إلى ابن الأحمر ثم أرسل عسكراً فأخذوا سبتة فبلغ ابن الأحمر فغضب وطلب أبا العباس فأركبه البحر من مألقة إلى سبتة فوصلها في صفر سنة تسع وثمانين فاضطرب من فيها، واستولى على سبتة ثم سار إلى طنجة فملكها، ثم نازل فاس فملكها، وكان القائم في تلك الأمور كلها الوزير مسعود فقبض عليه وعذبه ثم قطعه قطعاً ولم يزل السلطان أبو العباس تتقلب به الأمور إلى أن مات في المحرم سنة ست وتسعين، فقام بعده ابنه أبو فارس فلم تطل مدته، ومات سنة ثمان وتسعين فقام أخوه ومات في يوم الفطر سنة تسع وتسعين، ثم قام أخوهما أبو سعيد عثمان. أحمد بن أبي سالم بن أبي الحسن بن أحمد بن أبي عنان المريني، صاحب فاس، كان يلقب المستنصر أمير المسلمين، هو الذي قبله. أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن أبي العباس الدمنهوري الأديب المعروف بالشاطر، صاحب النظم الفائق، تقدم في سنة 788. أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد ابن أبي حفص الحفصي الهنتاتي، صاحب بلاد تونس وافريقية وغير ذلك من بلاد المغرب، والهنتاتي - بفتح الهاء وسكون النون بعدها مثناة وبعد الألف مثناة أخرى - يكنى أبا العباس - وكان يقال له: أبو السباع، ولي المملكة سنة اثنتين وسبعين في ربيع الأول، وكل من ذكر في عمود نسبه ولي السلطنة إلا أباه وجد أبيه، مات في شعبان، واستقر بعده ولده أبو فارس عبد العزيز. أحمد بن يعقوب الغماري المالكي، كان فاضلاً في مذهبه، درس وأفتى وولي قضاء حماة، ثم صرف فأقام بدمشق إلى أن مات في ذي القعدة عن نحو من ستين سنة. أبو بكر بن محمد بن الزكي عبد الرحمن المزي تقي الدين ابن أخي الحافظ جمال الدين، سمع الحجار والمزي وغيرهما وحدث، مات في المحرم عن خمس وسبعين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 راشد بن عبد الله التكروري أحد المشايخ المجذوبين الذين يعتقدهم العامة، كان مقيماً بجامع راشدة الذي عند بركة الحبش، رأيته هناك وعنده سكون ويصيح أحياناً، مات بالمارستان. رسلان بن أحمد بن إسماعيل الصالحي الذهبي، سمع من محمد بن يعقوب الجرائدي وأبي العباس الحجار وحدث بدمشق. زكريا بن محمد بن أبي بكر الأمير أبو يحيى، لما مات أخوه السلطان أبو العباس أحمد واستقر في السلطنة بعده ولده أبو فارس عبد العزيز كان خشي من عمه فاستدعاه في مرض أبيه فدخل عليه فخشي عليه أخوه وأمره بالانصراف، فعاقه أبو فارس حتى مات أبوه وبويع بالسلطنة فقتل عمه في نصف ذي القعدة. زينب بنت القاضي زين الدين البسطامي، والدة القاضي صدر الدين المناوي، كانت مقيمة بجامع الحاكم، ماتت في المحرم، ومشى الناس في جنازتها من هناك إلى المصلى الذي بالقرب من جامع المارداني لأجل ولدها. زينب بنت أبي البركات البغدادية، كانت صالحة فبنى لها رباط بجوار خانقاه بيبرس بنته لها الست تذكار بنت الملك الظاهر بيبرس وصار كالمودع للنساء الأرامل وهو المعروف برواق البغدادية. سلامة بن محمد بن سليمان بن فائد الخفاجي، أمير العرب بالبحيرة وهو المعروف بابن التركية، كان شجاعاً بطلاً، وقد ذكر في الحوادث، مات في ربيع الآخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 عامر بن ظالم بن حيار بن مهنا، مات غريقاً بالفرات ومعه سبعة عشر نفساً من آل مهنا في وقعة بينه وبين عرب زبيد وقتل معه خلق كثير جداً. عبد الله العمري كاتب السمسرة والد صاحبنا شمس الدين العمري موقع الدست. عبد الرحمن المناوي خادم الشيخ صالح بمنية الشيرج، وكان ممن يعتقده المصريون، مات في جمادى الأولى. عبد الرزاق بن عبد الله بن عبد الرزاق المصري كمال الدين ابن المطوع الشاهد، ولد سنة عشر أو بعدها، وسمع من أبي الفتح الميدومي وغيره واعتنى بالشروط وكتب الخط الحسن ونظم ونثر وأرخ الوقائع التي شاهدها، مات ثالث رجب سمعت من فوائده. علي بن عبد الواحد بن محمد بن صغير علاء الدين بن نجم الدين بن شرف الدين رئيس الأطباء بالديار المصرية، كان فاضلاً مفنناً انتهت إليه المعرفة، وكان ذا حدس صائب جداً يحفظ عنه المصريون من ذلك أشياء، وكان حسن الصورة بهي الشكل جميل الشيبة، مات بحلب في ذي الحجة، ثم نقلته ابنته إلى مصر فدفنته بتربتهم، أخذ عنه شيخنا عز الدين ابن جماعة وكان يثني على فضائله وقد اجتمعت به مراراً وسمعت فوائده، وكان له مال قدر خمسة آلاف دينار قد أفره للقرض، فكان يقرض من يحتاج إلى ذلك برهن من غير استفضال بل ابتغاء للثواب. قرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي: كان يصف الدواء للموسر بأربعين ألفاً ويصف الدواء في ذلك الداء بعينه للمعسر بفلس، قال: وكنت عنده فدخل عليه رجل شيخ فشكا شدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 ما به من السعال فقال له: لعلك تنام بلا سراويل؟ قال: إي والله! قال: فلا تفعل، ثم بسراويلك، فمضى، قال: فصادفت ذلك الشيخ بعد أيام فسألته عن حاله، فقال لي: عملت ما قال لي فبرئت، قال: وكان لنا جار حدث لابنه رعاف حتى أفرط فانحلت قوى الصغير، فقال له: شرّط أذنيه، فتعجب وتوقف، فقال: توكل على الله وافعل، ففعل ذلك فبرأ، قال: وله من هذا النمط أشياء عجيبة. محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن علي الحسني الفاسي، ثم المكي أبو الفتح المالكي، سبط الخطيب بهاء الدين محمد بن التقي عبد الله بن المحب الطبري، سمع على عثمان بن الصفي أحمد بن محمد الطبري وغيره، وبالمدينة على الزين بن علي الأسواني والجمال الطبري وخالص البهائي وغيرهم، وأجاز له جماعة من مصر والشام وحدث، وكان مولده في ذي القعدة سنة 732 بمكة ومات بها في خامس صفر. محمد بن أبي بكر الدمشقي بدر الدين ابن المصري، اشتغل بالعلم وأخذ عن التاج المراكشي، وكان أكبر الشهود بمجلس القاضي المالكي. محمد بن بيبرس شاه الخادم بالشميساطية بدمشق، كانت له وجاهة، وكان حسن الخط، وولي مشيخة خانقاه الطواويس، ومات في جمادى الأولى. محمد بن علي بن سالم الفرغاني، أحد شهود الحكم بدمشق، اشتغل بالقراآت وتلا بالسبع على اللبان وأقرأ، ومات في ذي الحجة. محمد بن علي بن يحيى بن فضل الله بن مجلى العدوي المصري بدر الدين بن علاء الدين، كاتب السر، ولي كتابة السر وهو شاب بعد والده وباشرها وأبوه في مرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 موته وذلك في رمضان سنة تسع وستين، ولم يكمل حينئذ عشرين سنة، واستمر إلى أن عزل في أول الدولة الظاهرية بأوحد الدين، ثم أعيد بعد سنتين، ثم عزل بعلاء الدين الكركي، ثم أعيد ثم مات في هذه السنة في شوال، فباشر الوظيفة نيفاً وعشرين سنة، وكان مهيباً ساكناً قليل الكلام جداً قليل الاجتماع بالناس قصير البضاعة في البلاغة جداً إلا أن خطه حسن، وكان يستر نفسه بقلة الكلام وقلة الاجتماع. وكان يدعي أن ذلك من شأن وظيفته، وكانت له محاسن عديدة، وقام في مواطن محمودة، ونصيحته لمن يخدمه مشهورة، وعنوان شعره ما كتبه للملك الظاهر من دمشق لما تخلف مع منطاش: يقبل الأرض عبد بعد خدمتكم ... قد مسه ضرر ما مثله ضرر والشغل يقضى لأن الناس قد ندموا ... إذ عاينوا الجور من منطاش ينتشر والله إن جاءهم من عندكم أحد ... قاموا لكم معه بالروح وانتصروا وقرأت بخط ابن القطان وأجازنيه أنه قرأ على الشيخ بهاء الدين بن عقيل، وعلى الحاوي في الفقه وفي ألفية ابن مالك حتى صار يعرب في القرآن وأنا حاضر والشيخ فخر الدين الضرير فيجيد ذلك، وكان والده قد حرص على أن يكون عالماً فشغلته الخدمة عن التمهر في ذلك، وكان واسع الجاه لكنه لا يملك نفسه عند الغضب وتصدر منه أمور صعبة رحمه الله تعالى. محمد بن محمد بن داود بن حمزة بن أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمرو المقدسي الصالحي الحنبلي ناصر الدين، ولد سنة ثمان وسبعمائة وأحضر على محمد بن علي بن عبد الله النحوي جزء ابن ملاس وسمع على عم أبيه التقي سليمان شيئاً كثيراً وغيره وأجاز له الكمال إسحاق النحاس وأولاد ابن العجمي الثلاثة وتفرد بالرواية عنهم مات في رجب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 محمد بن أبي المكارم محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسني الفاسي ثم المكي المالكي، سمع على الزين بن علي الأسواني والجمال المطري، وأجاز له ابن الرضى وزينب بنت الكمال ويحيى بن المصري وآخرون، وكان صالحاً له عناية بالعلم ومعرفة بالأدب، وله نظم كثير، وقد حدث بمكة. محمد بن محمد المليحي تاج الدين يعرف بصائم الدهر، ولي نظر الأحباس والجوالي والحسبة، وخطب بمدرسة السلطان حسن، مات في صفر، وكان ساكناً قليل الكلام جميل السيرة. محمد بن مقبل التركي، تفقه في صباه وأحب مذهب الظاهرية فتظاهر به، وكان يحف شاربه ويرفع يديه في كل خفض ورفع، وكتب بخطه كثيراً جداً. محمد بن موسى بن رقطاي الناصري ناصر الدين، أحد أمراء العشراوات، كان أبوه نائب السلطنة، وكان الولد نجيباً سريا جميل الصورة ضخماً خيراً، يحب سماع الحديث ويحضر عنده المشايخ في داره فتجتمع الطلبة عنده ويحسن إلى الشيخ عند ختم الكتاب وللقاريء سمعنا بمنزله على بعض شيوخنا، ومات في ذي القعدة منها. مراد بن اورخان بن أردن علي بن عثمان بن سلمان بن عثمان التركماني صاحب الروم يقال إن أصلهم من عرب الحجاز وكان أول من نبه منهم سلمان فكان يغزو ومعه نفر من المطوعة وكان شجاعاً بطلاً فاشتهر بذلك وكثر أتباعه ثم مات، فقام ابنه عثمان مقامه، وفتح برسا واستوطنها في حدود الثلاثين ثم مات، فقام ابنه عثمان مقامه، وفتح برسا واستوطنها في حدود الثلاثين ثم قام ابنه أردن على مقامه فأربى على أبيه في الجهاد، وقرب العلماء والصلحاء وعمر الخوانك والزوايا ثم مات، فقام ابنه أورخان مكانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 ثم مات، فقام ابنه مراد فركب البحر ونازل ما وراء خليج القسطنطينة وأذلهم حتى بذلوا له الجزية ونشر العدل في بلاده، ولم يزل مجاهداً في الكفرة حتى اتسعت مملكته، ومات في حرب وقعت بينه وبين الكفار وعهد لابنه أبي يزيد، وكانت مدة مملكته عشرين سنة. يحيى بن محمد بن علي الكناني العسقلاني أمين الدين الحنبلي، عم شيخنا عبد الله ابن علاء الدين، سمع الميدومي وغيره وحدث، ورأيته ولم يتفق لي أن أسمع منه. يوسف بن أبي عبد الله محمد بن يوسف بن إسماعيل أبو الحجاج ابن الأحمر صاحب غرناطة وليها في سنة 2000. أبو الفرج القبطي موفق الدين، ولي نظر الخاص وأضيف إليه نظر الجيش فباشرهما أحسن مباشرة، ثم ولى الوزارة فلم يحمد فيها وكان يسكن مصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 سنة سبع وتسعين وسبعمائة استهلت السنة والغلاء موجود وبلغ سعر القمح إلى سبعين، ثم انحط في ربيع الآخر إلى ستة وستين درهماً، وفي المحرم توجه غلمان أحمد بن أويس وحريمه إلى بغداد، وفي السابع منه دخل السلطان إلى دمشق فأقام بها عشرة أيام بعد أن قبض على عدة من الأمراء بحلب، وهرب آل مهنا في البرية وشكا بعض العامة من القاضي الشافعي شهاب الدين الباعوني فعزله السلطان وقرر علاء الدين ابن أبي البقاء، ودخل الحاج في الثالث والعشرين من المحرم وأميرهم قديد ودخل حريم السلطان في خامس صفر وفيهن عدة من بنات الأمراء والناس بعضهم أبكار وبعضهن ثيبات ليختار السلطان منهن من يتزوج بها وكان خروجه من دمشق في سابع عشر المحرم وزار القدس في طريقه وتصدق به وبالخليل بمال كثير ودخل غزة في ثالث عشرين المحرم فأقام بها إلى ثالث صفر، ودخل جمال الدين الاستادار ورخص السعر بعد دخوله قليلاً، ثم رجع بسبب الرمايات وتزايد الظلم من المباشرين، ووقع بعض وباء، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 ودخل السلطان القاهرة وزار والده في مدرسته خامس عشر صفر، ثم جاء النيل الجديد وبلغ في آخر السنة إلى عشرين ذراعا وبعض ذراع، ومع ذلك فلالأسعار في ازدياد إلى أن بلغ القمح ثمانين درهماً كل أردب، والحمص والشعير بخمسين، والفول أربعة وخمسين، والتبن كل حمل بعشرة، وفي استقر فارس في الحجونية عوضاً عن بتخاص لاستقراره في نيابة الكرك، وفيه استعفى سودون النائب من النيابة لمرض تغير منه حاله لكبره، فأعفي وأعطي خبره لبعض الأمراء ورتب له رواتب، وأقام في داره، وفيه أمر علاء الدين الوالي طبلخاناه ورتب حاجباً، واستقر أخوه محمد نائباً عنه في الولاية، وفيه أمر شيخ المحمودي الذي صار بعد ذلك سلطاناً أربعين، وأمر نوروز تقدمة ألف، وعمل السلطان المولد في ليلة الجمعة ثامن شهر ربيع الأول. وفيها بدأ الظاهر بشرب الشراب التمربغاوي وصفته أن يعمل لكل رطل زبيب أربعون رطل ماء ويدفن في زبل الخيل إلى أن يشتد ولم يكن الظاهر قبل ذلك يتظاهر بشرب المسكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 وفيها وقع بين الشيخ شرف الدين يعقوب ابن الشيخ جلال الدين التباني وبين الشيخ مصطفى القرماني شيخ المدرسة الفخارية بحث وقع من الشيخ مصطفى في حق إبراهيم الخليل عليه السلام شيء أنكره الشيخ شرف الدين، وتفصيل ذلك أن الشيخ جلال الدين لما مات رام الشيخ شرف الدين أن يستقر مكان أبيه فغلب عليه مصطفى واستقر فيها فبقي في نفسه، فاتفق أنه ظفر بشرح مقدمة أبي الليث جمع مصطفى المذكور فوجده ذكر في دليل كراهة التوجه عند البول إلى الشمس والقمر: أنهما معظمان، ولذلك قال إبراهيم الخليل لما رأى الشمس بازغة " قال هذا ربي " فقال شرف الدين: هذا كفر وبالغ في التشنيع على مصطفى، فشكا امره إلى قديد الحاجب فأهان الشيخ شرف الدين، فلما وصل السلطان وقف إليه الشيخ شرف الدين وطلب منه أن يعقد لهما مجلساً، فأجابه وأحضر القضاة والعلماء وشيخ الإسلام سراج الدين، فادعى شرف الدين على مصطفى أنه وقع في حق الخليل عليه السلام فقال في كلام له فيما ادعاه عليه إنه قال: ولا يبول أحد في الشمس والقمر لأنهما عبدا من دون الله، وذكر إبراهيم في قوله " فلما رآ القمر بازغاً " ووقع اللغط فالتفت السلطان إلى القضاة يستفتيهم، فقال له ابن التنسي القاضي المالكي: إن حكمتني فيه ضربت عنقه، فبادر أكثر الأمراء وسألوا السلطان أن يحكم فيه القاضي الحنفي، فأجابهم فكشف الحنفي رأسه وأرسله إلى الحبس ثم أحضره بعد ثلاثة أيام فضربه وحبسه ثانية، ثم أفرج عنه بعد أن حكم بإسلامه؛ وكان ذلك في شهر ربيع الأول. وفيها وقع الوباء ببغداد فخلا منها أكثر أهلها فدخل سلطانها إلى الحلة فأقام بها وأعقب الوباء غلاء فلذلك تحول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 وفيها وقع بين طقتمش خان وبين تمرلنك وقائع كان النصر فيها لتمرلنك وجهز ولده لقمان إلى كيلان فملكها وفر طقتمش خان إلى بلاد الروس، ثم توجه إلى القرم فملكها، ثم إلى كافا فملكها أيضاً وخربها، ووصلت رسل الملك الظاهر إليه المجهزون إلى طقتمش خان في آخر هذه السنة بهذه الأخبار في ذي الحجة ورئيسهم طولو فذكر أن اللنك طرفة بعد قدومهم بيسير فخامر جماعة من أصحاب طقتمش خان فانكسر وهرب طولو إلى يراي، ثم توجه إلى القرم، ثم إلى الكفا، ثم توجه منها إلى شمعون، فبلغهم أن اللنك غلب على القرم ونزل على الكفا وحاصرها وفتحها وتوصل طولو حتى دخل القاهرة. وفي شهر ربيع الأول منها ابتدأ جمال الدين محمد الاستادار في الخمول فإنه شكا إلى السلطان قلة المتحصل وكثرة المصروف فرافع فيه بعض المباشرين فأمر السلطان بمصادرته على خمس مائة ألف دينار، ثم استشفع إلى أن قررت مائة وخمسين ألف دينار بعد أن ضربه ثم خلع عليه، وفيه شكا شخص نصراني بعض نواب الحكم وهو شمس الدين محمد بن شهاب الدين أحمد الدفري للسلطان فضربه بحضرته بطحاً ورسم عليه، وتألم الناس له. وفي رابع شعبان حضر الظاهر مجلس دار العدل بعد تعطلها ثلاث سنوات ونصف. وفي شوال غير الظاهر الحكم بين الناس من يومي الأحد والأربعاء إلى يومي السبت والثلاثاء وخص الأحد والأربعاء بالشرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 وفيها اعتنى السلطان بأمر البريد فجهز الخيول اللائقة بذلك وفرضها على الأمراء، فعلى كل مقدم عشرة أكاديش وعلى الطبلخاناه كل واحد اثنين وعلى العشراوات كل واحد واحداً فجهزت على ذلك الحكم. وفيها كانت الوقعة بين الفرنج وصاحب غرناطة، فقتل من الفرنج مقتلة عظيمة ونصر الله المسلمين، وذلك أن الفرنج نازلت غرناطة فاستعان ابن الأحمر بصاحب فاس المريني، فسار إليه في عساكره إلى جبل الفتح فتقهقر الفرنج لمجيئه ووقعت الحرب. وفيها كانت الوقعة بين نعير والتركمان، فقتل من نعير جماعة من أصحابه ومات كثير من جماله، فرحل نعير إلى القاهرة، ودخل إلى السلطان وفي رقبته منديل فعفا عنه السلطان وخلع عليه، ثم قدم ولده عمر إلى السلطان فعفا عنه ثم قبض عليه وسجن بالإسكندرية. وفيها حضر قاصد الملك الصالح صاحب ماردين يبذل الطاعة للملك الظاهر فأرسل له تقليداً وخلعة. وفيها ترافع شهاب الدين المالقي ترجمان الإسكندرية وزين الدين الموازيني مدولب دار الضرب بها إلى السلطان فصادرهما على ألف ألف درهم فضة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 وفيها ضرب يلبغا الزيني والي الأشمونين بالمقارع بحضرة السلطان لكثرة ما شكاه أهل البلاد التي كان كاشفها. وفيها في ربيع الآخر قدم سلطان شاه ولد جلال الدين حسن ابن أويس إلى القاهرة وهو ابن أخي أحمد الذي كان قدم قبل ذلك بمدة فأكرمه الظاهر ثم طلق بنت عمه وأمره أن يتزوجها فتزوجها، وكان أبوه صاحب تبريز وكان قدومه بأمر عمه لأنه بلغه أنه قبض على جماعة من أقاربه وأصحابه فأقام بالقاهرة، وقدم مسعود من محمد الكححاني من تبريز هارباً من تمر فيما زعم، ثم ظهر بعد مدة بأنه جاسوس من قبل اللنك ولم يفطن له حينئذ. وفيها حضر طولو الذي كان توجه رسولاً إلى طقتمش خان، وذلك أن اللنك وصل إليهم بعد قدومه بيسير، فذكر ما تقدم وهرب طولو إلى سراي. وفيها وقع الخلف بين ملوك الروم، وذلك أن مراد بن عثمان لما قتل في السنة الماضية عهد لابنه أبي يزيد بالمملكة، وأمر بقتل ابنه الآخر صوجي لأن أمه أمة نصرانية فقتل، فبلغ ذلك ملوك الروم وكانت منقسمة بيد ستة ملوك منهم ابن قرمان وعيسى بك وغيرهما، فاجتمعوا وحاربوه وكانت النصرة له، وأسر الجميع فأوقفهم بين يديه ولم يعاقب منهم سوى عيسى بك الملك أبا سلوق وكان عريقاً في المملكة لديه علم، ثم أفرج عنهم جميعاً وأمرهم أن يتوجهوا بأحمالهم وأهاليهم وأموالهم إلى أن أنزلهم بمدينة أربك ولم يتعرض لشيء مما معهم، وولى في ممالكهم أناساً من جهته إلا ابن قرمان، فإن أخته كانت تحته فشفعت فيه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 ثم لما استقرت قدمه في المملكة عمر جامع برصا ورخمه من ظاهره وباطنه وجعل الماء في سطحه ينزل منه فيجري في عدة أماكن، وعمر المارستان وأنشأ نحو ثلاثمائة غراب وملأها بالأسلحة والأزودة فصارت بحيث أراد أن يركبها خرجت في يومها، ورتب بالساحل من يعمل الأزودة دائماً بحيث لا يتعذر عليه إذا أراد الغزو شيء، واشتهر بالجهاد في الكفار حتى بعد صيته وكاتبه الظاهر وهادنه وأرسل إليه أميراً بعد أمير ولم يبق أحد من الملوك حتى كاتبه وهاداه، حتى كان الظاهر يخاف من غائلته ويقول: لا أخاف من اللنك فإن كل أحد يساعدني عليه وإنما أخاف عثمان وسمعت ابن خلدون مراراً يقول: ما يخشى على ملك مصر إلا من ابن عثمان، ولما مات الملك الظاهر كثرت الأراجيف بأنه سيقدم لأخذ مصر، ثم قدر أن اللنك لما دخل الشام ورجع تعرض لمملكة ابن عثمان، فلم يزل يكايده حتى طرقه وأسره ومات في أسره قاتله الله، وسأذكر شيئاً من أخياره وسيرته في سنة وفاته إن شاء الله تعالى. وفيها استقر يلبغا السالمي علي سعيد السعداء فقطع منها جماعة من الأغنياء وعمل فيها بشرط الواقف، وشدد في ذلك حتى قال فيه الشاعر: يا أهل خانقة الصلاح أراكم ... ما بين شاك للزمان وسالم يكفيكم ما قد أكلتم باطلاً ... أوقافها وخرجتم بالسالمي ثم جمع السالمي القضاة والمشايخ وقرأ عليهم شرط الواقف وسألهم عن الحكم الشرعي في ذلك، فطال بينهم النزاع فتكلم زين العابدين القمني، وكان ممن أخرج منها بكلام كثير ثم تكلم شهاب الدين العبادي موقع الحكم، وأحد الفضلاء الحنفية فبسط لسانه في السالمي، وافترق المجلس فأشاع العبادي أن السالمي قال لمن شفع عنده في بعض من أخرجه: لو جاء جبريل وميكائيل يشفعان عندي في العبادي ما قبلتهما! وأكثر من الشناعة عليه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 فاتفق أن السالمي لقي العبادي ماشياً عند الركن المخلق فنزل عن فرسه وأمسك كمه وقال له: طلبتك إلى الشرع، فقال العبادي: بل أتوجه معك إلى السلطان فجره بكمه، فقال له: كفرت! ثم دخلا المدرسة الحجازية وحضرهما ابن الطبلاوي وغيره فكثر بينهما الكلام ففض ابن الطبلاوي المجلس وقال للسالمي: متى طلبت الشيخ شهاب الدين أحضرته لك، وطلع يلبغا إلى السلطان وسأله في عقد مجلس، فعقد له في ثامن رجب، فادعى السالمي على العبادي أنه كفره، فأنكر، فأقام عليه البينة، فحكم المالكي بتعزيره، وعزله الحنفي من نيابته، ثم اختلفوا في صورة تعزيره، فقال علاء الدين ابن الرصاص قاضي القدس الحنفي التعزير للسلطان فانفض المجلس، ثم أرسله إلى الحنفي فكشف رأسه قدام السلطان وأمر بإخراجه كذلك إلى حبس الديلم ثم إلى حبس الرحبة ثم ضرب بحضرة ابن الطبلاوي تسعاً وثلاثين ضربة تحت رجليه وهما في القلعة، ثم شفع الشيخ سراج الدين البلقيني فيه عند السالمي فأفرج عنه. وفي رجب استقر تاج الدين الميموني شيخ القوصونية عوضاً عن الشيخ نور الدين الهوريني، وفي شعبان أعاد السلطان على موادع الأيتام ما كان افترضه منهم عند توجهه إلى السفرة المقدم ذكرها، وفي حادي عشر شعبان أعيد القاضي صدر الدين المناوي إلى القضاء وصرف بدر الدين ابن أبي البقاء، ونزل الصدر في موكب حافل ومعه أكثر الأمراء وكان برهان الدين المحلي كبير التجار قد تعصب له وسعى إلى أن التزم عنه بمال جزيل. وفيه أحضر من دمياط قطعة من مخ سمكة يدخل في كل عين منها رجل ضخم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 وفيه توجه جماعة من الأمراء الكبار إلى الصعيد لتمهيد العربان به فكسبوا على جماعة ما بين النويرة إلى ببا، وأمسكوا نحو خمسمائة نفس وخمسين فرساً أو أكثر ورجعوا، فأمر السلطان بحبس المأسورين في الخزانة؛ وذلك في رمضان. وفيه توجه تاج الدين ابن أبي شاكر الذي ولي الوزارة إلى الشام وزيراً وصرف بدر الدين الطوخي. وفي رمضان استقر شرف الدين الماميني في الحسبة بالقاهرة عوضاً عن ابن البجي، وفيه حج بعض ملوك البربر فعظمه السلطان، وكان يلازم اللثام ومعه ترجمان مغربي، وقدم السلطان هجينيين أبيضين عجيبين. وفي تاسع شوال أوفي النيل موافقاً لثالث مسرى واتفق أنه زاد في ثمانية أيام قريباً من ثمانية أذرع منها في بعض الأيام اثنان وستون أصبعاً ولم يعهد مثل ذلك منذ دهر. وفيها وصلت طائفة من التتر إلى بلاد التركمان من جهة اللنك، فوقع بينهم وبين قرا يوسف بن قرا محمد التركماني وقعة انتصر عليهم فيها وكانوا نحو العشرين ألفاً. وفيها وضع المنبر الذي جهزه السلطان برقوق وحج بالناس فيها محمد بن الأمير أيتمش ويقال له: جمق، وأزيل المنبر الذي وضعه الظاهر بيبرس فجعل في حاصل الحرم بعد أن أقام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 مائة سنة واثنتين وثلاثين سنة، وكان السبب في ذلك أن الأرضة كانت قد أثرت فيه كثيراًن فنقل ذلك للسلطان فأمر بعمل منبر جديد وجهزه في هذه السنة. وفيها كانت الوقعة بيت تمرلنك وبين طقتمش خان فدام القتال ثلاثة أيام، ثم انكسر طقتمش خان ودخل بلاد الروس واستولى تمرلنك على القرم وحاصر بلد كافا ثمانية عشر يوماً ثم استباحها وخربها. وفيها وقع بين بني حسن وقواد مكة وقعة في الوادي بمر، فقتل علي بن عجلان أمير مكة في المعركة فأفرج السلطان عن حسن بن عجلان في ذي القعدة وقرره في سلطنة مكة وخلع عليه وأذن له في لحاق الحاج، وأرسل صحبته يلبغا السالمي فسافرا في السابع من ذي القعدة. وفي أواخر ذي القعدة عاد السلطان استاداره جمال الدين في بيته بالموارثين، فقدم له تقادم كثيرة فأخذ بعضها ورذ الباقي، وفي أواخر هذه السنة رحلت إلى ثغر الإسكندرية فسمعت بها من تقي الدين ابن موسى آخر من كان بها يروي حديث السلفي بالسماع المتصل، وسمعت من جماعة من أصحاب ابن الصفي وطبقته، وأقمت بها إلى أن رحلت هذه السنة ودخل في التي يليها عدة أشهر. وانتهت زيادة لنيل إلى أصابع من عشرين ولم يزدد الأمر إلا شدة ولا السعر إلا غلو فبلغ القمح ثمانين درهماً، قيمتها من الذهب أكثر من ثلاثة مثاقيل، والفول والشعير أربعة وخمسين، والتبن عشرة الحمل، والأرز كل قدح درهمين، والخبز درهمين كل رطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 ذكر من توفى من الأعيان سنة سبع وتسعين وسبعمائة إبراهيم بن داود الآمدي ثم الدمشقي أبو محمد نزيل القاهرة، أسلم على يد الشيخ تقي الدين ابن تيمية وهو دون البلوغ، وصحبه إلى أن مات، وأخذ عن أصحابه، ثم قدم القاهرة فسمع بطلبه بنفسه من أحمد ابن كشتغدي والحسن بن عبد الرحمن الأربلي وشمس الدين ابن السراج الكاتب وإبراهيم ابن الخيمي وأبي الفتح الميدومي ونحوهم وكان شافعي الفروع حنبلي الأصول ديناً خيراً متألهاً، قرأت عليه عدة أجزاء، وأجازني قبل ذلك، قلت له يوماً: حال القراءة رضي الله عنكم وعن والديكم، فنظر إلي منكراً ثم قال: ما كانا على الإسلام. إبراهيم بن عدنان بن جعفر بن محمد بن عدنان الحسيني برهان الدين نقيب الأشراف بمشق، مات في ذي الحجة وقد جاوز الثمانين لأنه ولد في ليلة الثاني من ربيع الأول سنة سبع عشرة، وكان رئيساً نبيلاً، ولي الحسبة في دمشق فحمدت سيرته، وهو والد المسند علاء الدين كاتب السر بدمشق، وقد ولي الحسبة بها مرة، وله سماع من أبي بكر ابن بحيرا. إبراهيم بن علي بن منصور الحنفي أخو القاضي صدر الدين كان يتعانى الشهادة، وولي قضاء بعض البلاد الشمالية، ثم ولي الحسبة مدة، وكان لا بأس به قال ابن حجي، قال: ومات في ربيع الأول. إبراهيم بن محمد القلقشندي جمال الدين أخو بدر الدين أمين الحكم، وكان جمال الدين موقع الحكم ومباشر أوقاف الحرمين وغيرها؛ مات في شعبان عن ستين سنة. أحمد بن الحسن بن الزين محمد بن محمد بن القطب القسطلاني ثم المكي شهاب الدين، سمع من عيسى الحجي والنجم الطبري وغيرهما، وحدث وتكسب بكتب الوثائق، مات في رجب بطريق مكة عن نحو من سبع وسبعين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 أحمد بن علي بن عثمان الفيشي المصري شهاب الدين الضرير المقرئ، أتقن القراآت على الشيخ تقي الدين البغدادي وغيره مات في صفر. أحمد بن عمر بن يحي بن عمر بن يحي الكرجي شهاب الدين الدمشقي، ولد في صفر سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وأحضر على الحجار وحدث عنه، مات في المحرم. أحمد بن ...... البشبيشي والد صاحبنا جمال الدين عبد الله، قرأت بخطه أنه ولد سنة عشرة وسبعمائة، قال: ومات في سابع عشر ذي الحجة سنة 797. إسماعيل بن شعبان بن حسين بن محمد بن قلاون زين الدين ابن الملك الأشراف، مات في رمضان. الطنبغا بن عبد الله الأشرفي أحد الأبطال المشهورين، مات مسموماً بحلب. بديع بن نفيس التبريزي صدر الدين الطبيب، قدم القاهرة وخدم الظاهر فرتبه في رياسة الطب شريكاً لعلاء الدين بن صغير، ومات في ربيع الأول. أبو بكر بن عبد الله البجائي ثم المصري، قدم من بلاده واشتغل بالعلم، وقرأ المدونة وحصلت له جذبة فانقطع بقرب الجامع الأزهر بالأبارين، وكان للناس فيه اعتقاد يفوق الوصف، مات في سادس جمادى الآخرة ودفن بتربة الظاهر بجانب الشيخ طلحة، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري: كانت له جنازة عظيمة كيوم العيد أو الاستسقاء أو أكثر. أبو بكر بن عبد الله الموصلي ثم الدمشقي نزيل دمشق، اشتغل بالفقه والحديث ونظر في كلام الصوفية، مات في القدس في شوال وقد جاوز الستين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 قال ابن حجي: قدم من الموصل وهو شاب فكان يتكسب من الحياكة ويشتغل في أثناء ذلك بالعلم ويعاشر الصوفية، ولازم الشيخ قطب الدين مدة، وأدمن النظر في الحديث فعلق بذهنه شيء كثير منه، ثم اشتهر أمره وصار له أتباع وعلا ذكره وبعد صيته وتردد إليه الأكابر وحج مراراً، ثم اتصل أمره بالسلطان فبالغ في تعظيمه وزاره في داره بالقدس وصعد إليه إلى العلية وأمر له بمال فأبى أن يقبله، وكان يكاتب السلطان بالشفاعات الحسنة فلا يرده، وكان الشهاب الزهري ممن يلازم حضور مجلسه ويبالغ في تعظيمه، وكذلك الشيخ شمس الدين الصرخدي، ومن طريقته أنه لا يعامل أحداً من أصحابه ولا يأكل بعضهم لبعض شيئاً ولا لغيرهم، وكان يتكلم على الناس فيبدئ الفوائد العجيبة والنكت الغريبة، وكان يشغل في التنبيه ومنازل السائرين، وكان والده عبد الملك يذكر عنه أنه قال: كنت في المكتب ابن سبع سنين فربما لقيت فلساً أو درهماً في الطريق فأنظر أقرب دار فأعطيهم إياه، فأقول لقيته قرب داركم وله نثر ونظم. أبو بكر محمد بن عيسى بن أبي المجد البعلي الأنصاري، قاضي بعلبك، مات في المحرم. بلاط بن عبد الله المنجكي، أحد الأمراء بالقاهرة، مات في هذه السنة من شوال. حمزة بن علي بن يحيى بن فضل الله العدوي عز الدين ابن كاتب السر، كان في حياة أبيه يلبس بالجندية، ثم ناب عن أبيه في كتابة السر ثم عن أخيه، وكان أكبر موقعي الدست، ومات بعده بدمشق يوم تاسوعاء، أنشدني عيسى بن حجاج لنفسه لما بلغه موت حمزة بعد موت أخيه بدر الدين: قضى البدر بن فضل الله نحبا ... ومات أخوه حمزة بعد شهر فلا تعجب لذا الأجلين يوماً ... فحمزة مات حقاً بعد بدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 وكان حسن الوجه، كثير التجمل، وكان بعد موت أخيه قد عين لكتابة السر، وقرأ على الظاهر الكتب والقصص فبغته الموت وانقضى به بيتهم. خليل بن محمد بن عبد الله الأقباعي الحلبي عتيق شهاب الدين ابن العجمي، سمع من إبراهيم ابن العجمي، ومات في شوال. رشيد بن عبد الله الهبي بضم الهاء وتشديد الموحدة وكان من أكابر الكارم، ثم رق حاله ومات في جمادى الأولى، وكان محباً في الصالحين. سعيد بن نصر بن علي الشريف الحنبلي، كان من قدماء الفقهاء بدمشق، أفاد ودرس وأفتى وحدث، ومات في المحرم عن نيف وستين سنة. عبد الله بن فرج بن كمال الدين النويري المصري جمال الدين، أحد نواب المالكي، مات في ربيع الآخر. عبد الرحمن بن أسعد اليافعي، ولد الشيخ عفيف الدين اشتغل بفنون من العلم وحفظ الحاوي، وكانت تعتريه حدة وفيه صلاح وله شعر فمنه: ألا إن مرآة الشهود إذا انجلت ... أرتك تلاشي الصد والبعد والقرب وصانت فؤاد الصب عن ألم الأسى ... وعن ذلة الشكوى وعن منة الكتب وله سماع من أبيه، وبالشام من ابن أميلة، وبمصر من البهاء ابن خليل، مات غريقاً بالرحبة بين الشام والعراق، وله ست وأربعون سنة لأنه كان لزم السياحة والتجريد. عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الخير الشماخي الزبيدي محدث زبيد، مات في شعبان، أخذ عنه نفيس الدين العلوي وغيره. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد الإسفراييني الصوفي نور الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 بن أفضل الدين ولد سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وكان عارفاً بالفقه والتصوف، وله أتباع ومريدون، وقد حدث بالمشارق عن عمر بن علي القزويني عن أحمد بن غزال الواسطي عن الصغاني بالسماع وعن صالح ابن الصباغ إجازة عن الصغاني إجازة، وهو القائل: زعم الدين تشرقوا وتغربوا ... أن الغريب وإن أعز ذليل فأجبتهم أن الغريب إذا اتقى ... حيث استقل به الركاب جليل مات وله خمس وسبعون سنة. عبد الواحد بن ذي النون بن عبد الغفار بن موسى بن إبراهيم تاج الدين الصردي، سمع من علي بن عمر الواني جزء سفيان بن عبينة وصحيح مسلم بفوت، وولي القضاء بعض بلاد الريف، مات في جمادى الآخرة سمعت منه جزء سفيان وقليلاً من الصحيح. علي بن عبد الله البندقداري الشافعي، مات في رجب. علي بن عبد الرحمن بن عبد المؤمن الهوريني نور الدين، سمع من ال زين بن علي الأسواني الشفاء للقاضي عياض، وحدث عنه وعن الوادي آشي، وقد ولي أبوه القضاء بالمدينة، وولي مشيخة خانقاه قوصون وكان مشكوراً، وتزوج بنت القاضي فخر الدين القاياتي، وعاش القاياتي بعده مدة، ولم أجد لي عنه سماعاً ما واستبعد أن يكون أجاز لي وناب في الحكم وولي أمانة الحكم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 مات في رجب، واستقر عوضه في مشيخة القوصونية تاج الدين عبد الله بن الميموني، وكان قد حفظ كتباً منها الشفاء والمقامات والإلمام وعرضها. علي بن عبد الرحمن الخراساني، أحد العباد، أقام ببغداد مدة، وللناس فيه اعتقاد كبير، ثم وصل إلى القاهرة في ربيع الآخر فمات بها في هذه السنة. علي بن عجلان بن رميثة بن أبي نمي بن أبي سعد بن الحسن بن قتادة بن أدريس الشريف أبو الحسن الحسني أمير مكة وابن أميرها، ولي في أول شعبان سنة تسع وثمانين، فامتنع عنان من تسليم الأمر إليه وتقاتلوا في سلخ شعبان، فقتل كبيش بن عجلان وجماعة، ومضى إلى مصر فاستقر شريكاً لعنان ففر عنان إلى نخلة فتبعه علي فتقاتلوا فقتل مبارك بن عبد الكريم واستمر عنان بوادي مر وتوجه حسن بن عجلان إلى مصر، فأخذ عسكراً من الترك ورجع إلى أخيه، ثم وقع بينه وبين أخيه وشاركه محمد، ثم استقر عنان في نصف الإمرة وأن يكون القواد مع عنان والأشراف مع علي بن عجلان وأن يقيم كل منهما بمكة ماشياً ولا يدخلها إلا لضرورة فلم يتمش لهم حال ونهب ركب اليمن وبعض المصريين، ثم آل الأمر إلى أن اجتمعا بمصر وأجلس علي فوق عنان وأعطي الظاهر علياً مالاً وخيلاً ومن الفول والشعير شيئاً كثيراً، فرجع إلى مكة وسار سيرة حسنة، ولكن أفسد الأشراف بجدة فساداً كبيراً، ثم نازعه أخوه حسن، وتوجه إلى مصر ليلي أمر مكة فقبض عليه وعلى علي بن مبارك فلم ينشب علي أن قتل، قتله كردي أبن عبد الكريم بن معيط وجماعة من آل بيتهم وهربوا فخرجوا إليه ودفنوه بالمعلى، وذلك في شوال، واستقر بعده أخوه حسن، وكان علي شاباً جميل الصورة كريماً عاقلاً رزين العقل واستقر في إمرة مكة بعده أخوه حسن بن عجلان فطالت مدته كما سنذكره. علي بن محمد الركاب الحنفي، ناب في الحكم، مات في رجب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 علي بن محمد القليوبي ثم المصري، أحد المهرة في مذهب الشافعي كان بالشيخونية، مات في رجب أيضاً. عمر بن محمد بن أبي بكر الكومي سراج الدين ولد في صفر سنة 714 سمع بدمشق من أحمد بن علي الجزري، وعلي ابن عبد المؤمن بن عبد وغيرهما، وحدث ومات بمصر وقد جاوز الثمانين ولم يتهيأ لي السماع منه مع حرصي على ذلك. عيسى بن غانم المقدسي، مات بها في شوال. محمد بن أحمد بن سلامة المصري المعروف بابن الفقيه، أحد فضلاء المالكية، مات في ربيع الأول. محمد بن أحمد بن علي بن عبد العزيز المهدوي ثم المصري، البزاز بسوق الفاضل أبو علي بابن المطرز، سمع من ألواني والحبتي والدبوسي، وحدث بالكثير وأجاز له اسماعيل بن مكتوم والمطعم ووزيره وأبو بكر بن عبد الدائم وغيرهم من دمشق، قرأت عليه الكثير، ومات في جمادى الأولى. محمد بن أحمد بن عيسى بن عبد الكريم بن عساكر بن سعد بن أحمد بن محمد بن سليم بن مكتوم السويدي الأصل القيسي الدمشقي بدر الدين، ولد سنة بضع وأربعين وعني بالفقه والعربية وتصدى للتدريس والإفتاء، وحدث عن عبد الرحيم بن أبي اليسر بالحضور، قال ابن حجي: ورأيت له سماعاً في سنة خمس وخمسين وسبعمائة علي أحمد وعلي ابني إبراهيم ابن علي الصهيوني؛ وكان يقرأ البخاري في رمضان بعد الظهر، وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 يفتي في الآخر، ودرس بأماكن، وكان خيراً ديناً له عبادة، وكان يستحضر الحاوي إلى آخر وقت مع الإحسان إلى الطلبة والبر للفقراء والصلة لأقاربه والتقلل في خاصة نفسه والانجماع عن الناس، وجرى على طريقة السلف في شراء الحوائج بنفسه وحملها، مات في جمادى الآخرة عن خمس وخمسين سنة. محمد بن برقوق بن أنس الأمير ناصر الدين ابن الملك الظاهر، ولد وأبوه أمير فأعطاه أبوه أقطاع بركة بعد مسك بركة وهو ابن شهر واحد، ثم حصل له في رجله داء الخنزير فأعيا الأطباء إلى أن مات في ذي الحجة هذه السنة، وأسف أبوه عليه أسفاً كثيراً. محمد بن عبد الدائم بن محمد بن سلامة الشاذلي ناصر الدين ابن بنت الميلق، سمع من أحمد بن كشتغدي وأحمد بن محمد الحلبي وغيرهما من أصحاب النجيب وغيره، واعتنى بالعلم وعانى طريق التصوف، وفاق أهل زمانه في حسن الأداء في المواعيد وإنشاء الخطب البليغة، وقال الشعر الرائق، والتفت عليه جماعة من الأمراء والعامة إلى أن ولي القضاء فباشره بمهابة وصرامة، ولم يحمد مع ذلك في ولايته وأهين بعد عزله بمدة رأيته وسمعت كلامه ولم أسمع عليه شيئاً، ومات في أواخر جمادى الأولى أو أول جمادى الآخرة وقد جاوز الستين، قرأت بخط ابن القطان: كان شديد البخل بالوظائف، وكان أيام هو واعظاً خيراً من أيام هو قاضياً، كذا قال، استغفر الله. محمد بن عبد القادر بن عثمان بن عبد الرحمن بن أحمد الجعفري النابلسي شمس الدين، رعالم أهل نابلس، كان حنبلياً، وقد سمع الحديث من شمس الدين بن يوسف بإجازته من السبط، وسمع من ابن الخباز وغيره، وحدث وأفتى وانتفع به الناس، وكانت له عناية بالحديث ويقظة فيه، مات في شوال، وقد اختلط عقب وفاة ولده شرف الدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 محمد بن علي بن صلاح الحريري الحنفي إمام الصرغتمشية، سمع من الوادي آشي ومحمد بن غالي في آخرين، واعتنى بالقراآت والفقه، وأخذ عن قوام الدين الأتقاني وغيره، وله إلمام بالحديث، وناب في الحكم سمعت منه، ومات في رجب. محمد بن عمر القليجي الحنفي شمس الدين، موقع الحكم كان مزجى البضاعة في العلم إلا أنه داخل أهل الدولة وباشر الوظائف الجليلة مثل إفتاء دار العدل، وكان حسن الخط عارفاً بالوثائق، ناب في الحكم، ومات في رجب. محمد بن محمد بن أحمد بن سفري الحلبي شمس الدين، أصله من قرية من قرى عزاز ثم قدم حلب فسكن بانقوسا، واشتغل بحلب على أبن الأقرب، وأفتى ودرس، وكان ديناً عاقلاً، ولما وقعت الفتنة بين كمشبغا الحموي وأهل بانقوسا، وظفر بهم كمشبغا أراد أذية شمس الدين ابن سفري هذا فمنعه منه القاضي كمال الدين ابن العديم، وأنزله بالمدرسة الجاولية فصار مدرساً بها إلى أن مات ونشأ له ابنه شهاب الدين صاحبنا فقام مع جكم لما تسلطن وولاه نظر الجيش، فلما قتل جكم قبض عليه الملك الناصر وأقدمه مصر، فأقام بها مدة ثم نفاه الملك المؤيد بعد قتل نوروز إلى القدس، فأقام هناك إلى أن مات، وسيأتي ذكره في سنة وفاته. محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن حماد بن ثابت الواسطي ثم البغدادي غياث الدين بن صدر الدين بن محي الدين أبي الفضل المعروف بابن العاقولي الشافعي، مدرس المستنصرية ببغداد، ولد ببغداد في رجب سنة 732؛ واشتغل حتى انتهت إليه الرئاسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 في المذهب هناك مع التوسع من الدنيا، ودرس وأفتى وبرع في الفقه والأدب والعربية، وشارك في الفنون وشرح المصابيح وخرج لنفسه جزءأ حديثياً وأربعين حديثاً عن أربعين شيخاً، وشرح أيضاً منهاج البيضاوي والغاية القصوى له، وحدث بمكة وبيت المقدس وأنشد لنفسه بالمدينة: يا دار خير المرسلين ومن بها ... شغفي وسالف صبوتي وغرامي نذر علي لئن رأيتك ثانياً ... من قبل أن أسقى كؤوس حمامي لأعفرن على ثراك محاجري ... وأقول هذا غاية الأنعامي قال ابن حجي: كان بارعاً في علمي المعاني والبيان وفي أربعينه أوهام وأسقاط رجال من الأسناد ومع ذلك فكان عند أهل بلده أنه شيخ الحديث في الدنيا، وكان فهمه جيداً ونفسه قوية ويقال أنه كان مفرط الكرم، ولما نازل اللنك بغداد نهبت أمواله وسبيت حريمه فدخل الشام وحدث بها وكتبوا عنه من نظمه، فلما رجع أحمد بن أويس إلى بغداد رجع معه، فمات بعد وصوله بخمسة أشهر في صفر عن أربع وستين سنة، وكان عالماً فاضلاً ديناً حسن الشكل والأخلاق جواداً ممدحاً، وكان دخله في كل عام نحو خمسة آلاف دينار ينفقها في وجوه الخير؛ ذكر الأسنوي في طبقات الفقهاء وحدث الغياث بمكة والمدينة ودمشق وحلب وأقام بها قبل الحج عدة أشهر، وكان وقع بينه وبين أحمد ابن أويس وحشة ففارقه إلى تكريت، ثم توجه إلى حلب، وكان إسماعيل وزير بغداد بنى له مدرسة فأراد أن يأخذ الآجر من إيوان كسرى فشق على الغياث ذلك وقال: هذا من بقايا المعجزات النبوية، ودفع له ثمن الآجر من ماله ومن شعره: لا تقدح الوحدة في عارف ... صان بها في موطن نفسا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 فالليث يستأنس في غابه ... بنفسه أصبح أو أمسى أنست بالوحدة في منزلي ... فصارت الوحشة لي أنا سيان عندي بعد ترك الورى ... وذكرهم أذكر أم أنسي محمد بن أبي محمد الأقصرائي نزيل القاهرة، درس بمدرسة أيتمش للحنفية، ومات في جمادى الأولى، وهو والد صاحبنا بدر الدين محمود وأخيه أمين الدين يحيى. محمد بن أبي يعقوب القدسي شمس الدين نزيل جامع المقسي، كان ظاهر الصلاح من طلبة العلم، واختصر الاستيعاب وسماه الإصابة، وجمع مجاميع، وكان ينسب إلى غفلة وللناس فيه اعتقاد، مات في رمضان. محمد بن أبي محمد السملوطي بفتح المهملة وتخفيفها وتخفيف الميم وتخفيف اللام المضمومة كان يتعانى الصلاح وينقطع في التنظف، وكان لسودون النائب فيه اعتقاد، ولبعضهم فيه انتقاد، ومات في شهر رمضان أيضاً. محمد بن القيسراي أمين الدين وكيل بيت المال بدمشق، مات في ذي القعدة. معروف بن الشيخ إسماعيل بن إبراهيم الجبرتي ثم الزبيدي، مات في ربيع الآخر وفجع به أبوه. موسى بن أبي بكر بن سلار شرف الدين، أحد الأمراء بالقاهرة، مات في ذي الحجة. يوسف بن عبد الله النحريري جمال الدين المالكي، أحد الشهود المعروفين، مات في ذي الحجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 سنة ثمان وتسعين وسبعمائة فيها في المحرم تناقص سعر القمح إلى أن وصل إلى ستين، ثم طلع بسبب الرمايات إلى مائة وعشرة فعزل المحتسب نفسه فأعاده السلطان وأمره أن يرميه بمائة، وكثر أسف الناس لذلك، وآل الأمر في جمادى الأولى إلى أن عدم الناس الخبز سبعة أيام، واستسقى الناس بالجامع الأزهر، تقدمهم الشيخ سراج الدين البلقيني بسبب منام رآه بعض من يعتقد فيه الصلاح، فعجب أكثر الناس لموافقة الشيخ على ذلك لكنه بالغ في الدعاء والابتهال والتضرع وضج معه الناس في ذلك، وكانت ساعة عظيمة، وكان ذلك في نصف جمادى الأولى، فاتفق وصول غلال كثيرة في صبيحة ذلك اليوم فانحط السعر قليلاً، ثم ازداد الغلاء إلى أن سمر الوالي جماعة من الطحانين وضرب المحتسب أربعة منهم بالسياط وشهرهم، ولم يزدد الأمر إلا شدة، فعزل شرف الدين الدماميني واستقر شمس الدين البجاسي محتسباً في جمادى الآخرة، وفي ثامن ربيع الآخر عمل السلطان في كل يوم خبزاً يفرق على الفقراء والحبوس والزوايا نحو عشرين أردباً قمحاً، وحضر باب الأسطبل السلطاني نحو من خمسمائة فقير، ففرق السلطان فيهم، لكل نفر خمسون درهماً، فتسامع الفقراء بذلك فحضر في الجمعة المقبلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 ما لا يحصى عدده، فمنعوا من باب الأصطبل فازدحموا فمات منهم من الزحمة سبعة وأربعون نفساً، وأكثر السلطان في هذه السنة من الصدقات، ثم انحط السعر في جمادى الآخرة بعد أن بلغ مائة وسبعين فرجع كل إردب قمح إلى خمسين ثم ارتفع وعدم الخبز من الحوانيت مدة بسبب انقطاع الجالبين لأنهم كانوا قد خسروا، وتزاحم الناس على الأفران، فأمر السلطان علاء الدين ابن الطبلاوي أن يتحدث في السعر، ففعل ذلك فتزايد القحط، واختفى المحتسب وانتهى سعر القمح إلى مائة وعشرين ثم تراجع إلى الخمسين ثم عاد إلى الثمانين، ثم انحط وزاد النيل فأوفى في سابع ذي القعدة، ثم استقر إلى أن جاوز العادة في الزيادة وتأخر حتى خافوا فوات الزرع ثم فرج الله تعالى. وفيه استقر قلمطاي الدويدار ناظراً على المدرسة الظاهرية الجديدة، وفي المحرم بطل كشف الوجه البحري واستقر نيابة بتقدمة ألف واستقر فيها يلبغا الأحمدي، وفي صفر استقر نور الدين الجيزي المعروف بالعور محتسب القاهرة عوضاً عن شرف الدين الدماميني ثم عزل بعد أيام وأعيد شرف الدين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 وفي سادس صفر قبض على زوجتي محمود وولده محمد وكاتبه سعد الدين بن غراب وعوقوا بالقلعة، وحمل من دار محمود وهو ضعيف مائة ألف دينار وخمسون ألف دينار أخرجت من خبئتين في داره، وفي حادي عشريه استقر قطلوبك العلائي أستادار السلطان عوضاً عن محمود وكان قبل ذلك أستادار أيتمش، واستقر علاء الدين الطبلاوي أستادار الخاص عوضاً عن محمود أيضاً. وفيها استقر قديد الحاجب نائب الإسكندرية عوضاً عن مبارك شاه، واستقر مبارك شاه وزيراً، وفي هذا الشهر وصل اطلمش قريب تمرلنك فقبض عليه قرا يوسف التركماني صاحب تبريز فأرسله إلى الملك الظاهر فاعتقله، وكانت هذه الفعلة أعظم الأسباب في حركة تمرلنك إلى البلاد الشامية، كما سيأتي شرح ذلك، وفي ربيع الأول قبض على سعد الدين ابن كاتب السعدي وعلى ولده أمين الدين وسلما لابن الطبلاوي، ثم شفع فيهما فخلع عليهما ثم سلم له محمد بن محمود وأمر أن يستخلص منه مائة ألف دينار فيقال إنه عراه وأراد ضربه بالمقارع فخدعه بأن قال له: يا أمير! قد رأيت عزاً فزال فعزك أيضاً لا يدوم، فاستعفى ابن الطبلاوي منه فسلم لشاهين الحسني ثم أعيد إليه وتسلم والدته أيضاً، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 ثم قبض على محمود وسلم لابن الطبلاوي في جمادى الأولى، وشرع في تتبع ذخائر محمود إلى أن حصل للسلطان منها بعناية سعد الدين ابن غراب كاتب محمود، ودلالته ما ينيف على ألف ألف دينار ما بين ذهب وفضة وغير ذلك، ثم سلم محمود لفرج شاد الدواوين في جمادى الآخرة فعصره ثم تسلمه ابن الطبلاوي فعصره أيضاً فأصر على عدم البذل. وفيها استقر أبو الفرج درهم قيمتها إذا ذاك ستة آلاف دينار. وفيها وقع بين الشريف الملكي الذي كان صيرفياً بقطياً ناظراً بها وواليا وضمنها في كل شهر بمائة ألف وخمسين ألف حسن بن عجلان أمير مكة وبين بني حسن وقعة هائلة كسرهم فيها وشتت شملهم وعظمت منزلته يومئذ، وقام في قمع المفسدين وإصلاح أحوال بلاد الحجاز، وفي جمادى الأولى هرب الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد ابن الجزري الدمشقي من القاهرة إلى بلاد الروم، وكانت بيده عدة وظائف بدمشق وتدريس الصلاحية ببيت المقدس وكان السبب في هروبه انه كان يتحدث عن قطلوبك بالشام في مستأجراته ومتعلقاته بدمشق، فزعم أنه تأخر عنده مال كثير فتحاكم معه عند السلطان فرسم عليه فهرب، ولما تحقق هربه استقر في تدريس الصلاحية الشيخ زين الدين أبو بكر القمني، وتفرق الناس وظائفه، ووصل هو في هربه إلى أبي يزيد بن عثمان صاحب الروم، فاتفق أنه وجده عنده تلميذاً هناك يقال له شيخ حاجي، كان قد قرأ عليه القرآن بدمشق، فعرف الملك بمقداره فعظمه وأكرمه ورتب له في كل يوم مائتي درهم، وساق له عدة خيول ومماليك، وفي جمادى الآخرة استقر الشيخ زاده الخرستاني شيخ الشيخونية عوضاً عن بدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 الدين الكلستاني إلى تدريس الصرغتمشية عوضاً عن بدر الدين الكلستاني كاتب السر، وعاد الكلستاني إلى تدريس الصرغتمشية عوضاً عن جمال الدين ناظر الجيش، وفيه نفى أحمد بن يلبغا إلى طرابلس، واستقر في فارس الحاجب ناظراً على الشيخونية والصرغتمشية. وفي أوائل رجب استقر سعد الدين ابن البقري في الوزارة عوضاً عن مبارك شاه، واستقر علاء الدين ابن المنجا الحنبلي في قضاء الحنابلة بدمشق عوضاً عن ابن مكنون، واستقر شرف الدين الدماميني ناظر الكسوة، وفي وسط هذه السنة أمر يشبك الذي صار الأمر في دولة الناصر بن الظاهر إمرة عشرة، وفي صفر استقر ابن الطبلاوي أستادار خاص الخاص والذخيرة والأملاك وناظر الكسوة مع الحجوبية والولاية والتحدث في دار الضرب والمتجر. وفي ربيع الآخر استقر تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج الملكي في ولاية قطيا مضافاً إلى نظرها، والتزم في كل شهر بحمل مائتين وخمسين ألف درهم، وكان أولاً صيرفياً ثم ترقى إلى المباشرة ثم إلى النظر ثم إلى الإمرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 وفي رمضان خسف جرم القمر بعد العشاء حتى أظلم الجو وأوفى النيل في ثاني عشر مسري وانتهت الزيادة إلى تسعة عشر ذراعاً. وفي ذي الحجة استقر علاء الدين ابن الطبلاوي في نظر المارستان عوضاً عن كمشبغا. وفيها رجع اللنك بعساكره من بلاد الدشت بعد أن أثخن فيهم، فوصل إلى سلطانية في شعبان، ثم توجه إلى همذان فأمر بالإفراج عن الملك الطاهر صاحب ماردين، فوصل إليه في رمضان، فتلقاه واعتذر إليه وأضافه أياماً، ثم خلع عليه وأعطاه مائة فرس وجمالاً وبغالاً وخلعاً كثيرة، وعقد له لواء، وكتب له ستة وخمسين منشوراً، كل منشور بتولية بلد من البلاد التي كان تمر فتحها في سنة ست وتسعين ما بين أذربيجان إلى الرها، وشرط عليه أنه يلبي دعوته كلما طلبه، فتوجه في ثالث عشرين رمضان، فدخل ماردين في حادي عشر شوال، فخشي نائب القلعة الطنبغا أن يقبض عليه ويسيره إلى اللنك ففر منه؛ فتوجه المنصور أخو السلطان يخبر الظاهر، فأكرمه وقرر له راتباً وأقام بمصر. وفيها اشتد الغلاء بالقاهرة وأكثر السلطان من الصدقات وعمل الخير وفرق الذهب والفضة، وخرج البلقيني بالناس إلى الجامع الأزهر فدعا برفع الغلاء وكانت ساعة عظيمة وكان ذلك في نصف جمادى الأولى، وصادف وصول غلال كثيرة وفي صبيحة ذلك اليوم، وانحط السعر قليلاً ثم انحط إلى أن بيع الإردب بخمسين، ثم انقطع الجلابة للخسارة فتزاحم الناس على الخبز، فأمر ابن الطبلاوي بالتحدث في السعر، ثم تزايد القحط واختفى المحتسب ورجع القمح إلى مائة وعشرين فاستقر البخانسي. وفي شهر ربيع الآخر توجه نوروز الحافظي رأس نوبة إلى الصعيد، فأحضر علي بن غريب أمير هوارة وأولاده وأهله وإخوته وأقاربه وتمام أربعة وثلاثين نفراً من أكابر عربانه، فأمر السلطان بسجنهم فلما تسامع بذلك عربانه وثبوا على قطلوبغا الطشتمري النائب بالوجه القبلي، فقتلوه وتجمعوا وتوجهوا إلى أسوان وتوافقوا مع أولاد الكنوز ودخلوا أسوان على حين غفلة، فهرب واليها حسين إلى النوبة فنهبوا بيته ونهبوا البلد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 فلما بلغ السلطان ذلك ولي عمر بن الياس النيابة بالوجه القبلي وأمره بالتوجه إلى أسوان وطلب العرب المذكورين وأرسل إلى عمر بن عبد العزيز الهواري أن يساعده، فتوجها فلم يظفرا من العرب المذكورين بشيء. وفي شعبان استقر ناصر الدين بن كلفت نقيب الجيش. وفي ذي القعدة استقر سعد الدين ابن غراب في نظر الخاص وانفصل سعد الدين بن كاتب السعدي، وفي أواخر ذي القعدة استقر ابن الطبلاوي في نظر المارستان عوضاً عن كمشبغا الكبير، وفي شعبان عقد لي علي بنت القاضي كريم الدين بن عبد العزيز الذي كان ناظر الجيش. وفيها غلب قرا يوسف على الموصل في جمادى الآخرة، وأمر عليها أخاه يار علي بن قرا محمد. وفيها قدم مرزا شاه بن تمر والياً على تبريز خليفة لأبيه فملكها وملك خلاط وغيرها، فراسله العادل صاحب الحصن وهاداه، فأجابه بما أحب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 ذكر من مات في سنة ثمان وتسعين وسبعمائة إبراهيم بن الشيخ عبد الله المنوفي برهان الدين ابن الشيخ المالكي كان صالحاً خيراً، وأبوه من مشاهير العباد، وهو خطيب الحسينية ظاهر القاهرة، وكان عند الناس وجيهاً، مات في رجب. إبراهيم بن عبد الله الأدمي، كانت له وجاهة عند القضاة، مات في جمادى الآخرة. أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الدائم الحلبي المصري ولي الدين ابن تقي الدين بن محب الدين ولد ناظر الجيش كان موقع الدست؛ ومات في جمادى الآخرة شاباً. أحمد بن عبد الوهاب المصري شهاب الدين ابن تاج الدين ابن الشامية من أكابر الموقعين في الحكم وكان مشكوراً، مات في شعبان. أحمد بن علي بن أيوب بن رافع الحنفي إمام القلعة بدمشق، سمع من أبي بكر ابن الرضي وغيره وحدث، ومات في شوال وله ثمانون سنة أجاز لي غير مرة. أحمد بن محمد بن إبراهيم بن علي ابن قاضي الحصن شهاب الدين اشتغل وهولا صغير ودرس بالعذراوية ولم يكن بالماهر، ومات في رمضان ذكره ابن حجي. أحمد بن محمد بن بيبرس شهاب الدين بن الركن، قرأ بالسبع على ابن السراج المقرئ الكاتب ثم على الشيخ تقي الدين البغدادي، واعتنى بعلم الميقات ومهر فيه، مات في صفر عن خمس وسبعين سنة. أحمد بن محمد بن طريف الشاوي شهاب الدين، كان كحالاً بالمارستان ثم خدم في دار الضرب ثم ولي نظرها، وداخل علاء الدين ابن الطبلاوي فير أمر المتجر فظهر منه من الجور والظلم ما لم يبلغه أكابر القبط فعوجل وتمرض واستمر إلى أن مات في جمادى الأولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 أحمد بن محمد بن موسى بن سند أبو سعد بن شمس الدين، ولد سنة سبع وأربعين، وأحضره أبوه على ابن الخباز وابن الحموي وغيرهما، وأسمعه من ابن القيم وغيره، واشتغل في العربية وغيرها، ووعظ الناس، مات في شعبان. أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف ابن محمد بن عبد الله بن قدامة بن مقدام أبو العباس المقدسي شهاب الدين ابن العماد بن العز الحنبلي، ولد سنة سبع وسبعمائة، واشتغل بالفقه وأحضر وهو صغير على هدية بنت عسكر وتفرد بذلك، وأجاز له إسحاق النحاس في مطلق إجازته لأهل الصالحية والتورزي وطائفة من أهل مكة وابن رشيق وطائفة من أهل مصر، وسمع الكثير من القاضي سليمان والمطعم وابن عبد الدائم وابن سعد وفاطمة بنت جوهر وغيرهم، وحدث بالكثير وعمر، أجاز لي غير مرة مات في ربيع الآخر أو الأول وهو آخر من حدث عن الجرائدي والتقي سليمان بإسماع وكان خاتمة المسندين بالشام وغيرها، وأقعد في آخر عمره. إسماعيل بن أحمد بن علي عماد الدين الباريني الحلبي الفقيه الشافعي، ولد سنة تسع عشرة، وقدم من حلب إلى دمشق وهو طالب علم فقرأ على الشيخ على المنفلوطي، وولاه البلقيني قضاء بعلبكن ثم ولي خطابة القدس، ثم توجه إلى مصر، وكان ممن قام على التاج السبكي مع البلقيني، ثم ولي قضاء القدس، ومن قبله الشوبك، وحدث وافتى ودرس، ومات في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 ربيع الأول ببيت المقدس، وقد جاوز الثمانين. آمنة بنت علي بن عبد العزيز الدمشقية، حضرت على أسماء بنت صصري وعبد الله بن أبي التائب وغيرهما وحدثت، وماتت في أول السنة. بهادر بن عبد الله المشرف سيف الدين الأعسر كان مشرفاً بمطبخ قجا ثم صار زردكاشاً عند يلبغا الكبير، ثم تنقلت به الأحوال إلى أن استقر أحد الأمراء الكبار بالديار المصرية، ومات في شوال. تمر بن عبد الله الحاجب كان ديناً خيراً محباً في العلم محترزاً في أحكامه، مهما أشكل عليه راجع العلماء، مات مجروحاً من العرب نزلوا عليه في مركب رجع فيها من جهة الإسكندرية. جار الله بن حمزة بن راجح بن أبي نمي الحسني المكي، قريب صاحب مكة، قتل في الوقعة التي وقعت بين حسن بن عجلان والحسنيين، وكان من وجوه بني حسن. حسن بن عمر بن محمد بن مكي الشهرزوري حسام الدين، ولد في رمضان سنة اثنتين وسبعمائة، وكلن أبوه جندياً، خدم وولي شد الواحات وكان يذكر من عجائبها أشياء، ومات في ذي الحجة وقد كف. حمود بن علي الأقفهسي الحنفي كان مشاركاً في الفنون وولي نقابة الحكم للحنفيةن مات في جمادى الآخرة. خليل بن محمد بن عبد الله بن سليمان بن علي الناسخ بدر الدين الحلبي، ولد بدمشق بعد العشرين وأحضره أبوه عند بن تيمية فمسح رأسه بيده ودعا له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 واشتغل فمهر في عدة فنون ثم سكن حلب، ووقع في الحكم واشتهر، ومات في ربيع الأول وكان يذكر أنه سمع من الوادي آشي وابن النقيب الشافعي. خليل بن محمد الشنطوفي صلاح الدين موقع الحكم، مات في رمضان. ست الركب بنت علي بن محمد بن حجر أخت كاتبه، ولدت في رجب سنة سبعين في طريق الحج، وكانت قارئة كاتبة أعجوبة في الذكاء، وهي أمي بعد أمي أصبت بها في جمادى الآخرة من هذه السنة. سعد بن إبراهيم الطائي الحنبلي البغدادي، كان فاضلاً وله نظم فمنه: خانني ناظري وهذا دليل ... لرحيلي من بعده عن قليل وكذا الركب إن أرادوا قفولاً ... قدموا ضوءهم أمام الحمول سودون بن عبد الله الفخري الشيخوني، كان من أتباع شيخون ثم تنقلت به الأحوال في دولة حسن إلى أن تزوج بنت أستاذه وولي النيابة مده، وكان محباً في الصالحين مع غفلة فيه حتى أن بعض الناس جمع من أحكامه شيئاً يحاكي المجموع من أحكام قراقوش وكان الملك الظاهر يحترمه ويعظمه ولم يتظاهر بالمنكرات إلا بعد أن خمل ولزم بيته، ومات في جمادى الآخرة. سفر شاه بن عبد الله الرومي الحنفي تقدم في العلم ببلاده، وتقدم عند أبي يزيد بن عثمان، وقدم القاهرة رسولاً من صاحب الروم فأخذ عن فضلائها وأكرمه السلطان وحصل له وعك واستمر إلى أن بغته الأجل بالقاهرة، مات في جمادى الآخرة. صدقة بن محمد فتح الدين أبو ذقن المصري ناظر المواريث، كان مشكوراً في مباشرته، مات في جمادى الآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 طقتمش خان التركي صاحب بلاد الدشت، قتل في هذه السنة بعد أن انكسر من اللنك، قتله أمير من أمراء التتار يقال له تمر قطلو. عبد الله بن عمر بن محلي بن عبد الحافظ البيتليدي بفتح الموحدةوسكون التحتانية وفتح المثناة الفوقية بعدها لام مكسورة خفيفة ثم مثناه تحتانية ساكنة الوراق الدمشقي، سمع من أبي بكر ابن الرضي وشرف الدين ابن الحافظ وأحمد بن علي بن الجزري وغيرهم، أجاز لي غير مرة، ومات في ذي القعدة. عبد الرحمن بن محمد الشريسي زين الدين الميقاتي الرئيس، كان ماهراً في فنه، مات في رمضان. عثمان بن عبد الله العامري فخر الدين أخو تقي الدين، كان شافعياً بارعاً في الفقه، مات كهلاً دون الأربعين، وهو منسوب إلى كفر عامر قرية بالزبداني فربما له الكفر عامري، أخذ عن الشرف الشريسي، أثنى عليه ابن حجي بحسن الفهم وصحة الذهن، وهو ممن أذن له البلقيني في الإفتاء، مات في ذي الحجة. علي بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر بن عوض المالكي، أخو القاضي بهرام، كان شيخ القراآت بالشيخونية، مات في رمضان. علي بن عبد الله النشادري الزبيدي موفق الدين اليمني، كان بارعاً في الفقه والصلاح مع الدين والتواضع، وعرض عليه القضاء فامتنع، مات في صفر. علي بن قاضي القدس ابن الرصاص علاء الدين، ولي القضاء في القدس غير مرة جاوز التسعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 فاطمة بنت يحيى بن العفيف بن عبد السلام بن محمد بن مزروع المضري - بالمعجمة - البصري ثم المدني، حدثت بالإجازة عن أحمد بن علي الجزري وغيره، وعمرت أختها رقية بعدها دهراً طويلاً. فرج بن عبد الله الشرفي الحافظي الدمشقي مولى القاضي شرف الدين ابن الحافظ، سمع من يحيى بن محمد بن سعد وابن الزراد وغيرهما، مات في شوال وقد قارب التسعين، أجاز لي غير مرة. قطلوبغا الأحمدي أمير جندار وهو أخو آقبغا الجلب. قطلوبغا الطشتمري نائب الوجه القبلي، قتله العرب كما تقدم. محمد بن أحمد بن عبد الله المقدسي شمس الدين ابن المؤذن، كان يتعانى الصلاح وخدم الشيخ محمداً القرمي وسكن مكة من حدود سنة سبعين إلى أن مات قافلاً من اليمن على أميال من مكة في شعبان، وكان حسن الهيئة مقبولاً محمد بن أحمد بن محمد بن عماد المصري ثم المقدسي محب الدين ابن الهاثم، ولد سنة ثمانين أو إحدى وثمانين وحفظ القرآن وهو صغير جداً، وكان من آيات الله في سرعة الحفظ وجودة القريحة، اشتغل بالفقه، والعربية والقراآت والحديث ومهر في الجميع في أسرع مدة، ثم صنف وخرج لنفسه ولغيره، رافقني في سماع الحديث كثيراً، وسمعت بقراءته المنهاج على شيخنا برهان الدين، وهو أذكى من رأيت من البشر مع الدين والتواضع ولطف الذات، وحسن الخلق والصيانة، مات في شهر رمضان، وأصيب به أبوه وأسف عليه كثيراً، عوضه الله الجنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 محمد بن جركس الخليلي كان جميل الصورة تام القامة، مات في صفر وقد جاوز العشرين. محمد بن رجب بن محمد بن كلفت التركماني الأصل ناصر الدين الوزير، تنقلت به الأحوال إلى أن ولي شد الخاص ثن انتقل إلى الوزارة فباشرها مباشرة حسنة، وذلك في رابع عشر ربيع الآخر سنة سبع وتسعين، وقرر الوزراء المنفصلين في خدمته ما بين ناظر ومستوف، فباشروا معه على قاعدة خاله ناصر الدين بن الحسام، وكان رئيساً محتشماً حسن الوجه، مات في صفر وكثر الثناء عليه، وكان قد جاور بمكة سنة ثلاث وثمانين، محمد بن عبد الله بن عبد العزيز شمس الدين النستراوي الأصل ناظر ديوان الجيش، وكان بيده عدة مباشرات، وكان رئيساً له حظ من عبادة، ومن كلامه " البطالون أعداء الدول " مات في صفر وكان لطيفاً كيساً. محمد بن محمد بن أحمد القاياتي تقي الدين الحنفي موقع الحكم وشاهد دار الضرب، كان من الرؤساء بالقاهرة، مات في جمادى الأولى. محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الأماسي عز الدين الدمشقي سمع من الحجاز صحيح البخاري وحدث، أجاز لي وكان ناظر الأيتام بدمشق ويتكسب بالشهادة تحت الساعات ويوقع على الحكام، أقام على ذلك اكثر من ستين سنة، مات في ربيع الآخر وقد ناهز الثمانين لأنه ولد سنة ثماني عشرة على ما كتبه بخطه. محمد بن محمد بن موسى بن عبد الله الشنشي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 الحنفي، ناب في الحكم، وكان أحد طلبة الصرغتمشية، وكان فاضلاً جاور بمكة سنة ثلاث وثمانين، مات في جمادى الأولى. محمد بن محمد المصري الشيخ شمس الدين الصوفي، أحد القراء في الجوق، انتهت إيه رئاسة فنه، ومات في شعبان. محمد بن مقبل الصرغتمشي، كان عارفاً بعلم الميقات، مات في رجب. مرتضى بن إبراهيم بن حمزة الحسني العراقي صدر الدين، كان أبوه معظماً عند أصحاب بغداد ثم دخل القاهرة فعظم في الدولة الناصرية الحسنية، مات سنة أربع وستين، فأحسن يلبغا إلى مرتضى المذكور وعظمه، ثم استمر معظماً وقد ولي نقابة الأشراف مرة ونظر القدس مرة والخليل أخرى، وكان حسن الشكل مليح الوجه طلق اللسان فصيحاً بالعربية والتركية، اجتمعت به في داره ورأيته يجيد لعب الشطرنج، مات في ربيع الآخر. مقبل بن عبد الله الصرغتمشي، تفقه وتقدم في العلم وصنف وشرح وشارك بالعربية، مات في رمضان، وأنجب ولده محمد فشارطك في الفضائل ومهر في الحساب، وكان قصير القامة أحدب، مات قبل أبيه بشهرين. ميكائيل بن حسين بن إسرائيل التركماني الحنفي نزيل عينتاب، قدمها فأخذ عن الشيخ فخر الدين إياس وغيره، وباشر بها بعض المدارس ولازم الإفادة، فأخذ عنه القاضي بدر الدين العيني، وهو ترجمه فقال إنه عاش أكثر من سبعين سنة، مات في سابع عشر ذي الحجة. يوسف بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي الحنبلي أبو المحاسن جمال الدين بن تقي الدين بن العز أخو مسند عصره صلاح الدين الصالحي، سمع من الحجار وابن الزراد وغيره، ومهر في مذهبه، وكان يعاب بفتواه بمسألة الطلاق التيمية أجاز لي، وكان إمام مدرسة ابن أبي عمر، أثنى عليه ابن حجي بالفضل وجودة الذهن وصحة الفهم، مات في شهر رمضان. أبو سعد ابن سند، اسمه أحمد. أبو ذقن اسمه صدقة وقد تقدما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 سنة تسع وتسعين وسبعمائة فيها حضر الطنبغا المارداني نائب صاحب ماردين إلى القاهرة فأكرمه السلطان، فقد قدمت شرح حاله في السنة الماضية، وكان قدومه في المحرم. وفيها وصلت كتب من جهة تمرلنك فعوقت رسله بالشام وأرسلت الكتب التي معهم إلى القاهرة، ومضمونها التحريض على إرسال قريبه اطلمش الذي أسره قرا يوسف كما تقدم فيه بما هو عليه من الخير والإحسان بالديار المصرية، وأرسل ذلك السلطان مع أجوبته ومضمونها أنك إذا أطلقت من عندك من جهتي أطلقت من عندي من جهتك والسلام. وفي صفر سأل محمد الأستادار الحضور بين يدي السلطان فترافع هو وكاتبه سعد الدين بن غراب الذي استقر ناظر الخاص فلم يفده ذلك شيئاً وتسلمه شاد الدواوين، ورجع فبالغ في أذيته وعقوبته تم حبسه في خزائن شمائل في أوائل جمادى الأولى حتى مات في تاسع رجب منهان ويقال إنه خنق، وأنه لما تحقق أنه أمر بسجنه في الخزانة وأن ذلك يفضي به إلى القتل استدعى بقجة كبيرة وفيها وثائق بديون له على كثير من الناس كان قد استوفى أكثرها فغسلها كلها، ويقال إن جملة ما أخذ من موجوده قبل وفاته ألف ألف دينار ومائتا ألف دينار، فلعاها كانت تساوي قدر الفضة، وكان في أول أمره يخدم عند أمراء الإسكندرية كالجندار، ثم صار يتولى شاد الأقطاعات عند بعض الأجناد ثم عند الأمراء، ثم ترقى إلى أن استقر شاد الدواوين، ثم ولاه الظاهر الاستادارية الكبرى، فباشرها بمعرفة ودهاء إلى أن خضع له أكابر أهل الدولة ثم تقلبت به الأحوال إلى هذه الغاية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 وفي سادس ربيع الأول استقر سعد الدين ابن الصاحب شمس الدين المقيسي في نظر الجيزة عوضاً عن سعد الدين بن قارورة، واستمر ابن قارورة ناظر الدواليب رفيقاً لابن سمحل. وفيه استقر تاج الدين البولاقي مشير الدولة عوضاً عن تاج الدين ابن الرملي واستقر أناط كاشف الوجه القبلي عوضاً عن عمر ابن أخي قرط واستقر عوضه في أمارة قوص ناصر الدين ابن العادلي، وفيه مات بطرك النصارى الملكية، واستقر عوضه واحد منهم، وفيه استقر علم الدين كاتب ابن يلبغا في استيفاء الدولة عوضاً عن علم الدين الطنساوي، واستقر تاج الدين رزق الله بن سماقة ناظر الإسكندرية عوضاً عن فخر الدين ابن غراب، وفيه نفى طشبغا وإلى دمياط إلى قوص، وفيه استقر كريم الدين بن مكانس. وفي شوال اعتقل الجبغا الجمالي وأمد بن يلبغا بطرابلس. وفيها حاصر ولد تمرلنك بلاد الجزيرة والموصل فتشتت اهلها وفر قرا يوسف إلى الشام وغيره. وفيها قدم تاني الحسني نائب الشام المعروف بتنم إلى الديار المصرية باستدعاء السلطان أرسل إليه سودون طاز في المحرم فأحضره في ثالث صفر ولاقاه السلطان إلى الريدانية فجلس في المصطبة وتلقاه أكبر العسكر حتى حضر بين يدي السلطان فأكرمه وأقعده إلى جانبه ثم ركبا إلى القلعة وأمره بالنزول بالميدان الكبير وأجرى له الرواتب والخلع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 ثم أرسل هو تقدمته إلى السلطان قيل فقومت بخمسين ألف دينار وقيل إنها تساوي أكثر من ذلك. وفي يوم الإثنين سابع عشر صفر عمل السلطان الموكب بدار العدل، وأحضر تنم بمنزلة النيابة وخلع عليه خلعة استمرار، وخلع على القاضي شمس الدين النابلسي الحنبلي بقضاء الحنابلة، وكان حضر مع تنم وسافروا في أواخر الشهر المذكور، وفيه رضي السلطان على جلبان قراسقل الكمشبغاوي وافرج عنه من دمياط واستقر أميراً كبيراً بالشام وقبض على إياس الذي استقر جلبان عوضه وصودر على مائة الف دينار. وفي ربيع الأول استقر بدر الدين محمد بن محمد الطوخي في الوزارة، وصرف سعد الدين ابن البقري وصودر ابن البقري على مال كثير جداً أفضى به الطلب إلى إهلاكه فباشر الطوخي الوزارة بصرامة ومهابة وفي ولايته هذه ابطل مكس الغلة، واستقر سعد الدين ابن الهيصم ناظر الديوان المفرد عوضاً عن ابن الطوخي، وفي صفر أعيد شرف الدين الدماميني إلى الحسبة مضافاً إلى الوكالة ونظر الكسوة وصرف البجاسي، ثم استقر ابن الدماميني في نظر الجيش في ربيع الأول بعد موت جمال الدين، واستقر ابن البرجي في الحسبة فاتفق ان الأسعار غلت فتشاءم الناس به ولم يلبث إلا يسيراً حتى وقف العامة فيه للسلطان فعاندهم وخلع عليه فرجموه فعزله عنهم وأعاد البجاسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 وفيه استقر شمس الدين الطرابلسي في قضاء الحنفية بالديار المصرية بعد جمال الدين، ثم مات في آخر السنة. وفيها كانت الوقعة بين الملك أبي يزيد بك بن عثمان صاحب الروم وبين الفرنج فكسرهم كسرة عظيمة. وفيها قدمت هدية صاحب الروم صحبة قاصد السلطان واسمه طولو، وهو االذي ولي إمرة الحاج بعد ذلك في سنة ست وثمانمائة، واخبر أنه رأى شمس الدين ابن الجزري مقيماً في بلد ابن عثمان في غاية الإكرام، وكان ابن الجزري يتحدث في تعلقات الأمير قطلوبك الذي كان في خدمة الأمير الكبير أيتمش، ثم ولي بعد ذلك الاستادارية فحاسب ابن الجزري فادعى أنه يستحق عليه شيئاً كثيراً فخشي منه ففر فركب البحر إلى الإسكندرية ثم إلى انطاكية ثم إلى برصا فلقي شيخاً كان يقرأ عليه في دمشق يقال له: كامورا موبر فعرف ابن عثمان بمقداره فأكرمه وأرسل إليه خيولاً ورقيقاً وثياباً ورتب له مرتباً جيداً. ثم قدمت له هدية أخرى صحبة قصاد من عنده ومن جملتها جماعة من الفرنج كانوا يقطعون الطريق على المسلمين في البحر فأسرهم وأرسلهم فأسلم منهم اثنان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 وفيها قدمت هدية صاحب اليمن صحبة عبده فأخر الطواشي وبرهان الدين ابن المحلي، ويقال إنها قومت بستين ألف دينار. وفيها استقر نحمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري أبو السنون في إمرة العرب بالصعيد الأعلى عوضاً عن أبيه. وفيها استأذن كاتب السر بدر الدين الكلستاني السلطان له ولجميع المتعممين أن يلبسوا الصوف الملون في المواكب فأذن لهم وكانوا لا يلبسون إلا الأبيض خاصة، وفي ربيع الأول ولدت امرأة بظاهر القاهرة أربعة ذكور أحياء. وفي يوم الخميس ثالث عشرين جمادى الأولى استقر القاضي تقي الدين الزبيري في قضاء الشافعية وصرف صدر الدين المناوي. وفيها كانت الوقعة العظمى بين طقتمش خان صاحب بلاد الدشت وبين الفرنج الجنوية. وفي جمادى الآخرة وصل القاضي سري الدين إلى القاهرة مصروفاً عن قضاء دمشق، وكان عين لقضاء الشافعية بالقاهرة، فاتفقت ولاية الزبيري قبل أن يقدم فلما قدم لم يلبث أن مات، واستقر عماد الدين الكركي الذي كان قاضي الشافعية بالقاهرة في خطابة القدس بعد موت ابن جماعة واستقر الشيخ زين الدين العراقي في تدريس الحديث بجامع ابن طولون مكانه بحكم سفره، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 واستقر الشيخ سراج الدين ابن الملقن في تدريس قبة الصالح وشهاب الدين النحريري في النظر عليه مكانه أيضاً، وفيه خرج أهل دمشق للاستسقاء لما كان أصابهم من الغلاء فلما رجعوا وجدوا ابن النشو فرجموه حتى مات، وكان يحتكر الغلال بالجاه وراح دمه هدراً، وكان ابن النشو هذا يقال له ناصر محمد متولي شد المراكز وولي إمرة طبلخاناه، وكان أصله سمساراً فلما تأمر صار يحتكر ولا يبيع أحد شيئ من الحبوب إلا بعد مراجعته، وكان قتله والنائب في الصيد، فلما رجع كوتب من عند السلطان بتتبع من فعل ذلك وتوسيطه، فحصل لكثير من الشاميين أذى وكتبوا فيه محضراً بما يبدو من المذكور من الفجور وكلمات الكفر والجور المفرط والظلم الظاهر، فلطف النائب القضية حتى أعفى الناس من ذلك. وفي رجب شرع يلبغا السالمي في تجديد عمارة الأقمر فأقام منارته وعمل فيه فسقية وجدد فيه خطبة في رابع رمضان. وفي ثامن شعبان الموافق الحادي عشر بشنس أمطرت السماء برعد وبرق حتى صارت القاهرة خوضاً فكان من العجائب ودام ذلك في ليالي متعددة، وقد وقع مثل ذلك بل أعظم منه في مثل زمانه في سنة سبع عشرة وثمانمائة في سلطنة الملك المؤيد، وفي شعبان صرف قديد من نيابة الإسكندرية إلى القدس بطالاً، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 واستقر شيخ المحمودي وهو الذي ولي السلطنة بعد ذلك في أقطاع صرغتمش وهي تقدمة، واستقر طغنجي في أقطاع شيخ، واستقر يشبك العثماني الذي دبر المملكة بعد ذلك أمير طبلخاناه عوضاً عن صلاح الدين تنكز، وأمر صلاح الدين بالإقامة بالإسكندرية بطالاً ثم شفع فيه فتوجه إلى دمشق، واستقر علاء الدين الطبلاوي مكانه في استادارية الذخيرة والأملاك. وفي أواخر شعبان استقر شعبان بن داود الآثاري في حسبة مصر عوضاً عن شيخه نور الدين البكري وكان يوقع بين يديه، وفي رمضان استقر يلبغا المجنون الأحمدي الذي كان كاشف الوجه القبلي في الاستادارية عوضاً عن قطلوبك. وفي أوائل شوال توجه تمربغا المنجكي حاجب الميسرة على البريد للإصلاح بين التركمان، وفيه اعتقل عنان أمير مكة وأولاد عمه مبارك ابن رميثة وابن عطية وجماز وهبة أمير المدينة بالإسكندرية، وفيه وصل تاج الدين ابن أبي شاكرمن بلاد الروم وكان فر إليها فأقام قليلاً ثم رجع فأسره الفرنج فاشتراه شخص شوبكي وأحضره إلى مصر فسأله السلطان عن سبب هروبه فذكر أنه خاف من سعد الدين ابن البقري فعفا عنه وأمره بلزوم بيته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 وفي هذه السنة أمطرت السماء في حادي عشر بشنس من الأشهر القبطية مطراً غزيراً برعد وبرق ودام ذلك في ليالي متعددة، وأوفى النيل عاشر مسرى وانتهت الزيادة إلى خمسة عشر من مسرى. وفيها نازل جماعة من أصحاب تمرلنك ارزنكان وهي بين المملكة الشامية والمملكة الرومية فأمر السلطان تمربغا المنجكي بالخروج إلى الشام لتجريد العساكر إلى أزركان. وفيها غضب بكلمش أمير سلاح على دويداره مهنا بمرافعة موقعه صفي الدين الدميري فصادره وصرفه، واستقر كريم الدين ابن مكانس ناظر ديوانه وأحمد بن قايماز استاداره، فآل الأمر إلى أن غضب بكلمش على موقعه المذكور فضربه بالمقارع فمات تحت الضرب. وفي العشرين من شوال رافع جماعة من صوفية الخانقاه القوصونية شيخهم تاج الدين الميموني، وكان استقر فيها بعد جده لأمه نور الدين الهوريني ورموه بعظائم وفواحش، فأمر السلطان بعزله من المشيخة المذكورة فعزل منها ومن نيابة الحكم، واستقر في المشيخة الشيخ شمس الدين ابينا التركماني الحنفي، وفي يوم الجمعة ثامن شوال الموافق لعاشر مسرى زاد النيل في يوم واحد ستة وستين أصبعاً وكسر فيه الخليج ثم انتهت زيادته إلى خمسة عشر من عشرين. وفي العشرين من ذي القعدة قتل الأمير أبو بكر بن الأحدب أمير عرب عرك شرف الخصوص من الوجه القبلي، واستقر عوضه في إمرة العرب أخوه عثمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 وفي أوائل ذي الحجة توعك السلطان إلى يوم عرفة فعوفي. وفيها وقع الرخاء بالمدينة الشريفة حتى بيع اللحم كل رطل مصري بنصف درهم. وفيها توجهت إلى اليمن من طريق الطور فركبت البحر في ذي القعدة فوصلت إليها في السنة المقبلة. وفيها أعيد علاء الدين ابن البقاء إلى قضاء الشافعية بدمشق، وطلب سري الدين إلى القاهرة ليستقر في القضاء بها فمات قبل أن يلي كما تقدم شرحه. ذكر من مات في سنة تسع وتسعين وسبعمائة من الأعيان. إبراهيم بن عبد الله الحلبي الصوفي الملقن، كان يذكر أنه كان بتفليس سنة غازان رجلاً وعمر إلى هذه الغاية وقدم دمشق وهو كبير فأقرا القرآن بالجامع وصارت له حلقة مشهورة، يقال إنه قرأ عليه اكثر من ألف ممن اسمه محمد خاصة، وكان الفتوح ترد عليه فيفرقها في أهل حلقته، وكان أول من يدخل الجامع وآخر من يخرج منه، واستسقوا به مرة بدمشق، وكان شيخاً طوالاً كامل البنية وافر الهمة كثير الأكل، ومات في شعبان، وكانت جنازته حافلة جداً، ويقال أنه عاش مائة وعشرين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 إبراهيم بن عبد الله الخلاطي الشريف، ولد قبل سنة عشرين، ونشأ في بلاد العجم، وتعلم صناعة اللازورد فكان يحترف منها، وقدم الديار المصرية فعظمه أهل الدولة، وكان ينسب إلى الكيمياء؛ وكان لا يخرج من منزله وأكثر الناس يترددون إليه، وكان السلطان يمر بداره وهي بفم الخور فيكلمه وهو راكب ويتحدث هو معه من فوق منزله، مات في جمادى الأولى، وحضر جنازته أكثر الأمراء، وقرأت في تاريخ العينتابي أنه الشريف حسين الأخلاصي الحسيني، قال: وكان منقطعاً في منزله ويقال: إنه كان يصنع اللازورد واشتهر بذلك قال: وكان يعيش عيش الملوك ولا يتردد لأحد، وكان ينسب إلى الرفض لأنه كان لا يصلي الجمعة ويدعي بعض من يتبعه انه المهدي، وكان في أول أمره قدم حلب فنزل بجامعها منقطعاً عن الناس، فذكر للظاهر أنه يعرف الطب معرفة جيدة، فأحضره إلى القاهرة ليداوي ولده محمداً فأقبل عليه السلطان وشرع في مداواة ولده فلم ينجع، واستمر مقيماً بمنزله على شاطئ النيل إلى أن مات في أول جمادى الأولى وقد جاوز الثمانين، وخلف موجوداً كثيراً ولم يوص بشيء فنزل قلماي الدويدار الكبير فاحتاط على موجوده فوجد عنده جام ذهب وقوارير فيها خمر وزنانير للرهبان ونسخة من الإنجيل، وكتب تتعلق بالحكمة والنجوم والرمل وصندوق فيه فصوص مثمنة على ما قيل. إبراهيم بن علي بن محمد بن محمد بن أبي القاسم بن محمد ابن فرحون اليعمري المالكي المدني، سمع بها من الوادي آشي ومن الزبير بن علي الأسواني والجمال المطري، وتفرد عنه بسماع تاريخ المدينة وغيرهم وتفقه وولي القضاء بالمدينة، وألف كتاباً نفيساً في الأحكام وآخر في طبقات المالكية مات في عيد الأضحى وقد قارب السبعين. إبراهيم بن يوسف الكاتب ابن الأندلسي، وزير صاحب المغرب، كان خالف عليه مع أخيه أبي بكر فظفر به أبو فارس فصلبه في هذه السنة. أحمد بن إسماعيل بن محمد بن أبي العز بن صالح بن أبي العز بن وهيب الأذرعي ثم الدمشقي الحنفي نجم الدين ابن الكشك، ولد سنة عشرين، وسمع من الحجار وحدث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 عنه، وتفقه وولي قضاء مصر سنة سبع وسبعين فلم تطب له فرجع، وكان ولي قضاء دمشق مراراً، آخرها سنة اثنتين وتسعين فلزم داره، وكان خبيراً بالمذهب، درس بأماكن وهو أقدم المدرسين والقضاة، كان عارفاً صارماً، ومات في ذي الحجة، أجاز لي وأجاز له سنة مولده وبعدها القاسم بن عساكر ويحيى بن سعد وابن الزراد وابن شرف وزينب بنت شكر وغيرهم ضربه ابن أخته وكان مختلاً بسكين فقتله. أحمد بن محمد بن إبراهيم شهاب الدين الصفدي نزيل مصر، وكانت له عناية بالعلم، وكان يعرف بشيخ الوضوء، مات في ربيع الأول وهو والد الشيخ شهاب الدين وعرف بشيخ الوضوء لأنه كان يتعاهد المطاهر فيعلم العوام الوضوء. أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز النويري محب الدين ابن أبي الفضل قاضي مكة وابن قاضيها، ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وأسمعه أبوه علي العز بن جماعة وغيره، وتفقه بأبيه وغيره، وقد ناب عن أبيه وولي قضاء المدينة في حياته ثم تحول إلى قضاء مكة في سنة سبع وثمانين فمات بها وكان بارعاً في الأحكام مشكوراً. أحمد بن محمد بن راشد بن قطليشا القطان، شهاب الدين، ولد سنة بضع وعشرين وسبعمائة، وحدث عن زينب بنت الكمال وأبي بكر ابن الرضى وغيرهما، أجاز لي غير مرة، ومات في ربيع الأول وقد جاوز السبعين. أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد الظاهري شهاب الدين أبن تقي الدين الدمشقي، ابن أخت القاضي سري الدين، أحد الفضلاء، درس بأماكن وأفاد. أحمد بن محمد بن محمد البأد المالكي إمام المالكية بدمشق، وكان ينوب بالحكم ومات بالقدس في صفر. أحمد بن محمد بن مظفر الدين موسى بن رقطاي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 أرغون دوادار النائب سودون، كان اشتراه ورباه ثم اعتقه وزوجه ابنته، وجعل استاداره ودواداره وحاكم بيته، وعمل النيابة نيابة عن أستاذه في مدة غيبة السلطان في سنة ست أو سبع وتسعين، وباشر بعد موته شد الخاص إلى أن مات في شهر ربيع الأول. إسماعيل بن حسن بن محمد بن قلاون عماد الدين بن السلطان الناصر بن الناصر، كان ذكياً فطناً عارفاً بالحساب والكتابة، أمره ابن عمه الأشرف شعبان بن حسين واختص به، ثم تقدم عند الملك الظاهر ونادمه، مات في شوال. إياس بن عبد الله فخر الدين الجرجاوي، نائب طرابلس، وقد تقدم في الديار المصرية، مات في هذه السنة. أبو بكر بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي المقدسي ثم الصالحي، سمع من الحجاز وحدث، وكان به صمم، مات في المحرم وقد جاوز الثمانين، أجاز لي. أبو بكر بن أبي العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر الحفصي أخو السلطان أبي فارس عبد العزيز صاحب المغرب يكنى أبا يحيى، كان ممن خال على أخيه بقسطنطينية فحاصره أبو فارس حتى قبض عليه، ومات في الاعتقال في ذي القعدة منها. أبو بكر بن الأحدب العركي، قتل في ذي القعدة، كما تقدم في الحوادث رأيته غير مرة. حافظ العجمي خادم الصوفية بالبيرسية ثم الشيخونية، وكان صهر الشيخ ضياء الدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 حسن بن عبد الله التستري الصوفي رفيق يوسف العجمي في الطريق، وكان مقيماً بالحكر، وللناس فيه اعتقاد، مات في جمادى الأولى. درويش بن عبد الله العباسي، أحد من كان يعتقد بالقاهرة، مات في رجب. زينب بنت عبد الله بن عبد الحليم بن تيمية ابنة أخي الشيخ تقي الدين، سمعت من الحجاز وغيره، حدثت وأجازت لي.. زينب بنت محمد بن عثمان بن عبد الرحمن الدمشقية، يعرف أبوها بابن العصيدة، زاد عمرها على المائة وعشر سنين بإخبار من يوثق به من اهل دمشق، فقرأ عليها بعض أصحابنا بالإجازة العامة عن الفخر بن البخاري وغيره، وأجازت لي غير مرة. سعد بن عبد الله البهائي السبكي مولى أبي البقاء، سمع من زينب بنت الكمال والجزري بدمشق، ومن العلامة شمس الدين بن القماح وإسماعيل بن عبد ربه بالقاهرة ومن غيرهم، مات في رمضان أجاز لي. عبد الله بن علي السنجاري قاضي صور وهي بلدة بين حصن كيفا وماردين، تفقه بسنجار وماردين والموصل وأربل، وحمل عن علماء تلك البلاد، وقدم دمشق فأخذ بها عن القونوي الحنفي، ثم قدم مصر فأخذ عن شمس الدين الأصبهاني وأفتى ودرس وتقدم ونظم المختار على مذهب الحنفية وغير ذلك، وكان يصحب أمير علي المارداني فأقام معه بمصر مدة، وناب في الحكم عن الحنفية، ثم ولي وكالة بيت المال بدمشق، ودرس بالصالحية، وقدم مصر بأخرة، ورأيته وسمعت كلامه عند القاضي صدر الدين المناوي، وقد حدث عن الصفي الحللي بشيء من شعره، وكان مولده سنة اثنتين وعشرين، وكان حسن الأخلاق لين الجانب لطيف الذات، ومن نظمه: لكل امرئ منا من الدهر شاغل ... وما شغل ما عشت إلا المسائل قال ابن حجي في تاريخه: صحب البرهان ابن جماعة بدمشق، وسامره وكان يحفظ شيئاً كثيراً من الحكايات والنوادر وعنده سكون وتواضع، مات في ربيع الآخر بدمشق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 عبد الرحمن بن احمد بن مبارك بن حماد بن تركي بن عبد الله الغزي ثم القاهري أبو الفرج ابن الشيخة نزيل القاهرة، ولد سنة أربع عشرة أو خمس عشرة، وسمع من الدبوسي والواني والختني وعلي ابن إسماعيل بن قريش وابن سيد الناس وخلق كثير، وأجاز له ابن الشيرازي والقاسم بن عساكر والحجار وخلق كثير أيضاً، وطلب بنفسه وتيقظ وأخذ الفقه عن السبكي وغيره، وكان يقظاً نبيهاً مستحضراً، وكان يتكسب في حانوت بزاز ظاهر باب الفتوح، ثم ترك، وكان صالحاً عابداً قانتاً، وكان بينه وبين أبي مودة وصحبة، فكان يزورنا بعد موت أبي وأنا صغير ثم اجتمعت به لما طلبت الحديث فأكرمني، وكان يديم الصبر لي على القراءة إلى أن أخذت عنه أكثر مروياته، وقد تفرد برواية المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم قرأته عليه كله، وحدث بالكثير، من مسموعاته وقال لي شيخنا زين الدين العراقي مراراً: عزمت على أن اسمع عليه شيئاً، مات في تاسع عشرين شهر ربيع الآخر، وقد تغير قليلاً من أول هذه السنة، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه، كان لا يدخل في الوظائف، ولما فتح الحانوت في البركان يديم الاشتغال والعبادة، فاتفق أن شخصاً أودع عنده مائتي دينار فوضعها في صندوق بالحانوت، فنقب اللصوص الحانوت واخذوا ما فيه، فبلغ صاحب الذهب فطابت نفسه ولم يكذب الشيخ ولا اتهمه، فاتفق أن الشيخ رأى في النوم بعد نحو ستة أشهر من يقول له: عن اللص لما أخذه وقع منه في الدورند، فأصبح فجاء إلى الحانوت فوجد الصرة كما هي قد غطى عليها التراب فغابت فيه، فأخذها وجاء إلى صاحب الذهب فقال له: خذ ذهبك، فقال: ما علمت منك إلا الصدق والأمانة وقد نقب حانوتك وسرق الذهب فلم كلفت نفسك واقترضت هذا الذهب؟ فحدثه بالخبر فقال: أنت في حل منه، وامتنع من أخذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 منه وقال: وهبته لك، فعالجه حتى أعياه، فامتنع من أخذه، فحج الشيخ وجاور مدة حتى انفق ذلك الذهب، واتفق أنه عدم من بيته هاون فتوجه إلى السوق ليجده فوجد في الطريق صرة فالتقطها ليعرفها، ووجد في السوق الهاون بعينه فسأل الذي وجده عنده عن قدر ثمنه فأخبره ولم يقل له: إنه سرق من بيته وترك عنده الصرة حتى يتوجه بالهاون إلى منزله، فلما رأى الرجل الصرة قال: هذه الصرة التي دفعتها في ثمن هذا الهاون إلى منزله، فلما رأى الرجل الصرة قال: هذه الصرة التي دفعتها في ثمن هذا الهاون، فقص عليه قصته فقال: هذا هاونك وهذه فضتي، فاخذ كل منهما الذي له. عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله التركماني الأصل الدمشقي أبو هريرة، ابن الحافظ أبي عبد الله الذهبي مسند الشام في عصره، أحضره أبوه على وزيرة بنت المنجا والقاضي سليمان وإسماعيل ابن مكتوم ثم علي أبي بكر بن عبد الدائم وأسمعه من عيسى المطعم وابن الشيرازي وابن مشرف ويحيى بن سعد والقاسم ابن عساكر وأهل عصره فأكثر عنهم، وخرج له أبوه أربعين حديثاً، وحدث بها في حياة أبيه سنة سبع وأربعين وسبعمائة، وحدث في غالب عمره، وكان صبوراً على الأسماع محباً لأهل الحديث والروايات ويذاكر بأشياء حسنة، وأم بجامع كفر بطنا عدة سنين، وأضر بأخرة، وتفرد بكثير من الشيوخ والروايات، وأجاز لي غير مرة، مات في ربيع الأول بقرية كفر بطنا، وله إحدى وثمانون سنة. عبد القادر بن محمد بن علي بن حمزة العمري المدني المعروف بالحجار، روى عن جده، وسمع من أصحاب الفخر، وعني بالعلم وتنبه قليلاً، مات في عيد الأضحى، وذكر لنا اليشكري أنه راى سماعه للموطأ على الوادي آشي. عبد الكريم بن محمد بن أحمد نجم الدين السنجاري ناظر الأوصياء بدمشق، وقد ولي الحسبة ووكالة بيت المال، وكان كيساً منطبعاً ذا خلاعات ومجون، مات في جمادى الآخرة وقد جاوز الستين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 عثمان بن محمد بن وجيه الشيشني سمع جامع الترمذي من العرضي ومظفر الدين العسقلاني بسندهما المعروف، قرأت عليه من أوله إلى باب ما جاء في الصلاة بعد الفجر، وأجاز لي غير مرة، وكان يباشر في الشهادات وينوب في الحكم في بعض البلاد، مات يوم النصف من ربيع الآخر، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري: كانت له مروءة ومواساة لأصحابه لا ينقطع عنهم ويتفقدهم ويهدي إليهم ويقرضهم. علي بن احمد بن عبد العزيز النويري ثم المكي المالكي، سمع من عيسى الحجي والزبير بن علي والوادي آشي وغيرهم، ومولده سنة أربع وعشرين، وتفقه وولي إمامة مقام المالكية بمكة خمساً وثلاثين سنة، وناب في الحكم عن أخيه أبي الفضل ثم عن أبن أخيه وكان ذا مروءة وعصبية وحدث، رأيته وصليت خلفه مراراً، وكان يتصلب في الأحكام مع المهابة. علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن إسماعيل بن بشير البالسي ثم المصري أبو القاسم ابن شهاب الدين ابن شمس الدين ابن شهاب الدين بن نور الدين بن نجم الدين ابن فخر الدين، من أولاد التجار الكارمية، وكان جده شمس الدين من أكابر التجار، مات سنة ثلاث وستين وسبعمائة، واشتغل أبو القاسم فسمع معي الكثير من المشايخ، وتفقه وتنبه ولازم حضور الدروس الفقهية وغيرها، ثم توجه إلى الإسكندرية في التجارة فمات هناك في رمضان غريباً فريداً، وكان حسن الأخلاق والخلق لطيف الشمائل، عاش ثلاثاً وعشرين سنة عوضه الله تعالى الجنة. علي بن حامد بن أبي بكر البويطي نور الدين الحاسب، ولد سنة عشرين وبرع في معرفة الأوضاع الميقاتية، وكان كثير الفوائد حسن الخط مات عن نحو الثمانين. علي بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن بقاء الملقن الدمشقي، روى عن داود خطيب بيت الآبار، مات في المحرم، أجاز لي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 علي بن قاضي الكرك زين الدين عمر بن عامر بن حصن بن ربيع العامري علاء الدين، ولي قضاء القدس غير مرة، جاوز السبعين، وكان من أعيان الموقعين في حسن الخط وسرعة الكتابة، وكان سمع من البرزالي وغيره. علي بن محمد بن أحمد بن منصور البعلي القبيباتي، روى عن الحجار الأربعين تخريج ابن الفخر البعاي، وحدث بها، مات في ذي القعدة، أجاز لي. علي بن محمد النوساي شيخ صندفا من الغربية، كان جواداً كثير البر والمعروف والصدقات، وكان يحج فيحمل معه جمعاً كثيراً من الفقهاء والفقراء مات في شوال، وخلف أموالاً كثيرة من جملتها ألف جاموسة. علي بن نجم الكيلاني ثم المصري الخواجا، كان وجيهاً في الدول، مات بمكة. عيسى بن عثمان بن عيسى بن غازي شرف الدين الغزي الشافعي، ولد سنة تسع وثلاثين وقدم دمشق وهو كبير وأخذ عن ابن حجي والحسباني وابن قاضي شهبة، وشمس الدين الغزي وغيرهم، وعني بالفقه والتدريس وناب في الحكم، وولي قضاء داريا، وأخذ عن ابن الخابوري، لقيه بطرابلس وأذن له في الفتوى، وكان بطيء الفهم متساهلاً في الأحكام مع المعرفة التامة، وله تصنيف في أدب القضاء، جوده وهو حسن في بابه، وكان أول أمره فقيراً، ثم تزوج فماتت الزوجة فحصل له منها مال له صورة، ثم تزوج اخرى كذلك ثم اخرى إلى أن كثر ماله وأثرى قال ابن حجي: كان أكثر الناس يمقتونه، مات في رمضان، وقد جاوز الستين. قاسم بن محمد بن إبراهيم بن علي النويري المالكي الشيخ زين الدين، تفقه وقرأ المواعيد وأعاد للمالكية بأماكن وتصدر بالجامع الأزهر وغيره، وكان صالحاً ديناً متواضعاً، سمعت بقراءته الكثير على شيخنا سراج الدين وغيره، مات في المحرم عن نحو من ستين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 محمد بن احمد بن أبي بكر الحنفي القاضي شمس الدين الطرابلسي، تفقه ببلده على شمس الدين ابن إيمان التركماني وغريب الطرابلسي وبدمشق على صدر الدين ابن منصور، وقدم القاهرة قديماً فتقرر طالباً بالصرغتمشية واخذ عن السراج الهندي وناب عنه في الحكم، وسمع على الشيخ جمال الدين الأميوطي بمكة، وولي القضاء بالقاهرة مرتين استقلالاًوكان خبيراً بالأقضية عافاً بالوثائق، مات في ذي الحجة قبل أن ينسلخ الشهر بيوم وثد زاد على السبعين، قال العينتابي في تاريخه: كان شيخاً مهيباً مليح الشيبة فقيهاً مشاركاً في الفنون عرفاً بالشعر وطرق أحوال الحكام. محمد بن احمد بن سليمان الكفرسوسي اللبان المعمر، زاد على المائة فقرؤوا عليه بإجازته العامة من الآبرقوهي ونحوه وأجاز لي. محمد بن احمد بن محمد بن احمد بن سلامة بن المسلم بن البهاء الحراني ثم الصالحي المؤذن المعروف بابن البهاء، سمع من القاسم ابن عساكر والحجار وغيرهما، وحدث في سنة ست وثمانين بالصحيح، قرأه عليه بدر الدين ابن مكتوم وأشك هل أجاز لي، مات في هذه السنة. محمد بن أحمد بن الموفق الإسكندري ناصر الدين المحتسب بالإسكندرية، سمع من أحمد بن المصفي وعلي بن الفرات وغيرهما وحدث، سمعت منه بالإسكندرية، ومات في ثاني شهر رجب. محمد بن الحسن الحصني جمال الدين، كان ينوب في الحكم، ثم امتحن بسبب وديعة نسبت إليه من قبل امرأة فجحدها، فضرب عند الحاجب، ثم قرر عليه مبلغ معين بسب ذلك، فباع ملكه ونزل عن وظائفه وساءت حاله، ثم اقعده المالكي عنده شاهداً على الخطوط إلى أن مات في شعبان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 محمد بن عبد الله بن يوسف بن هشام محب الدين ابن العلامة جمال الدين، حضر على الميدومي وغيره وسمع ممن بعده، وقرأ العربية على ألبيه وغيره وشارك في غيرها قليلاً، وكان إليه المنتهى في حسن التعليم مع الدين المتين، مات في رجب عن نحو من خمسين سنة. محمد بن عبد الله بن النشو الدمشقي، كان شاد المراكز بدمشق، وكان يحتكر الغلال، فلما وقع الغلاء بدمشق وخرجوا للاستسقاء وجدوه فرجمه العوام حتى سقط وجروه برجليه وأحرقوه وذهب دمه هدراً، وتقدم خبره في الحوادث. محمد بن عبد الله المصري الناسخ المعروف بابن البغدادي، كان فاضلاً شاعراً، مات .... محمد بن عبد الله الزرعي تاج الدين الحنبلي، مات في شوال. محمد بن علي بن حسب الله بن حسنون المصري الشيخ شمس الدين، سمع القلانسي وغيره، وتفقه قليلاً، وله تخاريج ومختصرات، وتقدم في الفنون، وكان فاضلاً ديناً خيراً، مات في شعبان. محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الملك الدمشقي سري الدين ابن القاضي جمال الدين المسلاتي الأصل الدمشقي أبو الخطاب سبط التقي السبكي، ولد في رمضان سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وأحضر علي ابن الخباز وغيره، وأجاز له ابن الملوك وجماعة من المصريين، وكان أبوه قاضي المالكية، ثم تحول هو شافعياً مع أخواله السبكية ونشأ بينهم طريقهم وولي إفتاء دار العدل وناب في الحكم عن برهان الدين ابن جماعة نحو سنة بعد أن صاهره على ابنته بعده فصرف عن قرب؛ ثم استقل بالحكم بعده، وولي خطابة المسجد الأقصى بعد وفاة ولد البرهان ابن جماعة ثم طلب للقاهرة لتولي القضاء فأدركه اجله بها في شهر رجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 وكان عفيفاً صارماً مع لين الجانب شريف النفس حسن المباشرة للأوقاف مقتصداً في مأكله وملبسه. محمد بن محمد بن البرهان النويري علم الدين، مات في ذي الحجة. محمد بن محمد الطريني الأصل المصري محب الدين، تفقه للمالكية واختص بالبرهان الأخناي، ثم انتقل شافعياً وناب في الحكم، مات في المحرم. محمد بن .... النبراوي الشيخ أبو عبد الله، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري: كان كبير المقدار عظيم الشأن في العبادة، وله كرامات ومكاشفات مع التقشف والتواضع وعدم الاجتماع مع الأكابر، حج مراراً آخرها سنة ثمان وتسعين، وقدم في أول سنة تسع مع نور الدين علي بن محمد النوساي فنزل الحسينية وهرع الناس للسلام عليه، مات في مستهل شهر ربيع الأول وله سبع وتسعون سنة لن مولده على ما سمعه منه القاضي تقي الدين كان في سنة اثنتين وسبعمائة، ولو كان له سماع لأدرك إسناداً عالياً. محمد بن علي القيصري الرومي جمال الدين المعروف بالعجمي، قدم القاهرة قديماً واشتغل بالفنون ومهر وولي الحسبة مراراً ثم نظر الأوقاف ودرس بالمنصورية في التفسير، وولي مشيخة الشيخونية وقضاء الحنفية ونظر الجيش، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري أن جمال الدين المذكور قدم القاهرة في دولة حسن فتعرف بالأمير ملكتمر الفقيه وصار عنده فقيهاً حتى عرف به، وكان حسن الشكل وله اشتغال وفضيلة فلما كان بعد قتل الأشرف توصل إلى قرطاي وقرابغا البدري وغيرهما ممن تكلم في المملكة فولي الحسبة وباشرها مباشرة حسنة، وناب في الحكم عن جار الله، ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 ولي نظر الأوقاف عن الشافعية، واستقر في تدريس الحديث بالمنصورية وامتحن في أثناء ذلك حتى أمر بنفيه وأخرجت وظائفه ثم أعيد إلى الحسبة في سنة تسع وثمانين ثم عزل عن الحسبة، واستقر في نظر الجيش وسافر مع منطاش وخطب في غزة خطبة عرض فيها ببرقوق فبقي في نفسه عليه واتفق عبوره إلى دمشق فبقي في الحصار ثم توصل إلى القاهرة فوجد السلطان متغيظاً عليه فلم يزل يتلطف حتى ولي قضاء الحنفية في شعبان، وسافر مع السلطان إلى حلب وابن عبد العزيز الذي أخذ عنه نظر الجيش معهم مولياً لنظر الجيش ولم يزل جمال الدين يسعى حتى عاد إلى نظر الجيش مضافاً إلى القضاء وولي تدريس الصرغتمشية، ثم نزعت منه للكلستاني وأعطي الشيخونية، ثم نزعت منه للشيخ زاده وأعيد جمال الدين إلى الصرغتمشية وقرأت في تاريخ العينتابي أن جمال الدين أول ما قدم نزل في الصرغتمشية قال: إنه سمعه يقول: هذا الذي حصل لي غلطة من غلطات الدهر، قال: وكان عنده دهء مع حشمة زائدة وسخاء وذكاء وكان فصيحاً بالعربية والتركية والفارسية وكان كثير التأنق في ملبسه ومأكله مات في سابع شهر ربيع الأول وصلي عليه في الثامن منه. محمود بن علي بن أصفر عينه السودني جمال الدين الأستادار تقدم ذكره في الحوادث مفصلاً. مسعود بن عبد الله المغربي القاضي الركراكي، كان يتفقه، ومات في رمضان. معين بن عثمان بن خليل المصري الضرير، نزيل دمشق، الحنبلي كان ثم الشافعي رئيس القراء بالنغم، وله صيت في ذلك وكان يحفظ أشياء مليحة ويصحح ما يورده ولا يودر في المحافل إلا الأشياء المناسبة للوقت والحال، وكان مقدماً على جميع أهل فنه بمصر والشام، وسمع من عبد الحمن ابن تيمية وأبي عبد الله الخباز وغيرهما مجلس ختم الترمذي، وولي إمامة مشهد ابن عروة، مات في جمادى الآخرة وقد جاوز الثمانين، أجاز لي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 مظفر بن أبي بكر المقرئ كان عابداً متقشفاً طارحاً للتكلف كثير الانجماع عارفاً بالقراآت، انتفع به جماعة، وكان يتزيا بزي الحمالين فيحمل للناس الأمتعة بالأجرة، ويتقوت بذلك وعياله من غير أن يعرف به. نصر الله بن عبد الله القبطي سعد الدين ابن البقري، ولي الولايات الوزارة وغيرها، وكان مشهوراً بالعفة عافاً بالكتابة غاية في مباشراته إلا أنه كان مبخلاً، تولى الوزارة غير مرة وصودر، ومات في جمادى الآخرة خنقاً على ما قيل. يحيى بن علي بن تقي الدين بن دقيق العيد محي الدين، مات في ثاني رجب. يوسف بن أمين الدين عبد الوهاب بن يوسف بن السلار الشماع، حضر على الحجاز وغيره وحدث، ومات فيالمحرم عن سبعين سنة، أجاز لي. تقي الدين الزواوي المالكي المعروف بالشامي، صهر ابن النقاش، مات في جمادى الآخرة. أبو عبد الله الدكالي أعجوبة الدهر في عظمة الزهد والدين وخشونة العيش والسير على طريقة السلف، مات بالإسكندرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 سنة ثمانمائة كان أولها يوم الاثنين سابع عشرين توت من أشهر القبط، وأخذ النيل في النقص وانتهت زيادته إلى اثني عشر إصبعاً من عشرين، وفي الثامن من المحرم خرج السلطان إلى سرياقوس ثم رجع، وفي أولها وصل ناصر النوبي صاحب بلاد النوبة إلى القاهرة واجتمع بالسلطان فأكرمه وخلع عليه وتوجه إلى بلاده وقبض على كمشبغا الكبير وعلى بكملش أمير آخور وأرسلا إلى الإسكندرية وفيه صرف تغري بردى نائب حلب واستقر بها أرغون شاه نائب طرابلس واستقر في نيابة طرابلس آقبغا الجمالي نائب صفد والشهاب أحمد بن الشيخ علي نائب غزة في نيابة صفد وقرر شيخ الصفوي في نيابة غزة ثم صرف عنها واستقر بقجاه الشرفي، ولما وصل تغري بردى خرج السلطان إلى السرحة فتلقاه فدخل في نصف ربيع الأول وكانت في تقدمته مائة وثلاثون فرساً وسبعون جملاً ومائة حمل قماش، وفي سلخ المحرم استقر أيتمش أتابك العساكر عوضاً عن كمشبغا وزاده من أقطاعه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 بلداً، واستقر سودوم قريب السلطان على أقطاع كمشبغا وقرر أقطاع سودون لعبد العزيز ابن السلطان ووصل تغري بردى الذي كان نائب حلب، فأعطى أقطاع شيخ الصفوي ونفى الشيخ إلى القدس بطالاً، واستقر بيبرس ابن أخت السلطان أمير مجلس عوضاً عن الصفوي، وفي المحرم لما رجع الحاج إلى العقبة وجدوا ودائعهم قد نهبت فقيل أخذ لهم ما يساوي عشرين ألف دينار، وقبض أمير الحاج على صاحب الدرك فصولح على بعض وترك بعض، وفي آخر صفر أمر يلبغا السالمي إمرة عشرة، وفيه صرف شعبان عن حسبة مصر واستقر شمس الدين الشاذلي الذي كان بلانا بالإسكندرية مكانه، ثم عزل الشاذلي وأعيد شعبان ثم عزل شعبان وأعيد الشاذلي ووقف جماعة من المصريين في شعبان. فشكوا منه إلى بيبرس الدويدار وذلك في ذي القعدة فأهانوه إهانة شديدة حتى صفعه بعضهم بحضرة الدويدار وأمر أن ينادى عليه، فآل الأمر إلى أن هرب شعبان إلى اليمن. وفي ربيع الأول وقع الوباء بالوجه البحري ووصل منه إلى مصر فمرض أكثر الناس، وفي صفر وسط شاهين رأس نوبة كمشبغا بعد القبض على أستاذه وقد حكم شاهين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 هذا في القاهرة في ولاية أستاذه نيابة الغيبة وكان قتله على سبيل القصاص منه لأجل قتيل عليه أنه قتله وكان إمساك كمشبغا في آخر المحرم وأرسل هو وبكلمش إلى الإسكندرية فسجنا وأمسك بعدهما شيخ الخاصكي وأرسل إلى القدس وكان من أخص الناس بالظاهر وبه يضرب المثل في حسن الصورة ثم تغير منه وأمسكه ومات بالقدس في هذه السنة واستقر نوروز الحافظي أمير آخور بدل تاني بك وبيبرس ابن أخت الظاهر دويدار عوضاً عن قلمطاي وتغري بردى نائب حلب بدل بكلمش وآفبغا الكبير أمير مجلس بدل بيبرس المذكور وعلي باي بدل نوروز رأس نوبة. وفي هذه السنة انتهت المواذين بقصور سرياقوس، فكان آخر ما ركب إليها الظاهر في هذه السنة ولم يخرج إليها منهم بعده. وفيها نازل تمرلنك الهند فغلب علي دلي كرسي المملكة وفتك على عادته وخرب وكان قد توجه إليها من طريق غزنة على البر ووصل رجيفة إلى اليمن، والسبب المحرك له على ذلك أن فيروز شاه ملك الهند مات فبلغه ذلك فسمت نفسه إلى الاستيلاء على أمواله فتوجه في عساكره، وكان فيروز شاه لما مات قام بالأمر بعده ملو الوزير ثم عصى عليه أخوه شارنك صاحب ملتان، ففي أثناء ذلك طرقتهم اللنكية فحاصروا ملتان فملكها اللنك وقصد ملو في دلي وكان ملو بلغه أمر أخيه فجد واجتهد وجمع العساكر فاستقبل اللنك بجد وصدر أمامهم الفيلة عليها المقاتلة، فلما استقبلتها الخيل نفرت منها فبادر اللنك وأمر باستعمال قطعات من الحديد على صفة الشوك وألقاها في المنزلة التي كان بها، فلما أصبحوا واصطفوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 للقتال أمر عساكره يتقهقرون إلى خلف فظنوا أنهم انهزموا فتبعوهم، فاجتازت الفيلة على ذلك الشوك الكامن في الأرض فجفلت منه أعظم من جفل الخيل منها ورجعت القهقرى من ألم الحديد، فكانت أشد عليهم من عدوهم فإنها من حرارة الشوك ولت على أدبارها وهاجت حتى طحنت المقاتلة الرجالة والفرسان، فانهزموا بغير قتال؛ ثم توجه اللنكية بعد الهزيمة إلى حصار البلد. وفي العشرين من ربيع الأول استقر جمال الدين يوسف بن موسى ابن محمد الملطي ثم الحلبي في قضاء الحنفية وكان المنصب نحو أربعة أشهر من حين مات شمس الدين الطرابلسي شاغراً، وكان قدومه في ثامن عشر ربيع الأول وخلع عليه في العشرين منه لكن كان السلطان أذن لنواب الطرابلسي أن يحكموا بعد مضي شهر من وفاته، وفي سابع عشر صفر الموافق لثالث عشر هاتور أمطرت السماء مطراً غزيراً توحلت منه الأرض ووكفت البيوت، وفي ثامن جمادى الأولى أمر علي باي تقدمة ألف وكذلك ببشبك الخازندار، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 وفي العشرين منه استقر صدر الدين احمد بن القاضي جمال الدين العجمي في توقيع الدست عوضاً عن ناصر الدين الفاقوسي لغضب كاتب السر عليه، وفي تاسع عشر استقر نوروز الحافظي أمير آخور وعلي باي رأس نوبة وفي جمادى الأولى صرف علاء الدين بن أبي البقاء عن قضاء الشافعية بدمشق واستقر شمس الدين الأخناي. وفي جمادى الآخرة صرف تاج الدين بن الدماميني عن قضاء المالكية واستقر ابن الريغي وصرف القفصي عن قضاء حلب ونقل قضاء المالكية بدمشق عوضاً عن البرهان التادلي، وفي خامس عشر ربيع الآخر ادعى شخص على شهاب الدين العبادي في مجلس السلطان فحصلت منه إساءة في مجلسه، فأمر بضربه فشفع فيه فأمر بحبسه، فحبس في خزانة شمائل إلى ثاني يوم من رجب فأطلق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 وفي ليلة الجمعة ثامن شعبان عزم سعد الدين ابن غراب على علاء الدين الطبلاوي لحضور ختم في منزله بسبب مولود ولد له، فحضر هو وابن عمه ناصر الدين وجماعة من العيان، فأرسل ابن غراب بهاء الدين نقيب الجيش فأمسك ناصر الدين الوالي وهو أخو علاء الدين وابن عمه الخطيب وقريبهم ابن قرلها وجماعة من حواشيهم فقبض على الجميع، وفي أثناء ذلك حضر يعقوب شاه الخازندار إلى بيت ابن غراب فوجدهم قد أكلوا السماط فقبض على علاء الدين وهرب علاء الدين الحجازي ثم قبض عليه أيضاً، فلما كان يوم السبت اجتمع جمع كثير من العوام فطلعوا بالختمات والصناجق وسالوا السلطان في إطلاق ابن الطبلاوي، فأمر السلطان الوجاقية فضربوهم فتفرقوا وسلم ابن الطبلاوي ليلبغا المجنون فاستخلص منه أموالاً جمة منها في يوم واحد مائة وخمسون ألف دينار وأخرجت ذخائره على النحو الذي كان هو يدبره في أمر محمود سواء وقرر على كل واحد من مال المصادرة ما يناسبه، ثم لما كان سادس عشر شعبان سأل الحضور بين يدي السلطان فأحضر، فسال ان يشافه السلطان بكلام سر فقربه منه، فسأل ان يكون الكلام في أذنه فتخيل منه وأمر بإخراجه فلما خرج ضرب نفسه بسكين معه ضربتين ليقتل نفسه فكانتا سالمتين، فأعلم السلطان بذلك فخشي أن يكون أراد أن يضربه بالسكين فغضب وأمر الأستادار أن يعاقبه، فعاقبه بعد أن حلفه أنه لم يبق عنده شيء من المال، فاعترف لما عصر بذخيرة عنده فأخذت، وعزل أخوه من الولاية واستقر بهاء الدين رسلان وصودر أخوه على مائتي ألف درهم وبقية الحواشي على ثلاثمائة ألف درهم. وفي شعبان صرف ابن البخانسي من الحسبة وأعيد بهاء الدين ابن البرجي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 وفيها خطب للسلطان الملك الظاهر بماردين وصل بذلك منكلي بغا الدوادار في أوائل السنة الآتية ومعه دراهم عليها أسم السلطان، وأوفى النيل عاشر مسرى. وفيها حضر رسول الطاهر عيسى صاحب ماردين يعتذر عما جرى منه ويشكو من أسر تمرلنك له ويسأل ان يستمر على طاعته فأرسل له تقليداً وثلاثين ألف دينار هدية. وفيها استولى المذكور على الموصل وسنجار. وفيها في رمضان وصل قطلوبغا الخليلي من بلاد المغرب وصحبته الخيول التي كان توجه لمشتراها للسلطان وهي مائة وعشرون رأساً وحضر صحبته رسول صاحب فاس ورسول صاحب تلمسان ورسول صاحب تونس والأمير يوسف بن علي أمير عرب تلك البلاد وقدموا هداياهم فقبلت وخلع عليهم وتوجهوا إلى الحج، وفي رمضان طرق اللنك بغداد فحاصرها فلم ينالوا منها غرضاً فرجعوا عنها إلى همذان وفرحوا بذلك، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 وفي خامس عشر شوال طهر السلطان أولاده وهو فرج وعبد العزيز وجماعة من أولاد الأمراء وعمل لهم وليمة عظيمة، وفي ثامن عشرة نقل ابن الطبلاوي إلى خزانة شمائل بعد المعاقبة الشديدة. وفيها استقر محي الدين بن نجم الدين بن الكشك في قضاء الحنفية عوضاً عن تقي الدين ابن الكفري. وفي شوال كان الحريق بدمشق بالحريريين والقواسيين والسيوفيين والصراف وبعض النحاسين، ووصلت النار إلى حائط الجامع وإلى قرب النورية، واحترقت الجوزية وحمام نور الدين وزقاق العميان، واحترق بيت القاضي شمس الدين الأخناي، ووصل الحريق إلى نصف الخضراء، وأقام من يوم السبت العشرين من شوال إلى يوم الثلاثاء ثالث عشريه ولكن يعدم للناس إلا القليل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 وفي أوائل ذي القعدة استقر ابن غراب في نظر الجيش مضافاً لنظر الخاص انتزعها من القاضي شرف الدين محمد بن محمد بن عبد الله ابن أبي بكر ابن الدماميني وكان باشرها بعد جمال الدين العجمي، ولما أخذت دواته والمزبر بلغ ذلك شعبان محتسب مصر فأظهر الشماتة ونادى في مصر بولاية ابن غراب وعزل ابن الدماميني وعمل في ذلك شعراً مدح به ابن غراب وهجا ابن الماميني وضج به ابن غراب، فاتفق أنه في ذلك اليوم استقر الشاذلي في الحسبة وصرف شعبان، وفي وسط هذا الشهر وقع الحريق بدار التفاح بالقاهرة فبادروا لإطفائه فلم يحصل منه من المفسدة ما حصل في المرة الأولى قديماً. وفي ثاني عشر ذي القعدة كان المهم المشهور في اصطبل السلطان لأنه كان لعب بالأكرة مع الأمير الأتابك أيتمش فغلب أيتمش فأخرج مائتي ألف درهم ليعمل بها السماط وأنعم بها السلطان عليه وأمر الوزير ابن الطوخي والأستادار يلبغا بعمل المهم، فضربوا الخيم في الميدان وعملوا عشرين ألف رطل لحم ومائتي زوج إوز وألف طير دجاج وعشرين فرساً، وقيل بل كانت خمسين فرساً وثلاثين قنطاراً من السكر وستين إردباً من الدقيق عمل بها بوزة وعملت في الدنان، وقيل كان فيها مائة إردب وأضيف إليها عشرة قناطير حشيش فطحنت وخلطت بها وعمل من الزبيب ستون قنطاراً نبيذاً، ونزل السلطان فمد السماط، ونهب العوام ما عمل، وصاح فقير تحت القلعة بإنكار هذه الوليمة، فقبض عليه وضرب وجرس. وفيها استقر الشريف شرف الدين علي بن قاضي العسكر في نقابة الأشراف عوضاً عن الشريف جمال الدين الطباطبي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 وفي ذي القعدة كانت الفتنة من علي باي الخازندار فانكسر وقتل، وكان ابتداء ذلك أن المذكور كان من أحسن أبناء جنسه شكلاً وقامة فقدمه الملك الظاهر إلى أن جعله مقدم ألف وقدمه في أكثر الأمور على غيره، وكان لعلي باي مملوك من أحب الناس إليه فاتفق أن بعض الأمراء وهو آقباي وجده عند بعض حظاياه فقبض عليه وضربه ضرباً مبرحاً وأطلقه فشكاه لسيده فشكاه سيده إلى السلطان فاعتذر آقباي عما صدر منه لما لحقه من الغيرة فلم يؤاخذه السلطان فأضمرها علي باي في نفسه وعزم على إثارة الفتنة فتضاعف مدة، ثم اتفق مع جمع غير كثير على أن السلطان إذا عاده متك به، فلم يتفق أن السلطان يعوده حتى أوفي النيل فنزل للكسر على العادة وأشاع أنه إذا رجع عاده وكان ساكناً عند الكبش، فلما رجع السلطان بعد الكسر وكان ذلك في تاسع عشر ذي القعدة وركب تلقاه شخص من مماليك يلبغا يسمى سودون الأعور كان رفيقه في خدمة يلبغا فأطلعه على باطن علي باي، فأرسل السلطان في الحال أرسطاي ليتحقق الخبر، فساق إلى اصطبل علي باي فأعلمهم أن السلطان على عزم المجيء إليهم فاطمأنوا لذلك ومنع السلطان الشاويشية من النطق، فلما قرب من الكبش نادته امرأة من فوق أن لا تدخل فإنهم بلبوس الحرب، فجازهم السلطان إلى جهة القلعة، فلما تحققوا أنه توجه عنهم أعلموا كبيرهم علي باي، فتغيظعلى الذي أقامه في الباب لعدم إعلامه بمرور السلطان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 وضربه بطبر فقطع رأسه، وتتبع مماليك السلطان فقتل بيسق الخاصكي وكان يعرف بالمصارع، وساق آقباي غريمهم خلف السلطان فاجتمع عليه عدة من المماليك فقطعوه بالسيوف فركب علي باي وساق خلف السلطان، فأسرع السلطان ففاته ودخل من باب الاصطبل وطلع القلعة وألبس من معه آلة الحرب وأغلق باب الاصطبل، فوصل علي باي إلى الرميلة فتلقاه بعض حاشية السلطان فقاتلوه حتى انكسر، وبلغ من بمصر من الناس هذه الفتنة فوقع لهم خوف على أنفسهم فاستخفى أكثرهم وأغلقت الدكاكين وتفرق ذلك الشمل كله ومن جملة من كان في المركب يلبغا السالمي الأستادار والوزير فبادر يلبغا فلبس آلة الحرب وتوجه إلى القلعة، فلما رأوه المماليك لكموه وأرادوا ذبحه، فصاح وصرخ بأنه جاء نجدة للسلطان وانه في الطاعة، فصدهم السلطان عنه وأمرهم باعتقاله، ثم قبضوا على المملوك الذي كان رأس الفتنة فأمرهم السلطان بقتله، ولما عرب علي باي هدم العوام داره ونهبوا ما فيها حتى رخامها وأخشابها، ثم سمعوا باعتقال يلبغا الأستادار فصنعوا بها مثل ذلك، ثم أمر السلطان بالتفتيش على علي باي وهدد من وجده عنده، فأحضروه من مستوقد الحمام، فأحضره السلطان وسأله عمن كان معه على رأيه، فلم يقر على أحد، فسأله عن يلبغا الأستادار، فبرأه وحلف على ذلك فأمر بإطلاقه ثم خلع عليه، فاستمر في وظيفته ثم نزل إلى داره وهي عند جامع الإسماعيلي فوجدها خراباً ووجد فيها ناساً، فقتلهم وانتقل فسكن داخل القاهرة بجنب الكافوري، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 ثم قرر السلطان على علي باي بالضرب والتسعيط وعصره في رجليه إلى أن كسرهما، وضربه على ركبتيه إلى أن تفسختا، ثم ضربه بدبوس كان بيده في صدره فخسفه، ولم يقر مع ذلك على أحد، فأمر بإنزاله بعد المغرب إلى الاصطبل؛ ثم أمر أرسطاي بقتله؛ وأمر السلطان أن ينزع آلة الحرب واطمأن، ثم شكا يلبغا الأستادار إلى السلطان ما صنع العوام بمنزله، فشاع بينهم أن السلطان أمره بالركوب عليهم، فخافوا وأصبحوا في رابع عشري ذي القعدة وقد أغلقوا الدكاكين، فبلغ ذلك السلطان فأمر بالنداء لهم بالأمان والطمأنينة فسكنوا، فلما كان في الحادي والعشرين من ذي القعدة حضر السلطان، الموكب ودخل بع الخدمة إلى الحريم فهجم عليه بعض المماليك ودخلوا من باب السر بخيولهم وكسروه حتى وصلوا إليه فاستغاثوا به، فحصلت له رجفة وشاع ذلك في الناس فانزعجوا، فخرج السلطان لابساً السلاح ودخل القصر وكشف عن سبب ذلك وأرسل إلى قبة النصر فلم يجد أحداً فصرف الناس، وباتوا وأكثر الناس في وجل وجاءت الأمراء وغيرهم ملبسين آلة الحرب، فلما كان في يوم الخميس رابع عشر ذي القعدة أنفق على المماليك لكل واحد ستمائة فسخطوها؛ فحضر إليهم بنفسه وترضاهم وبكى فأبكاهم فرضوا وقبضوا النفقة وسكنت الفتنة، ويقال إن يلبغا المجنون تولى إنفاق ذلك من حاصله وأحضر للسلطان بعد ذلك مائة ألف وثمانين ألف دينار وقال: هذا آخر ما كان عندي، وذكر أن بيته لما نهب رمى خازنداره الذهب المذكور في الخلاء فسلم. كان عندي، وذكر أن بيته لما نهب رمى خازنداره الذهب المذكور في الخلاء فسلم. وفيها رجع العسكر الشامي من سيواس وكانوا جردوا في العام الماضي لما بلغهم أن ابن اللنك قصد البلاد فلما تحققوا رجوعه أمر برجوعهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 وفيها استقر أرسطاي في تقدمة علي باي وفي وظيفته وهي رأس نوبة الكبير، وفي سادس عشرين ذي القعدة قبض على يلبغا الاستادار ونفي إلى دمياط بطالاً واستقر ناصر الدين بن سنقر في وظيفة الاستادارية الكبرى. وفي رابع ذي الحجة سمر من أتباع علي باي أربعة أنفس وطيف بهم. وفيها قتل سولي بن دلغادر التركماني وهو سكران وبرهان الدين أحمد القاضي صاحب سيواس في المعركة. وفيها قبض على شيخ الصفوي واعتقل بقلعة المرقب بسبب أنه كان بطالاً بالقدس فكان يتعرض لحريم الناس وأولادهم بالإكراه، فشكوا منه فأمر بنفيه واعتقاله، وكان شيخ هذا من أجمل أهل عصره وأقربهم من السلطان منزلة ثم تغير عليه فنفاه. وفيها نقل بكلمش من حبس الإسكندرية إلى القدس بطالاً. وفيها استولى قرايوسف على الموصل لما رجع من الشام بعد رحيل عسكر تمرلنك عن سنجار وأقام ولد تمر بتبريز ثم طلب بغداد فبلغ ذلك احمد بن أويس فجمع العساكر، فلما قرب منه ميران شاه أظهر الهزيمة وأكمن عسكره ففطن بهم ميران شاه فتواجهوا، ثم رأى الجقطاي الغلبة فأوقدوا النيران ليلاً وانهزموا فهلك أكثرهم عطشاً وجوعاً، فأدركهم أحمد وعسكره وهم بآخر رمق فوضعوا فيهم السيف فنجا ميران شاه ومن معه نحو من ثلاثمائة نفس خاصة ناجياً بنفسه إلى تبريز ورجع أحمد منصوراً، ودخل ميران شاه إلى تبريز ففتك في أهلها وقتل أكابرها حتى القضاة وقتل من جملتهم الدوستكي صاحب بدليس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 وفيها مات أبو عامر عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني صاحب فاس وبلاد المغرب في جمادى الآخرة، وملك بعده أخوه أبو سعيد عثمان، ودبر أمره الشيخ أحمد بن علي الفياضي كما كان يدبر أمر أخيه من قبله. وفي أواخر ذي الحجة ضعف السلطان ضعفاً شديداً حتى إنه صلى العيد بالجامع واستمر به الإسهال إلى ثالث عشرين ذي الحجة وكثر الإرجاف بموته مراراً فأكثر من التصدق عنه وأكثر من ذلك جداً حتى قيل إن جملة ما تصدق به مائتا ألف وخمسون ألف مثقال من الذهب ومن الفضة والفلوس والغلال والقماش نحو ذلك: وفي سابع عشرين ذي الحجة عوفي قليلاً فنودي بالزينة وحضر ذلك اليوم المبشر من الحجاز بأخبار الحجاج، وفي السابع والعشرين من ذي الحجة كانت العرب أفسدت بالشرقية فقبض الكاشف على جماعة منهم فأمر السلطان بتوسيطهم، ففعل بهم ذلك وزفوا من القاهرة إلى بلبيس وكانوا أكثر من مائتي نفس، وفي الثامن من ذي الحجة أمر السلطان بعرض مماليك على باي وكانوا سبعين فأطلق بعضهم، ورد بعضهم على تجارهم الذي اشتراهم منهم على باي، وأمر بضرب الخواص منهم بالعصي تقريراً ليخبروه بجلية الأمر، وسمر منهم أربعة ووسطوا، وفرق الكتابية الصغار على الأمراء، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 وفي أول يوم من ذي الحجة قرر الاستادار كاشفاً على الوجه البحري فجاء إلى الدويدار الكبير ليقبل يده على العادة فأنكر ذلك وأمر بنزع خلعته وضربه، وبلغ ذلك الاستادار فشكا للسلطان فغضب السلطان وأمر بإحضار دويدار الدويدار وهو أزدمر فضرب بحضرته وأمره بلزوم بيته، فلما كان الثامن من ذي الحجة العصر خلع عليه وأعيد. وفي يوم الخميس أول يوم من شهر ربيع الأول عمل المولد السلطاني وحضر المشايخ والقضاة على العادة، وجلس شيخنا البلقيني رأس الميمنة وإلى جانبه الشيخ برهان الدين بن زقاعة وإلى جنبه القاضي جلال الدين ابن شيخنا، وجلس رأس الميسرة أبو عبد الله الكركي ودونه القاضي الشافعي وبقية القضاة، وفي جمادى الأولى انتزع السلطان الإسكندرية من ابن الطبلاوي وأعيدت لناظر الخاص واستقر أخوه فخر الدين ماجد بن غراب في نظر الإسكندرية مع مشاورة يشبك الخازندار بسؤال ناظر الخاص في ذلك، وأرسل أمير فرج إلى الثغر بالكشف على ابن الطبلاوي وبالكشف على تاج الدين قاضي الإسكندرية ثم رسم بإحضاره، فلما قدم بين يدي السلطان وقف الشكاة فيه وبالغوا فيه فأمر بضربه، فضرب يوم الجمعة سادس عشر رجب بالعصى بعد العصر ورسم عليه، وفي ربيع الأول وقع الفناء بالباردة والحمى بالشرقية والغربية حتى كانوا لا يلحقون دفن الموتى فيجعل كل عشرين في حفرة، ومنهم من يحمل الموتى إلى البحر فيلقيهم فيه، ودام ذلك ثلاثة أشهر، ثم هبت ريح شديدة بالقاهرة حتى اتفق الشيوخ العتق أنهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 لم يسمعوا بمثلها وقالوا: إنها ريح برقة لأنها ألقت تراباً أصفر أشبه بتراب برقة وفيها وقع بين نعي أمير العرب من آل فضل وبين ابن عمه سليمان بن عنقا بن مهنا بقرب الرحبة، فكانت أولاً على نعير ثم انقلبت على ابن عمه فقتل من أتباعه من لا يحصى ونهب كل شيء وجد لهم. ذكر من مات في سنة ثمانمائة من الأعيان إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي حضر في الرابعة على الحجار وسمع من ابن الرضي وغيره وأجاز له جماعة من المصريين كالواني والختني وأجاز لي غير مرة. إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن بن سعيد بن علوان بن كامل التنوخي البعلي الأصل ثم الشامي نزيل القاهرة شيخ الإقراء ومسند القاهرة، ولد سنة تسع أو عشر وسبعمائة وأجاز له إسماعيل بن مكتوم وأبو بكر بن أحمد بن عبد الدائم وعيسى بن عبد الرحمن بن المطعم وأبو نصر بن الشيرازي والقاسم بن عساكر ومحمد بن مشرف وست الفقهاء بنت الواسطي وزينب بنت شكر وجمع كثير يزيدون على الثلاثمائة، ثم طلب الحديث بنفسه فسمع الكثير من أبي العباس الحجار وعبد الله بن الحسين بن أبي التائب والحافظين البرزالي والمزي والبندنيجي وخلق كثير يزيدون على المأتين وعني بالقراآت فأخذ عن البرهان الجعبري وابن نصحان والرقي، ثم رحل فأخذ من أبي حيان وابن السراج وأبي العباس المرادي، ومهر في القراآت وكتب هؤلاء له خطوطهم بها، وتفقه على البارزي بحماة وابن النقيب بدمشق وابن القماح بالقاهرة وغيرهم وأذنوا له وأفاد وحدث قديماً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 وسمع منه شيخه الحافظ الذهبي بعد الأربعين، رأيت ذلك بخط القاضي برهان الدين ابن جماعة، وكان شيخنا أخبرني بذلك فكنت أتعجب منه حتى رأيت الطبقة ثم وجدته حدث عنه في ترجمة أبي العباس المرادي من سير النبلاء فقال: أخبرني إبراهيم بن علوان، فنسبه إلى جده الأعلى فذكر عنه قصة، وذكر لي شيخنا قصة الذهبي مع ابن نصحان وأنه كان بينهما في ذلك، ثم رأيت الجزري نقلها في معجمه عن شيخنا وتفرد بكثير من مسموعاته قرأت عليه الكثير ولازمته طويلاً وصار سهل النقياد للسماع بملازمتي له بعد أن كان عسراً جداً فإنني خرجت له عشاريات مائة ثم خرجت له المعجم الكبير في أربعة وعشرين جزءاً فصار يتذكر به مشايخه وعهده القديم فانبسط للسماع وحبب إليه، فأخذ عنه أهل البلد والرحالة فأكثروا عنه، وكان قد أضر بأخرة وحصل له خلط ثقل منه لسانه فصار كلامه قد يخفى بعضه بعد أن كان لسانه كما يقال كالمبرد ومات فجأة من غير علة في جمادى الأولى. إبراهيم بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن همام محب الدين بن تقي الدين المعروف بابن الإمام، سمع على أبيه وكان يتعانى التجارة ويكثر الحج وكان إمام الجامع الصالح، مات في صفر وقد بلغ السبعين. أحمد بن عبد الله الحرضي الفقيه كان بواسط اليمن بين المهجم وأبيات حسين وله كرامات وأتباع، مات في ذي الحجة. أحمد بن عبد الوهاب بن عبد الرحيم شهاب الدين بن الخباز، ولد في رجب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 سنة سبع وثلاثين وسبعمائة وتفقه قليلاً وتصدى للتدريس وكان يحج ويغزو ولأهل صيداء فيه اعتقاد كبير وكان قد صحب التاج السببكي فنوه به وصحب القونوي فكان يرسله في المعضلات والشفاعات وكان فيه إحسان وفروسية ومروءة وقد حج كثيراً وصار ينهى عن المنكر في الطريق ويعلم الناس أمور حجهم ودينهم ومات في رابع ذي القعدة وهو متوجه إلى الحج. أحمد بن قايماز المصري شهاب الدين الأستادار، مات في ربيع الأول. أحمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد الدمشقي تاج الدين ابن القاضي فتح الدين بن أبي بكر بن أبي الكرم محمد ابن الشهيد تفقه على مذهب الشافعي وشارك في الفنون وفي النظم والنثر وولي نظر الأسوار وغير ذلك وباشر قضاء العسكر ودرس في أماكن وكان محبوباً إلى الناس، ومات في ذي القعدة. أحمد بن محمد بن عثمان صفي الدين الدميري موقع الحكم وباشر شهادة ديوان بكلمش وكانت له وجاهة، تقدم ذكر قتله في آخر السنة. أحمد بن محمد بن موسى الدمشقي شهاب الدين الشويكي نزيل مكة كان عارفاً بالفقه والعربية مع الدين والورع وأتقن القراآت وجاور بمكة نحو عشر سنين فقرأوا عليه، ومات بها في ربيع الأول وهو في عشر الشتين وكانت جنازته حافلة جداً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 أحمد بن محمد البكتمري الميقاتي رئيس المؤذنين، مات في جمادى الأولى. تاني بك اليحياوي الظاهري تقدم عند الملك الظاهر إلى أن أستقر أمير آخور وكان توجه هو وقلمطاي الدويدار إلى الصيد فرجعا ضعيفين فمات هذا في ربيع الأول ومشى السلطان في جنازته من الأصطبل إلى المصلى وركب إلى أن حضر دفنه وبكى عليه حتى قيل إنه ما بكى على أحد مثل ذلك. الحسن بن علي بن مسرور بن سليمان بدر الدين الرمثاوي ابن خطيب الحديثة، عني بالعلم مع الفهم الجيد مات في رمضان عن أربع وستين سنة، قال ابن حجي: اشتغل وحصل وذكر في النبهاء من بعد الخمسين وقرر في عدة وظائف ثم تركها وأقبل على العبادة والمواظبة على الأوراد الشاقة ولم يغير زي الفقهاء وكان شكلاً حسناً نير الوجه منبسطاً ولا يكون في الخلوة إلا مصلياً أو تالياً أو ذاكراً أو مطالعاً في كتاب وكان يبدئ مسائل ومشكلات ويحسن الجواب، قال ابن حجي: لم يكن في عصره من الفقهاء أعبد منه وكان أخوه القاضي شرف الدين قد كفاه هم الدنيا، مات في سلخ رمضان. زينب بنت عثمان بن محمد بن لؤلؤ الدمشقية، سمعت من الحجار، ولي منها إجازة. عبد بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني، صاحب فاس وبلاد المغرب، ويكنى أبا عامر، وتقدم ذكره في الحوادث، مات في جمادى الآخرة واستقر بعده أخوه أبو سعيد عثمان ودبر أمر المملكة أحمد بن علي القبائلي على عادته في أيام أخيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 عبد الله بن خليل المصري جمال الدين العباسي شيخ زاوية أبي العباس بباب الخرق، وكان صالحاً لطيف الذات، سمعت من لفظه شعراً لغيره، مات في جمادى الأخرة. عبد الله بن عبد الكافي بن علي بن عبد الله بن عبد الكافي بن قريش ابن عبد الله بن عباد بن طاهر بن موسى بن محمد بن علي بن قاسم ابن موسى الجليس بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسين بن الحسن بن علي الشريف الحسني الطباطبي جمال الدين نقيب الأشراف، وليها غير مرة، منها في ذي القعدة سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، ومات في ذي القعدة، وكان حسن الطريقة، أقام بالمدينة زماناً وكان عفيفاً نزهاً. عبد الله بن علي بن عمر السنجاري قاضي صور، تقدم في السنة التي قبلها. عبد الرحمن بن أحمد بن المقداد بن أبي القاسم بن هبة الله بن المقداد القيسي الصقلي الأصل الدمشقي، سمع من الحجار وحفيد العماد والمزي وهلال بن أحمد البصراوي وأيوب بن نعمة الكحال وغيرهم وحدث وكان مقيماً بقرية بلقاتا وهو رجل جيد، أجاز لي غير مرة وكان قد انفرد بسماع مسند الحميدي، مات في سنة ثمانمائة. عبد الرحمن بن مكي الأقفهسي مجد الدين المالكي، تفقه وناب في الحكم، ومات في جمادى الأولى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 عبد اللطيف بن محمد بن علي بن سالم المكي الأصل ثم الزبيدي مستبد زبيد، وليها عشرين سنة ونمى الأموال وكان شديد الوطأة، مات في ذي القعدة وله سبعون سنة وكان مع ذلك عالي الهمة قوي الحرمة. علي بن صلاح الدين محمد بن زين الدين محمد بن المنجا بن محمد ابن عثمان الحنبلي التنوخي علاء الدين قاضي الشام، تقدم في العلم إلى أن صار أمثل فقهاء الحنابلة في عصره، ونشأ في صيانة وديانة، وناب عن ابن قاضي الجبل، واستقل بالقضاء سنة ثمان وثمانين بعد موت ابن التقي ثم صرف مراراً وأعيد إلى أن مات معزولاً في رجب بالطاعون، ولم يكن للحنابلة في عصره أنبل منه رياسة ونبلاً وفضلاً. علي بن محمد بن محمد بن أبي المجد بن علي الدمشقي سبط القاضي نجم الدين الدمشقي ويعرف بابن الصائغ وبابن خطيب عين ترما، وكان أبوه إمام مسجد الجوزة بدمشق فيقال له الجوزي لذلك، ولد في ربيع الأول سنة سبع وسبعمائة وسمع ابت تيمية والقاسم بن عساكر وإسحاق الآمدي وعلي بن المظفر الوداعي ووزيره والحجار ومحمد بن مشرف في آخرين تفرد بالسماع منهم، وخرجت له عنهم مشيخة، وأجاز له في سنة ثلاث عشرة التقي سليمان والمطعم والدمشقي وابن سعد وابن الشيرازي، وظهر سماعه للصحيح من ست الوزراء بأخرة، فقرأوا عليه بدمشق ثم قدم القاهرة فحدث به مراراً، قرأت وسمعت عليه سنن ابن ماجة ومسند الشافعي وتاريخ أصبهان وغير ذلك من الكتب الكبار والأجزاء الصغار فأكثرت عنه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 وكان صبوراًعلى التسميع ثابت الذهن ذاكراً ينسخ بخطه وقد جاوز التسعين، صحيح السمع والبصر، ورجع إلى بلده فأقام بمنزله إلى أن مات في شهر ربيع الأول، وقد قرأت عليه أكثر مسموعاته وسمعت عليه الصحيح ووصلت عليه بالإجازة شيئاً كثيراً. عمر بن سالم بن سليمان البصروي مات في ذي القعدة عن ثمانين سنة. عيسى بن عبد الله الفرنوي أحد الصالحين. قلماي بن عبد الله العثماني الدويدار كان شجاعاً بطلاً، توجه للصيد فرجع ضعيفاً فمات في جمادى الأولى، فنزل السلطان فصلى عليه وحضر دفنه بالقرب من صهريج منجك؛ وكان مشكور السيرة قليل الشر، وكان استقر في شعبان سنة خمس وتسعين، وكان طويلاً جميلاً بلغ الثلاثين أو جاوزها بقليل. قجماس بن عبد الله القشيري الصيري كان من نقباء الدسوقية، ويقال إنه كان داعياً إلى مقالة ابن العربي ويباحث معه. طوغان الذي كان نقيب الأحمدية وقد تقدم ذكره، ويقال أنه كان شديد البطش بحيث كان يلطم الثور فيصرعه قراكسك الخاصكي. كمشبغا الكبير، مات فيسجن الإسكندرية، تقدم ذكره في الحوادث، قال العينتابي في تاريخه: كان سبب غضب الظاهر عليه أنه أصابه رمد فحضر عنده كحال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 أرسله السلطان فواظبه فلم ينجع، فقال له: ما بعثك السلطان إلا حتى تعميني، فبلغه ذلك فتغيظ منه، وكان بلغه ما صنعه بكلمش مع موقعه حين ضربه، فصار يتشفع عنده بالله ورسوله فيقول: ها أنا أضربك حتى يجيئ الليث يخلصك من الذئب، فاستمر إلى أن مات، وكان كتب للسلطان قصة في بكلمش يقول فيها: أتأكلني الذئاب وأنت ليث! فبلغه ذلك أيضاً فتغيظ وأمسكها بعد الخدمة في القلعة. محمد بن أحمد بن حازم النقيب ..... محمد بن أبي بكر بن عيسى الهرستاني الصحراوي شمس الدين، سمع من أبي الفتح الميدومي وغيره وحدث، سمعت منه، مات في المحرم. محمد بن بشير البعلبكي شمس الدين المعروف بابن الأقرع الحنبلي الأعجوبة، اشتغل كثيراً وتمهر وكان جيد الذهن قوي الحفظ يعمل المواعيد عن ظهر قلب، وله عند العامة بدمشق قبول زائد، وكان طلق اللسان حلو الأيراد، مات في شهر رمضان مطعوناً. محمد بن حجي الحباني الشافعي بهاء الدين أبو البقاء أخو قاضي الشام الآن نجم الدين عمر والشيخ شهاب الدين، عني بالعلم مات شاباً، فإن مولده كان في سنة ثلاث وستين، وكان حسن الصوت بالقرآن جداً، وكان قد شارك في عدة فنون، مات في شوال. محمد بن سلامة التوروزي المغربي أبو عبد الله الكركي نزيل القاهرة كان فاضلاً مستحضراً لكثير من الأصول والفقه، صحب السلطان في الكرك فارتبط عليه واعتقده، ثم قدم عليه فعظمه جداً، وكان يسكن في مخزن في الاصطبل التابع للأمير قلماي الدويدار، وإذا ركب إلى القلعة ركب على فرس بسرج ذهب وكنبوش ذهب من مراكيب السلطان، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 وكان داعية إلى مقالة ابن العربي الصوفي يناضل عنها ويناظر عليها، ووقع له مع شيخنا البلقيني الشيخ سراج الدين مقامات، مات في الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول، اجتمعت به وسمعت كلامه وكنت أبغضه في الله تعالى، وكان قد حج في السنة الماضية ووقع بينه وبين ابن النقاش وغيره ممن حج من أهل الدين وقائع وكتبوا عليه محضراً بأمور صدرت منه منها ما يقتضي الكفر، ولم يتمكنوا من القيام عليه لميل السلطان إليه، ولما مات أمر السلطان ليلبغا السالمي بمائتي دينار ليجهزه بها فتولى غسله وتجهيزه وأقام على قبره خمسة أيام بالمقرئين على العادة. محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن يوسف الزرندي كمال الدين المدني، عني بالفقه والحديث وبرع في مذهب الحنفية، مات بين مكة والمدينة. محمد بن علي بن عبد الله الطيبرسي، ولد سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وأم بالجامع الطيبرسي وفتن بصناعة الكيمياء فأفنى عمره وزمانه فيها ولم يحصل على طائل، مات في أول السنة. محمد بن علي الطبنذا نجم الدين ابن أخت ابن عرب المحتسب، ناب في الحكم وولي الحسبة مرات ووكالة بيت المال، مات في ربيع أول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 محمد بن محمد بن احمد بن مسعود السراج ناصر الدين القونوي، ولد سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، وحفظ مجمع البحرين وتفقه، وناب عن أبيه وولي قضاء العسكر ودرس بالخاتونية وغيرها، وكان كثير المروءة، مات في ذي القعدة. محمد بن محمد بن علي الأنصاري الدمشقي أمين الدين الحمصي الحنفي تقدم في الأدب، واخذ الفقه عن رمضان الحنفي والعربية عن تقي الدين ابن الحمصية، وولي كتابة السر بحمص ثم بدمشق، وقدم القاهرة مع نائبها تنم فاجتمعت به وسمعت عليه قطعة من نظمه وأجاز لي، وكان شكلاً حسناً مع التواضع والأدب، وكان له في النظم والنثر اليد البيضاء، طارح فتح الدين ابن الشهيد وعلاء الدين البيري وفخر الدين ابن مكانس وغيرهم، قال البيري: كتب إلى أن مات في ربيع الأول ولم يكمل الخمسين، أثنى عليه طاهر بن حبيب وقال: كان له مشاركة جيدة في الفنون وكتابة فائقة وعبارة رائقة، ومن نظمه ولم أسمعه منه قال في الغزل: كلما قلت قد نصرت عليه ... لاح من عسكر اللحاظ كمينا خنت فيه مع التشوق صبري ... ليت شعري فكيف أدعى أمينا محمد بن محمد بن يحيى السنديسي تاج الدين الشافعي، عني بالعلم والعربية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 محمد بن محمد محب الدين إمام جامع الصالح وابن إمامه، مات فيها. محمد بن المبارك بن عثمان السعاني شمس الدين الحلبي الرومي الأصل، أصله من قرية يقال لها فنري قرأ ببلاده الهداية على التاج ابن البرهان، ثم قدم حلب فأخذ عن الشيخ شمس الدين بن الأقرب وقطنها، وكان صالحاً خيراً متعبداً وهو آخر فقهاء حلب المتعبدين العاملين كثير التلاوة والخير والعبادة والإيثار، وقدم القاهرة فأخذ عن شيخنا العراقي وعن ابن الملقن والجلال التباني، وحج وجاور، وكان مشاركاً في النحو والأصول، مات في ثامن عشر شهر رمضان. محمد بن يوسف بن أحمد بن الرضي عبد الرحمن الحنفي بدر الدين اشتغل وبرع وسمع من ابن الخباز وسمع من ابن عبد الكريم، وكان أعرف من بقي من الحنفية بنقل الفقه مع جودة النباهة، وقد درس بأماكن وأفتى وناب في الحكم وكان هو المعتمد عليه في المكاتيب بدمشق، مات في ذي الحجة. محمد بن يوسف بن أبي المجد شمس الدين الحكار، سمع من الميدومي وابن الهادي وغيرهما وأجاز له جماعة من المصريين والشاميين وحدث، سمعت منه، مات في شهر رجب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 محمد بن البعلبكي المعروف بابن الأقرع، هو محمد بن بشير تقدم ذكره. محمد بن ..... الزرزاري المالكي، كان ينوب في الحكم ثم ترك ذلك ونزل عن وظائفه حتى عن بيته الذي بالصالحية وتحول إلى التربة فأقام بها وتزوج فمات بعد قليل في شعبان. محمود بن أحمد بن يوسف العينتابي كان يقال له أخي محمود، قال العينتابي: كان صالحاً جواداً وله زاوية يضيف فيها من يرد عليه ويأكل من طعامه كل يوم فوق المائتي نفس وينفق من كد يمينه وكانت زاويته من إنشائه، وقف عليها أوقافاً كثيرة، وكان يعمل سماعاً في كل ليلة جمعة، وإذا مد السماط وأكل الناس يأخذ بيده اللحم ويدور على الأعيان فيطعمهم بعد فراغهم ويقول: هذه لقمة تبيح أواربه، وكان حسن المخاطبة طيب المحاضرة، لا تمل مجالسته؛ ولما مات خلفه في زاويته على طريقته ولده أحمد وطالت مدته بعده نحو أربعين سنة. أسماء بنت الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الصائغ الحنفي أبوها؛ ولدت في رجب سنة سبع وأربعين وزوجت برجل يقال له الرملي، ثم تزوجها علاء الدين المقريزي سنة خمس وستين، وكانت عاقلة فاضلة دينة، عمل لها ولدها الشيخ تقي الدين ترجمة جيدة وحدث عنها وعن أبيها بشيء من شعره؛ ماتت في ثاني عشر شهر ربيع الأول. ذكر من مات في سنة ثمانمائة من الأجناد ملكستر الطشتمري، كان دويداراً عند قلماي الدويدار الكبير وكان قبل ذلك دويدار طشتمر ولم تطل مدته بعده؛ مات في ثالث عشر ربيع الأول يوم مات تاني بك المذكور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 جاني بك، كان من خواص الملك الظاهر فغرق في رجب من هذه السنة في بحر النيل، قال العينتابي في تاريخه: مر بي وأنا عند مدرسة ام السلطان فدخل اصطبله عند جامع المارداني وتوجه إلى جزيرة مبارك وكان إقطاعه فيها فضيفه الفلاح ثم هم بأن يغتسل في البحر فحذره صاحب له من البحر وقال: احترز أن تغرق، فقال: أنا صغير، ودخل الماء فغطس فلم يطلع، فغطسوا عليه فلم يوجد إلا بعد أيام بشطنوف وقد انتفخ، فنقل ودفن، ووجد له من الذهب والفضة نحو عشرة آلاف دينار ومائة ألف درهم. يلبغا السودوني، كان أمير طبلخاناه أو بلاط، كان أمير عشرة. عمر بن أخت قرط الكاشف، قتل هو وابن سعيد الدولة ناظر منفلوط بيد العرب العصاة. سولي بن قراجا بن دلغادر التركماني، قتله رجل يقال له علي خان بسكين في خاصرته وهو نائم قرب مرعش وهرب، وكان الملك الظاهر دسه عليه، وكان على هذا في خدمة صدقة بن سولي فكان سولي يثق إليه، وكان لسولي صيت عظيم حتى كان يسمى هيكل التركمان، وكان يتحرى العدل في أحكامه وبيده من البلاد مرعش وأبلستي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 ن وغير ذلك وهو الذي اعتمد عليه منطاش أيام فراره من الملك الظاهر، وهو الذي طرق عينتاب فنهب أموال أهلها وجرى من التركمان الذين معه من الفسق والفجور وقتل الأنفس ما لم يسمع به قبل ذلك، قال العينتابي في تاريخه: اجتمعت به ووعظته فكان يظهر القبول ويضمر خلافه وكان يدمن على شرب الخمر واللواط، ولم قتل حضر ولده بهدية إلى الملك الظاهر فقرره في إمرة أبيه، وكان ناصر الدين محمد بن خليل بن دلغادر قد استقر عوض عنه قبل أن يقتل، فوقع بين ناصر الدين وبين ابن عمه مقتلة عظيمة قتل فيها خلق كثير من تركمان الطائفتين. طوعان احد الأمراء، وكان يصحب الفقراء الأحمدية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 //الجزء الرابع أول القرن التاسع من الهجرة سنة إحدى وثمانمائة وسلطان مصر والشام والحجاز الملك الظاهر أبو سعيد برقوق، وسلطان الروم أبو يزيد بن عثمان، وسلطان اليمن من نواحي تهامة الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل بن المجاهد، وسلطان اليمن من نواحي الجبال الإمام الزيدي الحسني علي بن صلاح، وسلطان المغرب الأدنى أبو فارس عبد العزيز بن .... الحفصي، وسلطان المغرب الأوسط المريني، وسلطان المغرب الأقصى ....... بن الأحمر، وصاحب البلاد الشرقية تيمور كوركان المعروف باللنك، وصاحب بغداد أحمد بن أويس، وصاحب تبريز ....... ، وأمير مكة حسن بن عجلان ابن رميثة الحسني، وأمير المدينة ثابت بن نعير، والخليفة العباسي أبو عبد الله محمد المتوكل على الله ابن المعتضد بالله أبي بكر ويدعى أمير المؤمنين ونازعه في هذا الأسم الإمام الزيدي وبعض ملوك المغرب وصاحب اليمن ولكن خطيبها يدعو في خطبته للمستعصم العباسي أحد الخلفاء ببغداد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 وكان نائب دمشق يومئذ تنم الحسني، وبحلب أرغون شاه، وبطرابلس آقبغا الجمالي وبحماة يونس القلمطاي، وبصفد شهاب الدين ابن الشيخ علي وبغزة طيفور. ذكر الحوادث فيها كان أولها يوم الجمعة وكان أهل الهيئة ذكروا أنه يقع في أول منها زلزلة وشاع ذلك في الناس فلم يقع شيء من ذلك وأكذبهم الله سبحانه وتعالى وكانت البلد مزينة لعافية السلطان لأنه كان حضر المركب في يوم الاثنين الماضي فحلفوا الأمراء والمماليك وغيرهم على العادة ونودي بالزينة فزينت البلد عشرة أيام. وفي سابع عشر المحرم قبض على آقبغا الفيل وكان من أتباع علي باي فأمر بتسميره فسمر هو وخمسة معه ممن كان على رأيه وجماعة من العرب المفسدين وقبض على ثلاثة من الجند ومعهم جماعة نسوة ينحن عليهم، فأنزلوا في مركب ليغرقوا، وفي الرابع والعشرين من المحرم دخل المحمل السلطاني فتأخر عن العادة يومين. وفي هذه السنة ارتفع سعر الذهب بالإسكندرية إلى أن صار باثنين وثلاثين ونش، وأما بالقاهرة فكان من ثلاث إلى أحد وثلاثين. وفي هذه السنة غزا اللنك بلاد الهند واستولى على دلي وسبى منها خلقاً كثيراً، ولما رجع إلى سمرقتد بيع السبي الهندي برخص عظيم لكثرته. وفيها ارتد إبراهيم بن برينية وكان نصرانياً ثم أسلم فقبض عليه وعرض عليه الإسلام فأصر فضربت عنقه بباب القلعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 وفي أوائل صفر وعك السلطان الملك الظاهر فأفرط عليه الإسهال والقيء من ليلة الثالث من صفر إلى العاشر منه فقوي الإرجاف بموته فتجلد ولازم القصر إلى أن توجه للعافية بعد أن كان غضب على جمال الدين بن صغير وأمر بحبسه فأمر أن يتصدق بمال، فجمع الفقراء بالاصطبل فمات منهم في الزحمة نحو الخمسين نفساً وقيل أكثر من ذلك من الرجال والنساء، وفيه: وقيل في الثامن عشر من صفر مات بكلمش بالقدس بطالاً. وفيها أعيد شمس الدين البجاسي إلى الحسبة بالقاهرة وصرف بهاء الدين ابن البرجي في التاسع من المحرم. وفي التاسع من المحرم استقر ناصر الدين بن أبي الطيب في كتابة السر بدمشق وباشرها قبل وصول التوقيع له وذلك بعد موت أمين الدين الحمصي وكان بيد أمين الدين نظر النورية ببعلبك فأخذها بدر الدين الكلستاني كاتب السر لنفسه. وفي صفر وقع بظاهر المدرسة الصلاحية حريق عظيم، فبادر الأمراء إلى طفيه بعد أن احترق أماكن كثيرة. وفيه كائنة نوروز الحافظي وكان السلطان أمره وكبره وجعله أمير آخور فأراد الوثوب على السلطان فاتفق مع جماعة فنم عليهم قانباي الجمدار لأنه كان مؤاخياً للجمدار الذي كان من مماليك تاني بك أمير آخور وكان السلطان قد اتخذه جمداراً بعد القبض على تاني بك فكانت له نوبة يبيت فيها عند السلطان فوافقه نوروز على أنه يفتك بالسلطان وأنه إذا تمكن من ذلك أطفأ الثريا التي بالمقعد وتلك علامة بينهما لركوب نوروز ومن وافقه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 فذكر هذا المملوك لقانباي، فذكره قانباي للسلطان، فبادر السلطان وأرسل إلى نوروز بعد العصر فقبض عليه، وذلك في يوم الجمعة ثالث عشر صفر بعد أن فرغ من الحكم وقام من المقعد يمشي في الاصطبل وبين يديه الأمراء، فأمر بالقبض على نوروز، فأخذ سيفه فهربت مماليكه إلى الرميلة، فنفر الغلمان من خيل الأمراء، فثارت هجة بالقاهرة وأرسل نوروز إلى الإسكندرية فسجن بها في الحال، وكان شاع في البلد أن الترك ركبوا على السلطان فنهبت المأكولات من الحوانيت، وفتحت أبواب البلد بعد أن أغلقت، واستقر تمراز الناصري على أقطاع نوروز وسودون قريب السلطان في وظيفته أمير آخور. وفيها استقر آقبغا الكاش في نيابة الكرك ثم صرف عنها لما وصل إلى غزة وسجن بالصبيبة وقرر في وظيفته وعلى أقطاعه سودون المارداني. وفي الثاني من شهر ربيع الأول استقر أمين الدين عبد الوهاب ابن القاضي شمس الدين بن أبي بكر الطرابلسي في وظيفة قضاء العسكر الحنفي. وفي حادي عشره استقر دمرداش المحمدي في نيابة حماة، وفي الثامن والعشرين من صفر كسفت الشمس في أول طلوعها ولم يشعر بها أكثر الناس لأن الكسوف كان في نحو نصفها وانجلى بسرعة فكانت مدة لبثه على ما زعم أهل الفلك ساعة واحدة ولم تصل من أجل ذلك صلاة الكسوف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 وفيها قتل القاضي برهان الدين أحمد بن عبد الله السيواسي أمير سيواس وكان قرايلك التركماني عثمان بن قطلبك أغار على سيواس فقتل وسبى وغنم ورجع فتقدمه برهان الدين فأحرز قرايلك الغنيمة ووقع بينهما مناوشات كثيرة إلى أن حصر قرايلك في كهف قديم نحو أربعين يوماً وله في أثناء ذلك عيون تعرفه أحوال برهان الدين فاغتنم غفلة برهان الدين يوماً وقد اشتغل بالشرب فخرج ومعه طائفة فكبسوا عليه فقتل هو ومن كان بحضرته، ثم أوقع بالعسكر فقاتلوه، فلما تحققوا قتل صاحبهم انهزموا، فسار في آثارهم حتى ملك سيواس، ومضى ولد برهان الدين إلى ملك الروم فأمده بنجدة فحاصر قرايلك بسيواس، فلما طال عليه الحصار هرب منها واستقر ولد برهان الدين في إمرتها، وكان برهان الدين السيواسي واسمه أحمد الحنفي اشتغل ببلاده ثم قدم حلب فلازم الاشتغال ودخل القاهرة فأخذ عن فضلائها، ثم رجع إلى بلده فصاهر صاحبها، ثم عمل عليه حتى قتله واستقل بالحكم وتزيا بزي الأمراء، ووقعت له مع العسكر المصري وقعة عظيمة في سنة تسع وثمانين، ثم نازله عسكر الظاهر لما دخل حلب سنة سبع وتسعين، ثم نزل بالأمان واستمر في بلاده، ثم نازله جماعة من الططر النازلين بآذربيجان في سنة ثمانمائة، فاستنجد بالظاهر فأرسل إليه جريدة من عسكر حلب فانهزم الططر عنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 وفي ثالث عشر ربيع الآخر أمر السلطان بالتجهيز إلى مكة في رجب ونودي لمن أراد أن يتوجه من الناس، فشرع جماعة في التجهيز وكان لهم من سنة ثلاث وثمانين ما توجهوا في رجب وكان السبب في ذلك ما وقع في المسجد الحرام من الاستهدام، فجهز السلطان من عنده أميراً واسمه بيسق وهو حينئذ أمير آخور صغير ومعه مال بسبب العمارة؛ وفي هذا الشهر أمر بكتمر جلق أربعين وطبلخاناه، وفيه عود السلطان الحكم بين الناس في السبت والثلاثاء بعد أن كان ترك ذلك لما وعك. وفي خامس عشري هذا الشهر حضر عند السلطان وهو في الاصطبل شخص عجمي فقعد معه في المقعد فاغتنم غفلة الحاضرين فأمسك هو بلحية السلطان وسبه، فبادر بعض المماليك فأقامه واستمر هو على شتم السلطان، فتسلمه أحمد بن الزين الوالي فأنزله إلى بيته وعاقبه ضرباً وخنقاً فمات بعد أيام ولم يطلع على حقيقة أمره. وفيها استقر تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج الأرمني في الوزارة وكان أبوه نصرانياً صيرفياً بمنية عقبة من جيزة مصر ثم أسلم واستقر صيرفياً بقطية، فلما مات استقر استقر ولده هذا في وظيفته. ثم ترقى إلى أن صار عامل البلد ثم صار مستوفياً ثم ولي نظرها ثم إمرتها وجمع له بين الولاية والنظر ولبس بزي الجند، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 فاتفق أن الوزير بدر الدين الطوخي غضب منه مرة فأرسل إليه أحمد بن الزين والي القاهرة فصادره وضرب ولده عبد الغني بحضرته وأخذ منهما مالاً كثيراً يقال إنه ألف ألف درهم، فأرسل تاج الدين بعد ذلك من سعى له في الدخول إلى القاهرة فأذن له وساعده عبد الرحمن المهتار عند السلطان إلى أن جمع بينهما، فوعده بأشياء كثيرة إلى أن قرره في الوزارة، وذلك في سلخ ربيع الآخر، وعزل الطوخي واستقر عبد الغني في ولاية قطيا عوض والده وسلم الطوخي لشاد الدواوين فصادره، ويقال إنه أخذ منه عشرة آلاف دينار وجدت مدفونة، ثم تسلمه سعد الدين ابن الغراب ناظر الخاص على سبعمائة ألف درهم فضة فشرع في حملها، ولما ولي تاج الدين الوزارة قبض على برهان الدين الدمياطي ناظر المواريث والأهراء وضربه وصادره، وفي جمادى الأولى بعد موت بدر الدين الكلستاني استقر في كتابة السر فتح الدين فتح الله بن مستعصم بن نفيس التبريزي ثم البغدادي نقلاً من رياسة الطب واستقر بعده فيها كمال الدين عبد الرحمن ابن ناصر بن صغير وشمس الدين بن عبد الحق بن فيروز شريكين. وفيها جردت الأمراء إلى الصعيد بسبب الفتنة الواقعة بين الهوارة من عرب محمد بن عمر وبين عرب علي بن غريب، ثم ورد أبو بكر ابن الأحدب وأخبر باتفاق العرب وبطلت التجريدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 وفي يوم الاثنين خامس عشر شهر رجب استقر في قضاء الشافعية القاضي صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي وهي الولاية الثالثة وصرف القاضي تقي الدين عبد الرحمن بن محمد الزبيري ولم يعد الزبيري إلى المنصب بعدها وكان محمود السيرة في ولايته، وكان السبب في ولايته أن أصيل الدين محمد بن عثمان الأشلمي كان ولي قضاء الشام وصرف شمس الدين الأخناي واستناب أصيل الدين شهاب الدين ابن حجي في الحكم والخطابة ومشيخة الشيوخ فباشر عنه من نصف رمضان ثم توجه الأصيل، ويقال إنه بذل في ذلك مالاً كثيراً جداً استدان أكثره ثم حضر أصيل الدين وباشر بنفسه ثم صرف فسعى في هذه الأيام في قضاء الشافعية بالقاهرة، وقيل إن ذلك كان بمواطأة القاضي صدر الدين لينفتح له باب السعي في العودة، فلما كاد أمر أصيل الدين يتم قيل للملك الظاهر إن كان ولا بد من عزل الزبيري فاعد صدر الدين فهو أمثل من أصيل الدين، فوقع ذلك واجتمع له من لا يحصى فرحاً به بحيث امتلأت القلعة والقصبة من الفقهاء والجند وغيرهم وأظهروا من الفرح به ما لا يعبر عنه. وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري: لم يزل فتح اله من حين ولي كتابة السر يعمل على عزلي وأعانه على ذلك ابن غراب بعناية المحلي التاجر إلى أن أجابهم السلطان، وكان يقول: أنا أعرف أن الزبيري رجل جيد ولكني أريد أخذ مال المناوي ولما استقر شرع في التنقيب علي في أسام مباشرتي، وحصل منه الضرر لكثير من الناس لا سيما من يلوذ بي، وفاوض السلطان في شيء من ذلك فأذن له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 وفي الثاني والعشرين من شهر رجب قرر أمير فرج بن الخطيري في نيابة الإسكندرية عوضاً عن ..... نقلاً من استادرية الأملاك السلطانية، وقرر فيها عوضه ناصر الدين ابن سنقر نقلاً من الاستادارية الكبرى، وقرر في الاستادارية الكبرى يلبغا المجنون على قاعدته وفي رجب استقر بدر الدين القدسي قاضي الحنفية بدمشق عوضاً عن .... تقي الدين إبراهيم بن الشيخ شمس الدين بن مفلح قاضي الحنابلة بها عوضاً عن .... وفي شعبان في ليلة الاثنين رابع عشرة خسف القمر جميعه واستمر من بعد العشاء إلى نصف الليل وصلى الناس صلاة الخسوف بدمشق. وفيه أمر الملك الظاهر القضاة أن يعرضوا الشهود فعرض كل قاض شهود الحوانيت التي تنسب إليه، فمن كان معروفاً أقره ومن لم يكن له به معرفة سأل عنه إلى أن يقف أمره على أحد وجهين إما الإذن وإما المنع. وفي العاشر منه أعيد القاضي ولي الدين عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي المالكي إلى قضاء المالكية بعد موت القاضي ناصر الدين ابن التنسي وكان القاضي شرف الدين ابن الدماميني قد تعين لذلك، فيقال إن القاضي شرف الدين ابن الدماميني قد تعين لذلك، فيقال إن القاضي نور الدين ابن الجلال نائب الحكم سعى في تبطيل ذلك وأعانه سعد الدين ابن غراب فبطل واستقر ابن خلدون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 وفي السابع والعشرين من رمضان أفرج عن الأمير علاء الدين ابن الطبلاوي ونقل من الحبس إلى بيت يلبغا المجنون الأستادار ثم أمر بنفيه إلى الكرك فأخرج إليها فتوجه إلى القدس، فلما بلغه وفاة السلطان شفع فيه فأقر بالقدس، وفيه نم بعض الناس على الشريف محمد اللحفي أنه يضرب الزغل فكبس منزله بدمشق فوجد فيه الآلات فطيف به، وفيه سعى المهتار عبد الرحمن لصهره ابن السنجاري في وكالة بيت المال بدمشق فأذن له السلطان في ذلك فلبس الخلعة وحضر ليقبل يد السلطان فاحتقر السلطان شكله وكان صغير السن خفيف اللحية فأمر بنزع الخلعة عنه فنزعت وتغيظ علي عبد الرحمن بسبب ذلك وكان اللحفي المقدم ذكره لما بلغه ذلك، سعى فيها فاتفق ما جرى له في قصة الزغل فبطل سعيه. وفي هذه السنة صرف تغري بردى من ولاية حلب ونقل إلى القدس بطالاً واستقر في نيابتها أرغون الإبراهيمي وكان أكبر الأمراء وكان قد ناب في طرابلس قبلها فلم تطل مدته بحلب بل مات بها في صفر من هذه السنة، قال القاضي علاء الدين: كان شاباً حسن الصورة كثير الحشمة مع العقل والعدل والشجاعة والكرم بحيث أنه تخاصم إليه شخصان في جمل قبل صلاة الجمعة فأمر بتأخيرهما إلى بعد الصلاة فمات الجمل فأمر للذين ثبت لهم بقيمته من عنده وقال: نحن فرطنا فيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 ذكر من عزل من الأمراء في ثالث عشر صفر قبض على نوروز أمير آخور الكبير ومعه جرباش أمير آخور الرماح وقبض على آقبغا اللكاش وكان قرر في نيابة الكرك وقرر عوضه أمير مجلس أرغون شاه البيدمري واستقر سودون قريب السلطان عوض نوروز واستقر في تقدمة اللكاش تمراز الناصري واستقر في تقدمة نوروز سودون المارداني وكان حينئذ شاد الشربخانات ونقل آقبغا الجمالي من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب لما مات أرغون شاه الخازندار الإبراهيمي نائب حلب وقرسودون بلطا في نيابة حسبة طرابلس نقلاً من نيابة حماة واستقر في نيابة حماة دمرداش نقلاً من أتابكية حلب واستقر في نيابة الكرك سودون الظريف عوضاً عن اللكاش واعتقل اللكاش بقلعة الصبيبة ونقل صريتمر إلى الأتابكية بحلب واستقر فرج الحلبي في نيابة الإسكندرية عوضاً عن صرغتمش بحكم وفاته واستقر في تقدمة حسن الكجكني بعد موت يلبغا المجنون واستقر فارس الحاجب الكبير في نيابة صفد بعد القبض على أحمد ابن الشيخ علي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 وفيها مات تقي الدين وهبة وكان يباشر قبض لحم الدور فوجد له أكثر من عشرين ألف دينار وخلف أربع بنات، فقام الوزير تاج الدين حتى أثبت أنهن نصرانيات، فمنعهن من الميراث وحمل المال كله إلى الملك الظاهر فوقع منه موقعاً وخلع عليه خلعة هائلة. وفي النصف من ربيع الآخر صرف شهاب الدين رسلان الصفدي عن ولاية القاهرة واستقر شهاب الدين أحمد بن الزين عمر الحلبي. وفيها أرسل صاحب أربل يخبر بأن اللنك توجه إلى جهة هذه البلاد ثم توجه إلى بغداد، وفيها مات أحمد ابن الشيخ علي الذي كان نائب صفد وحمل موجوده إلى السلطان وقيمته عشرة آلاف دينار أكثرها مماليك وخيل وجمال وسلاح. وفي رمضان استقر يلبغا السالمي في نظر الشيخونية عوضاً عن الأمير فارس وكانوا كرروا الشكوى بسبب انقطاع جوامكهم كما صنع في خانقاه سعيد السعداء قبل ذلك بمدة وقطع جمع كثير منهم لاتصافهم بغير شرط الواقف وضيق على المباشرين وألزمهم بعمل الحساب وصرف المعاليم بنفسه وفرح به أهلها. وفي أواخر رمضان قبض على أوصياء الكلستاني وذكر أن الوصية التي أخرجوها زوروها، فحضروا عند السلطان فضرب بعضهم ثم ردهم إلى القاضي المالكي، فحبسهم ثم أحضر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 الشهود فكشف رأس زين الدين عبد الرحمن بن علي التفهيني وكان ملازماً للكلستاني فشهد في وصيته فوجد ابن خلدون فيها ما أنكره السلطان ملحقاً، فتغيظ على الشهود لأنه رأى الملحق بخطه ولم يعتذر عنه، ثم حكم ابن خلدون بابطال الوصية وأطلق الشهود من الحبس بعد ذلك. وفيها كان الرخص المفرط بالبلاد الشمالية فذكر العينتابي أن القمح بيع بدون العشرة كل مد وهو أردب وسدس مصري والشعير بثلاثة دراهم، وفي آخر جمادى الأولى استقر بيبرس ابن أخت السلطان دويداراً عوضاً عن قلماي ونوروز أمير آخور عوضاً عن تاني بك وعلي باي رأس نوبة عوضاً عن نوروز ويشبك خزنداراً عوض علي باي واللكاش أمير مجلس عوض بيبرس وتغري بردى أمير سلاح وفي جمادى الآخرة انتزع السلطان الإسكندرية من ابن الطبلاوي وأعادها لناظر الخاص واستقر أخوه فخر الدين ابن غراب في نظرها واسمه ماجد وكان ذلك بعناية يشبك الخازندار واشترط على فخر الدين أن يشاوره في الأمور، وأرسل أمير فرج الخطيري بالكشف عن ابن الطبلاوي وعلى تاج الدين قاضي الإسكندرية ثم رسم بإحضاره، فلما قدم بين يدي السلطان قام الشكاة في حقه وبالغوا في الشكوى منه فأمر السلطان بضربه فضرب بالعصى على رجليه بعد العصر يوم الجمعة وكل به، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 واتفق أن شوال كان يوم الجمعة ... الذين ينظرون في النجوم ... عظيمة منها ففي غضون الشهر فإن نجا نجا إلى آخر السنة فإن نجا منها طال عمره جداً وبلغه شيء من ذلك وكان كثير التنقيب عن ذلك فقلق وتوهم وصلى العيد وهو في غاية التوهم فلما فرغ سالماً تصدق بأشياء، ثم في الخامس من شوال ابتدأ بالسلطان الضعف وذلك لأنه لعب بالرمح في ذلك اليوم يوم الثلاثاء ورجع فقدم إليه عسل نحل كختاوي فأمعن في الأكل منه فأصابته حمىً حادة فانغمر وواظبه الأطباء فأرجف بموته يوم السبت تاسعه وتصدق في مدة ضعفه بصدقات كثيرة جداً ووقعت بالقاهرة هجة عظيمة وقفلت الحوانيت واشتهر أن الأمراء ركبوا ثم ظهر فساد ذلك، ثم في يوم الأربعاء وقعت هجة عظيمة أعظم من تلك وأرجفوا بموته ثم ظهر أنه أصابه الفواق وظهر عليه الورشكين وأحس بالموت فطلب الخليفة والقضاة والأمراء وعهد بالسلطنة لولده فرج يوم الخميس ثم من بعده لولده الآخر عبد العزيز ثم من بعده لولده الثالث إبراهيم وكتب العهد وأوصى بعطايا كثيرة وقرر أيتمش أتابك العساكر القائم بالأمر ويربى السلطان الجديد إلى أن يكبر. من أصحاب الوظائف كان من يذكر يومئذ من أصحاب الوظائف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 فالدوادار الكبير بيبرس، ابن أخت السلطان وأمير آخور سودون قريبه ويشبك خازندار وتغري بردى أمير سلاح، فلما دخلت ليلة الجمعة دخل في النزع إلى أن مات وقت التسبيح، فأصبح الأمراء والخليفة والقضاة مجتمعين في القصر فأحضر ولي العهد فأقعد على الكرسي وخلعت عليه خلع السلطنة وبايعه الخليفة والقضاة ولقب الناصر وكني أبا السعادات، ثم شرعوا في تجهيز الملك الظاهر وتقدم في الصلاة عليه خارج باب القلعة قبيل الزوال قاضي القضاة الشافعي صدر الدين المناوي وأخرج بجنازته إلى الصحراء فدفن بتربته التي أنشأها، وكان في جملة وصيته أنها تكمل وعين القدر الذي يصرف عليها ففعل ذلك بعده، وكان من جملة أوصيائه يلبغا السالمي والقاضي الشافعي وسعد الدين ابن غراب ناظر الخاص، وكانت جنازته مشهودة لم ير بعد جنازة الناصر محمد بن قلاوون جنازة سلطان مثلها، وخطب للناصر على المنابر بمصر والقاهرة في هذا اليوم وفي صبيحة هذا اليوم بشر أمين النيل ابن أبي الدرداء بزيادة النيل واستمر أيتمش بالولاة في البلاد فكان تنم بدمشق ودمرداش المحمدي بحماة وآقبغا الجمالي بحلب والطنبغا العثماني بصفد ويونس الظاهري بطرابلس وسودون الظريف بالكرك، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 وكان أول ما تغير عليه من الأحوال أن الأستادار يلبغا المجنون قبض عليه ونهب داره واستقر عوضه مبارك شاه ثم صرف واستقر عوضه في الأستادارية تاج الدين ابن أبي الفرج مضافاً إلى الوزارة وحضر القضاة للبس الخلع بسبب السلطنة فخلع على بعض الأمراء فقامت هجة فنزل القضاة ومن معهم هاربين وظهر أنهم أمسكوا أربعة أمراء مقدمين وهم رسطاي وتمراز وتمربغا المنجكي ويلبغا المجنون وجماعة دونهم وخلع على الأمير الكبير وأمير سلاح والدويدار. وفي الخامس والعشرين من شوال جددوا الأيمان للسلطان والأمير الكبير وتولى يلبغا السالمي تحليف المماليك مع بعض الموقعين حتى استوفاهم في عدة أيام وكان عدة من أنفق عليهم من المماليك المشترين ومماليك الخدمة المختصة بالسلطان أربعة ألاف ماءة وثلاثين وكان قدر ما أعطي لكل واحد منهم بوصية من الظاهر أنفق على المماليك كل واحد ألف درهم هؤلاء الخواص، وأما من دونهم فكل واحد خمسمائة درهم وذلك في حادي عشرين شوال، ثم قبض على جماعة من الأمراء منهم رسطاي وتمراز وتمربغا وبلاط وطولو، وفي آخر شوال أشار يلبغا السالمي على الأمير أيتمش أن يقرر ما يرتجع من مال من يقبض عليه من الأمراء على شيء معين لأن الأمير كان إذا قبض عليه قاسى من كان يباشر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 عليه بسبب المرتجع من تركته البلاء المبرم فاستقر الحال على أن يكون على الأمير المقدم خمسين ألف درهم وعلى أمير الطبلخاناه عشرين ألف درهم وعلى من معه إمرة عشرين عشرة آلاف درهم وعلى أمير عشرة خمسة آلاف درهم وكتبت بذلك مراسيم وخلدت في الدواوين واستقر الحال على ذلك، وفيه صرف الشهاب أحمد بن الزين الشامي من ولاية القاهرة واستقر عيسى الشامي وكان ابن الزين هرب ثم ظفر به فضربه بالمقارع وصودر. وفيها ثار تنم نائب الشام فأظهر الخلاف وملك القلعة وطرد النائب بها واستمر على الخطبة للناصر فرج وكان المتكلم في الدولة الناصرية بالقاهرة أرسل نائباً يحفظ القلعة فاتفق وصوله بعد أن ملك تنم القلعة فلم يمكنه دخولها، ثم أظهر أن رجلاً فداوياً أراد الفتك به فقبض عليه ومعه سكين وقرره بحضرة الناس فأقر أن كبير الأمراء المصريين أرسله لذلك فتنمر وأظهر ما كان يبطن وكاتب نواب البلاد فأطاعوه ووثب نائب حماة فتملك القلعة وكذلك نائب صفد وأما نائب قلعة حلب فأخذ حذره فلم يمكن نائب حلب من قلعتها، ولما قبض المماليك النفقة تصرفوا فيها وكان أكثرها دنانير فرخص سعر الذهب لكثرة وجوده في أيدي الناس إلى أن صار الهرجة بخمسة وعشرين والأفرنجي بعشرين، ثم نودي في ثامن ذي القعدة أن سعر الإفرنجي بثمانية وعشرين والهرجة بثلاثين، وتوجه علاء الدين الطبلاوي من القدس إلى دمشق فاستقر به الأمير تنم في خدمته وكان استدعاه إليه. وفي رابع عشر ذي القعدة سعى الشيخ أصلم في وظيفة المشيخة بالخانقاه بسرياقوس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 وكان الذي قرر عوضه فيها وهو الشريف فخر الدين مات فأجيب إلى سؤاله واستقر. وفي ي لقعدة صرف يلبغا السالمي عن النظر في المدرسة الشيخونية وما معها وقرر مكانه أرغون شاه البيدمري وكان السالمي قد شدد على أهل الشيخونية ومدرسيها خصوصاً مدرس الشافعية وهو قاضي القضاة صدر الدين المناوي وأشاع السالمي عنه أنه فرح بموت الملك الظاهر وأنه لما سمع بموته سجد شكراً لله تعالى، فلما باغه ذلك تأذى به وخشي ما يترتب عليه فركب إلى شيخ الإسلام البلقيني وخضع له وشكا إليه حاله مع السالمي وكان السالمي قد تسلط على الشيخ بأمر آخر فركب الشيخ معه وطافا على الأمراء إلى أن عزل السالمي واصطلح الشيخ والقاضي وكان ما بينهما قبل ذلك متباعداً. وفي سابع عشر من ذي القعدة عقد مجلس بشيخ الإسلام والقضاة عند الأمير الكبير وسئلوا عن المال الذي خلفه الملك الظاهر بالخزانة هل يورث عنه أو هو لبيت المال؟ فقال البلقيني: ما كان محصل له من إقطاعه ومن تجاراته فهو لورثته وما عدا ذلك فهو في بيت المال فقيل له إنه مختلط فقال: يجعل لورثته منه جزء فاختلفوا من الثلث إلى السدس، وقيل أن الشيخ قال: يجعل له الخمس، ولم يثبت ذلك. وفي الثالث عشرين من ذي القعدة ولي السالمي الأستادارية وصرف تاج الدين ابن أبي الفرج، فكان منذ وفاة الظاهر قد وليها أربعة أنفس في مدة شهر وثمانية أيام وكانت مباشرة ابن أبي الفرج منها دون الشهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 وفيه قبض على سودون أمير آخور قريب السلطان بسبب أنه امتنع من تسليم الاصطبل ليسكنه الأمير الكبير واستقر عوضه أمير آخور سودون الطيار وفيه في الثالث عشر منه صرف تاج الدين بن ابي الفرج من الوزارة واستقر عوضه شهاب الدين بن قطينة وتسلم تاج الدين المذكور وكانت مدة ولايته الوزارة دون الشهر. وفي سلخ ذي القعدة صرف شمس الدين الشاذلي عن حسبة مصر وأعيد الشيخ نور الدين علي بن محمد بن عبد الوارث إليها، وفي مستهل ذي القعدة صرف الشيخ تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي عن وظيفة الحسبة بالقاهرة واستقر عوضه الشيخ بدر الدين محمود بن أحمد الحنفي، وهي أول ولاياته لها وكان قبل ذلك طالباً بالظاهرية فأخرج منها فتوجه لبلاده ثم عاد وهو في غاية القلة، فتردد إلى الأمراء فسعى له بعضهم وهو جكم في حسبة القاهرة فوليها في هذا التاريخ سابع ذي الحجة فلم تقم معه سوى بقية الشهر، فلما استهل المحرم استقر جمال الدين محمد ابن عمر الطبنذي وصرف العينتابي وكان القائم في ذلك كزل دوادار أيتمش. قرأت ذلك في تاريخ العينتابي ثم اعيد العينتابي في رابع عشر ربيع الآخر من سنة اثنتين ثم عزل منها بعد شهر وأعيد المقريزي، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 وفي الرابع من ذي الحجة صرف ابن قطينة عن الوزارة واستقر عوضه فخر الدين ابن غراب وكان يباشر نظر الإسكندرية. وفيها وصل قاصد نائب الشام يذكر أن طائع وسأل استمراره على نيابة الشام وتحليف الأمراء له، ففعلوا له ذلك وحلف الأمير الكبير ومن معه بحضرة القضاة وشيخ الإسلام ووضعوا خطوطهم بذلك وتوجه قاصده إليه بذلك، وفي ذي الحجة وصل اسنبغا الدويدارإلى سلمية فلبس نعير أمير العرب خلعة السلطان وأظهر الطاعة وجهز التقدمة وكان قبل ذلك قد اتفق مع قرا يوسف أمير التركمان وحاصر الأمير دمشق بن سالم الدوكاري التركماني مدة طويلة ثم اصطلحوا، وفي هذه السنة حاصر أبو يزيد بن عثمان ملطية والأبلتين وتسلمهما وحاصر درنده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 وورد الخبر بذلك في هذا الشهر فجهزوا سودون الطيار لكشف هذه الأخبار. وفي ذي الحجة أبطل السالمي مكس العرصة والأخصاص بمنية بن خصيب ثم أبطل وفرالشون السلطانية وكتب به مرسوم وأبطل ما كان على البرددار ومقدم المستخرج من المشاهرة التي تتحصل من المصادرة وألزمها بترك ذلك ورفع الظلم عن الناس أجمعين وأحضر السماسرة وقرر لهم عن كل إردب نصف درهم من غير زيادة على ذلك عن السمسرة والكيالة والأمانة وشدد عليهم في ذلك وكثر دعاء أهل الخير له بسبب ذلك. ذكر من مات في هذه السنة من الأكابر أحمد بن إبراهيم بن عبد العزيز بن علي الموصلي الأصل الدمشقي شهاب الدين بن الخباز نزيل الصالحية سمع من أبي بكر بن الرضي وزينب بنت الكمال وغيرهما وحدث، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 سمع منه صاحبنا الحافظ غرس الدين وأظنه استجازه لي، ومات فيشهر ربيع الأول عن بضع وثمانين سنة. أحمد بن أحمد بن عبد الله الزهوري العجمي نزيل دمشق ثم القاهرة وكان بزي الفقراء وحصل له جذبة فصار يهذي في كلامه ويخلط ويقع له مكاشفات، منها انه لما كان بدمشق وكان الملك الظاهر حينئذ بها جندياً فرأى في منامه أنه ابتلع القمر بعد أن رآه قد صار في صورة رغيف خبز، فلما اجتاز بالشيخ أحمد، فصاح به: يا برقوق! أكلت الرغيف، فاعتقده، فلما ولي السلطنة أحضره وعظمه، وصار يشفع عنده فلا يرده، ثم أفرط حتى كان يحضر مجلسه العام فيجلس معه على المقعد الذي هو عليه ويسبه بحضرة الأمراء وربما بصق في وجهه فلا يتأثر لذلك، وكان يدخل على حريمه فلا يحتجبن منه، وحفظت عنه كلمات كان يقولها، فيقع الأمر كما يقول، وكان للناس فيه اعتقاد كبير. أحمد بن محمد بن أحمد الطولوني شهاب الدين كبير المهندسين كان عارفاً بصناعته، وتقدم فيها قديماً، وكان شكلاً حسناً طويل القامة، وعظمت منزلته عند الملك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 الظاهر فقرره من الخاصكية، ولبس بزي الجند، ثم أمره عشرة وتزوج ابنته، وكانت له ابنة أخرى تحت جمال الدين القيصري ناظر الجيش، ثم طلق الظاهر البنت المذكورة وتزوجها نوروز بأمر السلطان، وتزوج السلطان بنت أخيها؛ ومات شهاب الدين المذكور في شهر رجب من هذه السنة. أحمد بن إسماعيل بن عمر بن كثير البصروي ثم الدمشقي شهاب الدين ابن الحافظ عماد الدين ولد سنة خمس وستين وأحضر علي ابن الشيرجي أحد الرواة عن الفخر وتزيا بزي الجند وحصل له إقطاع، قال القاضي شهاب الدين ابن حجي في تاريخه: كان أحسن أخوته سمتاً وكان عارفاً في الأمور، مات في شهر ربيع الأول. أحمد بن أبي بكر بن محمد العبادي شهاب الدين الحنفي تفقه على السراج الهندي وفضل ودرس وأشغل ثم صاهر القليجي وناب في الحكم ووقع على القضاة ودرس بمدرسة الناصر حسن وكان يجمع الطلبة ويحسن إليهم وحصلت له محنة مع السالمي ثم أخرى مع الملك الظاهر تقدم ذكرها في الحوادث، مات في ثامن عشر أو تاسع عشر ربيع الآخر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 أحمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن مروان الشيباني البعلبكي ثم الصالحي أحد رواة الصحيح عن الحجار وسمع أيضاً من غيره، وله إجازة من أبي بكر بن محمد بن عنتر المسلمي وغيره وحدث، مات في ذي الحجة. أحمد بن شعيب خطيب بيت لهيا كان عابداً قانتاً كثير التهجد والذكر. قال القاضي شهاب الدين ابن حجي قل من كان يلحقه في ذلك، مات في شهر المحرم. أحمد بن عبد الله السيواسي برهان الدين قاضي سيواس الحنفي قدم حلب فاشتغل بها ودخل القاهرة ثم رجع إلى سيواس فصاهر صاحبها ثم عمل عليه حتى قتله وصار حاكماً بها، وقد تقدم ما اتفق له مع عسكر الظاهر سنة تسع وثمانين، فلما كان سنة تسع نازله التتار الذي كانوا بآذربيجان فاستنجد بالظاهر، فأرسل إليه جريدة من عساكر الشام، فلما أشرفوا على سيواس انهزم التتار منهم فقصده قرايللك بن طور علي التركماني في أواخر سنة ثمانمائة فتقاتلا، فانكسر عسكر سيواس وقتل برهان الدين في المعركة؛ وكان جواداً فاضلاً له نظم أحمد بن علي بن محمد الحسيني شهاب الدين المصري ويعرف بابن شقائق كان شريفاً معروفاً يتعانى الشهادة، مات في جمادى الآخرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 أحمد بن عيسى بن موسى ابن سليم بن جميل المقيري الكركي العامري الأزرقي أبو عيسى القاضي عماد الدين الشافعي ولد في شعبان سنة إحدى وأربعين، وحفظ المنهاج وجامع المختصرات وغيرهما واشتغل بالفقه وغيره وسمع الحديث من البياني ةغيره وممن سمع منهم بالقاهرة أبو نعيم ابن الحافظ تقي الدين عبيد الإسعردي ويوسف بن محمد الدلاصي وغيرهما وحدث ببلده قديماً سنة ثمان وثمانين ولما قدم القاهرة قاضياً خرج له الحافظ أبو زرعة مشيخة سمعتها عليه وكان أبوه قاضي الكرك فلما مات استقر مكانه وقدم القاهرة سنة اثنتين وسبعين ثم قدمها سنة اثنتين وثمانين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 وكان كبير القدر في بلده محبباً إليهم بحيث أنهم كانوا لا يصدرون إلا عن رأيه فاتفق أن الظاهر لما سجن بالكرك قام هو وأخوه علاء الدين على خدمته فحفظ لهما ذلك فلكا تمكن أحضرهما إلى القاهرة وولي عماد الدين قضاء الشافعية وعلاء الدين كتابة السر وذلك في شهر رجب سنة اثنتين وتسعين فباشر بحرمة ونزاهة واستكثر من النواب وشدد في رد رسائل الكبار وتصلب في الأحكام فتمالأوا عليه فعزل في آخر سنة أربع وتسعين واستقر صدر الدين المناوي في رابع المحرم سنة خمس وأبقى السلطان مع القاضي عماد الدين من وظائف القضاء تدريس الفقه بالمدرسة الصلاحية المجاورة للشافعي ودرس الحديث بالجامع الطولوني ونظر ووقف الصالح بين القصرين فاستمر في ذلك إلى أن شغرت الخطابة بالمسجد الأقصى وتدريس الصلاحية فقررهما السلطان لعماد الدين وذلك في سنة تسع وتسعين فتوجه إلى القدس وباشرهما وانجمع عن الناس وأقبل على العبادة والتلاوة إلى أن مات في سابع عشر ربيع الأول من هذه السنة ونزل عن خطابة القدس في مرضه لولده شرف الدين عيسى فلم يمض النزول واستقر خطيب نابلس في الوظيفة بعناية نائب الشام وحضر ولد القاضي عماد الدين إلى القاهرة في طلب الخطابة فمنع واتفق أن نائب الكرك كاتب فيه يشكو منه فرسم عليه ثم أفلاج عنه وأعيد إلى الكرك قاضياً وهو أول من كتب له القضاة عن السلطان الجناب العالي وذلك بعناية أخيه لما ولي كتابة السر فاستأذن السلطان في ذلك فأذن له واستمر ذلك للقضاة وكانوا يكاتبون بالمجلس وهي كانت في غاية الرفعة للمخاطب بها في الدولة الفاطمية ثم انعكس ذلك في الدولة التركية وصار الجناب أرفع رتبة في المجلس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 وذكر لي الشيخ تقي الدين المقريزي أنه حلف له أنه في طول ولايته القضاء بالكرك والديار المصرية ما تناول رشوة ولا تعمد حكماً باطلاً رحمه الله تعالى. أحمد بن محمد بن إسماعيل المجدلي الحنفي لقبه ينوص لشدة شقرة شعره وكان مباشر أوقاف الحنفية وكان حسن المباشرة، مات في ربيع الأول. أحمد بن محمد بن أبي بكر بن السلار الصالحي شهاب الدين ابن أخي الشيخ ناصر الدين إبراهيم ولد سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة وأحضر علي أبي العباس ابن الشحنة وأجاز له أيوب بن نعمة الكحال والشرف ابن الحافظ وعبد اله بن أبي التائب وآخرون وحدث، سمع منه الحافظ غرس الدين وأجاز لي؛ مات في أواخر ذي الحجة. أحمد بن محمد بن عبد الرحمن البلبيسي الخطيب تاج الدين أبو العباس ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة واشتغل وتفقه ولم يحصل له من سماع الحديث ما يناسب سنه لكنه لما جاور بمكة سمع من الكمال ابن حبيب عدة كتب حدث بها عنه كمعجم ابن قانع وأسباب النزول وسنن ابن ماجة وولي أمانة الحكم بالقاهرة ودرس بجامع الخطيري وخطب به وناب في الحكم ببولاق ومات في شهر ربيع الأول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 أحمد بن محمد بن محمد بن عطاء اله بن عواض بن نجا بن حمود بن نهار بن يونس بن حاتم بن ببلي بن جابر المالكي الإسكندراني الزبيري القاضي ناصر الدين ابن جمال الدين بن شمس الدين ابن رشيد الدين سبط ابن التنسي بفتح المثناة والنون بعدها مهملة كان ينسب إلى الزبير ابن العوام وفيه يقول الدماميني من أبيات يخاطبه: وأجاد فكرك في بحار علومه ... سبحاً لأنك من بني العوام وكانوا يزعمون أن جابراً المذكور في نسبه ولد هشام بن عروة ابن الزبير، وفي ذلك نظر لا يخفى فليس في ولد هشام المذكور عند أهل الأنساب من اسمه جابر، وببلي بضم الموحدة وسكون مثلها ثم لام اسم بربري، ولد سنة .... وتفقه ببلده واشتغل ومهر وفاق الأقران في العربية وشرع في شرح التسهيل وولي قضاء بلده سنة إحدى وثمانين وسبعمائة ثم صرف بابن الريغي ثم عاد وتناوبا في ذلك مراراً ثم قدم القاهرة وظهرت فضائله إلى أن ولي قضاء المالكية في رابع عشر ذي القعدة سنة أربع وتسعين ونقا أهله وأولاده وناب عنه القاضي بدر الدين الدماميني وباشر القاضي ناصر الدين بعفة ونزاهة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 وكان عاقلاً متودداً موسعاً عليه في المال، وله تعليق على مختصر ابن الحاجب، وكان ممن يتعانى التجارة، وعاشر الناس بجميل فأحبوه، وكان سليم الصدر طاهر الذيل قليل الكلام لم يعرف أنه آذى أحداً بقول ولا فعل، مات في شهر رمضان واستقر عوضه ابن خلدون وكان حين مات ابن التنسي بالفيوم فأرسل إليه البريدي فأحضره فباشر في نصف رمضان وقدر أن ولده بدر الدين ولي القضاء بعده في رمضان سنة إحدى وأربعين، فكان بين موته وولاية ولده أربعون سنة سواء كما سيأتي بيانه. أحمد بن محمد الدمشقي شهاب الدين ابن العطار مستوفي الجامع الأموي كان من أجل من بقي من مباشري الجامع وقد طلب الحديث في وقت، ورافق شمس الدين ابن سند وابن إمام المشهد، مات في شوال. أحمد بن موسى الحلبي شهاب الدين الحنفي قدم من بلده ونزل في الصرغتمشية وشارك في مذهبه وفي الفضائل وناب في الحكم، مات في شهر ربيع الأول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 أرغون شاه الإبراهيمي المنجكي نائب السلطنة بحلب كان أصله لإبراهيم بن منجك فتقدم إلى أن صار جمداراً عند السلطان ثم ولي نيابة صفد ثم طرابلس ثم حلب وكان حسن السيرة، مات بحلب في العشر الأخير من صفر فيما قيل، وكان خازندار السلطان فأرسله أيام يلبغا الناصري إلى حلب حاجباً فلم يمكنه الناصري وكاتب في الإعفاء فأجيب فلما قتل الناصري ولاه الظاهر نيابة صفد ثم طرابلس ثم حلب في العام الماضي فسار أحسن سيرة ويقال إن بعض الأكابر سقاه ويقال إن بعض العرب أغار على جمال له فتوجه في طلبهم ففروا منه فلج في إثرهم وغرر بنفسه فأصابه عطش ومات بعض من معه وشيء من الخيول وضعف هو من ذلك واستمر إلى أن مات، وكان شاباً حسناً عاقلاً عادلاً شجاعاً كريماً، ومن عدله أن غلمانه توجهوا لتحويل الملح الذي في إقطاع النيابة فاستكروا جمالاً فخرج عليهم العرب فنهبوهم فغرم لأصحابها ثمنها وأن شخصاً ادعى عنده في جمل عند صلاة الجمعة فاستمهله إلى أن يصلي فمات الجمل فغرم لمستحقه ثمنه. إسماعيل بن عمر بن عبد الله بن جعفر الدمشقي العاملي الصفار، روى عن الحجار وغيره وحدث، ومات في جمادى الأولى وقد جاوز الثمانين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 أمير حاج بن مغلطاي، ناب في الإسكندرية مدة ثم ولي الاستادارية في سلطنة المنصور حاجي بن الأشرف شعبان، ثم نفاه برقوق إلى دمياط فمات بها بطالاً في ربيع الأول. أبو بكر بن أحمد بن عمر العجلوني نزيل مكة المشرفة يأتي فيمن اسمه محمد. برقوق بن آنص بن عبد الله الجركسي العثماني، ذكر الخواجا عثمان الذي أحضره من بلاد الجركس أنه اشتراه منه يلبغا الكبير واسمه حينئذ الطنبغا فسماه برقوقاً لنتو في عينيه فكان في خدمة يلبغا من جملة المماليك الكتابية، ثم كان فيمن نفي إلى الكرك بعد قتل بلبغا، ثم اتصل بخدمة منجك نائب الشام، ثم حضر معه إلى مصر واتصل بخدمة الأشرف شعبان، فلما قتل الأشرف ترقى برقوق إلى أن أعطي إمرة أربعين وكان هو وجماعة من إخوته في خدمة أينبك، ثم لما قام طلقتمر على أينبك وقبض عليه ركب برقوق وبركة ومن تابعهما على المذكور وأقاما طشتمر العلاي مدبر المملكة أتابكاً، واستمروا في خدمته إلى أن قام عليه مماليكه في أواخر سنة تسع وسبعين فآل الأمر إلى استقرار برقوق وبركة في تدبير المملكة بعد القبض على طشتمر، فلم تطل الأيام حتى اختلفا وتباينت أغراضهما وقد سكن برقوق في الاصطبل السلطاني، فأول شيء صنعه أن قبض على ثلاثة من أكابر الأمراء كانوا من أتباع بركة، فبلغه ذلك فركب على برقوق فدام الحرب بينهما أياماً إلى أن قبض على بركة وسجن بالإسكندرية، وانفرد برقوق بتدبير أمور المملكة إلى أن دخل شهر رمضان سنة أربع وثمانين وهو في غضون ذلك يدبر أمر الستقلال بالسلطنة إلى أن تم له ذلك، فجلس على تخت الملك في ثامن عشر الشهر المذكور ولقب بالملك الظاهر، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 وبايعه الخليفة وهو المتوكل محمد بن المعتضد والقضاة والأمراء ومن تبعهم، وخلعوا الصالح حاجي بن الأشرف وأدخل به إلى دور أهله بالقلعة؛ فلما كان بعد ذلك بمدة خرج عليه يلبغا الناصري واجتمع إليه نواب البلاد كلها وانضم إليه منطاش وكاتب أمير ملطية ومعه جمع كثير من التركمان، فجهز إليهم الظاهر عسكراً بعد عسكر فانكسروا، فلما قرب الناصري من القاهرة تسلل الأمراء المصرية إليه إلى أن لم يبق عند الظاهر إلا القليل، فتغيب واختفى في دار بالقرب من المدرسة الشيخونية ظاهر القاهرة، فاستملى الناصري ومن معه على المملكة واستقر الناصري أتابكاً بمصر وأعيد حاجي إلى السلطنة ولقب المنصور، وأراد منطاش قتل برقوق فمنعه الناصري وأرسله إلى الكرك وسجنه بها، ثم لم يلبث منطاش أن ثار على الناصري فحاربه إلى أن قبض عليه وسجنه بالإسكندرية واستقل بتدبير المملكة وكان أهوج فلم ينتظم له أمر وانتقضت عليه الأطراف، فجمع العساكر وخرج إلى جهة الشام، فاتفق خروج الظاهر من الكرك وانضم إليه جمع قليل فالتقوا بمنطاش، فاتفق أنه انكسر وانهزم إلى جهة الشام واستولى الظاهر على جميع الأثقال وفيهم الخليفة والقضاة وأتباعهم فساقهم إلى القاهرة، واتفق خروج المسجونين من مماليكه بقلعة الجبل فغلبوا على نائب الغيبة فدخل الظاهر واستقرت قدمه بقلعة الجبل وأعاد ابن الأشرف مكانه من دور أهله، وكل ذلك في أوائل سنة اثنتين وتسعين؛ ثم جمع العساكر وتوجهوا إلى الشام فحصرها وذلك في شعبان من السنة المقبلة وهرع إليه الأمراء وتعصب أهل الشام لمنطاش فما أفاد ودامت الحرب بينهم مدة إلى أن هزم منطاش وقد تقدم بيان ذلك في الحوادث مفصلاً، ووصل في تلك السنة إلى حلب وقرر أمراء البلاد ونوابها، ورجع إلى القاهرة في المحرم سنة أربع وتسعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 واستقرت قدمه في المملكة إلى أن مات على فراشه في ليلة النصف من شعبان سنة إحدى وثمانمائة وعهد بالسلطنة إلى ولده فرج وله يومئذ من العمر عشر سنين لأنه ولد عند خروجه من الكرك ولذلك سماه ذا الأسم ويقال أنه بلغ ستين سنة. ومن آثاره المدرسة الفائقة بين القصرين لم يتقدم بناء مثلها في القاهرة وسلك في ترتيب من قرره فيها مسلك شيخون في مدرسته فرتب فيها أربعة من المذاهب وشيخ تفسير وشيخ إقراء وشيخ حديث وشيخ ميعاد بعد صلاة الجمعة إلى غير ذلك. ومن آثاره عمل جسر الشريعة، انتفع به المسافرون كثيراً وأبطل ضمان المغاني بعدة بلاد وكان الأشرف أبطله من الديار المصرية، وأبطل مكس القمح بعدة بلاد، وكانت مدة استقلاله بأمور المملكة من غير مشاركة تسع عشر سنة وأشهراً، ومدة سلطنته في المرتين ست عشرة سنة ونحو نصف سنة، وكان شهماً شجاعاً ذكياً خبيراً بالأمور إلا أنه كان طماعاً جداً لا يقدم على جمع المال شيئاً ولقد أفسد أحوال المملكة بأخذ البذل على الولايات حتى وظيفة القضاء والأمور الدينية، وكان جهوري الصوت كث اللحية واسع العينين عارفاً بالفروسية خصوصاً اللعب بالرمح، وكان يحب الفقراء ويتواضع لهم ويتصدق كثيراً ولا سيما إذا مرض، وأبطل في ولاياته كثيراً من المكوس منها ما كان يؤخذ من أهل البرلس وما حولها وهو في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 السنة ستون ألفاً وعلى القمح بدمياط وعلى الفاريج بالغربية وعلى الملح بعينتاب وعلى الدقيق بالبيرة وعلى الدريس والحلفاء بباب النصر وضمان المعاني بمنية بني خصيب وبالكرك والشوبك، ولم عهد لولده استحلف القاضي الشافعي جميع الأمراء فبدأ بالخليفة ثم بأيتمش ثم ببقيتهم فحلف من حضر ثم أرسلوا إلى من غاب فلم يتأخر أحد وخلع على الخليفة على العادة ونودي في البلد بالأمان. بكلمش العلاي أحد الأمراء الكبار بالديار المصرية تقدم ذكره في الحوادث، مات بالقدس بطالاً في صفر وكان من قدماء جماعة الظاهر وتقدم في الدول كثيراً، قال العينتابي كان عتيق بعض الجند ثم انتمى إلى طنبغا الطويل فقيل له العلائي قال: وكان مقداماً جسوراً عنده نوع كبر وعسف مع أنه كان شجاعاً شهماً مهيباً وعقيدته صحيحة ويحب العلماء ويجلس إليهم ويذاكر بمسائل ويتعصب للحنفية جداً. حسن بن علي بن أحمد الكجكني حسام الدين الحلبي البانقوسي نائب السلطنة بالكرك ترقى في الخدم إلى أن أمر بطرابلس وقدم مع يلبغا الناصري لما انتزع الملك من برقوق فأمره بالكرك، وتقدم عند الملك الظاهر لكونه خدمه بالكرك ثم قربه وأمره بمصر وبعثه رسولاً إلى الروم، مات في رجب عن ستين سنة، قال الشيخ تقي الدين المقريزي: كان تام المعرفة بالخيل وجوارح الطير محباً لأهل السنة عاقلاً مزاحاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 حسن بن محمد الغيثاوي أحد الطلبة المشهورة، ذكر ابن حجي أنه كان أفضل أهل طبقته جاوز الثلاثين ومات في أول السنة. حسين بن علي الفارقي ثم الزبيدي شرف الدين وزير الأشرف وليها سنة سبع وثمانين ثم عزل بعد أربع سنين بالشهاب أحمد بن عمر ابن معيبد وكان يدري الطب، رأيته بزبيد في الرحلة الأولى ومات بعدنا في ليلة النصف من شعبان حيدر بن يونس المعروف بابن العسكري أحد الشجعان الفرسان، مات في شوال بدمشق بطالاً وقد شاخ وولي إمرة سنجار للأشرف. خديجة بنت أبي بكر بن يوسف بن عبد القادر بن يوسف الحلبية الأصل الدمشقية ماتت في ........ خلف بن حسن بن عبد الله الطوخي أحد المعتقدين بمصر، مات في تاسع عشر ربيع الأخر، وكان كثير التلاوة ملازماً لداره والخلق يهرعون إليه، وشفاعاته مقبولة عند السلطان ومن دونه. خلف بن عبد المعطي المصري صلاح الدين ناظر المواريث والحسبة، مات في ربيع الأول. خلف خليل بن حسن بن حرز الله قاضي الفلاحين كانوا يرجعون إليه في أمور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 الفلاحة وكان شاهداً ببعض المراكز وقد حضر علي الحجار وغيره، مات في جمادى الآخرة. خليل بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الجليل المصري المقرئ المعروف بالمشبب، سمع من البدر ابن جماعة على ما قيل، وأقرأ الناس بالقرافة دهراً طويلاً، وكان منقطعاً بسفح جبل، وللملك الظاهر وغيره فيه اعتقاد كبير، مات في ربيع الأول، اجتمعت به مراراً وسمعت قراءته وصليت خلفه، وما سمعت أشجى من صوته في المحراب. زكريا بن أبراهيم بن محمد بن أحمد بن الحسن أبو يحيى المستعصم بالله العباسي ولي الخلافة في أيام اينبك بعد قتل الأشرف عوضاً عن المتوكل ثم خلع ثم اعاده الظاهر بعد القبض على المتوكل في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، ثم صرف عنها في جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين فلزم داره إلى أن مات في جمادى الأولى، وكان عامياً صرفاً بحيث يبدل الكاف همزة. زينب بنت عمر بن سعد الله بن النحنخ الحرانية سمعت من ..... وماتت في ربيع الأول. ست القضاة بنت عبد الوهاب بن عمر بن كثير ابنة أخي الحافظ عماد الدين حدثت بالإجازة عن القاسم بن عساكر وغيره من شيوخ الشام وعن علي الواني وغيره من شيوخ مصر، وخرج لها صلاح الدين أربعين حديثاً عن شيوخها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 ماتت في جمادى الآخرة وقد جاوزت الثمانين. شيخ الخاصكي كان أجمل مماليك الظاهر وأقربهم إلى خدمته وأخصهم به وكان القاضي فتح الدين فتح اله زوج والدته، قرأت بخط المقريزي: كان بارع الجمال فائق الحسن لديه معرفة وفيه حشمة ومحبة للعلماء وفهم جيد، تائهاً صلفاً معجباً منهمكاً في اللذات، توجه إلى الكرك فمات في أوائل السنة. شيخ الصفوي أحد الأمراء الكبار، تنقلت به الأحوال إلى أن نفي إلى القدس في سنة ثمان، ثم حبس بقلعة المرقب فمات بها في هذه السنة في شهر ربيع الآخر. صرغتمش المحمدي، ولي نيابة الإسكندرية في سنة تسع وتسعين وسبعمائة، مات في جمادى الأولى. صفية بنت القاضي عماد الدين إسماعيل بن محمد بن العز الصالحية ولي أبوها القضاء وحدثت هي بالإجازة عن الحجار وأيوب الكحال وغيرهما وسمعت من عبد القادر الأيوبي، ماتت في المحرم. صندل بن عبد الله المنجكي الطواشي الخازندار كان من أخص الناس عند الظاهر، وكان يعتقد في الجودة والأمانة، وكانت أكثر الصدقة تجري على يده مع كثرتها، مات في رمضان. عبد الله بن أحمد بن صالح بن أحمد بن خطاب الزهري الشافعي جمال الدين ابن القاضي شهاب الدين ولد في جمادى الآخرة سنة تسع وستين وحفظ التمييز وأذن له أبوه في الإفتاء سنة إحدى وتسعين ودرس بالقليجية وغيرها وناب في الحكم وكان عالي الهمة، ومات في المحرم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 عبد الله بن سعد بن عبد الكافي المصري ثم المكي المعروف بالحرفوش وبعبيد جاور بمكة أكثر من ثلاثين سنة، وكان للناس فيه اعتقاد زائد، واشتهر عنه أنه أخبر بواقعة الإسكندرية قبل وقوعها، مات في أوائل هذه السنة، رأيته بمكة وثيابه كثياب الحرافيش وكلامه كذلك، جاوز الستين. عبد الله بن ابي عبد الله السكسوني جمال الدين أحد المدرسين في مذهبهم، مات في ربيع الآخر، كان بارعاً في العلم مع الدين والخير، أخبر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم لما تجهز الأشرف للحج في المنام وعمر يقول له: يا رسول الله! شعبان بن حسين يريد أن يجيئ إلينا، فقال: لا ما يأتينا أبداً! قال: فلم يلبث الأشرف أن رجع من العقبة؛ ودرس جمال الدين بالأشرفية بعد بهادر المنجكي إلى أن مات. عبد الرحمن بن أحمد بن الموفق إسماعيل بن أحمد الصالحي الذهبي الحنبلي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 ناظر المدرسة الصاحبية بالصالحية، حدث عن ابن أبي التائب ومحمد أبن أيوب بن حازم وزينب الكمال وغيرهم وأجاز له ابن الشحنة مات في جمادى الأولى وقد جاوز السبعين؛ قال ابن حجي: بلغني انه تغير بآخره ولم يحدث في حال تغيره عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن داود الكفيري صدر الدين الشافعي عني بالفقه وناب في الحكم بدمشق ومات بها في المحرم عن أربعين سنة، وكانت له همة في طلب الرياسة قاله ابن حاجي. عبد الرحمن بن عبد الكافي بن علي بن عبد الله بن عبد الكافي ابن قريش بن عبد اله بن عباد بن طاهر بن موسى الشريف الطباطبي الحسني زين الدين مؤذن الركاب السلطاني، وبقية نسبه في ترجمة نقيب الأشراف الطباطبي، كان يجالس الملك الظاهر فاتفق أن جمال الدين لما كان ناظر الجيش أنف أن يجلس دونه فذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم فعتبه على ذلك، قرأت ذلك بخط الشيخ تقي الدين المقريزي أنه سمعه من صاحبنا شمس الدين العمري الموقع يذكر أنه حضر ذلك. عبد الرحمن بن محمد بن أبي عبد الله بن سلامة الماكسيني الدمشقي المؤذن بجامع دمشق روى عن الزين عبد الغالب بن محمد الماكسيني وابن أبي التائب وغيرهما، ومات في جمادى الأولى، وكان رئيس الجامع كأبيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 عبد الرحمن بن موسى بن راشد بن طرخان الملكاوي ابن أخي شيخنا شهاب الدين اشتغل بالفقه وحفظ المنهاج ونظر في الفرائض، واعترته في آخر أمره غفلة وكان مع ذلك ضابطاً لأمره، مات في المحرم ولم يكمل الخمسين. علي بن أحمد بن الأمير بيبرس الحاجب المعروف بأمير علي بن الحاجب المقرئ تلا بالسبع، وكان حسن الآداء مشهوراً بالمهارة في العلاج، يقال عالج بمائة وعشرة أرطال، مات في ربيع الآخر وقد شاخ. علي بن أيبك بن عبد الله الدمشقي الشاعر اشتهر بالنظم قديماً، وطبقته متوسطة، وله مدائح نبوية وغيرها، وقد يقع له المقطوع النادر كقوله مضمناً: مليح قام يجذب غصن بان ... فمال الغصن منعطفاً عليه وميل الغصن نحو أخيه طبع ... وشبه الشيء منجذب إليه ولد سنة ثمان وعشرين ومات في ثاني عشر ربيع الأول، كتب إلي بالإجازة وعلق تاريخاً لحوادث زمانه. علي بن علي بن أبي بكر بن يوسف بن الخصيب الداراني خادم الشيخ أبي سليمان الداراني روى عن شاكر بن التقي أبي النشو وغيره، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 مات في المحرم بداريا وكان معمراً، تغير قليلاً بآخره. علي بن سالم الرمثاوي البهنسي، مات بدمشق في ذي الحجة. علي بن سنقر العينتابي نقيب الجيش، مات في ربيع الآخر. علي بن عثمان بن محمد ابن الشمس لؤلؤ الحلبي ثم الدمشقي حدث عن الحجار وغيره، مات في المحرم عن خمس وسبعين سنة ببيت لهيا. علي بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد المنعم بن عمر بن عذير القواس علاء الدين بن شرف الدين بن بدر الدين الطائي وعم جده عمر ابن القواس هو آخر من حدث عن السندي بالإجازة، مات في المحرم. علي بن محمد بن محمد بن النعمان الأنصاري الهوى نور الدين بن كريم الدين ابن زين الدين ولد في حدود الأربعين واشتغل بالفقه ثم تعانى التجارة ثم انقطع وكان كثير المحبة في أهل الصلاح يحفظ كثيراً من مناقبهم لاسيما أهل الصعيد وكان يكثر التردد للقاهرة اجتمعت به بمصر وفي مدينته التي يقال لها هو؛ وهي بالقرب من قوص بالصعيد الأعلى، وكان يذكر عن ابن السراج قاضي قوص وكان وجيهاً في زمانه ومكانه أنه كان في منزله فخرج عليه ثعبان مهول المنظر ففزع منه فضربه فقتله، فاحتمل في الحال من مكانه ففقد من أهله فأقام مع الجن إلى أن حملوه إلى قاضيهم فادعى عليه ولي المقتول، فأنكر فقال له القاضي: على أي صورة كان المقتول؟ فقيل: في صورة ثعبان، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 فالتفت القاضي إلى من بجانبه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تزيا لكم فاقتلوه؛ فأمر القاضي بإطلاق المذكور فرجعوا به إلى منزله، وذكر لي بعض أقاربه أن مات في هذه السنة ببلده، وهو عم كريم الدين محتسب القاهرة في سلطنة الناصر فرج. علي بن محمد الميقاتي نور الدين ابن الشاهد المنجم انتهت إليه الرياسة في عمل الزيج وكتابة التقاويم وقد راج بآخره على الملك الظاهر وقربه وصار شيخ الطرقية وكانت له معرفة بالرمل وغيره، ومات في المحرم. علي بن محمد بن القاصح نور الدين المقرئ قرأ على المجد الكفتي ونظم قصيدة في القراآت وكان يقرأ في جامع المارداني، مات في ذي الحجة، عمر بن إبراهيم بن القواس الدمشقي السكري العابر كان يجيد تعبير المنامات ويجلس على كرسي بالجامع وقد طلب الحديث كثيراً وقرأ وسمع، مات فجأة وهو في الخلاء ولم يشعروا به إلا في ثاني يوم وذلك في ذي القعدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 عمر بن إيدغمش الحلبي عتيق بني النصيبي المسند المعروف بالكبير ولد سنة تسع عشرة وسمع من العز إبراهيم بن صالح ابن العجمي وكان خاتمة أصحابه بالسماع كما أنه خاتمة أصحاب مشيخة يوسف بن خليل بالسماع، مات في تاسع عشر المحرم، وكنت لما رحلت إلى دمشق سنة اثنتين وثمانمائة عزمنا على الرحلة إلى حلب لأجله وأنا أظن أنه حي فبلغني وفاته فتأخرت عنها لأنه كان مسندها ودهم الناس اللنك فرجعت إلى القاهرة ولم يحصل لي منه إجازة فيما أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 وقد أجاز ابن صالح المذكور لشيخنا برهان الدين التنوخي وقرأت عليه بها من مسموعات ابن صالح وسمعت عشرة الحداد علي الحافظ برهان الدين الطرابلسي بسماعه من عمر المذكور وغيره وكان جندياً عارفاً بالصيد ثم ترك ذلك واستمر في صناعة الفراء المصيص حتى مات وقد سمع الشمائل وأكثر عنه الحلبيون والرحالة. عمر بن محمد البعلي المعروف بابن التركماني أحد الشهود ببعلبك وله نظم نازل وكان لا يشاقق رفقته ولا يشاطط في الأجرة، مات في ثامن عشر المحرم وقد جاوز الثمانين. عمر بن يوسف البالسي المؤذن اشتغل بالحديث ومهر فيه وسمع الكثير مع الخير والدين، مات بوادي الصفراء وهو متوجه إلى مكة في آخر ذي القعدة. عمر القرمي ثم الحلبي كان ماهراً في العلم عارفاً بالأدب والنظم، قدم من بلاده فأقام بحلب ثم تحول إلى دمشق فأقام بها مدة ثم توجه منها إلى مصر فمات بها في الطريق. عمر بن سراج الدين عبد اللطيف القوي ولد سنة أربعين وسبعمائة وأخذ بالقاهرة عن جمال الدين الأسناي وشمس الدين الكلاي وغيرهما ثم دخل دمشق فأقام بها مدة وصحب القاضي ولي الدين ابن أبي البقاء وفتح الدين ابن الشهيد ثم ارتحل إلى حلب فأقام بها واستمر يشغل بالجامع الكبير وولي القضاء للعسكر وتدريس الظاهرية قال الشيخ شهاب الدين ابن حجي: كان فاضلاً وله معرفة بالأدب وصار من علماء الحلبيين وذكر لي جمال الدين ابن العراقي أنه كان يعتني في دروسه بشيء خفي وهو أن الدرس مثلاً إذا كان في باب من أبواب الفقه يعتني بما يتعلق بنظير تلك المسألة من باب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 آخر فيصرف وجه مطالعته إليه حتى يتقنه إتقاناً بالغاً فإذا شرع في درس ذلك الباب وشورك فيه انتقل إلى النظير فأبهت الحاضرين من قوة استحضاره ما يتعلق بذلك النظير وكان ماهراً في الفرائض مشاركاً في غيرها سريع الإدراك كثير الاشتغال، واتفق أنه خرج من حلب إلى دمشق في أواخر المحرم وخرج منها قاصداً القاهرة فاغتيل في خان غباغب ولم يعرف قاتله وذهب دمه هدراً، ويقال إنه تتبع من حلب وكان جال في البلاد ونظم نظماً حسناً ورحلا من حلب إلى دمشق ففقد الطريق وكان قد درس بحلب وحصل بها وظائف، مات في ربيع الأول وقد جاوز الستين. فاطمة بنت محمد بن أحمد بن السيف محمد بن احمد بن عمر بن أبي عمر المقدسية ثم الصالحية سمعت من جدها أربعي أبي الأسعد وأجاز لها ابن الشحنة وأيوب الكحال وغيرهما وماتت في شهر رمضان. قنبر بن عبد الله العجمي الشرواني الأزهري كان شافعي المذهب اشتغل في بلاده وقدم الديار المصرية قبل التسعين فأقام بالجامع الأزهر وكان معرضاً عن الدنيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 قانعاً باليسير. وكان ملبوسه في الصيف والشتاء سواء قميص ولباد وعلى رأسه كوفية لبد، وكان لا يتردد إلى أحد ولا يسأل من أحد شيئاً، وإذا فتح عليه بشيء أنفقه على من حضر، وكان يحب السماع والرقص ويتنزه في أماكن النزهة على هيئته، وتمهر في الفنون العقلية وتصدر بالجامع الأزهر وشغل الطلبة، وكان حسن التقرير جيد التعليم مذكوراً بالتشيع، وشوهد مراراً يمسح على رجليه من غير خف، مات في شعبان اجتمعت به مراراً وسمعت درسه. كمشبغا بن عبد اله الحموي اشتراه ابن صاحب حماة وهو صغير ورباه ثم قدمه للناصر حسن، ثم أخذه يلبغا العمري بعد قتل حسن وصيره رأس نوبة عنده، وسجن بعد مسك يلبغا ثم أفرج عنه في دولة الأشرف وخدم في بيت السلطان، فلما قتل الأشرف أمر بحلب نائباً ثم عمل بدمشق تقدمة ثم نيابة حماة ثم عمل نيابة الشام ثمانين ثم ناب في صفد ثم طرابلس وتنقلت به الأحوال، وعمل نيابة طرابلس مدة ثم قبض عليه وسجن بها ثم أفرج عنه يلبغا الناصري وتوجه معه لمصر وولاه نيابة حلب، وقاتل معه ورجع إلى حلب، فلما استقر الظاهر في السلطنة أحضره إلى القاهرة واستقر أتابك العساكر، ثم غضب عليه في أول سنة ثمانمائة واعتقله بالإسكندرية إلى أن مات في رمضان، ولم يعش الظاهر بعده إلا أياماً يسيرة دون العشرين، وكان شكلاً حسناً مهاباً عالي الهمة، وهو الذي جدد سور حلب وأبوابها وكانت خراباً من وقعة هولاكو، ولما قام عليه أهل حلب فتك في أهل بانقوسا، ثم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 لما انتصر الظاهر على منطاش قبض على القاضي شهاب الدين ابن أبي الرضى واستصحبه معه كالأسير إلى أن هلك معه من غير سبب ظاهر، فاتهم بأنه دس عليه من خنقه وذلك أنه كان أشد من ألب عليه في تلك الفتنة فانتقم منه لما قوي عليه رحمه الله تعالى. قال العينتابي: كان مشتغلاً بنفسه قضى أكثر عمره في ملاذ الدنيا ولم يشهر عنه من الخير إلا القليل مع العسف والظلم وسفك الدماء انتهى ملخصاً. محمد بن أحمد بن عبد الحميد بن محمد بن غشم بفتح الغين وسكون السين المعجمتين المقدسي ثم الصالحي شمس الدين، روى عن زينب بنت الكمال بالحضور، مات في رابع شوال وهو في عشر السبعين. محمد بن أحمد ابن أبي العز بن أحمد بن أبي العز بن صالح بن وهيب الأذرعي الأصل الدمشقي الحنفي شمس الدين بن النشو ولد سنة إحدى وعشرين وأسمع علي الحجار وأسحق الآمدي وعبد القادر بن الملوك وغيرهم وحدث، وكان أحد العدول بدمشق، مات في صفر. محمد بن أحمد بن عمر العجلوني شرف الدين أبو بكر نزيل حلب المعروف بخطيب سرمين وكان اصله من عجلون ثم سكن أبوه عزاز وولي أبو بكر خطابة سرمين، وقرأ بحلب علي الباريني وسمع من ظهير الدين ابن العجمي، وغيره وحج وجاور ووعظ على الكرسي بحلب ثم في آخر عمره جاور حتى مات بمكة، وكان ينتسب جعفرياً ويقول إنه من ذرية جعفر بن أبي طالب، وكانت له عناية بقراءة الصحيحين ويحفظ أشياء تتعلق بذلك ويضبطها، وكتب عن أبي عبد اله بن جابر الأعمى المغربي قصيدته البديعية وحدث بها عنه، سمعتها منه لما اجتمعت به بمكة في أول هذه السنة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 وجاور بمكة مراراً، مات بها في سادس عشري صفر، وقد تقدم في أبي بكر وكأنها كانت كنيته ولكنه كان بها أشهر. محمد بن أحمد بن محمد بن علي المصري شمس الدين المعروف بابن النجم الصوفي نزيل مكة تسلك على يد الشيخ يوسف العجمي وتجرد وجاور بمكة ثم بالمدينة بضع عشرة سنة، ومات بها في ربيع الأول، وكان كثير العبادة. قال ابن حجي: على طريقة ابن العربي جاوز الستين. محمد بن أحمد بن مسلم الناهي الحنبلي شمس الدين. محمد بن أحمد بن موسى الدمشقي الفقيه الشافعي بدر الدين الرمثاوي اشتغل كثيراً ونسخ بخطه الكير ودرس بالعصرونية، ومات في ربيع الأول، وكان قد أفتى ودرس وكان منجمعاً قليل الشر جاوز الأربعين. محمد بن حاجي بن محمد بن قلاوون الصالحي الملك المنصور بن الملك المظفر بن الناصر ولد سنة ثمان وأربعين وولي السلطنة بعد عمه الناصر حسن في جمادى الأولى سنة اثنتين وستين ومدبر المملكة يومئذ يلبغا، وسار معه إلى الشام وكان عمره إذ ذاك نحو خمس عشرة سنة فترعرع بعد أن رجع من السفر وكثر أمره ونهيه، فخشي يلبغا منه فأشاع أنه مجنون وخلعه من السلطنة في شعبان سنة أربع وستين فكانت مدة سلطنته سنتين وشهرين وخمسة أيام، واعتقل في الحوش في المكان الذي به ذرية الملك الناصر إلى الآن، مات في المحرم في تاسعه، وحضر الصلاة عليه الملك الظاهر برقوق وقرر مرتباً لأولاده وعدتهم عشرة أنفس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 محمد بن سعيد بن مسعود بن محمد بن مسعود بن محمد بن علي بن أحمد بن عمر بن إسماعيل بن الحسن بن علي بن محمد بن إسحاق بن عبد الرحيم ابن أحمد أبو عبد الله نسيم الدين بن سعد الدين النيسابوري ثم الكازروني الفقيه الشافعي نشأ بكازرون وكان يذكر أنه من ذرية أبي علي الدقاق وأنه ولد سنة خمس وثلاثين وأن المزي أجاز له، اشتغل بكازرون على أبيه وبرع في العربية وشارك في الفقه وغيره مشاركة حسنة مع عبادة ونسك وخلق رضي، وأقام بمكة مدة طويلة وحج سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة فجاور بها إلى أن رجع في سنة ثمان وتسعين، وكان حسن التعليم غاية في الورع في عصرنا وانتفع به أهل مكة، ومات ببلاده بلار في هذه السنة وله خمس وستون سنة. محمد بن علي بن عثمان ابن التركماني بهاء الدين ابن المصري خازن كتب النورية وغيرها بدمشق، أحضر على أصحاب الفخر وغيرهم، ولم يكن مرضياً، مات في صفر. محمد بن علي بن عطاء الدمشقي أمين الدين كان فاضلاً بارعاً عارفاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 بالتصوف والعقليات، درس بالأسدية، وكان يسجل على القضاة وإليه النظر على وقف جده الصاحب شهاب الدين ابن تقي الدين، مات في ذي الحجة. محمد بن علي بن محمد بن علي بن ضرغام بن عبد الكافي البكري شمس الدين أبو عبد الله بن سكر الحنفي المصري نزيل مكة، ولد سنة ثمان عشرة وسبعمائة، وقال مرة: في ربيع الأول سنة تسع عشرة، وطلب الحديث والقراآت فسمع من ابن المصري وصالح بن مختار وعبد القادر الأيوبي وجمع جم من أصحاب النجيب وابن عبد الدائم ثم من أصحاب الفخر ونحوه ثم من أصحاب الأبرقوهي ونحوه ثم من أصحاب الحجار وهلم جرا إلى أن سمع من أصاغر تلامذته وجمع شيئاً كثيراً بحيث كان لا يذكر له جزء حديثي إلا ويخرج سنده من ثبته عالياً أو نازلاً، وذكر لي أن سبب مروياته وشيوخه أنه كان إذا قدم الركب مكة طاف على الناس في رحالهم ومنازلهم يسأل عمن له رواية أو له حظ من علم فيأخذ عنه مهما استطاع، وكتب بخطه ما لا يحصى من كتب الحديث والفقه والأصول والنحو وغيرها، وخطه رديء وفهمه بطيء وأوهامه كثيرة، سمعت منه بمكة وقد قرأ القراآت بها، وكان كثير التخيل وتغير بآخره تغيراً يسيراً، وكان ضابطاً للوفيات محباً للمذاكرة، مات في صفر. محمد بن علي بن يعقوب النابلسي الأصل شمس الدين نزيل حلب ولد سنة بضع وخمسين، وكان فقيهاً مشاركاً في العربية والأصول والميقات، وكان قد حفظ أكثر المنهاج والتمييز للبارزي وأكثر الحاوي والعمدة والشاطبية والتسهيل ومختصر ابن الحاجب ومنهاج البيضاوي وغيرها وكان يكرر عليها، قال البرهان المحدث بحلب: كان سريع الإدراك وكان محافظاً على الطهارة سليم اللسان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 صحيح العقيدة، لا أعلم بحلب أحداً من الفقهاء على طريقته، مات في تاسع شهر ربيع الآخر. محمد بن محمد بن أحمد بن طوق بدر الدين الكاتب الطواويسي، سمع بعناية زوج أخته الحافظ شمس الدين الحسيني من أصحاب الفخر ونحوهم وحدث عن زينب بنت الخباز وغيرها وأجاز له جماعة، مات في أواخر ذي الحجة، وكان مباشر ديوان الأسرى والأسوار مع الشهرة بالكفاءة، قارب السبعين. محمد بن محمد بن محمد الحسيني الشريف إمام مسجد العقيبة وناظر الجامع بها، وحصلت له إهانة في أيام حصار الظاهر دمشق بعد خروجه من الكرك من أيدي المنطاشة، فلما ظهر الظاهر رحل هو إلى القاهرة فادعى على الذي أهانه ولم يزل به حتى ضربت عنقه لأمر أوجب ذلك، وولاه السلطان نظر الجامع، ومات يوم تاسوعاء وله نحو الخمسين. محمد بن محمد بن محمد الرملي ناصر الدين المجود صاحب الخط المنسوب، مات وله بضع وثمانون سنة وكان كتب على القلندري وكتب الناس دهراً طويلا، كتب عليه بدر الدين بن قليج العلائي وابن عمه أبو الخير بالقدس، ثم انتقل إلى الشام فأقام بد دهراً ثم تحول إلى القدس وأقام به، وكتب بخطه شيئاً كثيراً من المصاحف وغيرها، مات في ذي الحجة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 محمد بن محمد بن ميمون الجزائري المعروف بالفخار المالكي أبو عبد الله شارك في الفنون وتقدم في الفقه مع الدين والصلاح وذكرت عنه كرامات ومات في تاسع عشرى رمضان بمكة وقد بلغ الستين، وكان ابن عرفة يعظمه، وأظن أني اجتمعت به أول السنة. محمد بن محمد الجديدي القيرواني أبو عبد الله تقدم في محمد ابن سعيد. محمد بن يحيى الخراساني إمام القليجية بدمشق، كان يفهم جيداً، وقال ابن حجي: كان من خيار الناس، مات في صفر. محمد بن يلبغا اليحياوي ناصر الدين أحد الأمراء الصغار بدمشق وكان ينظر أحياناً في أمر الجامع الأموي، مات في المحرم. محمد الكلائي صلاح الدين أحد المذكرين على طريق الشاذلية، كان شاهداً بحانوت خارج بابي زويلة ثم صحب الشيخ حسيناً الحبار وخلفه في مكانه وصار يذكر الناس، وبدت منه ألفاظ منكرة فيها جرأة عظيمة على كتاب الله وضبطت عليه أشياء مستقبحة فامتحن مرة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 ذكر لي الحافظ صلاح الدين الأقفهسي أنه سمعه يقول في تفسير قوله تعالى " من ذا الذي يشفع عنده " من ذل ذل نفسه، ذي إشارة للنفس، يشف يحصل له الشفاء، عوا يعني افهموا، قال: فذكرت ذلك للشيخ زين الدين الفاسكوري فمشى معي إلى الشيخ سراج الدين البلقيني فأرسل إليه وعزره ومنعه من الكلام على الناس، فأقام بعدها قليلاً ومات في مستهل ربيع الأول. محمود بن عبد الله الكلستاني السيرامي الحنفي بدر الدين اشتغل ببلاده ثم ببغداد وقدم دمشق خاملاً فسكن باليعقوبة ثم قدم مصر فتقرب عند الجوباني فلما ولي نيابة الشام قدم معه وولي تدريس الظاهرية ثم ولي مشيخة الأسدية بعد الياسوفي وأعطي تصديراً بالجامع اأيوبي ثم رجع إلى مصر فأعطاه الظاهر وظائف كانت لجمال الدين محمود القيسري كتدريس الشيخونية والصرغتمشية فلما رضي عن جمال الدين استعاد بعضها منها تدريس الشيخونية واستمر بدر الدين في تدريس الصرغتمشية وغيرها، ثم لما سار السلطان إلى حلب احتاج إلى من يقرأ له كتاباً بالتركي ورد عليه من اللنك فلم يجد من يقرأه فاستدعى به وكان قد صحبهم في الطريق فقرأه وكتب الجواب فأجاد فأمره أن يكون صحبة قلماي الدوادار، فلما اتفقت وفاة بدر الدين بن فضل الله ولاه مكانه فباشر الوظيفة بحشمة ورياسة، وكان يحكي عن نفسه انه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 أصبح في ذلك اليوم لا يملك الدرهم الفرد فما أمسى ذلك اليوم إلا وعنده من الخيل والبغال والجمال والمماليك والملابس والآلات ما لا يوصف كثرة، وكانت ولايته في ثاني عشري شوال، وكان حسن الخط جداً مشاركاً في النظم والنثر والفنون مع طيش وخفة، مات في عاشر جمادى الأولى وخلف أموالاً جمة، ويقال إنها وجدت مدفونة في كراسي المستراح، وكانت مدة ضعفه ستة وأربعين يوماً فاستمر في كتابة السر القاضيفتح الدين فتح الله بن مستعصم نقلاً من رياسة الطب، ويقال إن السلطان اختاره لذلك فقرره فيها بغير سعي منه، وقال العينتابي: كان الكلستاني فاضلاً ذكياً فصيحاً بالعربية والفارسية والتركية، ونظم السراجية في الفرائض وغيرها وكان في رأسه خفة وطيش وعجلة وعجب ثم وصفه بخفة العقل والبخل المفرط وأنه قاسى في أول أمره من الفقر شدائد، فلما رأس وأثرى أساء لكل من أحسن إليه وجمع مالاً كثيراً لم ينتفع منه بشيء، وقد انتفع به من استولى عليه بعده وكانت ولايته لكتابة السر بعد موت البدر بن فضل الله في شوال سنة ست وتسعين، وجرى بعده في وصيته كائنة لشهودها منهم القاضي زين الدين التقهني الذي ولي القضاء بعده، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري أن السلطان أمر ابن خلدون أن يفصل المنازعة التي وقعت بين الأوصياء والحاشية، فعزل الأمراء أنفسهم، فعزر ابن خلدون التفهني ورفيقه بالحبس وأبطل الوصية بطريق باطل لظنه أن ذلك يرضي السلطان، فلما بلغ السلطان ذلك أنكره وأمر بإبقاء الوصية على حالها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 ووصفه العيني كما تقدم بالطيش والبخل والعجب وبالغ في ذمه، وليس كما قال فقد أثنى عليه طاهر بن حبيب في ذيل تاريخ والده ووصفه بالبراعة في الفنون العلمية، وقد قرأت بخطه لغزاً في القلم في غاية الجودة خطاً ونظماً، وكان كثير الوقيعة في حق كتاب السر لاقتصارهم على ما رسمه لهم شهاب الدين بن فضل الله وتسميتهم ذلك المصطلح وغضهم ممن لا يعرف ذلك، وحاول مراراً أن يغير المصطلح على طريقة أهل البلاغة ويعتني بمراعاة المناسبة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 وكان ممن قام في إنكار ذلك والتشنيع عليه القاضي ناصر الدين ابن الفاقوسي كبير الموقعين، فلما رأى ذلك منه غضب عليه وعزله وقرر عوضه صدر الدين أحمد بن القاضي جمال الدين القيسري المعروف بابن العجمي، فلما مات الكلستاني عاد الفاقوسي إلى وظيفته. همام الدين همام الرومي الحنفي وقد ولي قضاء الإسكندرية وكان فاضلاً خيراً، وشمس الدين بن منهال وإمام الصالحية شمس الدين الغزاوي وضياء الدين الأخنائي، وشمس الدين المصري قيم الأحباس، وأخو القزويني نقيب الحنفي، ومحمد الكبير خادم الشيخ صالح وعبد القادر الحنبلي الذي شنق نفسه بسبب قضية اتفقت له مع السالمي فأخرج المناوي وظيفته بالزاوية وقد قرأت ذلك بخط الزبيري. سنة اثنتين وثمانمائة في ثاني المحرم صرف بدر الدين العيني عن الحسبة واستقر جمال الدين محمد بن عمر الطنبذي الشهير بابن عرب فباشرها إلى نصف ربيع الآخر، ثم صرف وأعيد العيني ثم ناب في القضاء في أواخر ربيع الآخر عن الملطي. وفيه بدأ تنم نائب الشام بإظهار العصيان وكان كاتب الأمراء، فأطاعه نائب صفد ونائب طرابلس كما تقدم وتأخر عنه نائب حلب، وأطلق جماعة من الأمراء المحبوسين وتقوى بهم. وفيه وقع بين العشير وهم عربان الشام اختلاف، فقتل منهم في المعركة نحو عشرة آلاف نفس على ما قيل. وفي الحادي والعشرين من المحرم وصل الحاج وأميرهم شيخ المحمودي الذي ولي السلطنة بعد وكانت السنة شديدة المشقة للحر وموت الجمال وكثر الفقراء في الركب، فتحيل عليهم المذكور بأن نادى بينبع: من كان فقيراً فليحضر خيمة أمير الركب ليأخذ عشرة دراهم وقميصاً فلما حضروا أعطاهم ورسم عليه من جهة صاحب ينبع وألزمه بإقامتهم عنده إلى أن يجهزهم في المراكب؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 ووقع في الركب الشامي من الموت فجأة أمر عجيب حتى كان الرجل يمشي بعد ما أكل وشرب واستراح فيرتعد، ويقع ميتاً، فمات منه خلق كثير. وفي المحرم استقر ابن السائح الرملي في خطابة القدس، بذل فيها ثمانين ألفاً فصرف ابن غانم النابلسي. وفي ليلة السابع عشر من المحرم زلزلت دمشق لكنها كانت لطيفة. وفي الثامن من صفر قبض الأمير تنم على أحمد بن خاص ترك شاد الدواوين بالقاهرة، وكان الملك الظاهر جهزه لتحصيل الأموال المتعلقة بالسلطنة في البلاد الشامية، فتسلمه علاء الدين الطبلاوي واستصفى جميع ما معه من مال وغنم وغير ذلك، ثم بسط يده في الظلم والمصادرة ورمي السكر وغيره على التجار وذوي الأموال حتى الفقهاء والأيتام، فكثر الدعاء على الأمير تنم بهذا السبب وأبغضته عوام الناس والأمراء وخواصهم. وفي الثاني عشر من صفر حلف الأمير تنم الأمراء وكان أطلق جلبان وآقبغا اللكاش وغيرهما من المحبوسين وأرسل إلى نائب طرابلس بأن يجهز مركباً إلى دمياط لإحضار من بها محبوساً من الأمراء وفي صفر قبض على بدر الدين الطوخي وألزم بمائة ألف درهم ثمن لحم تأخر عنده في أيام وزارته للأمير أيتمش فتسلمه شد الدواوين وعصره فباع وافترض إل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 ى أن حصل الأكثر وضمنه المهتار عبد الرحمن بالباقي فأطلق فهرب فوزن عبد الرحمن عنه المتأخر. وفي نصف صفر صرف الشيخ نور الدين البكري عن الحسبة وأعيد محمد الشاذلي. وفي الثامن والعشرين منه خسفت الشمس، وصلي بدمشق صلاة الكسوف بعد العصر وخطب. وفي العشر الأخير من صفر انحل سعر الحبوب وكان ارتفع بسبب نقص النيل قبل عادته، وفيه توجه آقبغا اللكاش ومعه جماعة إلى غزة من جهة نائب الشام فملكها في ربيع الأول وتوجه جلبان ومعه جماعة إلى حلب ليحاربوا نائبها ثم تبعهم الأمير تنم بمن تأخر معه فلما دخل إلى حمص تسلمها وتسلم القلعة ولم يشوش على النائب بل قرر غيره في النيابة، ثم وصل إلى حماة فحاصرها فاتصل به وصول أيتمش ومن معه فرجع عنها إلى دمشق ووصل إليه نائب طرابلس فبلغه بعد أن خرج من طرابلس أن أهلها وثبوا على نائبه وقتلوه وقفلوا أبواب البلد الجدد فرجع عليهم ودخلها عنوة وقتل من أهلها مقتلة عظيمة حتى قيل إن أقل من قتل منهم ألف نفس منهم: مفتي البلد وقاضياها ومحدثها وهرب أكثر أهلها، ومن تأخر إما قتل وإما صودر، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 وممن هرب إلى الديار المصرية قاضي طرابلس الشافعي مسعود ونفقيب الأشراف بدر الدين ابن جمال الدين البلدي وأخبرا أن يونس الرماح نائب طرابلس أراد إحراق البلد فاشتريت منه بثلاثمائة وخمسين ألف درهم حبيت ممن بقي بها من أهلها وكان أسم نائب النائب المقتول قجقار، والسبب في قتله وصول مركب من جهة مصر وفيها أميران أحدهما قرر نائباً والآخر حاجباً فدخلوا في الليل إلى المينا وظنوا أنهم فرنج فخرج أهل البلد مستعدين للقتال فوجدوهم مسلمين فانحلت عزائمهم، ولما علم قجقار أنهم مخالفون لما هو عليه قاتلهم فقتل منهم جماعة، ثم ثار العوام فنهبوا بيت نائب الغيبة فهرب إلى جهة حمص وكسر العوام أبواب القلعة وغلب الذين جاءوا من مصر وولوا وعزلوا وأخذوا ثقل الأمراء الغائبين، فلما بلغ النائب أرسل ناساً في الصلح فتهيأوا لقتالهم، ثم قدم نائب الغيبة قجقار ومعه صرق وجماعة فدام القتال أياماً إلى أن جاء النائب، ولما هرب القاضي الشافعي استقر في القضاء صلاح الدين ابن العفيف وكان يلبس بالجندية ثم باشر في الديوانية وافتقر جداً فتوجه إلى قاضي طرابلس يستمنحه، فولي مكانه وقبض نائب الشام على بتخاص قبل توجهه إلى حلب، فلما رجع أطلقه بعد شهر. وفي سادس ربيع الأول ظهر الاختلاف بين الأمراء الخاصكية والأمراء الظاهرية القدم، وذلك أن أيتمش الأتابك كان معه أكابر الأمراء وعندهم التثبت في الأمور وترك العجلة وكراهة الظلم وغير ذلك وكان الأمراء الجدد بخلاف ذلك فلم يتوافقوا، ودبت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 عقارب التشاحن بينهم إلى أن دبر الأمراء الجدد الأمر فكادوا أيتمش ومن معه بأن علموا السلطان أن يدعي أنه بلغ فطلب الخليفة في هذا اليوم وقال له بحضرة أيتمش: إني قد بلغت وأريد أن ترشدني فأحضر القضاة وأهل الفتوى وادعى ابن غراب على أيتمش وشهد جماعة من الأمراء وأعذر أيتمش فحكموا برشده وخلع على الجماعة، فتحول أيتمش حينئذ من الاصطبل الكبير إلى بيته وافترق العسكر فرقتين إحداهما جراكسة وهم الأمراء الجدد ومن معهم، والأخرى ترك وروم وبعض جراكسة مع الأتابك، وأظهر يشبك الخازندار رأس الأمراء الجدد أنه ضعيف وعزم على مسك أيتمش إذا أعاده، فبلغ ذلك أيتمش فحذر منه وألبس مماليكه ومن أطاعه وملكوا الأشرفية التي على باب القلعة وقف أيتمش بالقرب من منزله وقف تغري بردى برأس الرميلة من جهة الشيخونية وفارس من جهة مدرسة حسن، فلما بلغ ذلك يشبك ركب فيمن أطاعه ودقت الكوسات تحت القلعة ووقف بيبرس قريب السلطان عند حدرة البقر وطلع إلى القلعة سودون طاز وسودون المارداني ويلبغا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 الناصري وإينال باي وابن قجماس وغيرهم من الأمراء الجدد وقد حصنوا القلعة، ووقع القتال بين الطائفتين من ليلة عاشر ربيع الأول فلم يلبث أيتمش أن انهزم هو ومن كان معه وثبتت الهزيمة على الباقين، فتوجهوا من يومهم وأخذوا خيولاً خواص من سرياقوس للسلطان وتوجهوا إلى بلبيس فباتوا بها وأفسد المماليك السلطانية بعد هرب أيتمش، وتبعهم الزعر والعوام فنهبوا مدرسة أيتمش ووكالته ورموا النار في الربع جانباً، ونهبوا جامع آقسنقر المجاور لبيته ونهبوا تربة خوند زهرا بنت الناصر وسرى النهب في بيوت الأمراء الهاربين حتى كادوا أن ينهبوا الدهيشة التي عمرت في أيام أيتمش للمارستان وكسر الزعر حبسي القضاة وأخرجوا من كان فيهما واستمر مع أيتمش في الهزيمة تغري بردى وأرغون شاه وفارس ويعقوب شاه ودونهم من الطبلخانات شادي خجا وآقبغا المحمودي وغيرهما ودونهم من العشراوات، وكثر النهب من الزعر وأوباش الترك في بيوت الناس بعلة الهاربين ونهبوا بعض زرائب الفلاحين بصنافير ونهبوا جمال جماعة. وفي يوم الثلاثاء حادي عشر ربيع الأول صرف أحمد بن الزين من ولاية القاهرة واستقر قرابغا مفرق فمات ثاني يوم فاستقر بلبان الجركسي ثم صرف في يومه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 وأعيد ابن الزين، ثم كثر النهب داخل القاهرة فنزلت جماعة من الأمراء وحابوهم، فعمد ابن الزين إلى جماعة من المحبوسين في خزانة شمائل فقطع أيدي بعض وضرب جماعة بالمقارع وأشهرهم ونادى عليهم جزاء من ينهب بيوت الناس، فسكن الحال قليلاً ثم فتحت أبواب القاهرة ونزعوا السلاح، واستمر هرب أيتمش ومن معه إلى الشام بدار النيابة، وتوجه فارس الحاجب إلى الشام تقدمة لهم يخبر نائب الشام بأخبارهم، فرجع نائب الشام إلى دمشق ثم وصل أيتمش ومن معه في خامس ربيع الآخر فتلقاهم النائب وبالغ في إكرامهم، وبلغ ذلك نائب حماة ونائب حلب فراسلا أيتمش بالطاعة وعرض النائب على أيتمش الحكم وبذل الطاعة، فامتنع وقال: كلنا لك تحت الطاعة، ثم وصل دمرداش نائب حماة في نصف ربيع الآخر إلى دمشق فبالغ تنم في إكرامه فأقام خمسة أيام ثم رجع إلى حماة فتجهز ورجع إليهم، وبرز نائب حلب إلى جهة الشام فخالف الحاجب وركب عليه في جماعة فكسره النائب وقبض عليه وتوجه بالعسكر إلى دمشق فوصل في نصف جمادى الآخرة، وكان الأمراء بمصر قد ظنوا أن نائب حلب معهم فأرسلوا إليه مدداً من المال صحبة قاصد في مركب فألقتها الريح بمكة، فبلغهم مخامرة النائب فراسلوا نائب الشام فأرسل إليهم من تسلم المال منهم وقبض بعد هرب أيتمش على جمع كثير ممن كان ينسب إلى هواه فحبسوا بالقلعة وبالإسكندرية وغيرهما، وأطلق سودون قريب السلطان من الإسكندرية وأحضر تمراز ونوروز من دمياط واستقر بيبرس قريب السلطان أتابكاً وسودون طاز أمير آخور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 ونوروز رأس نوبة وسودون دويدار وتمراز أمير مجلس، ثم اتفق رأيهم على غزو الشام وخالفهم في ذلك بعض المماليك. وفي تاسع عشر ربيع الأول قبض على سعد الدين بن غراب ناظر الخاص وأخيه الوزير وابن قطينة وعلاء الدين شاد الدواوين وقطلوبك الاستادار وكان ابن غراب زوج ابنته، واستقر بدر الدين ابن الطوخي في الوزارة وشرف الدين ابن الدماميني في نظر الجيش والخاص ثم صرفا بعد سبعة أيام وأعيد ابن غراب وأخوه إلى وظائفهما وتسلما الطوخي وابن الدماميني، ثم استقر ابن الدماميني في قضاء الإسكندرية واستقر أخوه محتسباً، ثم أفرج عن قطلوبك وابن قطينة وشاد الدواوين على مال. وفي آخر ربيع الآخر استقر الشيخ أبينا التركماني في مشيخة سرياقوس عوضاً عن أصلم بن نظام الدين الأصبهاني واستقر الشيخ شرف الدين بن التباني في مشيخة القوصونية عوضاً عن أبينا؟ وفي ليلة الخميس العاشر من جمادى الأولى حصل بمكة مطر عظيم انصب كأفواه القرب، ثم هجم السيل فامتلأ المسجد حتى بلغ إلى القناديل وامتلأت ودخل الكعبة من شق الباب وكان في جهة الصفا مقدار قامة وبسطة، فهدم من الرواق الذي يلي دار العجلة عدة أساطين وخربت منازل كثيرة ومات في السيل جماعة. وفي هذا الشهر تجهز تنم ومن معه للسفر إلى جهة الديار المصرية فبلغ ذلك أهل مصر فحصنوا القاهرة بالدروب، وتوجه عسكر الشام في العشر الأوسط من جمادى الآخرة، إلى غزة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 وفي ثامن جمادى الآخرة استقر نور الدين الحكري في قضاء الحنابلة وصرف موفق الدين ابن نصر الله. وفيها أرسل الأمراء من مصر المهتار عبد الرحمن إلى الكرك نائباً بها وأمر بالقبض على سودون الظريف من غير أن يعلم فأظهر أنه حضر بسبب أمر اخترعه، فلما وصل إليها استشعر النائب بذلك فركب عليه، فهرب فكبس منزله فوجد فيه التقليد، فوقعت فتنة كبيرة قتل فيها قاضي الكرك وموسى ابن القاضي علاء الدين وجماعة من أكابر البلد. وفي صفر وقع الوباء بالباردة والسعال ومات منه جماعة واستمر إلى نصف السنة. وفي الرابع رجب خرج الملك الناصر فرج ومن معه من عساكر مصر إلى جهة الشام لمحاربة المخالفين فسار السلطان في ثامن الشهر المذكور، واتفق خروج نائب الشام من دمشق بعد من تقدمه من العساكر في تاسع رجب وسار من قبة يلبغا في الحادي عشر منه فوصل إلى غزة في ثامن عشره فالتقى جاليش السلطان بجاليش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 نائب الشام، وخرج آقبغا اللكاش وخامر دمرداش المحمدي نائب حلب ودخل في طاعة السلطان، وكذلك النبغا العثماني نائب صفد وغيرهما لتمام ثمانية عشر أميراً وجمع جم من المماليك فتمت الكسرة على الباقين وكان ذلك قبل تل العجول، فلما وصلت المنهزمة إلى نائب الشام تغيظ عليهم وأراد مسك بعض أكابرهم فهربوا منه إلى السلطان منهم بتخاص والمنقار وفرج ابن منجك، ودخل العسكر المصري إلى غزة منتصراً وكانوا في قلة من العليق فوجدوا بها ما يفوق الوصف فاطمأنوا وطابت أنفسهم واستمرت هزيمة المنهزمة من الشاميين إلى الرملة، فوجدوا نائب الشام قد نزل بها فأخبروه بما اتفق لهم فعنفهم، فاعتذروا بأن سبب ذلك مخامرة من خامر من الأمراء فعذرهم، ثم لم يلبث أن وافاه قاضي القضاة الشافعي صدر الدين المناوي رسولاً من السلطان في الصلح يعرض عليه نيابة الشام على ما كان عليه في الأيام الظاهرية وما ينبغي من زيادة على ذلك أو الوصول إلى باب السلطان ويكون أكبر الأمراء بمصر، فأظهر الإجابة ووعظه القاضي وخوفه وحذره من التعرض لفساد الأحوال والشقاق، فانتظره بالجواب أياماً وصرفه بجميل وبالغ في إكرامه، وكان ذلك في يوم الثلاثاء تاسع عشر رجب، فرجع القاضي يوم الخميس فوصل يوم الجمعة وأخبر العسكر بما اتفق، ثم وصل كتاب نائب الشام يقول: أنا مستمر على طاعة السلطان وما أريد إلا أن أكون نائب الشام لكن يشترط أن يعود أيتمش على ما كان عليه بالقاهرة وأن يسلم السلطان لي يشبك وجركس المصارع وسودون طاز ونحوهم من المماليك الذين على رأيه وأن يعاد جميع الأمراء الذين مات عنهم الملك الظاهر على ما كانوا عليه فلما تحقق السلطان ذلك أرسل الجواب بالاستعداد للقتال، فركب نائب الشام من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 الرملة إلى جهة غزة وركب السلطان من غزة إلى جهة الرملة، فالتقى العسكران بأم حسن من بريد واحد على غزة فلم يلبث العسكر الشامي أن انهزم، ومن أعظم أسباب ذلك مخامرة من خامر من الأجناد، فأمسك نائب الشام وأكثر الأمراء وهرب أيتمش وتغري بردى ويعقوب شاه وأرغون شاه وطيفور إلى الشام، فلما حصلوا بها وانضم إليهم عدد كثير ممن انهزم أولاً وثانياً وأرادوا التحصن بالقلعة وافى كتاب من نائب الشام إلى نائب غيبته بأن لا يمكنهم من ذلك، وكان السلطان لما أمسك نائب الشام في الوقعة أمره بكتابة هذا الكتاب بتدبير يشبك وطائفته، فوصل الكتاب إلى نائب الغيبة فقبض على الأمراء المذورين وقيدهم، وكان ذلك في سادس عشر رجب ونودي في البلد بالأمان والاطمئنان وأن السلطان انتصر وهو واصل إليكم، ثم توجه السلطان من الرملة بعد أن حصل بها قليل أذى لبعض أهلها بسبب ودائع كانت عندهم، وحصل للمصريين من أثقال المنهزمة ما لا يحيط به الوصف واستغنى الكثير منهم خصوصاً الأتباع والغلمان وأول من دخل دمشق من العسكر ناظر الخاص ابن غراب، دخلها في سلخ رجب ثم دخل جكم وهو رأس نوبة في أول يوم من شعبان فنقل الأمراء المقيدين إلى القلعة وأنصف الناس من المماليك ومنعهم من التعرض والنهب ومن النزول داخل البلد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 ودخل في هذا اليوم سودون قريب السلطان نائباً على الشام ونادى بالأمان ثم وصل تنم ومن معه في القيود في ليلة ثاني شعبان فحبسوا بالقلعة أيضاً، ثم وصل في ضحى النهار السلطان ومن معه فأمسك ابن الطبلاوي وصودر من كان من جهة تنم وهرب صلاح الدين تنكز. وفي خامس شعبان خلع على سودون المذكور بنيابة الشام وعلى دمرداش بنيابة حلب وعلى دقماق بنيابة حماة وعلى الطنبغا العثماني بنيابة صفد وعلى شيخ المحمودي بنيابة طرابلس وهو الذي تسلطن بعد ذلك وتلقب بالمؤيد، واستقر شرف الدين مسعود في قضاء الشام عوضاً عن ابن الاخناي وكان قد استقر وكتب توقيعه في جمادى الأولى لما هرب من طرابلس إلى مصر فلم يقدر أنه يباشر ذلك بل سعى الأخناي إلى أن أعيد إلى وظيفته في يوم الخميس خامس شعبان وأعيد مسعود إلى قضاء طرابلس، واستقر تقي الدين عبد الله ابن الكفري في قضاء الحنفية عوضاً عن بدر الدين المقدسي وشمس الدين النابلسي في قضاء الحنابلة عوضاً عن شمس الدين ابن مفلح وعلاء الدين بن إبراهيم بن عدنان نقيب الأشراف في كتابة السر عوضاً عن ناصر الدين ابن أبي الطيب واستقر يشبك دويداراً كبيراً. وفي ليلة رابع شعبان ذبح أيتمش وأتباعه ومنهم آقبغا اللكاش وجلبان الكمشبغاوي وأرغون شاه ويعقوب شاه وفارس وطيفور وأحمد ابن يلبغا وبيغوت، وأرسلت رأس أيتمش وفارس خاصة إلى القاهرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 فعلقا بباب زويلة في تاسع عشر شعبان أو في العشرين منه ثلاثة أيام ثم سلما لأهلهما ثم قتل تنم نائب الشام ويونس الرماح نائب طرابلس بعد ذلك في رابع رمضان خنقا بالقلعة وتسلمهما أهلهما ودفنوهما واستمر بالحبس تغري بردى وآقبغا الجمالي ثم أفرج عنهما في آخر السنة، ووصل قاصد نعير يبذل الطاعة وأرسل القدر الذي جرت عادته بإرساله، ووصلت قصاد نواب البلاد كلها بالطاعة في سادس عشرين شعبان. وفي صبيحة الرابع من رمضان رجع السلطان من دمشق، فلما وصل إلى غزة قتل علاء الدين الطبلاوي في ثاني عشر شهر رمضان ووصل السلطان إلى القاهرة في السادس والعشرين منه وفي جمادى الآخرة وسط شعبان ابن شيخ الخانقاه البكتمرية بسبب أنه خدع امرأة فخنقها في تربة وأخذ سلبها وكانت له قيمة فظهر أمره بعد أن أخذ أبوه وحبس بالخزانة، فلما قبض على شعبان ضرب فاعترف فقتل بعد أن سمر ثم وسط. وفي هذه الأشهر غلت الأسعار في الأشياء المجلوبة من بلاد الشام فبلغ سعر اللوز القلب خمس مثقال وثمن الفستق خمسي مثقال. وفي رابع عشر رجب أمسك شرف الدين ابن الدماميني وحبس بالقلعة بسببأنه افتعل عليه أنه كان سبب مخامرة يلبغا المجنون وكانت تلك من مكايد ابن غراب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 وفيها كائنة عمر الدمياطي، قبض عليه يلبغا السالمي وضربه مقترح؟ وطوف به على حمار مقلوب وسجن بالخزانة أياماً ثم أطلق بسبب أنه كان بالشيخونية، فلما ورد كتاب السلطان بما وقع له من النصر بغزة حلف بالطلاق الثلاث أن ذلك لا صحة له، ففعل ذلك به. وفي شعبان جرس بدمشق شخص كان ينجم لنائب الشام ويعده أنه يتسلطن، ونقل عن الباعوني وابن أبي دمين نحو ذلك وكذلك ناصر الدين أبن أبي الطيب كاتب السر قولاً وفعلاً وسلم لناظر الخاص، فصادره على مال، وسعى صدر الدين الآدمي في الوظيفة بمال كثير، فكاد أمره أن يتم ثم عدل عنه إلى علاد الدين نقيب الأشراف وأطلق ابن أبي الطيب بعد مدة، ثم أعيد إلى الترسيم وأخرج يوم الخميس ثالث روضان من دمشق على حمار موكلاً به. وفي رجب بعد خروج العساكر ثار يلبغا المجنون الأستادارا بالوجه البحري فأطلق الأمراء الذين كانوا محبوسين بدمياط وكان السلطان أمر بنقلهم إلى الإسكندرية فالتقاهم يلبغا بالعطف فأطلقهم وقبض على الأمير الذي كان موكلاً بهم وهو سودون الماموري ثم وصل في تلك الحالة إلى ديروط سودون السدمري ومعه كمشبغا الحضري وأياس الكمشبغاوي وآخران معه فأطلقهم سودون أيضاً، وعمد يلبغا إلى خيل الطواحين بديروط فأخذها وتوجه هو ومن معه إلى دمنهور فقبض على نائبها والتف عليه جمع من المفسدين فنادى في إقليم البحيرة. بحط الخراج عنهم واحتاط على ما للسلطان هناك من خراج وغيره، فلما بلغ ذلك نائب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 الغيبة بيبرس قريب السلطان جرد إليهم بأمر السلطان جماعة منهم آقباي حاجب الحجاب وتمام أربعمائة من مماليك السلطان، فلما خشي يلبغا أن يدركوه فر إلى الغربية ثم إلى المحلة فنهب بيت الوالي ثم توجه إلى الشرقية ثم إلى العباسة، وخشي الأمير بيبرس على خيل السلطان وخيول الناس فأمر بطلوعها من الربيع بالجيزة وسدت غالب أبواب القاهرة خشية من هجوم يلبغا، ثم بلغ بيبرس النائب في الغيبة أن يلبغا توجه إلى جهة قطيا، فأرسل إليه أماناً صحبة مؤمن البريدي، فلما قرأه أمر بتقييد البريدي ثم توجه إلى جهة القاهرة، فبرز لملتقاه الأمراء الذي بالقاهرة فالتقوا بالمطرية، فحمل عليهم فتكاثروا عليه وكاد أن يؤخذ فاتفق أنه خرق القلب وتوجه نحو الجبل الأحمر وتمت الهزيمة على أصحابه واتبعوهم فأمسك بعضهم وفر بعضهم واستمر يلبغا وراء القلعة ساعة ينتظر أصحابه فلم يتبعم منهم إلا عشرون نفساً، فعلم أنه لا طاقة له في الحرب فاستمر هارباً وتبعه بعض العسكر إلى تربة الحبش فلم يلحق به. وفي ربيع الآخر درس الباعوني في وظائف ابن سري الدين بحكم عدم أهليته. وفي هذه السنة زاد احتراق بحر النيل إلى أن صار الحوض من بولاق إلى أنبابة واشتد الحر والعطش وتزاحم الناس على السقايين وصار أكثر الناس يستقي لنفسه على الحمير بالجرار ولم يكن لهم بذلك عهد. وفي أول شوال قبض على الطنبغا والي العرب وكان نائب الوجه القبلي لكونه من جهة يلبغا المجنون، وفيه أفرج عن ناصر الدين ابن أبي الطيب كاتب سر الشام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 وفي ثالث عشر شوال جردت الأمراء إلى الصعيد بسبب يلبغا المجنون وكان مملوكه وصل منه بكتاب يسأل في أن يكون نائب الوجه القبلي ويتدرك جميع الأمور فلم يجب إلى سؤاله ثم ورد كتاب والي الأشمونين يخبر فيه بأن محمد بن عمر حارب يلبغا المجنون وكسره واستمر في هزيمته إلى أن اقتحم فرسه البحر فغرق فطلعوا به ميتاً وقد أكل السمك وجهه ثم أشيع أنه لما انهزم من المعركة لم يعرف له خبر. وفي رابع عشر شوال استقر شمس الدين البجاسي في الحسبة عوضاً عن جمال الدين بن عرب وكان جمال الدين استقر في غيبة السلطان في عاشر شعبان عوضاً عن تقي الدين المقريزي. وفي يوم الجمعة رابع عشري شوال وقع بالقاهرة ضجة عظيمة وقت صلاة الجمعة بسبب مملوكين تضاربا فشهرا السيوف، فشاع بين الناس أن الأمراء اختلفوا وركبوا فهرب الناس من الجوامع ومنهم من خفف الصلاة جداً وراح لهم في الزحمة عدة عمائم وغيرها وخطفوا الخبز من الحوانيت والأفران، فبادر بن الزين الوالي وأمسك جماعة من المفسدين فشهرهم بالضرب ونادى عليهم: هذا جزاء من يسكر ويكثر الفضول وسكنت الفتنة ثم نودي بالأمان، وقيل إن أصل ذلك رجلاً ربط حماره إلى دكة بجوار جامع شيخون فجذب الحمار الدكة فنفرت خيول الأمراء الذي يصلون في الجامع وأقبل ناس من جهة الرميلة فرأوا شدة الحركة فظنوا أنها وقعة فرجعوا هاربين فتركبت الإشاعة من ثم إلى أن طارت في جميع البلد ثم خمدت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 وفي هذا الشهر دبت العداوة بين يشبك الدويدار وبين سودون طاز أمير آخور. وفي شوال استقر ناصر الدين بن السفاح في نظر الأحباس ونظر الجوالي وتوقيع الدست بعناية الدويدار وكان قد صودر بالشام، وفي آخره وقع بالحرف الشريف المكي حريق عظيم أتى على نحو ثلث الحرم ولولا العمود الذي سقط من السيل الآتي في أول السنة لاحترق جميعه واحترق من العد مائة وثلاثون عموداً صارت كلساً. وفي شوال بلغ أهل بغداد عزم تمرلنك إلى التوجه إليهم ففر أحمد سلطانها واستنجد بقرا يوسف وأخذه ورجع إلى بغداد وتحالفاعلى القتال وأعطاه مالاً كثيراً وأقام عنده إلى آخر السنة، ثم توجه هو وقرا يوسف إلى بلاد الروم قاصدين لأبي يزيد بن عثمان وكان أبو يزيد المذكور قد حاصر في هذه السنة ملطية بعد أن ملك سيواس وولى بها ولده محمداً جالبي ورتب في خدمته الطواشي ياقوت ثم غلب على ملطية ثم رجع إلى برصا، فوصل اللنك إلى قراباغ في شهر ربيع الأول وقصد بلاد الكرج فغلب على تفليس ثم قصد بغداد، فبلغه توجه أحمد ابن أويس إلى جهة الشام فقصد بلاد قرا يوسف فعاث فيها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 وأفسد، وبلغ قرايلك حال النك وذلك بعد أن غلب على صاحب سيواس كما تقدم وغلبه عليها سليمان ولد أبي يزيد ملك الروم فسار إلى اللنك فخدمه ودله على مقاصده وعرفه الطرقات واستقر من أعوانه فدخل اللنك سيواس عنوة فأفسد فيها عسكره على العادة وخربوا فرد آخر السنة وقد كثر أتباعه من المفسدين فنازل بهنسا في السنة المقبلة وفي ثامن ذي الحجة أوفى النيل وكسر الخليج الأمير يشبك وكان السلطان أراد أن يباشر ذلك بنفسه ثم خشي وقوع فتنة فتراجع وفي السابع والعشرين من ذي الحجة استقر موفق الدين نصر الله في قضاء الحنابلة عوضاً عن بدر الدين الحكري بحكم عزله. وفي هذه السنة كان ابتداء حركة تمرلنك إلى البلاد الشامية، وأصل ذلك أن أحمد بن أويس صاحب بغداد ساءت سيرته وقتل جماعة من الأمراء وعسف على الباقين، فوثب عليه الباقون فأخرجوه منها وكاتبوا نائب تمرلنك بشيراز ليتسلمها فتسلمها، وهرب أحمد إلى يوسف التركماني بالموصل فسار معه إلى بغداد، فالتقى به أهل بغداد فكسروه، واستمر هو وقرا يوسف منهزمين إلى قرب حلب فكاتبا نائب حلب، وقيل بل غلب على بغداد وجلس على تخت الملك ثم سار صحبة قرايوسف أو بعده زائراً له فوصلا جميعاً إلى أطراف حلب فكاتبا نائب حلب وسألاه أن يطالع السلطان بأمرهما، فكاتب أحمد بن أويس يستأذن في زيارته بمصر، فأجيب بتفويض الأمر إلى حسن رأيه، فخشي دمرداش نائب حلب أن يقصد هو وقرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 يوسف حلب، فسار دمرداش نائب حلب ومعه طائفة قليلة منهم نائب حماة ليكبس أحمد بن أويس بزعمه، فكانت الغلبة لأحمد فانكسر دمرداش وقتل من عسكره جماعة ورجع منهزماً، وأسر نائب حماة ثم فدى نفسه بمائة ألف درهم، ثم جمع نعير والنائب ببهنسا والتقوا مع أحمد بن أويس فكسروه واستلبوا منه سيفاً يقال له سيف الخلافة وصحفاً وأثاثاُ كثيراً، فوصلت الأخبار بذلك إلى القاهرة، فسكن الحال بعد أن كان السلطان أمر بتجريد العساكر لما بلغته هزيمة دمرداش نائب حلب وأرسل بريداً إلى الشام بالتجهيز إلى جهة حلب فراجع النائب في ذلك حتى سكن الحال. وفي خامس عشر من ذي الحجة أعم نوروز بعض مماليكه أن جماعة منهم اتفقوا على قتله في الليل فحذر منهم فلم يخرج في تلك الليلة من قصره، فلما طال عليهم السهر ولم يخرج في الوقت الذي جرت عادته بالخروج فيه أتوا إلى باب القصر ونادوا زمام الدار وقالوا له: أعلم الأمير أن العسكر ركب، فبلغ ذلك نوروز فأمره أن لا يجيبهم وتحقق ما أخبروه به عنهم، فلما أصبح افتقد منهم جماعة هربوا فقبض على آخرين فقررهم فأقروا على بعضهم، فغرق بعضاً ونفى بعضاً. وفي آخر ذي القعدة وصل كتاب نائب الرحبة يخبر فيه أنه صادف ناساً عند خان لاجين يقطعون الطريق، فقبض منهم جماعة وسأل نجدة ليسلمهم لهم إلى دمشق، فقام النائب في ذلك وقعد وانزعج الناس لذلك فظنوه أمراً عظيماً وصاروا في هرج ومرج وأشاعوا أن تمرلنك قصد البلاد، وكنت يومئذ بصالحية دمشق؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 ثم انجلت القصة آخر النهار عن هذه القضية؛ وكان ذلك تفاؤلاً جرى على الألسنة بذكر تمرلنك، فإن الأيام لم تمض قليلاً حتى طرق البلاد، فلا قوة إلا بالله. وفي ثالث شعبان نزل شهاب الدين الحسباني لولده تاج الدين عن درس الإقبالية وعمره يومئذ خمس عشرة سنة وحضره قضاة مصر والشام إلا حنبلي مصر وحفظ الخطبة جيداً وأداها أداءً حسناً وشرع في تفسير سورة الكهف وأعجبهم وأثنوا عليه. وفي هذه السنة أثبت هلال شعبان ليلة السبت بحلب مع اتفاق أهل العلم بالنجوم أنه لا يمكن رؤيته فلما كان ليلة الأحد شهد اثنان برؤية هلال رمضان وهو أيضاً لا يمكن، وأصبحوا ليلة الإثنين فلم يروا شيئاً فأفطروا يوم الثلاثاء وهو سلخ رمضان في الحقيقة فأفطروا يوماً من آخر رمضان بمقتضى ذلك. وفي شوال ضرب صدر الدين الأدمي في محاكمة بينه وبين بعض الناس بسبب إجازة لوقف الخاتونية فخرج ليحلف ثم اختلف كلامه وفهم منه الحاجب الاختلاف فغضب منه فكلمه بكلام غليظ ثم أمر بضربه فضرب على مقعدته بضعة عشر عصى وكان قد سعى في كتابة السر وكاد أمره أن يتم وجهزت خلعته ثم بطل ذلك فسعى في النيابة عن القاضي الحنفي فاستنابه فعن قريب وقع له ما وقع. وفيها سعى القاضي بدر الدين ابن أبي البقاء في قضاء الشام وكتب توقيعه بذلك بشرط أن يستقر تدريس الشافعي لولده فلم يجب إلى ذلك فسعى في إبطال توليته لقضاء الشام واستقر فيها أخوه علاء الدين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 وفيها توجه اللنك إلى جهة العراق فوصل قراباغ في شهر ربيع الأول منها ثم جمع العساكر في جمادى الآخرة وقصد بلاد الكرج فملك تفليس وسار إلى جهة بغداد ففر منه أحمد بن أويس فلما بلغ اللنك أنه اتفق مع قرايوسف وتوجها إلى بلاد الروم توجه إلى بلاد قرايوسف فعاث فيها وأفسد وبلغ ذلك ابن عثمان قرايلوك التركماني وكان قد فتك بالقاضي برهان الدين صاحب سيواس وقتله غدراً وأراد التغلب على سيواس فمنعه أهلها واستعانوا عليه بالتتار الذين في بلاد الروم فهزموه ففي أثناء ذلك بلغه قصد اللنك البلاد فتوجه إليه ووقف في خدمته وصار يدله على الأماكن ويعرفه بالطرق ويسير في خدمته كالدليل وكان أهل سيواس كاتبوا أبا يزيد بن عثمان فأرسل إليهم ولده سليمان فملكها فلما بلغ قصد اللنك لهم كاتبوا أبا يزيد فطرقهم اللنك في الجنود في ذي الحجة فحاصرها ودخلها عنوة في الثامن عشر فبالغ عسكره في الفساد والتخريب وتوجه منها في البحر وقد ازداد عدة عساكره من غالب المفسدين النهاية المؤذين ونازل بهنسا وكان ما سنذكره إن شاء الله. ذكر من مات في سنة اثنتين وثمانمائة من الأعيان إبراهيم بن أبي بكر بن محمد الفرضي صاحب الكلائي، أصله من البرلس وسكن القاهرة ثم مكة فانتفع المكيون به في فن الفرائض، مات في المحرم. إبراهيم بن عبد الله العربي المعروف بالحطاب المعلة سكن المدينة طويلاً مع خير واستقامة وللناس فيه اعتقاد. إبراهيم بن عبد الرحمن بن سليمان السرائي الشافعي، قدم القاهرة وولي مشيخة الرباط بالبيبرسية وكان يعرف بإبراهيم شيخ، واعتنى بالحديث كثيراً ولازم الشيخ زين الدين العراقي وحصل النسخ المليحة فاعتنى بضبطها وتحسينها وكان يحفظ الحاوي ويدرس غالبه مع الخير والدين. ومن لطائفه قوله: كان أول خروج تمرلنك في سنة عذاب، يشير إلى أن أول ظهوره سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، لأن العين بسبعين والذال المعجمة بسبعمائة والألف والباء بثلاثة، سمعت من فوائده ومن نظمه، وكان يحسن عمل صنائع عديدة مع الدين والصيانة، مات في ربيع الأول. إبراهيم بن محمد بن عثمان ابن إسحاق الدجوي ثم المصري أخذ عن الشهاب بن المرحل وجمال الدين بن هشام وغيرهما في العربية فمهر وشغل فيها، وكان جل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 ما عنده حل الألفية الخلاصة، وكان يتكسب بالشهادة والعقود، وفيه دعابة، وأظنه قد بلغ الثمانين، مات في ربيع الأول. إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي الشافعي برهان الدين أبو محمد نزيل القاهرة، ولد في أول سنة خمس وعشرين وسبعمائة وسمع من الوادي آشي وأبي الفتح الميدومي وأخذ عن اليافعي والشيخ خليل بمكة وعن عمر بن اميلة وغيره بدمشق واشتغل في الفقه والعربية والأصول والحديث وتخرج بمغلطاي وتفقه على الأسنوي والمنفلوطي وغيرهما، ودرس بمدرسة السلطان حسن وبالآثار وغير ذلك، واتخذ بظاهر القاهرة زاوية فأقام بها يحسن إلى الطلبة ويجمعهم على التفقه ويرتب لهم ما يأكلون ويسعى لهم في الأرزاق حتى كان أكثر الطلبة بالقاهرة من تلامذته، سمعت منه كثيراً وقرأت عليه في الفقه، وكان يتقشف ويتعبد ويطرح التكلف، وعين مرة للقضاء فلما بلغه ذلك توارى، وذكر أنه فتح المصحف في تلك الحال فخرج له " قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه " وولي مشيخة سعيد السعداء مدة ولم يزل مستمراً على طريقته في الإفادة بنفسه وعلمه إلى أن حج في سنة إحدى وثمانمائة، فمات راجعاً في المحرم سنة اثنتين ودفن بعيون القصب، ورثاه الشيخ زين الدين العراقي بأبيات على قافية الدال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 إبراهيم بن نصر الله بن أحمد بن أبي الفتح الكناني العسقلاني ثم القاهري سبط علاء الدين الحراني، ولد في رجب أو شعبان سنة ثمان وستين، وولي القضائ بعد والده وعمره سبع وعشرون سنة، وسلك طريق أبيه في العفة والتثبت في الأحكام مع بشاشة ولين جانب، وكان الظاهر يعظمه ويرى له، مات في ربيع الأول. أحمد بن إسحاق بن مجد الدين بن عاصم بن سعد الدين محمد بن عبد الله الأصبهاني جلال الدين ابن نظام الدين المعروف بالشيخ أصلم شيخ خانقاه سرياقوس وابن شيخها، مات في ربيع الأول وكان مذكوراً بمعرفة علم الحرف وقد تقدم في الحوادث شيء من ذلك وتقدمت وفاة أبيه سنة ثمانين. أحمد بن أويس الجبرتي المصري الشافعي مدرس تربة الست بالصحراء، مات في ربيع الأول. أحمد بن خلف المصري شهاب الدين ناظر المواريث، كان أبو مهتاراً عند ابن فضل الله، مات في جمادى الآخرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 أحمد بن خليل بن كيكلدي العلائي المقدسي أبو الخير، سمع بإفادة أبيه من الكبار كالحجار وغيره من المسندين والمزي وغيره من الحفاظ بدمشق وزحل به إلى القاهرة فأسمعه من أبي حيان ومن عدة من أصحاب النجيب، وسكن بيت المقدس إلى أن صار من أعيانه وكانت الرحلة في سماع الحديث بالقدس إليه فحدث بالكثير، وظهر له في أواخر عمره سماع ابن ماجة علي الحجار، ورحلتإليه من القاهرة بسببها في هذه السنة فبلغني وفاته وأنا بالرملة فعرجت على القدس إلى دمشق، وكان موته في ربيع الآول وله ست وسبعون سنة وقد أجاز لي غير مرة. أحمد بن داود بن محمد الدلاصي شهاب الدين شاهد الطرحي، كان من الأعيان المعتبرين بالقاهرة، مات في ربيع الأول. أحمد بن عبد الله التركماني أحد من كان يعتقد بمصر، مات في ربيع الأول. أحمد بن عبد الخالق بن محمد بن خلف الله المجاصي وهي إحدى قرى المغرب، كان شاعراًماهراً، طاف البلاد وتكسب بالشعر، وله مدايح وأهاجي كثيرة، مات بالقاهرة في ربيع الآخر وقد ناهز الثمانين وكان حينئذ صوفياً بسعيد السعداء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 أحمد بن علي بن أيوب المنوفي شهاب الدين إمام الصالحية بالقاهرة، اشتغل كثيراً وكان كثير المزاح حتى رماه بعضهم بالزندقة، مات في صفر وله ستون سنة. أحمد بن علي بن محمد بن علي بن يوسف الدمشقي الحنفي كمال الدين المعروف بابن عبد الحق ويعرف قديماً بابن قاضي الحصن، وعبد الحق جده لأمه وهو ابن خلف الحنبلي سمع الكثير بإفادة جده لأمه شمس الدين الرقي من علي بن محمد البندنيجي وأبي محمد بن أبي التائب وغيرهما حضوراً ومن عائشة ابنة المسلم الحرانية والمزي وخلق كثير من أصحاب ابن عبد الدائم سمعت عليه كثيراً وكان قد تفرد بكثير من الروايات وكان عسراً في التحديث؛ مات في ثاني ذي الحجة وأنا بدمشق وقد جاوز السبعين. أحمد بن محمد بن أحمد بن السيف شهاب الدين الصالحي الحنبلي، سمع من علي بن العز عمر وفاطمة بنت العز إبراهيم وغيرهما وحدث، مات في جمادى الآخرة، ولي منه إجازة. أحمد بن محمد بن أحمد بن التقي سليمان بن حمزة المقدسي الحنبلي شهاب الدين بن عز الدين سمع من العز محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر وغيره مات في المحرم وله إحدى وستون سنة، ولي منه إجازة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 أحمد بن محمد بن عبد البر السبكي شهاب الدين ابن قاضي القضاة بهاء الدين بن أبي البقاء ناظر بيت المال بالقاهرة، ناب في الحكم عن أخيه بدر الدين؛ ومات في ربيع الآخر. أحمد بن محمد الأخوي الخجندي أبو طاهر الحنفي نزيل المدينة، حدث بجزء عن عز الدين ابن جماعة وشغل الناس بالمدينة أربعين سنة، وانتفع الناس به لدينه وعلمه، مات وقد جاوز الثمانين. أحمد بن محمد الطولوني المهندس كان كبير الصناع في العمائر ما بين بناء ونجار وحجار ونحوهم، ويقال له المعلم، وكان من أعيان القاهرة حتى تزوج الملك الظاهر ابنته فعظم قدره، وكان قد حج بسبب عمارة المسجد الحرام فمات راجعاً بين مر وعسفان. أحمد بن محمد الطوخي الناسخ شهاب الدين كان جيد الخط حسن الضبط سريع الكتابة جداً يقال إنه كان يكتب بالمدة الواحدة عشرين سطراً، وأنجب عدة أولاد منهم محب الدين، اشتغل كثيراً ومهر ثم ترك وتشاغل بالمباشرة عند كبير التجار برهان الدين المحلي، ثم انكسر عليه مال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 فضيق عليه فأظهر الجنون، وتمادى به الحال إلى أن صار جداً فانخبل عقله وصار يمشي في الأسواق وبيده هراوة ويقف فيذكر جهراً وتمادى على ذلك مدة بحيث كثر من يعتقده، واستمر على ذلك نحواً من أربعين سنة، وفي بعض الأحيان يتراجع وينقطع وينسخ بالأجرة ثم يرجع لتلك الحالة وهو في حال تسطير هذه الأسطر في قيد الحياة سنة تسع وأربعين ثم مات بعد الخمسين وذكر لي أن مولده سنة أربع وسبعين. إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن موسى الكناني البلبيسي ثم المصري القاضي مجد الدين ولد سنة ثمان أو تسع وعشرين وسبعمائة وسمع من أصحاب النجيب والعز الحرانيين ولازم الزيلعي في الطلب فأكثر من سماع الكتب والأجزاء وتخرج بمغلطاي والتركماني، واشتغل في الفقه والفرائض فمهر فيها ونظم الشعر وشارك في الأدب وباشر توقيع الحكم وناب في القضاء، وشجر بينه وبين شمس الدين الطرابلسي شيء فلم يثبت له بل صبر حتى اشتغل بالقضاء ثم عزل، وله تأليف في الفرائض، سمعت تاج الدين بن الظريف يطريه، واختصر الأنساب للرشاطي وتذكرة فيها فنون كثيرة ولما ولي القضاء كان معتكفاً في جوار الجامع الأزهر في رمضان فباشره فلم يرزق في السعد ثم أشاع عنه جمال الدين العجمي أنه يتبرم بالسقر مع السلطان ويدعي العجز عن الحركة واتفق أنه كان ثقيل البدن، فكان إذا حضر الموكب وأراد القيام اعتمد على الأرض وقام بمشقة، فكان السلطان يعاين منه ذلك فصدق ما قيل عنه فعزله ولم يتم له سنة واستمر إلى أن مات بعد أن ازداد ضعفه وانهزم وساءت حاله جداً مات في أول ربيع الأول ومن شعره: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 لا تحسبن الشعر فضلاً بارعاً ... ما الشعر إلا محنة وخبال الهجر قذف والرثاء نياحة ... والعتب ضغن والمديح سؤال أيتمش البجاسي كان ممن قام مع برقوق في ابتداء أمرته فأبلى في كائنته بلاء حسناً فحفظ له ذلك، وصار عنده مقرباً، ثم كان هو مقدم العساكر التي جهزها الظاهر لقتال يلبغا الناصري لما خرج عليه، فكسره الناصري وحبسه في دمشق، فلما خرج الظاهر من الكرك خلص واجتمع بالظاهر لما توجه لمصر فقرره أميراً كبيراً لما حضر الظاهر الموت أوصاه على ولده وجعله المتكلم في الدولة، فآل أمره إلى أن قتل كما تقدم. أبو بكر بن عثمان بن الناصح الكفرسوسي المؤدب صحب الشيخ علياً البناء وأخذ طريقته، وكان قد تصدى للعمل في البساتين مع النصيحة في عمله، ثم حفظ القرآن على الكبر وتصدى لتعليمه فكان يعلم الصبيان ويتورع، وكانت عنده وسوسة في الطهارة وسكن لما كبر المزة، مات في جمادى الأولى وقد جاوز الستين. أبو بكر بن يحيى بن محمد بن بلول بلامين أمير توزر حاصره صاحب إفريقية أبو فارس حتى قبض عليه فصلبه حتى مات في هذه السنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 بركة بنت سليمان بن جعفر الأسنائي زوج القضي تقي الدين الأسنائي، سمعت علي عبد الرحمن بن عبد الهادي وحدثت، ماتت في سلخ المحرم. بهادر بن عبد الله مقدم المماليك كان ليلبغا وولي التقدمة من قبل سلطنة الظاهر إلى أن مات وخرج من تحت يده خلق كثير من أكابر الأمراء آخرهم شيخ المحمودي الذي ولي السلطنة؛ وكان بهادر المذكور محتشماً محترماً كثير المال محباً في جمعه؛ مات في رجب بالقاهرة وهو هرم. تنم الظاهري تنقل في خدمة يرقوق إلى أن ولاه نيابة دمشق بعد وفاة كمشبغا الخاصكي، وفي سنة تسع وتسعين قاد الجيوش الإسلامية إلى سيواس نجدة لصاحبها برهان الدين بأمر الظاهر أظهر لهم المخامرة وطلب السلطنة فأطاعه نواب المماليك، ثم وصل إليه أمير العسكر المصري أيتمش ومن معه فتقوى بهم، ثم كان في محاربة الناصر ومن معه لهم ما تقدم وكانت الكسرة على تنم ومن معه فأسروا ثم قتلوا، وكان شجاعاً مهيباً جواداً حسن التدبير وله خان سبيل بالقرب من القلعة وتربة بدمشق. جلبان، تنقل في خدمة الظاهر إلى أن ولاه نيابة حلب عوضاً عن قرا دمرداش سنة ثلاث وتسعين، وجرت له وقعة مع التركمان بالباب فانتصر عليهم، ثم جرت له أخرى مع نعير وانتصر عليه أيضاً ثم قبض عليه الظاهر سنة ست وحبسه مدة بالقاهرة ثم أطلقه، واستقر أميراً كبيراً بدمشق، ثم كان ممن قام مع تنم فقتل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 خديجة بنت العماد أبي بكر بن يوسف بن عبد القادر الخيلية ثم الصالحية، روت عن عبد الله بن قيم الضيائية وماتت في أواخر السنة ولي منها إجازة. سليمان بن أحمد بن عبد العزيز الهلالي المغربي ثم المدني المعروف بالسقا، سمع من أحمد بن علي الجزري وفاطمة بنت العز إبراهيم وابن الخباز وغيرهم، وحدث، سمعت منه بالمدينة الشريفة، وكان مباشر أوقاف الصدقات بالمدينة وسيرته مشكورة ثم أضر بآخرته، ومات في أواخر هذه السنة وقد ناهز الثمانين. سليمان القرافي المجذوب كان للناس فيه اعتقاد زائد مات في ربيع الأول. شيرين الرومية خوند والدة الملك الناصر فرج، كانت كثيرة المعروف والبر في شؤونها بعد سلطنة ولدها؛ ماتت في ذي الحجة. صدقة بن عبد الله المغربي، مات بدمشق في جمادى الأولى. عبد الله بن أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن محمد بن هاشم ابن عبد الواحد بن عبد الله بن عشائر تاج الدين الحلبي الشافعي ولد سنة ثمان وعشرين وسمع بها علي التقي إبراهيم بن عبد الله بن العجمي وغيره وأجاز له جماعة من دمشق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 منهم زينب ابنة الكمال، وحدث وسمع منه البرهان المحدث وذكره القاضي علاء الدين في تاريخه. وقال: كان عاقلاً ديناً يعد من أعيان الحلبيين، مات في سادس عشر ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانمائة بحلب ودفن بمقبرتهم خارج باب المقام. عبد اللطيف بن أحمد الفوي نزيل حلب سراج الدين ولد سنة أربعين تقريباً وقدم القاهرة فاشتغل بالفقه على الأسنوي وغيره وأخذ الفرائض عن صلاح الدين العلائي فمهر فيها، ثم دخل حلب فولي بها قضاء العسكر ثم عزل، ثم ولي تدريس الظاهرية ثم نوزع في نصفها وكان يقرأ بمحراب الجامع الكبير ويذكر الميعاد بعد صلاة الصبح بمحراب الحنابلة، وكان ماهراً في علم الفرائض ومشاركاً في غيرها، وله نظم ونثر ومجاميع وطارح الشيخ زادة لما قدم عليهم بنظم ونثر فأجابه، ولم يزل مقيماً بحلب إلى أن خرج منها طالباً القاهرة، فلما وصل إلى خان غباغب أصبح مقتولاً وذهب دمه هدراً ولم يعرف قاتله. عبد اللطيف بن أبي بكر بن أحمد بن عمر الشرجي نزيل زبيد كان عارفاً في العربية مشاركاً في الفقه، ونظم مقدمة ابن بابشاد في ألف بيت وشرح ملحة الإعراب وله تصنيف في النجوم، اجتمعت به بزبيد وسمع علي شيئاً من الحديث وكان السلطان الأشرف يشتغل عليه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 وأنجب ولده أحمد وكان حنفياً. عبد المنعم بن عبد اله المصري الحنفي اشتغل بالقاهرة ثم قدم حلب فقطنها وعمل المواعيد وكان آية في الحفظ، يحفظ ما يلقيه في الميعاد دائماً من مرة أو مرتين، شهد له بذلك البرهان المحدث، فقال: كان يجلس مع الشهود ثم رحل إلى بغداد فأقام بها، ثم عاد إلى حلب فمات بها في الثالث من صفر. عثمان بن إدريس بن إبراهيم بن عمر التكروري صاحب بروونوزغاي، ملك بعد أخيه إدريس بن إدريس، وكان أخوه ملك بعد أخيه داود وداود بعد والدهم إبراهيم، وهو أول من ملك من آل بيتهم وجدهم الأعلى كان ينتمي إلى الملثمين وهم إلى الآن على تلك الطريقة في ملازمة اللثام، ويقال إنه جمع من العسكر مائة ألف فارس ورحل يقاتل بهم من يليه من الكفار، والإسلام غالب في بلادهم، مات في هذه السنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 علي بن أحمد بن عبد الله الإسكندراني الحاسب كان يتعانى علم الميقات فبرع في معرفة حل الزيج وكتابة التقاويم وأقبل على الكيميا فأفنى عمره في أعمالها ما بين تصعيد وتقطير وغير ذلك ولم يصعد معه شيء، مات في آخر السنة عن نحو خمسين سنة. علي بن أيبك بن عبد الله التقصباوي الدمشقي علاء الدين الأديب، ولد سنة ثمان وعشرين وتعانى الأدب فقال الشعر الفائق ولكنه بالنسبة إلى طبقة من فوقه متوسط وهو القائل: في حلب الشهباء ظبي سطا ... بحاجب أفتك من طرفه لقوسه في جوشي أسهم ... والقصد عسر النيل من ردفه أجاز لي، ومات في سنة إحدى وثمانمائة. علي بن عبد الرحمن الدماصي الكاتب المجود جاور بمكة كثيراً وكتب الناس، وكان يشهد ببعض الحوانيت ظاهر القاهرة. علي بن عبد العزيز بن أحمد الخروبي تقي الدين بن عز الدين بن صلاح الدين من أعيان التجار بمصر حج مراراً، وكان ذا مروءة وخير عفيفاً عن الفواحش ديناً متصوناً، أوصى بمائة ألف درهم فضة لعمارة الحرم الشريف المكي فعمر بها بعد الاحتراق، وكان والدي قد تزوج أخته التي ماتت قبله، وكان عمي زوج عمته وعمه زوج عمتي، فكانت بيننا مودة أكيدة، وكان بي براً محسناً شفوقاً جزاه الله خيراً؛ مات في رجب وقد أكمل الستين. علي بن محمد بن علي بن عرب علاء الدين سبط القاضي كمال الدين التركماني ناب في الحكم ببعض البلاد وولي قضاء العسكر، مات في صفر. علي بن محمود بن أبي بكر بن إسحاق بن أبي بكر بن سعد الله بن جماعة الكناني علاء الدين الحموي ابن القباني اشتغل بحماة ثم قدم دمشق في حدود الثمانين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 وولي إعادة البادرائية ثم تدريسها عوضاً عن شرف الدين الشريشي، وكان ربما خطب وأم بالجامع الأموي، وكان يفتي ويدرس ويحسن المعاشرة، وكان طويلاً بعيد ما بين المنكبين، حج مراراً وجاور، وكان قليل الشر كثير البشر، مات في ذي القعدة؛ وقد شارك علاء الدين ابن المغلي قاضي حماة في أسمه وأسم أبيه وجده ونسبته حموياً، وسمع صاحب الترجمة مع الشيخ برهان المحدث بحلب وبدمشق سنة ثمانين، وليس هو ابن مغلي فليعلم لأنه لا يتميز في ثبت الشيخ برهان الدين. عيسى بن عبد الله المهجمي المعروف بابن الهليس كان من أعيان التجار، ولاه الأشرف نظر عدن، وجاور بمكة مدة سنسن؛ مات في رجب. محمد بن أحمد بن أبيالفتح بن إدريس الدمشقي شمس الدين ابن السراج أخو المحدث عماد الدين، سمع من الحجار الصحيح ومن محمد بن حازم والمزي والبرزالي والجزري وغيرهم؛ مات في رجب وقد قارب الثمانين. محمد بن أحمد بن محمد المصري السعودي شمس الدين يعرف بابن شيخ السنيين برع في مذهب الحنفية ودرس وأفتى وناب في الحكم وأحسن في إيراد مواعيده بجامع الحاكم وكتب الخط الحسن وخرج الأربعين النووية وجمع مجاميع مفيدة؛ مات في سلخ صفر وهو في الأربعين وتأسف الناس عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 محمد بن أحمد بن محمد الطوخي. محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الحنفي ولد شيخنا القاضي مجد الدين مات قبل أبيه بشهرين، وكان قد اشتغل ومهر. محمد بن حسب الله جمال الدين الزعيم التاجر المكي، مات في ثالث جمادى الأولى، وكان واسع المال جداً معروفاً بالمعاملات وضبط من ماله بعده أكثر من عشرين ألف دينار سوى ما أخفى. محمد بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المخزومي المكي الشافعي أبو السعود سمع من العز ابن جماعة واشتغل بالفقه والفرائض ومهر فيها، وناب في الحكم عن صهره القاضي شهاب الدين وهو والد أبي البركات الذي ولي الحكم في زماننا، مات في صفر عن نيف وستين سنة وكان مولده سنة خمس وأربعين. محمد بن عبد الله بن بكتمر ناصر الدين ابن جمال الدين بن الحاجب تقدم في ولاية صهره بطا الدويدار، مات في ربيع الأول. محمد بن عبد الله بن نشابة الأشعري الحرضي ثم العريشي نسبة إلى قرية يقال لها عريش من عمل حرض، وحرض آخر بلاد اليمن من جهة الحجاز وبينها وبين حلي مفازة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 وكان محمد المذكور فقهياً شافعياً، ذكره ابن الأهدل في ذيل تاريخ الجندي وقيد وفاته فيها أو في التي بعدها، قال خلفه ولده عبد الرحمن: وكان مولده سنة أربع وسبعين وتفقه بأبيه وبأحمد مفتي مور، وذكر أنه اجتمع به بعد الثلاثين بأبيات حسين وهو مفتي بلده ومدرسها وينوب في الحكم فيها. محمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن محب الدين ابن شيخنا يكنى أبا حاتم، أسمعه ابوه الكثير، واشتغل ودرس ثم ترك وكان فاضلاً وشكله حسن، قليل الاشتغال، وكان قد توجه إلى مكة في رجب ثم رجع قبل الحج لمرض أصابه فاستمر إلى أن مات في صفر. محمد بن عبيدان الدمشقي بدر الدين ولد قبل الخمسين وتفقه وشهد عند الحكام وتميز فيهم، وأجازه الشيخ سراج الدين البلقيني بالإفتاء قديماً، ولي قضاء بعلبك عن البرهان ابن جماعة ثم ولي قضاء حمص، مات في ربيع الأول. محمد بن عجلان بن رميثة بن أبي نمى الحسني المكي ناب في إمرة مكة ثم أكحل بعد موت أخيه أحمد واستمر خاملاً وقد دخل اليمن مسترقداً صاحبها ثم جهز معه المحمل في سنة ثمانمائة فرافقته وسلمنا من العطش الذي أصاب أكثر الحجاج في تلك السنة بمرافقة محمد هذا، لأنه سار بنا من جهة وخالفه أمير الركب فسار من الجهة المعتادة، فلم يجدوا ماء فهلك الكثير منهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 محمد بن عمر بن إبراهيم العجمي شمس الدين بن جمال الدين الحلبي وسمع المسلسل بالأولوية من الشيخ تقي الدين السبكي ومن محمد بن يحيى بن سعد وحدث به عنهما بسماع الأول على الموازيني أنا البهاء عبد الرحمن أنا ابن الجوزي وابن حمدي والثاني علي ابن دوالة أنا النجيب أنا ابن الجوزي قالا أنا إسماعيل بن أبي صالح بسنده وكان مولد شمس الدين هذا في سنة أربع وثلاثين واشتغل في شبيبته وحفظ الحاوي ونزل في المدارس وجلس مع الشهود ثم ولي تدريس بعض المدارس بعد والده ونازعه الأذرعي ثم الفوي ثم استقر ذلك بيده، وكان سليم الفطرة نظيف اللسان خيراً لا يغتاب احداً وله إجازة حصلها له أبوه فيها المزي وتلك الطبقة ولم يحدث بشيء منها والله أعلم؛ مات في رمضان ذكره القاضي علاء الدين. محمد بن عمر بن علي بن إبراهيم الجمال المعابدي الوكيل كان من كبار التجار كثير المال جداً كثير القرى والمعروف؛ مات في ربيع الآخر. محمد بن محمد بن أحمد المقدشي بالشين المعجمة سمع أكثر صحيح مسلم على ابن عبد الهادي وحدث، وكان ذا خير وعبادة وفيه سلامة فكان أصحابه يقولون له: ادع لفلان، فيقول: وليته قضاء العسكر، فكثر ذلك منه فلقبوه قاضي القضاة سمعت منه؛ مات في سادس عشرى شهر رجب وقد قارب التسعين. محمد بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الله ناصر الدين ولد سنة ستين أو نحوها وتعانى الكتابة وولي التوقيع وباشر في الجيش وصحب حمزة أخا كاتب السر وكان جميل الوجه وسيماً محباً في الرياسة لكنه لم يرزق من الحظ إلا الصورة، مات مقلاً في صفر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 محمد بن محمد بن علي بن عبد الرزاق الغماري ثم المصري المالكي شمس الدين أخذ العربية عن ابي حيان وغيره، وسمع الكثير من مشايخ مكة كاليافعي والفقيه خليل، وسمع بالإسكندرية من النويري وابن طرخان وحدث بالكثير، وكان عارفاً باللغة والعربية، كثير المحفوظ للشعر لا سيما الشواهد، قوي المشاركة في فنون الأدب، تخرج به الفضلاء، وقد حدثنا بالبردة بسماعه من أبي حيان عن ناظمها، وأجاز لي غير مرة عاش اثنتين وثمانين سنة. محمد بن محمد بن محمد بن عبد الدائم الباهي نجم الدين الحنبلي اشتغل كثيراً وسمع من شيوخنا ونحوهم، وعني بالتحصيل ودرس وأفتى، وكان له نظر في كلام ابن العربي فيما قيل، مات في شعبان عن ستين سنة، قال ابن الحجي: كان أفضل الحنابلة بالديار المصرية بالقاهرة وأحقهم بولاية القضاء. محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الغلفي ابن شيخ المعضمية، سمع من الحجار وحضر على إسحق الآمدي، وأجاز له أيوب الكحال وعلي بن محمد البندنيجي، مات في جمادى الآخرة، أجاز لي غير مرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 محمد بن محمد الجديدي القيرواني، تفقه ثم تزهد وانقطع وظهرت له كرامات، وكان يقضي حوائج الناس، وحج سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة فجاور بمكة إلى أن مات، وكان ورعه مشهوراً، وقيل مات سنة إحدى وثمانمائة. محمد الكردي الصوفي الزاهد المعمر، كان بخانقاه عمر شاه بالقنوات بدمشق، وكان ورعاً جداً لا يرزأ أحداً شيئاً ويؤثر بما عنده، ويؤثر عنه كرامات وكشف، وكان لا يخالط أحداً ويخضع لكل أحد، جاوز الثمانين، مات في شوال. مفتاح بن عبد الله عتيق المهتار نعمان، كان مهتار الطشتخاناة، مات في هذه السنة. مقبل بن عبد الله الرومي عتيق الناصر حسن، طلب العلم واشتغل على الفقه على مذهب الشافعي، ثم تعمق في مقالة الصوفية التحادية، وكتب الخط المنسوب إلى الغاية، وأتقن الحساب وغيره، مات في أوائل السنة، رأيته مراراً وقد قارب الستين. ملكة بنت الشرف عبد الله بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي ثم الصالحي، أحضرت علي الحجار وعلي محمد بن الفخر ابن البخاري، واحضرت علي أبي بكر ابن الرضي وزينب بنت الكمال وغيرهم، وأجاز لها ابن الشيرازي وابن عساكر وابن سعد وإسحاق الآمدي وغيرهم وحدثت بالكثير وسمع منها الفضلاء، ماتت في تاسع عشر جمادى الأولى وقد جاوزت الثمانين وأجازت لي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 يوسف بن أحمد بن غانم المقدسي النابلسي، ولي قضاء نابلس زماناً ثم قضاء صفد ثم خطابة المقدس لما مات عماد الدين الكركي، ثم سعى عليه ابن السائح قاضي الرملة بمال كثير فعزل فقدم دمشق متمرضاً، ومات فيها في جمادى الأولى، وهو سبط الشيخ تقي الدين القلقشندي. يوسف بن الحسن بن محمود السرائي ثم التبريزي عز الدين الحلوائي، قرأت في تاريخ حلب لابن خطيب الناصرية أنه نقل ترجمة يوسف هذا عن ولده بدر الدين لما قدم عليهم في سنة تسع وعشرين فقال: ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وأخذ عن جلال الدين القزويني وشهاب الدين الخونجي والعضد، ورحل إلى بغداد فقرأ على الكرماني ثم رجع إلى تبريزفأقام بها ينشر العلم ويصنف إلى أن بلغه أن ملك الدعدع قصد تبريز لكون صاحبها أساء السيرة مع رسول أرسله إليه في أمر طلبه منه وكان الرسول جميل الصورة إلى الغاية فتولع به صاحب تبريز فلما رجع إلى صاحبه أعلمه بما صنع معه وأنه اغتصبه نفسه أياماً وهو لا يستطيع الطواعية وتفلت منه، فغضب أستاذه وجمع عسكره وأوقع بأهل تبريز فأخربها، وكان أول ما نازلها سأل عن علمائها فجمعوا له فآواهم في مكان وأكرمهم فسلم معهم ناس كثير ممن اتبعهم، ثم لما نزح عنهم تحول عز الدين إلى ماردين فأكرمه صاحبها وعقد له مجلساً حضره فيه علماءها مثل شريحا الهمام والصدر فأقروا له بالفضل، ثم لما ولي إمرة تبريز أميرزاه ابن اللنك طلب عز الدين المذكور وبالغ في إكرامه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 وأمره بالستقرار بها وتكملة ما كان شرع في تصنيفه، ثم انتقل بآخرته إلى الجزيرة فقطنها إلى أن مات في هذه السنة؛ ومن سيرته أنه لم يقع منه كبيرة ولا لمس بيده ديناراً ولا درهماً، وكان لا يرى إلا مشغولاً بالعلم أو التصنيف، وشرح منهاج البيضاوي وعمل حواشي علي الكشاف وشرح الأسماء الحسنى، وكان يذكر أنه لما حج ثم أتى المدينة جلس على المنبر فرأى وهو جالس بجانب المنبر بالروض الشريفة مغمض العينين أن امنبر على أرض الزعفران قال: ففتحت عيني فرأيت المنبر على ما عهدت أولاً، فأغمضت عيني فرأيته على الزعفران وتكرر ذلك؛ قال القاضي علاء الدين: قدم علينا ولده الآخر جمال الدين فذكر أن والده مات سنة أربع وثمانمائة والله أعلم. يوسف بن عبد الله المقرئ كان مقيماً بمشهد ابن أبي بكر بمصر وللناس فيه اعتقاد، مات في ربيع الأول. يوسف بن عثمان بن عمر بن مسلم بن عمر الكتابي الصالحي، سمع من الحجار حضوراً ومن الشرف ابن الحافظ وأحمد بن عبد الرحمن الصرخدي وعائشة بنت مسلم الحرانية وغيرهم، وأجاز له الرضى الطبري وهو خاتمة أصحابه، وأجاز له أيضاً ابن سعد وابن عساكر وآخرون، وحدث بالكثير وكان خيراً؛ مات في نصف صفر عن ثلاث وثمانين سنة، أجاز لي غير مرة. يوسف بن مبارك بن أحمد جمال الدين الصالحي بواب المجاهدية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 كان يقرأ بالألحان في صباه هو وعلاء الدين عصفور الموقع وذلك قبل الطاعون الكبير، ولكل منهما طائفة تتعصب له، ثم انتقل يوسف إلى الصالحية وعصفور إلى القاهرة؛ ومات يوسف في ربيع الأول وله ثلاث وستون سنة. يوسف الهدباني الكردي من قدماء الأمراء تأمر في أيام الناصر محمد بن قلاوون، وكان مولده تقريباً سنة أربع وسبعمائة، وتنقل في الولايات وولي تقدمة الف وصودر غير مرة، وفي الأخير كان نائب القلعة عند موت الظاهر فتحيل النائب تنم وأخذها منه، فلما غلب الناصر فرج صودر، وكان يكثر شتم الأكابر على سبيل المزاح ويحتملون ذلك له، مات في ذي الحجة. ..... بنت الشيخ تقي الدين اليونيني ماتت في شعبان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 سنة ثلاث وثمانمائة خرجت من دمشق في أول يوم منها وفي الثاني وصل توقيع القاضي علاء الدين بن أبي البقاء وقرئ وباشر قضاء دمشق، ودخلت هذه السنة، والناس في أمر مريج من اضطراب البلاد الشمالية بطروق تمرلنك، وفي كل وقت ترد أخبار مغائره لما قبلها، وكان وصوله إلى سيواس في السنة الماضية كما تقدم، فحاصرها مدة ونقب سورها وقتل جمعاً ونهب الأموال، وذلك في أول يوم في هذه السنة حتى قيل أنه دفن من أهل سيواس ثلاثة آلف نفس وهم بالحياة، ثم نازل بهنسا في صفر ثم توجه إلى ملطية فأباد من فيها، ثم إلى قلعة الروم فقوي عليه أهلها فتركها وتوجه إلى جهة حلب فوصل عينتاب في أواخره وراسل نائب حلب نائب الشام يستحثه على القدوم بعساكر الشام لدفع تمرلنك، ثم وصل كتابه إلى نائب حلب يقول فيه: إنا وصلنا في العام الماضي إلى البلاد الحلبية لأخذ القصاص ممن قتل رسلنا بالرحبة ثم بلغنا موت الظاهر وبلغنا أمر الهند وما هم عليه من الفساد فتوجهنا إليهم وأظفرنا الله تعالى بهم ثم رجعنا إلى الكرج فأظفرنا الله بهم ثم بلغتنا قلة أدب هذا الصبي ابن عثمان فأردنا عرك أذنه ففعلنا بسيواس وغيرها من بلاده ما بلغكم أمره ونحن نرسل الكتب إلى مصر فلا يعود جوابها فنعلمهم أن يرسلوا قريبنا أطلمش وإن لم يفعلوا فدماء المسلمين في أعناقهم والسلام، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 وفي أواخر المحرم عقد مجلس بالقضاة والخليفة والأمراء واشتوروا فيما بلغهم من أمر العدو وهل يجوز أن يأخذوا من التجار نصف أموالهم أو ثلثها للاعانة على تجهيز الجيوش لملتقاه، فتكلم القاضي الحنفي جمال الدين الملطي وقال: إن فعلتم بأيديكم فالشوكة لكم وإن أردتم ذلك بفتوانا فهذا لا يجوز لأحد أن يفتي به والعسكر يحتاج لمن يدعو له فلا ينبغي أن يعمل شيء يستجلب الدعاء عليه، ثم اشتوروا ثانية في ارتجاع الأوقاف وإقصاعها لمن يستخدم، فعارضهم الملطي أيضاً وقال: القدر الذي يتحصل منها قليل جداً والأجناد البطالة لا يستنصر بهم إلا مع من غلب ووظيفتهم النهب، فانفصل المجلس على ذلك فكانت هذه من حسنات الملطي، ووعى هذا المجلس يلبغا السالمي فلم يرجع عنه حتى عمل ما منعهم منه الملطي، بعد ذلك وجرى له عقب ذلك ما لا خير فيه، ثم تواردت الأخبار بأخذ تمرلنك غالب البلاد الشمالية، فاضطرب أهل حلب ونقلوا أموالهم إلى القلعة ومنهم من فر إلى البلاد القريبة وغلت أسعار الجمال والحمير وتجهز نائب حلب بعسكرها ومن انضاف إليهم من العرب والتركمان ولما بلغت هذه الأخبار أهل الدولة بمصر أرسلوا إلى النواب بالبلاد بجمع العساكر والتوجه إلى حلب فاجتمعوا كلهم بحلب وهو نائب صفد ونائب حماة دقماق ونائب دمشق سودون قريب السلطان ونائب طرابلس شيخ الذي ولي السلطنة بعد ونائب غزة ومعهم من العسكر تقدير ثلاثة آلاف فارس، ثم شرع السلطان في التجهيز فأرسل تمرلنك إلى دمرداش نائب حلب يعده بأن يبقيه على نيابته بشرط أن يمسك سودون نائب الشام، فاطلع دمرداش على ذلك سودون فوثب على الرسول فضرب عنقه، فلما بلغ ذلك تمرلنك نازل حلب وذلك في العشر الأول من ربيع الأول، واشتور الأمراء فأشار بعضهم بالبروز إلى ظاهر البلد والقتال هناك وأشار البعض بالإقامة والقتال على الأسوار إلى أن يحضر العسكر المصري وأشار دمرداش لأهل البلد بإخلائها والتوجه حيث شاؤوا، فغلب أهل الرأي الأول وضربوا الخيام ظاهر البلد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 والتقى الجمعان يوم السبت حادي عشر شهر ربيع الأول فزحف اللنك بجنوده ومعهم الفيلة وصاحوا صيحة واحدة فولى أكثر الناس فزعاً، فأبلى نائب طرابلس في الحرب وأزدمر ويشبك بن أزدمر وغيرهم من الفرسان حتى كوثر أزدمر بالفرسان ففقد ووقع ولده يشبك بن أزدمر بين القتلى، فسلم بعد ذلك وتمت الهزيمة على العسكر الإسلامي، ورجعوا طالبين أبواب حلب فقتل من الزحام من لا يحصى، واللنكية في آثارهم بالسيوف وانحشر الأمراء في القلعة وهجم عسكر تمرلنك البلد فأضرموا فيها النار وأسروا النساء والصبيان وبذلوا السيف في الرجال والأطفال حتى صار المسجد الجامع كالمجزرة وربطت الخيول في المساجد وافتضت الأبكار فيها. بمحضر من أهلها، وكان من شأن عسكر تمرلنك عدم الاحتشام من الوطء بمحضر من الناس ولو زنوا، ثم حوصرت القلعة وردم خندقها فلم يصبروا إلا يومين والثالث وطلب دمرداش ومن معه الأمان فأجيبوا إلى ذلك، ثم استنزلوهم من القلعة ونظموا كل نائب وطائفته في قيودهم، ثم استحضرهم تمرلنك بعد أن طلع القلعة في ناس قليل بين يديه وعنفهم، وامتدت الأيدي لنهب أموال الناس التي حصنت بالقلعة لظن أصحابها أنها تسلم فكأنهم جمعوا ذلك للعدو حتى لا يتعب في تحصيلها، وعرضت عليه الأموال ومن أسر من الأبكار والشباب ففرق ذلك على أمرائه وكان بالقلعة من الأموال والذخائر والحلي والسلاح ما تعجب اللنك من كثرته حتى أخبر بعض أخصائه أنه قال: ما كنت أظن أن في الدنيا قلعة فيها هذه الذخائر، ثم تعدى أصحابه إلى نهب القرى المجاورة والمتقاربة والإفساد فيها بقطع الأشجار وتخريب الديار وجافت النواحي من كثرة القتلى حتى كادت الأرجل أن لا تطأ إلا على جثة إنسان وبني من رؤوس القتلى عدة مواذن منها ثلاث في رابية بن جاجا وهلك من الأطفال التي أسرت أماتهم بالجوع أكثر ممن قتل، وذكر القاضي محب الدين ابن الشحنة عن الحافظ الخوارزمي أنه أخبره أن ديوان اللنك اشتمل على ثمانمائة ألف مقاتل، وذكر أيضاً أن اللنك لما جلس في القلعة وطلب علماء البلد ليسألهم عن علي ومعاوية فقال له القاضي القفصي المالكي: كلهم مجتهدون، فغضب وقال: أنتم تبع لأهل الشام وكلهم يريدون ويحبون قتلة الحسين، وذكر أنه قرر في نيابة حلب لما توجه لدمشق الأمير موسى بن حاجي طغاي وكان رحيله عنها في أول يوم من شهر ربيع الآخر؛ ويقال إن أعظم الأسباب من خذلان العسكر الإسلامي ما كان دمرداش نائب حلب اعتمده من إلقاء الفتنة بين التركمان والعرب حتى أغار بعض التركمان على أموال نعير فنهبها، فغضب نعير من ذلك وسار قبل حضور تمرلنك فلم يحضر الوقعة أحد من العرب، وقال بعضهم: إن دمرداش كان قد باطن تمرلنك لكثرة ما كان تمرلنك قد خدعه ومناه. وطائفته في قيودهم، ثم استحضرهم تمرلنك بعد أن طلع القلعة في ناس قليل بين يديه وعنفهم، وامتدت الأيدي لنهب أموال الناس التي حصنت بالقلعة لظن أصحابها أنها تسلم فكأنهم جمعوا ذلك للعدو حتى لا يتعب في تحصيلها، وعرضت عليه الأموال ومن أسر من الأبكار والشباب ففرق ذلك على أمرائه وكان بالقلعة من الأموال والذخائر والحلي والسلاح ما تعجب اللنك من كثرته حتى أخبر بعض أخصائه أنه قال: ما كنت أظن أن في الدنيا قلعة فيها هذه الذخائر، ثم تعدى أصحابه إلى نهب القرى المجاورة والمتقاربة والإفساد فيها بقطع الأشجار وتخريب الديار وجافت النواحي من كثرة القتلى حتى كادت الأرجل أن لا تطأ إلا على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 جثة إنسان وبني من رؤوس القتلى عدة مواذن منها ثلاث في رابية بن جاجا وهلك من الأطفال التي أسرت أماتهم بالجوع أكثر ممن قتل، وذكر القاضي محب الدين ابن الشحنة عن الحافظ الخوارزمي أنه أخبره أن ديوان اللنك اشتمل على ثمانمائة ألف مقاتل، وذكر أيضاً أن اللنك لما جلس في القلعة وطلب علماء البلد ليسألهم عن علي ومعاوية فقال له القاضي القفصي المالكي: كلهم مجتهدون، فغضب وقال: أنتم تبع لأهل الشام وكلهم يريدون ويحبون قتلة الحسين، وذكر أنه قرر في نيابة حلب لما توجه لدمشق الأمير موسى بن حاجي طغاي وكان رحيله عنها في أول يوم من شهر ربيع الآخر؛ ويقال إن أعظم الأسباب من خذلان العسكر الإسلامي ما كان دمرداش نائب حلب اعتمده من إلقاء الفتنة بين التركمان والعرب حتى أغار بعض التركمان على أموال نعير فنهبها، فغضب نعير من ذلك وسار قبل حضور تمرلنك فلم يحضر الوقعة أحد من العرب، وقال بعضهم: إن دمرداش كان قد باطن تمرلنك لكثرة ما كان تمرلنك قد خدعه ومناه. وفي أواخر ربيع الأول عرض يشبك الدويدار أجناد الحلقة فقرر بعضهم وقطع بعضهم وسافر سودون من زاده في سلخه على هجين لكشف الأخبار، ثم تحققت أخبار حلب بوصول قاصد أسنبغا الذي توجه قبل ذلك لكشف الأخبار، فخرج السلطان في ثالث ربيع الآخر واستقر تمراز نائب الغيبة، ورحل السلطان من الريدانية عاشر ربيع الآخر فوصل غزة في العشرين منه، وتوجه منها في السادس والعشرين منه بعد أن قرر نواب البلاد عوضاً عن المأسورين، فولي تغري بردى نيابة دمشق وآقبغا الجمالي نائب طرابلس وتمر بغا المنجكي نائب صفد وطولو نائب غزة، ووصل السلطان دمشق في سادس جمادى الأولى، فوافاهم جاليش تمرلنك في نحو ألف فارس فالتقى معه بعض العسكر فكسروه في ثامن الشهر المذكور، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 ثم نازل تمرلنك الشام وراسل السلطان أن يطلق له أطلمش قريبه على أن يطلق جميع من عنده من الأسارى ويرحل من البلاد، فامتنعوا من ذلك وظنوا أن ذلك لعجزه عنهم، فكرر الطلب مراراً فأصروا، ثم وقعت الحرب بينهم واقتتلوا مراراً لكن لم يقع بينهم وقعة جامعة بل مناوشة. فلما كان في الثاني عشر من الشهر المذكور وقع الاختلاف بين أمراء العسكر المصري فخاف بعضهم من بعض فاختفى، فظن من أقام أن الذي اختفى قد توجه إلى القاهرة ليتملكها، فاخذوا السلطان وتوجهوا به إلى نحو صفد ثم إلى غزة فتركوا الناس في فوضى، ووصل السلطان إلى مصر في خامس من جمادى الآخرة وصحبته الخليفة وهم في غاية من الذل ليس معهم خيل ولا جمال ولا قماش ولا عدة، وصار الجيش بعد هرب السلطان يخرجون من دمشق إلى جهة مصر فيسلبهم العشير أثوابهم وربما قتلوا بعضهم، ومنهم من ركب البحر الملح حتى وصل إليهم إلى القاهرة في أسوء حال، ولما تحقق تمرلنك فرار العسكر أمر عسكره باتباعهم فصاروا يلتقطون منهم من تخلف فأغلق أهل دمشق أبوابها وركبوا أسوارها وتراموا مع اللنكية فقتل منهم جماعة، فأرسل تمرلنك يطلب من أهل البلد رجلاً عاقلاً يتكلم معه في الصلح، فأرسلوا إليه القاضي برهان الدين ابن الشيخ شمس الدين ابن مفلح، فرجع وأخبر أنه تلطف معه في القول وسأله في الصلح فأجابه، فأطاعه كثير من الناس وأبى كثير منهم فأصبحوا في يوم السبت نصف جمادى الآخرة وقد غلب رأي من أراد الصلح وأخرجوا إلى تمرلنك الضيافة جبوها من مياسير الناس، فكتب لهم أماناً قرء على المنبر يتضمن أنهم آمنون على أنفسهم وأهاليهم، ثم فتح الباب الصغير واستحفظ عليه بعض أمراء تمرلنك لئلا ينهب التتار البلد، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 واستقر الصلح على ألف ألف دينار فوزعت على أهل البلد، ثم روجع تمرلنك فتسخطها وقال: إنه إنما طلب ألف تومان والتومان عشرة آلاف دينار، فتزايد البلاء على أهل البلد وندموا حيث لا ينفع الندم، ثم أول شيء فعله اللنك من القبائح تعطيل الجمعة من الجامع الأموي فإنه نزل فيه شاه ملك وزعم أنه نائب تمرلنك على دمشق فسكنه بأهله وخيوله وأسبابه ومنع الناس من دخوله وتعطلت من المساجد الصلوات والأسواق من المعائش وشرع اللنكية في حصار القلعة واستكتب تمرلنك من بعض أهل دمشق أسماء الحارات وقسمها في أصحابه وأقطعها لهم، فنزل كل أمير حيث أقطع وطلب سكان ذلك الخط فكان الرجل يقوم في أسوء هيئة على باب داره ويطلب منه المال الجزيل فإن امتنع عوقب إلى أن يخرج جميع ما عنده فإذا لم يبق له شيء أحيط على نسائه وبناته وبنيه فيفجر بهم حتى قيل إنهم يفعلون ذلك بهم بحضرته مبالغة في الإهانة ثم بعد وطئهم يبالغون في عقوبتهم لإحضار المال، فأقاموا على ذلك سبعة عشر يوماً فهلك تحت الضرب والعقوبة من لا يحصى، ثم خرج منها الأمراء المذكورون وصبح البلد في سلخ رجب المشاة والرجالة في أيديهم السيوف المصلتة فانتهبوا ما بقي من المتاع وألقوا الأطفال من عمر يوم إلى خمس تحت الأرجل وأسروا أمهاتهم وآباءهم ثم أطلقت النار في البيوت إلى أن أحترق أكثر البلد وخصوصاً الجامع وما حواليه، ثم رحل تمرلنك بعساكره في ثالث شعبان فأعقب رحيله جراد كثير إلى الغاية ودام أياماً، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 ومات في هذا الشهر من أهل الشام من لا يحصى عدده إلا الله تعالى، فمنهم من حريقاً، ومنهم عن عجز من الهرب فمات جوعاً، ومنهم من توجه هارباً فمات إعياء، ومنهن من كان ضعيفاً فاستمر إلى أن مات، وبلغ الأمر بأهل دمشق قبل رحيل العسكر عنهم ان الواحد من التمرية كان يدخل إلى البيت وفيه العدد الكثير فيصنع بهم ما أراد من نهب وقتل وإحراق وإفساد وفسق، ولا تمتد إليه يد ولا تخاطبه لسان لما غلب على القلوب من الخوف منهم، وبيع القمح بعد رحيلهم كل مد بأربعين درهماً، واخذ الناس في ضم الجراد وبيعه وصار هو غالب القوت بالبلد، وبيع الرطل منه بأربعة ونصف، وصار من بقي حفاة عراة، وأعيانهم عليهم العبي والجلود وهم يبيعون الجراد، وينادون عليه ويتتبعون ما بقي من خلق المتاع ويبيعونه ليشتروا به الجراد، واستمر الحريق في البلد لعجز من بقي عن طفيه حتى عم جميعها، ومن بعد رحيل تمرلنك عن الشام قصد ماردين فنازلها، ووصل إله في تلك الأيام العادل صاحب حصن كيفا فأكرمه وكان وصوله إلى حلب راجعاً في سابع عشر شعبان ولم يدخلها بل امر المقيمين بها من جهته بتخريبها وتحريقها ففعلوا ثم لحقوا به وحدث كثير ممن كان أسر معهم ..... وسار هو قاصد البلاد الشمالية، وذكر بعض من يوثق به انه قرأ في الحائط القبلي بالجامع النوري بحماة منقوشاً على رخامة بالفارسي ما نصه: إن الله يسر لنا فتح البلاد والممالك حتى انتهى استخلاصنا إلى بغداد فجاورنا سلطان مصر والشام فراسلناه لتتم بيننا المودة فقتلوا رسلنا وظفرت طائفة من التركمان بجماعة من أهلنا فسجنوهم فتوجهنا لاستخلاص متغلبينا من أيدي مخالفينا، واتفق في ذلك نزولنا بحماة في العشرين من شهر ربيع الآخر، وكان لما وصل إلى حمص لم يتعرض لها إكراماً لخالد بن الوليد، ولما تكامل الجند بمصر قام بأمرهم يلبغا السالمي فصار يكسوا العرايا منهم ويحما إليهم الأموال والأمتعة والسلاح وقام في تحصيل الأموال لتجهيز العساكر إلى الشام لدفع تمرلنك بزعمه عن دمشق، فبسط يده في أخذ أموال الناس بغير رضاهم، فمن حضر قاسمه ماله قسمة صحيحة، ومن غاب أخذ نصف ما يجده له ويترك النصف وعم ذلك حتى في اموال الأيتام والأوقاف وفرض على البيوت كل بيت كراء شهر، وعلى كل فدان حبوب عشرة دراهم، وعلى كل فدان قلقاس أو قصب مائة درهم، وعلى البساتين كل فدان، مائة درهم، وفرض على الإقطاع عن عبرة كل ألف دينار ثمن فرس خمسمائة درهم. انتهى استخلاصنا إلى بغداد فجاورنا سلطان مصر والشام فراسلناه لتتم بيننا المودة فقتلوا رسلنا وظفرت طائفة من التركمان بجماعة من أهلنا فسجنوهم فتوجهنا لاستخلاص متغلبينا من أيدي مخالفينا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 واتفق في ذلك نزولنا بحماة في العشرين من شهر ربيع الآخر، وكان لما وصل إلى حمص لم يتعرض لها إكراماً لخالد بن الوليد، ولما تكامل الجند بمصر قام بأمرهم يلبغا السالمي فصار يكسوا العرايا منهم ويحما إليهم الأموال والأمتعة والسلاح وقام في تحصيل الأموال لتجهيز العساكر إلى الشام لدفع تمرلنك بزعمه عن دمشق، فبسط يده في أخذ أموال الناس بغير رضاهم، فمن حضر قاسمه ماله قسمة صحيحة، ومن غاب أخذ نصف ما يجده له ويترك النصف وعم ذلك حتى في اموال الأيتام والأوقاف وفرض على البيوت كل بيت كراء شهر، وعلى كل فدان حبوب عشرة دراهم، وعلى كل فدان قلقاس أو قصب مائة درهم، وعلى البساتين كل فدان، مائة درهم، وفرض على الإقطاع عن عبرة كل ألف دينار ثمن فرس خمسمائة درهم. وفي ذي الحجة منها حاصر نعير أمير العرب حلب وأميرها إذ ذاك دمرداش النائب والعساكر بها قليلة جداً فغلا السعر عندهم واشتد عليهم الخطب فاستنجد دمرداش بابن رمضان فحضر إليه بخيله ورجاله ووقع القتال فرأى نعير الغلبة وقد أشرف دمرداش وابن رمضان على كسرهم ففر ليلاً بمن معه فساروا في أثرهم فلم يدركوهم ورجع ابن رمضان إلى بلده وقد فرج الله عن الحلبيين به. وفي ليلة الإثنين النصف من صفر طلع القمر خاسفاً فصلى ابن أبي البقاء بدمشق صلاة الخسوف وخطب وفرغ عند وقت العشاء وانجلى القمر عند غياب الشفق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 ومن الحوادث غير قصة تمرلنك في أول يوم منها ولي تغري برمش ولاية القاهرة عوضاً عن أحمد بن الزين. وفي تاسعه استقر نور الدين ابن الجلال في قضاء المالكية عوضاً عن ابن خلدون. وفي أواخره صرف تقي الدين الكفري عن قضاء الحنفية بدمشق وأعيد بدر الدين القدسي. وفي خامس عشرى المحرم قرئ على المحدث جمال الدين عبد الله ابن الشرائحي بالجامع كتاب الرد على الجهمية لعثمان الدارمي فحضر عندهم زين الدين عمر الكفيري فأنكر عليهم وشنع وأخذ نسخة من الكتاب وذهب بها إلى القاضي المالكي فطلب القارئ وهو إبراهيم الملكاوي فأغلظ له ثم طلب ابن الشرائحي فآذاه بالقول وأمر به إلى السجن وقطع نسخه ابن الشرائحي ثم طلب القاري ثانياً فتغيب ثم أحضره فسأله عن عقيدته فقال: الإيمان بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانزعج القاضي لذلك وأمر بتعزيره فعزر وضرب وطيف به، ثم طلبه بعد جمعة وكان بلغه عنه كلام أغضبه فضربه ثانياً ونادى عليه وحكم بسجنه شهراً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 وفي ثاني عشر المحرم عزل ابن خلدون عن قضاء المالكية وأهين وطلب بالنقباء من عند آقباي الحاجب ماشياً من القاهرة إلى بيت الحاجب بالكيش وأوقف بين يديه ورسم عليه وحصل له إخراق زائد وأطلق بعض من سجنه ثم بعد مدة من عزله أعطي تدريس المالكية بوقف الصالح. وفي الرابع والعشرين منه كسر يلبغا السالمي من شبرى نحو من خمسين ألف جرة خمر. وفي عاشر ربيع الآخر استقر بدر الدين العيني في الحسبة عوضاً عن البجاسي ثم عزل بعد رجوع السلطان من دمشق وأعيد البجاسي في سابع جمادى الآخرة. وفي أواخر ربيع الآخر خلع تمراز نائب الغيبة على منكلي بغا الزيني بكشف البهسنا فنزل إلى يلبغا السالمي الأستادار فعراه الخلعة وضربه بالمقارع، فبلغ ذلك نائب الغيبة فغضب، فدخل النائب بينهما إلى أن أعاد السالمي على المذكور خلعته واستمر به. وفي نصف جمادى الأولى منع يلبغا السالمي اليهود والنصارى من دخول الحمامات إلا بشعار يعرفون به نساء ورجالاً وشدد في ذلك فبلغ ذلك نائب الغيبة فنادى بإبطاله ثم وصل كتاب السلطان في أوائل جمادى الأولى وفيه أن يلبغا السالمي لا يحكم إلا فيما يتعلق بالديوان المفرد خاصة وكان السالمي عند سفر السلطان استنجز مرسوماً بأنه يحكم في الأحكام الشرعية وكتب له عليه قضاة القضاة، فلما وقع الخلاف بينه وبين نائب الغيبة سعى عليه في إبطال ذلك فتم له ما أراد وأمر بان ينادى في البلد: من وقف ليلبغا السالمي في شكوى عوقب ومن له على السالمي ظلامة يرفعها لنائب الغيبة ثم أمر بكتابة محضر بأحوال السالمي وما هو فيه من الهوج، وكان السالمي يومئذ غائباً فلما رجع وبلغه ذلك أهان الذي كتب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 المحضر وأحضر دويدار الوالي فضربه بسبب إشهاره النداء، فبلغ ذلك الوالي فهرب إلى بيت نائب الغيبة ثم وصل السلطان فتمكن يلبغا السالمي من التحكم في البلد ونودي له بذلك فصنع ما تقدم شرحه قريباً. وفي ثاني عشر جمادى الآخرة استقر القاضي أمين الدين عبد الوهاب ابن القاضي شمس الدين الطرابلسي في قضاء الحنفية عوضاً عن القاضي جمال الدين الملطي وكان قد تعوق عن السفر إلى الشام لضعفه فمات في غيبتهم وتعطل المنصب بعده إلى هذه الغاية واستقر القاضي جمال الدين عبد الله بن مقداد الأقفهسي في قضاء المالكية عوضاً عن نور الدين ابن الجلال لأنه كان مات في غزة لما توجه العسكر إلى الشام ثم عزل بعد يسير واستقر القاضي ولي الدين ابن خلدون في رمضان. وفي ثالث رجب استقر علم الدين أبو كم في الوزارة عوضاً عن فخر الدين ابن غراب. وفي رجب وقع بحسبان من الشام برد كبار مثل الكف ومنه مثل الخيار وزن الواحدة سبعة وعشرون درهماً ولم يعهدوا مثل ذلك من قبل. وفي رجب حضر رسول تمرلنك يطلب أطلمش ويعدهم أنهم إذا أرسلوه يرسل كل من عنده من الأسرى أميراً كان أو فقيهاً وكانوا قد أسروا قاضي القضاة صدر الدين المناوي وشغر المنصب عنه ابتداء هرب السلطان من دمشق، فلما وصل الكتاب لم يسعهم المخالفة فأخرجوا أطلمش وأعطوم مالاً وأرسلوا رسلاً يخبرون تمرلنك بإكرامه وإعزازه؛ وفي ثامن عشر رجب استقر سعد الدين ابن غراب استاداراً مضافاً إلى ما بيده من نظر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 الخاص والجيش وشرط أن لا يغير ملبوسه، وسلم له السالمي ليحاسبه على الأموال التي أخذها من الناس، فسلمه لناصر الدين بن كلفت شاد الدواوين فأهانه وهدده وعصره، ثم أطلق في أول يوم من شوال ولقد عدته مهنئاً بسلامته فوجدته مصراً على تحسين أفعاله المستقبحة المقدم ذكرها ويوجه ذلك بانه لولا أشيع عنه تحصيل الأموال وتجهيز العساكر بها ما رحل تمرلنك عن دمشق، وهذا من غلطاته الظاهرة فإن رحيل اللنك إنما كان لضيق العيش على من معه فخشي أن يهلكوا جوعاً وإلا فما الذي يمنعه من اتباعهم إلى مصر؛ ثم قبض عليه مرة أخرى في ذي القعدة وتسلمه أحمد بن رجب شاد الدواوين فضربه وعصره حتى أشيع موته، ثم أفرج عنه في نصف الشهر. وفي سابع شعبان وصل نائب طرابلس شيخ المحمودي إلى القاهرة وكان قد هرب من أسر تمرلنك، فتلقاه يشبك وبقية الأمراء وأرسلوا إليه الخيول والمال، ثم خلع عليه في رمضان بنيابة طرابلس على عادته؛ وفي تاسع عشره حضر دقماق نائب حماة فاراً أيضاً من أسر تمرلنك. وفي أواخر شعبان نودي بالقاهرة: لا يقيمن عجمي بها ومن أقام لا يلومن إلا نفسه! فشرعوا في الخروج منها ثم فتر ذلك وشفع فيهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 وفي تاسع عشرين شعبان استقر ناصر الدين الصالحي في قضاء الشافعية عوضاً عن صدر الدين المناوي بعد السأس منه وشغر المنصب عنه أكثر من شهرين، وفيه أخذ الذهب في الأرتفاع لكثرة من يطلبه لأن الفضة كانت في غاية الغلاء وغالب نقد الناس الفلوس وهي مثقلة لمن يقتنيها ولا سيما من يخاف على نفسه. وفي أوائل شوال عمل يشبك الدويدار على جماعة من الخاصكية والأمراء ليخرجهم من القاهرة وقرر السلطان أن يؤمرهم في دمشق وغيرها فلما علم بذلك جكم ونوروز وغيرهما من كبار أهل الدولة تفطنوا لمقصود يشبك فعاكسوه واتفقوا مع الذين عينوا أن يردوا المناشير فدا بينهم وبين يشبك كلام فأغلظ لهم فخرجوا عليه فضربوا قطلوبغا الكركي وأخاه الخازندار بالرميلة وجرح قطلوبغا في وجهه ووقف المماليك إلى الليل وانضاف إليهم جكم ووقع بينهم وبين جركس المصارع الدويدار الثاني ثم توجه جكم ومعه جمع كثير نحو الخمسمائة إلى جهة بركة الحبش ثم سودون طاز أمير آخور وأخذ معه الخيل التي في الاصطبل والطبول وأتلف أشياء كثيرة من آلات الاصطبل كالقرب والوايا، فأرسل السلطان لهم نوروز وصحبته القاضي الشافعي في الحادي عشر يستخبرهم عن سبب نفرتهم ويأمرهم بالرجوع إلى الطاعة فأعلموهم بباطن القضية فرجع القاضي إلى السلطان فأطلعه على ما سمع وتأخر نوروز موافقاً لهم فخشي السلطان أن يتفلل من بقي عنده فنزل إلى الاصطبل وأمر رؤوس النوب بمنع المماليك من مساعدة أحد الفريقين وأرسل إلى يشبك يعلمه بانهم ليس لهم قصد غيره ويقول له: قاتل عن نفسك. فلما كان حادي عشر شوال التقى الجمعان فانكسر يشبك وقبض على أخوته وهم آقباي وقطلوبغا الكركيان وجركس المصارع وأرسلوا إلى الإسكندرية ثم قبض على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 يشبك وأرسل أيضاً واستقر جكم دويداراً وسودون من زاده خازندار ثم استعفي منها في سادس ذي الحجة واستقر شاد الشربخاناه وطلب المماليك الإنفاق بسبب النصرة فامر ناظر الخاص بتحصيل مال النفقة فشرع في الاقتراض من التجار وطلع في أول ذي القعدة لينفق لكل مملوك ألف درهم فثارت عليه المماليك فأمسكوه وضربوه فهرب واختفى عند الزمام ثم توجه إلى مصر ومعه النفقة وعدا من مصر إلى الجيزة وتمادى سائراً إلى تروجة وذلك في سادس عشري ذي القعدة وفي أثناء ذلك قبض يشبك على الشيخ لاجين شيخ الجراكسة فأخرجه إلى بلبيس وقبض على سودون الفقيه أحد دعاة الشيخ لاجين وسجنه بالإسكندرية. وفي السادس من ذي الحجة قرر السلطان ناصر الدين ابن سنقر أستاداراً واستقر أبو كم الوزير في نظر الخاص واستقر سعد الدين ابن بنت الملكي صاحب ديوان الجيش في نظر الجيش. فلما كان في تاسع ذي الحجة وصل قاصد من مشايخ تروجة يخبر أن ابن غراب حضر إليهم وعلى يده مثال شريف باستخراج الأموال وأن يتوجهوا صحبته إلى الإسكندرية لإخراج يشبك وإخوته فكتب جوابه بعدم تمكينه من المال وأن يقبض عليه ثم جاء من مشايخ تروجة قاصد يطلب الأمان لابن غراب فكتب له عن لسان السلطان. وفيها بلغ رسطاي نائب الإسكندرية أن ابن غراب أرسل إلى كبير الزعر أبي بكر غلام الخدام أن يجمع له الزعر ويحضر إلى تروجة ووعد كل واحد بخمسمائة درهم وأنهم يفتكون بنائب الإسكندرية فلما علم بذلك أمسك أبا بكر المذكور فضربه بالمقارع ثم وصل إليه كتاب ابن غراب يقول له إحذر أن تتعرض ليشبك أو لأحد من أخوته يصبك مثل ما أصاب ابن عرام فأرسل الكتاب إلى القاهرة ثم أظهر ابن غراب أنه يسافر إلى بلاد المغرب فهيأ حاله وركب متوجهاً ثم انفتل إلى جهة مصر فحضر إلى القاهرة في ليلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 الحادي والعشرين من ذي الحجة فدخل على جمال الدين يوسف البيري أستادار بجاس وهو يومئذ بخدمة سودون طار فأنزله عنده إلى يوم الخميس ثالث عشريه فطلع به إلى السلطان فخلع عليه واستقر في الأستادارية على عادته مضافاً إلى نظر الخاص والجيش ونزل فسلم على جميع الأمراء فلما وصل إلى بيت جكم حجبه ومنعه من الدخول إليه ثم توجه إليه بعد أيام مع سودون من زاده فشفع فيع عنده حتى باس يده ولم يكلمه بكلمة واحدة. ثم انفق ابن غراب النفقة على المماليك فثار به جماعة منهم ورجموه ففر إلى بيت نوروز الحافظي فتركوه ورجع إلى بيته إلى أن أرضى أعيانهم وأكابرهم وأكمل النفقة واستمر حاله. وفي ذي القعدة بعد إمساك يشبك وإخوته سافر شيخ المحمودي نائب طرابلس ودقماق نائب حماة إلى بلادهما بعد أن استقر دقماق في نيابة صفد والتقى دقماق مع متيريك بن قاسم بن متيريك أمير عربان حارثة فانكسر دقماق وقتل ممن معه اثنا عشر مملوكاً وأسرت والدته فبلغ ذلك شيخ المحمودي فلاجع إليه وحارب متيريك وقومه فكسروهم وأسروا منهم جماعة ثم قبضوا على ولدي متيريك فأمر بتوسيطهما وأخذ لمتيريك ستة آلاف جمل وأرسل نائب صفد يطالع بذلك فعاكسه الأمير جكم وأمر بأن يكتب إليه وإلى شيخ بالإعراض عن متيريك المذكور ورد ما أخذه منه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 وفي شوال كان تمرلنك قد وصل ماردين فقعد بها وأرسل من عنده رسولاً في خمسة آلاف نفس إلى بغداد يطلب من متوليها مالاً كان وعد به وطلب من يتسلمه منه، فلما وصل الرسول رآه أهل بغداد في قلة فطمعوا فيه فقتلوا غالب من معه، فأرسل الرسول إلى تمرلنك يطلب منه نجدة، فتوجه بالعساكر فوصل في أواخر شوال فملكها وبذل فيها السيف ثلاثة أيام، ثم أمر أن يأتيه كل فارس من عسكره برأس فشرعوا في قتل الأسرى حتى أحضروا إليه مائة ألف رأس فبناها مواذن أربعين، ثم أمر بنهب الحلة فنهبوها وخربوها ورحل عن العراق آخر ذي الحجة متوجهاً بعد أن أمر بخراب بغداد ..... وفي أولها رحل قرا يوسف وأحمد بن أويس إلى جهة حلب طالبين بلاد الروم، فصدهما دمرداش نائب حلب عن ذلك، فهرب أحمد ونهب وتوجه هو وقرايوسف إلى ملطية، ثم أن بعض الجند نصح أحمد وعرفه أن قرايوسف يريد الغدر به، فلما تحقق ذلك فر منهم فنهب ما خلفه وأساء في حق أخيه ورجع أحمد بن أويس إلى سيواس ثم توجه إلى برصا واجتمع بابن عثمان، ومن بعد وصول أحمد بقليل وصل تمرلنك إلى سيواس فحاصرها وذلك في المحرم فطلبوا الأمان فأمنهم. وأوفى النيل في سلخ ذي الحجة في هذه السنة وكسر الخليج في أول يوم من السنة المقبلة وفرح الناس لأنه كان توقف. وفي هذه السنة سار أبو فارس عبد العزيز صاحب تونس إلى طرابلس الغرب فأخذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 يحيى وعبد الواحد ابني أبي بكر بن محمد بن ثابت بن عمار العجيسي أميريها وانتهت إمرتهم عليها وكا أول من غلب عليها جدهم ثابت بن عمار من نحو سبعين سنة بعد موت سعيد بن طاهر البروعي أميرها، ثم ولي ابنه محمد بن ثابت مكانه سنة ست وعشرين، وكان يمشي في السوق ويتجر ثم قتل بعد عشرين سنة، فقام ابنه ثابت ابن محمد ثم قتل سنة ثلاث وأربعين بالبادية واستولى الفرنج على طرابلس، ولحق أولاد ثابت بن عمار بالإسكندرية تجاراً، فجمع أبو بكر محمد ابن ثابت جيشاً ونازل طرابلس سنة إحدى وسبعين فأخذ البلد عنوة واستعادها من الفرنج وخطب لصاحب تونس إلى أن مات سنة اثنتين وسبعين، فولي مكانه علي بن عمار بن محمد بن ثابت فحاصره أخو السلطان ثم خالف على أخيه فقبض عليه أبو فارس، ثم قبض على ابن عمار سنة ثمانمائة وأقيم مكانه يحيى بن أبي بكر وأخوه عبد الواحد إلى أن استولى أبو فارس بعده، فقبض عليهما وانتهت مملكة آل عمار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 ذكر من مات في سنة ثلاث وثمانمائة من الأعيان إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي بدر الدين النابلسي كان ينوب عن القاضي الحنبلي، مات في رمضان وقد ناهز الستين وكان يستحضر فقهاً جيداً ويتقن الفرائض وكان مشكور السيرة. إبراهيم بن محمد بن علي التادلي برهان الدين يكنى أباساً لم قاضي المالكية بدمشق كان جريئاً مهاباً، مات بعد أن حضر الوقعة مع اللنكية وجرح جراحات فحمل فمات قيل سفر السلطان من دمشق في جمادى الأولى وقد جاوز السبعين لأن مولده كان سنة اثنتين وثلاثين وقد ولي قضاء الشام من سنة ثمان وسبعين إلى هذه المدة عشر مرار يتعاقب هو والقفصي وغيره، فكانت مدة مباشرته ثلاث عشرة سنة ونصفاً وقد ولي قضاء حلب سنة إحدى وسبعين استقلالاً وكان ناب في الحكم بها وكان قوي النفس مصمماً في الأمور ويلازم تلاوة القرآن في الأسباع وقد تقدم ما جرى منه على ابن الشرائحي وغيره في أول السنة. إبراهيم بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج الصالحي الحنبلي تقي الدين ابن العلامة شمس الدين ولد سنة إحدى وخمسين، وحفظ كتباً واشتغل حتى مهر وأخذ عن أبيه والجمال المرداوي وأبي البقاء وجماعة ثم ولي قضاء الحنابلة وكان بارعاً عالماً بمذهبه وأفتى وجمع وشاع اسمه واشتهر ذكره، ولما طرق اللنك الشام كان ممن تأخر بدمشق فخرج إلى اللنك وسعى في الصلح وتشبه بابن تيمية مع غازان ثم رجع إلى دمشق وقرر مع أهلها أمر الصلح فلم يتم لم أمر وكثر ترداده إلى اللنك ليدفع عن المسلمين فلم يجب سؤاله وضعف عند رجوعهم، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 ولقيته وسمعت منه قليلاً ومات بعد الفتنة بأرض البقاع في أواخر شعبان ولم يخلف بعده في مذهبه ببلده مثله. إبراهيم التملوشقي أحد الفضلاء بدمشق في مذهب الشافعي مع الدين والخط الحسن والنجماع، مات في شوال. أحمد بن إبراهيم بن عبد الله الكردي الصالحي المعروف بابن معتوق حدثنا علي بن أبي بكر بن حصن الحراني مات في عيد الفطر. أحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد الممدوح بن أحمد ابن محمد بن الحسن بن إسحاق بن جعفر الصادق بن محمد بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسيني ثم الإسحاقي الحلبي أبو جعفر عز الدين نقيب الأشراف الحلبية ولد سنة إحدى وأربعين وسمع من جده لأمه الجمال إبراهيم بن الشهاب محمود والقاضي ناصر الدين ابن العديم وغيرهما وأجاز له من مصر أبو حيان والواديى أشي والميدومي وآخرون من دمشق وغيرها واشتغل كثيراً واعتنى بالأدب ونظم الشعر فأجاد قال القاضي علاء الدين: كان من حسنات الدهر زهداً وورعاً ووقاراً ومهابة وسمتاً لا يشك من رآه أنه من السلالة النبوية، حتى انفرد في زمانه برياسة حلب فكانت كلمته مسموعة والرؤساء حتى القضاة يترددون إليه، وباشر مشيخة الخانقاه العديمية بحلب ونزل في بعض المدارس، وكان حسن المحاضرة جميل الصورة حلو الحديث شريف النفس مقتفياً آثار السلف الصالح شافعي المذهب متمسكاً بالسنة وطريق السلف، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 وقد حدث بالاستيعاب بإجازته من الوادي آشي سمعه عليه جماعى منهم شيخنا الخضر بن المصري وقد قرأته عليه بقراءة الحافظ برهان الدين، قلت: وأجاز لنا من حلب قبل موته بسنة وخرجت عنه في بعض التخاريج أنشدنا الشريف أبو جعفر بن أحمد إجازة فيما أنشده لنفسه وكتب عنه بحلب مقتبساً: يا رسول الله كن لي ... شافعاً في يوم عرضي فأولوا الأرحام نصا ... بعضهم أولى ببعض وقد قال مضمناً وذي ضغن يفاخر إذ وردنا ... لزمزم لا بجد بل بجد فقلت تنح ويح أبيك عنها ... فإن الماء ماء أبي وجدي وقد قال مفتخراً يا سائلي عن محتدي وأرومتي ... البيت محتدنا القديم وزمزم والحجر والحجر الذي أبداً ترى ... هذا يشير له وهذا يلثم ولنا بأبطح مكة وشعابها ... أعلام مجد أنت منها الأنجم القانتون العابدون الحامدون ... السائحون الراكعون القوم الآمرون الناس بالمعروف وال ... ناهون عما ينكرون ويحرم العاطفون زمان ما من عاطف ... والمطعمون زمان أين المطعم وكان الشريف تحول في الكائنة العظمى إلى تيزين وهي من أعمال حلب بينهما مرحلتان إلى جهة الفرات فمات بها في شهر رجب فنقل إلى حلب فدفن عند أهله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 أحمد بن آقبرص بن بلغان بن كجك الخوارزمي ثم الصالحي سمع من إسحق بن يحيى الآمدي ومحمد بن عبد الله بن المحب وزينب بنت الكمال أخذت عنه بالصالحية كثيراً وكان خيراً ومات في الفتنة. أحمد بن خليل بن يوسف بن عبد الرحمن العينتابي الحنفي الضرير المقرئ، كان يسكن بحارة البساتين بعينتاب ويقرئ الناس، وكان عارفاً بالقراآت وله يد طولى في حل الشاطبية ونونية السخاوي ومنظومة النسفي في الفقه قال البدر العينتابي في تاريخه: قرأت عليه سنة ست وسبعين، وأرخه في صفر سنة خمس وثمانمائة، وقال في آخر ترجمته: إنه توفي قبل ذلك بسنتين أيام تمرلنك. أحمد بن راشد بن طرخان الدمشقي الشافعي المعروف بالملكاوي شهاب الدين، برع في الفقه وشارك في غيره ودرس وأفتى وأجاد وناب في الحكم وكان يحب الحديث والسنة، سمعت منه قليلاً وكان ديناً خيراً، قال شهاب الدين الزهري في حياة شرف الدين الشريشي وغيره: ليس في البلد من أخذ العلوم على وجهها غيره وقال ابن حجي: كان ملازماً للأشغال والإشتغال ويكتب على الفتاوى كتابة جيدة محررة واشتهر بذلك فصار يقصد من الأقطار، قال: وكان في ذهنه وقفة، وكان يلازم الجامع الأموي في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 الصلوات وله حلقة يشفل فيها به، ودرس بالدماغية وغيرها، وكان يميل إلى ابن تيمية ويعتقد رجحان كثير من مسائله، وكانت عند حدة وعنده نفرة من كثير من الناس، انفصل من الوقعة وهو سالم وحصل له جوع فتغير مزاجه وتعلل إلى أن مات في رمضان. أحمد بن ربيعة المقرئ، أحد المجودين للقراآت العرفين بالعلل، أخذ عن ابن اللبان وغيره، وانتهت إليه رياسة هذا الفن بدمشق وكان مع ذلك خاملاً لمعاناة ضرب المندل واستحضار الجن، مات في شعبان وقد جاوز الستين. أحمد بن الزين الوالي كان ظالماً غاشماً لمن كان للمفسدين به ردع ما. أحمد بن عبد الله النحريري شهاب الدين القاضي المالكي قدم إلى القاهرة وهو فقير جداً، فاشتغل وأقرأ الناس في العربية ثم ولي قضاء طرابلس فسار إليها، فنالته محنة من منطاش ضربه فيها بالمقارع وسجنه بدمشق، فلما فر منطاش رجع إلى القاهرة وقد تمول، فسعى إلى أن ولي قضاء المالكية في المحرم سنة أربع وتسعين، بعد موت الشمس الركراكي فلم تحمد سيرته فصرف في ذي القعدة منها واستمر إلى أن مات معزولاً في رجب، وكان بيده نظر وقف الصالح تلقاه عن العماد الكركي في رجب سنة تسع وتسعين وسبعمائة فلم تحمد سيرته فيه أيضاً؛ ومات في رجب. أحمد بن عبد الوهاب بن داود بن علي بن محمد المحمدي القوصي سعد الدين، ولد بقوص وتفقه ثم دخل القاهرة واشتغل ثم دخل الشام فأقام بها ثم دخل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 العراق فأقام بتبريز وأصبهان ويزد وشيراز، ثم استمر مقيماً بشيراز بالمدرسة البهائية إلى أن مات في شهر ربيع الآخر منها. أحمد بن علي بن يحيى بن تميم الحسيني الدمشقي وكيل بيت المال بها، سمع الكثير من الحجار وابن تيمية والمزي وغيرهم، وقد ولي نظر المارستان النوري قديماً ووكالة بيت المال ونظر الأوصياء، وكان بيدمر يعتني به ويقدمه، وكان مشكوراً في مباشرته ثم ترك المباشرة وانقطع في بيته يسمع الحديث إلى أن مات، قرأت عليه كثيراً، وكان ناصر الدين بن عدنان يطعن في نسبه؛ مات في رابع ربيع الآخر وله سبع وثمانون سنة واستراح من رعب الكائنة العظمى. أحمد بن علي القبائلي وزير صاحب المغرب، كان سلفه من خواص بني عبد المؤمن وقتل أبوه أبو الحسن سنة اربع وسبعين بيد يعقوب بن عبد الحق المريني، وكان كاتباً، مطيقاً، ونشأ ولده فأتقن الكتابة وباشر الأعمال السلطانية وكانت له معرفة في الحساب وصناعة الديوان، فلما ظهر السلطان أبو العباس امتحن ثم خدمه ولزم خدمته وناصحه وقام بعده بولاية ولده أبي الفارس ثم عقد لأخيه أبي عامر ثم ببيعة أخيه أبي سعيد ثم أوقع أهل الشر بينهما فأرسل إليه وإلى أبنه عبد الرحمن فسجنهما ثم ذبحهما في شوال سنة ثلاث وثمانمائة، وكان عارفاً حسن السياسة. أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر الأيلي الفارسي نزيل بيت المقدس ثم الرملة يلقب زغلش بمعجمتين أوله زاي الحنبلي أبو العباس ويعرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 بابن العجمي وبابن المهندس، سمع من ابن الميدومي فمن بعده بالقدس والشام وطلب بنفسه فحصل كثيراً من الأجزاء والكتب وتمهر قليلاً ثم افتقر وانخمل، سمعت منه بالرملة فوجدته حسن المذاكرة لكنه عانى الكدية واستطابها وصار زري الملبس والهيئة، سمعت منه في ثامن عشر رمضان سنة اثنتين وثمانمائة، وقد سمع أبوه من الفخر علي وحدث؛ مات شهاب الدين هذا في وسط السنة وتمزقت كتبه مع كثرتها. أحمد بن محمد بن عماد شهاب الدين أبو العباس ويقال له أحمد الضرير وأصله من الديار المصرية وسكن حلب وكان ينظم الشعر حسناً ويعبر الرؤيا ويعلم الوعاظ ما يقولون في المشاهد والمجامع، ودخل الشام فأقام بها ثم استوطن حلب، ثم توجه منها في الفتنة العظمى فمات؛ وهو الذي رثى القاضي شهاب الدين ابن أبي الرضا قاضي حلب بالموشح المشهمر. أحمد بن محمد بن محمد بن محمد الخجندي الحنفي، ولد سنة تسع عشرة واشتغل كثيراً وسمع الحديث وحدث وله تصانيف، وكان مقيماُ بالمدينة النبوية ومات بها، نقلت تاريخ وفاته من تاريخ العيني. أحمد بن موسى الحنبلي شهاب الدين ابن الضياء نقيب القاضي الحنبلي، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 مات في صفر، وهو والد صاحبنا شمس الدين ابن الضياء الشاهد بباب البحر ظاهر القاهرة. أحمد بن نصر الله بن أبي الفتح الحنبلي القاضي موفق الدين بن القاضي ناصر الدين، ولد سنة تسع وستين في المحرم وولي القضاء مرتين وسافر مع العسكر المصري ثم رجع بعد الهزيمة إلى أن مات في رمضان. أحمد بن يوسف البانياسي ثم الدمشقي المقرئ قرأ بالروايات وسمع الحديث من سنة سبعين من بعض أصحاب الفخر وغيرهم مات في شعبان عن ستين سنة. أحمد الطنبشي إمام السلطان تقدم في دولة الناصر وصار يقضي الأشغال. أسعد بن محمد من محمود جلال الدين الشيرازي قدم بغداد صغيراً فاشتغل على الشيخ شمس الدين السمرقندي في القرآن وفي مذهب الحنفية ثم حضر مجلس الشيخ شمس الدين الكرماني وقرأ عليه صحيح البخاري أكثر من عشرين مرة وجاور معه بمكة سنة خمس وسبعين وكان يقرأ ولديه ويشغلهما في النحو والصرف وغيرهما ودرس وأعاد وحدث وأفاد، وكانت عند سلامة باطن ودين وتعفف وتواضع وكان يكتب خطاً حسناً، كتب البخاري في مجادين وأخرى في مجلد وكتب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 الكشاف وتفسير البيضاوي وغير ذلك وولي في الآخر إمامة الخانقاه السميساطية ومات بدمشق في جمادى الآخرة وقد جاوز الثمانين. إسماعيل بن عباس بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي ابن محمد ابن رسول الملك الأشرف بن الأفضل بن المجاهد ابن المؤيد بن المظفر بن المنصور الغساني االيمني ممهد الدين ويقال إن اسم رسول محمد بن هارون بن أبي الفتح بن يوحي بن رستم التركماني الأصل ولي السلطنة بعد أبيه فأقام بها خمساً وعشرين سنة، وكان فيابتداء أمره طائشاً ثم توقر وأقبل على العلم والعلماء وأحب جمع الكتب، وكان يكرم الغرباء ويبلغ في الإحسان إليهم، امتدحته لما قدمت بلده فأثابني أحسن الله جزاءه! مات في ربيع الأول بمدينة تعز ودفن بمدرسته التي أنشأها بها ولم يكمل الخمسين. إسماعيل بن عبد الله المغربي المالكي نزيل دمشق كان بارعاً في مذهبه وناب في الحكم وأفتى وتفقه به الشاميون، مات في شعبان عن نحو سبعين سنة، وقد ضعف بصره. أبو بكر بن إبراهيم بن العز محمد بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي ثم الصالحي عماد الدين الحنبلي المعروف بالفرائضي وسمع الكثير على الحجار وابن الزراد وغيرهما، وأجاز له أبو نصر ابن الشيرازي والقاسم ابن عساكر وأخرون، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 أكثرت عليه وكان قبل ذلك عسراً في التحديث فسهل الله تعالى لي خلقه؛ مات في أيام الحصار عن نحو من ثمانين سنة. أبو بكر بن إبراهيم بن معتوق الكردي الهكاري ثم الصالحي روى لنا عن علي بن أبي بكر الحراني، ومات في الحصار أيضاً، وقد تقدم ذكر أخيه أحمد. أبو بكر بن سليمان بن صالح الشيخ شرف الدين الدادبخي نسبة إلى دادبخ وهي قرية من قرى سرمين، قرأ بحلب الفقه على الباريني والنحو على الأندلسيين، وأخذ بدمشق عن ابن كثير والسبكي والموصلي، وبرع ودرس وأفتى ونفع الناس، وولي القضاء بحلب مدة وشغل بها، وكان ديناً عالماً؛ مات في الكائنة العظمى باللنكية في جمادى الأولى سنة ثلاث. أبو بكر بن سنقر الجمالي سيف الدين أحد الأمراء الحجاب بالقاهرة، ولي إمرة الحج مراراً بعد موت خاله بهادر الجمالي، وكانت فيه مداراة ولم تكن له حرمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 أبو بكر بن عبد الله بن العماد أبي بكر بن أحمد بن عبد الحميد ابن عبد الهادي بن محمد بن يوسف بن قدامة بن التقي المقدسي ثم الصالحي الحنبلي ولد سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة ثنا عن أحمد ابن عبد الله بن جبارة والبهاء علي بن العز عمر وغيرهما، وحدث سمع منه شيخنا وذكره في معجمه وإنبائه مات في الحصار. أبو بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة شرف الدين الحموي الأصل المصري، سمع الكثير من جده اتلميدومي ويحيى بن فضل الله وغيرهم وسمع من احمد بن مسعود الشاعر قصيدته التي أولها: سلوا ظبية الوعساء فقدت إلفاً وكان مولده في ذي الفعدة سنة ثمان معشرين وأجاز له مشايخ مصر والشام إذ ذاك بعناية أبيه واشتغل مدة، وناب عن أبيه في الحكم والتدريس، ثم ترك وخمل لاشتغاله بما لا يليق بأهل العلم، وكان يدري أشياء عجيبة صناعية، رأيته يجعل الكتاب في كمه ويقرأ ما فيه من غير أن يكون شاهده؛ مات في رابع عشر جمادى الأولى في مصر، وأنجب ولده الإمام عز الدجين محمد بن أبي بكر. أبو بكر بن الجندي الساعاتي الدمشقي، كان عارفاً بحساب النجوم، مات في شعبان؛ أخذ عن ابن القماح، وكان ابن القماح يقدمه على نفسه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 بجاس وهو الأمير الذي ينسب إليه جمال الأستادار، وتزوج ابنته سارةوهو بجاس النوروزي النحوي سيف الدين، قدم القاهرة وهو كلبير فاشتراه الظاهر برقوق وترقى عنده إلى أن أمره: وكان من كبار الجراكسة في بلاده؛ مات في رجب. البدر بن الشجاع عمر الكندي ثم المالكي من بني مالك بطن من كندة الظفاري ملك ظفار، غلب أبوه على مملكة ظفار في حدود الستين وسبعمائة، وكان وزير صاحبها المغيث بن الواثق من ذرية علي بن رسول فوثب عليه فقتله وتملك ظفار، ثم مات عن قرب وولي ولده البدر المذكور، فطالت مدته وغلب على أعدائه ومهد بلاده وعدل فيها واشتهر، وكان جواداً مهاباً؛ مات في هذ السنة واستقر ولده أحمد ودبر المملكة معه جماعة من إخوته، ثم وقعت بينهم الفتنة وتفرق شملهم وغلب بعضهم على بعض حتى تفانوا، وكان من آخر أمرهم تشتتهم في الأرض فحضر بعضهم القاهرة فاقام بها غريباً طريداً إلى أن خرج منها في سنة ثمان مائة وخمس وعشرين. جكم بالجيم والكاف وزن قمر الجركسي الظاهري. حسن بن علي بن سرور الدمشقي شرف الدين ابن خطيب جبرين، مات في رمضان عن خمس وستين سنة بدمشق. الحسن بن محمد بن علي العراقي نزيل حلب، كان شاعراً ماهراً يمدح الأكابر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 ويتكسب بذلك وبالشهادة، وكانت فيه شيعية فكان خاملاً بسببها رث الحال، صنف الدر النفيس في أجناس التجنيس في مدح البرهان ابن جماعة يشتمل على سبع قصائد أولها. لولا الهلال الذي في حيكم سفراً ... ما كنت أنوي إلى مغناكم سفرا ومن نظمه: جرى در دمع من عيون أحبتي ... وسالت دموعي كالعقيق بهم حمرا فراحوا وفي أعناقهم من دمائنا ... عقيق وفي أعناقنا منهم درا مات في سابع عشر المحرم. حسن بن محمد بن شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي ثم الدمشقي الحنبلي بدر الدين بن بهاء الدين ابن العلامة الشمس سمع من زينب بنت الكمال والجزري، مات في شعبان وقد جاوز الستين. خديجة بنت إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم ابن سلطان البعلية ثم الدمشقية أحضرت علي القاسم ابن عساكر وأجاز لها أبو نصر ابن الشيرازي والدبابيسي وآخرون، أكثرت عنها؛ ماتت وقد قاربت التسعين وهي آخر من حدث عن القاسم بالسماع في الدنيا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 خديجة بنت أبي بكر بن علي بن أبي بكر بن عبد الملك الصالحية المعروفة ببنت الكوري حدثتنا عن زينب بنت الكمال وماتت في حصار دمشق. خديجة بنت الإمام نور الدين محمد بن أبي بكر بن محمد بن قوام البالسية ثم الصالحية سمعت من زينب بنت الخباز وحدثت ماتت في شوال. داود بن أحمد بن علي بن حمزة البقاعي الدمشقي الحنبلي حدثنا عن الحجار مات في شعبان. داود بن علي الكردي نزيل حلب أخذ الفقه عن الزين الباريني وتكسب بالشهادة وكان كثير التلاوة مات بها. دريب بن أحمد بن عيسى الحرامي أمير حلى قتل في حرب وقعت بينه وبين بني كنانة وكان شهماً كريماً واستقر بعده أخوه موسى. رسلان بن أبي بكر بن رسلان بن نصير بن صالح البلقيني بهاء الدين أبو الفتح بن أخي شيخ الإسلام سراج الدين اشتغل في الفقه كثيراً ومهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 وشارك في غيره وناب في الحكم وتصدى للإفتاء والتدريس وانتفع الناس به في جميع ذلك، مات في آخر جمادى الأولى وله سبع وأربعون سنة وكثر التأسف عليه مع الوقار وحسن الخلق والشكل وكان كثير المنازعة لعمه في اعتراضاته على الرافعي، وقال الشيخ شهاب الدين ابن حجي: كان من أكابر العلماء وحمدت سيرته في القضاء. رقية بنت علي بن محمد بن أبي بكر بن مكي الصفدية ثم الصالحية روت لنا عن زينب بنت الخباز سماعاً ماتت في رمضان. زينب بنت العماد أبي بكر بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عباس ابن جعوان سمعت من الحجار وعبد القادر بن الملوك وغيرهما، ماتت في شوال سمعت عليها أيضاً. ست الكل بنت أحمد بن محمد بن الزين القسطلانية ثم المكية حدثت بالإجازة عن يحيى بن فضل الله ويحيى بن المصري وابن الرضي وغيرهم من الشاميين والمصريين سمعت عليها جزءاً بمكة. شعبان بن علي بن إبراهيم المصري الحنفي شرف الدين سمع من أصحاب الفخر وكان بصيراً بمذهبه ودرس في العربية وحصل له خلل في عقله ومع ذلك يدرس ويتكلم في العلم، مات في شوال. شمس الملوك بنت ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن يعقوب ابن الملك العادل الدمشقية روت عن زينب بنت الكمال وماتت في شعبان ولي منها إجازة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 ططر بنت عز الدين محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بن المنجا التنوخية الدمشقية أخت شيختنا فاطمة سمعت من آقوش الشبلي وحدثت بالإجازة عن الجزري وبنت الكمال، وماتت في شعبان. عبد الله بن سالم بن سليمان بن عمر ابن البصروي ثم الدمشقي جمال الدين ولد سنة ست وأربعين وسلك طريق الفقراء وأحضر على بعض الشيوخ ثم سمع بنفسه وتجرد ثم تزوج وتنزل في المدارس ومات في شعبان. عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن محمد بن أحمد ابن عبيد الله المقدسي ثم الصالحي تقي الدين سمع من الحجار وغيره، قرأت عليه الكثير بالصالحية مات بعد الوقعة. عبد الله بن محمد بن عبد الأحد الحراني الأصل الحلبي ولد سنة بضع عشرة وتفقه على الفخر عثمان بن خطيب جبرين وناب في الحكم وكان خيراً ومات في الكائنة العظمى بحلب. عبد الله بن نجيب بن عبد الله الحلبي شرف الدين النجيب ولي نظر الجيش بحلب مدة ثم أضاف إليه يلبغا نظر ديوانه لما ولي نيابة حلب فاستمر في خدمته إلى أن ملك الديار المصرية وهو معه ثم رجع معه لما أطلق من حبس الإسكندرية بعد رجوع الظاهر من الكرك وتولية الناصري النيابة بحلب، فلما قدم الظاهر وأمسك الناصري وقتله طلب شرف الدين المذكور فهرب واستمر في الأختباء إلى أن مات برقوق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 فلما ولي دمرداش النيابة بحلب ظهر شرف الدين المذكور فاستخدمه دمرداش في ديوانه أيضاً واستمر إلى الوقعة العظمى وكان فيمن فر من حلب إلى قلعة الروم فأقام بها فاتفقت وفاته في آخر السنة، ذكره القاضي علاء الدين في تاريخه وقال: كان عاقلاً رئيساً يحب الصالحين ويبرهم. عبد الله بن يوسف بن أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة بن بدر الدمشقي الحنفي تقي الدين المعروف بابن الكفري قاضي الحنفية وابن قاضيهم بدمشق ولد سنة ست وأربعين واشتغل وتمهر وتنبه وسمع على أصحاب ابن عبد الدائم وإسماعيل بن أبي اليسر وأحضر على السلاوي في الثالثة وعلى ابن الخباز في الخامسة وحضر في العربية عند العتابي وفي الأصول عند بهاء الدين المصري وفي المعقول عند القطب التحتاني وولي قضاء العسكر مدة ثم ناب في الحكم ثم استقل سنة خمس وثمانين، وكان يذاكر بأشياء ويحفظ أيام الناس، سمعت عليه يسيراً فيما أحسب وأجاز لي، وقد درس وحدث في حياة أبيه وخطب، وخرج له أنس بن علي المحدث أربعين حديثاً، ولم يكن يحمد في حكمه مع سياسة كانت عنده ومداراة، وجمع بين الخبرة بالأحكام والحشمة؛ مات وله بضع وخمسون سنة في ذي الحجة بعد أن أوذي في المحنة وسكن بعض المدارس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 عبد الأحد بن محمد بن عبد الأحد الحراني الأصل الحلبي ولد سنة بضع عشرة واشتغل بالفقه وقرأ القراآت على الفخر خطيب جبرين وعلى غيره وناب في الحكم بحلب، وقال القاضي علاء الدين في تاريخه: كان ديناً ظريفاً حسن المحاضرة مع كبرسنه، ثم وقع في يد الططر فعاقبوه فمات في شهر ربيع الأول. عبد الرحمن بن أحمد بن علي القبائلي تقدم ذكره في هذه السنة مع والده. عبد الرحمن بن عبد اله بن محمد بن الفخر عبد الرحمن البعلي الدمشقي الحنبلي وثنا عن المزي وغيره، مات في رجب. عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد بن عثمان بن أبي الرجاء بن أبي الزهر التنوخي بن السلعوس الدمشقي سمع من عبد الرحيم بن أبي اليسر وداود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 بن العطار وابن الخباز وغيرهم وحدث، مات في شعبان أو في رمضان وله نحو السبعين. عبد الرحمن بن فخر الدين الحسني تقي الدين أخو نقيب الأشراف وابن نقيبهم، مات في ربيع الأول. عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن لاجين الرشيدي ثم المصري زين الدين سمع علي الميدومي ومحمد بن إسماعيل الأيوبي وغيرهما وسمع بدمشق من عمر بن زباطر وابن أميلة وغيرهما وحدث، وكان بارعاً في الفرائض وفي الحساب والميقات، وله مجاميع حسنة وشرح الجعبرية والأشنهية والياسمينية ولم يكن ماهراً؛ قال القاضي تقي الدين الشهبي: وقفت على شرحه وفيه أوهام عجيبة، مات في مستهل جمادى الأولى وله اثنتان وستون سنة، قرأت عليه قليلاً عن الأيوبي وسمعت منه المسلسل. عبد الرحمن الطنتداي المعروف بالخليفة شيخ الطائفة السطوحية كان ينزل المدرسة الفارسية من القاهرة ويعمل بها بعد صلاة الجمعة عنده السماع فيحضر الخلائق وكان متودداً قل أن ترد شفاعته، مات في جمادى الآخرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 عبد الرحيم بن عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن بهرام الحلبي كان فاضلاً، أتقن الشروط ورأس فيها، وكان مشكور السيرة؛ مات في شعبان بمدينة الشغر. عبد العزيز بن محمد بن محمد بن الخضر المصري عز الدين المعروف بالطيبي ولد قبل سنة ثلاثين وأسمع علي يحيى بن فضل الله وصالح بن مختار وأحمد بن منصور بن الجوهري في آخرين، ووقع في الحكم عند أبي البقاء فمن بعده وباشر نظر الأوقاف، ولم يكن محموداً في معرفته بالشروط، سمعت عليه شيئاً وخرجت له جزءاً؛ مات في ثالث عشر المحرم. عبد القادر بن محمد بن علي بن عمر بن نصر الله الدمشقي الفراء المعروف بابن القمر سبط الحافظ الذهبي، سمع بإفادة جده منه ومن زينب بنت الكمال وأحمد بن علي الجزري في آخرين، حدثنا في حانوته وكان نعم الرجل مات في الكائنة. عبد الكريم بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس أبو الفضائل كريم الدين ولي الوزارة وغيرها مراراً، وكان مهاباً مقداماً متهوراً؛ مات في جمادى الآخرة، وكان ابتداء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 ولايته الوزارة في أواخر دولة الأشرف؛ ثم لما قتل الأشرف وقبض على الشمس المقسي تولى كريم الدين مصادرته واستقر في نظر الجيش بدله في سنة ثمانين، ثم قبض عليه بسبب تهوره وصودر ثم ضرب، ثم عاد في دولة يلبغا الناصري وتقلبت به الأمور، ولم يكن فيه ما في أخيه فخر الدين من الإنسانية والأدب إلا أنه كان مفضالاً كثير الجود لأصحابه. عبد اللطيف بن أحمد بن علم الأسنائي تقي الدين ابن أخت الشيخ جمال الدين اشتغل على خاله قليلاً وناب عنه في الحسبة وعن غيره ثم ناب في الحكم، وقد سمع على الميدومي وغيره وحدث يسيراً، أخذ عنه أبو زرعة ابن العراقي والطلبة مات في ربيع الآخر وقد جاوز الستين، وكان مشكوراً في الأحكام، ولم أجد لي عنه شيئاً. عثمان بن محمد بن عثمان بن محمد بن موسى بن جعفر تأنصاري السعدي العبادي فخر الدين الكركي ثم الدمشقي الشافعي الكاتب المجود ولد بالكرك سنة سبع وعشرين وقدم دمشق سنة إحدى وأربعين، فسمع بها من أحمد بن علي الجزري والسلاوي ثم عاد إلى بلده، ثم استوطن دمشق من سنة خمس وأربعين، واشتغل في التنبيه وسمع أيضاً من زينب ومحمد ابني اسماعيل بن الخباز وفاطمة بنت العز، ثم دخل مصر فأقام بها مدة وتزوج بنت العلامة جمال الدين ابن هشام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 ثم جاور بمكة، ثم عاد إلى دمشق وحدث، وسمع منه الياسوفي وغيره من القدماء؛ مات في شعبان. علي بن إبراهيم بن علي بن علي بن يعقوب بن محمد بن صقر الكلبي الكاتب كان من روؤساء الحلبيين ومن أهل بيت فيهم، سمع على محمد وصافي ابني نبهان الأربعين المخرجة لابن المحبر؟ بسماعهما منه، وأجاز لي في سنة اثنتين وثمانمائة، وفي هذه السنة حدث بالأربعين المذكورة فسمعها منه قاضي حلب العلائي وذكره في ذيل تاريخ حلب وأثنى عليه وقال: مات في الكائنة العظمى في هذه السنة بحلب، قلت: وقد حدثت أنا والقاضي علاء الدين بهذه الأربعين في سنة ست وثلاثين وثمانمائة أنا بالإجاوة والمكاتبة عنه وهو بالسماع وخرجت عليها بأسانيدي إلى من في أثناء كل حديث منها وبعلو. علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمود المرداوي ثم الصالحي الحنبلي علاء الدين كاتب الحكم للحنابلة أسمع الكثير على زينب بنت الكمال وعائشة بنت المسلم وابن أبي التائب وابن الرضي وغيرهم سمعت منه كثيراً؛ مات في رمضان وقد جاوز السبعين، قال ابن حجي: كان أقدم من بقي من شهود الحكم وشهد علي المرداوي الكبير وكان خيراً جيداً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 علي بن أيوب الماحوزي النساج الزاهد كان يسكن بقرب قبر عاتكة وينسج بيده، ويباع ما ينسجه بأغلا ثمن فيتقوت منه هو وعائلته ولا يرزأ أحداً شيئاً، وكانت له مشاركة في العلم، قال ابن جي: هو عندي خير من يشار إليه بالصلاح في وقتنا؛ مات في عاشر ربيع الآخر، وللناس فيه اعتقاد زائد ويذكر عنه كرامات ومكاشفات، وكان طلق الوجه حسن العشرة. علي بن عبد الله بن محمد الطبلاوي علاء الدين بن سعد الدين أصله من طبلاوة قرية بالوجه البحري، وكان عنه بهاء الدين تاجراً بقيسارية جركس في البر فمات فحصل له من ميراثه مال فسعى في شد المارستان فباشره واستمر، ثم ولي شد الدواوين وولاية القاهرة في سنة اثنتين وتسعين، واتفق أن الظاهر بعد رجوعه إلى الملك والحكم بين الناس صار يقف في خدمته ويراجعه في الأمور فعظم أمره واشتهر ذكره واستناب أخاه محمداً في الولاية ومحموداً في الحسبة في سنة ست وتسعين ثم أمر في سنة سبع وتسعين طبلخاناه واستقر حاجباً، وفي شعبان استقر في النظر على المتجر السلطاني ودار الضرب، وخرج على محمود ورافعه وساعده ابن غراب حتى نكب واستقر ابن الطبلاوي استاداراً خاص للسلطان والذخيرة والأملاك ثم في نظر الكسوة في المحرم سنة ثمان وتسعين ثم ولي نظر المارستان في آخر السنة فعظم أمره وصار رئيس البلد والمعول عليه في الجليل والحقير واستقر استادار الأملاك والذخيرة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 فلما كان في جمادى الآخرة استقر سعد الدين ابن غراب في نظر الخاص فانتزع من ابن الطبلاوي الكلام على الإسكندرية، ثم قبض عليه في سادس عشر شعبان منها في بيت ابن غراب وكان عمل وليمة مولود ولد له فلما مد السماط قبض عليهما يعقوب شاه الخازندار وعلى ابن عمه ناصر الدين شاد الدواوين وأرسل ابن غراب إلى أخيه والي القاهرة وإلى جميع حواشيه فأحيط بهم فسلم ليلبغا المجنون، فاجتمعت العامة ورفعوا المصاحف والأعلام واجتمعوا بالرميلةوسألوا إعادة ابن الطبلاوي، فأجيبوا بالضرب والشتم فتفرقوا، وأرسله يلبغا راكباً على فرس وفي عنقه باشة وخنزير حديد وشق القاهرة فوصل إلى منزله فأخرج منه اثنين وعشرين حملاً من القماش والصوف والحرير والفرش وغير ذلك ومن الذهب مائة وستين ألف دينار ونحو ستمائة ألف فلوس، وفي سادس عشرى شعبان طلب الحضور بين يدي السلطان فأذن له فسأل أن يسر إليه كلاماً فامتنع وأخرج فرأى خلوة فضرب نفسه بسكين معه فانجرح في موضعين فنزعت من يده، وتحقق السلطان أنه كان أراد أن يضربه بالسكين إذا سارره، فنزل يلبغا وعاقبه فأظهر مائة وأربعين ألف دينار وبيع عقاره وأثاثه وأخذ من حواشيه نحواً من خمسمائة ألف درهم وسجن بالخزانة، ثم أفرج عنه في رمضان وفرح به العامة وزينوا له البلد وأكثروا من الخلوق بالزعفران فأمر السلطان بنفيه إلى الكرك فأخرج إليها في شوال، فبلغه موت السلطان وهو بالخليل فأقام بالقدس وأرسل يسأل الأمير أيتمش في الإقامة بالقدس فأذن له ثم أمر بإحضاره إلى مصر، فوجدوا الأمير تنم قد طلبه إلى الشام فوافاه البريد بطلبه إلى مصر فاستجار بالجامع وتزيا بزي الفقراء، فلما خامر تنم عمله أستادار الشام فباشر على عادته في التعسف والظلم وحصل اتنم أموالاً من التجار وغيرهم، فلما كسر تنم قبض عليه وقيد وأخذ جميع ما وجد له وأهين جداً ثم قتل في ثاني عشر شهر رمضان بمدينة غزة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد الشريف زين الدين الحسيني سبط زين الدين علي كان من أعيان الحلبيين وجرت له مع اللنكية أعجوبة وهو أنهم أمسكوه ليعاقبوه فملأوا سطلاُ نحاساً ماء وملحاً ليسعطوه وهو مربوط معهم، فجاء ثور فشرب السطل فلما رأوا ذلك أطلقوه، ولم يتعرضوا له بعد ذلك؛ واتفقت وفاته في آخر السنة سنة ثلاث. علي بن محمد بن علي بن عباس بن فتيان البعلي ثم الدمشقي الحنبلي علاء الدين المعروف بابن اللحام ولد بعد الخمسين وتفقه ببلده على شمس الدين ابن اليونانية ثم انتقل إلى دمشق وبرع في مذهبه ودرس وأفتى وناب في الحكم ووعظ بالجامع الأموي في حلقة ابن رجب بعده وكان يعمل مواعيد نافعة ويذكر مذاهب المخالفين وينقلها من كتبهم محررة، وكان حسن المجالسة كثير التواضع، وترك الحكم بأخره وانجمع على الاشتغال ويقال عرض عليه قضاء الشام استقلالاً فامتنع، وتلمذ لابن رجب وغيره وشارك في الفنون وقدم القاهرة بعد الكائنة العظمى بدمشق مع من جفل عند أخذ تمرلنك حلب فسكنها وولي تدريس المنصورية ثم نزل عنها وكان أبوه لحاماً فمات وعلاء الدين رضيع فرباه خاله وعلمه صنعة الكتابة ثم حبب إليه الطلب فطلب بنفسه وأنجب إلى أن صار شيخ الحنابلة بالشام مع ابن مفلح فانتفع الناس به، وعين للقضاء بعد موت موفق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 الدين بن نصر الله فامتنع على ما قيل؛ ومات بعد ذلك بيسير في يوم عيد الأضحى وقد جاوز الخمسين. علي بن محمد بن علي الكفرسوسي مات في رمضان وقد ناهز السبعين. علي بن محمد بن يحيى الصرخدي الشيخ علاء الدين نزيل حلب تفقه وهو صغير وسمع من المزي وغيره، وجالس الأذرعي وكان يبحث معه ولا يرجع إليه، وكان يلازم بيته غالباً ولا يكتب على الفتاوى إلا نادراً، ثم درس بجامع تغري بردى الذي بناه وهو نائب مات في أيدي اللنكية، قال القاضي علاء الدين قاضي حلب في تاريخه: قرأت عليه وانتفعت به كثيراً، وكان قد ناب في الحكم عن ابن أبي الرضى وغيره، قال: وكان البلقيني لما قدم حلب ومجالسه يثني عليه. علي بن يحيى الطائي الصعدي بسكون المهملة المعروف بابن جميع - بالتصغير - أحد أعيان التجار باليمن، ولاه الأشرف الإشراف على المتجر بعدن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 ثم فوض إليه جميع أمورها فكان الأمير والناظر من تحت أمره، وكان محباً للغرباء مفرطاً في الإحسان إليهم محبباً إلى الرعية، اجتمعت به وسر بي كثيراً لأنه كان صديق خالي قديماً وبالغ في الإحسان إلي وكان زيدي المعتقد لكنه يخفي ذلك؛ مات في ليلة عيد الفطر وقد جاوز الستين. علي بن يوسف بن مكي بن عبد الله الدميري ثم المصري نور الدين ابن الجلال أصله من حلب وكان جده مكي يعرف بابن نصر ثم قدم مصر وسكن دميرة فولد له بها يوسف فاشتغل بفقه المالكية، ثم سكن القاهرة وناب عن البرهان الأخناي وعرف بجلال الدميري وولد له هذا فاشتغل حتى برع في مذهب مالك ولم يكن يدري من العلوم شيئاً سوى الفقه وكان كثير النقل لغرائب مذهبه شديد المخالفة لأصحابه إلى أن اشتهر صيته بذلك، وناب في الحكم مدة ثم ولي القضاء استقلالاً في أوائل سنة ثلاث وعيب، بذلك لأنه اقترض مالاً بفائدة حتى بذله للولاية وكان حنق من ابن خلدون في شيء فحمله ذلك على هلاك نفسه بما صنعه من بذل الرشوة ليلي الحكم، وكان منحرف المزاج مع المعرفة التامة بالأحكام فاتفق أنه حضر مع القاضي صدر الدين المناوي مجلساً فعرضه في قضية فغضب الصدر وكلمه بكلام فاحش فتأثر منه ولم يقدر على أن يجاوبه فحصل له انكسار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 من ذلك الوقت؛ ثم سافر مع العسكر إلى قتال اللنك فمات قبل أن يصل في جمادى الآخرة ودفن باللجون ولم يحصل له سعد في استقلاله بالحكم. عمران بن أدريس بن معمر الجلجولي ثم الدمشقي الشافعي ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وعني بالقراآت فقرأ على ابن اللبان وابن السلار ولازم القاضي تاج الدين السبكي وقرأ، وحصل له في لسانه ثقل فكان لا يفصح بالكلام إلا إذا قرأ فإنه يقرأ جيداً، واشتغل في الفقه، وكان يحج على قضاء الركب الشامي، وقد سمع من بعض أصحاب الفخر؛ مات في رجب أو شعبان لما أخرجت وقد قارب الستين بل جاوزها؛ قال ابن حجي: لم يكن مشكوراً في ولاياته ولا شهاداته، وكان يلبس دلقاً ويرخي عذبة عن يساره وينظم نظماً ركيكاً، وكان فقير النفس لا يزال يظهر الفاقة وإذا حصلت له وظيفة نزل عنها، وكان كثير الأكل جداً، وكان يقرأ حسناً؛ مات بعد الكائنة العظمى ومعمر جده " بالتشديد ". عمر بن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بدر الدين ابن النصيبي الحلبي وكان من أعيان الحلبيين ولي قضاء العسكر بحلب والحسبة بها مراراً وباشرها بحرمة وافرة؛ ومات بعد الكائنة بأيام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 عمر بن براق الدمشقي ولد سنة سبعماية وإحدى وخمسين في أولها وكان سريع الحفظ قوي الفهم حنبلي المذهب على طريقة ابن تيمية، وكان له ملك وإقطاع، وكان ممن أوذي في الفتنة وأخذ ماله وأصيب في أهله وولده فصبر واحتسب؛ ثم مات في عاشر شوال. عمر بن عبد الله بن عمر بن داود الكفري الفقيه الشافعي زين الدين ابن جمال الدين اشتغل كثيراً حتى قيل إنه كان يستحضر الروضة، وعرض عليه الحكم فامتنع، وأفتى بدمشق ودرس وتصدر بالجامع، وكان قوي النفس يرجع إلى دين ومروءة، قتل في الفتنة التمرية وقد تقدم ما جرى منه في حق ابن الشرائحي في أول هذه السنة. عمر بن عبد الله العلبي اشتغل كثيراً وانقطع بالجامع الأموي يشغل الأولاد في القرآن وفي الفقه ويشرح لهم، وانتفع به جماعة، وكان عنده سكون وانجماع؛ مات في شهر رمضان. عمر بن محمد بن أحمد بن سلمان البالسي ثم الصالحي الملقن زين الدين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 أسمعه أبوه الكثير من ابن أبي التائب حضوراً ومن المزي والذهبي والبرزالي وبنت الكمال وخلق كثير، وكان مكثر جداً كثير البر للطلبة شديد العناية بأمرهم، يقوم بأحوالهم ويأويهم ويدور بهم على المشايخ ويفيدهم، وكان لا يضجر من التسميع، قرأت عليه الكثير وسمعت عليه ومعه؛ مات في شعبان وقد جاوز السبعين بشيء يسير. عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي ثم الصالحي الحنبلي زين الدين ابن الحافظ شمس الدين وهو ابن أخت المسندة فاطمة بنت عبد الهادي حدثنا عن زينب بنت الكمال؛ مات في شعبان وقد ناهز التسعين. عمر بن محمد الحمصي ثم الدمشقي زين الدين أحد الفضلاء بدمشق في مذهب الشافعي، وكان يستحضر الكثير من الروضة وكان يتكسب من أنوال حرير يدولبها مع الخير والدين؛ مات في شوال. عائشة بنت أبي بكر بن الشيخ أبي عبد الله محمد بن عمر بن قوام البالسية ثم الصالحية، روت لنا عن أبي بكر بن أحمد بن أبي بكر المغاري، ماتت في ثالث عشر شعبان. عائشة بنت محمد بن أحمد بن عمر بن سلمان البالسية ثم الصالحية أخت شيخنا عمر، روت لنا عن الجزري؛ ماتت بعد أخيها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 فاطمة بنت محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بن المنجا أم الحسن بنت عز الدين التنوخية الدمشقية سمعت من عبد الله بن الحسين بن أبي التائب وغيره وأجاز لها أبو بكر الدشتي والتقي سليمان وعيسى المطعم وإسماعيل بن مكتوم ووزيرة بنت عمر بن المنجا وأبو بكر بن عبد الدائم وانفردت بالرواية عنهم في الدنيا، قرأت عليها الكثير من الكتب الكبار والجزاء؛ ماتت بدمشق في ربيع الآخر أو الذي بعده وقد قاربت التسعين. فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي المقدسية ثم الصالحية أم يوسف، كان أبوها محتسب الصحالية وهو عم الحافظ شمس الدين ابن عبد الهادي، اسمعت الكثير على الحجار وغيره وأجاز لها أبو نصر ابن الشيرازي ويحيى بن سعيد وآخرون من الشام وحسن الكردي وعبد الرحيم النشاوي وآخرون من مصر، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 قرأت عليها من الكتب والأجزاء بالصالحية ونعم الشيخة كانت، ماتت في شعبان وقد جاوزت الثمانين قطلوبغا التركي الحنفي أحد مشايخهم، مات بالقاهرة. محمد بن إبراهيم بن إسحق بن إبراهيم بن عبد الرحمن السلمي المناوي ثم القاهري قاضي القضاة صدر الدين أبو المعالي ولد في رمضان سنة اثنتين وأربعين وأبوه حينئذ ينوب في القضاء عن عز الدين ابن جماعة، وأمه بنت قاضي القضاة زين الدين عمر البسطامي، فنشأ في حجر السعادة وحفظ التنبيه، وأسمع من الميدومي والحسن بن السديد وابن عبد الهادي وغيرهم يجمعهم مشيخته التي خرجها له أبو زرعة في خمسة أجزاء وسمعناها عليه، وناب في الحكم وهو شاب ودرس وأفتى وولي إفتاء دار العدل وتدريس الشيخونية والمنصورية: وخرج احاديث المصابيح وتكلم على مواضع منه وحدث به، سمعت منه قطعة منه وكتب شيئاً على جامع المختصرات ثم ولي القضاء استقلالاً كما في الحوادث وكان كثير التودد إلى الناس معظماً عند الخاص والعام ومحبباً إليهم، وكان قبل الاستقلال بالقضاء يسلك طريق ابن جماعة في التعاظم، فلما استقل ألان جانبه كثيراً، وكانت له عناية بتحصيل الكتب النفيسة على طريق ابن جماعة فحصل منها شيئاً كثيراً، وكان يهاب الملك الظاهر فلما مات أمن على نفسه وظن أنه لا يعزل لما تقرر له في القلوب من المهابة، فسافر مع العسكر فأسر مع اللنكية فلم يحسن المداراة مع عدوه فأهانه وبالغ في إهانته حتى مات معهم وهو في القيد غريقاً، غرق في نهر الفرات في شوال بعد أن قاسى أهوالاً، عسى الله أن يكون قد كفر بها عنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 لما جناه عليه القضاء، وكان شديد الخوف من ركوب البحر إما لمنام رآه أو رئي له أو اعتماداً على قول بعض المنجمين فكان لا يركب بحر النيل إلا نادراً، فاتفق أنه مات غريقاً في غيره وكان بعض التمرية قد أسره فلما جاوزا نهر الفرات خاض الأمير في النهر هو وأتباعه لأجل ازدحام غيرهم على القنطرة فغرق القاضي لتقصيرهم في حقه. محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي الجزري ثم الدمشقي شمس الدين ابن الظهير سمع من ابن الخباز وغيره وأكثر عن أًحاب الفخر بطلبه، وكان خيراً إلا أنه يتغالى في مقالات ابن تيمية؛ مات في تاسع عشر شوال عن ستين سنة. محمد بن احمد بن إسماعيل بن يحيى التركماني العبطيني ثم الحلبي نزيل مصر ناصر الدين آغا، ذكر العينتابي في تاريخه: أنه كان فاضلاً اشتغل في علوم كثيرة وحصل كتباً كثيرة وكان بزي الجند وله اتصال بالأمير منكلي بغا الشمسي وتحدث عنه في المارستان لما كان ناظره في دولة الأشراف، وذكر أنه تلقن الذكر ولبس الخرقة من الشيخ أمين الدين الحلواي عن أبي الكشف محمد بن أوحد المروزي عن أبي الفيض عاصم بن أحمد ابن عبد العزيز عن علي بن محمد بن عثمان المدعو بسلطان عن أحمد بن يوسف ابن محمود بن مسعود بن سعد المعروف بمولانا عن محمد بن محمد النعماني عن الشيخ نجم الدين أبي الحباب أحمد بن عمر الخيوفي بسنده، وقال إن المذكور فقد بالشام في الكائنة العظمى وكان توجه مع العسكر وكان استنابه الجمال الملطي لضعفه لما سافر السلطان في وقعة اللنك ففقد مع من فقد. محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن عبد الله بن الفضل الهاشمي عماد الدين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 شيخ الشيوخ بحلب، وليها بعد أبي الخير الميهني وباشر مدة وكان من بيوت الحلبيين وأحد الأعيان بها، مات في الكائنة العظمى مع اللنكية في الأسر. محمد بن أحمد بن علي بن سليمان المعري ثم الحلبي الشيخ شمس الدين ابن الركن كان ينسب إلى أبي الهيثم التنوخي عن ابي العلاء المعري، ولد سنة بضع وثلاثين، وتفقه وأخذ عن الزين الباريني والتاج بن الدريهم، وأخذ بدمشق عن التاج السبكي، وكتب بخطه من الكتب الكبار شيئاً كبيراً وهو ضعيف لكنه متقن، وخطب بجامع حلب مدة، وكان حاد الخلق مع كثرة البر والصدقة، وله خطب في مجلدة أنشأها، وله نظم وسط، فمنه قوله في معالج: جسمي سقيم من هوى ... مهفهف يعالج كيف تزول علتي ... وممرضي معالج وله أيضاً: أحببت رساماً كبدر الدجى ... بل فاق في الحسن على البدر فقلت: ما ترسم يا سيدي ... قال: بتعذيبك بالهجر قلت: وهو شعر نازل؛ مات في الكائنة العظمى، اخذ عنه القاضي علادء الدين وابن الرسام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 محمد بن أحمد بن محمد بن الشيخ أحمد بن المحب عبد الله المقدسي الصالحي الحنبلي سمع بعناية أبيه من ابن الخباز وغيره وكان يعمل المواعيد مات في سلخ رمضان عن ثلاث وخمسين سنة. محمد بن إسماعيل بن الحسن بن صهيب بن خميس شمس الدين البابي ثم الحلبي ولد بالباب ثم قدم حلب، وكان يسمى سالماً فتسمى محمداً، وقرأ على عمه العلامة علاء الدين علي البابي والزين الباريني، وبرع في الفرائض والنحو وشارك في الفنون، وشغل الطلبة وأفتى ودرس وكان ديناً عفيفاً، وولاه القاضي شرف الدين الأنصاري قضاء ملطية، فلما حاصرها ابن عثمان عاد هذا إلى حلب إلى أن عدم في الكائنة العظمى. محمد بن إسماعيل بن عمر ابن كثير البصروي ثم الدمشقي بدر الدين ابن الحافظ عماد الدين ولد سنة تسع وخمسين، واشتغل وتميز وطلب فسمع الكثير من بقية أصحاب الفخر ومن بعدهم وسمع معي بدمشق، ورحل إلى القاهرة فسمع من بعض شيوخها وتميز في هذا الشأن قليلاً، وتخرج بابن المحب وشارك في الفضائل مع خط حسن معروف جيد الضبط، ودرس في مشيخة الحديث بعد أبيه بتربة أم الصالح ومات في ربيع الآخر فاراً عن دمشق بالرملة وله أربع وأربعون سنة، وكان قد علق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 تاريخاً للحوادث التي في زمنه ذكر فيه أشياء غريبة قال ابن حجي: لم يكن محمود السيرة. محمد بن أبي بكر بن احمد بن أبي الفتح بن السراج أمين الدين الدمشقي شمس الدين ابن العماد وهو ابن أخي شمس الدين المذكور في السنة الماضية، روى لنا عن عبد الرحيم بن أبي اليسر وزينب بنت الخباز؛ ومات في رمضان أو شوال. محمد بن بهادر المسعودي الصلاحي حدثنا عن الحجار، مات في الكائنة العظمى، سمعت منه. محمد بن بيليك التركي شمس الدين موقع الحكم وهو أخو أحمد خازندار بيبرس قريب السلطان، مات في صفر. محمد بن حسن بن أبي بكر بن منصور الفارقي السلاوي، كان شمس الدين العطار السمرقندي زوج امه وجيهاً عند تمر فصار لهذا وجاهة في هذه الأيام، فلما رحل تمرلنك عن البلد أخذ هذا وعوقب فمات في رجب. محمد بن حسن بن عبد الرحيم الصالحي الدقاق حدثنا عن الحجار، سمعت عليه أجزاء. محمد بن خليل بن محمد بن طوغان الدمشقي الحريري الحنبلي المعروف بابن المنصفي ولد سنة ست وأربعين، واشتغل في الفقه وشارك في العربية والأصول، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 وطلب بنفسه فسمع الكثير من بقية أصحاب الفخر فمن بعدهم وسمع بالقاهرة من بعض شيوخنا وقد حصلت له محنة بسبب مسألة الطلاق المنسوبة لابن تيمية ولم يرجع عن اعتقاده، وكان خيراً صيناً ديناً سمعت منه شيئاً؛ مات في شعبان بعد أن عوقب واستمر متألماً حتى مات، قال ابن حجي: كان فقيهاً محدثاً حافظاً قرأ الكثير وضبط وحرر وأتقن وألف وجمع مع المعرفة التامة، تخرج بابن المحب وابن رجب، وكان يفتي ويتقشف مع الانجماع ولم يكن الحنابلة ينصفونه، قال: وكان في حال طلبه يعمل الأزرار في حانوت ثم ترك وأقام بالضيائية ثم بالجوزية. محمد بن سليم بن كامل الحوراني ثم الدمشقي شمس الدين الشافعي تفقه وتمهر واعتنى بالأصول والعربية وكان من عدول دمشق وقرأ الروضة على علاء الدين بن حجي وكتب عليها حواشي مفيدة وأذن له في الافتاء ودرس واعاد وتصدر وأفاد وكان أكثر اقرانه استحضاراً للفقه مات في رجب بعد أن عوقب بأيدي اللنكية وقارب الستين وليس في لحيته شعرة بيضاء وكان أسمر شديد السمرة، وكان يكتب الحكم وكتب من مصنفات تاج الدين السبكي له كثيراً. محمد بن عبد الله بن سلام الدمشقي أخو علاء الدين وهو الأصغر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 مات في رجب بعد انفصال التمرية. محمد بن عبد الله ناصر الدين التروجي أحد نواب الحكم للمالكية كان مشكوراً. محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن احمد بن التقي سليمان بن حمزة المقدسي ثم الصالحي ناصر الدين المعروف بابن زريق تصغير أزرق سمع الكثير من بقية أصحاب الفخر ومن بعدهم تخرج بابن المحب وتمهر وكان يقظاً عارفاً بفنون الحديث ذاكراً للأسماء والعلل ولم يكن له اعتناء بصناعة الرواية من تمييز العالي والنازل بل على طريق المتقدمين مع حظ من الفقه والعربية رتب المعجم الأوسط على الأبواب فكتبه بخط متقن حسن جداً ورتب صحيح ابن حبان ورافقني كثيراً وأفادني من الشيوخ والأجزاء وكان ديناً خيراً صيناً لم أر من يستحق أن يطلق عليه اسم الحافظ بالشام غيره، مات أسفاً على ولده احمد في رمضان ولم يكمل الخمسين وكان اللنكية قد أسروه وهو شاب له نحو العشر. محمد بن عبد الرحمن بن الحافظ ابي عبد الله الذهبي شمس الدين بن أبي هريرة الكفر بطناوي سمع بإفادة جده منه ومن زينب بنت الكمال وغيرهما سمعت منه وكان من شيوخ الرواية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 قتل بالعقوبة في حادي عشر جمادى الأولى وقيل بل ضربت عنقه صبراً وكان ببلده كفر بطنا فأخذه العسكر التمري فعوقب ثم قتل. محمد بن عثمان بن عبد الله بن شكر البعلي ثم الدمشقي الحنبلي شمس الدين النبحالي سمع من ابن الخباز وغيره وأجاز له الميدومي وغيره وكان صالحاً خيراً ديناً متواضعاً أفاد وحدث وجمع مجاميع حسنة منها كتاب في الجهاد وكان خطه حسناً ومباشرته محمودة ومات في رمضان عن ثمان وسبعين سنة وكان قد سافر فمات في غزة قال ابن حجي: جمع وألف وعباراته جيدة في تصانيفه. محمد بن علي بن إبراهيم بن أحمد الصالحي البزاعي بواب الناصرية بالصالحية حدثنا عن زينب بنت الخباز ومات في السادس عشر من شوال. محمد بن عمر بن محمد بن محمد بن هبة الله بن عبد المنعم بن محمد ابن الحسن بن علي بن أبي الكتائب العجلي النهاوندي الأصل المشقي ناصر الدين ابن ابي الطيب ولد سنة ست وأربعين، وأول ما ولي نظر الخزانة بدمشق بعد والده سنة تسع مستين ثم ولي كتابة السر بحلب ثم بدمشق، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 مات في رجب عن بضع وخمسين سنة وكان يكتب بخطه العمري العثماني لأن أمه من بني فضل الله وقيل هي بنت شهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله وكان هو يزعم أنه من نسل عثمان بن عفان ولم يصب في ذلك وإنما هو من بني عجل، وكان يلبس بزى الجند وهو شاب، وأول ما ولي بعد موت أبيه تدريس بعض المدارس ثم ولي كتابة السر بحلب سنة ثمان وسبعين عوضاً عن شمس الدين بن مهاجر ثم بطرابلس ثم ولي كتابة السر بحلب أيضاً عوضاً عن انصر الدين ابن السفاح في سنة سبع وتسعين، ثم عزل في أخر القرن فسافر إلى دمشق فأقام بها إلى أن ولي كتابة السر في المحرم سنة إحدى وثمانمائة ثم عزل في شعبان سنة اثنتين وثمانمائة في فتنة تنم وأهين وأخذ إلى مصر موكلاً به ثم أطلق فقدم مع العسكر لقتال التتر، فلما فر السلطان عن الشام توصل إلى أن ولي كتابة السر عن اللنكية ثم عوقب إلى أن مات في من مات في شهر رجب في العقوبة. محمد بن محمد بن إسماعيل البكري شمس الدين ابن مكين المصري المالكي اشتغل في الفقه فبرع فيه وكان قليل المشاركة في غيره وسمع من ابن عسكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 وعبد الرحمن بن القاري وغيرهما وولي تدريس الظاهرية بين القصرين وعين للقضاء فامتنع مع استمراره في نيابة الحكم إلى أن مات في ربيع الأول وقد بلغ الستين. محمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن محمد المخزومي الدماميني ثم الإسكندراني شرف الدين ابن معين الدين ولد في خامس .... وتفقه واشتغل بالعربية والأصول وكان ذكياً وتعنى الكتابة وكان أبوه معين الدين ناظر الإسكندرية ونشأ هو فباشر في أعمال الدولة في الإسكندرية ثم سكن القاهرة وكان حاد الذهن فاشتغل بالمباشرة عند محمود الستادار واشتغل بالعلم في غضون ذلك فبرع في الفقه والأصول وولي حسبة القاهرة سنة سبع وتسعين وتكرر فيها مراراً، ثم ولي وكالة بيت المال مع الكسوة في رجب سنة ثمان وكان سعى بعد موت الكلستاني في كتابة السر بقنطار من الذهب وهو عشرة ألاف دينار فلم يسعفه برقوق بذلك ثم ولي نظر الجيش في ثامن ربيع الأول سنة تسع وتسعين بعد جمال الدين القيصري ثم عزل برفيقه عند محمود كان هو سعد الدين ابن غراب في سابع ذي القعدة في سنة ثمانمائة وولي قبل ذلك وكالة بيت المال والكسوة وسعى في القضاء وعين له فقام عليه المالكية فلم يتم له ذلك ثم استقر في نظر الجيش ونظر الخاص جميعاً لما هرب ابن غراب ثم عاد ابن غراب فقبض عليه عن قرب ثم أفرج عنه فولي قضاء الإسكندرية إلى أن مات وكان فيه مع حدته وذكاءه كرم وطيش وخفة رحمه الله تعالى وكان يعادي ابن غراب فعمل عليه إلى أن أخرجه من القاهرة لقضاء الإسكندرية فلم يلبث أن مات بها مسموماً على ما قيل وذلك في المحرم منها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 محمد بن محمد بن الخيار الدمشقي تقي الدين التاجر ولد سنة ثمان وأربعين وتفقه شافعياً ثم رجع حنفياً ولم ينجب واشتغل بالتجارة وولي الحسبة والوكالة وهرب أيام الفتنة ثم رجع ومعه مال فصار يشتري المتاع برخص فكسب كسباً جزيلاً فلم يلبث أن مات في شوال وتمزق ماله. محمد بن محمد بن عبد البر بن يحيى بن علي بن تمام السبكي الخزرجي بدر الدين بن أبي البقاء الشافعي، سمع في صغره من عبد الرحيم ابن أبي اليسر ونفيسة بنت الخباز وعلي بن العز عمر وغيرهم، واشتغل بالفقه والأصول، وولي القضاء مراراً وفوض له قضاء الشام لكن عزل قبل أن يتوجه إليه، وولي خطابة الجامع بعد ابن جماعة، ودرس بالأتابكية بدمشق قديماً وأول ما ولي القضاء بعد ابن جماعة في شعبان سنة تسع وسبعين وهو دون الأربعين فباشر سنة وأربعة أشهر، ثم أعيد ابن جماعة واستمر هو بطالاً بغير وظيفة إلى أن أعيد بصفر سنة أربع وثمانين، سمعت منه، وكان لين الجانب في مباشرته قليل الحرمة، وفي الآخر فسد حاله بسبب ابنه جلال الدين واستقر في تدريس الشافعي بعد عزله الأخير فاستمر إلى أن مات في ربيع الآخر وقد جاوز السبعين، وقد تقدم تاريخ ولايته في الحوادث، وقد ناب في الحكم عن أبيه، ودرس في الحديث، بالمنصورية ثم درس بالفقه بها بعد أبيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 وبالشافعي فلما ولي القضاء انتزعت منه المنصورية للشيخ ضياء الدين والشافعي للشيخ سراج الدين وكان بخيلاُ بالوظائف وغيرها مع حسن خط وفكاهة قرأت بخط ابن القطان وأجازنيه كان كثير الإنصاف وإذا وقع عليه البحث لا يغضب بخلاف والده رحمهما الله تعالى. محمد بن محمد بن عبد الله الصالحي الحنفي احد نواب الحكم بدمشق. محمد بن محمد بن محمد بن عرفة الورغمي التونسي المالكي أبو عبد الله شيخ الإسلام بالمغرب، سمع من ابن عبد السلام والوادي آسي وابن سلمة وابن برلال واشتغل وتمهر بالفنون، وأتقن المعقول إلى أن صار إليه المرجع في الفتوة ببلاد المغرب، وكان معظماً عند السلطان فمن دونه مع الدين المتين والخير والصلاح وله تصانيف منها كتاب المبسوط في المذهب في سبعة أسفار إلا أنه شديد الغموض، وله مختصر الحوفي في الفرائض ونظم قراءة يعقوب، مات في جمادى الاخرة وله سبع وثمانون سنة، أجاز لي وكتب لي خطه لما حج بعد التسعين بالإجازة عنه، وعلق عنه بعض أصحابه كلاماً في التفسير كثير الفؤاد في مجلدين وكان يلتقطه في حال قراءتهم عليه ويدونه أولاً فأولاً، وكلامه فيه دال على التوسع في الفنون وإتقان وتحقق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 محمد بن محمد بن محمد بن عمر بن القدوة أبي بكر بن قوام الصالحي بدر الدين كان ديناً خيراً به طرش يسير سمع الكثير من الحجار وإسحق الآمدي وغيرهما فقرأنا عليه شبيهاً بالأذان وكنا نتحقق أنه يسمع ما نقرأه بامتحانه تارة، وبصلاته على النبي صلى الله عليه وسلم تسليماً أخرى، وبالترضي عن الصحابة كذلك، مات في شعبان محترقاً بدمشق، وقد جاوز الثمانين. محمد بن محمد بن محمد ابن منيع الصالحي الموقت المعروف بالوراق محب الدين، سمع من ابن أبي التائب وابن الرضي وغيرهما، سمعت منه الكثير، ومات في حصار دمشق. محمد بن محمد بن محمد الشرمساحي ثم المصري عز الدين ابن قطب الدين المعروف بابن أخي موقع الحكم وكان وجيهاً عند الرؤساء وكان بيته مجمعاً لهم وأحضر على الميدومي وسمع على غيره، سمعت منه يسيراً، ومات في رجب ولم يكمل الخمسين. محمد بن محمد بن محمود الحنفي صائن الدين الدمشقي أحد شهود الحكم بدمشق وكان يفتي ويذاكر، مات في ذي الحجة. محمد بن محمد بن مقلد المقدسي ثم الدمشقي بدر الدين الحنفي، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 ولد سنة سبعمائة وأربع وأربعين وبرع في الفقه والعربية والمعقول، ودرس وأفتى، وناب فيالحكم بدمشق، وولي القضاء استقلالاً نحو سنة ثم عزل ولم تحد مباشرته ثم سار إلى القاهرة فسعى في العود فأعيد فوصل إلى الرملة فمات بها في ربيع الآخر. محمد بن محمد البصروي ثم الدمشقي الضرير، قرأ بالروايات واشتغل في الفقه، مات في رجب. محمد بن محمود بن أحمد بن رميثة بن أبي نمى الحسني المكي من بيت الملك وقد ناب في إمرة مكة، وكان خاله علي بن عجلان لا يقطع امراً دونه وكانت لديه فضيلة، وينظم الشعر مع كرم وعقل، مات في شوال وقد جاوز الأربعين. محمد بن محمود بن إسحاق الزرندي ثم الصالحي السمسار يلقب زقي، حدثنا عن زينب بنت الكمال، مات في شعبان. محمد الزيلعي شمس الدين الكاتب المجود، وكان عارفاً بالخط المنسوب وبالميقات، تعلم الناس منه وأخذ عنه غالب أهل البلد، وانتهت إليه رياسة الفن بدمشق، وكان ماهراً في معرفة الأعشاب أخذ ذلك عن ابن القماح، وكان ابن القماح يقول: إنه أفضل منه في ذلك، مات في شعبان. محمد بدر الدين الأقفاصي ثم المصري صاحب ديوان الجاي كان من الأعيان بمصر، مات في ربيع الآخر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 موسى بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن جمعة الأنصاري القاضي شرف الدين قاضي حلب، ولد سنة ثمان وأربعين ونشأ في حجر عمه شهاب الدين خطيب حلب، واشتغل كثيراً وتفقه بالذرعي وقدم دمشق سنة سبعين، ودخل مصر وأخذ عن الآسناي والمنفلوطي، وسمع الحديث من جماعة، منهم احمد بن محمد الأيكي المعروف بزغلش، ورجع وق دصار فاضلاً في الفنون وفهم من كل علم طرفاً جيداً، وأدمن الاشتغال حتى مهر، وأفتى ودرس، وخطب بجامع حلب واشتهر، ثم ولي القضاء في زمن الملك الظاهر مراراً ثم أسر مع اللنكية، فلما رجع اللنك عن بلاد الشام أمر بإطلاق جماعة هو منهم فأطلق من أسرهم في شعبان فتوجه إلى أريحا وهو موعوك فمات بها، وكان فاضلاً ديناً كثير الحياء قليل الشر، وكتب قطعة على الغاية القصوى للبيضاوي. يوسف بن إبراهيم بن عبد الله الأذرعي نزيل حلب اشتغل كثيراً في الفقه وغيره بدمشق ثم قدم حلب فقرره الناصري في قضاء الباب ثم قضاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 تيزين فمات فيالكائنة العظمى، وكان فاضلاً في الفقه مقتصراً عليه، قاله القاضي علاء الدين في تاريخ حلب. يوسف بن موسى بن محمد بن أحمد بن أبي تكين بن عبد الله الملطي ثم الحلبي الحنفي اصله من خرت برت ونشأ بملطية، ولد سنة ست وعشرين أو في التي بعدها، واشتغل بحلب حتى مهر ثم رحل إلى الديار المصرية وهو كبير فأخذ عن علمائها، وسمع من عز الدين بن جماعة ومغلطاي وحدث عنه بالسيرة النبوية وذكر أنه سمعها منه سنة ستين، واشتغل وحصل وأفتى ودرس، وكان يستحضر الكشاف والفقه على مذهبهم، فاستدعاه الظاهر برقوق لما مات شمس الدين الطرابلسي فحضر من حلب في ربيع الآخر سنة ثمانمائة ونزل عند بدر الدين الكلستاني كاتب السر، وخلع عليه في العشرين من الشهر واستقر في قضاء الحنفية، فكانت مدة الفترة مائة وعشرة أيام، فباشر مباشرة عجيبة فإنه قرب الفساق واستكثر من استبدال الأوقاف وقتل مسلماً بنصرني ثم لما مات الكلستاني استقر بعده في تدريس الصرغتمشية ووقع في ولايته أمور منكرة، منها ما قدم من الأبخاس في الاستبدال، ومنها أنه قتل مسلماً بنصراني واشتهر أنه كان يفتي باكل الحشيش وبوجوه من الحيل في أكل الربا وأنه كان يقول: من نظر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 في كتاب البخاري تزندق، وعمل فيه محب الدين ابن الشحنة أبياتاً هجاه بها كان يزعم أن أنشدها له بلفظه موهماً أنها لبعض الشعراء القدماء في بعض القضاة، وقد أثنى عليه ابن حجي في علمه ولم يكن محموداً في مباشرته، مات في ربيع الآخر بالقاهرة وشغر منصب القضاء عن الحنفية بعده قليلاً إلى أن استقر أمين الدين الطرابلسي، قال العيني: كان يتصدق في كل يوم بخمسة وعشرين درهماً يصرف بها فلوساً ويعطيها للفقراء لا يخل بذلك، وكان عنده بعض شح وطمع وتغفيل وكان قد حصل بحلب مالاً كثيراً فنهب في اللنكية، قال: وكان ظريفاً ربع القامة، وقال: وهو أحد مشايخي قرأت عليه بحلب سنة ثمانين وقرأت بخط القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية في تاريخه أن الملطي هذا سمع من مغلطاي السيرة النبوية والدر المنظوم من كلام المعصوم، قال: وقرأتهما عليه بروايته عنه، قال: وأخذ عن جمال الدين ابن هشام وغيره، قال: وكان فاضلاً كثير الاشتغال والإشغال وله ثروة زائدة حصلها بحيلة العينة وقرره تغري بردى في التدريس بجامع حلب ثم ولي قضاء الديار المصرية ولما هجم اللنكية البلاد عقد مجلس بالقضاء والعلماء لمشاطرة الناس في اموالهم فقال الملطي: إن كنتم تعملون بالشوكة فالأمر لكم وأما نحن فلا نفتي بهذا ولا نحل أن يعمل، فوقف الحال وعدت من حسناته، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 قال: ولما طلب إلى مصر على رأس القرن قال: أنا الآن ابن خمس وسبعين، مات في شهر ربيع الآخر من هذه السنة، وقرأت بخط البرهان المحدث بحلب: مات من الفقهاء الشافعية في الكائنة وبعدها في السنة علاء الدين الصرخدي وشرف الدين الدادبخي وشهاب الدين ابن الضعيف وشمس الدين البابي وبهاء الدين داود الكردي وشمس الدين ابن الزكي الجعبري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 //الجزء الخامس بسم الله الرحمن الرحيم سنة أربع وثمانمائة في المحرم منها أعرس نوروز بسارة بنت الملك الظاهر في الحادي والعشرين منه وكانت الوليمة هائلة يقال إنه ذبح فيها ثلاثمائة رأس من الغنم. وفيه كائنة تغرى بردى مع أهل دمشق فهرب إلى حلب واتفق مع دمرداش واستقر في نيابة دمشق بعده آقبغا الجمالي في صفر، وكان أصل ذلك أن الأعراب أفسدت في الطرقات كثيراً حتى نهب القفل القادم من مصر فخرج النائب لقتالهم بالعسكر فلم يدركهم فرجع بغير نفع ووصل الأمر بالقبض عليه من مصر فأراد الحاجب القبض عليه ليلة الجمعة ثاني عشر المحرم فهرب إلى ناحية حلب فوصل إلى دمرداش وكان دمرداشه قد قبض على علي بك بن خليل بن دلغادر التركماني وعلى خمسين نفراً من قومه وحبسهم، فلما وصل تغرى بردى استشفعوا به فشفع فيهم عند دمرداش فأطلقهم. وفي صفر نازل الفرنج طرابلس واستولوا على مراكب كثيرة للمسلمين في المينا ففزع إليهم أهل البلد وقاتلوهم قتالاً شديداً فأسر من المسلمين جماعة فدخل الناس بينهم في الصلح والفداء فغدروا بمن طلع إليهم من الرسل في ذلك وأسروه ثم أسروا طائفة أخرى من قرية بقرب طرابلس ثم توجه طائفة منهم إلى قرية أخرى فحال بينهم وبين ذلك أميرها فقبضهم وجاء بهم إلى طرابلس فسجنوا وأخذا المسلمون مراكبهم. وفيها وقع دمرداش ومن اجتمع معه وبين دقماق نائب حلب حرب فكسره دمرداش فاستعان دقماق بنعير ومن معه من العرب فوقع بينهم وقعة عظيمة انكسر فيها دمرداش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 ومن اتبعه، والسبب في ذلك أن دمرداش جمع العساكر بعد أن خامر وجاء إليه تغرى بردى فجمع دقماق الذي قرر في حلب العساكر بحماة ثم استنجد بأهل دمشق ثم توجه إلى جهة حلب فخامر بعض من معه من التركمان فرجع دقماق يطلب النجدة من عسكر دمشق فنودي بالقاهرة للخروج فوصل دمرداش إلى ظاهر حلب ووصل جاليشه إلى المعرة فتوجه من دمشق آسن باي وبكتمر ومعهما جماعة ثم التقوا في جمادى الأولى ظاهر حلب فانكسر دمرداش واستولى ابن دلغادر على حلب فكاتب السلطان بذلك وسلمها لدقماق نائبها من جهة السلطان ثم جمع دمرداش جمعاً من التركمان ومعهم ابن رمضان فخرج إليهم نائب حلب والعسكر وجاءهم نعير فردوا هاربين فأدركت آثارهم وأخذ منهم شيء كثير واستمر ابن رمضان ودمرداش منهزمين وأدركهم بعض من يعادي ابن رمضان فنالهم منه جراح وغير ذلك. وفيها أوقع جنتمر الطرنطاي التركماني كاشف الوجه القبلي عرب ابن عمر الهواري. وفيها نودي بدمشق بمنع العمارة ظاهر البلد، ومن عمر ظاهر البلد خربت عمارته، وكانوا بعد حريق دمشق قد سكنوا في العمران الذي بقي في ظاهرها فاكثروا فيه العمارة، واستولى كثير من الناس على كثير من الأوقاف؛ فرفع الأمر للسلطان فأمر بالنداء بذلك في جمادى الأولى. وفيه استقر شمس الدين بن عباس الصلتي في قضاء الشافعية بدمشق وصرف الإخناي ورسم عليه وأمر بالكشف عما استولى عليه من الأوقاف والأموال وأمر بالنداء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 عليه فنودي عليه في أرجاء البلد ثم بالصالحية وجاء الناس أفواجاً أفواجاً يشكون منه وعقد له مجلس عند النائب وبهدل كثيراً، وفيه عزل ابن منجا من قضاء الحنابلة واستقر النابلسي. وفي صفر عزل ابن القطب من قضاء الحنفية واستقر شهاب الدين الجواشني، وفيه كثر الجراد ببلاد الشام كالسنة الماضية، وفيه ولي القاضي نجم الدين ابن حجي قضاء حماة. وفيها في صفر كثرت الفتن والأقاويل بين سودون الحمزاوي وسودون بقجة وأزبك وقانباي الخازندار وغيرهم فغضب أكابر الأمراء من ذلك مثل نوروز وجكم وسودون طاز وتمربغا المشطوب فعين سودون الحمزاوي لنيابة صفد ومشوا بينهم في الصلح إلى أن اصطلحوا على ذلك وأنهم لا يحضرون للخدمة حتى يسافر الحمزاوي وأن جماعة من المماليك سموهم لا يطلعون إلى القلعة أصلاً، وخلع على نوروز وكان له مدة أشهر لم يطلع للخدمة، وخلع على جكم وكان له مدة شهرين كذلك وذلك في شهر ربيع الأول. وفي المحرم استقر شمس الدين ابن البنا شاهد ديوان جكم في نظر الأحباس، ثم مات في السابع من صفر. واستقر بدر الدين العيني ثم صرف في أواخر ذي القعدة بناصر الدين الطناحي فقيه السلطان. وفي أواخر ربيع الآخر استقر مبارك شاه في الوزارة عوضاً عن أبي كم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 وفي صفر توارى أبو كم الوزير علم الدين يحيى من كثرة الكلف على الوزارة ثم ظهر فخلع عليه بالاستمرار. وفيها استقر شمس الدين محمد الشاذلي في حسبة القاهرة عوضاً عن شمس الدين البجاسي. وفي أواخر صفر خلع على فخر الدين ابن غراب ناظر الخاص عوضاً عن أخيه سعد الدين باختياره. وفيه خلص الطنبغا العثماني من أسر تمرلنك فقرر نائباً في غزة. وفي ذي القعدة استقر حسن بن الآمدي في مشيخة سرياقوس وصرف أبينا التركماني. وفي رابع جمادى الآخرة عزل ناصر الدين الصالحي عن قضاء الشافعية واستقر الإمام جلال الدين ابن شيخ الإسلام البلقيني عوضاً عنه بمال كثير بذله بعناية سودون طاز، وغضب جكم من ذلك وأساء له القول لما جاء إلى بيته فلاطفه شيخ الإسلام والده وخرج هو وولده. ثم لم يلبث إلاّ يسيراً حتى دبت العداوة بين جكم وسودون طاز فانقطع نوروز وجكم عن الخدمة مدة فبرز جكم إلى بركة الحبش فأقام أياماً واجتمع العسكر على سودون طاز ثم خامر نوروز ويشبك بن ازدمر ومن معهما إلى جكم ووقع بينهما عدة وقعات فانقطع نوروز وجكم عن الخدمة مدة، فلما كان ثاني عيد الفطر وقعت الحرب بينهم ثم نزل الناصر إلى الاصطبل ومعه سودون طاز وبعث طائفة إلى بيت نوروز ليكبسوا عليه فركب وركبت الجماعة فقتل جماعة في المعركة وجرح آخرون. وممن فقد في الوقعة قانباي فلم يعرف له خبر مع أنه كان خلع عليه بنيابة حماة فامتنع وتغير وهرب جكم ومن اتبعه وأسر سودون من زاده جريحاً مع أن جهة نوروز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 كانت راجحة إلا أن سودون طاز تحيل فأمر الناصر أن يبعث الخليفة والقضاة إلى نوروز في طلب الصلح فوصلوا إليه فانقاد لهم وتبعه جكم وغيره وتركوا الحرب، فدار القضاة والخليفة وحلفوا الأمراء بالسمع والطاعة للسلطان وأخمدوا الفتنة، وطلع نوروز إلى الخدمة فخلع عليه، ثم طلع جكم فلم يخلع عليه، ثم طلب منه جماعة من الأمراء الذين كانوا معه فجحد معرفة أمكنتهم وبرز هو ومن معه من الأمراء والخاصكية إلى بركة الحبش، ثم جاء تمربغا المشطوب وغيره إلى نوروز فأركبوه إلى بركة الحبش واجتمع عندهم ما يقارب ألفي نفس. فلما كان يوم الرابع عشر من شوال نزل السلطان وجميع من معه وخرجوا من باب القرافة وجكم ومن معه لا خبر عندهم من ذلك لأنهم كانوا سمعوا بأنه نودي بعرض الأجناد فبنوا الأمر على أن الحرب تقع بينهم يوم النصف، فبادر سودون طاز بالسلطان ومن معه عقب العرض يوم الأربعاء رابع عشره فالتقوا فانكسرت مقدمة نوروز وجكم وأسر تمربغا المشطوب وعلي بن ينال وأرغون، وولى جكم ونوروز هاربين أيضاً، وسفر تمربغا ومن أسر إلى الإسكندرية واستقر بيبرس قريب السلطان أتابك العساكر وأمر أن يخرج يشبك من الحبس فسار إليه القاصد يوم النصف من الشهر فوصلها رابع عشريه فاستقر دويداراً على عادته ثم ظهر نوروز وراسل بيبرس من الجيزة فأمنه وحلف له بالطلاق أنه يستقر نائب الشام فركب إليه وخرج ليلاً بغير علم أحد فحضر عنده فأمسك وقيد ثم أرسل إلى الإسكندرية ثم قبض على جكم أيضاً وقيد وأرسل إلى قلعة المرقب وغضب بيبرس من مخالفة رأيه وحنث يمينه فأرضي بالمال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 وفي جمادى الآخرة عصى صرق نائب غزة وذلك أنه كان بلغه أن بعض الحرامية يقطع الطريق فخرج إليه في عسكره وأوقع بهم وأحضر منهم إلى غزة جماعة فوسطهم وأخذ منهم شيئاً كثيراً فلما رجع بلغه أن كتاب السلطان جاء إلى حاجب غزة سلامش بالقبض على صرق فأظهر المخالفة فواقعه سلامش ومعه جركش نائب الكرك فكسرهم صرق وبدد شملهم وقبض على جركش وهرب سلامش فاستغاث عرب آل جرم فأعانه عمر بن فضل الجرمي ورجع بهم إلى غزة فواقعوا صرق فكسرهم ثم تكاثروا فكسروه فهرب وذلك في نصف الشهر فأدركوه وقبض عليه وأحضروه إلى سلامش فقيد وحصل النهب في بعض غزة ولولا أن عمر بن فضل رد العرب عن النهب لم يبق فيها دار إلا نهبت وقتل في الوقعة أكثر من خمسين نفساً وجرح أكثر من ثلاثمائة ثم جاءت من مصر لصرق ولاية الكشف بالغور ثم كشف الكشاف فباشر في شوال. وفي جمادى الآخرة باشر علاء الدين ابن المغلي قاضي حماة الحنبلي قضاء حلب. وفي رجب رخصت الأسعار بدمشق بالنسبة إلى ما كان عقب الكائنة العظمى. وفيه قبض على كثير من المفسدين بدمشق وشنقوا بكلاليب معلقة في أفواههم وكانوا قد كثروا بعد الكائنة وهجموا على الناس وأبادوهم قتلاً وخنقاً ونهباً ووجد عندهم من قماش الناس ما لا يحصى كثرة فأحضر بدار النيابة فصار من عرف شيئاً أخذه. وفي شعبان وقعت صاعقة على رجل تحت القلعة بدمشق فقتلته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 وفي سادس عشر شعبان أقيمت الجمعة بالجامع الأموي وكان لها مدة قد عطلت ثم نودي في الناس بالاجتماع للعمل فيه وتنظيفه. وفيه زكا الزرع بأعمال دمشق حتى عد من حبة واحدة أنبتت مائتي سنبلة وسنبلة حكى ذلك ابن حجي أنه شاهده مع الأمير ناصر الدين محمّد ابن الأمير إبراهيم بن منجك. وفي شعبان عزل ابن خلدون من قضاء المالكية بمصر واستقر جمال الدين البساطي وهو شاب. وفيه كانت وقعة الفيل ظاهر القاهرة وذلك أنهم اجتازوا به بقنطرة بعد قنطرة الفخر فانخسفت فاشتبك فيها وعجز عن النهوض وصار معلقاً فلم يقدروا على تخليصه حتى مات وهو كذلك وأنشدوا فيه أشعاراً وغنوا بسبب قصته هذه أغاني. وفيه أغار ابن صوجي التركماني على بعض عمال طرابلس فخرج شيخ نائبها في إثره فأظهر الهزيمة إلى أن بعد عن البلد وهو يتبعه فلما كاد يهجم عليه وافاه كتاب نائب حلب دقماق يشفع فيه فقبل شفاعته ورجع وتفرق العسكر فاغتنم ابن صوجي الفرصة وقاطع على شيخ وهو بعسكر جرار وشيخ في نحو الخمسين فقط، فكر عليهم شيخ فهزمهم وقتل منهم جماعة وفر الباقون ورجع سالماً. وفي شوال قبض سودون الحمزاوي بصفد على متيريك البدوي أمير بني حارثة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 من العربان وكان قد تمرد وكثر فساده فاعتقله إلى أن قتله في صفر من السنة المقبلة وسلخه ومثل به. وفي رجب منها ظهر كوكب كبير قدر الثريا له ذؤابة ظاهرة النور جداً فاستمر يطلع ويغيب ونوره قوي يرى مع ضوء القمر حتى رؤي بالنهار في أوائل شعبان فأوله بعض الناس بظهور ملك شيخ المحمودي فانه نقل في هذه السنة بعد خلاص يشبك إلى نيابة دمشق عوضاً عن آقبغا الجمالي في ذي القعدة وقرر نيابة طرابلس بعده دمرداش، واستقرت قدم شيخ بدمشق فلم يزل بترقي بعد ذلك حتى ولي السلطنة واستمر بعد هذه الحادثة عشرين سنة كما سيأتي تفصيله أميراً وسلطاناً ونقل آقبغا الجمالي إلى دمشق بطالاً وطلب تغرى بردى إلى القاهرة. وفي ذي القعدة عزل تغرى بردى نائب الشام عن نيابة الشام وصرف إلى القدس بطالاً، واستقر في نيابة الشام شيخ المحمودي نقلاً من نيابة طرابلس فوصل في نصف ذي الحجة. وفيها استقر تقي الدين ابن الشيخ شمس الدين الكرماني في قضاء العسكر بدمشق وإفتاء دار العدل وكان يؤم بالنائب ففوض له ذلك. وفيها في ذي الحجة تجمعت التركمان مع ابن رمضان ووافقهم قرا يوسف واجتمعوا على دمرداش ونازلوا حلب وجمع نائب حلب دقماق العسكر وجاء إليه نائب حماة وأمير العرب نعير وبلغ ذلك نائب دمشق فأرسل إلى دمرداش ينهاه عن ذلك فلم يصل إليه رسولاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 وفيها رجع تمرلنك بعساكره عن سيواس قاصد الجهة الشمالية لبلاد ابن عثمان. وفيها نازل السلطان أبو فارس عبد العزيز صاحب المغرب مدينة بسكرة وأسر صاحبها أبا العباس أحمد بن يوسف بن منصور بن فضل ابن علي بن أحمد بن الحسن بن علي بن مزنى بفتح الميم وسكون الزاي بعدها نون وياء ثقيلة فأسره أبو فارس وحمله إلى تونس فسجنه بها حتى مات بعد مدة وزالت بزواله دولة بني مزني وكان لها نحو أمن سبعين سنة يتنقلون فيها وكان ولده ناصر بن أحمد وهو من أبناء العشرين قد حج في هذه السنة فبلغه ما جرى على أبيه وأهله فأقام بالقاهرة بعد أن حج واشتغل بها ومهر في التاريخ وأسماء الرجال وجمع من ذلك مجاميع فسدت بعده ومات بعد مدة. وفيها قتل جنتمر النظامي كاشف الوجه القبلي في حرب جرت بينه وبين محمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري أمير العربان هناك. وفيها أبطل السالمي مقسم اللحم. وفي ثامن ذي القعدة اجتمع الأمراء في بيت بيبرس يلعبون الكرة فترصد جماعة من المماليك نحو الألف لسودون طاز وهاشوا عليه وأرادوا قتله فخلصه منهم الأمير بشبك وحماه إلى أن وصل إلى باب السلسلة واستقر يشبك في الدويدارية في رابع عشري ذي القعدة. فيه خرج الأمراء عن بكرة أبيهم إلى عرب تروجة فأوقعوا بهم ثم قدموا ليلة عيد الأضحى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 وفي سادس عشري ذي الحجة أواخر النهار استقر ولي الدين ابن خلدون في قضاء المالكية وصرف البساطي واستقر جمق الدويدار في نيابة الكرك عوضاً عن سلمان التركماني واستقر علان في نيابة حماة عوضاً عن يونس الحافظي وكان من أعيان أصحاب سودون طاز وقيل أرادوا بذلك قص جناحه وكان اللنك لما رحل من الشام وصل إلى ماردين فتحصن أهلها بالقلعة فحاصرها اللنك وراسل صاحبها الطاهر عيسى فما أجابه بشيء فلما أعياه أمرها أظهر أنه متوجه إلى جهة بغداد في أواخر رمضان فخرب نصيبين والموصل وصور فوهبها لحسين بك بن بابي حسن، وجهز ما حصل من الأموال صحبة الشيخ زاده إلى سمرقند ثم وجه إلى بغداد عشرين ألف مقاتل وأمر عليهم أمير زاه رستم وأمره إذا غلب على بغداد أن يستقر فيها أميراً وتوجهوا، وكان أحمد بن أويس قد رحل عنها وأمر عليها أميراً، وأوصاه أن لا يغلق بابها إذا قدم اللنك عليهم فلما وصل العسكر استعد أميرها واسمه فرج للقتال، فبلغ ذلك اللنك فسار إليهم ممداً لهم فأخذ بغداد عنوة يوم الأضحى فضحى بذبح المسلمين إلى أن جرت بدمائهم دجلة وبنيت برؤوسهم عدة منارات حتى يقال بلغت عدة القتلى صبراً تسعين ألفاً، وكان قد وظف على كل أمير من عسكره أن يحضر له عدداً من الرؤوس فكان إذا لم يقدر على توفية العدة من أهل بغداد يقطع رؤوس من معه من الأسرى من جميع البلاد، ثم أمر اللنك بتخريب بغداد كعادته في غيرها وأبلغ في ذلك ثم رحل عنها راجعاً إلى البلاد الشمالية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 ذكر من توفي في سنة أربع وثمانمائة من الأعيان إبراهيم بن عبد الله الرفا كان مقيماً بزاوية بمصر قرب جامع عمرو وللناس فيه اعتقاد كبير ويحكى عنه كرامات، مات في جمادى الأولى. إبراهيم بن محمّد بن راشد الملكاوي برهان الدين الشافعي أحد الفضلاء بدمشق اشتغل وحصل ومهر في القراآت، وقد تقد في الحوادث في السنة الماضية ما جرى له مع القاضي المالكي وكان يشغل في الفرائض بين المغرب والعشاء بالجامع، مات في جمادى الآخرة. أحمد بن الحسن بن محمّد بن محمّد بن زكريا بن يحيى المقدسي المصري شهاب الدين السويداوي اعتنى به أبوه فأسمعه الكثير من يحيى ابن المصري وجماعة من أصحاب ابن عبد الدائم والنجيب ونحوهم وأكثر له من الشيوخ والمسموع واشتغل في الفقه وبحث في الروضة وكان يتعانى الشهادات ثم أضر بأخرة وانقطع بزاوية الست زينب خارج باب النصر، قرأت عليه الكثير ونعم الشيخ كان وقد حدث قديماً قبل الثمانين وتفرد بمرويات كثيرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 وكان الشيخ جمال الدين الحلاوي يشاركه في أكثر مسموعاته، مات في تاسع عشر ربيع الآخر وقد قارب الثمانين أو أكملها. أحمد بن عبد الخالق بن علي بن الحسن بن عبد العزيز بن محمّد بن الفرات شهاب الدين ابن صدر الدين المالكي اشتغل بالفقه والعربية والأصول والطب والأدب وتمهر في الفنون ونظم الشعر الحسن وكان بيننا مودة وهو القائل: إذا شئت أن تحيا حياةً سعيدة ... ويستحسن الأقوام منك المقبحا تزيّ بزيّ الترك واحفظ لسانهم ... وإلا فجانبهم وكن متصولحا مات في شوال ولم يكمل الأربعين. أحمد بن علي بن محمّد بن أبي الفتح نور الدين الدمشقي نزيل حلب المعروف بالمحدث، سمع الكثير من أصحاب الفخر ومن غيرهم بدمشق وحلب، واشتغل في علم الحديث وأقرأ فيه مدة بحلب ودمشق وكان حسن المحاضرة، ومن شيوخه في الأدب صلاح الدين الصفدي، ذكره لي القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 أحمد بن محمّد بن محمّد بن المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الدمشقي الحنبلي قاضي الحنابلة بدمشق تقي الدين ابن صلاح الدين ابن شرف الدين تفقه قليلاً وناب عن أخيه ودرس وكان هو القائم بأمر أخيه وولي القضاء في أواخر العام الماضي فلم تطل مدته وكان شهماً نبيهاً؛ مات معزولاً ولم يكمل الخمسين. أحمد بن محمّد بن محمّد المصري نزيل القرافة الشيخ شهاب الدين ابن الناصح، سمع من الميدومي وذكر أنه سمع من ابن عبد الهادي وحدث عنه بمكة بصحيح مسلم وحدث عن الميدومي بسنن أبي داود وجامع الترمذي سماعاً ومن لفظ نور الدين الهمذاني. أخذت عنه قليلاً وكان للناس فيه اعتقاد ونعم الشيخ كان سمتاً وعبادةً ومروءة، مات في أواخر رمضان وتقدم في الصلاة عليه الخليفة. أسماء بنت أحمد بن محمّد بن عثمان الحلبي ثم الصالحي روت لنا عن الحجار سماعاً، ماتت في ثالث عشر المحرم عن نحو من ثمانين سنة. أبو بكر بن عثمان بن خليل الحوراني تقي الدين المقدسي الحنفي، سمع من الميدومي وحدث عنه وناب في الحكم، مات في أواخر السنة ببيت المقدس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 أبو بكر بن أبي المجد بن ماجد بن أبي المجد بن بدر بن سالم السعدي الدمشقي ثم المصري الحنبلي عماد الدين، ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وسمع من المزي والذهبي وغيرهما وأحب الحديث فحصل طرفاً صالحاً منه، وسكن مصر قبل الستين فقرر في طلب الشيخونية فلم يزل بها حتى مات، وجمع الأوامر والنواهي من الكتب الستة وجوده وكان مواظباً على العمل بما فيه، وله اختصار تهذيب الكمال، وقد حدث عن الذهبي بترجمة البخاري بسماعه منه، اجتمعت به وأعجبني سمته وانجماعه وملازمته للعبادة، مات في آخر جمادى الأولى جنتمر بن عبد الله التركماني الطرنطاي، كان قد ولي نيابة حمص ونيابة بعلبك وأسر في المحنة العظمى ثم خلص من الأسر بعد مدة وحضر إلى مصر فتولى كشف الصعيد، وكان حسن المحاضرة بشوشاً كريماً مع ظلم كثير وعسف. خليل بن علي بن أحمد بن بوزبا الشاهد المصري وسمع من ابن نمير السراج وغيره، سمعت منه قليلاً وكان معمراً فإنه ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة فلو كان سماعه على قدر سنه لأتى بالعوالي مات في سابع عشري شعبان وله ثمان وثمانون سنة. سعد ابن أبي الغيث بن قتادة بن إدريس بن حسن بن قتادة الحسني أمير ينبع، عزل عن إمرتها فأقام بمصر حتى مات في ذي القعدة عن ستين سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 شقراء بنت حسين بن الناصر محمد بن قلاوون أخت الأشرف شعبان، ماتت في ثامن عشر المحرم. صالح بن خليل بن سالم بن عبد الناصر بن محمد بن سالم الغزي الشافعي، سمع من الميدومي وحدث عنه وناب في الحكم، مات في ذي القعدة ببيت المقدس. عبد اللطيف بن محمد بن عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي ثم المصر زين الدين بن تقي الدين بن الحافظ قطب الدين أحضر على ابن عبد الهادي وسمع من الميدوى سمعت منه وكان وقوراً خيراً، مات في وسط صفر. عبد المؤمن العينتابي المعروف، بمؤمن كان فاضلاً في عدة علوم منها الفقه على مذهب الحنيفة. وكان حسن الوجه مليح الشكل، درس بعينتاب ثم تحول إلى حلب فأقام بها إلى أن مات في هذه السنة نقلته من تاريخ العيني. عبد الوهاب بن محمّد بن محمّد بن عبد المنعم البرنباري شرف الدين ابن تاج الدين كان أبوه كاتب السر بطرابلس وناب هو في توقيع الدرج عند علاء الدين ابن فضل الله إلى أن مات في خامس عشر ذي الحجة سنة أربع عن نحو الثمانين سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان المخزومي البلبيسي ثم المصري الشافعي فخر الدين المقرئ الضرير إمام الجامع الأزهر تصدى للاشتغال بالقراءة فأتقن السبع وصار أمة وحده، وأخبرني أنه لما كان ببلبيس كان الجن يقرؤن عليه، وقرأ عليه خلق كثير، وكان صالحاً خيراً أقام بالجامع الأزهر يؤم فيه مدة طويلة، وقد حدث عنه خلق كثير في حياته، وانتفع به من لا يحصى عددهم في القراءة وانتهت إليه الرياسة في هذا الفن، وعاش ثمانين سنة، يقال مات في أول سنة خمس، وأرخه المقريزي والبغدادي في ثاني ذي القعدة سنة أربع وثمانمائة أخبرني محمّد بن علي بن ضرغام إجازة قال حدثني الشيخ فخر الدين عثمان المقرئ في سنة وأربعين أن بعض الجن أخبره أن الفناء يقع في مصر بعد سنة ويكون عامّاً في أكثر الناس، قال: وكنت عزمت على الحج فلم أرجع من مكة وأقمت بها مجاوراً إلى هذه الغاية ووقع الطاعون العام سنة تسع وأربعين كما قيل. علي بن بهادر بن عبد الله الداوداري النائب بصفد علاء الدين كان جواداً ممدحاً عارفاً بالمباشرة ودارى عن صفد أيام تمرلنك حتى سلمت من النهب، ويقال إنه أحصى ما أنفقه في تلك الأيام فبلغ عشرة آلاف دينار وأكثر من ذلك، وكان ينفق على الواردين إليها من قبل الكائنة والهاربين إليه بعدها، واستقر بعد ذلك حاجباً بصفد فعمل عليه نائب صفد الآتي ذكره سودون الحمزاوي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 وضربه ضرباً مبرحاً واستأصل أمواله ومات من العقوبة في أواخر السنة وقد قتل به سودون قصاصاً بعد ذلك كما سيأتي. علي بن عبد الله التركي نزيل القرافة بالجبل المقطم كان للناس فيه اعتقاد كثير ويحكى عنه كرامات وكانت شفاعته لا ترد مات في ربيع الأول، وكان أبوه من المماليك السلطانية فنشأ هو في بيت الملك الناصر الكبير، فلما كبر خرجت في وجهه قوبا فتألم منها وعالجها فلم ينجع فيها دواء فوجد شيخاً يقال له عمر المغربي فطلب منه الدعاء فاستدناه ولحس القوبا بلسانه فشفاه الله سريعاً فاعتقده ورمى الجندية وتبع الشيخ المذكور وتسلك على يديه وانقطع إلى الله ولم يترك زي الجندية ولا أخذ في يده سبحة ولا لبس مرقعه بل كان مقتصداً في ملبسه ومأكله وكلما يفتح عليه يتصدق به ويؤثر غيره، ومات وله أربع وثمانون سنة، وكان يقول: ما رأيت أورع من الشيخ عمر ولا أهيب من الناصر، وكان يقول: أعرف الناس من أيام الناصر، ما رأيت لهم عناية بأمر الدين لكن كان فيهم حياء وحشمة تصدهم عن أمور كثيرة صارت تبدو من رئيس الرؤساء الآن، قلت: فكيف لو أدرك زماننا! يقال بلغ التسعين، وذكر لي أنه كان يذكر ما يدل على أن عمره أربع وثمانون سنة، وقد زرته وأنا صغير وسمعت كلامه ودعا لي ولكني لا أتذكر أني زرته وأنا كبير فالله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 علي بن عبيد بن داود المرداوي ثم الصالحي الحنبلي سمع من أحمد بن عبد الرحمن المرداوي وحدثنا عنه وكان يكتب خطاً حسناً ويعتمد الحكام عليه في الشهادة بالصالحية وهو أخو الفقيه شمس الدين ابن عبيد، مات في جمادى الآخرة. علي بن غازي بن علي بن أبي بكر بن عبد الملك الصالحي عرف بالكوري سمع من زينب بنت الكمال وحدثنا عنها بالصالحية، مات في شوال. عمر بن الشرف الغزولي الحنبلي، مات في سادس عشر ذي القعدة منها بحلب. عمر بن علي بن أحمد بن محمّد بن عبد الله الأنصاري الأندلسي ثم المصري سراج الدين ابن أبي الحسن المعروف بابن الملقن ولد سنة ثلاث وعشرين في رابع عشري ربيع الأول منها، وكان الملقن واسمه عيسى زوج أمه فنسب إليه، ومات أبوه أبو الحسن وهو صغير، وكان عالماً بالنحو وأصله من الأندلس، رحل أبوه منها إلى التكرور وأقرأ أهليها القرآن فحصل له مال، ثم قدم القاهرة فولد له هذا فمات وله سنة وأوصى به إلى الشيخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 عيسى المغربي وكان يلقن القرآن في الجامع الطولوني فتزوج بأمه فعرف به، وحفظ القرآن والعمدة وشغله في مذهب مالك، ثم أشار عليه بعض أصحاب والده أن يقرئه المنهاج فحفظه وأنشأ له وصيه ربعاً فكان يكتفي بأجرته ويوفر له بقية ماله وكان يقتني الكتب، بلغني أنه حضر في الطاعون العام بيع كتب شخص من المحدثين فكان وصيه لا يبيع إلا بالنقد الحاضر، قال: فتوجهت إلى منزلي فأخذت كيساً من الدراهم ودخلت الحلقة فصببته فصرت لا أزيد في الكتاب شيئاً إلا قال: بع له، فكان فيما اشتريت مسند الإمام أحمد بثلاثين درهماً، وكان ربما عرف بابن النحوي وربما كتب بخطه كذلك فلذلك اشتهر بها ببلاد اليمن، عني في صغره بالتحصيل، فسمع من ابن سيد الناس والقطب الحلبي وأكثر عن أصحاب النجيب وابن عبد الدائم وتخرج بزين الدين الرحبي ومغلطاي وكتب عنهما الكثير، وتفقه بشيوخ عصره ومهر في الفنون، واعتنى بالتصنيف قديماً فشرح كثيراً من الكتب المشهورة كالمنهاج والتنبيه والحاوي على كل واحد منها عدة تصانيف، وخرج أحاديث الرافعي وشرح البخاري ثم شرح زوائد مسلم عليه ثم زوائد أبي داود عليهما ثم زوائد الترمذي على الثلاثة ثم النسائي كذلك ثم ابن ماجه كذلك، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 واشتهر بكثرة التصانيف حتى كان يقول إنها بلغت ثلاثمائة تصنيفاً واشتهر اسمه وطار صيته، وكانت كتابته أكثر من استحضاره فلهذا كثر القول فيه من علماء الشام ومصر حتى قرأت بخط ابن حجي كان ينسب إلى سرقة التصانيف فإنه ما كان يستحضر شيئاً ولا يحقق علماً ويؤلف المؤلفات الكثيرة على معنى النسخ من كتب الناس، ولما قدم دمشق نوه بقدرة تاج الدين السبكي سنة سبعين وكتب له تقريظاً على كتابه تخريج أحاديث الرافعي وألزم عماد الدين ابن كثير فكتب له أيضاً، وقد كان المتقدمون يعظمونه كالعلائي وأبي البقاء ونحوهما فلعله كان في أول أمره حاذقاً، وأما الذين قرؤا عليه ورأوه من سنة سبعين فما بعدها فقالوا: لم يكن بالماهر في الفتوى ولا التدريس وإنما كان يقرأ عليه مصنفاته غالباً فيقرر على ما فيها، وجرت له محنة بسبب القضاء تقدمت في الحوادث وكان ينوب في الحكم فترك، وكان موسعاً عليه في الدنيا وكان مديد القامة، حسن الصورة، يحب المزاح والمداعبة مع ملازمة الاشتغال والكتابة، وكان حسن المحاضرة جميل الأخلاق كثير الإنصاف شديد القيام مع أصحابه، واشتهر بكثرة التصانيف حتى كان يقال إنها بلغت ثلاثمائة مجلدة ما بين كبير وصغير. وعنده من الكتب ما لا يدخل تحت الحصر منها ما هو ملكه ومنها ما هو من أوقاف المدارس لا سيما الفاضلية، ثم إنها احترقت مع أكثر مسوداته في أواخر عمره ففقد أكثرها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 وتغير حاله بعدها فحجبه ولده نور الدين إلى أن مات في سادس عشري ربيع الأول وقد جاوز الثمانين بسنة وكان حسن المحاضرة ويحب المداعبة مع جميل الأخلاق وكثرة الإنصاف وجمال الصورة والقيام مع أصحابه. فضل الله بن أبي محمّد التبريزي أحد المتقشفين من المبتدعة وكان من الاتحادية ثم ابتدع النحلة التي عرفت بالحروفية فزعم أن الحروف هي عين الآدميين إلى خرافات كثيرة لا أصل لها، ودعا اللنك إلى بدعته فأراد قتله فبلغ ذلك ولده أمير زاده لأنه فر مستجيراً به فضرب عنقه بيده فبلغ اللنك فاستدعى برأسه وجثته فأحرقهما في هذه السنة، ونشأ من أتباعه واحد بلقب: نسيم الدين، فقتل بعد ذلك وسلخ جلده في الدولة المؤيدية سنة إحدى وعشرين بحلب. محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن إبراهيم الأرموي ثم الصالحي سمع من فاطمة بنت العز وحدثنا عنها، مات بدمشق. محمّد بن رسلان بن نصير بن صالح البلقيني ناصر الدين أخو شيخ الإسلام سراج الدين ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة، ولم يرزق من العلم ما رزق أخوه ولا ما يقاربه، وكان مقيماً ببلده يتعانى الزراعة ويقدم على أخيه أحياناً، ولو اتفق له سماع الحديث لكان عالي الإسناد، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 رأيته قبل موته بقليل، وهو شيخ جلد صحيح البنية يظهر للناظر أن الشيخ أسن منه لأن الشيخ قد سقطت أسنانه كلها بخلاف هذا، وكانت لهما أخت عاشت إلى سنة ثلاث وجاوزت التسعين. محمّد بن عثمان الأشليمي ثم المصري أصيل الدين ولد بعد سنة أربعين، ولما ترعرع تعانى القرآن، ثم اشتغل قليلاً في الفقه وتكسب بالشهادة ولازم صدر الدين ابن رزين ثم ناب في الحكم بالقاهرة ثم سعى في قضاء القضاة على القاضي تقي الدين الزبيري بتحسين القاضي صدر الدين المناوي له ذلك وتحريضه عليه وإظهاره الرضا به، فلما شرع في ذلك وجد المناوي السبيل إلى السؤال في العود فأعيد وقرر الأصيل في قضاء دمشق، فوليه في شعبان سنة إحدى وثمانمائة في أواخر دولة الظاهر بمال اقترضه وافر فباشر قليلاً فلم تحمد سيرته، فلم يلبث الظاهر أن مات فسعى الأخناي حتى عاد ورجع الأصيل إلى مصر واستمر معزولاً، ونالته بالقاهرة محنة بسبب الديون التي تحملها وسجن بالصالحية مدة ثم أطلق، وكان له استحضار يسير من السيرة النبوية ومن شرح مسلم فكان يلقي درسه غالباً من ذلك ولا يستحضر من الفقه إلا قليلاً، مات عن ستين سنة أو أكثر في أواخر ذي الحجة من السنة. محمّد بن علي بن محمّد بن عقيل بن محمّد بن الحسن بن علي أبو الحسن البالسي ثم المصري نجم الدين ابن نور الدين ابن العلامة نجم الدين، تفقه كثيراً ثم تعانى الخدم عند الأمراء ثم ترك ولزم بيته، ودرس بالطيبرسية إلى أن مات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 وقد أضر قبل موته بيسير، ونعم الشيخ كان خيراً واعتقاداً جيداً ومروءة وفكاهة، لزمته مدة وحدثني عن ابن عبد الهادي ونور الدين الهمذاني وغيرهما؛ مات في عاشر المحرم وله أرع وسبعون سنة. محمّد بن محمّد بن عنقة - بنون وقاف وفتحات - أبو جعفر البسكري - بفتح الموحدة بعدها مهملة - ثم المدني كان يسكن المدينة ويطوف البلاد وقد سمع من جمال الدين ابن نباتة قديماً ثم طلب بنفسه فسمع الكثير من بقية أصحاب الفخر بدمشق وحمل عن ابن رافع وابن كثير وحصل الأجزاء وتعب كثيراً ولم ينجب، سمعت منه يسيراً وكان متودداً رجع من الإسكندرية إلى مصر فمات بالساحل - غريباً - رحمه الله. محمّد بن نشوان بن محمّد بن أحمد بن نشوان بن محمّد بن أحمد الحجاوي والد الشيخ شهاب الدين كان خيراً كثير التلاوة؛ مات في رجب وعاش ستاً وسبعين سنة. محمّد بن .... بن البناء ناظر ديوان الأمير جكم وولي بعنايته نظر الأحباس؛ ومات في خامس ربيع الآخر. لاجين بن عبد الله الجركسي كان معظماً عند الجراكسة وكانوا يتحاكون بينهم أنه يلي المملكة وهو لا يكتم ذلك ويتظاهر به وكان السلطان والأكابر يبلغهم ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 فلا يكترثون به ويعدون كلامه من سقط المتاع، وكان قد عين جماعة لعدة وظائف وكان يعد أنه إذا تملك أن يبطل الأوقاف كلها، وأن يخرج الإقطاعات كلها، وأن يعيد الأمر إلى ما كان عليه في عهد الخلفاء، وأن يحرق كتب الفقهاء كلها، وأول من يعاقب شيخ الإسلام البلقيني، فحال الله بينه وبين ذلك، ومات قبل البلقيني بسنة، وكان له إقطاع تغل في كل سنة عشرة آلاف كانت في ذلك الوقت قدر ثلاثمائة دينار ورزقة أخرى تغل هذا القدر أو أكثر منه، وكان منقطعاً في بيته وأكابر الأمراء يترددون إليه وغيرهم يفعل ذلك تبعاً لهم، وشاع أن الظاهر أراد أن يقرره في نيابة السلطنة ولم يتم ذلك، وقيل: بل كان الامتناع منه، وكان مشهوراً بسوء العقيدة يفهم طريق ابن العربي ويناضل عنها وله أتباع في ذلك، واشتهر عنه أنه سيلي الأمر استقلالاً فيغير معالم الشريعة ويحرق كتب المسلمين، وكان يتهدد الأعيان كالبلقيني بالقتل والعقوبة إلى أن قدر الله موته في رابع ربيع الأول من هذه السنة قبل البلقيني بسنة ونصف وكفى الله شره وكان قد قارب الثمانين أو جاوزها. يوسف بن الحسن بن محمود السرائي الأصل التبريزي عز الدين الشهير بالحلوائي - بفتح أوله وسكون اللام مهموزاً - الفقيه الشافعي، ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وتفقه ببلاده، وقرأ على الشيخ جلال الدين القزويني والشيخ بهاء الدين الخونجي والقاضي عضد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 الدين، واجتمع في بغداد بالشيخ شمس الدين الكرماني وأخذ عنه الحديث وشرحه للبخاري ومهر في أنواع العلوم، وأقبل على التدريس وشغل الطلبة، وعمل على البيضاوي شرحاً، فلما دخل الدعادعة وهم أتباع طقتمش خان تبريز وخربوها تحول الشيخ عز الدين إلى ماردين فأقام بها مدة، ثم راسله مرزا ابن اللنك فقدم عليه تبريز فبالغ في إكرامه فأقام بها، وكتب على الكشاف حواشي وشرح الأربعين للنووي، وكان زاهداً عابداً معرضاً عن أمور الدنيا مقبلاً على العم، وكان قد حج ثم زار المدينة فجاور بها سنة وكان لا يرى مهموماً قط، وكانت وفاته سنة أربع وثمانمائة بالجزيرة فإنه رجع إليها لما كثر الظلم في تبريز فقطنها إلى أن مات، وخلف ولدين بدر الدين محمّدا وجمال الدين محمدا، وحج بدر الدين سنة تسع وعشرين وأقام بحصن كيفا فشغل الناس بالعلم، وحج جمال الدين سنة ثلاث وثلاثين، وقدم القاهرة سنة أربع وثلاثين وأقام بها مدة وتوجه وقد تقدم ذكره في سنة اثنتين وثمانمائة. يوسف بن الحسين الكردي الشافعي نزيل دمشق كان عالماً صالحاً معتقداً تفقه وحصل، قال الشيخ شهاب الدين الملكاوي: قدمت من حلب سنة أربع وستين وهو كبير يشار إليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 وكان يميل إلى الأثر والسنة وينكر على الأكراد في عقائدهم وبدعتهم؛ وكانت له اختيارات، منها المسح على الجوربين مطلقاً وكان يفعله، وله مؤلف لطيف جمع فيه أحاديث وآثاراً، ومنها تزويج الصغيرة التي لا أب لها ولا جد. وقال ابن حجي كان يميل إلى ابن تيمية ويعتقد صواب ما يقوله في الفروع والأصول، وكان من يحب ابن تيمية يجتمع إليه، وكان قد ولي مشيخة الخانقاه الصلاحية وأعاد بالظاهرية وكان الشهاب الملكاوي يقول: قدمت من حلب سنة أربع وستين وهو كبير يشار إليه وكان وقع بينه وبين ولده الشيخ زين الدين عبد الرحمن الواعظ بسبب العقيدة وتهاجرا مدة إلى أن وقعت فتنة اللنكية فتصالحا، ثم جلس مع الشهود وأحسن إليه ولده في فاقته فلم يلبث أن مات في شوال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 سنة خمس وثمانمائة في أولها استولى اللنك على أبي يزيد ابن عثمان وأسره وأسر ولده موسى ثم قتل أبو يزيد، وكان من أكبر ملوك الإسلام وأيمنهم نقيبة وأكثرهم غزواً في الكفار، وكان ينكر على ملوك عصره تقاعدهم عن الجهاد وأخذهم المكوس فلما رجع تمرلنك في سنة ثلاث من البلاد الشامية إلى جهة الشرق ثم عرج على بغداد عاد إلى جهة الروم فوصل إليها في أواخر السنة الماضية وأرسل إلى صاحب ماردين يأمره بالحضور إليه فلم يكن له بد من موافقته فتوجه إليه وراسل أبا يزيد في الصلح على عادته في المكر والدهاء، وكان أبو يزيد قد جمع العساكر لما بلغه قصده إلى بلاده واستكثر فيها فلم يجبه إلى الصلح ورحل بعسكره إلى جهة تمرلنك ليطرده عن بلاده فسار خمسة عشر يوماً فراسله تمر أيضاً يقول له إنك رجل مجاهد في سبيل الله وأنا لا أحب قتلك ولكن انظر إلى البلاد التي كانت معك من أبيك وجدك فاقنع بها وسلم لي البلاد التي كانت مع أرطنا صاحب الروم في زمن الملك أبي سعيد، فمال ابن عثمان إلى ذلك، فبلغه أن التمرية أغاروا على كماخ ونهبوها فتحقق أبو يزيد أن تمر لا يحب الصلح ولا يذكره إلا تخذيلاً، فلما تقارب العسكران أظهر تمر الهزيمة خديعة فلم يفطن ابن عثمان لذلك وساق خلفه إلى مكان يسمى الآن المكسورة فلما قربوا منهم أخرج تمرلنك طائفة كانوا مستريحين وأراح المنهزمين فتلاقوا مع عسكر ابن عثمان وهم كالموتى من التعب، فلاقاهم أولئك على الفور فقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم هجم عليهم كمين لتمرلنك فهزمهم، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 وتوجه سليمان بن أبي يزيد بن عثمان إلى جهةٍ برصا منهزماً ثم عدا إلى القسطنطينية ومعه أكثر العسكر، وأحاط التمرية ببقية العسكر وفيهم أبوه فأسروه وأتوا به إلى تمر وتفرقت العساكر شذر مذر، وخاض التمرية في بلاد الروم فأفسدوا ونهبوا وأحرقوا عدة قرى وأقاموا بالروم أربعة أشهر في الإفساد، ومات أبو بن مراد بن أردخان بن عثمان في أسر تمرلنك وكان مطلقاً فأدركه أجله إما من القهر أو من غيره، وفرق تمر ممالكه على من كانت بيده قبل انتزاع ابن عثمان لها منهم، ورجع تمرلنك إلى بلاده في شعبان من السنة بعد أن صنعوا في الروم نحو ما صنعوا في الشام، فمات السلطان محمود خان وكان تمر يدبر مملكته والاسم والفعل لهم وهو من ذرية جنكيز خان وكان حضر واقعة الشام مع تمر، وكان أبو يزيد بن عثمان من خيار ملوك الأرض ولم يكن يلقب ولا أحد من آبائه وذريته ولا دعي بسلطان ولا ملك وإنما يقال الأمير تارة وخوند خان تارة، وكان مهاباً يحب العلم والعلماء ويكرم أهل القرآن؛ وقرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي أنه سمع الأمير حسن الكجكني يقول دخلت معه لما توجهت إليه رسولاً الحمام فكان الحوض الذي يغتسل منه جميعاً فضة وكذا كانت أوانيه التي يأكل فيها ويشرب ويستعملها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 قال: وأخبرني شمس الدين ابن الصغير الطبيب وكان الملك الظاهر وجهه إليه بسؤاله في طبيب حاذق فلما وصل إليه أكرمه وأعطاه، قال: فكان بعد أن رجع يحكي أن ابن عثمان كان يجلس بكرة النهار في براح متسع ويقف الناس بالبعد منه بحيث يراهم فمن كانت له ظلامة رفعها إليه فأزالها في الحال، وكان الأمن في بلاده فاشياً بحيث يمر الرجل بالحمل مطروحاً بالبضاعة فلا يتعرض له أحد، وكان يشرط على كل من يخدمه أن لا يكذب ولا يخون، ولكنه كان يصنع من الشهوات ما أراد، قال: وكان الزنا واللواط وشرب الخمر والحشيش فاشياً في بلادهم يتظاهرون به، ويكرمون كل من ينسب إلى العلم غاية الإكرام، وكان أبو يزيد لا يمكن أحداً من التعرض لمال أحد من الرعية حياً ولا ميتاً، وإن مات ولا وارث له يودع ماله عند القاضي، وكل من غزا معه لا يتعرض لشيء مما يحصل في يده؛ وترك لما مات من الأولاد سليمان ومحمداً وموسى وعيسى فاستقل بالملك سليمان وسار على طريقة أبيه، ثم ثار عليه أخوه عيسى فقتل ثم ثار أخوه موسى فغلب وقتل سليمان ثم ثار محمّد فقتل موسى، واستقل محمّد بالملك إلى أن مات في سنة ... وقام بعده ولده مراد بن محمّد بن أبي يزيد بن عثمان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 وكان السبب في قصد اللنك بلاد ابن عثمان أن أحمد بن أويس وقرا يوسف كانا قد فرا إليه فأجارهما فراسله اللنك بعد أن غلب على بغداد فيهما فامتنع فجعل ذلك ذريعة إلى قتاله فتوجه إليه، وكان ابن عثمان قوي النفس فجمع العساكر ولم يقنع بالانتظار فكان ما كان. وأول ما ملك اللنك قلعة كماخي وكانت في غاية الحصانة ثم راسل التتار الترك بالروم ومتّ إليهم بالجنسية ومنّاهم ووعدهم فوعدوه بالمعاونة، فمن الرأي الفاسد أن ابن عثمان أراد أن يدهم عسكر اللنك على غرة، فسلك بعسكره الجرار في مهامه وقفار ليصير من وراء العسكر ويظفر بهم فسار مجداً فتعبوا ولغبوا وجاعوا وعطشوا واستمر اللنك سائراً لا يرده أحد عن قرية ولا بلد بل سار بعسكره متمهلاً وقد بلغه ما صنعه ابن عثمان من جواسيسه فتباطأ في سيره وأراح جيوشه، فاتفق أنهم التقوا فتناجزوا القتال فانهزم التتار الذين كان قد خدعهم وانهزم الباقون بهزيمتهم، وكان ملتقاهم بمدينة أنقرة، فسار سليمان بن أبي يزيد بن عثمان بمن معه إلى جهة الساحل وركبوا البحر إلى القسطنطينية، وقبض على أبيه ابن عثمان فأحضر بين يدي اللنك فلامه وعنفه واستمر معه في الأسر وكانت الوقعة في ذي الحجة من هذه السنة. وفيها أرسل تمرلنك رسلاً من عنده إلى صاحب ماردين بكتاب يرسله صحبة من يثق به من عنده إلى القاهرة ثم أرسل رسلاً في البحر من بلاد الروم منهم مسعود الكجحاني يستنجز إرسال أطلمش ويهددهم إن لم يرسلوه يقصدهم، فوصل إلى دمشق رسول صاحب ماردين وهو بدر الدين محمّد بن تاج الدين حسين بن بدر الدين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 حسن بن شمس الدين بن حسام الدين عبد العزيز بن محمّد بن عبد العزيز ابن الشيخ عبد القادر الجيلي وهو ممن له حرمة في تلك البلاد ومكارم وإحسان وكلمة مسموعة وذكر أنه لم يحمله على المجيء في هذه الرسالة إلا قصد النصيحة للمسلمين، وقد تقدم ذكر أبيه في سنة خمس وسبعين، ولما وصلوا إلى مصر بادر المصريون بتجهيزه إليه وصحبته هدية جليلة في جمادى الآخرة، وكان مسعود المذكور قد صحب تمرلنك لما طرق المملكة الشامية فجاء في الرسلية منه، وفي كتاب تمرلنك الآتي على يد مسعود أن مهما يقول مسعود ويقع الاتفاق معه عليه فهو بإذني، ومهما حلف عليه فهو لازم لي. وأرسل مع مسعود لواء مذهباً عليه اسم تمرلنك ووصل مع مسعود ولد ابن الجزري وأخبر أن أباه كان مع ابن عثمان فأسر وأحضر عند تمرلنك، فأكرمه لاشتهاره بعلم القراآت، ووصل أطلمش دمشق في جمادى الآخرة ووصل إلى حلب في رجب، ثم توجه إلى تمرلنك فالتقيا بعد رجوع تمر من بلاد الروم ورجعت الرسل الذين كانوا مع أطلش فوصلوا في شوال وحققوا توجهه إلى بلاد الدشت، ثم وصل من عند مسعود المذكور رسولاً ومعه هدية فيل وغيره وكتاب يشكر الأمراء على إرسال أطلش. وقرأت بخط الشيخ برهان الدين المحدث بحلب ما نصه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 ورد رسول تمر مسعود بن محمود الكجحاني وصحبته شهاب الدين أحمد بن خليل وخاصكي من جهة الناصر فرج يقال له قانباي في ثاني ذي القعدة سنة خمس وصحبتهم هدية من تمر إلى الناصر فرج من جملتها فيل وفهد وبازي وسنقر وصقر وقبا قصيركم مزركش مريش وخوقاني؟ مزركش مريش مفرّى بقاقم وسولق وبند وقبع قال وكان الثلاثة المذكورون توجهوا في العام الماضي إلى تمر وصحبتهم الأمير أي أطلش الذي كان مسجوناً بالقاهرة من جهة تمر، قال وكان سبب وقوعه لأهل مصر أنه كان أميراً على بعض القلاع فنازله قرا محمّد فأمسكه وأرسل به إلى القاهرة فحبس بها، فلما دخل تمر الشام أرسل طلبه وتكررت رسله بطلبه فأرسلوه مكرماً وتوجهوا به من جهة طرسوس إلى أن اجتمعوا به وهو في أرض الروم ثم قدر بعد ذلك مجيء مسعود إلى هذه البلاد وباشر نظر الأوقاف في الدولة المؤيدية ومات بها. وفي المحرم استقر صدر الدين الأدمي في كتابة السر بدمشق وعلاء الدين ابن أبي البقاء في القضاء بدمشق وزين الدين الكفري في قضاء الحنفية بها. وفي صفر ضرب الحاجب فقيهاً ادعى عليه بمال عنده فأنكر ثم صالح عليه غريمه، فظن الحاجب أنه كاذب في إنكاره فعزره، فبلغ ذلك القاضي الشافعي فأرسل إلى الغريم وعزره وطيف به فبلغ ذلك الحاجب فشكي إلى النائب فسلمه الشاهد المذكور والشهود الذين عينهم فضربهم وطوف بهم ونادى عليهم جزاء من يرمي الفتن بين الحكام وتألم الناس لذلك. وفي يوم الاثنين ثاني عشر صفر برز سودون طاز إلى ناحية المرج والزيات فنزل هناك بجماعته وأخوته منافراً ليشبك بسبب أنه ذكر له أنه قصد القبض عليه، فلم يخرج أحد إليه إلا أن بعض المماليك أغلظوا ليشبك في الرميلة وأفحشوا في القول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 وساق بعضهم ليضربه فدخل بيت الأتابك بيبرس وأقام فيه أياماً ثم تراسلوا فأرسل السلطان إلى سودون طاز يترضاه فما رضي فلما كان يوم الاثنين تاسع عشره خلع على إينال باي بن قجماس بوظيفة سودون طاز واستقر أمير آخور وأخرجت إقطاعات مماليك سودون طاز ومن يلوذ به ثم استعد السلطان لتحصين القلعة بالرماة ليخرج إليه فحصل بين بعض المماليك خلف، ثم اتفقوا ولبسوا السلاح يوم الأحد ثالث شهر ربيع الآخر ثم خرجوا إليه في يوم الأربعاء سادسه فلما علم سودون طاز بتوجه السلطان ركب لجهة خليج الزعفران ثم خرج إلى جهة النيل حتى وصل إلى بولاق وسار إلى الميدان الكبير بالقرب من قناطر السباع، وأما العسكر فوصلوا إلى جهة المرج فقيل لهم إنه توجه إلى جهة البحر فرجعوا مسرعين فتلاقوا عند الكبش فانكسر وانهزم راجعاً فأمسك قانباي أخوه وجرح هو وجماعة من الطائفتين ومات من جراحه خازنداره فلما كان في اليوم الثالث من حربه قبض عليه وجيء به إلى بيت يشبك فرسم بحبسه في دمياط مكرماً ونزل على فرس إلى البحر وشيعه الأمراء إلى نزل إلى الحراقة وساروا به إلى دمياط مكرماً واستقر آقباي الكركي الخازندار على إقطاع سودون طاز فلم يلبث أن مات من جراحة كانت أصابته ليلة السبت رابع عشر جمادى الأولى، واستقر إقطاعه لسودون الحمزاوي وهو يومئذٍ شاد الشربخاناه. وفي ثالث عشر جمادى الآخرة وصل سودون الجلب إلى دمياط واجتمعت أخوة سودون طاز وأشاروا عليه بأن يسافر إلى الشام، فأرسل إلى والي دمياط فقبض عليه وهجم هو ومن معه على الطواحين فأخذوا منها ما شاءوا من الخيول وتوجهوا فنزلوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 على بكتمر بن بقر أمير العربان بالشرقية، فبلغ ذلك السلطان من بقر فأرسل إليه عسكراً فأحاطوا به وقبضوا عليه وعلى من معه وسمر سودون الجلب وبعض المماليك متاعه بالرميلية تسمير سلامة ثم أطلقوا وسجن سودون طاز بالإسكندرية وذلك في ثالث شهر رجب، ثم قبض على قانباي وحبس بالإسكندرية، ثم أمر في شهر رمضان بإرسالهم مفرقين إلى الحبوس في قلاع الشام. وفي شعبان حبس نوروز وقانباي في الصبيبة وجكم في قلعة حصن الأكراد وسودون طاز في قلعة المرقب ثم حول إليها جكم. وفي سادس عشر رجب استقر كمال الدين بن العديم في قضاء الحنفية بالقاهرة بعد صرف أمين الدين الطرابلسي، وكان كمال الدين قد قدم في أوائل السنة من حلب بعد أن أسره اللنك وأهانه فقدم ليسعى في أمور تنفعه بحلب فلقي الأمر بالقاهرة معدوفاً بالأمراء فداخلهم حتى استقر بالقاهرة. وفيها أطلق جماز بن هبة الحسيني الذي كان أمير المدينة من سجن الإسكندرية وكان له به سبع سنين، وقرر في إمرة المدينة عوضاً عن ثابت بن نعير. وفيها أمسك ابن غراب وأخوه فخر الدين الوزير وسلما للركن ابن قايماز، واستقر الركن أستاداراً وتاج الدين ابن البقري ناظر الخاص وعلاء الدين الأخميمي المعروف بالشريف وزيراً، وأصل ذلك أن سودون الحمزاوي تفاوض هو وابن غراب بحضرة الناصر في أواخر شعبان، فلما خرج ابن غراب من القلعة ضربه بعض المماليك ورموا عمامته، فهرب وألقى نفسه وحمل إلى باب السلسلة عند الأمير إينال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 باي بن قجماس أمير آخور وانقطع عن الخدمة أياماً إلى أن أمر الناصر بمسكه في ثامن عشر رمضان وأمسك أخوه وجماعة من ألزامهما وعوق جمال الدين يوسف أستادار بجاس بباب يشبك ثم أطلق بعد قليل وعمل أستادارية الأمير بيبرس الأتابك مضافاً لأستادارية سودون الحمزاوي. وفي مستهل شوال وصل يلبغا السالمي إلى القلعة وكان قد أمر بعد مسك ابن غراب بإطلاقه، واستقر في الوزارة مبارك شاه في رابع شوال وعزل الأخميمي ثم عزل في ثامن عشري شوال وقرر تاج الدين عبد الرزاق والي قطيا واستقر بالسالمي مشير الدولة فقط وسعر السالميّ الذهب الهرجة بستين والأفلوري بخمسة وأربعين وتسلم ابن غراب وأخاه فلم يمكن من ضربهما، ثم تسلّمهما ابن قايماز وضرب فخر الدين بن غراب بعض شيء ثم شفع فيهما يشبك وأطلقا في أواخر ذي القعدة. وفي سلخ شوال عزل تاج الدين ابن الدماميني من نظر الجيش باستعفائه وأضيف إلى ابن البقري. وفي سابع ذي القعدة استعفى تاج الدين والي قطيا من الوزارة واستقر كاشفا بالبحيرة، وفي سابع عشري ذي القعدة السالمي أستاداراً مع الإشارة. وفي أول استقرار السالمي في الإشارة عزل ابن البلقيني من القضاء وأعاد ابن الصالحي في ليالي خروج الحاج، ويقال إنه التزم في ذلك بمال جزيل يزيد على ستة آلاف دينار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 وفي أواخر شوال استقر سودون الحمزاوي رأس نوبة كبيرا عوضاً عن سودون المارداني، واستقر المارداني أمير مجلس عوضاً عن تمراز، واستقر تمراز أمير عوضاً عن بكتمر، واستقر طوخ خازنداراً عوضاً عن سودون الحمزاوي. وفيها نازل الإفرنج الإسكندرية فاهتم أهل الدولة لذلك وجهزوا عسكراً فيهم يلبغا الناصري وبكتمر وجركس المصارع وآقباي الحاجب وسودون المارداني وتمراز وتغرى بردى وغيرهم، وقدموا فيه برهان الدين المحلى بسؤاله في ذلك طلباً لنباهة الذكر فأنفق عليهم جملة كثيرة من ماله وتوجهوا في أواخر هذه السنة. وفيها في أواخر السنة قفل المماليك أبواب القلعة على الأمراء بسبب النفقة، فنزل الأمراء من باب السر إلى الإصطبل وركبوا من خيوله إلى منازلهم، وتغيّب السالمي ثم حصلوه وعوّقوه في القلعة بسبب النفقة ثم تسلّمه أمير آخور إينال باي ابن قجماس. وفي جمادى الأولى مات آقباي الخازندار. وفيها في أثناء السنة كائنة ابن دقماق وجد بخطه حط صعب على الإمام الشافعي فطولب بذلك من مجلس القاضي الشافعي فذكر أنه نقله من كتاب عند أولاد الطرابلسي فعزره القاضي جلال الدين بالضرب والحبس ولم يكن المذكور يستأهل ذلك. وفيها استقر دمرداش في نيابة طرابلس وأحضر تغرى بردى إلى القاهرة وكذلك سودون الحمزاوي وقرر عوضه في نيابة صفد شيخ السليماني، واستقر سودون في وظيفة شيخ السليماني شاد الشربخاناه ثم قرر خازنداراً بعد موت آقباي الكركي في جمادى الآخرة ثم تزوج ابنة ابنة السلطان برقوق في رجب، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 وفي ربيع الأول أعيد أبينا التركماني إلى مشيخة سرياقوس بعد موت حسن ابن الأمدي. وفي جمادى الأولى استقر كريم الدين محمد الهوى في حسبة القاهرة عوضاً عن شمس الدين الشاذلي ثم صرف واستقر محمد بن شعبان في شعبان ثم ضرب بعد أيام بحضرة يشبك وعزل. وفيها في رجب ارتفعت الأسعار فبلغ القمح سبعين والشعير أكثر من ذلك والفول تسعين والتبن خمسين، وارتفعت أسعار سائر المأكولات وكذلك الملابس. وفي ذي الحجة قدم دمشق ابن الحربي المصري الذي ولي وزارة دمشق بسبب محاسبة الوزير المستقر على ما عنده ومحاسبة أهل الأوقاف على ما استفادوه، وشرع في مظالم كثيرة بدمشق، فبلغ ذلك نائبها وهو غائب فأرسل بمنعه فمنع وتوجه إلى القاهرة فأرسل في أمره فرجع وضربه ضرباً مبرحاً وسجنه بالقلعة بعد أن نودي عليه، ففرح الناس بذلك ودعوا له. وفي جمادى الآخرة صرف علاء الدين على ابن أبي البقاء عن قضاء الشافعية واستقر شمس الدين بن عنان. وفي ذي القعدة صرف ابن الآدمي عن كتابة السر وأعيد علاء الدين نقيب الأشراف فسعى ولده ناصر الدين بالقاهرة، واستنجز لشهاب الدين ابن حجي نظر الحرمين والغزالية وتدريسها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 وفيها استقر بدر الدين حسن الجابي في قضاء المالكية عوضاً عن الأُموي، ثم وصل توقيع عيسى قبل أن يباشر حسن فاستمر عيسى واستناب حسناً المذكور ورسم على الأموي بسبب ما تأخر عليه من الرشوة. وفي رجب أغار التركمان أصحاب سالم الدوكاري على قارا وما حولها من القرى فاستباحوها ونهبوا حوالي ثلث البلد ولم يخرج إليهم نائب حلب ولا أزعجهم، وذكروا أنهم عاقبوا الناس على المال كصنيع التمرية. وفي رجب أكملت عمارة دار السعادة بدمشق بعد إلزام النائب أهل البلد بعمارتها ومرمة ما يحتاج إليه السكنى منها وتحول إليها فسكنها. وفي شعبان ولي شهاب الدين الأموي قضاء المالكية بدمشق وكان قبل ذلك قاضي طرابلس وقد ولي بعد ذلك قضاء مصر. وفيه استقر كمال الدين بن جمال الدين عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الخشاب في قضاء الحنفية بدمشق عوضاً عن عبد الرحمن بن الكفري، وفي رمضان ولي فتح الدين بن شمس الدين الجزري وكالة بيت المال بدمشق وتدريس الأتابكية انتزعها من جلال الدين ابن أبي البقاء. وفي رمضان قتل نائب القدس، قتله العشير وكان خرج إليهم ليكبسهم فاستعدوا له فقتلوه. وفي شوال ولي محيى الدين بن الأمدي كتابة السر بطرابلس. وضرب قاضي حلب ابن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 يحيى فقتل، ضربه رجل بسكين فمات، واستقر عوضه شمس الدين محمد بن أحمد البيري أخو جمال الدين الأستادار. وفي شوال عزل عز الدين عبد الرحمن ابن الكفري عن قضاء الحنفية بدمشق، واستقر عوضاً عنه جمال الدين ابن القطب، قال ابن حجي وهو أحسن سيرة من ابن الكفري وإن اشتركا في الجهل. وفيه هرب نجم الدين ابن حجي من حماة مغاضباً لنائبها علان لأنه اطلع منه على إرادة العصيان فكاتب فيه فاطلع علان على كتابه فأراد قتله ففر منه إلى دمشق. وفيها استشهد سعد الدين أبو البركات محمد بن أحمد بن علي، بن كذا، بن صير الدين بن ولوى بن منصور بن عمر الملقب ولسمع، استقر في مملكة الحبشة للمسلمين بعد أخيه حق الدين، فسار على سيرته في جهاد الكفرة وكانت عنده سياسة وكثرت عساكره وتعددت غاراته واتسعت مملكته حتى وقع له مرة أن يبيع الأسرى الذين أسرهم من الحبشة كل عبدين بتفصيلة، وبلغ سهمه من بعض الغنائم أربعين ألف بقرة فيقال إنه لم تبت عنده بقرة واحدة بل فرّقها، وله في مدة ولايته وقائع وأخبار يطول ذكرها، فلما كان في هذه السنة جمع الحطى صاحب الحبشة جمعاً عظيماً وجهز عليهم أميراً يقال له باروا فالتقى الجمعان فاستشهد من المسلمين جمع كثير منهم أربعمائة شيخ من الصلحاء أصحاب العكاكيز، وتحت يد كل واحد منهم عدة فقراء مسلكون عنده، واستحر القتل في المسلمين حتى هلك أكثرهم وانهزم من بقي، ولجأ سعد الدين إلى جزيرة زيلع في وسط البحر، فحصروه فيها إلى أن وصلوا إليه، فأصيب في جبهته بعد وقوفه في الماء ثلاثة أيام فطعنوه فمات، وكانت مدة ملكه ثلاثين سنة، واستولى الكفار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 على بلاد المسلمين وخربوا المساجد وبنوا بدلها الكنائس وأسروا وسبوا ونهبوا، وفرّ أولاد سعد الدين وهم صير الدين علي ومعه تسعة من أخوته إلى البر الآخر فدخلوا مدينة زبيد، فأكرمهم الناصر أحمد بن الأشرف وأنزلهم وأعطاهم خيولاً ومالاً فتوجهوا إلى مكان يقال له سيارة، فلحق بهم بعض عساكرهم، واستمر صير الدين على طريقة أبيه وكسر عدة من جيوش الحطى وحرق عدة من الكنائس وغنم عدة غنائم، وسيأتي خبر صير الدين في سنة خمس وعشرين. وفي العشر الأخير من شوال سعى السالمي في إبطال مكس الذبيحة من الغنم والبقر وغيرهما، والسبب أن غالب المتجوهين أخذوا مراسيم بمساميح، بعضهم ببقرة وبعضهم بشاة أو أكثر، فما بقي لجهة الدولة شيء يتحصل من الجهة فنودي بإسقاط ذلك، ثم أعيد بعد مدة لكن بصورة أخرى وهي ترك الصوف والجلد لجهة الدولة. وفيه سعر اللحم فالسليخ بدرهم ونصف، والسميط بدرهم وربع، والبقري بدرهم. وفي أواخر ذي الحجة ثار الجند بالأستادار يلبغا السالمي وأغلق باب القلعة فهرب من باب السر، ثم أخرج من طاحون بالقرافة ورسم عليه السلطان وألزمه بتكفية العليق والنفقة وانسلخت السنة على ذلك. وفيها خرج طاهر بن أحمد بن أويس على أبيه وحاربه وكسر جمعه وأطاعه العسكر بغضاً منهم في أبيه لسوء سيرته، ففرّ أحمد إلى الحلّة فتبعه ولده وحاربه ففرّ إلى بغداد ليأخذ وديعة له، فهجم عليه طاهر واستنقذ منه المال فاستنجد أحمد بقرا يوسف من تبريز فأعانه فاجتمعا على حرب طاهر فانهزم، واتفق أنه اقتحم فرسه في حال الهزيمة جانباً من دجلة لينجو منه إلى البر الآخر فغرق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 وفي سنة خمس وثمانمائة تزوج سودون الحمزاوي زينب بنت الملك الظاهر وعمرها يومئذ نحو عشر سنين. وفيها ضرب ابن شعبان المحتسب بحضرة يشبك لسوء سيرته. ذكر من مات في سنة خمس وثمانمائة من الأعيان إبراهيم بن داود السرحموشي الدمشقي، كان رجلاً حسناً يحب الفقراء وكان كثير الضيافة مع فقره، وولي في آخر عمره مشيخة الخانقاه النجيبية وسكنها إلى أن مات في رمضان وله ستون سنة. أحمد بن عبد الله بن الحسن البوصيري شهاب الدين، تفقّه ولازم الشيخ ولي الدين الملوي وبرع في الفنون ودرس مدة، وأفاد وتعانى التصوّف، وتكلم على مصطلح المتأخرين فيه، وكان ذكيّاً، سمعت من فوائده، ومات في جمادى الأولى. أحمد بن عبد الله الحلبي ثم الدمشقي شهاب الدين قاضي كرك نوح، قال ابن حجي: كان من خيار الفقهاء وولي قضاء القدس، مات في ذي الحجة، قال ابن حجي: ولي الخطابة والقضاء بكرك نوح ثم القدس وناب في الخطابة بالجامع الأموي وفي تدريس البادرائية. أحمد بن عبد الله العرجاني الدمشقي، اشتغل قليلاً وكتب خطّاً حسناً وتعانى الإنشاء والنظم وباشر أوقاف السميساطية وكان يحب السنّة والآثار، مات في المحرّم. أحمد بن محمد بن عثمان بن عمر بن عبد الله الخليلي، نزيل غزة، سمع من الميدومي ومحمد بن إبراهيم بن أسد وأكثر عن العلائي وغيره، وكان ديِّناً صالحاً خيِّراً بصيراً ببعض المسائل، سكن غزة واتخذ بها جامعاً وكان للناس فيه اعتقاد، اجتمعت به ونعم الشيخ كان، قرأت عليه عدّة أجزاء، ومات في صفر وله اثنتان وسبعون سنة. أحمد بن محمد بن عيسى بن الحسن الياسوفي ثم الدمشقي المعروف بالثوم، بمثلثة مضمومة، روى عن أحمد بن علي الجزري وغيره، ومات في جمادى الآخرة عن ست وستين سنة، وكان له مال وثروة ثم افتقر بعد الكائنة وصارت أمواله حججاً لا تحصيل منها. أحمد بن محمد الحلبي ثم الدمشقي شهاب الدين قاضي كرك نوح والخطيب بها، قال ابن حجي: كان من خيار الفقهاء، وقد ولي قضاء القدس وولي تدريس المدرسة البادرائية بدمشق، مات في ذي الحجة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 أحمد بن يحيى العثماني المعرّي - من معرة سرمين - شهاب الدين اشتغل ومهر وولي قضاء الشافعية بحلب في مستهل شوال سنة خمس وثمانمائة، وكان حسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 السيرة، فلم يلبث أن قتل ليلة الأربعاء ثاني عشري الشهر المذكور، هجم عليه شخص فضربه في خاصرته بسكين فمات منها في الثاني والعشرين منه، نقلت ذلك من خط مجهول وجدته في هامش جزء من مسودّة تاريخ حلب لابن العديم، ثم وجدته في تاريخ القاضي علاء الدين فقال: أحمد بن يحيى بن أحمد بن مالك السرميني - من معرة سرمين - كان قاضي بلده مدة ثم ولي قضاء حلب بعد الفتنة العظمى دون الشهر، فاغتيل بعد صلاة الصبح ثالث عشر شوال، قال: وكانت له مروءة وفيه سكون وسيرته حسنة. أبو بكر بن محمد بن عبد الله بن مقبل زين الدين المعروف بالتاجر، ناب في الحكم وكان فاضلاً في مذهبه وكان في أوله سمساراً في قيسارية الشرب فانكسر عليه مال كثير فترك صناعته واشتغل بالعلم فتنبّه، ولازم الاشتغال حتى استنابه جمال الدين التركماني بعناية محب الدين ناظر الجيش، ولم يزل ينوب عن القضاة إلى أن مات، وكان مشهوراً بالديانة غير متقيد بزينة الحياة الدنيا مطرحاً للتكلّف في ملبسه وهيئته مع المهابة وقلّة الكلام، ثم مات في ثالث ذي الحجة عن نحو الثمانين، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 وهو غير زين الدين السكندري الحنفي نائب الحكم أيضاً الأديب الفاضل تأخر عن الأول، ولهم ثالث وهو زين الدين المخدوم الحنفي ناب في الحكم أيضاً وتأخر عن الثاني. بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر بن عوض بن عمر الدميري المالكي تاج الدين، كان فاضلاً في مذهبه، أخذ عن الشيخ خليل وغيره وبرع وأفتى ودرس بالشيخونية وغيرها، وشرح مختصر الشيخ خليل فلم يفت منه إلا الدلائل والعلل وهو في مجلدة واحدة، وولي تدريس الشيخونية وقضاء المالكية بعد موت ابن خير في ثاني عشري شهر رمضان سنة إحدى وتسعين أيام قيام منطاش، وتوجه مع القضاة إلى الشام لحرب الظاهر، فلما عاد الظاهر عزله في ثاني عشر ربيع الأول بالركراكي، ومات معزولاً في سابع جمادى الآخرة وقد جاوز السبعين لأنه ولد سنة أربعٍ وثلاثين، وله سماع من البياني وتفقه على الرهوني وله نظم وكان محمود السيرة. الحسن بن علي الأمدي - بفتحتين من غير مدّة - كان بزيّ الجند، من أهل الحسينية، ثم توصّل بصحبة بعض الأمراء حتى ولي مشيخة سرياقوس، وترك لبس الجند ولبس بالفقيري ومات في شعبان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 سعد بن يوسف بن إسماعيل بن يوسف بن يعقوب بن سرور بن نصر بن محمد سعد الدين بن صدر الدين النووي ثم الخليلي، ولد سنة تسع وعشرين وقدم دمشق بعد الأربعين فاشتغل بها ثم مهر ودرس واشتغل على ابن قاضي شهبة، وناب في الحكم بها وحمل عن التاج المراكشي وابن كثير، وقرأ عليه مختصره في علم الحديث وأذن له، وسمع الحديث من الذهبي وعبد الرحيم بن أبي اليسر وشمس الدين ابن نباتة وغيرهم، وحدّث وأفتى ودرّس بأم الصالح وأعاد بالناصرية، ثم ولي قضاء بلد الخليل بعد كائنة تمرلنك فمات هناك في جمادى الأولى عن ست وسبعين سنة وكان أسن من بقي من الشافعية، قال ابن حجي: كان ذا ثروة جيدة فاحترقت داره في الفتنة وأخذ ماله، فافتقر فاحتاج أن يجلس مع الشهود، ثم ولي قضاء بعض القرى وقضاء بلده الخليل. سلمان بن عبد الحميد بن محمد بن مبارك البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي، سمع من ابن الحموي وغيره، وكان بصيراً ببعض المسائل، متعبِّداً خيِّراً. سودون طاز، تقدم ذكره في الحوادث وكان مسجوناً بقلعة المرقب، مات في هذه السنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 سارة بنت علي بن عبد الكافي السبكي، أسمعت من أحمد بن علي الجزري وزينب بنت الكمال وغيرهما، وسمعت على أبيها أيضاً، وتزوجها أبو البقاء فلما مات تحولت إلى القاهرة ثم رجعت إلى دمشق في أيام سري الدين وكان صاهرها، ثم رجعت إلى القدس ثم إلى القاهرة، فسمعنا منها قديماً ثم في سنة موتها، ماتت بالقاهرة في ذي الحجة بعد مرض طويل وقد جاوزت السبعين. عبد الله بن خليل بن الحسن بن ظاهر بن محمد بن خليل بن عبد الرحمن الحرستاني ثم الصالحي المؤدب، سمع من الشرف ابن الحافظ وغيره وأجاز له الحجار، سمعت منه. عبد الجبار بن عبد الله المعتزلي الحنفي عالم الدشت عند تمرلنك، قدم معه دمشق ودخل معه الروم ورجع فمات، أخبر بموته في هذه السنة مسعود الكجحاوي. وفيها أرخه القاضي علاء الدين في تاريخ حلب وذكر أنه اجتمع به بقلعة حلب لما طرقتها اللنكية في شهر ربيع الأول سنة ثلاث، قال: فوجدته ذكيّاً فاضلاً، وسألته عن مولده فقال: يكون لي الآن نحو الأربعين، وتكلم مع علماء حلب بحضرة اللنك وكان معظماً عنده، ورأيت شرح الهداية لأكمل الدين وقد طالعه عبد الجبار المذكور وعلّم على مواضع منه وذكر أنها غلط، وختم ترجمته بأنه كان عالم الدشت في زمانه. عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسني أبو الفضل الفاسي ثم المكي المالكي، سمع من تاج الدين ابن بنت أبي سعد وشهاب الدين الهكاري وغيرهما، وعني بالفقه فمهر فيه وأفتى ودرس أكثر من أربعين سنة، وكان نبيهاً في الفقه مشاركاً في غيره، مات بمكة في نصف ذي القعدة عن خمس وستين سنة. عبد الكريم بن محمد النووي تقي الدين، اشتغل قديماً ثم ترك واشتغل بالسعي في القضاء بالبلاد فولي نوى، ثم باشر قضاء أذرعات مدّة، ولم يكن مرضياً، وكان جواداً بالقرى، مات في رجب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 عبد الوهاب بن عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي المكي تاج الدين ابن الشيخ عفيف الدين، اشتغل بالفقه وأذن له شيخنا الأبناسي ودرس بالحرم، مات في رجب عن خمس وخمسين سنة لأنه ولد سنة خمسين، وسمع من أبيه وجماعة بمكة، ورحل إلى دمشق فسمع من ابن أميلة وغيره، وتفقّه بالأميوطي وغيره، وكان خيِّراً عابداً ورعاً قليل الكلام فيما لا يعنيه، أمَّ في مقام إبراهيم نيابة، اجتمعت به وسمعت كلامه. عثمان بن عبد الله الملقب بالفيل أحد من كان يعتقد بمصر، مات في جمادى الأولى. عمر بن رسلان بن نصير بن صالح السراج البلقيني شيخ الإسلام ابن شهاب الدين ابن عبد الخالق بن عبد الحق الكناني البلقيني نزيل القاهرة، ولد سنة أربعٍ وعشرين في شعبان، وحفظ القرآن وله سبع سنين ببلده، وحفظ المحرر والكافية لابن مالك ومختصر ابن الحاجب الأصلي والشاطبية، وقدم مع أبيه القاهرة في طلب العلم سنة ست وثلاثين، وعرض على القزويني والسبكي بعض محفوظاته ثم قدمها سنة ثمان وثلاثين فاستوطنها واخذ عن نجم الدين الأسواني وشمس الدين بن عدلان ومشايخ العصر، وأفتى ودرّس وهو شاب، وناظر الأكابر وظهرت فضائله وبهرت فوائده وطار في الآفاق صيته من قبل الطاعون، وسمع الحديث من جماعة من مشايخ عصره كمحمد بن غالي وأحمد بن كشتغدي وإسماعيل التفليسي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 وشمس الدين بن القماح وابن عبد الهادي والميدومي وغيرهم، وأجاز له الذهبي والمزي والجزري وابن نباتة وآخرون، وأخذ النحو عن أبي حيان، وأذن له في إقرائه وأطراه فيما كتبه له، وأخذ الأصول عن الأصبهاني، ولازم ابن عقيل وتزوج بنته سنة اثنتين وخمسين، وانتهت إليه الرياسة في الفقه والمشاركة في غيره حتى كان لا يجتمع به أحد من العلماء إلا ويعترف بفضله ووفور علمه وحدة ذهنه، قال القاضي جلال الدين في ترجمته كان يلقى الحاوي في الأيام اليسيرة وبلغ من أمره في ذلك أن أقرأه في ثمانية أيام بالجامع الأزهر، وكان معظّماً عند الأكابر عظيم السمعة عند العوام، إذا ذكر البلقيني خضعت الرقاب حتى كان الشيخ جمال الدين الأسنوي يتوقّى الإفتاء مهابة له لكثرة ما كان ينقب عليه في ذلك، وقد ولي قضاء الشام بعد صرف تاج الدين السبكي في سنة تسع وستين، وجرت له معه أمور مشهورة ولم يقم في ذلك إلا دون السنة وعاد إلى القاهرة متوفراً على الاشتغال والإفتاء والتصنيف، وقد عيّن مرّات لقضاء الشافعية فلم يتفق ذلك إلاّ بعد دهر طويل لولده، ولم يكمل من مصنفاته إلا القليل لأنه كان يشرع في الشيء فلسعة علمه يطول عليه الأمر، حتى كتب من شرح البخاري على نحو من عشرين حديثاً مجلّدين، وكتب على الروضة عدة مجلدات تعقبات وعلق بعض طلبته من خطه من حواشي نسخته باروضة خاصة مجلدين، وقد عمل له ولده جلال الدين ترجمة جمع فيها أسامي تصانيفه وأشياء من اختياراته أجادها، سمعتها كلها منه، وخرجت أنا له أربعين حديثاً عن أربعين شيخاً، حدّثت بها مراراً، وقرأت عليه دلائل النبوّة للبيهقي فشهد لي بالحفظ في المجلس العام، وقرأت عليه دروساً من الروضة، وأذن لي بخطه وكتب لي بخطه على جزء من تعليق التعليق الذي وصلت فيه تعاليق البخاري، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 وكنت رأيت في هذه السنة أنني دخلت مدرسة وهو يصلي الظهر فأحس بداخل فتمادى في الركوع فأدركت معه صلاة الظهر، فعبرتها عليه فقال لي يحصل لك ظهور كثير، قلت: وبقية المنام أنك تأخرت لي أدركتك فأخذت عنك وأذنت لي، فأقر ذلك وكان الأمر كذلك، وكانت آلة الاجتهاد في الشيخ كاملة إلا أن غيره في معرفة الحديث أشهر وفي تحرير الأدلة أمهر، وكان عظيم المروءة جميل المودّة كثير الاحتمال مهيباً مع كثرة المباسطة لأصحابه والشفقة عليهم والتنويه بذكرهم، وله نظم كثير شائع نازل الطبقة جداً، وأقبل على عمل المواعيد بأخرة فكان يحصل له فيها خشوع وخضوع، قال ابن حجّي: كان أحفظ الناس لمذهب الشافعي واشتهر بذلك، وطبقة شيوخه موجودون، قدم علينا دمشق قاضياً وهو كهل فبهر الناس بحفظه وحسن عبارته وجودة معرفته، وخضع له الشيوخ في ذلك الوقت واعترفوا بفضله، ثم رجع وتصدّى للفتيا فكان معول الناس عليه في ذلك وكثرت طلبته فنفعوا وأفتوا ودرسوا وصاروا شيوخ بلادهم وهو حيّ. قال: وله اختيارات في بعضها نظر، وله نظم وسط وتصانيف كثيرة لم تتم، يبتدئ كتاباً فيصنف منه قطعة ثم يتركه وقلمه لا يشبه لسانه، مات في عاشر ذي القعدة وكثر أسف الناس عليه، وبلغني وفاته وأنا مع الحجيج بعرفة فعملت فيه مرثية تزيد على مائة بيت وهي مشهورة، وعاش إحدى وثمانين سنة وربع سنة، رحمه الله تعالى. عميد بن عبد الله الخراساني الحنفي قاضي تمرلنك مات بعد رجوعه من الروم في هذه السنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 عنان بن مغامس بن رميثة بن أبي نمى الحسني المكي يكنى أبا نما ولد بمكة سنة اثنتين وأربعين، ورباه عمه سند بن رميثة لما قتل أبوه، فلما مات استولى على خيله وسلاحه وأثاثه فأراد عجلان نزع ذلك منه لأنه وارث سند ففر عنان منه، ثم أرسل يؤمنه فعاد إليه فأكرمه، وبالغ عنان في خدمته حتى كان عجلان يقول: هنيئاً لمن ولد له مثل عنان ثم تزوج بابنة ابن عمه أم المسعود واختص بوالدها أحمد بن عجلان، ثم تنكر له أحمد فذهب عنه عنان إلى صاحب حلى، ثم توجه عنان وحسن بن ثقبة إلى مصر وبالغا في الشكوى من أحمد بن عجلان واتفق كون كبيش بن عجلان بمصر فساس المر إلى أن رجع عنان ومعه مراسيم السلطان بإعطائه ولحسن ما التمساه، فلم يوافق أحمد بن عجلان على ذلك، ففر عنان وحسن بن ثقبة منه فردهما أبو بكر بن سنقر أمير الحاج، فلما عادا ورجع أبو بكر بالحاج قبض عليهما أحمد بن عجلان وعلى أخيه محمّد وعلى أحمد بن ثقبة وابنه علي، وسجن الخمسة، ففر عنان وتوصل إلى مصر وذلك في سنة ثمان وثمانين، وجرت له في هربه خطوب، فاتفق موت أحمد بن عجلان وولاية ابنه محمّد، فبادر إلى كحل المسجونين، فبلغ ذلك الظاهر فغضب فأرسل إلى محمّد بن أحمد بن عجلان من فتك به لما دخل الحاج مكة، واستقر عنان أمير مكة ودخل مع آقباي المار داني أمير الحاج، ووقع الحرب بينه وبين بني عجلان فهزمهم، فلما رجع الحاج تجمع كبيش بني عجلان ومن معه وكبسوا جدة ونهبوا أموال التجار، فلم يقاومهم عنان واحتاج إلى تحصيل مال أخذه من المقيمين من أهل مكة من التجار وغيرهم ليرضي به من معه، وأشرك معه في الإمارة أحمد بن نعير وعقيل بن مبارك ودعا لدفعه، ثم أشرك معهم علي بن مبارك، فتفرق الأمر وكثر الفساد فبلغ السلطان ذلك فأمر علي بن عجلان على مكة فقاتله عنان خارج مكة في رمضان سنة تسع وثمانين، فقتل في الوقعة كبيش وجماعة وانهزم علي ومن معه إلى الوادي، فلما قدم الحاج فر عنان إلى نخلة وقام علي بن عجلان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 بإمرة مكة، فلما رجع الحاج عكف عنان على وادي مرّ وعلى جدة وكاتب السلطان، فكتب بأن يشترك مع علي بن عجلان في الإمرة، فلم يتم ذلك، وقدم مصر سنة تسعين فلم يقبل عليه السلطان وسجن في أيام تغلب منطاش، فلما عاد الظاهر إلى الملك أعاده إلى الإمرة شريكاً لعلي بن عجلان، فسار إلى ينبع فحاربه وبير بن مخبار أمير ينبع، فظهر عليهم ونزل الوادي في شعبان سنة اثنتين وتسعين ثم دخل مكة ودعي له إلى رابع صفر سنة أربع وتسعين، ثم وثبوا عليه ليقتلوه وهو في الطواف ففر، وفي غضون ذلك فسدت الطرقات بالحجاز، فأرسل السلطان فأحضر عناناً وعلياً فدخلا مصر في جمادى الآخرة، فأفرد علياً بالإمرة وأمر عناناً بأن يقيم بمصر ورتب له ما يقوم به، ثم سجن بالقلعة في سنة خمس وتسعين، ثم نقل في أواخر سنة تسع وتسعين إلى الإسكندرية هو وجماز بن هبة أمير المدينة ومعهما علي بن مبارك بن ثقبة، ثم أعيد عنان إلى القاهرة في آخر سنة أربع وثمانمائة، فمرض بها ومات يوم الجمعة أول شهر ربيه الأول، وكان شجاعاً كريماً، له نظم، قليل الحظ في الإمارة، وافر الحظ من الخلاص من المهالك إلى أن حضر أجله في ربيع الأول وله ثلاث وستون سنة. عيسى بن محمّد بن محمّد الحجاجي أبو الروح الصوفي ولد في ثالث عشر جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وسبعمائة، وكان لطيفاً ظريفاً معروفاً بذلك. كلثم بنت الحافظ تقي الدين محمّد بن رافع السلامي الدمشقية تكنى أم عمر سمعت من عبد الرحيم بن أبي اليسر حضوراً وغيره، أجازت لي قديماً، وماتت في ربيع الأول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 محمّد بن أحمد بن أحمد بن إبراهيم بن حمدان الأذرعي شمس الدين سمع على صالح الأشنهي والميدومي وغيرهما، وولي خطابة جامع شيخون ومشيخة الجامع الجديد بمصر، وكان حسن السمت، مات في رابع عشري ذي القعدة وله بضع وستون سنة، سمعت منه. محمّد بن أحمد بن محمود النابلسي ثم الصالحي شمس الدين الحنبلي ولي قضاء الحنابلة بدمشق، ثم أسر مع اللنكية ثم نجا من بغداد وعاد فتولى قضاءها ثم مات وكان له اشتغال في لعربية وغيرها، وكان في أول أمره خياطاً بنابلس، ثم اشتغل على علي شمس الدين ابن عبد القادر، وقدم دمشق بعد السبعين وحضر درس أبي البقاء، ثم شهد على القضاة واشتهر فصار يقصد في الأشغال واستقر كبير الشهود، ثم وقع بينه وبين القاضي علاء الدين ابن المنجا فسعى عليه في القضاء فولي سنة ست وتسعين وسبعمائة واستمر القضاء نوباً بينهما ثم دخل مع التمرية في أذى الناس ونسبت إليه أمور منكرة وأخذ أسيراً معهم، فهرب من بغداد وكانوا قد حكموا بفسقه لما يتعاطاه مع التمرية من الأمور المنكرة، فعاد في المحرم سنة أربع فلم يبال بذلك وسعى في القضاء، فعزل به تقي الدين أحمد ابن المنجا ومات بعده بأيام يسيرة، ولم يكن مرضياً في الشهادة ولا في القضاء، وهو أول من أفسد أوقاف دمشق وباع أكثرها بالطرق الواهية، مات في المحرم. محمّد بن أحمد الهاروني المصري كان ممن يعتقد بمصر وكان مجذوباً، وكان أهل مصر يلقبونه خفير البحر، مات في صفر. محمّد بن أحمد البهنسي ثم الدمشقي جمال الدين الشافعي، اشتغل بالقاهرة وحفظ المنهاج واتصل بالقاضي برهان الدين ابن جماعة، فلما ولي قضاء الشام استنابه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 واعتمد عليه في أمور كثيرة، وكان حسن المباشرة مواظباً عليها وعنده ظرف ونوادر وكان مقلاً مع العفة، ولما وقعت الكائنة العظمى بدمشق فر إلى القاهرة فاستنابه القاضي جلال الدين، ومات في ذي القعدة. محمّد بن إسحاق بن أحمد بن إسحاق الأبرقوهي ثم الشيرازي غياث الدين نزيل مكة كان عارفاً بالطب وله فيه تصنيف، مات بمكة في جمادى الأولى وله ثمانون سنة، وكانت له قبل ذلك مكانة عند شاه شجاع وهو الذي تولى له عمارة الرباط بمكة. محمّد بن أيوب بن عبد القادر بن بركات بن أبي الفتح بدر الدين الحنفي ... محمّد بن عبد الله الخواص أحد من كان يعتقد بمصر، مات بالوراريق في جمادى الآخرة. محمّد بن محمّد بن عبد المحسن بن عبد اللطيف بن قاضي القضاة تقي الدين بن رزين العامري الحموي ثم المصري علاء الدين سمع من جده لأمه سراج الدين الشطنوفي وحدثنا عنه قليلاً ولم يكن متصاوناً، خطب بالجامع الأزهر وباشر أوقافاً، ومات في رمضان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 محمّد بن محمّد بن محمّد الدمشقي المالكي علم الدين ابن ناصر الدين القفصي، ولي قضاء دمشق إحدى عشرة مرة في مدة خمس وعشرين سنة أولها في رجب سنة تسع وسبعين باشر فيها ثمان سنين وعشرة أشهر، ومات وهو قاض وقد ولي قضاء حلب وحماة مراراً، وكان عفيفاً، له عناية بالعلم مع قصور فهم ونقص عقل، وكان جده قد قدم دمشق في سنة تسع عشرة فناب في الحكم وكان أبوه جندياً ثم ألبس ولده كذلك، ثم شغله بالعلم وهو كبير ودار في الدروس واشتغل كثيراً، قال القاضي علاء الدين في ذيل تاريخ حلب: أصيب في الوقعة الكبرى بماله، وأسرت ابنته، سكن عقيب الفتنة قرية من قرى سمعان إلى أن انزاح الططر عن البلاد فرجع إلى حلب على ولايته، قال: وكان بيننا صحبة وكان يكرمني وولاّني عدة وظائف علمية، ثم توجه من حلب إلى دمشق فقطنها وولي قضاءها، ومات بها في المحرم ولم يكمل الستين وهو قاضي دمشق. محمّد بن محمّد بن محمود بن السلعوس شمس الدين الدمشقي التاجر كان رجلاً خيراً، حدثنا عن ابن أبي النائب بجزءين سمعهما منه بدمشق. محمّد بن يوسف الإسكندراني المالكي كان فقيه أهل الثغر ودرس وأفتى، وانتهت إليه الرياسة في العلم، وكان عارفاً بالفقه مشاركاً في غيره مع الدين والصلاح. محمود بن عبد الله الصامت أحد من كان يعتقد بمصر، وكان شكلاً بهياً حسن الصورة منور الشيبة، وكان لا يتكلم البتة، وأقام بالجيزة مدة طويلة وللناس فيه اعتقاد كبير، مات في ذي القعدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 محمود بن محمّد بن إبراهيم بن محمود بن عبد الحميد بن هلال الدولة واسمه عمر بن منير الحارثي الدمشقي موقع الدست بدمشق، كان كاتباً مجوداً ناظماً ناثراً ولم يكن ماهراً، وكان ابن الشهيد يعتمد عليه، وكان مشهوراً بالخفة والرقاعة والضنانة بنفسه، أخذ عن صلاح الدين الصفدي وغيره وسمع من إبراهيم بن الشهاب محمود، وأجازت له زينب بنت الكمال، مات بالقاهرة فجأة وله فوق الستين، فإن مولده سنة ثلاثين أو إحدى وثلاثين، وعنوان شعره أن بعض الرؤساء أعطاه فرجية خضراء فأنشده: مدحت إمام العصر صدقاً بحقه ... وما جئت فيما قلت بدعاً ولا نكرا تبعت أبا ذر بمصداق لهجتي ... فمن أجل هذا قد أظلتني الخضرا محمود بن عبد الله العينتابي بدر الدين الحنفي العابد الواعظ، أخذ في بلاد الروم عن الشيخ موفق الدين وجمال الدين الأقصرائيين، وقدم عينتاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 فنزل بجامع مؤمن مدة يذكر الناس، وكان يحصل للناس في مجلسه رقة وخشوع وبكاء، وتاب على يده جماعة، ثم توجه إلى القدس زائراً فأقام مدة، ثم رجع إلى حلب فوعظ الناس بالجامع العتيق، قال البدر العينتابي: أخذت عنه في سنة ثمانين تصريف العزى والفرائض السراجية وغير ذلك. وذكره فيمن مات في هذه السنة ثم قال: ذكرته في هذه السنة تبركاً، وقد مات قبل ذلك بكثير كما تقدم. محمود خان الطقتمشي المغلي كانت السلطنة باسمه وهو مع اللنك ليس له من الأمر شيء، ولما رجعوا مات محمود في هذه السنة. مريم بنت أحمد بن أحمد بن قاضي القضاة شمس الدين محمّد بن إبراهيم الأذرعي أم عيسى، سمعت الكثير من علي بن عمر الواني وأبي أيوب الدبوسي والحافظ قطب الدين الحلبي وناصر الدين بن سمعون وغيرهم وأجاز لها التقي بن الصائغ وغيره من المسندين بمصر والحجاز وغيره من الأئمة بدمشق، خرجت لها معجماً في مجلدة. وقرأت عليها الكثير من مسموعاتها وأشياء كثيرة بالإجازة، وهي أخت الشيخ شمس الدين المقدم ذكره في هذه السنة، عاشت أربعاً وثمانين سنة، ونعمت الشيخة كانت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 ديانة وصيانة ومحبة في العلم، وهي آخر من حدث عن أكثر مشايخها المذكورين، وقد سمع أبو العلاء الفرضي من أيوب الدبوسي وسمعت هي منه وبينهما في الوفاة مائة وبضع سنين. أبو يزيد بن مراد بك بن أردخان بك بن علي بن سليمان بن عثمان تقدم ذكره في الحوادث، وكانت مملكته قد اتسعت إلى أن ملك سيواس بعد برهان الدين أحمد، واستولى على البلاد القرمانية أيضاً، وحاصر ملطية بعد موت الظاهر فأخذها بالأمان ورفق بأهلها فسلموا من النهب وغيره، وكان يؤثر العدل ويحب العلماء ويكرمهم، ثم قصده اللنك كما قدمنا فمات في أسره، وقسم اللنك البلاد على من كانت بيده قبل استيلاء بن عثمان عليها، ثم رجع إلى بلاد الشرق، وكان هذا دأبه إذا بلغه عن مملكة كبيرة أو ملك كبير لا يزال يبالغ في الاستيلاء عليها إلى أن يحصل مقصوده فيتركها بعد أن يخربها ويرجع، فعل ذلك بالشرق كله وبالهند وبالشام وبالروم إلى أن أهلكه الله تعالى. يوسف بن أحمد الملكاوي جمال الدين أحد الفضلاء بدمشق، وكان يميل إلى اعتقاد الحنابلة مع الدين والخير، درس وخطب. مات في شوال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 سنة ست وثمانمائة في ثالث المحرم وصلت رسل تمرلنك الذين قدمنا ذكرهم وفي رابع المحرم بعد أن أمسك السالمي قرر ركن الدين عمر بن قايماز في الأستادارية وتوارى ابن البقري فطلب جمال الدين ليستقر وزيراً، فاستعفى من ذلك وصمم وأشار بأن يستقر أبو كُمّ في الوزارة ونظر الخاص، فأقام خمسة عشر يوماً، ثم ظهر ابن البقري فأعيد إلى الوزارة ونظر الخاص مضافاً إلى نظر الجيش، ثم أرسل إلى الإسكندرية في صفر بعد أن كان سلم لابن قايماز، فحبسه في مكان كان السالمي أعده لحبس من يصادره وكان ابن قايماز سكن في بيت السالمي بإذن من السلطان، ثم نقل السالمي إلى الأصطبل عند أمير آخور، فعرضت عليه آلات العقوبة بحضرة السلطان فكتب خطه بمال جزيل فسلم لشاد الدواوين ليستخلصه منه وكانت ولايته لذلك في هذه الأيام مضافة إلى ولاية القاهرة والحجوبية، وشرع السالمي في بيع ثيابه وكتبه ورفق به الوالي فحمل ما قدر عليه، وفي الثالث من المحرم وصلت الرسل المتوجهة بأطلمش إلى اللنك ومعهم علمان أخضران وهدية للسلطان وهي فيل كبير وفهدان وصقران وملبوس للسلطان على صورة الخلعة له من اللنك بأن يكون نائبه على الديار المصرية والشامية فدخلوا القاهرة وكان بعض الرسل ينشر العلمين الأخضرين بيده وهو راكب الفيل. ولما كان في السادس من المحرم عملت الخدمة بالإيوان وعرضت الهدية، فأمر للرسل بالنزول في دار الضيافة ولم يخلع عليهم ولا لبس الخلعة ومنع الناس من الدخول عليهم، ثم أذن لهم في الركوب والتصرف في شوارع البلد والتنزه في مواضع النزه، وكان من جملة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 الرسالة أن يتزوج الناصر بنت ملك من ملوك الشرق لتكمل المودة والمحبة فأقاموا مدة ثم كتب لهم الأجوبة وتوجهوا مقهورين. وفي أواخر المحرم رجم المماليك السلطانية الوزير بسبب تأخر معاليمهم ثم هرب في جمادى الأولى واستقر في الوزارة تاج الدين والي قطيا، وأعيد ابن غراب إلى الأستادارية وأضيف له نظر الجيش وذلك ..... وقرر في الخاص بدر الدين حسن بن نصر الله في خامس جمادى الأولى، ثم أعيدت الوظيفتان الوزارة ونظر الخاص إلى ابن البقري في أواخر جمادى الآخرة، ثم هرب ثم أمسك في سابع عشر شوال منها واستقر بدر الدين بن نصر الله في الوظيفتين. وفي ثالث عشر المحرم استقر شمس الدين الإخنائي قاضي الشام في قضاء الشافعية بالقاهرة عوضاً عن الصالحي لما مات. وفي أول جمادى الأولى استقر كريم الدين ابن النعمان الهوى في حسبة القاهرة وكان اتصل بالسلطان ونادمه فولاه الحسبة عوضاً عن البجاسي فاتفق أن البجاسي مات بعد ثلاثة أيام، ثم صرف الهوى عن الحسبة بعد أيام واستقر شمس الدين الشاذلي، ثم صرف في شعبان واستقر محمّد بن شعبان، وفي رابع ربيع الأول صرف الإخنائي عن قضاء الشافعية بالقاهرة واستقر القاضي جلال الدين البلقيني وهي المرة الثانية، وصرف ابن خلدون في سادس ربيع الأول عن قضاء المالكية واستقر جمال الدين يوسف البساطي، ثم أعيد الإخنائي في شعبان ثم صرف في ذي الحجة وأعيد البلقيني وهي الثالثة للبلقيني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 وفيها زاد فساد مماليك السلطان وأضروا بالمسلمين جداً واستلبوا النساء من الحمامات والصبيان من الطرقات للفساد بهم. وفيها وصل الذين جردوا إلى الإسكندرية بسبب الفرنج سالمين. وفيها نازل الفرنج طرابلس فأقاموا عليها ثلاثة أيام فبلغ ذلك نائب الشام فنهض إليهم مسرعاً فانهزموا وأوقع بهم وكان ذلك مبدأ سعادته ثم توجه الفرنج إلى بيروت وكانوا في نحو من أربعين مركباً فواقعهم دمرداش ومن معه من الجند والمطوعة وقتل بعض الناس من الفريقين وجرح الكثير وكان نائب الشام ببعلبك فجاءه الخبر فتوجه من وقته وأرسل إلى العسكر يستنجده ومضى على طريق صعبة مشقة إلى أن وصل إلى طرابلس في المحرم، ثم توجه من فوره إلى بيروت فوجده قد نهبوا ما فيها وأحرقوها وكان أهلها قد هربوا إلى الجبال إلا المقاتلة منهم فوقع بين الفريقين مقتلة عظيمة فأمر النائب بإحراق قتلى الفرنج ثم توجه إلى صيدا ومعه العساكر فوصل إليها وقد أخذ الفرنج من البهار الذي للكيتلان شيئاً كثيراً فوصل النائب بالعسكر فوجدهم في القتال مع أهل صيدا ولم يتقدمه أحد بل كان معه عشرة أنفس لا غير فحمل على الفرنج فكسرهم وفروا إلى مراكبهم وفروا راجعين إلى ناحية بيروت ثم نزلوا لأخذ الماء فمانعهم بعض أصحاب النائب فغلبوه على الماء وأخذوا حاجتهم وتوجهوا إلى جهة طرابلس ثم مروا عنها إلى الماعوضة فركز النائب طائفة بصيدا وطائفة ببيروت وتوجه إلى دمشق وكانت مدة غيبته دون نصف شهر، ولما رجع لاقاه الناس فلام القضاة على تأخرهم عن الغزاة فأجابه الحنفي بجواب أغضبه فأهانه واستهزأ به. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 وفيها في ليلة الرابع عشر من المحرم توقف النيل بمصر مدة أيام فاتفق خسوف القمر بتمامه وهو في برج الدلو بحيث لم يبق من ضوئه شيء أصلاً فاستشعر الناس عدم الزيادة فأمر الخطباء أن يستسقوا في الخطب ففعلوا فزاد في الجمعة التي تليها واطمأن الناس بعد أن اضطربوا ثم توقف فمضت مسرى من شهور القبط ولم يوف ثم نزل إصبعين في أيام النسيم ثم إصبعين فبادروا في أول يوم من توت وهو في العشرين من صفر وخلّقوا المقياس وكسروا السد بغير وفاء ثم لم يزد بعد ذلك سوى نصف ذراع ثم انهبط دفعة واحدة فلم يصبح في الخلجان ماء وشرق غالب البلاد وذعر الناس بسبب ذلك وذلك في صفر وخرج القاضي جلال الدين ماشياً إلى الجامع الأزهر بعد الظهر فاستمر فيه إلى العصر في الدعاء والتضرع والقراءة وانضم إليه جمع كبير على ذلك فبلغ ذلك القضاة وشيوخ الخوانق فاستمروا إلى قريب المغرب وذلك في تاسع صفر ثم توجه إلى الآثار يوم السبت ثالث عشر صفر فوضعها على رأسه وهو واقف في المحراب يتضرع ويبكي ويدعو ثم رجع. وفي أول ربيع الأول وقع الغلاء في القمح واشتد الأمر وشرق غالب البلاد وقدر الله تعالى أن الذي وقع في الري من البلاد زكت الأرض بالزرع حتى جاء الفدان الواحد من الشعير في الفيوم إحدى وسبعين إردباً بكيل الناحية يكون بالكيل المصري مائة إردب وجاء الفدان في غير الفيوم بثلاثين إردباً إلى عشرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 وثمانية وخرج الناس إلى الصحراء يستسقون بعد صيام ثلاثة أيام فخطب فيهم الحافظ زين الدين العراقي أوائل ربيع الآخر ثم رجعوا فتزايد السعر في القمح وجميع الغلال إلا أن المأكولات كثيرة جداً والبيع والشراء ماش الحال وأعيد البجاسي في هذه الحالة إلى الحسبة. وفي ربيع الأول منها استقر شمس الدين البيري أخو جمال الدين يوسف الأستادار في قضاء الشافعية بحلب وهي أول نيابة أخيه جمال الدين بالقاهرة وذلك أنه كان عمل أستادارية سودون طاز ثم أستادارية سودون الحمزاوي ثم عمل أستادارية بيبرس ابن عم السلطان في سنة خمس وثمانمائة فظهرت حسن مباشرته وأهل للوظائف الكبار وعين للوزارة فامتنع وأصر على ذلك وصارت له كلمة نافذة وأحبه الناس. وفي جمادى الآخرة حدث بالقاهرة سعال عقب هبوب ريح جنوبية شديدة البرد كثيرة الرطوبة وفشا السعال ثم الحمى وجاء الشتاء شديداً أزيد من العادة ففشا الموت في أهل المسكنة وكان يموت بالجوع والبرد في كل يوم فوق الألف وقام أهل المروءة بتكفين من يموت منهم مثل سودون المارداني وسعد الدين ابن غراب خارجاً عما يكفن من المارستان ووقف الطرحي فيقال كان عدة من تكفل ابن غراب بمواراته إلى سلخ شوال اثني عشر ألف نفس وسبعمائة نفس. وفي شوال تزايد هبوب الريح المريسي وكثرت الأمراض ووقع الطاعون والأمراض الحادة وغلت الأدوية حتى بيع القدح من لب القرع بمائة درهم وبيع الرطل الشيرشخت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 بمائة وثلاثين، والقنطار البطيخ الصيفي بثمانمائة درهم والفروج الواحد بسبعين درهماً والزهرة الواحدة من النيلوفر بدرهم والخيارة الواحدة البلدية بدرهم ونصف. وفي رجب غلت الأسعار جداً حتى وصل القمح إلى أربعمائة وهو بالذهب خمسة مثاقيل والفول والشعير إلى مائتين وخمسين ونحو ذلك. وفي ذي الحجة غلت الأنعام لأجل النحر حتى بيع العجل الصغير بألفي درهم. وفي أوائل هذه السنة عزل دقماق عن نيابة حلب وأمر بمجيئه إلى القاهرة واستقر عوضه آقبغا الجمالي الأطروش فهرب دقماق ثم مات آقبغا في وسط هذه السنة فجاء دقماق وقد جمع جمعاً كثيراً من التركمان واستولى على حلب فقرر السلطان دمرداش نائب طرابلس في نيابة حلب وقرر في نيابة طرابلس شيخ السليماني وكان نائب صفد وقرر في نيابة صفد بكتمر جلق وكان من أمراء دمشق، ولما استقر دمرداش بحلب كاتب نعير فيه إلى الناصر بأنه جمع جماعة وعصب عصبة وكذلك دقماق وأن كلاً منهما لا يصلح للإمرة وأن نعيراً التزم أنه لا ينصر واحداً منهما ويشير بأن يولى غيرهما ليكون معه من جهة السلطان. وفي رجب تجهزت رسل تمرلنك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 وفيها توجه تمرلنك بعساكره إلى سمرقند بسبب جماعة خانوه في أموال أرسلها معهم إلى بعض القلاع فعصوا عليه وكان بعد رجوع اللنك من بلاد الروم أغار على بلاد الكرج فنازلهم وأبادهم ولم يزل يحاصرهم إلى أن غلب عليهم فطلبوا الأمان فأمنوا وشفع فيهم الشيخ إبراهيم الحاكم بشيروان فشفعه فصالحهم على مال ورحل عنهم. وفيها توجه منكلي بغا رسولاً بهدية إلى تمر من الناصر فرج وفيها زرافة فدخلوا حلب يوم عيد الفطر سنة ست وكان الناصر لما وردت عليه هدية تمر بالفيل وغيره وتوجهوا في شوال. وفيها في الثامن من شعبان زلزلت بحلب وأعمالها زلزلة شديدة وأخربت أماكن كثيرة وزلزلت قبل ذلك في يوم الجمعة ثالث جمادى الآخرة وقت الاستواء ثم سكنت ثم زلزلت زلازل كثيرة متفرقة في طول السنة وكانت الزلازل بالجهة الغربية منها أكثر، وفي ذي الحجة أفرج دمرداش لما تحول من طرابلس إلى حلب عن سودون طاز وجكم الدويدار وكان دمرداش أخرج جكم من السجن بالمرقب وصحبه معه في حركاته ثم سجنه لما حارب التركمان بالقصر ثم أفرج عنه وأخذه معه إلى حلب ثم فر منه إلى حماة ثم إلى أنطاكية، فلما أوقع دمرداش بأمير أنطاكية ورجع إلى حلب وصل الأمر السلطاني بالإفراج عن جكم وأن يسكن حيث شاء من البلاد، فتوجه إلى طرابلس واستولى عليها وأخرج شيخ السليماني نائباً عنها، ثم نازل حلب فهزم دمرداش ودخلها عنوة واستقرت قدمه بها إلى أن اتفقت حركة يشبك في ركوبه على السلطان ثم انهزم ومن معه إلى الشام واقتضى رأيهم خلع الناصر من الملك، فكاتبوا نواب البلاد فأطاعوهم إلا دمرداش، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 ثم كانت وقعة السعيدية فتفرقوا ورجع جكم إلى حلب فاستولى عليها وكسر التركمان ودعا أهل حلب إلى مبايعته بالسلطنة فأجابوه، وذلك في تاسع شوال وكان قطع الخطبة للناصر من جمادى الآخرة وتلقب العادل ولم يتسلطن إلا في شوال، وخطب له على المنابر ولبس خلعة السلطان في عاشره وركب من دار العدل إلى القلعة، وكتب إلى نواب الشامات فأطاعوه إلا القليل، وبلغ ذلك الناصر فخرج طالباً قتاله فقتل سودون طاز، قتله دويدار دمرداش بغير أمره وهرب جكم. وفيها هرب قانباي العلائي من محبسه بقلعة الصبيبة وكان مع نوروز وغيره. وفي ذي الحجة تقلد القاضي عز الدين عبد العزيز البغدادي الحنبلي قاضي القدس سيفاً ووقف بالمسجد الأقصى وجمع الناس وأشهد على نفسه أنه حكم بزندقة القاضي شهاب الدين الباعوني خطيب المسجد الأقصى ومنع الناس من الصلاة خلفه، فسئل عن مستنده في ذلك فذكر أنه سمعه يقول إنه رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم يقبل يد الباعوني، فاستفتى الباعوني عند ذلك العلماء بالقدس، فأفتوا بأن ذلك لا يقتضي كفراً ولا زندقة، فوصل الباعوني إلى دمشق في المحرم من السنة المقبلة فشكاه إلى نائب دمشق فأرسل إليه ليحكم بينهما ففر إلى العراق. وفيها حاصر قرا يوسف التركماني صاحب تبريز بغداد فهرب صاحبها أحمد بن أويس إلى جهة الشام فوصل إلى دمشق فغلب قرا يوسف على بغداد، فجهز إليه تمرلنك طائفة فكسرهم، فبلغ ذلك تمرلنك فجهز إليه ولده مرزا شاه في مائة ألف، فنازلوا قرا يوسف فهزموه فهرب إلى الرحبة ولم يمكن من دخولها، وتعصب عليه جماعة من جهة نعير فهرب أيضاً إلى جهة الشام، فوقع بينه وبين نعير وقعة فانكسر قرا يوسف ووصل إلى الشام في ربيع الآخر، فأكرمه النائب وكان قد تعب وجهد منذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 توجه من الرحبة إلى دمشق في البرية بلا ماء ولا زاد حتى وصل إلى بيروت وهو لا يشعر فلم يفجأه إلا وقاصد النائب يطلبه فتوجه إليه فبلغ ذلك الأمراء بمصر فأرسلوا بطلبه، فشفع فيه نائب الشام شيخ المحمودي فقبلت شفاعته، واستقر بالشام أميراً يركب في خدمة النائب، واعتقل أحمد بن أويس ملك بغداد بدار السعادة، وكان وصوله إلى بعلبك بعد وصول قرا يوسف إلى دمشق وذلك في ربيع الآخر، ودخل دمشق في سادس جمادى الأولى، وتلقاه النائب فأنزله بدار السعادة وكاتب فيهما فوصل الجواب بالقبض عليهما، والسبب في ذلك ما وقع من الاتفاق مع تمرلنك أن من جاء من عنده يحبس حتى يكاتب فيه وكذا من جاء من عندنا إليه، فقيد أحمد وقرا يوسف وسجن أحدهما ببرج السلسلة والآخر ببرج الحمام، ثم وصل مرسوم السلطان في شعبان بقتلهما، فتوقف النائب وراجع في ذلك، ثم وصل كتاب تمر في شوال إلى نائب الشام يعاتبه على إكرامه قرا يوسف ويستبطئ مجيء رسوله مسعود وكان قد توجه في رمضان من حلب، وكان وصل كتاب نعير يخبر فيه أن تمرلنك أرسل إليه يهدده إن أمكن قرا يوسف من دخول الشام فانزعج الناس لذلك، ومع ذلك فلم يذكر النائب لقرا يوسف ذلك وكان السلطان قد جهز مسعوداً ومن معه من رسل اللنك وصحبتهم منكلى بغا الحاجب وصحبته هدية جليلة وتوجهوا في رجب وصحبتهم زرافة، وكان وصولهم إلى حلب يوم عيد الفطر، وتوجهوا منها إلى جهة الشرق. وفيها شرع نائب الشام في إعادة عمارة الجامع الأموي. وفي المحرم عزل عز الدين الحنبلي عن قضاء الشام بابن عبادة، ثم أعيد في ربيع الآخر، ثم عزل في جمادى الأولى بابن عبادة، ثم أعيد في شعبان. وفي ربيع الأول أعيد زين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 الدين الكفري إلى قضاء الحنفية عوضاً عن ابن القطب، ثم عزل في ربيع الأول بمحيي الدين بن العز ولم يباشر فباشر ابن القطب ثم عزل بابن الكفري في رمضان ثم أعيد ابن القطب في ذي القعدة. وفي جمادى الآخرة استقر علاء ابن أبي البقاء في قضاء الشافعية بدمشق عوضاً عن ابن خطيب يبرين وكان، ابن الخطيب استقر في ذي القعدة في العام الماضي عوضاً عن شمس الدين بن عباس وكان الحصفاوي الذي ولى قضاء حلب قد سعى في قضاء الشافعية بدمشق وكتب توقيعه، فسعى ابن العديم في الحط عليه وعقدت له مجالس فبطلت قضيته، ووصل كتاب النائب يشفع في عود علاء الدين ابن أبي البقاء فأعيد، ثم وصل مرسوم السلطان إلى النائب أن يقبض من ابن أبي البقاء مائتي ألف درهم وهي التي جرت عادة القضاة بدمشق ببذلها للسلطان وأن السلطان أنعم بها على إينال حطب وأن إينال كتب إلى ناظر الجيش أن يقبضها ويشتري له بها أمتعة، فكانت هذه الكائنة من أقبح ما نقل ثم وصل الخبر باستقرار أبي العباس أحمد الحمصي قاضي حمص في قضاء دمشق ولم يصل فكاتب النائب أيضاً فيه. وفي ربيع الآخر قدم الشهاب أحمد الأموي على قضاء المالكية بدمشق عوضاً عن عيسى، فلم يمكن من المباشرة وكوتب فيه فأعيد شرف الدين، ثم عزل في شوال بحسن الجابي وكان النائب توقف عن إمضاء ولايته وأهانه ثم أمضاها ثم أعيد في ذي القعدة. وفي سابع جمادى الأولى صرف الهوى عن الحسبة واستقر الشاذلي، ثم صرف في ثالث عشري شعبان واستقر ابن شعبان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 وفيها استقر عبد الله المجادلي في وكالة بيت المال عوضاً عن فتح الدين بن الشيخ شمس الدين الجزري. وفيها باشر شمس الدين محمّد بن يوسف الحلاوي وكالة بيت المال ونظر الكسوة بالقاهرة. وفي رمضان باشر الشيخ شهاب الدين ابن حجي خطابة الجامع بدمشق ومشيخة السميساطية انتزعتا من القاضي الشافعي وهو ابن خطيب يبرين. وفي ذي الحجة أوقع نائب الشام بعرب آل فضل وكان كبيرهم علي بن فضل قد قسم بلاد الشام سنة ثلاث وثمانمائة فطمع أن يفعل ذلك في هذه السنة، فبلغ ذلك النائب فاحتال عليه إلى أن قبض عليه وكبس بيوته ونهب ما فيها. وفيها وقع بين نعير أمير عرب آل فضل وبين دمشق خجا بن سالم الدوكاري التركماني وقعة عظيمة قتل فيها ابن سالم وانكسر عسكره وغلب نعير وأرسل برأس ابن سالم إلى القاهرة وكان ذلك في رمضان، قرأت في تاريخ القاضي علاء الدين أن دمشق خجا كان أمير جعبر وأن محمّد ابن شهري لما أراد القيام على دقماق نائب حلب استعان به فوصل في جمعه وحاصرا دقماق إلى أن هرب وطاف عسكر دمشق خجا في أعمال حلب وأفسدوا فيها الفساد الفاحش أشد من فعلات اللنكية ولم يرحموا أحداً بل بالغوا في النهب والعقوبة والفسق وذلك في بلاد عزاز وغيرها، ثم رجع المذكور إلى جعبر في رجب فدهمه نعير أمير آل فضل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 وكان يعاديه فتواقعا فيها بين جعبر وبالس واستمر القتال أياماً إلى أن قتل دمشق خجا في سابع عشر شهر رمضان، قال: وكان من المفسدين في الأرض كهفاً للصوص وقطاع الطريق فأراح الله البلاد والعباد منه برأفته ورحمته. وفي جمادى الأولى أبطل النائب من دمشق مكس الخضراوات وكاتب في إبطاله إلى مصر، فجاء التوقيع بحسب ما رسم به واستمر ذلك وكتب في صحيفته. وفيها جهز النائب المحمل المكي وطيف به في شهر رجب على العادة وقد كان تعطل الحج من طريق دمشق إلى مكة، وخروج المحمل سنة ثلاث واللتين بعدها، فاهتم النائب بأمره في هذه السنة وجهزه فخرجوا في نصف شوال وأمير الحاج فارس دويدار تنم وحج من الأمراء برش باي أحد الأمراء ويحيى بن لاقي وكان نقيب الجيش. وفي رمضان كمل الجامع الذي بناه سودون من زاده ظاهر القاهرة وخطب به ابن الطرابلسي ودرس به عز الدين البلقيني للشافعية وبدر الدين المقدسي للحنفية. وفيه عزل الشريف النسابة من مشيخة الخانقاه البيبرسية واستقر شهاب الدين النبراوي إمام السلطان في المشيخة، وفي النظر شاهين السعدي. وفيها رسم بإبطال القاضيين المالكي والحنبلي من القدس فأبطلا منه ومن غزة فعزل عبد العزيز البغدادي فجاء إلى دمشق في ذي القعدة فسعى في العود. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 وفي ذي القعدة نقب برج الخيالة بقلعة دمشق وهرب منه قطاع الطريق وكانوا أمسكوا بعد أن قطعوا الطريق على ابن المغربل التاجر وباعوا بدمشق بعض الأمتعة ورجعوا إلى نابلس ففطن بهم فقبض عليهم ثم هربوا إلا واحداً منهم ضخماً لم يستطع الخروج فقتل، وأرسل في آثارهم فأخذوا من عكا فوسطوا إلا واحداً منهم هرب ووسط معهم السجان. وفي ذي الحجة بلغ نائب دمشق شيخ المحمودي أن سودون الحمزاوي تعين لنيابة الشام فشق عليه ذلك وتوجه إلى نوروز وهو في سجن الصبيبة ليتفق معه فلم يقع ذلك وانسلخت السنة والأمر على ذلك. وفي أواخرها وقع بين دمرداش والتركمان وقعة عظيمة فانكسر دمرداش، وكان النيل في هذه السنة احترق حتى أنهم اعتبروا المقياس في أواخر يوم على العادة: جاء القاع ذراعاً واحداً ونصفاً بنقص إصبعين ولم يسمع بمثل ذلك قبلها، فزاد إلى أن انسلخت السنة أربعة أذرع وثلثي ذراع، ونقص سعر القمح من ثلاثمائة إلى مائتين وخمسين. وفيها مات محمد سلطان ابن خان تنكز بن اللنك وكان ولي عهده وكان يحب العدل ويلوم جده على القتل، ويحب العلماء والفضلاء فاتفق أن اللنك لما عزم على الدخول لبلاد لروم أرسل إليه أن يحضر هو وجنوده فحضر إليه فمات بعد الوصول والظفر بابن عثمان فبدّل فرح اللنك ترحاً وحزناً عظيماً بحيث أنه جعله في تابوت وحمله إلى سمرقند فدفنه بمدرسته التي أنشأها هناك، واتفق وفاة محمد سلطان ووفاة أبي يزيد بن عثمان في وقت واحد، ويقال: إن ابن عثمان قال للّنك: إني أعرف أني لا أبقى معك ولكني أوصيك بثلاث: لا تسفك دماء الروم فإنهم ردء الإسلام، ولا تترك التتار بهذه البلاد فإنهم من أهل الفساد، ولا تخرب قلاع المسلمين وحصونهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 فتسلط الكفرة عليهم، فقبل وصيته في الأمور الثلاثة وعمل حيلة قتل بها غالب رجال التتار. وفيها بعد قتل اللّنك ابن عثمان أخرج محمداً وعليّاً ولدي ابن قرمان من حبس ابن عثمان، وخلع عليهما، فاستولى كل منهما على جهة، ووصل اسفنديار أحد ملوك الروم وكان ممن يعادي ابن عثمان فأكرمه أيضاً، ومن ممالكه سبتيون وتلقب جزيرة العشاق يضرب بظرفها المثل، فأقبل اللّنك عليه وأكرمه. وفيها زلزلت بحلب زلزلة عظيمة فخرب من الجهة الغربية أماكن كثيرة ثم كثرت الزلازل فيها، وفي السنة التي بعدها زلزلت بحلب أيضاً وكانت عظيمة وبقيت ساعة، وذلك في جمادى الأولى، وجأر الناس بالدعاء والتوبة. وفيها انضم جكم بعد هروبه إلى فارس ابن صاحب الباز التركماني بإنطاكية، فبلغ ذلك دمرداش فحاصرهم مدة ولم يظفر بطائل، وراسل جكم الحاجب بطرابلس فقبض على النائب بها وهو شيخ السليماني ودخلها جكم فغلب عليها ثم كان ما سنذكره في سنة سبع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 ذكر من مات في سنة ست وثمانمائة من الأعيان إبراهيم بن عمر بن علي المحلى برهان الدين التاجر الكبير، كان يذكر أنه طلحي النسب، وهو سبط الشيخ شمس الدين ابن اللبّان، تقدم شيء من ذكره في الحوادث من تجديده مقدمة جامع عمرو، وذلك في سنة أربع وثمانمائة، ومن تجهيز العسكر من ماله إلى الإسكندرية، وكان معظماً عند الدولة، عارفاً بأمور الدنيا، وكان في آخر أمره قد تموّل جدّاً وأنجب ابنه أحمد فبلغ الغاية في المعرفة بأمور التجارة، ومات برهان الدين في ربيع الأول بمصر، وولده إذ ذاك باليمن فوصل إلى مكة ومعه من الأموال ما لا يدخل تحت الحصر حتى أنه كان معه في تلك السنة ستة آلاف زكيبة من أصناف البهار، فتفرّقت أموالهما شذر مذر بأيدي العباد في جميع البلاد، وقد سمعت من برهان الدين عدّة فوائد وسمع على ترجمة البخاري من جمعي، وكان يقول ما ركبت في مركب قط فغرقت، وسمعته يقول: أحضرت عند جدي لما ولدت فبشّر أبي بأني أصير ناخوذه ثم سمعت ذلك من جدي وأنا ابن أربع سنين وكان أبوه مملقاً فرزق هو من المال ما رقى سماه. إبراهيم بن محمد بن صديق بن إبراهيم بن يوسف الدمشقيّ المؤذِّن المعروف بالرّسام، وكان أبوه بوّاب الظاهريّة مسند الدنيا من الرجال، سمع من الحجار الكثير ومن إسحاق الآمدي والشيخ تقي الدين ابن تيمية وطائفة تفرّد بالرواية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 عنهم، ومتع بسمعه وعقله، سمعت منه بمكة وحدّث بها بسائر مسموعاته، وقد رحل في السنة الماضية إلى حلب ومعه ثبت مسموعاته فأكثروا عنه وانتفعوا به، وألحق جماعة من الأصاغر بالأكابر ورجع إلى دمشق ولم يتزوج، ومات في شوال وله خمس وثمانون سنة وأشهراً. أحمد بن إبراهيم بن عمر المحلى أبو الفضل التاجر، كان شابّاً حسناً كريم الشمائل عفيف الفرج، مات بعد موت أبيه بمكة في أواخر ذي القعدة. أحمد بن داود بن إبراهيم بن داود الصالحي القطان، روى عن عبد الرحيم ابن أبي اليسر، مات في رجب. أحمد بن عبد الكافي بن عبد الوهاب البليني، كان أبوه قاضي البلينة، واشتغل وتفقّه وأقام بالقاهرة، وناب في الحكم بالحسينية، وولي الإعادة بالشافعي، وكان فاضلاً خيّراً ديِّناً، مات كهلاً. أحمد بن علي بن محمد بن علي بن ضرغام بن علي بن عبد الكافي البكري الغضائري المؤذّن المعروف بابن سكَّر، أخو شيخنا شمس الدين المقدم ذكره، سمع بإفادة أخيه من يحيى بن يوسف بن المصري وغيره، وحدّث، سمعت منه بالقاهرة، ومات في رجب وقد جاوز السبعين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 أحمد بن علي التركماني، يعرف بابن الشيخ، ولي نيابة الكرك وصفد واستقرّ في الآخر أميراً كبيراً بدمشق، مات في ذي القعدة بمصر. إسماعيل بن إبراهيم الجبرتي الزبيدي، ولد سنة 722 على ما ذكر، وتعانى الاشتغال ثم تصوّف، وكان خيراً عابداً حسن السمت والملبوس مغري بالسماع محبّاً في مقالة ابن العربي، وكنت أظن أنه لا يفهم الاتحاد حتى اجتمعت به فرأيته يفهمه ويقرره ويدعو إليه حتى صار من لم يحصل كتاب الفصوص من أصحابه لا يلتفت إليه، وكان السلطان الأشرف قد عظّمه بسبب أنه قام معه عند حصار الإمام صلاح، الزيدي زبيد فاعتقده، وصار أهل زبيد يقترحون له كرامات، وكان يداوم قراءة سورة يس في كل حالة ويعتمد فيه حديثاً موضوعاً، وأراني جزءاً جمعه له شيخنا مجد الدين الشيرازي في ذلك، وقام عليه مرّة الشيخ صالح المصري فتعصّبوا عليه حتى نفوه إلى الهند، ثم كان الفقيه أحمد الناشري عالم زبيد يقوم عليه وعلى أصحابه ولا يستطيع أن يغيِّرهم عمّا هم فيه لميل السلطان إليهم، وقد حدث الشيخ إسماعيل بالإجازة العامة عن القاسم بن عساكر وبالخاصة عن أبي بكر بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 المحب، ومات في نصف رجب وله بضع وثمانون سنة لأنه ذكر أن مولده سنة 722. إسماعيل بن علي بن محمد البقاعي ثم الدمشقي الناسخ، كان يشتغل بالعلم ويصحب الحنابلة ويميل إلى معتقدهم مع كونه شافعيّاً، وكان يقرأ الحديث للعامّة وينصحهم ويعظهم ويكتب للناس مع الدين والخير، وله نظم حسن أنشدني منه بدمشق، وقد كتب بخطه صحيح البخاري في مجلدة واحدة معدومة النظير سلمت من الحريق إلاّ اليسير من حواشيها فبيعت بأزيد من عشرين مثقالا، وفرَّ في الكائنة إلى طرابلس فأقام بها إلى آخر سنة خمس، ورجع فمات بدمشق في المحرّم. أقبغا الهدباني الظاهري، كان من عتقاء الظاهر برقوق، وتنقل في الخدمة إلى أن ولي الحجوبية بحلب بعد رجوع الظاهر إلى السلطنة من الكرك ثم نيابة صفد ثم نيابة طرابلس ثم نيابة حلب في سنة إحدى وثمانمائة سنة وفاة الظاهر، ثم كان ممن أعان تنم نائب دمشق، فلما انكسر تنم أسر أقبغا فيمن أسر ثم أطلق وولي نيابة طرابلس سنة أربع، ثم ولي نيابة حلب بعد دقماق فدخلها في جمادى الأولى سنة ست وثمانمائة فأقام بها أربعين يوماً، ومات ليلة الجمعة سابع عشري جمادى الآخرة، وكان عاقلاً كثير السكون، وأنشأ بحلب جامعاً وداخله تربة له دفن فيها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 أبو بكر بن داود الصالحي أحد من كان يعتقد ويزار بالصالحية بدمشق، وله زاوية هناك، وكان على طريقة السلف وله إلمام بالعلم، مات في سابع عشري رمضان. أبو بكر بن قاسم بن عبد المعطي بن أحمد بن عبد المعطي الخزرجي المكي، سمع من عثمان ابن الصفي أحمد الطبري بمكة ومن غيره، ودخل بلاد التكرور فاتفق أنهم كانوا احتاجوا أن يستسقوا فاستسقوا به فسقوا وذلك ببلد ماني، ثم رجع إلى مصر فأقام بها، وكان يكثر زيارة الصالحين بالقرافة ويشارك في قليل من الفقه ويدري التاريخ، اجتمعت به مراراً، مات وله سبع وسبعون سنة وكان يعرف عند أهل مصر بالفقيه أبي بكر الحجازي. أبو بكر بن محمد الحبشي العدني قاضي عدن وليه بها مراراً، وكان نبيهاً في الفقه، مات في أواخر السنة. دمشق خجا بن سالم الدوكاري التركماني، تقدم ذكره في الحوادث، قتل في رمضان من هذه السنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 عبد الله بن عبد الله الدكاري المغربي المالكي نزيل المدينة، أقرأ بها ودرّس وأفاد وناب في الحكم في بعض القضايا، وكان يتجرّأ على العلماء سامحه الله. عبد الله بن عثمان بن محمد الصالحي المعروف بابن حمية، روى لنا عن البرزالي، سمع من محيى الدين ابن خطيب بعلبك وحدّثنا عن الحافظ علم الدين البرزالي. عبد الله بن الشيخ بن أحمد بن عبد الرحمن، ويقال: ابن عثمان بن عمر التركستاني المعروف بالقرمي، هو ولد الشيخ المشهور ببيت المقدس اشتغل قليلاً وقدم حلب ثم دخل بغداد وأسر مع اللنكية ثم خلص، ويقال إنه جرت له محنة فخنق نفسه بسببها، على ما استفاض بين الناس، ومات في سنة ست وثمانمائة في أواخرها. عبد الله بن محمد المارديني، جمال الدين المعروف بتمنّع، كان من أولاد الأغنياء فورث مالاً جزيلاً فأنفقه في الخيرات ثم افتقر فصار يكدى بالأوراق وينظم البيتين في ذلك أحياناً وكان يعاشر الرؤساء، وللشيخ عز الدين الموصلي فيه نظم، مات في رمضان بدمشق. عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم المهرانيّ المولد العراقي الأصل الكرديّ الشيخ زين الدين العراقي حافظ العصر، ولد في جمادى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 الأولى سنة خمس وعشرين، وحفظ التنبيه في الفقه، واشتغل بالفقه والقرآآت، ولازم المشايخ في الرواية وسمع في غضون ذلك من عبد الرحيم بن شاهد الجيش وابن عبد الهادي وعلاء الدين التركماني، وقرأ بنفسه على الشيخ شهاب الدين ابن البابا، وتشاغل بالتخريج ثم تنبه للطلب بعد أن فاته السماع من مثل يحيى بن المصري آخر من روى حديث السلفي عالياً بالإجازة ومن الكثير من أصحاب ابن عبد الدائم والنجيب وابن علاق ولكنه أدرك أبا الفتح الميدومي فأكثر عنه وهو من أعلى مشايخه إسناداً، وسمع أيضاً من ابن الملوك وابن القطرواني، ثم رحل إلى دمشق فسمع من ابن الخبّاز ومن أبي العباس المرداوي ونحوهما، وعني بهذا الشأن ورحل فيه مرّاتٍ إلى دمشق وحلب والحجاز، وأراد الدخول إلى العراق ففترت همّته من خوف الطريق ورحل إلى الإسكندرية، ثم عزم على التوجّه إلى تونس فلم يتم له ذلك، وصنّف تخريج أحاديث الإحياء وأكمل مسودته الكبرى قديماً ثم بيّضه في نحو نصفه ولم يكمل تبييضه، ثم اختصره في مجلد واحد ولم يبيِّضه، وكتبت منه النسخ الكثيرة، وشرع في إكمال شرح الترمذيّ لابن سيد الناس، ونظم علوم الحديث لابن الصلاح ألفيّة وشرحها وعمل عليه نكتاً، وصنّف أشياء أخر كباراً وصغاراً، وصار المنظور إليه في هذا الفن من زمن الشيخ جمال الدين الأسناي وهلمّ جرّا، ولم نر في هذا الفن أتقن منه، وعليه تخرّج غالب أهل عصره، ومن أخصهم به صهره شيخنا نور الدين الهيثمي، وهو الذي درّبه وعلًمه كيفية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 التخريج والتصنيف، وهو الذي يعمل له خطب كتبه ويسميها له، وصار الهيثمي لشدّة ممارسته أكثر استحضاراً للمتون من شيخه حتى يظن من لا خبرة له أنه أحفظ منه، وليس كذلك لأن الحفظ المعرفة، وولي شيخنا قضاء المدينة سنة ثمان وثمانين فأقام بها نحو ثلاث سنين ثم سكن القاهرة، وأنجب ولده قاضي القضاة ولي الدين، لازمت شيخنا عشر سنين تخلّل في أثنائها رحلاتي إلى الشام وغيرها، قرأت عليه كثيراً من المسانيد والأجزاء وبحثت عليه شرحه على منظومته وغير ذلك، وشهد لي بالحفظ في كثير من المواطن، وكتب لي خطه بذلك مراراً وسئل عند موته عمّن بقي بعده من الحفّاظ فبدأ بي وثنّى بولده وثلّث بالشيخ نور الدين، وكان سبب ذلك ما أشرت إليه من أكثريّة الممارسة، لأن ولده تشاغل بفنون غير الحديث، والشيخ نور الدين كان يدري منه فنّاً واحداً، وكان السائل للشيخ عن ذلك القاضي كمال الدين ابن العديم، ثم سأله الشيخ نور الدين الرشيدي على ما أخبرني بذلك بعد ذلك فقال: في فلان كفاية، وذكر أنه عناني وصرّح بذلك، مات الشيخ عقب خروجه من الحمّام في ثامن شعبان وله إحدى وثمانون سنة وربع سنة نظير عمر شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين، وفي ذلك أقول في المرثيّة: لا ينقضي عجبي من وفق عمرهما ... العام كالعام حتى الشهر كالشهر عاشا ثمانين عاماً بعده سنة ... وربع عام سوى نقص لمعتبر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 والإشارة بذلك إلى أنهما لم يكملا الربع بل ينقص أيّاماً، وقد ألممت برثائه في الرائية التي رثيت بها شيخ الإسلام البلقيني وخصصته بمرثية قافيّة وهي: مصاب لم ينفس للخناق ... أصار الدّمع جاراً للمآقي فروض العلم بعد الزهو ذاوٍ ... وروح الفضل قد بلغ التراقي وبحر الدّمع يجري في اندفاق ... وبدر الصبر يسري في المحاق وللأحزان بالقلب اجتماع ... ينادي الصبر حتى على الفراق وكان الصبّ أن يدفع لصبرٍ ... يهون عليه مع رجوي التّلاقي فأما بعد يأسٍ من تلاقٍ ... فهذا صبره مرُّ المذاق لقد عظمت مصيبتنا وجلّت ... بسوق أولى العلوم إلى السياق وأشراط القيامة قد تبدّت ... وأذن بالنّوى داعي الفراق وكان بمصر والشام البقايا ... وكانوا للفضائل في استباق فلم تبق الملاحم والرّزايا ... بأرض الشام للفضلاء باق وطاف بأرض مصر كلّ عام ... بكأس الحين للعلماء ساق فأطفأت المنون سراج علمٍ ... ونور ناره لأولي النفاق وأخلفت الرجا في ابن الحسين ... الإمام فألحقته بالمساق فيا أهل الشآم ومصر فابكوا ... على عبد الرحيم ابن العراقي على الحبر الذي شهدت قروم ... له بالانفراد على اتّفاق على حاوي علوم الشرع جمعاً ... بحفظ لا يخاف من الإباق ومن فتحت له قدما علومٍ ... غدت عن غيره ذات انغلاق وجارى في الحديث قديم عهدٍ ... فأحرز دونه خصل السباق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 وبالسبع القراآت العوالي ... رقى قدماً إلى السبع الطّباق فسل إحيا علوم الدين عنه ... أما وافاه مع ضيق النطاق فصير ذكره يسمو وينمو ... بتخريج الأحاديث الرقاق وشرح الترمذي لقد ترقى ... به قدماً إلى علي المزاق ونظم ابن الصلاح له صلاح ... وهذا شرحه في الأفق راق وفي نظم الأصول له وصول ... إلى منهاج حق باشتياق ونظم السيرة الغرّا يجازى ... عليها الأجر من راقي البراق دعاه بحافظ العصر الإمام الكبير الأسنوي لدى الطباق وعلاّ قدره السبكي وابن العلاي والأئمة باتفاق ومن ستين عاماً لم يجار ... ولا طمع المجاري في اللحاق يقضي اليوم في تصنيف علم ... وطول تهجد في الليل واقي فبالصحف الكريمة في اصطباح ... وبالتحف الكريمة في اغتباق فما فتنته كأس بالتثام ... ولا ألهاه ظبي باعتناق فتى كرم يزيد وشيخ علم ... لدى الطلاب مع حمل المشاق فيقري طالبي علم ويقري ... قرى وقراءة ذات اتساق فيا أسفي عليه لحسن خلق ... أرق من النسيمات الرقاق ويا أسفي عليه لحفظ ود ... إذا نسيت مودات الرفاق ويا أسفي لتقييدات علم ... تولت بعده ذات انطلاق عليه سلام ربي كل حين ... يلاقيه الرضا فيما يلاقي وأسقت لحده سحب الغوادي ... إذا انهملت همت ذات انطباق وذاقت روحه في كل يوم ... تحيات إلى يوم التلاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 عبد الصادق بن محمّد الحنبلي الدمشقي كان من أصحاب ابن المنجا ثم ولي قضاء طرابلس وشكرت سيرته ثم قدم دمشق وتزوج بنت السلاوي زوجة مخدومه تقي الدين ابن المنجا، وسعى في قضاء دمشق، ومات في المحرم، سقط عليه سقف بيته فهلك تحت الردم. علي بن خليل بن علي بن أحمد بن عبد الله بن محمّد المصري الحنبلي نور الدين الحكري كان فاضلاً نبيهاً، درس وأفاد وعمل المواعيد بالجامع الأزهر، ثم ولي قضاء الحنابلة قليلاً عوضاً عن موفق الدين أحمد بن نصر الله في يوم الخميس ثاني جمادى الآخرة سنة اثنتين وثمانمائة فاكثر من النواب، وسافر مع العسكر في وقعة تنم ثم رجع فأعيد الموفق في ذي الحجة منها، واستمر مفصولاً إلى أن مات في تاسع المحرم، وهو والد بدر الدين الحكري الذي ناب في الحكم بعد ذلك بمدة وسيأتي في سنة أربع وثلاثين وثمانمائة. علي بن عمر بن سليمان الخوارزمي أبو الحسن علاء الدين ولد سنة ست وستين بمصر، وكان أبوه من الأجناد فنشأ ولده على أجمل طريقة وأحسن سيرة وأكب على الاشتغال بالعلم، ثم طالع في كتب ابن حزم فقوي كلامه واشتهر بمحبته والقول بمقالته وتظاهر بالظاهر، وكان حسن العبارة كثير الإقبال على التضرع والدعاء والابتهال، ونزل عن إقطاعه في سنة بضع وثمانين، وأقام بالشام مدة ثم عاد إلى مصر وباشر عند بعض الأمراء وقرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي أن المذكور باشر شد الأقصر لبعض الأمراء فذكر أن مساحتها أربعة وعشرون ألف فدان، وأنه لما باشرها في سنة إحدى وتسعين لم يكن يزرع بها إلا نحو ألف فدان وباقيها خرس وبور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 ، وكان حسن العبارة شديد الإقبال على الله، مات في تاسع صفر. علي بن محمّد بن عبد الوارث بن جمال الدين محمّد بن زين الدين عبد الوارث بن عبد العظيم بن عبد المنعم بن يحيى بن حسن بن موسى بن يحيى بن يعقوب بن محمّد بن عيسى بن شعبان بن عيسى بن داود بن محمّد بن نوح بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي البكري الشيخ نور الدين اشتغل بالعلم ومهر في الفقه خاصة، وكان كثير الاستحضار قائماً بالمعروف شديداً على من يطلع منه على أمر منكر، فجره الإكثار من ذلك إلى أن حسن له بعض أصحابه أن يتولى الحسبة، فولي حسبة مصر مراراً وامتحن بذلك حتى أضر ذلك به؛ ومات في ذي القعدة مفصولاً وله ثلاث وستون سنة. عمر بن إبراهيم بن سليمان الرهاوي الأصل ثم الحلبي زين الدين كاتب الإنشاء بحلب قرأ على الشيخ شمس الدين الموصلي وأبي المعالي ابن عشائر. وتعانى الأدب وبرع في النظم وصناعة الإنشاء وحسن الخط، وولي كتابة السر بحلب عوضاً عن ناصر الدين ابن أبي الطيب ثم ولي خطابة الجامع الأموي بعد وفاة أبي البركات الأنصاري، وكان فاضلاً ذا عصبية ومروءة وهو القائل: يا عائبين وفي سرّي محلّهم ... دم الفؤاد بسهم البين مسفوك أشتاقكم ودموع العين جارية ... والقلب في ربقة الأشواق مملوك ومن شعره: وحائك يحكيه بدر الدجى ... وجهاً ويحكيه القنا قدّا ينسج أكفاناً لعشّاقه ... من غزل جفنيه وقد سدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 وفيه يقول زين الدين عبد الرحمن بن الخراط رحمه الله: وفي الرهاوي لي مديح ... مسيّر أعجز الحلاوي قد أطرب السامعين طرا ... وكيف لا وهو في الرهاوي مات في ثاني شهر ربيع الآخر من السنة. عمر بن علي بن طالوت بن عبد الله بن سويد النابتي ثم الدمشقي ركن الدين ناظر البادرائية بدمشق وكان بزي الجند، مات في ذي الحجة. عوض بن عبد الله الزاهد كان منقطعاً بجامع عمرو بن العاص وللناس فيه اعتقاد؛ مات في رمضان. فارح بن مهدي المريني القائد كان مدبر دولة بني مرين في سلطنة أبي سعيد عثمان بن أحمد بن إبراهيم بفاس، ومات في أواخر السنة بفاس. قطلبك بن عبد الله عمل أستادارية أيتمش واشتهر به، ثم ولي الأستادارية للسلطان مراراً، مات في ربيع الأول. محمّد بن إبراهيم بن عمر البيدمري نشأ نشأة حسنة وقرأ القرآن العظيم ونظم الشعر وتأمر وباشر الخواص، وكانت له معرفة بالأمور، مات في ربيع الآخر. محمّد بن أحمد بن علي بن محمّد أمين الدين المنهاجي سبط الشيخ شمس الدين ابن اللبان ولد سنة بضع وثلاثين واشتغل بالعلم وحفظ التنبيه، وأسمع على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 ابن عبد الهادي في صحيح مسلم وعلى جده لأمه، وكان معه عدة جهات يباشر فيها من الأوقاف الجكمية، وانقطع إلى القاضي صدر الدين المناوي فاشتهر بصحبته وصارت له وجاهة، ثم تعانى التجارة واتخذ له مطبخ سكر وكثر ماله؛ ومات في شهر رمضان منها، سمعت منه قليلاً. محمّد بن أحمد بن علي بن موسى الصحب فخر الدين سليمان بن الشيرجي كان يعرف بالأنصاري، صحب الشيخ أبا بكر الموصلي وتلمذ له، حج فمات بمكة في ذي الحجة. محمّد بن حسن بن علي المصري الصوفي المقرئ المعروف بالفرسيسي سمع من الحافظ أبي الفتح بن سيد الناس ومن أحمد بن كشتغدي وغيرهما وحدث، ولم يظهر سماعه إلا بأخرة فانه حضر السماع على الشيخ تقي الدين ابن حاتم في السيرة فقرئت الطبقة فوجد اسمه فيها، فأقيم من السامعين فاجلس مع المسمع ووجد سماعه بفوت، ثم وجد في بعض النسخ ما يدل على أنه أكمل له، وإلى الآن لم أتحقق ذلك، مات في شهر رجب وله سبع وثمانون سنة. محمّد بن حسن بن الشيخ مسلم السلمي أحد المشايخ المعتقدين بمصر، مات في ربيع الأول. محمّد بن حيان بن العلامة أبي حيان محمّد بن يوسف بن علي الغرناطي ثم المصري أبو حيان بن فريد الدين بن أثير الدين ولد سنة 34 وسمع من جده ومن ابن عبد الهادي وغيرهما وكان شيخاً حسن الشكل منور الشيبة بهي المنظر حسن المحاضرة أضر بأخرة سمعت منه يسيراً ومات في ثالث رجب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 محمّد بن سعد بن محمّد بن علي بن عثمان بن إسماعيل بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب بن علي بن هبة الله بن ناجية شمس الدين الطائي ابن خطيب الناصرية ولد سنة ثلاث وأربعين وتفقه بعد أن حفظ التنبيه على أبي الحسن علي البابي والكمال عمر بن العجمي والجمال ابن الحكم التيزيني وسمع الحديث من بدر الدين ابن حبيب وغيره وولي خطابة الناصرية واشتهر بها إلى أن مات وكان كثير التلاوة والعبادة سليم الصدر مات في جمادى الأولى وهو والد قاضي قضاة حلب علاء الدين أبقاه الله. محمّد بن سلمان بن عبد الله شمس الدين الحراني الفقيه الشافعي الحموي نزيل حلب أصله من الشرق وأقدمه أبوه طفلاً فسكن حماة وعلمه صناعة الخرط ثم ترك وأقبل على الاشتغال فاخذ عن شرف الدين يعقوب خطيب القلعة والجمال يوسف ابن خطيب المنصورية وصاهره ثم رحل إلى دمشق وأخذ عن زين الدين القرشي ودأب وحصل وشارك في الفنون ثم قدم حلب سنة ثلاث وتسعين وناب في الحكم عن ناصر الدين ابن القطب ثم عن أبي البركات ثم ولي قضاء الرها ثم ولي قضاء بزاعة ثم ناب في الحكم بحلب أيضاً وولي عدة تداريس وكان فاضلاً مفنناً مشكوراً في أحكامه ومات في سابع شهر ربيع الأول بالفالج. محمّد بن عبد الملك بن عبد الكريم بن يحيى ناصر الدين ابن القاضي محي الدين ابن شيخ الشيوخ تقي الدين ابن قاضي القضاة محي الدين ابن الزكي ولد بعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 الخمسين وسمع من الفرضي وابن الجوخي وغيرهما من أصحاب الفخر وكان يرجع إلى دين وعقل وهو أسن أخوته خرج مع القاضي علاء الدين ابن أبي البقاء في قسم بعض المغلات فقطع عليهم الطريق فقتل هذا وجرح علاء الدين فسقط فظنوا أنه مات فسلم وذلك في المحرم من هذه السنة. محمّد بن علي بن عبد الله الحرفي بفتح المهملة وسكون الراء بعدها فاء الشيخ شمس الدين المعري مات في شوال. محمّد بن مبارك الآثاري شمس الدين شيخ الآثار مات في المحرم عن ثمانين سنة وكان مغرى بالمطالب والكيمياء كثير النوادر والحكايات المعجبة أعجوبة في وضعها والله يغفر له ولي. محمّد بن محمّد بن أبي بكر بن عبد العزيز المقدسي الشيخ شرف الدين أبو الفضل، ولد بعد الأربعين، وسمع من الميدومي على ما كان يزعم ثم حبب إليه الطلب فسمع الكثير من أصحاب الفخر وابن عساكر والأبرقوهي ثم من أصحاب وزيرة والقاضي والمطعم ونحوهم، ثم من أصحاب الواني والدبوسي والختني ونحوهم، ثم من أصحاب ابن قريش وابن كشتغدي والتفليسي ونحوهم، وعني بتحصيل الأجزاء وإفادة الطلبة وكتابة الطباق والدلالة على المشايخ وتسميع أولاده والإحسان إلى من يقدم عليه من الغرباء خصوصاً الشاميين وكتب بخطه الحسن ما لا يحصى، وكان يحبس عن الناس أسمعتهم فلم يمتع بما سمع، ولا عاش له ولد ذكر بعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 أن كان يبالغ في تسميتهم ويجتهد في التحصيل لهم، وكان يتعانى نظم الشعر فيأتي منه بما يضحك إلا أنه كان ربما وقع له ديوان غير شهير فيأخذ منه ما يمدح به الأعيان خصوصاً القضاة إذا ولوا ويستعين بمن يغير له بعض الأسماء وربما عثر على القصيدة في ديوان صاحبها. وأعجب ما وقع له أنه أنشد لنفسه عندما ولي ناصر الدين ابن الميلق القضاء: إن ابن ميلق شيخ رب زاوية ... غر من الناس بالأحوال غير دري قد ساقه قدر نحو القضاء ومن ... يسطيع رد قضاء جاء عن قدر فوجد البيتان بعينهما للقاضي بدر الدين ابن جماعة وقد غير منهما بعض الشطر لأول من البيت الأول فقط وهما والعبد فهو فقير رب زاوية إلى آخرهما ومات في شوال بعد أن جرت له محنة مع القاضي جلال الدين لكونه مدح القاضي الذي عزل به فضربه أتباعه وأهانوه فرجع متمرضاً فمات، وتفرقت كتبه وأجزاؤه شذر مذر. محمّد بن محمّد بن عبد الرحمن بن فريج المصري القاضي ناصر الدين ابن الصالحي من الصالحية التي بظاهر القاهرة ولد سنة بضع وخمسين، وسمع على ما ذكر من الشيخ جمال الدين ابن نباتة وغيره، وتعانى الأدب فنظم الشعر الوسط وكتب الخط الحسن، ووقع عن القضاة ثم ناب في الحكم عن الحنفية ثم عن الشافعية، ثم وثب على منصب القضاء لما غاب المناوي فتم له ذلك عشرة أشهر ثم عزل ثم أعيد بعناية السالمي في شوال فاستمر فيه أربعة أشهر، ومات بعلة القولنج الصفراوي، وأسف أكثر الناس عليه لحسن تودده وكرم نفسه وطيب عشرته ومشاركته في العلم ولأنهم ألفوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 من المناوي ذلك البأو المفرط فألان لهم الصالحي جانبه وتواضع وتكرم، مات في ثاني عشر شهر الله المحرم، وتقدم في الصلاة عليه القاضي الحنفي وكان كثير البر للفقراء والأغنياء لا يرد سائلاً وكان ذلك يؤدي إلى حرمان بعض المستحقين لأن الذي تحت يده المال لا يرد خطه فيدفع لمن يكتب له من أموال الأيتام والأوقاف فيضيع ذلك على مستحقه من بعده، وقد أكثر في ولايته الأولى هذه من النواب بالشفاعات من الأكابر، ومنهم شمس الدين محمّد بن يحيى المقري الصالحي، كان استقر إماماً عند قطلوبغا الكركي فكلم القاضي حتى قرره في الحكم بإيوان الصالحية في نوبة عز الدين البلقيني وشق ذلك على كثير من نواب الحكم. محمّد بن محمّد بن محمّد بن الحسن المصري الصوفي القمني، سمع من شمس الدين بن القماح صحيح مسلم بفوت وسمع من غيره وحدث، سمعت منه قليلاً، مات وله سبع وسبعون سنة فإنه كتب لي بخطه أن مولده سنة 729. محمّد بن محمّد البخانسي شمس الدين، ولي الحسبة مراراً، وكان جائراً في الحكم، قليل العلم، مبالغاً في السطوة بالناس إلا أن أعف من غيره، مات في رابع جمادى الأولى. محمّد بن ويسف بن إبراهيم بن عبد الحميد المقدسي ثم الدمشقي المقرئ المؤذن، روى لنا عن زينب بنت الخباز، ومات بطرابلس. مسرور الحبشي، المعروف بالشبلي، شيخ الخدام بالمدينة النبوية، مات معزولاً لعجزه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 يحيى بن عبد الله بن محمّد بن محمّد بن زكريا الغرناطي، أبو بكر، كان إماماً في الفرائض والحساب، وشارك في الفنون، وصنف في الفرائض كتاب المفتاح، وولي القضاء ببلده، ومات في ربيع الأول سنة ست وثمانمائة. يوسف بن إبراهيم بن أحمد الصفدي، كان شيخاً حسناً معظماً معتقداً، وله كلام على طريق الصوفية، مات في ذي الحجة بصفد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 سنة سبع وثمانمائة فيها أوفى النيل وزاد زيادة حسنة وباشر الناصر كسر الخليج بنفسه ومنع الناس من الدخول إلى بركة الرطلي في الشخاتير وعمل على رأسها جسراً بقنطرة وباشر ذلك باشباي فنسب إليه واستمر ذلك وتراجع السعر كثيراً ثم رجع عند التحضير وحصل الفناء في الصعاليك وغيرهم، ووقع الغلاء في كل شيء حتى اشترى بعض الناس زوج إوز بألف ومائتي درهم، وبلغ سعر الشيرخشك كل رطل بثلاثمائة درهم، وخرج من الإسكندرية خمس سفن ملأى ناساً هاربين من الغلاء فتفرقوا أجمعين. وفيها ظهر من الجانب الغربي من مصر وفي القليوبية على شاطئ النيل بالليل في المزارع شبيه الفئران يشعل مثل المشاعل. وفي المحرم ولي سويدان، واسمه محمّد بن سعيد الصالحي نسبة إلى الملك الصالح صالح بن التنكزية وكان أحد قراء الجوق بالقاهرة حسبتها عوضاً عن الهوى. وفي ثالث صفر صرف بدر الدين ابن نصر الله عن نظر الخاص وأعيد إلى فخر الدين ابن غراب. وفي أوائلها أشيع أن نائب الشام شيخ المحمودي عزم على الخروج عن الطاعة فأرسلوا إليه الأمير طولو الذي كان أمير الركب في العام الماضي ليكشف أخباره وفي الباطن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 هو معه على هواه، فقرر أمره ورجع سريعاً وكان النائب تلقاه وبالغ في إكرامه ورجع في ربيع الأول. وفيها غلب جكم على حلب وهرب دمرداش ثم غلب على حماة وحمص وأطاعه خلق كثير من التركمان والعرب والترك، وكان شهماً مهاباً فكاتبه الناصر يطلب منه الدخول في الطاعة وأن يؤمر على البلاد التي غلب عليها فامتنع، ثم كاتبه نائب الشام ومن معه فأجاب إلى الدخول معهم، ثم وقعت بين جكم وقرا يلك التركماني وقعة انتصر فيها جكم وأسروا قرا يلك وفر دمرداش في البحر إلى دمياط فأذن له في دخول القاهرة فاستقر بها أحد الأمراء واستقر جكم بحلب وغلب عليها. وفي أولها أوقع نائب الشام بالعرب من بني العزارى فهدم دورهم واستاق ما لهم من الأنعام وكانوا قد هربوا منه لما قصد عجلون ظناً منهم أن ذلك ينجيهم منه ففعل بهم ذلك فرجعوا فطلبوا الأمان. وفيها في ثالث جمادى الأولى تزلزلت مدينة حلب وقت الظهر، وكانت ساعة مهولة وضج الناس بالدعاء ثم سكنت وانتشرت في عدة من تلك البلاد، ذكر لي ذلك القاضي علاء الدين. وفي هذا الشهر تعصب أكثر الأمراء على يشبك واتفقوا مع الناصر أن يقبض عليه فلما أحس بذلك جمع أخوته ومن أطاعه فوافقه تمراز ويلبغا الناصري وإينال حطب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 وقطلوبغا الكركي وسودون الحمزاوي وطولو وتوثب على مدرسة حسن فصعد إليها لأنها كانت مجاورة بيته ورتب فيها آلات الحرب ثم أظهر الشقاق وأراد أخذ المملكة فقام عليه باقي الأمراء فدامت الحرب بينهم أياماً من رابع جمادى الأولى إلى سابعه، ثم كانت الكسرة على يشبك وأتباعه فهرب في الليل هو وأكثر من أطاعه وهرب معه سعد الدين ابن غراب واستمرت هزيمتهم إلى الشام فوصلوها في آخر جمادى الأولى ودخلوا دمشق في أول رجب فتلقاهم نائب الشام وبالغ في إكرامهم حتى قيل إن جملة ما ألزمه عليهم مائتا ألف دينار، وكان شيخ النائب قد أخرج نوروز من قلعة الصبيبة وأحسن إليه، ووصل إليهم أسن باي من صفد وكان مسجوناً بها ووصل إليهم قنباي العلائي الذي كان هرب من السجن فأرسلوه إلى جكم فاستماله حتى استمال معهم وتوجه إلى دمشق فتلقوه وأنزل في الميدان وأرسل إليه شيخ بهدايا جليلة ثم أفرج عن قرا يوسف من السجن فركب معه وجمع جمع جم من التركمان وأنعم شيخ على نوروز بالدورة التي جرت العادة بها في بلاد الشام فحصل جملة مستكثرة، ولما فر يشبك كان قد أغلقت أبواب القاهرة في هذه الفتنة أياماً ففتحت وزاد الكلام ونقص ثم استقر الأمر وقرر إينال باي بن قجماس قريب السلطان أمير آخور وسكن الاصطبل واستقر بيبرس قريب السلطان أتابكاً ويشبك ابن ازدمر رأس نوبة كبيراً وسودون المارداني في الدويدارية الكبرى ووصل دقماق نائب حلب إلى دمشق بحسب تفويض السلطان ذلك إلى اختياره والإذن له في المقام بأي بلد شاء، واستقر أبو كم في نظر الجيش وابن قيماز في الإستادارية عوضاً عن ابن غراب ثم صرف أبو كم واستقر بدر الدين ابن نصر الله في ثاني عشري جمادى الآخرة، فكانت مدة أبو كم في نظر الجيش عشرة أيام ثم صرف ابن البقري عن الوزارة ونظر الخاص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 وأضيفتا لابن نصر الله وقبض على ابن البقري ثم صرفتا عنه ووليهما ناصر الدين قريب ابن الطبلاوي في رمضان وكان قبل ذلك شاد الدواوين. وفي رابع رجب صرف ابن قيماز من الأستادارية واستقر جمال الدين يوسف البيري أستاداراً بجاس. وفي شعبان أفرج عن يلبغا السالمي أيضاً من الإسكندرية وقدم في رمضان واستقر مشير الدولة، ثم لما اجتمعت الأمراء على العصيان على الناصر هرب منهم دقماق واحتاج نائب الشام إلى الأموال فأخذ من التجار عشرة آلاف دينار ومن الغوطة من كل بستان دينارين واستولى على كل شعير بدمشق ولما استقر يشبك بدمشق كاتب جكم فجمع العساكر وجاء إلى دمشق واجتمعت كلمة غالب النواب على ذلك وخرج معهم قرا يوسف بمن معه من التركمان فاجتمع من لا يحصى وأنفق فيهم نائب الشام شيخ من الأموال ما لا يدخل تحت الحصر، وساروا أولاً إلى صفد فحاصروها وبها بكتمر جلق فصالحوه ثم توجهوا جميعاً بعد قدوم جكم من الشام إلى مصر وبلغ ذلك الأمراء بمصر فتجهزوا فخرجوا في ثامن ذي الحجة، وكان يشبك لما خرج على السلطان أرسل بالإفراج عن السالمي وأعيد إلى الإشارة فباشرها بشدة عظيمة وسطوة وصار الوزير وغيره لا يقطعون أمراً دونه وخلص من سجن الإسكندرية سودون من زاده والمشطوب وصرق فاستقر سودون من زاده حاجباً كبيراً وصرق كاشفاً وجمال الدين أستادار بجاس في الأستادارية في شهر رجب من هذه السنة وأضيف إليه كشف الوجه البحري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 وخرج العسكر إلى الريدانية في الثاني من ذي الحجة ثم ساروا إلى جهة الشام، فلما انتهوا إلى منزلة السعيدية في رابع عشر ذي الحجة وجدوا العسكر الشامي قد وصل، وكانوا خرجوا من رمضان وهلم جرا فالتقى الجمعان ليلاً بغير تعبية، فأشار قرا يوسف على الشاميين بالمبيت على العسكر المصري، فدهمهم ما لم يكن في حسابهم فانهزموا لا يلوي أحد على أحد إلى أن انتهوا إلى القاهرة. وأما الناصر فأركبه سودون طاز وغيره الهجن وشق به البرية إلى أن انتهى به إلى القلعة بعد معاناة عظيمة ومقاساة جهد بعد يأس شديد، واجتمع إليه من انهزم وتحايوا وتهيئوا للقتال، ووقع في القاهرة هرج عظيم وغلقت أبواب البلد والدروب وانقطعت المعايش وتباطأ الشاميون بسبب النهب فأخذوا من العسكر المصري ما لا يدخل تحت الوصف من الأقمشة والجمال والخيول، ووقع صرق في قبضة نائب الشام فضرب عنقه صبراً، ولما عزموا في الرحيل إلى جهة القاهرة استعجل جكم فالتمس منهم أن يبايعوه بالسلطنة قبل دخول القاهرة فأنفوا من ذلك واختلفت الكلمة، وكانوا قد حاصروا القلعة وكادوا أن يملكوا البلد فراسلوا الناصر فاقتضى رأي شيخ ومن وافقه الرجوع إلى الشام، واقتضى رأي يشبك ومن وافقه الدخول إلى مصر خفية، واقتضى رأي كراي ويلبغا الناصري وسودون الحمزاوي الدخول تحت طاعة الناصر، فوصلوا إليه وتفرق بقية الناس فدخل أكثرهم القاهرة خفية، ورجع جكم لما رأى الخذلان إلى جهة الشام حمية بمن معه، واستمرت الهزيمة على الشاميين فتفرقوا، ثم اجتمع جكم وشيخ وقرا يوسف ومن بقي معهم ببلبيس ورجعوا ولم يظفروا بطائل فنودي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 بالقاهرة على أعيان الأمراء الذين اختفوا ثم سكن الحال واحتيط على موجود الأمراء الهاربين وقرر على مباشري يشبك مائة ألف دينار وعلى مباشري سودون الحمزاوي ثلاثين ألف دينار، وكان جملة من فرّ من مماليك السلطان مائتي نفر، وصودر شمس الدين الحلاوي وعصر لأنه كان يباشر عند يشبك، وسلم الشيخ زين الدين القمني لشادي الدواوين لأنه كان أعان يشبك بقسي وسهام ومال، وسعى ابن غراب إلى أن أمنوه فظهر هو وكثير من الأمراء في العام الآتي ثم ظهر يشبك وأعيدت إليه وظائفه وعفا السلطان عنه. ويقال: إن سبب ذلك أن العسكر المصري لما كبس ركب السلطان فأبصره يشبك وقد أراد بعض المماليك أن يقتله فحماه منه إلى أن نجا فرعى له ذلك. وفي آخر هذه السنة سجن الأمراء الذين استأمنوا إلى الناصر وكان يشبك لما انهزم أرسل طولو إلى الشيخ يخبره بأمرهم ويستأذنه في قدومهم عليه فأذن وجهز له الإقامة ثم تلقاه وترجل له فترجل يشبك أيضاً ودخل دمشق بمن معه في رابع رجب، ثم راسل شيخ خلف نوروز فحضر إليهم من الصبيبة وكان معتقلا بها وكذا حضر دقماق نائب حلب وأفرج شيخ عن قرا يوسف وكان معتقلاً بقلعة دمشق، وأنفق فيهم ما يزيد على مائتي ألف دينار وراسله بكتمر جلق نائب صفد بأنه يوافقهم واتفق خروج المحمل فركب في موكب جليل وركب معه جميع الأمراء القادمين، وهم يشبك وسودون الحمزاوي وجركس المصارع وتمراز وقطلوبغا الكركي وإينال حطب ويلبغا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 الناصري وابن غراب وابن سنقر في آخرين، ثم قدم عليه جكم فوافقهم بعد أن كان اجتاز بحلب ففرّ منه دمرداش ثم سار بالعساكر من الشام وخلف بدمشق تمراز ويلبغا الناصري وجماعة معهما وانضم إلى شيخ أحمد ابن بشارة بعشيره وعيسى الكابولي بعشيره والتركان مع قرا يوسف ونزلوا كلهم على صفد فأرسلوا قاضي العسكر تقي الدين يحيى ابن الكرماني إلى بكتمر يدعوه إلى الموافقة فلم يقبل، فحاصروه إلى أن طلب الأمان، وخربت في تلك المدة صفد خراباً شنيعاً، ثم إنهم رجعوا إلى دمشق، وأعطى شيخ الأمير نوروز الدورة في بلاد حوران والرملة فغدر به وتوجّه إلى القاهرة ومعه جماعة فدخلوا في طاعة الناصر، وقطعت الخطبة من دمشق للناصر، ثم أفرج عن أحمد بن أويس من الاعتقال، وخرجت العساكر من دمشق في يوم الإثنين ثاني عشر ذي القعدة إلى قبّة يلبغا، وخلف بدمشق سودون الظريف، وتقدم الجاليش ثم تبعه بقيّة الأمراء ففرّ منهم دقماق إلى صفد، ولما وصلوا غزّة استناب فيها الطنبغا العثماني، واستناب بالقدس الشهاب ابن اليغموري فوصلوا إلى الصالحية يوم التروية فاستولوا على ما كان للسلطان بها من إقامة، فلما رحل من الصالحية أخبر بأن السلطان جمع العساكر ونزل بلبيس ثم التقت كشّافة الفريقين، ثم نزل السلطان بعساكره السعيدية، ونزل شيخ بمن معه قريباً فلما جنَّ عليهم الليل كبسهم شيخ ومن معه فانكسر عسكر الناصر وقاموا لا يلوي أحد على أحد من الدهشة وانهزموا، فنجا الناصر بنفسه مع الهجانة إلى بلبيس ثم إلى قلعة الجبل، واستولى شيخ على الخليفة والقضاة وجماعة من المماليك والأمراء ثم ركب بمن معه إلى أن وصل إلى الرّيدانيّة فوقف عند تربة الظاهر وما بقي إلا الظفر، فاختلفت الآراء فيمن يكون سلطاناً، وتنمّر لهم جكم وصرّح بإرادة السلطنة فأنِفوا من ذلك ففرّ خلق كثير إلى الناصر وطلبوا الأمان، منهم إينال حطب وجمق ويلبغا الناصري وسودون الحمزاوي، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 ودخل يشبك ومن معه وطائفة ليلاً إلى القاهرة فتوزّعوا في البيوت، ورجع شيخ ومن معه لما رأوا ذلك إلى دمشق، وخلص الخليفة والقضاة ومن معهم فتوجهوا إلى منازلهم وذلك بعد أن وقع القتال بينهم تحت القلعة من جهة دار الضيافة فخامر إينال حطب وجمق وأسن باي ويلبغا الناصري والحمزاوي، وقتل في هذه الكائنة صرق وأسن بيه وأقباي الحاجب الكبير، ولما تفرّق الأمراء بعد إشرافهم على الظفر خلص من كان أسر منهم من الخليفة والقضاة والجند ثم أمر السلطان بحبس الأمراء الذين خامروا بالإسكندرية ولما فر الأمراء أحبط على موجودهم فقرر على مباشري يشبك مائة ألف دينار وعلى مباشري سودون الحمزاوي ثلاثون ألف دينار، وكان جملة من فرّ من المماليك السلطانية مائتي نفس من المنزلين في ديوان السلطان. وفي أول هذه السنة حاصر دمرداش نائب حلب أنطاكية وبها فارس ابن صاحب الباز التركماني، فأقام مدة ولم يظفر منها بطائل، وكان جكم مع فارس فتوجه جكم بعده إلى طرابلس فغلب عليها وطرد عنها نائبها وهو شيخ السليماني، ثم توجه إلى حلب فنازلها وبها دمرداش وذلك في شعبان فالتقيا وجرى بينهما قتال كبير فانكسر دمرداش وخرج من حلب فركب البحر إلى القاهرة وملكها جكم ودخل من باب أنطاكية ثم خرج إلى جهة البيرة فقطع الفرات وأوقع بالتركمان وغلب على مواشيهم وأسر منهم جمعاً كثيراً، ورجع في سلخ شعبان ثم توجه إلى طرابلس ثم إلى دمشق. وفيها في جمادى الأولى زلزلت مدينة حلب زلزلة عظيمة ففزع الناس لها ولجأوا إلى الله، فسكنت ثم عاودت مراراً ولم تفسد شيئاً ولله الحمد. وفيها توجه شهاب الدين أحمد بن كندغدي رسولاً إلى اللّنك من المصريين فاتفق وفاته بحلب في ليلة السبت رابع عشر ربيع الآخر من هذه السنة. وكان الغلاء قد اشتد فيها فخرجوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 إلى الاستسقاء فاستسقوا في شهر رجب فخطب بهم في اليوم الثاني أبو زرعة ابن القاضي شرف الدين الأنصاري، ثم عادوا في الثالث فخطب بهم شمس الدين ابن الحدّاد الطوفي، فلما انصرفوا حصل مطر لكنه غير غزير لكنهم استبشروا به ثم جاء المطر بعد ذلك. وفي هذه السنة نودي على الفلوس أن يتعامل بها بالميزان وذلك في شعبان وسعّرت كل رطل بستة دراهم وكانت فسدت إلى الغاية بحيث صار وزن الفلس ربع درهم بعد أن كان مثقالاً. وفي يوم عيد النحر والعسكر خارج البلد أمر السالمي أن ينادى على الفلوس كل رطل بأربعة دراهم، فحصل للناس من ذلك تشويش عظيم وأكثروا الدعاء عليه، فبلغ ذلك السلطان فكاتب السالمي بالمنع من ذلك وأمر بإعادة الفلوس إلى ستة كل رطل، ثم أرسل السلطان بإمساك السالمي، فأمسك ليلة كبس السلطان بالسعيدية، ثم سجن بالإسكندرية في نصف ذي الحجة بعد أن سلّمه السلطان لجمال الدين فعوقب بالعصي بسبب أنه كاتب السلطان أنه حصل له ثلاثة آلاف دينار فطلبت منه، وفي سابع عشر ذي الحجة نقل إلى دمياط، ثم في تاسع عشر ذي الحجة بعد استقرار السلطان بمملكته وظهور ابن غراب أعيد أخوه فخر الدين إلى الوزارة ونظر الخاص. وفي الرابع والعشرين من ذي الحجة استقر نوروز في نيابة الشام، ووصل شيخ وجكم وقرا يوسف إلى الشام في ثامن عشري ذي الحجة، واستقر بكتمر الجركسي في نيابة صفد، وسعد الدين بن غراب مشيراً، ولبس بزيّ الأمراء حينئذ، واستمر جمال الدين في الأستاداريّة. وفي ذي الحجة هرب أحمد بن أويس من دمشق إلى جهة بلاده، وكان النائب قد أطلقه من السجن، فخشي أن ينكسروا فيقبض عليه فهرب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 وفيه أحدث بمكة قاضيان مالكي وحنفي، فالحنفي شهاب الدين أحمد بن الضياء محمد بن محمد بن سعيد الهندي، والمالكي المحدّث تقي الدين محمد بن أحمد بن علي الفاسي، وذلك بعناية السالمي، وكنت ممن ساعد الفاسي في ذلك. وفي أوّلها وصل اللنك إلى سمرقند، واستقبله ملوك تلك البلاد وقدّموا له الهدايا، وأمر بعد قدومه بتزويج ولده شاه رخ، وعمل له عرساً عظيماً بلغ فيه المنتهى، وراعى وصية ابن عثمان في التتار فاستصحبهم معه في جملة العسكر إلى أن فرّقهم في البلاد ولم يجعل لهم رأساً فتمزّقوا، ثم عزم اللنك على الدخول إلى بلاد الخطا، فأمر أن يصنع له خمسمائة عجلة وتضبب بالحديد، وبرز في شهر رجب ورحل إلى تلك الجهة، فلما وصل إلى أترار فجأه الأمر الحق فوعك فاستمر في توعّكه أيّاما، ولم ينجع فيه الطب إلى أن قبض في سابع عشر شعبان، وحمل حينئذ إلى سمرقند. وفيه في جمادى الأولى جهزت بنت تنم، وهي أخت الناصر لأمه إلى الشام، وتلقّاها زوجها نائب الشام شيخ، فدخلت في جمادى الآخرة فدخل بها وأولدها ومات عنها، وتزوجت بعده بعض الأمراء الصغار، وماتت في عصمته سنة ست وثلاثين. وفي ثامن عشر من جمادى الآخرة صرف جلال الدين البلقيني من قضاء الشافعية، واستقرّ شمس الدين الأخنائي وهي الثالثة للأخنائي، ثم صرف الأخنائي في ثالث عشري ذي القعدة، واستقر جلال الدين وهي الرابعة له وصرف جمال الدين البساطي عن قضاء المالكية واستقر ولي الدين ابن خلدون في حادي عشر رجب، ثم صرف في أواخر ذي القعدة واستقر جمال الدين عبد الله بن مقداد الأقفهسي. وفي أول يوم من المحرم وصل أبو العباس الحمصي دمشق على قضاء الشافعية بها. وفي ربيع الأول صرف أبو العباس الحمصي عن قضاء دمشق وكان قبيح السيرة متجاهراً بأخذ الرشوة، وولي علاء الدين ابن أبي البقاء. وفي صفر وصل عبد العزيز البغدادي من القدس فعقد له مجلس مع الباعوني فزعم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 عبد العزيز أنه قطع عليه الطريق وأخذ قماشه ونهب ما معه من الورق والمستندات فادعى عليه الباعوني أنه حكم عليه بما حكم به مع ثبوت العداوة بينهما، وكان قد أثبت ذلك على قاضي القدس الشافعي ونفذها له المالكي بدمشق فأنكر عبد العزيز العداوة، فحكم عليه المالكي بثبوتها عنده واقتضى الحال تعزيره فعزر فكشف رأسه ثم توجه المذكور إلى بغداد فأقام بها وولي قضاءها وكان ما سنذكره. وفيها مات الطاغية تمرلنك الخارجي في سابع عشر شعبان بعلة الإسهال القولنجي وله تسع وسبعون سنة وكان بصفه بطالا وقد أباد البلاد والعباد، وأكثر في الأرض الفساد، ولم يكن له في عراق العجم منازع، ثم ملك عراق العرب ودخل البلاد الشامية فملكها إلا اليسير منها، ثم دخل الروم فحارب المسلمين بها وترك الفرنج ودخل الهند قبل ذلك، فحارب المسلمين بها وترك الكفار، وعزم في آخر عمره على الدخول إلى الصين فمضى في الشتاء فهلك من عسكره أمم لا يحصون، فرجع إلى سمرقند فأخذه أسر البول فتمادى به حتى هلك بالقولنج، وأراح الله منه. وفي أواخر هذه السنة وعك السلطان إلى أن أشرف على الموت ثم فرج الله تعالى عنه وتعافى. ذكر من مات في سنة سبع وثمانمائة أحمد بن عبد الله بن محمّد بن محمّد بن محمّد الأنصاري أبو اليسر محي الدين ابن تقي الدين بن نور الدين ابن الصائغ الدمشقي نزيل الصالحية ولد سنة تسع وثلاثين في جمادى الآخرة، وسمع من الواد آشى وأحمد ابن علي الجزري وزينب بنت الكمال بعناية أبيه فاكثر وسمع من زين الدين ابن الوردي، وعني بالأدب والتاريخ وطلب بنفسه وكتب الطباق وتخرج بابن سعد وتفرد بأشياء سمعها، كان حسن المذاكرة سمعت منه بدمشق وكان عسراً في الرواية، مات في شهر رمضان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 أحمد بن كندغدي التركي أحد الفضلاء المهرة من الحنفية، اشتغل في عدة علوم وفاق فيها، وكان قد اتصل بالملك الظاهر في أواخر دولته ونادمه ثم توجه رسولاً من ولده الناصر إلى تمرلنك في أواخر سنة ست فقدرت وفاته بحلب في ربيع الأول من هذه السنة في الرابع عشر منه، أرخه البرهان المحدث وأثنى عليه بالعلم والمروءة ومكارم الأخلاق رحمه الله تعالى لقيته مراراً وسمعت من فوائده وقرأ عليه صديقنا مجد الدين بن مكاس المقامات فكان يجيد تقريرها على ما أخبرني به المجد وقال القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية في تاريخه: كان عالماً ديناً تمرض لما دخل إلى حلب؛ فعزم على الرجوع فأدركه الأجل المحتوم في شهر ربيع الأول، ودفن خارج باب المقام، وقد جاوز الستين. أنس بن علي بن محمّد بن أحمد بن سعيد بن سالم الأنصاري أبو حمزة الدمشقي سمع بعناية قريبه صدر الدين ابن إمام المشهد من عبد الله بن القيم واستجاز له القلانسي وغيره وطلب بنفسه فسمع من جماعة من أصحاب القاضي سليمان فمن بعدهم وقرأ بنفسه وانتقى على بعض الشيوخ وكان متيقظاً نبيهاً عارفاً بالوثائق والأدبيات مع المروءة والديانة، وكان في بدايته بزي الأجناد ثم لبس زي الفقهاء، مات في رجب وله ثمان وخمسون سنة، سمعت منه قليلاً، وكتب عني من نظمي، وسمع معي كثيراً وأفادني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 أبو بكر بن داود بن أحمد الحنفي الدمشقي أحد الفضلاء في مذهبه، ناب في الحكم ودرس، مات في جمادى الأولى. تاج بن محمود بن محمّد الأصفهندي الشيخ تاج الدين العجمي نزيل حلب، قدم من بلاد العجم حاجاً ثم رجع فسكن في حلب بالمدرسة الرواحية وأقرأ بها النحو، ثم انثالت عليه الطلبة فلم يكن يتفرغ لغير الاشتغال بل يقرئ من بعد صلاة الصبح إلى الظهر بالجامع ومن الظهر إلى العصر بجامع منكلى بغا، ويجلس من العصر إلى المغرب بالرواحية للإفتاء، وكان عفيفاً ولم يكن له حظ ولا تطلع إلى أمر من أمور الدنيا، وأسر مع اللنكية فاستنقذه الشيخ إبراهيم صاحب شماخي وأحضره إلى بلده مكرماً، فاستمر عنده إلى أن مات في ربيع الأول، أخذ عنه غالب أهل حلب وانتفعوا به، وقد شرح المحرر في الفقه، وأقرأ الحاوي، قرأت بخط القاضي علاء الدين في تاريخه سألته عن مولده في سنة إحدى وثمانمائة فقال لي: الآن اثنتان وسبعون سنة. تيمور اللنك بن ططرغان الجقطاي، قد قدمت أوليته في هذا المجموع كان من اتباع طقتمش خان آخر الملوك من ذرية جنكز خان، فلما مات وقرر في السلطنة ولده محمود استقر تيمور أتابكه وكان أعرج وهو اللنك بلغتهم، فعرف بتمر اللنك، ثم خفف فقيل: تمرلنك، وتزوج أم محمود وصار هو المتكلم في المملكة، وكانت له همة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 عالية وتطلع إلى الملك، فأول ما جمع عسكراً ونازل بخارى فانتزعها من يد أميرها حسن المغلي، ثم نازل خوارزم فاتفق وفاة أميرها حسن المغلي، واستقر أخوه يوسف فانتزعها اللنك أيضاً، ولم يزل إلى أن انتظم له ملك ما وراء النهر، ثم سار إلى سمرقند وتملكها ثم زحف إلى خراسان فملك هراة، ثم ملك طبرستان وجرجان بعد حروب طويلة سنة أربع وثمانين، فنجا صاحبها شاه وتعلق بأحمد بن أويس صاحب العراق فتوجه اللنك إليهم فنازلهم بتبريز وأذربيجان، فهلك شاه في الحصار وملكها اللنك، ثم ملك أصبهان وفي غضون ذلك خالف عليه أمير من جماعته يقال له قمر الدين وأعانه طقتمش خان صاحب صراي فرجع إليهم ولم يزل يحاربهم إلى أن أبادهم واستقل بمملكة المغل، وعاد إلى أصبهان سنة أربع وتسعين فملكها، ثم تحول إلى فارس وبها أعيان بني المظفر اليزدي فملكها ثم رجع إلى بغداد سنة خمس وتسعين فنازلها إلى أن غلب عليها، وفر أحمد بن أويس صاحبها إلى الشام واتصلت مملكة اللنك بعد بغداد بالجزيرة وديار بكر، فبلغت أخباره الظاهر برقوق فاستعد له وخرج بالعساكر إلى حلب فرجع إلى أذربيجان فنزل بقراباغ، فبلغه رجوع طقتمش إلى صراي فسار خلفه ونازله إلى أن غلبه على ملكه في سنة سبع وتسعين، ففر إلى دلغادر، وانضم عسكر المغل إلى اللنك فاجتمع معه فرسان المغل وغيرهم ثم رجع إلى بغداد، وكان أحمد فر منها ثم عاد إليها فنازلها إلى أن ملكها وهرب أحمد ثانيا فسار إلى أن وصل إلى سيواس فملكها ثم حاصر بهسنا مدة، وبلغ ذلك أهل حلب ومن حولها فانجفلوا، ونازل حلب في ربيع الأول فملكها، وفعل فيها الأفاعيل الشنيعة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 ثم تحول إلى دمشق فسار من حلب في أول ربيع الآخر، فكان من أمر الناصر ورجوع العساكر إلى مصر ما تقدم، وتوجه من دمشق في شعبان، فلما كان في سنة أربع وثمانمائة قصد بلاد الروم فغلب عليها وأسر صاحبها، ومات في الاعتقال. ودخل الهند فنازل مملكة المسلمين حتى غلب عليها، وكان مغرى بغزو المسلمين وترك الكفار، وصنع ذلك في بلاد الروم، ثم في بلاد الهند؛ وكان شيخاً طوالاً شكلاً مهولاً طويل اللحية، حسن الوجه، بطلاً شجاعاً، جباراً، غشوماً، ظلوماً سفاكاً للدماء، مقداماً على ذلك، وكان أعرج، شلت رجله في أوائل أمره، وكان يصلي من قيام، وكان جهير الصوت، وكان يسلك الجد مع القريب والبعيد، ولا يحب المزاح، ويحب الشطرنج وله فيها يد طولى، وزاد فيها جملاً وبغلاً وجع رقعته عشرة في أحد عشر، وكان فيها ماهراً وكان لا يلاعبه به إلا الأفراد، وكان يقرب العلماء والصلحاء والشجعان والأشراف وينزلهم منازلهم ولكن من خالف أمره أدنى مخالفة استباح دمه، فكانت هيبته لا تدانى بهذا السبب، وما اخرب البلاد إلا بذلك لأنه كان من أطاعه في أول وهلة أمن، ومن خالفه أدنى مخالفة وهن. وكان له فكر صائب ومكايد في الحرب عجيبة وفراسة قلَّ أن تخطئ، وكان عارفاً بالتواريخ لإدمانه على سماعه، لأنه لا يخلو مجلسه عن قراءة شيء منها سفراً وحضراً، وكان مغرى بمن له معرفة بصناعة ما إذا كان حاذقاً بها، وكان أمياً لا يحسن الكتابة، وكان حاذقاً باللغة الفارسية والتركية والمغلية خاصة، وكان بقدم قواعد جنكز خان ويجعلها أصلاً ولذلك أفتى جمع جم بكفره مع أن شعائر الإسلام في بلاد ظاهرة، وكان له جواسيس في جميع البلاد التي ملكها والتي لم يملكها وكانوا ينهون إليه الحوادث الكائنة على جليتها ويكاتبونه بجميع ما يروم فلا يتوجه إلى جهة إلا وهو على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 بصيرة من أمرها، وبلغ من دهائه أنه كان إذا أراد قصد جهة جمع أكابر الدولة وتشاوروا إلى أن يقع الرأي على التوجه في الوقت الفلاني إلى الجهة الفلانية فيكاتب جواسيس تلك الجهات فيأخذ تلك الجهة المذكورة حذرها ويأمن غيرها فإذا ضرب النفير وأصبحوا سائرين ذات الشمال عرج بهم ذات اليمين فإلى أن يصل الخبر الثاني دهم هو الجهة التي يريد وأهلها غافلون. وكان أنشأ بظاهر سمرقند بساتين وقصوراً عجيبة، فكانت من أعظم النزه، وبنى عدة قصبات سماها بأسماء البلاد الكبار كحمص ودمشق وبغداد وشيراز، ولما مات كان له من الأولاد أمير زاه شاه وشاه رخ وبنت له اسمها سلطان بخت، وكان له ثلاث زوجات، ومن السراري شيء كثير، وكان يجمع العلماء ويأمرهم بالمناظرة ويعنتهم في المسائل؛ وأخباره مطولة. قصبات سماها بأسماء البلاد الكبار كحمص ودمشق وبغداد وشيراز، ولما مات كان له من الأولاد أمير زاه شاه وشاه رخ وبنت له اسمها سلطان بخت، وكان له ثلاث زوجات، ومن السراري شيء كثير، وكان يجمع العلماء ويأمرهم بالمناظرة ويعنتهم في المسائل؛ وأخباره مطولة. حرمي بن سليمان البباءي ثم القاهري، ولد قبل الخمسين وتفقه قليلاً، وسمع من الشيخ بهاء الدين ابن خليل وغيره، وناب في الحكم ودرس بالشريفية، وولي الإعادة في المنصورية، نزل له عنها بعض العجم وفي ذلك يقول الشاعر: قالوا توالى الببائي مع جهالته ... وكان أجهل منه النازل العجمي فأنشد الجهل بيتاً ليس تنكره ... ما سرت من حرم إلا إلى حرمي واتفق أن جركس الخليلي غضب على شاهد عنده مرة فصرفه واستخدم عنده حرمي هذا فنقم عليه أمراً فأنشده: ما سرت من حرم إلا إلى حرمي وأشبع فتح الراء فعد ذلك من نوادر الخليلي، مات في رمضان وقد جاوز الستين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 عبد الله بن عمر بن علي بن مبارك، جمال الدين أبو المعالي الهندي السعودي الأزهري، المعروف بالحلاوي بمهملة ولام خفيفة أسمع الكثير من يحيى ابن المصري وأحمد بن علي المستولي وإبراهيم ابن علي الخيمي وجمع جم من أصحاب النجيب وابن علاف وابن عزوز وابن عبد الدائم فأكثر، وكان ساكناً خيراً صبوراً على الإسماع قل أن يعتريه نعاس، قرأت عليه مسند أحمد في مدة يسيرة في مجالس طوال، وكان لا يضجر وكان جده الشيخ مبارك معتقداً فبنى له بالأبارين بقرب الجامع الأزهر زاوية يسكن بها أولاده، وكانت موعداً لإسماع المشايخ، فلذلك كثرت سماعات شيخنا وأكثر ما حدث به فمن أصوله، وفي الجملة لم يكن في شيوخ الرواية من شيوخنا أحسن أداء ولا أصغى للحديث منه، مات في صفر وقد قارب الثمانين، لأن مولده في وسط سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. عبد الله بن عمر المدني التواتي كان من أهل الخير والصلاح وأقام بالمدينة مجاوراً إلى أن مات، وكان يتردد إلى مصر والشام، مات بالقاهرة. عبد الله بن محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن إدريس بن نصر النحريري جمال الدين المالكي، ولد سنة أربعين واشتغل بالعلم بدمشق وبمصر وفضل وسمع من الظهير ابن العجمي وشمس الدين محمّد بن حسن الأنفي وغيرهما ثم ناب في الحكم بحلب، ثم ولي قضاء حلب سنة سبع وستين فبعث إلى القيام مع ابن أبي الرضا على الملك الظاهر، وقدم مرسوم الظاهر إلى حلب بإمساكه، وذلك بعد أن رجع الظاهر من حلب بعد قتل الناصري فأحس بذلك، فخشي منه ففر إلى بغداد فأقام بها على صورة فقير فلم يزل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 هناك إلى أن وقعت الفتنة اللنكية ففر إلى تبريز، ثم تحول إلى حصن كيفا فأكرمه صاحبه فأقام عنده، وكان قد سمع الكثير من أصحاب الفخر، وكانت على ذهنه فوائد حديثية وفقهية، وكان يحب الفقهاء الشافعية ويعجبه مذاكرتهم، ثم رجع من الحصن إلى حلب فدخلها في صفر فحدث بها وأقام بها أياماً ثم توجه إلى دمشق سنة ست فحج، ثم رجع قاصداً الحصن، فلما كان بسرمين مات في بكرة يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول منها. قرأت بخط حاكم البلاد الحلبية القاضي علاء الدين في تاريخها: كان إماماً فاضلاً فقيهاً يستحضر كثيراً من التاريخ ويستحضر مختصر ابن الحاجب في الفقه، وكان يحب العلم وأهله، وكان من أعيان الحلبيين، وقرأت بخط البرهان المحدث بحلب أنه سأل نور الدين ابن الجلال عن فرعين منسوبين للمالكية فلم يستحضرهما وأنكر أن يكونا في مذهب مالك، قال: فسألت الشيخ جمال الدين فاستحضرهما وذكر أنهما يخرجان من كلام ابن الحاجب الفرعي. عبد الله بن محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن لاجين الرشيدي، سمع من الميدومي وابن الملوك وغيرهما، وكان يلازم قراءة صحيح البخاري، وسمعنا بقراءته، وكان حسن الأداء، وسمعت منه من المعجم الكبير أجزاء، مات في رجب وقد جاوز السبعين بأشهر. عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد بن عثمان ابن أبي الرجاء بن أبي الأزهر الدمشقي المعروف بابن السلعوس، يُكنى أبا بكر، سمع من زينب بنت ابن الخباز وحدث عنها، أجاز لي. عبد الكريم بن أحمد بن عبد العزيز النستراوي الأصل المصري، ولد في ربيع الأول سنة ست وثلاثين، وتنقلت به الأحوال في المباشرات إلى أن ولي صحابة ديوان الجيش، ثم ولي نظر الجيش. ثم عزل واستمر خاملاً إلى أن مات، وكان قد سمع من جمال الدين ابن نباتة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 وعمه بدر الدين بن عبد العزيز وابن البوري بالإسكندرية، وكان محباً في الصالحين وفي أهل الخير، اختل حاله في أواخر عمره ومات فلم يخلف إلا نزراً يسيراً إلا أنه لم يخلف عليه ديناً فشابه عمه من جهة وفارقه من جهة، فإن عمه مات وخلف ديناً كثيراً وتركة زوجته فجاء ما يحصل من تركة زوجته من نصيبه بقدر وفاء دينه، وهذا لما مات لم يخلف إلا ستمائة درهم فاخرج منها ولم يخلف فرساً ولا حماراً ولا داراً إلا قليلاً من الثياب الملبوسة وأثاثاً يسيراً، وخلف خمس بنات وزوجة وابني أخ، فلم تبلغ تركته إلا شيئاً يسيراً، وهو جد أولادي لأمهم؛ مات في آخر ربيع الأول، سمعت منه قليلاً. عبد المنعم بن سليمان بن داود الشيخ شرف الدين البغدادي الحنبلي ولد ببغداد واشتغل بها، وتفقه ومهر وأفتى ودرس وصحب تاج الدين السبكي وغيره، وأخذ الفقه عن الموفق الحنبلي، وتعين للقضاء غير مرة فلم يتفق ذلك وكان صاحب نوادر وفكاهة، وقد درس للحنابلة بالمنصورية وإفتاء دار العدل، ثم دخل القاهرة فاستوطنها، وولي تدريس أم الأشرف بعد حسن النابلسي سنة اثنتين وسبعين؛ ومات في شوال. عبيد الله - بالتصغير - بن عبد الله الإردبيلي جلال الدين الحنفي لقي جماعة من الكبار بالبلاد العراقية وغيرها، وقدم القاهرة فولي قضاء العسكر ودرس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 بمدرسة أم الأشرف بالنيابة وغير ذلك، وكانت لديه فضيلة في الجملة مات في أواخر شهر رمضان. علي بن إبراهيم بن علي القضامي علاء الدين الحموي تفقه بالقاضي صدر الدين ابن منصور وأخذ النحو عن سري الدين المالكي وبرع في الأدب وكتب في الحكم عن البارزي ثم ولي القضاء بحماة وكان من أهل العلم والفضل والذكاء مع الدين والخير والرياسة سمعت من فوائده لما قدم القاهرة في آخر سنة ثلاث وثمانمائة وكتب عني من نظمي ومن شعره: عين على المحبوب قد قال لي ... راح إلى غيرك يبغي اللجين فجئته بالتير مستدركاً ... وقلت ما جئتك إلا بعين وكانت وفاته في ثامن عشر شهر ربيع الآخر من السنة. علي بن عمر بن علي الأنصاري نور الدين ابن سراج الدين ابن الملقن ولد في سابع شوال سنة ثمان وستين وتفقه قليلاً، وسمع من أبيه وبعض المشايخ بالقاهرة ورحل مع أبيه إلى دمشق وحماة وأسمعه هناك، ثم ناب في الحكم ودرس بمدارس أبيه بعده وكان عنده سكون وحياء وتمول في الآخر وكثرت معاملاته، مات في شعبان. علي بن محمّد بن محمّد بن وفا أبو الحسن الشاذلي الصوفي ولد بالقاهرة سنة تسع وخمسين وسبعمائة وكان يقظاً حاد الذهن اشتغل بالأدب والوعظ وحصل له أتباع وأحدث ذكراً بألحان وأوزان يجمع الناس عليه وكان له نظم كثير واقتدار على جلب الخلق مع خفة ظاهرة، اجتمعت به مرة في دعوة فأنكرت على أصحابه إيماءهم إلى جهته بالسجود، فتلا هو وهو في وسط السماع يدور " فأينما تولوا فثم وجه الله " فنادى من كان حاضراً من الطلبة كفرت كفرت فترك المجلس وخرج هو وأصحابه وكان أبوه معجباً به وأذن له في الكلام على الناس وهو دون العشرين وكان أكثر إقامته بالروضة قريب المشتهى، ومات بها في ذي الحجة وله من التصانيف الباعث على الخلاص في أحوال الخواص، والكوثر المترع في الأبحر الأربع، وشعره ينعق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 بالإنحاد المفضي إلى الإلحاد، وكذا نظم والده وفي أواخر أمره نصب في داره منبراً وصار يصلي الجمعة هو ومن يصاحبه مع أنه مالكي المذهب يرى أن الجمعة لا تصح في البلد ولو كبر إلا في المسجد العتيق من البلد، وله ديوان شعر وموشحات وفصول مواعظ ومن شعره: أنا مكسور وأنتم أهل جبر ... فارحموني فعسى يجبر كسري يا كرام الحي يا أهل العطا ... انظروا لي واسمعوا قصة فقري علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر بن عمر بن صالح الهيثمي الشيخ نور الدين أبو الحسن ولد سنة خمس وثلاثين وصحب الشيخ زين الدين العراقي وهو صغير فسمع معه من ابتداء طلبه على أبي الفتح الميدومي وابن الملوك وابن القطرواني وغيرهم من المصريين ومن ابن الخباز وابن الحموي وابن قيم الضيائية وغيرهم من الشاميين ثم رحل معه جميع رحلاته وحج معه جميع حجاته ولم يكن يفارقه حضراً ولا سفراً وتزوج ابنته وتخرج به في الحديث وقرأ عليه أكثر تصانيفه وكتب عنه جميع مجالس إملائه وخرج زوائد الكتب الستة مسند أحمد والبزار وأبي يعلى ومعاجم الطبراني الثلاثة مفردات ثم جمعها في كتاب واحد محذوف الأسانيد وجمع ثقات ابن حبان فرتبها على حروف المعجم وكذا ثقات العجلي ورتب الحلية على الأبواب وصار كثير الاستحضار للمتون جداً لكثرة الممارسة وكان هيناً ليناً خيراً ديناً محباً في أهل الخير لا يسأم ولا يضجر من خدمة الشيخ وكتابة الحديث وكان سليم الفطرة كثير الخير كثير الاحتمال للأذى خصوصاً من جماعة الشيخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 قرأت عليه الكثير قرينا للشيخ ومما قرأت عليه بانفراده نحو النصف من مجمع الزوائد له ونحو الربع من زوائد مسند أحمد ومسند جابر من مسند أحمد وغير ذلك وكان يودني كثيراً ويشهد لي بالتقدم في الفن جزاه الله عني خيراً وكنت قد تتبعت أوهامه في كتابه مجمع الزوائد فبلغني أن ذلك شق عليه فتركته رعاية له؛ مات في شهر رمضان. عيسى ابن حجاج السعدي العالية الشاعر الشطرنجي وكان يذكر أنه من ذرية شاور بن مجير؟ ملك مصر ومهر في الأدب وقال الشعر فأجاد فيه ورحل إلى الشام ولقي الصفدي وغيره وكان يذكر أنه سمع من الصفي الحلي ثم مدح الأعيان وكان يستحضر اللغة عمل بديعية على قافية الراء وقرظها له المجد إسماعيل الحنفي وغيره فهجاه ابن العطار بقوله: عيسى ومن قرظوه ... ما شمت فيهم رئيسا وما رأيت أناساً ... إلا حميراً وعيسا ومن شعر عيسى: تهن بشهر كم به من حلاوة ... وجد لي ببر لا يضيع ثوابه فأن لساني صارم وفمي له ... قراب فأرجو أن يحلى قرابه ومنه: أيا رب الجناب الرحب جد لي ... وكثر في العطاء ولا تقلل وما تهديه لي من خشكنان ... نهار العيد كبر أو فهلل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن أبي سالم شمس الدين ابن الألكابي الحلبي، ولد بحلب خامس شعبان سنة ثمان وأربعين وحفظ المنهاج وعرضه على الزين الباريني وتفقه عليه ونسخ شرح المنهاج لابن الملقن بخطه، وكان والده من الفقهاء بحلب وينوب في بعض البلاد وعرض عليه ذلك بعده فامتنع وتزهد ولبس طريق التصوف، وسافر إلى القدس فلبس الخرقة من الشيخ عبد الله البسطامي، ثم رجع إلى بلده حلب وانقطع بزاوية خارج باب الجبان، وصار معتقداً مقبلاً على شأنه ديّناً بهيّ المنظر وتلمذ له جماعة، وحجّ مراراً وجاور في بعضها، واشتهر عند أهل حلب وبنيت له زاوية، ولبس منه جماعة الخرقة، وكان الأكابر يتردّدون إليه ويتبرّكون به ولا يزداد مع ذلك إلا تواضعاً وتعبّداً، وكان منور الشيبة حسن الخلق والخلق كثير الحياء بهيّ المنظر وسكن بعد الكائنة العظمى في دار القرآن المجاورة للجامع الكبير إلى أن مات بعد الزوال في تاسع ذي القعدة، وحضر جنازته لا يحصون كثرة، نقلته من تاريخ حلب لابن الخطيب الناصرية. محمد بن صالح بن عمر بن أحمد الحلبي المعروف بابن السفاح ناصر الدين، ولي كتابة الإنشاء ثم ترقى إلى أن ولي كتابة السر بحلب، ثم تحوّل منها فوقع على يشبك بالقاهرة وعيّن لكتابة السر بالقاهرة فلم يقدر ذلك، ومات في تاسع عشر المحرّم، وكانت قد انتهت إليه الرئاسة عند يشبك وكان عليه اعتماده في مهماته، وكان عالي الهمة عارفاً بالسياسة كثير المروءة شديد العصبية كثير المحبة للعلماء والصالحين، وحصلت له محنة في سلطنة الظاهر وصودر ثم توجه إلى القاهرة بعد وقعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 تنم فاتصل بالأمير يشبك واستقر في التوقيع بين يديه إلى أن مات فكنت رأيته عنده، وكان لطيف الشكل رحمه الله تعالى. محمد بن عباس بن محمد بن حسين بن محمود بن عباس الصلتي ثم المعري شمس الدين، ولد في سنة خمس وأربعين أو قبلها، وهو سبط البرهان بن وهيبة، ونشأ في حجر خاله بدر الدين بن وهيبة، وولي قضاء غزة في أوائل هذا القرن مضافاً إلى القدس ومن قبل ذلك قضاء بعلبك وحمص وحماه مراراً، ثم قدم القاهرة فسعى في قضاء المالكية بدمشق فوليه ولم يتم أمره، ثم ولي قضاء دمشق على مذهب الشافعي بعد الوقعة أشهراً، ثم عزل ومات معزولاً، وكان مفرطاً في سوء السيرة قليل العلم وكان قد اشتغل قليلا وأذن له شمس الدين ابن خطيب يبرود في الإفتاء، وذكره ابن حجي في تاريخه في حوادث سنة ثمان وثمانين قال: وفيها ولي ابن عباس قضاء بعلبك وهو رجل جاهل وكان الذي عزل به رجل من أهل الرواية يدرس بدار الحديث بها فجاء هذا لا دراية ولا رواية وإنما كان يتولّى بالرّشوة لبعض من لا خير فيه، مات في أول جمادى الأولى، وكان إذا ولي القضاء إنما يكتب له مجرداً عن الأنظار والوظائف فإنه كان أرضى بهما أهل البلد ورضي بالقضاء مجرّداً، ومدّة ولايته لقضاء دمشق في المرّتين سنة وشهر. محمد بن عبد الرحمن الصبيبي المدني اشتغل بالفقه ودرس في الحرم النبوي، ومات بصفد وقد بلغ الخمسين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 محمد بن عبد الرحيم بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد العزيز بن محمد الحنفي ناصر الدين المعروف بابن الفرات المصري، سمع من أبي بكر ابن الصناج راوي دلائل النبوّة وتفرّد بالسماع منه، وسمع الشفاء للقاضي عيّاض من الدلاصي والثواب لآدم من ابن عبد الهادي، وأجاز له أبو الحسن البندنيجي وتفرد بإجازته في آخرين، وكان لهجاً بالتاريخ فكتب تاريخاً كبيراً جدّاً بيّض بعضه فأكمل منه المائة الثامنة ثم السابعة ثم السادسة ثم هكذا صنع في نحو من عشرين مجلّداً ثم شرع في الخامسة وشرع في تبييض المائة الرابعة فأدركته الوفاة وكتب شيئاً يسيراً من أوّل القرن التاسع، وتاريخه في هذا كثير الفائدة إلاّ أنه بعبارة عامّية جدّاً، وكان يتولّى عقود الأنكحة ويشهد في الحوانيت ظاهر القاهرة مع الخير والدين والسلامة، مات ليلة عيد الفطر سنة سبع وله اثنتان وسبعون سنة. محمد بن علي الكفرسوسي شمس الدين الخطيب حفظ القرآن وتعانى النسخ، وكان مأموناً خياراً أضرّ بأخرة، ومات في شهر رمضان. محمد بن عمر بن علي السحولي، بضم المهملتين، اليمني ثم المكي المؤذّن أبو الطيِّب، ولد سنة 732 في رمضان، وسمع الشفاء على الزبير ابن علي الأسواني وهو آخر من حدّث عنه، وسمع على الجمال المطري وغيره، وأجاز له عيسى الحجي وآخرون، سمعت منه قليلا، مات يوم التروية عن ستٍّ وسيعين سنة، وكان حسن الخط جيّد الشعر أضر بأخرة. محمد بن قزموز الزّرعي شمس الدين تفقّه قليلاً وفضل ومهر ونظم الشعر الحسن، وولي قضاء القدس وغيره، ثم توجّه إلى قضاء الكرك فضعف ورجع إلى دمشق فمات بها في رجب وقد بلغ السبعين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 محمد بن محمد بن سالم بن علي بن إبراهيم الحضرمي المالكي سمع من الزبير بن علي الأسواني الشفاء ومن الجمال المطري وحدّث، ومات بالقاهرة في شعبان، بلغ الثمانين أو جاوزها، وكان مذموم السيرة. محمد بن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد بن محمود بن أبي الفتح الربعي المعروف بابن الكويك سراج الدين أبو الطيّب، سمع من الميدومي وغيره، وهو أخو شيخنا شرف الدين أبو الطيّب الأصغر، مات في وسط السنة. محمد بن محمد الطوخي بدر الدين الوزير، ولي وزارة الشام ثم القاهرة مراراً، ومات معزولا وكان يكثر الحج في أيام عطلته جاوز السبعين. محمّد بن أبي محمّد المعروف بشمس أحد من كان يعتقد بمصر أقام بدار الزعفران بجوار جامع عمرو، ومات في رجب. محمّد بن يوسف الصالحي المؤذن ولد قبيل الخمسين، وسمع قليلاً وكان جهوري الصوت بالأذان على كبر سنه، مات بطرابلس في صفر. موسى بن محمّد بن قبانا الشيخ شرف الدين ابن أخت الخليلي الموقت كان أفضل من بقي بالشام في علم الهيئة، وكان رئيس المؤذنين بجامع تنكز وغيره، وكان خيراً، عنده انجماع عن الناس ولا يدخل فيما لا يعنيه ولا ينسب نفسه إلى العلم لا هذا ولا غيره، وله تواليف مفيدة مات في المحرم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 أبو القاسم الحبحابي المغربي الدمشقي المالكي أحد شهود الحكم بدمشق وكان من أعيان فقهائهم، مات في شعبان. الماحوزي والد الخواجا شمس الدين كان قبل الكائنة في حانوت بالخواصين وبعدها في مكان آخر وكان منزله عند قبر عاتكة جاوز الستين ومات في ربيع الأول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 سنة ثمان وثمانمائة استهلت والسلطان ضعيف يرمي الدم والحمى وأشيع موته ثم تعافى، وزينت البلد في الثالث عشر منه وفي ثامن عشر المحرم توجه نوروز على نيابة الشام وسار معه جمع كثير وفي الثالث والعشرين منه وصل رسول نائب الشام شيخ إلى الناصر واسمه يلبغا المنجكي في طلب الصلح والاعتذار عما جرى وكان صحبة الرسول الشيخ شهاب الدين ابن حجي والشيخ شمس الدين ابن قديدار فسمع الناصر الرسالة ولم يعد الجواب وكان نوروز حاضراً لذلك وخرج بعد قليل مسافراً إلى نيابة الشام ونزل الشيخان عند القاضي جلال الدين البلقيني والرسول عند أمير آخور. وفي الثالث من المحرم وصل أمير الحاج وذكر أنه لم يفارقهم إلا من ينبع خوفاً من العرب الذين في الطريق بين مكة وينبع. وفي السابع من المحرم قبض شيخ نائب الشام على سودون الظريف نائب الغيبة بدمشق وسجنه بالصبيبة وقبض على كمشبغا الرماح وغيره وألزم القضاة وكاتب السر بمال وصادرهم به وسلمهم لابن باشلي وولاه القضاء فأخذهم من بين يديه مشاة من القلعة إلى العادلية فرسم عليهم بالنورية فهربوا في أثناء الليل ثم سعوا عند النائب وبذلوا ما وقع عليه الاتفاق وأذن لهم في الحكم واستناب علاء الدين ابن أبي البقاء الشافعي ابن باشي المذكور في قضاء صيدا وبيروت واستمر نوروز متوجهاً إلى الشام واتفق أن نائبها كان توجه إلى الصبيبة فدخل نوروز إلى دمشق في ثاني عشري صفر بغير قتال. وفي السابع من صفر تغير السلطان على بعض الأمراء وتخيل منهم إرادة الركوب عليه منهم يشبك ابن ازدمر وإينال باي ابن قجماس فأمر بإمساك يشبك بن ازدمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 وكان رأس نوبة كبيراً وأمسك معه أميران آخرين وسفرهم إلى الإسكندرية للاعتقال بها فتغيب إينال باي ابن قجماس وهو أمير آخور لما بلغه ذلك ويقال إنه طاف ليلاً على جماعة من الأمراء ليركبوا معه فأبوا فهرب وهرب معه سودون الجلب فأمر الناظر بالحوطة على دار إينال باي فأحيط على موجوده فغضب كثير من المماليك الظاهرية لذلك وظنوا أن يشبك ظهر وأنه عند السلطان وأنه هو الذي رتبه في ذلك فركبوا تحت القلعة ... بمصر ثم عاودوا الركوب في سادس ربيع الأول وسطوا على أرغون وأرادوا قتله فهرب ولما اشتد الأمر ازداد تخوف السلطان منهم فأراد الهرب فأشير عليه بإحضار المحبوسين من الأمراء وتأمين الهاربين ففعل ذلك وكان ما سنذكره. وفي تاسع صفر استقر فخر الدين ابن المزوق في نظر الجيش وصرف بدر الدين ابن نصر الله واستقر محمّد بن شعبان في الحسبة وصرف صدر الدين ابن العجمي ثم أعيد صدر الدين في السابع والعشرين من صفر وفي الحادي عشر منه استقر شمس الدين الأخنائي في قضاء الشافعية بالقاهرة وصرف القاضي جلال الدين البلقيني. وفي العاشر من صفر حضر إينال باي بن قجماس وجاء إلى السلطان معتمداً على أمان كتبه ابن غراب عنه فعاتبه الناصر، فيقال إنه أغلظ له في الجواب فأمر بنفيه إلى دمياط بطالاً واستقر في وظيفته جرباش ثم صرف واستقر فيها سودون المحمدي واستقر باش باي رأس نوبة عوضاً عن يشبك ابن ازدمر وفي قضاء المالكية جمال الدين عبد الله ابن القاضي ناصر الدين التنسي في مستهل ربيع الأول وهو شاب صغير كان عند وفاة أبيه من أجمل أهل زمانه فاتفق أنه خدم بعض الأمراء لما كان في حبس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 الإسكندرية فتعصب له فولي القضاء فقام القاضي جلال الدين البلقيني وجماعة على أهل الدولة فعزل بعد يومين وأعيد جمال الدين البساطي في ثالث ربيع الأول وفي الخامس منه أعيد القاضي جلال الدين وصرف الأخنائي وهي الخامسة للبلقيني وفي السادس منه ثارت الفتنة بين الناصر وأمرائه فتخيلوا منه وتخيل منهم واجتمع جمع كثير من المماليك عند بيبرس لرغم الناصر وتواعدوا على الركوب فهرب تغرى بردى ودمرداش. وفي الثامن منه ظهر يشبك وأتباعه مثل تمر وجركس المصارع وقانباي العلائي وفي الخامس عشر منه أحضر الأمراء المحبوسون بالإسكندرية إلى القاهرة قطلوبغا الكركي ويلبغا الناصري وإينال حطب وسودون الحمزاوي ثم أحضر إينال باي من دمياط ثم أحضر يشبك بن أزدمر من الإسكندرية في تاسع عشر شهر ربيع الأول وفي العشرين منه قبض على كاتب السر فتح الله وتسلمه مشد الدواوين ثم صودر على خمس مائة ألف وهي قريب من أربعة آلاف دينار إذ ذاك وأطلق ولزم بيته واستقر سعد الدين ابن غراب في كتابة السر فباشرها من هذا الوقت إلى أن عاد الناصر إلى المملكة فتركها لابن المزوق وأعيد ابن نصر الله إلى نظر الجيش ولبس ابن غراب بزي الأمراء وأعطي تقدمة وفي الثاني والعشرين منه أمر الناصر يشبك ابن ازدمر أن يستقر في نيابة ملطية فامتنع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 فألبس غصباً ورسم عليه وأمر الحاجب أن يخرجه من القاهرة وأمر أزبك الإبراهيمي أن يستقر في نيابة طرسوس فامتنع أيضاً ولم يحضر الخدمة وتشوش أكثر المماليك من ذلك والأمراء الجراكسة وتخيلوا من الناصر أنه يريد إبعادهم وتقديم أخواله الروم وكان ذلك يظهر منه كثيراً فكثر الهرج والمرج وإشاعة ركوب الأمراء على الناصر فغلب عليه الخيال إلى أن حمله ذلك على الهرب فتغيب يوم الأحد خامس عشر ربيع الأول وقت القيلولة وفقد فلم يعلموا له خبراً فقيل إنه خرج من باب القرافة مختفياً وركب فلم يعلم خبره لأنه نهى من اتبعه عن إتباعه فرجع عنه وليس معه إلا مملوك واحد وهو بيغوت فعادا إلى الجيزة ثم رجعا إلى بيت سعد الدين ابن غراب فاختفى عنده ولم يتحققوا أين هرب بل أشيع أنه قتل سراً وصار ابن غراب يطالعه بالأخبار يوماً بيوم ويدبر معه أمر يشبك وغيره ويعلمه بما يشتد به الحقد منه على أقاربه كبيبرس وإينال باي وغيرهما ممن يخالف هواه هوى يشبك إلى أن كان ما سنذكره فلما بلغ الأمراء غيبة الناصر اجتمعوا في آخر النهار ببيت الأمير الكبير بيبرس ثم بالاصطبل بعد أن جمعوا القضاة والخليفة وتشاوروا إلى أن استقر رأيهم على سلطنة أخيه عبد العزيز فأحضروه ولقبوه المنصور وعقدوا له البيعة في تلك الليلة واستقر بيبرس الصغير لالاة السلطان واستقر في الثامن والعشرين منه بيبرس الكبير قريب السلطان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 أتابكاً وآقباي أمير سلاح وسودون الطيار أمير مجلس وسودون المحمدي أمير آخور وباش باي رأس نوبة كبيراً ورسطاي حاجب الحجاب وخلع على المباشرين المستقرين على سعد الدين ابن غراب وهو كاتب السر وعلى ابن المزوق وهو ناظر الجيش وعلى فخر الدين بن غراب وهو الوزير وعلى القضاة الأربعة وهم البلقيني وابن العديم والبساطي وسالم وكان ما سنذكره، وفي صفر عزل الصدر ابن العجمي عن الحسبة وقرر ابن شعبان ثم صرف بعد خمسة عشر يوماً وأعيد الصدر وصرف القاضي جلال الدين عن القضاء في نصف صفر وأعيد الأخنائي ثم أعيد القاضي جلال الدين في خامس ربيع الأول. وفي تاسع عشري ربيع الأول رجم الأستادار وشج وجهه فدخل إلى السلطان واستعفى ورجع إلى بيته فطرد الأعوان. وفي ربيع الآخر توجه نوروز نائب الشام لقتال شيخ بالصبيبة واجتمع شيخ وجكم ومن معهما فوقع القتال بينهم فانكسر نوروز ودخل شيخ دمشق فأمر بضرب عنق جقمق الحاجب لأمر اتهمه به فقتل صبراً وذلك في حادي عشر ربيع الآخر وأحضر شيخ السليماني وكان نائب صفد ثم طرابلس ثم قبض عليه جكم لما حكم على طرابلس وسجنه وأخذ ماله فهرب إلى صهيون ثم قدم دمشق فاستقر بها أميراً عند نوروز وحضر معه الوقعة فقبض عليه وأمر جكم بقتله فقتل وغلب شيخ على دمشق وفوض القضاء لشهاب الدين الحسباني وخطب بالجامع فلم يقبل أحد من النواب القدماء عنه النيابة فاستناب جماعة من جهته منهم ابنه وصهره فيقال إنهم استأذنوا القاضي الحنفي لتصح أحكامهم وأراد الأمير جكم أن يتوجه إلى طرابلس فوصل كتاب النائب بها يلتمس المصالحة فتأخر توجه جكم ووصل نوروز إلى بحيرة حمص في ناس قليل فتوجه شيخ وجكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 ومن يتبعهما لقتاله فهرب إلى حماة فتوجه الأميران إلى جهة حماة لقصده ثم عرجا إلى طرابلس فهرب نائبها إلى حماة فدخل شيخ وجكم طرابلس فنزل جكم بدار النيابة ووقع يوم دخولهم مطر كثير جداً فلما بلغ ذلك نائب حلب توجه أيضاً إلى حماة فاجتمعوا كلهم عند نوروز ووافقهم جمع كثير من التركمان منهم ابن صاحب الباز فوقعت الوقعة بين جكم وشيخ وبين دقماق نائب حماة ومن انضم معه ظاهر حماة في أواخر رجب فانكسر دقماق وملكا حماة وقتل دقماق بين يدي جكم ونهبت حماة وكان نوروز قد توجه إلى حلب هو ومن معه لأن دمرداش كان تقدمهم وأوهمهم أنه يجمع لهم التركمان فلما وصلها غلب على حلب فوصل شاهين الحسني ومعه رسول شيخ إلى دمشق يطلب شيخ وجكم إلى القاهرة ثم بعد عودة الناصر إلى السلطنة أرسل سودون الطيار ومعه ولاية شيخ على الشام وجكم على حلب ودمرداش على حماة ودخل شيخ إلى دمشق في أواخر رجب ولبس خلعة الناصر ولم تخرج دمشق في هذه المدة عن حكمه في الصورة الحسية وكان بعد ذلك ما سنذكره، وكان دمرداش متشتتاً عند التركمان. وفيها كائنة عبد الوهاب بن الجباس المصري وكان يحترف في حانوت عطار فسعى أن يكون سمساراً فأهين ومنع فخدم عند بدر الدين الكلستاني كاتب السر فسعى له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 حتى صار شاهداً ثم سعى إلى أن ولي الحسبة بمصر ثم بالقاهرة ثم لما ولي جمال الدين التنسي قضاء المالكية وهو شاب طمع هذا فسعى في قضاء الشافعية عند ابن غراب وكان ابن غراب قد غضب من الشافعي في شيء فنوه بذكر ابن الجباس وكان في غاية الجهل الثغ زرئ الهيئة فقام في ذلك الشيخ زين الدين الفارسكوري وادعى عليه عند ابن العديم بقضايا وآخر أمره كتبت عليه قسامة أن لا يلبس طيلساناً ولا يركب بزي القضاة وأهين وعزر وحبس ثم شفع فيه فأطلق وذلك في ربيع الأول من هذه السنة. وفي أوائل رجب استقر ابن خطيب نقرين في ولاية قضاء الشام وكان قد سافر مع جكم وتقرب له برواية أحاديث الملاحم المكذوبة وبشره بأنه يلي السلطنة وبأنه ينتصر على أعدائه فلما غلب على حماة سأل نائب الشام أن يقرره في قضاء دمشق فكتب له توقيع بذلك قال ابن حجي: وكان ابن خطيب نقرين آية في الكذب والزور مشهوراً بذلك مع الشهرة التامة بعدم الدين حتى أن جكم أرسله رسولاً إلى نائب الشام في أواخر هذه السنة فخلع عليه خلعة حرير بطراز ذهب فلبسها وخرج وهو فرحان وقد تطيلس فوقها، ثم كبس بيته فوجد فيه أمور منكرة فختم عليها، ثم بعد وصول نائب الشام شيخ إلى دمشق كاتب يشفع في ابن الحسباني، فوصل توقيعه بذلك في شعبان، فباشر القضاء وصرف ابن الخطيب. وفي السادس من جمادى الآخرة ظهر الناصر وصعد إلى القلعة ضحوة النهار فكانت مدة غيبته سبعين يوماً إلا يوماً، وكان يشبك وجماعة اتفقوا مع الناصر وهو في بيت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 ابن غراب فأركبوه إلى بيت سودون الحمزاوي بالباطلية، فلما أصبحوا ركبوا ولا علم عند بيبرس وأتباعه بظهور الناصر بل ظن أن الأمراء البطالين مثل يشبك ومن معه قد ركبوا عليه فركب هو أيضاً بالرميلة، فخرج الناصر ومن معه من المماليك فحملوا على بيبرس ومن معه وطلبوا باب القلعة ففتح لهم واليها الباب، فطلع الناصر القصر وانخذلت طائفة بيبرس فهرب سودون المارداني واختفى وخرج بيبرس إلى ظاهر المدينة فأرسل إليه سودون الطيار فأحضره وأرسله مقيداً إلى الإسكندرية، واستقر يشبك في الأتابكية عوضه في ثامن جمادى الآخرة، واستقر سودون الحمزاوي دويداراً عوضاً عن سودون المارداني واستقر جركس المصارع أمير آخور عوضاً عن سودون المحمدي ثم أمسك الناصر جماعة من الأمراء الذين كانوا مع بيبرس وتأمروا وحكموا في دولة أخيه المنصور وسجنهم واستقر سودون من زاده في نيابة غزة عوضاً عن سلامش. وفي نصف جمادى الآخرة استقر شرف الدين يعقوب التباني في نظر الكسوة ووكالة بيت المال عوضاً عن ولي الدين الدمياطي موقع بيبرس، ثم صرف عن ذلك بعد أيام، واستقر ابن البرجي في ثامن عشري جمادى الآخرة، ثم أعيد ابن التباني في رابع رجب لذلك بعناية قطلوبغا الكركي، وفي أواخر جمادى الآخرة استقر تمراز الناصري نائب السلطنة بعد شغورها مدة طويلة. وفي نصف رمضان استقر القاضي ولي الدين ابن خلدون في قضاء المالكية عوضاً عن البساطي، ثم لم ينشب ابن خلدون أن مات في خامس عشريه، واستقر جمال الدين ابن التنسي بعناية قطلوبغا الكركي، ثم صرف في سادس عشر شوال وأعيد البساطي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 وفي شوال استقر كاتبه في درس الحديث بالشيخونية عوضاً عن شمس الدين المدني والقاضي الحنفي كمال الدين ابن العديم في مشيختها عوضاً عن الشيخ زاده الخرزباني. وفيها رجع منكلى بغا من بلاد الشرق وكان توجه رسولاً إلى تمرلنك في العام الماضي. وفي رمضان أفرج نائب الشام عن جماعة ممن كانوا مسجونين بقلعة الصبيبة، ومنهم سودون الظريف واستقر أميراً كبيراً بدمشق، ثم قبض عليه لأمر صدر منه، واستقر عوضه بكتمر الساقي وسجن سودون المذكور. وفيه رجع نوروز وعلاّن إلى حلب بموافقة جكم على ذلك. وأرسل جكم إلى نائب الشام بذلك فوافق عليه، واستمر دمرداش عند التركمان يستحثهم ويجمعهم على قصد جكم ومن معه بحلب، ووصل إليه تقليد حماة فقوي بذلك؛ وفي رمضان اشتد الغلاء بدمشق وبلغت الغرارة من ستمائة إلى سبعمائة، فنادى النائب في الفقراء بالاجتماع فاجتمعوا بالميدان، ففرقهم على الأغنياء ما بين الأمراء والقضاة والتجار، فقل سؤالهم وخف صياحهم وسكتوا. وفيه استولى التركمان على كثير من البلاد الشمالية وكان رأسهم إلياس ويقال اسمه فارس ابن صاحب الباز، ثم وصلوا إلى حماة فغلب عليها، وكان دمرداش قد وصل إليها لما جاءه تقليد النيابة بها فهجم عليه ابن صاحب الباز، فهزمه إلى أن وصل إلى دمشق مكسوراً، فوصل إلى حمص فاستأذن له نائبها نائب الشام في دخوله دمشق فأذن، فدخلها وعظم الأمر من التركمان فجمع النائب القضاة وتشاوروا في مال يجمعونه بسبب طرد التركمان، فطال النزاع إلى أن اتفقوا على أخذ أجرة شهر من كل بستان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 ودار وحانوت وغير ذلك، فشرعوا في جبايتها، ثم بطل ذلك ونودي بالرد على من أخذ منه شيء، ولما بلغ جكم أن دمرداش عند نائب الشام شيخ تغيظ عليه، لأنه كان عدوه وكان كتب قبل ذلك إلى شيخ يستنجده على التركمان، فتقاعد عليه فغضب أيضاً. وفي شوال وصل إلى جكم قاصد السلطان يطلب منه إرسال نوروز وغيره من الأمراء المنسحبين، فحماهم جكم وشتم القاصد ورده بغير جواب. وفيها في شوال كانت الوقعة العظمى بين جكم والتركمان ورئيسهم فارس ويدعى إلياس ابن صاحب الباز صاحب أنطاكية وغيرها، وكان قد غلب على أكثر البلاد الشمالية ودخل حماة فملكها، وكان عسكره يزيد على ثلاثة آلاف فارس غير الرجالة، فواقعه جكم بمن معه فكسره كسرة فاحشة، وعظم قدر جكم بذلك وطار صيته ووقع رعبه في قلوب التركمان وغيرهم؛ ثم إنه بعد ذلك واقع نعيراً ومن معه من العرب فكسره، ثم توجه جكم إلى أنطاكية وأوقع بالتركمان، فسألوه الأمان وأن يمكنهم من الخروج إلى الجبال وإلى مواطنهم القديمة وسلموا إليه جميع القلاع التي بأيديهم، فتقرر الحال على ذلك وأرسل إلى كل قلعة واحداً من جهته، ودخل إلى حلب مؤيداً منصوراً، فسلم فارس ابن صاحب الباز الغازي ابن أوزون التركماني، وكانت بينهما عداوة فقتله وقتل ولده وجملة من جماعته، وكان أميراً كبيراً شجاعاً بطلاً، استجد بأنطاكية مدرسة بجوار تربة حبيب النجار، وكان قد استولى على معظم معاملة حلب ومعاملة طرابلس، فصار في حكمه أنطاكية والقصير والشغر وبغراس وحارم وصهيون واللاذقية وجبلة وغير ذلك، فلما أحيط به تسلم جكم البلاد ورجعت معاملة كل بلد إليها على ما كانت أولاً، وكاتب جكم نائب الشام يطلب منه إرسال دمرداش ويعاتبه على تأخره عن نصره مرة بعد مرة، فاستشعر دمرداش، أن نائب الشام يقبض عليه ويرسله إلى جكم فهرب دمرداش، وأعاد نائب الشام إلى جكم الجواب بذلك فلم يعجبه وعزم على قصد دمشق ومحاربة النائب، فبرز في شوال والتقى مع ابن صاحب الباز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 وجمعهم من التركمان فكسرهم كسرة ثانية وضرب أعناق كثير منهم صبراً وقتل نعيراً وأرسل برأسه إلى القاهرة، ولما وصل دمرداش من هروبه إلى الرملة جاءه توقيع من الناصر بولاية طرابلس فرجع لذلك، واستمر قصد جكم إلى جهة دمشق فوصل إلى سلمية وأرسل جرباش إلى حمص، فاستعد نائب الشام لقتاله ووصل توقيع دمرداش بنيابة حلب عوضاً عن جكم من القاهرة فتجهز صحبة نائب الشام، ثم وصل إليهم العجل بن نعير طالباً بثأر أبيه وكذلك ابن صاحب الباز طالب ثأر أبيه وأخيه وكان معهم من العرب والتركمان خلق كثير وتوجهوا بعد عيد الأضحى إلى جهة حلب، ووصل توقيع العجل بن نعير بإمرة أبيه، ووصل نائب الشام ومن معه إلى حمص في نصف هذا الشهر وتكاتبوا مع جكم في الصلح، فلما كان في الثالث والعشرين من ذي الحجة وقعت الوقعة بينهم فانكسر عسكر أهل الشام، ووصل شيخ ودمرداش إلى دمشق منهزمين، وكانت الوقعة بالرستن، وذلك أن نائب الشام ومن معه كانوا في الميمنة وأن العرب كانوا في الميسرة فحمل جكم ومن معه على الميمنة فحطمها ثم حمل على الميسرة فثبتوا ساعة ثم انهزموا، ورحل نائب الشام ومن معه من دمشق بعد أن أخذ منها خيولاً وبغالاً وتوجه إلى جهة مصر، ودخل جماعة من جهة نوروز بعده إلى دمشق وهرب ابن الحسباني وعلاء الدين نقيب الأشراف، وتأخر البقية من القضاة والمباشرين فلاقوا نوروز وسلموا عليه فدخل دمشق في أواخر ذي الحجة، وقتل علان بين يدي جكم صبراً وكذلك طولو، ثم دخل جكم بعد يوم وبالغ جكم في الزجر عن الظلم وعاقب على شرب الخمر فأفحش حتى لم يتظاهر به أحد وكانت قد فشت بين الناس، ونادى في دمشق أن لا يظلم أحد على أحد ومن أساء على الحكم أو الحسبة فعل به وفعل به، وانسلخت السنة وهم على ذلك، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 ولما ظهر الناصر واستقر في السلطنة ثانياً جهز إلى شيخ التقليد بنيابة الشام وإلى نوروز التقليد بنيابة حلب، وتوجه شيخ مع نوروز ليساعده على من يخالفه وكان دقماق نائب حماة وعلان نائب حلب، وبكتمر جلق نائب طرابلس قد اتفقوا على منع نوروز من ذلك، فالتقى الفريقان فكسرهم شيخ وهجم على حماة من نهر العاصي وغلب عليها، وقتل دقماق في هذه الوقعة وفر بقية الأمراء إلى جهة حلب، فتبعهم شيخ فنازلهم فتركوها وتوجهوا نحو المشرق، وتسلم حلب وسلمها لجكم ورجع إلى الشام؛ وقد بسط العينتابي في تاريخه هذه الوقعة وأظهر التعصب فيها لجكم، لأنه كان ينتمي إليه فقال في حوادث ذي الحجة سنة ثمان: وفيها كانت وقعة عظيمة بين جكم وشيخ بالرستن بين حماة وحمص، فانكسر نائب الشام شيخ كسرة شنيعة وانهزم إلى أن وصل إلى الرملة، وقد كان شيخ وجكم صديقين، لكن شيخ لما رأى ما اتفق لجكم من النصر على ابن صاحب الباز كبير التركمان وعلى نعير كبير العرب وقتلهما على يده بعد أن عجز فيهما الظاهر برقوق وغيره حسده وخشي أن تستمر هذه السعادة إلى أن يتسلطن فكاتب فيه إلى الناصر انه عاصي، وكل ذلك بدسائس يشبك لأن شيخاً كان من جهته وكان يشبك يروم السلطنة فكان يعادي كل من يستشعر منه أنه يروم مثل يروم، فكان يحرض اتباعه على جكم. قال: وقد قتل في هذه الوقعة من أتباع يشبك جماعة منهم طولو وعلان، وتفرق شمل شيخ إلى الغاية حتى لم يبق معه ممن كان اجتمع له من العساكر وهم نحو عشرة آلاف مائة نفس. قال: وكان جكم في هذه الوقعة في دون الألفين لكن النصر يؤتيه الله لمن يشاء. وفيها قدم ركب العراق بعد أن كان له تسع سنين قد انقطع. وفيها حاصر العرب المعروفون بالحجافلة مدينة عدن حتى عز الماء بها جداً وبلغت الراوية وهي قدر قربة الكتف المصرية خمسين درهماً، فخرج إليهم العفيف عبد الله بن الوجيه عبد الرحمن العلوي وأخوه في عسكر، فقتل العفيف في المعركة وكان شاباً حسناً كثير الفضل للغرباء أحسن الله جزاءه قتل في رابع صفر وله ثلاثون سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 وفي شعبان استقر جمال الدين ابن القطب في قضاء الحنفية بدمشق والقاضي عز الدين ابن المنجا في قضاء الحنابلة بها عوضاً عن ابن عبادة، وفيه استقر صدر الدين ابن الأدمي في كتابة السر عوضاً عن الشريف علاء الدين، وفي رمضان وصل أبو العباس الحمصي قاضياً على الشام عوضاً عن علاء الدين ابن أبي البقاء، ثم استقر بعد ثلاثة أيام من سفر أبي العباس من حمص شهاب الدين الحسباني، وكان نائب الشام قد استقر فيها بغير توقيع فباشر إلى أن وصل توقيعه كما قدمنا ذكره، فلما سمع أبو العباس بذلك دخل الشام مختفياً ثم رجع إلى مصر هارباً، ثم كتب النائب يشفع في علاء الدين ابن أبي البقاء أن يعود، ثم وصل أبو العباس متولياً في ذي القعدة فسلم على النائب فلكمه في عمامته، ثم وصل توقيع ابن الحسباني بعد ثلاثة أيام فاستمر. وفي رمضان ظهر سودون المارداني من الاختفاء فأودع سجن الإسكندرية. وفي العشرين منه مات ابن غراب سعد الدين إبراهيم بن عبد الرزاق ابن غراب، وكان جده غراب أول من أسلم من آبائه وباشر بها أي بالإسكندرية إلى أن اتهم بأنه كان ممن دل الفرنج لما هجموا الإسكندرية على عورات المسلمين، فقتله ابن عرام سنة سبع وستين وسبعمائة، ونشأ ابنه عبد الرزاق إلى أن ولي نظر الإسكندرية ومات في نحو الثمانين، وخلف ولدين صغيرين أكبرهما يسمى ماجداً وأصغرهما إبراهيم، فلما تمكن محمود من الظاهر دخل الإسكندرية فآوى إليه إبراهيم وهو يومئذٍ يكتب في العرصة تحت كنف أخيه ماجد الذي يلقب بعد ذلك فخر الدين ويسمى محمّداً، فقربه محمود ودربه وخرجه إلى أن مهر بسرعة وجادت كتابته وحمد محمود ذهنه وسيرته فاختص به، وتمكن منه بحيث صار يدري بجميع أموره وتعلم لسان الترك حتى حذق فيه، فاتفق أنه عثر عليه بخيانة، فخاف ابن غراب من سطوته بل استدرك نفسه وانضوى على ابن الطبلاوي وهو يومئذ قد قرب من قلب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 الظاهر في ولاية القاهرة، فلم يزالا به حتى بطش بمحمود وآل أمره إلى استنقاذ أمواله ومؤنه بحبس أولى الجرائم، وتقلب ابن غراب في ماله فيما يستحيى من ذكره لكثرته، ولازم خدمة ابن الطبلاوي إلى أن رقاه فولي نظر الخاص، ثم ناطح ابن الطبلاوي إلى أن قبض عليه بإذن الظاهر، ثم كان من أوصياء الظاهر، ثم اختص بيشبك فكان معه ظهيراً له في تلك الحروب والتقلبات حتى ذهب إيتمش وتنم وغيرهما من أكابر الظاهرية. ثم تشتت شمل أكثر الباقين، وتمكن ابن غراب حتى استحضر أخاه فخر الدين فقرره وزيراً، ثم استقر في كتابة السر ونظر الجيش، وأضاف إليه نظر الخاص، ثم لبس الأستادارية، ثم تزيا بزي الجند وضرب على بابه الطبول، وعظم جداً حتى أنه لما مرض كان الأمراء الكبار يعودونه قياماً على أرجلهم، وكان هو السبب في فرار الناصر وتركه المملكة وإقامته عنده تلك المدة مختفياً حتى تمكن مما أراد من إبعاد من يود الناصر وتقريب من يبغضه، فلما تكامل له جميع ما أراد لحظته عين الكمال بالنقص، فمرض مدة طويلة بالقولنج إلى أن مات، فلما عاد الناصر إلى المملكة بتدبير ابن غراب ألقى إليه بالمقاليد، فصار يكثر الامتنان على جميع الأمراء بأنه أبقى لهم مهجهم وأعاد إليهم ما سلبوه من ملكهم وأمدهم بماله عند فاقتهم، وكان يصرح بأنه أزال دولة وأقام أخرى، ثم أعاد الأولى من غير حاجة إلى ذلك، وأنه لو شاء أخذ الملك لنفسه من غير مانع، وأهان كاتب السر فتح الله وصادره ولبس مكانه، ثم ترفع عن كتابة السر فولاها كاتباً عنده يقال له الفخر ابن المزوق، وكانت جنازته مشهودة، فمات ضحوة نهار الخميس ليلة التاسع عشر من رمضان وبات في قبره ليلة الجمعة وتعجب الناس لذلك، ولا عجب فيه فقد مات الحجاج ليلة سبع وعشرين من رمضان، ولكن كان ابن غراب محبوباً إلى العامة لما قام فيه في الغلاء والفناء من إطعامه للفقراء وتكفينه الموتى من ماله، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 وكان يحب الانفراد بالرياسة، مليح الشكل معرق الصورة شديد الزهو، يظهر التعفف، شديد العجب مفضالاً وهاباً وافر الحرمة كثير البذل والله يسامحه، وكان قد بلغ في المملكة ما لم يبلغه أحد، مات بعلة القولنج الصفراوي بعد أن صار أميراً مقدم ألف، وتنقل في الولايات من نظر الخاص والجيش والأستادارية وكتابة السر وغير ذلك على ما سلف في الحوادث، وكان يدري اللغة التركية مع الدهاء والمكر والمعرفة التامة بأخلاق أهل الدولة، ولقد تلاعب بالدولة ظهراً لبطن، وخدم عند الأضداد، وعظم قدره حتى شاع أنه لا بد أن يلي السلطنة ولم يوجد له كثير من المال بل مات وعليه من الديون ما لا يدخل تحت الحصر. وفي أواخر ذي الحجة استقر فتح الدين فتح الله في كتابة السر عوضاً عن فخر الدين ابن المزوق، الذي كان من جهة ابن غراب. وفي ليلة النصف من ذي الحجة خسف القمر في أواخر الليل فاستمر إلى بعد أذان الفجر. ذكر من مات في سنة ثمان وثمانمائة من الأعيان إبراهيم بن عبد الرزاق بن غراب مضى ذكره في الحوادث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 إبراهيم الحنبلي الصواف برهان الدين أحد نواب الحكم، كان من طلبة القاضي موفق الدين، مات في العشرين من رمضان. أحمد بن إبراهيم بن سليمان العكاري ثم الطرابلسي المعروف بابن العلم، نسبة إلى جده علم الدين سليمان، تفقه ببلده، ثم دخل دمشق واشتغل بها على الحسباني ورحل مع الياسوفي إلى حلب، فسمع بها في سنة سبعين على الكمال ابن النحاس والكمال ابن حبيب وأحمد بن قطلو وغيرهم، وولي قضاء عكار، وكانت لديه فضيلة ويتكسب من الشهادة، ثم دخل مصر، وقرأ على البلقيني، قال القاضي علاء الدين: اجتمعت به بطرابلس، وكان فاضلاً مات في صفر هذه السنة بطرابلس. أحمد بن طوغان بن عبد الله الشيخوني المعروف بدويدار النائب، مات أبوه وهو صغير فرباه سودون النائب فباشر الدويدارية عنده وأثرى، وكان يحب أهل الخير والصلاح، ثم ترامى على أهل الحديث واختص بهم ولازم مطالعة كتب أهل الظاهر واشتهر بذلك حتى صار مأوى لمن ينسب إلى ذلك وكان يتعانى العمل بما يقتضيه قول أهل الطب فيما يتعلق بالغداء والعشاء، فيكثر الحمية في زمن الصحة، ولا يأكل إلا بالميزان فلا يزال معتلاً، مات في جمادى الأولى بالإسكندرية والله يرحمه. أحمد بن عبد الله المعروف بالشيخ حطيبة بمهملتين مصغراً الدمياطي أحد المجذوبين الذين يعتقد فيهم العامة الولاية، قيل: إنه كان متزوجاً فأحب المرأة فبلغه أنها اتصلت بغيره، فحصل له من ذلك طرف خبال، ثم تزايد به إلى أن اختل عقله ونزع ثيابه وصار عرياناً، وله في حالته هذه أشعار منها قال موالياً: سرى فضحتي وأنتي سركي قد صنت ... قصدي رضاك وأنتي تطلبي لي العنت ذليت من بعد عزي في الهوى ما هنت ... يا ليت في الخلق لا كنتي ولا أنا كنت مات في أول المحرم، نقلت ترجمته من خط الشيخ تقي الدين المقريزي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 أحمد بن عماد بن يوسف الأقفهسي الشافعي المعروف بابن العماد أحد أئمة الفقهاء الشافعية في هذا العصر، اشتغل قديماً وصنف التصانيف المفيدة نظماً وشرحاً، وله أحكام المساجد وأحكام النكاح وحوادث الهجرة وغير ذلك، سمعت من نظمه من لفظه وكتب عنه الشيخ برهان الدين محدث حلب من فوائده. أحمد بن محمّد بن إسماعيل بن عبد الرحيم بن يوسف بن شمير بن خازم المصري أبو هاشم ابن البرهان الظاهري التيمي، ولد في ربيع الأول سنة أربع وخمسين، واشتغل بالفقه على مذهب الشافعي، ثم صحب شخصاً ظاهري المذهب فجذبه إلى النظر في كلام أبي محمّد بن حزم فأحبه، ثم نظر في كلام ابن تيمية فغلب عليه حتى صار لا يعتقد أن أحداً أعلم منه وكانت له نفس أبية ومروءة وعصبية ونظر كثير في أخبار الناس فكانت نفسه تطمح إلى المشاركة في الملك وليس له قدم فيه لا من عشيرة ولا من وظيفة ولا من مال. فلما غلب الملك الظاهر على المملكة وحبس الخليفة - أي في سنة 785 - غضب ابن البرهان من ذلك وخرج في سنة خمس وثمانين إلى الشام ثم إلى العراق يدعو إلى طاعة رجل من قريش، فاستقرى جميع الممالك فلم يبلغ قصداً، ثم رجع إلى الشام فاستغوى كثيراً من أهلها وكان أكثر من يوافقه ممن يتدين لما يرى من فساد الأحوال وكثرة المعاصي وفشو الرشوة في الأحكام وغير ذلك، فلم يزل على ذلك إلى أن نمى أمره إلى بيدمر نائب الشام فسمع كلامه وأصغى إليه إلا أنه لم يشوش عليه لعلمه أنه لا يجيء من يده شيء، ثم نمى أمره إلى نائب القلعة ابن الحمصي وكان بينه وبين بيدمر عداوة شديدة، فوجد الفرصة في التألب على بيدمر فاستحضر ابن البرهان واستخبره وأظهر له أنه مال إلى مقالته فبث عنده جميع ما كان يدعو إليه فتركه وكاتب السلطان وأعلمه بقصتهم، فوصل كتاب السلطان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 إلى بيدمر يأمره بتحصيل ابن البرهان ومن وافقه على رأيه، وأمره أن يسمرهم، فتورع بيدمر عن ذلك وأجاب بالشفاعة فيهم والعفو عنهم وأن أمرهم متلاش وإنما هم قوم خفت أدمغتهم من الدرس ولا عصبية لهم، ووجد ابن الحمصي الفرصة لعداوته لبيدمر فكاتب السلطان أن بيدمر قد عزم على المخامرة فوصل إليه الجواب بمسك ابن البرهان ومن كان على مثل رأيه وإن آل الأمر في ذلك إلى قتل بيدمر، ولما أحضر ابن البرهان إلى السلطان استدناه واستفهمه عن سبب قيامه عليه فأعلمه أن غرضه أن يقوم رجل من قريش يحكم بالعدل وأعلمه بأن هذا هو الدين ولا يجوز غيره، وزاد في نحو ذلك فسأله عمن معه على مثل رأيه من الأمراء فبرأهم وأمر بضربه، فضرب هو وأصحابه وحبسوا بالخزانة المعدة لأهل الجرائم، وذلك في ذي الحجة سنة ثمان وثمانين، ثم افرج عنهم في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين فاستمر ابن البرهان مقيماً بالقاهرة على صورة إملاق حتى مات في أربع بقين من جمادى الأولى من هذه السنة وحيداً غريباً فريداً، وحضرت جنازته والصلاة عليه في نحو سبعة أنفس لا غير، وكان حسن المذاكرة والمحاضرة عارفاً بأكثر المسائل التي يخالف فيها أهل الظاهر الجمهور، يكثر الانتصار ويستحضر أدلتها وما يرد على معارضها، وأملى وهو في الحبس مسألة رفع اليدين في السجود ومسألة وضع اليمنى على اليسرى ورسالة في الإمامة، سمعت من فوائده كثيراً، وكان كثير الإنذار لما حدث بعده من الفتن ولا سيما ما حدث من الغلاء والفساد بسبب رخص الفلوس حتى رأى عندي قديماً مرّة خابياً كبيراً من الفلوس فقال لي: احذر أن تقتنيها فإنها ليست رأس مال، وكان كذلك فإنها في ذلك الوقت كان القنطار منها يساوي عشرين مثقالاً أو أكثر، وآل الأمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 في هذا العصر إلى أنها تساوي أربعة مثاقيل ثم صارت تساوي ثلاثة، ثم اثنين وربع ونحو ذلك، ثم انعكس الأمر بعد ذلك وصار من كان عنده منها شيء احتيط به لما رفعت قيمتها من كل رطل منها بستة دراهم إلى اثني عشر، ثم إلى أربعة وعشرين، ثم تراجع الحال لما فقدت، ثم ضربت فلوس أخرى خفيفة جداً، وجعل سعر كل رطل أكثر من ثلاثين، وظهر في الجملة أنها ليست مالاً يقتنى لوجود التخلل في قيمتها وعدم ثباتها على قيمة واحدة، قرأت بخط البرهان المحدث بحلب: أنشدني أبو العباس أحمد بن البرهان عن الشيخ برهان الدين الآمدي قال: دخلت على العلاّمة أبي حيّان فسألته عن القصيدة التي مدح بها ابن تيمية فأقر بها وقال: كشطناها من ديواننا، ثم دعا بديوانه فكشف وأراني مكانها في الديوان مكشوطاً، قال المحدث: فلقيت الشيخ برهان الدين الآمدي فقال لي: لم أنشده إيّاها ولا أحفظها، إنما أحفظ منها قطعاً، قال: فكان الآمدي قد ذكر لي قبل ذلك الحكاية بزيادات فيها، ولم يذكر القصيدة، قال: ثم لقيت ابن البرهان بحلب في أوائل سنة سبع وثمانين فذاكرته بما قال لي الأمدي فقال لي: أنا قرأتها على الأمدي فظهر أنه لم يحرر النقد في الأول، والقصيدة مشهورة لأبي حيان وأنه رجع عنها. مدي فقال لي: أنا قرأتها على الأمدي فظهر أنه لم يحرر النقد في الأول، والقصيدة مشهورة لأبي حيان وأنه رجع عنها. أبو بكر بن عبد الرحمن بن فيروز تقي الدين الحواري، كان يقرئ أولاد القاضي تاج الدين السبكي، وسمع من بعض أصحاب الفخر، ثم ولي قضاء أذرعات، مات في المحرّم وله بضع وستون سنة. جقمق الصفوي الحاجب بدمشق، قبض عليه في المحرم سنة خمس ثم أرسل إلى غزّة، فلمّا ولي نوروز في هذه السنة استصحبه لدمشق وقرره في الحجوبية، فلما انكسر نوروز مات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 دقماق الظاهري كان من الخاصكية وكان معه بالكرك - قال القاضي علاء الدين في تاريخه كان شكلاً حسناً شجاعاً كريماً، عنده حشمة زائدة وأدب كثير، وكان ممن فرّ في وقعة شقحب مع كمشبغا الكبير إلى حلب، فأقام بها، ثم أمّره الظاهر نيابة حلب ثم نيابة ملطية، فاستمرّ بها مدّة، ثم ولاّه الناصر بعد تنم نيابة حماه، ثم كان ممن أسر مع اللنكية، ومن بعد تنم ولي نيابة صفدن ثم نيابة حلب في سنة لأربع وثمانمائة فإنه واقع دمرداش النائب قبله فانتصر عليه، فلما كان في سنة ستٍّ وثمانمائة تخيل من الناصر فهرب ووليها غيره، ثم بعد أشهر دخلها بغتة فملكها، ثم واقعه الذي كان نائبها مع جمع جمعه من التركمان فانهزم، وذلك في ثاني رجب منها، ثم رضي عليه الناصر وولاّه نيابة حماة بعد وقعة السعيدية، فلما كان في هذه السنة حاصره شيخ وجكم إلى أن كان من أمره ما كان وقتل، وكان ذلك في شعبان. الشيخ زاده العجمي الحنفي قدم من بلاده إلى حلب سنة أربعٍ وتسعين، وهو شيخ ساكن يتكلم في العلم بسكون ويتعانى حل المشكلات، فنزل في جوار القاضي محب الدين ابن الشحنة فشغل الناس، وكان عالماً بالعربية والمنطق والكشاف. وكان له اقتدار على حلّ المشكلات من هذه العلوم وقد طارحه سراج الدين الفوي بأسئلة من العربية وغيرها نظماً ونثراً منها في قول الكشاف إن الاستثناء في قوله تعالى: " إنّا أُرْسِلْنا إلى قومٍ مُجرِمين، إلاّ آلَ لوطٍ " متصل أو منقطع، فأجابه جواباً حسناً بأنه إن كان يتعلّق بقوم يكون منقطعاً، لأن القوم صفتهم الإجرام أو بمن الضمير في صفتهم فيكون متصلا، واستشكل أن الضمير هو الموصوف المقيد بالصفة، فلو قلت: مررت بقوم مجرمين إلا رجلاً صالحاً، كان الاستثناء منقطعاً، فينبغي أن يكون الاستثناء منقطعاً في الصورتين، فأجاب بأنه لا إشكال، قال: وغاية ما يمكن أن يقال إن الضمير المستكن في المجرمين وإن كان عائداً إلى القوم بالإجرام إلا أن إسناد الإجرام إليه يقتضي تجرده عن اعتبار اتصافه بالإجرام فيكون إثباتاً للثابت إلى آخر كلامه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 ومن نظمه في الجواب أيضاً وهي قصيدة طويلة أوّلها يقول فيها: ولا الشعر من دأبي ولا هو شيمتي ... ولا أنا من خيل الفكاهة في الخبر ثم دخل القاهرة وولي بعد ذلك تدريس الشيخونية ومشيختها، فأقام مدة طويلة إلى أن كان في أواخر هذه السنة فإنه طال ضعفه فشنع عليه القاضي كمال الدين ابن العديم أنه خرف ووثب على الوظيفة فاستقر فيها بالجاه، فتألم لذلك هو وولده ومقت أهل الخير ابن العديم بسبب هذا الصنيع، ومات الشيخ زاده عن قرب، وكان له ولد يسمى محموداً كثير الفضل والعلم عارفاً بالعلوم الآلية، وأقبل على الحديث يسمعه ويشغل فيه، وناب عن أبيه في الشيخونية فحرم من وظيفة أبيه، فقرّره جمال الدين في مدرسته لتدريس الحنفية فانجبر بذلك. سالم بن سعيد بن علوي الحسباني أمين الدين، قدم القدس وهو ابن عشرين سنة فتفقّه بها، ثم قدم دمشق في حياة السبكي واشتغل وداوم على ذلك، وتفقه بعلاء الدين بن حجي وغيره، وأخذ النحو عن السكسكي وغيره، ثم قدم القاهرة فقرأ في النحو على ابن عقيل وفي الفقه على البلقيني وقدم معه دمشق، لما ولي قضاءها وولاّه قضاء بصرى ثم لم يزل يتنقل في النيابة بالبلاد إلى أن مات، وكان مكبّاً على الاشتغال وفي ذهنه وقفة وكان مخلا، مات في جمادى الأولى وقد جاوز السبعين. شاهين بن عبد الله السعدي الطواشي، خدم الأشرف فمن بعده وتقدم في دولة الناصر، وولي نظر الخانقاه البيبرسية وغيرها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 الشيخ السليماني، ولي صفد ثم طرابلس، ثم قبض عليه جكم وسجنه بقلعة صهيون، ثم خلص منها وعاد إلى طرابلس، ثم ولي تقدمة في نيابة نوروز بدمشق، ثم قتله جكم في بعض المغازي في هذه السنة. طاهر بن الحسن بن عمر بن الحسن بن عمر بن حبيب بن شريح الحلبي زين الدين أبو العز ابن بدر الدين، ولد بعد الأربعين، واشتغل بالعلم وتعانى بالأدب، ولازم الشيخين أبا جعفر الغرناطي وابن جابر، وأسمع من إبراهيم بن الشهاب محمود، وأجاز له من الشام أحمد بن عبد الرحمن المرداوي ومحمد بن عمر السلاوي وغيرهما، ومن القاهرة شمس الدين ابن القماح وغيره، وتعانى الإنشاء ببلده وقرر موقعا، ثم سكن القاهرة واستقر بها موقعا وولي عدة وظائف، ومهر في النظم والنثر، وعمل شرحاً على البردة وخمسها أيضاً، وذيل على تاريخ أبيه بطريقته، ونظم تلخيص المفتاح، وطارح الأدباء القدماء منهم فتح الدين ابن الشهيد بأن كتب له بيتين، فأجابه بثلاثة وثلاثين بيتاً، وطارح أيضاً سراج الدين عبد اللطيف الفيومي نزيل حلب ونظم كثيراً، وأحسن ما نظم محاسن الاصطلاح للبلقيني، وليس نظمه بالمفلق ولا نثره، وله قصيدة تسعة أبيات قافيتها: عودي، وله فيما لا يستحيل بالانعكاس بيت واحد مع التزام الحروف المهملة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 وله: أيا فاضلاً في العلا سوله ... له العلم والحلم صارا معا أعد حال ملك وحل عدو ... ودع لحوكل ملاح دعا ودم سالماً لا عداك السرور ... ولا رام سعدك ساع سعى وله: قلت له إذ ماس في أخضر ... وطرفه البابنا يسحر لحظك ذا أو أبيض مرهف ... فقال لي: ذا موتك الأحمر وكانت وفاته في سابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانمائة، اجتمعت به وسمعت كلامه وأظن أني سمعت عليه شيئاً من الحديث ومن نظمه ولم اظفر به إلى الآن. عبد الله بن عبد الرحمن العلوي، تقدم ذكره في الحوادث. عبد الرحمن بن علي بن خلف الفارسكوري الشيخ العلامة زين الدين الشافعي ولد سنة خمسٍ وخمسين، وقدم القاهرة ولازم الاشتغال وتفقه على الشيخ جمال الدين والشيخ سراج الدين وغيرهما، وسمع الحديث فأكثر، وكتب بخطه المليح كثيراً ثم تقدم وصنّف وعمل شرحاً على شرح العمدة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 لابن دقيق العيد، جمع فيه أشياء حسنة، وكان له حظٌّ من العبادة والمروءة والسعي في قضاء حوايج الغرباء لاسيّما أهل الحجاز، وقد ولي قضاء المدينة ولم يتم له مباشرة ذلك، واستقر في سنة ثلاث وثمانمائة في تدريس المنصورية، ونظر الظاهرية ودرسها فعمرها أحسن عمارة وحمد في مباشرته، وقد جاور بمكة وصنف بها تصنيفاً يتعلّق بالمقام، وكان يودّني وأودّه وسمعت بقراءته وسمع بقراءتي، وأسفت عليه جدّاً، وقد سئل في مرض موته أن ينزل عن بعض وظائفه لبعض من يحبه من رفقته فقال: لا أتقلّدها حيّاً وميتاً، مات في رجب وله ثلاث وخمسون سنة. عبد الرحمن بن محمّد بن محمّد بن محمّد بن الحسن بن محمّد بن جابر بن محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن عبد الرحيم الحضرمي المغربي المالكي المعروف بابن خلدون، ولد سنة 733، وسمع من الواد ياشي وغيره وقرأ القرآن على أبي عبد الله بن محمّد بن سعد بن بزال إفراداً وجمعاً، وأخذ العربية عن أبيه وأبي عبد الله محمّد الخضائري وأبي عبد الله بن بحر، وأخذ الفقه عن محمّد بن عبد الله الحياني وقاضي الجماعة ابن عبد السلام، وأخذ عن عبد المهيمن الحضرمي ومحمّد بن إبراهيم الإربلي شيخ المعقول بالمغرب، وبرع في العلوم وتقدم في الفنون ومهر في الأدب والكتابة، وولي كتابة السر بمدينة فاس لأبي عنان ولأخيه أبي سالم ورحل إلى غرناطة في الرسلية سنة تسع وستين، وكان ولي بتونس كتابة العلامة، ثم ولي الكتابة بفاس، ثم اعتقل سنة ثمان وخمسين نحو عامين، ودخل بجاية بمراسلة صاحبها فدبّر أموره، ثم رحل بعد أن مات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 إلى تلمسان باستدعاء صاحبها فلم يقم بها، ثم استدعاه عبد العزيز بفاس فمات قبل قدومه فقبض عليه، ثم تخلّص فسار إلى مراكش، وتنقّلت به الأحوال إلى أن رجع إلى تونس سنة ثمانين فأكرمه سلطانها فسعوا به عند السلطان إلى أن وجد غفلة ففرّ إلى المشرق، وذلك في شعبان سنة أربعٍ وثمانين، ثم ولي قضاء المالكية بالقاهرة، ثم عزل وولي مشيخة البيبرسية ثم عزل عنها ثم ولي القضاء مراراً كان آخرها في رمضان من هذه السنة فباشره ثمانية أيام فأدركه أجله، وكان ممن رافق العسكر إلى تمرلنك وهو مفصول عن القضاء، واجتمع بتمرلنك فأعجبه كلامه وبلاغته وحسن ترسّله إلى أن خلّصه الله من يده، وصنّف التاريخ الكبير في سبع مجلّدات ضخمة ظهرت فيه فضائله وأبان فيه عن براعته، ولم يكن مطّلعاً على الأخبار على جليّتها لا سيما أخبار المشرق وهو بين لمن نظر في كلامه، وكان لا يتزيّا بزيّ القضاة بل هو مستمر على طريقته في بلاده، مات في خامس عشري رمضان، قال لسان الدين بن الخطيب في تاريخ غرناطة: رجل فاضل جمّ الفضائل رفيع القدر أصيل المجد وقور المجلس عالي الهمّة قويّ الجأش متقدّم في فنون عقلية ونقلية متعدد المزايا شديد البحث كثير الحفظ صحيح التصوّر بارع الخط حسن العشرة مفخر من مفاخر المغرب، قال: هذا كله في ترجمته والمذكور في حد الكهولة: وقال العينتابي في ترجمة ابن خلدون: مات فجأة بعد أن أعيد إلى القضاء بثلاثة أيام وكان فاضلاً صاحب أخبار ونوادر ومحاضرة حسنة وله تاريخ مليح، وكان يتهم بأمور قبيحة، كذا قال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 عبد العزيز بن سليم المحلى عز الدين الشافعي، كان عارفاً بالوثائق، وولي قضاء المحلّة. مات بمكة مجاوراً عن ستين سنة. علي بن أحمد بن علوان النحريري نور الدين شاهد الطواحين السلطانية، مات في أواخر جمادى الأولى، وكان كثير التودّد، وقد سمع من الشيخ محمّد القرمي وحدّث عنه. علي بن ... الشيخ علاء الدين الكاتب المجود كاتب المنسوب الملقب بعصفور موقع الدست، ووقع عن جماعة من أكابر الأمراء، وهو الذي كتب عهد الناصر فرج في دولته الثانية، ومات عقب ذلك فقال فيه بعض أدباء العصر: قد نسخ الكتاب من بعده ... عصفور لنا طار للخلد مذ كتب العهد قضى نحبه ... وكان منه آخر العهد وقد كتب عليه جماعة من الأعيان وانتفعوا به، وكان يكتب على طريقة ياقوت، وكان شيخنا الزفتاوي صديقه يكتب طريقة ابن العفيف، ودخل علاء الدين عصفور صحبة سودون قريب السلطان دمشق ووصل معه إلى حلب، فنهب مع من نهب بأيدي اللنكية ولكنه نجا من الأسر، وكان بارعاً في كتابة المنسوب على طريقة الشاميين وولي توقيع الدست فكان بعضهم يقول: ضاع عصفور في الدست، مات في رجب. فارس بن صاحب الباز التركماني، كان أبوه من أمراء التركمان فلما وقعت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 الفتنة اللنكية جمع ولده هذا فاستولى على أنطاكية، ثم قوي أمره فاستولى على القصر، ثم وقع بينه وبين دمرداش في سنة ست وثمانمائة فانكسر دمرداش، ثم جمع دمرداش لقتاله بأنطاكية فحاصره وكان جكم مع فارس ثم رجع عنه بغير طائل، فاستولى فارس على البلاد الغربية كلها وعظم شأنه وبنى بأنطاكية مدرسة حسنة، واستولى على صهيون وغيرها من عمل طرابلس، وصارت نواب حلب كالمحصورين معه لما استولى على أعمالهم، فلما ولي جكم نيابة حلب تجرّد له وواقعه فهزمه ونهب ما معه، واستمر جكم وراءه إلى أن حاصره بأنطاكية سنة ثمان وثمانمائة، ولم تزل الحروب بينهما إلى أن طلب فارس الأمان فأمّنه ونزل إليه وسلّمه لغازي بن أوزون وكان عدوّه فقتله وقتل معه ابنه وجماعة منهم في شوّال، واستنقذ جكم البلاد كلها من أيدي ابن صاحب الباز وهي أنطاكية والقصر والشغر وحارم وغير ذلك، وانكسرت بقتل فارس شوكة التركمان. قوام بن عبد الله الرومي الحنفي قوام الدين، قدم الشام وهو فاضل في عدة فنون فصاهر بدر الدين ابن مكتوم وولي تصديراً بالجامع وشغل فأفاد وصحب النوّاب، وكان سليم الباطن كثير المروءة والمساعدة للناس، مات في ربيع الآخر بدمشق. ماجد بن عبد الرزاق المعروف بابن غراب القبطي الملقب فخر الدين، سمّى نفسه محمّد بن عبد الرزاق لما ولي المناصب بالقاهرة، وكان جدّه نصرانيّاً بالإسكندرية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 يتعانى صناعة الكتابة، فكان ممن اتهم بإعانة الفرنج على نهب الإسكندرية، فلما توجهوا عنها خاف فأسلم، ولما مات نشأ ولده عبد الرزاق واشتهر بمعرفة الكتابة والأمانة إلى أن ولي نظر الإسكندرية، ومات بعد الثمانين وخلف ماجداً وإبراهيم وهو الأصغر، فاتصل إبراهيم بالأمير محمود الأستادار في سلطنة الظاهر برقوق وتلقب سعد الدين، وتنقلت به الأحوال على ما تقدم في الحوادث، وعظم قدر أخيه فخر الدين في الرياسة، وولي الوزارة ونظر الخاص وغير ذلك، كل ذلك بعناية أخيه، ولم يكن فيه من آلات الرياسة شيء بل كان يلثغ لثغة قبيحة ويسير سيرة جائرة، ولما مات أخوه خمل وخمد وآل أمره إلى أن مات في حبس الأمير جمال الدين الأستادار، وتقدمت ترجمته في آخر الحوادث من هذه السنة. محمّد بن أبي بكر شمس الدين الجعبري الحنبلي العابر كان يتعانى صناعة القبان، ونزل في دروس الحنابلة ونزل في سعيد السعداء وفاق في تعبير الرؤيا، ومات في جمادى الآخرة، وهو والد شيخنا. محمّد بن أبي بكر بن سليمان بن أحمد العباسي أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو عبد الله بن المعتضد بن المستكفي ابن الحاكم، ولد في سنة نيّف وأربعين أو نحوها، وتولى الخلافة في سنة ثلاث وستين بعهد من أبيه إليه، واستمر في ذلك إلى أن مات في شعبان من هذه السنة سوى ما تخلل من السنين التي غضب فيها عليه الملك الظاهر برقوق من ولاية قريبه، واستقر في الخلافة بعده ولده أبو الفضل العباسي ولقب المستعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 بالله، وكان قد عهد قبله بالخلافة لولده الآخر المعتمد على الله أحمد ثم خلعه وولي هذا واستمر ذلك مسجوناً إلى أن مات، ولما هرب الأشرف شعبان من عقبة أيلة سأل طشتمر المتوكل أن يبايع له بالسلطنة فامتنع وقال: بل اختاروا من شئتم وأنا أولّيه، فقدم معهم وأقيم المنصور بن علي بن الأشرف، وقام بتدبير الملك إينبك فخلع المتوكل من الخلافة وأقيم قريبه زكريّا بن إبراهيم في ثالث عشري صفر سنة تسع وسبعين، ثم أعيد بعد شهر إلى أن تسلطن برقوق فحسن له جماعة من أهل الدولة وغيرهم طلب الملك فكاتب الأمراء والعربان مصراً وشاماً وعراقاً وبث الدعاة في الآفاق، فنمّ عليهم صلاح الدين بن تنكز في رجب سنة خمس وثمانين وأخبره عن حالة الطنبغا أن الخليفة اتفق مع قرط الكاشف أن الظاهر إذا ركب إلى الميدان قبض عليه ووافقهم إبراهيم بن طلقتمر أمير جندار، فاستدعى الخليفة في الحال وقيّده وسجنه في برج القلعة وقبض على إبراهيم وقرط فوسط قرط وحبس إبراهيم، وأقام عمر في الخلافة ولقب الواثق، ثم مات عمر وأقيم أخوه زكريّا ولقب المستعصم، واستمر المتوكل في الحبس إلى أن خرج يلبغا الناصري فأفرج برقوق عن الخليفة في صفر سنة إحدى وتسعين، لأنه بلغه أن الناصري يشنع عليه كونه سجن الخليفة فأمر بالتضييق عليه فمنع الناس من الدخول عليه، فلما قوي الناصري أفرج عنه في ربيع الأول وأحضره عنده وتحادث معه ساعة وأعطاه مالاً وثياباً، ثم أحضره في أول يوم من جمادى الأولى وخلع عليه وأركبه حجرة شهباء وأركبه من باب النحاس وأمره بالانصراف إلى داره، وركب معه الأمراء والقضاة، ونشرت على رأسه الأعلام السود، وفرح الناس به فرحاً عظيماً، ولم يبق أحد حتى خرج لرؤيته فكان يوماً مشهوداً، فلما قدم الناصري وغلب على المملكة وأزال دولة برقوق قال يلبغا الناصري للخليفة بمحضر من الأمراء يا مولانا أمير المؤمنين ما ضربت بسيفي هذا إلا في نصرتك، وبالغ في تعظيمه وتبجيله، فأشار عليه بإعادة حاجي بن شعبان إلى المملكة ثم أخرج منطاش الخليفة والقضاة معه لما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 خرج برقوق من الكرك، فلما انتصر برقوق جدّد له الخليفة الولاية بالسلطنة وأحسن إليه، واستمر على حاله إلى أن مات برقوق فقلد السلطنة لولده الناصر فرج، ومات في أيامه محمّد بن أبي بكر بن محمّد بن الشهاب محمود بن سلمان بن فهد الحلبي الأصل الدمشقي شمس الدين بن شرف الدين ولد في شعبان سنة 734، وأحضر في الخامسة المنتقى من معجم ابن جميع علي البرزالي وأبي بكر بن قوام وشمس الدين ابن السراج والعلم سليمان المنشد بطريق الحجاز في سنة تسعً وثلاثين، وسمع في سنة ثلاث وأربعين من عبد الرحيم بن أبي اليسر والشرف عمر بن محمّد بن خواجا إمام ويعقوب بن يعقوب الحريري والعز محمّد بن عبد الله الفاروثي وغيرهم الأولين من مشيخة الفخر وحدث، وكان شكلاً حسناً كامل البنية مفرط السمن، ثم ضعف بعد الكائنة العظمى وتضعضع حاله بعد ما كان مثرياً، وكان كثير الانجماع عن الناس مكبّاً على الاشتغال بالعلم، درس بالبادرائية نيابة، وكان كثير من الناس يعتمد عليه لأمانته وعقله، مات في خامس عشري جمادى الأولى وله أربعٌ وسبعون سنة ونصف سنة، وكان أبوه موقع الدست بدمشق وقد ولي قبل ذلك كتابة السر. محمّد بن الحسن الأسيوطي شمس الدين كان عالماً بالعربية حسن التعليم لها، انتفع به جماعة وكان يعلم بالأجرة وله في ذلك وقائع عجيبة تنبئ عن دناءة شديدة وشح مفرط، وكان منقطعاً إلى القاضي شمس الدين ابن الصاحب الموقع، ونبغ له ولده شمس الدين محمد لكن مات شابّاً قبله رحمهما الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 محمّد بن عبد الله الخضري - بضم المعجمة بعدها معجمة مفتوحة - المصري نزيل مكة الطبيب كان يتعانى الطب والكيمياء والنارنجيّات والنجوم، وأقام بمكة مجاوراً بها مدّة، لقيته بها سنة ست، ودخل اليمن فأقبل عليه سلطانها الناصر، فيقال إن طبيب الناصر دسّ عليه من سمّه فهلك، وكان هو أتهم بأنه دسّ على الرئيس شهاب الدين بن المحلى التاجر سمّاً فقتله في آخر سنة ستٍّ وثمانمائة. محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن إبراهيم بن جملة بن مسلم المحجي الأصل المشقي كمال الدين كان رئيساً محتشماً متمولاً باشر نظر ديوان السبع ثم تركه ومات في المحرم. محمّد بن عبد الرحمن بن عبد الخالق بن سنان البرشنسي - بفتح الموحدة وسكون الراء وفتح المعجمة بعدها نون ثم سين مهملة - اشتغل قديماً وسمع الحديث من القلانسي ونحوه وحدث وأفاد ودرس مع الدين والخير، وله منظومة في علم الحديث وشرحها، وشرح أسماء رجال الشافعي وكتاباً في فضل الذكر وغير ذلك، سمعت عليه قليلا، ومات وله سبعون سنة. محمّد بن محمّد بن أحمد بن علي بن عبد الكافي السبكي أبو حاتم ابن أبي حاتم بن أبي حامد ابن الشيخ تقي الدين اشتغل قليلا، وناب في الحكم من سنة تسعين عن ابن الميلق إلى أن مات في إحدى الجماديين وله أربع وخمسون سنة. محمّد بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد الفارسي الأصل القدسي ثم الدمشقي المعروف بابن المهندس أخو شيخنا شهاب الدين وهو الأصغر أعني محمدا، ً نشأ صيِّناً جيِّداً، وصحب الشيخ فخر الدين السيوفي وبمكة الشيخ عبد الله اليافعي، وكانت له في نشأته أحوال صالحة ثم باشر بعض الدواوين وحصل أموالاً ولم تحمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 سيرته، وكان قد سمع من الميدومي وغيره، ومات في شوال ودفن بتربته التي أنشأها شرقي الشامية البرانية بدمشق. محمّد بن محمّد بن أسعد بن عبد الكريم بن سليمان بن يوسف بن علي بن طنجا الثقفي القاياتي فخر الدين أبو اليمن اشتغل قليلاً، وسمع الحديث من نور الدين الهمداني وغيره، ونسخ بخطه الكثير، وجاور بمكة مراراً، وتلا بالسبع على بعض المتأخرين، وكان قد استقر في قضاء مصر والجيزة نيابة، فباشرها مدة طويلة منفرداً ثم اشترك معه غيره مع استمراره على أنه الكبير فيهم، وعيّن للقضاء فامتنع ولازم النيابة إلى أن مات، وخلّف مالاً طائلاً وأوصى بثياب بدنه لطلبة العلم ففرّقت فيهم، مات في رجب وقد جاوز الثمانين. محمّد بن محمّد بن حسن الأسيوطي شمس الدين بن شمس الدين، اشتغل بالفقه والحديث والعربية وتقدم ومهر في عدة فنون ورافقنا في السماع كثيرا، مات بعد أبيه في هذه السنة أحسن الله عزانا فيه. محمّد بن محمّد بن محمّد الخضر ابن شمري الزبيري العيزري الغزي، ولد في ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وتفقه بالقاهرة على ابن عدلان وأحمد بن محمّد العطار المتصدر بالجامع الحاكمي ومحيى الدين ولد مجد الدين الزنكلوني وقرأ على البرهان الحكري ورجع إلى غزة سنة 744 فاستقرّ بها، ودخل دمشق فأخذ عن البهاء المصري والتقي والتاج السبكيّين وغيرهم، وأذن له البدر محمود بن علي بن هلال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 في الإفتاء وأخذ عن القطب التحتاني، وصنف تصانيف في عدة فنون، وكتب إلى أسئلة في عدة علوم، وله مناقشة على جمع الجوامع، وذكر أنه شرحه واختصر القوت للأذرعي وله تعليق على الشرح الكبير للرافعي ونظم في العربية أرجوزة سمّاها قضم الضرب في نظم كلام العرب، ومات في نصف ذي الحجة هذه السنة، وقال القاضي تقي الدين الشهبي وقفت له على اعتراضات على فتوى للشيخ سراج الدين البلقيني فوصلت إلى ولده القاضي جلال الدين فردّ عليه وانتصر لأبيه، فبلغه ذلك فانتصر لنفسه وردّ ما قاله القاضي جلال الدين. محمّد بن موسى بن عيسى بن علي الدميري ثم المصري أبو البقاء كمال الدين الشافعي ولد في حدود الخمسين وتكسب بالخياطة ثم طلب العلم وسمع المسند تامّاً من العرضي وغير ذلك، ولازم خدمة الشيخ بهاء الدين السبكي وتخرّج به وبغيره، وكان اسمه كمالاً وبذلك كان يكتب بخطه في كتبه ثم تسمّى محمّداً، ومهر في الفقه والأدب والحديث وشارك في الفنون، ودرّس بدرس الحديث بقية بيبرس وفي عدّة أماكن، ووعظ وأفاد وخطب فأجاد، وكان ذا حظٍّ من العبادة تلاوةً وصياماً ومجاورة بالحرمين وقد ذكر عنه كرامات وكان يخفيها وربما أظهرها وأحالها على غيره، وصنّف شرح المنهاج في أربع مجلّدات، لخّصه من كلام السّبكيّ وطرّزه بفوائد كثيرة من قبله، ونظم في الفقه أرجوزة طويلة، وصنّف حياة الحيوان، أجاده وأكثر فوائده مع كثرة استطراده فيه من شيء إلى شيء، وشرع في شرح ابن ماجه فكتب مسودّته وبيّض بعضه، ومات في ثالث جمادى الأولى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 محمّد بدر الدين بن منهال ناب في الحسبة وغيرها، وكان يرخي العذبة ويباشر عند بعض الأمراء. محمّد الحنبلي المعروف بابن المصري شمس الدين، كان من نبهاء الحنابلة يحفظ المقنع وهو آخر طلبة القاضي موفّق الدين موتاً، وكان قد ترك وصار يتكسّب في حانوت بالصّاغة. محمود بن أحمد بن إسماعيل بن العز الحنفي القاضي محيى الدين بن نجم الدين بن عماد الدين ابن الكشك، اشتغل قليلا وناب عن أبيه واستقل بالقضاء وقتاً، ولما كانت فتنة تمر دخل معهم في المنكرات وولي القضاء من قبلهم ولقب قاضي المملكة واستخلف بقية القضاة من تحت يده، وخطب بالجامع ودخل في المظالم وبالغ في ذلك فكرهه الناس ومقتوه ثم أطلع تمر على أنه خانه فصادره وعاقبه وأسره إلى أن وصل تبريز فهرب ودخل القاهرة فكتب توقيعه بقضاء الشام فلم يمضه نائب الشام شيخ، واستمرّ خاملاً إلى أن مات، وتفرّق أخوه وأولاده وظائفه ثم صالحوه على بعضها، ومات محيى الدين في ذي الحجة، وهو والد رئيس الشام شهاب الدين. محمّد أمير العرب نعير - بنون ومهملة مصغر - هو محمد بن حيار - بالمهملة المكسورة ثم التحتانية الخفيفة - بن مهنا بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة الطائي أمير آل فضل بالشام يلقب شمس الدين ويعرف بنعير ولي الإمرة بعد أبيه ودخل القاهرة مع يلبغا الناصري ولما عاد الظاهر من الكرك وافق نعير منطاشا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 في الفتنة المشهورة وكان مع منطاش لما حاصر حلب ثم راسل نعير نائب حلب إذ ذاك كمشبغا في الصلح وتسلمه منطاش ثم غضب برقوق على نعير وطرده من البلاد فأغار نعير على بني عمّه الذين قرروا بعده وطردهم، فلما مات برقوق أعيد نعير إلى إمرته ثم كان ممن استنجد به دمرداش لما قدم اللنكية فحضر بطائفة من العرب فلما علم أنه لا طاقة لهم بهم نزح إلى الشرق، فلما نزح التتار رجع نعير إلى سلمية ثم كان ممن حاصر دمرداش بحلب ثم جرت بينه وبين الأمير جكم وقعة فكسر نعير ونهب وجيء به إلى حلب فقتل في شوال منها وقد نيف على السبعين، وكان شجاعاً جواداً مهاباً إلاّ أنه كثير الغدر والفساد وبموته انكسرت شوكة آل مهنّا وكان الظاهر خدعه ووعده حتى سلم منطاش وغدر به فلم يف له الظاهر بما وعده بل جعل يعد ذلك عليه ذنباً وولي بعده ولده العجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 يحيى التلمساني في التي بعدها. //الجزء السادس بسم الله الرحمن الرحيم سنة تسع وثمانمائة في الثالث من المحرم استقر شمس الدين محمّد بن عبد اللطيف المناوي الملقب بالبديية. وفيها مات ناصر الدين الطناحي في المحرم أو صفر وكان إمام السلطان واستقر تاج الدين عبد الوهاب بن نصر الله في نظر الأحباس عوضاً عنه وكان الطناحي يتعانى الكيمياء ويفسد ماله فيها. واستهلت وقد غلب نوروز على دمشق وخرج عنها نائبها فتوجه إلى الرملة، ورجع جكم من دمشق في أوائل المحرم طالباً البلاد الحلبية.، وتوجه نوروز إلى جهة شيخ ليقبض عليه، فاستمر شيخ متوجهاً إلى الديار المصرية فوصل إليها في الثالث من صفر فنزل الميدان، فأكرمه السلطان وهاداه أكثر الأمراء وعظمه، وصحبه حينئذٍ ولدا ابن التباني بواسطة الأمير قطلوبغا الكركي، ووصل أيضاً دمرداش نائب حلب كان والطنبغا العثماني حاجب دمشق ويونس الحافظي نائب حماة وسودون الظريف وآخرون، وخلع على شيخ في السادس من صفر، ورجع نوروز من الرملة بعد أن فاته شيخ ومن معه فأوقع بالعرب في صرخد وجاء بجمال كثيرة ودخل دمشق في أواخر صفر، وفي مستهل ربيع الأول برز شيخ ودمرداش ومن معهما من العساكر إلى جهة الشام لقتال نوروز وجكم، وخرج معهما سودون الطيار أمير سلاح وسودون الحمزاوي الداودار، ثم خرج الناصر في ثامن الشهر وعسكر بالريدانية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 واستخلف بالقاهرة تمراز نائباً في الغيبة، ورحل من الريدانية ثاني عشره، ثم دخل غزة في رابع عشر ربيع الأول، ثم دخل دمشق في سابع ربيع الآخر، وحمل الشتر بين يده شيخ نائب الشام، ورحل السلطان من الريدانية صبح يوم الجمعة فخرج الناس من القاهرة لما بلغهم ذلك كالوزير وناظر الخاص والقاضي الشافعي قبل صلاة الجمعة وتأخر كثير منهم إلى أن صلوا الجمعة وركبوا ووصلوا إلى غزة في ثاني عشري ربيع الآخر، وجهز السلطان قبل سفره أخويه المنصور عبد العزيز وإبراهيم إلى الإسكندرية وأرسل معهما قطلوبغا الكركي وإينال حطب يحتفظان بهما، فلم يلبثا أن ماتا في يوم واحد في العشر الأول من ربيع الآخر، وأحضرا إلى القاهرة ميتين ودفنا في تربة أبيهما وحضر مع الأمير الذي كان موكلاً بهما محضر مثبوت بأنهما ماتا بقضاء الله وقدره، وكان نوروز لما بلغه حركة السلطان إلى الشام جهز سودون المحمدي في عسكر إلى الرملة وأمر بشنق فواز أمير عرب حارثة فشنق، ووصل إليه إينال باي بن قجماس ويشبك بن أزدمر هاربين من القاهرة، ووصل معهم سودون المحمدي هارباً من الرملة، ودخل الرملة جبريل والعثماني وشاهين دويدار نائب الشام، وفي سابع عشر ربيع الآخر خرج نوروز ومعه العسكر إلى قصد قتال ابن بشارة وأرسل بكتمر جلق لجمع العشير، ثم رجع نوروز إلى البقاع ولحق به بكتمر وتوجها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 إلى بعلبك، ثم توجهوا إلى ناحية حمص في أواخر الشهر، ودخل شاهين دوادار النائب في سابع عشري ربيع الأول إلى دمشق، ثم وصل أستاذه ودمرداش إلى الشام آخر يوم في ربيع الأول، واستقر الطنبغا العثماني في نيابة صفد، وعمر بن الهدباني حاجب الحجاب بدمشق، واستقر سودون بقجة في نيابة طرابلس. وفي ربيع الآخر سعت جماعة من مماليك السلطان لطلب النفقة، فأمر السلطان بمسك جماعة منهم وشنق جماعة، وفي نصف ربيع الآخر برز السلطان إلى جهة حلب، واستقر صبيحة ذلك اليوم نجم الدين عمر بن حجي أخو الشيخ شهاب الدين في قضاء الشام واستقر علاء الدين بن نقيب الأشراف الدمشقي في كتابة السر ووصل في هذا الشهر شمس الدين الأخنائي إلى دمشق وكان قد مل من السعي في قضاء الشافعية بمصر وتناوب ذلك مع القاضي جلال الدين البلقيني أربع مرات وفي الآخر استعان البلقيني عليه بجمال الدين الأستادار فألزمه بالسفر صحبة العسكر إلى الشام فسافر وفارقهم إلى القدس. وفي ربيع الأول غضب الناصر على قضاة حماة ورسم عليهم وصادرهم وأهانهم ووضع في رقابهم الزناجير لكونهم أثبتوا محضراً صورته أنهم سمعوا طائراً بحماة يقول: اللهم انصر جكم، وكان قبل ذلك قد رسم على قضاة الشام وطلب من كل واحد منهم مالاً كثيراً فوزن أكثره في الترسيم، فطلب من علاء الدين ابن أبي البقاء مالاً فاختفى ثم مات قريباً، ودخل الناصر حلب في أواخر ربيع الآخر وصحبته القضاة البلقيني والكمال ابن العديم والبساطي وسالم، فهرب نوروز وجكم وتمربغا المشطوب عن حلب وعدوا الفرات، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 فأقام الناصر بحلب إلى أن استهل جمادى الآخرة، وأرسل العساكر في طلبهم فلم يلحقوا منهم أحداً، فرجعوا إليه بذلك، وفي غضون ذلك صادر السلطان قضاة طرابلس وقضاة حلب لعلة قيامهم مع جكم، ورجع متوجهاً إلى القاهرة وقرر في نيابة حلب جركس المصارع وفي نيابة طرابلس سودون بقجة وفي نيابة دمشق شيخ، فلما تحقق جكم ومن معه من رحيل السلطان من حلب رجع إلى حلب، فهرب جركس المصارع منه إلى دمشق فدخلها قبل أن يخرج السلطان منها وأقام جكم ومن معه بحلب، وفي جمادى الأولى استقر صدر الدين ابن الأدمي في قضاء الحنفية بدمشق عوضاً عن ابن الكفري، وكان ابن الجواشي توجه إلى حلب يسعى في ذلك فرجع خائباً، ودخل السلطان دمشق في جمادى الآخرة ويشبك معه وهو ضعيف. وفي نصف جمادى الآخرة أعيد شمس الدين ابن الأخنائي إلى قضاء الشام وصرف ابن حجي واستضاف الأخنائي الخطابة ومشيخة السميساطية والغزالية ونظر الحرمين إلى وظيفة القضاء، وكانت هذه الوظائف قد أفردت لشهاب الدين ابن حجي من مدة وكان تارة يستقل بها وتارة يشركه غيره فيها، فلما استضافها الأخنائي سعى فيها الباعوني فانفرد بها وكتب توقيعه بذلك. وفي هذا العشر الأوسط رحل الناصر إلى جهة مصر فوافته الأخبار بما صنع جكم وبأن جماعة نوروز وصلوا إلى حماة وبعضهم إلى حمص، فنادى في العسكر بالرجوع إليهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 فتخاذلوا وخرج بعضهم يوهم أنه متوجه إليهم وبعضهم إلى جهة مصر فما وسع الناصر إلا الرجوع إلى مصر، وخلع على شيخ وقرره في نيابة دمشق وأمره أن يجمع النواب ويتوجه إلى صفد، فخرج هو ودمرداش ويونس العثماني إليها وتوجه الناصر في ثاني عشري جمادى الآخرة. وفي ذي القعدة زلزلت أنطاكية زلزلة عظيمة فمات تحت الردم عدد كثير، قيل مائة وقيل: أكثر؛ وفي رجب هرب سودون الحمزاوي من الناصر فتحصن بقلعة صفد فلما قصد نوروز دمشق خرج منها شيخ فتحيل على سودون الحمزاوي وأخذ منه صفد فتحصن بها، وذلك بعد أن أمن إليه الحمزاوي وكاتب نوروز وجكم بسببه وسأل منهما أن يكون هو وشيخ وهما يداً واحدة على من خالفهم، وجاءه جواب نوروز بالصغو إلى ذلك فلم يفجأه إلا وشيخ قد ملك القلعة وحال بينه وبينها فهرب إلى نوروز واستولى شيخ على جميع ما وجده للحمزاوي هناك. وفي شعبان سلم فخر الدين ابن غراب للأستادار فصادره وأهانه، وفيه شرع نوروز في عمارة القلعة وجد في ذلك واجتهد وعمل فيه الترك والعامة وتزاحموا على ذلك وفرضوا بسبب ذلك على الأراضي أموالاً كثيرة وشق ذلك على الناس وشرعوا في إقطاع الأوقاف والأملاك وكثر السعي عند نوروز في الوظائف بالبراطيل وانتزاعها من أربابها وقبض على كثير من التجار، فصودروا حتى كان أهل دمشق يشبهون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 تلك الأيام بأيام تمرلنك كذا قرأت في تاريخ ابن حجي بل قال إنها أبشع، قال: وتنوعوا في ظلم الناس واقتراح الذنوب لهم، ظهر أهل الفساد ظهوراً عظيماً. وفي أواخر شعبان خرج إينال باي بن قجماس ويشبك ابن أزدمر وسودون الحمزاوي وسودون المحمدي وأسن باي في جماعة كثيرة إلى غزة، وكان شيخ قد قبض على نائبها جبريل وجهز شيخ مماليك الحمزاوي في مركب، فاتفق أنهم فكوا قيودهم وغلبوا الموكلين بهم وطلعوا إلى أستاذهم بغزة، وفي شعبان مات قطلوبغا الكركي وإينال حطب وكانا من أعوان يشبك. وفي مستهل رجب مات ركن الدين عمر بن قايماز الأستادار. وفيها خطب جماز إمرة المدينة فأرسل إليه من مصر أن يقتتل هو وثابت فمن غلب كان الأمير، فاقتتلا في ذي القعدة فغلبه جماز واستولى على المدينة. وفي التاسع من جمادى الآخرة بويع للأمير جكم بالسلطنة، ولقب الملك العادل، وضربت السكة باسمه، وخطب له بحلب، ثم أرسل دعاته إلى البلاد فأطاعه جميع النواب بالممالك الشامية والشمالية وخطب له بها، ولم يتأخر عن طاعته غير صفد لإقامة شيخ بها ومن معه بل خطب له من غزة إلى الأبلستين، وانتزع البيرة من كزل وكان عصى بها، وحلف له نوروز ومن بعده بدمشق في ذي القعدة وكذا من بعده من الأمراء، فقدر الله تعالى أن مدته لم تطل، فإنه استولى على القلاع التي بيد التركمان كلها، ولم يتأخر عليه سوى آمد، كانت مع محمّد بن قرا يلك فعصى عليه، فخرج إليه جكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 بأبهة السلطنة وعدا الفرات من البيرة، فراسله عثمان بن طورغلي وهو المعروف بقرا يلك يسأله الصلح ويخضع له، فلم يصغ إليه بل قال: لا أرجع عنه إلا أن جاء وقبل رجلي في الركاب، فإن شئت عفوت عنه وإن شئت قتلته، فرجع رسله إليه بذلك فاستعد للحصار، وأشار على جكم أكثر من معه من الأمراء أن يقبل هدايا قرا يلك ويرضى منه بالطاعة ويحقن الدماء ويرجع فلم يصغ لذلك، ثم وصل إليه الملك الطاهر عيسى صاحب ماردين وحاجبه فياض وكانا شيخين كبيرين قد طالت مدتهما في مملكة ماردين فأطاع جكم ووصل إليه بعسكره، فقوي عزمه على حرب قرا يلك واستند إلى ما شهر عن المذكور من الظلم والإفساد، فلما قربوا من آمد حطموا على التركمان واشتبك القتال، فقتل ولد قرا يلك في المعركة فانكسر التركمان، فتبع جكم آثارهم فوقعت فرسه في حفرة من الحفر التي جرت عادتهم بإعدادها للمكيدة؛ وقيل: بل جاءه حجر رماه به تركماني في مقلاع فأدماه، فوقع من فرسه وتكاثروا عليه وذبحوه وانهزم عسكره، فلما فقد وتحقق قرا يلك قتل جكم أمر بالتفتيش عليه بين القتلى، فوجدوه فلم يعرفوه إلا بترسه وبحناء رجليه وكان لا يفارق ذلك، وانهزم عسكر جكم هزيمة شنيعة، ونهبتهم التركمان، واستلبوا منهم الخيل والبغال والجمال والأمتعة ما لا يوصف كثرة، وقتل في الوقعة ناصر الدين بن شهري الحاجب كان بحلب ومقبل نائب عينتاب الإربلي وصاحب ماردين وحاجبه، وهرب تمربغا المشطوب فاختفى، وكانت الوقعة في خامس عشر ذي القعدة، ووصل خبرها إلى الشام في ذي الحجة، ووصل إلى مصر في أواخرها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 وقد أشار صاحب ماردين على جكم بالتأني وقت القتال، فخالفه حتى تلفت أرواحهم، وبلغني أن التركمان قطعوه أعضاء وأرسلوا كل عضو إلى ناحية افتخاراً بقتله لشدة بأسه وهيبته في قلوب التركمان والعرب، ثم أرسلوا برأسه إلى القاهرة في السنة الآتية، ولما بلغ الناصر ذلك فرح به وأمر بضرب البشائر، ثم أحضرت الرؤس فطيف بها في الأسواق وعلقت على باب زويلة وزينت البلد أياماً، وذلك في الثامن عشر من المحرم في السنة المقبلة وكان جكم من مماليك الظاهر وأول ما أعطي تقدمة بعد هزيمة أيتمش من القاهرة واستقر رأس نوبة كبيراً، ثم استقر دويداراً كبيراً بعد أن بارز يشبك بالعداوة فانتصر عليه وحبس يشبك، ثم في سنة أربع انهزم جكم وسجن بقلعة المرقب وراح جكم كأن لم يكن، فكانت مدة سلطنته بدعواه قدر شهرين، وكان شجاعاً بطلاً يحب العدل والخير إلا أنه كان مقداماً على سفك الدماء فكان يهاب لذلك، وقد كان ابن قرا يلك يظن أنه لا يقف في وجهه ولا يجسر على قتاله. وفي ذي القعدة بعث شيخ إلى نابلس جيشاً فقبضوا على عبد الرحمن ابن المهتار وأحضروه إلى صفد فقتل بحضرته، وكان المذكور قد عصى بأخرة على الناصر واتفق مع نوروز، فأرسله إلى نابلس فصادر أهلها وبالغ في ظلمهم فكانت تلك عاقبته. وفي أوائل ذي القعدة خرج شيخ من صفد ومن معه فوصل إلى قابون، فهرب منه الحمزاوي إلى غزة فاجتمع هو ومن بها من الأمراء ووقعت الوقعة عند حلبين، فقتل في المعركة إينال باي بن قجماس، ويقال بل قتل بين يدي شيخ صبراً، وقتل في المعركة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 أيضاً يونس الحافظي الذي كان نائب حماة، وأسر الحمزاوي وانهزم سودون المحمدي ويشبك ابن أزدمر وغيرهما، فجمع نوروز العساكر وتوجه لقتال شيخ وسار في نصف ذي القعدة، فقبضوا في شقحب على الأمير بلاط السعدي فكان شيخ أرسله ليكشف الأخبار. وفي ثالث عشري ذي القعدة خطب للملك الناصر بدمشق، وعين نوروز جماعة يتوجهون إلى القاهرة بسبب السؤال للناصر في الرضى عنه، فتوجهوا ثم رجعوا لما بلغهم تصميمه على قصد دمشق. وفيها استولى تمربغا المشطوب على حلب وذلك أنه لما هرب من الوقعة التي كانت بين جكم وبين قرا يلك جاء مع طائفة من المغل إلى جهة حلب، فوجد ابن دلغادر قد جمع التركمان وحاصرها فأوقع بهم وكسرهم ودخل البلد وعصت عليه القلعة، فلما بلغهم قتل جكم سلموها له فاستولى على ما بها من الحواصل وعلى ما بحلب أيضاً من الخيول والمماليك المخلفة عن جكم، واستقرت قدمه بحلب وانسلخت السنة وهو بها. وفيها كائنة ابن الحبال .... وفي هذه السنة تواترت الأخبار أن نيسابور خسف بها وراح من أهلها خلق كثير وهي التي يقال لها نشادر وأن صاحب هرمز مات وولي ولده مكانه، فعظم على الناس ورد المكس إلى ربع ما كان عليه. وفيها استقر في مملكة ماردين شهاب الدين أحمد بن إسكندر بن الصالح إسماعيل لما قتل الطاهر الأمجد عيسى في الوقعة مع جكم وتلقب الصالح وجده صالح هو ممدوح الصفي الحلي بتلك القصائد الطنانة وستأتي قصته في حوادث سنة إحدى عشرة إن شاء الله تعالى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 ووقع في هذه السنة والتي بعدها والتي قبلها من تلاعب الجهلة بمنصب الحسبة ما يتعجب من سماعه حتى أنه في الشهر الواحد يليه ثلاثة أو أربعة وسبب ذلك أنهم فرضوا على المنصب مالاً مقرراً فكان من قام في نفسه أن يليه يزن المبلغ المذكور ويخلع عليه ثم يقوم آخر فيزن ويصرف الذي قبله واستمر هذا الأمر في أكثر دولة الملك الناصر فرج، وفي رمضان وقع الطاعون بالقاهرة وفشا الموت واستمر إلى آخر السنة. ذكر من مات في سنة تسع وثمانمائة من الأعيان إبراهيم بن محمّد بن دقماق صارم الدين مؤرخ الديار المصرية في زمانه كان جده دقماق أحد الأمراء الناصرية ونشأ هو محباً في الفن التاريخي فكتب بخطه منه ما لا يحصى وجمع تاريخاً على الحوادث وتاريخاً على التراجم وجمع طبقات الحنفية وحصلت له بسببه محنة في سنة أربع وثمانمائة ذكرتها في الحوادث وولي في آخر الأمر إمرة دمياط فلم تطل مدته فيها ورجع إلى القاهرة فمات بها في ذي الحجة في أواخرها وقد جاوز الستين، وكان مع اشتغاله بالأدب عرياً عن العربية عامي العبارة، وكان جميل العشرة، فكه المحادثة، كثير التودد، قليل الوقعة في الناس. أحمد بن إسماعيل بن عبد الله الحريري شهاب الدين اشتغل بالعلم ومهر في الطب والهيئة والمعقولات ونظر في الأدب، وتزيا بزي العجم، وكان مملقاً جداً، اجتمعت به في الكتيين مراراً، وسمعت من نظمه وفوائده، ثم اتصل بالملك الظاهر بأخرة فأعطاه وظائف الشيخ علاء الدين الأقفهسي فأثرى وحسنت حاله، وتزوج وسلك الطريق الحميدة مات في خامس ذي القعدة بمصر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 أحمد بن خاص التركي الحنفي شهاب الدين أحد الفضلاء المتميزين من الحنفية، مات في هذه السنة بالقاهرة، أخذ عنه بدر الدين العيني المحتسب وكان يطريه. أحمد بن صدقة بن تقي العزى - نسبة إلى عز الدين ابن جماعة - كانت أمه تزوجت مفتاح بن عبد الله عتيق البدر بن جماعة وكان في خدمة عز الدين، أخذ الفقه واشتغل قليلاً، ثم لازم سوق الكتب في حانوت، ثم افتقر فصار ينادي على الكتب، وكان ينسخ مع ضعف خطه، وكان ساكناً ضعيف الحال والبنية. أحمد بن عبد الله العجمي الحنبلي شهاب الدين أحد الفضلاء الأذكياء، أخذ عن كثير من شيوخنا، ومهر في العربية والأصول، وقرأ في علوم الحديث، ولازم الإقراء والاشتغال في الفنون، مات عن ثلاثين سنة بالطاعون في شهر رمضان بالقاهرة. أحمد بن عمر بن علي بن عبد الصمد البغدادي الجوهري شهاب الدين، ولد سنة خمس وعشرين وقدم من بغداد قديماً مع أخيه عبد الصمد، فسمعا من المزّي والذهبي وداود بن العطار وغيرهم، وسمع بالقاهرة من شرف الدين بن عسكر، وكان محبّاً في العلم والعلماء مع المروءة التامة والخير، وكان يحب التواجد في السماع مع المعرفة التامة بصنف الجوهر والمذاكرة الحسنة، قرأت عليه سنن ابن ماجه بجامع عمرو بن العاص، وقرأت عليه قطعة كبيرة من طبقات الحفّاظ للذهبي وقطعة كبيرة من تاريخ بغداد للخطيب، مات في ربيع الأول وقد جاوز الثمانين وتغيّر ذهنه قليلا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 أحمد بن محمّد بن عبد الغالب الماكسيني ولد في سنة ثمان وثلاثين، وسمع من جماعة وحدث وهو من بيت رواية، وكان يكتب القصص ثم جلس مع الشهود بالعادلية وكان يكتب خطّاً حسناً، مات في صفر. أحمد بن محمّد بن عمر القليجي شهاب الدين ولد شمس الدين كان من موقعي الحكم وناب أيضاً وكان حسن العشرة إلاّ أنه لم يشتهر بالعلم وكان بيده وظيفة إفتاء دار العدل فاستقر بعده فيها ابن الطرابلسي. أحمد بن محمّد بن قماقم الدمشقي الفقاعي شهاب الدين كان أبوه فقاعيا فاشتغل هو بالعلم، فأخذ عن علاء الدين ابن حجي، وقرأ بالروايات على ابن السلاّر، وكان يفهم ويذاكر، قدم القاهرة سنة الكائنة العظمى فأقام بها مدة، ثم رجع إلى دمشق فمات بها في جمادى الآخرة، وكان قد اجتمع بي مراراً وسمع بقراءتي على البلقيني في الفقه والحديث، وقماقم لقب أبيه قال ابن حجي: كان يستحضر البويطي وسمعت البلقيني يسميه البويطي لكثرة استحضاره له، وقد درس بالأمجدية، ومات في جمادى الآخرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 أحمد بن محمّد بن نشوان بن محمد بن نشوان بن محمّد بن أحمد الحوراني الدمشقي الشيخ شهاب الدين بن نشوان ولد سنة سبع وخمسين وقدم دمشق فقرأ القرآن، وأدب أولاد شهاب الدين الزهري فصار يحفظ بتحفيظهم التمييز للبارزي ودار معهم على الشيوخ والدروس إلى أن تنبه وفضل، وأذن له الزهري في جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين، واستقر في تدريس الشامية البرانية وتصدر بالجامع وناب في الحكم بعد الفتنة الكبرى، وانتفع به الطلبة، وقصد بالفتاوى وكان يحسن الكتابة عليها، وكان يتكلم في العلم بتؤدة وسكون وإنصاف، وحصل له استسقاء فطال مرضه به إلى أن مات في جمادى الأولى من هذه السنة. أحمد بن محمّد الطنبذي بدر الدين أحد الفضلاء المهرة، أخذ عن أبي البقاء والأسنوي ونحوهما، وأفتى ودرّس ووعظ، وكان عارفاً بالفنون ماهراً في الفقه والعربية فصيح العبارة، وله هنات سامحه الله. أحمد بن محمّد البالسي الأصل ثم الدمشقي شهاب الدين الحنفي الجواشني اشتغل في صباه، وصاهر أبا البقاء على ابنته، وأفتى ودرس وناب في الحكم، وولي نظر الأوصياء وظائف كثيرة بدمشق، وكان حسن السيرة، ثم ناب في الحكم، ثم سعى في القضاء استقلالا فباشر قليلا جداً، ثم عزل ثم سعى فلم يتم له ذلك، ومات في جمادى الآخرة. إسماعيل بن ناصر بن خليفة الباعوني عماد الدين، كان شيخ الناصرية من عمل صفد على طريقة الفقراء، وهو أخو القاضي شهاب الدين الذي ولي قضاء دمشق، وكانت لإسماعيل وجاهة وثروة وتجارة، وعاش سبعين سنة ومات في ذي الحجة. أبو بكر بن محمّد بن إسحاق السلمي شرف الدين ابن القاضي تاج الدين المناوي ولد قبل الستين، وأجاز له ابن جماعة فهرسة مرويّاته، واشتغل قليلا وقرأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 التنبيه، وسمع على الشيخ بهاء الدين بن خليل وغيره، وناب في الحكم عن ابن عمه صدر الدين، وكان مزجى البضاعة وقد درس بعدة أماكن وخطب بالجامع الحاكمي، مات في جمادى الآخرة وقد قارب الستين. جكم بن عبد الله أبو الفرج الظاهري كان من مماليك الظاهر وأول ما أمره طبلخاناة في سنة موته، واستقر رأس نوبة بعد موته وذلك في خامس ذي القعدة سنة إحدى، وقيل: مات قبل أن يتأمر وأول ما شهر أمره في تاسع ذي القعدة سنة إحدى وثمانمائة بعد موت أستاذه بقليل واستقر هو وتنكز بغا وآقبغا الأشقر وخير بك وسودون من زاده وباش باي نوب صغارا، وكان هو الذي قيد أيتمش بعد هزيمة تنم وسجنه هو والأمراء بالقلعة، وكان يحب العدل والإنصاف فلم يمكن أحداً من الفساد بدمشق في تلك الوقعة، فلما عاد الناصر إلى مصر أمره تقدمة عوضاً عن دقماق بحكم انتقاله لنيابة حماة، ولم يخرج فيمن خرج في وقعة اللنك، فلما كان التاسع من شوال سنة ثلاث ثارت الفتنة بين الأمراء فقام جكم وسودون الطيار وطرباي وطائفة، ثم ولحق بهم سودون طاز أمير آخور ومعه من الخيول السلطانية ما احتاج إليه، فعرض الناصر على جكم نيابة صفد فامتنع، فأرسل إليه نوروز ومعه القاضي الشافعي وهو يومئذٍ ناصر الدين الصالحي، فعوق نوروز عنده فرجع القاضي إلى الناصر فأخبره، فتخلى الناصر عن يشبك وكان هو المطلوب، فتحاربوا فانهزم يشبك ونهبت داره ثم قبض عليه وبعثه هو ومن معه إلى الإسكندرية، واستقر جكم دويداراً عوضاً عن يشبك وصار هو المشار إليه وباشر بحرمة ومهابة ونادى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 بالقاهرة: من ظلم فعليه بباب جكم واستبد بأحوال المملكة إلى أن نافره سودون طاز، فثارت بينهما الفتنة في شوال سنة أربع وكان لهم وقعة في أواخر السنة ففر جكم ونوروز، ثم عاد نوروز إلى الطاعة وأحيط بجكم فسجن بالإسكندرية هو وسودون طاز، واتفق أنه هرب إلى شيخ نائب دمشق فأقام عنده إلى أن كانت وقعة يشبك مع الناصر حتى كانت وقعة السعيدية، فلما كان من انهزام الناصر منها وذلك في ذي الحجة سنة سبع انعزل يشبك وأتباعه واختفوا بالقاهرة ورجع شيخ وأتباعه إلى دمشق، وليس لذلك سبب إلا تعاظم جكم وتصريحه بإرادة السلطنة لنفسه فنافسوه في ذلك وخذلوه، ثم اتفق جكم وشيخ وحاربا نوروز وكان الناصر قد جعله نائب الشام، ثم كتب الناصر لجكم بنيابة حلب فدخلها وقتل بها جماعة، فانحرف شيخ عنه لكونه تمالأ مع نوروز عليه، ثم اخذ جكم أنطاكية، ثم واقعه نعير فهزمه وغنم شيئاً كثيراً ثم قتل نعيراً بعد ذلك، ثم ولى الناصر دمرداش نيابة حلب فسار هو وشيخ ومعهم العجل ابن نعير فقاتلهم جكم بالرستن فهزمهم، فرجع شيخ إلى مصر ونوروز إلى دمشق، فسار الناصر إلى قتال جكم ففر إلى البيرة، فدخل الناصر حلب ثم عاد إلى دمشق، فرجع جكم وملك حلب، وأراد الناصر الرجوع إلى حلب فخالفه العساكر وتفرقوا، فقوي جانب جكم وتسمى بالسلطنة وتلقب العادل ورتب المملكة وضرب السكة باسمه وخطب له بحلب، وأطاعه نوروز ولبس خلعته وقبل له الأرض وخطب باسمه، وأقام جكم الحرمة ونشر العدل وعظم المهابة زائداً على الحد وقوي جداً واستخف بأمر الناصر، وخرج لمحاربة التركمان ليستريح خاطره منهم إذا قصد مصر، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 فكان من أمره ما كان، وكانت سلطنته في رابع شوال من السنة وقتله في حادي عشر ذي القعدة منها، وكان نائب البيرة أظهر مخالفته فخرج إليه بالعسكر الحلبي فطلب الأمان فأمنه، فاستمر ذاهباً بالعسكر إلى ماردين فأطاعه صاحبها ونزل بعسكره، وكان من أمر قتله ما كان، وكان جكم شجاعاً مقداماً مهاباً يتحرى العدل ويحب الإنصاف، وكان يصغي لنظم الشعر، ويحب سماعه، ويجيز عليه الجوائز السنية. حسن بن علي بن عمر الإسعردي صاحبنا بدر الدين كان من بيت نعمة وثروة فاحب سماع الحديث فسمع فأكثر وكتب الطباق وحصل الأجزاء وسمع من أصحاب التقي سليمان ونحوهم وأحب هذا الشأن وذهبت أجزاؤه في وقعة تمرلنك وقد رافقني في السماع وأعطاني أجزاء بخطه وبلغني أنه حدث في هذه السنة بدمشق ببعض مسموعاته ومات بدمشق في ربيع الأول. حسن بن محمّد بن حسن بن إدريس بن حسن بن علي بن عيسى بن علي بن عيسى بن عبد الله بن محمّد بن القاسم بن يحيى بن يحيى بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي الحسني الشريف بدر الدين ابن ناصر الدين بن حصن الدين ابن نفيس الدين المعروف بالنسابة وهو سبط الشريف النسابة حسن بن علي بن سليمان بن مكي بن كاسب بن بدران بن حسن بن عبد الله بن محمّد بن عبد الله بن علي بن جعفر بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن حسين بن علي سمع من الوادي آشي والميدومي وغيرهما وحدث وولي مشيخة الخانقاه البيبرسية نحواً من عشرين سنة ثم ثار عليه الصوفية لسوء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 سيرته فيهم فعزل عنهم ثم أعيد وكان عارفاً بأنساب الأشراف كثير الطعن في كثير ممن يدعي الشرف وقد رام الخلافة مرة وكان يذكر أن أمه حسينية وقد ذكرنا نسبها وأن أم أبيه من بني العباس وهي صفية خاتون بنت الخليفة المستمسك بالله محمّد ابن الحاكم وكان كثير المعاشرة للقبط وكان عارفاً بالسعي كثير الدهاء مات في سادس عشر شوال وقد تجاوز الثمانين ممتعاً بسمعه وبصره وأصله من سرسة وتكسب بالشهادة مدة وكان يتطاول إلى الخلافة مع جهل مفرط وقلة ديانة عفا الله تعالى عنه. خليل بن عبد الله البابري الحنفي الشيخ خير الدين كان فاضلاً في مذهبه محباً للحديث وأهله مذاكراً بالعربية كثير المروءة، وقد عين لقضاء الحنفية مرة فلم يتم ذلك وولي قضاء القدس في سنة 84. رسول بن عبد الله القيصري ثم الغزي شهاب الدين الحنفي قدم دمشق في حدود السبعين وهو فاضل وسمع من ابن أميلة وابن حبيب ثم ولي نيابة الحكم بدمشق في أول دولة الظاهر ثم ولي قضاء غزة في أيام ابن جماعة وحصل مالاً كثيراً بعد فقر شديد ثم مات بدمشق في جمادى الآخرة وقد شاخ. الشيخ زاده الخرزباني الحنفي تقدم في التي قبلها. صدقة بن محمّد بن حسن السرميني فتح الدين كان فاضلاً في مذهبه أخذ عن ابن أبي البقاء السبكي وسمع من بعض أصحاب الفخر بدمشق وسمع مع أصحابنا ومعنا كثيراً وكان ضيق الحال. صدقة بن محمّد بن حسن الإسعردي كان من خواص ابن غراب وكان واسطة حسنة عنده وبنى تربة وجامعاً ومات في ربيع الآخر بمكة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 صديق بن علي بن صديق الأنطاكي شرف الدين ولد سنة بضع وأربعين وقدم من بلاده بعد الستين فاشتغل بالعلم ونزل في المدارس ورافق الصدر الياسوفي في السماع فأكثر عن ابن رافع وسمع من بقية أصحاب الفخر وغيرهم وكان على دين وصيانة ولم يتزوج ثم سكن القاهرة وصار أحد الصوفية بالبيبرسية وكان يتردد إلى دمشق مات بالطاعون في رمضان اجتمعت به ولم أسمع منه بل أجاز لي. عبد الله بن خليل بن يوسف المارداني جمال الدين الحاسب انتهت إليه رياسة علم الميقات في زمانه وكان عارفاً بالهيئة مع الدين المتين وله أوضاع وتواليف وانتفع به أهل زمانه وكان أبوه من الطبالين ونشأ هو مع قراء الجوق وكان له صوت مطرب ثم مهر في الحساب وكان شيخ الخاصكي قد قدمه ونوه به مات في جمادى الآخرة. عبد الله بن شيرين الهندي الحنفي جمال الدين نزيل القاهرة سمع من ابن عبد الهادي وحدث وخطب بالظاهرية البرقوقية وكان يحدث عن الهند بعجائب الله أعلم بصحتها. عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الخشاب الحنفي اشتغل بالعلم بالشام ثم قدم القاهرة وناب في الحكم عن ابن العديم ثم ولي قضاء الشام في هذه السنة فوصل مع العسكر فباشره يومين ثم سعى عليه ابن الكفري فأعيد ثم ماتا جميعاً في هذا الشهر وبينهما في الوفاة يوم واحد ومات هذا ولم يبلغ الثلاثين رأيته بالقاهرة ولم يكن ماهراً في العلم. عبد الرحمن بن محمود بن عثمان البصروي نزيل دمشق زين الدين القرشي، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 تعانى الكتابة ودخل ديوان التوقيع بدمشق ثم قدم القاهرة سنة اللنك فالتجأ إلى فتح الدين كاتب السر فراج عليه ونفق سوقه لديه حتى عول عليه في أمر الديوان وصار المشار إليه فيه لحسن تأنيه وأخلاقه ومعرفته وحسن خطه ونفاذ رأيه وكان جميل المعاشرة، وطعن في لسانه فكان فتح الله يتعجب من ذلك لكونه لم يكن فيه أعظم من نطقه فابتلي فيه ولم يكمل الخمسين. عبد الرحمن بن يوسف بن الكفري الحنفي زين الدين ولد سنة إحدى وخمسين وحضر على ابن الخباز في الثالثة سنة أربع وخمسين، وأسمعه أبوه من جماعة، سمعت منه في الرحلة، وولي القضاء غير مرة بعد الفتنة، ولم يكن محمود السيرة وكان يتجر بالكتب ويعرف أسماءها مع وفور جهل بالفقه وغيره، مات في يوم الأحد ثالث ربيع الآخر. عبد الكافي بن محمّد بن أحمد بن فضل الله الشافعي جمال الدين كاتب السر بطرابلس كان رئيساً فاضلاً أديباً، له نظم ونثر كثير الاستحضار للتاريخ والأدب، وذكر أنه ولد في المحرّم سنة ستٍّ وثلاثين وسبعمائة، وآخر العهد به سنة أربعٍ وثمانمائة بطرابلس، ذكره القاضي علاء الدين في تاريخ حلب وذكر أنه أجازه بحلب مروياته وكان قدمها ثم رجع فمات بطرابلس فلتحرر سنة وفاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 عبد الكريم بن محمّد بن عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي ثم المصري قطب الدين ابن تقي الدين ابن الحافظ قطب الدين، سمع من الحسن الإربلّي وأحمد بن علي المستولى وغيرهما، وتصرف بأبواب القضاة، سمعت منه مات في نصف السنة وله ثلاث وسبعون سنة. عبد الهادي بن عبد الله بن خليل بن علي بن عمر بن مسعود البسطامي المقدسي نزيل القاهرة كان شابّاً فاضلاً ماهراً، سمع الحديث ونظم الشعر وكتب الطباق ودار على الشيوخ، ثم اجتمع عليه أتباع أبيه فتمشيخ فيهم، ودخل القاهرة فاستوطنها وراج أمره بها حتى مات وله نحو الثلاثين سنة، سمعت من نظمه ببيت المقدس، ورافقني في بعض السماع على بعض المشايخ في أول سنة ثلاث وثمانمائة. علي بن إبراهيم القضامي علاء الدين الحموي الحنفي أحد الفضلاء، أخذ العربية عن سري الدين ابن هاني المالكي والفقه عن أمين الدولة ابن وهبان، وتمهر وبهرت فضائله وولي قضاء بلده، وقدم القاهرة سنة الكائنة العظمى فاشتهرت فضائله وعرفت فنونه، وحدّث وأفاد، سمعت منه، وسمع من نظمي وأكثر الثناء عليه، مات في ربيع الآخر، ومن نظمه: خذ بيدي يا كريم خذ بيدي ... قد عيل صبري وقد وهى جلدي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 إن لم تجد لي فمن يجود على ... ضعفي فلا إمرة ولا بلدي علي بن أحمد اليمني من أهل أبيات حسين، كان كثير العناية بالفقه وجمع فيه كتاباً كبيراً وكان يلقّب بالأزرق. علي بن عبد الرحمن اليبرودي ثم الدمشقي، ابن أخي العلاّمة شمس الدين خطيب يبرود، سمع من بقية أصحاب الفخر وأخذ عن ابن رافع كثيراً، وتفقّه على عمّه وعلى ابن قاضي شهبة، وكان يفهم جيداً، مات في ذي القعدة بخليص وهو محرم، قال ابن حجي: إنه كان مقتراً على نفسه جماعة للمال ولم يتزوج فيما علمت. علي بن محمّد بن عبد البر السبكي علاء الدين ابن أبي البقاء، ولد سنة 57 بدمشق ونشأ بمصر وقدم دمشق مع والده سنة خمس وسبعين ودرس بالصارمية، وولي قضاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 القدس مرتين في دولة الظاهر ومرّتين في دولة الناصر وكان يذاكر بالفقه ويشارك في غيره وأوّل ما استقرّ في سنة ستٍّ وتسعين فحضر قراءة تقليده قضاة الشام وقضاة مصر، مات في هذه السنة من رعب أصابه بسبب مال طلب منه على سبيل القهر، فاختفى عند إبراهيم ابن الشيخ أبي بكر الموصلي فمات مختفياً رحمه الله تعالى، قال ابن حجي: كان رئيساً محتشماً ذكيّاً فاضلاً وهو آخر البيت السبكي ومات مختفياً من الملك الناصر فرج. عمر بن منصور بن سليمان سراج الدين القرمي الحنفي المعروف بالعجمي ترافق هو وجمال الدين القيصري فلما ولي جمال الدين حسبة القاهرة قرره في حسبة مصر ثم ولي هو حسبة القاهرة ودرس بجامع ابن طلون في الفقه وفي التفسير بالمنصورية وغير ذلك، وكان لشدة صحبته لجمال الدين يظن أنه أخوه وليس كذلك، وكان حسن العشرة محمود المباشرة حسن الصلاة جميل الصورة مليح الشكل طلق المحيّا وكان يقال له عمر فلق لأنه كان إذا أراد تأديب أحد قال هاتوا فلق، مات في العشر الأول من جمادى الآخرة، قال العينتابي: كان يعرف بعض العلوم ولكنه كان عريض الدعوى وكان ولي حسبة القاهرة في دولة منطاش فتأخر بسبب ذلك عند الملك الظاهر. قطلوبغا الكركي أحد الأمراء الكبار في الدولة الناصرية كان شابّاً حسناً في دولة الظاهر، حفظ القرآن وكان يحسن القراءة بالألحان وكان في زمن إمرته يحب العلماء ويجمعهم ويحسن إليهم ويتذاكرون عنده، توفي في شعبان وقد تقدم له ذكر في مواضع من الحوادث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن محمّد بن إبراهيم بن أبي بكر الطبري المكي الشافعي أبو اليمن إمام المقام سمع من عيسى الحجي والزين أحمد بن محمّد ابن المحب الطبري وابن عم أبيه عثمان بن الصفي الطبري وقطب الدين بن مكرم وعثمان بن شجاع بن عيسى الدمياطي وعيسى ابن الملك المعظم، وأجاز له يحيى بن فضل الله وأبو بكر بن الرضي وزينب بنت الكمال ونحوهم، وولي إمامة المقام نيابة ثم استقلالاً، وكان خيِّراً سليم الباطن، يعتقده كثير من الناس، وهو آخر من حدّث عن عيسى ومن ذكر بعده بالسماع وعن يحيى بالإجازة، ناهز الثمانين فإنه ولد في شعبان سنة ثلاثين، سمعت منه قليلا، ومات في صفر. محمّد بن إسماعيل بن علي القلقشندي الشيخ شمس الدين بن العلاّمة تقي الدين المصري ثم المقدسي، ولد سنة 55، وسمع من الميدومي وغيره وأخذ عن خاله الشيخ صلاح الدين العلائي وعن والده تقي الدين، ومهر وبهر وساد حتى صار شيخ بيت المقدس في الفقه وعليه مدار الفتوى، مات في رجب، أرَّخه ابن حجّي. محمّد بن أنس الحنفي الطنتدائي ناصر الدين نزيل القاهرة كان عارفاً بالفرائض، أقرأها لجماعة وانتفعوا به، وكان حسن السمت كثير الديانة محبّاً في الحديث، كتبت منه الكثير، ومات وله دون الأربعين، وقد سمع من ناصر الدين الحراوي وغيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 محمّد بن أبي بكر بن أحمد النحريري المالكي أخو خلف، ناب في الحكم وتنبه في الفقه ودرس ومات في نصف السنة. محمّد بن فهيد المصري الشيخ شمس الدين المغيربي نشأ في خدمة الصالحين ولازم الشيخ عبد الله اليافعي بمكة وكان كثير الحج والمجاورة وصحب طشتمر الدويدار فنوّه بذكره وكان الظاهر يعظِّمه، ودخل معه دمشق فكان يصلّي بجانبه في المقصورة فوق جميع الأمراء وكان حسن العشرة كثير المخالطة لأبناء الدنيا وله مع أهل الحرمين مواقف، مات في جمادى الآخرة وقد جاوز الستين. محمّد بن محمّد بن جعفر الدمشقي الشريف شمس الدين، مات في شهر رمضان سنة تسع وثمانمائة بالقاهرة، وكان من الصوفية بسعيد السعداء، وكان جاور بمكة عدة سنين، ثم ولي طرابلس مدة طويلة ولم يكن يعرف شيئاً من العلم واتفق له أنه قال في الدرس وهو قاضٍ، عن سعيد أبي جبير، وكان مع ذلك جواداً ثم نقل إلى قضاء طرابلس فاستمر فيها نحو عشر سنين، فعزل في سنة أربع وثمانمائة بجمال الدين الحسناوي ثم عاد واستمر إلى أن مات، إلاّ أنّ الأمير جكم كان أرسل بعزله فوصل الخبر وقد مات، وكان كثير الرياسة والحشمة ومكارم الأخلاق وتقريب أهل العلم، وكان للشعراء فيه مدايح. محمّد بن محمّد بن عبد الرحمن بن حيدرة الدجوي تقي الدين أبو بكر، ولد سنة سبع وثلاثين، وسمع من ابن عبد الهادي والميدومي والعرضي وغيرهم، وتفقّه واشتغل وتقدم ومهر، وكان ذاكراً للعربية واللغة والغريب والتاريخ، مشاركاً في الفقه وغيره، وكان بيده عمالة المودع الحكمي فشانته هذه الوظيفة، وكان كثير الاستحضار دقيق الخط، سمعت منه وكتب لي تقريظاً حسناً على بعض تخاريجي، وكان يغتبط بي كثيراً ويحضُّني على الاشتغال، نوّه السّالمي بذكره وقرره مسمعاً عند كثير من الأمراء فحدّث مراراً بصحيح مسلم، وممن قرأه عليه طاهر بن حبيب الموقع، مات في أواخر ربيع الآخر، وقيل في ثاني عشر جمادى الأولى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 محمّد بن معالي بن عمر بن عبد العزيز الحلبي نزيل القاهرة ثم مكة، جاور كثيراً وسكن القاهرة زماناً، وحدّث عن أحمد بن محمّد الجوخي ومحمود بن خليفة وابن أبي عمر وغيرهم، واشتغل قليلا وتنبه، وكان يذاكر بأشياء حسنة، سمعت منه قليلا، مات بمكة. مسعود بن شعبان بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن مسعود بن علي بن محمّد بن عبيد بن هبة الله الطّائيّ الحلبي، أصله من دير حسان ونشأ فتفقّه قليلا، ثم صار ينوب في أعمال البر عن القضاة، ثم ولي قضاء حلب عوضاً عن ابن أبي الرضى، ثم عزل ثم أعيد، ثم عزل بابن مهاجر سنة تسعين وسبعمائة، ثم ولاّه شهاب الدين الزهري قضاء حمص، وكان يعرف طرق السعي وله دربة في الأحكام، واشتهر بأخذ المال من الخصوم، فحكى لي نائب الحكم جمال الدين ابن العراقي الحلبي وكان خصيصاً به أنه أوصاه أن لا يأخذ من أحد الخصمين إلا لمن يتحقق أنه الغالب، وسار مع كمشبغا لما توجه للظاهر عند خروجه من الكرك، فلم يزل صحبة الظاهر إلى أن دخل القاهرة فرعى له ذلك، فلما استقرت قدمه في الملك ولاّه قضاء دمشق وقضاء حمص قبل ذلك وتنقل في الولايات إلى أن استقرّ بطرابلس، وكان جاهلاً مقداماً فسعى في الفتنة حتى ولي القضاء بدمشق وبغيرها، ومات في هذه السنة في رمضان، قال القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية في تاريخ حلب: كان رئيساً كريماً حسن الأخلاق محتشماً، يحب أهل العلم ويكرمهم. مصطفى بن عبد الله القرماني شارك في الفقه والفنون، ودرس للحنفية بالصرغتمشية، وقرره سودون من زاده في مدرسته أول ما فتحت، ومات في سابع عشر من جمادى الآخرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 نعير أمير العرب تقدم في التي قبلها. يحيى بن محمّد التلمساني الأصبحي المالكي النحوي نزيل المدينة، سمع من أبي الحسن البطرني وأبي عبد الله بن مرزوق وأبي القاسم العريني، وأجاز له الواد ياشي وابن يربوع وغيرهما، وشارك في الفقه ومهر في العربية، مات بعد أن رجع من الحج في المحرّم وله خمس وستون سنة، وكان قد أضر قبل موته. يحيى بن منصور التونسي المالكي كان من فضلاء التونسيين معتقداً فيهم، حجّ فرجع فمات بين خليص ورابغ وقد بلغ الستين. يوسف بن الحسن بن محمّد بن الحسن بن مسعود بن علي بن عبد الله ابن خطيب المنصورية الحموي القاضي جمال الدين، ولد في سنة 37، واشتغل بحماة فأخذ عن بهاء الدين الإخميمي المصري بدمشق وصدر الدين الخابوري وتاج الدين السبكي وجمال الدين الشريشي، وجدّ ودأب وحصّل إلى أن تميّز ومهر وفاق أقرانه في العربية وغيرها من العلوم، وشرح الاهتمام مختصر الإلمام في ست مجلدات وألفيّة ابن مالك وفرائض المنهاج وغير ذلك، وله نظم حسن وشهرة ببلده وغيرها، أخذ عن ابن المغلي وابن البارزي وغيرهما، وانتهت إليه مشيخة العلم بالبلاد الشمالية ورحل الناس إليه وكان خيراً ساكناً، قال ابن حجي: فاق الأقران، ومات في تاسع شوال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 منها بحماة، وكتبت عن القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية عنه قصيدة دالية نبوية. يوسف بن عبد الله الضرير جمال الدين الحنفي أحد الفضلاء في مذهبه، جاوز الخمسين. موفّق الدين الروميّ، ولي قضاء غزّة ثم قضاء حلب ثم قضاء العسكر بالقاهرة ثم قضاء القدس، ثم مات بالقاهرة في رجب، قال العينتابي: كان من طلبة أكمل الدين وتولّى قضاء الحنفيّة بعده بإشارته، وكان ديِّناً مشاركاً في العلوم إلا أنه كان مكثراً من الكلام لهّاجاً سريع الغضب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 سنة عشر وثمانمائة في أوائلها نازل التركمان مدينة حلب فحصرها علي بك بن خليل بن قراجا بن دلغادر ومعه عدة أمراء من التركمان وعدّة من أمراء العرب فنازلوا حلب أياماً وقاتلهم العوام ومن بها وكان بها يومئذ تمربغا المشطوب قد استنابه الناصر بها بعد قتل جكم فرحلوا ولم يظفروا بشيء في تاسع المحرم، وكان لعلي بك ولد محبوس بقلعة حلب فصانع أهل حلب أباه بإرساله إليه مكرّماً فما أفاد ذلك وجد في الحصار ونازل العجل ابن نعير حماة وحاصرها ونهب علي بك ومن معه القرى التي حول حلب وجدوا في الحصار، وبالغ أهل حلب في الذّبِّ عن أنفسهم وانتدبوا للقتال وهان عليهم الأمر خشية على أموالهم وحرمهم بحيث أنهم كانوا كل يوم لا يرجعون إلاّ وقد أنكوا في التركمان نكاية كبيرة، وكان القائم معهم في ذلك تمربغا المشطوب، فلم يزالوا على ذلك إلى ثاني عشر صفر فرجعوا لمملكتهم لما بلغهم أن نوروز أوقع بالعجل ومن معه من العرب على حماه وكسرهم وتجهز من حماه إلى جهة حلب، فلما دخل نوروز حلب وصل الناصر إلى دمشق، ثم راسله الناصر وقرره في نيابة دمشق وقرر تمربغا المشطوب في نيابة حلب واستهلت، فارتفع الطاعون من الديار المصرية بعد أن كان اشتدّ الخطب به. وفي أول المحرّم تجهزّ الناصر إلى الشام لحرب نوروز، وفي الثامن منه وصل عدة مماليك، فقبض عليهم شيخ في وقعة غزة الآتي ذكرها ثم قدم كتابه يستحث الناصر على التوجه إلى الشام، فخرج السلطان في العشر الأخير من المحرم ورخص الشعير في هذه السنة جدا بحيث كان يباع بالصالحية مع وجود العسكر كل إردب بدرهمين فضّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 وفي العشرين من المحرم درس ناصر الدين ابن العديم وهو شاب أول ما بلغ في المنصورية، نزل له أبوه عنها فحضره يشبك فمن دونه من الأمراء والقضاة وكان حينئذ أمرد، ونهب حاج المغاربة ومن انضمّ إليهم من الإسكندرية وغيرهم في رجوعهم بين المدينة وينبع. وفيه أرسل قرا يلك رأس جكم إلى العجل بن نعير فأرسله إلى القاهرة فوصل إلى الشام في المحرم. وفي المحرم أرسل الناصر إلى نوروز في طلب الصلح، فأذعن لذلك وأرسل له الأمير بلاط الذي كان في أسره في العام الماضي، ثم أرسل نوروز تاج الدين ابن الزهري وعبد الملك ابن الشيخ أبي بكر الموصلي وجماعة إلى شيخ في طلب الصلح فلقوه في بحيرة قدس، فأعاد الجواب بالإذعان إلى الصلح، واعتذر لما طلب نوروز منه أن يشفع له إلى السلطان بأن يعطيه نيابة حلب بأن الأمر فات، ووصلت عساكر السلطان إلى غزة وشاع في دمشق أن شيخ يريد التوجه إلى دمشق، فاستعدّ له نوروز وبرز إلى سطح المزّة، وفي غضون ذلك وصل بكتمر جلق من ناحية طرابلس منهزماً، أوقع به شاهين الدويدار الشيخي، فأرسله نوروز إلى جهة شيخ مع عسكر فلم ينل طائلاً. وفيها كملت عمارة قلعة دمشق وكان ابتداؤها في العام الماضي، وصرف على عمارتها مال كثير جداً، وظلم بسببه أكثر الخلق من الشاميين وغيرهم وعاد رسل نوروز إليه بأمر شيخ كما تقدم وبأنه وصلت إليه خلعة النيابة من السلطان، وكان خروج الجاليش من القاهرة وأنه لا يقاتل نوروز ولا يواقعه بل ينتظر مجيء السلطان، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 فلما تحقق نوروز ذلك خذله بعض أصحابه منهم قجقار وقمش وتوجهوا إلى شيخ، فرحل نوروز إلى برزة وتوجه نحو البلاد الشمالية، ودخل شيخ دمشق بغير قتال في تاسع صفر ووصل معه الطنبغا العثماني وكان الناصر أمره على نيابة طرابلس، وفي الثامن عشر من المحرم وصل رأس جكم ورأس ابن شهري صحبة حاجب بن نعير وعلّقا بالقاهرة، وكان خروج الجاليش من القاهرة في ثاني عشري المحرم وفيه يشبك وتغري بردي وبيغوت وسودون بقجة وعلان، وخرج الناصر في الثامن والعشرين منه وتوجه من الريدانية في ثاني صفر، واستناب في غيبته تمراز ومعظم الأمر والنهي لجمال الدين الأستادار، وقد ضربت عنق والي الفيوم بحضرته في داره بأمر اقتضى عنده قتله فقتل، فلما كان في السابع عشر من صفر خرج شيخ لملاقاة الجاليش، ودخل يشبك ومن معه في تاسع عشره، ودخل السلطان في الثاني والعشرين من صفر بأبّهة السلطنة في احتفال زائد، وحمل نائب الشام القبة على رأسه بين يديه، ودخل جمال الدين الأستادار وقد جمعت له الوظائف المتعلقة بالمباشرين من قبل أن يخرج السلطان من مصر مثل الوزارة والإشارة ونظر الخاص والأستادارية والكشف ونحو ذلك، فرسم على القضاة وعلى كاتب السر والوزير الشاميين وأهانهم وطلب منهم أموالاّ عظيمة، وضرب الوزير بالمقارع، وضرب المالكي تحت رجليه ونسبه إلى أنه حكم بغير ولاية، وقرر عوضه عيسى، وهرب الحنفي ابن القطب دونهم فقرر عوضه صدر الدين الأدمي، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 وفي خامس عشري صفر قبض على يشبك وشيخ بين يدي الناصر واعتقلا بدار السعادة، فبلغ ذلك جركس المصارع فهرب وهرب شاهين دوادار شيخ وجماعة، ثم هرب أتباع شيخ وأتباع يشبك أوّلاً فأوّلاً ثم هرب علان وجانم وأينال المنقار وخلق كثير فوق الخمسمائة من الأمراء والخاصكية والمماليك فتفرقوا في البلاد، ووصل كثير منهم إلى نوروز منهم علان وأينال المنقار وجانم وجقمق أخو جركس فآواهم، وجقمق هذا هو الذي ولي السلطنة بعد اثنتين وثلاثين سنة من هذا الوقت، واستقر بيغوت في نيابة الشام. وفي تاسع ربيع الأول قبض على تمراز نائب الغيبة بالقاهرة وحبس بالبرج بأمر الناصر واستقر مكانه سودون الطيّار، وكان تمراز قد صرف الشيخ محمّد البلالي عن مشيخة سعيد السعداء وقرر فيها الخادم خضر السراي، فلم يلبث أن قبض عليه بعد اثني عشر يوماً فعدّ ذلك من كرامات البلالي، وتكلموا له فأعيد وعزل خضر، ولما جلس يشبك وشيخ بالقلعة خدعا نائب القلعة ووعداه وأوسعا له في الأماني، فانخدع وعمل على إخراجهما والهرب معهما، وكان الناصر قد دخل عليهما ليلاً وبيده سيف فعاتبهما وأراد قتلهما، فاتفق أنهما ترققا له فتركهما تلك الليلة فأصبحا هاربين وذلك في ثالث ربيع الأول، فهرب كل واحد في جهة، فأرسل الناصر بيغوت الذي قرره في نيابة الشام في جيش، فاتفق أنهم أدركوا نائب القلعة واسمه مُنْطَق فقتلوه ورجعوا برأسه، وخفي خبر يشبك وشيخ، فأما شيخ فإنه اختفى بدمشق بغير اختياره فإنه واعد فرسه في مكان معيّن فأبطأ عليه حتى فضحه الصبح فاختفى لما أراد الله من بقائه، وأما يشبك فإنه استمر هو وسودون بقجة وجركس وتمام أربعين نفساً اجتمعوا عليه وساروا إلى جهة حمص، ثم لحق به شيخ وطائفة كثيرة وأرسلا شاهين إلى جهة حلب يكشف الأخبار، فظفر به نوروز فسجنه بقلعة حلب، وروفع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 حسين بن منصور المحتسب باختفاء شيخ عنده فضرب بالمقارع، ثم ظهرت براءته فخلع عليه بالحسبة، ثم سأل الناصر عن نوروز فقيل له إنه هرب إلى حلب، فأرسل إليه خلعة بنيابة الشام بشرط أن يرسل إليه الأمراء الذين خامروا على السلطان، فقبض عليهم نوروز وأرسلهم، منهم أينال المنقار وعلان وجقمق واسن باي، أرسلهم صحبة سلامش فولاّه السلطان نيابة غزة، وأرسل إلى نوروز بنيابة الشام، فقبلها وشرط أن لا يدخل الشام حتى يخرج الناصر منها، فرحل الناصر من دمشق وصحبته هؤلاء الأمراء، وقبض أيضاً على سودون الحمزاوي وأقبردي وجماعة كثيرة من الأمراء الصغار عدّتهم سبعة عشر أمير واستقر بكتمر جلق في نيابة طرابلس، وكان دخول الناصر إلى القاهرة في رابع عشري ربيع الآخر، فأمر بقتل الأمراء المذكورين، فقتلوا إلا أينال المنقار وعلان فحبسا بالإسكندرية وكذلك يلبغا الناصري. وكان الناصر قد جدّ في هذه النوبة في السير إلى مصر بحيث أنه أقام في الطريق عشرة أيام فقط وطلع القلعة والأمراء بين يديه قد أركبوا خيولاّ مقيّدين من تحت آباط الخيل ووراء كل واحد وجاقي راكب بيده سكين مصوب بها إلى ناحية بطنه، وأما يشبك فإنه لما هرب ومن معه ولحق بهم شيخ وكثر جمعهم وتحققوا رحيل السلطان من دمشق وقد جعل فيها بكتمر جلق نائب الغيبة عن نوروز وأمره إذا وصل نوروز أن يتوجّه إلى نيابة طرابلس، فلما بلغهم ذلك رجعوا إلى دمشق فهجموا عليها في الثامن من ربيع الآخر، فهرب بكتمر جلق نائب طرابلس ودويدار نوروز، وكان قد قدم إلى الناصر قبل رحيله وقبض على الغرز أستادار نوروز وغيره وشرعوا في جباية الأموال والخيول بعد النداء بالأمن، ورجع الذين ودّعوا الناصر فاختفى بعضهم، وظهر بعضهم واستخرج شيخ من دار السعادة مالاً له كان مدفوناً وأجمعوا أمرهم واجتمع عليهم من يرى رأيهم، فبلغهم في حادي عشر ربيع الآخر أن بكتمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 جلق وطائفة معه قليلة قد نزلوا ببعلبك، فخرج يشبك وجركس ومن معهما ليوقعا به، وتأخر شيخ بدمشق، فخرجوا إلى بعلبك من طريق حمص لئلاّ يفطن بهم، فصادفوا مجيء نوروز وعسكره وقد انضم إليه بكتمر جلق ومن معه فوقعت العين على العين فتحاربوا عند وادي معنه من كروم بعلبك، فكاثرهم نوروز بمن معه فقتل يشبك وجركس وفارس دوادارهم، وأرسلت رؤوسهم إلى الناصر فوصلت إليه إلى القاهرة وكان علم بذلك وصل إليه وهو بالطريق في العريش، فلما بلغ شيخ خبرهم خرج من دمشق على طريق جرود في ليلة الجمعة ثالث عشره، ودخل نوروز دمشق في رابع عشر ربيع الآخر ونودي بالأمان، ورجع بكتمر جلق نائب طرابلس إلى بلده ويشبك ابن ازدمر نائب حماة إلى بلده في العشرين منه، وفي سادس عشري ربيع الآخر حكم بعض القضاة بقتل سودون الحمزاوي قصاصاً بأمر السلطان، فقتل بين يديه، ثم شاع أنه ذبح بين يديه كثير من الأمراء المأسورين وغيرهم، وفي ثالث جمادى الأولى استقر تغري بردي أتابك العساكر بالقاهرة عوضاً عن يشبك وكمشبغا المزوق عوضاً عن جركس المصارع، وذلك في اليوم الذي قدم فيه قاصد نوروز برؤوسهما، وفي آخر جمادى الأولى تجهز نوروز إلى الجهة الشمالية لمحاربة شيخ، ثم قيل إنه كاتبه وإنهما قصدا الاجتماع والتصافي، فاجتمعا في الطريق وانفرد كل منهما عن جماعته، واتفق مجيء دويدار السلطان ومن معه مكاتبات كثيرة، فلما سمع باتفاق الأميرين رجع إلى مصر وتوجه الأميران بعسكرهما إلى بلاد ابن بشارة فأوسعوها نهباً، وهرب ابن بشارة ثم قبض عليه نائب صفد.، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 وفي سابع رجب سجن بكتمر جلق بقلعة دمشق، ودخل الأميران دمشق في ثامن رجب بعد أن رضي شيخ بطرابلس وأخذ في التجهيز إليها، ثم خرج في ثامن عشر رجب وودّعه نوروز، واستقر معه في قضاء طرابلس تاج الدين محمّد بن القاضي شهاب الدين الحسباني، ثم فرّ بكتمر جلق في عاشر رمضان من سجن قلعة دمشق، فتوجه إلى صفد ثم إلى غزة، ثم بسط نوروز يده في المصادرات فبالغ في ذلك حتى أن بعض التجار كانوا يترحّمون على تمرلنك، وفرض على جميع الجهات جليلها وحقيرها حتى الخانات والحمّامات وأرباب المعايش حتى الذين يبيعون الخزف تحت القلعة حتى باعة السراطين حتى الباعة في الطبالي حتى انقطعت الأسباب وتعطلت المعايش، نقلت ذلك من تاريخ ابن حجي. وفي رجب ضرب عبد الله المجادلي بين يدي نوروز ضرباً مبرحاً لكثرة شكوى الرؤساء منه أنه يؤذيهم بلسانه وسعيه، ثم شفع فيه فأرسل، وفي شعبان قبض نوروز على يشبك الموساوي، وكان السلطان أرسله إلى نيابة الكرك وكان نوروز قد أرسل إليها سودون الحاجب فمنع يشبك المذكور، فرجع إلى غزة وفيها سلامش فحاربه فأسر يشبك، وقعت فرسه في طين فوقع، فأرسله إلى نوروز فسجنه بدمشق في أول رمضان. وفيه كان السيل العظيم بطرابلس، قيل إنهم ما رأوا مثله، فهدم أبنية كثيرة وهلك بسببه خلق كثير. وفي رمضان هرب بكتمر جلق من القلعة فتوجه إلى نابلس، فبلغ ذلك نوروز فخرج إليه ففر إلى غزة، ثم وصل يشبك بن أزدمر من حماة، فبلغه وهو في حمص أن تمربغا المشطوب نائب حلب قصد النزول على التركمان فبيتوه وكسروه ورجع منهزماً، فردّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 يشبك جماعته إلى حماة لحفظ البلد وأقام هو بدمشق في ناس قليل وأرسل إلى نوروز يعلمه بذلك، فقدم نوروز دمشق ورجع يشبك إلى حماة، ودار نوروز في الرملة وقاقون والغور أكثر من شهر، ثم رجع وكان قد نهب للعرب إبلاً كثيرة، فلما تحققوا أنه دخل دمشق كبسوا عليها فاستنقذوها وبلغه ذلك فخرج إليهم فلم يظفر بهم، ثم قبض على نقيب الأشراف علاء الدين كاتب السر ونسبه إلى مكاتبة المصريين، ثم بذل الشريف مالاً وأطلق، ثم عزل ابن القطب من قضاء الحنفية بدمشق وولي ابن القضامي قاضي حماة وكان هرب من نائبها فسعى فولى والواقع في نفس الأمر أن القضاء باسم صدر الدين بن الأدمي من الناصر، وفي رمضان صرف الباعوني من خطابة القدس واستقر شهاب الدين بن حجي في الخطابة بجامع دمشق، وفي شعبان كاتب شيخ الناصر يسأله أن يوليه نيابة الشام بشرط أن يكفيه جميع أعدائه ويقبض عليهم فأجابه إلى ذلك، وكان بمصر يومئذ صدر الدين بن الأدمي وقد هرب منذ هرب شيخ ويشبك خوفاً من نوروز فأقام بالقاهرة، فولاّه الناصر قضاء الحنفية بدمشق وولى نجم الدين ابن حجي قضاء الشافعية بها، وأرسلهما إلى شيخ وهو بطرابلس ليعلماه برضى السلطان عنه وتفويض نيابة دمشق إليه، وحضرا حلف السلطان والأمراء له، وخرجا من القاهرة في أول شوال ومعهما الطنبغا شلاق الحاجب والطنبغا شقل ومعهما تقليد بكتمر جلق بنيابة طرابلس ويشبك ابن أزدمر بنيابة حماة، فوصلوا إلى شيخ في البحر في شهر ذي الحجة وهو على المرقب، وكانوا توجهوا في النيل إلى دمياط ثم إلى عكّا ثم إلى صفد ثم إلى طرابلس في البحر الملح، وتلقاهم شيخ وقبل الرسالة ولم يلبس خلعة النيابة، وأرسل قاصده إلى نوروز يخبره بذلك، وكان نوروز قد بلغه الخبر فأرسل فأصدا يستكشف ذلك فأرسل إليه شيخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 الخلعة والتقليد وابن الأدمي القاضي الحنفي وجماعة من الأمراء، فوصلوا إلى نوروز وأعلموه بعدم قبول شيخ النيابة وأحضروا إليه التقليد والخلعة، فرضي بذلك وأمر بتزيين البلد، وكان قد نادى في العسكر بالتجهيز ففترت همته بذلك، وكان نجم الدين بن حجي قد تغيب فلم يصل صحبة المذكورين. وفي ذي القعدة قدم نائب حلب تمربغا المشطوب إلى دمشق لتأكيد الاتفاق بينه وبين نوروز، وكان بلغ نوروز عنه أنه مالأ عليه فقدم ليظهر لنوروز كذب ما نقل عنه، فأقام أسبوعاً ورجع، وفي أوائل ذي الحجة حاصر شاهين دويدار شيخ صهيون، فغلب عليها وأرسل إلى دمشق بذلك، فضربت البشائر. وفي هذه السنة استقر أرغون شاه النوروزي في الأستادارية بدمشق، ولم يزل تنتقل به الأحوال حتى ولي الوزارة بالقاهرة في الدولة المؤيدية ثم ولي الأستادارية بالقاهرة في الدولة الصالحية. وفي سادس جمادى الأولى توجه السلطان بثياب جلوسه إلى بيت قراقجا وكان مريضاً فعاده، ثم توجه إلى بيت الأستادار فقدم له طوالة خيل، ثم توجه إلى تربة والدته بين القصرين في مدرسة والده فزارها وأنعم على أهل المدرسة ببلد أنبوبة، ليزداد خراجها في معاليمهم وفرحوا بذلك واستمر بقية عمره، ثم توجه إلى بيت رأس نوبة الكبير وهو بالقرب من الجامع الأزهر فدخل إليه، ثم توجه إلى بيت الحاجب الكبير كزل وهو بالقرب من باب البرقية فدخل إليه، ثم صعد القلعة، وكان عهد الناس بعد بعداً شديداً من سلطان يفعل مثل هذا التبذل ولم يعرف ذلك وقع لملك من ملوك مصر قبله، وقد تبعه على ذلك من جاء بعده. وفيها قتل دريب بن أحمد بن عيسى الحرامي أمير حلى المدينة التي بين مكة واليمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 على ساحل البحر في حرب بينه وبين كنانة وهم العرب النازلون بها، واستقل أخوه موسى بالإمرة وكان شريك أخيه دريب فيها لكن لا كلام له معه، فلما قتل موسى انفرد موسى بالإمرة، فلما أن غلبت كنانة ثار حسن بن عجلان عليه فانتزع منه البلد فلجأ موسى إلى الناصر صاحب اليمن، فسأل ابن عجلان أن يكف عنه فترك له بلده، فاستمر بها إلى أن مات كما سيأتي في سنة ثمان عشرة. وفي أواخر ربيع الآخر أحضر زين الدين عبد المعطي الكوم الريشي إلى منزل جمال الدين الأستادار فضربه بحضرة القضاة الأربعة سبعمائة عصى وسجنه، وحصل له من الناس مجيئه وتوجهه إلى الحبس صفع عظيم، وكان السبب في ذلك أنه كان يتردد إلى أقباي الحاجب فأقامه في عمارة له برأس البندقانيين وأقباي يومئذ نائب الغيبة وكان المذكور ينوب عن الحنفي في الحكم وعنده رسل فيأمرهم بصفع من يريد ممن يتحاكم إليه فتحاماه الناس، فصار يرسل لمن يريد إهانته من بياض الناس فيصفع بحضرته، وشاع عنه انه رفع له شاب نحو العشرين سنة وأدعى عليه أنه أكره صغيراً مراهقاً حتى فسق به فأمر في الحال من بحضرته من الفعلة الذين في العمارة أن يفسقوا به قصاصاً بزعمه، فعظمت الشناعة عليه بذلك، فأرسل الأمير أحمد ابن أخت الأستادار وهو يومئذ ينوب عن خاله إليه فهرب واحتمى بأقباي، فعلم أقباي بصورة الحال فأرسله إلى نائب الأستادار فضربه، واجتمع عليه من تقدم له منه أذى من العوام فكادوا يقتلونه، وبالغوا في إهانته وصفعه ثم خلص وعاد إلى ما كان عليه، فلما قدم العسكر شكى ولد القاضي الحنفي له ما جرى وكان هو يبالغ في الإساءة لولد الحنفي ويزدري بجميع النواب، فتمالئوا عليه وأنهوا إلى الأستادار قضيته فضربه كما تقدم وسجنه، ثم بلغ خبره السلطان فأمر بإحضاره فضربه بالمقارع، وأقام في الحبس مدة طويلة، ثم خلص بعهد ذلك بمدة وتناسى الناس الخبر، وأظهر هو الرجوع عن تلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 الطريقة فعاد إلى نيابة الحكم عن قضاة الحنفية وبلغ من أمره في سلطنة الأشرف أن القاضي زين الدين التفهني امتنع من استنابته فأرسل إليه ناظر الجيش وكاتب السر برهان الدين الشريف برسالة عن السلطان بأمر القاضي باستنابته، وصار يحضر مجلس السلطان أحياناً فيسخر منه، وحضر المولد النبوي، واستمر على طريقته ومجونه إلى أن مات في أواخر سنة ثلاث وثلاثين مقهوراً بسبب أنه كان له صرّة ذهب خشي عليها من السراق فأودعها عند بعض القضاة، ثم احتاج إلى شيء منها فادّعى أنها سرقت من منزله وحلف له على ذلك، فما استطاع أن ينازعه في ذلك لشدّة سطوة القاضي المذكور وبادرته فكمد فمات. وفيها أرسل ملك الهند ببنجالة واسمه أحمد خان بن مير خان ابن ظفر خان وكان أبوه كافراً فأسلم هو وقيل حده وأحرق عم أبيه واسمه لاك فأرسل إلى مكة خيمة حمراء كبيرة جدا ليظل بها الطائفين حول البيت، فنصب بعضها وأخر أكثرها متوقفاً على إذن صاحب مصر، ثم تنوسيت وتملكها صاحب مكة لنفسه. وفيها بنيت المدرسة البنجالية بالجانب اليماني مما يلي صنعاء وصرف عليها ألوف دنانير ورتب بها مدرسين وطلبة وغير ذلك، وأهدى ملك بنجالة لأهل مكة شاشات كثيرة جدا حتى قيل إن الذي خص صاحب مكة وحده ألف شاش. وفيها بدأ جمال الدين الأستادار في إنشاء مدرسته برحبة باب العيد وذلك في خامس جمادى الأولى. وفيها بعد قتل جكم جمع خليل بن قراجا بن علي بن دلغادر التركماني الذي يقال له علي بك جمعاً من التركمان وقصد حلب لإخراج من فيها من اتباع جكم وكان جكم قد حبس ولده بالقلعة، فلما وصل إلى مرج دابق أرسلوا إليه ولده، فتوجه إلى أن نزل بالميدان الأخضر شمالي البلد، وخرج أهل البلد لقتاله فكسرهم، وذلك في سادس عشر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 المحرم، واستمر يحاصرهم ونهب القرى وأفسد فساداً عظيماًن ثم انتقل عن الجهة الشمالية إلى الجهة القبلية وجدَّ في الحصار، واتفق أن نوروز هرب لما وصل الناصر - كما سيأتي ذكره - فوصل إلى حماة، فوجد العجل ابن نعير يحاصرها وأهلها في شدة، فلما وافى نوروز أوقع بالعجل فانهزم، ثم استمر نوروز طالباً حلب، فهرب منه علي بك بن دلغادر وحصل الفرج لأهل حماة من حصار العرب ولأهل حلب من حصار التركمان وذكر القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية في تاريخه أن بعض أهل حلب رأى شيخنا سراج الدين البلقيني في المنام فقال له: قل لبرهان الدين المحدث يقرأ عمدة الأحكام ليفرّج الله عن أهل حلب، فقصّها على البرهان فاجتمع جمع فقرأها البرهان ودعوا، فاتفق أنهم في آخر النهار كسروا فرقة حاصرتهم في حلب، وبعد يومين رحلوا بأسرهم عن حلب، وحصل الفرج ولله الحمد، وذلك في ثاني عشر صفر. ذكر من مات في سنة عشر وثمانمائة من الأعيان أحمد بن محمّد بن أبي العباس الحفصي ابن أخي السلطان أبي فارس صاحب بجاية، مات في هذه السنة فقرر السلطان بدله أخاه الريّان محمّداً. إسماعيل بن عمر المغربي المالكي نزيل مكة، جاور بها مدة، وكان خيراً فاضلاً عارفاً بالفقه يذكر له كرامات، مات في شهر رمضان. أبو بكر بن أحمد بن عبد الرحمن المدني فخر الدين المعروف بالشامي كان خيراً ديناً، اشتغل كثيراً وتيقّظ، وسمع من بعض أصحاب الفخر، وناب في الحكم، وكان كثير التوجّه إلى الشام ومصر، مات في المحرم عن ستين سنة، وقد أسرع إليه الشيب جدّاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 أبو بكر بن محمّد الصرخدي تقي الدين بن تطماج الدمشقي ولد بعد الستين بقليل، وسمع من بعض أصحاب الفخر، وجوّد الخط على الزيلعي وعلم الناس الخط المنسوب، واشتغل في الفقه والنحو، وعمل نقابة الحكم، أصبح مقتولاً في آخر جمادى الأولى بدمشق بمنزل سكنه ولم يعرف قاتله. بهادر بن عبد الله الأرمني مولى ابن سند سمع معه من جماعة منهم أبو العباس المرداوي وحدث ومات في شوال، سمعت منه بدمشق كتاب الصفات للدار قطني بسماعه من ابن القيّم. جركس المصارع كان من خواص الظاهر وتقدم بعده وقد ذكر في الحوادث. وكان شهماً شجاعاً فاتكاً من زمرة يشبك، وقد ولي نيابة حلب للناصر في سنة تسع وثمانمائة ولم يقم بها إلا مدة إقامة الناصر بها ورجع معه خوفاً من جكم، وهو أخو الأمير جقمق الذي ولي أتابكية العساكر بعد ذلك ثم تسلطن. سيف بن عيسى السيرامي سيف الدين نزيل القاهرة، وكان منشأه بتبريز، ثم قدم حلب لما طرقها تمرلنك، ثم استدعاه الظاهر من حلب فقرره في المشيخة بمدرسته عوضاً عن علاء الدين السيرامي سنة تسعين ثم ولاّه الظاهر مشيخة الشيخونية بعد وفاة عز الدين الرازي مضافة إلى الظاهرية وأذن له أن يستنيب عنه في الظاهرية ولده الكبير واسمه محمود فباشر مدة ثم ترك الشيخونية واقتصر على الظاهرية وكان ديناً خيِّراً كثير العبادة، وكان شيخنا عز الدين ابن جماعة يثني على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 فضائله، مات في ربيع الأول وولي المشيخة بعده ولده يحيى أبقاه الله تعالى وسمّاه الشيخ تقي الدين المقريزي يوسف وترجم له في الياء آخر الحروف وقال علاء الدين في تاريخ حلب: قيل اسمه يوسف. عبد الله بن أحمد بن علي بن محمّد بن قاسم أبو المعالي ابن المحدِّث شهاب الدين العرياني الشافعي ولد سنة اثنتين وسبعمائة، وأحضره أبوه على الميدومي وأسمعه على القلانسي والعرضي وغيرهما ثم طلب بنفسه فسمع الكثير وحصل الأجزاء ثم ناب في الحكم وفتر عن الاشتغال وكان يقرأ الحديث بالقلعة ولم يكن يتصاون مات في عاشر رمضان. عبد الله بن أبي بكر بن يحيى الروقري اليماني الشافعي أحد الفضلاء من أهل تعز، أفتى ودرّس بالمظفّريّة، وكان مشكور السيرة. عبد الله بن محمّد الهمداني الحنفي مدرّس الجوهرية بدمشق، كان يدري القراآت ويقرئ، وكان خيراً عارفاً بمذهبه، مات في جمادى الأولى وقد بلغ السبعين. عبد الرزاق بن عبد الله المجاور بالجامع الأموي كان أحد المعتقدين وله اتباع وللناس فيه اعتقاد توجه في سنة عشر إلى القاهرة فمات بها في ذي القعدة. عبد العزيز بن عبد الجليل بن عبد الله النمراوي الفقيه الشافعي عز الدين مات في تاسع ذي القعدة. محمّد بن أحمد بن سليمان بن يعقوب بن علي بن سلامة بن عساكر بن حسين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 بن قاسم بن محمّد بن جعفر الأنصاري البيساني الأصل ثم الدمشقي أبو المعالي جلال الدين ابن خطيب داريّا ولد سنة خمس وأربعين، وعني بالأدب ومهر في اللغة وفنون الأدب وشهد في القيمة، وقال الشعر في صباه ومدح الأشرف شعبان لما فتح مدرسته بقصيدة قرأها عليه الشيخ بمدرسته ومدح أبا البقاء وولده والبرهان ابن جماعة فمن بعدهم ثم هجا البرهان ومدح القاضي جلال الدين البلقيني بقصيدة لاميّة طويلة جداً سمعتها من لفظه وفيها: جلال الدين يمدحه الجلالي، وتقدم في الإجادة إلى أن صار شاعر عصره غير مدافع، وقد طلب الحديث بنفسه كثيراً، وسمع من القلانسي ومن بعده ولازم الشيخ مجد الدين الشيرازي صاحب اللغة وصاهره، سمعت من شعره ومن حديثه، وطارحته ومدحني وكان بعد الفتنة أقام بالقاهرة مدة في كنف ابن غراب ثم رجع إلى بيسان فسكنها، ومات في ربيع الأول ببيسان من الغور الشامي، وكان له بها وقف فسومح بخراج ذلك وأقام هناك. محمّد بن زكريا المريني صاحب بلد الغتاب، لما مات أحمد بن محمّد ابن أبي العباس واستقر أخوه زكريا بدله قصدهم محمّد وكان مقيماً بفاس وأعانه صاحبها أبو سعيد عثمان ابن أبي العباس ابن أبي سالم وملكها فلم يزل أبو فارس يعمل عليه حتى انفضَّ عنه جمعه وقبض عليه وقتله في ذي الحجة من هذه السنة. محمّد بن عبد الحكم ويقال له علي بن أبي علي عمر بن أبي سعيد عثمان بن عبد الحق المريني، كان أبوه صاحب سجلماسة ومات بتروجة بعد أن حجّ في سنة سبع وستين فنشأ ولده هذا تحت كنف صاحب تلمسان، ثم إن عرب المعقل نصبوه في سنة تسع وثمانين أميراً على سجلماسة وقام عاملها علي بن إبراهيم بن عبوس بأمره ثم تنافرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 فلحق محمّد بتونس، فلما استقر أبو فارس في المملكة توجه محمّد إلى الحج فدخل القاهرة وحج ورجع فصار يتردد إلى أبي زيد بن خلدون وساءت حاله وافتقر حتى مات. محمّد بن محمّد بن يعقوب الجعبري بدر الدين بن بدر الدين الدمشقي اشتغل بالعلم وولي بعض المدارس بدمشق وسمع من جماعة ومال إلى مذهب الظاهر وولي نظر الأسرى وغيرها بدمشق، وولي قضاء صفد، وكان مشكور السيرة، مات في شوال. محمّد بن الشاذلي المحتسب كان عريّاً من العلم غاية في الجهل، كان خردفوشيّاً ثم صار بلاّناً، ثم صحب ابن الدماميني، ثم ترقّى إلى أن ولي حسبة مصر ثم القاهرة مراراً بالرشوة، ومات في صفر. موسى بن عطية المالكي اللقاني الفقيه سمع من إبراهيم الزفتاوي سنن ابن ماجه قرأ عليه الكلوتاتي بعضاً، وهو والد شمس الدين محمّد صاحبنا أبقاه الله، ومات والده في هذه السنة. وفيها مات سودون الطيّار في أواخر شوال وكان عفيفاً شجاعاً بطلاً وكان كثير التوقير للعلماء. وفيها مات محمّد بن الأمير محمود الأستادار في بيت جمال الدين الأستادار، وذلك في ذي القعدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 وفيها مات شاهين قزقا، وكان من الخاصكية، فنقله الناصر شيئاً بعد شيء إلى أن صار مقدم ألف، فمات عن قرب في ذي القعدة. وفيها مات مقبل الزمام في مستهل ذي الحجة، وهو باني المدرسة بالبندقانيين ووقف عليها أملاكه، وخلف موجوداً كثيراً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 سنة إحدى عشرة وثمانمائة استهلت هذه السنة ومصر في غاية الرخاء كثير جدّا، والقمح بنحو مائة درهم والشعير بنحو سبعين والذهب يومئذ بمائة وأربعين المثقال، وفي الثاني من المحرم برز نوروز إلى صفد، ثم انثنى إلى شعسع، ثم انثنى إلى بكتمر جلق ومعه محمّد وحسين وحسن بنو بشارة فاقتتلوا، فقتل بينهم جماعة وحرقت الزروع وخربت القرى وكسرهم وأقام بالرملة، وكان قد جهز الناصر عسكراً إلى سودون المحمدي بغزة ليستنقذوها منه صحبة نائبها الطنبغا العثماني ثم مضوا إلى صفد فخرجوا في النصف من المحرم وفيهم باش باي وهو يومئذ رأس نوبة الكبير والطنبغا العثماني وطوغان وسودون بقجة، وكان بكتمر جلق وجانم قد خرجا قبل ذلك من صفد إلى غزة فملكاها، ففر منها سودون المحمدي فلحق بنوروز، فرجع نوروز فقاتلهم كما تقدم، وأقام بالرملة، فبلغ ذلك العسكر المجهز من مصر وهم بالعريش وكان فيهم طوغان وباش باي وسودون بقجة فدخلوا إلى مصر في صفر، ولما تحقق نوروز رجوعهم قصد صفد ليحاصرها، فقدم عليه الخبر بحركة شيخ إلى دمشق، وكان قد جمع من التركمان والعرب والترك جمعاً وسار من حلب في ثاني عشر ربيع الأول، فرجع نوروز فسبقه إلى دمشق ثم برز إلى برزة، فقدم عليه سودون المحمدي هارباً من بكتمر جلق وكان قد خالف نوروز إلى غزة فغلب عليها وفرّ سودون منه فتراسل شيخ ونوروز في الكف عن القتال ولم ينتظم لهما أمر، وصمّم شيخ على أخذ دمشق، وباتا على أن يباكرا القتال، فأمر شيخ بوقيد النيران في معسكره واستكثر من ذلك ورحل جريدة إلى شعسع فنزلها وأصبح نوروز فعرف برحيله فتوجه إلى دمشق فدخلها في الخامس من صفر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 وفي ثانيه قدم عليه تمربغا المشطوب من حلب، وشرع نوروز في بيع الغلال التي كان أعدها بقلعة دمشق، وفي الرابع عشر منه نزل قبة يلبغا وسار إلى شعسع فلقي بها شيخ وهو يومئذٍ في نفر قليل نحو الألف وقد تفرق أصحابه فالتقيا فتقاتلا فانكسر نوروز ويقال كان معه أربعة آلاف نفس ولم يكن مع شيخ سوى ثلاثمائة نفس، وركب شيخ أقفيتهم، فدخل نوروز دمشق في الثاني عسر من صفر مجتازاً وأعقبه شيخ فدخل دمشق بغير قتال ودخل دار السعادة ونادى بالأمان، ولبس خلعة النيابة التي وافته من السلطان بعد أن سار إلى قبة يلبغا فركب من ثم وركب معه القضاة والأعيان، ومن جملتهم نجم الدين ابن حجي بقضاء الشافعية، وقبض على جماعة من النوروزية وأفرج عن جماعة من المسجونين وجهز بكتمر جلق ودمرداش لحرب نوروز فبرزا في عسكر في أواخر صفر قاصدين حلب، وكان نوروز لما انهزم استصحب معه يشبك الموساوي أسيراً فسجنه بقلعة حلب ثم اختلف نوروز وتمربغا المشطوب فصعد تمربغا القلعة وأطلق الموساوي، وكان المشطوب تلقى نوروز وأكرمه وقام له بما يليق به وأشار عليه بالطاعة للسلطان وأن يرسل بطلب الأمان، فامتنع من ذلك ورحل عن حلب إلى جهة ملطية فقدم الموساوي دمشق في أواخر صفر يريد القاهرة، ثم أطلق شيخ جماعة من المسجونين الأمراء وغيرهم وظهر جماعة ممن كان اختفى منهم وفي ربيع الآخر قبض على ناظر الجيش تاج الدين ابن رزق الله وعلى أخيه وصودرا على ستة آلاف دينار وصودر المحتسب على ألف دينار واستقر في نظر الجيش علم الدين ابن الكويز وفي ديوان شيخ صلاح الدين ابن الكويز وشهاب الدين الصفدي في كتابة السر بدمشق وشهاب الدين الباعوني في الخطابة بالجامع الأموي، وفي الأستادارية بدر الدين ابن محب الدين فبسط يده في المصادرة فأخذ من ابن المزلق خمسة آلاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 دينار حصلها من التجار، وصالح القضاة على ألف وخمسمائة دينار، ففرضوها على المدارس، وفرض على جميع القرى ما يحتاج إليه من الشعير، وجمع شيخ العساكر وخرج إلى نوروز وكان تمربغا بحلب ومعه يشبك بن أزدمر. وفي ربيع الآخر قدم صدر الدين ابن الأدمي إلى دمشق وبيده ولاية القضاء وكتابة السر، وكان قد قدم بذلك من العام الماضي فما مكنه من المباشرة وأهانه وتعوق بسبب ذلك في البلاد الشمالية، فلما وصل أمضى له شيخ وظيفة القضاء خاصة، ثم توجه شيخ إلى جهة حلب وأرسل عسكراً فحاصروها، فسلمها لهم تمربغا المشطوب، واجتمع عنده أحمد بن رمضان وغيره من التركمان وفر إليه جماعة من النوروزية منهم سودون المحمدي وسودون اليوسفي، فرحل في طلب نوروز فلحق أعقابه وقبض على جماعة من أصحابه وكان قرر في حلب قرقماس ابن أخي دمرداش وأرسل عسكراً في طلب نوروز، ورجع إلى دمشق فدخلها في أبهة عظيمة، ولحق العسكر بالتركمان بأنطاكية، وأوقعوا بهم واستنقذوها منهم، وقتل حسين بن صدر الباز في المعركة، وغلب أحمد بن رمضان على نوروز، فمنع عنه العسكر وقتل قطلوبغا الجاموس نائب قلعة حلب، ثم فر نوروز من أسر التركمان فاستولى على قلعة الروم، وكان يشبك بن أزدمر قد فر إلى نوروز واجتمعا بأنطاكية، ولما رجع شيخ إلى دمشق أطلق ناظر الجيش من الترسيم وكذلك الوزير المنفصل، وقرر ابن الموصلي في الحسبة وشرط عليه أن لا يأخذ من الباعة ضيافة القدوم، فكان المشاعلي ينادي بين يديه بذلك وهو لابس الخلعة. وفي جمادى الأولى قبض الناصر على جماعة من الأمراء وذبحهم وسجن منهم بيغوت وسودون بقجة بالإسكندرية، وفي أواخره استقر أرغون الرومي أمير آخور وصرف كمشبغا المزوق، وفي أول رجب دخل شيخ دمشق راجعاً من حلب وبعث بجماعة من الأمراء فسجنهم بقلعة الصبيبة. وفي جمادى الأولى منع الأمير جمال الدين من الحكم بين الناس وأمر بالاقتصار على ما يتعلق بالأمور السلطانية، فكان ذلك ابتداء انحطاط منزلته وهو لا يشعر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 وفي جمادى الآخرة مات الأمير باش باي رأس نوبة الكبير وكان معه نظر الشيخونية. وفي أواخر رجب فر المماليك الذين كانوا في السجن بدمشق لما بلغهم خلاص نوروز من أسر التركمان وتوجهوا إليه منهم تمربغا المشطوب، وركب شيخ في طلبهم فلم يلحقهم. وفيها فر شمس الدين ابن التباني إلى الشام فقرره شيخ نائبها في نظر الجامع الأموي وغير ذلك من الوظائف وقربه وأدناه وذلك في رجب، ثم نقل الناصر عنه شيء أغضبه فهم بالقبض على أخيه شرف الدين، ففر أيضاً إلى شيخ بالشام فولاه خطابة الجامع الأموي بعد أن كان صرف عنه الباعوني وقرر فيه ناصر الدين البارزي وكان قد فر من حماة من يشبك بن أزدمر واتصل بشيخ، فاختص به ونادمه وولاه الخطابة، وقرر ابن التباني في قضاء الشام للحنفية، وفيه ألزم النائب أهل دمشق بعمارة مساكنهم والأوقاف التي داخل البلد وضرب فلوساً جدداً نودي عليها كل ثمانية وأربعين بدرهم، وفي شعبان وصل يشبك الموساوي رسولاً من الناصر إلى شيخ يطلب منه بعض الأمراء الذين كانوا خامروا عليه، فاعتذر فأعاد عنه الجواب بما سنذكره بعد. وفي رمضان بلغ النائب أن يشبك الموساوي نقل عنه للناصر أنه ساع في العصيان عليه، فأرسل نجم الدين ابن حجي قاضي الشام بكتب ومحاضر تشهد له بأنه مستمر على الطاعة وأن يشبك كذب عليه فيما نقله عنه، فوصل ابن حجي بالكتب عنه فقبل عذره وكتب أجوبته واقترح عليه بأن يرسل من عنده من الأمراء المسجونين، وأنه إن تباطأ في إرسالهم حتى يمر شهر ثبت عليه ما نقل عنه من العصيان، فامتنع من إرسالهم وشرع الناصر في التجهيز إلى الشام بهذا السبب. وفي هذه السنة أعيد التجديد بالقدس وبالرملة للأربع قضاة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 وفيها قتل الناصر أينال الأجرود وتمربغا، وكانا أميرين من أخوة بيغوت، وقتل بالإسكندرية عدة أمراء منهم سودون من زاده صاحب المدرسة المتقدم ذكرها وكذلك بيغوت، وفي ذي القعدة قتل عمر بن علي بن فضل أمير آل جرم بحيلة من نائب الكرك محمّد التركماني وكان عمر قد عصى وخالف، فغدر به محمّد المذكور وأرسل برأسه إلى مصر فطيف به. وفيها في ثالث رجب أكمل جمال الدين يوسف البيري البجاسي أستادار السلطان مدرسته بالقاهرة برحبة العيد ورتب فيها مدرسين على المذاهب الأربعة ودرس حديث، فالشافعي همام الدين الخوارزمي وهو شيخ الصوفية، والمالكي ..... ، والحنفي بدر الدين محمود بن الشيخ زاده، والحنبلي فتح الدين أبو الفتح ابن الباهي، ومدرس الحديث كاتبه، ومد في أول يوم سماطاً هائلاً وملأ الفسقية بالسكر المكرر واستمر حضور المدرسين في كل يوم، يحضر واحد ويخلع عليه عند فراغه، فلما كان بعد أسبوع جدد فيها درس تفسير وقرر المدرس قاضي القضاة جلال الدين البلقيني وعمل له إجلاساً في قوله تعالى: " إنما يعمر مساجد الله " واستمر بعد ذلك يدرس من هذا الموضع، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 وبعد قليل نم بعض الناس على جمال الدين بأنه عمل مدرسة وبالغوا في وصفها وما بها من الرخام والزخرفة وأنه ما اكتفى بذلك حتى شرع في أخرى بباب زويلة، فاستفسره الناصر عن ذلك ففهم من أين أتى فقال: إنما شرعت في عمل صهريج ومسجد وفيه مدرس على اسم مولانا السلطان ليختص بثواب ذلك، فأرضاه بذلك وقد لزم غلطه فصيره له حقيقة فلم يكمل جمال الدين من ذلك الوقت سنة حتى قبض عليه وأهلك كما سيأتي. وفيها كملت مدرسة الخواجا علاء الدين الطرابلسي بسويقة صاروجا بدمشق. وفيها نودي في شعبان بالقاهرة أن لا يركب أحد الخيل والبغال إلا الأجناد الذين في خدمة السلطان أو الأمراء خاصة، ثم سعى للقضاة فأذن لبعضهم ثم صار يؤذن بمراسيم سلطانية للواحد بعد الواحد من ديوان الإنشاء، واشتد الأمر في ذلك فصار المماليك ينزلون من رأوه راكباً فرساً إلا أن أخرج لهم المرسوم؛ ثم بطل ذلك في أواخر السنة. وفي سادس عشر رجب صرف ناصر الدين ابن العديم من قضاء الحنفية واستقر أمين الدين الطرابلسي بعناية جمال الدين الأستادار. وفي عاشر شعبان جاءت زلزلة عظيمة في نواحي بلاد حلب وطرابلس فخرب من اللاذقية وجبلة وبلاطيس أماكن عديدة وسقطت قلعة بلاطيس، فمات تحت الردم خمسة عشر نفساً وخربت شعر بكاس كلها وقلعتها، ومات جميع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 أهلها إلا نحو خمسين نفساً، وانشقت الأرض وانقلبت قدر بريد من القصير إلى سلقوهم، وهي بلد فوق جبل، فانتقلت عنه قدر ميل بأشجارها وأبنيتها وأهلها ليلاً ولم يشعروا بذلك، وكانت الزلزلة بقبرص، فخرب منها أماكن كثيرة، وكانت بالجبال والمناهل، وشوهد ثلج على رأس الجبل الأقرع، وقد نزل البحر وطلع وبينه وبين البحر عشرة فراسخ؛ وذكر أهل البحر أن المراكب في البحر الملح وصلت إلى الأرض لما انحسر البحر، ثم عاد الماء كما كان ولم يتضرر أحد. وفيها ألزم القضاة أن يخففوا من نوابهم فاستقر للشافعي أربعة وللحنفي ثلاثة وللمالكي كذلك وللحنبلي اثنان، فدام ذلك قليلاً ثم بطل. وفيها تجهز الناصر إلى دمشق فأمر قبل خروجه بقتل من بالإسكندرية وغيرها من المسجونين؛ فقتل بيبرس ابن أخت الظاهر وبيغوت وسودون المارداني في آخرين، وفي أواخر السنة قتل فخر الدين ابن غراب غيلة وكان في سجن جمال الدين الأستادار وكان يسمى ماجداً فسمي في أيام وزارته وعظمة أخيه محمّداً، وكان سيئ السيرة جداً، وكان يلثغ لثغة قبيحة، يجعل الجيم زاياً والشين المعجمة مهملة، وأخرج من السجن بيت الشهاب ابن الطبلاوي ميتاً، وقتل في السجن أيضاً ناصر الدين محمّد بن كلفت الذي ولى إمرة الإسكندرية وشد الدواوين وولاية القاهرة مرات، وفي رمضان نودي بالقاهرة أن لا يتعامل أحد بالذهب البتة ومنع من بيع الذهب المصبوغ والمطرز، وكتب جمال الدين على أهل الأسواق قسامات بذلك ولقي الناس من ذلك تعباً، ثم سعى جمال الدين في ذلك إلى أن بطل ونودي أن يكون المثقال بمائة فأخفاه أكثر الناس ولم يظهر بيد أحد من الناس فوقف الحال ثم نودي أن يكون بمائة وعشرين بعد أن كان بلغ مائة وسبعين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 وفي ذي القعدة بعد امتناع شيخ من إرسال الأمراء المطلوبين إلى السلطان راسل نوروز في الصلح وراسل سودون الجلب بالكرك يستميله، وكان دمرداش اهتم بحرب نوروز وجمع عليه الطوائف، فانكسر نوروز عن عينتاب واستولى دمرداش ورجع إلى حلب. وفيها نازل شيخ نائب طرابلس تمربغا المشطوب بحلب، فانحصر تمربغا بالقلعة وتوجه شيخ لجهة أنطاكية، ثم بلغه أن نوروز توجه إلى حلب فرجع من أنطاكية إلى جهة دمشق، فكانت الوقعة بالقرب من ... وفي يوم الجمعة ثاني عشري ربيع الآخر اتفق أهل التنجيم على أن الشمس تكسف قريب الزوال ويتغطى منها نحو نصف الجرم، فاتفق أن كانت ذلك اليوم بدمشق مغيمة والمطر نازلاً فلم يظهر صحة ما قالوه بمصر، فاتفق أن خطيب الجامع الأموي شهاب الدين ابن الباعوني بعد صلاة الجمعة جمع الناس وصلى بهم صلاة الكسوف؛ فأنكر الناس عليه ذلك لأنه اعتمد قول المنجمين، وعلى تقدير صحة قولهم فكانت الشمس قد انجلت، ثم إنه كبر في أول ركعة ثلاث تكبيرات سهواً، وأعجب من ذلك أن السماء كانت بالقاهرة في ذلك اليوم صاحية ولم يظهر أثر كسوف البتة. وفيها في رجب مات باش باي رأس نوبة فقرر مكانه في وظيفته أينال الساقي وفي هذه السنة قدم الحاج في ثاني عشر المحرم وأميرهم بيسق وكان قد قبض بمكة على قرقماس أمير الركب الشامي، فتخوف أن يبلغ خبره أهل الشام فيبعث إليه من يستنقذه منه بين أيلة ومصر، فبادر وترك زيارة المدينة وأعنف الناس في السير حتى هلك جمع كثير من الناس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 وفيها فوض الناصر إلى حسن بن عجلان سلطنة الحجاز، فاتفق موت ثابت بن نعير وقرر حسن مكانه أخاه عجلان بن نعير، فثار عليهم جماز بن هبة الدي وكان أمير المدينة وأرسل إلى الخدام بالمدينة يستدعيهم فامتنعوا، فدخل المسجد النبوي وأخذ ستارتي باب الحجرة وطلب من الخدام تسعة آلاف درهم على أن لا يتعرض للحاصل فامتنعوا، فضرب كبيرهم وكسر القفل وأخذ عشر حوايج خاناة وصندوقين كبيرين وصندوقاً صغيراً بما في ذلك من المال وخمسة آلاف شقة بطائق وصادر بعض الخدام ونزح عنها، فدخل عجلان بن نعير ومعه آل منصور فنودي بالأمان، ثم قدم عقبه أحمد بن حسن بن عجلان ومعه عسكر وصحبتهم أبو حامد بن المطري متولياً قضاء المدينة عوضاً عن الشيخ أبي بكر بن حسين وباشر في ذلك في أثناء السنة فلم تطل مدته ومات في آخرها؛ وفيها جهز الدينار الناصري على زنة الأفلوري وتعامل به الناس. وفي شعبان صرف ابن حجي عن القضاء وأعيد ابن الإخنائي. وفي شوال قبض على الإخنائي ونقم عليه مكاتبة نوروز فبرطل بثلاثمائة ثوب بعلبكي فأطلق، ثم قدم توقيع ابن حجي فعاد إلى القضاء وصرف الإخنائي وصرف الباعوني عن خطابة دمشق، وقرر فيها القاضي ناصر الدين البارزي. وفي التسع منه قدم يشبك الموساوي دمشق فتلقاه شيخ وأكرمه وتوجه من عنده إلى حلب، ثم رجع في أواخر رمضان فأكرمه شيخ وأعاده إلى القاهرة، وفي نصف شعبان قرئ كتاب الناصر بدمشق بإلزام الناس بعمارة ما خرب من المدارس بدمشق، وفيه استقر ناظر الجيش بدمشق ناظراً على القدس والخليل وناظر أوقافهما، وفيه قرر شيخ الطنبغا القرمشي حاجب الحجاب بدمشق عوضاً عن برسباي بحكم تسحبه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 وفيه في العشر الأخير من رمضان خرج شيخ إلى جامع دمشق فدخله حافياً متواضعاً وتصدق بصدقات كثيرة، وذلك في ليلة الحادي والعشرين منه، وأصبح يطلب أرباب السجون، فأدى عنهم وأطلقهم. وفيها غلب قرا يوسف على تبريز فملكها انتزاعاً من أيدي التمرية وكانت بيده قبل ذلك. وفيها حج بالناس من القاهرة أحمد بن الأمير جمال الدين الأستادار وغرم جمال الدين على حجة ولده هذه أربعين ألف دينار وزيادة، وفي ذي القعدة هبت رياح شديدة عاصفة بالقاهرة، وانسلخت هذه السنة والناصر على العزم على العود إلى دمشق لمحاربة شيخ وأعدائه منها. وفيها نازل قرا يلك عثمان بن قطلوبك التركماني صاحب آمد ماردين وبها الصالح أحمد بن إسكندر بن الصالح الأرتقي آخر ملوك بني أرتق فاستنجد بقرا يوسف فأنجده ثم طلب منه أن يقايضه بالموصل عوضاً عن ماردين فتراضيا على ذلك وأعطاه عشرة آلاف دينار وألف فرس وعشرة آلاف شاة وزوجه بابنته فتحول إلى الموصل واستولى نواب قرا يوسف على ماردين وزالت منها دولة الأرتقية بعد أكثر من ثلاثمائة سنة وانتهت بذلك دولة بني أرتق من ماردين، ثم لم يلبث الصالح بالموصل سوى ثلاثة أيام ومات فجأة هو وزوجته جميعاً، فيقال إنه دس عليهم سم، وتحول أولاده محمّد وأحمد وعلي ومحمود إلى سنجار، فأقاموا بها إلى أن ماتوا سنة 14 بالطاعون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 ذكر من مات في سنة إحدى عشرة وثمانمائة من الأعيان مات فيها من الأمراء أرسطاي نائب الإسكندرية وكان من كبار الأمراء الموجودين، باشر في دولة الملك الظاهر رأس نوبة كبيراً وكانت له حرمة عند المماليك، وولي الحجوبية الكبرى في دولة الناصر ومات بالإسكندرية في العشر الأوسط من ربيع الآخر وبشباي - بفتح الموحدة وسكون المعجمة بعدها موحدة أخرى خفيفة - تنقل في سلطنة الناصر حتى استقر رأس نوبة كبيراً، فمات في جمادى الآخرة بالقاهرة، وأينال الأجرود ذبح مع من أمر الناصر بذبحهم من الأمراء وكذلك أرنبغا وبيبرس ابن أخت الظاهر وسودون المارديني وبيغوت وثابت بن نعير بن منصور بن جماز بن شيحة الحسيني أمير المدينة، وليها سنة تسع وثمانين وعزل عنها بجماز، ثم وليها بعد عزل جماز، ومات في هذه السنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 إبراهيم بن علي الباريني الشاهد أمام مسجد الجوزة، سمع من ابن أميلة الجزء الأول من مشيخة الفخر، وكان أحد العدول بدمشق، مات في ذي الحجة وقد جاوز الخمسين. أحمد بن عبد الله بن الحسن بن طوغان بن عبد الله الأوحدي شهاب الدين المقرئ الأديب، ولد في المحرم سنة إحدى وستين وقرأ بالسبع على التقي البغدادي، ولازم الشيخ فخر الدين البلبيسي، وسمع على ناصر الدين الطبردار وجويرية وابن الشيخة وغيرهم، وسمع معي من بعض مشايخي، وكان جده الحسن بن طوغان قدم من بلاد الشرق سنة عشر وسبعمائة فاتصل بصحبة بيبرس الأوحدي نائب القلعة وناب عنه بها فشهر بذلك، وكان شهاب الدين هذا لهجاً بالتاريخ وكتب مسودة كبيرة لخطط مصر والقاهرة، بيض بعضه وأفاد فيه فأجاد، وله نظم كثير أنشدنا منه، فمنه: إني إذا ما نابني ... أمر نفى تلذذي واشتد منه جزعي ... وجهت وجهي للذي مات في تاسع عشري جمادى الأولى. أحمد بن علي بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى البلبيسي الأصل المقرئ المالكي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 المعروف بابن الظريف تاج الدين، سمع من ناصر الدين التونسي وغيره، وطلب العلم فأتقن الشروط ومهر في الفرائض، وانتهى إليه التمهر في فنه مع حظ كبير من الأدب ومعرفة بحل المترجم وفك الألغاز مع الذكاء البالغ، وقد وقّع للحكام وناب في الحكم، وكان يودني كثيراً وكتب عني من نظمي، وقد نقم عليه بعض شهاداته وحكمه ثم نزل عن وظائفه بأخرة وتوجه إلى مكة، فمات بها في شهر رجب، وقد نسخ بخطه تاريخ الصفدي الكبير وتذكرته بطولها، ورأيت بخطه في سنة مجاورته شرح عروض ابن الحاجب وغير ذلك. أحمد بن محمّد بن ناصر بن علي الكناني المكي ولد قبل الخمسين ورحل إلى الشام، فسمع من ابن قوالبح وابن أميلة بدمشق ومن بعض أصحاب ابن مزيز بحماة، وتفقه حنبلياً وكان خيراً فاضلاً، جاور بمكة فحصل له مرض أقعده فعجز عن المشي حتى مات سنة 811. أحمد بن محمّد التلعفري ثم الدمشقي شهاب الدين كاتب المنسوب، مات بدمشق كهلاً، ويقال كان أستاذاً في ضرب القانون، حسن المحاضرة. أحمد بن محمّد اليغموري شهاب الدين ولي الحجوبية وشد الدواوين بدمشق وكان مشهوراً بمعرفة المباشرة، رأيته عند جمال الدين الأستادار وكان يظهر محبة العلماء ويعجبه مباحثهم ويفهم جيداً، مات في جمادى الأولى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 أبو بكر بن محمّد بن أحمد بن عبد العزيز الدمشقي البعلوي الأصل تقي الدين ابن شيخ الربوة، اشتغل في الفقه ومهر في مذهب أبي حنيفة ودرس بالمقدمية وأفتى، وكان قد اشتغل على الشيخ صدر الدين ابن منصور وغيره مات في ربيع الأول عن ستين سنة ويقال إنه تغير حاله في الحكم والفتوى بعد فتنة اللنك. أبو بكر بن محمّد بن صالح الجبلي - بكسر الجيم بعدها موحدة ساكنة - ابن الخياط الشافعي اليمني تفقه بجماعة من أئمة بلده ومهر في الفقه ودرس بالأشرفية وغيرها من مدارس تعز وتخرج به جماعة وكان يقرر من الرافعي وغيره بلفظ الأصل وكان مشاركاً في غير الفقه وله أجوبة كثيرة عن مسائل شتى وولي القضاء مكرهاً مدة يسيرة ثم استعفى، مات في شهر رمضان رأيته بتعز. أبو بكر بن محمّد السجزي أحد النبهاء من الشافعية مات في جمادى الآخرة الجنيد بن أحمد ... البلباني الأصل نزيل شيراز سمع من أبيه بمكة من ابن عبد المعطي والشهاب ابن ظهيرة وأبي الفضل النويري وجماعة، وبالمدينة وبلاده وأجاز له القاضي عز الدين ابن جماعة ومن دمشق عمر بن أميلة وحسن ابن هبل والصلاح ابن أبي عمر في آخرين خرج له عنهم الشيخ شمس الدين الجزري مشيخة وحدث بها ومات في هذه السنة بعد أن صار عالم شيراز ومحدثها وفاضلها أفادنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 عنه ولده الشيخ نور الدين محمّد لما قدم رسولاً عن ملك الشرق بكسوة الكعبة في سنة ثمان وأربعين. سليمان بن عبد الناصر بن إبراهيم الأبشيطي الشافعي الشيخ صدر الدين ولد قبل الثلاثين واشتغل قديماً وبرع في الفقه وغيره وكتب الخط الحسن وجمع ودرس وأفاد وأفتى وسمع من الميدومي وغيره وناب في الحكم بالقاهرة وغيرها وكانت فيه سلامة وكان صدر الدين المناوي يعظمه وعجز بأخرة وانهرم وتغير قليلاً مع استحضاره للعلم جيداً جاوز الثمانين. شعيب بن عبد الله أحد من كان يعتقد بالقاهرة من المجذوبين كان يسكن حارة الروم، مات في رجب. ضياء الدين ضياء بن عماد الدين التبريزي، كان ديناً فاضلاً محباً في الحديث، كثير النفور عن الاشتغال بالعقليات ملازماً لقراءة الحديث وسماعه وإسماعه مع نزول إسناده ملازماً للخير، مات في هذه السنة، أخبرني بذلك الشيخ عبد الرحمن التبريزي صاحبنا، وهو ترجمه لي. عبد الرحمن بن يوسف ابن الكفري الحنفي تقدم في سنة تسع وثمانمائة. علي بن أحمد بن عماد الدمياطي العلاف المعروف بابن العطار كان يجيد نظم المواليا ويحفظ منها شيئاً كثيراً، كتب عنه الشيخ تقي الدين المقريزي وقال لقيته شيخاً مسناً. قلت لكل المنى عقد الجفا حلى ... وسكر الوصل في دست الوفا حلى قالت جمالي بأنواع البها حلى ... والغير قد حاز حسني وأنت في حلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 علي بن موسى بن أبي بكر بن محمّد الشيبي من بني شيبة حجبة الكعبة وكان محمّد والد جده دخل اليمن فوصل إلى حرض فخرج إلى الحارث ساحل مور وهو واد عظيم به عدة قرى منها الحسانية قرية أبي حسان بن محمّد الأشعري وكان ممن يعتقد فاتفق أن طائفتين من قومه وقعت بينهم فتنة فقتل بينهم قتيل فاستوهب دمه فقالوا له بشرط أن تسكن معنا فأسس لهم مكان قرية فسكنوه وهو معهم فنسب إليه وكانت له أخت فزوجها بمحمد والد أبي بكر لأنه تفرس فيه الخير فأقام عندهم فلما حملت توجه لمكة وعهد لامرأته إن ولدت ذكراً أن تسميه أبا بكر ففعلت فمات الشيخ أبو حسان فخلفه في زاويته ولد أخيه أبو بكر المذكور وكان لأبي حسان اتساع من الدنيا وكانت النذور تصل إليه من عدة بلاد فظهرت لأبي بكر كرامات وخلفه في زاويته ولده علي كان كثير العبادة والتجريد ويقال إنه قعد مدة لا يأكل في الأسبوع غير مرة ولم يتعلق بشيء من أمور الدنيا وخلفه في مكانه ولده إسحاق بن علي وكان على طريقته إلى أن مات، فخلفه أخوه موسى وكان عابداً صاحب مكاشفات وكرامات وكان ذكياً مذاكراً، فلما مات قدم ولده موسى ابن علي بن أبي بكر، فاشتهر بالصلاح والذكاء والسخاء وحسن الخلق وكثرة الخير وطول الصمت، وكان يدمن على سماع الحديث والتفسير على الفقيه أحمد العلقي، وكان نزل فيهم وتزوج الفقيه علي بن موسى أخته، وكان الشيخ علي يذاكر بكثير من الحديث والتاريخ والسيرة مع المحافظة على الوضوء وصلاة الجماعة، وكان موسعاً عليه في الدنيا ويلبس أحسن الثياب، وله ولد اسمه عبد الله نصب بعده بالزاوية، وكان كثير التلاوة، ومات في سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة، وسيأتي ذكر قريبه محمّد بن أحمد بن حسين بن أبي بكر الشيبي فيمن مات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، نقلت ذلك من ذيل تاريخ اليمن للجندي بذيل الشيخ حسين بن الأهدل. عمر بن إبراهيم بن محمّد بن عمر بن عبد العزيز بن محمّد بن أحمد بن هبة الله بن أحمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن هارون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن أبي جرادة محمّد بن عامر العقيلي القاضي كمال الدين أبو القاسم الحلبي ثم المصري المعروف بابن العديم، ولد سنة أربع وخمسين واشتغل ببلده، وناب في الحكم ثم استقل به في سنة أربع وتسعين عوضاً عن ابن الجاولي، فباشره بحرمة وافرة وحصل أملاكاً وثروة كبيرة، وكان وجيهاً عند الكبار وله حرمة وافرة، وأصيب في اللنكية ثم دخل القاهرة في آخر السنة، وقدم القاهرة غير مرة وفي الآخر استوطنها لما طرق الططر البلاد الشامية، فأسر مع من أسر ثم تخلص بعد رجوع اللنك فقدم القاهرة في شوال، وحضر مجلس القاضي أمين الدين الطرابلسي قاضي الحنفية، ثم سعى وولي القضاء بها في سادس عشري شهر رجب سنة خمس وثمانمائة، ثم درس بالشيخونية انتزعها من الشيخ زاده بحكم اختلال عقله لمرض أصابه، وكان له ولد نجيب غاية في الذكاء حسن الخلة قد ناب عن والده مدة فما قدر على مقاومته، وعاشر الأمراء وأهل الدولة وكبر جاهه وعظم ماله وكان لا يتحاشى من جمع المال من أي وجه كان، وقد سمع من ابن حبيب وأبيه، وكان من رجال الدنيا دهاءً ومكراً ماهراً في الحكم ذكياً خبيراً بالسعي في أموره يقظاً غير متوان في حاجته كثير العصبية لمن يقصده مات قبل رجب بنحو عشرين يوماً بعد أن نزل لولده محمّد وهو شاب عن تدريس الشيخونية وقبلها المنصورية وباشرهما في حياته، وأوصاه أن لا يفتر عن السعي في القضاء فامتثل أمره واستقر بعده، وكان الكمال كثير المروءة متواضعاً بشوشاً كثير الجرأة والإقدام والمبادرة في القيام في حظ نفسه، محباً في جمع المال بكل طريق عفا الله عنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 قال القاضي علاء الدين في تاريخه: استقل بالقضاء سنة أربع وتسعين وسبعمائة عوضاً عن جمال الدين ابن الحافظ فباشره بحرمة وافرة وكان رئيساً له مروءة وعصبية عارفاً بأمور الدنيا ومعاشرة الأكابر ومخالطة أهل الدولة. عيسى بن موسى بن صبح الرمثاوي الشافعي أحد العدول بدمشق، مات في أول عشر السبعين. قاسم بن علي بن محمّد بن علي الفاسي أبو القاسم المالكي سمع من أبي جعفر الطحاوي الخطيب والقاضي أبي القاسم ابن سلمون وأبي الحسين محمّد بن أحمد التلمساني في آخرين يجمعهم برنامجه، وتلا بالسبع على جماعة، وقرأ الأدب وتعانى النظم، جاوز بمكة فخرج له صاحبنا غرس الدين خليل الأقفهسي مشيخة وحدث بها، وكان يذكر أنها سرقت منه بعد رجوعه من الحج ويكثر التأسف عليها، لقيته بالقاهرة، وأنشدني لنفسه إجازة: معاني عياض اطلعت فجر فخره ... لما قد شفي من مؤلم الجهل بالشفا مغاني رياض من إفادة ذكره ... شذا زهرها يحيي من أشفى على شفا مات بالمارستان المنصوري، وكان قد مدح جمال الدين الأستادار وأثابه. محمّد بن إبراهيم بن بركة العبدلي شمس الدين المزين الشاعر المشهور الدمشقي ولد سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة ومهر في نظم الشعر خصوصاً المقاطيع من عدم معرفته بالعربية رأيته بدمشق وأنشدني كثيراً من مقاطيعه المجيدة وكان يذكر انه أخذ عن ابن الوردي والصفدي وبينه وبين الشيخ أبي بكر المنجم أهاجي وكان وصوله إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 حلب في صفر ثم دخل دمشق واتفق أن التمرية أسروه فاستصحبوه في سنة ثلاث وثمانمائة إلى سمرقند فأقام بها مدة ثم خلص منهم وسافر في هذه السنة فقدم إلى دمشق فاستعاد وظائفه ولكن لم يعش إلا يسيراً بعد أن قدم بدون شهر وكان يذكر أنه رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في المنام فبشره أنه يتخلص من الأسر ويعود إلى دمشق فكان كذلك وعمل مائة مليح عارض بها الصلاح الصفدي وابن الوردي وسماها شين العرض بالملاح بعد الزين والصلاح، ومن شعره في مليح شافعي: للشافعي عذار ... يقول قولاً زكيا لا خير في شافعي ... إن لم يكن أشعريا مات في جمادى الآخرة. محمّد بن إبراهيم بن عبد الله الكردي الشيخ شمس الدين المقدسي نزيل القاهرة ولد سنة سبع وأربعين وسبعمائة وصحب الصالحين ثم لازم الشيخ محمّد القرمي ببيت المقدس وتلمذ له ثم قدم القاهرة فقطنها وكان لا يضع جنبه بالأرض بل يصلي في الليل ويتلو، فإن نعس أغفى إغفاءة وهو محتب ثم يعود، ومن شعره: لم يزل الطامع في ذلة ... قد شبهت عندي بذل الكلاب وليس يمتاز عليهم سوى ... بوجهه الكالح ثم الثياب وكان يواصل الأسبوع كاملاً، وذكر أن السبب فيه أنه تعشى مع أبويه قديماً فأصبح لا يشتهي أكلاً، فتمادى على ذلك ثلاثة أيام، فلما رأى أن له قدرة على الطي تمادى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 فيه فبلغ أربعاً، ثم انتهى إلى سبع، وكان يعرف الفقه على المذهب الشافعي وكان يكثر من قوله في الليل: قوموا إلى الدار من ليلى نحييها ... نعم ونسألها عن بعض أهليها ويقول أيضاً: " سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا " وكان يذكر أنه يقيم أربعة أيام لا يحتاج إلى تجديد وضوء مات بمكة في ذي القعدة. محمّد بن أحمد بن عبد الله القزويني ثم المصري الشيخ شمس الدين سمع من مظفر الدين ابن العطار وغيره وكان على طريقة الشيخ يوسف الكوراني المعروف بالعجمي لكنه حسن المعتقد كثير الإنكار على مبتدعة الصوفية اجتمعت به مراراً وسمعت منه بخليص أحاديث وكان كثير الحج والمجاورة بالحرمين، مات في شعبان بمكة. محمّد بن حسين بن الأمين محمّد بن القطب محمّد بن أحمد بن علي القسطلاني أبو الحسن زين الدين المكي سمع من عثمان بن الصفي وغيره ومات في ربيع الآخر عن نحو سبعين سنة فإن مولده سنة 43. محمّد بن عبد الرحمن بن محمّد بن أحمد بن خلف الخزرجي المدني، أبو حامد رضي الدين ابن تقي الدين ابن المطري، ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة، وسمع من العز ابن جماعة وأجاز له يوسف الدلاصي، والميدومي، وغيرهما من مصر، وابن الخباز، وجماعة من دمشق. وكان نبيهاً في الفقه وله حظ من حسن خط ونظم ودين، وكان مؤذن الحرم النبوي وبيده نظر مكة، ثم نازع صهره شيخنا زين الدين ابن الحسين في قضاء المدينة، فوليه في سنة إحدى عشرة، فوصلت إليه الولاية وهو بالطائف فرجع إلى مكة، وسار إلى المدينة فباشره بقية السنة، وحج فمرض، فمات عقب الحج في سادس عشر ذي الحجة عن إحدى وستين سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 محمّد بن علي بن محمّد بن محمود بن يحيى بن علي بن عبد الله بن منصور السلمي شمس الدين الدمشقي المعروف بابن خطيب زرع، كان جد والده خطيب زرع فاستمرت بأيديهم وولد هذا في ذي الحجة سنة أربع وسبعين، وكان حنفياً فتحول شافعياً وناب في قضاء بلده، ثم تعلق على فن الأدب ونظم الشعر، وباشر التوقيع عند الأمراء، ثم اتصل بابن غراب ومدحه وقدم معه إلى القاهرة، وكان عريض الدعوى جداً واستخدمه ابن غراب في ديوان الإنشاء، وصحب بعض الأمراء وحصل وظائف ثم رقت حاله بعد موت ابن غراب إلى أن مات في ذي القعدة وهو القائل: وأشقر في وجهه غرة ... كأنما في نورها فجر بل زهرة الأفق لأني أرى ... من فوقها قد طلع البدر وله فيما اقترح عليه فيما يقرأ مدحاً فإذا صحف كان هجواً: التاج بالحق فوق الرأس يرفعه ... إذا كان فرداً حوى وصفا مجالسه فضلاً وبذلاً وصنعاً فاخراً وسخا ... فاسأل الله يبقيه ويحرسه مات في ذي القعدة. محمّد بن محمّد بن عبد القادر بن محمّد بن عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي ثم الدمشقي المعروف بابن الفخر، كان خيراً في عدول دمشق، مات في شعبان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 محمّد بن محمّد بن علي بن منصور الحنفي بدر الدين ابن قاضي القضاة صدر الدين، ولد سنة ست وخمسين تقريباً وولي قضاء العسكر في حياة أبيه وتدريس الركنية، وخطب بجامع منكلى بغا، وكان قليل البضاعة وكانت له دنيا ذهبت في الفتنة، مات في رمضان. محمّد بن محمّد بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن فهد الهاشمي نجم الدين، سمع من العز ابن جماعة وابن عبد المعطي وغيرهما وحدث، وأقام بأصفور وصعيد مصر مدة، ثم رجع ومات بمكة في ربيع الأول وقد جاوز الخمسين، وهو والد صاحبنا تقي الدين ومات أبوه كمال الدين في سنة سبعين. محمّد بن محمّد بن محمّد بن عبد البر بن يحيى بن علي بن تمام السبكي جلال الدين ابن بدر الدين بن أبي البقاء الشافعي المصري، ولد قبل سنة سبعين، واشتغل في صباه قليلاً، وكان جميل الصورة لكنه صار قبيح السيرة كثير المجاهرة بما أزرى بأبيه في حياته وبعد موته بل لولا وجوده لما ذمّ أبوه، وقد ولي تدريس الشافعي بعد أبيه بجاه ابن غراب بعد أن بذل في ذلك داراً تساوي ألف دينار، وولي تدريس الشيخونية بعد صدر الدين المناوي بعد أن بذل لنوروز مالاً جزيلاً وكان ناظرها، مات في جمادى الأولى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 محمّد بن موسى بن محمّد بن محمود بدر الدين ابن شرف الدين ابن شمس الدين بن الشهاب الحلبي الأصل ثم الدمشقي، ولد سنة سبعين تقريباً، وولي وكالة بيت المال ثم كتابة السر بدمشق يسيراً ثم نظر الجيش، وكان كثير التخليط والهجوم على المعضلات مع كرم النفس ورقّة الدين، مات في صفر خنقاً بأمر جمال الدين الأستادار. يلبغا بن عبد الله السالمي الظاهري، كان من مماليك الظاهر، ثم تمهر وصيره خاصكيّاً. وكان ممن قام له بعد القبض عليه في أخذ صفد فحمد له ذلك، ثم ولاّه النظر على خانقاه سعيد السعداء سنة سبع وتسعين ووعده بالإمرة ولم يعجلها له، فلما كان في صفر سنة ثمانمائة أعطاه إمرة عشرة وقرره في نظر الشيخونية في شعبان، وكان يترقب أن يعمل نيابة السلطنة فلم يتم ذلك، ثم جعله الظاهر أحد الأوصياء فقام بتحليف مماليك السلطان لولده الناصر وتنقلت به الأحوال بعد ذلك فعمل الأستادارية الكبرى والإشارة وغير ذلك على ما تقدم ذكره مفصلاً في الحوادث، ثم في الآخر ثار الشر بينه وبين جمال الدين فعمل عليه حتى سجنه بالإسكندرية، وكان طول عمره يلازم الاشتغال بالعلم ولم يفتح عليه بشيء منه سوى أنه يصوم يوماً بعد يوم ويكثر التلاوة وقيام الليل والذكر والصدقة، وكان لجوجاً مصمماً على الأمر الذي يريده ولو كان فيه هلاكه ويستبد برأيه غالباً، وكان سريع الانفعال مع ذلك وكان يحب العلماء والفضلاء ويجمعهم، وقد لازم سماع الحديث معنا مدة وكتب بخطه الطباق، وأقدم علاء الدين ابن أبي المجد من دمشق حتى سمع الناس عليه صحيح البخاري مراراً، وكان يبالغ في حب ابن عربي وغيره من أهل طريقته ولا يؤذي من ينكر عليه، مات مخنوقاً وهو صائم في رمضان بعد صلاة عصر يوم الجمعة، وما عاش جمال الدين بعده إلا دون عشرة أشهر، ومن محاسنه في مباشراته أنه قرر ما يؤخذ في ديوان المرتجع على كل مقدم خمسين ألفاً وعلى الطبلخانات عشرين ألفاً وعلى أمراء العشرات خمسة آلاف فاستمرت إلى آخر وقت، وكان المباشرون في دواوين الأمراء قبل هذا إذا قبض على الأمير أو مات يلقون شدة من جور المتحدث على المرتجع، فلما تقرر هذا كتب به ألواحاً ونقشها على باب القصر وهي موجودة إلى الآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 وهو الذي رد سعر الفلوس إلى الوزن وكانت قد فحشت جداً بالقدم حتى صار وزن الفلس خروبتين وكان يذكر أنه من أهل سمرقند وأن أبويه سمياه يوسف وانه سبي فجلب إلى مصر مع تاجر اسمه سالم فنسب إليه واشتراه برقوق وصيره من الخاصكية، وأول ما نبه ذكره ولاية خانقاه سعيد السعداء كما تقدم وذلك في جمادى الأولى سنة سبع وتسعين، وكان يحب الاجتماع بالعلماء، ثم ولي إمرة عشرة في تاسع شعبان سنة إحدى وثمانمائة ونظر خانقاه شيخو فباشره بعنف، ثم صار أحد الأوصياء لبرقوق وهو الذي قام بتحليف الأمراء للناصر فأول ما نسب إليه من الجور أنه أنفق في المماليك نفقة البيعة على أن الدينار بأربعة وعشرين ثم نودي عند فراغ النفقة أن الدينار بثلاثين فحصل الضرر التام بذلك، ثم استقر في الأستادارية في ثالث عشر ذي القعدة سنة ..... فسار سيرة حسنة عفيفة وأبطل مظالم كثيرة، منها تعريف منية بني خصيب وضمان العرصة وأحصاص الغسالين، وأبطل وفر الشون وكسر ما بمنية الشيرج وناحية شبرى من جرار الخمر شيئاً كثيراً وتشادد في النظر في الأحكام الشرعية وخاشن الأمراء وعارضهم فأبغضوه، وقام في سنة ثلاث وثمانمائة فجمع الأموال لمحاربة تمرلنك، زعم فشنعت عليه القالة كما تقدم وقبض عليه في رجب منها، وتسلمه ابن غراب وعمل أستاداراً وأهانه وعوقب وعصر ونفي إلى دمياط ثم أحضر في سنة خمس وثمانمائة وقرر في الوزارة والإشارة فباشرهما على طريقته في العسف فقبض عليه وعوقب أيضاً وسجن، ثم أفرج عنه في رمضان سنة سبع وعمل مشيراً فجرى على عادته ثم قبض عليه وسلم لجمال الدين الأستادار فعاقبه ونفاه إلى الإسكندرية فرجمته العامة وهو يسير في النيل فلم يزل بالسجن إلى أن بذل فيه جمال الدين للناصر مالاً جزيلاً فأذن في قتله فقتل، وكانت له مروءة وهمة عالية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 سنة اثنتي عشرة وثمانمائة استهلت والناصر مصمم على قصد دمشق للقبض على نائبها شيخ لكونه امتنع من إرسال الأمراء الذين طلبهم منه، وقبض على رسوله لذلك وهو كمشبغا الجمالي، وكان جمال الدين الأستادار قد جهز ولده أميراً على الحاج فتكاسل بالتجهيز ليحضر ولده قبل رحيلهم، والناصر يستحثه وهو يسوف إلى أن تحقق مكره فصمم عليه، فخرج في السابع من المحرم تغرى بردى مقدم العسكر ومعه من المقدمين أقباي وطوغان وعلان وإينال المنقار وكمشبغا المزوق ويشبك الموساوي وغيرهم من الطبلخانات والمماليك ونزلوا بالريدانية، وسعى ابن العديم في قضاء الحنفية فأعيد إليها وصرف ابن الطرابلسي وكان قد قبض نفقة السفر فلم يستعدها منه جمال الدين بل أضاف إليها مشيخة الشيخونية انتزعها من ابن العديم، وركب الناصر من القلعة في الحادي عشر منه فرحل تغرى بردى ومن معه في ذلك اليوم وقرر الناصر أرغون الرومي في نيابة الغيبة بالاصطبل ويلبغا الناصري لفصل الحكومات بالقاهرة، وقرر أحمد ابن أخت جمال الدين نائب غيبة عن خاله في الأستادارية وكزل الحاجب الكبير على عادته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 وفي أوائل المحرم برز شيخ إلى المرج فأقام بها ثم أرسل إلى القضاة في حادي عشره وأرادهم على أن تقطع الأوقاف، فتنازعوا في ذلك إلى أن صالحوه بثلث متحصل تلك السنة، وأرسل إلى قلعة صرخد فحصن بها أهله وما يعز عليه وملأها بالأقوات والسلاح، واستفتى العلماء في جواز مقاتلة الناصر، فيقال إن ابن الحسباني أفتاه بالجواز، فنقم عليه الناصر بعد ذلك لما دخل دمشق وسجن، وكان ممن قام في ذلك أيضاً شمس الدين محمّد التباني وكان قد رحل من مصر إلى شيخ بدمشق فأكرمه وبلغ ذلك الناصر فأهانه فيما بعد، ثم أطلق شيخ المسجونين من الأمراء بدمشق وأرسل سودون المحمدي إلى غزة وشاهين دواداره إلى الرملة وقبض على يحيى بن لاقي، وكان يباشر مستأجرات الناصر وعلى ابن عبادة الحنبلي وصادره على مال كثير واستناب بدمشق تنكز بغا ونزل بالمرج إلى جهة زرع ووصل الناصر إلى غزة في ثالث عشري المحرم، ففر المحمدي ونزل تغرى بردى الرملة في حادي عشريه ففر منه شاهين ووصل هو والمحمدي إلى شيخ فتحول إلى داريا، فقدم عليه قرقماش ابن أخي دمرداش فاراً من صفد وكان الناصر استناب فيها الطنبغا العثماني فقدم بها ففر منه قرقماش ثم قدم نائب حماة جانم في أواخر المحرم فرحلوا جميعاً نحو صرخد، واستصحب جماعة من التجار الشاميين وألزمهم بعشرة آلاف دينار فوصل ثاني يوم رحيله كتاب الناصر إلى من بدمشق بإنكار أفعال شيخ ويحث عليهم في محاربته لمخالفة أمر السلطان. وفي أول صفر نم أقبغا دويدار يشبك على جماعة من الأمراء مثل علان وإينال المنقار وسودون بقجة وغيرهم من الظاهرية أنهم يريدون الركوب على الناصر لتقديمه مماليكه عليهم وكان جمال الدين الأستادار وافقهم على ذلك ولم يعلم أقبغا بذلك فماج العسكر ليلة الأحد ثانيه، واضطرب الناس وكثر قلق الناصر وخوفه إلى أن طلع الفجر، وكان نادى في العسكر بالتوجه إلى جهة صرخد لقتال شيخ فأصبح سائراً إلى جهة دمشق، وكان استشار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 كاتب السر والأستادار فيما يفعل فاتفقوا على أنه يقبض على علان وإينال وسودون بقجة المغرب ويركب الأستادار إلى ظاهر العسكر ليقبض على من يفر من المماليك إلى جهة شيخ، فلما تفرقوا راسل الأستادار المذكورين بما هم به السلطان فهربوا، ومنهم تمراز وقرا يشبك وسودون الحمصي وآخرون، فنزل الناصر الكسوة في سادس صفر ودخل دمشق في سابعه وطلب ابن الحسباني فاعتقل وابن التباني فهرب، وأطلق الناصر المسجونين بالصبيبة، وقرر بردبك في نيابة حماة عوضاً عن جانم ونوروز في نيابة حلب، ثم عزل وقرر دمرداش على حاله وبكتمر جلق في نيابة الشام. وفي نصف صفر أو بعده قدم بكتمر جلق نائب طرابلس ودمرداش نائب حلب إلى الناصر. وفي السادس عشر منه وجه الناصر إلى قرى المرج والغوطة وبلاد حوران وغيرها بطلب الشعير للعليق وقرر على كل ناحية قدراً معيناً فعظم الخطب على الناس في جبايته. وفي العشرين من صفر ظفر جمال الدين بناصر الدين ابن البارزي وكان قد اتصل بخدمة الشيخ فولاه خطابة الجامع الأموي وصرف الباعوني، فشكاه الباعوني لجمال الدين فأحضره بين يديه وضربه ضرباً شديداً واستعاد منه معلوم الخطابة وأمر باعتقاله، وكان السبب في ذلك أن جمال الدين انتزع خطابة القدس من الباعوني لأخيه شمس الدين البيري فترامى عليه الباعوني فعوضه بخطابة دمشق فتعصب جمال الدين يومئذٍ للباعوني لهذا السبب. وفي ثاني عشري صفر أمر جمال الدين بقتل شرف الدين محمّد بن موسى بن محمّد بن الشهاب محمود، وكان قد عمل كتابة السر بحلب فحقد عليه جمال الدين أشياء أضمرها في نفسه منه لما كان خاملاً بحلب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 وفيه استعفى نجم الدين ابن حجي من قضاء دمشق، فولاه الناصر الباعوني وقرر ابن حجي في قضاء طرابلس، وصرف ابن القطب من قضاء الحنفية وقرر شهاب الدين ابن الكشك. وفي آخر صفر ركب الخليفة والقضاة بأمر الناصر ونادى في الناس بدمشق يحضهم على مقاتلة شيخ في كلام طويل يقرأ من ورقة. وفي الثاني من ربيع الأول برز الناصر إلى جهة صرخد ففر إليه من الشيخية برسباي وسودون اليوسفي ووصل إلى قرية عيون تجاه صرخد. وفي السابع من ربيع الأول وقعت الحرب فقتل من الفريقين ناس قليل وفر جماعة من السلطانية إلى شيخ، فاشتد حذر الناصر من جميع من معه وتخيل أنهم يخذلوه إذا التقى الجمعان، فبادر إلى القتال فانهزم تمراز وكان في مقدمة شيخ وثبت شيخ ولم يزل يتقهقر إلى أن دخل جذلان مدينة صرخد وانتهب السلطانية وطاقه وجميع ما كان لأصحابه من خيل وأثاث، وفر شيخ فدخل القلعة ومعه ناس قليل فأصعد الناصر طائفة من مماليكه إلى أعلى منارة الجامع ورموا عليهم بالنفط والحجارة والأسهم الخطابية، وانتهب مدينة صرخد، وانهزم تمراز وسودون بقجة وسودون الجلب وسودون المحمدي وتمربغا المشطوب في عدد كثير إلى جهة دمشق، وأرادوا أن يهجموها فمنعتهم العامة، فرجعوا إلى جهة الكرك وتسلل كثير منهم فدخلوا دمشق، ووصل كتاب الناصر عقبهم بأن من ظفر بأحد من المنهزمين وأحضره فله ألف دينار، فاشتد الطلب عليهم. وفي نصف ربيع الآخر قبض على الكليتاني والي دمشق وضرب ضرباً شديداً وعلى علم الدين وصلاح الدين ولدي ابن الكويز لكونهما من جهة شيخ وكذلك الصفدي فتسلمهم نوروز، وطلب الناصر المنجنيق من دمشق إلى صرخد فنصبه على القلعة وكان شيئاً مهولاً وصل إليه على مائتي جمل، واستكثر من طلب المدافع والمكاحل من الصبيبة وصفد ودمشق ونصبها حول القلعة، فاشتد الخطب على شيخ ومن معه فتراموا على تغرى بردى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 الأتابك وألقوا إليه ورقة في سهم من القلعة يستشفعون به، فجاء إلى السلطان وشفع عنده وألح عليه إلى أن أذن له أن يصعد إليهم ويقرر الصلح، فتوجه صحبته الخليفة وكاتب السر وجماعة من ثقات السلطان وذلك في أواخر الشهر، فجلسوا كلهم على شفير الخندق وجلس شيخ داخل باب القلعة ووقف أصحابه على رأسه، فطال الكلام بينهما إلى أن استقر الأمر على أنه لا يستطيع أن يقابل السلطان حياء منه، فأعيد الجواب عليه فأبى إلا أن ينزل إليه ويجتمع به، فلم يزل تغرى بردى به إلى أن أجاب إلى الصلح فرجع هو وكاتب السر فسلم لهما كمشبغا الجمالي وأسنبغا دلاهما بحبل ثم أرخى ولده وعمره سبع سنين ليرسله إلى الناصر فصاح وبكى من شدة الخوف، فرحمه الحاضرون فرد إلى أبيه، واستبشر الفريقان بالصلح وكان العسكر الناصري قد مل من الإقامة بصرخد لكثرة الوباء بها وقلة الماء والزاد هذا مع كون الأهواء مختلفة، وأكثر الناصرية لا يحبون أن يظفر الناصر بشيخ لئلا يتفرغ لهم فطلعوا في آخر يوم من الشهر وحلفوا الأمراء وأفرج شيخ عن ابن لاقي وعن تجار دمشق، وبعث للناصر تقدمة عظيمة ولبس تشريفه واستقر في نيابة طرابلس، وما فرغ من ترتيب ذلك إلا وأكثر المماليك السلطانية من مصر قد ساروا إلى جهة دمشق، فاضطر الناصر إلى الرحيل إلى دمشق فتوجه وجهز شيخ ولده الصغير في أثر السلطان، فوصل مع تغرى بردى فأكرمه وأعاده إلى أبيه ورحل الناصر عن دمشق في ربيع الآخر فوصل إلى غزة بعد أن زار بيت المقدس في سابع عشر منه. وأما شيخ فخرج من صرخد وانضم إليه جمع كثير من أصحابه وتوجه إلى ناحية دمشق، وأرسل إلى بكتمر جلق نائب الشام يستأذنه في دخول دمشق ليقضي أشغاله ويرحل إلى طرابلس، فمنعه حتى يستأذن السلطان، وكتب إليه بحيلة من دخوله دمشق، فأجابه بمنعه من دخولها وإن قصد دخولها بغير إذن يقاتلوه، فاتفق وصول شيخ إلى شقحب في عاشر جمادى الأولى فأوقع بكتمر جلق ببعض أصحابه، فبلغه ذلك فركب بمن معه فلم يلبث بكتمر أن انهزم، ونزل شيخ قبة يلبغا ثم دخل دمشق في حادي عشره، وهو اليوم الذي وصل فيه الناصر إلى القلعة بمصر وتلقاه الناس، فأظهر بأنه لم يقصد القتال ولا الخروج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 عن الطاعة، وأنه لم يقصد إلا النزول في الميدان خارج البلد ليتقاضى مهماته ويرحل إلى طرابلس وأن بكتمر هو الذي بغى عليه، ثم استكتبهم في محضر بصحة ما قال وجهزه إلى السلطان صحبة أمام الصخرة المقدسة فوصل في آخر جمادى الآخرة، فغضب السلطان وضرب الإمام بالمقارع ووسط الجندي الذي كان رفيقه، واستمر بكتمر في هزيمته إلى جهة صفد فأقام شيخ بدمشق وأعطى شمس الدين ابن التباني نظر الجامع الأموي وشهاب الدين ابن الشهيد نظر الجيش بدمشق، ثم صرفه في جمادى الآخرة، وقرر صدر الدين ابن الأدمي وقرر في خطابة الجامع شهاب الدين الحسباني ثم أعاده ثم قسم الوظائف بينهما، واستقر الحسباني في قضاء الشافعية، ثم توجه شيخ بعساكره إلى جهة صفد فطرقها شاهين الدويدار في جماعة على حين غفلة، فاستعدوا لهم فرجعوا واستمر شيخ في طلب بكتمر إلى غزة، وكان بكتمر قد سار متوجهاً إلى القاهرة، وصحبته بردبك نائب حماة ونكباي حاجب دمشق والطنبغا العثماني نائب صفد ويشبك الموساوي نائب غزة فتلقاهم السلطان، فلما يئس منهم شيخ رجع إلى دمشق بعد أن قرر في غزة سودون المحمدي وبالرملة جاني بك، ثم أرسل الناصر يشبك الموساوي في جيش إلى غزة فحارب سودون المحمدي فانكسر ونهب الذي له ولحق بجهة الكرك، ثم جمع عسكراً ورجع إلى غزة فانكسر الموساوي ورجع إلى القاهرة، وقتل علان نائب صفد، فأرسل شيخ إلى سودون المحمدي بنيابة صفد فوليها في نصف شعبان. وفي أواخر جمادى الأولى قدم نوروز وقد خلص من التركمان إلى حلب، فتلقاه دمرداش وأكرمه وكاتب الناصر يعلمه به ويسأله أن يعيد نوروز إلى نيابة الشام، ويشبك ابن أزدمر إلى طرابلس وتغرى بردى ابن أخي دمرداش إلى حماة، فأعجب الناصر ذلك وأجاب سؤاله وجهز إليه مقبل الرومي ومعه التقاليد بذلك، وصحبته خمسة عشر ألف دينار مدداً لنوروز، وتوجه في البحر لخوفه من شيخ أن يسلك البر، وكان يشبك ابن أزدمر وتغرى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 بردى قد توجها إلى حماة، ففر منهما جانم الذي من جهة شيخ فغلبا عليها، ووصل مقبل إلى نوروز بحماة ومعه تقليده بنيابة الشام فلبس الخلعة. وفي سابع عشر جمادى الآخرة قبض سبان نائب قلعة صفد على الطنبغا العثماني، فوصل علان من جهة شيخ فغلب على صفد فثار عليه أهل صفد لما بلغهم خبر غزة، ففر إلى دمشق فدخلها وتوجه أبو شوشة صديق التركماني من صفد بطائفة، فكبسوا من كان بها من جهة شيخ فهربوا إلى دمشق. وفي رابع عشريه برز شيخ برزة بعساكره قاصداً حماة وقدم دمرداش إلى حماة لنجدة نوروز ومعه عساكر حلب وطوائف من التركمان ومن العرب وشيخ يحاصر حماة، فلما بلغه قدومهم ترك وطاقه وأثقاله، وتوجه إلى ناحية العربان، فركب دمرداش فأخذ الوطاق واشتغل أصحابه بالنهب فرجع شيخ بأصحابه عليهم، فاشتدت الحرب بينهم فقتل جماعة وأسر آخرون وكسرت أعلام دمرداش وأخذت طبلخاناته، ونزل شيخ على بعيرن واستمر في حصار حماة. وأما دمشق فإن سودون المحمدي بعد أن استماله نوروز بعث به إلى دمشق بعد أن عاث في بلاد صفد وصادر أهل قراها وكان جقمق دوادار شيخ بدمشق، قد وزع على القرى والبساتين مالاً لنفقة عسكر أستاذه، فزحف سودون المحمدي إلى داريا في سابع رمضان، فقاتله الشيخية منهم الطنبغا القرمشي ومن معه. وفي أثناء ذلك قدم سودون بقجة وإينال المنقار مدداً للشيخية فتقنطر المحمدي عن فرسه، فأركبوه وتفرق جمعه، ولحق بنوروز وقبض على نحو الخمسين من أصحابه، وقد شاهين دوادار شيخ يستحث على استخراج المال، وتأهب سودون بقجة للتوجه إلى صفد نيابة عن شيخ، وكتب شيخ إلى الناصر كتاباً يخدعه فيه ويعلمه أن نوروز يريد الملك لنفسه، ولا يطيع أحداً أبداً ويقول عن نفسه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 إنه لا يريد إلا طاعة السلطان والانتماء إليه، ويعتذر عما جرى منه ويصف نفسه بالعدل والرفق بالرعية، ويصف نوروز بضد ذلك ونحو ذلك من الخداع، فلم يجبه الناصر عن كتابه. وفي الثالث عشر من شوال وصلت عساكر شيخ إلى صفد فنازلوها وفيها شاهين الزردكاش فجرت لهم حروب وخطوب إلى أن جرح شاهين في وجهه ويده وهرب وأسر أسندمر كاشف الرملة فوصل إلى صفد يشبك الموساوي من القاهرة، وسودون اليوسفي وبردبك من جهة نوروز، فقوي بهم أهل صفد، فرجع من الشيخية قرقماش إلى دمشق، وأمده شيخ بنجدة كبيرة، وأخذ من دمشق آلات القتال، ورجع إلى صفد، فاشتد الخطب واشتد القتال بين الفريقين، وكانت الدائرة على الشيخية، وانهزم قرقماش وجرح وقتل عدة من أصحابه، وأسر أهل صفد لكنهم بين قتيل وجريح، وقتل ابن مهنا الأكبر وعورت عين ابنه الآخر، وأصيبت رجل ابنه الثالث وأبلى هو بلاء عظيماً، وكذلك محمّد بن هيازع، وهؤلاء عربان تلك البلاد فخرجوا بعد الوقعة فعاثوا في البلاد وأفسدوا، ورجع يشبك الموساوي إلى غزة، فكاتب الناصر بما اتفق، واشتد الخطب على أهل دمشق بسبب ذلك، وجبيت منهم الخيول والأموال، وكل ذلك وشيخ بحمص يحاصر نوروز ومن معه بحماة، فلما بلغه ذلك جهز عسكراً إلى أصحابه يمدهم به، فمضوا إلى نيسان وكبسوا محمّد بن هيازع أمير عرب آل مهدي، وأخذوا ما كان معه، وتوجهوا إلى صفد فحاصروا شاهين الزردكاش أيضاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 وفيها طرق قرا يوسف بغداد فملك عراق العجم وديار بكر ووصل إلى الموصل فملكها وسلطن ابنه محمّد شاه، وكتب بذلك إلى شيخ وأعلمه أنه تفرغ من تلك الجهات، وأنه عزم على الحضور إلى الشام نجدة للأمير شيخ لما بينهما من المودة والعهود، فاستشار شيخ أصحابه فأشاروا عليه بأن يجيبه إلى ما طلب من الحضور إليه ليستظهر بهم على أعدائه، فخوفه تمراز الناصري من عاقبة ذلك وأشار عليه بأن يكاتب الناصر بحقيقة ذلك، وأنه يخشى من استطراق قرا يوسف في بلاد الشام أن يتطرق منها إلى مصر فأخرجوا به. وفي السادس من ذي الحجة توجه الدويدار إلى البقاع للاستعداد لبردبك لما طرق الشام، فوصلت كشافة بردبك في التاسع عشر إلى عقبة بيحورا، ثم نزل هو شقحب فتأهب من بالقلعة بدمشق، وخرج العسكر مع سودون بقجة والقرمشي، فوقع القتال فانكسر جاليش سودون بقجة والقرمشي، وحمل هو على عسكر بردبك فكسرهم، ثم انهزم بردبك على خان ابن ذي النون، فرجع إلى صفد، ونهب من كان معه، واجتمع جميع الشيخية وتوجهوا قاصدين غزة. وفي هذا الشهر اشتد الحصار على نوروز ودمرداش بحماة، فقتل بينهما أكثر من كان معهما من التركمان، وانضم أكثر التركمان إلى شيخ ووصل إليه العجل بن نعير نجدة له بمن معه من العرب في ثاني عشر ذي الحجة فخيم بظاهر حماة، فوقع القتال بين الطائفتين واشتد الخطب على النوروزية، فمالوا إلى الخداع والحيلة، ولم يكن لهم عادة بالقتال يوم الجمعة، فبينما الشيخية مطمئنين إذ بالنوروزية قد هجموا عليهم وقت صلاة الجمعة، فاقتتلوا إلى قبل العصر، فكانت الكسرة على النوروزية فرجعوا إلى حماة، وأسر من النوروزية جماعة منهم سودون الجلب وشاهين الأباشي وجانبك القري وغيرهم فأرسلوا إلى السجن بدمشق ثم إلى المرقب، وغرق بردجا أمير التركمان بنهر العاصي وكذلك أرسطاي أخو يونس وآخرون وتسحب منهم جماعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 وغنم الشيخية منهم نحو ألف فرس، وتفرق أكثر العساكر عن نوروز، ولحق كثير منهم بشيخ فتحول إلى الميدان بحماة، ونزل هو والعجل به، وكتب إلى دمشق بالنصر، فدقت بشائره وزينوا البلد. فلما كان ليلة الاثنين سادس عشر ذي الحجة، ركب تمربغا المشطوب وسودون المحمدي وتمراز نائب حماة في عسكر ضخم فكبسوا العجل بن نعير ليلاً، فاقتتلوا إلى قريب الفجر فركب شيخ نجدة للعجل واشتد القتال، فخالفهم نوروز إلى وطاق شيخ فنهبه ورجع إلى حماة، وكتب دمرداش إلى الناصر يستنجده ويحثه على المجيء إلى الشام وإلا خرجت عنه كلها، فإنه لم يبق منها إلا غزة وصفد وحماة وكل من بها من جهته في أسوء حال. وفي ذي الحجة مال أكثر التركمان إلى شيخ وأطاعوه، وجاءه الخبر بأن أنطاكية صارت في حكمه وجهز شاهين داوداره وإيدغمش وملكوا حلب فصارت بأيديهم، واشتد الأمر على دمرداش ونوروز فاستدعيا أعيان أهل حماة فألزماهم بأن كتبوا إلى العجل كتاباً يتضمن أن نوروز هرب من حماة، ولم يتأخر بها غير دمرداش، وسألوه أن يأخذ له الأمان من شيخ، فظن العجل أن ذلك حق فركب إلى شيخ وأعلمه بذلك فظنه حقاً، وبعث فرقة من مماليكه ومن عرب العجل، فتسوروا على سلالم ونزلوا المدينة من السور ظانين قلة بالبلد من النوروزية، فوثبوا عليهم وقتلوهم جميعاً وعلقوا رؤوسهم على السور، وأتوا رجلين من جهة العجل فألزموهما أن كتبا إلى العجل بأن نوروز قد أسرنا وقد أطلعنا على أنه تصالح مع شيخ على أن شيخ يسلك إليه ويصطلحا على البلاد، فظن العجل ذلك صحيحاً فركب لوقته متوجهاً إلى بلاده، فبلغ ذلك الشيخية، فركب شيخ في طائفة ليسترضيه ويرده، فأعقبه نوروز ودمرداش في أثره فنهبوا وطاقه وخيله واستمر العجل ذاهباً، فرجع شيخ فوجد أثقاله قد نهبت فرجع من حمص إلى العريسين، فكاتب نوروز في طلب الصلح فلم يتم ذلك وانسلخت السنة وهم على ذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 ذكر حوادث أخرى غير ما يتعلق بالمتغلبين فيها في ثالث ربيع الآخر قرر جماز بن هبة في إمرة المدينة عوضاً عن عجلان بن نعير، وفيها استقر جمال الدين الكازروني في قضاء المدينة خاصة دون الخطابة، فاستمرت بيد ابن صالح. وفي صفر فشا الطاعون بحمص وحماة وطرابلس ومات به خلق كثير. وفيه واقع التركمان الأمير نوروز بملطية فكسروه كسرة شنيعة. وفيه رتب جمال الدين الأستادار للقاضي جلال الدين البلقيني على تصدر بالجامع الأموي خمسمائة درهم في الشهر يقبضها من مباشري الجامع ألف درهم قرأت ذلك بخط القاضي شهاب الدين ابن حجي رحمه الله. وادعى شهاب الدين ابن نقيب الأشراف على صدر الدين ابن الأدمي بأنه سب الناصر، فعقدوا له مجلساً فأنكر فشهد عليه الشهاب المذكور فاستخصمه صدر الدين وقال إنه عدوه، فبلغ ذلك نائب الغيبة فصدق صدر الدين وأطلقه، ثم اتفق ابن الكشك وصدر الدين على قسمة الوظائف بينهما، وأشهد ابن الأدمي على نفسه أنه إن عاد إلى السعي في القضاء يكون لابن الكشك عنده ألف دينار، وحكم نائب الحنفي بصحة التعليق والمالكي بصحة الالتزام، ثم بطل ذلك عن قرب، وحكم ابن العديم ببطلان ذلك الحكم لأن صدر الدين أثبت عنده أنه كان يومئذٍ مكرهاً، وأعيد ابن الأدمي إلى القضاء قبل خروج الناصر من دمشق. وفي رابع عشر ربيع الآخر عقد عقد بنت الناصر على بكتمر جلق وهو أسن من أبيها، وتولى الناصر العقد لقنه إياه القاضي جلال الدين وقبله للزوج تغرى بردى الأتابك. وفي ثامن عشره أعيد ابن الأدمي إلى قضاء الحنفية وصرف ابن الكشك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 وفي جمادى الأولى قدم من حلب جمال الدين الحسفاوي قاضي الشافعية بها، ومحب الدين ابن الشحنة قاضي الحنفية بها، وأخوه قاضي المالكية بها، وكانوا طلبوا من جهة السلطان لكونهم بايعوا جكم بالسلطنة وأفتوه بقتال السلطان، ثم هرب ابن الشحنة وأدخل الآخران القاهرة. وفي التاسع من جمادى الأولى نزل السلطان بلبيس فقبض على جمال الدين الأستادار وعلى ابنه وابن أخته وعامة من يلوذ بهم، وهرب أخوه شمس الدين البيري وطائفة، وكان الناصر قد تخيل منه في هذه السفرة أنه تمالأ عليه، وأنه يريد أن يمسكه، ووجد أعداؤه سبيلاً إلى الحط عليه عنده إلى أن تغير عليه وأمسكه، ودخل الناصر القلعة في حادي عشره وتقدم إلى كاتب السر فتح الله بحفظ موجود جمال الدين فاستعان فتح الله على ذلك بالقضاة فلم يزل جمال الدين وولده يخرجان ذخيرة بعد ذخيرة إلى أن قارب جملة ما تحصل من موجودهما ألف ألف دينار، وأحضره الناصر مرة وتلطف به ليخرج بقية ما عنده وجد وأكد اليمين واعترف بخطائه واستغفر فرق له وأمر بمداواته، فقامت قيامة أعدائه وألّبوا عليه إلى أن أذن لهم في عقوبته وسلمه لهم، فلم يزالوا به حتى مات خنقاً بيد حسام الدين الوالي، وقطعت رأسه فأحضرت بين يدي الناصر، فردها وأمر بدفنه، وذلك في حادي عشر جمادى الآخرة، واستقر تاج الدين عبد الرزاق ابن الهيصم في الأستادارية موضع جمال الدين، فلبس زي الأمراء وترك زي الكتاب، واستقر أخوه مجد الدين عبد الغني في نظر الخاص، وسعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 الدين ابن البشيري في الوزارة وأضيف إلى تقي الدين ابن أبي شاكر ناظر ديوان المفرد أستادارية الأملاك والذخائر السلطانية عوضاً عن أحمد ابن أخت جمال الدين؛ ومن غريب ما اتفق في ذلك أنه كان ظفر من تركة بعض الأكابر بحاصل فيه ذهب وعلبة ملأى فصوص وجواهر نفيسة، فبلغ السلطان ذلك، فطلبه من الأمير جمال الدين فأنكره وأودع ذلك عند جندي يقال له جلبان، فلما قبض على جمال الدين وأمر بحمل ما عنده من الأموال ذكر أن له عند جلبان وديعة نحو عشرة قفف ذهباً، فطلع المذكور فغلب عليه الخوف فأحضر الذهب والعلبة التي فيها الجواهر، فانبسط الناصر، وبلغ ذلك جمال الدين فشق عليه مشقة شديدة. وفي أواخر جمادى الأولى استقر شهاب الدين أحمد بن أوحد الخادم بالخانقاه الناصرية بسرياقوس في مشيختها عوضاً عن شمس الدين القليوبي بحكم وفاته. وفي سابع جمادى الآخرة امسك بلاط أحد المقدمين وكزل حاجب الحجاب، وبعثا إلى الإسكندرية للاعتقال، وقرر يلبغا الناصري في الحجوبية. وفي تاسعه صرف ابن شعبان عن الحسبة وأعيد الطويل وفيه صرف البرقي عن قضاء العسكر، واستقر حاجي فقيه. وفي حادي عشر جمادى الآخرة استقر علاء الدين الحلبي قاضي غزة في مشيخة بيبرس عوضاً عن شمس الدين البيري أخي جمال الدين بحكم تسحبه بعناية فتح الله؛ واستقر نور الدين التلواني في تدريس الشافعي عوضاً عنه بعناية قردم. وفيه أحضر الناصر الشيخ شهاب الدين الزعيفريتي، وكان نقل له عنه أنه كتب ملحمة زعم فيها أن الملك يصل لجمال الدين ثم إلى ابنه أحمد، ونظم ذلك في قصيدة، فأمر الناصر بقطع لسانه وبعض عقد أصابع يده اليمنى، واعتقل ثم أفرج عنه، وأقام ببيته مدة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 الناصر يظهر الخرس إلى أن أقبلت الدولة المؤدية وتكلم، فعد ذلك من قوة تمكنه من عقله، وعظيم جلده وصبره، ولم يمتنع أيضاً من الكتابة، بل كتب مع فساد بعض أصابعه لكن دون خطه المعتاد. وفي سابع رجب أعيد ابن شعبان إلى الحسبة وعزل الطويل؛ ثم عزل ابن شعبان واستقر محمّد بن يعقوب الدمشقي في ثامن عشر من رجب، ثم صرف في ثاني شعبان واستقر كريم الدين الهوى. وبلغ النيل في هذه السنة في الزيادة إلى اثنين وعشرين ذراعاً، وكسر الخليج في أول يوم من مسرى وثبت إلى نصف هاتور، وبلغ سعر القمح من ذلك في شعبان إلى ثلاثمائة الإردب، والشعير والفول إلى مائتين، والحمل التبن إلى مائة وعشرين. وفي شعبان قبض الشيخية بدمشق على الإخنائي قاضي الدمشقية وكانوا قد نقموا عليه فكاتبه نوروز فسجن بالقلعة، ثم هرب منها إلى صفد، فأكرمه النائب بها من جهة الناصر، وهو شاهين الزردكاش، وأرسل الإخنائي إلى الناصر يغريه بالأمير شيخ ويحثه على سرعة الحركة إلى الشام. وفي أواخر شعبان فوض شيخ خطابة جامع دمشق لشرف الدين التباني وكان قد فر من القاهرة إليه في أواخر العام الماضي، فأنكر الشاميون ذلك، لعهدهم أن الخطابة إنما هي للشافعية، فكاتبوه بذلك، فاستناب الباعوني وباشر شرف الدين التباني مشيخة السميساطية خاصة، وأضيف إليه درس الخاتونية، وتصدر بالجامع الأموي. وفي مستهل رجب قبض على نصراني فادعى عليه أنه كان أسلم، وأقيمت عليه البينة بذلك فاعترف فعرض عليه الإسلام فامتنع فضربت رقبته بين القصرين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 وفي ثالث عشر شعبان قتل شخص شريف لأنه ادعى عليه أنه عوتب في شئ فعله فعزر بسببه، فقال: قد ابتلى الأنبياء، فزجر عن ذلك فقال: قد جرى على رسول الله في حارة اليهود أكثر من هذا، فاستفتى في حقه فأفتوا بكفره، فضربت عنقه بين القصرين بحكم القاضي المالكي شمس الدين المدني. وفي ثالث عشر شوال أعيد ابن شعبان إلى الحسبة وصرف الهوى، وفي الثالث والعشرين منه كان الناصر توجه إلى وسيم عند مرابط خيله فرجع منه، فلما وصل الميدان بالقرب من قناطر السباع أمر بالقبض على قردم الخازندار. وكان شاع عنه وهو في السفر أنه اتفق مع جمال الدين على الفتك بالسلطان وأمر أيضاً بالقبض على أينال الساقي وهو حينئذ رأس نوبة كبير، فقبض على قردم وشهر أينال سيفه فلم يلحقه غير الأمير قجق، فضربه على يده ضربة جرحه بها، واستمر أينال هارباً، ثم ظفر به في ذي الحجة فسجن في الإسكندرية، ثم آل أمره إلى أن صار تاجراً في المماليك يجلبهم من البلاد ويربح منهم الربح الكثير، وقد قدم في الدولة المؤيدية مرتين بذلك وحصل مالاً طائلاً، وسجن قردم بالإسكندرية. وفي شوال استقر ابن خطيب نقرين في قضاء دمشق وصرف الحسباني، وفيه استقر شمس الدين محمّد بن علي بن معبد المدني في قضاء المالكية وصرف البساطي. وفي أواخر ذي القعدة استقر حسام الدين في ولاية القاهرة. وفيه صرف الزيدي، وكان ظالماً فاجراً ولي شد الدواوين فأباد أصحاب الأموال وبالغ في أذاهم فكان عاقبة أمره أن ضربت عنقه صبراً بالقاهرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 وفي ذي الحجة قدم على شيخ بحمص الشيخ أبو بكر بن تبع وذكر أن شخصاً حضر إليه وذكر له أنه رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في المنام وهو يقول: ارجع عما أنت فيه وإلا هلكت، قال: يا رسول الله! ما يصدقني، قال: اذهب إلى ابن تبع فقل له يذهب إليه، قال: فإن لم يقبل من ابن تبع. قال: قل له فليقل له ما كلامه كيت وكيت، وذكر له ذكراً جرت عادة شيخ أن يحوط به نفسه عند النوم وعند القتال، فقص أبو بكر بن تبع ذلك على شيخ فصدق الإمارة وكتب إلى دمشق بأنه رجع عن المظالم، وكتب إلى أتباعه بالكف عن المصادرات ورد الأوقاف إلى أهلها ونودي بذلك في البلد، وكتب إلى قضاة دمشق بالكشف عن شمس الدين ابن التباني، وكان قد فوض إليه نظر الجامع والأوقاف وظهر عليه جملة مستكثرة ثم جاملوه وكتبوا له محضراً بأنه حسن المباشرة وأرسل مرجان الهندي خازندره يكشف عن حسابات الأوقاف وإلزام المباشرين عليها بعمارتها. وفيها قتل محمّد بن أميرزا شيخ بن عم تمرلنك سلطان فارس، قام عليه أخوه إسكندر شاه فغلبه وكان محمّد كثير العدل والإحسان فيما يقال فتمالأ عليه بعض خواصه فقتله تقرباً إلى خاطر أخيه إسكندر واستولى إسكندر على ممالك أخيه فاتسعت مملكته. وفيها أفرط النيل في الزيادة إلى تكملة العشرين ثبت ثباتاً زائداً عن العادة إلى نصف هاتور، ثم يسر الله بنزوله على العادة. وفي أول يوم من جمادى الآخرة ضرب إمام قبة الصخرة بالمقارع بأمر السلطان وحبس بسجن ذوي الجرائم، والسبب فيه أنه قدم رسولاً من شيخ يعتذر عن قتال بكتمر جلق وأنه الذي بدأه بالقتال، فلم يلتفت له فأمر بضرب هذا وتوسيط رفيقه وهو من المماليك، وفيها مات داود بن سيف أرغد الحطي - بفتح المهملة وكسر المهملة الخفيفة بعدها ياء خفيفة - الحبشي الأمحري - بحاء مهملة - صاحب مملكة الحبشة وقدمت رسله على الظاهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 بهدية، وجهز له الظاهر هدية ورسولاً وهو برهان الدين الدمياطي فذكر أنه رآه حاسر الرأس عرياناً وعلى جبينه عصابة حمراء وكذا كان سلفهم فلما مات داود أقيم ابنه تدروس فهلك سريعاً فأقيم أخوه إسحاق فسلك سبيل الملوك وتزيا بزي أهل الحضر والسبب فيه أن نصرانياً كان يقال له فخر الدولة حصلت له كائنة بمصر ففر إلى الحبشة فقربه إسحاق فرتب له المملكة وأشار عليه بأن يتزيا بغير زي قومه وجبا الأموال وضبط الأمر ودخل إليه مملوك يقال له الطنبغا فتعلم من عنده صناعة الحرب والرمي بالنشاب واللعب بالرمح ورتب له زردخاناه فصرف فحظي عنده وصار يركب وبيده صليب جوهر كبير إذا قبض عليه برز طرفاه من كبره، وكان شديد البأس على من يجاوره من المسلمين من الجبرت وغيرهم، وكان سعد الدين رأس الجبرت يحاربه، وفي الغالب يكون سعد الدين منه في ضيق، وقتل من المسلمين في تلك الوقائع ما لا يحصى فلم يزل كذلك إلى أن مات إسحاق في ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين، وقام بعده ابنه أندراس، فهلك لأربعة أشهر من موت أبيه فقام من بعده عمه خرساي فهلك في رمضان سنة أربع وثلاثين، فأقيم بعده سلمون بن إسحاق. وفي غضون ذلك نجا جمال الدين ابن سعد الدين ملك المسلمين ودهم الحبشة وأوقع بهم وصاروا منه في حصر شديد على ما اتصل بنا. وفيها مات أحمد بن ثقبة بن رميثة بن أبي نمى الحسني المكي أحد أمراء مكة، وكان قد اشترك مع عنان في الولاية الأولى مع كونه مكحولاً لما مات ابن عمه أحمد بن عجلان بن رميثة وأم ولده محمّد. وفيها قتل جماز بن هبة بن جماز بن منصور الحسيني أمير المدينة وقد كان أخذ حاصل المدينة ونزح عنها فلم يمهل وقتل في حرب جرت بينه وبين أعدائه، وكان يظهر إعزاز أهل السنة ويحبهم بخلاف ثابت بن نعير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 وفي ذي الحجة استقر تاج الدين محمّد بن الحسباني في وكالة بيت المال والحسبة وإفتاء دار العدل وقضاء العسكر وبذل على ذلك ألف دينار وكانت الحسبة مع ناصر الدين ابن الجاي وما عدا ذلك مع تقي الدين يحيى الكرماني، فصرفا عنها وفيها مات أقباي الكبير وكان رأس نوبة الأمراء في جمادى الآخرة، وترك من العين ألف دينار هرجة، واثني عشر ألف دينار إفرنجية ومن الغلال والخيول والدواب ما قيمته فوق ذلك، حصل ذلك من الظلم وكان حاجباً مدة طويلة غشوماً ظلوماً، فاستأصل الناصر تركته، وفيها مات طوخ الخازندار في جمادى الآخرة وبلاط الإسكندرية وقجاجق الدويدار. ذكر من مات في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة من الأعيان أحمد بن سعيد بن أحمد السماقي الحسباني الشاهد بسوق صاروجا أخو القاضي شرف الدين قاسم مات في جمادى الأولى عن سبعين سنة بدمشق. أحمد بن عبد اللطيف بن أبي بكر بن عمر الشرجي ثم الزبيدي اشتغل كثيراً ومهر في العربية وكذا كان أبوه سراج الدين ودرس شهاب الدين بالصلاحية بزبيد اجتمعت به وسمع علي شيئاً من الحديث وسمعت من فوائده مات بحرض عن أربعين سنة. أحمد بن محمّد بن أبي الوفا محمّد بن محمّد الشاذلي شهاب الدين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 المشهور بتبن وفا أخو الشيخ علي الماضي سنة سبع وثمانمائة وأحمد هو الأسن وعلي هو الأشهر، وكان عند أحمد سكون وقلة كلام وليس له نظم وكان يذكر له أحوال حسنة ولم يكن يعمل المواعيد إلا مع خواص أصحابه ونبغ له أبو الفضل محمّد ففاق الأقران في النظم والذكاء ومات غريقاً بعد أبيه بسنة، وكانت وفاة شهاب الدين في شوال وله ست وخمسون سنة. أبو بكر بن عبد الله بن ظهيرة المخزومي أخو الشيخ جمال الدين اشتغل قليلاً وسمع من عز الدين ابن جماعة وغيره، ومات في جمادى الأولى بمكة. أبو بكر بن عبد الله بن قطلوبك المنجم الشاعر، تعانى التنجيم والآداب، وكان بارعاً في النظم والمجون وله مطارحات مع أدباء عصره أولهم شمس الدين المزين ثم خطيب زرع ثم على البهائي، واشتهر بخفة الروح والنوادر المطربة؛ ومات في صفر، وهو القائل: حنفي مدرس حاز خدّاً ... كرياض الشقيق في التنميق لو رآه النعمان في مجلس الدر ... س لقال النعمان هذا شقيقي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 وله في شمس الدين المزين الشاعر زجل أوله: لعمرك يا مزين أمسى ... ناقص البراعه لكن في الحرام حيث ... تجده كامل البضاعه سيرك يا ربيط سير ... محلول من قبيح فعالك وأنت حرامي مجروح ... وعرضك بحالك وتهجي المنجم أما ... تبصر شاعر حالك لا تلعب بذكاعي ... وتعمل رقاعه أنصحك وأسقيك شربة ولا سم ساعه فلما مدح الشيخ علي البهائي بدر الدين ابن الشهاب محمود بقصيدته التي أولها: ألا يا نسمة الريح ... قفي أبديك تبريحي قفي أخبرك عن جسمي ... وإن شئت أقل روحي فناقضه المنجم بقوله: ضراط البغل في الريح ... على فرش من الشيح وشرب الخل ممزوجاً ... بأمراق القواليح ونقلي يابس الزعرور مع بعر التماسيح ونيك ليس بالتعميق بل حك وتشطيح وقوم في جنان البلح قد فازوا بتسليحي وبيتي من دمشق الشا ... م ليلاً غير ممسوح وتعويض بأكل اللف ... ت من تلك التفافيح وسمعي في حقول الفجل أصوات الذراريح على شيز الضفاديع التي في بحر أطفيحي أحبّ إلي من شعر ... شبيه الشيح في الريح بتوشيح كتوشيح ... وتحسين كتقبيح وتلميع كتليح الدباغات المناسيح إذا عاناه معصوم ... شكى داء المساليح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 وغاد ببرءه يشكو ... من القولنج والريح تراني حين أسمعه ... بصدر غير مشروح أقول لنفسي اعتزمي ... وعن أبياته روحي قريض من مقالته ... على الحمى لدى الروح وناظمه أخو جهل ... من القوم المشاليح ووزن الشعر يشغله ... بنقصان وترجيح بنظم منظم يطفي ... إشعات المصابيح ولولا بدر دين الدين مخدومي وممدوحي لأظلم بيت أفكاري ... ولم أظفر بتوضيح ولا عارضت في شعري ... ألا يا نسمة الريح أنشدنيها بقصتها ناصر الدين البارزي بالقاهرة ثم أنشدنيها بقصتها ولده القاضي كمال الدين بالبيرة على شاطئ الفرات في سنة آمد وأنا للإنشاد الثاني أضبط. أبو بكر بن علي الحمصي سيف الدين المعمار اشتهر بذلك وقد تقدم في فنه، وعاش أزيد من تسعين سنة بدمشق. خليل بن محمّد بن خليفة بن عبد العالي الحسباني ابن عم شهاب الدين وصهره على ابنته، كان خيراً ديّناً وورث من أبيه مالاً جزيلاً، وغرم أكثره في تزويج ابنة عمه المذكور، ثم كان في آخر أمره أن طلقت منه، وقد ولي قضاء حسبان. عبد الله بن أحمد اللخمي التونسي الفرياني - بضم الفاء وتشديد الراء بعدها تحتانية خفيفة وبعد الألف نون - كان فاضلاً مشاركاً في الفقه والعربية والفرائض مع الدين والخير؛ مات راجعاً من مكة إلى مصر، ودفن بعقبة أيلة في المحرم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 عبد الرحيم بن محمود بن محمّد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب بن علي بن عقيل السلمي البعلبكي، زين الدين، خطيب بعلبك وابن خطيبها، ولد سنة تسع وعشرين أو قبلها ومات أبوه سنة خمس وثلاثين وهو الكاتب المجود المشهور بهاء الدين محمود، فرباه جده، وولي عبد الرحيم خطابة بلده، وكانت بيد سلفه منذ أربعمائة سنة فيما يقال، وقد حدث عبد الرحيم عن الحجار وغيره بالإجازة، وكان من أعيان شهود بلده موصوفاً بالخير؛ مات في ربيع الأول. علي بن الحسن بن أبي بكر بن الحسن بن علي بن وهاس الخزرجي موفق الدين الزبيدي، اشتغل بالأدب ولهج بالتاريخ فمهر فيه، وجمع لبلده تاريخاً كبيراً وآخر على الحروف وآخر في الملوك، وكان ناظماً ناثراً اجتمعت به بزبيد، وكتب لي مدحاً؛ مات في أواخر هذه السنة وقد جاوز السبعين. علي بن محمّد بن إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله بن عمر بن عبد الرحمن الناشري موفق الدين الشاعر المشهور الزبيدي اشتغل بالأدب ففاق أقرانه ومدح الأفضل ثم الأشرف ثم الناصر، وكانوا يقترحون عليه الأشعار في المهمات، فيأتي بها على أحسن وجه، وكانت طريقة شعره الانسجام والسهولة دون تعاني المعاني التي لهج بها المتأخرون، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 وحج في سنة عشرة ورجع فمات بنواحي حرض في المحرم، أو في الذي بعده، وقد جاوز الستين، رأيته بزبيد وسمعت منه قليلاً. قجاجق بن عبد الله الدويدار الناصري، وكان حسن الخلق لين الجانب مسرفاً على نفسه وولي الدويدارية الكبرى فباشرها بلطف ورفق، مات في أواخر السنة، وقيل في سادس المحرم من التي تليها. محمّد بن أحمد بن أبي القاسم الوزير كمال الدين ابن المقرئ الزبيدي ناب في الوزارة باليمن، وناب عن القاضي مجد الدين الشيرازي في القضاء، وكان فاضلاً. محمّد بن عبد الله بن أبي بكر الشيخ شمس الدين القليوبي الشافعي اشتغل بالعلم وتلمذ للشيخ ولي الدين الملوي، ورأيت سماعه على العرضي ومظفر الدين ابن العطار في جامع الترمذي، وما أظنه حدث عنهما، واشتهر بالدين والخير، وكان متقللاً جداً إلى أن قرر في مشيخة الخانقاه الناصرية بسرياقوس شيخاً بها فباشرها إلى أن مات في جمادى الأولى وكان متواضعاً ليناً. محمّد بن عبد الله الخردفوشي: أحد من كان يعتقد مات في ربيع الآخر. محمّد بن عبد الرحمن بن يوسف الحلبي المعروف بابن سحلول ناصر الدين، كان عمه عبد الله وزيراً بحلب، ولد سنة ...... وسمع المسلسل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 بالأولية من أحمد بن عبد الكريم، وسمع عليه الأربعين المخرجة من صحيح مسلم بسماعه على زينب الكندية عن المؤبد، وسمع من ابن الحبال جزء المناديلي، أنا عبد الخالق بن علي بن واصل البصري ثنا أبو جعفر السعيدي ثنا أبو القاسم إبراهيم بن محمّد المناديلي، وولي مشيخة خانقاه والده فكان أهل حلب يترددون غليه لرياسته وحشمته وسؤدده، ومكارم أخلاقه، وكان مواظباً على إطعام من يرد عليه ثم عظم جاهه لما استقر جمال الدين الأستادار في التكلم في المملكة فإنه كان قريبه من قبل الأم لأن أم جمال الدين بنت عبد الله عم شمس الدين المذكور وكان استقر في مشيخة الشيوخ بعد موت الشيخ عز الدين الهاشمي، ثم سافر من حلب إلى القاهرة فبالغ جمال الدين في إكرامه وجهزه إلى الحجاز في أبهة زائدة وأحمد ولد جمال الدين يومئذٍ أمير الركب فحج وعاد فمات بعقبة أيلة في شهر الله المحرم، وسلم مما آل إليه أمر قريبه جمال الدين وآله. محمّد بن عمر بن إبراهيم بن القاضي العلامة شرف الدين هبة الله البارزي، ناصر الدين الحموي، قاضي حماة هو وأسلافه كان موصوفاً بالخير والمعرفة، فاضلاً عفيفاً، مشكوراً في الحكم، باشر القضاء مدة ومات بحماة في هذه السنة وجده هبة الله هو القاضي شرف الدين البارزي العالم المشهور. محمّد بن محمّد بن موسى بن سليم - بفتح المهملة - الحجاوي، كان من أهل العلم بالهيئة، وولي وظيفة التوقيت بالجامع الأموي، ثم انتقل إلى حجا بلده فمات هناك في شعبان. محمّد بن محمّد بن موسى بن محمّد بن محمّد بن محمود بن سلمان الحلبي الأصل الدمشقي بدر الدين ابن الشهاب محمود، ولد في حدود الخمسين ونشأ بدمشق واشتغل وتعانى الأدب، ونظم الشعر وولي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 كتابة السر بدمشق وطرابلس وكان ولي توقيع الدست بحلب وكان رئيساً، ذكياً كريماً، له مروءة وعصبية إلا أنه كان ينسب إلى أشياء غير مرضية، كتب عنه القاضي علاء الدين في ذيل تاريخ حلب من نظمه، ومات في السجن بدمشق سنة 812 على يد جمال الدين الأستادار. نصر الله بن أحمد بن محمّد بن عمر التستري الأصل ثم البغدادي نزيل القاهرة جلال الدين أبو الفتح ولد في حدود الثلاثين ومات أبوه وهو صغير، فرباه الشيخ الصالح أحمد السقا وأقرأه القرآن واشتغل بالفقه على مذهب الحنابلة؛ وسمع الحديث من جمال الدين الخضري وكمال الدين الأنباري وأبي بكر بن قاسم السنجاري في آخرين وأسانيدهم نازلة، وقرأ الأصول على الشيخ بدر الدين الأربلي وأخذ عن الكرماني شارح البخاري، شرح العضد على ابن الحاجب وولي تدريس الحديث بمسجد يانس ببغداد ومدارس الحنابلة كالمستنصرية والمجاهدية، وصنف في الفقه وأصوله ونظم كتاباً في الفقه في ستة آلاف بيت، وأرجوزة في الفرائض مائة بيت جيدة في بابها، وله مختصر ابن الحاجب ومدايح نبوية، وكان يذاكر الناس ببغداد مدة وانتفع الناس بذلك، وخرج من بغداد لما شاع أن اللنك قصدها فوصل إلى دمشق فبالغوا في إكرامه، وكان مقتدراً على النظم والنثر، ثم قدم القاهرة في سنة تسعين وتقرر في تدريس الحنابلة بمدرسة الظاهر برقوق وكان قد امتدحه وعمل له رسالة في مدح مدرسته، وحدث بالقاهرة بجامع المسانيد لابن الجوزي سماعه له بإسناد نازل إلى مؤلفه، مات في عشري صفر بعد أن مرض طويلاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 نصر الله بن محمّد الصرخدي ناصر الدين أحد الفضلاء، مات في أحد الربيعين. يوسف بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن قاسم البيري، ثم الحلبي نزيل القاهرة الأمير جمال الدين، ولد سنة 752 وكان أبوه خطيب البيرة فصاهر الوزير شمس الدين بن سحلول فنشأ جمال الدين في كنف خاله وكان أولاً بزي الفقهاء وحفظ القرآن وكتباً في الفقه والعربية، وسمع من شمس الدين ابن جابر الأندلسي قصيدته البديعية. وعرض عليه ألفية ابن معطي وأخذ عنه في شرحها له بحلب، ثم قدم مصر بعد سنة سبعين وهو بزي الجند فخدم أستادار الأمير بجاس وعرف به وطالت مدته عنده، ثم ترقى إلى أن تزوج بنت أستاذه وعظم قدره ومحله، فباشر الأستادراية عند جماعة من الأمراء كبيبرس وسودون الحمزاوي وغيرهما، وعمر الدور الكبار وعمر في داخل القصر بجوار المدرسة السابقية منزلاً حسناً، فيقال إنه وجد فيه خبيئة للفاطميين واشتهر ذكره بالمروءة والعصبية وقضاء حوائج الناس فقام بإعباء كثير من الأمور وصار مقتصداً للملهوفين يقضي حوائجهم ويركب معهم إلى ذوي الجاه، ولم يزل معظماً نافذ الكلمة إلى أن قرر في الأستادارية رابع رجب سنة سبع وثمانمائة بعد أن هرب ابن غراب مع يشبك فشكرت سيرته، ثم وقع بينه وبين السالمي لتهور السالمي فقبض عليه في ذي الحجة واستبد بالأمر إلى أن قرر في الأستادارية الكبرى عوضاً عن ابن قيماز في رابع رجب سنة ثمان بعد أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 رسم عليه في بيت شاد الدواوين يوماً وليلة واستمر مع ذلك يتحدث في أستادارية الأمير الكبير بيبرس، ثم لما تغيرت الأمور التي بسطناها في سنة ثمان وثمانمائة وتمكن ابن غراب من المملكة أراد الفتك بجمال الدين، ثم اشتغل عنه بمرضه ولم يلبث أن هلك، فاستولى جمال الدين على الأمور واستضاف الوزارة ونظر الخاص والكشف بالوجه البحري واستقر مشير الدولة، ثم لما قتل يشبك صفا الوقت له وصار عزيز مصر على الحقيقة، لا يعقد أمر إلا به ولا تفصل مشورة إلا عن رأيه، ولا تخرج إقطاع إلا بإذنه، ولا يستخدم أحد من الأمراء ولو عظم كاتباً عنده إلا من جهته، ولا تباع دار حتى تعرض عليه، ولا يكتب مكتوب على قاض حتى يستأذنه، ولا يباع شيء من الجوهر والصيني ولا من آنية الذهب والفضة ولا من الفرو والصوف والحرير ولا من كتب العلم النفيسة حتى يعرض عليه، ولا يلي أحد وظيفة ولو قلت حتى نواب القضاة إلا بأمره، ثم تجاوز ذلك حتى صار لا يخرج إقطاع ولو قل إلا بمشورته ولا يحكم أمير في فلاحه حتى يؤامره، ولا تكتب وصية حتى تعرض عليه أو يأذن فيها، وخضع له الآمر والمأمور، وكثر تردد الناس إلى بابه حتى كان رؤساء الدولة من الدويدارية وكاتب السر ومن دونهما ينزلون في ركابه إلى منزله، ولا يصدر أحد منهم إلا عن رأيه، ثم شرع في انتهاك حرمة الأوقاف فحلها أولاً فأولاً حتى استبدل بالقصور الزاهرة المنيفة بالقاهرة كقصر يشبك والحجارية وغيرهما بشيء من الطين من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 الجيزة وغيرها، وكان قبل ذلك يتوقى في الظاهر فربما رام استبدال بعض الموقوفات فيعسر عليه القاضي إلى أن تجتمع شروط ذلك عند من ذهب إلى جوازه فيبادر هو بدس بعض الفعلة إلى ذلك المكان في الليل فيفسد في أساسه إلى أن يكاد يسقط فيرسل من يحذر سكانه، فإذا اشتهر ذلك بادر المستحق إلى الاستبدال ومن غفل منهم أو تمنع سقط فينقص من قيمته ما كان يدفعه له لو كان قائماً، ثم بطلت هذه الحيلة لما زاد تمكنه بإعانة القاضيين الحنفي تارة والحنبلي أخرى سمعت القاضي كريم الدين ابن عبد العزيز يقول: كنت في جنازة فتوجهت للمقبرة فوافقت ابن العديم ففتحت له انتهاك حرمة الأوقاف بكثرة الاستبدال، فقال لي: إن عشت أنا والقاضي مجد الدين - وأشار إلى الحنبلي - لا يبقى في بلدكم وقف، والعجب أن رؤساء العصر كانوا ينكرون أفعال جمال الدين في الباطن رعاية له وفرقاً منه، فما هو إلا أن قتل فتوارد الجميع على أتباعه فيما سن من ذلك حتى لم يسلم من ذلك أحد منهم، ولم يزل الأمر يتزايد بعد ذلك، ثم لم يزل جمال الدين يترقى ويحصل الأموال ويداري بالكثير منها ويمتن على الناصر بكثير من الأموال التي ينفقها عليه إلى أن كاد يغلب على الأمر، وفي الآخر صار يشتري بني آدم الأحرار من السلطان، فكل من تغير عليه استأذن السلطان في إهلاكه واشتراه منه بمال معين يعجل حمله إلى الناصر ويتسلم ذلك الرجل فيهلكه، فهلك على يده خلق كثير جداً، وأكثرهم في التحقيق من أهل الإفساد. وفي الجملة كان قد نفذ حكمه في الإقليمين مصر والشام، ولم يفته من المملكة سوى اسم السلطنة مع أنه كان ربما مدح باسم الملك ولا يغير ذلك ولا ينكره، وتقدم أنه قتل في جمادى الآخرة، ولقد رأيت له بعد قتله مناماً صالحاً حاصله أني ذكرت وأنا في النوم ما كان فيه وما صار إليه وما ارتكب من الموبقات، فقال لي قائل: إن السيف محاء للخطايا، فلما استيقظت اتفق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 أني نظرت هذا اللفظ بعينه في صحيح ابن حبان في أثناء حديث، فرجوت له بذلك الخير، ولعمري لقد ارتكبوا في حقه منذ قبض عليه إلى أن قتل ما لم يرتكبه في حق ممن دونه فيما كان فيه من الإهانة والإفراط في ظلم البراء من أهله حتى وضعت امرأته سارة بنت الأمير بجاس وهي حامل على دست نار فأسقطت ورأت من الذل ما لا يوصف وماتت بعد ذلك قهراً فلله الأمر. يونس بن قاضي الصنمين نقيب الشافعي لم يكن محمود السيرة فيما يقال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 مات سنة 813. سنة ثلاث عشرة وثمانمائة استهلت والأمير شيخ يحاصر الأمير نوروز بحماة وبيد شيخ غالب المملكة الشامية وفي تلك المدة اتصل القاضي ناصر الدين البارزي بالملك المؤيد، فلم يزل في خدمته إلى أن مات في أيام سلطنته. وفي خامس المحرم استولى شاهين دويدار شيخ على حلب وحاصر القلعة ووصل إلى شيخ الطنبغا القرمشي راجعاً من المرقب وقد حبس فيه المأسورين فعمل نائب الغيبة فأذن لسودون بقجة أن يخرج إلى الدورة فيحصل منها ما يمكن تحصيله ويأخذه لنفسه. وفي الثالث والعشرين من صفر خرج جاليش الناصر إلى قصد الشام وفيه من الأمراء بكتمر جلق وطوغان ويلبغا الناصري وشاهين الأفرم وغيرهم. وفي سابع عشر منه توجهوا من الريدانية وخرج السلطان في رابع ربيع الأول بالعسكر بعد أن عمل المولد النبوي في أول ليلة من ربيع الأول، وجلس عن يمينه ابن زقاعة ودونه الشيخ نصر الله ودونه بقية المشايخ، وعن يساره القضاة، وأنعم في هذه السنة على قاضي الحنابلة بمائة دينار ليتجهز بها دون بقية القضاة، وقرر في مشيخة التربة التي أكمل عمارتها، وكان أبوه أسسها صدر الدين أحمد ابن العجمي ورتب عنده الصوفية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 وفي السادس منه أمر بأخذ ما في الطواحين والمعاصر من الخيل والبغال فصيرت إلى العسكر، وبلغ الأميرين تحرك الناصر إليهما من القاهرة فأذعنا إلى المصالحة على أن يكون دمشق وما معها لشيخ وحلب وما معها لنوروز وأن يستقل كل منهما بمملكته، وتركا ذكر اسم الناصر من مكاتباتهما وصارا يكتبان بدل الملكي الناصري الملك لله، فلما تقرر ذلك عزما على مسك دمرداش وابن أخيه قرقماش فهرب دمرداش ولحق بالعجل بن نعير ثم سار إلى الناصر، وهرب أيضاً مقبل الرومي فلحق بالناصر لما قدم غزة ورجع شيخ إلى دمشق ومعه يشبك بن أزدمر وأفرج عن سودون الجلب وغيره من المأسورين بقلعة المرقب وأشاع أنه يريد التوجه إلى عسكره فتوجه إلى العربان فأوقع بهم وأخذ لهم جمالاً وأغناماً كثيرة، وخرج من دمشق ومعه جانم نائب حماة متوجهاً إلى جهة حلب ووصل القاضي شمس الدين الإخناي مع الناصر فأعيد إلى قضاء دمشق وصرف الباعوني عن خطابة القدس وخطب الإخناي، وأما نوروز فمضى إلى حلب فتسلمها واستمر السلطان في السير إلى الشام وقرر في نيابة الغيبة أرغون نائب السلطنة وكمشبغا الجمالي في القلعة وإينال الصصلاني الحاجب لفصل الحكومات وأنفق في هذه السفرة من الموال ما لا يدخل تحت الضبط فأعطى لتغري بردي وبكتمر جلق ستة آلاف دينار ولكل مقدم ألفي دينار ولكل طبلخاناه خمسمائة ولكل أمير عشرين ثلاثمائة ولكل أمير عشرة مائتين ولكل مملوك مائة فكانت النفقة وحدها نحو خمسمائة ألف دينار خارجاً عن الخيول والجمال وما يحتاج هو إليه من الترك والخلع وغير ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 فلما وصلوا إلى غزة بلغهم خبر شيخ فبادر بكتمر جلق فأسرع السير فوصل إلى دمشق في سابع عشري ربيع الأول صبيحة خروج شيخ منها فأدرك جماعة من أصحاب شيخ فقبض عليهم، وقدم الناصر صبيحة ذلك جريدة ليكبس شيخ ففاته، ثم قدمت أثقال الناصر ونودي بالأمان وقرر الناصر في نيابة دمشق نوروز ونودي بذلك ليطمئن ويحضر إليه، وقرر في نيابة طرابلس يشبك الموساوي بعد أن بذل فيها مائة ألف دينار. وبرز الناصر إلى برزة في العشر الأول من ربيع الأول واستناب بدمشق شاهين الزردكاش وقبض على شرف الدين موسى الملكاوي واتهمه بإخفاء صدر الدين ابن الأدمي وكان إذ ذاك قاضي الحنفية وكاتب السر عند شيخ فدلّ عليه، فلما أتاه الطلب هرب ثم قبض عليه فسجن بقلعة دمشق في سابع جمادى الأولى واستمر مسير الناصر إلى حلب ثم خرج منها في نصف الشهر، فلما أحسّ الأمراء بمسيره مضوا إلى مرعش فتلقاهم علي بك وناصر الدين بك ولدا خليل بن بلغادر فأقاموا عندهما، ثم بلغهم خروج الناصر من حلب في طلبهم فرحلوا إلى غلوا ثم إلى قيسارية فنزل الناصر بالابلستين وكتب إلى شيخ ونوروز يخيّرهما بين الخروج عن مملكته أو الوقوف لمحاربته أو الوصول إلى خدمته ليفعل فيهما ما شاء وأنه عزم على الإقامة بمكانه السنتين والثلاث حتى ينال غرضه منهم، فأجابه شيخ يعتذر بما خامر قلبه من الخوف وأنه المانع من الحضور وأنه لا يقابل السلطان أبداً وأنه إن لم يسمح له السلطان بنيابة دمشق فلينعم عليه بنيابة أبلستين ولنوروز بنيابة ملطية وليشبك بن أزدمر بعينتاب ويفرق القلاع على بقية الأمراء ليحفظوها فإنهم أحق من التركمان والأكراد المفسدين، فلم يرض السلطان بذلك وأرسل إلى دمشق يستدعي الأموال وأمرهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 أن يوزعوا البساتين وغيرها من الطواحين والحمامات وغيرها نصف ما كان يأخذه نوروز، وأهل القرى حينئذ يجبى منهم الشعير وأحدثوا عليهم شعيراً آخر ليزرع للفصيل التي ترعاه الخيل. ووصل إلى الناصر من التركمان والعربان ونواب القلاع خلق كثير، ووصلت إليه رسل قرا يوسف ورسل صاحب ماردين ورسل قرا يلك بتقادمهم وهداياهم، فكثرت العساكر وقلت الأقوات وظهر الملل في العسكر وبدت نفرتهم من طول الإقامة فألزم ولدا دلغادر محمّد بك وعلي بك بالقبض على نوروز وشيخ ومن معهما وطردهما من البلاد ورجع إلى حلب، فلما رجع توجه سودون الجلب من عسكر نوروز وشيخ فغلب على الكرك، وخرج نائب دمشق في طلبه فلما بلغه أنه مر عليه فلم يدركه وفاتهم أيضاً جانم وقرقماش فتوجها إلى ملطية ثم افترقا فقدم قرقماش على الناصر بحلب فأكرمه وولاه نيابة صفد، ثم قدم جانم فولاه نيابة طرابلس، ثم قدم تغرى بردى ابن أخي دمرداش فقرر في نيابة صفد وعوض عنها أخوه قرقماش بحلب وكان استناب في دمشق بكتمر جلق وكان استناب حيدر نائب قلعة المرقب على طرابلس فتوجه إليها، وبها حسن بن محب الدين أستادار شيخ وعلم الدين وصلاح الدين ولدا ابن الكويز من جهته فحاصرهم ثم صرف عن النيابة وسار إليها جانم المذكور قبل، وأرسل الناصر إلى الطنبغا العثماني وقانباي المحمدي يطلبهما من دمشق فتوجها إليه في خامس رجب، ووصل بكتمر جلق في السادس منه فاستقر بها ووصل فيروز الخازندار لإخراج من بقي من المماليك بدمشق، ووقعت بين نائب البيرة وبين سودون المحمدي حرب، وأرسل الناصر من أخذ قلعة الروم، وأرسل بلبان يحاصر كزل من الشيخية بصهيون وأرسل تنكز إلى حصن الأكراد ومعه ابن إينال، وأرسل إلى دمشق بالقبض على جماعة من المخامرين. تمر جلق وكان استناب حيدر نائب قلعة المرقب على طرابلس فتوجه إليها، وبها حسن بن محب الدين أستادار شيخ وعلم الدين وصلاح الدين ولدا ابن الكويز من جهته فحاصرهم ثم صرف عن النيابة وسار إليها جانم المذكور قبل، وأرسل الناصر إلى الطنبغا العثماني وقانباي المحمدي يطلبهما من دمشق فتوجها إليه في خامس رجب، ووصل بكتمر جلق في السادس منه فاستقر بها ووصل فيروز الخازندار لإخراج من بقي من المماليك بدمشق، ووقعت بين نائب البيرة وبين سودون المحمدي حرب، وأرسل الناصر من أخذ قلعة الروم، وأرسل بلبان يحاصر كزل من الشيخية بصهيون وأرسل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 تنكز إلى حصن الأكراد ومعه ابن إينال، وأرسل إلى دمشق بالقبض على جماعة من المخامرين. فلما كان السادس من رجب ركب بكتمر جلق ورفع علم السلطان ونادى من أطاع السلطان فليقف تحت العلم فتسارعوا إليه إلا قليلاً مضوا إلى الميدان ودقوا طبلاً، وقبضوا على قانباي ونكباي وتوجهوا فتبعهم بقية العسكر فلم يلحقوهم واستمر أولئك إلى أن دخلوا الكرك وكبيرهم بردبك الخازندار، فلما بلغ الناصر خبر الكرك أرسل تقليد نيابتها لسودون الجلب ليستميله بذلك، ثم رحل الناصر فوصل إلى دمشق في أواخر رجب، ولما تحقق شيخ ونوروز رحيله من حلب توجها إلى عينتاب وسلكا البرية طالبين الشام، فركب الناصر من حلب على حين غفلة فقدم دمشق في أربعة أيام، واستأذنه القاضي جلال الدين في التوجه إلى القاهرة بسبب تجهيز صرر الحرمين فأذن له فسار منها في ثامن شعبان، وسار أيضاً مجد الدين ابن الهيصم ناظر الخاص فقدم القاهرة في ثامن عشر شهر شعبان، وبالغ في المصادرات وطلب الأموال من غير حقها حتى أنه أحضر صحبته مراسيم بإبطال المواريث الأهلية حتى صار أنه من له ولد أو والد فلم يمهل ومات في ليلة العشرين منه وسر الناس بموته، وظفر الناصر بستة من أصحاب شيخ بدمشق فأمر بهم فوسطوا، وقدم الخبر بوصول شيخ ونوروز إلى أرض البلقاء في مائتين وخمسين فارساً، وكان سبب ذلك أنهم تفرقوا بعد رجوعهم عن قيسارية عند تل ياسر؛ ولحق بدمشق وحلب منهم عدة وافرة واختفى آخرون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 ومر شيخ ونوروز في خواصهما إلى تدمر فامتاروا منها ثم مضوا إلى صرخد ولم يستقروا بها ثم مضوا إلى البلقاء ودخلوا إلى القدس، ثم رجعوا إلى غزة فدخلوها في سادس عشري شعبان ومات منهم بالبلقاء تمربغا المشطوب وإينال المنقار بالطاعون في حسبان ولحق بهم سودون الجلب من الكرك فاخذوا من غزة كثيراً من الخيول ثم رحلوا منها في صبيحة الثالث من رمضان ورجع الجلب إلى الكرك فجهز الناصر في أثرهم بكتمر جلق على عسكر كثير، فسار إلى زرع ثم ألحقه بطوغان، فساروا في أواخر شعبان فاجتمعوا بقاقون في الثاني من رمضان فساروا جميعاً إلى غزة فقدموها في ثالثه، وقد رحل منها شيخ وأصحابه بكرة النهار فوجدوا نائب غزة جاني بك قد تبعهم إلى الزعقة فاستراحوا بغزة وبعث بكتمر شاهين الزردكاش وغيره على البرية إلى القاهرة يحذرهم مجيء شيخ ومن معه وخرج من غزة في الخامس من رمضان واستمر شيخ ومن معه متوجهين إلى القاهرة فمات شاهين دويداره بالصالحية، فدفنه هناك، وحزن عليه كثيراً وكان من الفرسان المعدودين ميمون النقيبة لم يرسله أستاذه في جهة إلا وكان على وجهه النصر واستمر شيخ ومن معه إلى القاهرة، فاستعد أرغون نائب الغيبة ومن معه للحصار، فوصلوا في الثامن من رمضان وهم شيخ ونوروز ويشبك بن أزدمر وبردبك وقنباي وسودون بقجة وسودون المحمدي ويشبك العثماني وقمش وأتباعهم، والتف عليهم جمع كثير من عرب الشرقية فتوجه شيخ من ناحية المطرية إلى بولاق إلى الميدان الكبير إلى الصليبة إلى الرملة فبرز لهم أينال الصصلاني الحاجب فصدهم عن القلعة فتوجهوا إلى بيت نوروز بالرملة واجتمع عليهم خلق كثير من الغوغاء وأرسل شيخ رجلاّ إلى القاهرة فنادى بالأمان ورفع الظلم ورخص سعر الذهب والقمح، فمال الناس إليه وساعدوه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 فتوجه بمن معه إلى مدرسة الأشرف فملكها ثم مدرسة حسن ورموا على الإصطبل ففر منهم أرغون فدخل القلعة بمفرده وأمر شيخ بإخراج من في جميع الحبوس من المسجونين فأطلقوا وكان بعض ذلك بمباشرة يشبك بن أزدمر بحيث أنه هدم ما فوق خوخة إيدغمش وسهل الدخول للراكبين منها فدخلوا وفتحوا باب زويلة، فهرب حسين والي القاهرة وتوجه إلى حبس الديلم فكسر بابه وأخرج من فيه وأمر شيخ بتتبع الخيول من الإصطبلات وغيرها فأخذ منها ما يحتاج إليه ثم هجم على باب السلسلة فأخذ الإصطبل وجلس في الحراقة وتوجهوا إلى باب القلعة فطلبوا فتحه فكلمهم الزمام من وراء الباب فقال إن حريم السلطان في القلعة فقالوا: مالنا غرض في النهب بل نريد أن نأخذ ابن السلطان فنسلطنه، فقال: ليحضر منكم إلى باب السر اثنان أو ثلاثة فيحلفوا وأنا أسلمه لكم وقصد إعطاءه ليحضر العسكر السلطاني فباتوا، فلما أصبحوا لاحت بوارق العسكر وارتفع العجاج وأشيع أن الناصر وصل فارتفعت الأصوات في القلعة بذلك وهللوا وكبّروا، فركب شيخ وأصحابه من ساعتهم نحو باب القرافة فكبا بالأمير شيخ جواده، فبادر أصحابه فأركبوه غيره ولم يجسر أحد على اتباعهم وكان العسكر الواصل فيه بكتمر جلق وطوغان ومن معهما فقبضوا من المذكورين على جماعة منهم بردبك وبرسباي وقراكشك وكان السبب في قدوم هؤلاء بهذه السرعة أن الناصر لما وصل دمشق وقيل له إن نوروز ومن معه توجهوا إلى صرخد جهز بكتمر جلق وطوغان الدويدار ويشبك الموساوي وقنباي واسنبغا الزردكاش والطنبغا العثماني ومن معهم وكانوا قدر ألف نفس ليحاصروا نوروز ومن معه، ويقبضوا عليهم فلما وصلوا إلى صرخد قيل لهم قد توجهوا إلى غزة فاستمروا خلفهم إلى غزة فقيل لهم توجهوا نحو مصر، فاختلفوا فقال بكتمر ومن معه: ما معنا مرسوم بالرواح لمصر، وخالفهم الأكثر فاحتاج أن يوافقهم وتوجهوا إلى مصر مسرعين فاتفق وصولهم حين أراد نائب الغيبة بالقلعة أن يسلم القلعة فبطل ذلك فجأة، وظن شيخ ومن معه أن السلطان في العسكر المذكور فانهزموا، ولو تحقق أن رأسهم بكتمر لما انهزم لعلمه أن بكتمر المذكور لا يقوم قدامه، واعتذر من قدم من عدم اتباعهم للمنهزمين أن خيولهم كانت أعيت، وكذلك الرجال من توالي الركض حتى أدركوا ما أدركوا، فسار شيخ بمن معه إلى إطفيح ثم إلى السويس، فأخذوا منها عليقاً وجمالاً، وسار بهم شعبان بن عيسى في درب الحاج إلى نخل وافترقوا حينئذ فرقتين: فرقة رأسها نوروز ومعه يشبك بن أزدمر وسودون بقجة، وفرقة فيها شيخ ومعه سودون قراصقل وسودون المحمدي، فوصلوا إلى الشوبك ثم إلى الكرك فتلقاهم سودون الجلب وأدخلهم المدينة، فلما كان في وسط ذي القعدة توجه شيخ إلى الحمام بالكرك ومعه قنباي المحمدي وسودون وطائفة يسيرة، فبادر أحمد بن أبي العباس الحاجب بالكرك وأراد الفتك به ومعه جمع كثير فاقتحموا الحمام فسبقهم بعض مماليك شيخ فأعلمه، فنهض وفي وسطه مئزره وفي يده طاسة الحمام فقاتلهم فأخرجهم من الحمام، ثم تكاثروا عليه فأدركه نوروز في جماعة فكسرهم، وقد أصاب شيخ سهم فخرج منه بسببه دم كثير فسقط مغشياً عليه، فحمل على بساطه وأقام أياماً لا يعقل، وقتل في هذه الكائنة سودون بقجة وكان شاباً وكان زوج بنت تمراز وكان مع ذلك محبّاً في العلماء، فلما وقع ذلك خشي سودون الجلب من الأمراء أن ينسبوه إلى الفتنة المذكورة، فهرب منهم إلى ماردين وعزم على المضي إلى قرا يوسف، فبلغه أنه مشغول بمحاربة ملوك الترك مثل إيدكي وإبراهيم الدربندي وشاه رخ بن تمرلنك، فتأخر عن المضي إليه ونودي بالقاهرة بتهديد من آوى أحدا من الشيخية والنوروزية، وبسط حسام الدين الوالي في أذى من ينسب إليهم حتى منعه بعد ذلك نائب الغيبة، وأخذ بكتمر جلق من الأستادار السلطاني ألف دينار وألزم المحتسب ببيع قمح له بألفي دينار وإحضار ثمنها، فعجز عن ذلك وهرب وعزل نفسه، وهو شمس الدين بن الدميري ومات بعد قليل في رمضان وأخذ بكتمر من تجار الشام مالا جزيلا قرضاً، وتوجه في السادس عشر يريد دمشق، فوصل إلى غزة في الثاني والعشرين منه. اعهم وكان العسكر الواصل فيه بكتمر جلق وطوغان ومن معهما فقبضوا من المذكورين على جماعة منهم بردبك وبرسباي وقراكشك وكان السبب في قدوم هؤلاء بهذه السرعة أن الناصر لما وصل دمشق وقيل له إن نوروز ومن معه توجهوا إلى صرخد جهز بكتمر جلق وطوغان الدويدار ويشبك الموساوي وقنباي واسنبغا الزردكاش والطنبغا العثماني ومن معهم وكانوا قدر ألف نفس ليحاصروا نوروز ومن معه، ويقبضوا عليهم فلما وصلوا إلى صرخد قيل لهم قد توجهوا إلى غزة فاستمروا خلفهم إلى غزة فقيل لهم توجهوا نحو مصر، فاختلفوا فقال بكتمر ومن معه: ما معنا مرسوم بالرواح لمصر، وخالفهم الأكثر فاحتاج أن يوافقهم وتوجهوا إلى مصر مسرعين فاتفق وصولهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 حين أراد نائب الغيبة بالقلعة أن يسلم القلعة فبطل ذلك فجأة، وظن شيخ ومن معه أن السلطان في العسكر المذكور فانهزموا، ولو تحقق أن رأسهم بكتمر لما انهزم لعلمه أن بكتمر المذكور لا يقوم قدامه، واعتذر من قدم من عدم اتباعهم للمنهزمين أن خيولهم كانت أعيت، وكذلك الرجال من توالي الركض حتى أدركوا ما أدركوا، فسار شيخ بمن معه إلى إطفيح ثم إلى السويس، فأخذوا منها عليقاً وجمالاً، وسار بهم شعبان بن عيسى في درب الحاج إلى نخل وافترقوا حينئذ فرقتين: فرقة رأسها نوروز ومعه يشبك بن أزدمر وسودون بقجة، وفرقة فيها شيخ ومعه سودون قراصقل وسودون المحمدي، فوصلوا إلى الشوبك ثم إلى الكرك فتلقاهم سودون الجلب وأدخلهم المدينة، فلما كان في وسط ذي القعدة توجه شيخ إلى الحمام بالكرك ومعه قنباي المحمدي وسودون وطائفة يسيرة، فبادر أحمد بن أبي العباس الحاجب بالكرك وأراد الفتك به ومعه جمع كثير فاقتحموا الحمام فسبقهم بعض مماليك شيخ فأعلمه، فنهض وفي وسطه مئزره وفي يده طاسة الحمام فقاتلهم فأخرجهم من الحمام، ثم تكاثروا عليه فأدركه نوروز في جماعة فكسرهم، وقد أصاب شيخ سهم فخرج منه بسببه دم كثير فسقط مغشياً عليه، فحمل على بساطه وأقام أياماً لا يعقل، وقتل في هذه الكائنة سودون بقجة وكان شاباً وكان زوج بنت تمراز وكان مع ذلك محبّاً في العلماء، فلما وقع ذلك خشي سودون الجلب من الأمراء أن ينسبوه إلى الفتنة المذكورة، فهرب منهم إلى ماردين وعزم على المضي إلى قرا يوسف، فبلغه أنه مشغول بمحاربة ملوك الترك مثل إيدكي وإبراهيم الدربندي وشاه رخ بن تمرلنك، فتأخر عن المضي إليه ونودي بالقاهرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 بتهديد من آوى أحدا من الشيخية والنوروزية، وبسط حسام الدين الوالي في أذى من ينسب إليهم حتى منعه بعد ذلك نائب الغيبة، وأخذ بكتمر جلق من الأستادار السلطاني ألف دينار وألزم المحتسب ببيع قمح له بألفي دينار وإحضار ثمنها، فعجز عن ذلك وهرب وعزل نفسه، وهو شمس الدين بن الدميري ومات بعد قليل في رمضان وأخذ بكتمر من تجار الشام مالا جزيلا قرضاً، وتوجه في السادس عشر يريد دمشق، فوصل إلى غزة في الثاني والعشرين منه. وفي رمضان قبض على شرف الدين وشمس الدين ولدي التباني وعلي محب الدين ابن الشحنة وشهاب الدين ابن شغري من حلب فقيدوا وأحضروا إلى دمشق فسجنوا بالقلعة، وأرسل الناصر إلى جانم نائب طرابلس وتغري بردي نائب صفد فقدما عليه بدمشق، فأرسلهما في عسكر إلى جهة شيخ فخرجوا في سابع عشر رمضان، فوصل الخبر بما اتفق في القاهرة، فاستعادهم وأرسل أقبغا دويدار يشبك إلى القاهرة بخلع إلى الأمراء المذكورين مع الثناء عليهم بما فعلوه، وكان الخبر قد اتصل إلى الناصر بتقاعد طوغان وبكتمر عن القبض على شيخ ونوروز ومن معه مع قدرتهم على ذلك فأسرّ ذلك في نفسه، ثم جاءه الخبر بأخذ أصحابه قلعة صرخد. وفي العشرين من شوال أخرج بالذين قبض عليهم الناصر من دمشق مقيدين للتوجه بهم إلى مصر، ثم توجه دمرداش إلى بلد الخليل ومعه عسكر لكشف أخبار الأمراء الهاربين من القاهرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 وفي العاشر من ذي القعدة نودي بالعسكر أن يخرجوا إلى باب النصر، وتتبعت الحمير من الدواليب والبساتين ليحمل عليها الأمتعة السلطانية، فتضرّر الناس بذلك كثيراً وكثر الدعاء عليه. وفي الخامس عشر منه خرج السلطان إلى الغوطة فنهب عقربا، وكان قد سعى عنده أن الأمراء الهاربين بها، فلم يجد منهم أحداً وعظم الضرر بالناحية المذكورة. وفي سابع عشره خرج الناصر من دمشق ونزل بقبة يلبغا ورجع بكتمر جلق بخلعة على نيابة الشام، فلما كان في سلخ ذي القعدة ألزم قضاة الشام بعشرة قراقل والتجار بعشرة أخرى وفي ذي القعدة خامر أقبغا شيطان وكان على المرقب من جهة شيخ فسار إلى جهة حلب مظهراً لطاعة السلطان، وتوجه السلطان إلى جهة الكرك لما تحقق حلول الأمراء بها، وأرسل حريمه إلى القاهرة فوصلوا ووصل صحبتهم أكثر الأثقال والقضاة في ذي الحجة، ووصل الناصر إلى الكرك فحاصرها، فمشى تغري بردي وتمراز الناصري في الصلح بين الناصر وبين الأمراء إلى أن استقر الأمر على أن يكون شيخ في نيابة حلب وتستمر قلعة المرقب بيده، وأن يكون نوروز في نيابة طرابلس وشرط الناصر عليهما أن لا يخرجا إمرة ولا إقطاعاً ولا وظيفة إلا بأمره وان يسلما قلعة الكرك ومدينتها له، وكذلك يسلم شيخ قلعة صرخد وقلعة صهيون وحلف الجميع على الوفاء بذلك وخلع عليهم وعلى من معهما خلعاً كثيرة وقرر يشبك بن أزدمر أتابك العساكر بدمشق وسودون بن عبد الرحمن أميراً بمصر وقايتباي المحمدي أميراً بحلب، ونزلوا الجميع إلى الناصر وأكلوا على سماطه وعملوا الخدمة عنده، ورحل الناصر من الكرك إلى القدس وسار تغري بردي إلى جهة دمشق وقد استقر نائبها عوضاً عن بكتمر جلق، فأقام الملك الناصر بالقدس خمسة أيام ورجع متوجهاً إلى القاهرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 ذكر الحوادث الخارجة عن حروب المتغلبين في المحرم استقر قراجا شاد الشربخاناة دويداراً كبيراً عوضاً عن قجاجق بحكم موته فلم ينشب أن مات وهو متوجه صحبة العسكر بالصالحية في ثالث صفر، ودفن في جامعها ثم نقل بعد ذلك إلى القاهرة. قال العينتابي: كان فاسقاً قليل الخير وخلف موجوداً كثيراً احتاط عليه السلطان، وفيه أولم بكتمر جلق على عرس بنت الناصر وبنى بها ليلة الجمعة حادي عشره. وفي ليلة الحادي والعشرين منه اجتمع رجلان من العوام بدمشق فشربا الخمر فاصبحا محروقين ولم يوجد بينهما نار ولا اثر حريق في غير بدنهما وبعض ثيابهما، وقد مات أحدهما وفي الآخر رمق، فأقبل الناس أفواجاً لرؤيتهما والاعتبار بحالهما، وفيه فشا الطاعون بطرابلس وحوران وبالس ودمشق، ووقع جراد بالرملة والساحل، وفيه توجه أحمد ابن أويس في عسكر بغداد إلى تبريز ليستولي عليها وقد سار صاحبها قرا يوسف إلى أرزنكان لقتال قرا يلك التركماني وكان بينهما عداوة، فبلغ ذلك قرا يوسف وأن أحمد ابن أويس اتفق مع شاه رخ بن تمرلنك وغيره على قرا يوسف، فرجع قرا يوسف عن محاربة قرا يلك، وتوجه إلى تبريز فجمع أحمد بن أويس عسكراً كثيراً فيهم ابن الشيخ إبراهيم الدربندي وأمراء البلاد، فاقتتلوا في يوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 الجمعة ثاني عشري ربيع الآخر، فانكسر ابن أويس، وفقد ابن أويس وولده علي وكثير من الأمراء، وأسر ابن الشيخ وعدة من الأمراء، واستولى قرا يوسف على تبريز وغيرها، ويقال إن ابن أويس اختفى في عين ماء فدخل عليه بعض الفرسان فأراد قتله فعرفه بنفسه فأحضر إلى قرا يوسف فأكرمه واستمر معه في الاعتقال فيقال إنه قتل خنقاً، وحاصر محمّد بن قرا يوسف بغداد أشهراً وبها بخشاش مملوك أحمد فلم يصدق بموت أحمد، واستمر على الخطبة له ثم أقام صبياً يقال له أويس ابن أخي أحمد فسلطنه، ثم قامت ببغداد ضجة في الليل قتل فيها بخشاش وأشيع أن الذي أمر بقتله أحمد بن أويس وأنه حي يرزق وأنه ظهر ببغداد وصارت الأوامر تخرج من دار أحمد على لسانه، واستقر عبد الرحيم بن الملاح موضع بخشاش وأعيدت الخطبة باسم أحمد وبطل أمر أويس، فرجع محمّد بن قرا يوسف بمن معه عن حصار بغداد ثم قتل عبد الرحيم بن الملاح وأشاعت أم الصبي أويس أن أحمد بن أويس قتل، فأعادوا ابنها إلى السلطنة، فعاد عليهم محمّد فحاصرهم، فأشيع ثانياً أن أحمد حي وقد وقعت ضجة عظيمة وشاع أن أحمد ظهر فاجتمع الناس إلى داره، فخرج إليهم شخص في زي أحمد على فرس فقبلوا له الأرض وذلك ليلاً فسألوه أن يظهر لهم نهاراً فواعدهم وظهر لهم عند غروب الشمس فصاحت العامة هذا السلطان أحمد! وظنوا ذلك حقيقة، ثم ظهر فساد ذلك وأن ذلك كله تخرج على أم أويس، وآل الأمر إلى غلبة محمّد بن قرا يوسف على بغداد، ونزح عنها أويس بمن معه فسار إلى تستر فملكها وانقضى أمر أحمد بن أويس، وكانت غلبة محمّد على بغداد في أول سنة أربع عشرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 وهربت مرضعة حسن بن أحمد بن أويس إلى حلب، فقدمت به في رمضان، وقيل إن قرا يوسف لما ظفر به سلمه لبعض أصحابه وقال إني لم أنصر عليه بقوتي لكن بغدره وكان قرا يوسف لا يحب القتل فخشي من فر إلى قرا يوسف من أحمد أن يطلقه فيهلكهم فتسببوا في قتله إلى أن لم يجد بداً من الأمر بقتله فأمر بخنقه ظاهراً وأسر إلى من يخنقه أن يبقى عليه، ثم أحضر شخصاً شبهه، فشنقه فرضي أصحابه بذلك ولهذا كان قرا يوسف وولده محمّد ومن عرف القصة إذا أشيع أن أحمد حي يصدقون بذلك ولا يتوقفون وقد أشيع بعد ست سنين من هذا التاريخ أنه حي. وفيه في ثالث عشري صفر نودي بالقاهرة أن تكون الفلوس باثني عشر درهماً لكل رطل، وكانت بستة والذهب بمائتين منها واشتد الأمر وفقد الخبز وغلقت الأسواق فغضب الناصر من ذلك وكان قد حصل من الفلوس جملة كثيرة لتحسين بعض الناس له ذلك وسولت له نفسه أنه إذا صيرها باثني عشر لكل رطل ربح في كل ألف ألفاً أخرى فاشتد عليه مخالفتهم لأمره وهم أن يضع السيف في العامة وبات الناس في كرب ثم لم يزل به الأمراء حتى أذن أن يكون بتسعة كل رطل، فنودي بذلك فسكن الحال قليلاً وظهرت المآكل ثم شفع إليه الأمراء أن يعيدها لما كانت عليه لما حصل لهم من العطلة في تجهيزهم إلى السفر فنودي عليها بستة فضجت الأسواق وقيل كان السبب أنه سأل عن سعر الحديد الذي ينعل به الخيول والبغال وعن سكك الحديد والسلاسل، فقيل له كل رطل باثني عشر فأنكر ذلك، وقال الفلوس من النحاس وهو أغلى من الحديد فكيف يكون النحاس أرخص من الحديد، فلما تخيل المماليك أن ذلك بسببهم ونفروا منه رجع عن ذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 وفيها انحط سعر الغلال بعد سفر الناصر إلى الشام حتى وصل الشعير من مائة وخمسين إلى ستين وقس على ذلك. وفي هذه السنة كثرت الفتن بجبل نابلس بين ابن عبد الستر وابن عمه عبد القادر شيخي العشير وعظم البلاء بحيث أن الدرب انقطع من السالك. وفي جمادى الأولى استقر محمّد التركماني في نيابة الكرك. وفيه توجه عثمان بن طرغلي المعروف بقرا يلك إلى أرزنكان وحرق ديارها وجلا أهلها معه إلى بلاده. وفيه اقتتل سليمان بن أبي يزيد مع أخيه موسى وهزمه وحصره بأخلاق وآل الأمر إلى استيلاء موسى على مملكة أخيه ومات أخوه في هذا العام. ووقع بين ابن قرمان وبين ابن كريمان قتال، وكثرت الفتن بين التركمان، واستعرت البلاد ناراً فلله الأمر. وفي جمادى الآخرة وصل الفرنج الذين استأذنوا الناصر في العام الماضي لما دخل القدس أن يجددوا عمارة بيت لحم، فواصلوا في هذا العام إلى يافا ومعهم عجل وصناع وأخشاب فاخرجوا المرسوم واستدعوا الصناع للعمل بالأجرة فأتاهم عدة وشرعوا في إزاحة ما بطريقهم من الأوعار ووسعوا الطريق بحيث تسع عشرة أفراس ولم تكن تسع غير فارس وأحضروا معهم دهناً إذا وضعوه على الصخرة سهل قطعها فلما رجع الناصر إلى دمشق عرف نصحاؤه بسوء القالة في ذلك فكتب إلى أرغون كاشف الرملة يمنعهم من ذلك والقبض عليهم وعلى من معهم من الصناع وآلات السلاح والجمال والدهن فختم على مخازنهم وحملهم ومعهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 ما رسم به إلى الناصر. وفي ثاني عشري رمضان استقر تاج الدين عبد الوهاب ابن نصر الله في نظر الكسوة ووكالة بيت المال بعد موت الطويل. وفي سابعه استقر شهاب الدين ابن الكشك في قضاء الحنفية بدمشق ونجم الدين ابن حجي في قضاء الشافعية بطرابلس. وفي رمضان أوقع قرقماش بالتركمان، ونهب منهم غنماً كثيراً وجمالاً ومالاً، فوافاه كتب الناصر يأمره بالوصول إليه، فوصل وأهدى له من كسبه من التركمان أربعة آلاف رأس غنم. وفي شوال قبض الناصر على جانبك القرمي فضربه ضرباً مبرحاً، وسجنه بالقلعة. وفي ذي القعدة قدم الأستادار تاج الدين ابن الهيصم والوزير سعد الدين البشيري إلى القاهرة لتحصيل الأموال، فأظهر الأستادار مرسوم الناصر بقبض ترك الموتى جميعها من ذوي الأموال مطلقاً سواء من كان له وارث أم لم يكن، فعظمت المصيبة وكثرت الشناعة وبالغ في استرجاع الميراث ممن أخذه بحق من ولد وأخ وزوج وزوجة وغير ذلك، فشاع بين الناس أن الناصر أمر بتغيير حكم الله. وفي هذه السنة كان في أول العام وباء ببلاد فلسطين وحوران وعجلون ونابلس وطرابلس فمات خلق كثير جداً، ثم كان في آخرها الطاعون بدمشق ونواحيها، وفيها تناقصت الأسعار بالقاهرة فبلغ القمح مائة وثلاثين والشعير مائتين والذهب مع ذلك غال جداً فبلغ الإفرنجي مائتي درهم والهرجة مائتين وعشرين، وفيها جدد مرجان الهندي خازندار شيخ الجامع بحكر السماق، ورتب في إمامته شهاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 الدين الأذرعي ابن أخي قاضي أذرعات إماماً، ورتب فيه كمال الدين الزابحي متصدراً لسماع الحديث. وفيها عزر القاضي شمس الدين الإخنائي قاضي الشام جمال الدين عبد الله المجادلي بسبب ما يكثر من المذكور من النميمة بين الناس فضربه وحبسه، وشكره الناس على ذلك قرأت ذلك بخط ابن حجي. وفي هذه السنة كانت الحادثة العظيمة بفاس من بلاد المغرب حتى خربت وذلك أن ملكها وهو أبو سعيد عثمان بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق قرر في تدبير مملكته الحاجب عبد الله بن الطريفي فأوقع بينه وبين أبي فارس صاحب إفريقية، وجهز محمّد بن أبي يحيى بن زكريا بالعسكر ليحاصر تونس، فما زال أبو فارس ينصب له أشراك المكايد حتى أوقعه وهزمه ومزق عسكره، فلما تمكن من ذلك كاتب ابن الأحمر بأن يفرج عن محمّد بن عبد العزيز بن أبي سالم، وكان معتقلاً عنده مع جماعة من ذرية بني مرين ممن يرشح للملك، فأفرج عنه وسلطنه في أول شعبان منها وجهزه، فأجاز البحر حتى نازل فاس في ذي الحجة، فخرج عبد الله بن الطريفي لقتاله فكبا به فرسه، فقبض عليه محمّد وأمر به فأحرق، واستمر في حصار فاس وكان ما سنذكره في التي بعدها إن شاء الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 ذكر من مات في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة من الأعيان إبراهيم بن محمّد الرصافي كان من ذوي اليسار فقطع عليه الطريق فقتل. أحمد بن أويس بن الشيخ حسن النوين بن حسين بن أقبغا بن أيلكان بن القال غياث الدين سلطان العراق كان مولده سنة ..... وأول ما ولي إمرة البصرة من أخيه حسين، فلما اختلف الأمراء على حسين خرج من بغداد إلى تبريز فقدم أحمد بالجنود واغتال أخاه وقام بالسلطنة وذلك في صفر سنة أربع وثمانين، وقبض على أعيان الأمراء فقتلهم وأقام أولادهم، فثار عليه من بقي ببغداد مع أخيه شيخ على شاه زاده. فآل الأمر إلى أن قتل واستبد أحمد فسار السيرة الجائرة وقتل في يوم واحد ثمانمائة نفس من الأعيان وانهمك في اللذات واتفق أن اللنك نازل شاه منصور صاحب شيراز وقتله وبعث برأسه إلى بغداد والتمس منهم ضرب السكة باسمه فلم يطعه أحد، فأخذ تبريز ولم يزل إلى أن نازل بغداد في شوال سنة خمس وتسعين، ففر منه بأهله وما يعز عليه من ماله، فلحقه عسكر اللنك بالحلة فهزموه ونهبوا ما معه وخربوا الحلة وقصد الشام، وأما اللنك فإنه أفقر أهل بغداد بالمصادرة ومات تحت عقوبته فوق الثلاثة آلاف. وأما أحمد فوصل إلى الرحبة واستأذن الظاهر في القدوم عليه، فأجابه بما يطيب خاطره وأمر النواب بإكرامه، وجهز له الأمير أزدمر وصحبته ثلاثمائة ألف، وتلقاه المطبخ السلطاني فنصبت له الموائد، وركب الظاهر إلى لقائه، وذلك في صفر سنة ست وتسعين، ونزل له عن المسطبة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 وأسرع أحمد لتقبيل يده فلم يوافق وعانقه وبكى وطيب خاطره وأجلسه معه على البساط بغير كرسي، ثم خلع عليه وأركبه فرساً، وسايره إلى أن وصل القلعة، فأرسله إلى بيت أعده له مطل على بركة الفيل، ثم أرسل له الظاهر بنحو عشرة آلاف دينار ومائتي قطعة قماش وعدة خيول وعشرين مملوكاً وعشرين جارية، ثم قدم ثقل أحمد ثم أحضره الظاهر دار العدل، ثم تجهز السلطان وسافر بالعساكر إلى حلب بعد أن تزوج أخت أحمد واسمها تندى ودخل بها في ربيع الآخر، ثم سار فدخل دمشق في العشرين من جمادى الأولى فأقام بها، وجهز أحمد بن أويس في أول شعبان ورسم له بجميع ما يحتاج إليه، فدخل بغداد في رمضان فوجد بها مسعود الخراساني من جهة اللنك ففر وأقام أحمد ببغداد، واستخدم جنوداً من العرب والتركمان، ووقع الوباء ببغداد، ففر أحمد إلى الحلة، وجرى على سيرته السيئة من سفك الدماء والجد في أخذ أموال الرعية، ولم يزل على ذلك إلى أن عاد اللنك طالباً الشام، ففر أحمد إلى قرا يوسف بن قرا محمّد بن بيرم خجا صاحب الموصل واستنجد به فسار معه، وكان أهل بغداد قد كرهوه فحاربوه وهزموهما معاً، فدخلا بلاد الشام واستأذنا أمير حلب وكان يومئذٍ دقماق من جهة الناصر فرج، ذلك في شوال سنة اثنتين وثمانمائة، فلم يأذن لهم فخرج لمحاربتهم فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم أهل حلب وأسر دقماق ففدى نفسه بمائة ألف، فبلغ الناصر ذلك فغضب وأمر بتجهيز عساكر الشام فتوجهوا ففر قرا يوسف فأوقعوا بأحمد فكسروه ونهبوا ما معه وبعثوا بسيفه إلى الناصر، ثم قدم اللنك بلاد الشام وخربها في سنة ثلاث وخرج منها وكان أحمد حينئذ قد فر إلى بلاد الروم، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 وأرسل اللنك إلى بغداد عسكراً ثم تبعهم وحاصرها ثم أخذها عنوة ووضع السيف فيها، وذلك في شوال سنة ثلاث بعد رحيله من الشام ويقال إنه قتل من أهلها نحو مائتين وخمسين ألف نفس وبنى برؤوسهم مساطب وفارقها وهي خراب، ولما بعد اللنك رجع أحمد إلى بغداد فأقام بها قليلاً فثار عليه ولده طاهر بن أحمد ففر منه وأتى إلى قرا يوسف فسار معه وقاتلا طاهر بالحلة فانهزم وغرق، ودخل أحمد بغداد ثم غدر أحمد بجماعة كانوا عنده من جهة قرا يوسف عدتهم خمسون نفساً من أعيان دولته، فغضب قرا يوسف وسار لمحاربة أحمد، فهرب ثم اختفى في بئر ببغداد، فأمر قرا يوسف بطم البئر، فطمت فما شكوا في هلاكه، فاتفق أنه كان بها فرجة فخرج منها ومضى إلى تكريت ثم إلى حلب، وملك قرا يوسف بغداد فأرسل إليه اللنك ابن ابنه مرزا أبي بكر بن مرزا شاه بن اللنك ففر قرا يوسف، فنهبه الأعراب بالرحبة فقدم دمشق فأنزله نائبها شيخ، ثم قدم قرا يوسف في رجب سنة سبع ووافقه على سيره إلى مصر صحبة يشبك حتى كانت وقعة السعيدية ورجع الجميع منهزمين، فأفرج شيخ عن أحمد في شوال فتوجه إلى بغداد في سادس عشر ذي الحجة فملكها، وتوجه قرا يوسف إلى الموصل وكتب إلى أحمد فاجتمعا ونازلوا مرزا أبي بكر بالسلطانية، فقتل في آخر سنة ثمان وملك قرا يوسف تبريز ورجع أحمد إلى بغداد، فاستأذنه قرا يوسف فيمن يقيمه في السلطنة، فأذن له بإقامة ولده بزق ففعل، وذلك في سنة إحدى عشرة، فقدم مرزا شاه في طلب ثأر ولده فواقعه قرا يوسف فقتل، وغنم قرا يوسف جميع ما كان معه وهو شيء كثير فتقوى به واتفق في غضون ذلك أن أحمد لما تغلب على طباعه من الغدر مضى إلى تبريز فملكها، ونهب جميع ما وجده لقرا يوسف وولده، فرجع إليه وقاتله فانهزم منه، وذلك في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة، فلم يزل أحمد يتطلبه إلى أن ظفر به فأكرمه، ثم سجنه ثم دس عليه من خنقه فمات في آخر يوم من ربيع الآخر، واستقرت قدم قرا يوسف في بغداد وتبريز وكان منه ما ذكر في ترجمته، وكان أحمد سفاكاً للدماء، متجاهراً بالقبائح وله مشاركة في عدة علوم كالنجوم والموسيقى، وله شعر كثير بالعربية وغيرها؛ وكتب الخط المنسوب، وكانت له شجاعة ودهاء وحيل ومحبة في أهل العلم. ع الآخر سنة ثلاث عشرة، فلم يزل أحمد يتطلبه إلى أن ظفر به فأكرمه، ثم سجنه ثم دس عليه من خنقه فمات في آخر يوم من ربيع الآخر، واستقرت قدم قرا يوسف في بغداد وتبريز وكان منه ما ذكر في ترجمته، وكان أحمد سفاكاً للدماء، متجاهراً بالقبائح وله مشاركة في عدة علوم كالنجوم والموسيقى، وله شعر كثير بالعربية وغيرها؛ وكتب الخط المنسوب، وكانت له شجاعة ودهاء وحيل ومحبة في أهل العلم. أحمد بن الشهيد كان أولاً يتعانى صناعة الفراء، ثم اشتغل قليلاً وباشر في ديوان السلطان، ثم ولي الوزارة، ثم وقعت فتنة اللنك وهو وزير فاستصحبه معه إلى بلاده، ثم خلص منهم بعد يسير وورد دمشق، فباشر نظر الجيش وغيره في شعبان. أحمد بن علي بن خلف الطنبدي نزيل القاهرة يعرف بالحسيني لأنه كان ينزل الحسينية، وقد لازم الشيخ سراج الدين وعلق من فتاويه قدر مجلدة وكتب خطاً حسناً، مهر في قراءة الحديث والعربية وشارك في الفنون، وسمع معنا قليلاً؛ مات في جمادى الآخرة. أحمد بن علي بن يوسف المحلي المعروف بالطريني الملقب بمشمش، سمع الكثير بقراءة شيخنا العراقي من العرضي ومظفر الدين العسقلاني وغيرهما، وحدث باليسير وأجاز لي، وكان شاهداً في شؤون المفرد ومباشراً في بعض المدارس، وكان ساكناً خيراً؛ مات في جمادى الأولى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 أحمد بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن عمر بن رضوان الحريري شهاب الدين الدمشقي المعروف بالسلاوي، ولد سنة ثمان وثلاثين أو نحوها، وكان أبوه يتعانى التجارة في الحرير، فتزوج امرأة من ذرية الشيخ محمّد بن عمر السلاوي فولد له أحمد ومات عن قرب فتربى يتيماً، ثم اشتغل وتفقه على علاء الدين ابن حجي والتقى الفارق، وسمع الحديث بنفسه فأخذ عن جده محمّد بن عمر السلاوي وتقي الدين بن رافع وابن كثير، ثم أخذ في قراءة المواعيد، وقرأ الصحيح مراراً على عدة مشايخ وعلى العامة، وكان صوته حسناً وقراءته جيدة؛ وولي قضاء بعلبك سنة ثمانين ودرس وأفتى ثم ولي قضاء المدينة بعد سنة تسعين، ثم تنقل في ولاية القضاء بصفد وغزة والقدس وغيرها، وكان كثير العيال، وقد سمعت بقراءته صحيح البخاري إلا ما فاتني منه بمكة المشرفة على العفيف النشاوري سنة85. واجتمعت به بعد ذلك وكانت بيننا مودة ومات في صفر، وهو آخر من بقي من فقهاء الشافعية وأكبرهم سناً، وذكر ابن حجي أنه قرأ على الحافظين ابن رافع وابن كثير. أحمد بن محمّد الدهان رئيس المؤذنين بالجامع الأموي، كان شجي الصوت، عارفاً بالميقات، وقد عمر حتى صار أقدم المؤذنين عهداً وأعرفهم وأشجاهم صوتاً، عاش أربعاً وثمانين سنة، وقد دخل بلاد العجم تاجراً وأقام هناك مدة، وكان عنده خبرة بالأمور، ومات في ذي القعدة. أبو بكر بن محمّد بن تبع الدمشقي الصالحي، ولد في المحرم سنة أربع وخمسين، واشتغل قليلاً، وكان خيراً يقرأ في المصحف بعد الصلاة بجامع دمشق وعلى قراءته أنس، وكان يحيي في رمضان بجامع الحنابلة فيقصد لسماع قراءته لطيبها مات في المحرم عن تسع وخمسين سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 خليل بن محمّد الجندي الصوفي بالخاتونية المقرئ، جمع السبع على شرف الدين خادم السميساطية وأقرأ؛ مات في صفر رحمه الله. شاهين الشجاعي دويدار شيخ كان من خيار الأمراء، وكان شجاعاً، مقداماً، مات في شعبان بالصالحية التي بقرب مصر. عبد الرحمن بن محمّد بن عبد الناصر بن تاج الرياسة المحلي الزبيري القاضي تقي الدين ولد سنة بضع وثلاثين ثم قرأت بخط من أثق به عنه أن مولده سنة أربع وثلاثين، واشتغل قديماً ووقع على القضاة، وصاهر القاضي موفق الدين الحنبلي على ابنته، وكان قد سمع من أبي الفتح الميدومي وحدث عنه، ثم ناب في الحكم مدة طويلة من زمن القاضي عز الدين ابن جماعة، وكانت معه عدة جهات من الضواحي ينوب فيها، وقرره الملك الظاهر في القضاء سنة تسع وتسعين في جمادى الأولى، فباشره إلى أثناء رجب سنة إحدى وثمانمائة فصرف ثم أعيد المناوي، واستمر بطالاً خاملاً إلى أن مات، وكان الناصر قد عين عنده للقضاء عند القبض على جمال الدين ثم لم يتم ذلك، وكان عارفاً بالشروط والوثائق، وباشر القضاء مباشرة حسنة لم يذمه فيها أحد، وكان مطرحاً للتكلف بعد عزله، يمشي في الطريق وحده، وفوض له القاضي جلال الدين تدريس الناصرية والصالحية فباشرهما، وكتب قطعة على التنبيه؛ ومات في أول شهر رمضان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 علي بن إبراهيم بن عدنان الحسيني علاء الدين الدمشقي، ولد سنة خمسين، فباشر نقابة الأشراف بالشام بعد موت أبيه، ثم ولي كتابة السر غير مرة، ولم يكن ماهراً، وكان ليناً، متواضعاً، بشاشاً رئيساً، وأصيب بإحدى عينيه بأخرة، فانقطع إلى أن مات في شهر ربيع الأول. علي بن إبراهيم بن المؤرخ شمس الدين محمّد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد العزيز الجزري ثم الدمشقي، ولد سنة ثمان وأربعين ومات أبوه وله سنة، فرباه عمه نصير الدين وأسمعه من جماعة من أصحاب الفخر وحضر على المرداوي صاحب عمر الكرماني بالحضور، وحدث وقرأ الحديث، وأعاد بالتقوية وباشر في نظر الأيتام مع خفض الجناح وطهارة اللسان ولين العريكة، وحج غير مرة، وجاور وعلق في الوفيات، واجتيح في شيء كثير من ماله في فتنة اللنك، ولم يكن فيه ما يعاب به إلا مباشرته مع قضاة السوء. علي بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الأدمي الشافعي، ذكر أنه سمع من القلانسي وحدث عنه ولازم الشيخ ولي الدين المنفلوطي ونحوه، واشتغل كثيراً وتنبه وشغل وأفاد ودرس وأفتى وأعاد وشارك في الفنون، وانتفع به أهل مصر كثيراً مع الدين المتين والسكون والتقشف والانجماع، وكان يتكلم على الناس بجامع عمرو، ثم تحول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 إلى القاهرة وسكن جوار جامع الأزهر، ومات في رابع شعبان عن سبعين سنة، وأسف الناس عليه. علي بن زيد بن علوان بن صبرة بن مهدي بن حريز يكنى أبا زيد الردماوي الزبيدي وقد تسمى بأخرة عبد الرحمن، ولد بردما وهي مشارف اليمن دون الأحقاف في جمادى سنة إحدى وأربعين ونشأ بها وجال في البلاد، ثم حج وجاور مدة وسكن الشام ودخل العراق ومصر، وسمع من اليافعي والشيخ خليل وابن كثير وابن خطيب يبروذ، وبرع في فنون من حديث وفقه ونحو تاريخ وأدب، وكان يستحضر من الحديث كثيراً ومن الرجال ويذاكر من كتاب سيبويه ويميل إلى مذهب ابن حزم، ثم تحول إلى البادية فأقام بها يدعو إلى الكتاب والسنة، فاستجاب له حيار بن مهنا والد نعير فلم يزل عنده حتى مات. واستمر ولده نعير على إكرامه فكانت إقامته عندهم نحو عشرين سنة، فلما كانت وقعة ابن البرهان وبيدمر وقرط خشي على نفسه فاختفى بالصعيد ثم قدم القاهرة وقد ضعف بصره، ومات في أول ذي القعدة وكان شهماً قوي النفس له معرفة بأحوال الناس على اختلاف طبقاتهم، وكان كثير التطور يتزيا في كل قليل بزي غير الزي الذي قبله ومن شعره: ما العلم إلا كتاب الله والأثر ... وما سوى ذاك لا عين ولا أثر إلا هوى وخصومات ملفقة ... فلا يغرنك من أربابها هذر فعد عن هذيان القوم مكتفياً ... بما تضمنت الأخبار والسور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 نقلت ترجمته من خط الشيخ تقي الدين المقريزي والعهدة فيه عليه. علي بن عبد الرحمن بن محمّد بن أحمد الربعي الرشيدي نور الدين نزيل القاهرة قدمها فاشتغل بالعلم ولازم البلقيني ثم الدميري ودرس بعده في الحديث بقبة بيبرس وكان قد فاق في استحضار الفقه فصار كثير النقل كثير البحث وكان يقظاً نبيهاً كثير العصبية؛ مات في شهر رجب وقد جاوز الخمسين ودرست بعده بالقبة للمحدثين. علي بن عبد الرحمن الصرنجي نور الدين، سمع صحيح مسلم علي ابن عبد الهادي وسنن أبي داود على عبد القادر بن أبي الدر، سمعت منه قديماً وحديثاُ، وحدث في العام الماضي مع الشيخ نور الدين الأبياري بالسنن في البيبرسية وكان صوفياً بها، مات في شعبان. علي بن محمّد بن علي الدمشقي علاء الدين بن الحريري، ولد سنة تسع وثلاثين، واشتغل على مذهب الحنفية وتعانى حفظ السير والمغازي وكان يستحضر منها شيئاً كثيراً، وكان كثير اليسار فتزوج الشيخ شهاب الدين الغزي ابنته فماتت بعد أبيها بقليل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 علي بن مسعود بن علي بن عبد المعطي بن أحمد بن عبد المعطي المالكي أبو الحسن المكي الخزرجي، ولد سنة أربعين وسمع من عثمان بن الصفي الطبري سنن أبي داود، من إبراهيم بن محمّد بن نصر الله الدمشقي مشيخته وحدث بمكة، وكان مشاركاً في الفقه مع الديانة والمروءة، مات في تاسع المحرم. علي بن مصباح الشيخ نور الدين، كان أحد الفضلاء في الفقه خيراً كثير الإطعام، نزل في زاوية بمنية الشيرج وتردد في القرى وتعانى الزراعة، مات في شوال وسط السنة وهو والد شمس الدين محمّد خال سيدي عبد الرحيم الأبناسي. عمر بن محمّد الطرابلسي الشاعر الماهر نزيل القاهرة قدمها ومدح رؤساءها، ومات في شهر رجب عن نحو من خمسين سنة، أنشدني كثيراً من شعره. فاطمة بنت أحمد بن محمّد بن علي بن محمّد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن زيد الحسينية الحلية أم الحسن أخت الشريف نقيب الأشراف، ولدت سنة اثنتين أو ثلاث وثلاثين، سمعت على جدها لأمها جمال الدين إبراهيم ابن الشهاب محمود في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين، وأجاز لها المزي وجماعة وحدثت بحلب، قال القاضي علاء الدين: كانت عاقلة دينة وماتت في العشر الأول وقد جاوزت الثمانين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 سنة. محمّد بن أحمد بن عبد الملك الدميري شمس الدين ناظر البيمارستان ومفتي دار العدل ولي الحسبة مراراً وكان عارفاً بالمباشرة وحصل من البيمارستان مالاً كثيراً جداً يوفره مما كان غيره يصرفه في وجوه البر وغيرها، فاتفق أن الناصر اخذ منه جملة مستكثرة في بعض تجريداته؛ مات في رمضان. محمّد بن أحمد بن محمّد بن محمّد بن محمّد بن أحمد بن علي بن محمّد بن سليم بن حناء المصري شمس الدين ابن عز الدين ابن شمس الدين ابن شرف الدين ابن زين الدين بن محيي الدين ابن بهاء الدين المعروف بابن الصاحب، ولد سنة أربع وستين، واشتغل قليلاً وتقدم في ديوان الإنشاء وناب في كتابة السر مدة وأقام بالشام زماناً، ثم درس بعد أبيه بالشريفية وغيرها وكان وجيهاً ذا مروءة وبر ومعروف؛ مات فجأة فيقال إنه سم، وله شعر وسط، ولم يكن يتصون، وينسب إلى تعاطي المنكر، والله أعلم بسره، وتمزق ماله من بعده، سامحه الله. محمّد بن أحمد الجرواني نزيل القاهرة، ولد سنة تسع عشرة، وكان يذكر أنه سمع من الحجار فلم نظفر بسماعه، وكان عارفاً بالوثائق وله فيها تصنيف، وخطه حسن، وله نظم يزعمه لكنه بغير وزن ولا معنى، وكان قد انتسب إلى الحسن بن علي وصار شريفاً، وكان يطعن في نسبه، ويقال إنه كان أولاً يكتب الأنصاري. محمّد بن خاص بك التركي الحنفي بدر الدين كان ينسب إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 الظاهر بيبرس من جهة النساء وقد اشتغل في مذهب الحنفية فبرع وأخذ عن أكمل الدين وغيره، وكان يجيد البحث مع الديانة والمروءة والعصبية لمذهبه وأهله؛ مات في خامس شهر رجب وقد جاوز الخمسين. محمّد بن علي بن محمّد بن عمر بن عيسى الشيخ شمس الدين ابن القطان المصري الشافعي وكان أبوه قطاناً وأخوه كذلك، واشتغل هذا بالعلم ومهر ولازم الشيخ بهاء الدين ابن عقيل فصاهره على بنت له من جارية وسكن مصر ودرس وأفتى وصنف وناب في الحكم بأخرة فتهالك على ذلك إلى أن مات في أواخر شوال، وكان أخبرني أن مولده بعد سنة ثلاثين، قرأت عليه وأجاز لي، وذكر أنه قرأ الأصول على الشيخ عماد الدين الأسنائي ولم يحصل له سماع في الحديث على قدر سنه، وقد حدث بصحيح مسلم بإسناد نازل وسمع معنا على بعض شيوخنا كثيراً وبقراءتي وكان ماهراً في القراآت والعربية والحساب. محمّد بن محمّد بن عباد الوهاب المناوي المعروف بالطويل شمس الدين صهر كاتب السر فتح الله تقدم بجاه صهره فولي الحسبة وكالة بيت المال ونظر الأوقاف ونظر الكسوة وتنقلت به الأمور في ذلك، وولي الحسبة مراراً بالقاهرة، مات في شعبان وكان له بعض اشتغال ومشاركة ومعرفة بشيء من الهيئة وكان قليل العلم ووجد بخطه على محضر تسمع الدعوة وقد ناب في الحكم لما كان محتسباً وبعد ذلك. محمّد بن محمّد بن محمّد بن النعمان بن هبة الله الهوي نزيل القاهرة كريم الدين، اشتغل قليلاً وولي الحسبة ببلده، ثم تزيا بزي الجندي وولي شد البلد وظلم وعسف، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 ثم قدم القاهرة وتقدم عند الناصر بالمسخرة فولي الحسبة مراراً، أولها في ثالث جمادى الآخرة سنة خمس وثمانمائة ومنادمة السلطان؛ ومات في شعبان، وولي الحسبة بعده زين الدين محمّد ابن شمس الدين الدميري، وكان يقال إن الهوي هو الذي أشار على السلطان بأن من مات لا يعطى وارثه ولو كان ولده من ميراثه شيئاً بل يؤخذ للديوان السلطاني، وتقدم بذلك ابن الهيصم فاتفق موت الهوي فعوملت تركته بذلك، أخبرني بذلك الصاحب بدر الدين ابن نصر الله. محمّد بن سعد الدين محمّد بن نجم الدين محمّد البغدادي نزيل القاهرة شمس الدين الزركشي، مهر في القراآت وشارك في الفنون وتعانى النظم، وله قصيدة في العروض استحسنها القاضي مجد الدين الحنفي ويقال إنه شرحها، ونظم العواطل الخوالي ست عشرة قصيدة على ستة عشر بحراً ليس فيها نقطة، وقد راسلني ومدحني وسمعت منه كثيراً من نظمه، ولازمني طويلاً ورافقني في السماع أحياناً، وجرت له، في آخر عمره محنة؛ ومات في ذي الحجة. محمّد بن محمّد الشوبكي شمس الدين قدم دمشق وتفقه بها وتولى وظائف وخطابة مات في المحرم. محمّد بن محمود بن بون الشيخ الخوارزمي الحنفي المعروف بالمعيد نزيل مكة، أعاد بدرس يلبغا بمكة فعرف بالمعيد، وأم بمقام الحنفية زيادة على ثلاثين سنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 فإنه وليها سنة ثمانين، وحدث عن العفيف والنشاوري والأمين الأقشهري وغيرهما، وحج خمسين حجة، وكان عارفاً بالعربية مشاركاً بالفقه وغيره، وقد حدث بالإجازة العامة عن الحجار، ومات في جمادى الأولى وقد جاوز الثمانين. محمّد بن أبي اليمن الطبري تقدم ذكر أبيه قريباً وكان هو يلقب زكي الدين ويكنى أبا الخير، أم في المقام، وقتل ليلاً خطأً، ظنه بعض العسس لصاً، فضربه فصادف منيته وله أربعون سنة. وفيها مات ابن حمامة قارئ الحديث تحت النسر في رمضان. وشهاب الدين الزملكاني وعلاء الدين البانياسي ناظر الجامع الأموي وكان مشكوراً، وتمربغا المشطوب مطعوناً بحسبان وتمربغا الحافظي في المحرم، وتغرى برمش أستادار شيخ خامر عليه إلى الناصر فولاه الأستادارية بالشام، فبالغ في الظلم والعسف فسلطه الله عليه فصادره وعاقبه حتى مات، وقراجا الداودار ولي بعد قجاجق ثم ضعف فمات أول ما خرج الناصر إلى الشام في ربيع الأول، ومجد الدين عبد الغني ابن الهيصم كما تقدم. وشاهين المحمدي الدويدار الشيخي تقدم في الحوادث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 وقرا كشك الحاجب بالقاهرة في شوال، وكان عين لإمرة الحج فمات قبل أن يخرج وأحمد بن أويس كما تقدم وإينال الجلالي ويقال له إينال المنقار، مات بغزة في شعبان لما دخلها مع شيخ ونوروز وكان يحب العلماء والفضلاء .... وشهاب الدين الدويداري كاشف الجيزة في حادي عشري شعبان وخلف موجوداً كثيراً جداً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 //الجزء السابع بسم الله الرحمن الرحيم سنة أربع عشرة وثمانمائة فيها دخل الناصر إلى القاهرة في ثاني عشر المحرم وزار القدس في طريقه ولم يفقد أحد ممن كان صحبته إلا ابن الفريخ الحكيم فإنه اغتيل في الطريق، وفي يوم وصوله إلى القلعة عزل زين الدين ابن الدميري من الحسبة، واستقر شمس الدين يعقوب الدمشقي وكان قد صاهر إلى تقي الدين بن أبي شاكر، وفي سادسه دخل تغرى بردى نائب الشام. وفي الثامن منه دخل الأميران شيخ ونوروز دمشق فتلقاهما نائب الشام، وتوجه شيخ من دمشق إلى حلب. وتوجه قرقماش من حلب يريد صفد، وتوجه نوروز يريد طرابلس، فوصلا إلى مقر نيابتهما وحكما بما أرادا فقدم الخبر على الناصر في ربيع الأول أنهما خالفا ما حلفا عليه وأخرجا الإقطاعات لمن أرادا وأرسل كل منهما يحاصر بعض القلاع التي لم تدخل في نيابتهما، فتغير خاطر الناصر لذلك. وفي الرابع والعشرين من المحرم وصل بكتمر جلق إلى القاهرة فتلقاه السلطان وخلع عليه وعلى دمرداش نظر المارستان على العادة، ودخل الناصر البلد وهما معه بخلعتيهما فدخل مدرسة جمال الدين وكانت قد غيرت من اسم جمال الدين لاسمه، ودخل دمرداش المارستان ومعه القاضي فتح الله كاتب السر وعليه خلعة أيضاً، واستناب الأمير ولد ناظر الجيش صلاح الدين بن بدر الدين بن نصر الله في النيابة عنه في المارستان. وفي حادي عشر منه صرف صدر الدين ابن العجمي عن مشيخة التربة الظاهرية واستقر حاجي فقيه عوضاً عنه. وقبض على صدر الدين فسلم للأستادار بسبب أن الناصر لما أراد التوجه إلى الشام أودع عند كل شيخ من المشايخ المشهورين الذين جرت عادتهم بالتردد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 عشرة آلاف دينار فلما عاد أحضر كل أحد ما استودعه إلا صدر الدين واحمد بن اوحد وهو شيخ السرياقوسية، فأما ابن أوحد فضمن دركه ابن أبي شاكر فلم يلحقه عتاب، وأما صدر الدين فكان قد حج واستبضع بذلك المال بضاعة، فلما عاد قبض عليه وألزم ببيع تلك البضاعة فباعها بثمن بخس وبقي عليه من الوديعة قريب من ألفي دينار، فلم يزل في الترسيم إلى أن شفع فيه بعض الكبار فأطلق وبقي من المال زيادة على الألف فذهبت مجاناً. وفي المحرم أراد الناصر بإشارة بعض القبط أن يأخذ من المدرسة الجمالية برحبة العيد ما بها من الرخام وكان عجباً في الحسن انتقاه جمال الدين من بيوت كبار وجعله فيها فعزم على ذلك فأشار عليه كاتب السر فتح الله أن يترك المدرسة على ما هي عليه لسوء السمعة في ذلك والتزم أن يصيرها ملكه ثم يوقفها هو فتنسب ويبطل منها اسم جمال الدين، فأصغى لذلك فتكلم فتح الله مع القضاة إلى أن صوروا له في ذلك صورة وحكموا بصحتها ومحوا اسم جمال الدين من المدرسة وأثبت اسم عبد الناصر وصارت الجمالية هي الناصرية، وذلك من أظرف ما يسمع، ولم يكن قصد فتح الله في ذلك إلا الخير على ما اطلعنا عليه من باطن القصة، ودخلها الناصر في أواخر المحرم وصلى بها وقرر من بها من المدرسين والطلبة على حالهم في الأغلب، واستقر دمرداش أتابك العسكر بالقاهرة وبكتمر جلق أميراً كبيراً بها وتكلم دمرداش هو وفتح الله في البيمارستان المنصوري. وفي صفر جهز الناصر جماعة من الأمراء البطالين والمماليك إلى الشام على إقطاعات هناك ليكونوا عونا لنائب الشام فتوجهوا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 وفي حادي عشر منه استقر تقي الدين ابن أبي شاكر في نظر الخاص عوضاً عن مجد الدين عبد الغني بن الهيصم الذي مات في السنة الماضية. وفي الرابع والعشرين منه قبض على يشبك الموساوي وقنباي رأس نوبة وكمشبغا المزوق في آخرين وسجنوا بالإسكندرية، وعزل تمراز من الإمرة وصيره طرخاناً وقرر له شيئاً يكفيه وخيره بين الإقامة بالقاهرة أو دمياط فاختار دمياط فأرسل إليهاا. وفي أواخر صفر وردت هدية من مانويلي صاحب القسطنطينية وتدعى اصطنبول، وقرينها كتاب يصف محبته ويوصي بالنصارى من أهل ملته. وفي أوائل صفر استقر سودون بن عبد الرحمن في نيابة غزة. وفي سلخ صفر انقطع طوغان الدويدار عن الخدمة خوفا على نفسه من واش وشى به أنه يريد الركوب على الناصر، فأرسل يلبغا الناصري ودمرداش فلم يزالا به حتى أصعداه إلى الناصر فعاتبه واعتذر فسلم له غريمه وخلع عليه، وفيه ارتفع الطاعون عن دمشق وما حولها وكان ابتدأ من شوال فأحصى من مات من أهل دمشق خاصة فكانوا نحواً من خمسين ألفاً، وخلت عدة من القرى وبقيت الزروع قائمة لا تجد من يحصدها. وفي ربيع الأول أطلق أينال الساقي من سجن الإسكندرية وصرف شرباش كباشة عن الإمرة وأرسل إلى دمياط بطالا، وقبض الناصر على جمع كثير من المماليك الظاهرية ممن أتهمهم بالممالأة عليه وسجن جماعة بالبرج ثم ذبحهم بعد وقبض إلى خيرباك وقتل جماعة ممن سجن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 بالإسكندرية ثم بالغ في القبض عليهم بأنواع الحيل حتى زادت عدة المسجونين في رمضان على أربعمائة نفس. وفي صفر توجه موسى بن أبي يزيد بن عثمان بعد استيلائه على مملكة أخي سلمان بعد قتله إلى مملكة أخيه فاستخلف كرسجي على بلاد أبيه مراد واستعد لقتال أخيه فالتقيا في شعبان من هذه السنة. وفي أول ربيع الآخر زوج الناصر أخته بيرم من أسنبغا الزردكاش وسيره شاد الشربخاناه، وكان يقال إن اسمه محمد وإنه شامي، فغير اسمه وصار إلى ما صار. وفي الثالث عشر منه قرر فخر الدين عبد الغني بن أبي الفرج الذي كان ولي كاشف الوجه البحري ونائب قطيا في أستادارية الناصر وسلم له تاج الدين ابن الهيصم الأستادار وحواشيه، فبسط فخر الدين يده في الظلم وبالغ في ذلك كما سيأتي. وفي هذه السنة دامت الحرب بين قرا يوسف وقرا يلك أكثر من شهر فقتل بينهما خلق كثير فخرب قرا يوسف بلاداً كثيرة لغريمه، وهرب غريمه إلى بعض الأماكن، فوصل الخبر إلى قرا يوسف بأن شاه رخ بن تمر قصد تبريز فترك أثقاله ورجع مسرعاً، فعاد قرا يلك فنهبها وتوجه لتخريب بعض بلاد غريمه، ووقع الفناء في شعبان في عسكر قرا يوسف فأرسل يطلب الصلح من قرا يلك، فلم يوافقه على ذلك ونهب سنجار وأخذ قفل الموصل وأوقع بالأكراد فافتدوا منه بمائة ألف وألف رأس غنم. وفيها كانت الفتن والحروب بين التركمان، وغيرهم، فتوجه نائب عينتاب إلى قلعة الروم فقبض عليه طوغان نائبها واعتقله فلم يزل به شيخ نائب حلب حتى أفرج عنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 وقبض نائب صهيون على نائب اللاذقية فقتله، وحاصر بعض التركمان أنطاكية فأسر نائبها واعتقله، وحاصر نوروز قلعة صهيون فصالحه أهلها على مال، واجتمع نوروز وشيخ على قتال العجل بن نعير ففر منها فاستولى على عانة، فبعث ابن قرا يوسف عسكراً فكسره ومضى إلى الأنبار فتخوف أهل بغداد منهم فأرسل إليهم بالأمان، فنزل شيخ على سرمين ونوروز على جبلة وأرسل الناصر لما بلغه ذلك يعاتبهما وأرسل إلى شيخ يحذره بما فيه صنيعه وأمره أن يجهز يشيك العثماني وبردبك وقنباي الخازن دار محتفظاً بهم وأن يرسل سودون الجلب إلى دمشق فلم يوافق على ذلك فأرسل الناصر إلى دمشق يأمرهم بتحصين قلعة دمشق، فبالغ غرس الدين خليل أستادار الشام في المظالم بالشام وقرر الشعير على الجهات، واتفق شيخ ونوروز لما بلغهما تغير الناصر عليهما فأرسلا عسكر! إلى حماة لأخذها وراسلا قرا يوسف فسار أحمد الجنكي، أحد ندماء شيخ وبهلوان مملوك نوروز، فعاد جوابه في آخر شوال بما طاب به خاطرهما وأما الناصر فجد وعزم على السفر وبالغ في القبض على الناس في المصادرات ووقعت الشناعة بذلك وفحش أخذ أموال الناس بغير طريق ولا شبهة، وكل ذلك على يد فخر الدين الأستادار في ذلك على الحد، ثم أراد فخر الدين القبض على الوزير وناظر الخاص، فبادراه وقبضا عليه بعد أن استمالا الناصر على ذلك في حين غفلة منه، ففجيء الناس من الفرح مالا مزيد عليه، وكان فخر الدين قد استمال تاج الدين بن الهيصم الذي كان أستاداراً قبله وكلم السلطان فألبسه خلعة رضا، فلما قبض على فخر الدين قبض عليه أيضاً وأهين، فعوقب فخر الدين عند الوزير بأنواع العقوبات فلم يعترف بشيء ولم توجد له سوى ستة آلاف دينار وشيء كثير من جرار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 الخمر، فباعوها كل جرة بنصف دينار فحصل منها جملة مستكثرة. واستقر منكلى أستادار جركس في الأستادارية الكبرى. وفي العشر الأخير من رجب قبض الناصر على جمع كثير من الأمراء والمماليك منهم عاقل وإينال الصصلائي وأرغون وسودون الظريف وشرباش وسودون الأسندمري وجانيك، وقتل جماعة ووسط جماعة وسجن جماعة وكان السبب في ذلك أن مملوكاً أحضر ورقة فيها خطوط جماعة من الأمراء والمماليك أرادوا الفتك به فقبض على من وجد اسمه فيها، وكان كبيرهم جانم فوجده حينئذ في إقطاعه بالوجه البحري فجهز طوغان الدويدار، فاقتتلا في البر ثم على ظهر النيل في المراكب فانتصر طوغان فألقى جانم نفسه في الماء فرمي بالسهام حتى هلك فقطع رأسه. وفي شعبان أمر الناصر بالقبض بدمشق على يشبك بن أزدمر وجماعة من الأمراء الذين يخشى منهم الممالأة على الناصر مع نوروز وشيخ، وكان تغرى بردى قد ابتدأ به مرضه فأرسل إلى قرقماش نائب صفد، فحضر فقبض على تمرار الأعور وخشكلدي وغيرهما وسجنهم بقلعة الصبيبة وفر يشبك بن أزدمر إلى نوروز، فاتفق هو وسودون الجلب وقويا عزم شيخ ونوروز على المخامره ومضى ما كل مرتاب، واستمال شيخ محمد بن دلغادر أمير التركمان، فمال: أحضر له عساكره، فولاه عينتاب وأرسل خلعاً ومالاً، ثم توجه شيخ إلى قلعة عمه وعدى الفرات ليوقع بالعربان، فغرق طائفة من أصحابه فأنشأ مركباً بناحية الباب قريباً من حلب طوله نحو ثلاثين خطوة، فأرسل نائب قلعة الروم جماعة فأحرقوه، وقبض في شوال بدمشق على ناصر الدين ابن البارزي وعلى شهاب الدين الحسباني لكونهما يكاتبان شيخ بالأخبار، فسجنا بقلعة دمشق في سابع عشر شوال، فتوجه تاج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 الدين محمد ابن الحسبابي إلى القاهرة يسعى في خلاص أبيه، فأمر بإطلاقه فأطلق في أواخر ذي الحجة، وقبض الناصر على جماعة من الأمراء والممالك فوسط بعضهم وشنق بعضهم، وذبح بحضرته مائة نفس من أكابر الظاهرية، منهم حزمان نائب القدس، وومغلباي ومحمد بن قشماش، وبالغ في ذلك حتى أنه ركب مرة إلى الصيد ورجع فأمر الوالي بقتل عشرة من مماليكه تخلفوا عن الركوب معه وعاد من الصيد فمر بشارع القاهرة وهو بثياب جلوسه في دون المائة وهو يطفح سكراً حتى يكاد لا يثبت على الفرس. وفي أواخر ربيع الأول قبض على أحمد بن جمال الدين الأستادار وعلى أحمد وحمزة ولدى أخيه وعلى ناصر الدين أخي جمال الدين وجماعة من قرابتهم، فعوقبوا وطولبوا بالأموال، فمات ناصر الدين تحت العقوبة ولم يوجد له إلا شيء يسير، واستخرج من أحمد ابن أخيه ستة آلاف دينار، ثم خنق الأحمدان وحمزة ليلة السادس عشر من جمادى الأولى وقتل الثلاثة ظلماً. وفي يوم السبت ثامن عشر شعبان كتب علم الدين ابن جنيبة أحد رؤساء الأطباء للناصر ورقة دواء مسهل، فأمره أن ينزل ويطوف على الأمراء والمباشرين ويعلمهم أن السلطان يشرب يوم الأحد دواء، فحمل كل منهم تقدمة فحمل الوزير ألفي دينار وأشياء كثيرة من المأكولات، وكذلك ناظر الخاص لكن دونه في النقد، والأستادار حتى المحتسب، وكان أول من سن ذلك من ملوك مصر واستمرت بعده في كل سنة عند دخول الورد؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 وفي شهر رمضان نادى المماليك بالأمان وأنهم عتقاء رمضان، فظهر منهم جماعة تزيد على الثلاثين فحضروا الخدمة فوعدهم بالخير، ووعدهم يوماً أن يخرج لهم خيولهم أو بدلها من الإصطبل، فلما اجتمعوا أمسكهم أجمع، وجلس يوماً آخر لتفرقة القرفلات فأمسك منهم جماعة، ثم ذبحوا في شوال. وفي هذه السنة غلا الزيت الحار إلى بلغ الرطل تسعة. وفي شوال توجه الناصر إلى الإسكندرية وشن الغارات على الجهات البحرية لنهب الأغنام والخيل والجمال حيث وجدت ودخل الناصر الإسكندرية في ثامن عشر شوال، فقدم عليه مشايخ تروجة بتقاديمهم فخلع عليهم، ثم أمسكهم وساقهم في الحديد واحتاط على أموالهم، فهرب باقيهم إلى برقة ورجع إلى القاهرة، وفي حال إقامته بالإسكندرية شكى المغاربة أنه يؤخذ منهم ثلث أموالهم في المكس ويؤخذ من الفريخ العشر، فغضب من ذلك وأمر أن لا يؤخذ من المغاربة إلا العشر، فشكر المسلمون له ذلك فكانت من حسناته النادرة وكانت حركته إلى الإسكندرية آخر سعده، فلما قدم وصل كتاب نوروز يعتذر عما بلغه عنه وقرينه فحضر آخر فيه شهادة أربعين رجلاً أنه مقيم على الطاعة، فلم يلتفت الناصر لذلك. وفي نصف ذي القعدة أمر الناصر أن يكون الفلوس كل رطل باثني عشر درهماً، فغلقت الحوانيت فغضب السلطان وأمر مماليكه الجلبان بوضع السيف في العامة فشفع فيهم الأمراء فقبض على جماعة وضربوا بالمقارع وقتل رجلاً وشنقه بسبب الفلوس، ثم أنحل أمر الفلوس بعد النفقة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 ونودي في سادس عشر ذي الحجة أن يكون بستة الرطل على العادة الأولى، وفي أواخر الشهر ضرب الناصر عنق أحمد بن محمد ابن الطبلاوي بيده، ثم استدعى بنت صرق وهي إحدى زوجاته فذبحها بيده ولفها مع ابن الطبلاوي في بساط وأمر أن يدفنا في قبر واحد، وكان قد وشى بها أنها تتنكر وتخرج من القلعة فتنزل إلى ابن الطبلاوي المذكور. وأنفق الناصر لنفقة السفر وخرج الجاليش في سابع عشري ذي القعدة، وخرج الناصر في الثامن من ذي الحجة وقد تباهى في ملابس عسكره وجر ثلاثمائة جنيب بسروج الذهب الثقيلة وبعضها مرصع بالجوهر وكنابش الزركش والعرقيات الحرير واللجم المسقطة وزهاء ثلاثة آلاف فرس ساقها جشارا، وأعقبها عدداً كثيراً من العجل التي تجرها الأبقار وعليها آلات الحصار، وبعدها خزانة السلاح على ألف جمل، وخزانة المال مختومة على أربع مائة ألف دينار، والمطبخ وفيه ثلاثون ألف رأس من الغنم وكثير من البقر والجاموس، والحريم في سبع محفات، حتى بلغ عدة الجمال التي تحمل ذلك ثلاثة وعشرين ألف جمل، واستقر يلبغا الناصري نائب الغيبة واسنبغا نائب القلعة، وكانت نفقة المماليك لكل واحد سبعون ناصرياً، وصرف للأمير الكبير خمسة آلاف دينار ومثلها لبكتمر، ولغيرهما من الأمراء الكبار لكل واحد ثلاثة آلاف دينار، ونحر الناصر الضحايا بالتربة الظاهرية تربة أبيه -، ورحل من التربة بعد صلاة العصر من يوم الجمعة حادي عشر ذي الحجة في طالع اختاره له الشيخ إبراهيم بن زقاعة وسار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 ليلة السبت ثالث عشرة وأتفق في هذا اليوم اجتماع نوروز وشيخ بحمص وفر إليهما جمع كثير، ونادى الناصر بأن أحداً لا يرحل قبله فبلغه أن واحداً رحل قبله فركب بنفسه ووسط بحضرته ونصب مشنقة ذهب بها معه، فما وصل إلى غزة حتى قتل عدة من الغلمان بسبب ذلك، فلما نزل بغزة وسط عشرين نفساً من الظاهرية وهو لا يعقل من السكر، ففر أكثر العسكر منه، فبلغه في تلك الساعة أن الجاليش الذي تقدمه خامر عليه، فركب وجد في طلبهم وكان أمراء الجاليش وصلوا إلى دمشق في سادس عشري ذي الحجة ودخلوا إلى تغري بردى وهو في غاية المرض فأعلموه بسوء سيرة الناصر وخوفهم منه واجتماع كلمتهم على اللحاق بالأميرين وتوجهوا في آخر الشهر إلى جهتهما فخالفهم شاهين الزردكاش فقبضوا عليه، وجد الناصر في السير فلم يلحقهم فالبس عسكره وقد ظهرت عليه علامة الخذلان، ودخل دمشق وقت الزوال من سلح السنة، وكان بعد ذلك ما سنذكره في حوادث السنة الآتية. وفي هذا السنة مات السلطان المنصور ويقال له الصالح حاجي ابن الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر وكان مقيماً بالدور السلطانية في قلعة الجبل منذ خلعه الظاهر في الثانية من سنة اثنتين وتسعين إلى أن مات في تاسع عشرة شوال بعد أن تعطلت حركة يديه ورجليه منذ سنين وعاش أزيد من أربعين سنة، قال العينتابي: كان شديد البأس على جواريه لسوء خلقه من غلبة السوداء ولم يزل مشغولاً باللهو والسكر. وفيها قتل من الظاهرية مأتي أمير وخاصكي وجمدار وغيرهما نحو من سبعمائة رجل، أراد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 الناصر بإزالتهم توطيد ملكه فانعكس الأمر وكان قتلهم في الحقيقة من أعظم الأسباب في توطيد ملك الملك المؤيد فسبحان من بيده الملك. وفيها قتل الأمير تمراز الناصري الذي ولى نيابة السلطنة بالقاهرة قتل بالإسكندرية، وكان لا بأس به، وكان من خواص برقوق، وأمر أربعين في زمانه، ثم أمر تقدمة في سنة اثنتين وثمانمائة، ثم ثيابه الغيبة في فتنة اللنك ثم ولي نيابة السلطنة في سنة تسع وثمانمائة وناب في الغيبة في سنة اثنتي عشرة ثم قبض عليه في أوائل هذه السنة وسجن بدمياط ثم بالإسكندرية ثم قتل في عيد الأضحى، وكان يحب العلماء ويكرمهم ويعتقد في الصالحين، وكان تركياً خالصاً حسن الصورة. وفيها قتل خايربك وكان قد ناب في غزة وأعطى تقدمة. وفيها قتل يشبك الموساوي الأمير وكان أعطى تقدمة ثم ولى نيابة طرابلس وكان نائب غزة مدة طويلة، قال العينتابي: ظلم أهلها ظلماً فاحشاً وكان أفقم سبئ المعتقد رديء المذهب متجاهراً باللواط، قتل بالإسكندرية أيضاً. وفيها ناب الأمير جانم، كان قد أعطى تقدمة وناب في غزة وفي حماة وفي طرابلس، قال العينتابي: لم يشتهر عنه إلا كل شر، والأمير قزدمر الحسني كان أعطى تقدمة وتولى خازنداراً كبيراً ولم يكن به بأس - قاله العينتابي: وقنباي وأقبغا القديدي المعروف بدويدار يشبك كان مقدما عند يشبك ثم استقر عند الناصر دويدار صغيراً وأمره عشرة، وكانت له وجاهة ومعرفة ويقتدى برأيه في كثير من الأمور، قال العينتابي: كان يدعي الحكمة ووفور العقل مع خبث ومكر وحب لجمع المال ولم يشتهر عنه خير قط وحصل في أيام يشبك مالاً جماً، ثم لم يزل في ازدياد إلى أن مات في ليلة الخميس ثالث عشر شوال، وخلف شيئاً كثيراً تمول بعده منه جماعة واستولى السلطان على غالبه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 وفي رجب رجم رجل تركماني بدمشق اعترف بالزنا وهو محصن وذلك بدمشق فكتف تحت القلعة وأقعد في حفرة فرجم حتى مات. وفيها مات علي بن محمد الأخميمي فكان يدعي أنه شريف وأصله بغدادي وقد ولى الوزارة وشد الدواوين وغير ذلك -. وفيها مات فيروز الطواشي وكان قد تقدم عند الناصر ومات في رجب، وكان شرع في مدرسة واشترى لها مكاناً بالغرابليين ليبني به ربعا وغيره فمات قبل الفراغ، فأقر الناصر وقفه ونقله من المدرسة إلى التربة وأضاف الوقف كله إلى مدرسته، فأخذ دمرداش العمارة بإنعام الناصر وشرع فيها ثم فجئه السفر، ثم آل أمرها إلى أن اشتراها زين الدين عبد الباسط في الدولة المؤيدية واسمها قيسارية وربعا فأتقن ذلك غاية الإتقان، وذلك في سنة 823 فما بعدها. وفيها قتل سلمان - بضم السين المهملة - ابن أبي يزيد صاحب برضا وغيرها من بلاد الروم، واستولى على مملكته أخوه موسى بعد حروب وقعت بينهما. وفي هذه السنة في ربيع الآخر قبض على أحمد بن جمال الدين وعلى أحمد وحمزة ابني أخت جمال الدين وعلى شمس الدين وناصر الدين أخوي جمال الدين فصودروا وعوقبوا إلى أن مات في العذاب ناصر الدين وقتل الأحمدان وحمزة خنقاً. وفي ربيع الآخر وصلت طائفة من الجنوية إلى الإسكندرية فوجدوا طائفة من الكسلان فقاتلوهم، فخاف منهم أهل الإسكندرية وأغلقوا الأبواب، وبلغت عدة القتلى ألفي نفس، وأسر الكسلان من الجنويين رجلاً يقال له النساوي فأرسلوه إلى الناصر فألزمه بمائة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 ألف دينار فذكر أن ماله تحت حوطة الجنويين فقبض على تجارهم بالإسكندرية، فغضبوا وساروا بمراكبهم إلى الطينة فسبوا نساء وصبيانا وكانت بينهم وقعة كبيرة، فخرج طائفة من أهل دمياط لنجدتهم وكبيرهم محيي الدين ابن النحاس وكان ملازماً للجهاد بثغر دمياط، وفيه فضيلة تامة، وجمع كتاباً حافلا في أحوال الجهاد، فقتل في المعركة مقبلاً غير مدبر، وغنم الفرنج من أهل الطينة مالاً كثيراً ثم مضوا. وفي ذي القعدة في ثاني عشر منه نازل الفرنج الطينة أيضاً في أربعة أغربة، فقاتلهم المسلمون قتالاً عظيماً إلى الليل، فمضى الفرنج إلى الساحل القديم فنهبوا ما وجدوا فيه ورجعوا من الغد إلى القتال، فقدم في الحال غراب للمسلمين فاحتاط به الفرنج، فألقى من فيه من المسلمين أنفسهم إلى البحر فنجوا إلى البر بالسباحة، ثم وافى أناس من دمياط مقاتلة فتكاثر المسلمون على الفرنج واستنقذوا منهم الغراب المذكور بعد قتال شديد فانهزم الفرنج وقد قتل بعضهم - والحمد لله. وفي جمادى الأولى أمر السلطان بهدم مدرسة الأشرف شعبان ابن حسين التي على باب القلعة وجد الهدم فيها وكانت من أعظم الأبنية، وكان جمال الدين قد اشترى من أولاد الأشرف كثيراً من الآلات التي بنيت بها لأن الأشرف مات قبل أن تكمل فبسط يده في تحويل بابها فأخذ الشبابيك والأبواب والبوابة وكثير من الحجارة حتى الكتب الموقوفة فاستعان بالجميع في مدرسته، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 ثم جاء الناصر في هذه السنة فعكره مكان بقعتها، لأن المتغلبين صاروا يستعينون بها على حصار القلعة بالنزول فيها فهدمها، فصارت رابية عالية، وحول ما ينتفع به من حجارتها وأخشابها إلى الأمكنة التي يريدها، فبقيت كذلك إلى أواخر دولة المؤيد، فأمر بعمارتها مارستانا وسكن به بعض المرضى، ومات المؤيد فحولوه بعده جامعاً ومنزلاً للواردين، وأمر في هذا الشهر أيضاً بهدم الدور الملاصقة لصور القلعة تحت الطبلخاناة وغيرها، فهدمت من ثم باب القرافة وتشتت سكانها. وفيه ختم على جميع الحواصل التي يظن أن بها فلوسا بالقاهرة، وندب الناصر لذلك أحمد بن الطبلاوي والي القاهرة قبل قتله ومجد الدين سالم بن سالم قاضي الحنابلة ففتحا حواصل الناس ونقلا ما فيها من الفلوس وأعطيا لكل واحد ثمن فلوسه ذهبا في كل قفة ثلاث ناصرية وكان قيمتها يومئذ ثلاثة وثمن، فجمع منها شيء كثير، فكان ذلك هو السبب في مناداته عليها في كل رطل باثني عشر درهما! كما تقدم، ويقال إن الذي أخبره برخص الفلوس وإن قيمتها قبل ذلك كانت تقتضي أن يكون كل رطل بعشرين درهماً الشيخ سراج الدين البهادري أحد الأطباء، فجره إلى ذلك الطمع الكامن في نفسه قبل ذلك إلى أن نادى عليها باثني عشر، فلم يمش له ذلك إلا بالمشقة فترك بعد أن حصل من البلاد ما حصل. وفيها كانت بين الحجاج من أهل دمشق وبين العرب بناحية زيزا محاربة، فجرح أمير الحاج ومات من تلك الجراحة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 وفيها مات صاحب الهند غياث الدين أبو المظفر أعظم شاه بن اسكندر شاه بن شمس الدين صاحب بنكاله. وفيها قتل وزيره يحيى بن عرب شاه ويلقب جان جهان. وفيها مات مرجان زمام الملك الأشرف ثم الناصر صاحبا اليمن وقد ولي إمرة زبيد. وفيها قتل وبير بن نخبار بن محمد عقيل بن راجح بن إدريس ابن حسن بن قتادة الحسني أمير ينبع، وليها أزيد من عشرين سنة وقتل أخوه مقبل وابنه على قتلى كثيرة ممن اتهموهم بقتله لأنه قتل غيلة، واستقر في إمرة ينبع بعده أخوه مقبل منفرداً، واستمر إلى أن خلع بعده بضع عشرة سنة، واستقر عقيل ابن وبير مكانه كما سيأتي. وفيها كان السعيد محمد بن أبي فارس بن عبد العزيز بن أبي سالم إبراهيم المريني يحاصر فأس وبها أبو سعيد بن أحمد بن أبي سالم، فهزمه أهل فأس بعد شهرين وذلك في صفر منها ووقع الإفساد في الزروع وقوى القوى على الضعيف واشتد الغلاء وكان الأردب عندهم بربع دينار فارتفع بعد ذلك أضعاف مضاعفة، ثم رجع السعيد إلى حصار فأس وقد انتهبت الأعمال والنواحي في ربيع الآخر وحصرها نحواً من عشرين يوماً ثم هزموه فتوجه إلى سلا ثم جمع عسكراً ورجع في شعبان وحصر البلاد وبنى مقابلها مدينة سماها المنصورة وانقضت السنة وهو على ذلك تم ملك البلد، ثم قام عليه عبد الواحد بن أبي حمو واسمه موسى، وفر السعيد إلى تونس فهلك ببلد العناب، وطالت مدة عبد الواحد وسنذكر أمره في سنة سبع وعشرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 إن شاء الله تعالى. ذكر من مات في سنة أربع عشرة وثمانمائة من الأعيان إبراهيم بن أحمد بن حسين الموصلي ثم المصري نزيل مكة، أقام بها ثلاثين سنة وكان مالكي المذهب، يتكسب بالنسخ بالأجرة مع العبادة والورع والدين المتين وكان يحج ماشياً من مكة ومات بها، أثنى عليه تقي الدين المقريزي. إبراهيم بن أبي بكر الماحوزي الأصل ثم الدمشقي تفقه قليلاً وسلك طريق التصوف مع الدين المتين وكان كثير المال ولا يقبل لأحد شيئاً وينهى أصحابه أن يأكلوا لأحد شيئاً، وكانت تلك طريقة والده الشيخ أبو بكر الموصلي، وكان للناس فيه اعتقاد زائد وقل أن يرد أحد من الأمراء رسالته وكان لا يمشي لأحد مطلقا مع الثروة الزائدة مات راجعاً من الحج في المحرم ودفن بتبوك لم يبلغ الستين، وكان قد حج عشرين حجة وفي كل مرة يحصل للناس به النفع الزائد رحمه الله تعالى. أحمد بن إبراهيم بن محمد صاحب مصنف الجهاد. أحمد بن عبد الله الرومي ويعرف بالشيخ صارو وهو الأشقر بالتركية، قدم من بلاده فعظمه نائب الشام شيخ قبل أن يتسلطن، ثم صار من خواصه ثم سكن الشام وكان يقبل شفاعته ويكرمه وولاه عدة وظائف وكان كثير الإنكار للمنكر، وقد حج وجاور ومات في شعبان بحلب عند شيخ لما ولى نيابتها وقد شاخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 أحمد بن علي أحمد بن محمد بن سليمان بن حمزة الدمشقي ثم الصالحي الحنبلي شهاب الدين ابن فخر الدين ابن نجم ابن عز الدين خطيب الجامع المظفري. أحمد بن محمد بن مفلح الصالحي الحنبلي شهاب الدين أخو الشيخ تقي الدين، ولد سنة 754 واشتغل قليلاً وسمع من جماعة، ثم انحرف وسلك طريق الصوفية والسماعات، ومات أبوهما الشيخ شمس الدين سنة ثلاث وستين. أحمد بن محمد بن أبي القاسم الحوراني ثم العثماني شاهد المطبخ السلطاني كان محبا في أهل الخير، مات في ثالث ربيع الأول، وكانت مباشرته للمطبخ من أول دولة الأشرف فأقام في الوظيفة المذكورة نحو خمسين سنة. أعظم شاه غياث الدين ابن اسكندر شاه ابن شمس الدين السجستاني الأصل ملك الهند كان غلبة سلفه على دلى بعد رجوع اللنك، وكان اللنك لما دخل الهند حاربه يلو مملوك فيروز شاه بن نصرة شاه ثم انهزم يلو فلما رجع اللنك عاد ايلو فخرج عليه خضر خان بن سليمان فقتله وقبض على نائبه دولة يار واستولى خضر على المملكة فلما مات قام بعده ولده مبارك شاه في ملك دلى وقام شمس الدين السجستاني في ملك بنكالة ثم مات فقام بعده ابنه اسكندرشاه ثم قام بعده ابنه أعظم شاه - وكان له حظ من العلم والفهم والخير، وهو الذي أنشأ المدرسة البنكالية بمكة والبنكالية الأخرى بالمدينة وكان له معروف كثير. ومات في سنة أربع عشرة، وملك ابنه حمزة بعده فثار عليه مملوكه شهاب وقتله فسلط عليه فندوا ملك الكفرة فقتله، ثم ثار ولد فندو عليه فقتله وتسمى محمداَ وأسلم ويلقب جلال الدين أبا المظفر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 وجدد مآثر من شعائر الإسلام والمساجد، وأرسل إلى مكة بأموال يتصدق بها سنة اثنتين وثلاثين، ثم أرسل هدية إلى مصر بعدها وطلب التقليد من الخليفة، فجهز مع رسوليه سهمك وترغوب في سنة ثلاث، فأعاد جوابه سنة أربع وصحبته مال للخليفة وللسلطان هدية. أقبغا القديدي وتمراز الناصري وجانم وحاجي بن الأشرف شعبان تقدموا في الحوادث. حسين بن علي بن محمد بن عبد الرحمن الأذرعي ثم الصالحي بدر الدين ابن قاضي أذرعات تفقه في صباه على الشرف ابن الشريشي والنجم بن الحاني وتعانى الأدب وفاق في الفنون ودرس وأفتى وناظر، وناب في الحكم ثم تركه تورعاً وولى عدة إعادات وهو ممن أذن له البلقيني بالإفتاء لما قدم الشام سنة ثلاث وتسعين وكان يثني عليه كثيراً، ودخل القاهرة بعد الكائنة العظمى، وكانت بيننا مودة، سمعت منه نظما وسمع مني، وكان بأخرة قد انجمع الناس، مات بالطاعون في المحرم رحمه الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 خابرك تقدم في الحوادث. خليل بن عبد الله الأذرعي المعروف بالقابوني، كان صالحاً مباركاً منقطعاً عن الناس مثابراً على العبادة قليل الكلام كثير الحج مع فقره، وكان الناس يأتمنونه على الصدقات التي يريدون إرسالها إلى مكة، وكان أهل مكة يستبشرون به إذا حج لكثرة إحسانه م، وكان للشاميين فيه اعتقاد زائد، مات في صفر بالطاعون وله ثلاث وستون سنة، وحضر الناس جنازته حتى النائب، وقد نسخ الكثير للناس وخطه حسن. عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أبي الوفاء الشاذلي أبو الفضل ابن الشيخ شهاب الدين، اشتغل في صباه قليلاً، وتعانى النظم فقال الشعر الفائق، وكان ذكياً حسن الأخلاق لطيف الطباع، غرق في بحر النيل هو ومحمد بن عبيد اليشكالشي وعبد الله بن أحمد بن محمد التنيسي جمال الدين قاضي المالكية وابن قاضيهم، ومن نظمه أراه في مرثية محبوب له: مضت قامة كانت أليفة مضجعي ... فلله ألحاظ لها ومراشف ولله أصداغ حكين عقاربا ... فهن على الحكم المضي سوالف وما كنت أخشى أمس إلا من الجفا ... وإني على ذاك الجفا اليوم آسف رعى الله أياماً وناسا عهدتهم ... جياداً ولكن الليالي صيارف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 ومن نظمه غزل قصيدة على هذا الروي: وبي ذهبي الخد صيغ لمحنتي ... يطيل امتحانا لي وما أنا زائف يذيب فؤادي وهو لا غش عنده ... فيا ذهبي اللون إنك حائف وفي فمه شهد وشهد مكرر ... وفي خده ورد وورد مضاعف له أعين أني رأته توابع ... وأعينه أيضا لقلبي خواطف عبد السلام بن محمد الزرعي أحد سكان المجاهدية بدمشق، كان خيرا أمينا موثوقاً به، قرأت ذلك بخط ابن حجي، مات في أواخر السنة. عبد الوارث بن محمد بن عبد الوارث البكري المالكي أخو الشيخ نور الدين المقدم ذكره ونسبه في سنة ست وثمانمائة مات فيها بينبع راجعاً من الحج في المحرم. عقيل بن سريجا بن محمد الملطي الأصل المارديني نزيلها قطب الدين أبو عبد القاهر بن المحقق زين الدين، اشتغل على أبيه وحدث عنه بشيء من تصانيفه بحلب. قال القاضي علاء الدين في تاريخ حلب: كان شيخاً حسناً على الكهولة أقرب، قدم علينا بلادنا سنة ثمان وتسعين، فكتب عنه شيخنا برهان الدين شيئاً من نظم أبيه الشيخ سريجا، وتكلم على الناس بالجامع الكبير وكان كثير الاستحضار، ورجع إلى بلاده بحصن كيفا فمات هناك في هذه السنة ومن إنشاده عن أبيه: حفظ الحديث رواية ودراية ... وعلومه تسند إلى الإيمان لا جاحد في من حداه على الفتى الن ... حرير بعد تلاوة القرآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 وهي طويلة. علي بن سيف بن علي بن سليمان اللواتي الأصل الأبياري النحوي المصري نزيل دمشق، ولد سنة بضع وخمسين بالقاهرة ونشأ بغزة يتيما فقيرا فحفظ التنبيه، ثم دخل دمشق فعرضه على التاج السبكي فقرره في بعض المدراس وأستمر في دمشق وأخذ عن العنابي وغيره ومهر في العربية وشغل الناس بدمشق وأدب أولاد ابن الشهيد وقرأ عليه التفسير، وسمع من الكمال ابن حبيب وابن أميلة وغيرهما، وكان خازن كتب السمساطية، وحصل كثيرا من الوظائف والكتب، وفاق في حفظ اللغة وعني بالأصول فقرأ مختصر ابن الحاجب دروساً على المشايخ، وأكثر مطالعة كتب الأدب وصار يستحضر من الأنساب والأشعار والأخبار شيئاً كثيراً، ولم يتزوج قط ثم نهب جميع ما حصله في فتنة اللنك وكان عارفاً بأيام الناس حسن الخط كثير الأنجماع دخل القاهرة بعد الكائنة العظمى فأقام بها وحصل كتباً، ثم قدم دمشق ثم رجع فعظمه تمراز وكان يومئذ نائباً وتعصب له ففوض له مشيخة البيبرسية بعد موت النسابة فعارضه جمال الدين الأستادار وانتزعها منه لأخيه شمس الدين البيري ثم قرره في تدريس الشافعي بعد موت جلال الدين ابن أبي البقاء، فعارضه جمال الدين أيضاً وانتزعها منه لأخيه وعوضه تدريس الشيخونية، فدرس بها يوما واحداً ثم نزل عنها لي بمال واستمر على انجماعه، وحدث بالبيبرسية بسنن أبي داود وجامع الترمذي عن ابن أميلة وبغير ذلك، وحدث بالفصيح بسماعه من ابن حبيب، وسمعت منه يسيراً، وكان فقير النفس شديد الشكوى، وكلما حصل له شيء اشترى به كتباً، ثم تحول بما جمعه إلى دمشق في هذه السنة، وذكر لنا القاضي علاء الدين أنه قرأ عليه جزأً جمعه شيخه العنابي في الفعل المتعدي والقاصر وأنه لم يستوعبه كما ينبغي، قال: وذكر أن في الإصبع أحد عشر لغة فأنشدته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 البيت المشهور وفيه عشرة وطالبته بالزائدة فلم يستحضرها ولكنه صمم على العدد، وذكر لي أنه جمع جزأ في الرد على تعقبات أبي حبان لكلام ابن مالك - انتهى ومات بالشام في ذي الحجة عن نحو سبعين سنة، وتفرقت كتبه شذر مذر. علي بن محمد بن علي بن عبد الله الحلبي علاء الدين ابن القرمي نشأ بدمشق واحترف بالنسخ وبالشهادة، ثم وقع على الحكام وناب في الحكم عن البرهان الصنهاجي المالكي، وولى قضاء المجدل وتوقيع الدست ثم قضاء غزة بعناية فتح الله وكان صديقه قديما، ثم ولى قضاء دمياط مضافاً لغزة ومشيخة البيبرسية بالقاهرة، وخطابة القدس، وكان متواضعاً بشوشاً كثير المداراة والخدمة للناس ولا يمر به أحد بغزة إلا أضافه وخدمه وراح وهو يشكره، وقد سمع في صباه ابن أميلة وجماعة من أصحاب الفخر وابن القواس على ما أخبرني به، وكانت بيننا مودة مات في آخر السنة. فيروز الخازندار الرومي، تربى مع الناصر فرج من صغره فاختص به، وكان جميل الصورة نافذ الكلمة، ولى نظر الخانقاه بسرياقوس، ومات في تاسع رجب وهو شاب، وكان عمر أماكن كثيرة ووقف وقفا على تدريس بالأزهر وغيره، فاستولى الناصر على جميع أوقافه فصيرها للتربة الظاهرية. قاسم بن أحمد بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين ابن يوسف ابن محمود الحلبي الأصل العينتابي الكتبي أحد الفضلاء في الحساب والهندسة والنجوم والطلسمات وعلم الحرف والطب، وكان مفرطاً في الذكاء، وهو ابن أخي القاضي بدر الدين العينتابي، وهو الذي ترجمه وذكر أن مولده في سنة ست وتسعين، ومات في رابع عشر المحرم مطعوناً بمصر وصلى عليه بجامع الأزهر، قال: وكان له صديق يقال له خليل بن إبراهيم الخياط من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 أهل بلده فقال لما رأى جنازته وقد صلى عليها من حضر صلاة الجمعة: يا رب اجعلني مثله! فمات ليلة الجمعة المقبلة وصلى عليه كما صلى على صديقه وعاش أبو قاسم بعده مدة -. قزدمر الحسني تقدم في الحوادث. محمد بن إسماعيل بن يوسف بن عثمان الحلبي الشيخ شمس الدين الناسخ المقري كان دينا خيراً يتعانى نسخ المصاحف مع المعرفة بالقراآت أخذ عن أمين الدين ابن السلار وغيره، واقرأ الناس وانتفعوا به، وقد جاور بالحرمين نحو عشر سنين ودخل اليمن فأكرمه ملكها، وكان قد بلغ غاية في حفظ القرآن بحيث أنه يتلو ما شاء منه ويسمع في موضع آخر ويكتب في آخر من غير غلط، شوهد ذلك منه مرارا، مات في ربيع الآخر وقد جاوز السبعين، وهو عم شرف الدين أبي بكر الموقع المعروف بابن العجمي. محمد بن خليل بن محمد العرضي الشيخ شمس الدين الغزي، ولد قبل سنة ستين، واشتغل بالفقه فمهر فيه إلى أن فاق الأقران وصار يستحضر أكثر المذاهب مع المعرفة بالطب وغيره مات في جمادى الأولى. محمد بن عبيد بن عبد الله البشكالسي المالكي زين الدين، كان أبوه من أعيان أهل مذهبه وناب في الحكم، وأفتى وحدث عن عز الدين ابن جماعة وغيره، ونشأه ولده هذا ذكياً فاشتهر ذكره بالفضل، وكان يتعاشر مع جماعة من الفضلاء فاتفق أنهم توجهوا إلى شاطئ النيل فركبوا شختوراً فانقلب بهم فغرقوا. محمد بن علي بن إبراهيم بن عدنان بن جعفر بن محمد بن عدنان ابن جعفر الحسيني الشريف ناصر الدين ابن كاتب السر، وكان فاضلاً ماهراً في الأنساب كثير الاشتغال إلا أنه جامد الذهن، وكان كثير التقشف لا يتعاني الملابس ولا المراكيب، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 سمع معنا كثيراً، وكانت بيننا مودة، وكان أعجوبة زمانه في السعي كثير الدهاء، دخل القاهرة مرارا بسبب السعي لأبيه في كتابه السر فكان غالبا هو الغالب، وحصل لنفسه في غضون ذلك كثير من الوظائف والتداريس والأنظار، وكان يتبرأ من التشيع ويتهم به: قال ابن حجي: كان دينا صينا لا تعرف له صبوة، وقد عين لكتابة السر فلم يتفق ذلك، ومات في صفر بالطاعون وله سبع وثلاثون سنة. محمد بن علي بن عمر بن علي بن محمد الدمشقي المعروف بابن الأريلي سبط ابن الشريشي، مات في المحرم. محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن يوسف الدمشقي فتح الدين بن الشيخ شمس الدين ابن الجزري نزيل بلاد الروم ثم دمشق، باشر الأتابكية بدمشق إلى أن مات في صفر مطعوناً، وكان جيد الذهن يستحضر كثيراً من الفقه ويقرئ بالروايات ويخطب جيداً، ترجمه ابن حجي فقال: وكان ذكيا جيد الذهن يستحضر التنبيه ويقرأ بالروايات، أخذ ذلك عن أبيه وعن الشيخ صدقة وغيرهما، ومات في صفر مطعوناَ ولم يكمل الأربعين، وقد رأيته بالقاهرة، هو ولد صاحبنا الشيخ شمس الدين، وعاش بعده دهراً، وكان قد تسحب من أبيه لما توجه إلى بلاد الروم، ثم حضره إلى القاهرة برسالة ابن عثمان بسبب المدرسة الصلاحية وكانت مع والده، فوثب عليها بعده القمني فنازعه فتعصب للقمني جماعة فغلب ابن الجزري، فنازع جلال الدين ابن أبي البقاء في تدريس الأتابكية ونظرها، فلم يزل إلى أن فوضها له برغمه، ثم تصالحا وفوضها له باختياره، وباشرها إلى أن مات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 محمد بن مسكين بن مسعود الشبراوي اشتغل كثيراً وكان مقتدرا على الدرس فدرس كتاب الشفاء وعرضه، ثم درس مختصر مسلم للمنذري ولم يكن بالماهر مات في سلخ السنة. محمد بن الحنبلي شمس الدين شاهد القيمة، وكان من كبار الحنابلة وقدمائهم وكان ورعاً قليل الكلام على سمت السلف مات في رابع ربيع الأول وقد بلغ الستين. هود بن عبد الله المحابري الدمشقي، مات في أوائل السنة. يحيى بن محمد بن حسن بن مرزوق المرزوقي الجبلي - بكسر الجيم وسكون الباء الموحدة - الشافعي اليمني، تفقه على رضى الدين ابن الرداد وسمع من علي بن شداد واشتغل كثيراً وكان عابداً ديناً خيراً، يتعانى السماعات على طريق الصوفية ويجتمع الناس؛ عنده لذلك، مات في جمادى الآخرة وقد بلغ ثمانين سنة. يشبك الموساوي تقدم في الحوادث. يوسف بن أحمد بن عبد الله بن الصائغ وهو لد شيخنا أبي اليسر المقدم ذكره قريباً وكان ثقيل البدن خفيف الروح كثير المجون حسن المذاكرة، ولي تدريس الدماغية ونظر الرباط الناصري، مات في المحرم. يوسف بن محمد النحاس جمال الدين المعروف بابن القطب الحنفي، وكان يجلس في الشهود ثم ولى الحسبة مرة ثم ناب في الحكم، ثم سعى في القضاء بعد فتنة اللنك فوليه مرارا، وكان عربا عن العلم وباشر مباشرة غير محمودة، مات في المحرم لم يكمل السبعين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 سنة خمس عشرة وثمانمائة استهلت والناصر قد رحل في آثار الأمراء الذين خامروا عليه، فدخل دمشق كما قدمنا في سلخ السنة الماضية وخرج منها في سادسه، ووقع في أول يوم منه تقرير ابن الكشك في قضاء الحنفية وكان عماد الدين ابن القصاص قاضي الحنفية بحماة، قد جرت له مع يشبك ابن أزدمر وكائنة قبيحة جدا فخرج من حماة إلى دمشق فبذل لنوروز نائب الشام مالاً فولاه قضاءها، ثم عزل فتوجه إلى مصر فقرره طوغان وهو بغزة في قضاء الشام فوصل الى دمشق، فلم يتمكن من المباشرة لدخول الشريف ابن بنت عطاء بتوقيع قضاء الحنفية بدمشق فباشر، ثم دخل الناصر دمشق فأعاد ابن الكشك، فولى قضاء دمشق ثلاثة أنفس في عشرة أيام، وأفرج الناصر عن ناصر الدين ابن البارزي ونكباي الحاجب وسار إلى جهة حمص وقد بلغه أن الأمراء دخلوا بها، فبلغه أن الأمراء رحلوا إلى بعلبك فوصل ا، فوجدهم قد توجهوا إلى البقاع على جهة وادي التيم لقصد القاهرة فتوجه م، فمضوا إلى جهة الصبيبة وهو يتبعهم حتى نزلوا باللجون، فأشار عليه نصحاؤه أن يرجع إلى دمشق حتى يستريح العسكر ثم يتوجه م فيأخذهم من الصبيبة، فأبى ولج في طلبهم وظن أنهم في قبضته وأن الذي أشار عليه بذلك غشه وأتهمه لهواه فيهم، ثم ركب في ساعته وساق فما وصل إلى اللجون حتى تقطعت عساكره ولم يبق معه إلا اليسير، وذلك في ثالث عشر المحرم، وكان الأمراء قد دخلهم الخوف منه فعزموا على أن يتوجهوا في الليل من وادي عارا إلى جهة الرملة ثم يقصدوا حلب من طريق البرية ولم يخطر لهم أن يقاتلوه خوفاً منه وعجزاً عنه، فساعة وقوع عينه عليهم حمل واقتحم فيهم، فارتطمت خيول الذين معه في وحل كان هناك وخامرت طائفة منهم فقتل في المعركة مقبل الرومي وكان الناصر قد فسخ عقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 أخته من نوروز وزوجها لمقبل، فقصده نوروز فقتله في المعركة وقتل الطنبغا سقل وجرح سكب فمات من جراحه بعد ذلك بأيام، ووقعت في الناصر جراحة فانهزم راجعاً إلى دمشق، فأشار عليه بعض من ينصحه أن يتم مستمراً إلى القاهرة، فامتنع لما أراد الله من هلاكه وتوجه إلى دمشق فأدركه الليل في بيت تركماني فعرفه فأنزله عنده وكان معه حينئذ ثلاثة أنفس فأقام في الليل يسيراً حتى استراح، ثم قدم له التركماني حجرة وكان فرسه قد أعيا فركبها ووعده بمال وإقطاع وتوجه إلى دمشق فتحصن بالقلعة، واحتاط الأمراء بالخليفة والقضاة وكاتب السر وناظر الجيش وبجميع ما كان مع الناصر من المال والخيل مما لم يتركه محتسبا، فانتقل الأمراء من الخوف إلى الأمن ومن الذل إلى العز، وتقدم شهاب الدين الأذرعي أمام شيخ وهو ابن أخي بدر الدين ابن قاضي أذرعات فصلى بالقوم المغرب فقرأ " واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فاوئكم وأيدكم بنصره " - الآية فوقعت الموقع لمناسبة الحال وأصبح الأمراء ورأسهم شيخ ونوروز فاشتوروا فيما يفعلونه وكان كاتب السر فتح الله قد خاف من الناصر فأشار عليهما أن يكتبا إلى القاهرة بما اتفق بحفظ القلعة والبلد ويكتب الخليفة بمثل ذلك، وتوجه قجقارا القردمي بذلك فوصل آخر الشهر، ورحل الأمراء إلى دمشق فوصلوا في نصف المحرم، وكان الناصر قدم تلك الليلة وطلع القلعة واستدعى القضاة والأعيان، ورغبهم فيما لديه ووعدهم بالعدل والجميل فمالوا معه وشجعوه، فتلاحق به العسكر شيئاً بعد شيء، ووجد تغري بردى نائب الشام قد مات في ذلك اليوم فقرر عوضه دمرداش، واخذ بالاستعداد وأخرج الأموال والسلاح، فاجتمع له جمع كثير وانفق فيهم، وقواهم بالمدافع والمكاحل ورفع الجسور عن الخنادق، وأمر القضاة أن يركبوا مع القاضي جلال الدين البلقيني وكان قد تقدم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 قبل الوقعة إلى دمشق وينادي بأن الناصر قد أبطل المكوس وأزال المظالم، ويطلب منهم الدعاء، فتعصب له عوام الشام، فلما كان في الثامن عشر من المحرم نزل الأمراء قبة يلبغا، فندب الناصر لهم عسكراً فخرج م سودون الجلب وسودون المحمدي فهزموهم ثم ارتحلوا فنزلوا غربي البلدة ووقفوا من جهة القلعة فتراموا بالنشاب، ثم نزل نوروز بدار الطعم وشيخ بدار غرس الدين الأستادار وضم معه الخليفة وكاتب السر والقضاة ونزل بكتمر جلق وقرقماش، فمنعوا الميرة عن الناصر وقطعوا نهري دمشق، فتعطلت الحمامات وغلقت الأسواق وعظم الأمر واشتد القتال وكثرت الجراحات. وفي ثالث عشري المحرم لحق بالأمير شيخ ناصر الدين ابن العديم قاضي الحنفية وشهاب الدين الباعوني وشهاب الدين الحسباني وكانوا بالصالحية. وناصر الدين البارزي وصدر الدين الأدمي وكانا من أخصاء شيخ فأنس بهما وعرفاه بأحوال البلد مفصلة، وبسط ناصر الدين ابن العديم لسانه في الناصر فبلغ ذلك الناصر، فقرر ابن الشحنة في قضاء الحنفية بالقاهرة عوضا عنه ويقال، إن ناصر الدين المذكور كان ممن شهد الوقعة باللجون وأحيط به مع الخليفة والمباشرين. وفي الرابع والعشرين من المحرم وسط بلاط أشق شاد الشربخاناة وبلاط أمير علم وكان كل منهما يذبح المماليك الظاهرية بين يدي الناصر بالقاهرة. وفي يوم السبت خامس عشري المحرم أشهر غلبة الخليفة بخلع الناصر من الملك لما ثبت عليه من الكفريات الانحلال والزندقة وحكم ناصر الدين ابن العديم بسفك دمه. واستقر في السلطنة الخليفة المستعين بالله أبو الفضل العباس بن المتوكل العباسي، ولم يغير لقبه، وبايعه الأمراء ومن حضره، وكان رأي الأمراء قد اجتمع على ذلك، فلم يوافقهم الخليفة إلا بعد شدة وتوثق منهم بالإيمان فاشتد امتناعه وصمم فبادر كاتب السر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 فتح الله فأرسل جماعة منهم محمد بن مبارك الطازي، هو أخو الخليفة لأمه ورتب معه ورقة فيها مثالب الناصر وأن الخليفة عزله من السلطنة فلا يحل لأحد من المسلمين القتال معه ولا مساعدته فإنه فعل وفعل - وعدد مثالب الناصر، وقرأه شخص منهم جهراً ودار بها على الوطاق كله حتى بلغ ذلك الناصر وتحققه وتوعد الخليفة بكل سوء ظنا منه أن ذلك من تدبيره، فبلغ ذلك الخليفة فسقط في يده وأيس من صلاح الناصر له، فأجاب إلى ما التمسوه منه من القيام بالأمر، فبايعوه كلهم فحلفوا له على الوفاء وأحضروا له لباس الخظيب الأسود فلبسه وجلس على كرسي وقام الكل بين يديه وقرر بكتمر جلق في نيابة الشام وقرقماش في نيابة حلب وسودون الجلب في نيابة طرابلس والأميرين شيخ نوروز في ركابه يدبران الأمر، ونادى منادي الخليفة ألا أن فرج بن برقوق خلع من السلطنة ومن حضر إلا أمير المؤمنين وابن عم رسول الله فهو آمن، فتسلل الناس عن الناصر، وكتب المستعين إلى القاهرة باجتماع الكلمة له، وأمر يلبغا الناصري بحفظ البلد، فلما كان صبحة هذا اليوم قدم الحاج فتلقاهم شيخ وبعث كل طائفة إلى الجهة التي قصده ومنعهم أن يمروا تحت القلعة. وفي سابع عشري المحرم استقر برهان الدين الباعوني في قضاء الشافعية بالقاهرة عوضا عن البلقيني وشهاب الدين الحسباني في قضاء الشافعية بدمشق عوضا عن الإخنائي واشتغل الأميران بحصار الناصر، وقتل في هذه الفتنة خلق من الأمراء منهم يشبك العثماني، ولما بلغ الناصر ما صنع فتح الله عزله من كتابة السر وقرر عوضه فخر الدين ابن المرزوق وأضاف نظر الخاص إلى الوزير سعد الدين بن البشيري وكان معه بدمشق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 وفي ثاني صفر قدم قجقار القردمي القاهرة فذكر الواقعة، فأراد اسنبغا الزردكاش أن يقبض عليه فمنعه يلبغا الناصري وقرأ كتبه واشتهر الخبر، ورتب الناصري لقجقار ما يليق به وبمن معه وهم نحو ثلاثين نفرا، ثم قدم كزل العجمي وعلى يده كتب من الخليفة والأمراء بما تقدم من خلع الناصر، وقدم بعده ساع من عند الناصر يخبر فيه بأنه ملتجئ إلى القلعة، ثم قدم قصروه وعليه خلعة الخليفة وكتاب إلى الناصري ومن بالقاهرة من الأعيان فقرئ، وأرسل إلى الجامع الطولوني فقرأه ابن النقاش ثم إلى الجامع الأزهر فقرأه مسطرها - كما سيأتي. وفي السادس من صفر شاع بين الناس أن قرا يلك وغيره من التركمان قد وصلوا نجدة إلى الناصر فنادي شيخ بتكذيب ذلك وأن المذكورين جاليش تمر لنك فاحذروهم، ثم اجتمع الجميع وأعادوا بيعة المستعين وجددوا له الأيمان وأنهم رضوا بأن يكون حاكماً عليهم وأنه المستبد بالأمور من غير معارضة أحد منهم له. وفي الثاني من صفر اشتد القتال وحمل شيخ بمن معه فانهزم أصحابه وثبت هو ثم تراجعوا وصدقوا الحملة فانهزم أصحاب الناصر ووصل شيخ إلى طرف القنوات، فجاء دمرداش فأعلم الناصر أنه قد سهل القبض عليه وسأله أن يندب معه رجالاً، فناداهم فلم يجبه أحد فأعاد فأجابه بعضهم بجواب فيه جفاء وإذا العسكر قد احتيط بأن نوروز كبسهم، فهربوا بحيث لم يبق بين يدي الناصر أحد، فملك شيخ الميدان والإصطبل، فأشار دمرداش على الناصر أن يرحل إلى حلب، فقام فدخل حريمه ليلاً وتجهز فلم يخرج، فاستبطأه دمرداش فتركه وسار، وقام ناس على الأسوار فنادوا: نصر الله أمير المؤمنين! فلما سمع الرماة ذلك تخوفوا على أنفسهم ففروا، فركب الناصر فرسه ودار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 على السور فلم يجد أحدا فعاد إلى القلعة، فركب شيخ ودخل من باب القصر وملك المدينة ونزل بدار السعادة، وامتدت أيدي الغوغاء إلى النهب فبالغوا، ونزل المستعين في البلد، ويقال إن دمرداش لما رأى أن حال الناصر تلاشى احتال لنفسه فقال للناصر: أروح أنا وابن أخي واجمع عسكراً من التركمان وغيرهم فمال الناصر لكلامه وأعطاه مالاً كثيراً لذلك فتوجه من دمشق ومعه نحو مائتي نفس، فلما رأى الذين مع الناصر ذلك خارت قواهم ووهنوا، فرأى الناصر علامة الخذلان فقال لهم: من شاء أن يستوثق لنفسه فليفعل، فتفرقوا، ثم تحول شيخ إلى الإصطبل، وأنزل بكتمر جلق في دار السعادة، فلما كان يوم الأحد بعث الناصر يطلب الأمان ويستحلف الأمراء، فحلفوا له على ما أراد وأرسلوا له أخا الخليفة لأمه محمد بن مبارك الطازي فطال بينه وبينه الكلام ولم يفترقا على طائل فعاد والرمي عليهم من أعلى القلعة فعادوا الحصار، فاضطره الأمر إلى أن ينزل ليلة الاثنين ومعه أولاده يحمل بعضهم ويحمل معه بعضهم وهو يمشي من باب القلعة إلى الإصطبل، فلما رآه شيخ قام وقبل الأرض وأجلسة بصدر المجلس فسكن روعه فبات تلك الليلة، وأصبح شيخ يوم الاثنين فلم يجتمع به، واجتمع الأمراء عند المستعين يوم الثلثاء بدار السعادة فاشتوروا فيما يصنعونه بالناصر، فاتفق رأيهم على أن يمضوا فيه حكم ابن العديم، فأخذ في ليلة الأربعاء من الإصطبل فحبس في مكان من القلعة وحده لا يصل إلا من يناوله حاجة المأكول والمشروب خاصة وترك فريداً إلى ليلة السبت سادس عشر صفر، فدخل عليه محمد بن مبارك الطازي ورجل من خواص شيخ وآخر من خواص نوروز ورجلان من المشاعلية، فلما رآهم أحس بالشر فقام ودافع عن نفسه فبادره المشاعلية حتى صرعاه بعد ما أثخنا جراحه وتقدم أحدهما فخنقه، فلما ظن أنه أتلفه قام عنه فتحرك فعاد مرة بعد مرة ففرى أوداجه بخنجر كان معه ثم سحبه بعد ما سلبه فألقاه على مزبلة تحت السماء ليس عليه سوى لباسه وعيناه مفتوحتان، يمر به القريب والبعيد وقد صرف الله قلوبهم عنه فلا أحد يترقق له ولا يحن له بل ربما مد بعضهم يده فعبث بلحيته ثم حمل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 ليلة الأحد فغسل وكفن وصلى عليه ودفن بقبر بباب الفراديس، ولم تكن له جنازة مشهودة فسبحان المعز المذل! وكان شيخ يحلف أنه لم يكن يريد قتله ولم يرد إلا أن يسجنه ببعض الأماكن مرفها ويرتب له ما يأكل ويشرب ووافقه جماعة من الأمراء منهم يشبك ابن أزدمر إلا أن نوروز وبكتمر جلق لم يأمنا عاقبته فحرضا على قتله وساعدهما حكم ابن العديم فقتله بسيف الشرع فقتل، ولقد كان الناصر هذا أعظم الناس خذلاناً لدين الإسلام وأشأمهم طلعة على المسلمين والعجب أنه ولد لما أقبل يلبغا الناصري ومنطاش فبشر أبوه فسماه بلغاق - يعني فتنة، فما خلص أبوه من الكرك سماه فرجا فكان اسمه الأول هو الحقيقي. وفي عاشر صفر قبض على الإخناي وابن المزوق والغرس الأستادار وعبد الرزاق ناظر الجيش وصودروا، وخلع على صدر الدين ابن الأدمي بكتابة السر بدمشق، وعلى الأموي بقضاء المالكية بها، وتقرر الأمر بين الأمراء أن يكون الأميران مدبران الأمر بين يدي الخليفة وأن ينزل شيخ بباب السلسلة وينزل نوروز في بيت قوصون، فلما كان الخامس والعشرين من صفر التمس نوروز من الخليفة أن يقرره على نيابة الشام فأجابه إلى ذلك وخلع عليه وصرف عنه بكتمر جلق واستقر أميراً كبيراً بالقاهرة، واعتل نوروز بأنه يخشى وقوع الفتنة وأن التدبير لا يكون إلا لشخص واحد، فأجيب لذلك وفوضت له كفالة الشام كله، وجعل له تعيين النواب في البلاد وتعيين الإقطاعات لمن يراه وكذلك أمر القضاة والمباشرين، فيطالع الخليفة بمن يرى تقريره فيكتب له تقليده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 وفي السابع والعشرين من صفر أعيد جلال الدين البلقيني إلى قضاء الشافعية بالقاهرة وعزل الباعوني، فكانت مدته نحو شهر اسما بلا مباشرة، وصرف نوروز ابن الأدمي عن كتابة السر وقرر فيها البصروي وصرف الحسباني عن قضاء الشافعية بدمشق وقرر الأخناني فتوجه مع الحسباني إلى وطاق الخليفة، فكتب له توقيعاً بخطابة الجامع ونظر الأسرى ومشيخة السميساطية ونصف الناصرية، فضرب نوروز على الخطابة وأبقاها مع الباعوني، ثم بقي نصف الناصرية مع شهاب الدين ابن نقيب الأشراف، ثم قرر الباعوني في المشيخة، فلم يبق مع الحسباني سوى نظر الأسرى ثم انتزعت منه. وفي ثامن صفر وصلت الأخبار إلى القاهرة صحبة كزل بما جرى للناصر وقرئت الكتب بذلك على الناس، وكذب اسنبغا الزردكاش ذلك وأراد إثارة فتنة، فساس يلبغا الناصري الأمر حتى سكن اضطرابه، ووصل كتاب الخليفة بأن يسلم يلبغا القلعة فأذعن له وتوجه إلى داره، وصدرت الكتب من الخليفة إلى أمراء التركمان والعربان والعشير ومفتتحها: من عبد الله ووليه الإمام المستعين بالله أمير المؤمنين، وخليفة رب العالمين، وابن عم سيد المرسلين، المفترضة طاعته على الخلق أجمعين، أعز الله ببقائه الدين إلى فلان. وفي الثامن من ربيع الأول توجه الخليفة وشيخ ومن معهما إلى القاهرة فدخلوا في يوم الثلاثاء ثاني شهر ربيع الآخر بعد أن تلقاهم الناس إلى قطيا وإلى الصالحية وإلى بلبيس، وحصل للناس من الفرح بذلك ما لا يزيد عليه، ونادوا في الناس برفع المظالم والمكوس. وفي سادس عشرة توجه نوروز من دمشق إلى حلب وقرر في نيابتها سودون الجلب فمات معه في حادي عشر ربيع الأول، واستقر يشبك ابن أزدمر في نيابة طرابلس وخرج نوروز من حلب وطلب دمرداش فوصل إلى عينتاب فقطع دمرداش الفرات، فرجع نوروز فوجد سودون الجلب قد مات فقرر في نيابة طرابلس طوخ ورجع إلى دمشق فدخلها في أوائل رجب، وتوجه الطنبغا القرمشي نائبا على صفد، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 وقد ضرب نوروز الدراهم الخالصة زنة الواحد نصف درهم والدينار بثلاثين منه، وفرح الناس بها وكانت معاملاتهم قد فسدت بالدراهم المنشوشة النيروزية وكان منه بها قديما في كل درهم عشرة فضة وتسعة أعشاره نحاس. وفي شهر ربيع الأول استقر الشيخ محب الدين محمد بن الأشقر شرف الدين عثمان الكراوي في مشيخة الخانقاه الناصرية بسرياقوس وكان شيخها شهاب الدين ابن أوحد قد قام عليه الصوفية لما بلغهم خير الملك الناصر لأنه كان يستطيل عليهم بصحبته فآذوه ورموه بكل عظيمة وكان جديراً بذلك، فخشي على نفسه منهم فبادر بالنزول عن الخانقاه المذكورة للمذكور لمعرفته بمحبة الناس له لحسن سياسته، فأمضى له يلبغا الناصري النزول واستقر بها، وخرج ابن أوحد إلى ملاقاة معارفه من المصريين في العسكر، واستقرت قدم بن أشقر في سرياقوس، وكان قد تزوج بنت البرهان المحلى وهي أخت زوجة الخليفة، فخرج إلى لقائه فتلقاه بإكرام وتعظيم. وفي الثاني من ربيع الأول دخل الخليفة القاهرة فشقها والأمراء بين يديه فاستمر إلى القلعة فنزلها، ونزل شيخ الإصطبل بباب السلسلة، وكان شيخ يظن أن الخليفة يتوجه إلى بيته ويستعفي من السلطنة، فلما لم يفعل ذلك أعرض عنه وأبقى له من يخدمه من حاشيته، واستقرت الخدمة عند شيخ وأمسك اسنبغا الزردكاش، فادعى عليه مدع بموجب القتل فقتل، وقبض على أرغون وسودون الأسندمري وكمشبغا، المزوق، وقرر في نيابة الإسكندرية خليل الحشاري عوضا عن قطلوبغا الخليلي بحكم موته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 وفي الثامن منه صعد شيخ والأمراء إلى القصر وجلس الخليفة على تخت الملك فخلع على شيخ خلعة عظيمة بطراز لم يعهد مثله وفوض أمر المملكة بالديار المصرية في جميع الأمور وكتب له أن يولي ويعزل بغير مراجعة وأشهد عليه بذلك ولقب نظام الملك، وقرر طوغان دويدارا وشاهين الأفرم أمير سلام وإينال الصصلائي في الحجوبية، وخلع على يلبغا الناصري وسودون الأشقر، وقرر الطنبغا العثماني في نيابة غزة عوضا عن سودون بن عبد الرحمن، ونزلوا كلهم في خدمة شيخ، فلما كان في اليوم الذي يليه عرض شيخ الأجناد وفرق الإقطاعات وقرر جمقمق دويدار في خدمة الخليفة وأسكنه القلعة وتقدم بأن لا يمكن الخليفة من كتابة علامة إلا بعد عرضها على شيخ، فاستوحش الخليفة حينئذ وضاق صدره كثر قلقه واتضع جانبه وصار الملك كله لشيخ فسبحان من له الأمر كله. وفي حادي عشر استقر صدر الدين ابن العجمي في حسبة القاهرة وصرف ابن الدميري، وخلع على المباشرين باستقرارهم على عادتهم، وخلع على تاج الشويكي، واستقر والي القاهرة واستقر بدر الدين حسن ابن محب الدين أستادارا وسكن بيت جمال الدين واستقر شهاب الدين أحمد الصفدي ناظر المارستان عوضا عن فتح الله وناظر الأحباس عوضا عن تاج الدين ابن نصر الله أخي ناظر الجيش بدر الدين وقام جد القيام في دفع ذلك فلم يجب سؤاله، واستقر ناصر الدين البارزي في توقيع الأمير عوضاً عن تاج بن نصر الله وشرف الدين ابن التباني في وكالة ببيت المال ونظر الكسوة وفي قدوم القوم إلى القاهرة انحلت الأسعار ورخصت الغلال، وزاد النيل زيادة وافرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 بحيث أنه عند الناروز كان قد وفى ثمانية عشرة ذراعا واستبشر الناس بذلك، وخف الظلم جداً وتعطلت الرمايات والمصادرات وبيع الأنفس الأحرار والمجاهرة بالمحارم في الجملة. وفي السادس عشر من جمادى الأولى قرئ تقليد الأمير شيخ بتفويض الخليفة له بأمور المملكة وجميع ما قد اشتهر من خلافته. وفي ثالث عشر منه جلس في الحراقة وبين يديه القضاة والأمراء والمباشرون وقرأ كاتب السر عليه القصص كما جرت العادة عند السلاطين في دار العدل ولم يبق له من السلطنة سوى اسمها والسكة والخطبة، واستمر يعمل عنده الخدمة كل اثنين وخميس. وفي رابع عشر منه قرر صدر الدين ابن الأدمي في قضاء الحنفية بالقاهرة وصرف ابن العديم بالمال حتى أعيد إلى الشيخونية في رجب، وصرف أمين الدين من الطرابلس وأرسل جقمق إلى بلاد الشام بتقاليد النواب من جهة الخليفة. وفي الثامن من جمادى الآخرة مات بكتمر جلق وكان قد لسعته عقرب من مدة شهرين فتمرض منها حتى مات، ونزل شيخ للصلاة عليه راكبا والناس مشاة فخلا الجو لشيخ بموت بكتمر، وفيه جهزت سارة بنت الملك الظاهر إلى زوجها نوروز بدمشق فخرج يلقاها إلى الرملة فوصلت وهي ضعيفة، فتوجه بها إلى القدس فماتت هناك. ولما دخل القدس اتصل به شمس الدين محمد بن عطاء الله الهروي، فقرره في تدريس الصلاحية عوضا عن الشيخ زين الدين القمني وكان الوظيفة بيد القمني ويستنيب فيها شهاب الدين ابن الهائم، فمات ابن الهائم فخلت عن تدرس فوثب عليها الهروي، وفي جمادى الآخرة قرأ البارزي موقع شيخ بين يديه القصص في غير أيام الخدمة فكثر الناس على بابه وقل تردادهم على فتح الله فبدأ جانبه في الانحطاط، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 وفي يوم السبت تاسع عشرين رجب عقد مجلس بين يدي شيخ بسبب مدرسة جمال الدين وادعى أخوه شمس الدين علي فتح الله كاتب السر أنه واضع يده عليها ظلماً فأجاب بأنها صارت للناصر بوجه شرعي وأنه فوض له النظر عليها، فبدر ابن الأدمي فقال: حكمت بإعادتها إلى وقف جمال الدين وكذلك أوقافها على ما كان جمال الدين وقفها، وانفصل الأمر على ذلك. وفي رجب شكى أخو جمال الدين الأستادار وعائلته ما أصابهم من الناصر وانتزاع أوقافهم، فحكم صدر الدين ابن الأدمي بإبطال ما صنعه الناصر وبإعادة وقف جمال الدين على حاله وصرف الفرائض من الربع إلى ورثة جمال الدين، وكان فتح الله سعى في ضد ذلك فلم يجب سؤاله واتضع جانبه جدا وسعى أخو جمال الدين حينئذ فاستعاد البيبرسية بحكم أنها كانت بيده وخرجت عنه لعلاء الدين الحلبي ثم نزل عنها لكائنة، فلم يزل أخو جمال يسعى إلى أن اشترك معه في المشيخة. ثم انتزعها كلها في سنة عشرة ثم استعادها كاتبه كلها في سنة ثماني عشرة. وفي مستهل شعبان بويع الأمير شيخ بالسلطنة باتفاق من أهل الحل والعقد الذي حضروا من الأمراء والقضاة والمباشرين ثم صعد إلى القصر فجلس على تخت الملك، وقبل الأمراء الأرض فصافحه القضاة وأصحاب الوظائف، وقررهم على وظائفهم، وأرسل إلى الخليفة ليشهد عليه بتفويض السلطنة له على عادة من تقدمه فأجاب بشرط أن ينزل من القلعة إلى بيته، فلم يوافقه السلطان على ذلك بل استنظره أياماً، ولقب السلطان بالملك المؤيد بعد أن شاوروه في ذلك فاختار هو هذا اللقب، وكنت حاضراً في وظيفة إفتاء دار العدل فاتفق أنهم اختلفوا في تكنيته فقلت الذي يوافق التأييد هو النصر فاتفقوا على تكنيته أبا النصر وافترق المجلس على ذلك، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 واتفق في يوم سلطنته قدوم جمقمق الدوادار راجعاً إلى دمشق لتقليد النواب - فتلقاه نوروز وخلع عليه ظانا أن الأمر على ما كان عليه، فلما كان في ثامن عشرة رجع إلى دمشق فقبض عليه نوروز وسجنه. وفي السادس من شعبان توجه طرباي بخلعه استقرار لنوروز في نيابة الشام فلما بلغه ذلك أعاد جواباً قبيحا وأفحش في الرد وكاتبه كما كان يكاتبه من قبل فرجع الرسول مسرعا فوصل في أول يوم من رمضان فجهز المؤيد الشيخ شرف الدين ابن التباني في ثامن عشرة رسولا إلى نوروز يعظه ويشير عليه بالدخول في الطاعة، فقدم عليه في سابع شوال، فلم يلقه بإكرام ومنعه من الاجتماع بالناس، وقبض على نجم الدين ابن حجي وكان خرج مع الحجاج فوشي به إلى نوروز أنه يريد التوجه من مكة إلى مصر فحبسه بالقلعة ثم أفرج عنه بعد خمسة عشر يوما وأرسل نوروز إلى الأمراء من البلاد أن يوافوه بدمشق لحرب المؤيد، فوصل تغري بردي ابن أخي دمرداش وطوخ وقمش ويشبك بن أزدمر، فاستقر الرأي أن يرجعوا إلى بلادهم ويتجهزوا ويعودوا إلى دمشق، ثم وصل الخبر بمجيء إينال الرجبي وجانبك الصوفي في عسكر من جهة المؤيد إلى غزة فملكوها، وهرب كاشف الرملة إلى نوروز فجهز نوروز جيشاً إلى غزة فتوجه معه كاشف الرملة فكبسوا إينال الرجبي بالقدس فكسروه وأرسل إلى دمشق وكان زوج أخت نوروز فخامر عليه، فلما حضر إلى نوروز بصق في وجهه ثم أطلقه وتوجه عسكر نوروز فأخذوا غزة، فهرب جانبك الصوفي إلى صفد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 وفي الثامن من شعبان عمل المؤيد الخدمة بدار العدل في الإيوان وكانت قد انقطعت من مدة طويلة وقرر الأمراء فيلبغا الناصري أتابك العساكر وطوغان دويدارا كبيرا وشاهين الأفرم أمير سلاح، وقانباي المحمدي أمير أخور وسودون الأشقر رأس نوبة، خلع على القضاة والمباشرين. واستقر شمس الدين التباني في قضاء العسكر عوضا عن جمال الدين ابن القطان. وكان استقر في الوظيفة بعناية الخليفة فعزل. وفي هذا اليوم صرف نوروز شهاب الدين الأموي عن قضاء المالكية وأعاد عيسى فرحل الأموي إلى القاهرة. وفي شعبان تجهز طوغان ومعه عسكر إلى البحيرة لدفع عرب لبيد وكانوا قد أفسدوا فقتل منهم جماعة فرحلوا إلى الإسكندرية فحاصروها فتجهز م قرقماش ابن أخي دمرداش. وفي الثاني من رمضان جمع ود والنصارى، وحضر جماعة من أهل العلم منهم ابن النقاش وشمس الدين التباني وشهاب الدين بن سنقري مع المحتسب ابن العجمي وكتب أسماء أهل الذمة وقررت عليهم الجزية على قدر أحوالهم، على الغني أربعة دنانير والوسط ديناران والفقير دينار واحد، فبلغت الجزية في هذا السنة عشرة آلاف دينار، وكانت في العام الماضي ألفا وخمسمائة فقط. وفي شوال أرسل المؤيد آقبغا الأسندمري إلى دمرداش بتقريره نائباً بحلب، وفي تاسعه قبض على سودون المحمدي بالقاهرة وأرسل إلى الإسكندرية لأنه كان يميل إلى نوروز، وقبض على كاتب السر فتح الله وعوق بالقلعة وأحيط بداره - وقبض على حواشيه، ثم صرف في ليلة الجمعة وألزم بمائة ألف دينار، وحمل في ليلة الأحد إلى بيت الأستادارا وشرع في بيع حواصله، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 وقرر ناصر الدين البارزي في كتابه السر عوضا عن فتح الله، وكان صدر الدين الأدمي قد عين لذلك من قبل فاتفق له رمد أشفى منه على العمى، فاستقر البارزي وسجن فتح الله بالقلعة في أواخر شوال، ثم عوقب في سادس ذي الحجة على ظهره عقوبة بالغة وعصر حتى كاد أن يموت، ثم أهين إهانة بالغة ثم حول في ثامن ذي الحجة إلى ناظر الخاص فانزله في دار مضيفاً عليه وكان المؤيد وقد نقل الخليفة المستعين من القصر فأنزله في دار من دور القلعة ومعه أهله ووكل به من يمنع من الاجتماع به، فبلغ ذلك نوروز فجمع القضاة والعلماء في سابع ذي القعدة واستفتاهم عما صنعه المؤيد بالخليفة من خلعه وسجنه فأفتوا بعدم جواز ذلك وافترقوا عن غير شيء، وفي هذا الشهر انتهت عمارة قلعة دمشق إلى أن صارت أحسن مما كانت وأعمر، وتوسع نوروز في النفقات والعطايا حتى أنه أعطى تغري بردى ابن أخي دمرداش ثمانية آلاف دينار ويشبك بن أزدمر خمسة آلاف دينار - وقس على ذلك، وكثرت مصادراته للناس فأخذ من خليل الأستادارا وحده مائتي ألف دينار، ويقال إنه وجد مع ناس من أهل البقاع ذهباً فأنكر عليهم، فاعترفوا أنهم نبشوا لدفن ميت فوجودا ناووسا ففتحوه فوجدوا فيه ذهباً كثيراً فاقتسموه فتتبع نوروز من أخذه واستعاد منه ما قدر عليه، فحصل له نحو ثلاث غرائر ملأى ذهباً فيما قيل. وفي تاسع شوال سجن سودون المحمدي بالإسكندرية. وفي ذي القعدة قطع الدعاء للخليفة بمكة ودعي للمؤيد وحده وكان من أول دولة المستعين يدعى لهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 وفيه مات طوغان نائب قلعة الروم فتغلب عليها دمرداش ثم وصل تقليد بنيابة حلب فسار ا، واستقر في تاسع ذي الحجة وخطب باسم المؤيد بها، وكان أهل حلب قد ركبوا على يشبك بن أزدمر وأخرجوه منها بسبب كثرة ظلمه لهم وأخذ أموالهم بغير تأويل، فلما خرج إلى البر يتنزه أغلقوا في وجهه أبواب البلد، فوقعت بينهم حروب ببانقوسا فكسروه فرجع إلى دمشق مستنصراً بنوروز، وأرسل أهل حلب إلى دمرداش وكان مقيما بقلعة الروم من حين هرب من دمشق والناصر في الحصار فأمروه عليهم، وأثار أهل طرابلس بأصحاب طوخ وكان مقيما بحماة فقتلوه أستاداره وولده وأخرجوا الحاجب بعد ما خرج، وأرسل نوروز من استولى على غزة، وهرب نائبها فلجأ إلى العرب فأقام عندهم. وفي الثالث من ذي الحجة قرر المؤيد قرقماش ابن أخي دمرداش في نيابة الشام وأمره بقتال نوروز فوصل إلى الرملة ثم رجع بغير قتال، وكان نوروز قد راسل المؤيد يسأله أن يستمر في نيابة الشام وأن يستبد بها فلم يجب على سؤاله وعرف أنها مكيدة. وفي الثالث من ذي الحجة استقر شرف الدين ابن التباني بعد أن وصل من الرسلية لنوروز في تدريس الشيخونية ومشيختها عوضا عن ابن العديم، وكان ابن العديم حج واستخلف في التدريس الشيخ سراج الدين قارئ الهداية، وفي المشيخة شهاب الدين ابن سفري. وفي أواخر ذي الحجة صرف ابن العجمي من الحسبة وألزم بمال حمله واستقر محمد بن شعبان على بذل خمسمائة دينار دفعة واحدة معجلة وفي كل شهر مائة دينار، وكان سعر الغلال في هذه السنة رخيصة بمصر جدا حتى بلغ الشعير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 كل ويبة دينارين ونوى التمر واسمه الفصا دينارا وكل ثلاثة أرطال بقسماط بدينار، وفيها غلا سعر الفلفل جدا، ووصل الفرنج على العادة فأبى تجار المسلمين أن يبيعوه لهم إلا بسعر مائتين وأربعين فوصلوهم إلى مائتين وعشرين فامتنعوا ورجعوا ولم يشتروا شيئاً، وذلك في سنة خمس عشرة فدخلت سنة ست عشرة والأمر على ذلك، وكان السلطان جهز مع شيخ علي الكيلاني أحد التجار بخمسة آلاف دينار يشتري له بها من الفلفل بقصد التجارة، فاتفق أن صاحب اليمن أرسل إلى مكة جملة مستكثرة من الفلفل وأمر قاصده أن يعتمد على ما يشيره شيخ علي فبلغ سعره بخمسة وعشرين كل مائة من، فأخذ منها بالخمسة آلاف التي هي للسلطان بهذا السعر فأتى على أكثره وباع القاصد بقية ما معه على التجار بسعر خمسة وثلاثين، ولما وصل الذي اشترى للسلطان بيع باثني عشر ألف دينار فعظم قدر شيخ علي عنده جدا. وفي آخرها غلا الكتان جداً وغلا بسبب ذلك القماش المعمول من الكتان وتبعه جميع الأقمشة القطنية. وفيها اشتد البلاء على أهل فاس باستمرار حصار السعيد إياها إلى أن قدرت هزيمته أيضاً في شعبان، ثم عاد في شوال فخرجوا فقاتلوه فكبا به فرسه فأخذ وقتل. وفي أثناء ذلك وقع الفساد في تلك البلاد واستولى المفسدون وقطعت الطرقات ومات بفاس من الناس مالا يحصى عدده جوعا، ثم أعقبه الوباء حتى يرى الدار ليس فيه أحد حي. ومن النوادر أن قلعة دمشق لما كملت عمارتها على يد نوروز حضر عنده شخص عجمي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 فقطع له آلة بطريق الهندسة بحيث يطلع الماء من النهر في دلوين يديرهما شخصان من نحاس فيجري الماء إلى الطارمة بالقلعة بغير علاج بهيمة ولا حامل يصعد الدلو فيصب في الإناء الذي أعد له وينزل فيطلع الأخر كذلك، وأظهر نوروز في إمرته هذه بدمشق من العدل ما لا يوصف حتى توفرت الدواعي من الواردين على حكاية ذلك حتى أن المؤيد كان أرسل إلى القدس أميرين وهما جانبك الصوفي وإينال الرجبي في عسكر فخرج نائب القدس وظفر بإينال وفر جانبك إلى صفد، وأرسل نائب القدس إينال إلى نوروز، فلما وصل أكرمه وخلع عليه وأعطاه واستقر عنده. وفيها مات شاهين الحسني وكان تقدم في دولة الناصر وحج بالناس وولي نظير البيبرسية وغيرها فمات، وعلي بن مبارك بن رميشة الحسني كان عين لإمرة مكة عند غضب الناصر على حسن بن عجلان في سنة اثنتي عشرة ولم يتم أمره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 ذكر من مات في سنة خمس عشرة وثمانمائة من الأعيان إبراهيم بن أحمد بن حسين الموصلي المالكي، تفقه واحترف بتأديب الأطفال بالقاهرة، ثم حج فجاور وسلك طريق الورع والنسك وصار يتكسب بالنسخ ويحج ماشيا وكان غاية في الورع والتحري، مات في عشر السبعين. أحمد بن أحمد بن أحمد بن النشار شهاب الدين أحد موقعي الحكم كان من أعيان الدماشقة حسن الخط والخطابة، مات في شهر رمضان وهو ممن وافق اسمه اسم أبيه وجده. أحمد بن إسماعيل بن خليفة الحسباني ثم الدمشقي الشيخ شهاب الدين ابن الشيخ عماد الدين، ولد سنة 749 واشتغل في حياة أبيه وبعده، وأخذ عنه وعن غيره وسمع الكثير وقرأ بنفسه، وطلب الحديث فأكثر من الأجزاء والمسانيد، ومهر في الفن وضبط الأسماء واعتنى بتحرير المشتبه وكتب بخطه أشياء، وكان ذكيا سريع القراءة والكتابة، وشارك في الفقه والعربية، والأصول، وولي تدريس الحديث بالأشرفيه وغيرها، وناب في الحكم ثم اشتغل في دولة المؤيد بغير إذن الناصر فكان يتورع ويستبد بتنفيذ الأحكام إلى إذن بعض رفقته، ثم امتحن في أيام الناصر كما تقدم، ثم ولي القضاء أياماً قلائل في دولة المستعين، وكان ممن أعان على موجب قتل الناصر وكان قد فتر عن الاشتغال واشتغل بحب الرئاسة ونشأ ابنه تاج الدين فازداد الأمر فسادا، وكان لما قبض عليه في سنة اثنتي عشرة أشيع موته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 وانه خنق فأرخه الشيخ شهاب الدين ابن حجي رفيقه في تلك السنة، وقال في ترجمته: اشتغل في الفقه عند أبيه وفي الفرائض وفي العربية عند العنابي فبرع فيها وسمع الكثير في دمشق ومصر وقرأ بنفسه قراءة صحيحة وكان صحيح الذهن جيد الفهم حسن التدريس إلا أنه كان شرها في طلب الوظائف كثير المخالطة للدولة شديد الجرأة والإقبال على التحصيل انتهى. ثم صرب على ترجمته وأرخه على الصحة في هذا السنة وقال: عزل غير مرة وامتحن مراراً وفي كل مرة يبلغ الهلاك ثم ينجو، وقد تغير بأخرة لما جرى عليه من المحن وكان يحب ولده فيرميه في المهالك، ومقته الناس بسببه ولا يبالي بهم، قلت: وأخبرني الشيخ نور الدين الأيباري أنه عذله لما دخل القاهرة في ولده فقال: يا أخي! الناس يحسدونه لأنه أعرف منهم بالتحصيل، فعرفت أنه لا يفيد فيه العتاب، وقال القاضي تقي الدين الشهبي: جرت له مع ابن جماعة فتنة وأوذي أذى كثيراً ثم نجا، قلت: وكان شيخنا البلقيني يحبه ويعظمه وشهد له أنه أحفظ أهل دمشق للحديث حتى ولى الأشرفية، وقد اجتمعت به بدمشق فأكرمني وأعارني كتبه، وأجزاءه التي كان يضن بها عن غيري، ثم قدم القاهرة بعد الكائنة فأعطيته جملة من الأجزاء وشهد لي بالحفظ في عنوان تعليق التعليق، وسمعت منه بدمشق قليلا، وكان قد شرع في تفسير كبير أكمل منه كثيراً وعليه فيه مآخذ ثم عدم في الكائنة - رحمه الله تعالى وكان عنده كرم مفرط قد يفضي إلى الأشراف، وفيه شجاعة وإقدام، مات في شهر ربيع الآخر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 أحمد بن أبي بكر بن علي بن محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن يعقوب الناشري الزبيدي - بفتح الزاي - شهاب الدين ابن رضي الدين بن موفق الدين الفقيه الشافعي، عني بالعلم وبرع بالفقه وشارك في غيره، تخرج به أهل بلده مدة طويلة، وولي قضاء زبيد فراعى الحق في أحكامه فتعصبوا عليه فعزل، وانتهت رئاسة الفتوى ببلده، وكان شديد الحط على صوفية زبيد المنتمين إلى كلام ابن العربي وكان يستكثر من كلام من يرد عليه فجمع من ذلك شيئاً كثيراً في فساد مذهبه ووهاء عقيدته، اجتمعت به بزبيد ونعم الشيخ كان مات في خامس عشري المحرم وقد جاوز السبعين. أحمد بن محمد بن عماد بن علي المصري ثم المقدسي شهاب الدين ابن الهائم الشافعي، ولد سنة ثلاث وخمسين واشتغل بالقاهرة وحصل طرفا صالحا من الفقه وعني بالفرائض والحساب حتى فاق الأقران في ذلك ورحل من الآفاق، وصنف التصانيف النافعة في ذلك، ودرس بالقدس في أماكن وناب عن القمني في تدريس الصالحية مدة فلما قدم نوروز القدس في أماكن وناب عن القمنى في تدريس الصالحية مدة فلما قدم نورز القدس في هذا السنة لملاقاة زوجته بنت الظاهر قرر الهروي كما تقدم ثم قسمها بينه وبين ابن الهائم لقيام أهل البلد معه، ثم جهز القمني توقيعاً من الخليفة إلى ابن الهائم بنزع الهروي، فلم يمض نوروز ذلك واستمرت بيده بعد موت ابن الهائم إلى أن ولى القضاء بالقاهرة واستمرت أيضا إلى أن رجع ابعد عزله مرتين، ومات ابن الهائم في جمادى الآخرة، اجتمعت به ببيت المقدس وسمعت من فوائده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 الطنبغا بن عبد الله التركي الدمشقي مولى ابن القواس سمع من الحجاز بعض صحيح البخاري ولم يظهر سوى قبل موته بقليل، وقد استجازه بعض أصحابنا ولم نعلم أنه حدث، وهو آخر من سمع من الحجاز من الرجال. أي ملك بنت إبراهيم بن خليل بن محمود البعلية ثم الدمشقية أخت الشيخ جمال الدين ابن الشرائحي، سمعت بعناية أخيها من ابن أميلة ومن بعده وحدثت معه، سمعت منها وسمعت بقراءتي ماتت في ربيع الأخر. أبو بكر بن علي بن يوسف الهاشمي الحسني الموصلي نزيل القاهرة، اشتغل كثيراً، وكان يميل إلى المذهب الظاهري وامتحن بسبب ذلك مرة، وكان يحفظ شيئاً من البخاري بأسانيده وكثيراً من كلام ابن تيمية وكان فقيراً، قانعاً، ملازماً للصلاة والعبادة، حسن السمت، يتكلم على الناس بالجامع الحاكمي، مات في حادي عشري جمادى الأولى. تغرى بردى الكمشبغاوي الرومي، كان جميل الصورة رقاه الظاهر حتى صيره أمير مائة في نصف رمضان سنة أربع وتسعين، وولي نيابة حلب في ذي الحجة سنة ست وتسعين، فسار فيها سيرة حسنة وأنشأ بها جامعاً كان ابن طولون ابتدأ في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 تأسيسه ووقف عليه قرية من عمل سرمين ونصف السوق الذي كان له بحلب، قرر في الجامع مدرستين شافعاً وحنفيا فقرر أولا شمس الدين القرمي ثم صرفه وقرر جمال الدين الملطي الذي كان ولى القضاء بالديار المصرية بعد ذلك، وقرر نور الدين الصرخدي في تدريس الشافعية، ثم صرف تغرى بردى بأرغون شاه وطلب إلى مصر فأعطى تقدمه وكان من توجه إلى الشام مع ايتمش فنفي إلى القدس، ثم ولي نيابة دمشق ثم صرف ففر إلى دمرداش بحلب، ثم فارقه وتوجه في البحر إلى مصر فقربه الناصر وأعطاه تقدمة، ثم استقر سنة ثلاثة عشرة أتابك العساكر، ثم قرره في نيابة دمشق في آخر السنة فمرض في أواخر سنة أربع عشرة، فمات في الأسبوع الذي دخل فيه الناصر منهزماً وذلك في المحرم سنة خمس عشرة، قال القاضي علاؤ الدين في تاريخه: كان عنده عقل وحياء وسكون، ثم قال أيضاً: كان كثير الحياء والسكون حليماً عاقلا مشارا بالتعظيم في الدول، قلت وكان جميلاً حسن الصورة جداً، وكان يلهو لكن في سترة وحشمة وإفضال، والله يسمح له. جار الله بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم الشيباني المكي، سمع على تاج الدين ابن بنت أبي سعد ونور الدين الهمداني وعز الدين ابن جماعة وشهاب الدين الهكاري وحدث عنهم، قرأت عليه أحاديث من جامع الترمذي بمدينة ينبع وكان خيراً عاقلا، مات في هذا السنة، وهو الذي قال فيه صدر الدين بن الأدمي البيتين المشهورين وسنذكرهما في ترجمته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 خليل بن الوزير جمال الدين ابن بشارة الدمشقي، كان شابا فطنا ذكياً محباً للتاريخ، وكان يؤرخ الحوادث ويضبطها ويذاكر بأشياء حسنة إلا أنه مقبل على اللهو، مات قبل الكهولة. رقية بنت العفيف عبد السلام بن محمد بن مزروع المدينة، حدثت بالإجازة عن شيوخ مصر، والشام كالختني وابن المصري وابن سيد الناس من المصريين والبندنيجي والمزي من الشاميين، ماتت عن سبع وثمانين سنة. سعد بن عبد الله الحبشي، عتيق الطواشي لشير الجمدار، اعتنى به سيده وعلمه القرآن ورتبه في وظائف، واستمر بعد سيده على طريقة حسنة وتزيا بزي الفقهاء، وكان محبا في السنة وأهلها، جميل العشرة كثير الحج يقال إنه حج ستين حجة، ومن أعجب ما كان يحكيه أنه شاهد بعض الغلمان باع ما حصل له من مائدة السلطان بأربعة دراهم فكان فيها ربع قنطار لحم وستة أرطال حلوى خارجا عما عدى ذلك. سليم بن عبد الله الضرير الصالحي، اشتغل بالفقه ومهر فيه، مات بدمشق. طيبغا الشريفي عتيق الشريف شهاب الدين نقيب الأشراف بحلب، سمع مع أولاده من الجمال بن الشهاب محمود، وتعلم الخط معهم من الشيخ حسن ففاق في الخط الحسن وكتب الناس عليه، واستقر في وظيفة تعليم الخط بالجامع الكبير وتسمى عبد الله، ثم أجلسه الكمال ابن العديم مع العدول وفر في الكائنة العظمى إلى دمشق فأقام بها مدة وحدث بها وعلم الخط إلى أن مات، ذكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 القاضي علاؤ الدين في تاريخه وقال: كتبت عليه بحلب وقرأت عليه الحديث بالقاهرة في سنة ثمان وثمانمائة، ومات في آخر هذه السنة. عائشة بنت علي بن محمد بن عبد الغني بن منصور الدمشقية، سمعت مع زوجها الحافظ شمس الدين الحسيني من ابن الخباز والمرداوي ومن بعدهما وحدثت، ماتت في رمضان عن بضع وستين سنة. عبد الله بن محمد بن طيمان - بفتح المهملة وسكون التحتانية - المصري جمال الدين الطيماني الشافعي نزيل دمشق ولد قبل السبعين بيسير وحفظ الحاوي الصغير، لازم البلقيني وعز الدين بن جماعة واشتغل بالقاهرة ونبغ في الفقه وشارك في الفنون ثم نزل دمشق وأفتى ودرس، ومات مقتولاً في حصار الناصر دمشق بغير قصد من قاتله، وكان يلبس زي العجم قريباً من زي الترك وكان ذكياً ماهراً لا يتكلم إلا معرباً ويتعانى طريق الصوفية مات في صفر ولم يكمل الخمسين ومات صهره ابن حسان والد صاحبنا شمس الدين بن حسان بعده بيسير وكان من أهل القدس فقدم دمشق فقطنها، ولازم الطيماني وكان الطيماني يتردد إلى دمشق بسبب وقف له فحضر أول مرة قدمها عند الشيخ نجم الدين ابن الجاني ثم قدمها مرارا وفي الأخيرة حضر عند الشيخ شرف الدين الغزي فاستحضره كلام الأسنوي في المهمات مرة بعد مرة فقال له الغزي: أنت درست المهمات إني بت أطالع هذه المواضع وأنت تحفظها أكثر مني وقال ابن حجي: قدم علينا فاضلاً فلازم التحصيل وشغل الفلكية وأفتى وصنف، وقال القاضي تقي الدين الشهبي: شرع في جمع أشياء لم تكمل، واختصر شرح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 الغزي على المنهاج وضم أشياء من شرح الأذرعي، وفد درس بالركنية والعذراوية والظاهرية والشامية. عبد الله بن محمد بن التقي الحنبلي تقي الدين ابن قاضي الشام عز الدين، درس بعد أبيه فلم ينجب، ثم ولى القضاء بعد الفتنة بطرابلس، مات في رمضان. عبد الله الشريفي الكاتب، كان اسمه طيبغا - تقدم قريباً. علي بن محمد بن أبي بكر العبدري الشيبي الحجي المكي، ولي حجابة البيت مراراً وكان حسن الخط، حصل كتباً كثيرة بخطه. عمر بن عبد الله الهندي سراج الدين الفافا - بفاءين - كان كثير النطق بالفاء فلقب بذلك وكان عارفاً بالفقه والأصول والعربية، أقام بمكة أزيد من أربعين سنة فأفاد الناس في هذه العلوم، ومات في ذي الحجة عن سبعين سنة. فرج بن برقوق بن أنس الناصر بن الظاهر، ولد سنة إحدى وتسعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 في وسط فتنة يلبغا الناصري ومنطاش فسماه أبوه بلغاق ثم سماه فرجا، وأجلس على التخت في يوم جمعة النصف من شوال سنة إحدى وثمانمائة وعمره عشر سنين وستة أشهر، وقد تقدمت أخباره في الحوادث. قانباي قريب بيبرس ابن أخت الظاهر كان من الأمراء في دولة الناصر وكان ممن عصى عليه فسجنه في القلعة فلما وصل الخبر إلى القاهرة بكسرة الناصر قتله اسنبغا نائب القلعة ويقال إن الناصر كان قرر معه ذلك. محمد بن أحمد بن علي بن عمر بن سعد الدين الحبشي المتولي ملك المسلمين بالحبشة أبو البركات، استقر بعد أخيه حق الدين فاتسعت مملكته وكثرت جيوشه، واستمر على محاربة الحطى، وفي أيامه مات بعد علي، وكان حق الدين قد حبسه فأقام في الحبس نحو ثلاثين سنة مات سنة 815 وكانت مدة مملكته نحو أربعين سنة - هكذا استفدته من بعض تعاليق شيخنا -. محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الطبري زين الدين أبو الخير بن زين الدين أبي الطاهر بن جمال الدين ابن الحافظ محب الدين، سمع قليلاً من الفخر القونوي وابن بنت سعد وابن جماعة والعلائي، وأجاز له أحمد بن علي الجزري، وله أيضا إجازة من ابن القماح وابن عالي والمستولي ونحوهم ومن الحسن بن السديد وأبي حيان وابن الأخوة وابن عبد الهادي والمزي وحفيد ابن عبد الدائم وغيرهم وتفرد بإجازة الجزري بمكة وحدث بأشياء كثيرة بالإجازة عن جماعة من المصريين والشاميين وبرع في العلم وعرف بالمروءة مات في رمضان. محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن سعيد بهاء الدين أبو حامد بن أبي الطيب ابن بهاء الدين الأنصاري إمام المشهد ولد سنة سبع وستين وسبعمائة وأحضره أبوه وأسمعه على بعض أصحاب الفخر وابن القواس ونحوهم، وتوفي أبوه وهو صغير فأدبه رجل أعمى، وبرع من صباه وكان صحيح الفهم دينا عاقلاً نشأ نشأة حسنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 وأفتى ودرس، وعرض عليه حموه شهاب الدين الحسباني النيابة في الحكم فامتنع، مات في ذي القعدة بعلة الاستسقاء. محمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن أحمد بن مسلم بن محي جمال الدين المكي الحلوي - بفتح المهملة واللام الخفيفة - المعروف بابن العليف - بمهملة ولام وفاء مصغر - كان من مدينة حلي فنزل بمكة وتعانى النظم فمهر فيه وفاق أقرانه إلا أنه كان عريض الدعوى يحسب أن شعره يشبه شعر المتنبي وأبي تمام، ولد بحلي سنة 742 وتردد إلى مكة وسمع من العز بن جماعة وكان غاليا في التشييع، ومدح أمراء مكة وينبع ومدح أيضاً الإمام صلاح ابن علي صاحب صنعاء وملوك اليمن والحجاز، وانقطع إلى حسن بن عجلان، ومات في سابع شهر رجب سنة خمس عشرة وثمانمائة، وذكر أنه رأى في النوم وهو صبي قائلاً يقول له: أنا نجي البحتري وأنا نجيك فقلت: الحمد لله ارتحلتك جذعا وارتحلتك بازلاً، ومن مدائحه في الناصر لدين الله صلاح بن علي بن محمد صاحب صنعاء: جادك الغيث من طلول بوالي ... كبروج من النجوم خوالي فقدت بيض إنسها فتساوى ... بيض أيامها وسود الليالي قاسمتني وجدي بها فتساوى ... حالها بعد من أحب وحالي ومن مديحها: وترى الأرض إذا يهم بمغزا ... ته في رعدة وفي زلزال فإذا أرسل الجنود عليها ... لعافات ترومه وتكال قرأت سأل سائل بعذاب ... واقع في سهولها والجبال وله فيه من اخرى: يا وجه آل محمد في وقته ... لم يبق بعدك منهم إلا قفا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 لو كانت الأشراف آل محمد ... كنت العلوم لكنت فيها المصحفا أو كانت الأتراك الأنبياء ... لكملت منها المصطفا أو كانت الأسباط آل محمد ... بابن الرسول لكنت فيها يوسفا محمد بن عبد الله بن العجمي ناصر الدين الدمشقي كان جنديا يباشر في الأستادارية ثم ترك ولبس زي الصوفية وصحب الشيخ أبا بكر الموصلي ثم بنى زاوية بالعقيبة الصغرى وعمل شيخها، وأسكن بها فقراء فكان يطعمهم وكثر أتباعه، وصار يتكسب من المستأجرات وكان حسن الشكل واللحية بهي المنظر، مات في جمادى الأولى وله ثلاث وستون سنة. محمد بن عبد الله الصفدي أمين الدين كان من مسلمة السامرة، وسكن دمشق بعد الكائنة العظمى، وكان عالماً بالطب مستحضراً إلا أنه لم يكن ماهراً بالمعالجة بل إذا شخص له غيره المرض نقل أقوال أهل الفن فيه، وكان بارع الخط فرتب موقعاً، واعترته في آخر غفلة بحيث صار يسأل عن الشيء في حال كونه يفعله وينكره لشدة ذهوله. مات في صفر. محمد بن عبد السلام بن محمد الكازروني تقي الدين ناب في الحكم بالمدينة وكان نبيها في الفقه، مات في صفر. محمد بن عثمان بن محمد السلمي السويدي ثم الدمشقي، سمع من ابن الشيرجي جزء الأنصاري ومن علي بن موسى الصفدي وتقي الدين ابن رافع وجماعة ووقع في الحكم في ولاية البلقيني للقضاء بدمشق وفاق أقرانه في ذلك قال ابن حجي: كان صحيح العدالة محرراً عارفاً بالشروط انفرد بذلك في وقته مع حسن خطه وجودة حفظه، وقد حدث قليلاً، مات في ربيع الأول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 محمد بن عمر بن مسلم بالتشديد ابن سعيد الدمشقي نزيل القبيبات شمس الدين القرشي أخو شهاب الدين ابن الشيخ زين الدين، سمع مع أخيه كثيراً، وكان يذاكر بأشياء من الشعر وفنون الأدب كثير المزاح، عاش نحواً من ستين سنة. محمد بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد البعلبكي جمال الدين ابن اليونانية، ولد أول سنة 752 وسمع الحديث وقرأ ودرس وأفتى وشارك في الفضائل، وكان عارفاً بأخبار أهل بلده. وهو ابن أخي الشيخ شمس الدين البعلبكي. محمد بن محمد بن محمد بم محمود بن غازي بن أيوب بن محمود بن الختلو الشيخ محب الدين أبو الوليد بن الشحنة الحنفي والشحنة هو جده الأعلى محمود الأول وكان أبوه من أهل الفضل، مات سنة ست وسبعين، وولد له أبو الوليد سنة تسع وأربعين، واشتغل قديما ونبغ وتميز في الفقه والأدب والفنون، وولي قضاء حلب قديماً سنة ثمان وستين وسبعمائة وصرف جمال الدين ابن العديم ثم أعيد ابن الشحنة، وصرف جمال الدين ابن العديم ثم اتمير ابن الشحنة ثم صرف بعد كائنة الناصري مع برقوق وصرت له امور ولي مرة مدة بعد موت إبراهيم بن العديم ثم إلى سنة ثلاث وتسعين، فعزل لما قدم الظاهر حلب، وامتحن حتى أراد الظاهر قتله ثم سجن ثم صودر، واعتنى محمود الأستادارية به واختص به وله فيه مدائح، ثم استخلصه وقدم معه القاهرة وأقام بها مدة نحو ثلاث سنين، ثم رجع إلى حلب فأقام ملازماً بالاشتغال والتدريس ونشر العلم، ثم أعيد أول قدمة قدمها الناصر فرج وأقام مدة ثم حصل له أنكاد إلى أن ولي جكم نيابة حلب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 وكان ممن قام مع جكم لما تسلطن فنقم عليه الناصر ذلك وقبض عليه، ثم هرب ثم رضي عليه وولاه قضاء حلب في سنة تسع وثمانمائة، ثم امتحن في سنة ثلاث عشرة وأحضر إلى القاهرة، ثم رضي عنه الناصر وولاه تدريس الجمالية بعد موت مدرسها محمود بن الشيخ زاده، ثم ولاه قضاء الحنفية بالقاهرة وهو بدمشق في الحصار، فلما زالت دولة الناصر أعيد ابن العديم لقضاء الديار المصرية واستقر ابن الشحنة في قضاء حلب وأعطى تداريس بدمشق وتوجه صحبة النائب، فمات يوم الجمعة في ثاني عشر ربيع الآخر، وكان نزل عن وظائفه بالقاهرة لصدر الدين ابن الأدمي، وأنزل صدر الدين له عن وظائفه بدمشق، وكان كثير الدعوى والاستحضار عالي الهمة، وعمل تاريخاً لطيفا فيه أوهام عديدة، وله نظم فائق وخط رائق، عاش خمسا وستين سنة، ومن نظمه: ساقي المدام دع المدام فكل ما ... في الناس من وصف المدامة فيكا فعل المدام ولونها ومذاقها ... في مقلتيك ووجنتيك وفيكا وله: أسير بالجرعا أسيرا ومن ... همي لا أعرف كيف الطريق في منحنى الأضلع وادي الغضا ... وفوق سفح الخد وادي العقيق وقرأت في ذيل تاريخ حلب للقاضي علاؤ الدين: أنه باشر قضاء دمشق مرة في أيام كان شيخ نائبها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 وله ألفية رجز تشتمل على عشرة علوم، وألفية اختصر فيها منظومة النسفي وضم امذهب أحمد، وله تواليف أخرى في الفقه والأصول والتفسير. محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن عياش الجوخي الدمشقي التاجر، سمع من ابن الخباز وحدث عنه بجزء ابن عرفة وحضره أيضاً علي علي بن العز، عمر وكان ذا ثروة واسعة، وتحكى عنه غرائب من شحه، وكان أسن من أخيه أحمد المقرئ، مات في رمضان وقد جاوز الستين. محمد بن مسعود النحريري الشافعي نزيل مكة، أفاد الطلبة بها في الفقه. مسعود بن عمر بن محمود بن إيمان الأنطاكي شرف الدين النحوي نزيل دمشق قدم إلى حلب وقد حصل طرفا صالحاً من العربية، ثم قدم دمشق فأخذ عن الصفدي وابن كثير والعنابي والصدر بن منصور، وتقدم في العربية وفاق في حسن التعليم حتى كان يشارط عليه إلى أمد معلوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 بمبلغ معلوم وكان يكتب حسنا وينظم جيداً، وكان يتعانى الشهادة ولم يكن بالمحمود فيها، وكان مزاحاً قليل التصون، مات في تاسع شعبان وهو في عشر الثمانين. موسى بن سعيد المصري نزيل دمشق شرف الدين ابن البابا كان أبوه يخدم ابن الملك بالحسينية ونشأ هو على طريقته ثم اشتغل وكتب الخط الحسن وشارك في الفنون مع التقلل والفقر والدعوى العريضة في معرفة الطب والنجوم وغير ذلك، ثم اتصل بخدمة فتح الله فحصل وظائف بدمشق وأثرى وحسنت حاله، حج ثم رجع فمات في شعبان وله خمس وسبعون سنة، اجتمعت به مراراً وسمعت من فوائده، ووجدت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي عنه أنه أخبره أنه جرب مراراً أن من وضع الشيء بمكان وزم نفسه منذ يضعه إلى أن يبعد عنه فإن النمل لا يقربه. ومن الترك: سودون الجلب أحد مماليك الظاهر. وكان من مثيري الفتن، ولي نيابة الكرك من قبل الناصر ثم استبد بها وأظهر العدل وفي الآخر أعطى نيابة حلب بعد قتل الناصر، فمات من جراحة أصابته برجله في ربيع الآخر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 سنة ست عشرة وثمانمائة في المحرم غلا الكتان جداً حتى بلغ الرطل منه ثلاثين درهما وغلا بسبب ذلك صنف القماش. وفيه ثار أهل حلب على يشبك بن أزدمر فقتل من الفريقين جماعة وانكسر يشبك وتوجه إلى نوروز بدمشق فكاتب أهل حلب دمرداش فدخل حلب وملكها. وفيه مات الأمير تغري بردى نائب الشام إذ ذاك وكان من خيار الأمراء في العدل مع أنه كان كثير الإسراف على نفسه، وكان يحب العلماء والعلم ويعرف المسائل عديدة أتقنها مع التواضع، وهو من قدماء الأمراء، أمر رأس نوبة كبير في أيام الظاهر، ثم ولي نيابة حلب ثم ولي أتابك العساكر في أواخر دولة الناصر فرج. وفي العشرين منه توجه قرقماش في عسكره ليأخذ الشام بزعمه، فلما بلغ ذلك أخاه تغري بردى فارق نوروز وتوجه إلى صفد وانتمى إلى المؤيد، ودخل قرقماش غزة فملكها، ووصل أخوه وقد قرره المؤيد في نيابة حماة. فسارا ومعهما الطنبغا العثماني بالعساكر، فبلغهم عود نوروز من حلب إلى دمشق فأقاموا بالرملة وكان نوروز قد توجه إلى حماة ليقاتل دمرداش ففر دمرداش إلى حلب، فتبعه نوروز وملك حلب وقرر في نيابتها طوخ وفي نيابة طرابلس قمش، ورجع إلى دمشق في أواخر صفر، فسار دمرداش إلى حلب بعد عوده فقاتله النوروزية، فدام الحصار إلى أن بلغ دمرداش أن العجل بن نعير وافى لنصرة نوروز، ففر دمرداش إلى العمق ثم إلى إعزاز وكان ما سنذكره بعد ذلك، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 وتوجه نوروز إلى الرملة ففر قرقماش بمن معه إلى أن وصل الصالحية بطرف الرمل، فرجع نوروز إلى دمشق. وفيه شدد على صدر الدين بن العجمي في بقية المال الذي تأخر عليه، فباع موجوده وأورد نحو ثلاثمائة دينار وعجز عن الباقي، ثم قرر في نظر المواريث على أن يحمل ما يتحصل منه إلى الخزانة، ثم صرف في شعبان وأضيف ذلك إلى مرجان، ثم قرر في مشيخة التربة الظاهرية، وصرف عنها زين الدين حاجي فقيه في سادس رجب ثم صرف مرجان وأعيد النظر لصدر الدين في أواخر شوال. وفيه فشا الطاعون بمصر وكان أكثره في الأطفال، وكان الحر أزيد من العادة فبلغ من يموت كل يوم مائة نفس. وفيه ثار بالمؤيد وجع المفاصل في رجليه، فلم يزل بتعاهده إلى آخر عمره. وفي صفر تزايد الطاعون فبلغ الموتى في كل يوم مائة وعشرين وعز البطيخ الصيفي حتى بيعت الواحدة بخمسمائة درهم. وفي رابع عشر المحرم نقل فتح الله من بيت ناظر الخاص لي وتاج الوالي فأنزله بدار، فأقام بها وحيداً فريدا يقاسي ألم العقوبة ويترقب الموت، فلما كان في ثاني شهر ربيع الأول منع خدمه من الدخول، ثم خنق في ليلة السادس منه، وأخرج من الغد فدفن بتربته، ولم يجسر أحد على تشييع جنازته، وكان في يوم الجمعة قد توجه قاضي الحنفية صدر الدين ابن الأدمي وهو من أعظم المولبين عليه فأشهد عليه أنه رجع عن وقفه وصيره موقوفاً على أولاد المؤيد وذريته وأثبت ذلك وحكم به، فقدر الله تعالى أنه أعيد إلى شرطه الأول بعد تسعة عوام سواء في ربيع الأول سنة خمس وعشرين وحكم بإبطال ما حكم به صدر الدين المذكور، ولم يمهل صدر الدين هذا حتى أخذه الله قريباً. وفي سادس ربيع الأول وقع الحريق بالقلعة فعظم أمره واستمر إلى تاسعه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 وفي سابع ربيع الآخر سجن الأمير قصروه بالإسكندرية؛ وسط فارس المحمودي تحت القلعة وكان نم على طوغان أنه يريد الوثوب على المملكة، فحاققه طوغان فأنكر فقتله السلطان. وفي ثامن عشر ربيع الآخر استقر شهاب الدين الأموي المغربي في قضاء المالكية بالقاهرة وعزل شمس الدين المدني. وفي رابع عشري ربيع الأول قتل العجل بن نعير أمير العرب من آل فضل، وذلك أنه حضر لنصر النوروزية، وكان طوخ بعث عسكراً إلى سرمين وبها دوادار دمرداش فكسره فثار عليهم مأسر منهم كثيراً فسجن دمرداش منهم طائفة وخدع طائفة وقتل أخرى، فركب طوخ وقمش إلى تل السلطان فالتقيا بالعجل فسألاه أن يوافقهما لحرب دمرداش فأجاب إلى ذلك، فرحلا بالعسكر وتأخر العجل، فبلغهما أنه اتفق مع دمرداش فأجاب إلى ذلك، فرحلا بالعسكر وتأخر العجل، فبلغهما أنه اتفق مع دمرداش فاستعدا له، فلما ركب أرسلا في ضيافة فحضر، فثار به جماعة منهم فقتلوه ورحلوا إلى حلب وكتبوا إلى نوروز في طلب النجدة، فجمع حسين بن نعير العرب وجاء إلى دمرداش، فحضروا جميعاً إلى حلب وحصروها وتحصن طوخ وقمش بالقلعة، فلم يثبت دمرداش ورجع. وفي ربيع الأول ظهر الخارجي الذي ادعى أنه السفياني وهو رجل عجلوني يسمى عثمان اشتغل بالفقه قليلاً بدمشق ثم قدم عجلون فنزل بقرية الجيدور ودعا إلى نفسه، فأجابه بعض الناس فأقطع الإقطاعات ونادى أن مغل هذا السنة مسامحة ولا يؤخذ من أهل الزراعة بعد هذه السنة التي سومح بها سوى العشر، فاجتمع عليه خلق كثير من عرب وعشير وترك، وعمل له ألوية خضراء وسار إلى وادي إلياس وبث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 كتبه إلى النواحي ترجمتها بعد البسملة: السفياني إلى حضرة فلان أن يجمع فرسان هذه الدولة السلطانية الملكية الإمامية الأعظمية الربانية المحمدية السفيانية ويحضر بخيله ورجاله مهاجراً إلى الله ورسوله ومقاتلاً في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا. فثار عليه في أول ربيع الآخر غانم الغزاوي وجهز طائفة فطرقوه وهو بالجامع بعجلون فقاتلهم، فقبضوا عليه وعلى ثلاثة من أصحابه، فاعتقل الأربعة وكتب إلى المؤيد بخبره، فأرسلهم إلى قلعة صرخد. وفي خامس ربيع الآخر قبض على الوزير وناظر الخاص، وقرر في نظر الخاص بدر الدين بن نصر الله عوضاً عن ابن أبي شاكر، وقرر في نظر الجيش علم الدين ابن الكوير عوضاً عن ابن نصر الله، وقرر تاج الدين ابن الهيصم في الوزارة عوضاً عن البشيري وصودر البشيري وابن أبي شاكر على مال كثير، فأما الوزير فتسلمه ابن الهيصم ثم تسلمه الأستادار وصولح على مال كثير وشرع في تحصيله، وأما ابن أبي شاكر فعوقب بين يدي المؤيد ثم أطلقه وتقرر عليه مال يحمله، فباع موجوده واقترض ثم صار يطلب بالأوراق حتى سد ما طلب منه فلما كان في تاسع عشري رجب خلع عليه واستقر أستادار الذخيرة، وبدر الدين هذا هو حسن بن نصر الله بن حسن أصله عن فوة، وذكر أن جده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 كان خطيب أدكو وأن أباه ولد بفوة وتعانى المباشرة وتعلم الحساب، وولد له ابنه حسن هذا في ربيع الآخر سنة ست وستين ونشأ بفوة، وتنقل في المباشرات بها ثم بالإسكندرية، ثم استقر في نظر الخاص بالقاهرة عوضاً عن ابن البقري في جمادى الأولى سنة ست وثمانمائة واستمر بالقاهرة، ثم ولى الوزارة في شوال منها، ثم عزل عن نظر الخاص في سنة سبع وثمانمائة بالفخر ابن غراب، ثم صرف عن الوزارة في جمادى الأولى منها، ثم استقر في نظر الجيش عوضاً عن علم الدين الذي يقال له أبوكم في جمادى الآخرة منها، ثم أضيف الخاص والوزارة في شعبان ثم صرف عن الوزارة في رمضان وعن نظر الخاص في صفر سنة ثمان، ثم صرف عن الوزارة في رمضان وعن نظر الخاص في صفر سنة ثمان واستمر في نظر الجيش إلى أن عزل عنها هذه السنة، واستقر في نظر الخاص على أن عزل عنها في آخر دولة المؤيد وولي الأستادارية ثم صرف عنها بعد ذلك، ثم انقطع عنها في منزله في دولة الأشرف إلى أن ولي كتابة السر بعد موت ولده صلاح الدين وذلك في ذي القعدة سنة إحدى وأربعين، ثم صرف في ربيع الآخر سنة 42 واستمر في منزله مقيماً. وفي حادي عشر ربيع الآخر ضرب محمد بن شعبان المحتسب أكثر من ثلاثمائة عصي بين يدي المؤيد، وأشهد عليه أنه لا يسعى في الحسبة، وأضيفت الحسبة إلى صدر الدين ابن الأدمي - وهو أول من جمع بين القضاء والحسبة - ثم صرف في العشرين منه وقرر منكلي بغا الحاجب - وهو أول تركي ولي الحسبة فيما نعلم، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 وفيه وصل الطنبغا العثماني وجانبك الصوفي إلى القاهرة، استمر قرقماش وتغرى بردى بقطيا، واستقر جانبك رأس نوبة عوضاً عن سودون الأشقر وسودون الأشقر أمير مجلس. وفي جمادى الأولى أراد طوغان الوثوب على الملك، فوشى به إلى المؤيد فاحترز منه، فلما كان ليلة السادس عشر من الشهر كان طوغان قد واعد من اتفق معه إلى الحضور فمضى عامة الليل ولم يحضر أحد فلما قرب الفجر هرب في مملوكين فاختفى بمصر - عند ابن بنت الملكي كاتب الجيش وكان قد تزوج ابنته، وجرى عليه منه ما لا خير فيه، فإنه زعم أنه وجدها ثيبا فأغرم والدها مالاً كثيراً، فلما نزل ما أمكنه رده بل آواه، ثم تخيل في الإعلام به، فأصبح المؤيد فعرف بذلك فأمر بالنداء بالأمان، فلما كان ليلة الجمعة وشى بطوغان، فأخذ مكانه وأرسل إلى الإسكندرية مقيداً، فبقي معتقلاً إلى المحرم ثماني عشرة فمات في الحبس. وفي الحادي والعشرين منه قبض على جماعة ممن كان اتفق مع طوغان منهم سودون الأشقر وكمشبغا العنساوي، فتوجه بهما برسباي إلى الإسكندرية ومعهما مغلباي وثلاثة معه ووسطوا، واستقر قجق حاجباً بدلاً عن الصصلائي، واستقر الصصلائي أمير مجلس عوضاً عن سودون، وكان ممن اتهم بممالأة طوغان شاهين الأفرم، فخلع عليه خلعة رضا وبرئت ساحته، واستقر جانبك المؤيدي دوادارا كبيراً وكان ثاني الدويدارية. وفي سلخ جمادى الآخرة صرف ابن محب الدين عن الأستادارية واستقر فخر الدين ابن أبي الفرج وأضيف الكشف، واستقر ابن محب الدين مشير الدولة ولقب من يومئذ المشير حتى صار لا يعرف إذا ذكر إلا بها مدة طويلة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 وفي رجب تزوج إبراهيم بن المؤيد بنت الناصر التي كانت زوج بكتمر جلق، ودخل بها فوجدها بكراً وعمل له مهم كبير، وفيه عزل قرقماش عن نيابة الشام وقرر في نيابة صفد عوضاً عن الطنبغا القرمشي وأحضر القرمشي إلى القاهرة، وهرب قطلو أتابك الشام من نوروز إلى القاهرة، فأكرمه المؤيد وأمره تقدمة، وقرر تغرى بردى أخو قرقماش في نيابة غزة عوضاً عن الطنبغا العثماني. وفي نصف رجب خرج نوروز إلى صفد فرحل قرقماش إلى الرملة ثم وصل إلى القاهرة، فأكرمه المؤيد وأقام أخوه بقطية، وكان من شأنهما وعادتهما أن لا يجتمعا بموضع واحد بل يكون أحدهما غائباً فإذا قبض على أخيه سعى هو في تخليصه. فلما كان يوم السبت أول يوم من رمضان قدم دمرداش عمهما فأجل المؤيد مقدمه وخلع عليه، وكان قد تحير في أمره بعد هزيمته من حلب فأشار عليه أكبر أصحابه أن يتوجه إلى نوروز، وكان بعث ذهباً كثيراً والتمس منه أن يحضر، فلم يوافقهم لأجل حضور أجله، فركب في البحر إلى أن وصل إلى دمياط، ثم استأذن على المجيء إلى القاهرة فأذن له، فوصل فأكرمه المؤيد، وأرسل سابع رجب عسكراً مقدمهم قجقار القردمي وأظهر أنهم يريدون كبس عرب أكثر فيها أهل الفساد، وأسر م القبض على تغري بردى من قطيا، ثم استدعى دمرداش وابن أخيه قرقماش وجمع الأمراء في ليلة السبت ثامنه فأفطروا عنده، فلما انقضى السماط أمر بالقبض عليهما وبعثهما من ليلته إلى الإسكندرية، ثم قدم قجقار ومن معه وصحبتهم تغري بردى في العاشر منه فسجن بقلعة الجبل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 ثم قتل، وسكن كثير من الفتن بعد قتل هؤلاء الثلاثة، وكان دمرداش من قدماء الأمراء في هذا الوقت، أمر في زمن الظاهر وناب في عدة من البلاد وكان فصيحاً، وله في قلعة حلب آثار حسنة من الإصلاح بعد التخريب الذي وقع من اللنكية، وكان حسن الفهم قد جرب الأمور وحنكته التجارب، وكان من رجال العالم إلا أنه لم يكن ميمون النقيبة، وقد مضى كثير من أحواله في الحوادث. وفيه - أعنى شهر رجب في أواخره - ثار بالناس السعال والنزلات والحميات وغيرها من الأمراض ولكنها كانت سليمة، وكذلك بدمشق، وغلا لذلك سعر السكر النبات حتى عز وجوده وكذا الزيت الحلو، وكان الطاعون ببلاد الروم وامتد إلى حلب وحماة. وفي عاشر رمضان قرر ناصر الدين ابن العديم في قضاء الحنفية عوضاً عن صدر الدين ابن الآدمي بحكم موته. وفي ثالث عشرة قرر قانباي في نيابة الشام، واستقر الطنبغا العثماني في وظيفة أمير أخور، وقرر إينال الصصلائي في نيابة حلب وسودون قراصقل في نيابة غزة. وفي ثامن شوال قرر بدر الدين ابن محب الدين في نيابة الإسكندرية عوضاً عن خليل الدشاري وصرف من المشورة. وفي ذي القعدة توجه السلطان إلى الربيع، فألزم التاج الوالي من بالقاهرة من ود والنصارى بحمل الخمور، فوزعت على الأسارى وغيرهم وكانت قضية فاحشة جداً، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 ورجع السلطان من السرحة في حادي عشري ذي القعدة، وفيه أرسل بعض الجيش والعسكر وفيهم نائب حلب إينال الصصلائي ونائب الشام قانباي ونائب حماة تاني بك البجاسي ونائب طرابلس سودون بن عبد الرحمن وطرباي نائب غزة ومعهم جمع كثير. وفي سابع عشر ذي الحجة خلع المستعين من الخلافة وكانت مستمرة باسمه من يوم عزل من السلطنة، فلما عزم المؤيد إلى الشام طلب داود بن المتوكل بحضرة القضاة فألبس داود خلعة سوداء وأجلسه بينه وبين القاضي الشافعي البلقيني وقرره في الخلافة عوضاً عن أخيه المستعين ولقبه المعتضد، وفي هذا الشهر قرر شمس الدين ابن التباني في قضاء الحنفية بدمشق، وأنفق على المماليك السلطانية لكل نفر مائة دينار ناصرية. وفي السابع والعشرين منه نصب الخيام السلطاني بالريدانية، وضرب الوزير تاج الدين ابن الهيصم بالإصطبل السلطاني وطيف به على جمل في الإصطبل منكسا على أن كان يهلك، ثم خلع عليه خلعة الرضا، قدم فخر الدين الأستادار من الصعيد وقد أباد أهله، وصحبته من العبيد والإماء والذهب والحلى والسلاح والغلال ما يفوق الوصف وشرع في رمى الاصناف التي أحضرها فعظم البلاء به إلا أنه على أهل الريف أكثر منه على أهل البلد، وفيها في جمادى الآخرة دخل الشريف رميثة بن محمد بن عجلان مكة في جمع من أصحابه فأقاموا بها إلى الظهر ولم يحدث شرا، فدخل عمه عقبة حسن بن عجلان في عسكره فاطمأن الناس، وفيها مات من الأكابر عمر بن السلطان الملك المؤيد وله عشر سنين أو دونها، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 وتاج الدين رزق الله ويقال له عبد الرزاق ناظر الجيش في دمشق، تنقل في زمن تنم في الولايات إلى أن مات، ومبارك شاه الظاهري، ولي كشف الصعيد ونيابة الإسكندرية والوزارة والأستادارية والحجوبية، وكان في بداية أمره يخدم الملك الظاهر وهو جندي، فلما تأمر ثم تسلطن رقاه وتنقل في الدول إلى أن مات في رمضان. وفي هذه السنة وقعت بمكة كائنة عجيبة وهو أن جمالا يقال له حسن الفاروثي كان يكري من مكة إلى المدينة فرأى بعض جماله قد أسن فأراد بيعه وأن يشتري بثمنه غيره فباعه للجزار فاعتقله بالمجزرة لينحره، فانفلت والناس في صلاة العشاء فدخل المسجد الحرام، فأرادوا أن يخرجوه فعجزوا عن إخراجه فرفعوا الأمر إلى القاضي جمال الدين ابن ظهيرة فأمرهم بحفظ الطواف منه، فباتوا يحرسونه ويمنعونه من الدخول إلى المطاف، فلما كان الثلث الأخير هجم جمة ثم طاف ثلاثة أشواط ثم ذهب في الثالث إلى جهة مقام الحنفية فسقط ميتا، وحفرت له حفيرة فدفنوه بها. ذكر من مات في سنة ست عشرة وثمانمائة من الأعيان. إبراهيم بن أحمد بن محمد بن خضر الصالحي ولد في رمضان سنة أربع وأربعين، واشتغل على أبيه، وناب في القضاء بمصر، ودرس وأفتى وولي إفتاء دار العدل، وكان جريئاً مقداماً، ثم ترك الاشتغال بأخرة وافتقر، ومات في ربيع الأول، وكانت وفاة أبيه، في سنة 785. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 إبراهيم بن محمد بن بهادر بن عبد الله بن أحمد الغزي المعروف بابن زقاعة - بضم الزاي، وقد يجعل سيناً مهملة، وتشديد القاف - كان يدعي أنه من بني نوفل بن عبد مناف، وأنه ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، سمعت كلا منهما من لفظه، وذكر لي من أثق به عنه غير ذلك في مولده، وكان أعجوبة زمانه في معرفة الاعيان واستحضار الحكايات والماجديات مقتدر اعلى النظم عارفا بالأوفاق، وما يتعلق بعلم الحرف مشاركا في القراآت والنجوم وطرف من الكيما، وقد عظمه الظاهر جدا ثم الناصر حتى كان لا يسافر إلا في الوقت الذي يحده له، ومن ثم نقم عليه المؤيد ونالته منه محنة يسيرة في أول دولته وشهد عليه عنده جماعة من الطواشية، وغيرهم بأمور منكرة فأغضى عنه، وكان في بداية أمره قد تزهد وساح في الجبال ثم رجع إلى غزة، واجتمعت به غير مرة وأخذت من نظمه وأجاز لي قبل ذلك بالقاهرة، ثم سكن القاهرة من بعد ثلاث وثمانمائة، وجاور في هذا العشر سنة بمكة، ونظمه كثير وغالبه وسط ويندر له الجيد وفيه السفساف، مات في العشر الأوسط من ذي الحجة بمنزله بمصر على شاطئ النيل ودفن خارج باب النصر، وغلط من أرخه سنة ثماني عشرة. أحمد بن أبي بكر بن يوسف بن عبد القادر بن يوسف بن خليل ابن مسعود بن سعد الله الخليلي ثم الدمشقي الحنبلي ولد في سنة ست وثلاثين وسبعمائة أو التي بعدها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 وسمع من أبي محمد بن القيم طرق زر غبا تزدد حبا لأبي نعيم وغير ذلك، وكذا سمع من والده والعماد أحمد بن عبد الهادي وأبي الهول الجزري وآخرين، وحدث، سمع منه الفضلاء - أجاز لي، وكانت وفاته في ليلة الأربعاء. ثاني عشر المحرم. أحمد بن أبي أحمد بن الشنبل - بضم المعجمة وسكون النون بعدها موحدة مضمومة وهو مكيال القمح بحمص - أبو العباس الحمصي اشتغل ببلده، وولي قضاءها، وقدم القاهرة مرارا ونزل في خانقاه سعيد السعداء، ثم سعى في قضاء دمشق فوليه في آخر سنة ست وثمانمائة، ثم عزل عن قرب، وكان نبيها في الفقه مع طيش فيه. أحمد بن الجوبان، الذهبي الدمشقي، شهاب الدين الكاتب المجود، كان كثير المداخلة للدولة بسبب التجارة وكانت له دنيا، واعتنى به المشير فأرسله إلى صاحب اليمن بكتاب المؤيد، فلم ينل منه غرضا ورجع إلى مكة، فمات بها في ثاني عشر ذي الحجة، وكان حج معنا من القاهرة في سنة خمس عشرة وتوجه ثم إلى اليمن. أحمد بن حجي بن موسى بن أحمد بن سعيد بن غشم بن غزوان ابن علي بن مشرف بن تركي الحسباني شهاب الدين بن علاء الدين، ولد في رابع المحرم سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وتفقه على أبيه وجماعة غيره منهم شمس الدين بن أبي الحسن الغزي وابن قاضي شهبة وأبي البقاء السبكي، وسمع الحديث من جماعة من أصحاب الفخر منهم العماد بن الشيرجي واحمد بن إسماعيل ومحمد بن حميد وابن أميلة والصلاح ابن أبي عمر، وكتب الكثير وتميز وتقدم في الفقه والحديث مع الدين والصيانة والإنجماع، وجمع نكتا إلى الألغاز للأسنوي، وجمع تاريخاً مفيداً، ودرس وأفتى وولي خطابة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 الجامع الأموي ونظر الجامع مرارا، وآخر ما علق من تاريخه إلى ذي القعدة سنة خمس عشرة، وقدم القاهرة مرارا آخرها في الرسلية عن الملك المؤيد قبل سلطنته سنة ثمان، وحصل نسخة من تعليق التعليق وشهد لي في عنوانها بالحفظ وكتب خطه في أصلي، وأريد على قضاء الشافعية مرارا فامتنع، وولي أخوه الأصغر نجم الدين وهو حي، وانتهت في آخر وقته رئاسة العلم بدمشق، عاش خمساً وستين سنة، وجمع أسماء شيوخه على حروف المعجم، وكان أشياخه ونظراؤه يثنون عليه، وقد شرح قطعه من المحرر لابن عبد الهادي، وله نكت على المهمات وعلى الألغاز، وكان ديناً خيراً، له حظ من عبادة، رأيت في تاريخه في ترجمة والده، وقال: رأيت أبي في النوم في أواخر شهر رجب سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة في الأسدية فقمت خلفه فقلت: كيف أنتم؟ فتبسم وقال: طيب، فمشيت معه إلى الباب، فكان من جملة ما سألته أيهما أفضل الاشتغال بالفقه أو الحديث؟ فقال: الحديث بكثير، قال: فقلت له: ادع لي فدعا لي بثلاث: بوفاء الدين، وخاتمة الخير - ونسيت الثالثة، ثم التفت إلى كالمودع فقال: إنهم يشكرونك، فقلت: من؟ قال: الملائكة، فقلت: بالله! قال: نعم، قال: فاستيقظت مسروراً. قال القاضي تقي الدين الشهبي: ولد في المحرم سنة إحدى وخمسين، وحفظ التنبيه، وسمع الحديث فأكثر، واستجيز له من بلاد شتى، وجمع لنفسه معجماً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 مجرداً للتراجم، وأخذ الفقه عن أبيه وابن قاضي شهبة وأبي البقاء وعن الاذرعي والحسباني وابن قاضي الزبداني وابن خطيب يبرود وتاج الدين السبكي وشمس الدين الموصلي والعنابي، وأذن له في التدريس والإفتاء، وناب في الحكم مدة، وجمع الدارس في أخبار المدارس في اخبار المدارس - وهو كتاب نفيس يدل على اطلاع كثير، وذيل على تاريخ ابن كثير، بدأ فيه - من سنة إحدى وأربعين، وشرح المحرر لابن عبد الهادي ولم يكمل، وله نكت على الألغاز للأسنوي. أحمد بن علي بن النقيب الحنفي، تقدم في فقه الحنفية وشارك في فنون، ولد سنة 51 ومات سنة 861 وكان يؤم بالمسجد الأقصى. أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن المقدسي الناصري الباعوني - وناصرة من عمل صفد - القاضي شهاب الدين الباعوني نزيل دمشق - وباعونة قرية - بالقرب من عجلون، وكان أبوه حائكاً ثم اتجر في البز وولد له أحمد وإسماعيل، وكان إسماعيل الأكبر، فنشأ يصاحب الفقراء وسكن صفد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 وتصوف، وناب في الحكم بالناصرة فتخرج به أخوه أحمد، وحفظ المنهاج ولازم الاشتغال وكان قوي الذكاء، عرض محفوظاته على تاج الدين السبكي وابن خطيب يبرود وابن قاضي الزبداني وابن قاضي شهبة وغيرهم وأخذ عنهم وانتفع بهم، وأخذ النحو عن العنابي وأجاز له، وكان مولده في سنة إحدى وخمسين تقريباً، واشتغل بالفقه وسمع الحديث، وكان ذكياً فطنا فقال الشعر وكتب الخط الجيد، ثم وقعت له كائنة مع أهل صفد لكونه مدح منطاش وغض من برقوق، فخرج منها خائفاً يترقب حتى قدم القاهرة ونزل بخانقاه سعيد السعداء، وكان السالمي يعرفه من صفد فنوه به عند الظاهر حتى أحضره عنده وقربه، وعامله معاملة أهل الصلاح، وولاه خطابه جامع دمشق، وولاه القضاء بدمشق في ذي الحجة، وباشر بحرمة وافرة، وكان عريض الدعوى كثير المنامات التي يشهد سامعها بأنها باطلة، ثم عزل وحصلت له إهانة فسجن، ثم أطلق ولزم داره، ثم ولي خطابة بيت المقدس، ثم ولاه الناصر قضاء دمشق سنة اثنتي عشرة فباشره مباشرة - حسنة بعفة ونزاهة ومداراة وحرمة، وعزل بقيت معه وظائف فاستمر فيها، ونظم كتاباً في التفسير، وهو الذي أثبت المحضر المكتتب على الناصر بالعظائم الشنيعة، ثم لما توجه المستعين إلى القاهرة أقام الباعوني بدمشق إلى أن مات، وكان طوالا مهاباً فصيح العبارة جميل المحاضرة حسن المذاكرة سريع الدمعة جداً مقتدراً على ذلك حتى حكى لي من شاهده يبكي بعين واحدة، وكان عفيفاً نزهاً لا يحابى ولا يداهن ولا يعاب إلا بالإعجاب والتزيد في الكلام والمنامات، ثم كان ممن قام في خلع الناصر فولاه المستعين قضاء الديار المصرية، ثم صرف بعد استقرار الأمر من غير أن يباشره لم يرسل إلى القاهرة نائباً، ثم ولي خطابة الجامع بدمشق ثم صرف، وقد اجتمعت به ببيت المقدس، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 وأنشدني من نظمه، وسمعت عليه جزءاً سمعه من أحمد بن محمد الأيكي صاحب الفخر ثم اجتمعت به بالقاهرة، وهو القائل: ولما رأت شيب رأسي بكت ... وقالت عسى غير هذا عسى فقلت البياض لباس الملوك ... وإن السواد لباس الأسى فقالت صدقت ولكنه ... قليل النفاق بسوق النسا وله قصيدة في العقيدة أولها: أثبت صفات العلي وأنف الشبيه فقد ... أخطا الذين على ما قد بدا جمدوا وضل قوم على التأويل قد عكفوا ... فعطلوا وطريق الحق مقتصد قال القاضي تقي الدين الشهبي: كان يكاتب السلطان فيما يريد فيرجع الجواب بما يختار، وانضبطت الأوقاف في أيامه، وحصل الفقهاء مالا كانوا لا يصلون قبله، وانتزع مشيخة الشيوخ من ابن أبي الطيب كاتب السر. وقال أيضاً: وقعت له أمور تغير خاطر برقوق عليه منها وكان طلب منه اقتراض مال الأيتام فامتنع، فعزل في جمادى الآخرة سنة ست وتسعين بعدما باشر سنتين وشهرا، وعقدت له بعد عزله مجالس ولفقوا عليه قضايا فلم تسمع عليه - مع كثرة من تعصب عليه - أنه ارتشى في حكم ولا أخذ من قضاة البر شيئاً، ثم إنه بعد ذلك ولي خطابة القدس مدة، ثم ولاه الناصر خطابة دمشق والمشيخة، ثم أضاف االقضاء في صفر سنة اثنتي عشرة، ثم صرفه شيخ بعد ثلاثة أشهر. قال: وكان خطيباً بليغاً، له اليد الطولى في النظم والنثر والقيام التام في الحق، وكتب بخطه كثيراً وجمع أشياء، مات في رابع المحرم. أحمد الخالدي أحد القراء بصفد، وكانت عنده عبادة وخير وله شهرة، مات بصفد في ذي القعدة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 أبو بكر بن حسين بن عمر بن عبد الرحمن بن أبي الفخر بن نجم بن طولو العثماني المراغي نزيل المدينة زين الدين بن حسين الشافعي، ولد سنة ثمان أو تسع وعشرين، واشتغل بالقاهرة فسمع الحديث من صالح بن مختار وعبد القادر بن الملوك وأحمد بن كشتغدى وأخذ عن الشيخ تقي الدين السبكي والشيخ جمال الدين الأسنوي، ثم دخل المدينة فاستوطنها، وأجاز له قديما في سنة تسع وعشرين أبو العباس الحجار وأحمد ابن مزير والبرزالي والمزي وآخرون، خرجت له عنهم أربعين حديثاً عن أربعين شيخاً، وخرج له الحافظ جمال الدين ابن موسى مشيخة عن شيوخه بالسماع والإجازة وحدث بها، وتفرد بالرواية عن أكثر شيوخه، وعمل شرحا على المنهاج واختصر تاريخ المدينة، سمعت عليه بمنى وبالمدينة وبمكة، وولي قضاء المدينة وخطابتها سنة تسع وثمانمائة، ثم عزل بزوج بنته أبي حامد بن المطري، ومات في سادس عشر ذي الحجة، وكان بعض من يتعصب عليه ينسبه إلى الخرف والتغيير، ولم يمع ذلك فقد سمعت عليه بمكة سنة خمس عشرة وهو صحيح وأخبرني من أثق به أنه استمر على ذلك، عاش دون تسعين سنة إلا يسيرا. أبو بكر بن يوسف بن أبي الفتح العدني رضي الدين ابن المستأذن حج كثيراً وقدم القاهرة، وتعانى النظر في الأدب ومهر في القراآت، وتكلم على الناس بجامع عدن وخطب، ولم ينجب سمعت، من نظمه وسمع مني كثيراً، مات وقد جاوز السبعين - جابر بن عبد الله الحراشي - بمهملتين وبعد الألف معجمة - ولد سنة ست وخمسين ونشأ بها، وتعانى التجارة ثم خدم الشريف حسن بن عجلان وكان نظير الشاد له في أمور مكة، واشتهر بالأمانة والحرمة وبحسن المباشرة حتى قرر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 لبني حسن الرسوم وزادهم، وبني بجدة فرضة، ثم تغير على مخدومه حسن بن عجلان ووالى أصحاب ينبع وباشرهم وعمل لهم قلعة ولمدينتهم سورا، وكان السبب في ذلك أن حسن بن عجلان تنكر عليه في رمضان سنة تسع فقبض عليه، ثن أفرج عنه فتوجه إلى اليمن، ثم قدم مصر موليا على حسن فما أفاده ذلك، فرجع وكان قد دخل مصر أيضا فثار عليه الناصر وصادره وحمله في الحديد فتسلمه، ثم أفرج عنه وأعاده إلى ولاية جدة، فباشرها على عادته، فاتهمه حسن بموالاة بن أخيه رميثة بن محمد بن عجلان، وكان رميثة قد هجم على مكة في جمادى الآخرة سنة ست عشرة وهجم على جدة منها، فقام جابر في الصلح فلم يفده ذلك عند حسن إلا التهمة موالاة رميثة، ثم ظفر به حسن فشنقه على باب شبيكة، وكان داهية ماكراً داعية إلى مذهب الزيدية، أرسل به الناصر إلى حسن بن عجلان سنة ثلاث عشرة فقتله بعد ذلك في هذا السنة في النصف من ذي الحجة. حسام الدين حسام بن عبد الله الصفدي وكان ممن يعتقد ببلده، وله زاوية بحارة يعقوب بصفد، مات في شهر ربيع الأول. حسن بن علي بن محمد الأبيوردي حسام الدين، الشافعي الخطيب نزيل مكة، كان عالماً بالمعقولات: ثم دخل اليمن واجتمع بالناصر ففوض تدريس بعض المدارس بتعز فعاجلته المنية، وكان قد أخذ عن الشيخ سعد الدين التفتازاني مع الدين والخير والزهد وله من التصانيف ربيع الجنان في المعاني والبيان وله غيره ذلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 رزق الله بن فضل الله بن يونس القبطي تاج الدين ابن أبي الكرم ويقال له عند الرزاق - أول ما باشر ديوان النائب ثم ولي نظر الجيش بدمشق - فباشرها مدة وعزل في أثناء ذلك بسبب تغير الدول وكان ريئيسا محتشماً كثير المداراة إلى الناس والعصبية لمن يقصده، مات في رجب. عائشة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد ابن عبد الهادي ابن يوسف بن محمد بن قدامة، المقدسي الأصل أبوها الصالحية، ولدت سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وأحضرت في الرابعة على الحجاز سنة ست وعشرين، وسمعت عليه أربعي الطائي وأربعي الحجار وغير ذلك، وأسمعت صحيح مسلم على جماعة من أصحاب ابن عبد الدائم ومعظم السيرة على عبد القادر بن الملوك، وشاركت أختها فاطمة في كثير من المسموعات والمجازات وتفردت، وممن أجاز لها إبراهيم بن صالح بن العجمي من حلب، والشيخ شرف الدين البارزي من حماة، والبرهان الجعبري من بلد الخليل، وعبد الله بن محمد بن يوسف من نابلس، وتفردت بالسماع من الحجار ومن جماعة، وسمع منها الرحالة فأكثروا، وكانت سهلة في الإسماع سهلة الجانب، ومن العجائب أن ست الوزراء كانت آخر من حدثت عن ابن الزبيدي بالسماع ثم كانت عائشة آخر من حدثت عن صاحبه الحجار بالسماع وبين وفاتهما مائة سنة، ماتت في ربيع الأول. عبد الله بن محمد بن أحمد بن قاسم، العمراني الحرازي المكين عفيف الدين، ابن القاضي تقي الدين ابن الشيخ شهاب الدين، عني بالعلم وتنبه في الفقه، ومات بمكة وله بضع وستون سنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 عبد القوي بن محمد بن عبد القوي، البجائي المغربي المالكي، الفقيه، نزيل مكة، تفقه وأفاد ودرس وأعاد وأفتى، وكان خيراً دينا، مات في شوال وقد جاوز الستين. عثمان بن إبراهيم بن أحمد بن فخر الدين البرماوي، اشتغل كثيراً ومهر في القراآت وولي تدريس الظاهرية فيها بعد الشيخ فخر الدين إمام الجامع الأزهر، وكان نبيهاً في العربية، وسمع الحديث كثيراً ورافقنا في بعض ذلك، واستملى بعض مجالس عند شيخنا العراقي، وناب في الحكم، مات فجأة عند خروجه من الحمام في تاسع عشر شعبان ولم يكمل الخمسين، وكان أبوه قد عمر فاستقبله بعشر ستين. العجل بن نعير بن حيار بن مهنا يقال اسمه يوسف بن محمد، ولد بعد الثمانين ونشأ في حجر أبيه، ثم لما بلغ العشرين فارقه ومال مع جكم، ولما وقع بين جكم وبين ابن صاحب الباز حضر نعير في نصر ابن صاحب الباز والباز وابنه مع جكم، فلما كسر جكم نعيرا وأسره أحضر ابنه العجل فقبل يده وأعرض عنه وذلك سنة ثمان، ثم هرب العجل من جكم فقرر جكم في إمرة العرب فضل بن علي بن نعير، ثم حاصر العجل حماة، فجاء نوروز من دمشق فأوقع به وكسره ونهب له شيء كثير، ثم اتصل العجل بشيخ وحضر معه حصار حماة ونوروز بها، فلما ولي شيخ نيابة حلب فر منه العجل، فخرج شيخ إلى تل السلطان لمنع العجل من قسم إقطاعات العرب وقسمها هو، ثم إن نوروز تصالح مع العجل ورد عليه إقطاعه بعد قتل الناصر، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 ثم لما ولي نوروز يشبك بن أزدمر حلب وطردوه عنها واختاروا دمرداش وكان بقلعة الروم بطالا حضر نوروز إلى حلب فهرب دمرداش وقرر نوروز بحلب طوخ فلما رجع نوروز طرق دمرداش - حلب بغتة فاستنجد طوح بالعجل فحضر فرحل دمرداش، ثم فهم طوخ من العجل عدم المناصحة واتفق أن العجل طلبه لضيافة عملها له فتعلل، فركب العجل إلى طوخ في نحو العشرة أنفس فلاقاه طوخ في نحو العشرين فلما التقيا وتصافحا أمسك طوخ يد العجل وأشار إلى بعض أتباعه فقتله، وذلك في تاسع عشر ربيع الأول، ويقال إنه كان حينئذ سكراناً وكان شهما فتاكاً محبا للخمر شديد السطوة والجرأة، فلما قتل من أغضبه بغير موجب قتل، وبقتله انكسرت شوكة آل مهنا. على بن عبد الله المصري نور الدين القرافي الحنفي، ناب في الحكم ومهر في ذلك، وشارك في مذهبه، مات في رمضان. علي بن محمد بن محمد الدمشقي. صدر الدين ابن أمين ابن الأدمي الحنفي، ولد سنة سبعين، واشتغل بالأدب ونظر في الفقه وكتب الخط الحسن، وناب في الحكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 وولي كتابة السر ونظر الجيش بدمشق، واشتغل بالقضاء بدمشق ثم بالقاهرة، وجمع له القضاء والحسبة في دولة المؤيد كما تقدم وقد أصيب مرارا وامتحن، ودخل القاهرة مع المؤيد فقيراً جداً حتى أنه احتاج إلى نزر يسير اقترضه من بعض أصحابه، ولما مات خلف من المال جملة مستكثرة، وكان لا يتصون ولا يتعفف - سامحه الله مات في رمضان بعلة الصرع القولنجي وبها مات أبوه، ومن نظمه ما أنشدني لنفسه وكنت قد اقترحت عليه أن يعمل على نمط قولي نسيمكم ينعشني والدجى ... طال فمن لي بمجيء الصباح ويا صباح الوجه فارقتكم ... فشبت هما إذ فقدت الصباح فعمل ذلك في سنة سبع وتسعين، وأنشدنيه عنه جماعة ثم لقيته فأنشدنيه لنفسه: ما متهمي بالصبر كن منجدي ... ولا تطل رفضي فإن على ل أنت خليلي فبحق الهوى ... كن لشجوني راحما يا خلي ل عمر بن الشيخ خلف الطوخي، سقط من سطح جامع الحاكم فمات وكان خيراً حسن السمت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 فتح الله بن معتصم بن نفيس الداودي التبريزي، فتح الدين الحنفي، ولد سنة تسع وخمسين، وقدم مع أبيه إلى القاهرة فمات أبوه وهو صغير فكفله عمه بديع بن نفيس، فتميز في الطب وبرع، وقرأ المختار في الفقه، وتردد إلى مجالس العلم وتعلم الخط وباشر العلاج، وصحب بيبغا السابقي في أيام الأشرف واختص به، فرافقه من ممالكيه الأمير شيخ الصفوي، وكان بارع الجمال فانتزعه برقوق لما قبض على السابقي وصار من أخص المماليك عنده، فزوج فتح الله أمه وفوض أموره وأسكنه معه، فاشتهر حينئذ وشاع ذكره، واستقر في رئاسة الطب بعد موت عمه بديع، ثم عالج برقوق فأعجبه، وكان يدري كثيراً من الألسنة ومن الأخبار فراج عند الظاهر واختص به وصار له مجلس لا يحضر معه فيه غيره، وباشر رئاسة الطب بعفة ونزاهة، فلما مات الكلتساني قرره الظاهر في كتابه السر بعد أن سعى فيها بدر الدين ابن الدماميني بمال كثير فلم يقبل عليه الظاهر أحد أوصيائه واستمر في كتابه السر بعده، ولم ينكب إلا في كائنة ابن غراب ثم عاد، وكانت خصاله كلها حميدة إلا البخل والحرص والشح المفرط حتى بالعارية، وبسبب ذلك نكب فان يشبك لما هرب من الوقعة التي كانت بينه وبين الناصر ترك أهله وعياله بمنزل بالقرب منه فلم يقرئهم السلام ولا تفقدهم بما قيمته الدرهم الفرد فحقد عليه ذلك، وكان ذلك أعظم الأسباب في تمكين ابن غراب من الحط عليه، فلما كانت النكبة المشهورة لجمال الدين كان هو القائم بأعبائها، وعظم أمره عند الناصر من يومئذ وصار كل مباشر جل أو حقر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 لا يتصرف إلا بأمره، فلما انهزم الناصر وغلب شيخ استمر به وقام بالأمر على عادته إلى أن نكبه في شوال سنة خمس عشرة وثمانمائة واستمر إلى أن مات، قرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي: كان لفتح الله فضائل جمة غطاها شحه حتى اختلق عليه أعداؤه معايب برأه منها فإني صحبته مدة طويلة تزيد على العشرين ورافقته سفراً وحضرا فما علمت عليه إلا خيراً بل كان من خير أهل زمانه عقلاً وديانة وحسن عبادة وتأله ونسك ومحبة للسنة وأهلها وانقياداً إلى الحق مع حسن سفارة بين الناس وبين السلطان والصبر على الأذى وكثرة الاحتمال والتؤدة وجودة المحافظة وكان يعاب بالشح بماله فإنه كان يخذل صديقه أحوج ما يكون وقد جوزي بذلك، فإنه لما نكب هذه المرة تخلى عنه كل أحد حتى عن الزيارة فلم يجد معينا ولا مغيثاً فلا قوة إلا بالله. فضل بن عيسى بن رملة بن جماز أمير آل علي، كان ممن نصر برقوق لما خرج من الكرك فصار وجيهاً عنده ولم يزل إلى أن قتله نوروز في ذي القعدة، وولي الإمرة خمساً وثلاثين سنة. محمد بن إبراهيم بن عبد الحميد بن علي الموغاني نزيل مكة، اشتغل بالأدب ونظم الشعر وكان به صمم فكان لذكائه يدرك ما يكتب له في الهواء وما يكتب في كفه بالإصبع ليلاً، مات بمكة وقد قارب الستين، وقد حاكاه في ذلك صاحبنا عبد الرحمن بن علي الحلبي الأصل سبط الشيخ أبي أمامة ابن النقاش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 محمد بن أحمد بن خليل، المصري شمس الدين الغراقي - بالمعجمة وتشديد الراء بعد الألف قاف - اشتغل كثيراً وتمهر في الفرائض وشغل الناس فيها بالجامع الأزهر وكثرت طلبته، وأم بالجامع المذكور نيابة مع الدين والخير وحسن السمت والتواضع والصبر على الطلبة، وكان يقسم التنبيه والمنهاج فيقرن بينهما جميعاً في مدة لطيفة، وقد سمع من عز الدين ابن جماعة بمكة وحدث وجاور كثيراً، وكان يعتمر في كل يوم أربع عمر، ويختم كل يوم ختمة، مات في خامس شعبان. محمد بن عبد الله الججيني الحنفي الملقب القطعة، كان من أكبر الحنفية معرفة باستحضار الفروع مع جمود ذهنه، وكان خطه رديئاً إلى الغاية، وكان رث الهيئة خاملاً، مات في رمضان. محمد بن عمر العوادي - بفتح المهملة والواو الخفيفة - جمال الدين التعزي، اشتغل ببلده وشغل الناس كثيراً، واشتهر وأفتى ودرس ونفع الناس وكثرت تلامذته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 ثم ولي القضاء ببلده، فباشر بشهامة وترك مراعاة أهل الدولة، فتعصبوا عليه حتى عزل، وقد أراق في مباشراته الخمور وأزال المنكرات وألزم ود بتغيير عماتمهم، ثم بعد عزله أقبل على الاشتغال والنفع للناس إلى أن مات. محمد بن محمد بن سلام، الإسكندراني ثم المصري، نزيل جزيرة الفيل، ناصر الدين، أحد التجار الكبار بالقاهرة، صاهر البرهان المحلي على ابنته فعظم أمره، ثم لما مات خلف أموالاً عظيمة فتصرف في أكثرها محب الدين المشير وغيره وتمزقت أمواله، وكان عمر دارا جليلة بجزيرة الفيل، فاستأجرها ناصر الدين البارزي وشيدها وأتقنها وأضاف امباني عظيمة إلى أن صارت دار مملكة أقام بها لملك المؤيد مدة، ثم بعد ذلك عادت الدار إلى أصحابها وفرق بين المساكين، ومات في أول هذه السنة. محمد بن محمد بن عثمان، الدمشقي، القاضي شمس الدين الإخناي السعدي، كان يذكر أنه من ذرية شاور وزير الفاطميين، ولد سنة سبع وخمسين، وأشتغل قليلاً وناب في الحكم عن البرهان ابن جماعة بدمشق في بعض البلاد ثم ناب بدمشق، ثم ولي قضاء حلب في سنة سبع وسبعين عوضاً عن ناصر الدين خطيب يبرين نحو سنتين ثم دمشق في الأيام الظاهرية والناصرية، ثم ولي قضاء الديار المصرية مراراً ثم أخرجه جمال الدين الأستادار إلى دمشق فولي قضاءها مراراً أيضاً، ثم امتحن مراراً، وكان شكلاً ضخماً حسن الملتقى كثير البشر والإحسان إلى الطلبة عارفاً بجمع المال كثير البذل على الوظائف والمداراة للأكابر، وكان قليل الفقه فربما افتضح في بعض المجالس ولكنه يستر ذلك بالبذل والإحسان، اجتمعت به عند السالمي وعند الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 الكركي ولم يتفق أنني اجتمعت به في منزله لا بدمشق ولا بالقاهرة، وكنت بدمشق سنة اثنتين وثمانمائة وهو قاضيها فلم أجتمع به، وما كنت حينئذ أدمن الاجتماع بأحد من الرؤساء ولكني اجتمعت به في مجلس الحديث في بيت قطلوبغا الكركي ومرة أخرى في بيت يلبغا السالمي، وكان يقول: أنا قاضي كريم والبلقيني قاض عالم - عفا الله عنه مات في رجب ولم يكمل السبعين. محمد بن محمد بن محمد بن مسلم بن علي بن أبي الجود ناصر الدين ابن الغرابيلي الكركي، ولد بها سنة 53، وكان أبوه من أعيانها فنشأ في نعمة، واشتغل بالعلم والآداب، وصاهر العماد الكركي على ابنته، وسكن القاهرة سنين، ثم ولي نيابة قلعة الكرك، ولما عزل سكن القدس إلى أن مات في شعبان، وكان فاضلاً يرجع إلى دين، وأنجب ولده الحافظ تاج الدين الغرابيلي الذي مات سنة خمس وثلاثين. موسى بن أحمد بن موسى الرمثاوي ثم الدمشقي الشافعي، شهاب الدين، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 ولد سنة ستين تقريباً، واشتغل وأخذ عن الشيخ شرف الدين الغزي ولازمه وأذن له في الإفتاء، وأخذ الفرائض عن محب الدين المالكي وفضل فيها، وأخذ بمكة عن ابن ظهيرة، وأخذ طرفاً من الطب عن الرئيس جمال الدين. وكتب بخط ومهر، وتعانى الزراعة، ثم تزوج بنت شيخه الشرف فماتت معه، فورث منها مالاً ثم بذل مالا، حتى ناب في الحكم واستمر، ثم ولي قضاء الكرك سنة أربع وعشرين، قال ابن قاضي شبهة في تاريخه: كان سيئ السيرة وفتح أبواباً من الأحكام الباطلة فاستمرت بعده، وكان عنده دهاء، ومات بدمشق في ربيع الأول، وقيل إنه سم وصاهر الإخناي وقد امتحن مرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 سنة سبع عشرة وثمانمائة استهلت وقد صمم السلطان المؤيد على سف الشام لقتال نوروز فخرج في رابع محرم من القلعة إلى الريدانية في قليل من العسكر، واستناب الطنبغا العثماني في باب السلسلة، وقرر للحكم الحاجب، وفي القلعة صماي وبردبك، وقرر صدر الدين ابن العجمي في نظر الجيش بدمشق، وصرف عن التربة الظاهرية، وأعيد احاجي فقيه، وأعيدت المواريث لديوان الوزارة، وفي هذا اليوم هبت ريح شديدة تلاها رعد وبرق ومطر غزير وبرد ملأ وجه الأرض كل واحد قدر ... وأكبر من ذلك فخربت عدة دور، وجمع منه الكثير حتى بيع في الأسواق بستة كل رطل، وأحضروا للسلطان منه وهو معسكر بالريدانية في طبق، فأعجبه ذلك واستبشر به وتفاءل بأنه يدك بلاد الثلج، وكان ذلك في بشنس من الأشهر القبطية وقد وقع قريب من ذلك سنة تسع وتسعين في سلطنة الظاهر برقوق، واستمر متوجهاً في تاسع المحرم ومعه الخليفة الجديد والقضاة وأرباب الدولة ثم رحل فنزل على قبة يلبغا في ثامن صفر، وكان سبب تباطئه في السير الاحتراز على نفسه من أعدائه وممن معه، وفي غضون ذلك كان يحضر جماعة بعد جماعة من الظاهرية والناصرية يفرون من نوروز، وأكثرهم ممن كان يؤثر الإقامة بالديار المصرية، ومن أسباب ذلك أنه كان وقع الغلاء في الشام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 ثم التقت طلائع الفريقين فترجحت طليعة نوروز وكان شيخ بشقحب فركب م فدهمهم فانهزم أصحاب نوروز واستعد نوروز للحصار وحصن القلعة، فبعث المؤيد مجد الدين قاضي الحنابلة في طلب الصلح فامتنع فوقعت الحرب، ووصل كزل نائب طرابلس فحمل بمن معه فانهزم نوروز كعادته وامتنع بالقلعة، وملك المؤيد البلد ونزل بالميدان وحاصر القلعة إلى أن ضاق نوروز بالأمر ومال إلى طلب الصلح فأرسل قمش فقرر له الصلح، ونزل هو يشبك ابن أزدمر وسودون كسا وبرسبغا وإينال وغيرهم، فقبض عليهم جميعا وقتلوا في ليلتهم، وبعث برأس نوروز إلى القاهرة، فوصلوا بها على باب القلعة، صحبه شرباش فاشوق وكان يومئذ أمير عشرة، وكان أول ما تقدم نوروز تقدمة في صفر سنة سبع وسبعين في اليوم الذي تآمر فيه شيخ طبلخاناة، ثم توجه المؤيد إلى جهة حلب في ثامن جمادى الأولى، ثم توجه منها في أول جمادى الآخرة إلى الابلسيتن، ودخل إلى ملطية وقرر قواعد البلاد، ووافاه نواب القلاع فقرر من أراد وصرف من رأى صرفه، وقتل طوغان نائب قلعة الروم وقرر فيها جانبك الحمزاوي ورجع إلى القاهرة، واستناب في ملطية كزل وفي حلب إينال الصصلاي وفي حماة تنبك البجاسي وفي طرابلس سودون بن عبد الرحمن، وفي الكرك يشبك المشد - وقد صارت خرابا من الفتن، ثم قدم دمشق فوصل في ثالث رجب فاستناب فيها قانباي المؤيد - وسار القدس فوصلها في أول شعبان، ومضى إلى غزة فاستناب فيها طرباي، وسار منها فدخل سرياقوس في رابع عشري شعبان وأقام بها إلى آخر الشهر، وعمل أوقاتا بالقراء والمغنيين والسماعات، وفرق على أهل الخانقاه مالاً، وركب يوم الأربعاء سلخ شعبان فبات بالريدانية، وأصبح يوم الخميس فعسكر وطلع إلى القلعة، فانتقض عليه ألم رجله من ضربان المفاصل وانقطع به مدة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 وفي ثامن رمضان نفي شرباش كباشة وأرغون إلى القدس، واستقر الطنبغا العثماني أتابك العساكر بالقاهرة بعد موت يلبغا الناصري وكان قد مات في حال رجوعهم من الشام. وفي ثاني عشرة قبض على قجق وننبغا المظفري وتمنتمرءارق وسجنوا بالإسكندرية، وعزل الأموي عن قضاء المالكية وأعيد جمال الدين الأقفاصي، وقرر صماي في نيابة الإسكندرية، وأحضر ابن محب الدين وكان قد ظلم فيها وعسف في غيبة المؤيد، فوصل في آخر الشهر وقدم تقدمة قومت بخمسة عشر ألف دينار فخلع عليه وأعيد إلى الإستادارية، وكان ابن أبي الفرج قد هرب من حماة إلى بغداد لأمر بلغه من السلطان خاف منه على نفسه، فسد تقي الدين ابن أبي شاكر متعلقات الأستادارية في هذه المدة إلى هذا الغاية، وفيه ضيق على الخليفة المستعين وكان قد أفردت له في القلعة دار فأقام فيها هو وأهله وخدمه، ثم نقل إلى البرج الذي كان الظاهر برقوق سجن فيها والده الخليفة المتوكل، فأقام فيه في ضيق شديد إلى أن أخرجه في ذي الحجة من السنة المقبلة إلى الإسكندرية. وفي خامس عشر رمضان استقر سودون القاضي حاجباً كبيراً عوضاً عن قجق واستقر قجقار القردمي أمير مجلس وجانبك الصوفي أمير سلاح عوضاً عن شاهين الأفرم بعد موته، واستقر تاني بك ميق رأس نوبة عوضاً عن جانبك الصوفي، واستقر كزل العجمي أمير جندار عوضاً عن شرباش كباشة، واستقر اقبائي الخازندار في الديودارية الكبرى عوضاً عن جاني بك الدويدار، وكان قد مات في هذا السفرة من سهم أصابه في حصار دمشق فضعف منه إلى أن مات بحمص. وكان سعر الغلال في هذا الشهر من هذه السنة في غاية الرخص حتى كان ثمن كل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 ثلاثة أردب من القمح ديناراً واحداً هذا في البلد، وأما في الريف فكان يصح بالدينار الواحد أربعة أرادب وخمسة أرادب، وكثر حمل النارنج حتى بيع كل مائة وعشر حبات بدرهم واحد بندقي ثمنه من الفلوس اثنا عشر درهما. وفي شوال سجن بالإسكندرية سودون الأسندمري وقصروه وكمشبغا الفيسي وشاهين الزردكاش، وأحضر كمشبغا العيساوي من دمياط، وفيه أمر المؤيد بضرب الدراهم المؤيدية فشرع فيها وكان ما سنذكره في السنة المقبلة. وفيه جلس المؤيد في الحكم بين الناس بالإصطبل، واستقر ذلك يوم السبت والثلاثاء أول النهار وفي يوم الجمعة بعد الصلاة، وكان يسمع الحكومة ويردها غالباً إلى القضاة إذا كانت شرعية. وفي ليلة الخميس رابع عشر شوال خسف القمر وظل منخسفاً قدر أربع ساعات. وفيه راجت الدراهم البندقية وحسن موقعها من الناس، وحض المؤيد الإستادار وغيره من المباشرين على مصادرة أهل الظلم من البرد دارية والرسل والمتصرفين، وكانوا قد كثروا جداً في أيام جمال الدين يوسف وتزايدت أموالهم بحيث أن واجداً منهم يقال له سعد أنشأ ببركة الرطلي داراً صرف عليها نحو خمسين ألف دينار، فمال عليهم ابن محب الدين وصادر أكثرهم، واشتد المؤيد في جلوسه للحكم على طائفة القبط وأسمعهم ما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 يكرهون. وضرب جماعة منهم بالمقارع وحط من قدرهم، وأوقع التوكيل بود والنصارى حتى ألزموا بحمل عشرين ألف دينار مصالحة عما مضى لهم من الجزية، واستقر زين الدين قاسم البشتكي في تحصيل ذلك منهم وفي نظر الجوالي. وفي سلخ شوال أضيفت حسبة القاهرة ومصر إلى التاج الوالي وقبض على منكلي بغا الحاجب المحتسب فوكل به أياما ثم أطلقه. وفي أول يوم من ذي القعدة توجه السلطان إلى وسيم بالجيزة ثم توجه إلى تروجة. وقرر كمشبغا الميساوي في كشف الوجه البحري وفي شوال سعى كاتب السرابن البارزوي في احضار القاضي علاء الدين المغلى قاضي حماه فاذن له فاحضر في ذي القعدة فوجد السلطان في سفره تروجة. فأقام عند كاتب السر إلى أن قدم السلطان ثم كان ما سنذكره في السنة المقبلة. وفي هذا السنة كثر الوباء بكورة البهنسا فمات خلق كثير. وفي خامس ذي الحجة كان أمير الحاج وهو جقمق الدويدار قد منع عبيد أهل مكة من حمل السلاح في الحرم، فاتفق أن واحداً منهم دخل ومعه سيفه ولم يسمع النداء، فأحضر إلى جقمق فضربه وقيده، فبلغ ذلك رفقته فأرادوا إثارة الفتنة، فبادر جقمق فأغلق أبواب المسجد وأدخل خيله فيه ومشاعله، فهجم عبيد مكة بالسلاح ركوباً على الخيل إلى المسجد، فمشى أهل الخير وأشاروا عليه بإطلاق ذلك العبد تسكينا للفتنة، فأطلقه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 فسكنت، وقام الشريف حسن بإطفاء الفتنة ومنع القواد من القتال بعد أن وقع بينهم الشر، وحصل لبعض الحاج عند الدفع من عرفة نهب وجراج، وقتل في المعركة جماعة، ولم يحج أكثر أهل مكة خوفا على أنفسهم. وفيها مات يغمور بن بهادر الدكري من أمراء التركمان هو وولده بالطاعون في أول ذي القعدة. وفيها تواقع قرا يوسف وشاه رخ ابن تمر لنك، ثم اصطلحا وتصاهرا. وفي أواخر السنة عيد شاه رخ عيد النحر بمدينة قزوين، وأرسل إلى قرا يوسف يلتمس منه أموراً ذكرها، فكان ما سنذكره في العام الآتي. وفيها مات غير من تقدم من الأمراء سليمان بن هبة بن جماز ابن منصور الحسيني مسجوناً في آخر ذي الحجة وقد ولي إمرة المدينة مرة، وفي أولها مات طوغان. وفي هذه السنة جددت مئذنة جامع الأزهر وكانت أصلحت في سنة ثمانمائة فكملت في هذه السنة فأمر المؤيد بتجديدها، فهدمت وأعيدت بحجر منحوت، وجددت تحتها بوابة جديدة وكتب عليها اسم السلطان، وكان تكميل ذلك في السنة المقبلة. وفيها أخذ الفرنج سبتة، وكان السبب في ذلك أن أحمد بن أبي سالم المريني نزل عنها لابن الأحمر صاحب غرناطة، فانتقل ما كان فيها من العدد والأسلحة والذخائر إلى غرناطة، ثم اتفقت الفتنة المقدم ذكرها في سنة أربع عشرة بين السعيد وقريبه أبي سعيد إلى أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 قتل السعيد، وأعقب ذلك الغلاء والوباء بمدينة فاس والغرب كله، فولى السعيد على فاس رجلا سامهم سوء العذاب، ثم أرسل أبو سعيد ارجلاً من أقاربه يقال له صالح، بن صالح فتناهى في الظلم وفشا فيهم الموت، وبلغ ذلك الفرنج فعمروا عليهم عدة مراكب فحصر صالح أهل الجبال وأنزلهم على البلد، فرجع الفرنج إلى جزيرة بين سبته وجبل الفتح يسمى طرف القنديل فأقام بها، فطال الأمر على أهل الجبال وظنوا أن الفرنج رجعوا إلى بلادهم وقلت على أهل الجبال الأزواد فتفرقوا، فبلغ ذلك الفرنج فنازلوا أهل سبتة فقاتلوه فغالبهم بالكثرة، وملكوا منهم المينا، فخرج المسلمون بأهلهم وأموالهم وما قدروا عليه، فدخل الفرنج البلد في سابع شعبان من هذا السنة، ونقلوا ما كان بها حتى الكتب العلمية، وكان بها منها شيء كثير إلى الغاية، ونقلوا ما وجدوا بها من الرخام والآلات والأمتعة حتى الأنوال، وتركوها قاعا خرابا، ومع ذلك فهي بأيدهم فلا قوة إلا بالله. ذكر من مات سنة سبع عشرة وثمانمائة من الأعيان. احمد بن أبي أحمد، المقرئ الحلبي، اعتنى بالقرآن فكان يقرئ بمسجد يجاور الشاذبختيه بحلب مدة، ثم تحول من حلب إلى القدس قبل الوقعة العظمى، ثم انتقل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 إلى دمشق فأقام بها، ثم إلى طرابلس فتأهل بها واستمر إلى أن مات في شوال سنة 817 أثنى عليه القاضي علاء الدين في تاريخه على خيره ودينه. أحمد بن عبد الله المالقي. الناسخ، كان شافعي المذهب إلا أنه يحب ابن تيمية ومقالاته، وكان حسن الخط كتب ثلاثمائة مصحف وعدة نسخ من صحيح البخاري وأشياء غير ذلك، مات في شوال مطعوناً، وأرخه القاضي تقي الدين ابن قاضي شهبة في جمادى الأولى سنة خمس عشرة - فليحرر هذا. أبو بكر بن علي بن سالم بن أحمد الكناني، تقي الدين العامري، ابن قاضي الزبداني، ولد في ذي الحجة سنة خمسين، واشتغل بدمشق فبرع في الحساب، وشارك في الفقه قرأ في الأصول، وولي قضاء بعلبك وبيروت، وقدم القاهرة بعد الفتنة الكبرى، وكان أسر مع التمرية ثم تخلص وأخبر عن بعض من أسره أنه قال له: علامة وقوع الفتنة كثرة نباح الكلاب وصياح الديكة في أول الليل، قال: وكان ذلك قد كثر في دمشق قبل مجيء تمر لنك، وكان يقرأ في المحراب جيداً، وولي قضاء كفرطاب، وتقدم في معرفة الفرائض والحساب، وكان ديناً خيراً يتعانى المتجر، مات بدمشق في ذي الحجة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 حسن بن موسى بن مكي القدسي الشافعي بدر الدين قاضي القدس، سمع من الميدومي جزء ابن عرفة، جزء البطاقة، وغير ذلك وحدث عنه وولي قضاء القدس مراراً وكان مزجي البضاعة في العلم، مات عن ستين سنة. سعد بن علي بن إسماعيل الهمداني الحنفي ثم العيني، سعد الدين، نزيل حلب، كان فاضلاً عاقلاً ديناً، له مروءة ومكارم أخلاق، وله وقع في النفوس الخيرة ونفعه للطلبة وإحسانه م بعلمه وجاهه، مات في أول شعبان وخلف ولده سعد الدين سعد الله، ولم تطل مدته بل مات سنة 21 ولم يكهل. شاهين الأفرم، مات في الرملة عند توجههم إلى قتال نوروز، وكان مشهوراً بقلة الدين بل كان بعض الناس يتهمه في إسلامه، وذكر لي الشيخ برهان الدين ابن زقاعة شيئاً من ذلك، وقال العينتابي: كان مدمنا على الخمر واللواط، ولم يشتهر عنه خير ولا معروف مع كثرة أمواله. عبد الله بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم بن أبي المعالي الشيباني المكي، سمع من عثمان بن الصفي الطبري والفخر النوري والسراج الدمنهوري وغيرهم وتفرد بالرواية عنهم بمكة، وكان خطيباً بجدة، مات في ربيع الآخر وقد قارب الثمانين، وقد تقدم ذكر أخيه جار الله بن صالح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 عبد الله بن علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن أبي الفتح الكناني العسقلاني الحنبلي، جمال الدين سبط القلانسي، ولد سنة خمسين، وأحضر عند الميدومي، وأسمع القلانسي والعرضي وابن الملوك، وحدث بالكثير في آخر أمره واحب الرواية فأكثروا عنه، وكان أبوه قاضي القضاة وكان هو بزي الجند مع الدين والعبادة وعلى ذهنه مسائل نفيسة، مات في نصف السنة بالقاهرة. عبد الرحمن بن حيدر بن أبي بكر بن علي الشيرازي الدهقلي التاجر، سمع من أحمد بن محمد الجوخي وغيره بدمشق، وكان أبوه من طلبة الحديث فأسمعه الكثير ثم ضاعت أسمعته، لقيته بزبيد فحدثني عن ست العرب بنت محمد بن الفخر، ثم لقيته بعدن فحدثني عن ابن الجوخي وأجاز لي، ومات في جزيرة من جزائر الهند وقد قارب السبعين. عبد الرحمن بن علي بن يوسف الحسن بن محمود الزرندي الحنفي المدني، ابن القاضي نور الدين، ولد قبل سنة خمسين، واشتغل، وسمع من العلائي، وولي قضاء المدينة بعد أخيه أبي الفتح سنة أربع وثمانين إلى أن مات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 إلا أنه عزل مرة سنة أربع وثمانمائة ثم أعيد، وولي حسبة المدينة أيضاً، وحدثنا بمسلسل التمر بالمدينة ولم أضبط ذلك عنه، وتفرد بالإجازة من الزبير بن علي الأسواني راوي الشفاء، مات في ربيع الأول. عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن عبد الله بن المهاجر زين الدين، ولد سنة، وولي مشيخة خانقاه الصالح بحلب ثم ولي كتابة السر بها ثم ولي نظر الجيش، وكان حسن السيرة؛ مات في شعبان بعد أن أرتفع الطاعون. عبد الرحمن بن محمد الحضرمي، الزبيدي، وجيه الدين، سمع من خاله عيسى بن أحمد بن أبي الخير الشماخي وعلي بن شداد، وأجاز له خالاه عبد الرحمن وإبراهيم ابنا أحمد بن أبي الخير، وكان يحفظ كثيراً من أحاديث الأحكام ويذاكر بأشياء حسنة وأشعار؛ مات في أول المحرم وله ثلاث وثمانون سنة. محمد بن عبد الله بن ظهيرة بن أحمد بن عبد الله بن عطية بن ظهيرة ابن مرزوق بن محمد بن سليمان المخزومي المكي الشافعي، جمال الدين، أبو حامد، ولد سنة خمسين تقريباً ثم تحرر لي أنه ولد في شوال سنة إحدى وخمسين وعني بالحديث فرحل فيه إلى دمشق وحلب وحماة ومصر والقدس وغيرها، وحصل الأجزاء والنسخ، وكتب الكثير بخطه الدقيق الحسن، وبرع في الفقه والحديث، وشغل الناس وأفادهم نحو من أربعين سنة بمكة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 ومن شيوخه في الحديث بدمشق أبن أميلة وابن الهبل وابن أبي عمر صلاح الدين من أصحاب الفخر وجماعة من أصحاب التقى سليمان ومن بعدهم، ومن شيوخه في الفقه بمكة عمه أبو الفضل النويري، وبدمشق البهاء السبكي وقرأ عليه الحديث بمصر، والأذرعي بحلب، والبلقيني بمصر، ولازم شيخنا العراقي في الحديث وقد خرج له صاحبنا غرس الدين خليل معجماً عن شيوخه بالسماع والإجازة في مجلد وقد شرح هو قطعة من الحاوي، وله عدة ضوابط نظما ونثرا، وله أسئلة تدل على باع واسع في العلم، استدعى الجواب عنها من شيخنا البلقيني فأجابه عنها، وهي معروفة تلقب الأسئلة الملكية، ومن ضوابطه في المواطن التي يزوج فيها الحاكم، انشدها عنه رفيقه الحافظ برهان الدين بحلب وذكر إن شيخنا البلقيني لما سمعها أعجبه وبالغ في شكره لقوله فيها إسلام أم الفرع وهي لكافر: عدم الولي وفقده ونكاحه ... وكذاك غيبة المسافر قاصر وكذاك إغماء وحبس مانع ... أمة لمحجور توارى القادر إحرامه وتعزز مع عضله ... إسلام أم الفرع وهي لكافر وحدث بكثير من مروياته بالمسجد الحرام وقد سمعت منه وحدثني من لفظه، وهو أول شيخ سمعت الحديث بقراءته بمصر ي سنة ست وثمانين وقد ولي قضاء مكة سنة ثمانمائة - وعزل وأعيد مراراً، ومات وهو قاض في شهر رمضان وكان كثير العبادة والأوراد مع السمت الحسن والسكون والسلامة - رحمه الله تعالى. محمد بن عزيز الواعظ، الحنفي، كان فاضلاً ذكياً، ولي مشيخة اليونسية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 ودرس بغير مكان، وكان حسن الخط والعشرة كريم النفس، كتب بخطه كثيراً؛ ومات في جمادى الآخرة. محمد بن محمد بن محمد، المخزومي الإسكندراني، فتح الدين، سمع من ابن نباتة سيرة ابن هشام وحدث بها عنه بمكة، وكان يتعانى التجارة فنهب مرة وأملق وأقام بزبيد ينسخ للملك الأشرف، ثم حسنت حاله وتبضع فربح، ثم والى الأسفار إلى أن أثرى وجاور بمكة، ثم ورد في البحر قاصداً القاهرة؛ فمات بالطور في أوائل شعبان. محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر، الشيرازي الشيخ العلامة مجد الدين، أبو الطاهر الفيروزابادي، كان يرفع نسبه إلى الشيخ أبي إسحاق الشيرازي صاحب التنبيه، ويذكر أن بعد عمر أبا بكر بن أحمد بن أحمد ابن فضل الله بن الشيخ أبي إسحاق، ولم أزل أسمع مشايخنا يطعنون في ذلك مستندين إلى أن أبا إسحاق لم يعقب، ثم ارتقى الشيخ مجد الدين درجة فادعى بعد أن ولي قضاء اليمن بمدة طويلة أنه من ذرية أبي بكر الصديق وزاد إلى أن رأيت بخطه لبعض نوابه في بعض كتبه محمد الصديقي، ولم يكن مدفوعاً عن معرفة إلا أن النفس تأبى قبول ذلك، ولد الشيخ مجد الدين سنة تسع وعشرين وسبعمائة بكازرون وتفقه ببلاده، وسمع بها من محمد بن يوسف الزرندي المدني صحيح البخاري وعلى بعض أصحاب الرشيد بن أبي القاسم، ونظر في اللغة فكانت جل قصده في التحصيل فمهر فيها إلى أن بهر وفاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 أقرانه، ودخل الديار الشامية بعد الخمسين فسمع بها وظهرت فضائله وكثر الآخذين عنه، ثم دخل القاهرة، ثم جال في البلاد الشمالية والمشرقية ودخل الهند، وعاد منها على طريق اليمن قاصداً مكة ودخل زبيد، فتلقاه الملك الأشرف إسماعيل بالقبول، وكان ذلك بعد وفاة جمال الدين الريمي قاضي الأقضية باليمن كله فقرره الأشرف مكانه وبالغ في إكرامه مرارا فاستقدت قدمة بزبير واستمر في ذلك الى ان مات وقدم في هذه المرة مكة وأقام بها وبالطائف، ثم رجع وصنف القاموس المحيط في اللغة لا مزيد عليه في حسن الاختصار وميز فيه زياداته على الصحاح بحيث لو أفردت لكانت قدر الصحاح وأكثر في عدد الكلمات وقرئ عليه؛ وكان أولاً ابتدأ بكتاب كبير في اللغة سماه اللامع والمعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب، وكان يقول لو كمل لكان مائة مجلد، وذكر عنه الشيخ برهان الدين الحلبي أنه تتبع أوهام المجمل لابن فارس في ألف موضع وكان مع ذلك يعظم ابن فارس ويثني عليه، وقد اكثر المجاورة بالحرمين، وحصل دنيا طائلة وكتبا نفيسة لكنه كان كثير التبذير، وكان لا يسافر إلا وصحبته عدة أحمال من الكتب، ويخرج أكثرها في كل منزلة ينظر فيها ويعيدها إذا رحل، وكان إذا أملق باعها، وكان الأشرف كثير الإكرام له حتى أنه صنف له كتابا وأهداه له على أطباق فملأها له دراهم، وصنف للناصر كتابا سماه تسهيل الوصول إلى الأحاديث الزائدة على جامع الأصول، والإصعاد على رتبة الاجتهاد في أربعة أسفار، وشرع في شرح مطول على البخاري ملأه بغرائب المنقولات، وذكر لي أنه بلغ عشرين سفراً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 إلا أنه لما اشتهرت باليمن مقالة ابن العربي ودعا االشيخ إسماعيل الجبرتي وغلب على علماء تلك البلاد، صار الشيخ مجد الدين يدخل في شرح البخاري من كلام ابن العربي في الفتوحات ما كان سببا لشين الكتاب المذكور، ولم أكن أتهم الشيخ بالمقالة المذكورة إلا أنه كان يحب المداراة، وكان لناشري فاضل الفقهاء بزبيد يبالغ في الإنكار على إسماعيل - وشرح ذلك يطول، ولما اجتمعت بالشيخ مجد الدين أظهر لي إنكار مقالة ابن العربي وغض منها، ورأيته يصدق بوجود رتن الهندي وينكر على الذهبي قوله في الميزان أنه لاوجود له، قال الشيخ مجد الدين: إنه دخل قريته ورأى ذريته وهم مطبقون على تصديقه، وقد أوضحت ذلك في ترجمة رتن من كتاب الإصابة ومن تصانيفه شوارق الأسرار في شرح مشارق الأنوار، والروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف، وتحبير الموشين فيما يقال بالسين والشين، وكان يقول: ما كنت أنام حتى أحفظ مائتي سطر، ولم يقدر له قط أنه دخل بلداً إلا وأكرمه متوليها وبالغ في إكرامه مثل شاه شجاع صاحب تبريز، والأشرف صاحب مصر، والأشرف صاحب اليمن، وابن عثمان صاحب التركية، وأحمد بن أويس صاحب بغداد، وغيرهم، ومتعه الله بسمعه وبصره إلى أن مات، سمع الشيخ مجد الدين من ابن الخباز وابن القيم وابن الحموي وأحمد بن عبد الرحمن المرداوي واحمد بن مطر النابلسي والشيخ تقي الدين السبكي، ويحيى بن علي بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 محلي بن الحداد وغيرهم بدمشق في سنة نيف وخمسين، وبالقدس من العلائي والتباني، وبمصر من القلانسي ومظفر الدين وناصر الدين التونسي وابن نباتة والفارقي والعرضي والعز وجماعة، وبمكة من خليل المالكي والتقي الحرازي، ولقي بغيرها من البلاد جمعاً جماً من الفضلاء وحمل عنهم شيئاً كثيراً وخرج له الجمال المراكشي مشيخة، واعتنى بالحديث، اجتمعت به في زبيد وفي وادي الخصيب، وناولني جل القاموس وأذن لي مع المناولة أن أرويه عنه، وقرأت عليه من حديثه عدة الأجزاء، وسمعت منه المسلسل بالأولية بسماعه من السبكي، وكتب لي تقريظاً على بعض تخريجاتي أبلغ فيه، وأنشدني لنفسه في سنة ثمانمائة بزبيد بيتين كتبهما عنه الصلاح الصفدي في سنة سبع وخمسين بدمشق وبين كتابتهما عنه ووفاته ستون سنة: يد وفي وادي الخصيب، وناولني جل القاموس وأذن لي مع المناولة أن أرويه عنه، وقرأت عليه من حديثه عدة الأجزاء، وسمعت منه المسلسل بالأولية بسماعه من السبكي، وكتب لي تقريظاً على بعض تخريجاتي أبلغ فيه، وأنشدني لنفسه في سنة ثمانمائة بزبيد بيتين كتبهما عنه الصلاح الصفدي في سنة سبع وخمسين بدمشق وبين كتابتهما عنه ووفاته ستون سنة: أخلانا الأماجد إن رحلنا ... ولم ترعوا لنا عهداً وإلا نودعكم ونودعكم قلوبا ... لعل الله يجمعنا وإلا مات في ليلة العشرين من شوال وهو ممتع بحواسه وقد ناهز التسعين. نوروز كان ممن مماليك الظاهر، وأول ما رقاه خاصكيا، ثم أمير أخور عوضاً عن بكلمش سنة ثمانمائة، وكان قبل ذلك أمره رأس نوبة صغيرا في شهر رجب سنة سبع وتسعين وسبعمائة، ثم رام القيام على السلطان فنم عليه بعض المماليك فقبض عليه في صفر سنة إحدى وثمانمائة وقيده وحمل إلى الإسكندرية فسجن ثم نقل إلى دمياط ثم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 أفرج عنه في سنة اثنتين وثمانمائة واستقر رأس نوبة كبيراً واستقر في نظر الشيخونية، وحضر قتال ايتمش ثم وقعة اللنك ورجع مع من انهزم، واستمر ينتقل في الفتن على ما مر في الحوادث إلى أن قتل في ربيع الآخر، وكان متعاظماً سفاكا للدماء عبوسا مهابا شديد البأس، وكان مشؤم النقيبة، ما كان في عسكر قط إلا انهزم، ولا حفظ له أنه ظفر في وقعة قط، وهو الذي عمر قلعة دمشق بعد اللنك، قال العينتابي: كان جباراً ظالماً غشوماً بخيلاً - كذا قال وقد سمعت الشيخ تقي الدين المقريزي يقول سمعت نوروز هذا يقول ما معناه إني ليشق على أن لا يكون في مماليك أستاذي الملك الظاهر رجل كامل في أمور المملكة وتدبير الرعية والرفق بهم. يشبك بن أزدمر كان مشهورا بالشجاعة والفروسية، وقال العينتابي: كان ظالماً لم يشتهر عنه خير - كذا قال، وقد باشر نظر - الشيخونية، ورأيت أهلها يبتهلون بالدعاء له والشكر منه. يلبغا الناصري كان من خيار الأمراء، مات ليلة الجمعة في شهر رمضان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 سنة ثماني عشرة وثمانمائة في الثاني من المحرم قدم المؤيد بعد أن قرر على مشايخها أربعين ألف دينار فكانت مدة غيبته شهرين. وفي عاشره افرج عن بيبغا المظفري وبكتمر اليوسفي من سجن الإسكندرية. وفيها استعد قرا يوسف للحرب بينه وبين شاه رخ بن تمر لنك وذلك أن ابن تمر لنك استناب في فارس بعد أن غلب عليها وانتزع من مملكتها ابن أخيه إسكندر بن مرزة بن تمر لنك أخاه رستم وأمر بالإسكندر فكحل ثم أطلق، فجمع الإسكندر جمعاً، وحارب أخاه فانهزم الإسكندر، فأمر به عمه فقتل وتسلم شاه رخ السلطانية وتفرغ وجه شاه رخ لقرا يوسف وكان أرسل يطلب منه قريتين عينهما وامرأة أخي وابنة أخي وكان قرا يوسف قد أسرهما ويقال إنه تزوجهما، ويلتمس منه أن يلتزم بديات من قتل من إخوته ورد ما وصل من أموالهم وأن يضرب السكة باسمه ويخطب له في بلاده فلم يفعل قرا يوسف ذلك واستعد للحرب من أواخر العام الماضي وأرسل إلى ابنه محمد شاه من بغداد وينبه عساكره المتفرقة في البلاد. وفيه قدم كتاب فخر الدين بن أبي الفرج من بغداد بأنه مقيم بالمستنصرية وإنما هرب خوفاً على نفسه ويسأل العفو ويطلب الأمان، وكان استشفع بالشيخ محمد بن قديدار الدمشقي فأرسل كتابه قرين كتابه، فأجيب بما طيب خاطره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 وفيه وصل كتاب أقبقا النظامي من جزيرة قبرس وكان قد توجه من العام الماضي لفك إساري المسلمين بأنه وجد هناك خمسمائة أسير وأزيد فافتكهم بثلاثة عشر ألف دينار، وأنه أرسل للفرنج المبلغ الذي كان جهزه معه وهو عشرة آلاف دينار وسمح له متملك قبرس بالباقي، وحمل منهم إلى جهة مصر مائتي أسير وفرق الباقي في سواحل الشام. وفيها قتل طوغان الدويدار وسودون المحمدي ودمرداش المحمدي واسنبغا الزردكاش بسجن الإسكندرية وأقيم عزاؤهم بالقاهرة. وفيه هزم إينال الصصلاي نائب حلب كردى بن كندر التركماني وانتهب من غنمه شيئاً كثيراً فاستعان عليه بعلي بن دلغادر، فدخل بينهما في الصلح حتى رجع إينال عنه إلى حلب. وفي المحرم في هذه السنة ابتدأ الطاعون بالقاهرة، وتزايد في صفر حتى بلغ في ربيع الأول في كل يوم ثمانين نفساً ثم ارتفع في ربيع الآخر. وفي مستهل صفر صرف مجد الدين سالم الحنبلي عن قضاء الحنابلة وأمر بلزوم بيته. وفي الثاني عشر منه قرر في منصبه علاء الدين علي بن محمود بن مغلي الحموي وكان قد قدم من حماة في أواخر السنة الماضية والسلطان بالبحيرة. واستقر قضاء حماة بيده وأذن له أن يستنيب عنه من شاء وسعى مجد الدين عند اقباي الدويدار فقام معه في ذلك قياماً كلياً ولم يفد ذلك شيئاً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 وفيه عزل شهاب الدين بن سفري عن قضاء العسكر، وقرر فيه تقي الدين أبو بكر بن عمر بن محمد الختني الحموي الحنفي وكان قدم صحبة ابن مغلي المذكور. وفي صفر كثر ضرب الدراهم المؤيدية، ثم استدعى المؤيد القضاة والأمراء وتشاوروا في ذلك، وأراد المؤيد إبطال الذهب الناصري وإعادته إلى الهرجة فقال له البلقيني: في هذا إتلاف شيء كثير من المال، فلم يعجبه ذلك وصمم على إفساد الناصرية وأمر يشبك ما هو حاصل عنده وضربه هرجة، فذكر لنا بعد مدة أنه نقص عليه سبعة آلاف دينار، وأمر القضاة وغيرهم أن يدبروا رأيهم في تسعير الفضة المضروبة فاتفقوا على أن يكون كل درهم صغير بتسعة دراهم وكل درهم كبير بثمانية عشر على أن يكون وزن الصغير سبعة قراريط فضة خالصة ووزن الكبير أربعة عشر قيراطاً واستمر ذلك وكثرت بأيدي الناس وانتفعوا بها، ونودي على البندقية: كل وزن درهم بخمسة عشر. وفي صفر وقع الشروع في حفر الرمل الكائن بين جامعي الخطيري ببولاق والناصري المعروف بالجديد بمصر، وكانت الرمال قد كثرت هناك جدا بحيث كان ذلك أعظم الأسباب في تخريب منشاة المهراني ومنشاة الكتان وموردة الحبس وزريبة قوصون وحكر ابن الأثير وفم الخور، وكانت هذه الأماكن في غاية العمران، فلما انحسر عنها النيل ودام انحساره خربت فاتفق أن السلطان ركب إلى هذا النواحي وكان عهده بها عامرة فسأله عن سبب خرابها فأخبر به، فأراد حفر ما بين الجامعين ليعود الماء اصيفاً وشتاء، وشرع حينئذ في الأمر بعمارتها فابتدأ بذلك في عاشر صفر، فنزل كزل العجمي وهو يومئذ أمير جندار، فعلق مائة وخمسين رأسا من البقر لتجرف الرمال، ثم تلاه سودون القاضي فاستمر العمل بقية صفر وربيع الأول، فلما كان يوم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 الثاني من ربيع الأول ركب السلطان ومعه الأمراء وغيرهم إلى حيث العمل في حفر البحر ونزل في خيمة نصبت له ونودي بخروج الناس إلى الحفير فخرجت جميع الطوائف وغلقت الأسواق وعمل فيه حتى الأمراء وأرباب الدولة والتجار واستمر العمل، ثم دخل الناس في العمل حتى الصوفية الذين بالظاهرية بين القصرين فإنهم توجهوا لتوجه ناظرها أمير أخور ثم أعفوا من العمل، ثم صار يخرج كل يوم أمير كبير ومعه طوائف لا تحصى، وتكرر النداء في القاهرة بالخروج إلى العمل واستمر طوال هذا الشهر، وما أفاد ذلك شيئاً بعد طول العناء. وفي صفر قبض على شاهين الأيد كاري بحلب وسجن بالقلعة، ومات سنقر الرومي بسجن الإسكندرية. وفيه سأل حسن ابن بشارة أن يستقر في مشيخة العشير ويحمل ثلاثين ألف دينار فأجيب على ذلك، وأرسلت خلعة مع يشبك الخاصكي فأعطاه ثلاثة عشر ألف دينار - وأحيل عليه أرغون شاه أستادار الشام بالباقي، فبلغ ذلك أخاه محمداً فغضب واقتتلا، فانكسر محمد وانهزم إلى جهة العراق. وفي المحرم تسلم أحمد بن رمضان مدينة طرطوس عنوة بعد أن حاصرها سبعة أشهر وسبى أهلها وخطب فيها للمؤيد، وأرسل إلى نائب حلب فأعلمه بذلك. وفيه أرسل حسين بن نعير ملك العرب يسأل قرا يلك أن يشفع له إلى السلطان وإرسال قوده وكتابه، فأجيب إلى ذلك. وفي هذا الأيام حاري كرسجي بن أبي يزيد بن عثمان محمد بن قرمان صاحب قونية، فانكسر محمد وانتزعت منه بلاده سوى قونية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 وفي ربيع الأول عزل حسن بن عجلان عن إمرة مكة وقرر ابن أخيه رميثة بن محمد بن عجلان فبلغ ذلك ابن عجلان، فصادر التجار المقيمين بمكة وأخذ منهم أموالاً عظيمة. وفي صفر الموافق لتاسع بشنس من شهور القبط في وسط الربيع حدث بمصر برق ورعد هائل لم يعهد مثله في هذا الزمان وأعقبه مطر كثير جداً بحيث سالت الأودية سيلا كثيراً تغير منه ماء النيل. وفيه أول ربيع الأول أنكر المؤيد على القضاة كثرة النواب فخففوا منهم كثيراً، فاستقر للحنفي ستة وللشافعي أربعة عشرة بشرط أن لا يرتشوا. وفيه قبض على آق بلاط نائب عينتاب وعلى شاهين الرزدكاش وسجنا بقلعة حلب. وفيه استقر محي الدين المدني الموقع في كتابة السر بدمشق وكان أقام بالقاهرة مدة طويلة وباشر التوقيع بها، ثم نقل في هذا الشهر إلى دمشق. وفيه أمر السلطان أستاداره ووزيره وناظر خواصه في مصادرة المباشرين فصودروا على خمسين ألف دينار قررت عليهم على مراتبهم وشرعوا في جبايتها. وفيه ابتدئ بعمارة المدرسة المؤيدة داخل باب زويلة، وسببه أن المؤيد كان حبس في خزانه شمائل أيام فتنة منطاش فنذر لئن الله نجاه وملكه القاهرة أن يبني مكانها جامعاً يقام فيه ذكر الله فابتدأ في الوفاء بنذره، فأول شيء بدأ به أخذ القيسارية المعروفة بسنقر الأشقر مقابل سوق الفاضل فنزل التاج الوالي وجماعة من أرباب الدولة وابتدئ بالهدم فيها وما بجوارها وانتقل السكان بها، فلما كان في الرابع من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 جمادى الآخرة ابتدئ بحفر الأساس وشرع في العمل وقرر الأمير ططر شادا على العمارة وبهاء الدين ابن البرجي الذي كان محتسباً مرة في النظر على العمارة المذكورة وكان صديق ططر فسعى له في ذلك فاستمر. وفي أواخر ربيع الأول قدم على المؤيد شمس الدين شمس بن عطاء الله الرازي المعروف بالهروي وكان من أعوان تمر لنك، فأرسله إلى جهاته فخانه فتهدده، ففر منه إلى بلاد الروم فالتمس من ابن قرمان أن يجمع بينه وبين عالم بلادهم شمس الدين الغناري، فامتنع ابن قرمان من ذلك، وقال: هذا رجل منسوب على العلم والغناري عالمنا فلا يسهل بنا أن يغلب عالمنا ولا أن ينكسر خاطر هذا الغريب، فأكرمه بأنواع من الكرامات غير ذلك فصرفه عن بلاده، فدخل الشام وحج ثم رجع إلى القدس فانتزع الصلاحية بعناية نوروز من القمني واستمر بها مدرسا ثم سعى عليه القمني في دولة المستعين فعزل واستقر القمني ولم ينفذ ذلك لغلبة نوروز على البلاد الشامية. فلما توجه المؤيد إلى قتال نوروز لقيه الهروي فقرره في الصلاحية، ولما رجع إلى القاهرة لقيه أيضاً فاستأذنه أن يحضر إلى القاهرة فأذن له فحضر، فخرج إلى لقائه جماعة، وتعصب له كثير من مشايخ العجم، وشاع عنه أنه يحفظ أثني عشرة ألف حديث، وانه يحفظ صحيح مسلم بأسانيده، ويحفظ متون البخاري، فاستعظم الناس ذلك ودار القمني على الأمراء يلتمس أن يسألوا المؤيد أن يحضر الهروي ويعقد له مجلسا بالعلماء ليظهر له أنه مزجي البضاعة في العلم، فلم يزل يسعى في ذلك إلى أن أجاب السلطان، وكان الهروي قد اجتمع به وأحضره المولد الخاص، وأرسل إلى القاضيين البلقيني وابن مغلي، فتكلموا بحضرته ولم يمعنوا في ذلك وكان من جملة ما سأل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 الهروي عنه حينئذ هل ورد النص على أن المغرب لا تقصر في السفر؟ فقال: نعم، جاء ذلك من حديث جابر في كتاب الفردوس لأبي الليث السمرقندي، فلما انفصلوا روجع البستان لأبي الليث فلم يوجد فيه ذلك، فقيل له في ذلك فقال للسمرقندي بهذا الكتاب ثلاث نسخ: كبرى ووسطى، وصغرى، وهذا الحديث في الكبرى ولم يدخل الكبرى هذا البلاد فاستشعروا كذبه من يومئذ، وأنزله السلطان دارا حسنة بالقاهرة ورتب له رواتب جليلة، وهاداه أهل الدولة فأكثروا من فاخر الثياب وغيرها، فلما كان يوم الخميس ثامن عشر شهر ربيع الآخر، أحضر المؤيد الهروي المذكور وأمر القضاة الأربعة ومشايخ الفنون من العلماء بالحضور، وكان مجلساً حافلاً بالمنظرة التي داخل الحوش السلطاني، فكان أول شيء سئل عنه الهروي على من سمع منه - صحيح البخاري، فاختلق في الحال إسناد إلى أبي الوقت، زعم أن أباه حدثه عن شيخ يقال له أحمد بن عبد الكريم البوشنجي، عاش مائة وعشرين سنة عن آخر يقال له أبو الفح الهروي عاش أيضا مائة وعشرين سنة عن أبي الوقت، فقال له كاتبه: أولادنا يرون الصحيح إلى أبي الوقت بمثل هذا العدد برجال أشهر من هؤلاء وكان المذكور قد ضبط عنه الرحالة أول ما قدم بيت المقدس منهم صاحبنا الحافظ جمال الدين محمد بن موسى المراكشي ثم المكي أنه يروي الصحيح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 عن علي بن يوسف بن عبد الكريم عن ناصر الدين محمد بن إسماعيل الفارقي عن ابن أبي الذكر الصقلي عن الزبيدي عن أبي الوقت وهذا الإسناد أيضاً أظنه مما اختلق بعضه، وذلك أن الكرماني الذي شرح البخاري هو محمد بن يوسف بن عبد الكريم وهو ذكر في مقدمة شرح البخاري أنه سمع الصحيح من جماعة منهم الفارقي المذكور بالإسناد المذكور، فأن كان الهروي صادقاً فيكون أخذه عن أخيه على إن كان للكرماني أخ اسمه علي، ثم قال بعض خواص السلطان: ينبغي أن يفتح السلطان المصحف فأول شيء يخرج يقع الكلام فيه، فأحضر مصحف فتناوله السلطان بيده وفتحه فخرج قوله تعالى: " لو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى " الآية، فتكلموا في معاني لو فبدر من الشيخ همام الدين الخوارزمي شيخ الخانقاه الجمالية وكان قد حضر مع الهروي حمية له لأنه كان يذكر أن الهروي قرأ عليه، وكان الهروي قد صاهره على ابنته، فتعصب الهمام للهروي على البلقيني، وكان غرضهم إذا أغضبوه يتغير مزاجه لما عرفوا من سرعة انفعاله وعدم صبره على الضيم فتواصوا على أن يغضبوه، فكلمه الهمام بكلام أزعجه فقال: مثلك يقول لمثلي هذا! فقال: نعم، أنا أفضل منك، ومن كل شيء، فبدر كاتبه فقال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 له: يا شيخ! هذا الإطلاق كفر، فجحد أن يكون قال ذلك وكان السلطان قد سمعه لأنه كان جالساً إلى جانبه، فأظهر مع ذلك انزعاجاً على كاتبه لكونه خالفه، فقال: أنشد الله رجلا سمع ما سمعت إلا شهد به فشهد! تقي الدين الجيني وآخر، فقال: ما قصدت بهذا الإطلاق إلا الحاضرين، فقيل له: إذا سلم ذلك ففيه دعوى عريضة، وإساءة أدب واشتد انزعاج البلقيني من ذلك حتى قال: ما أساء أحد علي الأدب منذ بلغت الحلم مثل اليوم. وصار لا ينتفع بنفسه بقية ذلك اليوم فتم لهم ما أبرموه إلا أنهم خذلوا بهذا السقطة، وكانوا قد رتبوا مع الشيخ شرف الدين التباني على ما أخبر به بعد ذلك أن يسأل الهروي في المجلس عن حديث الوضوء بالنبيذ ومن خرجه، فسأله عن ذلك - مع أنه لا يتعلق بما كانوا فيه، فبادر أن قال: رواه الترمذي قال ثنا هناد بن السري ثنا شريك ثنا أبو قرارة عن أبي زيد عن ابن مسعود رضي الله عنه ورواه ابن ماجه قال ثنا العباس بن الوليد الدمشقي ثنا مروان بن محمد ثنا قاسم بن عبد الكريم عن حنش الصنعاني عن ابن عباس عن عبد الله بن مسعود، فقال له كاتبه: هذا الإسناد الذي سقته لابن ماجه غلط، وليس في ابن ماجه، ولا غيره من الكتب الستة أحد اسمه قاسم بن عبد الكريم، وأيضا فليس في سياق ابن ماجة أن الحديث لابن عباس عن ابن مسعود، وليس لفظه مطابقاً للفظ سياق الترمذي، فقال الهروي: فما هو الصواب في هذا الإسناد؟ فقال له: يكتب ما قلت وأنا أبين موضع الغلط ويحضر ابن ماجه، فإن كان كما قلت وإلا تبين خطاءك فلم يجسر أحد أن يكتب ذلك حتى أشار السلطان إلى تقي الدين الجيني فكتب ذلك، فظهر الصواب مع كاتبه فسقط عليه راو وأبدل وأحدا بآخر، والساقط ابن لهيعة شيخ مروان بن محمد، والمبدل قيس بن الحجاج فجعله الهروي قاسم بن عبد الكريم، ووضحت مجازفة الهروي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 حينئذ، ومال السلطان إلى كاتبه وصار يغمزه بعينه تارة ويرسل من يسر من خواصه أن لا تترك منازعة الهروي، فقوي عليه بذلك وقال حينئذ: يا شيخ شمس الدين! أنت تدعي أنك تحفظ اثني عشر ألف حديث وقد ارتاب من بلغه عنك ذلك في صحته، وأنا أمتحنك بشيء واحد وهو أن تسرد لنا في هذا المجلس اثني عشر حديثا من كل ألف حديث حديثاً واحداً بشرط أن تكون هذه الأحاديث متباينة الأسانيد، فإن أمليتها علينا إملاء أو سردتها سرداً أقررنا لك بالحفظ وإلا ظهر عجزك، فقال: أنا ما أستطيع السرد ولكن أكتب فقال له الإملاء نظير الكتابة فقال: لا، إلا أنا أكتب، فأحضر له في الحال دواة وورق، فشرع يكتب فلم يستتم البسملة إلا وهو يرعد ولم يكتب بعدها حرفاً واحداً وقال: لا أستطيع أكتب إلا خالياً فيأمر السلطان أن أختلي في بيت وأنت في بيت ويكتب كل من حفظه ما يستطيعه، فمن كتب أكثر كان أحفظ، فقال له كاتبه: إنا لم نحضر لنتخاير في سرعة الكتابة، مع أن شهرة كاتبه بسرعة الكتابة غير خفيه ولكن أراد إظهار عجز الهروي عما ادعاه من الحفظ، والتمس منه أن يكتب في المجلس حديثاً واحداً ليتبين للحاضرين خطاءه فيه فلم يستطع فضلا عن أن يمليه، فطال الخطب في ذلك وكل أحد ممن يتعصب له يقصد ان ينصره بكلام وكل احد ممن يتعصب عليه يدفع ما يقول للقائل، وكلما فترت همتهم في ذلك أو كادت يرسل السلطان بعض خواصه لكاتبه يحدفه عليه إلى أن قرب وقت الصلاة للظهر، وكان ابتداء الحضور ضحى النهار فقمنا إلى صلاة الظهر ثم تحولنا إلى البستان على شاطئ البركة الكبرى، فقال السلطان للشيخ زين الدين القمني: ما لك لم تتكلم في هذا المجلس مع الهروي؟ فقال: نعم، أتكلم معه في مسائل الوضوء فإنه لا يعرف شيئاً، وشرع في خطابته على عادة شقاشقه فلم ينجع شيئاً، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 ومد السماط فأكل الجماعة ثم جيء بالحلواء ثم بالفاكهة فقرأ قارئ " مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها " - الآية. فقال الشيخ نور الدين البلواني وهو ممن حضر المجلس: الظل لا يكون إلا عن ضوء والجنة لا شمس فيها ولا قمر! فأجابه بعض الحاضرين وانجر الكلام إلى الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم: سبعة يظلهم الله في عرشه يوم لا ظل إلا ظله - الحديث، فقال كاتبه: هل فيكم من يحفظ لهذا السبعة ثامناً؟ فقالوا: لا، فقال: ولا هذا الذي يدعي أنه يحفظ اثني عشر ألف حديث - وأشار، فسكت، فأعاد عليه فسكت، فقال له بعضهم فهل: تحفظ أنت ثامنا؟ فقال: نعم: أعرف ثامنا وتاسعا وعاشراً وأعجب من ذلك أن في صحيح مسلم الذي يدعي هذا الشيخ أنه يحفظه كله ثامن السبعة المذكورين، فقيل له: أفدنا ذلك، فقال: المقام مقام امتحان لا مقام إفادة وإذا صرتم في مقام الاستفادة أفدتكم ثم جمع كاتبه بعد ذلك ما ورد في ذلك، فبلغوا زيادة على عشر خصال زائدة على السبع المذكورة في الحديث المذكور، وكان أبو شامة قد نظم السبعة المشهورة في بيتين مشهورين، فجمع كاتبه سبعة وردت في أسانيد جياد فنظمها في بيتين، ثم جمع سبعة ثالثة بأسانيد فيها مقال ونظمها في بيتين آخرين، وانقضى المجلس بصلاة العصر، فلما أرادوا القيام قال كاتبه للسلطان: يا خوند! أدعي على هذا إن لي عنده دينا، فقال: ماهو؟ فقال: اثنا عشر حديثاً، فتبسم وانصرفوا، فلما كاد كاتبه أن يخرج من باب الحوش طلبه فعاد، فوجد السلطان قد قام ليقضي حاجته فوقف مع خواصه إلى أن يحضر، فقال له كاتب السر: إن السلطان قال: قد استحييت من فلان كيف يتوجه بغير ثواب! فقلت له: إن كان شيخ البيبرسية وانتزعها منه أخو جمال الدين ظلما، فلما استتم كلامه حضر السلطان فأشار إلى كاتب السر أن يعلم كاتبه بما تقرر من أمر البيبرسية فقال له ان السلطان قد اعاد اليك مشيخة البيرسية فشكرت له ذلك ثم قلت له قررتني في مشيخة البيبرسية ونظرها وعزل من هو مقرر فيها بحكم أنه انتزعها مني بغير حجة، فقال: نعم، فأشهدت عليه بذلك من حضر، وفي غداة غد ليست بها خلعة وحضرتها وصرف أخو جمال الدين منها، ثم عوض بعد سنتين مشيخة سعيد السعداء بعد موت البلالي - كما سيأتي - بعناية الأمير ططر الذي ولى السلطنة في سنة أربع وعشرين، وكان أخو جمال الدين قد استعان على كاتبه بتنبك يبق فاستعان تنبك باقباي الدويدار الكبير وبططر المذكور وكلموا السلطان مرارا في ذلك فامتنع، فلما أيسوا منه عدلوا إلى المخادعة، فلم يزل ذلك في نفس ططر إلى أن قرر المذكور في الخانقاه السعيدية بعد موت البلالي وكفا الله شره، وأما الهروي فإن طائفة من العجم، وغيرهم سعوا عند الأمراء، وسألوا السلطان أن ينعم عليه بما ينجبر به خاطره وخاطر صهره، فأحضر يوم الاثنين ثاني عشري ربيع الآخر وخلع عليه جبة بسمور وأركب فرسا مسروجاً ورجع إلى منزله ومعه طائفة من الأمراء وغيرهم، وأشيع بأنها خلعة استمرار تدريس الصلاحية، فسقط في يد القمني وانزعج من ذلك لأنه كان أعظم الأسباب فيما وقع للهروي، وإنما سعى في ذلك لينتزع منه الصلاحية لكونها كانت بيده قبل ذلك فدار على الأمراء وغيرهم فما أجيب إلى ذلك، فلما يئس سأل أن يعوض عنها بسموح مركب في البحر لا يؤخذ منه على ما يحضر فيها مكس، فكتب له بذلك واطمأنت نفسه واستمر يؤجرها هو بأجرة بالغة في الزيادة لتتوفر دواعي التجار على ركوبها، فإذا وصلوا أخذ المستأجر من التجار الأجرة مضاعفة بسبب رفع المكس، واستمر الهروي بعد ذلك مقيما بالقاهرة إلى أن خرج صحبة ركاب السلطان إلى الشام فقرره في نظر القدس والخليل زيادة على مشيخة الصلاحية كما سيأتي. م جمع كاتبه بعد ذلك ما ورد في ذلك، فبلغوا زيادة على عشر خصال زائدة على السبع المذكورة في الحديث المذكور، وكان أبو شامة قد نظم السبعة المشهورة في بيتين مشهورين، فجمع كاتبه سبعة وردت في أسانيد جياد فنظمها في بيتين، ثم جمع سبعة ثالثة بأسانيد فيها مقال ونظمها في بيتين آخرين، وانقضى المجلس بصلاة العصر، فلما أرادوا القيام قال كاتبه للسلطان: يا خوند! أدعي على هذا إن لي عنده دينا، فقال: ماهو؟ فقال: اثنا عشر حديثاً، فتبسم وانصرفوا، فلما كاد كاتبه أن يخرج من باب الحوش طلبه فعاد، فوجد السلطان قد قام ليقضي حاجته فوقف مع خواصه إلى أن يحضر، فقال له كاتب السر: إن السلطان قال: قد استحييت من فلان كيف يتوجه بغير ثواب! فقلت له: إن كان شيخ البيبرسية وانتزعها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 منه أخو جمال الدين ظلما، فلما استتم كلامه حضر السلطان فأشار إلى كاتب السر أن يعلم كاتبه بما تقرر من أمر البيبرسية فقال له ان السلطان قد اعاد اليك مشيخة البيرسية فشكرت له ذلك ثم قلت له قررتني في مشيخة البيبرسية ونظرها وعزل من هو مقرر فيها بحكم أنه انتزعها مني بغير حجة، فقال: نعم، فأشهدت عليه بذلك من حضر، وفي غداة غد ليست بها خلعة وحضرتها وصرف أخو جمال الدين منها، ثم عوض بعد سنتين مشيخة سعيد السعداء بعد موت البلالي - كما سيأتي - بعناية الأمير ططر الذي ولى السلطنة في سنة أربع وعشرين، وكان أخو جمال الدين قد استعان على كاتبه بتنبك يبق فاستعان تنبك باقباي الدويدار الكبير وبططر المذكور وكلموا السلطان مرارا في ذلك فامتنع، فلما أيسوا منه عدلوا إلى المخادعة، فلم يزل ذلك في نفس ططر إلى أن قرر المذكور في الخانقاه السعيدية بعد موت البلالي وكفا الله شره، وأما الهروي فإن طائفة من العجم، وغيرهم سعوا عند الأمراء، وسألوا السلطان أن ينعم عليه بما ينجبر به خاطره وخاطر صهره، فأحضر يوم الاثنين ثاني عشري ربيع الآخر وخلع عليه جبة بسمور وأركب فرسا مسروجاً ورجع إلى منزله ومعه طائفة من الأمراء وغيرهم، وأشيع بأنها خلعة استمرار تدريس الصلاحية، فسقط في يد القمني وانزعج من ذلك لأنه كان أعظم الأسباب فيما وقع للهروي، وإنما سعى في ذلك لينتزع منه الصلاحية لكونها كانت بيده قبل ذلك فدار على الأمراء وغيرهم فما أجيب إلى ذلك، فلما يئس سأل أن يعوض عنها بسموح مركب في البحر لا يؤخذ منه على ما يحضر فيها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 مكس، فكتب له بذلك واطمأنت نفسه واستمر يؤجرها هو بأجرة بالغة في الزيادة لتتوفر دواعي التجار على ركوبها، فإذا وصلوا أخذ المستأجر من التجار الأجرة مضاعفة بسبب رفع المكس، واستمر الهروي بعد ذلك مقيما بالقاهرة إلى أن خرج صحبة ركاب السلطان إلى الشام فقرره في نظر القدس والخليل زيادة على مشيخة الصلاحية كما سيأتي. وفي هذه السنة قبض اقباي الدويدار على الشيخ شرف الدين التباني بسبب الكسوة التي عملت في هذه ألسنة وأغرمه مالا كثيراً باع فيه دار قد استجداها في دول المؤيد، وعزل عن نظر الكسوة، ورد السلطان أمرها إلى ناظر الجيش علم الدين ابن الكوير، وأمده بألف دينار مضافا إلى ما يتحصل من وقفها، فعملت في السنة المقبلة فجاءت في غاية الحسن وفي جمادى الأولى عصى قانباي على السلطان وزين له الشيطان أن يستبد بالملك وكان السلطان لما بلغه طرف من ذلك عزله من نيابة الشام وقرر فيها الطنبغا العثماني، وفي أثناء ذلك في رجب عثر بالقاهرة على كتاب من قانباي على جانبك الصوفي فأحضر جانبك وسئل عن ذلك فأنكر، فعوقب عقوبة عظيمة وعصرت رجلاه ليقر على من وافق قانباي على العصيان والمخامرة، واستقر الطنبغا القرمشي أميراً كبيراً عوضاً عن العثماني، واستقر تاني بك ميق أمير أخور عوضاً عن القرمشي واستقر سودون قرا صقل حاجب الحجاب عوضاً عن سودون القاضي، واستقر سودون القاضي رأس نوبة عوضاً عن سنقر، وأرسل إلى قانباي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 جلبان أمير أخور لإحضاره إلى القاهرة واستقراره بها أميرا، فوصل جلبان في أول جمادى الآخرة وبلغه الرسالة فأظهر الامتثال وأخذ في نقل حريمه من دار السعادة إلى بيت الغرس الأستادار بطرف القبيبات فبينا جلبان المذكور ومعه أرغون شاه وتنبغا المظفري، ومحمد بن منجك ويشبك الأتمشي يسيرون تحت القلعة إذ وصل يلبغا كماج الكاشف إلى داريا فخرج قانباي فاتفقا على محاربة المؤيدية، فبلغهم ذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 فتأهبوا للحرب، ثم وقع القتال من بكرة النهار إلى العصر، فانهزم المؤيدية، ومروا على وجوههم إلى صفد، واستمر محمد بن منجك في هزيمته إلى القاهرة، ودخل قانباي دمشق فنزل دار السعادة وحاصر القلعة وتراموا بالسهام والمجانيق فاستظهروا عليه فتحول إلى خان السلطان، ووصل طرباي نائب غزة مطاوعاً له على العصيان وانضم اليه ثاني بك البجاسي نائب حماه وسودون الدجي بن عبد الرحمن نائب طرابلس وجماعة وكاتب نائب حلب اينال الصصلاي فوافقه على العصيان أيضاً وخرج في عسكره من حلب لملاقاته، فخرج قانباي بمن أطاعه إلى جهة حلب، ولما بلغ قانباي خروج المؤيد إلى حربه توجه إلى جهة حلب - من طريق البرية وكان نائب حماة لما أظهر العصيان اتفق أنه خرج إلى المعرة فلما أراد دخول حماة منعه أهلها، فلما وصل قانباي إلى تلك الجهة انضم واجتمعوا كلهم بحلب، وكان شاهين الدويدار بحلب خالف إينال الصصلاي في العصيان، وطلع إلى القلعة وحصنها واجتهد في قتال المخالفين، فحاصرهم إينال نحو شهرين ونصف، فبلغ الطنبغا العثماني الذي استقر نائب الشام خبر قانباي ومن معه فتوجه إلى جهتهم ومعه العسكر المندوب من القاهرة والذين كانوا انهزموا إلى صفد إلى أن وصلوا برزة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 فوجدوا قانباي قد تقدم فتبعوه فأخذوا من ساقته أغناما ووصل قانباي إلى سلمية في سلخ رجب، ثم رحل من حماة في ثاني عشر شعبان فوافاه إينال نائب حلب وسودون ابن عبد الرحمن نائب طرابلس وكثر جمعهم، ووصل إلى القاهرة محمد ابن إبراهيم بن منجك في ثالث عشري رجب فحقق للسلطان عصيان قانباي وأخبره بالوقعة التي انهزم هو فيها منه، فلم يكذب السلطان خبراً وأصبح منزعجاً فأنفق في العسكر وعين من يسافر معه منهم، وأعفي القضاة والخليفة من السفر معه لكن سار معه القاضي الحنفي ناصر الدين ابن العديم باختياره، وسار جريدة بعد وصول ابن منجك بأيام يسيرة وذلك في ثاني عشري رجب، وقرر نيابة الغيبة ططر وقرر سودون قرا صقل حاجب الحجاب وقطلوبغا التيمي نائب القلعة وعزل ابن الهيصم عن الوزارة في تاسع عشر رجب وشغرت الوزارة فقرر أبوكم في نظر الدولة ليسد المهمات في غيبة السلطان بمراجعة الأستادار. واستمر السلطان في سفره فدخل دمشق في سادس شعبان وكان قد دخل غزة وخرج منها في يومه ثم خرج من دمشق في ثامن شعبان، فلما كان في ثاني عشر شعبان قبل أن يصل السلطان بعسكره التقى عسكر قانباي وإينال ومن معهما وعسكر السلطان فالتقى العسكران فانكسر قانباي الدويدار وأسرهم وجماعة من العسكر وانهزم بعضهم فاتفق موافاة السلطان صبيحة ثاني يوم الوقعة وقد نزل العسكر واستغلوا بالنهب واطمأنوا، فطلعت أعلامه عليهم من وراء أكمة فولوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 الأدبار ولم يلو أحد على أحد، فقبض المأسورون في الحال على من أسرهم واستعادوا ما نهب منهم ورجع الناهب منهوباً والغالب مغلوباً وأسر إينال الصصلاي وشرباش كباشة وتمنتمر واقبغا النظامي وجماعة، واستمر السلطان على حلب والأسارى بين يديه مشاة في الأغلال والقيود فطلع القلعة، واستمر قانباي في هزيمته إلى جهة اعزاز فلقيه بعض التركمان فآمنه وأنزله عنده، ثم غدر به وقبض عليه وأحضره إلى السلطان فأمره به وبإينال الصصلاي وبكباشة وتمنترا فقتلوا وأرسلت رؤسهم إلى القاهرة فعلقت على باب زويلة ثم أرسل بها إلى الإسكندرية فطيف بها، وفر سودون بن عبد الرحمن وطرباي وغيرهما فنجوا في هزيمتهم وقرر السلطان اقباي الدويدار في نيابة حلب وجار قطلي في نيابة حماة ويشبك الشربخاناه في نيابة طرابلس، وفي مدة إقامة السلطان بحماة قدم عليه أبو يزيد بن قرا يلك بهدية من أبيه وتهنئة له بالنصر على أعدائه فأكرم مورده ورده إلى أبيه ومعه هدية مكافأة على هديته. وفيها فر كزل نائب ملطية إلى التركمان خوفا من السلطان لأنه كان قد وافق قانباي على العصيان عليه، وعزم السلطان على الإقامة بحماة بقية السنة لحسم مادة الفتن وللقبض على من تسحب من النواب الذين خامروا وهم كزل نائب ملطية وسودون بن عبد الرحمن نائب طرابلس وطرباي نائب غزة، ثم فتر عزمه عن الإقامة وأرسل طوغان نائب صفد إلى القاهرة على تقدمة ألف وأذن له في سفر البحيرة ليحصل شيئاً يكون عوناً له على تجديد ما نهب له في الوقعة، وكانت الوقعة في رابع عشر شعبان، واستمر المؤيد يقفو أثر المهزمين إلى قلعة الأمارب فبات بها ثم أصبح فدخل إلى حلب وأقام بحلب إلى ثاني عشر شوال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 ثم رجع إلى القاهرة فدخلها في ثاني عشري ذي القعدة. وفي رمضان في ليلة الجمعة ثالثه أخذ رجل سكرانا وهو يشرب الخمر بالنهار، فضرب الحد وطيف به، فثار به عامة الصليبة فقتلوه ثم أججوا ناراً فألقوه فيها حتى مات حريقاً. وفي شوال ليالي توجه الحاج ابتدأ الغلاء العظيم بالقاهرة مع وجود الغلال وزيادة الماء وكثرة الزرع وكان أول السنة في الغلال من الرخص شيء عجيب بحيث أن القمح الذي هو في غاية الجودة لا يتجاوز نصف دينار كل إردب ودونه قد يبتاع بالدينار ثلاثة أرادب وذلك في كثير من الأوقات، وأعظم الأسباب في هذا الغلاء كثرة الفتن بنواحي مصر من العرب وخروج العساكر م مرة بعد مرة ففي كل مرة يحصل الفساد في الزروع ويقل الأمن في الطرقات فلا يقع الجلب كما كان. وفي أواخر ذلك توجه الأستادار لدفع العرب المفسدين في وقت قبض المغل فعاث من معه في الغلال وأفسدوا وعادوا واتفق وقوع القحط بالحجاز والشام فكثر التحويل في الغلال إلى النواحي من أراضي مصر وصعيدها، واتفق أن بعض الناس ممن له أمر مطاع في غيبة السلطان أراد التجارة في القمح فصار يحجر على من يصل لشيء منه أن يبيعه لغيره فعز الجالب فرارا منه فوقع في البلد تعطيل في حوانيت الخبازين، ووقع الفساد من ذلك قليلاً قليلاً بحيث لا ينتبه له إلى أن استحكم فبلغ الإردب من القمح إلى ثلاثمائة وكذلك الحمل من التبن، وتزاحم الناس على الخبز في الأسواق إلى أن فقد من الحوانيت وصار الذي من شأنه أن يكتفي بعشرة أرغفة لو وجد مائة لاشتراها لما قذف في قلوبهم من خشية فقده وصار من عنده شيء من القمح يحرص على أن لا يخرج منه شيئاً خشية أن لا يجد بدله فتزاحم الناس على الأفران إلى أن قفلت صاروا يبيعوه من الأسطحة وآل الأمر إلى أن فقد القمح وبلغ الناس الجهد وانتشر الغلاء في قبلي مصر وبحريها، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 واتفق أن الوجه البحري كان مقلا من الغلال بسبب الفأر الذي تسلط على الزرع في هذا السنة فاحتاجوا على جلبه من الصعيد، وأمسك أهل الصعيد أيديهم عن البيع لما بلغهم من منع المحتسب من الزيادة في السعر فاشتد الأمر وعم البلاء ولما رأى التاج الوالي وهو المحتسب يومئذ ذلك استعفى من الحسبة فقرر نائب الغيبة فيها القاضي شمس الدين محمد ابن يوسف الحلاوي في العشرين من شوال فباشر أياماً قلائل فلما أهل ذو القعدة تزايدت الأسعار واشتد الزحام بالأفران فخشي المحتسب على نفسه فاستعفى، وأعيد أمر الحسبة إلى الوالي وهو التاج الشوبكي وذلك في حادي عشر ذي القعدة وقد امتدت الأيدي للخطف، واجتمع ملا يحصى ببولاق لطلب القمح، وتعطل غالب الأسواق من البيع والشراء بسبب اشتغالهم في تحصيل القوت، لأن بعضهم كان يتوجه إلى الأفران من نصف الليل ليحصل له من الخبز، وبعضهم يتوجه إلى السواحل ليحصل له شيء من القمح فمنهم من يجده ومنهم من يرجع خائباً، فقلت أصناف المآكل وعظم الخطب وصارت المراكب من القمح إذا وصلت إلى الساحل تربط في وسط النيل خشية من النهب بالساحل ويتوجه الناس افي الشخاتير ليشتروا منها، ثم وقع التحجير على من يشتري زيادة على إردب وصار معظم الواصل يقسم على الطحانين ليطحنوه للفرانين ويحمل إلى حوانيت الخبازين، ومع ذلك فالزحام عليه شديد حتى مات جماعة من الزحمة وغرق جماعة في البحر عند التوجه إلى المراكب الواصلة، وخرج الناس في ثامن عشر ذي القعدة إلى الصحراء يستكشفون هذا البلاء ومقدمهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 القاضي جلال الدين البلقيني فوقفوا قريباً من قبة النصر فضجوا ودعوا بغير صلاة، وأتفق أن القاضي واجه التاج الوالي فأشار عليه أن يختفي خشية عليه مما اتفق لابن النشو بدمشق في آخر القرن الماضي على تقدم شرحه لأن الألسنة كانت انطلقت في حقه أن سبب الغلاء منه فرجع مختفياً، ورجع بعد ذلك الموقف وقد تيسر وجود الخبز قليلاً ثم فقد أشد مما تقدم فركب التاج الوالي إلى البلاد القريبة وتتبع مخازن القمح وألزم أصحابها بالبيع وقسم على الطحانين مقادير احتياجهم، فبلغت البطة الدقيق مائة درهم وزاد الأمر فانتهت إلى مائتين وبلغ القمح إلى ثلاثمائة درهم كل إردب، وبلغ الفول إلى ثلاثمائة، والأرز إلى ألف وثمانين، وتزايد في غضون هذه الأيام سعر الذهب إلى أن بلغ الهرجة مائتين وثمانين كل مثقال، وندب نائب الغيبة إلى كل فرن طائفة من الترك لمنع من ينهب وقعد حاجب الحجاب بنفسه على بعض الأفران واجتهد في ذلك حتى رأى الخبز على الحوانيت، وكان من اللطف الخفي في هذه المدة طلوع الزرع فاستغنى الناس لبهائمهم بالربيع ثم استغنوا لأنفسهم بأكل الفول الأخضر ثم فريك الشعير، وخرج الناس من ابتداء ذي الحجة أفواجا أفواجاً إلى الأرياف، ثم استشعر من عنده قمح من أهل الحصار والصعيد ......... فأطلقوا أيديهم في البيع وكثر الجلابة من التجار فكثر الوصل، ومع ذلك فالغلاء مستمر والطالب للقمح غير قليل. وفي هذا السنة قدم فخر الدين ابن أبي الفرج من بغداد فالتقى بالسلطان، فأكرمه وعفا عنه ذنبه الماضي وولاه كشف الشرقية والغربية والبحيرة وقطيا، فقدم القاهرة في أواخر شوال وأقام بها قليلاً وخرج إلى عمله ليحصل الأموال على عادته، وخرج السلطان من حلب في أوائل ذي القعدة وقبض على سودون القاضي وسجنه بدمشق، واستقر بردبك عوضه رأس نوبة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 وخرج إبراهيم ولد السلطان من القاهرة لملاقاة أبيه في أواخر ذي القعدة وصحبته كزل العجمي وغيره، ووصل السلطان إلى سرياقوس في نصف ذي الحجة فعمل هناك وقتا حافلاً بالقراء والسماع على العادة وهب الصوفية الخانقاه شيئاً كثيراً، وأصبح في السادس عشر فنزل الريدانية بكرة ومد السماط هناك وخلع على من له عادة بذلك وطلع القلعة من يومه، ونودي من الغد بالأمان وأن لا يتكلم أحد في سعر الغلال فإن الأسعار بيد الله ومن زاحم على الأفران فعل له كذا وكذا، وتصدى للنظر في أمر القمح بنفسه، وجهز مرجان الخازندار وعبد الرحمن السمسار بمال جزيل إلى الصعيد ليشتروا بها قمحا ويحضرونه بسرعة ليكثر بالقاهرة وتبطل المزاحمة على الخبز، وانسلخت السنة والأمر على ذلك. وفي خامس عشر ذي الحجة استقر جقمق الدويدار دويدار كبيراً عوضاً عن اقباي، واستقر يشبك دويدار ثانيا موضع جقمق. وفي آخر السنة نودي على الذهب أن يكون الهرجة بمائتين وخمسين بعد ما كان بلغ مائتين وثمانين وشدد السلطان في ذلك وتوعد عليه. واستقر إبراهيم المعروف بخرز في ولاية القاهرة عوضاً عن التاج ونقل التاج إلى أستادارية الصحبة. وفيها في صفر استقر رميثة بن محمد بن عجلان في إمرة مكة عوضاً عن عمه حسن بن عجلان، فلم يتهيأ له الدخول إلى مكة إلا مع الحجاج، فدخلها في ذي الحجة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 ونزع عنها حسن وأولاده، وحاشيته، فاستقر أميراً بها إلى أن كان ما سنذكره في السنة الآتية. وفيها في ربيع الآخر أهين ود والنصارى إهانة بالغة في استخراج الذهب الذي قرر عليهم في وفاء الجزية الماضية ونالهم محمد الأعوان كلف كثيرة. وفي هذه السنة كثر عبث العربان بالوجه القبلي والبحري، واشتد بأسهم وثارت الأحامدة من عرب الصعيد وهم ناقلة من أراضي الحجاز من آل بلي سكان دامة فما فوقها على جهة ينبع، فتحولوا إلى الصعيد الأعلى ونزلوا فيه واتخذوه وطنا، ووثبوا على والي قوص فقتلوه وقتلوا خلقا معه. وفيها في ربيع الآخر توجه تنبغا المظفري إلى دمشق فاستقر بها أميراً كبيراً، ونقل طوغان من نيابة صفد إلى حجوبية دمشق، ونقل خليل الجشاري من حجوبية دمشق على نيابة صفد، وكان المتوجه من القاهرة إينال الأزعري. وفيه توجه محمد شاه بن قرا يوسف صاحب بغداد إلى ششتر فحاصرها وفيها بقية آل أويس، فقاتلوه، ومنعوا البلد. وفي جمادى الأولى استقر أقبردي المنقار في نيابة الإسكندرية عوضاً عن صماي. وفي ربيع الآخر توجه نائب حلب إينال الصصلاي ونائب طرابلس سودون التركماني قبل المخامرة على جرائد الخيل في طلب كردي بن كندر التركماني ففر منهم. فأخذوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 أعقابه واستولوا على كثير من أغنامه وأبقاره، ثم توجهوا على قلعة دربشاك فحاصروها ثلاثاً فأخذوها، وفر عن كردى أكثر أصحابه فتسحب على مرعش وانضم فارس بن مردخان ابن كندر. وفيه توجه نائب ملطية كزل في طلب حسين بن كبك وأخيه سولو وكانا قد نازلا حرباص من أعمال ملطية وأحرقاها فأدركهما فتحصنا بقلعة كركر، فقتل من جماعتهما خلقا ورجع إلى ملطية فخرجا وجمعا عليه من التركمان والأكراد جمعا كثيراً ورجعوا عليه فقاتلهم وهزمهم. وفيها سقطت دار من الدور القديمة التي أخذت لتضاف إلى المدرسة التي ابتدأ السلطان في إنشائها داخل بابي زويلة، فمات تحت الردم منهم أربعة عشر نفسا. وفي جمادى الآخرة طرق سودون القاضي الجامع الأزهر، وهو يومئذ حاجب الحجاب ونظر الجامع بعد عشاء الآخرة ومعه كثير من أعوانه، وكان بلغه أنه حدث بالجامع من الفساد بمبيت الناس فيه مالا يعبر عنه، فأمر بعدم المبيت فيه فلم يرتدعوا فطرقهم، فوقع من أعوانه النهب في الموجودين، فامتنعوا بعد ذلك من المبيت، وأخرج بعد ذلك ما بالجامع من الصناديق والخزاين للمجاورين لأنها ضيقت على المصلين. وفيها في أولها كانت كائنة الشيخ سليم - وهو بفتح السين - وذلك أنه كان بالجيزة بالجانب الغربي من النيل كنيسة للنصارى فقيل إنهم جددوا فيها شيئاً كثيراً، فتوجه الشيخ سليم من جامع الأزهر ومعه جماعة فهدموها، فاستعان النصارى بأهل الديوان من القبط فسعوا عند السلطان بأن هذا الشيخ افتات على المملكة وفعل ما أراد بيده بغير حكم حاكم، فاستدعى بالمذكور فأهين، فاشتد ألم المسلمين لذلك، ثم توصل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 النصارى ببعض قضاة السوء إلى أن أذن لهم في إعادة ما تهدم فجر ذلك لهم أن شيدوا ما شاؤا بعلة إعادة المنهدم الأول فلله الأمر. وفيها صرف حسين بن نعير عن إمرة العرب واستقر حديثه ابن سيف في إمرة آل فضل فوقع بينهما حرب فغلب حديثه، وتوجه حسين إلى الرحبة فأفسد زروعها، ثم التقيا في أواخر رجب فقتل حسين في المعركة وبعث برأسه إلى القاهرة. وفيها قدم رسول كبير البنادقة من الفرنج إلى القاهرة بهدية من صاحبه وكتاب، فعرب الكتاب، وقرئ على السلطان وقبلت الهدية وأمر السلطان ببيعها وصرف ثمنها في العمارة التي أحدثها، وقرر لذلك كل هدية تصل من كل جهة. وفيها أوقع آل لبيد من عربان العرب الأدنى من نحو برقة بأهل البحيرة بحري مصر، فكسروهم ونهبوا منهم زيادة على ثلاثة آلاف بعير وأضعافها من الأغنام، وانهزم أهل البحيرة إلى الفيوم، ورجع أولئك وأيديهم ملأى من الغنائم. وفي رجب نقل سودون القاضي من الحجوبية فصار رأس نوبة كبير ونقل رأس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 نوبة وهو تنبك بيق فصار أمير مجلس، واستقر سودون قرا صقل حاجبا بدل سودون القاضي. وفيها عزل صدر الدين العجمي عن نظر الجيش بدمشق وأهين وصودر، واستقر ابن الكشك قاضي الحنفية في وظيفته. ذكر من مات في سنة ثماني عشرة وثمانمائة من الأعيان إبراهيم بن بركة المصري سعد الدين ابن البشيري ولد في ذي القعدة سنة ست وستين، وخدم لما ترعرع في بيت ناظر الجيش تقي الدين بن محب الدين، ثم تنقل في الخدم عند الأمراء وغيرهم إلى أن ولي نظر الدولة، وباشر عند جمال الدين واعتمد عليه في أمر الوزارة ثم استقل بالوزارة بعد جمال الدين إلى أن قبض عليه في الدولة المؤيدة كما تقدم في سنة ست عشرة، فلزم منزله إلى أن مات في صفر من هذه السنة، ولم يتفق له عند القبض أن يضرب ولا مكنت منه أعداؤه، وكان جيد الإسلام، وهو الذي جدد الجامع بالقرب من منزل سكنه ببركة الرطلي، وكان عارفا بالمباشرة، وسلك طريق الوزراء السالفين من الحشمة الترتيب. أحمد بن محمد بن أحمد عرندة، المحلى شهاب الدين الوجيزي الناسخ، ولد سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة بالمحلة، ثم قدم القاهرة فحفظ الوجيز فعرف به، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 وأخذ عن علماء عصره، ولازم القاضي تاج الدين السبكي لما قدم القاهرة، وكتب الكتب له ولغيره شيئاً كثيراً جداً، وكان صحيح الخط ويذاكر بأشياء حسنة، ثم حصل له سوء مزاج وانحراف ولم يتغير عقله وكان عارفاً بالحساب، مات في جمادى الأولى. اسنبغا الزردكاش، كان أصله من أولاد حلب فباع نفسه ويسمى اسنبغا، وتوصل إلى أن خدم الناصر فحظي عنده وارتفعت منزلته حتى زوجه أخته واستنابه لما خرج إلى السفرة التي قتل فيها، فجرى من اسنبغا ما تقدم شرحه إلى أن قبض عليه وحبس بالإسكندرية فقتل بها؛ قال العينتابي: كان ظالماً غاشماً لم يشتهر عنه إلا الشر. إينال بن عبد الله الصصلاي، كان من الظاهرية تنقل في الخدم إلى أن ولي الحجوبية الكبرى بالقاهرة، وكان ممن انضم إلى شيخ فولاه نيابة حلب في شوال سنة ست عشرة وكان ممن حاصر معه نوروز إلى أن قتل نوروز ورجع إلى ولايته بحلب، وكان شكلاً حسنا عاقلا شجاعا عارفا بالأمور قليل الشر، ثم كان ممن عصى على المؤيد هو وقانباي نائب الشام ونائب طرابلس ونائب حماة، فآل أمرهم إلى أن انهزموا وأسروا، وقتل إينال بقلعة حلب في شعبان من هذه السنة، ورأيت الحلبيين يثنون عليه كثيراً، ولما خامر على المؤيد لم يحصل لأحد من أهل بلده منه شر بل طلب أخذ القلعة فعصى عليه نائبها فحاصره أياماً ثم تركه وتوجه إلى الشام - ذكره القاضي علاء الدين في ذيل تاريخه -. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 أيوب بن سعد بن علوي الحسباني الباعوني الدمشقي، ولد سنة تسع وأربعين، وحفظ التنبيه وعرضه على ابن حملة وطبقته، وأخذ عن العماد الحسباني وذويه، ثم فتر عن الطلب واعتذر بأنه لم تحصل له فيه نية خالصة، وكان ذا أوراد من تلاوة وقيام وقناعة واقتصاد في الحال وفراغ عن الرئاسة مع سلامة الباطن، مات في صفر. حاجي بن عبد الله زين الدين الرومي، المعروف بحاجي فقيه شيخ التربة الظاهرية خارج القاهرة، كان عريا من العلم إلا أن له اتصالاً بالترك كدأب غيره، مات في شوال، واستقر في مشيختها الشيخ شمس الدين البساطي بعناية الأمير ططر نائب الغيبة، وكان السبب في ذلك أن نائب الغيبة كان لا يحب القاضي جال الدين البلقيني فاتفق أن البلقيني أفتى فتيا فخالفه فيها كاتبه، والبساطي المذكور، فنم إليه بعض أهل الشر بذلك، فوقف على ما كتبناه وتغير منه واحتشم مع كاتبه، وتقوى على جانب البساطي لضعفه إذ ذاك فأرسل وأحضره فأسمعه ما يكره وبالغ في إهانته، فخرج وهو يدعو عليه فطاف على من له به معرفة يشكوه، فبلغ ذلك الأمير ططر فغضب من ذلك، واتفق موت حاجي فقيه فعينه في المشيخة مراغما للبلقيني، ولم يستطع البلقيني تغيير ذلك بل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 استدعى البساطي المذكور وأظهر الرضا عليه وخلع عليه فرجية صوف من ملابسه واسترضاه لما علم من عناية الأمير ططر به فالله المستعان. خلف بن أبي بكر، النحريري المالكي، أخذ عن الشيخ خليل في شرح ابن الحاجب، وبرع في الفقه، وناب في الحكم، وأفتى ودرس، ثم توجه إلى المدينة فجاور بها معتنياً بالتدريس، والإفادة، والانجماع والعبادة إلى أن مات بها في صفر عن ستين سنة. دمرداش المحمدي الظاهري، كان من قدماء مماليك الظاهر، ولما جرت فتنة منطاش كان خاصكيا، وكان معه في الوقعة ففر مع من انهزم إلى حلب، فلما استقرت قدم الظاهر في السلطنة حضر فولاه نيابة طرابلس، ثم نقله إلى الأتابكية بحلب فأقام مدة، ثم ولاه نيابة حماة، ثم مات الظاهر وهو نائبها فحاصره تنم لما أراد أن يتسلطن فأطاعه ووصل صحبته إلى غزة ففر إلى الناصر، فولاه نيابة حلب بعد قتل تنم، وذلك في رمضان سنة اثنتين وثمانمائة، ففي تلك السنة غزا التركمان فكسروه، الكسرة الشنيعة، ثم كان من شأن اللنكية ما كان فيقال إنه باطنهم وفي الظاهر حاربهم وانكسر، ثم أمسكه اللنك من القلعة واستصحبه إلى الشام بغير قيد ولا إهانة، فلما قرب من الشام هرب إلى الناصر، ثم لما فر الناصر ومن معه من اللنكية توجه هو إلى جهة حلب، فلما نزح اللنك ومن معه دخل دمرداش إلى حلب في جمع جمعه، وذلك في شعبان سنة ثلاث فأقام حاكما بحلب، فولى الناصر دقماق نيابة حلب فواقع دمرادش ففر إلى التركمان، ثم وبعد مدة ولاه الناصر نيابة طرابلس فاستمر بها إلى سنة ست، ثم نقله إلى نيابة حلب في رمضان منها، ثم واقعة جكم في سنة سبع فانهزم إلى إياس، ثم ركب البحر ووصل إلى القاهرة، ثم نكص راجعاً إلى التركمان، ثم هجم على حلب بغتة فاستولى عليها في سنة ثمان، ثم أخرجه منها نوروز فتوجه إلى حماة فهجم عليها بغتة، ثم أخرج منها فتوجه إلى دمشق فأقام عند نائبها شيخ الذي تسلطن بعد ذلك، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 ثم كان معهم في وقعة السعيدية ووجه نائباً بحلب من قبل الناصر، ودخل الناصر إلى حلب سنة تسع وهو في خدمته، ثم رجع إلى مصر واستصحبه وقرر في نيابة حلب فأخرجه منها شيخ ففر إلى أنطاكية، فلما توجه الناصر في طلب شيخ فر منه إلى الأبلستين، فسار دمرداش في خدمة الناصر إلى أن قرره بمصر أتابكا، ثم كان في خدمة الناصر إلى أن حضر بدمشق فاستأذنه في أن يتوجه إلى جهة حلب ويجمع له عسكراً كثيراً فأذن له فتوجه إلى حلب فلما بلغه قتل الناصر واستقرار نوروز بالمملكة الشامية خرج من حلب لما بلغه توجه نوروز إليها فوصل إلى قلعة الروم فأقام بها، فلما بلغه سلطنة شيخ وأظهر نوروز مخالفته مال أولاً إلى نوروز وكاتبه أن يقرره في نيابة حلب ففعل، وبها يومئذ من جهته يشبك بن أزدمر، فوردت مكاتبات المؤيد لمن بحلب أن تعانوا دمرداش على الركوب على ابن أزدمر، ففعلوا وكسروا، وذلك في ذي الحجة سنة خمس عشرة، ودخل دمرداش إلى حلب حاكما، ووصلت إليه الخلعة من مصر، ثم بلغه في صفر سنة ست عشرة خروج نوروز من دمشق طالباً البلاد الحلبية فتوجه نحو العمق، فدخل نوروز إلى حلب في صفر وقرر فيها طوخ نائبا ورجع نوروز إلى صفد فحاصره دمرداش فاستنصر طوخ بالعرب فنكص دمرداش إلى العمق، ثم كانت بينه وبين طوخ وقعة عظيمة انكسر فيها دمرداش، وذلك في ربيع الآخر سنة ست عشرة، وفر دمرداش إلى أنطاكية وغيرها، ثم ركب البحر إلى القاهرة فتلقاه المؤيد بالإكرام وأعطاه تقدمة، وكان قرقماش وتغرى بردى ابنا أخي دمرداش صحبة المؤيد لما دخل مصر، فأعطى كل منها تقدمة وولي قرقماش نيابة الشام فخرج هو وأخوه، ثم رجع من غزة وأقام هناك، فجهز المؤيد عسكرا إلى الإيقاع بالعرب وتقدم إليهم بالقبض على تغرى بردى في وقت عينه لهم، ثم قبض هو على دمرداش وقرقماش في رمضان سنة سبع عشرة واعتقلهما بالإسكندرية، وكانت وفاة دمرداش بها في المحرم سنة ثماني عشرة؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 وكان دمرداش مهيباً عاقلاً مشاركاً في عدة مسائل كثير الإكرام لأهل العلم والعناية بهم، اجتمعت به فوجدته يستحضر كثيراً من كلام الغزالي وغيره، قال القاضي علاء الدين الحلبي في تاريخه: كان لا يواجه أحدا بما يكره، وقد بنى جامعا بحلب ووقف عليه أوقافا كثيرة، وله زاوية بظاهر طرابلس لها أوقاف كثيرة، وهذا بخلاف قول العينتابي: ليس له معروف. طوغان الحسيني قتل بمحبسه بالإسكندرية في المحرم، وكان أصله من جلبان الظاهر برقوق ثم ترقى إلى أن ولي الدويدارية الكبرى للناصر ثم المستعين ثم المؤيد، ثم قبض وحبس كما تقدم في الحوادث وخلف أموالاً جمة، وهو صاحب الصهريج والسبيل في رأس حارة برجوان. عبد الله بن أبي عبد الله الفرخاوي جمال الدين الدمشقي، عني بالفقه والعربية والحديث ودرس وأفاد، وكان قد أخذ عن العنابي فمهر في النحو، وكان يعتني بصحيح مسلم ويكتب منه نسخا، وقد سمع من جماعة من شيوخنا بدمشق، وفرخا - بالفاء والخاء المعجمة المفتوحتين بينهما راء ساكنة - قرية من عمل نابلس، مات في عمل الرملة في ... عبد الله بن أبي عبد الله العرجاني الدمشقي - بضم المهملة وبعد الراء جيم، كان من أتباع الشيخ أبي بكر الموصلي، ونشأ في صلاح وعبادة، وكان سريع الدمعة، وعنده نوع من الغفلة وخشوع وسرعة بكاء، وباشر أوقاف الجامع الأموي مدة، ولكن لم يعرف شيئاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 من حاله، مات راجعاً من الحج بالمدينة النبوية، ويقال إنه كان يتمنى ذلك، وقد غبطه الناس ببلوغ أمنيته في موطن منيته، وذلك في ذي الحجة، رحمه الله تعالى. علي بن أحمد بن علي بن سالم، الزبيدي موفق الدين، أصله من مكة، ولد بها سنة سبع وأربعين، وعني بالعلم وبرع في الفقه والعربية، ودخل إلى مصر والشام وأخذ عن جماعة ثم رجع إلى مكة، وتحول إلى زبيد فمات بها في ذي القعدة. قانباي كان من مماليك ... وتنقلت به الأحوال إلى أن قدم مع المؤيد في سنة خمس عشرة، واستقر دويداراً كبيراً ثم نقل إلى نيابة الشام كما تقدم في سنة سبع عشرة وثمانمائة ثم عصى كما في شرح الحوادث، فلما هزم هو ومن معه فر إلى شمالي حلب فنزل عند بعض التركمان فغدر به وأحضره إلى السلطان في رابع عشر شعبان، وكان حسن الصورة جميل الفعل، بنى برأس سويقة الغربي مدرسة، فقرر بها مدرسين للشافعية والحنفية، ووقف لها وقفاً جيداً. محمد بن أحمد بن محمد بن جمعة بن مسلم الدمشقي الصالحي الحنفي عزيز الدين المعروف بابن خضر، ولد سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، واشتغل ومهر، وأذن له في الإفتاء، وناب في الحكم، وصار المنظور في أهل مذهبه بالشام، مات في شوال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 محمد بن جلال بن أحمد بن يوسف، التركماني الأصل شمس الدين ابن التباني الحنفي، ولد في حدود السبعين، وأخذ عن أبيه وغيره، ومهر في العربية والمعاني وأفاد ودرس، ثم اتصل بالملك المؤيد وهو حينئذ نائب الشام فقرره في نظر الجامع الأموي وفي عدة وظائف، وباشر مباشرة غير مرضية، ثم ظفر به الناصر فأهانه وصادره فباع ثيابه واستعطى باليد فساءه - وأحضره إلى القاهرة ثم أفرج عنه، فلما قدم المؤيد القاهرة عظم قدره، ونزل له القاضي جلال الدين البلقيني عن درس التفسير بالجمالية، واستقر في قضاء العسكر، ثم رحل مع السلطان في سفرته إلى نوروز فاستقر قاضي الحنفية بها، ودرس بأماكن، وكانت له في كائنة قانباي اليد البيضاء، ثم توجه السلطان إلى حلب استدعاه وأراد أن يرسله إلى ابن قرمان فاستعفى، ثم رجع فمات بدمشق في تاسع عشري رمضان، وكان جيد العقل، وباشر قضاء الحنفية مباشرة لا بأس بها، ولم يكن يتعاطى شيئاً من الأحكام بنفسه بل له نواب يفصلون القضايا بالنوبة على بابه. محمد بن محمد بن محمد، الحموي ناصر الدين بن خطيب نقيرين الشافعي - ولد ... واشتغل قليلاً، وترامى على الدخول في المناصب إلى أن - ولي قضاء حلب سنة اثنتين وتسعين فباشرها مباشرة غير مرضية، فعزل بعد سنة ونصف وتوجه إلى القاهرة ليسعى، فأعاده الظاهر إلى تغري بردى نائب حلب فحصلت له محنة وإهانة وحبس بالقلعة، ثم عاد إلى القضاء في سنة ست الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 وتسعين فباشرها قليلاً، ثم صرف بعد سنة - بالإخناي فسافر عنها، واستمر ينتقل في البلاد بطالاً إلى أن عاد إلى ولاية قضاء حلب في أيام نيابة شيخ بها في أواخر دولة الناصر ثم عزل لما عزل المؤيد عنها - ثم عاد بعد قتل الناصر واستقرار شيخ مدبر المملكة للخليفة المستعين - إلى قضائها، وفي غضون ذلك ولي قضاء دمشق مرة وطرابلس أخرى، ولما قام نوروز بدمشق بعد قتل الناصر قربه، فلما قتل نوروز وقبض عليه شيخ في سنة ثمان عشرة، وجده جقمق الدويدار باللجون فقبض عليه وحبسه بصفد بأذن من السلطان، فلما وصل السلطان إلى دمشق في فتنة قانباي أخرج ابن خطيب نقيرين من حبس صفد ميتا، ويقال إن ذلك كان بدسيسة من كاتب السر ابن البارزي، لأنه كان يعاديه في الأيام الناصرية والنوروزية، ولما بلغ السلطان موته أنكر ذلك ونقم على ابن البارزي وكان يتهدده به كل حين، وكان ابن خطيب نقيرين قليل البضعة كثير الجرأة كثير البذل والعطاء إلا أنه يتعانى التزوير بالوظائف والدروس ينتزعها من أهلها بذلك، والله يسامحه. نجم بن عبد الله القابوني، أحد الفقراء الصالحين، انقطع بالقابون ظاهر مدينة دمشق مقبلا على العبادة مدة - وكان صحب جماعة من الصالحين الزهاد - وكان ذا اجتهاد وعبادة وتحكى عنه كرامات وللناس فيه اعتقاد، مات في صفر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 سنة تسع عشرة وثمانمائة استهلت والغلاء بالقاهرة مستمر، ففي ثاني المحرم أرسل السلطان فارس الخازندار الطواشي بمبلغ كبير من الفضة المؤيدية، ففرقها على الجوامع والمدارس والخوانق، فكان لكل شيخ عشرة دنانير وإردب قمح، ولكل طالب أو صوفي أربعة عشرة مؤيدياً، ومنهم من تكرر اسمه حتى أخذ بعضهم في خمس مواضع، ثم فرق في السؤال مبلغاً كثيراً لكل واحد خمسة مؤيدية، فكان جملة ما فرق أربعة آلاف دينار، ثم رسم بتفرقة الخبز على المحتاجين، فانتهت تفرقته في كل يوم ستة آلاف رطل، واستمر على ذلك قدر شهرين، وتناهى سعر القمح في هذا الشهر إلى ثمانمائة درهم الإردب، وقرر السلطان في الحسبة الشيخ بدر الدين العينتابي وأضاف إليه إينال الأزعوري وذلك في الخامس من المحرم، وألزم الأمراء ببيع ما في حواصلهم فتتبعها إينال. وفي سادس المحرم وردت عدة مراكب تحمل نحو ألفي إردب قمح فركب إينال ليفرقها مع المحتسب، فاجتمع خلق كثير فطرد الناس عن القمح خشية النهب فتزاحموا عليه فحمل عليهم، فمات رجل في الزحمة، وغرقت امرأة، وعمد إينال إلى أربعة رجال فصلبهم، وضرب رجلين ضرباً مبرحاً، ونهب الناس في هذا الحركة من العمائم والأردية شيء كثير، وسألت أدمية جماعة من ضرب الدبابيس. وفي الثاني عشر من المحرم سفر الخليفة المستعين إلى الإسكندرية فسجن بها، وسفر معه أولاد الناصر فرج وهم فرج ومحمد وخليل وكان الذي سافر بهم صهر كاتب السر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 ابن البارزي واسمه كزل الأرغون شاوى، وفي هذا الشهر كثر البرسيم الأخضر، فانحط بكثرته سعر الشعير واستغنت البهائم عنه. وفي صفر تيسر وجود الخبز في حوانيت الباعة، وفي آخره قدم مرجان من الصعيد وعلى يده شيء كثير من الغلال وقد انحط السعر بالقاهرة، فرسم له أن يبيع ما اشتراه بالسعر الحاضر ولو خسر النصف. وفي رابع عشر ربيع الآخر صرف العينتابي من الحسبة وأعيد ابن شعبان، وفي آخره استقر العينتابي في نظر الأحباس بعد موت شهاب الدين الصفدي ثم صرف ابن شعبان في رجب منكلي بغا ويقال إنه أول من أضيفت وظيفة الحسبة من الترك. وفيها أوقع أقباي نائب حلب بالتركمان بناحية العمق وكبيرهم كردي بك بن كندر ومن انضم إليه فهزمهم وانتصر عليهم، ثم أوقع أقباي بالعرب بأرض البيرة فكسرهم بعد أن نال عسكره منهم مشقة عظيمة ووهن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 وفي ثاني عشر المحرم نقلت الشمس إلى برج الحمل فدخل فصل الربيع، وابتدأ الطاعون بالقاهرة فبلغ في نصف صفر كل يوم مائة نفس، ثم زاد في آخره مائتين، وكثر ذلك حتى كان يموت في الدار الواحدة أكثر من فيها، وكثر الوباء بالصعيد والوجه البحري حتى قيل إن أكثر هو هلكوا، وفي طرابلس حتى قيل إنه مات بها في عشرة أيام عشرة آلاف نفس، وبلغ عدد الأموات بالقاهرة في ربيع الأول ثلاثمائة في اليوم، ثم في نصفه بلغوا خمسمائة، وفي التحقيق بلغوا الألف لأن الذين يضبطون إنما هم من يرد الديوان وأما من لا يرده فكثير جداً، وماتت ابنتاي غالية وفاطمة، وبعض العيال، وكان كل من طعن مات عن قرب إلا النادر، وإن أهل فاس أحصوا من مات منهم في شهر واحد فكان ستة وثلاثين ألفا، حتى كادت البلدان تخلو من أهلها وتصدى الأستادار لمواريث الأموات، ثم ابتدأ الموت في النقص من نصف ربيع الأول إلى أن انتهى في أول ربيع الآخر إلى مائة وعشرين، ثم بلغ في تاسعه إلى ثلاثة وعشرين، وتزايد الموت بدمشق وكان ابتداؤه عندهم في ربيع الأول فبلغت عدة من يموت في ربيع الآخر في اليوم ستين نفساً، ثم بلغ مائتين في أواخره ثم كثر في جمادى الآخرة بها، وكذلك وقع في القدس وصفد وغيرها، ثم ارتفع في آخر ربيع الآخر فنزل في الثالث والعشرين منه إلى أحد عشر نفسا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 وفيه قدم مفلح رسول صاحب اليمن بهدية جليلة إلى الملك المؤيد، فأكرم مورده وأمر بأن يباع الهدية وتصرف في عمارة المؤيدية فحصل من ثمنها جملة مستكثرة، وعين كاتبه للتوجه إلى اليمن في الرسلية عن السلطان فاستعفى من ذلك فأعفى، وعمل الملك المؤيد الخدمة في إيوان دار العدل، ورتب الجند في القلعة ما بين الباب الأول إلى باب الدار المذكورة قياما في هيئة جميلة مهولة، وطلب قاصد صاحب اليمن فأحضر فرأى ما يهال وقدم الكتاب الواصل صحبته ثم أحضر الهدية بعد ذلك على مائتي جمال وخلعت عليه خلعة سنية. وفيها مات أحمد بن رمضان أمير التركمان وكان قديم الهجرة في الإمارة وقد تقدم في حوادث سنة خمس وثمانين قتل أخيه إبراهيم واستقراره بعده إلى هذا الغاية وكان معه أذنة وإياس وسيس وما ينضم إلى ذلك وكان يطيع أمراء حلب طوراً ويعصى عليهم طوراً. وقدم على الناصر فرج سنة ثلاث عشرة، فخلع عليه وتزوج ابنته ورده إلى بلاده مكرماً. وفيه في الثاني عشر من المحرم قرر تقي الدين عبد الوهاب بن أبي شاكر في الوزارة وكانت بيده مباشرة النظر على ديوان سيدي إبراهيم ابن السلطان، فقبل الوزارة بعد تمنع شديد وكانت شاغرة منذ سفر السلطان في العام الماضي، فباشرها مباشرة حسنة. وفي أواخر المحرم جمع السلطان الصناع من الحجارين أمرهم أن يقطعوا العمارة بجامعه داخل باب زويلة من مكان عينه تحت دار الضيافة وأقام هناك يوماً كاملاً، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 وفي هذا الشهر ركب كزل نائب ملطية في جماعة من المخامرين فهجم على مدينة حلب فقاتلوه، فقتلت طائفة وأنهزم. وفيه استقر عمر بن الطحان في نيابة قلعة صفد. وفيه كانت الفتن بين عرب الرحوم وعرب العاند بأرض القدس والرملة وغزة. وفيه قبض على إينال أحد أمراء دمشق وسجن بالقلعة. وفيه قبض على ابن أبي بكر بن نعير ففر أخوه أحمد ثم قتل في جمادى الآخرة، ونزل أخوه الآخر فأحرق الرحبة. وفي المحرم جمع السلطان القضاة والعلماء وأحضر من يتكلم في العمارة، وذكر أن الشيخ شرف الدين ابن التباني تكلم معه في أن كثير من الأمور التي باشرها من يتكلم بالعمارة لا تجري على أحكام الشرع من أخذ بيوت الناس بغير رضاهم، وهدم الأوقاف بغير طريق ونحو ذلك، فأصغى السلطان وجمع الجميع فأدار الكلام بينهم فتعصبوا الجميع على ابن التباني وفجر عليه أحمد بن النسخة شاهد القيمة ووافقه غيره، إلى أن عجز عنهم وأعيته أجوبتهم، فانفصل المجلس على غير شيء، وحققوا للسلطان أنه متعصب عليهم وأن له غرضا في الوقيعة فيهم، والتزم له القضاة بأنهم لا يجرون أموره في العمارة إلا على الوجه الشرعي المعتبر المرضي وانفصلوا على ذلك وسيسألون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 أجمعين عن ذلك، واستمرت في سفر العمارة بالجامع ونودي أن لا يسخر فيه أحد، وأن يوفى الصناع أجرهم بغير نقص، ولا يكلف أحد فوق طاقته، واستمر ذلك. وفي أول صفر أمر السلطان القضاة الأربعة بعزل جميع النواب وكانوا قد قاربوا مائتي نفس، فمنعوا من الحكم، ثم عرضهم في ثاني عشر صفر، وقرر للشافعي والحنفي عشرة عشرة وللمالكي خمسة وللحنبلي أربعة، ثم سعى كثير ممن منع عند كاتب السر بالمال إلى أن عادوا شيئاً فشيئاً. وفي نصف صفر نودي أن لا يزوج أحد من العقاد أحداً من مماليك السلطان إلا بأذنه. وفي ربيع الأول عرض السلطان أجناد الحلقة فمر به شيخ يقال له قطلوبغا السيفي وكان قد أمر في دولة منطاش تقدمة ألف ثم أهين بعد زوال دولته وخمل في الأيام الظاهرية إلى أن صار بأسوء حال، فعرفه السلطان فسأله عن حاله فأعلمه بسوء حاله، فاتفق أن السلطان كان تغير على أقبردي المنقار نائب الإسكندرية وعزله فقرر هذا في نيابتها بغير سعي ولا سؤال ولا قدرة حتى أنه لم يجد ما يتجهز به. وفي سابع عشر شهر ربيع الأول أشهد عليه السلطان بوقف الجامع الذي جدده، ثم اشتد الأمر في العمارة في وسط السنة، وتباهى أهل الدولة في جلب الرخام إليها من كل جهة وكذلك الأعمدة. وفيه ثار عليه ألم رجله وصار ذلك يعتاده في قوة الشتاء وفي قوة الصيف ويخف عنه في الخريف والربيع. وفي ربيع الأول هجم الفرنج نستروه فنهبوا بها وحرقوا ثم قدموا في ربيع الآخر إلى يافا فأسروا من المسلمين نساء وأطفالاً، فحاربهم المسلمون ثم أفتكوا منهم الأسرى منهم بمال، ثم كان منهم ما سنذكره قريباً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 وفيه هم السلطان بتغيير المعاملة بالفلوس، وجمع منها شيئاً كثيراً جداً، وأراد أن يضرب فلوساً جدداً، وأن يرد سعر الفضة والذهب إلى ما كان عليه في الأيام الظاهرية، فلم يزل يأمر بترخيص الذهب إلى أن انحط الهرجة من مائتين وثلاثين إلى مائتين وثمانين والأفلوري إلى مائتين وعشرة، وأمر أن يباع الناصري بسعر الهرجة ولا يتعامل به عددا وعدل أفلوريا من الذهب بثلاثين من الفضة، فاستقر ذلك إلى آخر دولته، ثم كان ما سنذكره في سنة خمس وعشرين. وفي هذا الشهر جردت طائفة من الأمراء إلى الصعيد لقتال العرب المفسدين به، وجردت طائفة أخرى لقتال من بالوجه البحري، فرجع المجردون إلى الوجه البحري وقد غنموا أموالاً وأغناماً وجمالاً، وحصل لفخر الدين الكاشف من ذلك ما لا يدخل تحت الحصر حتى كان جملة ما حمله للسلطان في مدة يسيرة أكثر من مائة ألف دينار. وفيه اشتد الغلاء بالرملة ونابلس وكثر فساد محمد بن بشارة بمعاملة صفد. وفيه كان وقعة بين نائب حلب وكزل فانهزم كزل، وجرح وجماعة من أصحابه، استولى حسن بن كبك على ملطية فأساء السيرة بها، وغلب نائب حلب على حميد بن نعير وهزمه، وغنم منه مالا جزيلاً - وجمالاً. وفيه توجه حديثة بن سيف أمير آل الفضل إلى الرحبة صحبة نائبها عمر ابن شهري وطائفة عسر الشام، ففر عذراء وسبى ولدا على ابن نعير، فرجع العسكر الشامي وأقام حديثة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 على الرحبة، ونزل قريباً من تدمر، فأتاه عذراء في ثلاثة آلاف نفس، فوقعت بينهم مقاتلة عظيمة، وكان النصر لحديثة. وفيه غضب السلطان علي بدر الدين الأستادار المعروف بابن محب الدين وشتمه وهم بقتله وعوقه بالقلعة، فتسلمه جقمق على ثلاثمائة ألف دينار، وكان عاجزاً في مباشرته مع كثرة إدلاله على السلطان وبسط لسانه بالمانة عليه حتى أغضبه. فلما كان في الخامس والعشرين من هذا الشهر وهو ربيع الأول أعيد فخر الدين ابن أبي الفرج إلى الأستادارية، واستمر بدر الدين في المصادرة، ثم اشتد الطلب عليه في أول جمادى الآخرة، وعوقب بأنواع العقوبات، ثم خلع في رابعه على فخر الدين، واستقر مشيراً ثم نقل المذكور إلى بيت فخر الدين الأستدار فقبض على امرأته وعوقبت فأظهرت مالاً كثيراً، ثم أفرج عن ابن محب الدين في أواخر رجب، وقرر كشف الوجه القبلي بعد أن قرر عليه مائة ألف دينار باع فيها موجوده وأثاثه وأثاث زوجته بعد أن عوقبت واستدان شيئاً كثيراً. وفي هذا الشهر أمر السلطان الخطباء إذا وصلوا إلى الدعاء له في الخطبة أن يهبطوا من المنبر درجة أدبا ليكون ذكر - اسم الله ورسوله في مكان أعلى من المكان الذي يذكر فيه السلطان، فصنع كاتبه ذلك في الجامع الأزهر وابن النقاش ذلك في جامع ابن طولون، وبلغ ذلك القاضي جلال الدين فما أعجبه كونه لم يبدأ بذلك فلم يفعل ذلك في جامع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 القلعة، فأرسل السلطان يسأله عن ذلك فقال: لم يثبت هذا في السنة، فسكت عنه وترك فعل ذلك بعد ذلك، وكان مقصد السلطان في ذلك جميلاً. وفي ذي القعدة أخذ نائب طرابلس قلعة الجواي وهي من قلاع الإسماعيلية عنوة وخربها حتى صارت أرضاً. وفي أخر ربيع الآخر ابتدأ النيل في الزيادة ثم توقف ونقص أربعة عشر إصبعا، فأرسل السلطان طائفة من القراء إلى المقياس، فأقاموا، فيها أياماً يقرؤن القرآن وتطبخ لهم الأطعمة، وأمر سودون صوفي حاجب الحجاب أن يركب إلى شاطئ النيل ويحرق ما يجده هناك من الأخصاص التي توضع للفساد ويظهر الفسقة فيها المناكر من الزنى وشرب الخمر واللواط متجاهرين بذلك غير محتشمين منه فأوقع بهم فنهب بعضهم بعضاً، فقدر الله بعد ذلك بوفاء النيل وزاد بعد الوفاء - زيادة بالغة إلى أن انتهت إلى عشرين ذراعاً سواء وثبت إلى وقت انحطاطه ثباتاً حسناً. وفي ثاني عشري ربيع الآخر دخل مينا الإسكندرية مركب من الفرنج ببضاعة فثار بينهم وبين بعض العتالين شر آل إلى القتال فأخذ الفرنج مركبا فيها عدة من المسلمين فبعث إليهم النائب غريمهم العتال فردوا ما أخذوه من المسلمين وانتقموا من العتال، ثم وثبوا على مركب وصلت للمغاربة فأخذوها بما فيها، فما نجا منها غير خمسة عشر رجلاً سبحوا في الماء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 ثم في سادس عشر جمادى الآخرة قدم صلاح الدين بن ناظر الخاص إلى الإسكندرية لتحصيل ما بها من المال فبينا هو في الخمس وبين يديه أعيان البلد إذ أسر شخص أن الفرنج الذين وصلوا في ثمانية مراكب قد عزموا أن يهجموا عليه ويأسروه، فلم يكذب الخبر وقام مسرعاً فتسارع الناس فسقط فانكسرت رجله، وحمل إلى داره ثم أركب إلى النيل ثم ركب إلى أن وصل القاهرة منزعجاً وهجم الفرنج عقب صنعه ذلك، فكاثرهم أهل البلد حتى أغلقوا باب البحر، فعاثوا فيمن هو خارج الباب من المسلمين فقتلوا منهم عشرين رجلاً وأسروا جماعة تزيد عن السبعين وأخذوا ما ظفروا به وصعدوا مراكبهم، ثم حاصروا البلد فتراموا بالسهام جميع الليل، فأخذ كثير من المسلمين في الفرار من الإسكندرية وقام الصياح على فقد من أسر أو قتل، فاتفق قدوم مركب من المغاربة ببضاعة فمال الفرنج عليهم فقاتلوهم، فدافعوا عن أنفسهم حتى أخذوا عنوة وضربوا أعناقهم وأهل الإسكندرية يرونهم من فوق الأسوار ما فيهم منعة، ووصل ابن ناظر الخاص بعد أن خرج أبوه لما سمع الخبر وخرج صحبته جماعة من الجند، ثم سار الشيخ أبو هريرة بن النقاش في أناس من المطوعة على نية الجهاد في سبيل الله فقدموا الإسكندرية فوجدوا الفرنج قد أخذوا ما أخذوا وساروا مقلعين في مراكبهم. وفات ما فات. وفيه نفى كزل العجمي إلى غزة ثم إلى صفد فسجن بالقلعة، واستمر إلى أن أطلق في أيام الظاهر ططر في سنة أربع وعشرين. وفيها أحدث الوالي وهو خرز على النصارى واليهود برسم المماليك في المحمل في رجب المصادرة لهم على خمر كثير فتجوهوا في بعضه ببعض أهل الدولة فحقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 ذلك عليهم، ثم استأذن السلطان وركب وكبس سويقة صفية خارج القاهرة، والكوم خارج مصر، فأراق عدة جرار من الخمر، وكتب على أكابرهم إشهادات بأمور اقترحها عليهم حتى كف عنهم. وفي ربيع الآخر نقل جانبك الصوفي من سجنه بالقاهرة بالقلعة إلى الإسكندرية. وفيه نزل العرب المعروفون بلبيد على ريف البحيرة في خمسمائة فارس سوى المشاة فأوقعوا بأهلها. وفيه قبض على ابن بشارة وهو محمد بن سيف بن عمر بن محمد ابن بشارة وكان قد زاد إفساده في طريق الشام وقطع الطريق فحمل إلى دمشق. وفي رجب غضب السلطان على نجم الدين ابن حجي بسعاية شهاب الدين الشريف ابن نقيب الأشراف عليه وكانت بينهما منازعة أفضت على العداوة الشديدة حتى رحل إلى القاهرة في السعي عليه، فلم يزل به إلى أن أوصل بالسلطان ما يقتضي الغضب عليه، فأرسل بالكشف عليه بعد النداء بعزله وأن من له عليه حق يحضر إلى بيت الحاجب فاستمر النداء أياماً فلم يثبت عليه شيء، ثم نقل إلى المدرسة البيبرسية بالشرف الأعلى ورسم عليه وقرر في الحكم اثنان من نوابه وكتب عليه له إشهاد بما بيده من الوظائف وأنه إن ظهر بيده زيادة على ذلك كان عليه عشرة آلاف دينار على سبيل النذر لعمارة الأسوار، واستمر غضب السلطان عليه، وعرض منصب القضاء بدمشق على كاتبه مراراً فامتنع وأصر على الامتناع فأراده على ذلك ورغبه فيه حتى صرح بأن للقاضي بدمشق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 في الشهر عشرة آلاف درهم فضة معاليم قضاء وأنظار إذا كان رجلاً جيداً فإن كان غير ذلك كان ضعف ذلك، فأصر على الامتناع وبالغ في الاستعفاء، فسعى بعض الشاميين لابن زيد قاضي بعلبك، فقرر في قضاء دمشق على ثلاثمائة ثوب بعلبكي، وفي عقب ذلك قدم نجم الدين ابن حجي القاهرة، فأنزله زين الدين عبد الباسط ناظر الخزانة عنده، وقام بأمره، ولم يزل إلى أن صلح حاله عند السلطان وأعاده على القضاء في بقية السنة، فلبس الخلعة بذلك في رابع ذي الحجة، وعاد من كان منكرا على كاتبه في الامتناع مادحاً على ذلك وكان شق هذا القدر على كثير من الناس حسداً وأسفا فلله الحمد على ما أنعم. وفي جمادى الأولى تقاول فخر الدين الأستادار وبدر الدين ابن نصر الله ناظر الخاص بين يدي السلطان فأفضى الحال إلى السلطان ألزم ناظر الخاص بحمل خمسين ألف دينار. وفي رجب قبض فخر الدين الأستادار على شمس الدين بن محمد بن مرجونة وكان متدركاً بجوجر، ثم سعى إلى أن ولي قضاءها فأمر بتوسيطه فوسط وذهب دمه هدرا، وأحيط بموجوده فبلغ نحو خمسين ألف دينار، فحملها إلى السلطان. وفي ربيع الآخر شغر قضاء الحنفية بموت ابن العديم، فسعى فيه جماعة وكاد أمره أن يتم للقاضي زين الدين التفهني، بحيث أنه أجيب وبات على أن يخلع عليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 في يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الآخر، ثم تأخر ذلك وأمر السلطان بطلب ابن الديري من القدس، فوصل الخبر فتجهز وحضر في الثالث عشر من جمادى الأولى وهرع الناس للسلام عليه ثم اجتمع بالسلطان ففوض قضاء الحنفية في يوم الاثنين سابع عشر جمادى الأولى - فباشره بصرامة ومهابة. وفي أواخر شعبان استقر زين الدين قاسم العلائي في قضاء العسكر وإفتاء دار العدل عوضاً عن تقي الدين بن الجيتي بحكم وفاته في الطاعون وشغرت الوظيفتان هذه المدة، وكان سعى فيها شمس الدين القرماني خادم الهروي فأجيب إلى أحديهما، ثم غلبه قاسم عليهما. وفي ذي الحجة قدمت خديجة زوج ناصر الدين بك بن خليل بن قراجا بن دلغادر على المؤيد في طلب ولدها، وكان السلطان استصحبه معه من بلادهم فأكرم مجيئها ورتب لها رواتب وجمع بينها وبين ولدها، وهذه هي التي تزوج بعد ذلك الملك الظاهر جقمق ابنتها في ثلاث وأربعين، وقدم أبوها طائعاً فأكرم غاية الإكرام. وفي رجب غضب قاضي الحنابلة القاضي علاء الدين ابن المغلي من الدويدار الكبير فعزل نفسه، ولزم منزله، وكان السبب في ذلك أن حكومة رفعت إلى الدويدار في جمال الدين الإسكندراني نقيب القاضي، فبعث يطلبه فامتنع قاضيه من إرساله، فأرسل بعض نوابه يسأل عن القضية فأفحش القول له فأعاد الجواب فغضب لاعتماده على كاتب السر فقام كاتب السر في تسكين القضية إلى أن أصلح بينهما وتحيل على السلطان حتى أمر له بخلعه فخلعت عليه بسبب قدومه بعد غيبته، وأوهم السلطان أنه خشي لطول الغيبة أن يكون ولايته بطلت فأذن له فلبس الخلعة، وقرره على ولاية القضاء ومشى الأمر على السلطان في ذلك، وذلك كله من جودة تدبير كاتب السر وقوة معرفته بسياسة الأمور. وفي شعبان مات أيدغمش التركماني في الاعتقال بدمشق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 وفيها فوض أمر النظر على الكسوة للقاضي زين الدين عبد الباسط بعد أن استعفى منها ناظر الشيخ فأعفي. وفي شعبان قبض على محمد بن عبد القادر وأخيه عمر بغزة وحملا إلى القاهرة. وفيه قدمت هدية كرسجي بن أبي يزيد بن عثمان من بلاد الروم فأكرم قاصده وقبلت هديته وأمر بصرف ثمنها في العمارة. وفي سابع رمضان عزل خرز من ولاية القاهرة واستقر أقبغا شيطان وكان بيده شد الدواوين فاستمرت معه، ثم انتزعها منها خرز واستمر خرز في نيابة الجيش أيضاً. وفيه قدم بركات بن حسن بن عجلان إلى القاهرة، ومعه خيل وغيرها فقدمها، فقبلت منه وأنزل عند ناظر الخاص وكتب تقليد أبيه بعودة إلى إمرة مكة، وعزل رميثة، فوصل الكتاب في شوال فبعث إلى آل عمر القواد وكانوا مع رميثة فاستدعاهم إلى الرجوع في طاعته فامتنعوا وقاموا مع رميثة محاربين لحسن، فركب حسن إلى الزاهر ظاهر بمكة في ثاني عشر من شوال، ووافاه مقبل بن نخبار أمير ينبع منجداً له بعسكره، ثم دخلوا مكة بعسكر بقرب العسيلة فوقعت الحرب هناك فانكشف رميثة ومن معه وغلب حسن ومن معه فدخلوا البلد بعد أن أحرقوا الباب، وكثرت الجراحات في الفريقين، فخرج الفقهاء والفقراء بالمصاحف يسألون حسن بن عجلان الكف عن القتل فأجابهم، فخرج رميثة من مكة هو ومن معه وتوجهوا إلى جهة اليمن، ودخل حسن مكة في سادس عشر من شوال فغلب عليها ونادى بالأمان واستقرت قدمه وأقام ولده بركات في القاهرة ثم سار منها بإذن السلطان في أول ذي القعدة فوافى الحجاج قبل ينبع، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 وفي رمضان حضر السلطان مجلس سماع الحديث بالقلعة وفيه القضاة ومشايخ العلم، فسألهم عن الحكم في شخص يزعم أنه يصعد إلى السماء ويشاهد الله تعالى ويتكلم معه، فاستعظموا ذلك، فأمر بإحضاره فأحضر وأنا يومئذ معهم، فرأيت رجلاً ربعة عبل البدن أبيض مشربا بحمرة كبير الوجه كثير الشعر منتفشه، فسأله السلطان عما أخبر به، فأعاد نحو ذلك وزاد بأنه كان في اليقظة وأن الذي رآه على هيئة السلطان في الجلوس وأن رؤيته له تتكرر كثيراً، فاستفسره عن أمور تتعلق بالأحكام الشرعية من الصلاة وغيرها، فأظهر له أنه جاهل بأمور الديانة، ثم سئل عنه فقيل أنه يسكن خارج باب القرافة في تربة خراب وإن لبعض الناس فيه اعتقاد كدأبهم على أمثاله، فاستفتى السلطان العلماء، فاتفق رأيهم على أنه إن كان عاقلاً يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فاستتيب فأمتنع، فعلق المالكي الحكم بقتله على شهادة شاهدين يشهدان أن عقله حاضر، فشهد جماعة من أهل الطب أنه مختل العقل مبرسم، فأمر السلطان به أن يقيد في المارستان، فأستمر فيه بقية حياة السلطان، ثم أمر بعد موت السلطان بإطلاقه. وفي شوال كانت الفتن بين أهل البحيرة فقتل موسى بن رحاب وحلاف بن عتيق وحسين بن شرف وغيرهم من شيوخهم، وتوجه الأستادار لمحاربتهم ففتك فيهم، وقدم في ذي القعدة ومعه من الغنم والبقر شيء كثير ووصل في طلبهم إلى العقبة الصغرى، ثم توجه منها إلى جهة برقة فسار أياماً ثم رجع. وفيه قدم ركب التكرور في طلب الحج ومعه شيء كثير من الرقيق والتبر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 وفيه قدم إلى دمشق الخاتون زوجة إيدكي صاحب الدشت في طلب الحج وصحبتها ثلاثمائة فارس فحجوا صحبة المحمل الشامي. وفي ذي القعدة أفرج عن سودون الأشقر من الإسكندرية وأرسل على القدس بطالا. وفي أواخر شوال قلع باب مدرسة حسن، وكان الملك الظاهر قد سده من داخله ومنع من الصعود منه، ثم هدمت بعد ذلك بمدة البوابة، ثم اشترى الملك المؤيد الباب من ذرية حسن والتنور الذي هو داخله بخمسمائة دينار، فركبا بجامعه الذي أنشأه بباب زويلة. وفي أوائل رمضان أعيد قاسم البشتكي إلى نظر الجوالي بعد أن كان عزل وصودر وأهين. وفيه عاود المؤيد ضعف رجليه بالمفاصل. وفي رمضان نودي على المؤيدي أن يكون بثمانية والأفلوري بمائتين وثلاثين والفلوس كل رطل بخمسة ونصف، فكان في ترخيص الذهب سبب إلى تكثير الفضة، وأما ترخيص الفلوس فلا يعقل معناه فإنه رخيصة جداً بالستة وكان في الستة ترفق بمن لا يد له بالحساب لسرعة إدراك نصفها وثلثها وربعها وغير ذلك بخلاف الخمسة والنصف. وفي سادس شوال قدمت رسل قرا يوسف على المؤيد فسمع الرسالة وأعاد الجواب. وفي أواخر شوال مات أمير الركب الأول قمارى وكان أمير عشرة، فسار بالركب الأمير صلاح الدين ابن ناظر الخاص صاحب بدر الدين ابن نصر الله وكان قد حج في هذه السنة، فشكروا سيرته فيهم بعد أن وصلوا. وفي العشرين من ذي القعدة استقر فخر الدين في الوزارة مضافاً إلى الأستادارية بعد موت تقي الدين ابن أبي شاكر. وفيه غلا البنفسج بالقاهرة حتى لم يوجد منه شيء البتة، ووجدت باقة واحدة فبيعت بعشرين درهماً فضة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 وفيه حاصر نائب طرابلس قلعة الجوابي إحدى قلاع الإسماعيلية، فأخذها عنوة وخربها حتى صارت أرضا وفي آخره - مات محمد بن هيازع أمير آل مهدي من العرب فقرر مكانه مانع بن سنيد. وفي أول ذي الحجة أمر جقمق الدويدار بعرض أجناد الحلقة ليسافروا صحبة ركاب السلطان إذا تجهز للبلاد الشمالية، فاشتد عليهم جقمق وحلف السلطان ناظر الجيش بطلاق زوجته وبكل يمين أنه لا يكتم عنه شيئاً، فاشتد الأمر على أجناد الحلقة جداً، ثم أمر السلطان أن يعرضوا عليه فكان ما سنذكر في السنة الآتية. وفي عاشر ذي الحجة يوم عيد النحر أنزل المستعين بالله أبو الفضل العباس بن محمد العباسي إلى ساحل مصر على فرس وبفرج وخليل ومحمد أولاد الملك الناصر فرج في محفة وتوكل بهم الأمير كزل الأرغون شاوي وكان أحد الأمراء بحماة وزوج بنت كاتب السر فسار بهم إلى الإسكندرية، وكان المستعين لما خلعه المؤيد من الملك نقله من القصر إلى دار من دور القلعة ومعه أهله وحاشيته ثم نقله إلى برج قريب من باب القلعة وكان الظاهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 حبس فيه أباه المتوكل ثم نقله في هذا الشهر إلى الإسكندرية فأنزله في برج من أبراجها ولم يجر عليه معلوما ولا راتبا وانتهت هذا السنة وقد بلغت النفقة على الجامع المؤيدي أربعين ألف دينار ذهباً. وفي ثاني عشر ذي الحجة توجه السلطان إلى الربيع فأقام برسيم خمسة عشر يوماً، ونزل ليلة السابع والعشرين من ذي الحجة في حراقته الذهبية فجمع له بعض الناس له عدة مراكب وزينوها بالوقيد الكثير، وكان الهواء ساكنا فكانت ليلة معجبة. وفي هذه السرحة قدم الأستادار عشرة آلاف دينار ومائة وخمسين جملاً غير الخيول - واستمر ذلك سنة بعده على المباشرين. وفيها مات أحمد - ابن رمضان أحد أمراء التركمان وكان بيده سيس وأذنة فاختلف أولاده بعده. وفيها بلغ السلطان في يوم الأربعاء الثامن من ذي الحجة أن نائب الحكم ببلبيس أخبر أنه ثبت عنده هلال ذي الحجة ليلة الثلثاء، فانزعج على القاضي الشافعي ونسبه إلى التفريط في الأمور المهمة. وتكلم في القضاة كلهم بكلام خشن. وفي هذه السنة غلب الأمير بهار بن فيروز شاه بن محمد شاه ابن تهمتم بن جردن شاه بن طغلق بن طبق شاه سيف الدين بن قطب الدين على ملك هرمز، وكان حسام الدين بن عدي قد خرج على أبيه وغلب على هرمز، فثار عليه بهار المذكور في هذه السنة ففر منه إلى جزيرة تاردب، ثم حج سنة عشرين وثمانمائة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 ذكر من مات في سنة تسع عشرة وثمانمائة من الأعيان. أحمد بن أبي أحمد الصفدي شهاب الدين، الشامي نزيل القاهرة، كان قد قدم في التوقيع عند الملك المؤيد حيث كان نائباً، ثم قدم معه القاهرة وظن أنه يلي كتابة السر، فاختص القاضي ناصر الدين البارزي بالسلطان وكان يكره الصفدي لطرش فيه، فأراد الإحسان وجبر خاطره فقرره في نظر المارستان، ونظر الأحباس، فباشرهما حتى مات في ربيع الأول ولم يكن محموداً، وقرر عوضه في المارستان تقي الدين يحيى بن الشيخ شمس الدين الكرماني، وفي نظر الأحباس بدر الدين محمود العيني. أحمد بن رمضان التركماني الأجقي صاحب أذنة وسيس وإياس وغيرها، ولي الإمرة من قبل الثمانين، واستمر يشاقق العسكر الشامي تارة ويصالحوه أخرى، وتجردوا أول مرة سنة ثمانين فكان ما ذكر في الحوادث، وتجهزوا ثاني مرة سنة خمس وثمانين، فكسر أمير عسكره إبراهيم أخوه، فلما كانت الفتنة العظمى ورجع اللنك إلى العراق استقرت قدم أحمد هذا، ولم يزل في ذلك إلى أن مات في أواخر هذا السنة، وكان شيخاً كبيراً مهيباً شهماً، وهو الذي تزوج الناصر ابنته، وكانت له اليد البيضاء في طرد العرب عن حلب في ذي الحجة سنة ثلاث وثمانمائة. كما تقدم. أحمد بن عبد الله، الذهبي، اشتغل قليلاً وحفظ المنهاج، ثم صحب الشيخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 قطب الدين وغيره، وسافر بعد اللنك إلى القاهرة فعظم بها، وسافر معه أكابر الأمراء في الاعتناء بعمارة الجامع الأموي والبلد، وحصل له إقبال كبير، ثم عاد إلى مصر في أول الدولة المؤيدية، ثم توجه رسولاً إلى صاحب اليمن وحصلت له دنيا، ثم عاد فمات في جمادى الأولى. أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الناصر، الزبيري شهاب الدين بن القاضي تقي الدين الزبيري، أحد موقعي الحكم، كان قد مهر في صناعته وحصل فيها مالاً جزيلاً وورثه أخوه علاء الدين. وكان شهاب الدين شديد الإمساك وأخوه شديد الإتلاف فوسع الله بموت الشهاب على علاء الدين، ويقال إنه ورث منه نحو ألفي دينار غير البيوت، مات في نصف ذي الحجة. أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن، الفاسي ثم المكي المالكي الحسني شهاب الدين، والد قاضي المالكية بمكة تقي الدين، ولد سنة أربع وخمسين وسبعمائة وعني بالعلم فمهر في عدة فنون خصوصاً الأدب، وقال الشعر الرائق، وفاق في معرفة الوثائق، ودرس وأفتى وحدث قليلاً سمع من عز الدين ابن جماعة وأبي البقاء السبكي وغيرهما، وأجاز لي، وباشر شهادة الحرم نحواً من خمسين سنة، ومات في حادي عشري شوال. أحمد بن عمر بن قطينة - بالقاف والنون مصغر باشر شد الخاص ثم تنقلت به الأحوال إلى أن ولي الوزارة في سنة اثنتين وثمانمائة فلم ترسخ فيها قدمه بل أقام جمعة واحدة وعزل، وتنقلت به الأحوال إلى أن مات في آخر المحرم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 أحمد بن أبي أحمد بن محمد بن سليمان، المصري المعروف بالزاهد، انقطع في بعض الأمكنة فاشتهر بالصلاح، ثم صار يتتبع المساجد المهجورة فيبني بعضها ويستعين بنقض البعض في البعض، ثم أنشأ جامعاً بالمقس وصار يعظ الناس خصوصاً النساء، ونقموا عليه فتواه برأيه من غير نظر، جيد في العلم مع سلامة الباطن والعبادة، مات في رابع عشري ربيع الأول. أحمد بن القاضي، أصيل الدين محمد بن عثمان، الاشليمي شهاب الدين، ناب في الحكم، ومات في صفر مطعوناً. أحمد بن محمد بن نشوان بن محمد بن نشوان بن محمد بن أحمد، الحوراني ثم الدمشقي الشافعي، ولد سنة سبع وخمسين وسبعمائة، واشتغل بالعلم ومهر في الفقه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 واشتهر بالفضل، وناب في الحكم بدمشق وأفتى ودرس. وكان أول أمره أقرأ أولاد الزهري فحصل معهما عن مشايخ ذلك العصر إلى أن مهر فظهر فضله، وأذن له البلقيني في الإفتاء سنة ثلاث وتسعين، وجلس للاشتغال وأفتى، وحمدت فتاويه مع وفور عقله وحسن تأنيه وإنصافه في البحث وحسن محاضرته، ومات في جمادى الأولى. أحمد بن محمد المرتقي أحد فضلاء الحنابلة، ناب في الحكم واشتغل كثيراً، وكان خيراً صالحاً. مات في العشرين من ذي القعدة. أحمد بن يوسف بن عبد الرحمن، اليمني المعروف بابن الأهدل، أحد من يعتقده الناس باليمن، جاور بمكة زماناً، وهو من بيت صلاح وعلم، مات في سادس عشر ذي الحجة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 أرغون الرومي، ولى نيابة الغيبة للناصر فرج، وكان يرجع إلى دين وخير، مات في ذي القعدة بالقدس بطالا. أبو بكر بن عثمان بن محمد الجيتي - بكسر الجيم وسكن التحتانية بعدة مثناة - الحموي الحنفي، أحد فضلاء أهل حماة، عارف بالعربية، حسن المحاضرة، قدم صحبة علاء الدين بن مغلي من حماة فنزل على كاتب السر ابن - البارزي فأكرمه وأحضره مجلس السلطان وولاه قضاء العسكر وغيره، مات في الطاعون في آخر ربيع الأول. تاني بك الجركسي مشد الشربخاناة، تنقل في الخدم إلى أن ولي إمرة الحج في سنة ثماني عشرة، وقدم في أول هذه السنة وهو ضعيف، وقد شكر الناس سيرته، فمات في صفر. ظهيرة بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة، المخزومي المكي أبو أحمد، سمع على عز الدين بن جماعة وغيره، وأجاز له القلانسي ونحوه، مات في صفر وقد جاوز السبعين بمكة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 عائشة بنت أنس الجركسية أخت الملك الظاهر، وكانت في السن قرية منه وعاشت بعده دهراً وقد أسنت، وهي والدة بيبرس الذي ولي أتابكية العسكر وغير ذلك من الوظائف، ماتت في ذي القعدة. عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن حمزة، المقدسي الحنبلي، من بيت كبير ولد في ذي الحجة سنة إحدى وأربعين، وسمع من عبد الرحمن بن إبراهيم بن علي بن بقا - الملقن وأحمد ابن عبد الحميد بن عبد الهادي وغيرهما وحدث، مات بالصالحية. عبد الرحمن بن محمد بن علي بن عبد الواحد بن يوسف بن عبد الرحيم، الدكالي الأصل ثم المصري أبو هريرة بن النقاش، ولد في رابع عشر ذي الحجة سنة سبع وأربعين، وسبعمائة بالقاهرة، واشتغل بالعلم ودرس بعد وفاة أبيه وله بضع عشرة سنة، وسمع من محمد بن إسماعيل الأيوبي والقلانسي والبياني وغيرهم، واشتهر بصدق اللهجة وجودة الرأي وحسن التذكير والأمر بالمعروف مع الصرامة والصدع بالوعظ في خطبته وقصصه، وصارت له وجاهة عند الخاصة والعامة، وانتزع خطابه جامع ابن طولون من ابن بهاء الدين السبكي فاستمرت بيده، وكان يقتصد في ملبسه مفضالا على المساكين كثير الإقامة في منزله مقبلاً على شأنه عارفاً بأمر دينه ودنياه يتكسب من الزراعة وغيرها، ويبر أصحابه مع المحبة التامة في الحديث وأهله، وله حكايات مع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 أهل الظلم، وامتحن مراراً ولكن ينجو سريعاً بعون الله، وقد حج مراراً وجاور، وكانت بيننا مودة تامة؛ مات في ليلة الحادي عشر من ذي الحجة، ودفن عند باب القرافة، وكان الجمع في جنازته حافلاً جداً فرحمه الله تعالى. عبد الرحمن بن يوسف الكردي الدمشقي الشافعي زين الدين، حفظ التنبيه في صباه، وقرأ على الشرف بن الشربشي، ثم تعاني عمل المواعيد فنفق سوقه فيها، واستمر على ذلك أكثر من أربعين سنة وصار علي ذهنه من التفسير والحديث وأسماء الرجال شيء كثير، وكان رائجاً عند العامة مع الديانة وكثرة التلاوة، وكان ولي قضاء بعلبك ثم طرابلس، ثم ترك واقتصر على عمل المواعيد بدمشق، وقدم مصر وجرت له محنة مع القاضي جلال الدين البلقيني، ثم رضي عليه وألبسه ثوباً من ملابسه واعتذر له فرجع إلى بلده، وكان يعاب بأنه قليل البضاعة في الفقه ولا يسأل مع ذلك عن شيء إلا بادر بالجواب، وحفظ ترجيح كون المولد النبوي كان في رمضان لقول ابن إسحاق إنه نبئ على رأس الأربعين، فخالف الجمهور في ترجيح ذلك، وله أشياء كثير من التنطعات، ولم يزل بينه وبين الفقهاء منافرة، ويقال إنه يرى بحل المتعة على طريقة ابن القيم وذويه؛ ومات مطعوناً في شهر ربيع الآخر وهو في عشر السبعين. عبد الكريم بن إبراهيم بن أحمد، الحنبلي الكتبي كان من خيار الناس في فنه، وكان للطلبة به نفع، فإنه كان يشتري الكتب الكثيرة وخصوصاً العتيقة ويبيع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 لمن رام منه الشراء من الطلبة برأس ماله أو بفائدة بعينها ويشترط له أنه متى رام بيع ذلك الكتاب يدفع له رأس ماله، فكان الطالب ينتفع بذلك الكتاب دهراً ثم يأتي به إلى السوق فينادي عليه، فإن تجاوز الثمن الذي اشتراه باعه، وإن قصر عنه أحضره فاشتراه منه برأس ماله ولا يخرم معهم في ذلك وكان الناصر فرج ولاه الحسبة على الصلاة، فكان يلزم الناس بالصلاة وتعليم الفاتحة وجرت له في ذلك خطوب يطول ذكرها وكان مأذوناً له في الحكم لكن لا يتصدى لذلك ولا يحكم إلا في النادر وله ورد وقيام في الليل؛ مات في حادي عشر ذي القعدة. عبد الوهاب بن عبد الله ويدعى ماجد بن موسى بن أبي شاكر أحمد ابن أبي الفرج بن إبراهيم بن سعيد الدولة القبطي الوزير تقي الدين بن فخر الدين بن تاج الدين بن علم الدين، يعرف بالنسبة لجده فيقال له ولكل من آل بيته: ابن أبي شاكر، ولد سنة سبعين أو في التي بعدها ونشأ في حجر السعادة وتنقل في المباشرات إلى أن باشر نظر الديوان المفرد في آخر الدولة الظاهرية واستمر بيده إلى أن مات، وباشر استادارية الأملاك والذخائر والمشاجرات والأوقاف وعظم عن الناصر بحسن مباشرته، ثم ولي نظر الخاص بعد موت مجد الدين بن الهيصم ثم قبض عليه في جمادى الأولى سنة ست عشرة وصودر على أربعين ألف دينار باع فيها موجوده وبقي في الترسيم بشباك الظاهرية الجديدة يستجدي من كل من يمر به من الأعيان حتى حصل مالاً له صورة، وأفرج عنه وأعيد إلى مباشرة الذخيرة والأملاك، ثم قرر في الوزارة بعد صرف تاج الدين ابن الهيصم فباشرها مباشرة حسنة وشكره الناس كلهم، فلم تطل مدته حتى مات بعد تسعة أشهر من وزارته في حادي عشر شوال أو ذي القعدة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 - وكان بعيداً عن النصارى ومتزوجاً من غيرهم، وهي علامة حسن إسلام القبطي، وكان يكثر فعل الخير والصدقة مع الانهماك في اللذة، وحدث في وزارته الوباء فلم يشاحح أحداً في وراثة وكثر الدعاء له، وكان عارفاً بالمباشرة ويحب أهل العلم، وكان شديد الوطأة على العامة إلا أنه باشر الوزارة برفق لم يعهد مثله، وكان موصوفاً بالدهاء وجودة الكتابة. عبد الوهاب بن محمد بن أحمد بن أبي بكر، الحنفي القاضي أمين الدين بن القاضي شمس الدين الطرابلسي نزيل القاهرة، ولد سنة 774 واشتغل في حياة أبيه وولي القضاء مستقلاً بعد موت الملطي فباشره بعفة ومهابة، وكان مشكور السيرة إلا أنه كان متعصباً لمذهبه مع إظهار محبة للآثار عارياً من أكثر الفنون إلا استحضار شيء يسير من الفقه، وقد عزل عن القضاء بكمال الدين ابن العديم، ولزم منزله مدة طويلة، ثم تنبه بصحبة جمال الدين فتقرر بعنايته في القضاء ومشيخة الشيخونية، ثم زال ذلك عنه في الدولة المؤيدية، وانتزعت من أخي وظيفة إفتاء دار العدل فقررت لابن سفري ثم لابن الجيتي، واستمر أمين الدين خاملاً حتى مات بالطاعون في خامس عشري ربيع الأول. ومن العجائب أن ناصر الدين بن العديم أوصى في مرض موته بمبلغ كثير يصرف لتقي الدين ابن الجيتي الحنفي ليسعى به في قضاء الحنفية لئلا يليه ابن الطرابلسي قبل موت ابن العديم وكذلك ابن الجيتي. علي بن الحسين بن علي بن سلامة، الدمشقي تفقه على الشيخ عماد الدين الحسباني وغيره، وكانت له مشاركة في الأدب ونظم الشعر الوسط، ودرس في دمشق، ومات سنة 829. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 علي بن عيسى بن محمد، علاء الدين أبو الحسن بن أبي مهدي، الفهري البسطي، اشتغل ببلاده ثم حج ودخل الشام ونزل بحلب على قاضيها الجمال النحريري، وقرأ بحلب التسهيل وعمل المواعيد بالجامع - وكان يذكر في المجلس نحو سبعمائة سطر يرتبها أولاً ثم يلقيها ويطرزها بفوائد ومناسبات، ثم رحل إلى الروم وعظم قدره ببرصا، وكان فاضلاً ذكياً أديباً يعمل المواعيد بالجامع فذكر لي - الشيخ برهان الدين المحدث أنه كان يرتبه يوم الأربعاء فيبلغ سبعمائة سطر وينظره يوم الخميس ويلقيه يوم الجمعة سرداً، وذكر لي - أنه أنشده لابن الحباب الغرناطي اللغز المشهور في السمك. كتبتم رموزاً ولم تكتبوا ... كهذا الذي سبيله واضحه قال: وأنشدني عنه أناشيد ثم دخل الروم فسكنها وحصل له ثروة، ثم دخل القرم وكثر ماله، واستمر هناك إلى أن مات في هذا السنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 علي بن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة بن محمد بن ناصر، الحسيني أبو الحسن، والد المحدث الشهير الشريف شمس الدين، مات أبوه سنة خمس وستين وسبعمائة وهو صغير فحفظ القرآن والتنبيه وقرأ على ابن السلار وابن اللبان ومهر في ذلك حتى صار شيخ الإقراء بالقرمية. وكتب الخط المنسوب، وجلس مع الشهود مدة ووقع وكان عين البلد في ذلك، وولي نقابة الأشراف مدة يسيرة، وولي نظر الأوصياء أيضاً؛ مات في شوال. غانم بن محمد بن محمد بن يحيى بن سالم، جلال الدين الخشبي - بمعجمتين مفتوحتين ثم موحدة - المدني الحنفي، ولد سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وسمع متأخراً من ابن أميلة وغيره بدمشق، سمعت منه يسيراً، وكان له اشتغال ونباهة في العلم ثم خمل وانقطع بالقاهرة، ومات بالطاعون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 قمارى كان أمير الركب الأول، فمات متوجهاً إلى الحج في شوال وكان شاد الزردخاناه. محمد بن أحمد بن أبي بكر البيري ابن الحداد، أخذ عن أبي جعفر وأبي عبد الله الأندلسيين، وتمهر في العربية، وكان يحفظ المنهاج، وكان يستحضر أشياء حسنة، وحدث عن شرف الدين ابن قاضي الجبل وغيره. مات بالبيرة في هذه السنة، أرخه البرهان المحدث الحلبي. محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر، التونسي المالكي المعروف بالوانوغي أبو عبد الله - بتشديد النون المضمومة وسكون الواو بعدها معجمة، ولد سنة تسع وخمسين، وسمع من أبي الحسن البطرني وأبي عبد الله بن عرفة ولازمه في الفقه وغيره، وعني بالعلم وبرع في الفنون مع الذكاء المفرط وقوة الفهم وحسن الإيراد وكثرة النوادر المستظرفة، والشعر وكان كثير الوقيعة في أعيان المتقدمين وعلماء العصر وشيوخهم شديد الإعجاب بنفسه والازدراء بمعاصريه، فلهجوا بذمة وتتبعوا أغلاطه في فتاويه، أقام بمكة مجاوراً ثم بالمدينة دهراً مقبلاً على الاشتغال والتدريس والتصنيف والإفتاء والإفادة، وجرت له بها محن وكان قد اتسعت دنياه، اجتمعت به المدينة ثم بمكة وسمعت من فوائده؛ مات في سابع عشر ربيع الآخر بمكة، وله أسئلة مشكلة كتبها للقاضي جلال الدين البلقيني فأجابه عنها وكان هو قد بعث بنقض الأجوبة. محمد بن إسماعيل بن علوان، الزبيدي - بفتح الزاي - ثم المهجمي، ولي قضاء المهجم مدة، وكان نبيهاً مشكور السيرة. محمد بن أيوب بن سعيد بن علوي، الحسباني الأصل الدمشقي الشافعي، ولد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 سنة بضع وسبعين، واشتغل وحفظ المنهاج في الفقه والمحرر لابن الهادي وغيرهما، وأخذ عن الزهري والشريشي والصرخدي وغيرهم، ولازم الملكاوي حتى قرأ عليه أكثر المنهاج، ومهر في علم الفقه وفي الحديث، وجلس للاشتغال بالجامع والنفع إلى الطلبة، وكان قليل الغيبة والحسد بل حلف أنه ما حسد أحد، مات مطعوناً في ربيع الآخر وقد تقدم ذكر والده قريباً. محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله ابن جماعة عز الدين ابن شرف الدين بن عز الدين بن بدر الدين، ولد سنة سبع وأربعين وسبعمائة بمدينة ينبع، وسمع من القلانسي والعرضي والبياني وجده وغيرهم، وأحضر علي الميدومي، وأجاز له جماعة من الشاميين والمصريين بعناية الشيخ زين الدين العراقي، ونشأ مشتغلاً بالعلم، ومال إلى المعقول فاتقنه حتى صار أمة وحده وبقيت طلبة البلد كلها عيالاً عليه في ذلك، وصنف التصانيف الكثيرة المنتشرة وقد جمعها في جزء مفرد، وضاع أكثرها بأيدي الطلبة والموجود فيها التصنيف الأول من حاشية العضد وشرح جميع الجوامع، وقد أخذت عنه هذين الكتابين، وله على كل كتاب أقرأه مع أنه كاد أن يقرئ جميع هذه المختصرات التصنيف والتصنيفان، والثلاثة ما بين حاشية ونكت وشرح، وكان أعجوبة دهره في حسن التقرير، ولم يرزق ملكة في الاختصار ولا سعادة في حسن التصنيف بل بين لسانه وقلمه كما بينه هو وآحاد طلبته، وكان ينظم شعراً عجيباً غالبه غير موزون ويخفيه كثيراً إلا عمن يختص به ممن لا يدري الوزن، وأقرأ التنبيه والوسيط وأقرأ شرح الألفية لولد المصنف وكتب عليه تصنيفا وأقرأ التسهيل وأقرأ الكشاف والمطول لسعد الدين وكتب عليه شيئاً سماه المعول والشرح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 الصغير لسعد الدين أيضاً وكتب عليه شيئاً وسماه سبك النضير في حواشي الشرح الصغير، ونظر في كل فن حتى في الأشياء الصناعية كلعب الرمح ورمي النشاب وضرب السيف والنفط حتى الشعوذة حتى في علم الحرف والرمل والنجوم ومهر في الزيج وفنون الطب، وكان من العلوم بحيث يقضي له في كل فن بالجميع هذا مع الانجماع عن بني الدنيا وترك التعرض للمناصب، وقد نفق في سوق الدولة المؤيدية وكارمه السلطان عدة مرار بجملة من الذهب ومع ذلك كان يمتنع من الاجتماع به ويفر إذا عرض عليه ذلك وحضر معنا المجلس المعقود للهروي في السنة الماضية فلم يتكلم في جميع النهار كله مع التفاتهم واستدعائهم منه الكلام حتى سأله السلطان في ذلك المجلس عن تصنيفه في لعب الرمح فجحد أن يكون صنف شيئاً، وكان يبر أصحابه ويساويهم في الجلوس ويبالغ في إكرامهم، وكان لا يتصون عن مواضع النزه والمقترحات، ويمشي بين العوام ويقف على حلق المنافقين ونحوهم، ولم يتزوج فيما علمت بل كانت عنده زوجة أبيه فكانت تقوم بأمر بيته ويبرها ويحسن إليها، ولم يتفق له أن يحج مع حرص أصحابه له على ذلك، وكان يعاب بالتزي بزي العجم من طول الشارب وعدم السواك حتى سقطت أسنانه، وبلغني أنه كان يديم الطهارة فلا يحدث إلا توضأ، ولا يترك أحد يستغيب عنده أحد، هذا مع ما هو فيه من محبة الفكاهة والمزاح واستحسان النادرة، لازمته من سنة تسعين إلى أن مات، وكان يودني كثيراً ويشهد لي في غيبتي بالتقدم ويتأدب معي إلى الغاية مع مبالغتي في تعظيمه حتى كنت لا أسميه في غيبته إلا إمام الأئمة، وقد أقبل في الأخير على النظر في كتب الحديث واستعار من ابن العديم تخريج أحاديث الرافعي الكبير لشيخنا ابن الملقن وهو في سبع مجلدات فمر عليه كله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 واختصره على ما ظهر له وفرغ منه عند موت ابن العديم ثم مات هو بعد ذلك بيسير، وكان ينهى أصحابه عن دخول الحمام أيام الطاعون فقدر أن الطاعون قد ارتفع أو كاد فدخل هو الحمام فخرج فطعن عن قرب، فمات في ربيع الآخر وفي العشرين منه، واشتد أسف الناس عليه، ولم يخلف بعد مثله. محمد بن أبي بكر بن محمد بن أبي الفتح، البيري شمس الدين ابن الحداد، ولد سنة ... وتفقه على الزين الباريني ومهر، ثم رحل إلى القاهرة وتصرف وكان يذاكر بأشياء حسنة، وسكن بعد اللنك بحلب دهراً ثم رجع إلى بلده البيرة، فأقام بزاويته إلى أن مات في رجب. محمد بن بهادر اللطيفي أحد الأمراء باليمن وقد ناب في وصاب وغيرها، وكان محباً في أهل الخير. محمد بن سيف بن محمد بن عمر بن بشارة، مات مقتولاً في القاهرة وحشي جلده تبناَ وحمل إلى صفد في ذي الحجة. محمد بن طيبغا التنكزي ناصر الدين، كان أبوه من مماليك تنكز نائب الشام، فولد له هذا في رمضان سنة إحدى أو اثنتين وستين وحفظ الحاوي، واشتغل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 ولازم الشيخ شهاب الدين بن الحباب مدة وهو بزي الجند، ثم بعد اللنك - صار يقرأ البخاري ويتكلم في حال القراءة على بعض الأحاديث، وقد - انقطع عند المصلى فتردد الناس، وكان يغلظ للترك وغيرهم وربما آذاه بعضهم، وكان يستحضر كثيراً من الفقه والحديث - والتفسير إلا أنه عريض الدعوى جداً مع أنه متوسط في الفقه، ومات في شهر رمضان. محمد بن محمد المشهدي شمس الدين بن القطان، أخذ عن الشيخ ولي الدين الملوي ونحوه واعتنى بالعلوم العقلية، واشتغل كثيراً حتى تنبه، وكان يدري الطب ولكن ليست له معرفة بالعلاج، سمعت من فوائده، ومات في الطاعون عن نحو ستين سنة. محمد بن علي بن معبد القدسي المالكي المعروف بالمدني، ولد سنة تسع وخمسين، واشتغل قليلاً وأخذ عن جمال بن خير ولازمه، وسمع الحديث من محي الدين بن عبد القادر الحنفي وحدث، ثم ولي تدريس الحديث بالشيخونية فباشره مع قلة علمه به مدة ثم نزل عنه، ثم ولي القضاء بعناية فتح الله كاتب السر في الأيام الناصرية، ثم صرف ثم أعيد ثم صرف في الأيام المؤيدية ثم أعيد، وكان مشكوراً في أحكامه، ووقعت له كائنة صعبة مع شريف حكم بقتله، فأنكر عليه ذلك أهل مذهبه ولم يكن بالماهر في مذهبه، مات في عاشر ربيع الأول. محمد بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن أبي جرادة، العقيلي الحلبي نزيل القاهرة ناصر الدين ابن العديم الحنفي، تقدم نسبه في ترجمه أبيه سنة إحدى عشرة، ولد سنة اثنتين وتسعين بحلب وأسمع على عمر بن أيدغمش مسند حلب وعلى غيره، وقدم القاهرة مع أبيه وهو شاب فشغله في عدة فنون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 على عدة مشايخ، وقرأ بنفسه على شيخنا العراقي قليلاً من منظومته، وكان يتوقد ذكاء مع هوج ومحبة في المزاح والفكاهة إلى أن مات أبوه وأوصاه أن لا يترك منصب القضاء ولو ذهب فيه جميع ما خلفه، فقبل الوصية ورشا على الحكم إلى أن وليه، ثم صار يرشوا أهل الدولة بأوقاف الحنفية بأن يؤجرها لمن يخطر له منهم ببال بأبخس أجرة ليكون له عوناً على مقاصده إلى أن كان يخربها ولو دام قليلاً لخربت كلها، وصار في ولايته القضاء كثير الوقيعة في العلماء قليل المبالاة بأمر الدين كثير التظاهر بالمعاصي ولا سيما الربا سيئ المعاملة جداً أهوج متهوراً، وقد امتحن في الدولة الناصرية على يد الوزير سعد الدين البشري وصودر وهو مع ذلك قاضي الحنفية. ثم قام في موجب قتل الملك الناصر قياماً بالغاً ولم ينفعه ذلك لأنه ظن أن ذلك يبقيه في المنصب فعزل عن قريب كما تقدم في الحوادث، وقد ذكرنا في الحوادث تنقلاته في القضاء والشيخونية، ثم لما وقع الطاعون في هذه السنة ذعر منه ذعراً شديداً وصار دأبه أن يستوصف ما يدفعه ويستكثر من ذلك أدوية وأدعية ورقي، ثم تمارض لئلا يشاهد ميتاً ولا يدعى إلى جنازة لشده خوفه من الموت، فقدر الله أنه سلم من الطاعون وابتلى بالقولنج الصفراوي، فتسلسل به الأمر إلى أن اشتد به الخطب فأوصى ومن جملة وصيته ما قدمته من قصة ابن الطرابلسي، فلما بلغه أن ابن الطرابلسي مات قبله سر بذلك وأشهد عليه أنه رجع عما كان أوصى به لابن الجيتي، فقدر الله تعالى أن ابن الجيتي أيضاً قد مات قبله بعشرة أيام، ثم مات ابن العديم في ليلة السبت تاسع شهر ربيع الآخر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 أبو البركات محمد بن أبي السعود محمد بن حسين بن علي بن أحمد بن ظهيرة، المخزومي المكي كمال الدين، ولد سنة أربع وستين وسبعمائة، وأحضر على عز الدين بن جماعة ولم يعتن بالعلم بل كان مشتغلاً بالتجارة مذكوراً بسوء المعاملة، وولي حسبة مكة ونيابة الحكم عن قريبه الشيخ جمال الدين، فعيب جمال الدين بذلك، وأنكر عليه من جهة الدولة فعزله، فسعى هو في عزل جمال الدين وبذل مالاً في أوائل الدولة المؤيدية فلم يتم له ذلك حتى مات جمال الدين، فتعصب له بعض أهل الدولة فولي دون السنة ثم ولي مرة ثانية في هذا السنة دون الشهرين، ومات معزولاً في ثالث عشري ذي الحجة بعلة ذات الجنب. محمد بن محمد بن عبد الله شمس الدين ابن مؤذن الزنجبيلية، اشتغل وهو صغير، فحفظ مجمع البحرين والألفية وغيرها، وأخذ الفقه عن البدر المقدسي، وابن الرضي، ومهر في الفرائض وأخذها عن الشيخ محب الدين، واحتاج الناس فيها، وجلس للاشتغال بالجامع الأموي، وكان خيراً ديناً مات في شوال. محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم الحسباني شمس الدين رئيس المؤذنين بالجامع الأموي، وكبير الشهود بدمشق، كان عارفاً بالشروط سريع الكتابة ذكياً يستحضر كثيراً من الفقه والحديث مع كثرة التلاوة، مات في شعبان. محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الدائم، الباهي أبو الفتح نجم الدين الحنبلي، وبرع في الفنون، وتقرر مدرساً للحنابلة في مدرسة جمال الدين برحبة باب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 العيد، وكان عاقلاً رصيناً كثير التأدب؛ مات في ليلة الجمعة رابع عشري ربيع الأول بالطاعون عن بضع وثلاثين سنة. محمد بن محمد الكوم، الربشي تاج الدين ابن شمس الدين نقيب درس الحنابلة، مات في ربيع الأول مطعوناً ولم يبلغ الخمسين، وكان موصوفاً بحسن المعاملة. محمد بن الشيخ ... الدين، الحلواني، مات في يوم الخميس رابع عشي صفر مطعوناً، وكان كثير المجازفة في القول سامحه الله. محمد بن ..... قطب الدين الأبرقوهي أحد الفضلاء ممن قدم القاهرة في رمضان سنة ثماني عشرة فأقرأ الكشاف والعضد وانتفع به الطلبة، ومات في أواخر صفر مطعوناً. مساعد بن ساري بن مسعود بن عبد الرحمن، الهواري المصري، نزيل دمشق، ولد سنة بضع وثلاثين، وطلب بعد أن كبر فقرأ على الشيخ صلاح الدين العلائي وولي الدين المنفلوطي وبهاء الدين بن عقيل والأسنوي وغيرهم، ومهر في الفرائض والميقات، وكتب بخطه الكثير لنفسه ولغيره، ثم سكن دمشق وانقطع بقرية عقربا، وكان الرؤساء يزورونه وهو لا يدخل البلد مع أنه لا يقصده أحد إلا أضافه وتواضع معه، وكان ديناً متقشفا، سليم الباطن، حسن الملبس، يستحضر الكثير من الفوائد وتراجم الشيوخ الذين لقيهم، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 وله كتاب في الأذكار سماه بدر الفلاح في أذكار المساء والصباح، ومات بقرية عقربا شهيداً بالطاعون، وكان دميم الشكل جداً رحمه الله. مفتاح الطواشي، الحبشي ثم اليمني، ولي إمرة عدن للأشرف. مقبل بن عبد الله، الطواشي الأشقتمري الرومي، كان جمدار عند الظاهر والناصر وكان ملازماً لديانة محباً للفقهاء، اشتغل بالعلم كثيراً، وحفظ الحاوي الصغير فصار يذاكر به، حسن القراءة للقرآن جداً، ثم عمر مدرسة بالتبانة وقرر فيها مدرستين وطلبة، وكان قد أسر مع اللنكية من دمشق ثم خلص، وحضر مع الرسل الواردين من اللنك في سنة ست وثمانمائة وجاور عامين متواليين قبل موته، ومات بالطاعون. موسى بن أحمد بن عيسى، الحرامي - بالمهملتين - أمير حلي انفرد بإمرتها بعد أخيه دريب، ثم أخرجه حسن بن عجلان منها، ثم عاد إليها حتى مات في هذه السنة. موسى بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الناصر بن عالي بن عمر الشريف شرف الدين الشطنوفي، ولد في حدود الأربعين، ومات في ذي القعدة، وكان حسن المحاضرة كثير النادرة وينظم شعراً كثيراً وسطاً. همام بن أحمد الخوارزمي - هكذا رأيت بخطه، وقد يدعى محمداً أيضاً، الشيخ همام الدين الشافعي، اشتغل في بلاده ثم جاء إلى حلب قبل اللنكية، فأنزله القاضي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 شرف الدين أبو البركات في دار الحديث البهائية، فأقام بها، ثم قدم القاهرة في أوائل الدولة الناصرية، واشتمل عليه بعض الأمراء فحصل له بعض المدارس، ثم نزل عنها للحاجة، فلما عمر جمال الدين مدرسته عين له، ووصف وبالغ في الوصف فاستحضره وأشخص به وأسكنه بيتاً قريباً منه ورتب له الرواتب الواسعة، ثم لما فتحها أسكنه في المسكن البهي الذي عمر له وأجلسه شيخا بها وقرر له معاليم ورواتب خارجاً عن ذلك وهدايا وعطايا ومراعاة وسماع كلمة فنبه بعد أن كان خاملاً، وتحلى بما ليس فيه بعد أن كان عاطلاً وانثال عليه الطلبة لأجل الجاه، فكان يحضر درسه منهم أضعاف من هو منزل فيه، وأقرأ في المدرسة المذكورة الحاوي والكشاف، ثم طال الأمر فاقتصر على الكشاف وكان ماهراً في إقرائه إلا أنه بطيء العبارة جداً بحيث يمضي قدر درجة حتى ينطق بقدر عشر كلمات، وكانت له مشاركة في العلوم العقلية مع إطراح التكلف وسلامة الباطن، يمشي في السوق ويتفرج في الحلق في بركة الرطلي وغيرها، وكانت له ابنة ماتت أمها فصار يلبسها بزي الصبيان ويحلق شعرها ويسميها سيدي علي. وتمشي معه في الأسواق إلى أن راهقت، وهي التي تزوجها الهروي فحجبها بعد ذلك، وقد ذكرت ما اتفق له في المجلس المعقود للهروي مات في العشر الأخير من ربيع الأول وقد جاوز السبعين. يوسف بن عبد الله المارديني الحنفي، قدم القاهرة ووعظ الناس بالجامع الأزهر، وحصل كثيراً من الكتب مع لين الجانب والتواضع والخير والاستحضار لكثير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 من التفسير والمواعظ؛ مات في الطاعون وقد جاوز الخمسين، وخلف تركة جيدة ورثها أخوه أبو بكر: ومات بعده بقليل سنة 822هـ. نور الدين بن قوام البالسي ثم الصالحي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 سنة عشرين وثمانمائة استهلت والسلطان على قصد السفر لتمهيد أمور البلاد الشمالية فعلق الجاليش في خامس المحرم ونودي على الفلوس أن تكون سعر كل رطل ستة فاستقامت الأحوال، وأمر طرغلي بن صقل سيز السفر لجمع التراكمين فتوجه، وفرقت النفقات في نصف الشهر فكان لكل مملوك عشرة آلاف درهم يكون حسابها من الذهب أربعين مثقالاً، وكانت النفقة من الخزانة للأمير الكبير خمسة آلاف دينار ولأمير آخور أربعة آلاف، ولمن دونه من المقدمين لكل واحد من الطبلخاناة خمسمائة ولكل أمير عشرة مائتين. وفي أول هذه السنة بلغ أقباي الدويدار نائب حلب تغير خاطر السلطان عليه فركب على الهجن جريدة في أسرع وقت فوصل إلى قطيا واستأذن في الوصول، فأمر السلطان بتلقيه، فتلقوه بسرياقوس، وجهز إليه مركوب وكاملية، فلقي السلطان يوم السبت محرم 24 المحرم، فلامه السلطان على سرعة الحركة فاعتذر، فقرره على نيابة الشام وأمره بالمسير إلى دمشق فسار جريدة على الخيل. وفيه ضرب الدنانير من عشرة مثاقيل وخمسة، وكان السالمي قبل ذلك ضرب ذلك ثم بطل فجدده المؤيد، فكان الذي يحصل له الدينار منها لا يجد صيرفيا يصرفه، فلما كثر التشكي من ذلك بطلت. واستناب في حلب قجقار القردمي أمير سلاح، وجهز أقبغا أمير أخور للقبض على الطنبغا العثماني نائب الشام والحوطة على موجوده وسجنه بالقلعة فتوجه لذلك مسرعا. ونودى للأجناد البطالين أن يخدموا عند الأمراء وعند السلطان، ومن وجد بعد ذلك بطالاً - بغير خدمة لا يلومن إلا نفسه! ثم قبض على جماعة ممن لم يمتثلوا الأمر فسجنوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 وخرج السلطان إلى الريدانية في سادس عشري المحرم، وقرر نيابة الغيبة طوغان أمير آخور، وقرر في القلعة أزدمر شايه، وكان قدم أمير المحمل في أول السنة، وقدم القاصد إلى السلطان بخيمة كبيرة بلغت النفقة عليها عشرة آلاف دينار، وتقدم الجاليش صحبة إبراهيم ولد السلطان ومعه قجقار نائب حلب وجماعة من الأمراء وسار السلطان في رابع صفر، وتأخر بالقاهرة فخر الدين الأستادار وعين نائب الغيبة له مائتي مملوك يكونون صحبته من أجناد القلعة وسافر القضاة صحبة السلطان على العادة إلا المالكي فكان قريب العهد بالقدوم من الحج فأعفي عن السفر، وأتفق أن شهاب الدين القرداج كان استقر مؤذناً في الركاب السلطاني فتغيب عن السفر فورد، المرسوم بعد مدة بالقبض عليه وبتجريسه فجرس ثم حبس إلى أن جاء الخير بقدوم السلطان فأفرج عنه وأذن له في ملاقاته. في ثاني عشر صفر وصل ناصر الدين ابن خطاب الحاجب بدمشق بسبب الطنبغا العثماني وقد قبض عليه وسجن بقلعة دمشق، وكان الخبر لما وصل بذلك أذعن وحل سيفه بيده وهو حينئذ بالحزبة وتوجه صحبة العسكر إلى دمشق فسجن بالقلعة، ونزل السلطان غزة في نصف صفر، ونزل بمصطبة استجدها بظاهر المدينة، فقدم خليل الجشاري نائب صفد وحسن بشارة مقدم البلاد الصفدية عليه. ثم توجه إلى جهة دمشق وأمراء العربان ومشايخ البلاد يردون إلى أن وصل مرج الكتيبة في سابع عشري صفر، وقدم عليه قصاد أمراء التركمان يسألون الصفح عنهم ويعدونه بحضورهم إلى الطاعة، فأجيبوا بأنهم إن صدقوا في ذلك وصلوا وإلا فليتخذ كل منهم نفقاً في الأرض أو سلماً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 في السماء. ثم قدم أقباي نائب الشام في العسكر، ودخل السلطان دمشق أول ربيع الأول، ولم ينزل القلعة بل استمر سائراً إلى أن نزل بالمصطبة التي استجدها لنفسه ببرزة وابنه إبراهيم حامل القبة على رأسه فكان يوماً مشهوداً. وفي ليلة الجمعة عمل المولد هناك على العادة وأرسل في ثامنه زين الدين الخواجا إلى محمد بن قرمان برسالة. وفي تاسعه قدم يشبك نائب طرابلس. وفي عاشره دخل السلطان حمص وقدم نائب حماة جارقطلو فأعيد إليها من ساعته لعمل المهمات السلطانية. وفي ثالث ربيع الأول أفرج السلطان عن سودون القاضي وأعطاه إقطاع اقبردى المنقار بعد موته، وتوجه السلطان على حماة فقدم عليه بها حديثة بن سيف أمير آل فضل وغنام بن زائل أمير آل موسى فتشاجرا في قتل سالم بن طويب فسكن السلطان ما بينهما، ثم عرض عليه تقادم لأمراء فقبلها، ثم سار متوجهاً إلى حلب فخيم في ليلة الثلثاء سابع عشرة بمنزلة تل السلطان وكانت قديماً تعرف بالعبيديين، وأصبح فاستعرض العساكر هناك، ثم رحل إلى قنسرين فقدم بها قجقجار القردمي نائب حلب بعساكرها، ثم قدم طغريل بن صقيل سيز بعساكره وهم ألف وخمسمائة فارس. وفي يوم السبت حادي عشر ربيع الأول ركب السلطان عند الفجر وشرع في صف الأطلاب وتعبية العساكر بنفسه، ودخل حلب وهو في الميمنة من شرق حلب بين النيرب وجيرين وشقها إلى أن نزل المصطبة الظاهرية خارجها، ودخلت الميسرة من الجهة الأخرى والتقوا بالميدان الأخضر، وترقب وصول الرسل التي أرسلها إلى أطرافه، فقدم في ثاني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 عشري ربيع الأول خليل بن بلال الكردي نائب مدينة إياس ومعه مفاتيح قلعتها، فقرر في نيابتها صاروجاء مهمندار حلب. وقدم عليه في ثالث عشر منه جمع كثير من التركمان والعربان، ثم جهز نائب الشام ونائب حماة وعسكرهما ومن انضم إليهما من تركمان وعرب إلى جهة ملطية وقرر داود بن أوزر وجماعة بالعمق، وقرر في نيابة حلب يشبك اليوسفي، وفي نيابة القلعة شاهين وأرغون وأمره بتقوية البرجين اللذين جددهما جكم، فأكمل عمارتهما وشيدهما وحصنهما، فصارا كقلعتين استخرجتا من القلعة الكبرى وعظم شأن القلعة بهما، وأمر المؤيد بعد ذلك بتكملة سور حلب فشرع فيه وطلب العمال من البلاد حتى جدوا فيه وتعب أهل حلب في عمله، ثم سار الجاليش السلطاني ومقدمهم الطنبغا القرمشي في عدة من الأمراء، وتوجه السلطان في ثاني ربيع الآخر على جهة العمق، فقدم عليه رسل محمد بن قرمان وفيهم مصلح الدين مرسل قاضي عسكره وصحبته هدية وكتاب اعتذار عن تقصيره وطبق فضة مسكوكة باسم المؤيد، فعنف السلطان الرسول وعدد له خطأ مرسله في امتناعه عن تجهيز مفاتيح طرطوس، وفي عدم قبضه على كزل وغيره من المتسحبين فاعتذر مصلح الدين، فصفح عنه وأمره بالجلوس وفرق الدراهم على الحاضرين، وقدم في ذلك اليوم رسول ابن عثمان، ثم قدم إبراهيم بن رمضان وابن عمه وأكثر التركمان الأوجيقية وقدمت معهم أم إبراهيم وأولاده الصغار، فأكرمهم السلطان وخلع عليهم وأنفق فيهم، وأرسل مصلح لإحضار مفاتيح طرطوس بشرط إن مضى جمادى الأولى ولم يحضرها مشى السلطان على بلاد ابن قرمان، وتوجه قجقار نائب حلب إلى جهة طرطوس فقدم بين يديه شاهين الأيدكاري فدخل طرطوس وتحصن نائبها مقبل بالقلعة، فنزل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 قجقار فحاصر القلعة إلى أن أخذها بالأمان في أواخر ربيع الآخر. وأخذ مقبل ومن معه وسجنوا - وسار السلطان على جهة مرعش على الأبلستين وحضر إلى قجقار لما نزل بغراص خليفة الأرمن بمفاتيح قلعتي سيس وبادوز، فجهزهم السلطان فخلع علي القصاد. وقرر في نيابة قلعة سيس الشيخ أحمد أحد العشراوات بحلب، ووصل نائب الشام إلى ملطية في خامس ربيع الآخر فوجد حسن بن كبك قد أحرقها فلم يبق منها إلا اليسير ولم يتأخر من أهلها إلا الضعيف العاجز ونزح فلاحوها فتوجه في آثارهم وأعلم السلطان، فأرسل السلطان ولده إبراهيم ومعه جقمق الدويدار وجماعة من الأمراء فساروا مجدين ودخلوا الأبلستين للقبض على ابن دلغادر، ففر منهم وأخلى البلاد، فتوجهوا منها وأوقعو بمن في كلد من التركمان وبمن في خان السلطان وبمن صار وشر ولحقوا محمد بن دلغادر في سادس عشره وهو سائر بحريمه وأثقاله فاحتووا على جميع ماله، وخلص هو في جريده من الخيل، وقبض على جماعة من أصحابه، ومن جملة ما نهب له مائة بختي كل واحد قدر الفيل، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 ورجع نائب الشام وقد قرر أمر ملطية، وفر حسين بن كبك إلى بلاد الروم، وتوجه نائب حماة إلى جهة كختا وكركر فنازل القلعتين وقد أحرق نائب كختا أسواقها، ثم أمد السلطان نائب الشام بعسكر آخر، وقدم كتاب محمد بن دلغادر يسأل العفو عن أن يسلم قلعة درندة، فأجيب إلى ذلك فقدم ولده ومعه هدية ومفاتيح القلعة. وفي أواخر الشهر قدم قاصد علي ابن دلغادر ومعه هدية وكتاب فأضاف له السلطان نيابة الأبلستين مع نيابة مرعش، وتوجه السلطان في ثامن عشري الشهر إلى درندة وبات عليها واستدعى بآلات الحصار فوصلت مفاتيح قلعة خيدروس، وأوقع الأمير استنبك بن إينال بمحمد بن دلغادر فقطعت يد ولده الكبير في الوقعة، ثم ركب السلطان بنفسه على درندة، وطلبوا الأمان فأمنهم يوم الجمعة سلخ الشهر، وفيهم داود بن محمد بن قرمان فألبسه السلطان خلعة واستولى على القلعة وقرر في نيابة ملطية ودوركي منكلي بغا الأرغون شاوي. وفي سادس جمادى الأولى وجه محمد بن شهري عسكراً فقاتلوا بقلعة خرت برت فأخذوها فجهز من أهلها أحد عشر رجلاً، فأمر السلطان بصلبهم على قلعة درندة، ثم رجع السلطان إلى الأبلستين يريد بهنسا وكختا وكركر وأرسل من هنا رسول قرا يوسف واسمه دنكز بجواب كتابه وصحبته هدية مع رسول من جهة السلطان، ثم وصل رسول من جهة قرا يوسف صحبة القاضي حميد الدين قاضي عسكره ووصل كتاب محمد شاه بن قرا يوسف وكتاب سر عمر حاكم أذربيجان، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 وتوجه السلطان إلى بهنسا بعد أن وجه إليها نائب الشام، فتسلم نائب الشام القلعة من طغرق بن داود بن إبراهيم بن دلغادر وأخذه صحبته ورجع إلى لقاء السلطان، فالتقيا به عند حصن منصور فرضي على طغرق، ونزل قجقار نائب حلب على كختا وكركر، ثم أردفه السلطان بنائب حماة ونائب طرابلس ونزل السلطان بحصن منصور في أواخر جمادى الآخرة، فقدم عليه رسول قرا يلك بهدية، وقدم عليه رسول الملك العادل سليمان الأيوبي صاحب حصن كيفا بهديته، وقرر في نيابة قلعة الروم منكلي بغا عوضاً عن أبي بكر بن بهادر الياسري وقرر في نيابة بهنسا كمشبغا الركني، ونازل كختا ونصب للرمي على قلعتها مدفعا - فبينا هو كذلك إذ ورد الخبر بأن قرا يوسف قصد قرا يلك، فالتجأ قرا يلك إلى السلطان وكاتبه واحتمى به واشتد الحصار على قلعة كختا ولم يبق إلا أخذها فطلب صاحبها الأمان، فآل الأمر إلى أنه يبعث ولده لهنا وينزل عن القلعة بعد رحيل السلطان، فتوجه السلطان إلى جهة كرر وسارت الأثقال إلى عينتاب فنازل السلطان قلعة كركر في أوائل جمادى الآخرة ونزل قرقماش من قلعة كختا فتسلمها نواب السلطان، وطرق جماعة من عسكر قرا يوسف قلعة تناسر فنهبوا بيوت الأكراد، وعدا منهم جماعة الفرات فركب عليهم بغا نائب ملطية فساروا إلى خرت برت، وقرر السلطان شاهين الحاجب في نيابة كركر وكزل بغا في نيابة كختا. وفي سابع رجب عاود السلطان ألم رجله فركب المحفة عجزاً عن ركوب الفرس، فنزل الفرات في مركب وصحبته خاصته إلى أن وصل قلعة الروم وقرر أمرها. وفي سابع رجب قدم كتاب اقباي نائب الشام أن قجقار نائب حلب رحل عن حصار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 كركر بغير علمه، فوصل كتاب قجقار يعتذر عن ذلك بأنه بلغه أن قرا يوسف واقع قر يلك فهزمه وأن من معه خافوا من قرا يوسف، فلما حل ذلك رحل فأجيب نائب الشام بأن يستمر على الحصار، ووقع الغضب على قجقار، ثم طلب خليل نائب كركر الصلح من نائب الشام فراسل السلطان في ذلك، ودخل السلطان حلب في ثالث عشر رجب فوجد أهلها في وجل شديد من قرب قرا يوسف، فاطمأنوا بحضور السلطان، وأمر السلطان بتكملة القصر الذي كان جكم قد شرع في عمارته فعمر في أسرع وقت، وقعد السلطان فيه في آخر الشهر وأمر بصلب مقبل القرماني ورفاقه، ووصل النواب في سابع عشر رجب، فأغلظ السلطان لقجقار يوبخه على سرعة رحيله، فأجاب بغلظة فأمر بالقبض عليه فسجن بقلعة حلب ثم أفرج عنه من يومه وأرسله إلى دمشق بطالاً، وقرر يشبك نائب طرابلس في نيابة حلب، وقرر بردبك في نيابة طرابلس، وقرر ططر رأس نوبة موضع بردبك، ونقل جارقطلو إلى نيابة صفد، وقرر في نيابة حماة نكباي ونقل خليل الجشاري نائب صفد حاجباً بطرابلس فاستعفى فأعفي، وقرر عوضه سودون - قرا صقل وتوجه النواب إلى بلادهم، وحضر السلطان حميد الدين رسول قرا يوسف ورسول صاحب حصن كيفا يسأل أن ينعم عليه بانتسابه إلى السلطان واستمراره نائباً من نوابه، فخلع على قاصده وخلع على قاصد قرا يوسف وأعيد إلى مرسله. وفي شعبان أصلح السلطان بين حديثه أمير آل فضل وبين غنام ابن زامل وحلفهما على الطاعة، وخلع على محمد بن دلغادر بنيابة الأبلستين. ووصل قاصد كردي بك ومعه سودون اليوسفي أحد من هرب في وقعة قانباي فسمر تحت قلعة حلب ثم وسط. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 وفي شعبان قبض ابن عثمان على محمد بن قرمان وعلى ولده مصطفى بعد أن حاصره بقونية واستولى عليها وعلى غالب بلاد ابن قرمان قيسارية وغيرها. وفي أواخر شعبان سجن طرغلي وابن عمه طغريل ابنا سقل سيز وسجنا - بقلعة حلب، وقرر محمد بك - التركماني في نيابة شيزر عوضاً عن طرغلي، وقرر مبارك شاه في نيابة الرحبة عوضاً عن عمر ابن شهري. ووصل في سابع عشر شعبان كتاب قرا يلك واسمه طورغلي التركمان بأنه اصطلح مع قرا يوسف وتسلم قرا يوسف عنه مدينة صور وعوضه عنها بألف ألف درهم، ومائة فرس ومائة جمل ورحل عنه إلى تبريز في رابع شعبان، فقريء كتابه على العسكر فاطمأنت نفوس أهل حلب بعد أن كانوا تهيئوا للرحيل إلى القاهرة فراراً من قرا يوسف، وثم وصلت الكتب من نائب البيرة وقلعة الروم ونائب كختا ونائب ملطية بنظير كتاب قرا يلك، فرحل السلطان من حلب في ثامن عشر شعبان، ودخل دمشق في ثالث رمضان، وقبض على أقباي نائب الشام وسجنه بقلعة دمشق، وكان المؤيد قد اشتراه صغيراً، ورباه ورقاه في خدمته إلى أن صار دويداراً كبيراً ثم ولاه نيابة حلب ثم دمشق وكان يتدين ويحب العدل ويسمو بنفسه وعلو همته إلى معالي الأمور، وكان السلطان غضب منه لكونه آوى جماعة من العصاة الذين خرجوا مع قانباي فهم به، فبلغه ذلك فقدم مسرعاً فأغضى السلطان عنه ورده إلى نيابة الشام، فنقل عنه بعض أعدائه أنه يهم بالخروج على السلطان، فاستدعاه السلطان يوم الركب ووبخه وعدد له من ذنوبه وأمر بالقبض عليه، وقرر تنبك في نيابة الشام بعد امتناع، ورضى عن قجقار القردمي وقرره أميراً بتقدمة ألف بمصر، وأفرج عن الطنبغا العثماني ونقله إلى القدس بطالاً، وقرر في نيابة حلب يشبك اليوسفي وفي نيابة القلعة شاهين الدويدار الأرغون شاه - فأحسن السيرة وشرع في تحصين البرجين بسفح القلعة: أحدهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 وهو القبلي سوق الخيل، والآخر وهو الشمالي على باب الأربعين، وبذل الجهد في ذلك، وأمر المؤيد بعمارة السور القديم. الذي استهدم من زمن هلاكو وهو محيط بمدينة حلب. وبرز السلطان من دمشق في رابع عشرة، وقدم بيت المقدس في خامس عشر منه، وفرق على الفقراء مالاً، وجلس بالمسجد الأقصى بعد الصلاة، وقريء البخاري بحضرته من ربعة وختم، ومدح الوعاظ، وكان وقتاً حسناً، ثم توجه إلى الخليل فزار وتصدق أيضاً، ووصل إلى غزة في ثامن عشر منه، وصلى العيد على المصطبة المستجدة ظاهر غزة، ورحلوا من آخر يوم العيد فقدم خانقاه سرياقوس تاسع الشهر فأقام بها إلى رابع عشر شوال، وبات ليلة النصف بخليج الزعفران فأصبح باكره فرأيته - خلع على الأمراء وأصحاب الوظائف، وكانت خلع القضاة بسمور إلا المالكي فإنها كانت بسنجاب لكونه لم يسافر معهم، ودخل القاهرة في نصف الشهر وابنه إبراهيم يحمل القبة على رأسه فشق القاهرة وقد زينت له، ودخل جامعه الجديد ومد له - الأستادار سماطاً حافلاً فأكل منه، ثم مد له سماط آخر حلوى فتنوهبت، ثم ركب إلى القلعة وفرش الأستادار لخيله شققاً حريراً من أوائل الحسينية إلى القلعة. وفي تاسع عشرة استقر طوغان أمير آخور عوضاً عن تنبك يبق نائب الشام، وقرر الطنبغا المرقبي وكان نائب قلعة حلب في الحجوبية الكبرى، وقرر قجقار القردمي أمير سلاح على عادته قبل نيابة حلب، وخلع على الأستادار بالاستمرار وأضيفت إليه أستادارية إبراهيم ابن السلطان، ورخصت الجمال عند خروج الحجاج جد الكثرة ما ورد مع العسكر. ثم ركب السلطان في ثاني عشري شوال إلى الصيد ورجع فنزل بيت الأستادار، فخدمه بعشرة آلاف دينار، وركب من منزله حتى شاهد الميضاة، التي أنشأها الأستادار بجوار الجامع المؤيدي، وكان فرغ الأستادار منها في مدة يسيرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 وفي خامس عشري من شوال استعفى فخر الدين الأستادار من الوزارة فقرر فيها أرغون شاه وكان أستادار نوروز بالشام في السادس والعشرين من شوال فباشر الوزارة بحرمة وصولة، وقدم الأستادار للسلطان عند قدومه من السفر أربعمائة ألف دينار عيناً، ثمانية عشرة ألف إردب غلة، فمن ذلك أربعين ألف دينار حصلها من ديوان الوزارة بعد التكفية في هذا المدة اللطيفة، وثمانون ألف دينار جباها من النواحي، وثلاثون ألف دينار من ماله هو، وكان حمل إلى الشام قبل ذلك مائة ألف دينار، فاستعظم السلطان ذلك وتقرر عنده أنه لا نظير له في المباشرين، ولم يسمع فيه بعد ذلك لومة لائم، فعوجل فخر الدين عن قرب ولم ينفعه ما ظلم الناس به. وفي يوم الثلاثاء العشرين من شوال أدير المحمل وقرر أمير الحاج يشبك الدويدار الثاني، ولم تكن العادة بإدارته إلا يوم الاثنين أو الخميس واتفق أن أمير الركب هذا لما بلغه ما وقع لأخيه آقابي - نائب الشام خشي على نفسه فهرب من المدينة بعد الرجوع، فقام بأمر الحاج اسنبغا الفقيه إلى أن وصلوا إلى القاهرة، وأخبر الحاج لما رجعوا بأن السنة كانت شديدة الرخص حتى بيع الجمل الدقيق بستة دنانير أفلورية - ويقال إنه استقام على الذي جلبه باثني عشر. وفي الرابع والعشرين من شوال أخرج قباي ومن بالقلعة من المسجونين فخرج نائب القلعة في إثره إلى باب الجديد وركب نائب الشام فأغلق آقباي باب القلعة واعتصم بها، وحاصره تنبك يبق وراسل السلطان بذلك، واستمر يومين، فوشي إلى النائب بأن آقباي قد خرج في النهر ومشى فيه إلى طاحون باب الفرج فقبض عليه هناك وعلى بعض أصحابه، فعوقب عقوبة شديدة على صنيعه ثم قتل بأمر السلطان وقدم برأسه في الثاني من ذي الحجة، وقرر في نيابة القلعة شاهين الحاجب الثاني وقرر في الحجوبية عوضه كمشبغا طولو. وقرر في تقدمة التركمان عوضه شعبان بن اليغموري أستادار الديوان المفرد بدمشق. وفي تاسع ذي القعدة وصل رسول قرا يلك في هذا الشهر فانحل سعر عامة المبيعات من الغلال وغيرها، وكان في الظن أن يلغو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 ذلك بقدوم العسكر فجاء الأمر بخلاف ذلك. فلما كان في ذي الحجة قلت الغلال وزاد سعر القمح وغيره مائة درهم الإردب وأزيد، وكان السبب في ذلك قلة المطر في الشتاء فجفت الزروع وهافت، فمنع من عنده قمح وغيره من البيع، فلطف الله تعالى بنزول الغيث في رابع عشر ذي الحجة وهو الموافق لإمشير فجادت الزروع ونمت وزكت وتراخى السعر ولله الحمد. وفيها عصى محمد شاه بن قرا يوسف على أبيه في بغداد وامتنع من الوصول فأراد أبوه أن يحاصره، فأشير عليه بعدم التعرض له فتركه، وشرع محمد المذكور في جمع المال فحصل منه شيئاً كثيراً. وفيها قتل الشيخ نسيم الدين التبريزي نزيل حلب وهو شيخ الحروفية وقد تقدم ذكر شيخه فضل الله في حوادث سنة أربع وثمانين، وأما هذا فإنه سكن حلب وكثر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 أتباعه وشاعت بدعته فآل أمره إلى أن أمر السلطان بقتله فضربت عنقه وسلخ جلده وصلب، وقد وقع لبعض أتباعه كائنة في سلطنة الأشراف وأحرقت كتابه معه فيه هذا الاعتقاد وأردت تأديبه فحلف أنه لا يعرف ما فيه وأنه وجده مع شخص فظن أن فيه شيئاً من الرقائق فأطلق، بعد أن تبرأ مما في الكتاب المذكور تشهد والتزم أحكام الإسلام، وكان سبب وقوع ذلك أن شخصاً شريفاً قدم من الشام وذكر أنه لم يزل يسعى في الإنكار على هؤلاء إلى أن عثر بهذا وكتب له مرسوم بالقيام عليهم في بلاد الشام، ثم قدم علينا شخص من أهل أنطاكية فذكر لنا عنهم أموراً كثيرة وكتب له مراسيم بالقيام عليهم وذلك في سنة 841 من الحوادث غير ما يتعلق بسفر السلطان في المحرم وضعت جاموسة ببلقس مولوداً برأسين وعينين وأربعة أيد وسلسلتي ظهر ودبر واحد ورجلين اثنتين لا غير وفرج واحد أنثى والذنب مفروق باثنين، فكانت من بديع صنع الله. وفي العشرين من المحرم عرض القاضي زين الدين عبد الباسط الكسوة التي استعملها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 فكانت في غاية الحسن، وكان الموت في جمال الحاج كثيراً فتضرر طوائف من الحاج وغلا السعر معهم. وفي أواخر المحرم صرف منكلي بغا عن الحسبة وأعيد محمد بن يعقوب. وفي صفر توجه فخر الدين الأستادار إلى الوجه البحري فأسعره ناراً من كثرة المصادرات حتى فرض على كل قرية وكفر وبلد ذهباً معيناً فحصله في أسرع مدة ومنع من بيده رزقه من قبض خراجها. وكان ذلك شيئاً عظيماً إلا أنه رجع عن ذلك. واستقوى على المستضعفين وتتبع من يعرف بالمال في الوجه البحري فبالغ في استخلاص الذهب منهم بالمصادرة والرماية وغير ذلك. وفي ربيع الأول ابتدأ فخر الدين الأستادار بهدم الأماكن التي بظاهر المقس إلى قنطرة الموسكي إلى ما يقابل داره الجديدة التي كانت تعرف بدار بهادر الأعسر وكانت تعرف قديماً بدار الذهب وهي مطلة على الخليج الحاكمي. فشرعوا في الهدم ونقل التراب فدخل في ذلك من الدور والمساجد والحوانيت ما يكون قدر مدينة كبيرة، وأراد أن يعمل ذلك بستاناً كبيراً فشرع فيه، ثم أجرى الماء بعد وفاء النيل من الخليج الناصري ومات قبل أن يتم ما أراد من ذلك فصارت تلك النواحي مكانة مهولة بالأتربة. وفي حادي عشر ربيع الأول قدم فخر الدين بن أبي الفرج من الوجه البحري، وفيه تهدمت الدور التي أحدثت فوق البرج الذي يجاور باب الفتوح واتخذ هناك مكان وأمر السلطان بحبس أولى الجرائم فيه عوضاً عن خزانة شمائل، وفيه كثر الإرجاف بمجيء الفرنج فشرع أهل الإسكندرية في حفر الخندق واستعدوا لذلك. وفيه شرع فخر الدين في التجهز إلى جهة الصعيد ليفعل فيها ما فعله في الوجه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 البحري، فاستعد لذلك وجمع فرسان العربان من كل جهة وأوسع لهم في إخراج العدد التامة من أنواع السلاح، ووسع لهم في العطايا. وخرج في سادس عشره في جمع كثير فأوقع بطوائف منهم يقال لهم عرب لهانة بناحية القلندون والأشمونين فانهزموا، واستمر متوجهاً وحصل له من البقر والجاموس والجمال والغنم ما لا يدخل تحت الحصر فإن بعضه هلك وبعضه وصل وشرعوا في رميه على الناس وقرر على البلاد الصعيدية نحو ما قرر على البلاد البحرية. وفيه مات فرج بن الناصر فرج بن الظاهر برقوق بالإسكندرية مطعوناً، فشاع بالقاهرة أنه هو وأخوه والخليفة ماتوا جميعاً فلهج الناس بأنهم ماتوا بالسم، ثم تبين فساد ذلك وأنه لم يمت إلا هذا وحده بالطاعون، وانكسرت بموته حدة كثير من المماليك السلطانية الناصرية، وكانوا في كل وقت يشاع أنهم يريدون الثورة ليسلطنوه، وفشا الطاعون بالإسكندرية ودمياط، ووقع منه بالقاهرة شيء يسير بلغ في اليوم أربعين نفساً. ومن الحوادث أن السلطان نزل في سادس ذي الحجة وحده بغير أمير من الأمراء إلى الجامع بباب زويلة فنظره وطلع إلى أعاليه وشاهد المواضع التي أخرت من الأبنية ولم يكن صحبته سوى الأستادار وكاتب السر ونحو عشرة من المماليك، فلما نزل من الجامع دخل بيت كاتب السر ثم خرج مه فدخل بيت زين الدين عبد الباسط ناظر الخزانة الشريفة. وفي سابع عشر ربيع الآخر سقط من العمارة بالمؤيدية عشرة أنفس، فمات أربعة وكسر ستة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 وفي أواخر ربيع الآخر توجه مفلح رسول صاحب اليمن وصحبته بكتمر السعدي مملوك ابن غراب رسولاً عن السلطان. في يوم الجمعة ثاني جمادى الأولى أقيمت الخطبة بالجامع المؤيدي ولم يكمل منه سوى الإيوان القبلي وخطب به عز الدين عبد السلام ... أبن أحمد المقدسي الشافعي نيابة عن القاضي ناصر الدين البارزي، وتوجه الصاحب بدر الدين بن نصر الله ناظر الخاص إلى الشام في عاشر الشهر ومعه محضر بما أنفق في المؤيدية وكان ولده صلاح الدين حينئذ شاداً بها، ثم قدم فخر الدين الأستادار من الصعيد ومعه ستة آلاف بقرة وثمانية آلاف رأس غنم وألفا جمل وألفا قنطار قند، ومن العبيد والإماء شيء كثير جداً خارجاً عن الذهب، وشرع في رمي ذلك على الناس فعم الضرر أهل البوادي والحواضر، وحصل في هذه المدة اللطيفة من المال شيئاً كثيراً أرصده لمجيء السلطان. وفي جمادى الأولى وقف النيل ونقص شيئاً كثيراً، ثم عاد واستمرت الزيادة فانحل سعر القمح بعد أن غلا. وفي جمادى الآخرة صرف ابن يعقوب عن الحسبة وقرر عماد الدين ابن بدر الدين ابن الرشيد المصري، وكان ينوب في الحسبة عن التاج وغيره فسعى في الحسبة عن التاج وغيره فسعى في الحسبة استقلالاً عند نائب الغيبة، وألزم تعمير البرجين اللذين أحدهما بباب السلسلة تحت القلعة، وقدرت الغرامة عليهما بخمسمائة دينار فلم يمكن الأستادار مخالفته وكان ابن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 يعقوب من جهته، فاستمر معزولاً وساءت حال عماد الدين بعد ذلك وهرب كما سيأتي، ولو سلك طريق أبيه لكان أولى به فإن أباه ناب في الحسبة أربعين سنة متوالية ولم يطلب الاستقلال قط فمضى على سداد إلى أن مات، وانتهت زيادة النيل في هذه السنة في سادس عشر توت إلى عشر أصابع من عشرين ذراعاً. وفي السادس من شعبان أمسك نصراني زنى بامرأة مسلمة فاعترفا بالزناء فحكم شرف الدين عيسى الأقفهسي برجمهما، فرجما خارج باب الشعرية ظاهر القاهرة عند قنطرة الحاجب، وأحرق النصراني ودفنت المرأة، وعاب الناس على القاضي صنيعه هذا من عدة أوجه منها استبداده بذلك وإسراعه بالحكم ودعوى المرأة الإكراه ولم يقبل ذلك منها إلا ببينة فأحضرت واحداً ولم يؤخرها حتى تسمع الشهادة لكون النصراني أسلم لما تحقق الرجم وغير ذلك، ثم جاني المذكور وتنصل مما نقم عليه، فالله أعلم. وفي سادس شعبان رفع إلى الأستادار أن نصرانياً في خدمته يقال له ابن الحضري وقع منه ما يقتضي إراقة دمه فأحضر القاضي المالكي وكان من جيرانه وحضر معه خلق كثير، فادعى عليه فأنكر، فتشطرت البينة فحكم القاضي بتعزيره، فعند ما جرد ليضرب أسلم فترك واستمر، يباشر وهو غير محب الدين الآتي ذكره، وقرئ البخاري بالمدرسة المؤيدية، وحضر من كان يحضر في القلعة. وفي هذا الشهر منع النصارى من تكبير العمائم، ولبس الفراجي والجبب بالأكمام الواسعة كهيئة قضاة الإسلام، وركوب الحمر الفره واستخدام المسلمين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 وفي نصف شعبان وصل كتاب السلطان من حلب بشرح سيرته في السفرة المذكورة في بلاد الروم وما ملك من القلاع التي لم يملكها أحد من الترك قبله وغير ذلك. فقرأته في الجامع الأزهر وكان يومه مشهوداً. وفي الثامن عشر من شعبان أسلم الأسعد ابن الحضرمي النصراني كاتب الأستادار، وكان يميل إلى المسلمين حتى حفظ قطعة القرآن وشدا طرفا من النحو، فسماه فخر الدين محمداً ولقبه محب الدين. وفي رمضان مات قاضي الحنابلة بدمشق شمس الدين ابن عبادة، وقرر بعده القاضي عز الدين المقدسي الحنبلي، ومات ابن عرب في أواخر ذي القعدة، واستقر عوضه في تدريس المؤيدية الشيخ محب الدين أحمد بن الشيخ نصر الله البغدادي. وفي ثامن عشر رمضان توجه بركات بن حسن بن عجلان إلا مكة، والتزم فخر الدين الأستادار عنه وعن أبيه بمال للسلطان. وفيه هم فخر الدين بنقل سجن أصحاب الجرائم المسمى بالخزانة إلى نصر الحجازية واستأجره وأمر بعمارته، ثم شغل عنه فلم يتم. وفي ثامن ذي القعدة سار إبراهيم بن سلطان إلى الوجه القبلي لأخذ تقادم العربان وولاة الأعمال فقام بخدمته ابن محب الدين الكاشف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 وفي حادي عشر ذي القعدة قدم محمد وخليل ولدا الناصر فرج من الإسكندرية بعد الاعتقال بإذن السلطان، وقدمت رمة أخيهما فرج فدفنت عند جده الملك الظاهر. وفي ذي القعدة خرج السلطان إلى البحيرة فوصل إلى رأس القصر، ثم رجع فنزل القصر الذي أنشأه كاتب السر بالشاطئ الغربي قريب منباية. ثم في هذا الشهر كان لبعض أهل الصعيد غنم يزيد على عشرين ألف رأس فرعت في بعض المراعي فماتت عن آخرها، وقيل إن ذلك من المراعي وكان فيه من حشائش السم. وفي سلخ ذي القعدة نودي أن يكون كل رطل ونصف من الفلوس بنصف درهم فضة من المؤيدية، وبلغ الذهب إلى مائتين وثمانين والأفلوري إلى مائتين وستين، وأمر الأستادار والوزير وناظر الخاص أن يشتريا من الفلوس ما استطاعوا، ففرض على الأستادار مائة ألف دينار وعلى الآخرين مائة ألف دينار، وأمر أن يحصلوا بثمنها فلوساً، ونودي: من كان عنده فلوس فليحملها إلى الديوان السلطاني وينكل من امتنع من حملها أو سافر بها، وساق فخر الدين الأستادار في الأضاحي إلى السلطان خاصة ألف رأس من الكباش العلوفة ومائة وخمسين بقرة، وقام عنه في التفرقة على الأمراء وغيرهم بعشرة آلاف رأس. وفي سادس عشريه نزل السلطان إلى الجامع المؤيدي ثم إلى بيت كاتب السر وهو بثياب جلوسه. وفي رابع عشري ذي القعدة أضيفت الحسبة إلى أقبغا شيطان الوالي وصرف عماد الدين، وقرر سودون القاضي في كشف الصعيد وصرف بدر الدين ابن محب الدين وأمر بإحضاره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 وفي تاسع عشري ذي الحجة قدم إبراهيم بن السلطان من السفر. وفي ذي الحجة كانت الفتنة بدمياط، وكان وإليها ناصر الدين محمد السلاخوري سيء السيرة غاية في الظلم والفسق كثير التسلط على نساء الناس وأولادهم. فتعرض لناس يقال لهم السمناوية يتعيشون بصيد السمك من بحيرة تنيس ومساكنهم بجزائر يقال لها العزب بضم العين وفتح الزاي بعدها موحدة فأنفوا من سوء فعله وفحش سيرته فتجمعوا ليوقعوا به ففر إلى داره فحاصروه الأدب أنهما ليسا له لأنه لم يقع له قريب من ذلك. بها، فرماهم بالنشاب فقتل منهم واحداً وجرح ثلاثة، فازداد حنقهم وتكاثروا إلى أن هجموا عليه. فهرب في البحر في سفينة إلى الجزيرة فتبعوه فتناوبوا ضربه وردوه إلى البلد وحلقوا نصف لحيته وشهروه على جمل والمغاني تزفه ثم قتلوه. ثم أخرجوا الوالي من الحبس فأرادوا إثبات محضر يوجب قتله، فبادر سفهاؤهم فقتلوه وسحبوه وأحرقوه بالنار ونهبوا داره وسلبوا حريمه وأولاده فقتل من أولاده صغير في المهد وقيل مات من الرجفة، فكانت هذه الكائنة من الفضائح. وفي تاسع عشري ذي الحجة طرق جمع من الحرامية وفيهم فارسان داخل القاهرة فمروا على باب الجامع الأزهر ووصلوا إلى رحبة الأيدمري، فنهبوا عدة حوانيت وقتلوا رجلين ورجعوا إلى حارة الباطلية فتوزعوا فيها فلم يتبعهم أحد، فكانت من الفضائح أيضاً. وفيها في أواخرها مالت المئذنة التي بنيت على البرج الشمالي بباب زويلة للجامع المؤيدي، وكادت أن تسقط واشتد خوف الناس منها وتحولوا من حواليها فأمر السلطان بنقضها، فنقضت بالرفق إلى أن أمن شرها، وعامل السلطان من ولى بناءها بالحلم بعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 أن كان أرجف بأنه يريد أن يغرمهم جميع ما أنفق فيها، فهدمت وشعر في بناء التي تقابلها، واتفق أن كان ناظر العمارة بهاء الدين ابن البرجي كما تقدم فأنشد تقي الدين بن حجة في ذلك: على البرج من بابي زويلة أنشئت ... منارة بيت الله والمعهد المنجي فأخنى بها البرج الجنيت أمالها ... ألا صرحوا يا قوم باللعن للبرجي وقال شعبان بن محمد بن داود الأثاري في ذلك وكان قدم القاهرة في هذه السنة. عتبنا على ميل المنار زويلة ... وقلنا تركت الناس بالميل في هرج فقالت قربني برج نحس أمالني ... فلا بارك الرحمن في ذلك البرجي وكنت قلت قبل ذلك وأنشدتهما في مجلس المؤيد: لجامع مولانا المؤيد رونق ... منارته بالحسن تزهو وبالزين نقول وقد مالت عن القصد أمهلوا ... فليس على جسمي أضرمن العين فأراد بعض الجلساء العبث بالشيخ بدر الدين العيني فقال له إن فلانا قرض بك. فغضب واستعان بمن نظم له بيتين ينقض هذين البيتين ونسبهما لنفسه، وعرف كل من يذوق الأدب أنهما ليسا له لأنه لم يقع له قريب من ذلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 وأنشد بعض الأدباء بنقض الأمرين وهو نجم الدين ابن النبيه الموقع: يقولون في ميل المنار تواضع ... وعين وأقوال وعندي جليها فلا البرج أخنى والحجارة لم تعب ... ولكن عروس أثقلتها حليها وفي هذه السنة ملك أويس بن زادة بن أويس بن حسين البصر، انتزعها من مانع أمير العرب بعد حروب، وكانوا انتزعوها منهم من إمارة عمه أحمد بن أويس من أوائل القرن، وقوى أويس المذكور وانضم إليه عسكر عمه. وفي أواخر هذه السنة هرب يشبك الدويدار الثاني من المدينة النبوية وهو يومئذ أمير الحاج المصري، والسبب في هربه أنه بلغه ما اتفق في أفباي نائب الشام وكان من إخوته فخاف، وبلغه أيضاً أن السلطان كتب إلى مقبل أمير ينبع أن يقبض عليه، فأخر مقبل ذلك إلى أن رحل المذكور من المدينة فقبض عليه هناك، فاستشعر ذلك فاختفى بعد رحيل الحاج من المدينة، فلما نزلوا البركة لم يقفوا له على خبر فسار بهم أقبغا الزيني دويداره وترفق في سيره بالحاج ونبالغ في الإحسان م، فقدموا وهم يشكرونه، وكان الرخص كثيراً وكذلك المياه، ووصل يشبك في هربه إلى بغداد، فتلقاه محمد شاه بن قرا يوسف فأكرمه ثم هرب منه إلى قرا يوسف نفسه في سنة اثنتين وعشرين فأكرمه وأقام عنده. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 ذكر من مات في سنة عشرين وثمانمائة من الأعيان إبراهيم صاحب شماخي وتلك البلاد، وهو من جملة من ينتمي لقرا يوسف. أحمد بن أبي أحمد الفراوي المالكي، اشتغل كثيراً وبرع في العربية وغيرها وشارك في الفنون وشغل الناس، وقد عين مرة للقضاء فلم يتم ذلك، مات في تاسع عشر شعبان. أحمد بن الحسين بن إبراهيم الدمشقي محي الدين ابن المدني، ولد سنة إحدى أو اثنتين وخمسين، وعني بصناعة الإنشاء وباشر التوقيع من صغره في أيام جمال الدين ابن الأثير، وكان عاقلاً ساكناً، ودخل مصر بعد فتنة اللنك وباشر التوقيع ثم قدم مع شيخ ومعه صهره بدر الدين بن مزهر، فولي كتابة السر بدمشق في أوائل سنة ثماني عشرة، وكان عارفاً متودداً لا يكتب على شيء يخالف الشرع، وكان عنده انجماع عن الناس، وكان ينسب للتشيع، ومات في صفر وقد أنجب ولده نجم الدين حفظه الله. أحمد بن يهود، الدمشقي الطرابلسي شهاب الدين النحوي الحنفي، ولد سنة بضع وسبعين وتعانى العربية فمهر في النحو واشتهر به واقرأ فيه، وشرع في نظم التسهيل فنظمه في تسعمائة بيت، ثم أخذ في التكملة فمات قبل أن ينتهي، وكان تحول بعد فتنة اللنك إلى طرابلس فقطنها، وانتفع بها أهلها إلى أن مات بها في آخر هذه السنة، وكان يتكسب بالشهادة. أحمد الريفي الدمشقي ثم المكي، كان يؤدب الأولاد بدمشق خيرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 ً كثير التلاوة، ثم إنه توجه إلى مكة وجاور بها نحواً من ثلاثين سنة وتفرغ للعبادة على اختلاف أنواعها، وأضر في آخر عمره، ومات بمكة. أقباي الدويدار المؤيدي، قدمه المؤيد إلى أن ولاه الدويدارية الكبرى ثم نيابة حلب - وقد تقدم ذكر قتله في الحوادث. أقبردي المنقار، مات بدمشق ولم يكن محمود السيرة. أبو بكر بن محمد الجبرتي العابد، كان يلقب المعتمر لكثرة اعتماره، وكان على ذهنه فوائد، وللناس فيه اعتقاد، وينسبونه إلى معرفة علم الحرف، جاور بمكة ثلاثين سنة، ومات في سابع المحرم. خضر بن إبراهيم، الروكي خير الدين نزيل القاهرة، كان من كبار التجار كأبيه، مات مطعونا في ذي الحجة. داود بن موسى الغماري المالكي، عني بالعلم ثم لازم العبادة وتزهد، جاور بالحرمين أزيد من عشرين سنة، وكانت إقامته بالمدينة أكثر منها بمكة، مات في مستهل المحرم. سالم بن عبد الله بن سعادة بن طاحين القسنطيني نزيل الإسكندرية، وكان أسود اللون جداً فكان يظن أنه مولى وأما هو فكان يدعي أنه أنصاري، وكان للناس فيه اعتقاد وبين عينيه سجادة، وقد لازم القاضي برهان الدين بن جماعة واختص به وصار له صيت وطار له صوت، ثم صحب جمال الدين محمود بن علي الأستادار وكان له تردد كثير إلى القاهرة ومحاضرة حسنة، وعلى ذهنه فنون، وله أناشيد وحكايات، ومات بالإسكندرية في آخر هذه السنة وقد جاوز الثمانين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 عبد الله بن إبراهيم خليل، البعلبكي الدمشقي جمال الدين ابن الشرايحي ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وأخذ عن الشيخ جمال الدين بن بردشْ وغيره، ثم دخل دمشق فأدرك جماعة من أصحاب الفخر وأحمد بن شيبان، ونحوهم فسمع منهم، ثم من أصحاب ابن القواس وابن عساكر، ثم من أصحاب القاضي والمطعم ومن أصحاب الحجار ونحوه ومن أصحاب الجزرى وبنت الكمال والمزي، فأكثر جداً وهو مع ذلك أمي، وصار أعجوبة دهره في معرفة الأجزاء والمرويات ورواتها والعالي والنازل. وليه مع ذلك فضائل ومحفوظات ومذاكرة حسنة، وكان لا ينظر إلا نظراً ضعيفاً، وقد حدث بمصر والشام، سمعت منه وسمع معي الكثير في رحلتي وأفادني أشياء، وكان شهماً شجاعاً مهاباً جداً كله، لا يعرف الهزل، وكان يتدين مع خير وشرف، قدم القاهرة بعد الكائنة العظمى فقطنها مدة طويلة، ثم رجع إلى دمشق وولي تدريس الحديث بالأشرفية إلى أن مات في هذه السنة. عبد الله بن أحمد بن عبد العزيز بن موسى بن أبي بكر، العذري جمال الدين البشبيشي، ولد في عاشر شعبان سنة 762، وقرأ في الفقه والنحو، وأخذ عن شيخنا الغماري وابن الملقن، وتكسب بالوراقة وكتب الخط الجيد، وصنف كتاباً في المعرب وكتاباً في قضاة مصر، ونسخ بخطه كثيراً، وناب في الحسبة عن صاحبنا الشيخ تقي الدين المقريزي، وكان ربما جازف في نقله، سمعت من فوائده كثيراً، ومات بالإسكندرية في ذي القعدة. عبد الرحمن بن محمد بن حسين، السكسكي البربهي التعزي، أحد الفضلاء باليمن، برع في الفقه وغيره، ثم حج فلما رجع مات وهو قافل في ثالث المحرم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 عبد الوهاب بن نصر الله بن حسن، الفوي نزيل القاهرة تاج الدين أخو ناظر الخاص، ولد سنة ستين وسبعمائة، وباشر بجاه أخيه كثيراً من الوظائف مثل نظر الأوقاف والأحباس وتوقيع الدست ووكالة بيت المال ونيابة كاتب السر في الغيبة وخليفة الحكم الحنفي، وكان يحب العلم والعلماء ويجمعهم عنده ويتودد لهم، مات في ثالث عشر جمادى الآخرة، وكان أبوه إذ ذاك حياً فورثه مع أولاده. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز، النويري ثم المكي القاضي عز الدين ابن القاضي محب الدين ابن القاضي جمال الدين ابن أبي الفضل العقيلي الشافعي، ولد سنة أربع أو خمس وسبعين واشتغل وهو صغير، وناب لأبيه في الخطابة والحكم، ثم اشتغل بعد وفاته في رمضان سنة تسع وتسعين إلى أن صرف في ذي الحجة سنة ثمانمائة بالشيخ جمال الدين ابن ظهيرة، ثم وليها مراراً، ثم استقرت بيده الخطابة وغيرها وانفرد جمال الدين بالقضاء، فلما مات سنة تسع عشرة استقر العز في الخطابة ونظر الحرم والحسبة حتى مات عز الدين في هذه السنة في ربيع الأول، وكان مشكور السيرة في غالب أموره، والله يعفو عنه. محمد بن أبي بكر بن علي، المكي ثم الزبيدي - بفتح الزاي - جمال الدين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 النويري المصري ولد بالذروة من صعيد مصر سنة تسع وأربعين ونشأ بها، ثم سكن مكة وصحب القاضي وسمع من عز الدين بن جماعة، واشتغل قليلاً، وكان حسن التلاوة، طيب الصوت. ثم دخل اليمن بواسطة القاضي أبي الفضل رسولاً من مكة إلى السلطان واتصل بالأشرف صاحبها، فحظي عنده ونادمه وتولى حسبة زبيد، ثم تركها لولده الظاهر، وكان حسن الفكاهة فقرب من خاطره وصار ملجأ للغرباء لاسيما أهل الحجاز، واستمر في دولة الناصر بن الأشرف على منزله بل عظم قدره عنده، وكان ذا مروءة وتودد ونوادر ومزاح، وقد تزوج كثيراً جداً على ما أخبرني به، وهو أخو صاحبنا نجم الدين المرجاني شقيقه، مات الجمال المصري في ذي القعدة وخلف عشرين ولداً ذكراً. محمد بن علي بن جعفر، البلالي نزيل القاهرة الشيخ شمس الدين وبلالة من أعمال عجلون، نشأ هناك وسمع الحديث واشتغل بالعلم، وسلك طريق الصوفية وصحب الشيخ أبا بكر الموصلي، ثم قدم القاهرة فاستوطنها بضعاً وثلاثين سنة، واستقر في مشيخة سعيد السعداء مدة متطاولة مع التواضع الكامل والخلق الحسن وإكرام الوارد، وصنف مختصر الإحياء فأجاد فيه، وطار اسمه في الآفاق ورحل بسببه، ثم صنف تصانيف أخرى، وكانت له مقامات وأوراد، وله محبون معتقدون ومبغضون منتقدون، مات في رابع عشر شوال وجاوز السبعين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 محمد بن علي بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن حمزة، عز الدين ابن العلاء ابن البهاء بن العز بن التقي سليمان المقدسي الحنبلي، ولد سنة أربع وستين وسبعمائة، وعني بالعلم، وسمع على ست العرب بنت محمد ابن الفخر وغيرها، ومهر في الفقه والحديث، وأخذ عن ابن رجب وابن المحب، وكان يذاكر بأشياء حسنة وينظم الشعر، ولما توقف على عنوان الشرف لابن المقرئ أعجبه فسلك على طريقه نظماً حسب اقتراح صاحبه مجد الدين عليه فعمل قطعة أولها: أشار المجد مكتمل المعاني ... بأن أحذو على حذو اليماني وحفظ المقنع، وناب في القضاء عن صهره شمس الدين النابلسي، ثم استقل به، ثم عزل بابن عبادة فأكثر المجاورة بمكة، ثم ولي المنصب بعد موت ابن عبادة فلم تطل مدته، ومات عن قرب في ذي القعدة، ودرس بدار الحديث الأشرفية بالجبل، وكان ذكياً فصيحاً، وكان في آخر عمره عين الحنابلة. محمد بن محمد بن عبادة بن عبد الغني بن منصور الحراني الأصل الدمشقي الحنبلي شمس الدين، اشتغل كثيراً فمهر وصار عين أهل البلد في معرفة المكاتيب مع حسن خطه ومعرفته، وكان حسن الشكل بشوش الوجه حسن الملتقى، ثم ولي القضاء بعد اللنك مراراً بغير أهلية فلم تحمد سيرته، وكثرت في أيامه المناقلات في الأوقاف، وتأثل لذلك مالاً وعقاراً، وكان عرياً عن تعصب الحنابلة في العقيدة، مات في رجب وله سبع وخمسون سنة وقد غلب عليه الشيب. موسى بن علي بن محمد، المناوي ثم الحجازي الشيخ المشهور المعتقد، ولد سنة بضع وخمسين ونشأ بالقاهرة. وعنى بالعلم على مذهب مالك حفظ الموطأ وكتب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 ابن الحاجب الثلاثة وبرع في العربية، وحصل الوظائف ثم تزهد وطرح ما بيده من الوظائف بغير عوض وسكن الجبل وأعرض عن جميع أمور الدنيا، وصار يقتات بما ينبته الجبال، ولا يدخل البلد إلا يوم الجمعة ثم يمضي، ثم توجه إلى مكة سنة سبع وتسعين وسبعمائة فسكنها تارة والمدينة تارة على طريقته، ودخل اليمن في خلال ذلك، وساح في البراري كثيراً وكاشف وظهرت له كرامات كثيرة، ثم في الآخر أنس بالناس إلا أنه يعرض عليه المال الكثير فلا يقبله بل يأمر بتفرقته على من يعينه لهم ولا يلتمس منه شيئاً، وقد رأيته بمكة سنة خمس عشرة، وقد صار من كثرة التخلي ناشف الدماغ يخلط في كلامه كثيراً ولكنه في الأكثر واعي الذهن، ولا يقع في يده كتاب إلا كتب فيه ما يقع له سواء كان الكلام منتظماً أم لا، وربما كان حاله شبيه حال المجذوب، وكان يأخذ من بعض التجار شيئاً بثمن معين وينادي عليه بنفسه حتى يبيعه فيوفي صاحب الدين وينفق على نفسه البقية، ولم يكن في الغالب يقبل من أحد شيئاً، وكان يكاتب السلطان فمن دونه بالعبارة الخشنة والورع الزائد، مات في شهر رمضان، وقيل في شعبان. مهنا بن عبد الله، المكي، كان من كبار الصلحاء، مات بمكة. نعمان بن فخر بن يوسف، الحنفي شرف الدين، ولد سنة ثلاث وأربعين، وكان والده عالماً فأخذ عنه. قدم دمشق وجلس بالجامع بعد اللنك للأشغال ودرس في أماكن، وكان ماهراً في الفقه بارعاً في ذلك، مات في شعبان. يحيى البجيلي، أصله من بجيلة زهران من ضواحي مكة، فأقام بمكة يتعبد حتى اشتهر، ومات في هذه السنة. يوسف بن عبد الله، البوصيري نزيل القاهرة، أحد من يعتقده الناس من المجذوبين، مات في سادس عشري شوال، ويحكي بعض أهل القاهرة عنه كرامات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 سنة إحدى وعشرين وثمانمائة استهل العشر الثالث من المائة التاسعة والخلفية المعتضد داود، والسلطان الملك المؤيد شيخ، وملك اليمن الناصر أحمد بن الأشرف، وأمير مكة حسن بن عجلان، وأمير المدينة عزيز بن هيازع، وأمير بلاد قرمان محمد بك بن علي بك بن قرمان ومرقب وما معها كرسجى ابن عثمان، وملك الدشت وصراي أيدكي وملك تبريز وبغداد قرا يوسف، ونائبه ببغداد ابنه محمد، وملك فارس وخراسان وهراة وسمرقند شاه رخ ابن اللنك، وملك تونس وما معها من المغرب أبو فارس، وسلطان الأندلس ابن الأحمر وأمير تلمسان ... وأمير فاس.. وفي ثالث المحرم زوج السلطان أستاداره ببعض أمهات أولاده بعد أن أعتقها، فعمل لها مهما عظيماً ذبح فيه ثمانية وعشرين فرساً وغير ذلك، وكان إذ ذاك ابتدأ به المرض فلم ينتفع بنفسه. وفي أول هذه السنة ركب الطنبغا الجكمي نائب درندة على حسين بن كبك فتقنطرت به فرسه فقبض عليه وقتل، ونزل ابن كبك على ملطية فحاصرها، فبلغ السلطان ذلك فكتب إلى البلاد الشامية أن يخرجوا العساكر إلى قتال حسين بن كبك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 وفي يوم الرابع من المحرم صلى السلطان الجمعة بالجامع الطولوني فخطب به القاضي الشافعي وكان قد طلع ليخطب به في القلعة على العادة، فوجد السلطان قد ركب قبل الأذان لصلاة الجمعة فتبعه فدخل الجامع الطولوني فدخل قاعة الخطابة، فوجد خطيب الجامع وهو ولد ابن النقاش قد تهيأ ليخطب فتقدم هو وصعد المنبر، وحصل للخطيب بذلك قهر. وفي الثالث من جمادى الأولى قتل حسين بن كبك، وذلك أن تغرى بردى الجمكي هرب من المؤيد من كختا فأقام بملطية عند نائبها الأمير منكلي بغا، فسار حسين بن كبك إلى ملطية فحاصرها، فهرب تغري يردى إلى حسين بن كبك فأكرمه، ثم سار حسين إلى أرزنكان وتغرى بردى صحبته ليحاصر بزعمه صاحبها، فغدر تغري بردى بحسين وهما جالسان يشربان فضربه بسكين في فؤاده فمات، وهرب إلى ملطية ثم توجه منها إلى حلب، فجهزه نائبها إلى المؤيد وأعلمه بما صنع، فأكرمه وخلع عليه وأعطاه إقطاعاً وخيلاً، وأمر لأمراء أن يخلعوا عليه، فحصل له شيء كثير. وفي الخامس من المحرم توجه السلطان إلى وسيم فأقام هناك نحو العشرين يوماً، ثم رجع فنزل بالقصر الغربي بمنبابة وأمر الوالي أن يشعل البحر، فحصل من قشور النارنج والبيض ومن المسارج شيئاً كثيراً إلى الغاية، وعمرها بالزيت والفتائل، فأوقدها وأرسلها في الماء، ثم أطلق في غضون ذلك من النفط الكثير، فكانت ليلة عجيبة مر فيها من الهزل والسخف ما لا عهد للمصريين بمثله، وكان الجمع في الجانبين من الناس المتفرجين متوفراً وفي البحر من المراكب جمع جم. وفي سادس عشري المحرم قبض على بيبغا المظفري أمير سلاح واعتقل بالإسكندرية، وذلك أن بعض الناس وشى به إلى السلطان فتخيل منه فقبض عليه. وفي الثامن والعشرين من المحرم نودي بالقاهرة أن كل غريب يرجع إلى وطنه! فاضطربت الأعاجم وسعوا في منعه إلى أن سكن الحال واستقروا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 وفي رابع صفر وسط قرقماس نائب كختا في جماعة خارج باب النصر، وكانوا ممن أحضر صحبة السلطان في الحديد. وفي سادس صفر عاد السلطان أستاداره في مرضه فقدم له خمسة آلاف دينار، وتوجه من بيته إلى بيت ناظر الخاص فقدم له ثلاثة آلاف دينار. وفي هذه الشهر شرع السلطان في تنقيص سعر الذهب فنودي عليه في عاشر صفر أن يكون الهرجة بمائتين وثلاثين والأفلوري بمائتين وعشرين وأن تحط الفضة المؤيدية فتصير بسبعة دراهم كل نصف، فماج الناس وكثر اضطرابهم، فلم يلتفت إليهم وأستمر الحال، ثم أمر الوالي وهو المحتسب أن يطلب الباعة وتحط أسعار المبيعات بقدر ما انحط من سعر الفضة والذهب. وفي نصف ربيع الأول جمع الوالي الباعة وأصعدهم إلى القلعة فقرر معهم جقمق الدويدار أن يكون الدرهم المؤيدي هو المتعامل به دون الذهب والفلوس ويكون النقد الرائج. وأن لا يأخذ التاجر في كل مائة ليشتري بها شيئاً ويبيعه عن قرب إلى درهمين، وطل من يومئذ النداء في الأسواق بالدراهم من الفلوس وصار النداء بالدراهم بالفضة المؤيدية. وفي أول صفر عاد السلطان الأمير الكبير من مرض وقع له. ثم رجع إلى بيت جقمق الدويدار فأقام به إلى آخر النهار. وفي شهر ربيع الأول قدم علاء الدين محمد الكيلاني الشافعي من بلاد المشرق فزار الإمام الشافعي ثم رجع فاجتمع بالسلطان، وكان قد وصف بفضل زائد وعلم واسع، فلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 يظهر لذلك نتيجة ولم يظهر له معرفة إلا بشيء يسير من الطب، فكسد سوقه بعد أن نفق وتولى ناكصاً خاملاً. وفي رابع عشره انتقض ألم السلطان برجله. وفي هذا الشهر كاتب أهل طرابلس السلطان في سوء سيرة عاملهم وهو برد بك الخليلي وتجاوزه الحد في الظلم وترك امتثال مراسيم السلطان، فأرسل يطلبه، ومنعه أهل طرابلس من الدخول وكان قد خرج للصيد، فأرسل يطلبه، فقدم القاهرة في آخر ربيع الأول، فقرر في نيابة صفد بعد أن قدم مالاً جزيلاً بعناية زوج ابنته جقمق الدويدار. وفيه قام أهل المحلة على وإليها ورجموه بسبب مبالغته في طلب الفلوس، ونزح كثير منهم إلى القاهرة، ووصل الذهب عندهم إلى سعر مائتين وتسعين من غير هذا الفلوس، واشتد الأمر في طلبها. وفيه تنكر السلطان على القاضي جلال الدين البلقيني بسبب كثرة النواب، فبادر البلقيني فعزل من نوابه ستة عشر نفساً، ثم أمر بالتخفيف منهم فعزل منه أيضاً أربعين نفساً، ولم يتأخر منهم سوى أربعة عشر نائباً، ووقعت لأحد النواب الذين بقوا وهو سراج الدين الحمصي كائنه في حكم حكم به وعقد له مجلس فنقض حكمه وتغيب، والسبب فيه أن القمنى أراد ارتجاع بستان المحلى الذي بالقرب من الآثار فرتب الأمر مع كاتب السر والقاضي علاء الدين ابن مغلى وكان صديقه، فلما حضر القضاة وأهل الفتيا ظهر للسلطان التعصب فسألني عن القضية وقال: أنت تعرف الحال أكثر من هؤلاء؟ فذكرت له جلية الأمر باختصار، فبادر الحنفي ابن الديري وحكم بنقض حكم الحمصي، ثم قدم شمس الدين الهروي من القدس فأكرمه السلطان وأنكر على بعض القضاة عدم ملاقاته وشكر من لاقاه وسلم عليه، فانثالت عليه الهدايا والتقادم وأجريت له رواتب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 وفي ربيع الأول مات الشريف علي نقيب الأشراف، فاستقر بعده في النيابة ولده حسن، وفي نظر الأشراف فخر الدين الأستادار وكان أبل من مرضه. وفيه وقع بالغربية مطر عظيم وفيه برد كبار زنة الحبة منه مائة درهم تلفت منه زروع كثيرة آن حصادها حتى أن مارسا فيه ثمانمائة فدان تلف عن آخره ومات أغنام كثيرة بوقوعه عليها. وفيه أفرج عن سودون الاسندمري من سجن الإسكندرية. وفي الثاني من جمادى الأولى فقبض على أرغون شاه الوزير وسلم للأستادار. وكذلك آقبغا شيطان الوالي، فتتبع حواشيهما وأسبابهما، واستقر علي بن محمد بن الطبلاوي في ولاية القاهرة عوضاً عن أقبغا ومحمد بن يعقوب الشامي في الحسبة عوضاً عنه وبدر الدين ابن محب الدين في الوزارة عوضاً عن أرغون شاه، وأفرج عن أرغون شاه في عاشر جمادى الأولى، ثم خلع عليه أمير التركمان فسار في جمادى الأول. فلما كان يوم الأحد سابع عشري جمادى الأولى منع القاضي جلال الدين من الحكم بسبب شكوى جماعة للسلطان لما نزل إلى الجامع بباب زويلة من ابن عمه شهاب الدين العجمي قاضي المحلة وذلك في يوم السبت سادس عشريه فشغر المنصب يوم الأحد والاثنين، فلما كان يوم الثلاثاء استقر شمس الدين الهروي في قضاء الشافعية بالقاهرة ونزل معه جقمق الدويدار وجماعة من الأمراء والقضاة وحكم بالصالحية على العادة. وكان الهروي قد قدم قبل ذلك في آخر ربيع الأول، فبالغ العجم في التعصب له، وتلقاه بعضهم من بلبيس وبعضهم من سرياقوس، ونزل أولا بتربة الظاهر على قاعدة الأمراء، ثم طلع إلى القلعة صباحاً وسلم على السلطان يوم الأحد مستهل ربيع الآخر. ولما استقرت قدم الهروي في القضاء راسل البلقيني يطلب منه المال الذي تحت يده من وقف الحرمين فامتنع، وكان أستأذن السلطان صبيحة عزله هل يدفع المال للهروي أم لا! فأمر له أن يتركه تحت يده، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 وكان البلقيني لما استقرت قدمه بعد سفر الإخناي إلى الشام في سنة ثمان وثمانمائة قد ضبط مال الحرمين وجعله في موضع من داره فتأخر في هذه المدة نحو خمسة آلاف دينار، فصعب على الهروي منعه من التصرف في ذلك، وظهر لمن اطلع على ذلك من حواشي السلطان أنه غير مؤتمن عند السلطان وإنما أراد بولايته نكاية البلقيني. وفي العشرين من جمادى الآخرة عرض الهروي الشهود وأقرهم، ولم يستنب سوى عشرة، ثم زاد عددهم قليلاً قليلاً إلى أن بلغوا عشرين، واستمر يركب بهيئته بلبس العجم ولم يخطب بالسلطان على العادة واعتذر بعجمة لسانه، فاستناب عنه ابن تمرية وكان يخطب بمدرسة حسن فوصفه الأمير ططر للسلطان، فأذن له في النيابة عن الهروي، وباشر الهروي القضاء بصرامة شديدة وإعجاب شديد زائد، ثم مد يده إلى تحصيل الأموال فأرسل رجلاً من أهل غزة يقال له نصف الدنيا إلى الصعيد ومعه مراسيم بعلاماته وقرر على كل قاض شيئاً، فمن بذله كتب له مرسومه ومن امتنع استبدل به غيره، فكثر فحش القول فيه، ثم فوض إلى الأعاجم مثل العينتابي وابن التباني ويحيى السيرامي وشمس الدين الفرياني الذي عمل قاضي العسكر قضاء بلاد اختاروها، فاستنابوا فيها وقرروا على النواب أن يعملوا لهم شيئاً معيناً. وأرسل إلى الوجه البحري آخر على تلك الصورة، ثم تصدى للأوقاف سواء كانت مما يشمله نظره أم لا ففرض على من هي بيده شيئاً معلوماً وصار يطلب من الناظر كتاب الوقف فيحضره له فيحبسه حتى يحضر له ما يريد، فترك كثير منهم كتب أوقافهم عنده حتى عزل فاستخلصوها. وفي أول هذه السنة حاصر إبراهيم بن رمضان طرسوس واستمر محاصراً لها أربعة أشهر وأكثر، فكاتب نائبها شاهين الأيدكاري السلطان يستنجده ويعلمه بأنه بلغه أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 محمد بن قرمان عزم على التوجه إلى طرسوس، فلما كان في الخامس عشر من شهر رجب نازل محمد بن قرمان طرسوس، فانتمى إبراهيم بن رمضان المذكور، فبلغ ذلك السلطان فأرسل إلى حموة بن إبراهيم المذكور يقرره في مكان أبيه في نيابة أذنة ويحرض نائب حلب على اللحاق بشاهين الأيدكاري بطرسوس، ووقع بين أهل طرسوس وابن قرمان حرب شديد، فاتفق أن ثار بمحمد بن قرمان وجع باطنه فاشتد عليه، فرحل عنها في سابع شعبان. وفيها تواقع على بن دلغادر وأخوه محمد فانتصر وانهزم علي، فأدركه يشبك نائب حلب فأضافه محمد وقدم له وحلف له على طاعة السلطان. وفيها أوقع تنبك نائب الشام يعرب آل علي قريباً من حمص، فنهب منهم ألف جمل وخمسمائة جمل، فباع الرديء منها وجهز البقية وهي ألف وثلاثمائة إلى السلطان. وفيها استنجد نائب ملطية السلطان فكتب إلى نائب طرابلس أنه يتوجه بعسكرها بحدة له، وأرسل مالاً كثيراً يعمر به خاناً وقيسارية وطاحوناً وزاوية ويوقف ذلك عليها. وجملة المال أربعون ألف دينار. وفي ثاني عشر جمادى الآخرة قرر شهاب الدين أحمد الأموي في قضاء دمشق عوضاً عن عيسى المغربي المالكي. وفي سادس عشرة ضرب عنق المقدم على بن الفقيه أحد المقدمين بالدولة بعد أن ثبت عنه ما يوجب إراقة دمه. وفي جمادى الأولى أوقع سودون القاضي كاشف الوجه القبلي بعرب بني فزازة ونهب أموالهم وقتل منهم خلقاً كثيراً، فهرب من نجا منهم إلى البحرية، فتلقاهم دمرداش نائب الكشف بالوجه البحري فاستأصلهم ونهب أموالهم فانحسم أمرهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 وفيه سجن جار قطلي نائب حماة بالإسكندرية. وفيه توجه الأستادار فخر الدين إلى الوجه القبلي وختم بالجيزة، وسار في طوائف كثيرة من العربان والمماليك، وشرع في تتبع العربان المفسدين، فلما انتهى إلى هوارة فروا منه فتتبعهم إلى قرب أسوان فقاتلوه، فقتل منهم نحو المائتين، وانهزم البقية إلى جهة ألواح الداخلة. وفيها في جمادى الأولى نفل شاهين الزرد لحاش من الحجوبية بدمشق إلى نيابة حماه ونقل بلبان من نيابة حماه إلى الحجوبية بدمشق. وفيه خلع على علي بن أبي بكر الجرمي أمير جرم، واستقر على عادته. زفيه جهز السلطان إلى نائب الكرك نواب القدس والرملة وغزة ليجتمعوا معه على كبس بني عقبة، وأسر إلى نائب غزة أن يقبض على نائب الكرك، وكان السلطان غضب عليه لكونه لم يخرج لملاقاته حين عاد من بلاد الروم، فقبضوا عليه في جمادى الآخرة وحمل إلى دمشق فسجن بها. وفي الثالث والعشرين من ربيع الآخر استقر برسباي الدقماقي أحد مقدمي الألوف بالقاهرة في نيابة طرابلس عوضاً عن بردبك نقلاً من كشف التراب، ونقل بردبك إلى نيابة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 صفد، وأعطى فخر الدين الأستادار إقطاع برسباي، وأعطى بدر الدين الوزير إقطاع فخر الدين، ثم اعتقل برسباي بقلعة المرقب في شعبان كما سيأتي، وهو الذي آل أمره إلى استقراره في السلطنة بعد خمس سنين. وفي هذه الشهر كتب محضر المئذنة المقدم ذكرها وهدمت، وأغلق باب زويلة بسبب ذلك ثلاثين يوماً، ولم يقع منذ بنيت القاهرة مثل ذلك. وفي جمادى الأولى تحرك عزم السلطان على الحج، وقويت همته في ذلك، وكتب إلى جميع البلاد بذلك وأمرهم بتجهيز ما يحتاج، وعرض المماليك الذين بالطباق وغيرهم من يسافر معه للحج وأخرج الهجن، فجهز جملة من الغلال في البحر إلى ينبع وجدة، وركب إلى بركة الجيش، فعرض الهجن في شعبان. ثم ركب إلى قبة النصر ومر في شارع القاهرة وبين يديه الهجن وعليها الحلل والحلي، وجد في ذلك واجتهد إلى أن بلغه عن قرا يوسف ما أزعجه. ففترت همته عن الحج ورجع إلى التدبير فيما يرد قرا يوسف عن البلاد الشامية وأمر بالتجهيز إلى الغزاة. وأرسل في ثاني رمضان بتتبع الغلال المجهزة إلى الحج وكان ما سنذكره إن شاء الله قريباً. وفي حادي عشر جمادى الأولى ولد للسلطان ولد اسمه موسى، فأرسل مرجان الخازندار مبشراً به إلى البلاد الشامية، فكان في حركته سبب عزل القاضي نجم الدين ابن حجي قاضي الشافعية بدمشق، وذلك أنه وصل إلى دمشق فأعطاه كل رئيس ما جرت به العادة ولم ينصفه القاضي الشافعي فيما زعم، فلما رجع في شعبان أغرى السلطان به ونقل له عن النائب أنه يشكو من القاضي الشافعي المذكور وأنه سأله في حكومة، فغضب بسببها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 وبادر بعزل نفسه، فلما تحقق السلطان ذلك غضب عليه لكونه بادر بعزل نفسه بغير استئذان، وكتب إلى النائب بحبسه بالقلعة، واستمرت دمشق شاغرة عن قاض إلى أوائل شوال، فاستعطف السلطان عليه حتى رضي عنه وأعاده، ومات موسى بن السلطان المذكور في ليلة شوال. وفي سادس عشر جمادى الأولى دخل السلطان المارستان المنصوري وصلى في محراب المدرسة أولاً ركعتين. وكان الشيخ نصر الله أخبره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم جالساً في المحراب المذكور والسلطان قدامه يقرأ عليه سورة والضحى. ثم دخل إلى المرضى فتفقد أحوالهم، ثم إلى المجانين فقام ذلك اشخص الذي تقدم في سنة تسع عشرة وثمانمائة أنه ادعى أنه يرى الله عز وجل في اليقظة وثبت عند المالكي أنه مختل العقل فسجن بالمارستان، فكلم السلطان لما رآه وسأله أن يفرج عنه فلم يجبه. وكان السلطان فوض أمر الأوقاف إلى مسعود الكجحاوي الذي تقدم ذكره في أخبار تمر لنك فكان من جملة أعوان الهروي ثم وقع ما بينهما وصار الهروي يؤلب عليه ويذكر معايبه وتصادق مع ابن الديري عليه، ثم دس الهروي إلى أحمد الحنبكي ورقة يذكر فيها أنه ثبت في جهة البلقيني لجهة الأوقاف والأيتام مائة ألف دينار، فعرضها أحمد على السلطان وشنع على البلقيني، فاستعظم السلطان ذلك وبحث عن القضية إلى أن تحقق أنها من اختلاق الهروي فأعرض عن ذلك. وفي الثالث من جمادى الأولى قدم طائفة من أهل الخلي يشكوا إلى السلطان من الهروي وأنه أعطى بعضهم بيضاً وألزمه بعدده دجاجاً، فأرسلهم السلطان وأمره أن يخرج لهم مما يلزمه، فلم يصنع شيئاً وتمادى على غيه، فأغضى السلطان عنه ولزم فيه غلطه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 وفي أول شعبان وجد السلطان في مجلسه ورقة فيها شعر وهو: يا أيها الملك المؤيد دعة ... من مخلص في حبه لك ينصح انظر لحال الشافعية نظرة ... فالقاضيان كلاهما لا يصلح هذا أقاربه عقارب وابنه ... وأخ وصهر فعلهم مستقبح غطوا محاسنه بقبح صنيعهم ... ومتى دعاهم للهدى لا يفلح وأخو هراة بسيرة اللنك اقتدى ... فله سهام في الجوارح نجرح لا درسه يقرأ ولا أحكامه ... تدري ولا حين الخطابة يفصح فافرج هموم المسلمين بثالث ... فعسى فساد منهم يستصلح فعرضها السلطان على الجلساء من الفقهاء الذين يحضرون عنده فلم يعرفوا كاتبها وطارت الأبيات، فأما الهروي فلم ينزعج من ذلك، وأما البلقيني فقام وقعد وأطال البحث والتنقيب عن ناظمها، فتقسمت الظنون واتهم شعبان الأثاري وكان مقيماً بالقاهرة وتقي الدين ابن حجة وشخص ينظم الشعر من جهة بهاء الدين المناوي أحد نواب الشافعي وغيرهم وكانت هذه الأبيات ابتدأ سقوط الهروي من عين السلطان وكانت قد أعجبت السلطان حتى صار يحفظ أكثرها ويكرر قوله: أقاربه عقارب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 فلما كان في رمضان قرئ البخاري بالقلعة على العادة فحضر الهروي وقد اختلق لنفسه أسناداً ليقرأ عليه به صحيح البخاري وأرسل إلى القارئ وهو شمس الدين الجبتي فتناوله منه وهو من أهل الفن فعرف فساده فاقتضى رأيه أن جامله، فلما ابتدأ بالقراءة قال بعد أن بسمل وحمدل وصلى ودعا: وبالسند إلى البخاري، فاستحسن ذلك منه، وخفي على الهروي قصده وظن أنه نسي الورقة، وتمادى الحضور والسلطان تارة يحضر وتارة لا يحضر إلى أن افتقد القاضي الحنبلي فسأل عن سبب تأخره، فعرفه كاتب السر أنه يزدري الهروي ويسلبه عن العلم ولا سيما الحديث، فأذن السلطان للبلقيني في حضور مجلس الحديث، فحضر وجلس بجانب الهروي، فلما بلغ ذلك القاضي الحنبلي حضر أيضاً وتجاذبا البحث، وحضر مع البلقيني كثير من أقاربه ومحبيه فصار يركب في موكب أعظم من الهروي، وتحامى كثير من النواب الركوب مع الهروي خوفاً من البلقيني ومما يقاسونه من السب الصريح من أتباعه، فتقدم الهروي إلى النواب والموقعين بأن لمن لم يكب معه فهو ممنوع، فتحامى كثير من الناس النيابة عنه وأصر آخرون، فوقع لواحد منهم يقال له عز الدين محمد ابن عبد السلام المنوفي بحث مع البلقيني فسطا عليه وسأل المالكي أن يحكم فيه، فاستدعى به إلى بيته وحكم بتعزيره، فعزر ومنع عن الحكم، ثم وقع لآخر منهم يقال له شهاب الدين السيرجي فأرسل البلقيني يطلبه إلى بيته، فامتنع منه واعتصم بالهروي، ثم حضر الختم فلم يحضر البلقيني وخلع على الهروي وعلى بقية القضاة، فامتنع الديري من ليس خلعته لكونها دون خلعة الهروي، فاسترضى فرضي. فلما كان في التاسع عشر من ذي الحجة حضر السلطان في خاصته في جامعه بباب زويلة واجتمع عنده القضاة، فتنافس كل من القاضيين الهروي والديري وخرجا عن الحد في السباب والفحش في القول، ثم سكن السلطان ما بينهما فسكن. وكان السبب في ذلك أنهما اجتمعا للسلام على السلطان بعد رجوعه من الوجه البحري فتباحثا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 في شيء. فنقل الهروي نقلاً باطلاً وعزاه لتفسير الثعلبي، فاستشهد الديري بمن حضر على ذلك وجمع التفاسير وأحضرها ليطلع بها إلى القلعة، فاتفق حضور السلطان بالجامع فأعاد البحث، فأخرج النقل بخلاف ما قال الهروي فجحد، فاستشهد عليه من حضر فلم يشهد أحد، فسأل السلطان من الفقير إلى الله تعالى كاتبه ومن القاضي المالكي عن حقيقة ذلك، فأخبراه بصدق ابن الديري، ثم أخرج ابن الديري عدة فتاوى بخط الهروي كلها خطأ، فجحد أن يكون خطه، فحلف الديري بالطلاق الثلاث أن بعضها خطه وانفصل المجلس على أقبح ما يكون. وفي ثالث جمادى الآخرة وشى إلى السلطان بالأمير جقمق الدويدار أنه مخامر على السلطان وأنه يكاتب قرا يوسف منذ كان السلطان بكختا، وكان الواشي بذلك رجلاً يقال له ابن الدربندي، وكان قد اتصل بالسلطان من الطريق فجهزه إلى الحج بحسب سؤاله، فلما رجع ادعى بأنه ينصح السلطان وأن جقمق استدعاه ليرسله برسالة إلى قرا يوسف جواباً عن كتاب حضر، فأعلم السلطان جقمق بذلك ولم يسم له الناقل، فقلق قلقاً عظيماً وكاد أن يموت غماً، واستعطف السلطان حتى أعلمه بالناقل، فطلبه منه فسلمه له، فعاقبه فاعترف بأنه كذب عليه بتسليط بعض الأمراء عليه، وأحضر من بيته وتداً مجوفاً بالحديد من رأسه في طيه كتاب رق لطيف مكتوب بالفارسية بماء الذهب جواباً عن الأمير جقمق لقرا يوسف، وطلب جقمق الخراطين وأراهم الوتد فعرفه بعضهم وقال: نعم، أنا خرطت هذا لشخص أعجمي ولم يعطني أجرته إلى الآن، فأحضر المذكور فعرفه، ثم تتبعوا من يكتب بالعجمي، واتهموا الشيخ نصر الله إلى أن ظهرت براءة ساحته، وغمز على أعجمي كان ينزل في مدرسة العتباني، ثم مرض فحمل إلى المارستان فهدد، اعترف أن الكتاب خطه وأن ابن الدربندي هو الذي أملأه عليه وادعى ابن الدربندي أن الذي ألجأه إلى ذلك الأمير الطنبغا الصغير بغضاً منه في جقمق، فغرق الدربندي في النيل، ونفي الشخص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 الذي استعمل الوتد إلى قوص، ومات الكاتب عن قرب بالمارستان، وبرئت ساحة جقمق عند السلطان ولم يتغير ما بينه وبين الطنبغا الصغير لتحققه كذب ابن الدربندي. واشتد غضب جقمق من طائفة العجم، فرسم عن إذن السلطان بتسييرهم إلى بلادهم، وشدد في ذلك حتى ألزم من بالخوانق وبالمدارس بالسفر فضجوا وتعصب لهم الهروي وغيره، ولم يزالوا يستعطفون السلطان إلى أن أهمل أمرهم. وفي ثامن جمادى الآخرة قدم فخر الدين الأستادار من الصعيد وصحبته عشرون ألف رأس من الغنم سوى ما تلف وألف وثلاثمائة رأس رقيق وثلاثة آلاف رأس بقر وتسعة آلاف رأس جاموسة ومن القند والعسل شيء كثير جداً، فقوم عليه جميع ذلك بمائة ألف دينار والتزم بالقيام بها، ثم بعد مجيئه من الصعيد خلفته هوارة في ألف فارس وألفي راجل فكبسوا على سودون القاضي الكاشف، وكان عنده حينئذ ينال الأزعري أحد مقدمي الألوف فتواقعوا، فبلغ ذلك السلطان فأرسل نجدة عظيمة فيها جقمق الدويدار وططر رأس نوبة والطنبغا المرقبي وقطلوبغا التنمي في جمع كثير، فتوجهوا فوجدوا الأميرين قد انتصرا وقد قتل منهم جماعة، وكانت الدائرة على هوارة فانهزموا، وحمل منهم عشرون رأساً إلى القاهرة. ثم وصل الأمراء فتتبعوا هوارة إلى أن أوقعوا بهم أيضاً، فقتلوا منه نحو الخمسين وهرب باقيهم إلى الواحات الداخلة وتركوا حريمهم وأموالهم، فغنموا منهم شيئاً كثيراً، وقدموا القاهرة في ثامن شعبان وصحبتهم ألفا جمل واثنا عشر ألف رأس غنم سوى ما تلف وسوى ما توزعه الأمراء وأتباعهم، وجهز أزدمر الظاهري أحد المقدمين في عدة من العسكر للإقامة ببلد الصعيد بسبب العربان المفسدين. وفيها مات إبراهيم ابن الدربندي صاحب بلاد الدشت، فتوجه قرا يوسف في ستة آلاف فارس إلى شماخي، فواقعه ابن إبراهيم في عساكر الدشت فهزمه وقتل منهم ناس كثير، وتوجه ابن تمر لنك إلى جهة تبريز لمحاربة قرا يوسف، فاشتغل قرا يوسف بما دهمه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 من ذلك، فمشى قرا يلك إلى ماردين وهي من بلاد قرا يوسف، فكسر عسكرها وقتل منهم نحواً من سبعين نفساً، واخذ من بلادها ثماني قلاع ومدينتين، وحول أهل اثنتين وعشرين قرية بأموالهم وعيالهم ليسكنهم ببلاده، واستمر على حصار ماردين، فلما بلغ ذلك قرا يوسف انزعج منه وسار، ففر منه إلى آمد فتبعه ونازله بها، فانهزم منه إلى قلعة نجم وأرسل إلى نائب حلب ليستأذنه في الدخول إليها، فاشتد الأمر عنه على أهل حلب خوفاً من عسكر قرا يوسف وتهيأوا للخروج منها، وأرسل نائب حلب كتابه وكتاب قرا يلك بما اتفق من قرا يوسف. وفيه أن قرا يوسف كبس قرا يلك بعد أن عدا الفرات ووصل إلى نهر المرزبان، فهجموا عليه من سميساط، فوقعت بينهم مقتلة بمرج دابق في ثاني عشر شعبان، فانهزم قرا يلك ونهبت أمواله، ونجا في ألف فارس إلى حلب، فأذن له نائبها في دخولها، فرحل أكثر أهل حلب عنها، وبلغ ذلك أهل حماة فنزحوا عنها حتى ترك كثير من الناس حوانيتهم مفتحة فم يمهلوا لقفها، فلما قرئ ذلك على السلطان انزعج وانثنى عزمه عن الحج وأمر بالتجهز إلى الشام وكتب إلى العساكر الإسلامية بالمسير إلى حلب، وكان دخول الخبر بذلك يوم الاثنين ثالث شعبان بعد المغرب على يد بردبك نائب عينتاب، وذكر أن ولد قرا يوسف وصل إلى عينتاب فرمى فيها النار فهرب النائب منها، وأن السبب في ذلك تحريض يشبك الدويدار الذي كان أمير الحاج، وهرب من المدينة فيقال إنه اتصل بقرا يوسف وأغراه على أخذ الممالك الشامية، ثم ظهر أن ذلك ليس بحق كما سيأتي، وجمع الأمراء والخليفة والقضاة ليتشاورا في هذه القضية، فلما اجتمعوا سألهم عن البلقيني وكان قد أمرهم بأن يحضر، فعرب بأنه لم يبلغ ذلك فانزعج على بدر الدين العيني لكونه كان رسوله، واستمر ينتظره إلى أن حضر، فلما حضر عظمه، فقص عليهم قصة قرا يوسف وما حصل لأهل حلب من الخوف والجزع وجفلتهم هم وأهل حماة حتى بلغ ثمن الحمار خمسمائة درهم والأكديش خمسين ديناراً، ثم ذكر لهم سوء سيرة قرا يوسف وأن عنده أربع زوجات فإذا طلق واحدة رفعها إلى قصر له وتزوج غيرها حتى بلغت عدة من في ذلك القصر أربعين امرأة يسميهن السراري ويطأهن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 كما يطأ السراري بملك اليمين، ثم اتفق الحال على كتابة فتوى تتضمن سوء سيرته فصورت وكتبت، وكتب عليها البلقيني ومن حضر المجلس، تتضمن جواز قتاله، وأعجب السلطان ما كتبه الحنبلي فأمر أن ينسخ ويقرأ على الناس، وانصرفوا ومعهم مقبل الدويدار الثاني والخليفة والقضاة، فنادوا في القاهرة بأن قرا يوسف طرق البلاد الشامية وأنه يستحل الدماء والفروج والأموال ويخرب الديار فالجهاد جهاد! ولا أحد يتأخر أحد عن المساعدة بنفسه وماله! فذهل الناس عند سماع هذا النداء ودهاهم ما كانوا عنه غافلين واشتد القلق جداً، وكتب إلى نائب الشام أن ينادي بمثل ذلك وفي كل مدينة، ويضيف إلى ذلك أن السلطان واصل بعساكره، ثم نودي في أجناد الحلقة بأن يتجهزوا للسفر، ومن تأخر منهم صنع به كذا وكذا! فاشتد الأمر عليهم واستمر عزمهم، وخيروا بين المشي في خدمة الأمراء وبين الاستمرار في أجناد الحلقة، وكان السبب في ذلك أن كثير من أجناد الحلقة يخدم في بيوت الأمراء، فلذلك قلت العساكر المصرية بعد كثرتها لأن العسكر كان قبل الدولة الظاهرية ثلاث أقسام: الأول مماليك السلطان، وهم على ضربين: مستخدمين ومملوكين، ولكل منهم جوامك وراتب على السلطان، القسم الثاني مماليك الأمراء، وهم على ضربين أيضاً كذلك، ومن شرط المستخدمين هنا وهناك أن لا يكونوا من القسم الثالث وهم أجناد الحلقة، وهم عبارة عمن له إقطاع بالبلاد يستغله، فلما كثر استخدام السلطان والأمراء من أجناد الحلقة اتحد أكثر الجند فقل العدد بذلك، فأراد السلطان أن يردهم إلى عادتهم الأولى فشدد في ذلك، ومع ذلك فلم يبلغ الغرض ولا كاد لتواطي، المباشرين في ذك على أخذ الرشوة والله المستعان. وأما قرا يلك فإنه بعد أن التجأ إلى حلب ركب معه يشبك الشيخي نائب حلب وعسكر بالميدان ثم توجه قرا يلك ومعه العسكر. فبلغه أن طائفة من عسكر قرا يوسف قد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 قربت من البلاد، فركب قبل الصبح فأوقع بالمقدمة فهزمها. واستفهم من بعض من أسره فأعلمه أن قرا يوسف بعينتاب وأنه أرسل هؤلاء ليكشفوا الأخبار، ثم وردت كتب قرا يوسف إلى نائب حلب وإلى السلطان يعتذر من دخوله إلى عينتاب ويعاتب على إيواء عدوه قرا يلك ويعلم السلطان بأنه باق على مودته ومحبته وأنه لا يطرق بلاده، وأن قرا يلك بدأه بالشر وأفسد في ماردين وغيرها، وحلف في كتابه أنه لم يقصد بلاد السلطان ولا دخول الشام وإنما تقدمه إليه الطائفة الملتجئة من عساكر صاحب مصر، وجهز السلطان لنائب حلب خلعة وضمن كتابه شكره على ما صنع بحلب، وكان الأمر كله على ما ذكره، فإن قرا يوسف أفحش السيرة في ماردين وأسرف في القتل والسبي حتى باع الأولاد والنساء وأحرق المدينة حتى وصل ثمن صغير منهم إلى درهمين، فلما تحقق السلطان ذلك فتر عزمه عن السفر، ولما طرق قرا يوسف عينتاب هجم عليها عسكره فنهبوها وأحرقوا أسواقها، فاجتمع أهلها وصالحوه على مائة ألف درهم وأربعين فرساً، فرحل عنها إلى جهة البيرة في طلب قرا يلك فحصر البيرة فقاتلوه أهلها يومين، فهجم البلد وأحرق الأسواق وامتنع أهلها منه بقلعتها، ثم رحل في تاسع عشر رمضان إلى بلاده، وكاتب السلطان أيضاً يذم قرا يلك ويذم سيرة قرا يلك ويحذره من عواقب صداقته وما أشبه ذلك، وعوقب قرا يوسف على ما صنعه بأهل عينتاب والبيرة، فمات ولده شاه بصق وكان هو السلطان والمشار في دولة والده، فحزن عليه جداً، وكانت وفاته بقرب ماردين. وفي هذه الحركة ابتدأ أمر الهروي في الانحلال، فأخبرني المحتسب بدر الدين العيني أن السلطان لما انزعج من قصة قرا يوسف وشكا إلى خواصه صورة الحال وأن عنده من الأموال ما يكفي تفرقته على العسكر إلا أنه يخشى إن فرقه أن يحصل له كسره مثلاً فيرجع إلى غير شيء فيفسد الحال، وكان الحزم عنده أن يكون وراءه بعد التفرقة ذخيرة لأمر إن تم، وكرر ذلك في مجالسه، واستشار من يجتمع به في ذلك حتى صرح بأنه يريد أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 يجمع مالاً يفرقه على العساكر ويترك الذي عنده عاقبة ولو أن الذي يجمعه يكون قرضاً، فبلغ ذلك الهروي فقال لأحمد الجنكي: لو أراد السلطان أن أجهز له عشرة آلاف لابس من غير أن يخرج من خزانته دينارً ولا درهماً من غير أن أظلم أحداً من الرعايا فأنا أقدر على ذلك، فسئل عن الكيفية، فقال: يسلم لي ستة أنفس: ولدي ابن الكويز وابن البارزي وعبد الباسط وابن نصر الله وابن أبي الفرج، فبلغ ذلك أحمد الجنكي للسلطان فبثها في خواصه فبلغت المذكورين، فاتفقت كلمتهم على نكب الهروي ونسبته إلى كل بلية وأنه لم يكن قط عالماً ولا ينسبوه لعلم ولا ولي القضاء قط وما وظيفته إلا استخلاص المال وشد الديوان ونحو ذلك، فبالغوا في تقرير ذلك في ذهن السلطان، واستعان كل واحد منهم بفريق وأعانوه على ذلك حتى سقط من عين السلطان، وذكر لهم السلطان بأنه كان قال له وهو متوجه إلى قتال قانباي إن أردت المال فخذه من ابن المزلق وابن مبارك شاه وسمي غيرهما من المنسوبين إلى المال من أهل دمشق، فأكد ذلك عند السلطان تصديق ما ينسب من محبة الظلم، وكان ذلك سبباً في إطراحه. وفي حال دخول قرا يوسف البلاد الحلبية فر منه كثير من التركمان الأوشرية وغيرهم فنزلوا على صافيتا من عمر طرابلس فافسدوا في تلك البلاد على عادتهم، فأرسل م برسباي نائب طرابلس ينهاهم عن الفساد. ثم صحت الأخبار برحيل قرا يوسف فراسلهم برسباي في الرحيل إلى بلادهم، فأجابوا إلى ذلك وتجهزوا، فكبس عليهم على غرة منهم في أواخر شعبان، فقتل منهم مقتلة عظيمة قتل فيها ثلاثة عشر نفساً من عسكر طرابلس منهم سودون الأسندمري وانهزم برسباي، وقد أفحش التركمان في سلب الطرابلسيين حتى رجعوا عراة، فلما بلغ ذلك السلطان غضب وأمر باعتقال برسباي بقلعة المرقب، ثم أفرج عنه بسعي ططر وكان من إخوته ونقله إلى دمشق ثم أعطاه تقدمة بها، فاستمر فيها إلى أن كان عاقبة أمره أن تولى السلطنة بعد هذا، واستبد بالأمر كله بعد ثلاث سنين، وجهز سودون القاضي إلى طرابلس أميراً عليها عوضاً عنه، فسافر في شوال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 ولما وصل قرا يوسف في رجوعه إلى ماردين مات ابنه الأصغر، فيقال إنه من شدة حزنه عليه قال كلاماً شنيعاً وسيأتي بيانه في حوادث سنة ثلاث وعشرين إن شاء الله. ولما رجع قرا يوسف إلى تبريز غضب على ولده إسكندر واعتقله، وأرسل إلى ولده الأكبر محمد شاه صاحب بغداد، وكان عصى عليه فصالحه. وفي شوال قدم صريغاً دويدار يشبك نائب حلب وصحبته شهاب الدين أحمد بن صالح بن محمد بن السفاح كاتب سر حلب باستدعاء السلطان لهما بشكوى النائب، فوقفا بحضرة السلطان وتنصلا مما نسب ما شكيا من النائب بإضعاف ما شكى منهما، فأمر صربغا بالاستقرار على وظيفته وسفر إلى حلب، واستعفى ابن السفاح من العود خوفاً على نفسه فأعفي، واستقر في خدمة كاتب السر على توقيع الدست. وفي تاسع عشر ذي الحجة قدمت أم إبراهيم بن رمضان من بلاد المشرق تستعطف السلطان على ولدها، فأمر السلطان باعتقالها فاعتقلت، وعرض أجناد الحلقة وانتقى منهم من يصلح للسفر صحبة ولده، وكان قد عزم على تجهيزه إلى بلاد ابن قرمان لما تقدم من صنيعه بطرسوس، وكان أهل طرسوس بعد رحيل محمد بن قرمان عنهم قد كاتبوه بأن يرسل م عسكراً ليسلموا م نائبهم شاهين الأيدكاري لسوء سيرته فيهم، فأرسل م ولده مصطفى فقدم في رمضان فأخذ المدينة وحصر القلعة حتى أخذ شاهين فأرسله إلى أبيه في الحديد. وفي أول جمادى الآخرة توجه نائب حلب في عساكرها ومن أطاعه من التركمان إلى قلعة كركر ليحاصرها، فتحصن خليل نائبها في القلعة وخلا أكثر أهل كركر عنها، فأقام عليها أربعين يوماً ورمى كرومها وحرقها وحرق القرى التي حولها حتى تركها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 بلاقع، ولم يزل كذلك حتى فقد عسكره العليق فرجع إلى حلب ولم يتمكن من أخذ قلعة كركر. وفي أول جمادى الآخرة شرع السلطان في بناء المارستان تحت القلعة، فأمر بتنظيف التراب والحجارة التي بقيت من هدم المدرسة الأشرفية، وتمادى العمل في ذلك مدة. وفي شعبان بعد كسر الخليج غرق ولد لبعض البياعين فأراد دفنه، فمنعه أعوان الوالي حتى يستأذنه، فمضى فاستأذنه فأمر بحبسه، ثم قيل له وهو في الحبس: إنك لا تطلق حتى تعطي الوالي خمسة دنانير، فالتزم بها وخرج فباع موجوده وما عند امرأته أم الغريق فبلغ أربعة دنانير واقترض دينارً وأخذ ولده فدفنه وترك المرأة وهرب من القاهرة، فبلغ ذلك السلطان فساءه جداً. وطلب ابن الطبلاوي الوالي المذكور فضرب بحضرته بالمقارع في الخامس من شوال ولم يعزله، واستمر في الولاية إلى أن كان ما سنذكره في السنة الآتية. وفيها حاصر محمد بن قرمان طرسوس وانتزعها من نواب المؤيد، وكان المؤيد انتزعها من التركمان وكانوا استولوا عليها بعد فتنة اللنك، فبلغ ذلك المؤيد فجهز عسكراً ضخماً وأرسل معهم ولده إبراهيم فخرجوا في أول السنة المقبلة. وفي هذه السنة انتهت زيادة النيل إلى عشرة أصابع من تسعة عشر ذراعاً، وذلك أنه كان يوم النيروز وكان يومئذ سادس عشري رجب قد انتهى إلى أصبع من تسعة عشر ثم نقص نصف ذراع ثم تراجع إلى أن كانت هذه غايته، وارتفع سعر الغلال بسبب ذلك، ولما أسرع هبوط النيل بادر كثير من الناس إلى الزرع قبل أوانه، فصادف الحر الشديد والسموم ففسد أكثره بأكل الدود، فارتفعت الأسعار في القمح والفول والبرسيم بسبب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 ذلك، وعز وجود التبن حتى بلغ الحمل دينارً وكان قبل ذلك كل خمسة أحمال بدينار، ثم ارتفعت الأسعار في ذي الحجة وقل وجود الخبز في الأسواق، وبلغ سعر الفول ثلاث مائة كل إردب لعزته، ولم يبلغ القمح سوى مائتين وخمسين. وفي تاسع شعبان نودي أن لا يتعامل الناس بالدينار المشخص الأفرنتي إذا كان ناقصاً، وكان سبب ذلك أن الأفرنتي زنة المائة منه أحد وثمانون مثقالاً وربع مثقال، هكذا يحضر من بلاده، فولع به الصيارفة وغيرهم فصاروا يقصونه منهم ويبردونه إلى أن استقر حال المائة ثمانية وسبعين وثلث وانتظم الحال على ذلك، فكان في الكثير منهم نقص فاحش بحسب ما يقع حين القص من جور القص ففسدت المعاملة جداً، فنودي أن لا يتعامل بالناقص عن درهم وثمن بل يقص ردعاً لهم عن القص، فمشوا على ذلك شيئاً يسيراً ثم رجعوا إلى ما كانوا عليه. وفي أوائل شعبان عظم الشر بين فخر الدين الأستادار وبدر الدين ابن نصر الله وتفاحشا بحضر السلطان، ورمى ابن نصر الله فخر الدين بعظائم منها أنه قال له: أكثر ما ثمن به على السلطان حمل المال وجميع ذلك مما يعرف يصنعه قطاع الطريق ولولا الدين لكنت أصنع كما تصنع بأن أرسل غارة على قافلة من التجار فأبيتهم فيصبحوا مقتولين وآخذ أموالهم ونحو ذلك من القبائح، فلم يكترث السلطان بذلك وأصلح بينهما. فلما كان يوم التاسع من شعبان قبض على بدر الدين وسلم لفخر الدين، فما شك أحد في هلاك بدر الدين، فعامله فخر الدين بضد ما في النفس وأكرمه وقام له بما يليق به وأرسل إلى أهله بأن يطمئنوا عليه، وركب من الغد إلى السلطان وهو ببركة الحبش بعرض الهجن لأجل الحج، فلم يزل به يترفق له ويتلطف به ويلح عليه في السؤال في أن يفرج عن ابن نصر الله إلى أن أجابه، فلما أن عاد أركبه دابته إلى داره فبات بها، وركب في بكرة النهار الثاني عشر منه إلى القلعة ورجع وقد خلع عليه، فسر الناس به سروراً كثيراً وعدت هذه المكرمة لابن أبي الفرج واستغربت من مثله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 وفي الثالث من ذي القعدة قبض على بدر الدين بن محب الدين الوزير الذي كان يقال له المشير، وتسلمه أبو بكر الأستادار بعد إخراق شديد وإهانة، وكان قد سار في الوزارة سيرة قبيحة وتتبعت حواشيه فقبض عليهم ثم أفرج عنهم على مال، وقرر في الوزارة بدر الدين بن نصر الله وأعطى تقدمة ألف، فنزل الأمراء في خدمته وسر الناس وضربت الطبلخاناة في آخر النهار على بابه، ولم يقع ذلك لصاحب قلم تزيا بزي التركية من المتعممين قبله بل الذين وصلوا إلى ذلك من ذوي الأقلام، غيروا هيأتهم ولبسوا عمائم الترك سوى هذا، وقد تبعه من بعده على ذلك ما سنبينه في الحوادث إن شاء الله تعالى. وفي رمضان أكملت عمارة المدرسة الفخرية بين السورين، وقررت فيها الصوفية، وفوضت مشيختها للشيخ شمس الدين البرماوي، ودرس الحنفية للقاضي شمس الدين الديري. ودرس المالكية للقاضي جمال الدين المالكي، ودرس الحنابلة للقاضي عز الدين البغدادي ثم القدسي الذي ولي عن قرب تدريس الحنابلة بالمؤيدية، ولم يستطع فخر الدين الأستادار الحضور عند المدرسين لشدة مرضه وتمادى به الأمر إلى أن مات في سادس عشر شوال ودفن بها في فسقية اتخذت له بعد موته. واستقر في الاستاوارية نائبة في الكشف على الوجه القبلي ابو بكر ابن قطلبك بن المزرق وكان زوج اخته فسكن في داره. واستقر في نظر في الإشراف عوضاً عنه كاتب السر ابن البارزي. وأوصى فخر الدين بجميع موجوده للسلطان وعينه في دفاتر، واشتملت قيمتها ما بين عين وأثاث على أربعمائة ألف دينار، فتسلمها أصحاب السلطان ولم يشوش على أحد من أولاده، وإنما صودر بعض حاشيته على مال وأطلقوا. وفي شوال حضر القضاة القصر الكبير وقد لبس الأمراء والمباشرون الخلع على العادة فلبس القضاة خلعهم إلا الحنبلي فسلموا على السلطان، فتغيظ على الحنبلي لعدم لبسه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 خلعته وقال له: إن العادة جرت أن القضاة يحضرون معهم بخلعهم! فقال: ظننت أنه يخلع عليهم من عند السلطان فلم أحضر بخلعتي، فلم يعجب ذلك السلطان فكأنه أراد تلافي خاطره فاستأذنه في إنشاد آبيات مدح له فيه فأذن له، فأنشده وهو قائم فأطال، فمل منه وقطع الإنشاد وركب الفرس ومضى وأظهر النفار لما ركب. وفي حادي عشر ذي القعدة توجه السلطان إلى الوجه البحري للسرحة وانتهى إلى مريوط فنزل فأقام بها أربعة أيام فأعجبه البستان الذي هناك. وكان الظاهر بيبرس قد استجده هناك وكان كبيراً جداً وفيه فواكه عجيبة وآثار منظره بديعة وبئر لا نظير لها في الكبر وعليها عدة سواقي من جوانبها. وكان البستان المذكور قد صار للمظفر بيبرس ووقفه على الجامع الحاكمي، فتقدم السلطان إلى بعض خواصه باستئجاره وتجديد عمارته فشرع في ذلك، ورجع السلطان من الوجه البحري فأدركه عيد الأضحى بناحية وردان، فخطب به كاتب السر ابن البارزي وصلى به صلاة العيد وضحى هناك، وفقد الناس بالقاهرة ما كان يألفونه من تفرقة الأضاحي لغيبة السلطان والأمراء والله المستعان. ووصل في الثاني عشر إلى البر الغربي فغدا إلى بيت كاتب السر بن البارزي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 فبات فيه ليلة الثلثاء وطلع إلى القلعة سحراً. فوافاه القضاة والأعيان للسلام عليه، فتكلم الديري على قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قومن من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم " فنقل الديري سبب النزول فنازعه الهروي، وكان بينهم ما سنذكره في حوادث أول السنة المقبلة. وفيها استقر القاضي جمال الدين محمد بن أحمد بن محمد بن محمود بن إبراهيم ابن روزبة الكازروني ثم المدني الفقيه الشافعي في قضاء المدينة الشريفة مضافاً إلى الخطابة والإمامة وصرف عبد الرحمن بن محمد بن صالح. ومولد الكازروني فيما قرأت بخطه في سابع عشر ذي القعدة سنة 757. ذكر من مات في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة من الأعيان إبراهيم بن بابي - بفتح الموحدتين - العواد المغني، كان مقرباً عند السلطان أبي النفس، المنتهي في جودة الضرب بالعود، ولم يخلف بعده مثله، مات ليلة الجمعة مستهل شهر ربيع الأول ببستان الحلي وكان قد استأجره وعمره. اجترك القاسمي في مشترك. أحمد بن أبي بكر بن محمد بن الرداد، المكي ثم الزبيدي الصوفي ثم القاضي شهاب الدين الشافعي ولد سنة ثمان وأربعين، ودخل اليمن فاتصل بصحبة السلطان الأشرف إسماعيل بن الأفضل فلازمه، واستقر من الندماء ثم صار من أخصهم به، وكانت لديه فضائل كثيرة ناظماً ناثراً ذكياً إلا أنه غلب عليه حب الدنيا والميل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 إلى تصوف الفلاسفة، فكان داعية إلى هذه البدعة يعادي عليها، ويقرب من يعتقد ذلك المعتقد، ومن عرف أنه حصل نسخة الفصوص قربه وأفضل عليه، وأكثر من النظم والتصنيف في ذلك الضلال المبين إلى أن أفسد عقائد أكثر أهل زبيد إلا من شاء الله، ونظمه وشعره ينعق بالاتحاد، وكان المنشدون يحفظون شعره فينشدونه في المحافل يتقربون به، وله تصانيف في التصوف، وعلى وجهه آثار العبادة لكنه كان يجالس السلطان في خلواته ويوافقه على شهواته إلا أن لا يتعاطى معهم شيئاً من المنكرات ولا يتناول شيئاً من المسكرات، وولي القضاء بعد الشيخ مجد الدين بسنتين وكان الناصر ابن الأشرف ترك القضاء شاغراً هذه المدة ينتظر قدوم عليه بزعمه، فسعى فيه بعض الأكابر للفقيه الناشري فخشي ابن الرداد أن يتمكن الناشري من الإنكار عليه في طريقته، لن الناشري كان من أهل السنة وشديد الإنكار على المبتدعة، وكان يواجه ابن الرداد بما يكره والشيخ مجد الدين يداهنه فبادر إلى طلب الوظيفة من الناصر والناصر لا يفرق بين هذا وهذا ويظن أن ابن الرداد عالم كبير فولاه له مع كونه مزجي البضاعة في الفقه عديم الخبرة بالحكم فأظهر العصبية وانتقم ممن كان ينكر عليه بدعته من الفقهاء فأهانهم وبالغ في ردعهم والحط عليهم، فعوجل وصاروا يعدون موته من الفرج بعد الشدة ومات في ذي القعدة، وقد سمعت من نظمه وأجاز في استدعاء أولادي. أحمد بن علي بن أحمد، القلقشندي نزيل القاهرة، تفقه وتمهر وتعانى الأدب، وكتب في الإنشاء وناب في الحكم، وكان يستحضر الحاوي وكتب شيئاً على جامع المختصرات، وصنف كتاباً حافلاً سماه صبح الأعشى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 في معرفة الإنشاء وكان مستحضراً لأكثر ذلك، مات في جمادى الآخرة عن خمس وستين سنة. أقبغا شيطان، وكان حسن المباشرة قليل الفسق، ولي شد الدواوين ثم الولاية ثم الحسبة وجمع بين الثلاثة مرة، وقتل في ليلة سادس شعبان. الطنبغا العثماني مات في ثاني عشر شوال بطالا بالقدس. بردبك الخليلي، نائب صفد، مات في نصف شهر رجب. بيسق أمير أخور الظاهري، مات بالقدس بطالاً، وكان الناصر نفاه إلا بلاد الروم فقدم في الدولة المؤيدية فلم يقبل المؤيد عليه ثم نفاه إلى القدس فمات بها في جمادى الآخرة، وله آثار بمكة، وكان كثير الشر شرس الخلق جماعاً للأموال مع البر والصدقة. حسين بن علي بن محمد بن داود، البيضاوي الأصل المكي أبو عمر بدر الدين المعروف بالزمزمي، ولد قبل السبعين، وأجاز له الصلاح ابن أبي عمر وابن أميلة وحسن بن الهبل وجماعة من القادمين مكة بعد ذلك، واشتغل بالعلم ومهر في الفرائض والحساب، وفاق الأقران في معرفة الهيئة والهندسة، وحدث باليسير، مات في ذي الحجة وقد جاوز الخمسين. حسين بن كبك - تقدم في الحوادث. خليل بن محمد بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن، الأقفهسي المصري المحدث المفيد، يلقب صلاح الدين وغرس الدين، ويكنى أبا الصفا، ويعرف بالأشقر، ولد سنة ثلاث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 وستين وسبعمائة تقريباً، واشتغل بالفقه قليلاً واشتغل في الحساب والفرائض والأدب، ثم أحب الحديث فسمع بنفسه قبيل التسعين من عزيز الدين المليجي وصلاح الدين البلبيسي وصلاح الدين الزفتاوي وأبي الفرج بن المعزى ونحوهم من الشيوخ المصريين، ثم حج سنة خمس وتسعين وجاور فسمع بمكة من شيوخها، ثم قدم دمشق أول سنة سبع وتسعين ليسمع من شيخنا بالإجازة أبي هريرة بن الذهبي، وكان قد أجاز له جماعة ليس عنده إذ ذاك اشهر من أبي هريرة، فلما وصل إلى دمشق لقي بها شيخنا بالإجازة شهاب الدين ابن العز فأكثر عنه وأخذ عن ابن الذهبي، وسمع الكثير من حديث السلفي بالسماع المتصل وبالإجازة الواحدة، ثم قدم سنة ثمان وتسعين فلازمنا في الأسمعة وسافر صحبتي إلى مكة في البحر فجاور بها، ثم رحل إلى دمشق مرة ثانية فأقام بها فرافقني في السماع في سنة اثنتين وثمانمائة بدمشق ورجع معي إلى القاهرة، ثم حج في سنة أربع وجاور سنة خمس فلقيته في آخرها مشمراً على ما أعهده من الخير والعبادة والتخريج والإفادة وحسن الخلق وخدمة الأصحاب، واستمر مجاوراً من تلك السنة إلى أن خرج إلى المدينة ثم توجه في ركب العراق، ثم ركب البحر إلى كنباية من بلاد الهند ثم رجع إلى هرمز، ثم جال في بلاد المشرق فدخل هراة وسمرقند وغيرهما، وصار يرسل إلى كتبه إلى مكة بالتشوق اوإلى أهله، وقد خرج لشيخنا مجد الدين الحنفي مشيخة ولشيخنا جمال الدين ابن ظهيرة معجماً وحرج لنفسه المتباينات فبلغت مائة حديث، وخرج أحاديث الفقهاء الشافعية، ونظم الشعر الوسط ثم جاد شعره في الغربة وطارحني مراراً بعدة مقاطيع، ثم بلغني أنه مات في أول سنة إحدى وعشرين بيزد، خرج من الحمام مات فجأة، وأرخه الشريف الفاسي في سنة عشرين - فالله أعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 سارة بنت محمد بن أزدمر حماتي، ماتت في المحرم. سعد الله بن سعد بن علي بن إسماعيل، الهمذاني، قدم إلى حلب مع والده وهو شاب، وكان أبوه سكن عينتاب، واشتغل سعد الله هذا في العلم وتفقه حنفياً ومهر في ودرس في حلب بمدارس منها، فاتفق أنه فجأة الموت في رابع جمادى الأولى وأسف الناس عليه، وكانت جنازته حافلة - ذكره القاضي علاء الدين في ذيل تاريخ حلب. سليمان بن علي، القرشي اليمني المعروف بابن الجنيد، سمع على ابن شداد وغيره، وولي قضاء عدن مرة، رأيته بعدن ومات بها. سودون الأسندمري - تقدم في الحوادث. عبد الله بن إبراهيم بن احمد، الحراني ثم الحلبي الحنبلي، كان يذكر أنه من ذرية ابن أبي عصرون، وكان شافعي الأصل، وولي قضاء الشغر شافعياً وكذا كانت له وظائف في الشافعية، ثم انتقل بعد مدة حنبلياً وولي قضاء الحنابلة بحلب كأنظاره، وقال القاضي علاء الدين في تاريخ حلب: كان حسن السيرة، ولي القضاء ثم صرف ثم أعيد مراراً، ثم صرف قبل موته بعشرة أشهر فمات في شعبان. عبد الله بن علي بن يحيى بن فضل الله، العدوي جمال الدين ابن كاتب السر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 ولد سنة أربع وخمسين، وأحضر على العرضي وأسمع على التباني واستمر يلبس بزي الجندية وله إقطاع، واستمر من حياة أبيه إلى أن مات محارفاً وكان مستوراً، ثم فسد حاله إلى أن عمل نقيباً في بيوت الحجاب، وقد سمع منه بعض أصحابنا قليلاً. وهو آخر إخوته موتاً. عبد الرحمن بن هبة الله، الملحاني اليماني، جاور بمكة، وكان بصيراً بالقراآت سريع القراءة، قرأ في الشتاء في يوم ثلاث ختمات وثلث ختمة، وكان ديناً عابداً مشاركاً في عدة علوم، مات في رجب. عبد الغني بن عبد الرزاق بن أبي الفرج، الأرمني الأصل، كان جده من نصارى الأرمن فأسلم وولي نظر قطياً وولايتها والوزارة وغيرهما كما تقدم، وكان مولد فخر الدين سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وتعلم الكتابة والحساب، وولي قطيا في راس القرن في جمادى سنة إحدى وثمانمائة، ثم صرف وأعيد لها مراراً، ثم ولاه جمال الدين الأستادار كشف الشرقية سنة إحدى عشرة، فوضع السيف في العرب وأسرف في سفك الدماء وأخذ الأموال، فلما قبض على جمال الدين واستقر ابن الهيصم في الأستادارية بذل عبد الغني أربعين ألف دينار، واستقر مكانه في ربيع الآخر سنة أربع عشرة، ثم صرف في ذي الحجة منها بعد أن سار سيرة عجيبة من كثرة الظلم وأخذ المال بغير شبهة أصلاً والاستيلاء على حواصل الناس بغير تأويل، وفرح الناس بعزله، وعوقب فتجلد حتى رق له أعداؤه، ثم أطلق وأعيد إلى ولاية قطيا، فلما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 قتل الناصر وولي المؤيد ولي كشف الوجه البحري، ثم ولي الأستادارية في جمادى الأولى سنة ست عشرة، فجادت أحواله وصلحت سيرته وأظهر أن الذي سار به أولاً إنما كان من عيب الناصر لكنه أسرف في أخذ الأموال من أهل القرى، وولي كشف الصعيد فعاد ومعه من الخيول والإبل والبقر والغنم والأموال ما يدهش من كثرته، ثم توجه إلى الوجه البحري ففرض على كل بلد وقرية مالاً سماه ضيافة، فجمع من ذلك مالاً جزيلاً في مدة يسيرة، ثم توجه إلى ملاقاة المؤيد لما رجع من وقعة نوروز فبلغه أن المؤيد سمع بسوء سيرته وعزم على القبض عليه، فهرب إلى بغداد وأقام عند قرا يوسف قليلاً، ثم لم تطب له البلاد فعاد ورمى بنفسه على خواص المؤيد، فأمنه وأعاده إلى كشف الوجه البحري، ثم أعاده إلى الأستادارية في سنة تسع عشرة، فحمل في تلك السنة مائة ألف دينار فسلم له الأستادار قبله بدر الدين بن محب الدين وأمر بعقوبته، فكف عنه فأخذ من يده وتوجه لحرب أهل البحيرة ومعه عدة أمراء في شوال سنة تسع عشرة فكان الكل من تحت أمره، ووصل إلى حد برقة ورجع بنهب كثير جداً، ثم لما مات تقي الدين ابن أبي شاكر أضيفت الوزارة في صفر سنة إحدى وعشرين، فباشرها بعنف وقطع رواتب الناس وبالغ في تحصيل الأموال ويحوزة، فكان يوفر كل قليل مالاً يحمله للمؤيد فيجل في عينه ويشكره في غيبته مع لين جانبه للناس وتودده لهم، وكان في كل قليل يصادر الكتاب والعمال، ثم توجه إلى الوجه البحري وأخذ الضيافة على العادة ولاقى السلطان لما رجع من الشام بأموال عظيمة. ثم توجه إلى الصعيد وأوقع بأهل الأشمونين ورجع بأموال كثيرة جداً، ثم استعفى عن الوزارة في شوال سنة عشرين فاستقر أرغون شاه، ثم مرض فعاده السلطان في مرضه، فقدم له خمسة آلاف دينار فأضاف نظر الإشراف، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 ثم توجه الوجه القبلي فأوقع بالعرب وجمع مالاً كثيراً جداً، ثم أصابه الوعك في رمضان واستمر في مرضه ذلك إلى أن مات في نصف شوال سنة 831، واشتد أسف السلطان عليه، وعاش سبعاً وثلاثين سنة، وكان عارفاً بجمع المال شهماً شجاعاً ثابت الجأش قوي الجنان، وكان في آخر عمره قد ساد وجاد سوى ما اعتاده من نهب الأموال، وقد جمع منها في ثلاث سنين ما لا يجمعه غيره في ثلاثين سنة، وكان جده يصحب ابن نقولا الكاتب فنسب فلهذا كان يقال له أبو الفرج بن نقولا أو هو اسم جده حقيقة. وفي الجملة أبو الفرج أول من أسلم من آبائه ونشأ أبوه مسلماً ثم دخل بلاد الفرنج، ويقال إنه رجع إلى النصرانية، ثم قدم واستقر صيرفياً بقطية وولي نظرها ثم إمرتها، ثم تنقلت به الأحوال وبولده من بعده على ما تقدم مشروحاً. علي بن أحمد بن علي بن حسين بن محمد بن حسين بن محمد بن حسين بن محمد بن زيد بن حسين بن مظفر بن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الأرموي الأصل نزيل القاهرة نقيب الأشراف شرف الدين ابن قاضي العسكر، وأمه خاص بنت الظاهر أنسب بن العادل كتبغا، وكان معدوداً في رؤساء البلد لإفضاله وكرمه من غير شهرة بعلم ولا تصون، ومات في تاسع عشر ربيع الأول عن نحو الستين. علي بن أحمد بن عمر بن حسن، المهجمي، كان يسكن بيت الفقيه من عمل بيت حسين باليمن وهو من بيت الصلاح، وللناس فيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 اعتقاد كبير، ويحكى عنه رحمه الله تعالى مكاشفات وكرامات مع وفور حظ من الدنيا. قطلوبغا الخليلي، نائب الإسكندرية وقد تقدم ذكر ولايته في الحوادث، ومات في نصف ذي الحجة، ولم تطل مدته في السعادة، واستقر بعده في نيابة الإسكندرية ناصر الدين محمد بن العطار الدمشقي نقلاً من دويدارية نائب الشام ا، وهو صهر كاتب اسر. لؤلؤ الطواشي المجبوب كاشف الوجه القبلي، وليه مرتين ثانيهما في رجب سنة ثماني عشرة، ثم عزل وصودر وأخذ منه مال جزيل بعد العقوبة الشديدة، ثم ولي شد الدواليب ومات وهو على ذلك، وكان من الحمقى المغفلين والظلمة الفاتكين في صورة الناسكين، مات في شوال. محمد بن حسين بن محمد بن محمد بن خلف الله، الشمني - بضم المعجمة والميم وتشديد النون - ثم الإسكندري المالكي كمال الدين، ولد سنة بضع وستين، واشتغل بالعلم في بلده ومهر، ثم قدم القاهرة فسمع بها من شيوخنا وممن قبلهم وسمع بالإسكندرية، وقدم في الحديث وصنف فيه وتخرج ببدر الدين الزركشي والشيخ زين الدين العراقي، ونظم الشعر الحسن، ثم استوطن القاهرة وأصيب في بعض كتبه. وتنزل بالمدرسة الجمالية طالباً في درس الحديث، ثم نزلت له عنه في سنة تسع عشرة فدرس به، ثم عرضت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 له علة في أواخر سنة عشرين، ثم تفقه ورجع إلى منزله وتمرض به إلى أن مات في شهر ربيع الأول. محمد بن علي بن نم، الكيلاني غياث الدين ابن خواجا على التاجر، ولد في حدود السبعين، وكان أبوه من أعيان التجار فنشأ ولده هذا في عز ونعمة طائلة، ثم شغله أبوه بالعلم بحيث كان يشتري له الكتاب الواحد بمائة دينار وأزيد ويعطي معلميه فيفرط، فمهر في أيام قلائل واشتهر بالفضل ونشأ متعاظماً، ثم مات أبوه وتنقلت به الأحوال، والتهى عن العلم بالتجارة فصعد وهبط وغرق وسلم وزاد ونقص إلى أن مات خاملاً مع أنه كان سيئ المعاملة عارفاً بالتجارة محظوظاً منها إلا أنه تزوج جارية من جواري الناصر يقال لها سمراء فهام بها وأتلف عليها ماله وروحه وأفرطت هي في بغضه إلى أن قيل إنها سقته السم فتعلل مدة ولم تزل به حتى فارقها فتدله عقله من حبها إلى أن مات ولهاً بها، وبلغني أنها تزوجت بعده رجلاً من العوام فأذاقها الهوان وأحبته، فأبغضها عكس ما جرى لها مع غياث الدين، وبلغني أنها زارت غياث الدين في مرضه واستحللته فحاللها من شدة حبه لها وكانت قد ألزمته بطلاق زوجته ابنة عمه فطلقها لأجلها، وقد طارحني غياث الدين بمقاطيع عديدة وألغاز وترافقنا في السفر، ومن شعر غياث الدين في سمراء قصيدة مطولة أولها: سلوا سمراء عن جربي وحزني ... وعن جفن حكى هطال مزن سلوها هل عراها ما عراني ... من الجن الهواتف بعد جن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 سلوا هل هزت الأوتار بعدي ... وهل غنت كما كانت تغني يقول في آخرها: سأشكوها إلى مولى حليم ... ليعفو في الهوى عنها وعني وهذا آخر من عرفنا خبره من المتيمين، مات في سابع عشر شوال. محمد بن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد بن محمود بن أبي الفتح، أبو الطاهر الشيخ المسند شرف الدين ابن عز الدين أبي اليمن ابن الكويك الربعي التكريتي ثم الإسكندراني نزيل القاهرة، ولد في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين، وأجاز له فيها المزي والبرزالي والذهبي وبنت الكمال وإبراهيم بن الفريشة وابن المرابط وعلي بن عبد المؤمن بن عبد في آخرين، وأحضر في الرابعة على إبراهيم بن علي الزرزاري، وأسمع من أحمد بن كشتغذي وأبي نعيم الإسعردي وابن عبد الهادي وغيرهم، ولازم القاضي عز الدين ابن جماعة، وتعانى المباشرات فكان مشكوراً فيها، وتفرد في آخر عمره بأكثر مشايخه، وتكاثر عليه الطلبة ولازموه، وحبب التحديث ولازمه، قرأت عليه كثيراً من المرويات بالإجازة والسماع، من ذلك صحيح مسلم في أربعة مجالس سوى مجلس الختم، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 ولم يزل على حاله متقطعاً في منزله ملازماً للأسماع إلى أن مات في أواخر ذي القعدة من هذه السنة وقد أكمل أربعاً وثمانين سنة، ولم يبق بعده بالقاهرة من يروي عن أحد من مشايخه لا بالسماع ولا بالإجازة بل ولا في الدنيا من يروي عمن سميت من مشايخه المذكورين رحمه الله تعالى. محمد ناصر الدين ابن البيطار، كان في ابتداء أمره يتعانى صناعة البيطرة، ثم قرأ القرآن واشتغل بالفرائض فمهر في ذلك، ثم أقبل على الفقه ففاق أقرانه، وأقرأ في الجامع مدة ولم يترك جائزته ويسترزق منه، وكان صالحاً خيراً ديناً، مات في ربيع الآخر. مشترك ويقال له اجترك القاسمي، من كبار الأمراء، تنقل في الولايات منها نيابة غزة، مات في جمادى الأولى. يوسف بن محمد بن عبد الله، الحميدي جمال الدين الحنفي، نسب إلى امرأة كان يقال لها أم حميد، ونشأ بالإسكندرية وتفقه حتى برع وولي قضاء الحنفية بها وكان موسراً، مات في خامس عشري جمادى الآخرة وقد زاد على الثمانين، وكان لا بأس به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة استهلت يوم الجمعة ثاني إمشير من الشهور القبطية. في أول المحرم جهز إبراهيم بن السلطان وصحبته من الأمراء الكبار الطنبغا القرمشي وططر وجقمق وآخرون وصحبته علي بن قرمان وكان قد فر من أخيه محمد إلى السلطان والتجأ فجهز ابنه نصرة له فكان ما سيأتي ذكره، وتوجه من الريدانية في ثاني عشري المحرم، وكان السبب في هذه السفرة أن محمد بن قرمان أغار على طرسوس في السنة الماضية، فقبض على نائبها شاهين الأيدكاري فوصل دمشق في سادس صفر وتلقاه النواب، ثم وصل حلب في أول ربيع الأول ثم وصل إلى كركر في ثامن عشر ربيع الآخر فحاصر القلعة، وهرب ابن قرمان في مائة وعشرين فارساً وأخذ منها مالاً ورجالاً فقيدهم، وتوجه إلى لارندة فنازلها وهي قاعدة بلاد ابن قرمان وكان ما سنذكره بعد ذلك إن شاء الله تعالى، ثم وصل إلى قيسارية وهي أعظم بلاد ابن قرمان في تاسعه، ثم وصل إلى قونية في نصف ربيع الآخر بعد ما مهد أمور قيسارية ورتب أحوالها وخطب فيها باسم السلطان ونقش اسم السلطان على بابها، وقرر في نيابتها محمد بن دلغادر نائب السلطنة بقيسارية، ولم يتفق ذلك لملك من ملوك الترك بعد الظاهر بيبرس فإنه كان خطب له بها ثم انتقض ذلك. وفيه قدم عجلان بن نعير من المدينة مقبوضاً عليه من إمرة المدينة، ووصل بكتمر السعدي من رسالته إلى صاحب اليمن ومعه كتاب الناصر صاحب اليمن وهديته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 وفيها قرر ناصر الدين بك واسمه محمد بن دلغادر في نيابة قيسارية عن السلطان مضافاً إلى نيابة الأبلستين، وكان تاني بك نائب حلب استولى على طرسوس فأمره المؤيد أن يسلمها لناصر الدين بك فجمع محمد بن قرمان عسكراً، واستقر مقبل الدويدار الثاني شاد العمارة بالجامع المؤيدي عوضاً عن ططر. وفي ثامن عشري المحرم حضر السلطان بالجامع المؤيدي وحضر عنده القضاة فسألهم عما أعلم به الحجاج من استهدام المسجد الحرام واحتياجه إلى العمارة، ومن أي جهة يكون المصروف على ذلك، فجالوا في ذلك إلى أن سأل القاضي الحنبلي قاضي الشافعية الهروي عن أربع مسائل تتعلق بذلك فأجابه فخطأه في جميعها، وتقاول القاضيان الشافعي والحنفي حتى تسابا. وأفحش الديري في أمر الهروي حتى قال: أشهدك يا مولانا السلطان أني حجرت عليه أن يفتي وحكمت بذلك، فنفذ حكمه المالكي والحنبلي في المجلس، وبلغ الهروي من البهدلة إلى حد لم يوصف، وأعان على ذلك شدة بغض الناس له وتمم عليه ورحيل أعوانه وأنصاره مثل ططر وغيره مع ما هو عليه من قلة العلم وعجمة اللسان. فلما كان في الثامن من شهر ربيع الأول قدم طائفة من الخليل والقدس صحبة الناظر عليهم حينئذ وهو حسن الشكلي فشكون منه أنه أخذ منهم مالاً عظيماً في أيام نظره. فابتليت بالحكم بينهم بأمر السلطان، فتوجه الحكم على الهروي فخرج في الترسيم، فلما حاذى المدرسة الصالحية خرج الرسل الذين بها من جهة الحنفي فأدخلوه قاعة الشافعية وتوكلوا به. فأرسل قاصده إلى مرجان الخازندار، فنزل بنفسه وسب الموكلين به ونقله إلى داره. وفي الثاني عشر منه أمر السلطان أن يوكل بالهروي فوكل به أربعة، فشرع في بيع بعض موجوده وأشيع أنه عزم على الهرب، ثم أمر بإعادة ما أودع تحت يده من مال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 أجناد الحلقة وجملته ألف ألف وستمائة ألف، فوجد منه ألف ألف وتصرف في ستمائة ألف، فكثرت القالة فيه والشناعة عليه بسبب ذلك، ومنع ابن الديري نواب الهروي من الحكم واستند إلى أن الهروي ثبت فسقه فانعزل بذلك ولو لم يعزله السلطان، فكفوا. فلما كان السابع عشر من ربيع الأول نزل السلطان إلى جامعه واستدعى بالبلقيني فأعاده إلى القضاء، ففرح الناس به جداً لبغضهم في الهروي - وكان ما سنذكره بعد ذلك. وفي خامس صفر استقر صدر الدين ابن العجمي في الحسبة، وفرح الناس به لمعرفته وعفته. وفي سادس عشره توجه ابن محب الدين أمير بطرابلس من جملة الأمراء. وفي ثامن عشره عمل الوقيد بالبحر كالسنة الماضية. وفي أواخر صفر ثار المماليك الذين في خدمة السلطان بالطباق وأرادوا إحداث فتنة وامتنعوا من حضور الخدمة وذكروا أن سبب ذلك حقارة الجامكية، فأمر السلطان أن يزاد كل واحد منهم على قدر ما يريد فرضوا وسكنت الفتنة. وفيه أرسل الطنبغا المرقبي إلى الصعيد وصحبته رقم (؟) أمير هوارة، فطرقه الأعراب فكانت بينهم مقتلة عظيمة، ثم انهزم العرب إلى الميمون وغنم الطنبغا ومن معه من أغنامهم ودوابهم شيئاً كثيراً جداً. وفي صفر فشا الطاعون بالشرقية والغربية وابتدأ بالقاهرة ومصر، ثم كثر جداً في ربيع الأول، وكان في الأطفال كثيراً جداً، وعم الوباء في بلاد الفرنج، وفيه عمرت قناطر شينين فبلغ مصروفها خمسة آلاف دينار جمعت من بلاد الجيزة حتى من الإقطاعات والرزق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 وفي تاسع عشري ربيع الأول كسفت الشمس قبيل الزوال فاجتمع الناس بالجامع الأزهر، فصليت بهم صلاة الكسوف على الوصف المعروف في الأحاديث الصحيحة بركوعين مطولين وقيامين مطولين وكذلك في جميع الأركان المقصودة وغير المقصودة، ثم خطبت بهم ما يقتضي ذلك بعد أن انجلت الشمس والحمد لله، واتفق وقوع زلزلة في هذا اليوم بمدينة أرزنكان، هلك بسببها عالم كثير وانهدم من مباني القسطنطينية شيء كثير وهدمت قيسارية بناها ابن عثمان في برصا وما حولها وهلك بسبب ذلك ناس كثير. وفي ربيع الأول ركب المحتسب والوالي فطافا بأمر السلطان على أماكن الفساد بالقاهرة وأراقا من الخمور شيئاً كثيراً، ومنع المحتسب النساء من النياحة على الأموات في الأسواق وعزر طائفة منهن. وألزم ود والنصارى بتضييق الأكمام وتصغير العمائم وبالغ في ذلك. وفيه تشاجر الوزير والأستادار وتفاحشا، وخلع عليهما في تاسع عشرة والتزما بحمل مائة ألف دينار. وفي المحرم قبض على محمد بن بشارة، وذلك أن السلطان كان أرسل ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن منجك إلى دمشق وأمره أن يحتال على ابن بشارة، فراسله إلى أن ضمن له عن السلطان الرضا، فلما اطمأن لذلك أرسل أمان السلطان وحلف وأرسل له الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 خلعة فلبسها وأقبل إلى دمشق، فتلقاه وبالغ في إكرامه فآمن، فينا هو آمناً في سوق الخيل فتلقاه ابن منجك فدخلا جميعاً إلى بيت نكباي نائب الغيبة، فلم يستقر به المجلس حتى قبض عليه، فدفع عن نفسه بسيفه وجرح من تقدم فتكاثرت السيوف على رأسه، وقض على عشرين من أصحابه فوسط منهم أربعة نفر واعتقل ابن بشارة بدمشق، ثم أمر السلطان بإحضاره فأحضر في رابع عشري جمادى الأولى. وفي خامس ربيع الآخر خدع الهروي الموكلين به من الأجناد ففر إلى بيت قطلوبغا التنمي فبلغ ذلك السلطان، فأمر الوالي الأمير التاج بنقله من بيت التنمي إلى القلعة فسجنه بها في البرج، ثم أنزله التاج في ثاني عشر من الشهر إلى الصالحية وقد اجتمع بها القضاة فادعى التاج على الهروي بالمال الذي ثبت عليه، فالتزم بأنه عنده وهو قادر عليه وأنه أدى بعضاً وسيؤدي الباقي، فسجنه في قبة الصالح ووكل به جماعة يحفظونه، ثم نقل في ثامن عشري الشهر المذكور إلى القلعة، لأنه كرر شكواه من كثرة سب الناس له من بغضهم فيه حتى خشي أن يأتوا على نفسه، ثم بادر التاج ونقل الهروي من جامع القلعة إلى مكان عنده بالمطبخ، ثم سعى عند السلطان في أمره إلى أن أمره بإطلاقه، فنزل إلى دار استكراها له مرجان الخازندار وراء مدرسة الجاي، فأقام بها إلى السنة الآتية. وفي الثاني من جمادى الأولى ولد الملك المظفر أحمد بن الملك المؤيد شيخ فقدر الله أنه يلي السلطنة في أول سنة أربع وعشرين وعمره سنة واحدة وثمانية أشهر وأيام. وفي الثالث من جمادى الأولى قرر كاتبه في تدريس الشافعية بالمؤيدية، وقرر يحيى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 بن محمد بن أحمد العجيسي في تدريس المالكية، وقرر عز الدين عبد العزيز بن علي بن العز الذي كان قاضي القدس في تدريس الحنابلة، وتأخر تقرير مدرس الحنفية وغيره. وفيها مات رئيس الأطباء إبراهيم بن خليل بن علوة الإسكندراني وكان حاذقاً في الطب، وقدم شخص يقال له نظام الدين أبو بكر محمد بن عمر بن أبي بكر الهمذاني الأصل التبريزي المولد سنة 757 وكان فاضل الشام فأحضره السلطان إلى القاهرة وكان ادعى في الطب والتنجيم دعوى عريضة وتناظر هو وسراج الدين عمر بن منصور بن عبد الله البهادري الحنفي، فاستظهر لبهادري عليه بكثرة استحضاره وذكائه وجمود أبي بكر المذكور، فلما كاد أمر البهادري أن يتم نكت عليه كاتب السر أنه لا يدري العلاج وإن كان يدري الطب وأن يده غير مباركة فإنه ما عالج أحداً إلا مات من مرضه ونصيحة السلطان واجبة، واستشهد بجماعة منهم ابن العجمي فوافقوه فانحل السلطان عنه وصرفهم، ثم أمرهم أن يتوجهوا إلى المارستان ويكتبوا لمن فيه أوراقً لينظر في أمرهم أيهم أصح كتابة، فلم ينجع من ذلك شيء، ثم قرر في رئاسة الطب بدر الدين ابن بطيخ. وفي السابع من جمادى الأولى أحضر بطرك النصارى في الإصطبل بعد أن جمع القضاة والمشايخ فسأله عما يقع في الحبشة من إهانة المسلمين فأنكر ذلك، ثم انتدب له المحتسب فأنكر عليه تهاون النصارى بما يؤمرون به من الصغار والذل، وطال الخطاب في معنى ذلك واستقر الحال بأن لا يباشر أحد من النصارى في دواوين السلطان ولا الأمراء ولا غيرهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 ثم أغرى شهاب الدين الإمام ابن أخي قاضي أذرعات السلطان بالأكرم فضائل النصراني كاتب الوزير، فاستدعى به وضربه بالمقارع بحضرته وشهره بالقاهرة عرياناً وسجنه، ثم آل أمره إلى أن أمر السلطان بأن يقتل فقتل، فصغر النصارى العمائم ولزموا بيوتهم وضيقوا أكمامهم ومنعوا من ركوب الحمر بالقاهرة وإذا خرجوا في ظاهرها ركبوها عرضاً، فأنف جماعة من النصارى من الهوان فأظهروا الإسلام فانتقلوا من ركوب الحمر إلى ركوب الخيل المسومة وباشروا فيما كانوا فيه وأزيد منه. وألزم النصارى ألا يدخلوا الحمامات إلا وفي أعناقهم الجلاجل وأن يلبس نساؤهم المصبغات ولا يمكنوا من الأزر البيض، فاشتد الأمر عليهم جداً وسعوا جهدهم في ترك ذلك فلم يعفوا لتصميم السلطان على ذلك. وفي ثانية قدم الطنبغا المرقبي والأستادار أبو بكر من الصعيد، ودم الأستادار ما حصله من أموال هوارة فكان مائتي فرس وألف جمل وستمائة جاموسة وألف وخمسمائة بقرة وخمسة عشر ألف راس من الضأن. وفي جمادى الأولى شرع في عمل الصهريج بجوار خانكاه بيبرس من جهة الملك المؤيد. وفيه تغير كاتب السر ناصر الدين ابن البارزي على محتسب القاهرة صدر الدين ابن العجمي بعد أن كان هو الذي يقربه من السلطان ويسعى له فأخذ في أسباب إبعاده عن السلطان، وأعان ابن العجمي على نفسه بلجاجته وتماديه في غيه، فاتفق أن السلطان في هذه الأيام كان عاوده وجع رجله وانضاف إلى ذلك وقوع وجع في خاصرته وكان في كل سنة ينصل عن قرب في قوة الشتاء وقوة الصيف، فمنذ عالجه أبو بكر العجمي اشتد ألمه أكثر من كل سنة، فاتفق أنه استفتى وهو في شدة الوجع عن جواز الجمع بين الصلاتين بعذر المرض فأفتاه بذلك بعض الشافعية من خواصه، فسأل بعض الحنفية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 فقال له: قلد الشافعي في هذه المسألة فاتفق حضور ابن العجمي في صبيحة ذلك اليوم فدارت المسألة بين الفقهاء الذين يحضرون عند السلطان، فبالغ ابن العجمي في الرد على من أفتى بذلك، فقيل له: قد أفتى به ابن عباس من الصحابة، فقال: أنا ما أقلد ابن عباس وإنما أقلد أبا حنيفة! هذا الذي اضبطه من لفظه فادعى عليه بعد ذلك بتاليب كاتب السر عند القاضي الحنفي ابن الديري انه قال ومن هو ابن عباس بالنسبة الى ابي حنيفة. فطلبه ابن الديري بالرسل حتى أحضروه مهاناً ووكل به بالصالحية. وفي تاسع عشره طلب ابن الديري ابن العجمي فعزره من غير إقامة بينة عليه بشيء مما ادعى عليه به، ثم أفرج عنه فجمع نفسه عن الكلام في الحسبة، فبلغ ذلك السلطان فأنكر ذلك واستدعاه وخلع عليه وأقره على الحسبة، ففرح الناس بذلك فرحاً عظيماً، وكانوا اتهموا القبط في الممالأة عليه وظنوا أن ابن البارزي قبطياً، وليس كذلك وإنما هو أعان على نفسه حتى اسخط الرؤساء عليه. وفي جمادى الآخرة تحول السلطان من القلعة في محفة إلى بيت ابن البارزي المطل على النيل وكانا البارزي قد استأجر بيت ناصر الدين بن سلام وأضاف عدة بيوت مجاورة له وأتقن بنيانها ووضعها وضعاً غريباً على قاعدة عمائر بلدة حماة، فأعجب السلطان ذلك إعجاباً شديداً واختار الإقامة به حتى يبل من مرضه، فأقام بها من نصف جمادى الآخرة إلى نصف رجب واستدعى الحراقة الذهبية، فكان يركب من بيت ابن البارزي إلى القصر الذي بأنبابة ثم منه إلى بيت ابن البارزي وتارة ينام في الحراقة الليل كله وتارة يتوجه إلى الآثار فيها ويرجع إلى رابع عشر رجب، فتحول إلى بيت الخروبي بالجيزة وكان قد أحضر الحراريق المزينة التي جرت العادة بتزيينها في ليالي وفاء النيل فاستصحبها صحبته مقلعة إلى الخروبية، واجتمع الناس للفرجة في شاطئ النيل من بولاق إلى مصر، فمرت في تلك الليالي للناس من النزه والبسط ما لا مزيد عليه مع الإعراض عن المنكرات لإعراض السلطان عنها، وكان قد تاب من مدة وأعرض عن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 المنكرات إعراضاً تاماً، ثم ركب في سادس عشر رجب من الخروبية في الحراقة إلى المقياس، ثم نزل في الحراقة الصغيرة إلى الخليج على العادة وركب فرسه وطلع القلعة، وكان وصول الملك إبراهيم بن السلطان إلى قيسارية ونائبها يومئ ناصر الدين محمد بن خليل بن دلغادر فقرره على نيابته. وفي سادس عشر جمادى الأولى وصل إبراهيم بن السلطان إلى لارندة وأركلى بها وأرسل يشبك نائب حلب فأوقع بالتركمان ونهب منهم شيئاً كثيراً وأرسل عسكراً ضخماً إلى محمد بن قرمان فكبسوا عليه ففر منهم ونهب جميع ما وجدوا له من مال وأثقال وخيل وجمال، ثم غلب العسكر المصري على بلده وهي كرسي بلاد ابن قرمان، وقرر الملك إبراهيم بن السلطان المؤيد في مملكة ابن قرمان أخاه علياً وخطب في جميع تلك البلاد باسم المؤيد وضربت السكة باسمه، ثم رجع ابن السلطان إلى حلب وأقام بها لعمارة سورها وأرسل يستأذن أباه على الرجوع وكان دخوله حلب في ثالث شهر رجب، وكان إبراهيم بن السلطان قبل رجوعه من حلب قد أرسل تاني بك ميق نائب الشام إلى طرسوس فملكها، ثم إلى أذنة فواقع مصطفى بن محمد بن قرمان وإبراهيم بن رمضان فهزمها، فتوجها إلى قيسارية في سادس عشر شعبان فقاتلهم محمد بن دلغادر فقتل مصطفى بن محمد بن قرمان في المعركة وقبض على أبيه محمد ابن قرمان فاعتقل، وأرسلت راس مصطفى إلى القاهرة فوصلت قبل وصول ابن السلطان وذك في سادس عشر رمضان، ثم توجه الى القاهرة فتلقاه السلطان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 الى سرياقوس ووصل معه نائب الشام تاني بك ميق ودخلوا القاهرة في ثامن عشرى شهر رمضان. وكان ابن السلطان قرر في بلاد محمد بن قرمان أخاه على بن قرمان وتسلم قيسارية محمد ابن دلغادر فواقعه محمد بن قرمان فانكسر وقبض عليه وجهز إلى القاهرة، وكان قدوم إبراهيم ابن السلطان المؤيد دمشق في خامس عشر رمضان فساروا في تسعة أيام ودخل معهم نائب الشام وخلع عليهم جميعاً وزينت لهم البلد، وكان السلطان استدعى نائب الشام فحضر مسرعاً وطلع إبراهيم ابن السلطان وبين يديه الأسارى من بني قرمان وغيرهم في القيود منهم نائب نكدة، وكانت سفرة إبراهيم بن السلطان هذه خاتمة سعادة الملك المؤيد، فإنه نشأ له هذا الولد النبيه وتم له منه هذا النصر العظيم والشهامة الهائلة، وجاء الأمراء وغيرهم يشكرون من سيرته ولا يذم أحد منهم شيئاً من خصاله، ثم رجع إلى أبيه في أسرع مدة مؤيداً منصوراً، فلحظتهم عين الكمال فما أخطأت وما حال الحول إلا وأحوالهم قد تغيرت وأمورهم قد تهافتت - فسبحان من لا يتغير ولا يتبدل! وفي ثالث شوال قرر جقمق في نيابة الشام عوضاً عن تاني بكي ميق وقرر تاني بك ميق في تقدمة ألف على إقطاع جقمق، واستقر مقبل الدويدار الثاني في وظيفة جقمق في الدوادارية الكبرى. وفي شعبان اجتمع العوام بالإسكندرية فهجموا أماكن الفرنج فكسروا لهم ثلاثمائة قنينة خمر ثمنها عندهم أربعة آلاف دينار ثم أرقوا ما وجدوه من الخمور، ولم يعلم لذلك أصل ولا سبب. وفيها اجتمع ملوك الفرنج على حرب ابن عثمان صاحب برصا، فاستعد لهم. وفي يوم الخميس ثامن شهر ربيع الآخر فشا الطاعون وكثر موت الفجأة حتى ذعر الناس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 فأمر السلطان المحتسب أن ينادي بصيام ثلاثة أيام أولها يوم الأحد حادي عشر، فصاموا ثلاثة أيام وخرجوا يوم الخميس نصف ربيع الآخر إلى الصحراء، فخرج الفقهاء والمشايخ والعلماء والقضاة والعامة، وتوجه الوزير وأستادار الصحبة إلى تربة الملك الظاهر فنصبوا المطابخ السلطانية وباتوا في تهيئة الأطعمة والخبز، ثم ركب السلطان بعد صلاة الصبح ونزل من قلعة الجبل لابساً ثياب صوف وعلى كتفيه مئزر صوف مسدل وعليه عمامة صغيرة جداً لها عذبة مرخاة عن يساره وهو متخشع منكسر النفس وفرسه بقماش ساذج، فوجد الناس قد اجتمعوا وحضروا الجميع مشاة. فوقف السلطان بينهم وعجوا بذكر الله، فنزل السلطان عن فرسه وقام على قدميه والقضاة والخليفة والمشايخ حوله وخلفهم من الطوائف ممن يتعسر إحصاؤه، فبسط السلطان يديه ودعا وبكى وانتحب والناس يرونه وبقي على ذلك زماناً طويلاً، ثم توجه إلى جهة التربة فنزل وأكل وذبح بيده مائة وخمسين كبشاً سميناً وعشر بقرات وجاموستين وجملين وهو يبكي ودموعه تنحدر بحضرة الناس على لحيته، وترك الذبائح مضطجعة كما هي وركب إلى القلعة، فتولى الوزير وأستادار الصحبة تفرقتها على الجوامع والخوانك والزوايا، وقطع منها شيء كثير ففرق على من حضر من الفقراء، وفرق من الخبز نحو من ثلاثين ألف رغيف، وبعث إلى السجون عدة أرغفة وقدور أطعمة، واستمر الناس في الخشوع والخضوع إلى أن اشتد حر النهار فانصرفوا، فكان يوماً مشهوداً لم يتقدم له نظير إلا ما جرت العادة به في الاستسقاء، وهذا زعموا أه لاستكشاف البلاء فيسر الله عقب ذلك برفع الوباء، وبلغ عدة من يرد الديوان من الأطفال خاصة من صفر إلى سلخ ربيع الآخر نحو أربعة آلاف طفل، ومن جميع الناس سواهم قدر أربعة آلاف أخرى وأكثر ما انتهى إلى ثمانمائة في الديوان، ويقال جاوز الألف والمائتين. وفي ربيع الآخر اتفق بمصر كائنة عجيبة وهو أن شخصاً كان له أربعة أولاد ذكور فلما وقع الموت في الأطفال سألت أمه أن يختنهم ليفرح بهم قبل أن يموتوا، فجمع الناس لذلك على العادة وأحضر المزين فشرع في ختن واحد بعد آخر، وكل من يختن يسقى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 شراباً مذاباً بالماء على العادة، فمات الأربعة في الحال عقب ختنهم، فاستراب أبوهم بالمزين وظن أن مبضعه مسموم فجرح المزين نفسه ليبرئ ساحته فانقلب فرحهم عزاء، ثم ظهر في الزير الذي كان يذاب فيه الشراب حية عظيمة ماتت فيه وتمزقت فكانت سبب هلاك الأطفال - ولله الأمر. وفي التاسع عشر من شهر رجب وشى الشيخ شرف الدين بن التباني بناظر الكسوة زين الدين عبد الباسط بأنه خالف شرط الواقف في عمل الكسوة، فعقد له بسبب ذلك مجلس وأحضرت الكسوة، فسأل السلطان القضاة: هل يجوز أن يعمل في الكسوة هذا الذهب والزخرفة مع أن شرط الواقف أن يفرق ما فاض من المال بعد عمل الكسوة على العادة في وجوه البر، فتعصب الشافعي لعبد الباسط وقال: هذا من وجوه البر، فنازعه الحنبلي في ذلك، فلم يصغوا واستمر الحال. وفي شعبان تزايد ألم السلطان ثم عوفي وركب إلى بركة الحجاج وأجرى الخيل هناك وسابق بينهما بحضرته، ثم ركب إلى بركة الحبش وسابق بين الهجن. وفيه سرق الإفرنج رأس مرقص أحد من كتب الأناجيل الأربعة من الإسكندرية وكانت موضوعة في مكان، ومن شأن اليعاقبة من النصارى أن لا يولوا بطركا حتى يمضي إلى الإسكندرية ويوضع هذه الرأس في حجره ثم يرجع، ولا تتم هذه البطركية إلا بذلك، فتحيل بعض الفرنج حتى سرقها من الإسكندرية، فاستعظم النصارى اليعاقبة ذلك ووقفوا للسلطان بسبب ذلك، وحج بالناس في هذه السنة التاج الوالي. وفي رمضان ثارت بالملك الناصر أحمد صاحب اليمن سوداء فاختل عقله واعتقل، وأقيم في الملك عوضاً عنه أخوه حسين بن الأشرف، وأعانه على ذلك الأمير محمد بن زياد الكاملي، وكان الغلاء يومئذ ببلاد اليمن شديداً، ووقع عليه جراد أهلك زروعهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 وفي رمضان غلت الأسعار وبلغ الإردب من القمح ثلاثمائة درهم وأزيد، وسبب ذلك كثرة الحرامية بالنيل، فقل الجلب من الوجه القبلي وحمل من الوجه البحري إلى الصعيد من الغلال ما لا مزيد عليه لشدة الغلاء الذي هناك حتى أكلت القطاط والكلاب، وكان سبب ذلك الغلاء بمصر أن النيل نزل بسرعة فزرعوا في الحر على العادة في السنين الماضية فأفسدت الدودة البرسيم، وتأخر المطر في الخريف والشتاء في الوجه البحري فلم تنجب الزروع، وخرج السلطان إلى سرحة البحيرة فأتلف شيئاً كثيراً. وفي رابع عشر شوال عقد مجلس بسبب قرقماش أحد المقدمين من الأمراء، فادعى عليه مملوك أنه قطع أنفه وأذنه، فأنكر فأحضر البينة، فدفعه السلطان للقاضي المالكي. وفي سابع عشر شوال رحل جقمق إلى دمشق لولاية إمرتها، وقرر قطلوبغا التنمي في إمرة صفد عوضاً عن مراد خجا، ورسم بنفي مراد خجا الشعباني إلى القدس. وفي يوم الجمعة حادي عشري شوال قرر الشيخ شمس الدين بن الديري في مشيخة المؤيدية وتدريس الحنفية بها، ونزل السلطان إلى الجامع وخلع عليه، وباشر فرش سجادته إبراهيم ابن السلطان، وتكلم على قوله تعالى " الذين إن مكنهم في الأرض أقاموا الصلوة " الآية وخلع على كاتب السر ابن البارزي، واستقر خطيباً وخازن الكتب، ومد السماط الكبير فأكل الخواص ثم تناهبه العوام، وعرض للسلطان الطلبة فقرر من شاء وصرف من لم يصلح في نظره، وخطب ابن البارزي خطبة بليغة أجاد فيها أداء وإنشاء، واستقر في تدريس التفسير بالمؤيدية بدر الدين ابن الأقصرائي، وفي تدريس الحديث بدر الدين العينتابي، وخلع على ولد كاتب السر القاضي كمال الدين خلعة السفر إلى الحجاز وكذلك على شهاب الدين الأذرعي إمام السلطان، ثم ركب السلطان من يومه إلى الجيزة فأقام ثلاثة أيام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 وفي سادس ذي القعدة قرر الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن علي ابن عبد الرحمن التفهني في قضاء الحنفية عوضاً عن شمس الدين ابن الديري وتوجه السلطان من يومه الى مسرحة البحيرة واستناب في عنبتة اينال الابزعري وقرر مهنأ بن عيسى في امرة ال جرم عوضاً عن علي بن أبي بكر بعد قتله ولبس خلعة من مخيم السلطان وكان قتل علي في حرب بينه وبين محمد بن عبد القادر النابلسي شيخ العشير بها في شوال. وفيها قتل محمد بن بشارة بالقاهرة في آخر شوال وصدقة بن رمضان أحد الأمراء بالتركمان في سيس. وفي ذي الحجة ألزم المحتسب النساء أن لا يعبرن جامع الحاكم، وألزم الناس أن لا يمر أحد منهم إلا وهو مخلوع النعل وشدد على القومة في ذلك، فاستمر ذلك وطهر المسجد من قبائح كانت تقع من النساء والرجال والشباب والصبيان. وفي خامس ذي الحجة وردت هدية علي بك بن قرمان نائب السلطنة بنكندة ولارندة ولؤلؤة. وفي خامس ذي القعدة قبض جقمق نائب الشام على نكباي الحاجب واعتقله بأمر السلطنة، وصلى السلطان عيد الأضحى بالطرانة وخطب به، وصلى العيد ناصر الدين ابن البارزي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 كاتب السر على العادة، وقدم القاهرة ثالث عشر ذي الحجة ونزل في بيت ابن البارزي فأقام به يومين ثم رحل إلى القلعة. وفي السابع والعشرين وصل محمد بن علي بن قرمان صاحب قيسارية وقونية وغيرها من البلاد الرومية مقيداً فأنزل في بيت مقبل الدويدار، ثم احضر إلى الموكب السلطاني في السنة المقبلة. وفيها غلت الأسعار بمكة جداً فبلغت الغرارة خمسة وعشرين ديناراً وهي إردب بالمصري وربع إردب، وحج في هذه السنة الأمير الكبير الطنبغا القرمشي وطوغان أمير آخور وخرجا بعد الحاج بمدة وقدما قبلهم بمدة فغابا ستين يوماً. ذكر من مات في سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة من الأعيان أحمد بن عبد الله بن بدر بن مفرج بن يزيد بن عثمان بن جابر، أبو نعيم العامري الغزي ثم الدمشقي شهاب الدين، أحد أئمة الشافعية بدمشق، ولد سنة بضع وخمسين بغزة، وأخذ عن الشيخ علاء الدين بن خلف وحفظ التنبيه، وقدم دمشق بعد الثمانين وهو فاضل فأخذ عن الشريشي والزهري وشرف الدين الغزي بلديه وغيرهم ومهر في الفقه والأصول، وجلس بالجامع يشغل الناس في حياة مشايخه وأفتى ودرس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 وأعاد واشتهر، ثم أصيب بماله وكتبه بعد الفتنة اللنكية، وناب في القضاء وعين مرة مستقلاً فلم يتم ذلك، وولي إفتاء دار العدل واختصر المهمات ودرس بأماكن وأقبل على الحديث، ولم يبق بالشام في أواخر عمره له من يقاربه في رئاسة الفقه للشافعة إلا ابني نشوان، وهو من أناءه الباعوني في ولايته القضاء الأولى، فلم يزل بعد ذلك في ارتفاع، وكان يرجع إلى دين وعفة من صغره مع علو همة ومروءة ومساعدة لمن يقصده مع عجلة فيه مع عفة في القضاء وحسن عقيدة وسلامة باطن، فكان صديقنا المرجاني يقرظه ويفرط فيه، وجاور في آخر أمره بمكة فمات بها مبطوناً في شوال وله اثنتان وستون سنة، كتب على الحاوي وجمع الجوامع واختصر المهمات اختصاراً حسناً وأجاز لولدي محمد، وبلغني أن صديقه محمد نجم الدين المرجاني صاحبنا رآه في النوم فقال له: ما فعل الله بك؟ فتلا عليه " يليت قوى يعلمون بما غفر لي " الآية، قال القاضي تقي الدين الأسدي: جرت له محنة سنة خمس وتسعين، وحج وجاور ثلاث مرات، وناب في الحكم بعد الفتنة، واستمر وباشر المارستان والجامع فانحط بسبب ذلك، وكان فصيحاً ذكياً جرياً مقداماً، بديهته أحسن من رويته وطريقته جميلة، باشر الحكم على أحسن وجه. أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد، المطري المدني، سمع من العز ابن جماعة، وعني بالعلم. وكان يذاكر بأشياء حسنة، ثم تزهد ودخل اليمن فأقام بها نحواً من عشرة أعوام، وكان ينسب إلى معاناة الكيمياء، مات في أول ذي الحجة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 أحمد بن محمد بن محمد بن عثمان، البارزي، ولد كاتب السر، مات في تاسع عشر ربيع الآخر. أحمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن عياش. الجوخي الدمشقي، نزيل تعز، ولد سنة ست وأربعين، وتعانى بيع الجوخ فرزق منه دنيا طائلة، وعني بالقراآت فقرأ على العسقلاني إمام جامع طولون وجماعة غيره، وكان محظوظاً في بيع الجوخ، ويقرأ كل يوم نصف ختمة، وكان يواظب على الصلاة الأولى بالجامع الأموي، وكان قد أسمع في صغره على علي بن العز عمر حضوراً جزء ابن عرفة وحدث به عنه، وقرأ بدمشق على شمس الدين محمد بن أحمد اللبان وعبد الوهاب بن السلار، وسمع أيضاً من ابن التباني وابن قوالح، وتصدى للقراآت فانتفع به جمع من أهل الحجاز واليمن، وكان غاية في الزهد في الدنيا فإنه ترك بدمشق أهله وماله وخيله، خدمه وساح في الأرض، وحدث وهو مجاور بمكة، واستمر في إقامته باليمن في خشونة من العيش حتى مات، وكان بصيراً بالقراآت، دينا خيراً، جاور بمكة مدة، ثم دخل اليمن فأقام عدة سنين، وكان كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأخذ عنه جماعة في القرآن تلقينا احتساباً، وأنجب ولده المقرئ عبد الرحمن مقرئ الحرم. تندو بنت دسين بن أويس، كانت بارعة الجمال وقدمت مع عمها أحمد بن أويس إلى مصر، فتزوجها الظاهر برقوق ثم فارقها، فتزوجها ابن عمها شاه ولد بن شاه زاده بن أويس، فلما رجعوا إلى بغداد ومات أحمد أقيم شاه ولده في السلطنة، فدبرت عليه تندو زوجته حتى قتل وأقيمت بعده في السلطنة، فحاصرهم محمد شاه بن قرا يوسف سنة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 فخرجت في الدجلة حتى صارت إلى واسط ثم ملكت تستر، وأقاموا معها محمود بن شاه ولد فدبرت عليه حتى قتل لأنه كان ابن غيرها، واستقلت بالمملكة مدة وذلك في سنة تسع عشرة، وجذبت العرب بالبصرة وصار في مملكتها الجزيرة وواسط، يدعى لها على منابرها ويضرب السكة باسمها إلى أن ماتت في هذه السنة، فقام بعدها ابنها أويس ابن شاه ولد وكان منها، وتحارب هو وأخوه محمد ثم سار أويس إلى بغداد بعد محمد شاه ابن قرا يوسف، فقتل أويس في الحرب بعد سبع سنين. سليمان بن فرح سليمان، الحجي الحنبلي علم الدين أبو الربيع ابن نجم الدين أبي المنجا، ولد سنة سبع وستين وسبعمائة، واشتغل علي ابن الطحان وغيره، ورحل إلى مصر فأخذ عن ابن الملقن وغيره، ثم عاد بعد فتنة اللنك فناب في القضاء وشارك في الفقه وغيره وشغل بالجامع ودرس بمدرسة أبي عمر، وكان قصير العبارة متساهلاً في أحكامه، مات في ربيع الآخر. سودون القاضي نائب طرابلس، مات في رابع عشر ذي القعدة. عبد العزيز بن مظفر بن أبي بكر محمد بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 يعقوب بن رسلان، البلقيني قريب شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني عز الدين، اشتغل علي سراج الدين، ورافقنا في سماع الحديث كثيراً، وناب في الحكم، وكان سيئ السيرة في القضاء، جماعة للمال من غير حله في الغالب، زريّ الملبس، مقتراً على نفسه إلى الغاية، وخلف مالاً كثيراً جداً فحازه بعده ولده، وكان يذاكر بالفقه حسناً ويشارك في بعض الفنون، وقد درس بمدرسة سودون من زاده بالتبانه، ومات في ثالث عشري جمادى الأولى. عبد اللطيف بن أحمد بن علي، الفاسي نجد الدين الشافعي، سمع معنا كثيراً من شيوخنا، ولازم الاشتغال في عدة فنون، وأقام بالقاهرة مدة بسبب الذب عن منصب أخيه تقي الدين قاضي المالكية إلى أن مات مطعوناً في هذه السنة. عمر بن أحمد بن عبد الواحد، شاد زبيد، كان له اعتناء بالعلم رحمه الله تعالى. فضل الله بن عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس، مجد الدين بن فخر الدين، ولد في شعبان سنة سبع وستين ونشأ في نعمة وعز في كنف أبيه، فتخرج وتأدب ومهر ونظم الشعر وهو صغير السن جداً، وكان أبوه يصحب الشيخ بدر الدين البشتكي فانتدبه لتأديب ولده، فخرجه في أسرع مدة، ونظم الشعر الفائق، وباشر في حياة أبيه توقيع الدست بدمشق وكان أبوه وزيراً بها، ثم قدم القاهرة وساءت حالته بعد أبيه، ثم خدم في ديوان الإنشاء وتنقلت رتبته فيه إلى أن جاءت الدولة المؤيدية، فأحسن القاضي ناصر الدين البارزي كثيراً واعتنى به ومدح السلطان بقصائد وأحسن السفارة له فأثابه ثواباً حسناً، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 وكانت بيننا مودة أكيدة اتصلت نحواً من ثلاثين سنة وبيننا مطارحات وألغاز، وسمعت من لفظه أكثر منظومه ومنثورة، وجمع هو ديوان أبيه ورتبه، وشعره في الذروة العليا وكذلك منثوره، وجمع هو ديوان أبيه ورتبه، وشعره في الذروة العليا وكذلك منثورة لكن نظمه أحسن منه، وكان قليل البضاعة من العربية فربما وقع له اللحن الظاهر وأما الخفي فكثير جداً، مات في يوم الأحد خامس عشري شهر ربيع الآخر. كزل الأرغون شاوي أحد الأمراء بحماة وزوج بنت كاتب السر، وكان قد ناب في الكرك، ثم في الإسكندرية ثم عزل، فمات في أواخر المحرم. محمد بن إبراهيم، العلوي جمال الدين، أخو الفقيه نفيس الدين، حضر على والده وحدث عنه، مات بتعز. محمد بن أبي البركات محمد بن أحمد بن الرضي إبراهيم بن محمد، الطبري المكي، أبو السعادات، إمام المقام الشافعي، سمع من الجمال ابن عبد المعطي وغيره، مات في جمادى وقد جاوز الخمسين. محمد بن عبد الله بن شوعان، الزبيدي الحنفي، انتهت الرئاسة في مذهب أبي حنيفة بزبيد، ودرس وأفاد. محمد بن عبد الماجد، العجمي سبط العلامة جمال الدين بن هشام الشيخ شمس الدين، أخذ عن خاله الشيخ محب الدين ابن هشام، ومهر في الفقه والأصول والعربية، ولازم الشيخ علاء الدين البخاري لما قدم القاهرة، وكذلك الشيخ بدر الدين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 بن الدماميني، وكان كثير الأدب فائقاً في معرفة العربية ملازماً للعبادة وقوراً ساكناً، مات في العشرين من شعبان، وكانت جنازته حافة، ودفن بالصوفة رحمه الله. محمد بن عمر، الحموي الأصل نظام الدين التفتازاني، كان أبوه حصرياً فنشأ هذا بين الطلبة، وقرأ في مذهب أبي حنيفة، وتعانى الآداب واشتغل في بعض العلوم الآلية، وتكلم بكلام العجم وتزيا بزيهم، وتسمى نظام الدين التفتازاني، وغلب عليه الهزل والمجون وجاد خطه، وقرر موقعاً في الدرج وكان عريض الدعوى، مات في رابع عشري ذي القعدة عن نحو الستين، وله شعر وسط، قرأت بخط القاضي محب الدين الحنبلي: كان حسن المنادمة، لطيف المعاشرة، ولم يتزوج قط وكان متهماً بالولدان، وكان يأخذ الصغير فيربيه أحسن تربية فإذا كبر وبلغ حد التزوج زوجه. محمد بن قاسم، الأجدل ناظر زبيد ثم عدن، ولي إمرة الحج وغيرها. محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن فرحون، أبو البركات اليعمري المالكي، قاضي المدينة، مات بها في المحرم. محمد بن محمد بن علي بن يوسف، الزرندي الشافعي بهاء الدين بن محب الدين، ولي قضاء المدينة وخطابتها في سنة تسع، ثم عزل فدخل دمشق ثم دخل الروم فانقطع خبره ثم قدم، ومات بالطاعون في القاهرة. محمد بن محمد بن علي، بدر الدين ابن الخواجا شمس الدين ابن البراق الدمشقي، أحد أكابر التجار، فجع به أبوه، وكان قد نبغ ف معرفة التجارة وسافر مراراً إلى اليمن وغيرها، ومات في هذه السنة بعدن، ويقال إنه مات مسموماً ولم يكمل الثلاثين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 محمد بن محمد بن محمد، النحريري أبو الفتح فتح الدين المعروف بابن أمين الحكم، سمع على جماعة من شيوخنا، وعني بقراءة الصحيح، وشارك في الفقه والعربية، وأكثر المجاورة بالحرمين، ودخل اليمن فقرأ الحديث بصنعاء وغيرها، ثم قدم القاهرة بأخرة فوعك ومات بالمارستان عن نحو من خمسين سنة. محمد بن محمد بن محمود، الجعفري البخاري الشيخ شمس الدين، اشتغل ببلاده ثم قدم مكة فجاور بها، وانتفع الناس به في علوم المعقول، مات بمكة في العشر الأخير من ذي الحجة عن ست وسبعين سنة. محمد بن يعقوب بن إسماعيل، الشيباني المطري المكي، سمع من عز الدين ابن جماعة والموفق الحنبلي وغيرهما، وولي خطابة وادي نخلة وقبا، مات وله سبعون سنة. محمد المعروف بابن شبيب، القصري التاجر، وكان مقلاً ثم أكثر السفر إلى الإسكندرية إلى أن أثرى فتردد إلى مكة، وقد كان أولاً يشتغل ويحضر دروس شيخنا ابن الملقن وسمع عليه الكثير، مات في 12 شوال. مسعود بن محمود، الكجحاني، كان ولي نظر الأوقاف - وقد مرت سيرته في الحوادث وهي من اقبح السير، مات في 12 جمادى الأولى. الهادي بن إبراهيم بن علي بن المرتضى، الحسني الصنعاني الزيدي، عني بالأدب ففاق فيه، ومدح المنصور صاحب صنعاء، مات يوم عرفة، وله أخ يقال له الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 محمد بن إبراهيم مقبل على الاشتغال بالحديث شديد الميل إلى السنة بخلاف أهل بيته. يحيى بن بركة بن محمد بن لاقى، الدمشقي. كان أبوه من أمراء دمشق، ونشأ هو في نعمة ثم خدم أستاداراً وصار من الأمراء. وقدم القاهرة مراراً، وتقدم في الدولة المؤيدية وصار مهمنداراً وأستادار الحلال. ثم تنكر له جقمق بسبب كلام نقله للسلطان، فأظهر جقمق أن الأمر بخلاف ذلك، فالتمس جقمق من السلطان أن يمكنه منه فأذن له، فرسم بنفيه من القاهرة فأخرج على حمار، فمات في أثناء الطريق غريباً طريداً في حادي عشر صفر، ودفن بغزة. يوسف بن شريكار، العينتابي، ولد سنة ست وستين بعينتاب، وتعانى القراآت فمهر فيها وانتفعوا به. وكان يتكلم على الناس بلسان الوعظ، وكان فصيح اللسان حلو المنطق مليح الوجه، له يد في التفسير، وعاش خمساً وستين سنة - ذكره العينتابي في تاريخه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة في الثاني من المحرم جلس السلطان في إيوان دار العدل، وجلس القضاة والمفتون ومن له الجلوس من الأمراء. ووقف الباقون وبقية العسكر صفوفاً، وأحضر مم بن قرمان مقيداً صحبة داود بن ناصر الدين محمد بن خليل بن محمد بن دلغادر التركمانيِ، فوقف داود مع الأمراء وأخر ابن قرمان، وقرئت القصص على العادة وركب السلطان إلى القصر فأحضر ابن قرمان وداود فخلع على داود. وعاتب السلطان ابن قرمان على تعرضه لطرسوس وعلى قبح سيرته في رعيته فسأل العفو، ثم بدر منه أن قال: يا مولانا السلطان لمن تعطى البلاد؟ فاستسمجه وقال له: ما أنت وهذا؟ ثم أمر به فأخرج فاعتقل، فأقام في الاعتقال سنة كاملة، ثم أفرج عنه بعد موت السلطان المؤيد وأعيد إلى بلاده ثم أرسل للسلطان فاستكتبه إلى نوابه بالبلاد بتسليم القلاع والبلاد كلها ويحذرهم عن تأخير ذلك لئلا يقتل ففعل، فكان هذا المجلس أفخر مجلس جلسه السلطان وأفخمه، ثم جلس في أواخر الشهر مجلساً آخر لحضور رسول كرسجي بن أبي يزيد بن عثمان بهدية من صاحبه فقرئ كتابه وقبلت هديته، وشرع في تجهيز هدية صحبة قاصد من جهة السلطان، فعين له قجقار شقطاي من أتباع إبراهيم ابن السلطان. وفي أوائل المحرم غدر عذراء بن علي بن نعير بنائب الرحبة أرغون شاه، فقبض عليه وحمله إلى عانة. وفي رابع الحرم قدم على يار التركماني أحد الأمراء الإينالية منهم، فأكرمه السلطان. وفيه استقر شاهين الزردكاش في نيابة طرابلس نقلاً من نيابة حماة، واستقر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 في حماة إينال اليوسفي نقلاً من نيابة غزة، واستقر أركماس الجلباني في نيابة غزة. واستقر نكباي بعد الإفراج عنه من سجن دمشق في نيابة طرسوس. وفي حادي عشر المحرم قرر شمس الدين محمد بن مغالي الحيتي في مشيخة الخانقاه المستجدة بالجيزة التي انتزعت من الخروبي وكانت وقفاً على الذرية ثم على الزاوية المجاورة لها فأخفي كتاب الوقف واشتريت للسلطان من الورثة بقدر حصصهم، وغالبهم أشهد عليه ولم يقبض الثمن، واستمر ذلك إلى أن مات المؤيد وندموا على عدم قبض الثمن. وفي سادس عشر المحرم قرر عز الدين عبد العزيز بن علي بن العز الحنبلي مدرس الحنابلة بالمؤيدية في قضاء الحنابلة بدمشق، وقرر عوضه في المؤيدية محب الدين ابن نصر الله البغدادي. وفي العشرين من المحرم أفرج عن برسباي الدقماقي من قلعة المرقب، واستقر في مقدمي الألوف بدمشق، وهو الذي ولي السلطانة في سنة خمس وعشرين كما سيأتي. وفي المحرم وقع المطر الغزير بالوجه البحري فأخصبت الزروع بعد أن كانت جفت وكثر الغلاء بالوجه القبلي فبلغ الإردب دينارين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 وفي أوائل المحرم تسلم علي بن قرمان بلاد أخيه، وعصت عليه قلعة قونيا فحاصرها، وخطب باسم المؤيد في جميع تلك البلاد، ووصلت هدية على المذكور إلى السلطان في صفر وهو في ربيع خيله. وفي العشرين من صفر نزل السلطان إلى بيت كاتب السر على شاطئ النيل، وعمل الوقيد في ليلة الثاني والعشرين وبالغ المباشرون في رمي النفط وترتيب السرج. وفي سادس عشريه نزل السلطان إلى بيت أبي بكر الأستادار يعوده، فقدم تقدمة سنية على العادة. وفيه شاع الخبر بأن قرا يوسف قد تأهب للمجيء إلى الشام، وكان بلغه ما نودي به في حقه في القاهرة، وكان أرسل يطلب التمكين من قرا يلك فلم يجب سؤاله، ثم أرسل يطلب من السلطان الجواهر التي كان السلطان أخذها منه وهو مسجون بدمشق، فرد جوابه بما يكره فتهيأ لدخول البلاد الشامية، فاستعد السلطان لذلك وكان قد لهج قبل ذلك بالمسير إلى بغداد وتمادت الأيام ولا يزداد إلا تصميماً على ذلك. وفي الثامن والعشرين من المحرم سخط السلطان على صدر الدين ابن العجمي بسبب كلام نقل له عنه وهو أنه يتمنى موته ويدعو عليه. وواجهه بذلك أحمد بن الشيخ محمد المغيربي في مجلس السلطان، وتفاحشا في القول فأكد قول ابن المغيربي جماعة دسهم كاتب السر ابن البارزي لبغضه في ابن العجمي، فأمر السلطان بإخراجه من القاهرة وأن يستقر كاتب السر بصفد، فكتب توقيعه في الحال وألزم بالخروج من بيته في يومه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 ولم يمهل ليتجهز، فودع أهله وخرج وهم يبكون كأنما يساق إلى الموت، فسار يوم الجمعة إلى سرياقوس فأقام بها وبات بها فجاءه مستعجل يستحثه، فاتفق أنه بلغ السلطان شناعة ما عومل به من ذلك فأنكره وتغيظ على كاتب السر وقال: من أمرك أن تزعجه؟ وأمر برده إلى القاهرة، فرجع يوم السبت فأقام عند الدويدار إلى يوم الاثنين، فاصعده إلى القلعة وخلع عليه خلعة حسنة وأمره بالسفر لكتابة سر صفد، فشفع له الطنبغا الصغير راس نوبة أن يقيم ويستمر في الحسبة، فقبل ذلك السلطان فرجع إلى منزله وقد فرح الناس به فرحاً شديداً، ونزل كاتب السر ولم يطلع على ما صنع الطنبغا الصغير فوجد القناديل في الشارع قد صففها الباعة فأنكر عليهم ومال أتباعه عليها بالطفئ والتكسير، فما وصل إلى بيته إلا وابن العجمي قد شق القاهرة بخلعة الحسبة، فجهر العامة بسب ابن البارزي وأسمعوه المكروه جهاراً كلما مر بهم، وكثر ذلك حتى هم بالإيقاع ببعضهم ثم سكت وسكتوا، وأشيع أن السلطان غضب على ابن البارزي وأنه يريد عزله، فخلع عليه في سادس صفر خلعة الرضا، وكان أصل الشر بين المحتسب وكاتب السر أن السلطان نزل إلى مدرسته في خامس صفر، فلما رجع مر في طريقه بخباز فاخذ منه رغيفاً ودخل إلى بيت الأستادار عائداً له من مرضه، فوزن الرغيف فجاء نصف رطل فأنكر على المحتسب، وكان يذكر أن الرغيف ثماني أواق، فشق على المحتسب لما بلغه وضرب الخباز ضرباً مبرحاً، وكان من جهة كاتب السر فأرسل يشفع له فضربه بحضرة القاصد، فبلغه ذلك فشق عليه، وبلغ السلطان خبر ابن العجمي من الطنبغا الصغير وتمراز الأعور فدبر هذه القضية المتعلقة بكتابة السر بصفد، فإنهما جلسا عنده يلعبان الشطرنج فقال أحدهما للآخر: إن زركت عليّ بليت بما بلي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 به ابن العجمي؟ فاستفهم السلطان فاخبره، ثم آل أمره إلى أن الوزير شفع في المحتسب عند كاتب السر وأحضره عنده وأصلح بينهما. وفي رابع صفر قدم العالم شمس الدين محمد بن حمزة بن محمد، الحنفي، الرومي المعروف بابن القناري قاضي الممالك الرومية وكان قد حج في العام الماضي وعاد إلى القدس، فاستقدمه السلطان ليستفهمه عن أحوال البلاد فقدم وأكرم، وحضر يوم الخميس للمولد السلطاني بعد أن طلب مرة بعد مرة، فما وصل حتى دخل الليل فالس تحت شيخ المؤيدية ابن الديري، وأشار لهم المؤيد أن يتكلموا في شيء من العلم، فتكلموا فلم ينطق القناري، ثم توجه بعد صلاة العشاء ثم أحضر المولد الخاص ودارت معه مباحث نفيسة، وكان ممن حضر ابن العجمي فتكلم بشيء أنكره عليه كاتب السر وواجهه بتكفيره، فأصبح منزعجاً يحصل الكتب التي تشهد له بصحة ما قال، وعادت العداوة كما كانت أو أشد. وفي خامس ربيع الأول أبل أبو بكر الأستادار من مرضه قليلاً وركب واستصحب تقدمة قيمتها ثلاثون ألف دينار فخلع السلطان عليه، ونزل إلى بيته فانتكس فأقام أربعة أيام ومات، فتكلم السلطان مع الوزير أن يفوض الأستادارية بغير إمرة، فأبى إلا بتقدمة فصاح السلطان عليه وقال: تقدمة للوزارة وتقدمة للأستادارية؟ هذا لا يكون ثم أعرض عنه واستدعى شخص يقال له يشبك الإينالي، وكان أرسله قبل ذلك لكشف التراب فسار بالناس سيرة سيئة فشكوا منه فعزل، فاختاره الآن للأستادارية الكبرى فقرره فيها وخلع عليه، وقرر الوزير في أستادارية ابنه إبراهيم، ثم انتزعت منه بعد قليل وقرر فيها يوسف الحجازي الذي كان يدبر أمر طوغان، وأعطى ولده صلاح الدين الحاجب إمرة طبلخاناة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 وفي الثاني والعشرين من ربيع الأول سافر ابن القناري وصحبته أحمد بن الشيخ شمس الدين الجزري وهو صهره إلى بلاد الروم، وصحبته من جهة السلطان قجقار شقطاي برسالة السلطان إلى ابن عثمان، وسار القناري بتجمل هائل وكان قد جامل أهل البلد وجاملوه، ولم تنتشر عنه دعوى كما انتشرت عن غيره، وكتم ما يبوح به في بلاده من محبة ابن العربي وشغل الناس في الفصوص وغيرها، فأقام هذه المدة بالقاهرة مجموع الخاطر قليل الفضول إلى أن سافر سالماً. وفيه عقد مجلس بسبب زيادة الجوامك لمدرّسي المنصورية، وقام في ذلك الشيخ شمس الدين القمني فحصل بينه وبين المحتسب كلام سيئ وتساخطا، فقام السلطان وتركهم ولم يستقر لهم أمر، وكان ذلك بالمدرسة المؤيدية. وفي ربيع الآخر أمر السلطان ببناء المنظرة التي خربت في التاج والسبع في وجوه وأن يبني حولها بستان، فشرع في ذلك. وفي رابع عشري ربيع الأول أمر السلطان بإبطال مكس الفاكهة مطلقاً، بطل ونقش على الجامع المؤيدي، وفيه كثر الوباء بالإسكندرية وما حولها وكثر الإرجاف بمسير قرا يوسف إلى الجهة الشامية. واشتد بالسلطان ألم رجله وحبس الإراقة، ثم عوفي في أول جمادى الِأولى وركب وفرح الناس. وفي هذه المدة أغرى السلطان بولده إبراهيم وأنه كان يتمنى موته ويعد الأمراء بمواعيد إذا وقع ذلك، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 وبلغ كاتب السر عنه أنه يتوعده بالقتل وتأكد بغضه عنده فحقد عليه ودس على السلطان من أعلمه أنه يتمنى موته لكونه يعشق بعض حظاياه ولا يتمكن منها بسببه إلا خفية، ورتب له على ذلك إمارات وعلامات إلى أن أبغض السلطان ولده وأحب الراحة عنه، ورتبوا له أنه صمم على قتله بالسم أو بغيره إن لم يمت عاجلاً من المرض لما في نفسه من محبة الاستبداد، فأذن لبعض خواصه أن يعطيه ما يكون سبباً لقتله من غير إسراع، فدسوا عليه من سقاه من الماء الذي يطفأ فيه الحديد، فلما شربه أحس بالمغص في جوفه فعالجه الأطباء مدة وندم السلطان على ما فرط فيه، فتقدم الأطباء بالمبالغة في علاجه فلازموه نصف شهر إلى أن أبل قليلاً من مرضه فركب في نصف الشهر إلى بيت عبد الباسط بشاطئ النيل. ثم ركب إلى الخروبية بالجيزة فأقام بها وكاد أن يتعافى، فدسوا من سقاه ثانياً بغير علم أبيه، فانتكس واستمر إلى آخر الشهر فتحول إلى الحجازية، ثم حمل في ثالث عشر جمادى الآخرة إلى القلعة فمات ليلة الجمعة خامس عشره، فاشتد جزع السلطان عليه إلا أنه تجلد، وأسف الناس كافة على فقده وأكثروا الترحم عليه، وشاع بينهم أن أباه سمه إلا أنهم لا يستطيعون التصريح بذلك، ولم يعش أبوه بعده سوى ستة أشهر تزيد أياماً، كدأب من قتل أباه أو ابنه على الملك قبله عادة مستقرة وطريقة مستقرأة - فإنا لله وإنا راجعون، وصار الذين حسنوا له ذلك يبالغون في ذكر معايبه وينسبونه إلى الإسراف والتبذير والمجاهرة بالفسق من اللواط والزنا والخمر والتعرض لحرم أبيه وغير ذلك مما كان برياً من أكثره بل يختلقون أكثر ذلك ليتسلى أبوه عن مصابه به. ولقد حكى لي من شاهده في السفرة التي تجرد فيها إلى البلاد القرمانية منه ما يقضي منه العجب من ذلك، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 وذكره القاضي علاء الدين في ذيل تاريخ حلب فقال: كان شاباً حسناً شجاعاً، عنده حشمة مع الكرم والعقل والسكون والميل إلى الخير والعدل والعفة عن أمور الناس، ودفن بالجامع المؤيدي، وحضر أبوه الصلاة عليه يوم الجمعة وأقام إلى صلاة الجمعة، وخطب به ابن البارزي خطبة حسنة سبك فيها قوله صلى الله عليه وسلم " تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا بك يا إبراهيم ولمحزونون " فأبكى السلطان ومن حضر، ولم يتفق أن السلطان بعد ذلك دخل المؤيدية، ووقع الخلل في أهل دولة المؤيد واحداً بعد واحد كما سنذكره، ولم يتهنأ لهم عيش يجمعهم بعد ذلك. وفي حادي عشر جمادى الآخرة صرف على ابن الطبلاوي من ولاية القاهرة وضرب بين يدي السلطان بالمقارع وصودر على مال، واستقر فيها ناصر الدين ابن أمير آخور. وفي أول يوم من هذا الشهر كملت عمارة الجامع الذي جدده ابن البارزي بجوار منزله وكان يعرف بجامع الأسيوطي، وصلى السلطان فيه الجمعة وخطب به البلقيني، وفي ثانيه نودي أن الحجاب لا يحكمون في الأمور الشرعية؟ فسعى الأمراء في نقض ذلك، فنقض بعد يومين ونودي لهم بالإذن بالحكم. وفي جمادى الأولى أرسل القاضي الحنفي إلى الحاجب الكبير يطلب من عنده غريماً فضرب الحاجب الرسول، فتوجه الحنفي إلى الشافعي فاستعان به فاجتمعا بالسلطان وشكيا ذلك فأنكر على الحاجب وأرسل وأهانه وقال له: لو كنت أنا وطلبت إلى الشرع لسارعت؟ وأمر فنودي بالمشاعلي أن الديون الشرعية لا يحكم فيها إلا القضاة؟ فشق ذلك على الحاجب وقبض على بعض المشاعلية فضربه، وجرسوه ومروا به من على باب الصالحية. فبلغ الحنفي فبادر الحاجب واعتذر بأنه لم يضربه إلا بشكوى عليه بجناية أخرى. وسكن الحال. وفي الثامن عشر من جمادى الآخرة توقف النيل من سادس أبيب وتمادى على ذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 سبعة أيام، فنودي في الناس بصيام ثلاثة أيام ثم خرجوا إلى الصحراء يستسقون. فاجتمعوا ونزل السلطان والقضاة والمشايخ وكثر الجمع جداً، وحضر السلطان راكباً بمفرده فجلس على الأرض، فصلى بهم القاضي ركعتين كهيئة صلاة العيد، ثم رقي منبراً وضع له هناك فخطب خطبتين حث الناس فيهما على التوبة والاستغفار وحذرهم ونهاهم وتحول فوق المنبر، والسلطان في ذلك يبكي وينتحب وقد باشر في سجوده التراب بجبهته، ثم ركب السلطان والعامة محيطة به، فدعا له بعضهم بالنصر فقال: سلوا الله فإنما أنا واحد منكم، واتفق أن نودي على النيل في صبيحة ذلك اليوم باثني عشر ذراعاً، فتباشر الناس بإجابة دعائهم، فاتفق أن السلطان سبح في النيل وهو مقيم في بيت كاتب السر الذي على شاطئ النيل فنودي من الغد بزيادة ثلاثين إصبعاً، فاستبشر الناس بذلك وقالوا إن ذلك ببركة السلطان، فسمع السلطان بذلك فأنكره عليهم وقال: وأنا عنده أسمع: لو علمت بسباحتي يقع ذلك لما سبحت، لأن مثل هذا يضل به العامة، وفي هذه الأيام أشيع أن قرا يوسف حاصر ولده محمد شاه ببغداد واستصفى أمواله، ثم تبين كذب ذلك وأن قرا يوسف كان قد تهيأ للمسير إلى البلاد الشامية. فشغله عنها خروج شاه رخ بن تمر. وفي نصف رجب أمر السلطان مقبل الدويدار أن يلبس صدر الدين ابن العجمي خلعة بكتابة سر صفد وأن يخرجه في الحال، ففعل ذلك وانجمع عن الحسبة وسعى أن يقيم بالقاهرة بطالاً وأن يعفي من كتابة سر صفد، فشفع له عند السلطان فأعفي وألزم بالتوجه إلى القدس بطالاً، فسار في يوم الثلاثاء ثامن عشره، فلما كان في ثالث عشري رجب وجد في أول النهار فرس ابن العجمي وفرس غلامه مع بدويين فانتزعتا منهما وأحضرتا إلى بيت الأستادار فشاع أن ابن العجمي قتل، وخرج نساؤه مشققات الثياب نائحات حتى صعدن القلعة، وصرحوا بتهمة ابن البارزي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 بقتله فأنكر السلطان ذلك وجزم بأنه اختفى بالمدينة، ثم بعث ليكشف عن قتله وبحث من أرباب الإدراك عن ذلك فلم يوقف له على خبر، ثم نودي بتهديد من أخفاه وترغيب من أحضره فلم يفد ذلك شيئاً واستمر مفقود الخبر، فلما كان في أواخر الشره أشيع أنه أرسل إلى أهله كتاباً يخبرهم فيه أنه فر من خوفه على نفسه واختفى، وتوطن خواطرهم عليه وأنه في قيد الحياة فاطمأنوا لذلك وشاع الخبر، فطلب زوج ابنته الذي نقل عنه أنه قرأ الكتاب فأحضر إلى السلطان فاعترف بقراءة الكتاب، فسئل أن يحضر الكتاب فادعى أنه رماه في البئر، فغضب السلطان منه وأمر بضربه فضرب تحت رجليه واعتقل، وتحقق الناس أن ابن العجمي في قيد الحياة إلا اليسير منهم فتمادوا على غيهم ونسبوا ابن البارزي إلى أنه اختلق الكتاب ودسه على أهل ابن العجمي، وحقق أمر حياته اطمئنان أهله بعد ذلك الجزع المفرط، وبالغوا في الطمأنينة حتى أدخلوا بعض بناته على زوجها. وفي العشرين من رجب استقر صارم الدين إبراهيم بن الوزير ناصر الدين ابن الحسام في الحسبة ملتزماً بألف دينار يحملها للخزانة، فباشر وهو بزي الجند ولم تشكر سيرته، وأساء الناس الظن بابن البارزي لسوء اختياره لهذا، لأنه هو الذي قام بأمره في ذلك بعد أن كان زين الدين الدميري قد تعين لذلك. وفي حادي عشري رجب توجه السلطان إلى الآثار فزاره وبر من هناك من الفقراء، ثم توجه إلى المقياس فأمر بهدم الجامع المجاور له وتوسيعه، وكان أمر بتجديد الميدان الناصري مقابل الجزيرة الوسطانية فشرع الوزير في تجديده وصرف عليه مالاً كثيراً فتوجه السلطان فبات به ليلة، وفي صبيحتها وهو ثالث عشري رجب قدم بدر الدين العيني من بلاد ابن قرمان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 وفي الثالث عشر من شعبان برزت العساكر بالأمراء الذين أمروا بالإقامة بحلب لحراستها خشية من طروق قرا يوسف وهم الطنبغا القرمشي الأتابك وطوغان أمير آخور والطنبغا الصغير راس نوبة وشرباش عاشق وجلبان الأرغون شاوي والطنبغا المرقبي الحاجب الكبير وأزدمر النائب وسفروا في نصف شعبان. وفي هذه السنة توجه قرا يلك إلى أرزنكان وبها بير عمر نائباً من جهة قرا يوسف، فنازله إلى أن قبض عليه وعلى أربعة وعشرين نفساً من أهله وأولاده وقتل من عسكره ستين رجلاً وغنم شيئاً كثيراً ورجع منصوراً، فبلغ ذلك قرا يوسف فاشتد غيظه وصمم على قصد البلاد الشامية، وكان السبب في ذلك أن بير عمر المذكور كان أوقع بولد قرا يلك فقبض عليه وجهزه إلى قرا يوسف فقتله، فبلغ ذلك قرا يلك فحنق منه وطرقه في بلده حتى قبض عليه ثم قتل قرا يلك بير عمر المذكور وأرسل برأسه إلى القاهرة، فوصل بها قاصده في أول شعبان فوقع الشروع بالتهيؤ للسفر، وكتبت محاضر بكفر قرا يوسف وولده وأثبت على القضاة، وكان القائم في أمرها تصدر الدين بن العجمي قبل عزله فعزل ولم يتم أمرها فتولى أمرها كاتب السر، وطيف بها على مشايخ العلم فكتبوا في ظاهرها بتصويب الحكم المذكور، ولطف اله تعالى أنني وافقتهم بالكتابة بعد إلزام السلطان لي تم كاتب السر بذلك فالتزمت به ولكن قدر الله بلطفه أنني ما كتبت في ذلك شيئاً إلى الآن، فجمع في رابع شعبان القضاة والأمراء وقرئت عليه الفتاوى فسألني السلطان عن سبب امتناعي عن الكتابة، فاعتذرت بأنهم بدأوا بغيري، فأشار إلى كاتب السر أن يكتب نسخة جديدة ويرسلها إلي. فغالطت بلك ولطف الله مرة بعد مرة أخرى، ونزل القضاة في ذلك اليوم وبين أيديهم بدر الدين البرديني يقرأ من ورقة استنفار الناس إلى قتال قرا يوسف وولده وتعديد قبائحهما، فاضطرب الناس، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 وكان مما ادعى به على قرا يوسف أنه قال: أنا اشرب الخمر وألوط وشاه رخ يصلي ويصوم وسننظر من ينتصر منا؟ وأن ابنه لما مات سل سيفاً وأشار به إلى السماء وقال: إن كنت رجلاً تعال خذني إلا الصبي ما في أخذه رُجلة، وأنه التمس من القاضي جعفر أن يعقد له على امرأة، فقال له: أنت لك أربع نسوة فلا تحل لك الخامسة في شرع محمد، فقال: كان هذا جائع النفس - وأنه أشار إلى شاب أمرد جميل الصورة فقال: هذا الهي الذي أعبده ما هو خير من عبادة الحجارة، فقال له بعض من حضر: هذا كفر، فقال: إن لم يكن الإله فهو أخو الإله - إلى غير ذلك. وفي شعبان ادعى علي ناصر الدين ابن أمير آخور الوالي بأنه قتل رجلاً ظلماً بغير موجب شرعي، فأنكر فأقيمت عليه البينة، فحكم القضاة بقتله بين يدي السلطان، فأمر به أن يقتل في المكان الذي قتل فيه وعلى الهيئة التي قتل المذكور فيها ففعل به ذلك، واستقر في ولاية القاهرة شاب يقال له بكلمش ابن فري من أولاد الحسينية، كان أبوه والي العرب وكان هو عمل ولاية بلبيس ونح ذلك، وهو بالنساء أشبه منه بالرجال، فالتزم بمال كثير يحمله إلى الخزانة فقرر في الولاية فهان أمرها جداً لعدم هيبته وتماديه على الفجور والسكر حتى كان بعض المقدمين في أيامه أحشم منه، وصار العوام يلقبونه قندورتي، لانه طرقه امر يوجب الفزع فارادى أن يقول: ناولوني قباء، فقال: قندورني فبقيت عليه. وفي الثاني عشر من شعبان تزود الطنبغا القرمشي بنت الملك المؤيد وعقد عقده بالجامع المؤيدي، ثم برز في صبيحة ذلك اليوم إلى الريدانية وصحبته الطنبغا الصغير رأس نوبة وطوغان أمير آخور والطنبغا المرقبي الحاجب وجلبان ثاني أمير آخور وأزدمر الناصري وشرباش الكريمي في آخرين توجهوا إلى حلب ليقيموا بها خشية من طروق قرا يوسف، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 فلما وصلوا إلى حلب أمسكوا نائبها إينال النوروزي فحبس بقلعة الشام، وقرر في نيابة حماة آق بلاط الدمرداشي، فلما وصلوا إلى حلب استوحش منهم نائبها يشبك اليوسفي، لأنه استشعر حين عزل نائب حماة أنهم أمروا بالقبض عليه أيضاً وأساء عشرتهم ولم يحسن قراهم ولا ملتقاهم وأقيم الشر، ثم لم يلبث أن بلغه موت السلطان - فكان ما سنذكره في السنة المقبلة، وعرض السلطان المماليك الرماحة بالميدان وتكرر ركوب السلطان في البحر في هذا الشهر إلى الآثار تارة وإلى الخروبية أخرى وإلى المقياس. وفي الرابع عشر من رمضان قرر تاج الدين ابن الهيصم في نظر ديوان المفرد عن صلاح الدين ابن الكوز بحكم وفاته. وفي أول رمضان ثار على السلطان ألم رجله وابتدأ بكاتب السر مرضه. وفي ثالث رمضان ذبح جمل بغزة فأضاء اللحم كما يضيء الشموع، وشاع ذلك وذاع حتى بلغ حد التواتر، وفيه أنه رميت من لحمة قطعة لكلب فلم يأكلها. وفي رمضان ختم البخاري فوقع بين التفهني الحنفي وبين ابن المغلي الحنبلي مباحثة فاستطال الحنفي على الحنبلي، وأعانه عليه غالب من حضر، لما تقدم من استطالة الحنبلي عليه وعلى غيره. وفي عاشر ذي القعدة عزل بدر الدين بن نصر الله عن نظر الخاص، وتسلم الخزانة مرجان الخازندار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 وفي ثامن شوال مات كاتب السر ناصر الدين ابن البارزي وابتدأ بالسلطان مرضه الذي مات فيه، ثم أرجف بموته في ثاني عشري شوال فاضطرب الناس، ثم عوفي في آخره وزينت البلد وتوجه بعض الأمراء بالبشارة، وباع فرساً على العادة فاشتراها علم الدين داود بن الكويز ناظر الجيش باثنين وسبعين ألفاً مؤيدية يكون حسابها ألفين وأربعمائة دينار وحملها إلى السلطان فتصدق بها. وفي الحادي والعشرين من شوال ظهر ابن العجمي فشفع فيه الشيخ يحيى السيرامي عند السلطان فرضي عنه وفرح به أصحابه وأمنه السلطان، واستمر يتردد إلى الأعيان على عادته. وفي ثالث عشري شوال استقر كمال الدين محمد بن ناصر الدين البارزي في كتابة السر عوضاً عن أبيه، واستقر بد الدين بن مزهر في نيابة كتابة السر عوضاً عن كمال الدين، وكان ابن مزهر منذ مات البارزي هو الذي يباشر. وفي أوائل ذي القعدة دل شهاب الدين، الملقب دُرّابه على ذخيرة لناصر الدين البارزي فحولت إلى القلة ومقدارها يزيد على سبعين ألف دينار ما بين هرجة وافلورية وناصرية والناصرية أقلها، فاستشعر الناس أنها ذخيرة لفتح الله لأن ابن البارزي دخل صحبة المؤيد قبل أن يشتهر بالمال الكثير، وفي مدة المؤيد ما كانت المعاملة إلا بالأفلورية وأما الهرجة فقليل جداً فاستولى الملك على ذلك المال وأضافه إلى بيت المال. وفي ذي القعدة أحضر من بعض بلاد الغربية من الوجه البحري محضر يتضمن أن امرأة وبنتها خرجتا تلتقطان ما يسقط من الحب فوجدتا خرقة عتيقة فيها صرة قديم قعد ذلك فوجد فيها بضعة وأربعين مشخصاً وجهر ذلك إلى السلطان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 فوقفنا عليه وأمرنا أن نقرأ ما فين نقشه، فوجدت على الدينار الذي دفع إليّ ضرب هذا الدينار سنة إحدى وثمانين ومائة، وإذا به قد ضرب في خلافة الرشيد بن هارون بن المهدي، وأظن بقية الذهب من ذلك النمط. وفي ثامن شعبان كسر الخليج وانتهت زيادة النيل في هذه السنة إلى ... ، وكان فصل الربيع قليل الحر جداً. وتحرك الطاعون في الفسطاط دون القاهرة وبالإسكندرية بالصعيد ثم تحرك بالقاهرة في أول بؤنة قليلاً ثم ارتفع وكان الصيف قليل الحر أيضاً. وفي جمادى الآخرة أحدثت جمعة بالمدرسة التي أنشأها زين الدين عبد الباسط ناظر الخزانة جوار منزله وأذن له السلطان في إقامتها وأقيمت وبجوارها بنحو سبعة أبيات مكان تقام فيها الجمعة عند ابن وفا، وقرر فيها شيخ خانقاه بها وهو صاحبنا عز الدين عبد السلام العجلوني - وذلك في أول يوم رجب. وفيها رفع إلى القاضي الشافعي أن شخصاً يقال له أبو بكر العزولي يدعي المشيخة ويتكلم على الناس فضبطوا عليه أنه قال: الأنبياء عرايا عن العلم لقوله تعالى " قالوا سبحنك الله لا علم لنا إلا ما علمتنا " ونح ذلك من الأشياء الشنيعة، فمنعه القاضي من الكلام بعد أن عزره بالقول، وهذا أبو بكر هو أخو شمس الدين رئيس المؤذنين بجامع ابن طولون، وفي ذي القعدة مات قرا يوسف التركماني الذي تملك تبريز وبغداد وغيرهما، وخمدت الفتنة بموته جداً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 لطيفة: اشتهر بين الناس أن الذي يريد أن يعرف مقدار نيل السنة ينظر في أول يوم من مسرى إلى منتهى الزيادة فيزيد عليها ثمانية أذرع، حتى سمعت الإمام عز الدين ابن جماعة يحكي ذلك عن أبيه عن جده، وأن بدر الدين ابن جماعة كان يعتمد لك ويدعي أنه لا يخطئ، فاتفق في هذه السنة أنه أخطأ، ثم تأملت فوجدته أخطأ أيضاً في سنة 15، وبيان ذلك أنه في أول يوم من مسرى في هذه السنة كان أكمل ثمانية أذرع وثلاثة عشر إصبعاً، فلو أضيف اثمانية أذرع لكان يلزم أن تكون غاية الزيادة ستة عشر ذراعاً وثلاثة عشر إصبعا والفرض انه انتهى في هذه السنة إلى ثمانية عشر ذراعاً وثلاثة أصابع، وأما في سنة خمس عشرة فكان في أول يوم من مسرى قد بلغ ستة عشر ذرعاً، فلو زيد ثمانية لبلغ أربعاً وعشرين، ولم يقع ذلك. وفي العشرين من شوال عهد المؤيد لولده أحمد بالسلطنة وعمره سنة ونصف، وكان مرضه اشتد وأرجف بموته ثم تنصل ودخل الحمام وزينت البلد، ثم ركب واجتاز بالقاهرة إلى منظرة التاج. ذكر من مات في سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة من الأعيان إبراهيم ابن السلطان الملك المؤبد - تقدم في الحوادث. تغرى برمش ابن يوسف بن عبد الله التركماني زين الدين الحنفي، قدم القاهرة شاباً وقرأ على الجلال التباني وغيره وداخل الأمراء الظاهرية وصارت له عصبية وكان يتعصب للحنفية ويحب أهل الحديث مع ذلك وينوه بهم ويتعصب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 لأهل السنة ويكثر الحط على ابن العربي وغيره من متصوفي الفلاسفة، وبالغ في ذلك حتى صار يحرق ما يقدر عليه من كتب ابن العربي وربط مرة كتاب الفصوص في ذنب كلب، وصارت له بذلك سوق نافقة عند جمع كثير، وقام عليه جماعة من أضداده فما بالى بهم، ولما تسلطن المؤيد عرفه فقربه وأكرمه فقرر عنده بعض تلامذته واستأذنه في الحج والمجاورة، فصار إلىمكة فأقام بها من سنة سبع عشرة إلى أن مات، وصار تلميذه ذلك ينفق سوقه به ويحصل له الأموال ويرسلها وقام له جاه عريض ويم يكن بالماهر في العلم ولكن مشى حاله بالجاه وكتب له توقيع بتغيير المنكرات فأبغضوه ورموه بالمصائب حتى قال فيه شعبان بن داود الآثاري من أبيات: مبارك أبرك منه ما ترى وقد ترجمه الشيخ تقي الدين المقريزي فبالغ في ذمه فقال رضي من دينه وأمانته بالحط على ابن العربي مع عدم معرفته بمقالته، وكان يرمي في نفسه بشنيعة وكان قد اشتغل فما بلغ ولا كاد لبعد فهمه وقصوره، وكان يتعاظم مع دناءته ويتمصلح مع رذالته حتى انكشف للناس سيرته وانطلقت الألسن تذمه بالداء العضال مع عدم مداراته وشدة انتقامه ممن يعارضه في أغراضه، ولم يزل على ذلك حتى مات بمكة ليلة الاربعاء مستهل المحرم. خليل بن عبد الرحمن بن الكويز صلاح الدين ناظر الديوان المفرد، مات في العاشر من شهر رمضان، وكان الجمع في جنازته متوفراً، وكان متواضعاً كثير البشاشة حسن الملتقى كثير الصدقة. عبد الله بن شاكر بن عبد الله بن الغنام، القبطي الصاحب كريم الدين، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 ولي الوزارة في حياة الاشرف ثم باشرها مراراً، وحج كثيراً وجاور، وجعل داره مدرسة، وعمر أزيد من تسعين سنة، ومات في سادس عشري شوال، ودفن بمدرسته بالقرب من الجامع الأزهر، وكان موصوفاً بالعسف في مباشرته، واستمر خاملاً أكثر من ثلاثين سنة. عبد الله بن محمد. السمنودي جمال الدين الشافعي، اخذ عن الشيخ جمال الدين الأسنوي وأبي البقاء والشيخ محمد الكلاي، ولازم الشيخ سراج الدين البلقيني، ودرس بأماكن فنفع الناس مع المروءة والعصبية والقيام في مصالح أصحابه، مات في سلخ رجب ودفن في مستهل شعبان. عبد الله بن مقداد، جمال الدين الأقفهسي المالكي، تفقه على الشيخ خليل وغيره، وشرح الرسالة، وكان قلي الكلام في المجالس مزجي البضاعة في غير الفقه، وولي القضاء مرتين، وناب أولاً في الحكم، ومات وهو على القضاء في رابع عشر جمادى الأولى وقد قارب الثمانين فيما سمعته يقول، ولما مات اتفق أهل الدولة على إقامة جمال الدين يوسف ابن نعيم البساطي، ثم صرف ذلك عنه لابن ابن عمه شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان البساطي، وشمس الدين أفقه وأكثر معرفة بالفنون من جمال الدين لكن جمال الدين أسن وأدرب بالأحكام وأشهم. علي القلندري صاحب الزاوية خارج الصحراء، كان أحد من يعتقد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 قرا يوسف بن قرا محمد التركماني، كان في أول أمره من التركمان الرحالة فتنقلت به الأحوال إلى أن استولى بعد اللنك على عراق العرب والعجم، ثم ملك تبريز وبغداد وماردين وغيرها، واتسعت مملكته حتى كان يركب في أربعين ألف نفس، وكان نشأ مع والده، وكان قد تغلب على الموصل ثم ملكها بعده، وكان ينتمي إلى أحمد بن أويس، وتزوج أحمد أخته وكان يكاتب صاحب مصر وابنه بعد أحمد بن أويس في مهماته - وقد تقدم ذكر شيء من ذلك في الحوادث، ثم وقع بينهما وقتل أحمد رسله فغزاه فهرب أحمد منه، فملك بغداد سنة خمس وثمانمائة، فأرسل اللنك عسكراً فهرب وقدم دمشق، وكان أحمد لما هرب قدمها فتصالحا، ثم توجه قرا يوسف مع يشبك ومن معه إلى القاهرة، فلما كان من وقعة السعيدية سنة سبع وثمانمائة ما كان رجع، وتوجه من دمشق في صفر سنة ثمان إلى الموصل ثم إلى تبريز، ثم واقع مراراً أبي بكر بن مرزا شاه بن اللنك فقتله في ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة واستبد بملك العراق، وسلطن ابنه محمد شاه ببغداد بعد حصار عشرة أشهر، ثم ثار أهل بغداد وأشاعوا أن أحمد بن أويس حي، فخرج محمد شاه من بغداد وكاتب أباه بما اتفق فرجع ودخل بغداد، وفر آل أحمد بن أويس إلى تستر، ودخلها محمد شاه في جمادى الأولى سنة أربع عشرة، وفي غضون ذلك كانت لقرا يوسف مع ليدكي ومع شاه رخ ابن اللنك ومع الشيخ إبراهيم الدربندي وقائع، ثم سار إلى محاربة قرا يلك وكان بآمد ففر منه وتبعه، ودامت الحرب مدة ثم حصر شاه رخ بتبريز فرجع قرا يوسف، وتبعه قرا يلك فنهب سنجار ونهب قبل أهل الموصل وأوقع بالأكراد، واختلف الحجال بين شاه رخ وقرا يوسف حتى تحالفا وتصالحا وتصاهرا، ثم انتقض الصلح سنة سبع عشر وتحاربا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 وفي سنة عشرين طرق البلاد الحلبية، ثم صالحه قرا يلك، ثم رجع يريد تبريز خوفاً من شاه رخ. وفي سنة إحدى وعشرين كانت بينه وبين قرا يلك عثمان بن طورغلي وقعات حتى فر قرا يلك فقدم حلب، انتقل الناس من حلب خوفاً من قرا يوسف وكان قد وصل إلى عينتاب، وكتب إلى المؤيد يعتذر بأنه لم يدخل هذه البلاد إلا طلباً لقرا يلك لكونه هجم على ماردين وهو من بلاد قرا يوسف فأفحش في القتل والأسر والسبي بحيث بيع صغير واحد بدرهمين وحرق المدينة، فلما جاء قرا يوسف أحرق عينتاب وأخذ من أهلها مالاً كثيراً مصالحة وتوجه إلى البيرة فنهبها، ثم بلغه أن ولده محمد شاه عصى عليه ببغداد فتوجه وحصره واستصفى امواله وعاد إلى تبريز، فمات في ذي القعدة وقام من بعده ابنه إسكندر بتبريز، واستمر محمد شاه ببغداد، وكان قرا يوسف شديد الظلم قاسي القلب لا يتمسك بدين، واشتهر عنه أن في عصمته أربعين امرأة، وقد خربت في أيامه وأيام أولاده مملكة العراقين - وتقدم كثير من أخباره في الحوادث. محمد بن الطنبغا القرمشي ولد الأمير الكبير، كان شاباً حسناً شهماً شجاعاً، مات مسلولاً ويقال إنه سقي السم، وأسف عليه أبوه جداً. محمد بن بوزنة البخاري، يلقب نبيرة - بنون وموحدة وزن عظيمة، ذكر أنه من ذرية حافظ الدين النسفي، ونشأ ببلاده وقرأ الفقه وسلك طريق الزهد، وحج في هذه السنة وأراد أن يرجع إلا بلاده فذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال له: إن الله قد قبل حج كل من حج في هذا العام وأنت منهم - وأمره أن يقيم بالمدينة، فأقام فاتفقت وفاته يوم الجمعة ودفن بالبلقي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 محمد بن علي السوهاي ثم المصري جمال الدين، أحد العدول بمصر، كتب المنسوب على شيخنا أبي علي الزفتاوي وانتفع به الناس في ذلك، مات في شهر رجب وقد جاوز الخمسين. محمد بن علي الحبري الشرابي أبوه وأما هو فباشر في أعوان الحك للمالكية، ثم وقعت واقعة سجن بسببها ثم حكم بحقن دمه وأطلق ثم عمل في دكان سكري، ثم توصل إلى أن عمل حسبة مصر ثم القاهرة، وكان عامياً جلفً قليل الخير كثير الشر. لقبه شرف الدين. محمد بن محمد بن حسين، المخزومي البرقي شمس الدين الحنفي، كان مشهوراً بمعرفة الأحكام مع قلة الدين وكثرة التهتك. وقد باشر عدة أنظار وتداريس، مات في جمادى الأولى. محمد بن العلامة شمس الدين محمد بن سليمان، ابن الخراط الحموي شمس الدين الشاعر المنشي الموقع، أخذ عن أبيه وغيره وقال الشعر فأجاد، ووقع في ديوان الإنشاء، وكان مقرباً عند ابن البارزي، ولم يكمل الخمسين، وعاش أخوه زين الدين عبد الرحمن بعده وهو أسن منه إلى سنة أربعين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 محمد بن محمد بن عبد الله بن أحمد، شمس الدين الصغير - بالتصغير - الطبيب المشهور، ولد في 15 جمادى الأولى سنة 745، وكان أبوه فراشاً، فاشتغل هو بالطب وحفظ الموجز وشرحه وتصرف في العلاج فمهر، وصحب البهاء الكازروني، وكان حسن الشكل له مروءة، مات بعد مرض طويل في عاشر شوال. محمد بن محمد بن عثمان، القاضي ناصر الدين البارزي كاتب السر، ولد في شوال سنة تسع وستين، وحفظ الحاوي في صغره واستمر يكرر عليه ويستحضر منه، وتعانى الآداب وقال الشعر، وكتب الخط الجيد، ثم ولي قضاء بلده وكتابة السر بها وقضاء حلب وكتابة السر بالقاهرة طول دولة المؤيد. وكان لطيف المنادمة كثير الرئاسة ذا طلاقة وبشر وإحسان للعلماء والفضلاء على طريقة قدماء الكرماء، ومات في يوم الأربعاء ثامن شوال، ومشى الناس في جنازته من منزله بالخراطين إلى الرميلة، ولم يصل السلطان عليه لأنه كان في غاية الضعف حينئذ. محمد بن محمد بن محمد بن سعيد، الصغاني جمال الدين ابن الضياء ولد قاضي مكة، ناب في عقود الأنكحة، ومات بمكة في ربيع الأول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 محمد بن موسى بن علي بن عبد الصمد بن محمد بن عبد الله، المراكشي الأصل ثم المكي الحافظ جمال الدين أبو المحاسن ابن موسى، ولد في ثالث رمضان سنة سبع وثمانين، وحفظ القرآن، وأجاز له وهو صغير قبيل التسعين وبعدها أبو عبد الله بن عرفة وتقي الدين ابن حاتم وناصر الدين ابن الميلق وجماعة وتفقه، وحبب الطلب فسمع بمكة على مشايخ مكة كابن صديق ومن دونه وعلى القادمين عليها كعلاء الدين الجزري وعبد الرحمن الدهقلي وشهاب الدين ابن منيب، وأخذ علم الحديث عن الشيخ جمال الدين ابن ظهيرة والحافظ تقي الدين الفاسي والحافظ صلاح الدين الأقفهسي وتخرج به في المعرفة في طريق الطلب والعالي والنازل، ورحل إلى الديار المصرية فسمع من شيوخها ثم رحل الشام فأدرك عائشة بنت عبد الهادي خاتمة أصحاب الحجار، وجال في رحلته فسمع بحلب وحماة وحمص وبعلبك والقدس والخليل وغزة والرملة، وسمع بالإسكندرية وغيرها، ثم رجع وقد كمل معرفته، وخرج لغير واحد من مشايخه منهم الشيخ زين الدين بن حسين ومحمل تراجم مشايخه فأجاد فيها، وخرج لنفسه أربعين متباينة متوافقات لكن لم يلتزم فيها السماع بل خرج فيها بالإجازة، ثم رحل اليمن فسمع بها ومدح الناصر أحمد فأجازه وولاه مدرسة هناك، فأقام بتلك البلاد وصار يحج كل سنة، وكان ذا مروءة وقناعة وصبر على الأذى باذلاً لكتبه وفوائده، وكان موصوفاً بصدق اللهجة وقلة الكلام وعدم ما كان عند غيره من أقرانه إباءة من اللهو وغيره من صباه إلى أن مات، فلما كان في هذه السنة قدم حاجاً فعاقهم الريح فخشي فوات الحج فركب في البر وأجهد نفسه فأدركه، وتوعك واستمر مريضاً إلى أن مات في ثامن عشري ذي الحجة ودفن بالمعلى. محمد الشهير بابن بطالة كان أحد المشايخ الذين يعتقدهم أهل مصر، وله زاوية بقنطرة الموسكي، وكانت كلمته مسموعة عند أهل الدولة، واشتهر جداً في ولاية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 علاء الدين ابن الطبلاوي، وكانت جنازته مشهودة، حملها الصاحب بدر الدين بن نصر الله ومن تبعه، ومات في خامس عشري شهر ربيع الأول وقد جاوز الثمانين. موسى بن محمد بن نصر، البعلبكي المعروف بن السقيف القاضي شرف الدين أبو الفتح، ولد سنة اثنتين وخمسين، واخذ الفقه عن الخطيب جلال الدين والحديث عن عماد الدين ابن بردس وغيرهما، واشتغل بدمشق عند ابن الشريشي والزهري وغيرهما ومهر، وتصدى للإفتاء والتدريس ببلده من أول سنة إحدى وثمانين وهلم جرا، وولي قضاء بلده مراراً فحسنت سيرته، وكان كثير البر للطلبة سليم الباطن، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وله أوراد وعبادة، وانتهت رئاسة الفقه ببلده إلى أن مات في هذه السنة في جمادى الآخرة. ناصر الدين بن أحمد بن منصور بن مزني البسكري، كان أبوه من أمراء الغرب صاحب ثروة ومعرفة فحج هو ووقع للسلطان غضب على أبيه فأوقع به، فاستمر ناصر بالقاهرة واشتغل وكان لهجاً بالتاريخ وأخبار الرواة جماعة لذلك ضابطاً له مكثراً منه جداً، وأراد تبييض كتاب واسع في ذلك فأعجلته المنية، ومات في شعبان مها ولم يدخل الكهولة. يوسف بن الشيخ إسماعيل بن يوسف، الأنبابي الشيخ جمال الدين ابن القدوة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 إسماعيل، أخذ الكثير عن شيوخنا وقرأ في الفقه والعربية والأصول وأكثر جداً ثم انقطع بزاوية أبيه بأنبابة، وأحبه الناس واعتقدوه، وحج مراراً، وكان يذكر لنفسه نسباً في سعد بن عبادة، ومات في شوال وخلف مالاً كثيراً جداً. يوسف بن محمد، التركماني المعروف بقرا يوسف بن بيرم خواجا - تقدم في قرا يوسف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 سنة أربع وعشرين وثمانمائة استهلت يوم الاثنين ورئي الهلال في تلك الليلة كبيراً ودام حتى غاب الشفق، وسمعنا بعض الجند يقول إنه رآه ليلة الأحد، كذا ثبت في حلب وكان يوم الاثنين حادي عشر طوبة، وفي أوله اشتد مرض السلطان وأرجف بموته وحصل له ذرب مفرط واستمر إلى أن مات ضحى يوم الاثنين ثامن السنة، وحضر موته الشيخ يحيى السيرامي وبعض الأمراء، ثم اجتمع الأمراء والقضاة والخليفة وسلطنوا ابنه أحمد ولقب المظفر وذلك قبل تجهيز والده، وكان القائم بذلك الأمير ططر وهو يومئذ أمير مجلس، ثم جهز الملك المؤيد وتقدم للصلاة عليه الخليفة، ثم حمل من القلعة إلى مدرسته التي أنشأها داخل باب زويلة، ودفن بها في القبة التي دفن فيها ولده إبراهيم، وتأسف الناس عليه جداً وأكثروا الترحم عليه، وأمطرت السماء ساعة المسير بجنازته مطراً غزيراً جداً حتى مشى الناس في الوحل إلى المدرسة، واخبرني بعض أصحابنا أنه شاهد البرد ينزل من السماء كباراً، وكانت مدة سلطنة المؤيد ثماني سنين وخمسة أشهر وثمانية أيام، وكان ابتدأ استقراره في نيابة الشام في سنة خمس وثمانمائة، فاستوفى في الملك عشرين سنة أميراً صرفاً وفي معنى السلطان وسلطاناً، وكان شهماً شجاعاً عالي الهمة كثير الرجوع إلى الحق محباً في الشرع وأهله صحيح العقيدة كثير التعظيم لأهل العلم والإكرام لهم والمحبة في أصحابه والصفح عن جرائمهم، ومحاسنه جمة. وفي عقب دفن السلطان قبض على الأمير قجقار القردمي وحبس بالقلعة، وكان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 شاع في مدة مرض المؤيد أنه يريد الركوب عليه فلم يقع ذلك، فلما مات المؤيد كان الأمراء مقيمين بالقلعة فلم يتوجه مهم في الجنازة إلا القليل فبادر الأمير ططر وقبض على قجقار، وكان قجقار أراد ذلك فلم يتهيأ له وكان يريد أن يكون هو المتكلم في المملكة فحيل بينه وبين ما أراد، واستقر ططر بتدبير المملكة ولف المؤيديه عليه وقربهم وأمرهم، ونودي في يوم الخميس بالإنفاق على الجند، فأنفق لكل واحد ثمانين ديناراً وأربعة آلاف فلوساً، وكان في خزانة المؤيد جملة مستكثرة من الفلوس، ولم يفتح الأمير ططر الخزانة إلا بحضرة القضاة، فاخذ منها قدر أربعمائة ألف دينار للنفقة، ثم أغلقها وختم عليها وسلم الختم والمفتاح للقاضي المالكي، ثم قبض على جلبان رأس نوبة إبراهيم بن المؤيد وعلى شاهين الفارسي وهما من كبراء الأمراء فأضيفا إلى القردمي وجهز الثلاثة إلى الإسكندرية في يوم الجمعة، وتسحب مقبل الدويدار في طائفة خوفاً على أنفسهم من الحبس فتوجهوا قبل الشام ونزلوا البحر من جهة دمياط في الطينة واستمروا إلى جهة طرابلس وكانوا اتفقوا على الركوب على ططر، وكان فيهم أسندمر النوري أمير طبلخاناة وكان من رؤس النوب ومعه من أمراء العشرة مبارك شاه وجلبان وكمشبغا الحمزاوي ويلخجا الساقي واجتمعوا بالرميلة فتأخر عنهم من كان أحضر واتفق معهم فساقوا هاربين، فتبعهم جاني بك الصوفي ويشبك الأستادار وتاني بك ميق فلم يلحقوهم. وفي الثالث عشر من المحرم استقر بدر الدين بن نصر الله في نظر الخاص مضافاً إلى الوزارة وصرف مرجان الهندي عن التحدث في الخاص، واستقر صدر الدين ابن العجمي في الحسبة وصرف إبراهيم بن الحسام وفرح الناس به، ورتب الأمير ططر للمحتسب في كل يوم دينارين على الجوالي وشرط عليه أن يبطل الدكة ويتوفر ما كان المحتسب يأخذه من البياعين، ثم استقر في الوزارة تاج الدين بن كاتب المناخات في ثاني عشري المحرم، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 وفيه نودي في الجند أن يحضروا ليعاد م ما كان قبض منهم بسبب التجريدة من المال من أيام المؤيد ومباشرة الهروي القضاء، فعظم فرحهم بذلك ودعاؤهم وشرع في إعطائهم ذلك. وفي النصف من المحرم خلع على الأمير ططر خلعة معظمة واستقر نظام المملكة، واستقر تغري بردي بن قصروه أمير آخور وجاني بك الصوفي أمير سلاح وعلي باي دويدارا كبيراً عوضاً عن مقبل، ولقب ططر نظام الملك، وخلع على جماعة آخرين من الأمراء. وفي الثاني عشر منه استقر إينال الأزعري حاجب الحجاب وخلع على القضاة باستمرارهم وعلى كاتب السر وناظر الجيش وناظر الخاص وناظر الإصطبل بالاستقرار أيضاً، ثم استعفى ناظر الجيش من وظيفته فروجع فصمم وتوجه إلى الجيزة فأقام بها، فلما كان في الخامس والعشرين منه قرر في كتابة السر وقرر كاتب السر في نظر الجيش وباشرا ذلك جميعاً، ولبس كمال الدين الخلعة بذلك، في هذا اليوم وتأخر لبس ابن الكويز الخلعة إلى يوم الاثنين تاسع عشري الشهر أو سلخه. واستقر مرجان الخازندار في نظر الجوالي. وفي السابع والعشرين من المحرم توجه يشبك الأستادار إلى الصعيد لدفع المفسدين من العرب واستخلاص الأموال من الفلاحين. وفي أواخر الشهر خرج الأمراء المجردون من حلب، وكان المؤيد أرسلهم في الظاهر لحفظ البلاد من قرا يوسف، وفي الباطن لإمساك يشبك، وأحسن يشبك بذلك فأخذ حذره منهم ولم يتمكنوا منه، فلما بلغتهم وفاة المؤيد سافروا قاصدين القاهرة فلم يودعهم نائبها يشبك اليوسفي، فبلغهم أنه يريد الغدر بهم فحذروا منه، وتبعهم هو فتتبع آثارهم ظاناً أنهم على غفلة عنه فكبسهم فوقع الحرب بينهم، فكبا به فرسه فظفروا به فقتلوه، ورجعوا إلى حلب وقرروا الطنبغا الصغير في إمرتها وتوجهوا إلى جهة دمشق، فلما بلغ ذلك ططر في ربيع الأول أخرج إقطاع الطنبغا هذا وأوقعت الحوطة على حواصله، ثم أخرجت إقطاعات بقة الأمراء فاستقر تاني بك ميق أتابكا على إقطاع القرمشي، ثم أخرجت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 إقطاعات بقية الأمراء المجردين صحبة الطنبغا القرمشي ووقع التباين بين الطائفتين، وكانوا أرسلوا إلى العرب والتركمان الكبكية يأتونهم، فصادف وصولهم يوم نزول العسكر بعين مباركة، وكان نائب القلعة شجاع الدين أحس بالشر من يشبك فأخذ حذره منه وحصن القلعة، فأراد يشبك بحلب فلم يظفر به فخرج طالباً العسكر، فرمى عليه نائب القلعة بالحجارة والسهام فسار وهو يرعد ويتوعده، فما أحسن العسكر المصري إلا وقد طرقهم بمن معه ظناً منه أنه يأخذهم على غرة، وفطنوا به فظفروا به وقتل في المعركة ورجعوا إلى حلب، وكان يشبك المذكور سيئ السيرة حتى أن بعض مماليكه خرج إلى كفر نوران لمهم لأستاذه فرجع فافترى عليه كذبة فلم يكذب أستاذه الخبر ورجع بعسكره، فأوقع بهم فأبادهم قتلاً ونهباً وفسقاً وسبى الذرية، وأحضر أربعة عشر نفساً من شيوخهم وكهولهم فصلبهم. وفي حادي عشر صفر وصل سيف يشبك اليوسفي الذي كان شاد الشربخاناه - ومات المؤيد وهو نائب حلب - وقرينه رأسه، أرسل ذلك الأمراء الذين قتلوه، واتفق الطنبغا القرمشي وجقمق نائب الشام ومن معهم على مباينة المصريين، ثم وقع بينهم الخلف ومال القرمشي إلى المصريين. وفي صفر خلع على الدويدار الكبير على باي وعلى كاتب السر ابن الكويز بنظر المؤيدية وحضراها، وعلى أمير آخور تغرى بردى بنظر الظاهرية، وعلى راس نوبة بنظر الشيخونية، وعلى إينال الأزعري بنظر جامع الأزهر وعمرو بن العاص، وباشروا وظائفهم. وفي ربيع الأول أخرجت إقطاعات الأمراء المخالفين وجددت الأيمان للمظفر وللقائم بدولته ططر، وكتب له تفويض عن الخليفة وشهد فيه القضاة ثم حكموا بصحته، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 ودخلت في رأسه النخوة ولهج بالاستبداد تلويحاً وتصريحاً وأخذ في أسباب ذلك واعانه عليه قوم آخرون، وشرع في إرضاء من خشي شره ومخالفته بالمال. وفي يوم الخميس أول يوم من ربيع الأول ثم ثبت أنه ثانية عمل المولد السلطاني وأحضر المظفر فاجلس مجلس أبيه وهو ابن سنتين بل لم يكملهما، فجلس ساكتاً لا يتكلم ولا يقلق ولا يعبث قدر ساعة رملية ثم رفع، ثم أعيد عند مد السماط فجلس مجلس أبيه أيضاً على الصفة الأولى من السكون، وبلغ جقمق نائب الشام ما وقع بمصر فاستولى على القلعة وأمسك نائبها. وفي خامسه نزلت الشمس برج الحمل، وفي صفر أطلق ناصر الدين محمد بن قرمان الذي كان قبض عليه في سنة 22 وفوضت أمور بلاده لأخيه علي فأعيد محمد إلى مملكته، وسار في يوم الجمعة خامس عشري صفر من البحر، وسار معه شمس الدين الرومي المعروف بشاكر والهروي، وزوده الأمير ططر بمال وقماش وخيل وخيام وجهز معه سفراً، فيقال إن الريح عصفت عليهم فتوجهت المركب نحو قبرس، فبلغ ذلك صاحبها فكارمه بهدية، وفي يوم الأربعاء حادي عشره أمسك كمال الدين ابن البارزي وعوق من وقت العصر إلى صبيحة الاثنين، فشفع فيه صهره ابن الكويز واستكتبه خطه بستة آلاف دينار. وفيه قبض علي ناصر الدين بن العطار الذي كان نائباً بالإسكندرية ثم أفرج عنه بعد أيام، وفيه وصل يشبك الإينالي الأستادار من الصعيد بعد أن أجاح أهله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 فصرف بعد قليل من الأستادارية، واستقر فيها صلاح الدين ابن ناظر الخاص في سابع عشر ربيع الأول. وفي يوم الاثنين العشرين من شهر ربيع الأول كان أول الخمسين؟ عند المصريين، وحصل فيه حر شديد وسموم مفرط، وكان ذلك في أواخر آذر وأوائل نيسان، فاشتد ذلك حتى صار كأشد ما يكون في تموز ولو كان لا برد الماء لهلك الناس، ثم ارتفع ذلك بعد عشرة أيام وأمطرت السماء مطراً غزيراً برعد وبرق وغاد مزاج الفصل إلى العادة من البرد المتوسط. وفي شهر ربيع الآخر أقيمت خطبة في تربة الزمام خارج الصحراء بالقرب من جامع طشتمر وحضرها جماعة من ضيق المكان جداً وحكم بصحة ذلك القاضي الحنفي. وفيه استقر شمس الدين محمد بن قاضي القضاة الحنفي التفهني في قضاء العسكر وإفتاء دار العدل عوضاً عن شمس الدين القرماني المعروف بشاكره الهروي بحكم انتقاله إلى بلاده صحبة ابن قرمان. وفي رابع ربيع الآخر نزل الأمير ططر في موكب كبير ومعه جمع كثير من الأمراء والخاصكية والمماليك وغيرها فدخل المدرسة المؤيدية، وزار المؤيد وضيفه شيخها بحلاوة عجمية. وفي رابع عشري صفر قبض على ابن وباب وكان من قطاع الطريق بالاطفحية، وقد جمع كثيراً من المفسدين وسماهم بأسماء الأمراء، فإذا مرت مركب فيها غلة سأل عن صاحبها، فإذا قيل الأمير فلان، استدعى بذلك الذي سمي باسمه فقال له: هذه مركبك خذها، واستطالوا على الناس جداً. وفي ربيع الآخر نازل عذراء أمير العرب ببلاد حلب فخرج الطنبغا الصغير النائب إذ ذاك بها فأوقع به فكسر عذراء وانتهب جماله ومواشيه، وهرب في أسوء حال ورجع العسكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 الحلبي منصوراً، ثم توجه النائب المذكور إلى جهة ابن كبك التركماني، فالتقى الجمعان بين قلعة المسلمين وعينتاب فكان القتال واشتد الخطب، ثم وقع النصر للحلبيين فأوقعوا بالتركمان وانتهبوهم وغنموا منهم شيئاً كثيراً جداً وقتل منهم جماعة واسر جماعة فوسط منهم بسوق الخيل. وفي ربيع الآخر رخص الورد جداً بحيث بيع على رؤوس الباعة على حساب كل ألف وردة بقدر عشرين درهماً بمعاملة القاهرة فيكون بالدينار الهرجة المصري خمسة عشر ألف وردة، فلما كان في سنة ست وعشرين كان قليلاً، وأكثر ما رخص أن كان على الضعف من هذه السنة. وفي سابع ربيع الآخر أنفق الأمير ططر نفقة السفر لكل مملوك مائة دينار، وأعطى القضاة من النفقة لكل واحد كما لواحد من المماليك، وخلع على القضاة الأربعة جبباً بسمور. وفي جمادى الأولى ادعى شخص من عرب الصعيد يقال له عزام النبوة زعم أنه رأى فاطمة الزهراء بنت النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة فأخبرته عن أبيها أنه سيبعث بعده، وأطاعه ناس وخرج في ناحيته، فقام عليه نجم الدين عبد الرحمن بن عبد الوارث البكري وسعى إلى أن قبض عليه فضربه تعزيزاً وحبسه وأهانه فرجع عن دعواه وتاب - هكذا أخبرني به - عبد الرحمن المذكور. وفي التاسع عشر من ربيع الآخر خرجت العساكر المصرية متوجهة إلى الشام بسبب مخالفة الأمراء بالشام عليهم، وكان الأمراء قد توجهوا من حلب بعد قتل نائبها يشبك إلى دمشق وانضم م مقبل الدويدار الذي كان تسحب وتحالفوا الجميع على المعاونة وعلى تقدمة الدولة المؤيدية وطرد النوروزية، فبلغ ذلك ططر فأنفق في العساكر في تاسع الشهر وبذل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 الأموال ولم يرد سائلاً حتى نفد بيت المال الذي كان المؤيد ادخره ولم يبق معه منه إلا القليل صحبته، وقرر الأمير ططر في الإصطبل جقمق أخا جركس المصارع وهو الذي ولي السلطنة بعد الأشرف، ونائب الغيبة قانباي الحمزاوي، ونائب القلعة قطج وضرب خامه في الرابع عشر بالريدانية، ثم خرج في المقدمة على باي الدويدار والحاجب إينال وغيرهما، ثم توجه العساكر في يوم الجمعة الثاني والعشرين منه ووصل جاليش الشاميين إلى غزة، فلما بلغهم وصول العساكر انهزموا بغير لقاء، واستأمن جلبان أمير آخور وإنيال النوروزي وحضرا إلى المصريين في أثناء طريق غزة، وتوارد غالب من كان في المقدمة إلى أن كان الذي حضروا عن ططر بغزة ستمائة نفس منهم، وكان دخولهم غزة في ثاني جمادى الأولى يوم الاثنين في دست كبير وأبهة هائلة، ثم وقع بين الشاميين مباينة فقام الطنبغا القرمشي ومن انضم من الأمراء المجردين على جقمق ومن معه، فانكسر جقمق وقر هو ومقبل الدويدار وطوغان أمير آخور إلى صرخد فتحصنوا بها، استقر الطنبغا القرمشي حاكماً بدمشق، ووصلت عساكر المصريين إلى دمشق في نصف الشهر، وألقى القرمشي ومن معه بالمقاليد وطلبوا الأمان ودخلوا في الطاعة، فأمسكوا بعد قليل وقتلوا، ثم جهزت طائفة إلى صرخد بسبب جقمق ومن معه، واستقر قطلوبغا التنمي بطالاً وشرباش عاشق والطنبغا المرقبي بطالين بالقدس، واستقر ثاني بك ميق نائب الشام وقرر عوضه جاني بك الصوفي أتابك العساكر. وفي رابع ربيع الآخر قتل راشد بن بقرا أمير العرب بالشرقية واستقر عوضه شعبان بن عيسى، وكان راشد مشكور السيرة، وفي ليلة الثلاثاء سادس عشر جمادى الآخرة أمطرت السماء بعد المغرب مطراً يسيراً، وذلك بعد نزول الشمس السرطان بليلتين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 وفي يوم السبت العشرين منه ابتدئ النداء على زيادة النيل، وكانت القاعدة أربعة أذرع وعشرين إصبعا. وفي سلخ جمادى الآخرة توقف النيل، ثم استمرت الزيادة ورخصت الأسعار. وفي رمضان ورد مرسوم السلطان بقتل الأمراء المسجونين بالإسكندرية فقتلوا، منهم قجقار القردمي. وفي الرابع من رمضان أحضر إلى صدر الدين ابن العجمي المحتسب رجب بن سليمان غلام ابن خير ومعه جمع كثير، فذكروا أنهم كبسوه مع صبي وهو يلوط به نهاراً، فأمر بضربه بالعصي وبالدرة وحبس وكان قد أنكر ذلك لما شهدوا عليه، فأمر شخصاً أن يكشف عن ذكره ويعصره ففعل فخرج منه المني فلم يسمع فأفحش منها، ثم أطلق هذا الرجل واستمر على حاله، وكان هذا يخدم القاضي ابن خير فصار بعده يستجدي من الطلبة ويرافقهم في الطلب وفي سماع الحديث فسمع كثيراً لكنه يزن بالهنات ولا يزال يحصل في مكروه من ذلك إلى أن وقعت له هذا الواقعة فكانت أشد شيء اتفق له، ثم اتفق أن المحتسب عزل بعد يومين فرجع رجب إلى عادته وعاش بعد صدر الدين دهراً، ولما توجه الطنبغا القرمشي ومن معه من الأمراء وهم طوغان أمير آخور وجلبان وآزدمر الناصري وجرباش إلى دمشق وتأخر من رفقتهم الطنبغا الصغير في نيابة حلب واتفقوا مع جقمق نائبها الذي كان دويدار المؤيد على مخالفة المصريين، ثم وقع بينهم الحرب فانتصر الطنبغا وفر جقمق ومن وافقه إلى صرخد فتحصنوا بها ووصل ططر مع العسكر المصري إلى الغور، فكتب القرمشي إلى ططر بطاعته هو ومن معه ثم خرجوا إلى ملاقاة العسكر إلى أن دخلوا دمشق وخلع على الجميع، فلم يمض نهار دخولهم حتى قبض على القرمشي وقتل واعتقل جماعة غيره ممن كان معه، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 واستقر إينال الجكمي في نيابة حلب، ثم خرج ططر بالعسكر إلى حلب فاستمر بها نحو أربعين يوماً حتى قرر الأمور بها وقرر في نيابتها تغري بردى الذي يقال له ابن قصروه ونقل إينال الجكمي وحضر أمراء القلاع ونواب البلاد عنده ودخلوا تحت طاعته، ثم رحل عنها طالباً دمشق وكان خروج العساكر صحبة ططر من حلب في ثاني عشر شعبان قاصدين دمشق فوعك ططر في الطريق ثم عرفي ودخل دمشق في الرابع والعشرين من شعبان، فأقام بها قليلاً وقبض على إينال الجكمي وإينال الأزعري ويشبك الأنالي الأستادار وجلبان وأزدمر الناصري وعدة معهم من الأمراء الأربعينات والعشرات واعتقلهم وذلك في الثامن والعشرين من شعبان، وبات تلك الليلة عنده ثاني بك ميق النائب بدمشق وغيره من خواصه فلما أصبح يوم الجمعة سلخ شعبان طلب الخليفة والقضاة الأمراء إلى القلعة فبايعوه بالسلطنة، وخلع المظفر أحمد لصغره وعجزه، وخطب له ذلك اليوم على المنابر بدمشق وما قاربها، واستمر إلى رابع عشر رمضان فرحل بعد صلاة الجمعة طالباً الديار المصرية وقرر بدمشق نائبها تاني بك ميق المذكور، وقرر في طرابلس تاني بك البجاسي نقلاً من نيابة حماة وقرر في نيابة حماة جارقطلي، فدخل القاهرة يوم الخميس رابع شوال، وكان استقر أركماس الجلباني نقلاً من نيابة .... إلى نيابة طرابلس عوضاً عن شاهين الزردكاش، ووصل رسول جقمق ومن معه من صرخد في طلب الأمان، فجهز م بعض الموقعين وهو بدر الدين ابن مزهر صحبة الأمير برسباي الدقماقي وهو الذي ولي السلطنة بعد ذلك ووصل مقبل سفيراً منهم، ثم توجه بدر الدين ابن مزهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 موقع الدست فاستنزل الأمراء من صرخد وأحضرهم إلى دمشق فقتل جقمق في شعبان وحبس طوغان أمير آخور. وفي أواخر رجب عزل إينال الجكمي من نيابة حلب واستقر بها تغرى ابن قصروه. وفي شعبان أمسك جماعة من الأمراء منهم يشبك الأنالي الذي كان أستاداراً وعلى باي الدويدار وإينال الأزعري وآخرون فحبسوا وقبض على الأمراء المؤيدية لما أرادوا الوثوب إلى ططر في آخر شعبان وهم على باي الدويدار وجلبان ومغلباي وإينال الجكمي ويشبك الأنالي وأزدمر الناصري، وكان طلب أولاً الدويدار ومغلباي ثم طلب الباقين واحداً واحداً فلما تكاملوا بالقلعة قبض عليهم ثم أودعهم الاعتقال ليلة الجمعة، وبات عنده بقية الأمراء مثل نائب الشام تاني بك ميق وإينال العلائي وجاني بك الصوفي وبرسباي الدقماقي وهو الذي ولي السلطنة بعد ذلك واستقر برسباي دويداراً كبيراً، وجعل الدويدار أتابك دمشق، وجاني بك الصوفي أتابك مصر ويشبك أمير آخور، فلما أصبح يوم الجمعة تاسع عشري شعبان الموافق لأول يوم من السنة القبطية تسلطن ططر بدمشق ولقب الملك الظاهر، وكني أبا الفتح وبايعه الخليفة والقضاة المصرية والشامية وخطب له على منبر دمشق، ووصلت الطاعة من نواب البلاد: وكان خروج ططر من حلب بالعساكر يوم الاثنين ثاني عشر شعبان فنزل بعين مبارك يومين، ووصل وهو بها علي بك بن خليل بن قراجا بن دلغادر أمير التركمان بناحية مرعش طائعاً فتلقاه بالإكرام وفوض نيابة عينتاب ودرنده وغير ذلك مضافاً لما بيده وأذن له بالتوجه، وسار ططر إلى جهة الشام ليلة الأربعاء رابعة عشرة، فوصل وهو بمنزلة ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 مقبل الدوادر نائب الشام بوصول جقمق وطوغان من قلعة صرخد فسر بذلك، ودخل دمشق يوم السبت رابع عشري شعبان، وأحضر الأميرين فقبلا الأرض فأمر بتوجيه طوغان إلى القدس بطالاً وبإعادة جقمق إلى السجن فأعيد، فقدرت وفاته ليلة الثلاثاء سابع عشري شعبان ودفن ليلة يوم الأربعاء بمدرسته التي أنشأها بدمشق عند باب الجامع الشمالي، وكان ظالماً غشوماً متطلعاً إلى أموال الناس، وفيه وقع المحتسب صدر الدين ابن العجمي والتاج الوالي مخاصمة ثم اصطلحا، ثم جاء الأمر بعزل صدر الدين واستقرار جمال الدين يوسف البساطي الذي كان قاضي المالكية في الحسبة واستقر في خامس شهر رمضان، والتزم صدر الدين بأن لا يتردد إلى أحد، وضيق على بعض أتباعه ثم أفرج عنهم، واستمر البساطي في الحسبة إلى أن مات الظاهر ططر فصرف في ثالث عشري ذي الحجة وأعيد ابن العجمي. وفي رابع عشر شهر رمضان توجه السلطان الظاهر والعساكر من دمشق إلى جهة الديار المصرية، ودخل القاهرة في رابع شوال وكان يوماً مشهوداً. واستقر برسباي دويداراً كبيراً، ويشبك الذي كان دويداراً صغيراً ولي إمرة الحاج، وفر من المدينة أمير آخور وطرباي حاجباً كبيراً، ودخل هؤلاء بالخلع إلى القلعة. واستقر مرجان الخازندار زماما، وصودر كافور وألزم بيته، فسكن في تربته بالصحراء. وفي هذا الشهر وصل جماعة من الأمراء المتسحبين في زمن المؤيد وهم سودون بن عبد الرحمن الذي ولي نيابة الشام بعد ذلك وطرباي الذي ولي الأتابكية بعد ططر ويشبك الدويدار الذي كان فر من المدينة الشريفة وهو أمير الحاج وقجقار السيفي مراد خجاوي وخليل ابن أمير سلاح وجماعة، فلما وصلوا إلى الفرات تبعهم ابن كلجا موسى الكردي وجمع عليهم عسكراً من التركمان والعرب، فوقع بينهم القتال فقتل خليل المذكور وانهزم الباقون بأسوء حال فتلقاهم نائب حلب ...... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 وكان وصول السلطان شقحب في آخر جمادى الأولى، فقام عسكراً حلب مع نائب القلعة شاهين الأرغون شاوي، ورمى عليه وفاجأه بمن تبعه مفاجأة منعته من الكبس، فخرج من دار السعادة حاسراً حافياً وتفرق جمعه، فتوجه بمن معه إلى حلب فلم يمكنوه من دخولها فاستمر ذاهباً، فاختلف في أمره، وكان معه كمشبغا الجمالي أميراً كبيراً كان بحلب فانقطع ذكرهما، وقرر المظفر في نيابة حلب، إينال الجكمي، وآق بلاط الدمرداشي في إمرة كمشبغا، وأحمد ابن سبري حاجب الحجاب، وبردبك نائب سيس أمير عشرة، ودخل إينال الجكمي نائب حلب في رابع رجب ... وطلب السلطان الظاهر أركماس الجلباني فأمره بالوصول إلى الشام ليسافر معه إلى القاهرة، فاستشعر الشر فتسحب وخرج من طرابلس بمن معه قاصداً حلب، فلما وصل إلى صهيون ركب عليه جماعة من التركمان والفلاحين فأخذوا عليه المضايق ونهبوا أثقاله، وفر هو نفر قليل إلى ناحية الشغر من عمل حلب. فلما وصل إلى ديركوس أمسك وبعث نائب حلب سيفه إلى السلطان واعتقله واستقر في نيابة حماة جارقطلي وتوجه نائب حماة وهو تاني بك البجاسي إلى طرابلس. وفي رجب وصل المظفر ومدبر دولته ططر رسول شاه رخ ابن اللنك يخبر فيه أنه نازل بتبريز وبها إسكندر بن قرا يوسف فهزمه وملكها شاه رخ، ووصل ولد قرا يلك من أبيه مهنئاً للظاهر بالسلطنة فخلع عليه وكتب إلى والده بالرضا وتقريره في البلاد، ووصل رسول صاحب الحصن مهنئاً بالسلطنة فأكرم. وفي النصف من شوال استقر الشيخ ولي الدين ابن شيخنا الحافظ زين الدين العراقي في قضاء القضاة الشافعيين عوضاً عن البلقيني بحكم وفاته. وفي ذي القعدة استقر زين الدين عبد الباسط بن خليل ناظر الخزانة في نظر الجيش وعزل كمال الدين ابن البارزي، فكانت مدة ولايته سنة ما بين كتابة سر ونظر جيش الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 ولزم بيته بطالاً، وقرر له في الجوالي كل يوم دينار، وانتزع شرف الدين بن عبد الوهاب بن نصر الله من عبد الباسط نظر الخزانة ونظر المشاجرات السلطانية بالشام وغير ذلك مما كان يباشره ومن ذلك نظر الكسوة. وفي هذه السنة حججت بعد أن توجه الحاج بعشرة أيام على رواحل فوصلت م بالقرب من الحوراء ورافقتهم إلى مكة ثم عدت صحبتهم، وكانت الوقفة يوم الجمعة بعد تنازع بمكة مع أن العيد كان بالقاهرة يوم الجمعة، وفيه سار شاه رخ إلى بلاده لما بلغه أن ولده خرج عليه، فكر راجعاً وترك تبريز، فرجع اإسكندر بن قرا يوسف. واستمر الظاهر ططر موعوكاً ينصل تارة ويشتد به المرض أخرى، وصار يحضر الموكب داخل القاعة البيسرية عجزاً عن الركوب، وتمادى به ذلك إلى أن اشتد به المرض في ذي الحجة فأوصى وعهد بالملك لولده وقرر الدويدار الكبير برسباي أتابك العساكر، ومات الظاهر في يوم الأحد خامس ذي الحجة، فكانت سلطنته خمس وتسعون يوماً. واستقر في السلطنة بعده ولده الملك الصالح محمد وهو ابن تسع سنين واستقر الدويدار الكبير في تربيته وسكن الأشرفية التي كان يسكنها ططر قبل السلطنة، واستقر جاني بك الصوفي أتابك العسكر، فلما كان يوم الجمعة بعد صلاة العيد تحيل بعض الممالك على جاني بك فأمسكوه وكان قد ركب بالرميلة فرموا عليه بالسهام فخرج جاني بك من باب الإصطبل وخرج برسباي من باب السر فوقع القتال بينهم فأمسك وأمسك يشبك أمير آخور وأرسلا إلى الإسكندرية في حادي عشر ذي الحجة، واستقر طرباي أتابك العساكر، واستقر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 برسباي نظام الملك وسودون بن عبد الرحمن دويداراً كبيراً، وكان جاني بك قد أغلظ على المباشرين بدواوين السلطان ففرحوا بالقبض عليه، وكان ابن نصر الله استعفى من الأستادارية فأعفي، واستقر أرغون شاه وبسط يده بالظلم فكفه برسباي، واتفقوا على أن ينفقوا نفقة البيعة لكل شخص خمسين ديناراً، ثم تأخرت ذلك. وفيها انقرض ملك بني مرين من فاس بقتل صاحبها أبي سعيد عثمان بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني، قتله مدبر مملكته عبد العزيز اللبابي وقتل إخوته وأولاده وأكابر البلد وأبطالها وشيوخها وكانت فتنة كبيرة، وأقام محمد بن أبي سعيد في المملكة واستبد هو بتدبير الأمور، ولم ينتظم من يومئذ لبني مرين أمر - فسبحان من لا يزول ملكه! وفيها لما رجع السلطان من الشام لاقاه الهروي فشكى من حسن ناظر القدس وطلب أن يعاد ما أخذ منه من المال وأن يعاد نظر القدس، فأمر بإعادة المال وهو ثلاثة آلاف دينار، ولم يجبه إلى تولية النظر بل رتب له على الجوالي كل يوم ديناراً. وفيها همّ تغري بردى ابن قصروه بالعصيان، وأحضر كزل المؤيدي الذي كان هارباً من المؤيد ببلاد الروم، وجمع الأمراء بدار العدل بحلب وأمسك جماعة منهم وجاهر بالعصيان، فبلغ الظاهر ذلك فاستناب تاني بك البجاسي نائب طرابلس فوصل إلى حلب وصبته العساكر، وكان الأمير آق بلاد الدمرداشي الذي استقر أميراً كبيراً بحلب قد فر من تغري بردى لما أحس بقبض الأمراء فاستمر في فراره إلى حماة، ودخل جاني بك حلب وفر تغري بردى منها، وكتب الظاهر إلى عسكر الشام وغيرها بالتوجه إلى حلب للقبض على تغري بردى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 فتوجهوا، وكان نائب الشام تاني بك ميق العلائي ضعيفاً فتأخر بدمشق، وبلغ تغري بردى الخبر فاضطربت أحواله وأراد الفرار، فقام عليه أهل القلعة وأهل البلد وقاتلوه، فهرب على وجهه بغير قتال فوصل إلى العمق فاجتمع بكزل هذا وهو الصهيوني المؤيدي تحت حارم، وكان قد أرسله قبل ذلك ليجمع له التركمان فرجع وقد جمع عوناً، فأشار بأن اطرق أهل حلب بغتة، فلما هجموها بادر أهل البلد فصدوهم عن ذلك ورموهم بالحجارة وناوشوهم القتال واجتمعوا عليهم وقد نزلوا ليلاً فوقع عليهم مطر عظيم بحيث تفرق جمعه فخاف على نفسه فولى راجعاً إلى جهة الشمال واتفق له ذلك كله والأمراء الذين تجهزوا من الشام لقتاله قد وصلوا إلى المعرة فجدوا السير إلى أن دخلوا حلب، ولبس تاني بك خلعة النيابة ونزل بدار العدل، ثم انتخب عسكراً وتوجه في أثر تغري بردى إلى جهة كركر، وانقضت هذه السنة على ذلك. ومن الحوادث في غيبة العسكر توجه قانباي الحمزاوي إلى الصعيد لإصلاح أمورها، ورجع إلى القاهرة في مستهل جمادى الآخرة. وفيها اجتمع أهل الشيخونية فالتمسوا من نائب الغيبة أن لا ينفصل عنهم شمس الدين القرمشي من التحدث في أوقافهم، وكان إينال راس نوبة قد أقامه فأحسن التدبير وقرر الأمور، فلما ورد الخبر باستقرار إينال في نيابة حلب تعصب قوم للشيخ شرف الدين التباني شيخ المكان، وكان القرمشي قد ضيق عليه ومنعه من التصرف، فأغرى به أهل الشيخونية وتعصبوا للقرمشي فأعاده الحمزاوي، فأوقدت له الشموع وحضر وقت المغرب ووعدهم بالجميل، وغضب الشيخ شرف الدين من ذلك فصرف عنهم القرمشي، واستقر تقي الدين بن حجة موقع الدست في مكانه، فلما استقر قصروه راس نوبة أعاد القرمشي، فقام أهل الشيخونية وكتبوا على الشرف التباني محضراً بأنه لا يحسن المباشرة وغير ذلك. وفي يوم الاثنين الرابع من شعبان نودي على النيل بثلاثين إصبعاً، فتراجع النيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 وكان الوفاء في يوم السابع عشر من مسرى وكسر في الثامن عشر منه، وانتهت زيادته في هذه السنة في ويم الجمعة ثامن عشري مسرى ثمانية عشر ذراعاً ونصفاً. وفي أواخر ذي القعدة غضب القاضي ولي الدين من بعض الأمراء فعزل نفسه، وكان السلطان مشغولاً بالمرض ثم أفاق فطلب أن يوصي، فحضر القضاة فكلمه الوزير في إعادة القاضي فأشار برأسه أن نعم، واستمر وكان ذلك في الثاني من ذي الحجة، ولما عاد الظاهر إلى القاهرة تتبع المؤيدية فنفى بعضاً وأخرج إقطاعات بعض وسجن بعضاً غير من قتل، وقدم المماليك الظاهرية فأمر بعضاً وكبر بعضاً، وارتفعت رؤس النوروزية، وأمر الظاهر بكتابة المراسيم لأمراء مكة والمدينة بالإعفاء من التقادم التي كانوا يدفعونها للأمراء الذين يحجون، فخف عنهم بسبب ذلك ظلم كان يعم الناس، لأنهم كانوا يفترضون غالب ذلك من التجار ولا يطمع أحد منهم في الوفاء، وشرط في المرسوم أن لا يتعرض أحد من أمراء الحجاز للتجار ولا للمجاورين باقتراض ولا نوع من أنواع الظلم، وأمر بنقش ذلك على العواميد التي في صف أبواب الصفا. وفيها وقعت في النيل زيادة لم يعهد قبلها في الوقت الذي وقعت فيه، وذلك أنه بعد أن انحط وزرع الناس البرسيم وغيره وانقضى شهر بابه من الأشهر القبطية، وقطعت الزيادة في العشر الأخير من هاتور، وذلك بعد وقت انتهاء الزيادة بأربعين يوماً، فزاد زيادة مفرطة بحيث أغرق كثيراً من الزروع واستأنف أصحاب البرسيم زراعته، ثم ارتفع سعر القمح ثم انخفض يسيراً. وفي خامس عشري ذي الحجة أعيد صدر الدين ابن العجمي إلى الحسبة وصرف القاضي جمال الدين البساطي، وأعيد علي بن قطيط إلى حسبة مصر وصرف ابن المهندس وكان باشرها ثلاثة أيام، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 وفي رجوع الحاج كان الرخاء كثيراً إلى الغاية، وكذا كان بمكة لكن كانت بضائع اليمن لم تلحق الموسم فكانت الأنواع التي يحتاج الأجل الهدية غالية بحيث يساوي الذي قيمته عشرة دراهم أكثر من عشرين، وكان البرد شديداً جداً بحيث أصبح الناس في تيه بني إسرائيل، فوجدوا الماء جليداً حتى في القرب والزمزميات. وفي هذه السنة قرر الظاهر ططر التاج عبد الرحمن بن الكركي في قضاء حلب، وكان تاني بك ميق نائب الشام سأل الظاهر في ذلك عوضاً عن علاء الدين ابن خطيب الناصرية فأجابه، فحضر علاء الدين القاهرة بسبب السعي في عوده. وفي ليلة الأحد سادس ذي الحجة مات الظاهر ططر، فلما كان ليلة العيد اضمر جاني بك الصوفي الغدر فذكر بعض الناس ذلك لبرسباي، فخاف جاني بك وركب بباب السلسلة فاجتمع الأمراء عنده، فاتفق أنهم قصدوا بيت تنبغا المظفري ليأخذوه معهم فلما تكاملوا عنده اتفقوا على قبض جاني بك ويشبك، وهرب قرمش ثم قبض عليه وجهز الثلاثة للإسكندرية. واستقر برسباي نظام الملك ومدبر دولة الصالح أحمد بن الظاهر ططر، واستقر طرباي أتابك العساكر المصرية، وسودن بن عبد الرحمن دويداراً، وتنبغا المظفري أمير سلاح، وأزبك رأس نوبة وجقمق حاجب الحجاب، وقجق أميراً كبيراً. ذكر من مات في سنة أربع وعشرين وثمانمائة من الأعيان أحمد بن إبراهيم بن ملاعب، الفلكي الحلبي، أصله من سرمين، انتهت رئاسة حل الزيج وعمل التقاويم، وكان مقرباً عند الأمراء بحلب وتقاويمه رائجة في البلاد، وعليه اعتمادهم عند إرادة الحروب، وله إصابات كثيرة يحفظها الحلبيون، وسمعت القاضي ناصر الدين البارزي يبالغ في إطرائه، ووصفه غيره بقلة الدين وترك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 الصلاة وانحلال العقيدة، وكان يقال عنه إنه يشرب المسكر، قال القاضي علاء الدين، ولم يكن عليه أنس أهل الدين، ونزح عن حلب خوفاً من الطنبغا القرمشي لكائنة جرت له معه، وهي أنه لما أراد أن يركب ومنع القرمشي قال له ابن ملاعب: ما هو جيد، فخالفه وركب فقتل، وذكر القاضي علاء الدين من إصاباته أنه قال لنوروز لما كان شيخ يحاصره بحماة كان استصحب ابن ملاعب معه فوعد بتخلخل عسكر شيخ ويحصل له نكدة، فلما أصبحوا لم يقع شيء إلى العصر فإن سهماً أصاب جبهة شيخ فجرحه فحصل في عسكره رهج واضطراب، قال: وسمعته مراراً يقول إن هذا الذي أقوله ظن وتجربة لا قطع فيه، وسكن صفد ومات بها في هذه السنة وقد جاوز الثمانين. أحمد بن أحمد بن عثمان، الدمنهوري، شهاب الدين المعروف بابن كمال، كان كثير الحج والمجاورة، وكان يعظ الناس بمكة عند باب العمرة، ويكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حتى ضبط أنه صلى عليه في يوم واحد مائة ألف مرة، مات في آخر المحرم عن بضع وسبعين سنة. أحمد بن هلال، الحلبي شهاب الدين، اشتغل قديماً بالقاضي شمس الدين بن الخراط وغيره، وكان مفرط الذكاء، وأخذ التصوف عن شمس الدين البلالي، ثم توغل في مذهب أهل الوحدة ودعا وصال كثير الشطح وجرت له وقائع، وكان أتباعه يبالغون في إطرائه ويقولون: هو نقطة الدائرة - إلى غير ذلك من مقالاتهم المستبشعة. الطنبغا القرمشي كان من أمراء الظاهر، ثم كان ممن انتمى بعد الظاهر إلى يشبك، ثم كان في الذين انتقلوا في البلاد الشامية في الفتن في الأيام الناصرية، وكان في الآخر مع شيخ، فلما ولي النيابة بحلب جعل حاجباً كبيراً، ثم قرره أتابكا وفي زمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 سلطنته ودخل معه مصر، ثم تنقل في الإمرية إلى أن استقر أتابكا، ثم جهز المؤيد إلى حلب كما تقدم وقتل بدمشق، وكان من خيار الأمراء - رحمه الله. جقمق كان من أبناء التركمان، فاتفق مع بعض التجار أن يبيعه ويقسم ثمنه بينهما ففعل، فتنقل في الخدم حتى تقرر دويداراً ثانياً عند الملك المؤيد قبل سلطنته ثم استمر، وكان يتكلم بالعربي لا يشك من جالسه أنه من أولاد الأحرار، ثم استقر دويداراً كبيراً إلى أن قرره الملك المؤيد في نيابة الشام، فاظهر العصيان بعد موته فآل أمره إلى أن قتل صبراً في شعبان هذه السنة. شيخ بن عبد الله المحمودي كان قدومه القاهرة على ما أخبرنا به في السنة التي قدم فيها أنص والد برقوق، فعرض على برقوق قبل أن يتسلطن فرام من صاحبه بيعه فاشتط في الثمن وكان ابن اثنتي عشرة سنة ولكن كان جميل الصورة، فاتفق موت الذي جلبه فاشتراه محمود تاجر المماليك بثمن يسير وقدمه لبرقوق فأعجبه، واستمر ينسب لمحمود وتربى في المماليك الكتابية ثم جعل خاصكياً ثم جعل من السقاة، ونشأ ذكياً فتعلم الفروسية من اللعب بالرمح ورمي النشاب والضرب بالسيف وغير ذلك، ومهر في جميع ذلك مع جمال الصورة وكمال القامة وحسن العشرة، وأمر عشرة في أيام الظاهر، وكان ممن سجن من ممالك الظاهر في فتنة منطاش بخزانة شمائل، فنذر إن نجاه الله منها أن يجعلها مسجداً، ففعل ذلك في سلطنته، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 وتأمر على الحاج سنة مات الظاهر سنة إحدى وثمانون، ثم لم يزل في ارتقاء إلى أن ولي نيابة الشام، وجرت له من الخطوب والحروب ما مضى مفصلاً في الحوادث، وكانت مدة كونه في السلطنة ثماني سنين وخمسة أشهر وثمانية أيام، وأقام في الملك عشرين سنة ما بين نائب ومتغلب وأتابك وسلطان، وكان شهماً شجاعاً عالي الهمة كثير الرجوع إلى الحق محباً في العدل متواضعاً، يعظم العلماء ويكرمهم، ويحسن إلى أصحابه ويصفح عن جرائمهم، يحب الهزل والمجون لكن مستتراً، ومحاسنه جمة - والله يتجاوز عنه يمنه وكرمه! قال العيني في تاريخه: هو من طائفة من الجراكسة يقال لهم: كرموك، ويقال إنه من ذرية إينال بن أركماس بن شرباش ابن طنجا ابن جرباش بن كرموك، وكان كرموك كبير طائفته وكذلك نسله، ولما مات كان في الخزانة ألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار من الذهب على ما قيل، فلم تمض السنة وفيها دينار واحد. ططر بن عبد الله الظاهري كان من مماليك الظاهر ثم كان في خدمة ابنه الناصر إلى أن أخرج إلى البلاد الحلبية بسبب جكم، فلما رجع الناصر إلى مصر استمر ططر مع جكم، ثم لما قتل جكم استقر أميراً بحلب وتمريغا المشطوب يومئذ النائب بحلب، فاستمر فيها مدة طويلة وهو في أثناء ذلك ينتمي لنوروز إلى أن وقع بين شيخ ونوروز وانكس نوروز استمر مع المؤيد، فلما اقتسما البلاد بعد قتل الناصر قدم مصر مع المؤيد، واستمر في خدمته إلى أن تسلطن وحاصره مع النوروزية وهو يظهر خدمة المؤيد ويداريه ويبالغ في ذلك إلى أن أمره طبلخاناة ثم أمره تقدمة، ثم لما توجه لقتال قانباي استنابه بالإصطبل، ثم لما مات المؤيد استقر نظام الملك وخرج بالعساكر إلى الشام، ثم تسلطن بعد أن رجع من حلب وقدم مصر، فلم تطل مدته كما مضى في الحوادث، وكان يحب العلماء ويعظمهم مع حسن الخلق والمكارم الزائدة والعطاء الواسع. ذكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 لي قبل أن يتسلطن قي ليلة المولد النبوي في ربيع الأول من هذه السنة أنه كان في آخر الدولة المؤيدية في الليلة التي مات في صبيحتها المؤيد قد ضاقت يده لكثرة ما كان يصرف وقلة متحصلة حتى أن شخصاً قدم له مأكولاً فأراد أن يكافيه عليه فلم يجد قي حاصله خمسة دنانير إلى أن أرسل يقترضها من بعض خواصه فكلهم يحلف أنه لا يقدر عليها إلى أن وجدها عند أحدهم قلم يكن بين ذلك وبين أن استولى على المملكة بأسرها وعلى جميع ما في الخزائن السلطانية التي جمعها المؤيد سوى سبعة أيام؛ وأمرني أن أكتب هذه الواقعة قال في التاريخ فإنها أعجوبة، ولما وصل إلى دمشق وقتل الطنبغا القرمشي ومن معه قرر في نيابة حلب إينال الساقي، ثم لما قدم حلب أقام بها أربعين يوماً أو أكثر وقرر في نيابتها تغرى بردى بن قصروه، وبعد السلطنة نقل تانى بك البجاسي من نيابة حماة إلى نيابة طرابلس وقرر في نيابة حماة جارقطلي. عبد الله بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن عبد الوهاب بن علي بن نزار. الظفاري عفيف الدين، كان جده الأعلى عبد الوهاب انتزع ظفار من يد الجواد أي بكر بن إبراهيم بن المنصور عمر بن علي بن رسول، واستمر في ملكها وتناوبها أولاده إلى أن حاربهم علي بن عمر بن كثير الكثيري فانهزم عبد الله وأخوه أحمد، فأما أحمد فانقطع خبره، وأما عبد الله فاستمر يتنقل إلى البلاد إلى أن دخل مكة، ثم دخل القاهرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 وحيداً فقيراً فحضر عندي وشكى إلي حاله فبررته، وسكن بالجامع الأزهر مع الفقراء إلى أن مات. عبد الرحمن القاضي جلال الدين بن شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير بن صالح بن عبد الخالق البلقيني، ولد في جمادى سنة ثلاث وستين وسبعمائة وتفقه بأبيه، وكان ذكياً جداً فحفظ التدريب وبحث في الحاوي، ودخل مع أبيه إلى دمشق لما ولى القضاء وهو صغير، ولم يقف له في طول عمره على سماع شيء لا بمصر ولا بدمشق إلا على والده ومع ذلك فكان من عجائب الدنيا في سرعة الفهم وجودة الحافظة، وأول شيء ولى توقيع الدست، ثم ولى قضاء العسكر بعد موت أبيه بدر الدين، وكان شديد البأو تياها، ومن لم يقل له: قاضي القضاة، يغضب منه، وله مع القضاة وغيرهم وقائع، فلما تحقق موت صدر الدين المناوي ووثوب القاضي ناصر الدين ابن الصالحي على المنصب شق عليه وسعى إلى أن ولى في رابع جمادى الآخرة سنة أربع وثمانمائة كما تقدم، ثم سعى عليه الصالحي وعاد ثم مات فولى الإخنائي، ثم سعى على الإخنائي فعاد، ثم تناوب معه مراراً وفي آخرها استقرت قدمه من سنة ثمان وثمانمائة إلى أن صرف بالباعوني بعد قتل الناصر سنة خمس عشرة، ثم أعيد عن قرب من شهر واحد واستمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 إلى أن صرف بالهروي سنة إحدى وعشرين، ثم أعيد بعد عشرة أشهر فلم يزل إلى أن مات - وقد مضى بسط ذلك في الحوادث، وكان قد اعتراه وهو بالشام قولنج فلازمه في العود وحصل له صرع فكتموه، ولما دخل القاهرة عجز عن الركوب في الموكب فأقام أياماً عند أهله، ثم عاوده الصرع في يوم الأحد سابع شوال، ثم عاوده إلى أن مات وقت أذان العصر من يوم الأربعاء عاشر شوال، وصلي عليه ضحى يوم الخميس ودفن عند أبيه، وتقدم في الصلاة عليه الشيخ شمس الدين ابن الديري، قدمه أولاده، ولم تكن جنازته حافلة، وكان يذكر الناس في التفسير كل يوم جمعة من حين وفاة أبيه إلى شوال سنة ثلاث وعشرين، وكان ابتدأ فيه من الموضع الذي انتهى أبوه، وقطع عند قوله: " من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد ". عبد القادر بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن يوسف الصلاح ابن الزكي الأرموي المسند، مات ليلة الاثنين ثاني عشر شوال من هذه السنة. عبد الوهاب بن أحمد بن صالح بن أحمد بن خطاب، البقاعي الفاري - بالفاء والراء الخفيفة - الدمشقي أبو نصر تاج الدين الزهري، ولد سنة سبع وستين، وحفظ التمييز وغيره، واشتغل على والده وعلى النجم ابن الجابي والشريشي وغيرهم، ونشأ هو وأخوه عبد الله على خير وتصون، ودرس في حياة أبيه بالعادلية الصغرى واستمرت بيده إلى أن مات، ودرس بعد أبيه بالشامية البرانية، وولي إفتاء دار العدل، وناب في الحكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 مدة طويلة، وولاه الأمير نوروز القضاء بإتقان الفقهاء عليه بعد موت الإخناي فباشره مباشرة حسنة، فلما غلب المؤيد على نوروز صرفه ولم يعرض له بسوء فلزم الشباك الكمالي بجامع دمشق يفتي وبالشامية يدرس، وكان حسن الرأي والتدبير ديناً، وله حظ من عبادة إلا أنه لم يكن مشكوراً في مباشرة الوظائف؛ مات في شهر ربيع الآخر. قال القاضي تقي الدين الأسدي: كان يستحضر التمييز إلى آخر وقت، وكان عاقلاً ساكناً، كثير التلاوة يقوم الليل، كثير الأدب والحشمة، طاهر اللسان؛ مات في ربيع الأول. علي المعروف بالشيخ حدندل، كان أحد من يعتقد وهو مجذوب؛ مات في صفر. قجقار القردمي، أحد الأمراء الكبار، ولي نيابة حلب في زمن المؤيد سنة عشرين ثم نقله منها إلى دمشق أميراً، ثم أقدمه القاهرة وأمره، فلما مات المؤيد أراد أن يتسلطن فعوجل وأمسك قبل دفنه ثم قتل في هذه السنة، وكان جواداً مهاباً، مثير الحشمة والأدب، وكأنه بلغ الستين، وملت في سلطنة الناصر تنقلت به الأحوال إلى أن صار في صحبة المؤيد لما ولي نيابة حلب فاستمر إلى أن تسلطن فأمره تقدمة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 فصار من أمراء الألوف، ثم ولاه نيابة حلب سنة عشرين عوضاً عن اقباي، فلما توجه السلطان إلى الروم كان في صحبته فقرره في حصار كركر مع عدة أمراء، فلما طرق قرأ يوسف البلاد فر قجقار إلى حلب، فبلغ السلطان ذلك فغضب عليه ثم رضى عنه وجهزه إلى الشام بغير إمرة، ثم أعيد لما رجعوا إلى القاهرة، ثم تجهز مع ولد السلطان إلى بلاد ابن قرمان، فلما عاد عظم قدره، وامتدت عينه عند ضعف المؤيد إلى السلطنة وحرص على ذلك، فسبقه ططر فقبض عليه فكان آخر العهد به. كردى بك أمير التركمان بالعمق ابن كدير التركماني، استولى على العمق من أعمال حلب بعد موت ابن صاحب الباز، وكان يقع بينه وبين أمراء حلب فتارة يصافيهم وتارة ينابذهم، وكان قد كثر جمعه بعد قتل جكم وطمع في الاستيلاء على ما حوله من القلاع فجمع له تمربغا المشطوب نائب حلب في أيام الناصر عسكراً وقصده وهو بطرف العمق من جهة الشمال فوقعت الوقعة، وكانت الكسرة على العسكر الحلبي فقوى تمر كردي بك، وكان إذا ولي دمرداش نيابة حلب يطمئن ويصانعه بخلاف غيره، ولما ولي الملك المؤيد نيابة حلب في أواخر دولة الناصر، نازله بالعمق وكردى بك تحت الجبل بالقرب من بقراس، فهجم كردى بك بعسكره على شيخ، فثبت له إلى أن وقعت الكسرة على عسكر كردى بك فانهزم وتشتت عسكره، واستمر كردى بك هارباً وخرج الناصر طالباً القبض على شيخ ونوروز، فكان من أمره ما كان وقتل وصارت السلطنة للمؤيد، فلما ولي دمرداش نيابة حلب حضر كردى بك ووافقه على معاملة الأمير طوخ وهو نائب حلب، فقوى طوخ ورجع كردى بك وصحبته دمرداش إلى العمق، ثم توجه إلى مصر وآل أمره إلى القتل، واستمر كردى بك في بلاده وأظهر طاعة المؤيد، فلما مات ودخل الظاهر ططر حلب في سنة أربع وعشرين حضر كردى بك، واتفق أن ططر كان من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 جملة الأمراء صحبة تمربغا المشطوب فتذكر الواقعة لما رآه فأمر بشنقه، فقتل وشنق وعلقت رأسه بجف كلب، وذلك في آخر رجب من هذه السنة؛ وكان كردى بك قليل الشر للمسافرين والقوافل في أيامه آمنة - نقلته من ذيل تاريخ حلب. محمد بن إبراهيم، البوصيري شمس الدين الشافعي، كان خيراً ديناً، كثير النفع للطلبة، يحج كثيراً، ويقصد الأغنياء لنفع الفقراء، وربما استدان للفقراء على ذمته ويوفي الله عنه، وكانت له عبادة، وتؤثر عنه كرامات، مات في سادس ربيع الآخر. محمد بن أحمد، ناصر الدين الهذباني الكردي الطبردار، كان من أبناء الأجناد، فتعلق بمجالسة العلماء فصحب الكمال الدميري ثم نور الدين الرشيدي، وكان يتدين ويسرد الصوم ويواظب الجماعة ولا يقطع صلاة الصبح بالجامع الأزهر، يقوم نحو ربع الليل يتمشى من منزله بحارة بهاء الدين إلى الأزهر فيصلي به الصبح كل يوم، وكان يكتسب من التجارة في الحوائص ثم كبر وترك، لازمني مدة، وكان على ذهنه أشياء. محمد بن خليل بن هلال، عز الدين الحاضري الحلبي الحنفي، ولد في إحدى الجماديين سنة سبع وأربعين وسبعمائة، ورحل إلى دمشق فأخذ بها عن جماعة منهم ابن أميلة، قرأ عليه سنن أبي داود والترمذي، ودخل القاهرة فأخذ عن الشيخ ولي الدين المنفلوطي والشيخ جمال الدين الأسنوي، ورحل إلى القاهرة مرة أخرى وجمع على العسقلاني إمام الجامع الطولوني، وتفقه ببلده وحفظ كتباً نحو الخمسة عشر كتاباً في عدة فنون، وأخذ عن الشيخ حيدر وغيره، ورافق الشيخ برهان الدين سبط ابن العجمي، وأخذ عن مشايخها كثيراً سماعاً واشتغالاً، وقرأ على شيخنا العراقي في علوم الحديث وأجاز له، ولازم العلم إلى أن انفرد وصار المشار ببلاده، وولي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 قضاء بلده ودرس وأفتى، وكان محمود الطريقة مشكور السيرة، مات في شهر ربيع الأول، وصليت عليه صلاة الغائب بالجامع الأزهر في أواخر جمادى الأولى، قال البرهان المحدث بحلب - ومن خطه نقلت: لا أعلم بالشام كلها مثله ولا بالقاهرة مثل مجموعه الذي اجتمع فيه من العلم الغزير والتواضع والدين المتين والمحافظة على صلاة الجماعة والذكر والتلاوة والاشتغال بالعلم، قلت: وكان المؤيد يكرمه ويعظمه - رحمها الله تعالى. محمد بن سويد شمس الدين المصري أخو بدر الحسن مات في هذه السنة بالصعيد محمد بن عبد الرحمن، ابن أبي الخير محمد بن أبي عبد الله، الفاسي رضى الدين أبو حامد الحسني المكي، ولد في رجب سنة خمس وثمانين وسبعمائة، وسمع الحديث وتفقه ودرس وأفتى، وولي قضاء المالكية في شوال سنة سبع عشرة عوضاً عن مستنيبه وابن عمه القاضي الشيخ تقي الدين، ثم عزل عن قرب فناب عن القاضي الشافعي، مات في ربيع الأول، وكان خيراً ساكناً متواضعاَ ذاكراً للفقه، وأخوه محب الدين أبو عبد الله محمد كان أسن من أخيه، أجاز له ابن أميلة وغيره، ومهر في الفقه. محمد بن البرجي، بهاء الدين، ولي الحسبة مراراً ووكالة بيت المال وكان قد صاهر الشيخ سراج الدين على ابنته فولد له منها ولده بدر الدين محمد، ثم ماتت فتزوج بدر الدين ابن الشيخ المدعوة بلقيس فأولدها أولاداً، وكان استقر في شهادة العمائر السلطانية بواسطة ططر، ومات في أول صفر عن سبعين سنة. يوسف الصفي - نسب إلى الصف من الإطفيحية، كان شيخاً مهاباً كثير البر والإيثار للفقراء قائماً بأحوالهم يأخذ لهم من الأغنياء، واتفق في آخر عمره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 أن شخصاً جاء فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم يقول لي قل للشيخ يوسف يزورنا، فحج ثم رجع الى القدس ثم رجع فمات، وله كرامات كثيرة. لون الدين السطحي، كان مقيماُ بسطح جامع الحاكم وللناس فيه اعتقاد، انقطع ثلاثين سنة لا يخرج من منزله إلا يوم الجمعة، يغتسل ويعود، وكانت جنازته مشهودة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 سنة خمس وعشرين وثمانمائة استهلت يوم الجمعة آخر يوم من .... وفيها ولدت فاطمة بنت القاضي جلال الدين البلقيني ولداً خنثى وفرج أنثى من تقي الدين رجب ابن العماد قاضي الفيوم، وقيل إن له يدين زائدتين، نابتتان في كتفيه، وفي رأسه قرنان كقرني الثور، فيقال: ولدته ميتاً، ويقال: بعد أن ولدته. وفيها وقع بين أمير مكة حسن بن عجلان وبين القواد فتنة وتعصبوا عليه مع ابن أخيه رميثة بن محمد بن عجلان، فاستعان حسن بمقبل أمير ينبع فخرج في عسكره إلى جهة اليمن، فصالح القواد حسن بن عجلان واخرجوا رمثية عنهم فتوجه الى جهة اليمن ورجع مقبل إلى بلده، ودخل الركب المصري من الحجاز في ثالث عشري المحرم، فأمسك تمرباي أمير الركب وأرسل إلى دمياط بطالا، وفي صفر نفي ايتمش إلى القدس بطال وكان قد عظم في دولة ططر وأراد الاستقلال بتدبير المملكة ونازع المباشرين فعملوا عليه حتى نفي، ثم أمر بعوده إلى القاهرة بعد ذلك عند إمساك طرباي، وفي ليلة رابع عشرة خسف القمر خسوفاُ شديداً بحيث لم يبق منه إلا اليسير وذلك في الثلث الأخير من الليل ولم يشعر أكثر الناس به، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 وفيه انقطع طرباي عن الخدمة السلطانية غضباً من برسباي، لأن بعض الأمراء مات فرام طرباي أخذ إمرته لبعض أصحابه فعارضه برسباي فتوجه طرباي إلى الربيع عند خيله بالجيزة، فأراد برسباي ملاقاته فأمر الوزير بإرسال ما جرت به العادة لأمثاله وعتبه على تأخير، وقيل إنه ضرب الوزير بسبب تأخير ذلك فبادر هو والأستادار وناظر الخاص إلى إرسال ما جرت العادة وذلك في العشرين من صفر، واستمر طرباي عند خيله فروسل فامتنع حتى سار بشبك الأعرج أحد الأمراء فخلف له وطيب خاطره، فلما استهل شهر ربيع الأول حضر الخدمة في يوم الثلثاء ثاني هذا الشهر؛ ثم أشاع برسباي أنه يريد أن يعمل المركب بالإيوان لحضور رسل ابن قرا يوسف، فحضر أهل المركب ومن جملتهم طرباي. فلما تكاملوا قيل لههم: الخدمة في الإيوان اليوم بطالة، فانصرفوا وأحضرت الرسل بالقصر ثم جلسوا في السماط فقال برسباي لطرباي: أنتم ما تعرفون أني كبير الأمراء؟ قال: نعم، قال: فلم تخالفون أمري؟ وأشار بالقبض على طرباي، فقام فجذب السيف فحمى نفسه، فهجم عليه قصروه أمير آخور فناوشه، فضربه برسباي من خلفه فجرح يده فسقط منها السيف، فأمسك وأمسك معه أميران من جهته وأرسلوا إلى الإسكندرية صحبة إينال الششماني فاعتقلوا بها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 وفي شهر ربيع الأول نازل تغري بردى بن قصوره الذي كان نائب حلب بعض القلاع فهزمه التركمان، فاستجار ببعضهم فأمنه، وفيه هبت ريح ذات سموم بالكرك وما حولها فأفسدت المزارع وقل الماء جداً بتلك البلاد وبالقدس وما حولها وتفرق أهل تلك البلاد من القحط. وفي شوال انتزع وقف الطرحى من القاضي الحنفي، ثم سعى أشد سعي حتى أعيد له وضم في نظره شخص آخر، وانتزع وقف قراقوش من القاضي الشافعي وأضيف إلى التاج الوالي وأمره أن يجمع متحصله ويبني منه خان السبيل، ففعل ذلك وجدد بناءه وقرر فيه غير من كان يتناول ريعه، وألزم أولاد البلقيني بغرامة مبلغ جيد بسبب ذلك، وألزم من كان يرتب عليه من الأغنياء بإعادة ما قبضوا منه، فاشتد الأمر عليهم ثم أفرج عنهم وفطموا عنه، وفيه عمل المولد السلطاني في حادي عشر ربيع الأول وحضر الملك الصالح والأمراء. وفي الخامس عشر منه قبض على مرجان الخازندار وسلم لأرغون شاه الأستادار وكان حينئذ زماماً، فطلب منه مال كثير وضرب بعض أتباعه ضرباً شديداً ثم استقر مال مصادرته على ثلاثين ألف دينار، فعجل منها عشرين ألف دينار وضمنه بعض الأكابر بالعشرة وأطلق في آخر الشهر. وفيه ادعى على شمس الدين محمد بن عبد المعطي الكوم الريشي الحنفي أنه قذف الشيخ شمس الدين محمد بن حسن الحنفي بالبغاء وأنه هو الفاعل به وأن ذلك كان بواسطة شهاب الدين الكوم الريشي أحد قراء الليث، وكانت الدعوى عليه عند قاضي القضاة الحنفي زين الدين التفهني وكان يكرهه لبذاء لسانه، فضربه القاضي بعد أن قامت عليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 البينة، وكان الذي قام عليه بالدعوى شهاب الدين أحمد بن عبيد الله أحد نواب الحنفي، ويقال إن ممن شهد عليه الشيخ شرف الدين التباني والقاضي بدر الدين ابن التنيسي، فأرسل بعد ضربه إلى الحبس مكشوف الرأس، ثم أطلق بعد ثلاثة أيام بشفاعة نظام المملكة، واتفق حضور الذي ضربه عنده ومعه شهاب الدين الذي ادعى عليه فسأله عن القصة فتكلم ابن عبيد الله بشيء، فنهره كاتب السر فقال له الأمير: أنت الذي كان أخي فلان يتعشقك وغرم عليك مالاً كثيراً! وأمر بالتوكيل به وعزله من النيابة فاعتقل، ثم شفع به بعد أيام فأطلق وأعيد إلى عادته في النيابة وكان قد بالغ في أذى الكوم الريشي فعد ذلك عقوبة له، ورثوا للكوم الريشي مع بغضهم فيه لجنونه وتعترسه وكثرة مجونه، ولما أطق الكوم الريشي رافع بدر الدين محمود بن عبيد الله أخا الشهاب المذكور عند الأمير الكبير وأنه يفعل أشياء منكرة، فأحضره الأمير وضربه بحضرته وكتب عليه قسامة أن لا يحكم، ثم شفع فيه بعد مدة فأعيد. وفي خامس شهر ربيع الآخر قبض الوزير الأستادار أرغون شاه على كريم الدين ابن الوزير تاج الدين الذي ولي الوزارة والأستادارية ثم كتابة السر فيما بعد وكان يباشر ديوان الاستيفاء المفرد عن أبيه، ثم أطلق بعد أن صودر على مال. وفي السادس منه قدم تاني بك ميق نائب الشام فخلع علبه باستمراره وعظمه برسباي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 جداً وتكلم الأمير الكبير معه في أمر السلطنة فوافقه على ذلك، فلما كان في الثامن من ربيع الآخر يوم الأربعاء قبل الظهر بقدر درجتين عقد له الملك وهو في المرقد بالأشرفية ثم ألبس الخلعة وجلس على التخت وفوض الخليفة وعقدت له البيعة ولقب الملك الأشرف، وخلع في صبيحة ذلك اليوم علي تنبغا المظفري واستقر أميراً كبيراً أتابك العساكر وتحول إلى البيت الذي فيه طرباي مقابل القلعة وانتقل إلى بيت ططر وغيرها من بيوت السلطنة واستقر فيها الأشرف، واستقر آقبغا التمرازي أمير مجلس عوضاً عن قجق بحكم انتقاله إلى وظيفة أمير سلاح عوضاً عن تنبغا واستقر تنبغا المظفري أتابك العساكر، وخلع الملك الصالح محمد فكانت مدة سلطنته أربعة أشهر، وخلع على نائب الشام خلعة السفر واستقر معه حسين بن السامري في نظر الجيش، وانفصل ابن الكشك عن نظر الجيش وبقي معه قضاء الحنفية وسافر، وعمل الأشرف موكباً حافلاً، وأحضرت رسل الفرنج الكسلان، ومنع السلطان من تقبيل الأرض له واقتصر على يده ودوره. وفي ليلة الاثنين ثالث عشر ربيع الآخر أمطرت السماء بالقاهرة مطراً استمر الليل كله وقطعة من النهار وذلك في حادي عشر برموده وهو من المستغربات، وفي الشعر الذي استقر فيه الأشرف في السلطنة أمر بإبطال القدر الذي كان يأخذه من يسافر بالأمير المنفصل عن إمرته إذا حبس أو نفي، وكان المقرر لذلك ألفي دينار إلى ألف دينار إلى دونها بحسب مقاديرهم فأبطل ذلك وأمر أن ينقش في اللوح الرخام فوق النقش الذي جعله السالمي في دولة الناصر فرج بسبب المرتجع من الإقطاع عند انتقال الإمرة - وقد تقدمت الإشارة في الحوادث. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 وفي جمادى الأولى جهز الأشرف إلى مكة مقبل القديدي بسبب عمارة ما وهي من المسجد الحرام وطلب من القاضي الشافعي ما كان القاضي جلال الدين البلقيني ذكر للمؤيد أنه تحصل عنده من ذلك وهو سبعة آلاف دينار فكشف القاضي الشافعي عن ذلك فوجد المختص بعمارة الحرمين قدر ألقي دينار أو يزيد قليلاً وباقي ذلك لعدة جهات من أوقاف وغيرها كانت مودعة تحت يد الجلال، فلم يقبل الأشرف ذلك وألزم المباشرين على الأوقاف المتعلقة بالحرمين بذلك، فلاذوا بالقاضي فأذن لهم في الاقتراض، ثم ضاق بهم الأمر فتعلق على ورثة جلال الدين فاستعيدت منهم ألف دينار كان والدهم أخذها من مال الحرمين على أنها من معلومه وكان أقام مدة طويلة لا يتناول من مال الحرمين معلوماً، فشهد عليه القاضي علاء الدين الحنبلي أنه كان تبرع بذلك، وكان نائب دمشق تاني بك ميق ونائب حلب تغري بردى ونائب حماه تاني بك البجاسي ونائب طرابلس أركماس الجلباني ثم صرف واستقر بعده ثم صرف تغري بردى من حلب إلى بهنسا وتحصن بقلعتها هو وكزل الذي كان هرب من المؤيد إلى ملطية، ونقل البجاسي إلى نيابة حلب وتولى نيابة حماه جارقطلي الصهيوني. وفيه صرف شرف الدين بن تاج الدين عبد الوهاب ابن نصر الله من نظر الخزانة السلطانية وغيرها وأعيد ذلك لزين الدين عبد الباسط، فكانت ولاية شرف الدين لذلك نحو سبعة أشهر، وانصرف غير مشكور لبأو كان فيه ودعوى عريضة. وفي الثامن من جمادى الأولى نودي أن لا يباشر نصراني في ديوان أحد من الأمراء، ثم انتقض ذلك بعد مدة، وكذا كان ضيق عليهم في الأيام المؤيدية ثم تراجعوا قليلاً قليلاً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 وفي التاسع منه جدد كاتب السر علم الدين ابن الكويز خطبة بالمدرسة البقرية مقابل باب منزله لتعاظمه أن لا يتوجه إلى الجامع الحاكمي ماشياً وإشفاقه من الإنكار عليه أن يتوجه راكباً مع قرب المسافة. وفي هذا الشهر أشار كاتب السر أيضاً بإبطال المارستان الذي أتخذه الملك المؤيد تحت القلعة مكان الأشرفية الشعبانية وأقام فيه خطيباً ظناً منه أنه يتقرب بذلك. وفي هذه السنة كان فصل الربيع مختلف المزاج جداً ما بين حر شديد وسموم وما بين برد شديد وما بين ذلك. وفي أواخر رمضان صرف أرغون شاه من الأستادارية وقرر فيها أيتمش الخضري. وفي هذا الشهر حدثت كائنة غريبة وهو أن عبد الرحمن السمسار في الغلال كان اشترى دارا من ابن الرندي بشاطئ النيل فزخرفها وأتقنها وغرم عليها على ما يقال أكثر من خمسة آلاف دينار وقفها على جهات، وجعل صورة الوقف في خشب محفوراً فيه يقرأ كل أحد فلما مات شهد جماعة عند بعض نواب الحنفي بأنها وقف وذكروا شروطها بخلاف ما ظهر بعد ذلك محفوراً في الخشب. فاتفق أن المباشرين بديوان المفرد وجدوا على عبد الرحمن مسطوراً لجهة السلطان بمال جزيل فلم يوجد له ما يوفى منه فأمر ببيع داره، فقيل له إنها وقف فهدمها، فهدمت فكانت كائنة شنيعة، وبيع رخامها على حدة وخشبها على حدة، ثم باع ورثته أنقاضها، وبلطت الوقفية الأصلية الزور. وفي جمادى الأولى ألزم الأشرف البزازين أن لا يبيعوا شيئاً من القماش بالنسيئة ولا يشتروه، فحصل لهم بذلك ضيق كبير، ثم أفرج عنهم وألزموا أن لا يخبروا الشراء مبهماً، بل إن كان نقداً فنقد وإن كان نسيئة فنسيئة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 وفي عاشر جمادى الآخرة قدم الهروي القاهرة فنزل بمدرسة ابن الغنام وهرع الناس السلام عليه إلا الديري وابن المغلي، ثم رام الهروي السعي في شيء من الوظائف، فعاجله كاتب السر ابن الكويز، فألزمه الأشرف بالرجوع إلى بيت المقدس، فتباطأ إلى نصف رجب يترجى الإقبال فلم يجب إلى ذلك وخلع عليه خلعة السفر فسافر. وفي جمادى الآخرة اختطف تمساح في البحر - رجلاً من الصيادين كان نزل ليقبض على سمكة صادها فصاده التمساح وصار يصعد به إلى وجه الماء حتى يشاهده الناس ثم يغطس به إلى أن هلك. وفيه شنق بعض العوام نفسه قهراً من زوجته كان طلقها وهو يحبها، فاتصلت بغيره، وركلته فيه فقتل نفسه، وفيه جب شخص عجمي مذاكيره بسبب أمرد كان يعشقه ولا يقدر عليه، فاتفق أنه أمكنه من نفسه فلم ينتشر ذكره فقطعه، فحمل إلى المارستان فمات. وفي أواخره قدم جار قطلي نائب حماة، فخلع عليه وأعيد ا. وفي رجب أفرج عن الخليفة العباسي الذي ولي السلطنة وكان المؤيد سجنه بالإسكندرية فنقله إلى دمياط لكونها أبسط له، فلم يوافق واستأذن أن يقيم بالإسكندرية بغير سجن، فأجيب إلى ذلك. وفي ثامن رجب حدث بالقاهرة زلزلة لطيفة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 وفي أوائله عصى إينال نائب صفد وأطلق المسجونين بها وهم جلبان أمير آخور وإينال الجكمي رأس نوبة كان ثم نائب حلب ويشبك الأنالي الأستادار ووجد بصفد نحو مائة ألف دينار فتقوى بها وأرسل كتبه إلى الأمراء، فلم يوافقه من بالقدس فأرسلوا كتابه مصر فكوتب مقبل الذي كان دويدار وقرر - بعد قتل جقمق نائب الشام إمرة بدمشق بأن يتوجه إلى صفد نائباً بها، وكوتب نائب الشام فجمع العسكر وتوجه إلى صفد، فلما كان في العشر الأوسط من رجب أوقع إينال صفد - بالأعراب فكسروه، ففارقه الأمراء المسجونين الذين - كان أطلقهم فتوجهوا إلى دمشق طائعين، ثم أراد تغري بردى الكبكي الوثوب بنائب دمشق ففطن له فقتل. واتهم الأمراء الذين جاءوا طائعين بالخديعة في ذلك فقبض عليهم، ثم أطلق جلبان وسجن الآخران. وفي هذه السنة كان المطر والبرد بالحجار شديداً، وأمطرت بنواحي صفد برداً بلغ وزن كل واحدة ثلاثين رطلاً بالمصري، ووجدت على باب بعض البيوت منها بردة لابدة مثل الثور. وفي الثالث والعشرين من شهر رجب وصل قاصد النائب بالإسكندرية ومعه قاصد من صفد بكتاب يستدعيه فقبض على قاصد نائب صفد وخلع على قاصد نائب الإسكندرية، واستمر مقبل الذي استقر في نيابة صفد يحاصر نائبها المنفصل في القلعة إلى شوال، فنزل إينال بالأمان، فقبض عليه ودقت البشائر بالقاهرة، وأرسل بشمس الدين ابن العسال وكان قد ولي كتابة السر بها ونظر الجيش، فضرب بالمقارع بحضرة السلطان لكونه كاتب عن نائبها إلى نائب الإسكندرية وأمر بقطع يده فشفع به، وصادف زيادة النيل في ذلك اليوم يعني ثالث رجب عشرين إصبعا فسر الناس به وتباشروا بالرخاء والأمن، ثم نودي عليه في ثامن عشري رجب خمسين إصبعا، وفي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 اليوم الذي يليه ذراع، فأكمل أربعة عشر ذراعاً في خامس عشري أبيب وهو شيء لا عهد للناس به من دهر طويل، ثم أكمل ستة عشر ذراعاً في ثامن عشري أبيب، وكسر الخليج في تاسع عشريه وهو ثالث شعبان. وفي السادس والعشرين من رجب خرج الركب الرجبي وكان لهم خمس وعشرون سنة لم يخرجوا، وحج خلق كثير منهم تاج الدين ولد القاضي جلال الدين البلقيني. وفي ليلة الرابع عشر من شعبان خسف القمر حتى لم يبق من جرمه إلا اليسير، فاستمر من قبل نصف الليل إلى أن تكامل الجلاؤه طلوع الفجر. وفي أول شعبان جلس السلطان للحكم بين الناس فطلب مدرسي القمحية وهم جمال الدين البساطي ومن يشركه فأهينوا وألزموا بالقيام - بمال لأجل عمارتها، وأرجف بأن أرضها الوقف أقطعت لبعض المماليك لكن لم يتم ذلك. وفي حادي عشري شعبان صرف ابن العجمي عن الحسبة واستقر بدر الدين العيني، وجعل ما للمحتسب وهو في اليوم ديناران من الجوالي واحد للمحتسب وواحد لابن العجمي، وفيه حمل المظفر أحمد بن المؤيد من القلعة إلى الإسكندرية نهاراً فحبس بها في برج إلى أن مات بعد ذلك. وفي الثاني والعشرين من شعبان أثبت أن أوله الاثنين شهد اثنان عند شمس الدين الأسيوطي المعروف بزوج الحرة النائب في الحكم فقبلهما، ولزم من ذلك أن يكون أول رمضان يوم الأربعاء، فلما كان ليلة الثلثاء خرجوا لترائي الهلال فما رأوا، ثم تراءوا ليلة الأربعاء فلما تكلم أحد برؤيته، ثم غاب ليلة الخميس مع مغيب الشفق وكثر كلام الناس في الشهادة الماضية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 وفي سادس عشر رمضان اشتهر نائب صفد الذي كان عصي فقبض ومعه نحو من ثلاثين نفراً ممن عصي معه، فقطعت أيديهم ونفوا من القاهرة مشاة فمات أكثرهم في الطريق. وفي رمضان انتهى حصار قلعة بهنسا على يد نائب حماة فنزل تغرى بردى الأقبغاوي المعروف بابن قصروه بالأمان، ووقع في أثناء الحصار في كزل الصهيوني - نشابة فمات منها، وتدلى كمشبعا من القلعة ليهرب، ففطن به فقطع الحبل فوقع فتكسر. وفي شهر رمضان أمر السلطان بإعادة الأذان بمئذنتي الناصر حسن بالرميلة، وكان الظاهر برقوق قد أمر بتعطيلها وعدم التوصل إلى صعودهما ثم أمر الناصر بهدم سلميهما، فأعيد ذلك بعد بضع وثلاثين سنة، وأعيد فتح الباب الكبير المجاور للقبور وكان الظاهر أمر بسده بالحجارة ففتح الآن وأزيلت الحجارة، وكان المؤيد قد نقل الباب إلى مدرسته فعمل للحسنية الآن باب جديد. وفيها خرج العرب على أبي فارس صاحب تونس فسار في آثارهم نحواً من عشرة أيام حتى أوقع بهم وخضعوا له. وفيها جهز أبو فارس عسكراً إلى الفرنج في البحر فنذروا بهم فبيتوهم فانهزموا، فغضب أبو فارس على قائد الجيش ونسبه إلى النهاون وضربه وأهانه وشرع في تجهيز جيش أخر، واتهم العامة أن صاحب فاس واطأ الفرنج على المسلمين فثاروا عليه فقتل بينهم مقتلة عظيمة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 وفيها قوي صاحب تلمسان واستجد عسكراً. وفيها كان الغلاء المفرط بحلب، ثم أعقبه الطاعون فمات بشر كثير. وفي أوائل هذا السنة آخذ الفرنج سبتة من أيدي المسلمين بعد أن كانت في أيديهم ..... وفي رمضان استقر قطلوبغا حاجي التركماني ثم الحلبي في نظر الأوقاف وهو حمو الظاهر ططر وصار جد زوج السلطان الأشرف، فكان يقال له: أنو السلطان، فباشر بشدة وعنف. وفيها أنهى بعض الخاصكية أن بلد التدريس بالجامع العمري المعروف بالخشابية ليس يستحق، لأن المدرسة الموقوف عليه لا يعرف، فأمر بإخراجها أقطاعاً، ثم شفع في مستحقيها فاستقرت بأيديهم واستهلكت. وفي شوال أمر القاضي ولي الدين القاضي الشافعية بحبس ابن القوصية قاضي أسيوط، فشفع فيه المحتسب بدر الدين العينتابي فأخرج في الترسيم فشفع فيه كاتب السر، فامتنع القاضي من إطلاقه حتى يدفع ما في جهته من مال الحرمين، فتعصب له أيتمش الخضري فاستخلصه من أيدي الرسل، فبلغ القاضي فغضب ومنع نوابه من الحكم، فبلغ ذلك السلطان فأمر بإعادة ابن القوصية إلى الحبس واستدعى القاضي سراج الدين عمر ابن موسى - الحمصي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 الذي كان ينوب عن الشافعي، وجرى بسببه على صهره القاضي جلال الدين البلقيني ما جرى فقرره الشافعي في قضاء أسيوط عوضاً عن ابن القوصية فتوجه اواستمر مدة طويلة. وفي ذي القعدة نزل السلطان إلى المطعم ورجع فاجتاز بالمدينة وقد زينت له فدخل العمارة التي استجدها بالركن المحلق. وفي الثالث منه نفى عبد الله أخو أمير سعيد الكاشف بالوجه القبلي ودمرداش الكاشف بالوجه البحري إلى عينتاب، وأمر بنفي ابن القوصية، قاضي أسيوط معهما، ثم شفع فيه فتأخر وفي بابه وقع برد شديد عند نزول النيل وبادر الناس إلى للزرع، ثم وقع البرد في أوائل هاتور، ثم أعقبه حر شديد وسموم ففسد أكثر البرسيم، رعته الدود فأفسدت منه بالجيزة شيئاً كثيراً. وفي أواخر ذي القعدة عز وجود اللحم الضأني وقل الجالب للأضحية، وبقي الناس بسبب ذلك .... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 وفي ذي القعدة صرف إيتمش الخضري من الأستادارية وأعيد أرغون شاه، ثم أضيفت إلى أرغون شاه الوزارة في ثامن ذي الحجة منها وكان الوزير تاج الدين ابن كاتب المناخات قد استقر في الرابع من ذي الحجة، ثم قبض عليه في الثاني عشر منه وصودر على مال يقال ثمانية آلاف دينار، واستمر معزولاً. وفي التاسع عشر من ذي الحجة وهو الموافق لثالث أيلول من القبطية ورد خبر الورد بالقاهرة، وهذا أسرع ما رأيت منه بها. وفي السادس والعشرين منه وصل المبشر بسلامة الحاج، فقطع المسافة في خمسة عشرة يوماً، وهذا أسرع ما أدركناه من ذلك. وفي رجب صرف القاضي بدر الدين ابن خطيب الدهشة عن قضاء حماة، واستقر زين الدين عمر بن أحمد بن مبارك ابن الخزري عوضاً عنه. وفي شوال صرف القاضي نجم الدين ابن حجي عن قضاء دمشق بتاج الدين ابن الكركي نقلاً من قضاء حلب، واستقر علاء الدين ابن خطيب الناصرية في قضاء حلب، كعادته نقلاً من طرابلس، وأعيد ابن النويري إلى طرابلس. وفي السادس من ذي الحجة صرف القاضي ولي الدين العراقي عن قضاء الشافعية، واستقر عوضه علم الدين صالح بن شيخنا - شيخ الإسلام سراج الدين وكان جلال الدين أخوه لما مات نظمت: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 مات جلال الدين قالوا ابنه ... يخلفه أو فالأخ الكاشح فقلت تاج الدين لا لائق ... بمنصب الحكم ولا صالح فكان كما قلت فإنه تولى فظهر منه التهور والإقدام على ما لا يليق وتناول المال من أي جهة كانت حلالاً أو حراماً ما لا كان يظن به ولا ألف الناس نظيره من أحد ممن ولي القضاء للشافعية بالقاهرة في الدولة التركية. وكان فطر النصاري اليعاقبة في هذه السنة في اليوم الثاني من حلول الشمس برج الثور، وهو سابع عشر برموده، وهو التاسع عشر من ربيع الآخر. وفي الثامن عشر من برموده أمر السلطان بلبس الأبيض فسبق العادة الأولى عشرين يوماً، وكان المؤيد قد أخر ذلك عن العادة قدر عشرين يوماً، فتباينا في ذلك جداً، واتفق أن البرد كان موجوداً أشد مما كان قبل ذلك إلا في وسط النهار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 وفي العشرين من ربيع الآخر استقر برهان الدين الشافعين قاضي صفد في كتابة السر بدمشق عوضاً عن الشريف، وأمر بإحضار الشريف إلى القاهرة وصودر على مال جزيل يقال عشرة آلاف دينار، وكان في نفس السلطان منه وهو أمير، ثم نقلت كتابة السر من البرهان لحسين ناظر الجيش، فجمع الوظيفتين بعناية صهره أزبك. وفي شهر ربيع الآخر وقعت بدمياط كائنة بين العرب وفيه وقعت بالصعيد كائنة بين العرب في هوارة فقتل فيها أمير العرب سليمان ابن غريب بنواحي الأشمونين، وعاث العرب من أجلها في البلاد حتى قتل الذي توجه من القاهرة إلى الصعيد يبشر بسلطنة الملك - الأشرف فجهز السلطان م عسكراً، فلم يظفروا منهم بشيء لأنهم فروا، فرجع العسكر وقد أفسدوا في البلاد ببسط أيديهم إلى بعض الضعفاء فنهبوا بعضا وسبوا بعضاً وباعوا الأحرار على أنهم عبيد وإماء فلا حول ولا قوة إلا بالله. وفي الثامن عشر من شوال أدير المحمل، وخرج إلى الحج جمع كثير جداً بحيث انقسموا ثلاثة ركوب وأمير المحمل ياقوت الحبشي مقدام المماليك، وأمير الوسط جاني بك الخازندار، وأمير الأول اسندمر، وخرجوا في تجمل زائد وأبهة كثيرة، ووصل ركب المغاربة وقاضيهم صاحبنا زين الدين عبد الرحمن الرشكي، وانفرد عنهم ركب الينابعة فصاروا خمسة ركوب. ذكر الحوادث الواقعة في هذه السنة فيها أحضر إلى قرقماش الدويدار الثاني امرأة ادعى عليها بدين مطلت به فضربها، فأخرجت من يدها مكتوباً بإثبات إعسارها، فلم يلتفت وأعاد ضربها. ثم ضربها مر ة ثالثة فماتت، فرفع الأمر للسلطان فأمر بدفنها وذهب دمها هدراً، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 وقد ولي قرقماش هذا بعد ذلك إمرة حاجب الحجاب مدة بالقاهرة ثم آل أمره إلى أن ركب على الملك الظاهر جقمق بعد أن كان هو القائم في سلطنته. فلم يتم له أمر وقبض عليه وسجن بالإسكندرية ثم قتل في سنة 842. وفيها كان الطاعون الشديد بحلب حتى يقال مات فيه سبعون ألفاً وخلا أكثر البلد من الناس. وفيها اشتد السلطان في أمر الأوقاف التي على المدارس والجوامع والمساجد والزوايا وأحواض السبيل والأخذ على أيدي مباشرتها وإلزامهم بالقيام بها، وبالغ قطلوبغا ناظر الأوقاف في إهانتهم وباشر بصرامة وقوة وشهامة، ثم طال العهد فتناول الرشوة وسقطت مهابته. ذكر من مات في سنة خمس وعشرين وثمانمائة من الأعيان. إبراهيم بن أحمد، البيجوري الفقيه الشافعي برهان الدين، ولد في حدود الخمسين أو قبلها، وأخذ عن الأسنوي ولازم البلقيني، ورحل إلى الأذرعي بحلب سنة 777 وبحث معه. وكان الأذرعي يعترف له بالاستحضار وشهد له الشيخ جمال الدين الحسباني عالم دمشق بأنه أعلم الشافعية بالفقه، في عصره، وذكر جمال الدين ابن الأذرعي أن البيجوري كان ينسخ القوت كل مجلد في شهرين وفي كل ليلة ينظر على مواضع فيصلح الأذرعي بعضها وينازعه في بعضها، وقال محيي الدين المصري: فارقته سنة خمس وثمانين وهو يسرد الروضة حفظاً، وكان ديناً خيراً متواضعاً لا يتردد لأحد سليم الباطن لا يكتب على الفتوى تورعاً، وولي بأخرة مشيخة الفخرية بين السورين، وأجاز لأولادي. وكثر تأسف الناس عليه فإنه كان ينفع الطلبة جداً حتى كانوا يصححون عليه تصانيف العراقي فيهذبها ويهديهم إلى الصواب مما يقع فيها من الخطأ نقلاً وفهماً، وكانوا يطالعون العراقي بذلك فلا يزال الصلح في تصانيفه ما ينقلونه له عنه، ولم يكن في عصره من يستحضر الفروع الفقيهة مثله، ولم يخلف بعده من يقارنه في ذلك، مات في يوم السبت 14رجب، وكان على طريقة السلف. إبراهيم بن محمد الشافعي برهان الدين ابن خطيب بيت عذراء، ولد سنة اثنتين وخمسين بعجلون، وقدم مع أبيه صغيراً، وكان أبوه خطيب عذراء فحفظ إبراهيم المنهاج واشتغل على شيوخ العصر، وأذن له ابن خطيب يبرود، ورحل إلى الأذرعي بحلب ورافق ابن عشائر وكان حينئذ يستحضر الروضة حتى كان يرد على الاذرعي في بعض ما بفتى به ويدل على المسألة في الروضة في غير مظنتها، وتصدى للقاضي شهاب الدين ابن أبي الرضى حتى أخذ عليه في ثلاثين فتياَ أخطأ فيها حتى نسبه في بعضها لمخالفة الإجماع مع شدة ذكاء ابن أبي الرضى إذ ذاك، وكان البلقيني يفرط في تقريظه والثناء عليه، ثم ولي قضاء صفد بعناية الشيخ محمد المغيربي، ثم عزل ثم أعيد، ثم أقام بدمشق من سنة ست وثمانمائة بطالاً وحصلت له فاقة، ثم حصل له تصدير بالجامع، وكان يحفظ كثيراً من شعر المتنبئ ويتعصب له ويحفظ أشياء من كلام السهيلي، وكان حسن الشكل سهل الانقياد سليم الباطن، وله شرح على المنهاج فيه غرائب، ولم يكن له يد في شيء من العلوم إلا الفقه خاصة، مات في سابع عشري المحرم بالفالج وقرر ابن منكلي بغا له في جامع ولده بحلب تدريساً وذلك في سنة ثلاث وتسعين فاتفق حضور الشيخ سراج الدين البلقيني صحبة الملك الظاهر فسأله أن يحضر إجلاسه، فلما حضر قال له: تدرس أنت أو أنوب عنك فقال: تكلم يا مولانا شيخ الإسلام! قال علاء الدين في تاريخه: كان يميل إلى القضاء كثيراً، ثم كرهه في آخر زمانه ونزل له نجم الدين ابن حجي عن نصف تدريسه الركنية، فدرس فيها قليلاً ومات. أحمد بن إبراهيم بن المحلي، شهاب الدين الشاهد، سمع من أبي الفتح القلانسي وغيره، وأجاز لأولادي، وكان أحد الصوفية بالركنية بيبرس ويتكسب بالشهادة ببولاق جاوز الثمانين. أحمد بهاء الدين بن الفخر عثمان بن التاج محمد بن إسحاق المناوي. كان قد استقر في وظائف أبيه شركة مع أخيه بدر الدين، ناب في الحكم، ودرس بالمجدية وغيرها، وكان حسن البشر والتودد محباً في أهل العلم، وقد عين للقضاء مرة وكانت نفسه تسمو إلى ذلك فلم يتفق له، ولما مات قررت وظائفه كلها بيد ولده علي وهو صغير جداً فاستنيب عنه خاله جلال الدين ابن الملقن، وكان موت بهاء الدين في رمضان وله نحو أربعين سنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 أحمد بن محمد بن محمد بن أبي غانم بن الحبال، البسكري، مات يوم الجمعة سابع عشري شهر رجب من هذه السنة. أحمد المعروف باليمني شهاب الدين أحد القراء بالجوق، تلمذ للشيخ شمس الدين ابن الطباخ وقرأ معه وحاكاه، وكان للناس في سماعه رغبة زائدة، ولم يخلف بعده من يقرأ على طريقته؛ مات في صفر. أبو بكر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح، المقدسي الأصل الدمشقي الصالحي الحنبلي صدر الدين بن تقي الدين. ولد سنة ثمانين وتفقه قليلاً، واستنابه أبوه وهو صغير واستنكر الناس ذلك، ثم ناب لابن عبادة وشرع في عمل المواعيد وشاع اسمه وراج بين العوام وكان على ذهنه كثير من التفسير والأحاديث والحكايات مع قصور شديد في الفقه، وولي القضاء استقلالا في شوال سنة سبع عشرة، فباشر خمسة أشهر ثم عزل، واستمر على عمل المواعيد؛ ومات في جمادى الآخرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 حسن بن سودون، الفقيه، كان بارع الجمال في سلطنة المؤيد لكن أصيب في بصره فعشي إحدى عينيه، وتزوج ططر أخته قديماً فعظم في دولته، ثم تأمر تقدمة في ولاية ابن أخته الصالح محمد لكن لم يمتع بالإمرة فإنه لم يزل موعوكاً إلى أن مات في يوم الجمعة ثالث عشر صفر، وأسف أبوه عليه فصبر وتجلد، وكان موته سبب التغير والمنافرة بين الأميرين الكبيرين: طرباي وبرسباي. سليمان بن إبراهيم بن عمر الفقيه نفيس الدين التعزي العلوي، نسبه إلى علي بن ... سمع أباه وابن شداد وغيرهما، وعني بالحديث وأحب الرواية واستجيز له من جماعة من أهل مكة، وسمع مني وسمعت منه، وكان محباً في السماع، والرواية محثاً على ذلك مع عدم مهارة فيه فذكر لي أنه مر على صحيح البخاري مائة وخمسين مرة ما بين قراءة وسماع وإسماع ومقابلة، وحصل من شروحه كثيراً، وحدث بالكثير وكان محدث أهل بلده، وقرأ للكثير على شيخنا مجد الدين الشيرازي ونعم الرجل كان! لقيته بزبيد وبتعز في الرحلتين وحصل لي به أنس، وحدثني بجزء من حديثه يخرجه لنفسه زعم أنه مسلسل باليمنيين وليس بالأمر في غالبه كذلك: مات في ذي الحجة وقد جاوز الثمانين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 صالح بن شهاب الدين أحمد بن صالح السفاح، ولد سنة خمس وتسعين وأحضر على ابن أيذغمش وأسمع علي ابن صديق وقرأ شيئاً في النحو، ثم لما ولي أبوه كتابة السر استقر في توقيع الدست وناب عن أبيه، وكان محتشماً متودداً إلى الناس وافر العقل، ومات بالطاعون في جمادى الآخرة، وهو سبط القاضي شرف الدين الأنصاري قاضي حلب. صالح بن عيسى بن محمد بن عيسى بن داود بن سالم، الصمادي كان جده سالم من تلامذة الشيخ عبد القادر، وبنيت لسلفه زاوية بصماد قبلي بصرى ونشأ هذا بزاويته، وله أتباع وشهرة، وكان له مزدرعات ومواشي ويضيف الواردين كثيراً، وكلمته مسموعة عند أهل البر؛ ومات في رمضان عن نحو السبعين. صدفة بن سلامة بن حسين بن بدران بن إبراهيم بن حملة الضرير الجيدوري، ثم الدمشقي، ولد سنة بضع وخمسين، وعني بالقراآت فقرأ الشاطبية على العسقلاني إمام جامع ابن طولون، وقرأ التيسير على أبي الحسن الغافقي وأقرأ القراآت بالجامع الأموي وأدب خلقاً، وانتفعوا به، وله تواليف في القراآت؛ مات في عاشر جمادى الأولى. عبد الرحمن بن محمد بن طولو بغا. النتكزي أسد الدين مسند الشام، ولد سنة ... وسمع من ... وتفرد وحدث، وحج في سنة أربع وعشرين فحدث بمكة، ورجع فمات بدمشق في 12 ذي القعدة من هذه السنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 عثمان بن سليمان الصنهاجي من أهل الجزائر الذين بين تلمسان وتونس، رأيته كهلاً قد جاوز الخمسين وقد شاب أكثر لحيته، وطوله إلى رأسه ذراع واحد بذراع الآدميين لا يزيد عليه شيئاً وهو كامل الأعضاء، وإذا قام قائماً يظن من رآه أنه صغير قاعد. وهو أقصر أدمي رأيته. وذكر لي أنه صحب أبا عبد الله بن الفخار وأبا عبد الله ابن عرفة وغيرهما، ولديه فضيلة ومحاضرة حسنة علي بن أحمد بن علي المارديني سمع من ابن قواليح صحيح مسلم بدمشق وحدث عنه؛ ومات بمكة في شوال. علي الملك صير الدين بن الملك سعد الدين محمد، ملك المسلمين بالحبشة وكان شجاعاً حتى يقال إنه زجر فرسه في بعض الوقائع وقد هزمه العدو وقد وصل إلى نهر عرضه عشرة أذرع فقطع النهر ونجا ملك بعد أبيه، وجرت له مع كفرة الحبشة وقائع عدة، وكان عنده أمير يقال له حرب جوس من الأبطال: مات صير الدين مبطوناً في هذا السنة، واستقر بعده أخوه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 منصور. عمر بن عبد العزيز بن أحمد بن محمد سراج الدين الخروبي، ولد سنة إحدى وأربعين وسبعمائة أو في التي بعدها، ولم أجد له سماعاً على قدر سنة ولو اعتنى به لأدرك الإسناد وقد كان له حرص على سماع الحديث فسمع بقراءتي كثيراً وجاوز الثمانين ممتعاً بسمعه وبصره وعقله، وكان كثير العبادة من صلاة وتطوع وصيام تطوع وأذكار، وتنقلت به الأحوال ما بين غني مفرط وفقر مدقع، فأول ما مات أبوه كان يعد من التجار، ثم ورث أباه هو وأخوه نور الدين الذي مات سنة ثلاث وثمانمائة فاتسع حاله وأثرى واشتهر بالمعرفة وحسن السيرة، ثم تناقض حاله فمات عمه تاج الدين بمكة سنة خمس وثمانين وأوصي وورث منه فأثرى، واتسع حاله، ثم تناقص إلى أن مات قريبهم محمد بن زكي الدين الخروبي في سنة أربع وتسعين وهو شاب فورث منه مالاً جزيلاً فتراجع حاله، ثم تناقص حاله إلى أن مات أخوه بدر الدين فورث ماله واتسعت دائرته وحسن حاله، ثم تناقص حاله بعد ثلاث سنين إلى أن ماتت أخته آمنه فورث منها مالاً جزيلاً فحسنت حاله ووفى كثيراً من دينه، ثم لم يزل بسوء تدبيره إلى أن مات فقيراً إلا أن ابنته فاطمة ماتت قبله في هذا السنة فورث منها شيئاً حسنت به حاله قليلاً لكنه مات وعليه ديون كثيرة، وخلف خمسة أولاد ذكور منهم شمس الدين محمد وكان ضيق اليد جداً فمات بمدينة بعلبك، وثانيه شقيقه شرف الدين محمد ثم عز الدين محمد. ثم بدر الدين محمد، ثم فخر الدين سليمان، فكان نابغتهم بدر الدين، فإنه كان حصل من تركة آمنه بغير علم أبيه قدراً جيداً، وأخذ من والدته، وهي تجار بنت ناصر الدين بن مسلم كبير التجار بمصر أبوها كان سيئاً كثيراً فأثرى وعمر بيتهم ثم لم يلبث أن مات في الطاعون العام سنة ثلاث وثلاثين، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 ثم مات عز الدين سنة اثنتين وأربعين ولم يبق إلا شرف الدين وسليمان وهما في غاية القلة - فسبحان الذي لا يزول ملكه! فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم بعد أن كانوا يشار م بالأصابع في الثروة وصاروا كآحاد الناس بل في الحضيض. غرير بن هيازع بن هبة الحسيني، أمير المدينة وأمير ينبع، كان وقع بينه وبين عجلان بن نعير ابن عمه أخو ثابت اختلاف كما كان بين أسلافهما فهجم غرير على حاصل المسجد فأخذ منه مالاً جزيلاً، فأمر السلطان أمير الركب بالقبض عليه، فقبض عليه في ذي الحجة وأحضر صحبة الركب إلى مصر، فاعتقل بالقلعة فمات بعد ثمانية عشر يوماً، وكان خاله مقبل بن بختيار أمير ينبع قد جهز قدر المال الذي نسب أنه أخذه وأرسل به مع قصاده إلى السلطان فبلغ القاصد أنه مات فرجع بعضهم إلى ينبع بالمال واختفى بعضهم بالقاهرة، وكان مدة إمرة غرير على المدينة ثماني سنين، وهو بالغين المعجمة مصغراً. محمد بن أحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد، الشريف بدر الدين الحسنين نقيب الأشراف بحلب، تقدم ذكر والده عز الدين وهو من شيوخنا بالإجازة، وولي هذا نقابة الأشراف بعد والده، قال القاضي علاء الدين في تاريخ حلب: كان بارعاً يستحضر شيئاً من التاريخ ويذاكر به ثم ولي كتابة السر بحلب في سنة إحدى وعشرين ومائتين من جهة المؤيد فجمع الوظيفتين، قال: وكان كتب وصية وجعلها في جيبه وصار يلهج بذكر الموت إلى أن وقعت وفاته في جمادى الآخرة وجاوز الأربعين بقليل وكان الجمع في جنازته مشهودا، أثنى عليه البرهان المحدث. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 محمد بن أحمد أبو المعالي الجبتي الحنبلي شمس الدين، ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وسمع من عمر بن حسن ابن أميلة والعماد بن كثير وغيرها، وتفقه بابن قاضي الجبل وابن رجب وغيرهما، وتعانى الآداب فمهر، وكان فاضلاً مستحضراً مشاركاً في الفنون، وقدم إلى القاهرة في رمضان سنة أربع وثمانمائة وقد حدث ببعض مسموعاته وقص على الناس في عدة أماكن وناب في الحكم، وكان يحب جمع المال مع مكارم الأخلاق وحسن الخلق وطلاقة الوجه والخشوع التام ولا سيما عند قراءة الحديث. سمعنا بقراءته صحيح البخاري في عدة سنين بالقلعة وسمعنا من مباحثة وفوائده ونوادره وما جريانه، وكان حسن القراءة يطرب إذا قرأ ويحسن عمل المواعيد، وكان قد صحب العماد بن كثير فكان ينقل عنه الفوائد الجليلة، وناب في الحكم في بعض المجالس وكان لا يتصون. وولي بالقاهرة مشيخة الغرابية بجوار جامع يشبك ثم مشيخة الخروبية بالجيزة وبها مات فجأة فإنه اجتمع في يوم الثلثاء سادس عشري المحرم فهنأني بالقدوم من الحج ورجع إلى الجيزة في آخر نهار الأربعاء فمات ليلة الخميس وقت العشاء ثامن عشري المحرم وقد أكمل السبعين فرأيت في تاريخ ابن حجي في حوادث سنة اثنتين وثمانمائة في ذي القعدة وقع حريق بدمشق فانتهى إلى طبقة بالبراقية وهي بيد الشيخ شمس الدين الحبتي ولم يكن يسكنها، فوجدوا بها جراراً ملأى خمراً فكثرت الشناعة عليه عند تنم النائب، قلت: وكنت في تلك الأيام بدمشق وبلغني أنهم شنعوا عليه وأنه بريء من ذلك، وبعضهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 كان ينكر عليه ويتهمه وأمره إلى الله - عفا الله تعالى عنه! واستقر مكانه بالجيزة فضل الله بن نصر الله البغدادي. محمد بن الجمال عبد الله. الرومي الحنفي صدر الدين، ناب في الحكم وكان حسن التودد ويتعمم دائماً على آذنيه. محمد بن علي بن خالد، الشافعي شمس الدين المعروف بابن البيطار، سمع من عبد الرحمن بن الشيخ علي بن هارون المعاري مشيخة تخريج شيخنا العراقي وسمع من غيره ولازمنا في السماع على المشايخ كثيراً، وكان وقوراً ساكناً حسن الخلق كثير التلاوة. محمد بن علي بن قرمان، الأمير ناصر الدين، كان أمير بقصرية ونكدة ولا رندة، وما والاها من البلاد الحلبية غيرها، ثم امتدت عينه إلى أخذ طرسوس وهو من معاملات حلب، وطمع فيها لوقوع الاختلاف بين الأمراء المصرية فحاصرها وملكها، فلما استقر المؤيد في المملكة جهز عسكراً فاستنقذها منه وقرر فيها نائباً، ثم جمع ابن قرمان جيشاً وتوجه إلى طرسوس فأخذها. فجهز المؤيد ولده إبراهيم في العسكر المقدم ذكره في سنة إحدى وعشرين فملكوا طرسوس وهرب منهم ابن قرمان، وسلموا طرسوس بأمر المؤيد لناصر الدين بن دلغادر. واستقر في إمرة البلاد القرمانية على أخو ناصر الدين فلما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 رجع إبراهيم إلى القاهرة وقع بين ابن قرمان وبين ابن دلغادر وقعة انهزم فيها ابن قرمان وأسر وحمل إلى القاهرة فدخلها وكان يوماً مشهوداً، فلما مات المؤيد أفرج عنه ططر وتوجه إلى بلاده في أوائل سنة أربع وعشرين، فاستمر إلى أن توجه إلى حصار بعض القلاع فأصابه حجر في جبهته فصرعه ومات في هذه السنة. محمد بن علي بن أحمد، الزراتيتي المقرئ الحنبلي إمام الظاهرية البرقوقية الشيخ شمس الدين، ولد سنة سبع وأربعين، وعني بالقراآت ورحل فيها إلى دمشق وحلب، وأخذ من المشايخ، واشتهر بالدين والخير، سمع معنا الكثير وسمعت منه شيئاً يسيراً، ثم أقبل على الطلبة بأخرة فأخذوا عنه القراآت ولازموه وختم عليه جمع كثير وأجاز لجماعة، وانتهت الرئاسة في الإقراء بمصر ورحل محمد الأقطار وأجاز رواية مروياته لأولادي، ونعم الرجل كان! الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 مات في يوم الخميس سادس جمادى الآخرة بعد أن أضر. محمد عز الدين بن الشيخ عز الدين بن محمد بن خليل بن هلال، الحاضري قاضي الحنفية، بحلب، قال البرهان المحدث بحلب: ولي القضاء فسار سيرة جميلة، مات بالطاعون. محمد بن قاضي المسلمين شرف الدين موسى الأنصاري ولي الدين أبو زرعة خطيب الجامع الكبير بحلب؛ مات في رجب بالطاعون أيضاً. محمد جلبي السلطان ويلقب كرشي ولد السلطان أبي يزيد بن مراد بن أرخان بن عثمان جق صاحب الأوجاق، وما معها من بلاد الروم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 محمد المعروف بابن المحب شمس الدين أحد قراء الجوق، وكان تلمذ للشيخ شمس الدين الزرزاي رفيق ابن الطباخ، فأخرجت جنازته هو وأحمد اليمني الماضي معاً وصلي عليهما. محمود بن محمد، الأقصراي بدر الدين، كان مولده سنة بضع وتسعين، وتفقه واشتغل كثيراً ومهر. ولازم شيخنا عز الدين ابن جماعة وغيره من الأئمة، ودرس بالأيتمشية، ثم اتصل بالملك المؤيد فعظم قدره، ثم أقرأ ولده إبراهيم في الفقه وازداده منزلته عند الظاهر ططر، فلما كان في أوائل شوال سنة أربع اعتل بالقولنج الصفراوي فتمادى به إلى أن مات. كان فاضلاً بارعاً ذكياً مشاركاً في فنون. حسن المحاضرة مقرباً من الملوك، حسن الود، كثير البشر، قائماً في قضاء حوائج من يقصده، كثير العقل والتؤدة، وقد درس في التفسير بالمؤيدية وغير ذلك؛ مات في ليلة الثلثاء في المحرم ولم يبلغ الثلاثين. يعقوب بن عبد الله، الخاقاني الفاسي، كان من أبناء البربر وتعلق بالاشتغال، فلما رأى الفساد الحادث بفاس بسبب الفتنة بين السعيد وبين أبي سعيد في سنة 17 فصار يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويكف أيدي المفسدين فتبعه جماعة وقويت شوكته، وحاول ملوك فاس القبض عليه فأعياهم أمره إلى أن قتل أبو سعيد، وأرسل ابن الأحمر يعقوب المريني إلى فاس فلم يتم الأمر، فأرسل أبا زيان ابن أبي طريف ابن أبي عفان فحاصر فاس، وقد اشتدت شوكة يعقوب الخاقاني واستفحل أمره، ففتك فيمن بقي من بني مرين وساعد أبا زيان وقام بأمره، فدخل فاس وقتل عبد العزيز الكناني وعدة من أقاربه - كما تقدم ذكره في سنة أربع وعشرين. ثم أرسل ابن الأحمر محمد بن أبي سعيد فعسكر على فاس، ففر منه أبو زيان فمات ببعض الجبال، وقتل يعقوب الخاقاني، ثم مات محمد عن قرب فأقيم ابن أخيه عبد الرحمن، فثار به أهل فاس فقتلوه وقتلوا ولده وأخاه وأقاموا رجلاً من ولد أبي سعيد، وقام بمكناسة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 وهي على مرحلة من فاس أبو عمر بن السعيد، وقام بتازي وهي على مرحلة ونصف من فاس شخص من ولد السعيد أيضاً، فصار في مسافة مرحلتين ثلاثة ملوك ليس بأيديهم من المال إلا ما يؤخذ ظلماً، فتلاشى الحال وخربت الديار وقتلت الرجال، والحكم لله العلي الكبير! نقلت هذا من خط الشيخ تقي الدين المقريزي عمن نقله من بعض من يثق به من المغاربة القادمين إلى الحج - والعلم عند الله تعالى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 //الجزء الثامن بسم الله الرحمن الرحيم سنة ست وعشرين وثمانمائة في المحرم على قطلوبغا حاجي باستمراره في نظر الأوقاف وألزم القاضي الشافعي أن يرتب له معلوما، فرتب له على الأوقاف الحكيمة في الشهر ألف وخمسمائة. وفي يوم عاشوراء سعى القاضي الشافعي المنفصل فأحضر بين يدي السلطان فدعا له وخلع عليه جبة بسمور وقدمت له بغلة، وشق ذلك على صالح المستقر. وفيه وصل الخبر بأنه وقع في بيروت برد كبار حتى وزنت واحدة فبلغ وزنها ربع قنطار شامي ويقال أكثر من ذلك، وكان بغزة وفلسطين محل شديد فأمطرت في هذا الشهر فتراجع السعر، ولولا ذلك لنزح جميع أهل تلك النواحي منها. وفي أول المحرم كانت الوقعة بين مقبل بن نخبار الحسني صاحب الينبع وبين أمير الركب الثاني، وذلك أن عقيل بن وبير بن نخبار ابن أخي مقبل وقع بينه وبين عمه بسبب الإمرة، لأنها كانت مشتركة بين وبير ومقبل وكان وبير الأكبر والمشار إليه، فلما مات استقل مقبل فارتغم عقيل بذلك وسعى في الشركة فأجابه الأشرف إلى ذلك، وأرسلت إلى عقيل خلعة من الأشرف فلبسها ولم يظهر من مقبل لذلك إنكار، فلما توجه الحاج إلى مكة وثب مقبل على عقيل فقيده، ثم خشى من المصريين إذ رجعوا من الحج فنزح بأهله وماله ومن أطاعه إلى بعض الأودية، فلما قدموا إلى بدر راجعين من زيارة المدينة فجرد منهم جماعة فانتهوا إليه فوجدوه في بعض الأودية فوقع بينهم القتال، فانهزم مقبل ومن معه وانهزم معه رميثة بن محمد بن عجلان وكان خالف على عمه حسن بن عجلان، وانتهب العسكر المصري ما كان لمقبل وأفحشوا في الفسق والتعرض للحرم، ولما وصلوا إلى ينبع قرروا أميرها عقيل وتوجهوا إلى جهة مصر، ثم رجع مقبل إلى ينبع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 بعد رحيلهم بأيام فأوقع بابن أخيه عقيل ومن معه وكادت الكسرة تقع على عقيل، ثم تراجع أصحابه وهزموا عنه وأسروا محمد بن المؤذن وكان يكثر النميمة بينهم، فشنقه عقيل على باب المدينة وأرسل بخبر الهزيمة إلى القاهرة، واستمرت هزيمة مقبل إلى الشرق، والتجأ رميثة بن محمد بن عجلان أمير المدينة ليشفع له إلى عمه حسن بن عجلان، فتوجه معه إلى مكة. وفي العشر الأواخر من المحرم وقع بنواحي حوران برد كبار على صور خشاش الأرض والماء، كخنفسة ووزعة وحية وعقرب وسرطان وضفدع وغير ذلك - هكذا ذكر علاء الدين ابن أبي الشوارب الشاد بتلك الناحية أنه شاهد ذلك، وقد ذكر الحافظ علم الدين البرزالي في تاريخه في حوادث سنة ست عشرة وسبعمائة أنه وقع ببارين من عمل حماة برد كبار على صفة حيوانات مثل حية وسبع وعقرب وطيور مختلفة وصفة رجال في أوساطهم شبه حوائص، وأنه ثبت بمحضر على قاضي الناحية واتصل بقاضي حماة. وفي ثاني عشري المحرم صرف الدين ابن العجمي من نظر الجوالي، واستقر فيها زين الدين قاسم بن القاضي جلال الدين البلقيني بمال بذله لجاني بك الدويدار الثاني، وكان استقر في الدويدارية بعد قدومه من الحج وهو شاب له دون العشرين، وتصدى للحكم بين الناس وهرعوا إليه لعلمهم بمنزلته عند السلطان، وكان السلطان لما سجن بقلعة المرقب أراد جقمق نائب الشام إذ ذاك أن جاني بك المذكور ينضم إليه ويخدم عنده وتحيل عليه بكل طريق، فلم يوافق ولازم سيده وهو في السجن وصبر معه على الضيق، فشكر له ذلك. وفي تاسع عشري المحرم عزر فتح الدين محمد بن محمد بن المؤيد موقع الحكم للشافعي وجمال الدين عبد الله بن عمر النحريري موقع الحكم للمالكي بسبب شهادة قيل إنها زورت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 عليهما أو منهما فأمر الدويدار الكبير بقطع أكمامهما وتجربسهما بالقاهرة ماشيين وتألم الناس لذلك، وقيل إنهما كانا مظلومين، وتوجه ابن المؤيد إلى القدس خجلا من الناس. وفي ثامن عشري صفر عقد مجلس بسبب الفلوس، فاستقر الأمر فيها على تمييزها مما خالطها كما سيأتي، ونودي على الفلوس أن الخالص بسبعة كل رطل، والمخلوطة كل رطل بخمسة دراهم، وحصل بين الباعة بسبب ذلك منازعات. ثم في أواخر رمضان نودي على الفلوس المنقاة بتسعة وبمنع المعاملة من المخلوطة أصلاً، فسكن الحال ومشى. وفيه عزز فخر الدين عثمان المعروف بالطاغي خازن كتب المدرسة المحمودية بالموازينين ظاهر القاهرة فضرب بين يدي السلطان، وكان قد رفع عليه أنه فرط في الكتب الموقوفة وهي من أنفس الكتب الموجودة الآن بالقاهرة، لأنها من جمع القاضي برهان الدين ابن جماعة في طول عمره فاشتراها محمود من تركة ولده ووقفها وشرط أن لا يخرج منها شيء من المدرسة واستحفظ لها إمامه سراج الدين، ثم انتقل ذلك لعثمان المذكور بعد أن رفع على سراج الدين المذكور أنه ضيع كثيراً منها، فاختبرت فنقصت نحو مائة وثلاثين مجلدة، فعزل سراج الدين وقرر عثمان، فاستمر يباشر ذلك بقوة وصرامة وجلادة وعدم التفات إلى رسالة كبير أو صغير حتى أن أكابر الدولة وأركان المملكة يحاوله الواحد منهم على عارية كتاب واحد وربما بذلوا له المال الجزيل فيصمم على الامتناع حتى اشتهر بذلك، فرافع عليه شخص من الناس أنه يرتشي في السر، فاختبرت العشر سواء، لأنها كانت أربعة آلاف مجلدة فنقصت أربعمائة، فالتزم بقيمتها فقومت بأربعمائة دينار فباع فيها موجوده وداره وتألم أكثر الناس له، ولم يكن عيبه سوى كثرة الجنف على فقراء الطلبة وإكرام ذوي الجاه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 وفي أول شهر ربيع الأول قرر قصروه أمير آخور في نيابة طرابلس، وقرر جقمق الذي كان استقر حاجباً كبيراً في مكانة أمير آخور في ثاني عشرة، واستقر في الحجوبية أزبك الأشقر وعمل المولد السلطاني، فحضر القاضي الشافعي المعزول وأجلس رأس الميسرة، وتحول الحنفي من ثم فجلس الشافعي المستقر في الميمنة. وفي أوائل العشر الثاني منه رفع شخص من أهل الرملة في كاتب السر علم الدين ابن الكويز إلى السلطان قصة من جملتها أنه تواطأ هو وجماعة من أهل الدولة على إعادة السلطنة للمظفر بن المؤيد، وفي القصة: إن كاتب السر لا يصلح أن يكون اسلميا، وإن الذي يليق في وظيفة كتابة السر من يكون من أهل العلم والمعرفة بالألسنة إلى أوصاف أخرى - يرمز فيها بالهروي، وذكر لي الشيخ شرف الدين ابن التباني أن الذي رفعها أول ما قدم نزل عند المحتسب وهو صديق الهروي، وفي نفسه من كاتب السر أمور كثيرة، فأمر السلطان بنفي الذي رفعها إلى قوص، فخرج مع نقيب الجيش في الترسيم، الذي رفعها محمد بن بدر الأرسوفي، وكان شيخاً من بلدة الشيخ على ابن عليم بالرملة، فلما كان شهر ربيع الآخر خرج السلطان إلى وسيم بالجيزة في زمن الربيع، وكانت أول تعدية عداها إلى الجانب الغربي في البحر منذ تسلطن، ويقال إنه كان عزم على الإقامة نصف شهر فأقام أسبوعاً، ورجع وقد بلغه أمر أزعجه، ووقف له سائس من السواس في طريقه فزعم أنه رأى الشيح أحمد البدوي في النوم وةبين يديه نار وهو يطفئها، وكلما أطفأها عاد لهبها، فسأله عن ذلك؛ فقال: هذه نار أطفئها عن السلطان، فشاع بعد ذلك أن السلطان ظفر باثنين أو ثلاثة أرادوا الفتك به، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 وابتدأ بكاتب السر وجعه، فيقال إنه دس عليه السم فوعك أياماً ثم ابل من مرضه وركب ثم انتكس واحتجب عن العواد ولازمه الأطباء، فيقال إن نصرانياً أراد أن يدفع عنه وهم كونه مسموماً فشرب بوله، ففرح بذلك وأعطاه خمسين ديناراً، ثم صار يحصل له شبيه السبات، ويقال إن النصراني وعك بعد ذلك، وفي غضون هذه الأيام أمر السلطان بإعادة الشيخ محمد بن بدر من قوص، فأعيد في أواخر شهر ربيع الآخر وتوجه لحال سبيله. وفي العشرين من ربيع الأول انقضت أيام الحسوم وكانت شديدة البرد إلى الغاية، ولقد تذكرت لما مرت بنا في سنة ست وثلاثين وثمانمائة بعد ذلك بعشر سنين وهي في غاية الحر - فسبحان الحكيم! واستمر كاتب السر منقطعاً في بيته موعوكاً إلى العشر الثاني من رجب فعوفي ودخل الحمام وركب إلى القلعة ثم اجتمع بالسلطان، فأذن له أن يتأخر في منزله أياماً لتكمل عافيته، فأرسل إليه عقب ذلك تقدمة تشتمل على ثياب حرير وصوف وذهب، فخلع على محضرها أخيه سليمان بن الكويز، وفي العشرين من ربيع الآخر رخص القمح جداً حتى انحط إلى ستين درهما الإردب بحيث يحصل بالدينار المختوم أربعة أرادب، وهذا غاية الرخص فإن عبرة الديار المصرية أن يكون الإردب بدينار، فما زاد فهو غلاء بحسبه وما نقص عن ذلك فهو رخص بحسبه. وفي رابع عشري شهر ربيع الآخر هبت ريح برقة تحمل تراباً أصفر إلى الحمرة، وذلك قبل غروب الشمس، فاحمر الأفق جداً بحيث صار من لا يدري السبب يظن أن بجواره حريقاً، وصارت البيوت كلها ملأى تراباً ناعماً جداً يدخل في الأنوف وفي جميع الأمتعة، ثم لما تكاملت غيبوبة الشفق أسود الأفق وعصفت الريح وكانت مقلقة، فلو قدر أنها كانت تصل إلى الأرض لكان أمراً مهولاً، وكثر ضجيج الناس في الأسواق والبيوت بالذكر والدعاء والاستغفار إلى أن لطف الله تعالى بادرار المطر، فتحولت الريح جنوبية باردة، ولم تهب هذه الريح منذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 ثلاثين سنة، وهي ريح هائلة عاصفة سوداء مظلمة، فانتشرت حتى غطت الأهرام والجيزة والبحرواشتدت حتى ظن كل أحد أنها تقتلع الأبيات والأماكن، فدامت تلك الليلة ويوم الأربعاء إلى العصر، وكانت سبباً في هيف الزرع بالوجه القبلي وغلاء سعر القمح. وفي ربيع الآخر قدم أخو رميثة بن محمد بن عجلان يخطبان إمرة مكة عوضاً عن عمهما حسن بن عجلان ظناً منهما طرد القياس في عقيل ومقبل، فانعكس عليهما الأمر فقبض عليهما وحبسا، وقرر قرقماش الشعباني وعلى بن عنان في إمرة مكة وسافرا معاً. وفيه وصل تاني بك البجاسي نائب حلب فسلم على السلطان، وهرع الناس للسلام عليه، ثم خلع عليه وأعيد إلى إمرته وتوجه ثالث جمادى الأولى. وفيه وقع بين نائب دمشق وقاضيها الشافعي نجم الدين ابن حجي تشاجر وادعى أن القاضي أشار عزل نفسه، وتولد من ذلك شر كبير سيأتي ذكره، وورد الخبر بأن الجراد وقع بالمدينة فأفسد الزرع بها وجرد الخوص من النخل، وقاسوا منه شدة عظيمة. وفي أوائل ما نقلت الشمس إلى الثور بعد أن اشتد الحر جداً عاد البرد الشديد حتى كان نظير الذي كان والشمس في برج القوس وهذا من العجائب، وبعد يومين أمطرت السماء مطراً غزيراً في معظم الليل، واستمر البرد قدر أسبوع. وفي اليوم الثامن عشر من حلول الشمس الثور أمطرت السماء مطراً شديداً غزيزاً، واستمر إلى أن أكثر الوحل في الطرقات كأعظم ما يكون في الشتاء مع الرعد الكثير والبرق، وقد تلف بذلك ما في المقائي من الزروع والنبات شيء كثير، وغلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 السعر بسبب ذلك، ويقال إنها أمطرت بمدينة المحلة من البرد الكبار ما يتعجب منه وهبت ريح شديدة بمدينة أنبابة فهدمت بسببها بيوت كثيرة، وقلعت أصول نخل وشجر. وفيه كائنة سرور المغربي المالكي، كان قدم من تونس إلى الإسكندرية وصار يذكر الناس ويقع في حق بعض الرؤساء، فتعصبوا عليه ومنعه نائب الحكم من الكلام، فدخل القاهرة فسعى في عزل القاضي، فتعصب كاتب السر للقاضي، فخرج سرور إلى الحج ثم عاد فرفع إلى السلطان أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وبين يديه خمسة أنفس مسلسلين رأسهم كاتب السر ابن الكويز، وأنه مد يده إلى عيني ابن الكويز ففقاهما وقال له: أفسدت شريعتي! وسعى في عزل الناظر والقاضي فأمر بإحضارهما، فأما الناظر فذب عنه صهره ناظر الخاص، وأما القاضي فحضر وصودر على مال، وكتب سرور لبعض أصحابه بالإسكندرية كتاباً يخبر فيه أن النائب والناظر والقاضي عزلوا بسبب كلامه فيهم، فبلغ ذلك النائب فكاتب السلطان في أمره وحط عليه، فتعصب له بعض الأكابر فأمر السلطان بنفي سرور من الإسكندرية، فوكل به بالقاهرة وأخرج مهاناً إلى الإسكندرية، ثم أنزل في مركب إلى الغرب فتوجه إليها، فوصل إلى صاحب تونس وأخذ منه كتاباً بالشفاعة فيه، فلما وصل إلى الإسكندرية قبض عليه النائب وسجنه وألزمه بالعود إلى الغرب، فاتفق أن الذي كان أرسل إلى الإسكندرية يحفظها من الفرنج كما سأذكره بعد، لما حصل الأمن من الفرنج قرر نائبها وهو آقبغا التمرازي وصرف النائب الذي كان بها وهو أسندمر النوري، وخلص سرور من الشدة بذلك وافرج عنه، وأرسل النائب الكتاب الذي استصحبه إلى السلطان، فسكن الأمر خصوصاً بعد موت ابن الكويز. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 ومن العجائب أن المذكور جرت له في سلطنة الظاهر جقمق في سنة ست وثلاثين مناقشة مع القاضي أدت إلى أن بعض الأكابر حط عليه فبالغ فأمر السلطان بنفيه، فلما حصل بالإسكندرية أغلظ للنائب فأنزلوه في مركب تسير إلى الغرب ورئيسها إفرنجي، فوصل كتاب بالشفاعة فيه، وإعفائه من التغريب، فعوق النائب قراءة الكتاب إلى أن تحقق أن المركب سارت به، فقرأ الكتاب وأعاد الجواب بفوات الأمر؛ ثم لم نطلع له على خبر إلى أن سطرت هذه الأحرف في شعبان سنة سبع وأربعين ثمانمائة، وجزم جماعة بأنه أعدم، ولم يلبث القاضي بعده إلا يسيراً وهلك. وفي رجب حضر الأستادار من الصعيد وحضر صحبته شيء كثير من الأبقار والأغنام، فجمع الجزارين والقيطامين وغيرهم لمشتراها، فاجتمع جمع كثير في مركب فغرقت بهم، فلم يسلم منهم إلا القليل، وذلك في مبادئ زيادة النيل؛ وكان الطاعون بالشام حتى قيل إن جملة من مات في أيام يسيرة زيادة على خمسين ألفاً، ووقع الطاعون بدمياط فمات عدد كثير من الرقيق والأطفال. وفي رجب شكا نائب الشام من ابن حجي قاضي الشافعية ونسبه إلى أمور معضلة، فأمر بالكشف عليه. فندب لذلك بعض الجند وصحبته شمس الدين محمد الأنصاري المدعو أبا شامة الدمشقي الذي كان أمين الحكم عنده، فنقم عليه أموراً فعزله، فتوجه إلى القاهرة فأقام بها يغض من ابن حجي ويذكر مساويه عند الأمراء وغيرهم، فلما وقعت هذه الكائنة ذكر بعضهم للسلطان أن أبا شامة يعرف مساوي ابن حجي، فسفره ليكشف عليه، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 وكان السبب في تغير نائب الشام عليه أنه كان بدمشق خمارات عليها ضمان للنائب فركب القاضي وأمر بإغلاقها. فشق ذلك على النائب وأحضر الضامن وخلع عليه ونادى له بالاستمرار، فنفر الناس من ذلك واجتمع عند بيت القاضي من لا يحصى كثرة، فركب القاضي والناس معه فكسروا أواني الخمر وأراقوها، فغضب النائب من ذلك ورفع إلى السلطان أن القاضي يقيم من يشهد بأن فلاناً الذي مات عن غير وارث له وارث فيثبت ذلك ويتسلم المال، وأنه حصل عنده من هذه الجهة أموال كثيرة ممن ليس له وارث إلا بيت المال، فتغيظ السلطان من ذلك، فلما وصل الأمر بالكشف عليه بالغ النائب في نكايته ومكن عدوه منه، وأقدم أبو شامة فسجل على نفسه أنه ثبت عنده أن في جهة القاضي نجم الدين ابن حجي لبيت المال عشرين ألف دينار، وحكم بذلك، ووصل حكمه بالقاضي الحنفي فنفذه، وطولع السلطان بذلك فكتب باستخلاص ذلك من ابن حجي، فقدر الله تعالى في غضون ذلك موت النائب وانفرج الهم عن القاضي، وكتب توقيعه من القاهرة باستمراره وغرم في ذلك مالاً كثيراً. وفي هذه السنة ابتدئ بعمارى المدرسة الأشرفية بالحريرين بجوار الوارقين، وأخذت الدور التي هناك وغالبها أوقاف، فتحيل في إبطالها بوجوه من الحيل، وتولى القيام في تعميرها ناظر الجيش عبد الباسط، وفيه رفع إلى الدوادار الكبير سودون من عبد الرحمن أن القاضي جمال الدين الطنبذي المعروف بابن عرب حكم محاكمة غير مرضية، فأمر القاضي الشافعي بأن يعزله، واقام في بيته بعد أن أهين بحضرة الدوادار، وعزل القاضي عقب ذلك من النواب اثني عشر نفساً، ثم لم يفد ذلك حتى أمر أن لا يزيد على عشرة نواب فعزل الجميع، وانتقى عشرى أكثرهم أقاربه واصهاره، فكثر كلام المنفصلين فيه، واتفق أن القاضي المالكي كانت عنده محاكمة فأرسل الدوادار طلبها وطلب نقيبه الجلال القزويني فامتنع، فأغلظ الدوادار القول، فعزل القاضي نفسه، ثم أعيد بشرط أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 يعزل نقيبه المذكور فصرفه، وأمر أن يقتصر من نوابه على ستة أنفس، وأن يقتصر الحنفي على ثمانية، وأن يقتصر الحنبلي على أربعة؛ فأطاعوا كلهم إلا الحنبلي فلم يصرح بعزل أحد من نوابه وكانوا ثمانية. وفيه حضر مملوك أيتمش الخضري وزعم أن بالمحلة كنزاً فيه مائة ألف إردب دنانير، فسلمه السلطان للأستادار، فكشف عن الأمر فلم يوجد لما قاله صحة، وشهد فيه بأنه خفيف العقل. وفيها رام نائب الشام من متروك شيخ العرب بالشام أن يحضر إلى طاعته فامتنع، وبذل له مالاً فأبى، وقصده بالمحاربة ففر، فأعجزه تحصيله، وفسد الدرب بسبب ذلك وكانت الطرق آمنة. وفي سادس شعبان مات تاني نائب الشام، واستقر عوضه تاني بك البجارسي نقلا من نيابة حلب إلى نيابة الشام. وفي رمضان أمر السلطان بإحضار العلماء لسماع صحيح البخاري بالقلعة، فهرعوا لذلك وكثر الجمع جداً، وممن حضر الشيخ شمس الدين ابن الديري شيخ المؤيدية الذي كان قاضياً قبل ووقع بيه وبين ابن المغلي قاضي الحنابلة مباحث أدت إلى مسافهة، فلما كثر اللغط أفرد الطلبة بمجلس بالقصر الأسفل والقارئ لهم الشيخ سراج الدين قارئ الهداية، وعين السلطان من النبهاء عدداً يسيراً يحضرون بالقصر الأعلى ويحضرهم السلطان فاستمر على ذلك سنين ثم كثر لغط الذين يحضرون وزجروا مراراً فلم ينزجروا، فأمرهم السلطان بالقراءة في داخل القصر الأسفل، وصار هو يحضر في شباك منفرداً يشرف عليهم، وكان ابتداء ذلك في سنة أربع وثلاثين بعد أن كان يقعد بينهم ساكناً لا يتحرك له يد ولا رجل ويقرر الشيخ شهاب الدين الكلوتاتي الحنفي يقرا بين يدي الشيخ سراج الدين قارئ الهداية كل يوم في القصر البراني الكبير. وفي شعبان واطا جاني بك الصوفي السجان بمحبس الإسكندرية فهرب معه، ولما وصل الخبر بذلك اضطرب العسكر وانزعج الناس من ذلك ونذب طائفة للتفتيش عليه، ودام ذلك مدة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 وهدمت بسببه دور وضربت جماعة ولم يظهر له أثر إلى حين تسطيرها في شعبان سنة ست وثلاثين، فسافرنا مع السلطان إلى الشام ولم يظهر له خبر محقق؛ وذكر لي من أثق به أنه حي موجود بالقاهرة. وفيه كثرت الأخبار بأن الفرنج تحركوا على بلاد المسلمين، فجهزت عدة أجناد إلى السواحل، فندب عدة إلى دمياط، وعدة إلى الإسكندرية وغيرهما. وفي ثالث عشري رمضان نفي طيبغا مملوك ناظر الخاص ابن نصر الله، وكان شاباً جميلاً رباه وهو صغير، فلما ترعرع انتزعه منه المؤيد فصيره من الخاصكية، ثم عاد بعد موت المؤيد إلى أستاذه، فاتفق أن ناقة من الهجن الخاص نفرت من إصطبل السلطان فصارت لطيبغا فيقال إن حسنا الهجان واطأه على أخذها فطلبت منه فجحدها، فأمر السلطان بحبس حسن وعزله بسببها من وظيفته، ثم جعل شريكاً للذي انتزعها منه بعد عشر سنين. وفيه سار إسكندر بن قرا يوسف فنزل ماردين وحاصرها حتى تسلمها وانهزم منه قرا يلك ثم نازل آمد، ففر قرا يلك إلى شاه رخ وكان قد سار من بلاده إلى تبريز فحاصرها حتى ملكها، فلما بلغ ذلك إسكندر وإخوته أولاد قرا يوسف، توجهوا إلى جهة تبريز فالتقى بهم شاه رخ فكانت الهزيمة على ابن قرا يوسف فخرب شاه رخ تبريز ونقل أموالها ورجع إلى بلاده، وانهزم اسكندر إلى الجزيرة ورجع قرا يلك إلى آمده ثم رجع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 اسكندر إلى تبريز، وكان في ماردين أمير من قبل اسكندر اسمه ناصور، أمر عليها تسع سنين إلى سنة خمس وثلاثين وثمانمائة. وفي شوال حج شرف الدين ابن تاج الدين ابن نصر الله وبيده يومئذ نظر الكسوة ونظر الأشراف، فلما سار الحجيج يومين أخرج عنه نظر الأشراف، واستقر فيه نقيب الأشراف حسين بن علي الأموي بواسطة الأمير جاني بك، وخرج عنه نظر الكسوة لصدر الدين ابن العجمي. وفي أواخر شوال صرف زين الدين قاسم بن البلقيني من نظر الجوالي، وأعيدت لصدر الدين أيضاً. وفي التاسع والعشرين من رمضان نودي على الفلوس الخالصة بتسعة الرطل، وكانت الفلوس قد قلت جداً فظهرت. وفي هذه السنة وجد قتيل بقرية، فأمسك الوالي أهل تلك البلاد ولا يدري هل القاتل منهم أم لا، فأمر السلطان بقطع أيدي بعضهم وآناف بعضهم وتوسيط بعضهم، فاستوهبهم أحمد دواداره المعروف بالأسود ليقررهم فلاحين له في بلاد خراب أراد أن يعمرها، فوهبهم له. وفي يوم السبت سادس عشري شوال نزل السلطان من القلعة بعد الظهر في أناس قلائل إلى أن دخل من باب زويلة فوصل إلى المدرسة التي أنشئت له فرآها ورجع مسرعاً، وتلاحق به بعض الأمراء إلى أن صعد القلعة؛ ولم يتفق له مثل ذلك قبل هذه المدة. وفي شوال قرر عبد القادر بن عبد الغني بن أبي الفرج الذي كان أبوه أستادارا كبيراً في كشف الجسور والشرقية، وفي شوال أيضاً صرف أرغون شاه من الوزارة، وقرر فيها كريم الدين ابن كاتب المناخات الذي كان أبوه فيها وانفصل، وصرف أيضاً من الأستادارية، واستقر فيها ناصر الدين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 ابن آبو قبالي الدمشقي وكان استدارا نائب الشام، وصودر أرغون شاه على مال، ثم أفرج عنه واستقر استادارا على المتعلقات السلطانية بالشام على عادته. وفي رمضان جاء الخبر من صاحب قبرس أن البحر مشغول بمراكب الفرنج فأمر لعدة من الأمراء والمماليك بالإقامة للرباط بالسواحل وهي: رشيد ودمياط وتستراوة. وفيه قرئ البخاري بحضرة السلطان في القصر الأعلى، وكانت العادة أن يقرأ في القصر الأسفل. وفي أوائل ذي القعدة توجه ناظر الجيش وجماعة إلى الحج، فأدرك الحجاج قبل ينبع، وزار المدينة في ذهابه ورجع مسرعاً، فدخل القاهرة في يوم عاشوراء. وفي ثالث عشر ذي العقدة الموافق لثاني عشري بابه أمطرت السماء مطراً غزيراً برعد وبرق وكثرت الأوحال، وفيه أمر السلطان بتحجير السكر وأن لا يتعاطى أحد بيعه إلا من حاصله، وأن لا يشتري إلا لخاصكي، وكتب على من كان يتعانى ذلك قسامات، فضاق عليهم الأمر، وقام في ذلك نور الدين الطنبذي أحد أكابر التجار وحسن للسلطان وأحضر شخصاً من جهته، فأقامه في تعاطي بيع ذلك وشرائه، والتزم أنه يحصل من ذلك جملة دنانير ربحا، فدام الأمر إلى أن حضر ناظر الجيش فأفسد ما كان الطنبذي فعله وأبطل التحجير بعد أن كان الضرر قد حصل لأكثر الناس. وفي سابع عشر ذي الحجة زلزلت الأرض بعد مضي ساعتين أو نحوهما من الليل وكانت خفيفة. وفيها بعد موت ابن الكويز ادعى تاج الدين ابن الهيصم الذي كان عمل الأستادارية في زمن الناصر والوزارة في زمن المؤيد أن ابن الكويز انتزع منه دارا كانت ملكه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 بالبركة وهدمها وبنى بها دارا جديدة ورام انتزاعها من ورائه، فتعصب له جماعة عند السلطان، فطلب ابن الهيصم وأهانه، وانتزع منه المستندات التي تشهد له بملك الدار المذكورة ووقفها، وهذه الدار صارت بعد ذلك ملكاً لابن مزهر، ثم بيعت بعده إلى أن صارت لابن كاتب المناخات ثم لزوجته فوقفتها، وقد تقدم استقرار تاني بك في نيابة دمشق نقلاً من حلب وذلك بعد موت تاني بك ميق بدمشق، ولما كان في السنة المقبلة أظهر العصيان فكان ما سنذكره ذكر من مات في سنة ست وعشرين وثمانمائة من الأعيان إبراهيم بن مبارك شاه الإسعردي الخواجا التاجر المشهور صاحب المدرسة بالجسر الأبيض، كان كثير المال واسع العطاء كثير البذل بخلاف قريبه الخواجا شمس الدين بن المزلق؛ فمات هذا في رجب مطعوناً ولم يكمل الستين، وعاش ابن المزلق ... بعده دهراً طويلاً. أحمد بن رسلان السفطي أحد من جد ومهر إلى أن صار يستحضر الكثير من الفروع الفقهية ويباحث ويستشكل ويفهم قليلاً وهو من كبار الطلبة بالخانقاه الشيخونية؛ مات في ربيع الأول وقد أكمل الستين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن، العراقي الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو زرعة، ابن شيخنا وأستاذنا حافظ العصر شيخ الإسلام زين الدين، ولد في ذي الحجة سنة 762، وبكر به أبوه فأحضره عند المسند أبي الحرم القلانسي في الأولى وفي الثانية، واستجاز له من أبي الحسن الفرضي، ثم رحل به الشام في سنة خمس وستين وقد طعن في الثالثة، فأحضره عند جمع كثير من أصحاب الفخر ابن البخاري وأنظارهم، ثم رجع فطلب بنفسه وقد أكمل أربع عشرة سنة، فطاف على الشيوخ، وقرأ بنفسه، وكتب الطباق وفهم الفن، واشتغل في الفقه والعربية والمعاني والبيان، وأحضره مجلس الشيخ جمال الدين الأسنوي ومجلش الشيخ شهاب الدين ابن النقيب وغيرهما، وأسمع على أبي البقاء وقبله القاضي عز الدين ابن جماعة، وأقبل على التصنيف فصنف أشياء لطيفة في فنون الحديث، ثم ناب في الحكم وأقبل على الفقه فصنف النكت على المختصرات الثلاثة، جمع فيها بين التوشيح للقاضي تاج الدين السبكي وبين تصحيح الحاوي لشيخنا ابن الملقن، وزاد عليهما فوائد من حاشية الروضة للبلقيني ومن المهمات للأسنوي، وتلقى الطلبة هذا الكتاب بالقبول ونسخوه وقرأوه عليه، واختصر أيضاً المهمات وأضاف إليها حواشي البلقيني على الروضة، وكان لما مات أبوه تقرر في وظائفه، فدرس بالجامع الطولوني وغيره، ثم استقر شيخاً بالجمالية بعد موت همام الدين، ثم ولى القضاء الأكبر كما تقدم، وصرف عنه فحصل له سوء مزاج من كونه صرف ببعض تلامذته بل ببعض من لا يفهم عنه كما ينبغي، فكان يقول: لو عزلت بغير فلان ما صعب علي! واستيعاب قضاياه يطول، وكان من خير أهل عصره بشاشة وصلابة في الحكم وقياماً في الحق وطلاقة وجه وحسن خلق وطيب عشرة؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 مات في يوم الخميس السابع والعشرين من رمضان - رحمه الله تعالى! أكمل ثلاثاً وستين سنة وثمانية أشهر، ودفن بجنب أبيه - رحمهما الله تعالى. أحمد بن عبد الله، القزويني شهاب الدين نقيب الحكم، وكان حنفياً يستحضر كثيراً من الأحكام المتعلقة بمذهبه، وباشر ذلك عند ابن الطرابلسي وولده مدة، ثم لما عزل أمين الدين بابن العديم اتصل هو بالجلال البلقيني فقرره نقيباً مضافاً لغيره، فاستمر هو ومات ابن مخلوف، ثم مات السثيني وكان لا بأس به لولا مكر فيه ودهاء، ولما ولى العراقي رام الاستقرار عنده فأبعده، فلما ولي البلقيني الأصغر خدمه إلى أن مات بعد ضعف شديد مدة، وكان مولده في سنة 761؛ ومات في شهر ربيع الأول. أحمد بن عثمان بن يوسف، الخرتباوي البعلي، ولد سنة 771، واشتغل على ابن اليونانية والعماد بن يعقوب وسمع عليهما، ثم ولي قضاء بعلبك ثم قدم دمشق، وكان فاضلاً في الفقه وغيره، وعنده سكون واجماع وعفة؛ مات في جمادى الأولى مطعوناً. تاني بك الذي يقال له ميق ولي إمرة الحجوبية بالديار المصرية وولي أتابكا بها ثم ولي نيابة دمشق، كان قد خاف من الطاعون فصار ينتقل يميناً وشمالاً، فلما ارتفع الطاعون عاد إلى دمشق فمات بغير الطاعون يوم الاثنين 8 شعبان - وقد تقدم ذكره في الحوادث. خديجة بنت الملك الأشرف شعبان بن حسين زوج قاسم البشتكي، وهي آخر أولاد الأشرف من النساء وفاة، وكانت توصف بعقل ورئاسة. خليل بن عبد الوهاب بن سليمان، الأنصاري صلاح الدين ابن نجم الدين ابن السيرجي، ولد سنة 747، وتفقه قليلاً وباشر كثيراً من أوقاف المدارس كالشامية الجوانية، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 وكان قوي النفس كثير الحشمة والكرم، وكان أعيان الفقهاء يترددون إليه، وهو الذي عمر الشاميتين بعد حريقهما في فتنة اللنك، ثم ضعف جانبه وقوي عليه الحكام، وصارت إقامته بالمجدل وقف الشامية، وآل أمره إلى فقر شديد؛ ومات في شهر رمضان، وهذا آخر من بقي من آل بيتهم. داود بن عبد الرحمن بن داود، الشوبكي الأصل المعروف بابن الكويز علم الدين أبو عبد الرحمن. مات في صبيحة يوم الاثنين سلخ رمضان بمنزله ببركة الرطلي بعد أن طال مرضه كما تقدم سببه في الحوادث. وكنت عدته في نصف رمضان فوجدته صحيح العقل والبدن لا يشكو ألماً ولكنه غلب عليه الوهم بحيث أنه في أثناء كلامه كان يجزم بأنه ميت من تلك الضعفة، وكانت أمور المملكة في طول مدة مرضه لا تصدر إلا عن رأيه وتدبيره، وكان يجتمع بالسلطان خلوة ويذكر أنه إذا ركب يتأذى بالركوب كذلك إن دخل الحمام أو الجامع كان أبوه من أهل الشوبك ثم سكن الكرك وهو نصراني يتعانى الديونة واسمه جرجس، فلما كان سنة سبع وستين ضيق يلبغا على جميع النصارى الملكية خصوصاً الشوابكة واتهموا بأنهم مالؤا الإفرنج على الإسكندرية، فأسلم هو وكثير منهم وتسمى عبد الرحمن، وخدم نائب الكرك وتقرب منه حتى قرره في كتابه السر، ثم تحول إلى حلب فخدم كمشبغا الكبير وقدم معه القاهرة صاحب ديوانه، ورأيته شيخاً طوالا كبير اللحية، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 ونشأ ابنه علم الدين هذا ترفا صلفا مسعود الحركات، فصاهر ابن أبي الفرج، وكان أخوه خليل أسن منه، ثم اتصلا بشيخ نائب الشام قبل سلطنته فخدماه وهو ينوب في طرابلس ثم في دمشق ثم في حلب، ثم قدما معه القاهرة فعظم شأنهما وكبر قدرهما، وباشر علم الدين نظر الجيش بطرابلس ثم بدمشق، وامتحن هو وأخوه في وقعة صرخد وصودرا، ثم لما تسلطن المؤيد تقرر في نظر الجيش، ثم اختص بالظاهر ططر وتقرر عنده كاتب السر في أيامه، وصولح ولده بعد موته على أربعين ألف دينار، وكان يتدين ويلازم الصلاة ويصوم تطوعاً ويتعفف عن الفواحش ويلازم مجالسة أهل الخير مع طول الصمت، فكان يستر عواره بذلك إلا أنه لما ولى كتابة السر افتضح للكنة فيه وعدم فصاحة وضبطت عليه ألفاظ عامية، ومع ذلك فكان وقاره وحسن تدبيره وجودة رأيه تستر عواره، واستقر بعده في كتابة السر قريبه جمال الدين يوسف وكان قد قدمه في عهد المؤيد وقرره في نظر الجيش بطرابلس، فاتفق أن الأشرف لما ولى نائبها في أيام المؤيد تقرب إليه وخدمه فصارت له به معرفة فلما مات علم الدين قرره في وظيفته، فباشرها قليلا بسكون وعدم شره وتلطف بمن يقصده وحلاوة لسان ثم صرف بعد قليل، كما سيأتي ذكره في التي بعدها. ومن فعلاته المستحسنة - أي صاحب الترجمة - أنه لما كان بشقحب صحبة الظاهر راجعاً إلى مصر إستأذنه في زيارة القدس فتوجه من طريق نابلس، فشكا إليه أهل القدس والخليل ما أضر بهم من أمر الجباية وكانت لنائب القدس، وتحصل منها لفلاحي القرى إجحاف شديد ويتحصل للنائب ألوف دنانير، ولمن يتولى إستخراج ذلك ضعفه، فلما رجع إستأذن السلطان في إبطال هذه المظلمة، فأذن له وكتب بها مناشير، فقرئت بالقدس والخليل، وكثر الدعاء له بسبب ذلك، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 مات في يوم الإثنين سلخ شوال ولم يبلغ الخمسين. زينب بنت الملك الظاهر برقوق، كانت من الجمال بمكان ثم تزوجت بعد أبيها ... ثم تزوجها ... ثم تزوجها الملك المؤيد ومات عنها، فكانت بنت سلطان وأخت سلطان وزوج سلطان، وتزوجت بعد المؤيد قجق العيساوي، وماتت في عصمته في ليلة السبت 28 ربيع الأول، وهي آخر أولاد الظاهر لصلبه وفاة، وكانت أرأس إخوتها، وأمها أم ولد رومية. سالم بن سالم بن أحمد بن سالم بن عبد الملك بن عبد الباقي بن عبد المؤمن بن عبد الملك، المجد المقدسي الحنبلي، يجتمع مع القاضي موفق الدين عبد الله بن عبد الملك في عبد الملك، اشتغل في بلاده ثم قدم القاهرة سنة 64، وأقام بها إلى أن ولى قضاء الحنابلة بعد موت الموفق أحمد ابن نصر الله في سنة ثلاث وثلاثمائة، ولم يزل مستقراً فيه إلى أن صرف بعلاء الدين ابن مغلى في أوائل سنة ثماني عشرة، فاستمر خاملاً إلى أن مات وليس بيده سوى تدريس الجمالية ومدرسة حسن، وضعف مدة متطاولة وخلف عدة أولاد صغار أسنهم مراهق، وكان مولده سنة ثمان وأربعين، وتفقه واشتغل حتى مهر ونبغ في المذهب وشارك في الفنون، وكان يستحضر المحرر في الفقه، وناب في الحكم، وعاش سبعاً وسبعين سنة، وكان الناصر فرج يثق به، وأرسله مرة إلى الصعيد للحوطة على تركة ابن عمر ثم صار يأتمنه على ما يصنع يده عليه من الأموال، وكان يبالغ في النصيحة له في ذلك، فمقته الناس لإعانته على الظلم، ولعله كان معذوراً فالله يسمح له. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 سودون الفقيه كان كبير الشراكسة تلمذ للشيخ لاجين الجركسي وكان أعجوبة في دعوى العلم والمعرفة مع عدمهما، وكان الكثير منهم يعتقد أنه لابد أن يلي السلطنة، كما كانوا يزعمون ذلك في شيخه، واتفق أن زوج إبنته وهو الظاهر ططر ولى السلطنة فارتكبت من يتعصب له في الشطط وقال: ظهر المراد في ططر، فلم ينشب ططر أن مات، ولم يحظ سودون في ولايته بطائل فضلا عما بعدما، وكان يكثر سؤال من يجالسه عن الشئ المعضل، فإذا أجابه عنه نفر منه قائلاً: ليس الأمر كذلك، ثم يعيد الجواب بعينه مظهراً أنه غيره، وله من ذلك عجائب، مات في 12 صفر. عبد الله بن محمد القرافي جمال الدين، مهر في العربية، وأخذ عن الشيخ أبي الحسن الأندلسي، وعمل مقدمة لطيفة يتوصل بها إلى معرفة الإعراب بأسهل طريق، وانتفع به جماعة، مات في ربيع الأول. عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل، القلقشندي ثم القدسي زين الدين إبن الشيخ شمس الدين سبط الشيخ صلاح الدين العلائي، اشتغل على أبيه وغيره، وأحب الحديث وطلبه، وكتب الطباق بخطه، وصنف ونظم، وكان فاضلا نبيها، سمع معي في الرحلة إلى دمشق كثيراً بها وبنابلس والقدس وغيرهما، وصار مفيد بلده في عصره، وقدم القاهرة في هذه السنة فأسمع ولده بها من جماعة، وكان حسن العقل والخط حاذقاً، رجع إلى بلده فمات بها وأسفنا عليه - رحمة الله تعالى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 عبد الرحمن بن محمد بن صالح، المدني قاضي طيبة زين الدين، ولد سنة ...... وسمع من ... وحدث قليلا وكان مزجى البضاعة، أقام في قضاء المدينة وخطابتها نحواً من ثلاثين سنة إلا أنه عزل في أثناء ذلك وأعيد مراراً، مات ليلة السبت في صفر، واستقر في وظيفته ولده أبو الفتح محمد. عبد العزيز بن علي بن أحمد، النويري ثم المكي العقيلي عز الدين، تفقه على مذهب الشافعي وحفظ الفقه، ومهر، وقرأ سنن أبي داود على الشيخ سراج الدين البلقيني سنة اثنتين وثمانمائة، وكان أبوه مالكي المذهب فخالفه، وأقام بالقاهرة مدة وأخذ عن شيوخها، وأذن له الشيخ برهان الدين الأبناسي وبدر الدين الطنبذى، ثم دخل اليمن وولى القضاء بتعز ثم رجع إلى مكة فمات في هذه السنة بها في 21 ذي الحجة، وما أظنه جاوز الخمسين ثم رأيت مولده سنة ثمان وسبعين وسبعمائة. عبد القادر ويدعى محمد ابن قاضي الحنابلة علاء الدين علي بن محمود ابن المغلي، السلماني ثم الحموي الحنبلي، مات وقد راهق، وقد نبغ وحفظ المحرر وغيره ونشأ على طريقة حسنة، وأسف أبوه عليه جداً ولم يكن له ولد غيره، فمات في نصف ذي القعدة. عبد الوهاب ... بن تاج الدين ابن الرملي ناظر الدولة، ولد سنة أربعين أو قبلها بسنة، وتنقل في الخدم إلى أن ولي نظر الدولة بالقاهرة فاستمر على ذلك مدة، ثم شاركه صهره سعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 الدين البشيري مدة طويلة، ثم استقل البشيري بالوزارة، واستمر هو إلى أن مات، وقد أحضره المؤيد ليحاسب الهروي على ما احتاجه من أموال القدس والخليل، فسأله عن مولده فقال: لي الآن اثنان أو ثلاث وثمانون سنة، وكان ذلك في سنة 22 وكان قد أسن وارتعش، ومات مفصولاً قبل موته بدون السنة، وكان يحب أهل الخير ويكثر الصدقة ويتبرأ من تناول المكس والأكل من ثمن ما يكون منه وكان يقول: أنا أستدين جميع ما آكله وألبسه حتى لا أتعاطى الحرام بعينه والله أعلم بغيبه. علي بن رمح بن سنان بن قنا نور الدين، تفقه، وسمع من عز الدين ابن جماعة وابن القارئ وغيرهما ولكنه لم ينجب وصار بآخرة يتكسب في حوانيت الشهود إلى أن مات، وهو أحد الصوفية بالخانقاه البيبرسية، جاز الثمانين. علي بن محمد بن محمد بن سالم بن موسى بن سالم بن أبي المكارم بن إسماعيل بن عبد السلام إمام الدين بن العميد. والعميد لقب عبد السلام المذكور، وكان العميد قاضي دمياط، وولي عدة من آباء إمام الدين القضاء، ثم ولي هو قضاء دمياط مدة ثم ولي قضاء المحلة، وكان عارفاً بالشروط قليل العلم، وجلس مع الموقعين مدة وناب في الحكم بالقاهرة، وكان بشوشاً جميل المعاشرة خبيراً بأمور الدنيا، مات في مستهل شعبان وله خمس وسبعون سنة. عمر بن عبد الله بن عامر بن أبي بكر بن عبد الله سراج الدين الأسواني نزيل القاهرة، تعاني الآداب وسلك طريق المتقدمين في النظم، وكان عريض الدعوى كثير الازدراء لمن ينظم الشعر من أهل عصره، لا يعد أحداً منهم شيئاً ويقول: شعرهم بعر مقزدر، هو يقول: من يجعل لي خطراً على أي قصيدة شاء من شعر المتنبي حتى أنظم أجود منها! الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 وكان قد دخل الشام وأخذ عن أدبائها ثم قدم القاهرة فاستوطنها من سنة تسعين، ولم يكن نظمه بقدر دعواه إلا أن ابن خلدون كان يطربه ويشهد له بأنه أشعر أهل العصر بعد ابن خطيب داريا، وكان للأسواني مشاركة في لغة وقليل من العربية، وما علمته ولي شيئاً من الوظائف، وقد حضر عندي في إملاء شرح البخاري، وأملي على الطلبة من نظمه أبياتاً في معرفة أسواق العرب في الجاهلية وهي رجز، وسمعت من لفظه قصيدة مدح بها المؤيد لما تسلطن بعناية الأدمي فغض منه البارزي، وكان يجتدي بشعره ويقلد المانة من يسمعه منه، ومن عنوان نظمه قوله: إن ذا الدهر قد رماني بقوم ... هم على بلوتي أشد حثيثاً إن أفه بيهم بشيء أجدهم ... لا يكادون يفقهون حديثا واتفق بأخرة أنه مدح أبا فارس صاحب تونس فأرسل إليه بصلة، قيل إنها مائة دينار فقبضها وهو موعوك، فنزل المارستان فطال ضعفه ثم عوفي، فذكر بعض أصحابه أنه كان دفنها وغيرها في مكان، فلما رجع ووجدها جعلها في مكان آخر وانتكس فضعف أياماً يسيرة، مات بالمارستان ولم توجد الذهبية المذكورة ولا غيرها، مات في ربيع الأول وقد جاوز الستين. عمر بن محمد، الصفدي - بنون مفتوحة ثم ياء تحتانية ساكنة ثم نون - زين الدين، اشتغل قديماً ومهر حتى صار يكاد يستحضر الكفاية لابن الرفعة، وأخذ عن علاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 الدين حجي بدمشق وأنظاره، وسمع من ابن قواليح، وناب في الحكم في بلاد عديدة في معاملات حلب، ثم قدم القاهرة قبل سنة عشرين ونزل بالمؤيدية في طلبة الشافعية، ومات بها في جمادى الأولى وقد جاوز السبعين بل قارب الثمانين، فإنه ذكر ما يدل على أن مولده في حدود الخمسين، وكان كثير التقتير على نفسه، ووجد له مبلغ فوضع بعض الناس يده عليه ولم يصل لوارثه منه منه شيء - عفا الله عنه. فارس بن عبد الله، الخازندار الرومي الطواشي، مات في النصف من المحرم، وكان قد تقدم في الدولة المؤيدية، وجود الخط على الشيخ عبد الرحمن بن الصائغ، وحفظ القرآن وتلاه على جماعة، واستقر بعده خشقدم خازندارا. قطلوبغا التنمي أحد أمراء الألوف ثم ناب بصفد، مات في ليلة السبت سنة ست وعشرين ربيع الأول بدمشق بطالا -. محمد بن الحسين بن عبد المؤمن ... الكازوروني ثم المكي جمال الدين أبو أحمد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 المؤذن، وله سنة بضع وأربعين، وأحضر على تاج الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن أبي سعد الشهاب الهكاري والعز بن جماعة والنور الهمداني، وولي رئاسة المؤذنين بالحرم الشريف بعد البهاء عبد الله بن علي الكازوروني؛ ومات في ربيع الأول. محمد بن خالد شرف الدين الشنشي - بفتح الشينين المعجمتين بينهما نون مفتوحة - كان موقع الحكم للشافعية، وكان ماهراً في صناعته، قوى الهمة شديد الجلد متثبتاً، لم يزل يحضر الدروس طالباً الوظائف المتعلقة به مع كبر السن إلى أن انقطع قدر شهر ومات في ثامن ربيع الآخر وقد جاوز الثمانين؛ ولو كان تصدى لسماع الحديث لأدرك إسناداً عالياً. محمد بن عبد الله بن عمر بن يوسف، المقدسي الصالحي الحنبلي المعروف بابن المكي شمس الدين. ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وتفقه قليلاً وتعانى الشهادة، ولازم مجلس القاضي شمس الدين ابن التقي، وولي رئاسة المؤذنين بالجامع الأموي وكان من خيار العدول عارفاً جهوري الصوت حسن الشكل، طلق الوجه منور اشيبة؛ مات في جمادى الأول بعد أن أصيب بعدة أولاد كانوا أعيان عدول البلد مع النجابة والوسامة فماتوا بالطاعون. محمد بن علي بن أحمد، الغزي الحلبي المعروف بابن الركاب شمس الدين، ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة بغزة، وتعاني الاشتغال بالقراآت فمهر، وقطن بحلب، واشتغل في الفقه بدمشق مدة، ثم أقبل على التلاوة والإقراء فانتفع به أهل حلب، وكان قد أقرأ غالب أكابرهم، وأقرأ الفقراء بغير أجرة، وممن قرأ عليه قاضي حلب علاء الدين ابن خطيب الناصرية، وكان قائماً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواظبة الإقراء مع الهرم؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 مات في تاسع عشر شهر ربيع الأول. محمد بك بن علي بك قرمان، ناصر الدين تملك البلاد القرمانية مات في صفر من حجر أصابه في جبهته في حربه مع قرايلك. محمد بن الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الدائم البرماوي، مات ولم يبلغ العشرين، وكان قد مهر وحفظ عدة كتب، وتوجه مع أبيه إلى الشام فمات بالطاعون، فأسف عليه أبوه ولم يقم بالشام بعدها بل قدم القاهرة، وأحسن الله عزاه. محمد المعروف بابن النحاس المقرئ في الجوق، شمس الدين، كان صاهر الشيخ شمس الدين الزرزاي، وقرأ على طريقته لكن لم يكن يدانيه بل كان في رفقته من يقرأ أطيب صوتاً منه لكن تقدم عليهم بالسكون وكثرة المال؛ مات في ربيع الأول. محمد القادري الصالحي الشيخ، كان منقطعاً بزاوية بصالحية دمشق، وله أتباع ولهم أذكار وأوراد وينكرون المنكر، وشيخهم قليل الاجتماع بالناس، وكان بين المنقبض والمنبسط؛ مات في رجب بالطاعون. محمد القباقبي الشيخ شمس الدين الحنبلي الصالحي، كان من قدماء الحنابلة ومشايخهم، وكان يتبذل ويتكلم بكلام العامة ويفتي بمسألة الطلاق وقد أنكرت عليه غير مرة، ولم يكن ماهراً في الفقه؛ مات في ذي القعدة وقد قارب الثمانين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 سنة سبع وعشرين وثمانمائة في الثامن من المحرم قدم ناظر الجيش عبد الباسط وشيخ علي الكيلاني وفخر الدين النوروزي والأمير قجق والأمير أركماس الظاهري، وكانوا حجوا فسبقوا ودخلوا في هذا اليوم، وصحبة ناظر الجيش مقبل أمير الينبع فأنزل دار الضيافة ووصل الركب في العشرين من المحرم الأول فسبق العادة بثلاثة أيام، وفي المحرم حضر مقبل نائب صفد فخلع عليه باستمراره. وفيه وقع مطر عظيم في أواخر المحرم، دام خمسة أيام متوالية، ولم يعهد مثله منذ دهر بمصر. وفيه استقر سودون من عبد الرحمن في نيابة دمشق عوضاً عن تاني بك البجاسي الذي استقر بها في العام الماضي، وكان استكثر من شراء المماليك وعزم على الخروج فبلغ ذلك السلطان، فعزله واستناب سودون وأمره بالقبض على تاني بك، فخرج سودون في السادس والعشرين من المحرم، فوصل الخبر بأن تاني بك نائب الشام أظهر العصيان، فوقع بينه وبين الأمراء بالشام وقعة فكسرهم تاني بك، فاستمروا في هزيمتهم إلى أن تلاقوا مع سودون في جسر يعقوب فمالوا وتبعهم تاني بك فحال بينهم الجسر، فأراد تاني بك أن يكبس على سودون فحذر منه وتوجه إلى دمشق وأمر شاهين نائب القدس أن يستعد لتاني بك بالحرب، وجد سودون في الوصول إلى دمشق حتى دخلها، فبلغ ذلك تاني بك فرجع خلفهم حتى وقع الحرب بدمشق، فكبا فرس تاني بك داخل باب الجابية فأمسك في الحال وحبس، ووصل الخبر بذلك صحبة على هجين في ستة أيام، فدقت البشائر، وسكنت الفتنة، ثم أحضرت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 رأس تاني بك إلى القاهرة فعلقت بباب زويلة، وكان السلطان عزم على إرسال عسكر مدد السودون فبطل ذلك. وفي السادس والعشرين من المحرم استقر على بن عنان بن مغامس الحسني في إمرة مكة عوضاً عن حسن بن عجلان، وجهز السلطان معه عسكراً لمحاربة حسن، وكتب إلى قرقماس الذي حج في هذه السنة ويوم تأخر بالينبع أن يعين عل بن عنان، فإذا غلب علي يستقر في الإمرة ويرجع قرقماس إلى القاهرة، فخرجوا في أول ربيع الأول. وفي يوم السبت الثاني والعشرين من المحرم استقر كاتبه في قضاء الشافعية بالقاهرة وما معها. وفي يوم الثلاثاء أول صفر شرعت في الإملاء بالخانقاه البيبرسية أستملي على الشيخ زين الدين رضوان بن محمد العقبي. وفي عاشر صفر قدم شمس الدين الهروي من القدس، فسلم على السلطان في الثاني عشر منة، وسكن مدرسة ابن الغنام بجوار بدر الدين العيني المحتسب. وفي الرابع والعشرين من صفر قرر الشيخ سراج الدين قارئ الهداية في مشيخة الشيخونية بعد موت الشيخ شرف الدين التباني بعد وفاته، وقدمت له فرس من خيل السسلطان فركبها وتوجه بخلعته، ومعه أزبك رأس نوبة وهو يومئذ ناظر الشيخونية، ومشى معه جمع كثير من الطلبة، فصلى بالمدرسة ركعتين وتوجه إلى منزله بين القصرين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 وفي ربيع الأول مالت المئذنة بالجامع الأزهر التي عمرت في سلطنة المؤيد سنة تسع عشرة، فأمر السلطان الأشرف بهدمها، فهدمت وأعيدت من أصح ما يكون. وفي ثامن عشري شهر ربيع الأول استقر أزبك الأشقر دوايدارا كبيراً نقلاً من رأس نوبة، واستقر تغرى بردى المحمودي رأس نوبة نقلاً من الحجوبية، وخلع عليهما بذلك. وفيه أنهى الشيخ شمس الدين البرماوي إلى السلطان أن شرط المؤيد أن لا يكون المدرس بها قاضياً وأعانه قوم آخرون، فانتزع تدريس الشافعية بالمؤيدية من كاتبه، فسعى كاتبه إلى أن أظهر كتاب الوقف وقد سكت عن الشرط المذكور فأعيد ذلك لكاتبه. وعوض البرماوي بأن ينوب عن علي حفيد العراق في جهاته بثلث المعلوم، فباشر ذلك. وفي صفر ختن السلطان ولده محمداً وعمل له فرحاً كبيراً، فيقال إن الأعياد لقطوا في طشته بالذهب الكثير، فأمر به فجمع وأعطى المزين منه مائة ورفع الباقي للخزانة. وفي التاسع من شهر ربيع الآخر استقر شمس الدين الهروي في كتابه السر بعد سعي شديد ووعد ببذل مال كثير، وانفصل جمال الدين الكركي والناس له شاكرون لحسن سيرته ولين جانبه، وكان يتشكى من رفقته ويستعفى إلى أن سعى الهروي فعزل، وأما الهروي فلبس تشريفاً كله حرير أبيض وطرحه حرير وحجرة بسرج ذهب وكنبوش زركش. وهرع الناس للسلام عليه، وكان الهروي لما قدم سلم الناس عليه إلا الحنبلي واستمر على ذلك، وكان حضر المولد السلطاني قبل ولاية كتابة السر فامتنع الحنيلي من الحضور بحضرته وتمادى على عدم السلام عليه، ثم أصلح السلطان بي الهروي وابن الديري وكان يطلق لسانه في الهروي فاصطلحا، فلما ولى الهروي ساءه ذلك وتكلم في الخلوة فبالغ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 وفيه أمسك رجل من الصوفية بالمؤيدية وجدت عنده آلات الزغل، فأمر السلطان بقطع يده، فشفع فيه فأخرج وضرب ضرباً مبرحاً وسجن ثم أطلق مع المسجونين في أواخر شعبان. وفي أوائل هذه السنة وقع بمكة وباء عظيم بحيث مات في كل يوم أربعون نفساً، وحصر من مات في ربيع الأول ألفاً وسبعمائة، ويقال إن إمام المقام لم يصل معه في تلك الأيام إلا إثنين وبقية الأئمة بطلوا لعدم من يصلي معهم. وفي سابع جمادى الأولى أقيمت الجمعة بالمدرسة الأشرفية الجديدة برأس الحريريين، واستقر ناصر الدين الحموي الواعظ خطيبها. وفي رابع عشر جمادى الأولى قدم القاضي نجم الدين ابن حجى من الشام إلى القاهرة، فاستقر في كتابة السر في العشرين من جمادى الآخرة، وركب معه جميع الأمراء الأماثل ولاقاه القضاة إلى قرب القلعة وصرف الهروي وصادف قول القائل: صرف الكمال البارزي ويوسف ... وأخو هراة لمثلها يتوقع وفي شهر ربيع الآخر كان قدوم الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجزري المقرئ إلى دمشق طالبا للحج من شيراز، وكان قد قدم المدينة ثم مكة ورجع إلى شيراز، ثم قدم هذه السنة وقد تمت له ثلاثون سنة منذ فر إلى بلاد الروم ثم إلى بلاد العجم، وولى قضاء فارس وغيرها، وانتفع الناس به في القراآت والحديث. وفي جمادى الأولى وصل قرقماس وعلي بن عنان إلى مكة فدخلاها بغير قتال، ونزح حسن بن عجلان عن مكة، ووصلت عند دخول علي بن عنان إلى جدة مركبان من الهند فتوجه إلى جدة لتعشيرها وفرح بذلك، لأنه يستعين بذلك على حاله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 وفي جمادى الآخرة عقد مجلس بسبب أخذ الزكاة من التجار وكان ابن حجى أو الهروي حسن للسلطان ذلك، فأمر بحضور القضاة بالصالحية وأن يحضر معهم الهروي وابن حجى، فانفصل الأمر على أن كاتبه قال لهم: أما التجار فإنهم يؤدون إلى السلطنة من المكوس أضعاف مقدار الزكاة وهم مأمونون على ما تحت أيديهم من الزكاة وأما زكاة المواشي فليس في الديار المصرية غالباً سائمة، وأما زكاة النبات فغالب من يزرع من فلاحي السلطان أو الأمراء، فقال القاضي الحنفي وهو زين الدين التفهني مرجع جميع الأموال في إخراج الزكاة إلى أربابها إلا زكاة التجارة فللإمام أن ينصب رجلاً يقيم على الجادة يأخذ من المسلمين ربع العشر، ومن أهل الذمة نصف العشر، ولا يؤخذ من المسلم في السنة أكثر من مرة، وقال المالكي والحنبلي نحو ما قال كاتبه، وانفصل المجلس على ذلك وانفرجت عن التجار وغيرهم. وفي جمادى الآخرة استقر الأمير ناصر الدين ابن العطار في نظر القدس والخليل، وصرف حسن وصودر على مال، ثم تعصب له بعض الأمراء فخفف عنه، وفيه قدم الشريف شهاب الدين الذي كان كاتب السر بدمشق إلى القاهرة وخلع على شهاب الدين ابن الكشك بقضاء الحنفية وسافر. وفي رابع عشر جمادى الآخرة ماتت زوجة السلطان أم ولده محمد فدفنها بالمدرسة الأشرفية التي شرع في بنائها برأس الحريريين، وكانت وقفت عدة أماكن على جهات معينة، فطلب السلطان المكاتيب وحرقها، واستولى على الأماكن المذكورة بعد أن ثبتت وحكم بها العيني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 وفي أواخر شعبان أطلق السلطان أهل الحبوس حتى أهل الجرائم ظناً أن في ذلك قربة فالله المستعان! وفي ثالث عشر جمادى الآخرة وصل علاء الدين علي بن موسى الرومي، وكان وصوله في البحر إلى دمياط ثم وصل في بحر النيل إلى بولاق، فتلقاه العيني وأنزله بجواره وأطلعه إلى السلطان فسلم عليه في مستهل رجب، وامتحنه كاتب السر بمسألة فبهت فلم يجب عنها، وبادر العيني فأجاب عنه. وفي الثالث من رجب استقر الشيخ علاء الدين الرومي علي بن موسى في مشيخة الأشرفية وحضر إجلاسه جماعة من الأعيان، وكان أكرمه السلطان إكراماً زائداً، فلما كان في شهر رمضان أرسل إليه جملة من القمح والسكر والذهب، ثم استأذنه في الحج فأعطاه مركوباً ونفقة ووصى عليه من حج صحبته من الأمراء. وفيه توقف النيل في العشر الثاني من مسرى ونقص إصبعاً وأمطرت السماء، وخرجت العادة أن المطر إذا وقع والنيل في زيادة نقص، فاضطرب الناس لذلك وماجوا، وازداد سعر القمح سبعين درهماً كل إردب، فلطف الله وزاد النقص وكسر الخليج في ثالث عشرى مسرى واطمأن الناس وتراجع السعر. وفي ثالث عشرى رجب إستأذن ابن الديري في السفر إلى القدس، فيقال: خشى أن يدخل رمضان فيلزم بحضور سماع الحديث فيجلس الهروي فوقه، فاتفق أن البخارى لما قرئ حضر السلطان وعن يمينه الشافعي ثم الحنفي ثم المالكي، وعن يساره الهروي ثم الحنبلي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 ثم شيخ الأشرفية ثم الشيخ يحيى شيخ الظاهرية ثم شيخ الشيخونية قارئ الهداية. ثم صار يحيى يجلس خلف السلطان ليسأله عما يريد فهم معناه من المباحث. وفيها في جمادى الآخرة قدم تونس الأمير محمد أبي تاشقين عبد الرحمن بن أبي حمو موسى من بني عبد الواد ويعرف بإبن الزكاعنة فاستنجد بصاحبها، فسار معه أبو فارس سلطانها إلى تلمسان وجهز معه عسكراً، ففر منه عبد الواحد إلى فاس وملكها إبن الزكاعنة. وقام بدعوة أبي فارس وكان ما سنذكره سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة. وفي سابع رمضان ضرب الأمير الكبير بيبغا المظفري نور الدين الطنبذى كبير التجار ضرباً مبرحاً لعناد وقع منه في حقه، فبادر الحاجب الكبير واستخلصه من يده، فأنهى الأمر إلى السلطان فأضمر ذلك ولم يظهره وأغرى بيبغا زين الدين الدميري بالطنبذى فادعى عليه أنه اشترى منه بستاناً وهو في المصادرة والبستان المذكور كان أبوه وقفه، فعقد بسبب ذلك مجلس فلم ينفصل لهم أمر، فلما كان في التاسع والعشرين من شوال قبض على بيبغا المظفري وسجن بالإسكندرية، واستقر عوضه الأمير قجق بأقطاعه وزيد من أقطاع بيبغا شيئاً، وقسم بقية أقطاعه بين تغرى برمش نائب القلعة واينال الجكمى وكان بطالا بالقدس فأحضر بالإرسال إليه من القدس، وكان في أيام المؤيد شاد الشربخاناة، ثم استقر رأس نوبة كبيراً بعد المؤيد، ثم تولى نيابة حلب مدة يسيرة ثم قبض عليه وحبس، ثم أفرج عنه الملك الأشرف وأقام بالقدس بطالاً ثم أرسل إليه بعد إمساك بيبغا المظفري، فقدم في نصف ذي القعدة وخلع عليه واستقر أمير مجلس عوضا عن إينال النوروزي، واستقر إينال أمير سلاح عوضا عن قجق الذي استقر عوضا عن بيبغا، وانتهت زيادة النيل في هذه السنة إلى خمسة عشر إصبعاً من ثمانية عشر ذراعاً وكسر الخليج في ثالث عشرى مسرى، فباشر ذلك محمد بن السلطان ومعه أزبك الدويدار، ثم توقف النيل أياما وإرتفع سعر القمح، ثم تراخى فشرق غالب البلاد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 وفي يوم الأحد الخامس والعشرين من رمضان ختم البخارى بحضرة السلطان، فخلع على القضاة على العادة، وخلع على العيني والهروي جبتين بسمور. فغضب الحنبلي وواجه السلطان وهو لابس الخلعة التي خلعت عليه بالعتاب وأغلظ عليه فحنق منه، وتوجه على غير شئ واستمر مغضباً فلم يحضر يوم العيد فازداد الحنق، ثم إنه استعان بولي الدين السفطي عند رأس نوبة الكبير تغرى بردى المحمودي، فأحضره عند السلطان واعتذر فقبل عذره، ثم إستأذن للحج فأذن له فأكترى وتجهز جهازاً واسعاً وهيأ لنفسه محفة ولأهله عدة محائر، فبلغه أن السلطان أمر أنه إذا قضى حجه من المدينة إلى الشام ويقيم ببلدة حماة بطالاً، فترك الحج وفرق جميع ما هيأه من الزاد حتى كان من جملته مائة علبة حلوى، وتصدق بجميع الدقيق والبقسماط وغير ذلك على الفقراء، فاتفق أنه عقب ذلك سقط من سلم في داره فتألم فخذه، فعولج وأقام مدة متمرضاً ثم عوفى، ودخل الحمام ثم انتكس، فلم يزل حتى عاوده القولنج في السنة المقبلة فمات كما سنذكره. وفي هذه المرة جددت للمشايخ الذين يحضرون سماع الحديث فراجى بسنجاب، وهو أول ما فعل بهم ذلك، وكانت عدتهم نحو العشرين، ثم ازداد الأمر إلى أن زادوا على المائة في سنة 42، ثم قطع جمعهم عن ذلك في سنة 846. وفي هذه السنة جهز السلطان إلى بلاد الفرنج مركبين وأخرج إليهم من بيروت مركباً ومن صيدا مركبا، فاجتمعوا وعدتهم ستمائة مقاتل وصحبتهم ثلاثمائة فرس، ونازلوا جزيرة الماغوصة فانتهبوها وأحرقوا ما بها من القرى وما بساحلها من المراكب، وقدموا سالمين غانمين وفرح الناس بذلك، وكان رجوعهم في شوال فقدموا في العشرين من ذي القعدة، وكان عدد الأسرى ألفاً وستمائة نفس، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 واستهل شوال يوم السبت. وفي الثامن من ذي القعدة صرف كاتبه عن القضاء، واستقر شمس الدين الهروي وباشر كعادته وفي عيد الأضحى وقع بين بعض المماليك السلطانية تشاجر بسبب قسمة الأضحية فتراموا بالحجارة، فوقع منها بالقرب من السلطان وبعض الأمراء فغضب من ذلك وتلافى الأمر لئلا يفحش. وفي سادس ذي الحجة قام جماعة من الصوفية بخانقاه سرياقوس على شيخهم ابن الأشقر وكان قد حج في هذه السنة، ورافع فيه صيرفي الخانقاه واسمه إبراهيم، فكاد الأمر يخرج عنه لكن انتصر له ناظر الجيش واستمهل السلطان عن إخراج وظيفته حتى يرجع من الحج. ذكر من مات في سنة سبع وعشرين وثمانمائة من الأعيان. أحمد الملك الناصر بن الملك الأشرف، إسماعيل بن الأفضل، عباس ابن المجاهد علي، صاحب اليمن - تقدم تمام نسبه في ترجمة أبيه. ومولده سنة ... واستقر في المملكة بعد أبيه سنة ثلاث وثمانمائة، وجرت له كائنات تقدم ذكر أكثرها، وكان فاجراً جائراً، مات بسبب صاعقة سقطت على حصنه من زجاج، فارتاع من صوتها فتوعك ثم مات في سادس عشر جمادى الآخرة، قال الله تعالى: ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 أحمد بن عبد الله، شهاب الدين البوتيجي الشافعي، تفقه ومهر، وكان يستحضر المنهاج عن ظهر قلبه، وكان يتكسب بالشهادة ثم تركها تورعاً. أحمد بن عيسى بن أحمد المقرئ، نزيل الجامع الأزهر، الشيخ شهاب الدين المالكي الصنهاجي، مات في سابع المحرم وكان ماهراً في العربية والقراآت والفقه، منتصباً لإقراء الناس جميع نهاره وأكثر ليله، لا يمل من ذلك، وانتفع به بشر كثير، وكثر التأسف عليه. أحمد القاضي محب الدين بن الشيخ جمال الدين محمد بن عبد الله إبن ظهيرة، المخزومي الشافعي، قاضي مكة وابن قاضيها ومفتيها وابن مفتيها، ولد في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين، وحفظ المنهاج وعدة كتب، وتفقه بوالده وغيره، وأذن له في الإفتاء الشهاب الغزي والشهاب ابن حجى وغيرهما، وكان ماهراً في الفقه والفرائض والحساب والفلك، حسن السيرة في القضاء، ولي من سنة ثماني عشرة إلى أن مات إلا أياماً يسيرة سنة تشع عشر كان عزل فيها ثم أعيد، ومات في جمادى الأولى، وخلت مكة بعده ممن يفتي فيها على مذهب الشافعي، وكان مشكور السيرة لما ولي القضاء. أحمد الحجيراني اللؤلؤي الشيخ شهاب الدين، كان أبوه خطيب قرية حجيرا، ونشأ هو في طلب العلم وقرأ على ابن الحباب ثم صحب الشيخ الموصلي، وكان يرتزق من ثقب اللؤلؤ، وحصل كتبا كثيرة، ومات في المحرم عن نحو الستين بقريته. أبو بكر بن عمر بن محمد، الطريني ثم لمحلى الشيخ الفاضل المعتقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 زين الدين، كان صالحاً ورعاً حسن المعرفة بالفقه على مذهب مالك قائماً في نصر الحق، وله أتباع وله صيت كبير، مات في حادى عشر ذي الحجة وقد جاوز الستين. تاني بك البجامي نائب دمشق، تنقل في الخدم في أيام الناصر فرج، وولى نيابة حماة في أيام المؤيد سنة سبع عشرة، ثم كان ممن خامر مع قانباي، فلما انكسروا هرب إلى التركمان فسار آقباي وراءه إلى الغمق، فانهزم إلى بلاد الروم، فلما مات المؤيد دخل إلى دمشق فولاه ططر نيابة حماة، ثم نقله إلى طرابلس في رمضان سنة 24 بعد أن تسلطن في ذي الحجة من السنة، ثم قرر في أيام الصالح ابن ططر في نيابة حلب عوضاً عن تغري بردى ابن قصروه بحكم عصيانه فسار لقتاله وانضم إليه عسكرها وغيره، فلما وصلوا إلى حلب هرب تغرى بردى وانضم إلى كزل الصهيوني الذي كان هارباً من المؤيد وأقاما في بهنسا فحاصرهما تاني بك بها، فمات كزل في الحصار، ثم نقل تاني بك إلى نيابة دمشق لما مات تاني بك العلائي المعروف بميق وذلك في رمضان فدخلها في شوال، فلما كان في صفر من هذه السنة بلغ السلطان عنه شئ فكتب إلى الحاجب بالركوب عليه، فركبوا فقاتلوه فانكسروا منه، ودخل إلى دار العدل فأظهر الإحسان والمخامرة على السلطان، فجهز إليه سودون من عبد الرحمن الذي كان دويدارا كبيراً في عسكر، فلما بلغ ذلك تاني بك البجاسي خرج إليهم فلما وصل إلى جسر يعقوب خالفوه في الطريق إلى دمشق فدخلوها، فرجع هو وسار حتى وصل إلى قبة يلبغا فوصلها وقد تعبت خيوله وخيول من معه ومع ذل فقصدهم، فقاتلوه فانكسروا منه، فسار في إثرهم إلى أن جاوز باب الجابية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 فسقطت رجل فرسه في حفرة من القناة فوقع فأمسكوه، فأمر بقتله فقتل بقلعة دمشق في شهر ربيع الأول، وكان كثير الحياء والشجاعة والشفقة، وقد أحسن في تلك السنة إلى الحاج لما رجعوا فإنهم لقوا مشقة عظيمة بتراكم الرياح بحوران، فخرج إليهم بنفسه ومعه أنواع الزاد حتى الزرابيل وفرقت فيهم، فانتفع الغني والفقير وأفرطوا في الدعاء له، فكان عاقبته الشهادة - سامحه الله تعالى. سليمان الملك العادل بن المجاهد غازي بن الكامل محمد بن الموحد أبي بكر بن المعظم توران شاه بن الصالح أيوب بن الكامل أبي المعالي أبي بكر محمد بن أيوب أقعد ملوك الأرض في مملكة حصن كيفا إلا صاحب صعدة الإمام الزيدي فإنه أقعد في المملكة منه، وأما العادل هذا فأقام في مملكة الحصن نحو الخمسين سنة، وله فضائل ومكارم وأدب وشعر واعتناء بالكتب والآداب، واستقر بعده في مملكة الحصن ولده الملك الأشرف أحمد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 بن سليمان، ثم قتل أحمد في سنة ست وثلاثين. واستقر في مملكته ولده عزيز الدين الفضيل - وقد قدمت في حوادث سنة تسع عشرة ذكر يوسف ابن أخي العادل سليمان المذكور. عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن زيد، البعلبكي المعروف بابن زيد، ولد سنة ستين تقريباً، وأسمع على ... وتفقه على ابن الشريشي والقرشي وغيرهما بدمشق، ثم ولي قضاء بلدة قبل اللنك ودرس وأفتى، ثم ولي قضاء طرابلس في سنة عشر، ثم ولاه المؤيد قضاء دمشق عوضاً عن نجم الدين بن حجى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 في سنة تسع عشرة ثم في سنة ست وعشرين في أيام الأشرف، وكانت مدته في الولايات يسيرة جداً، الأولى ستة أشهر والثانية شهرا ونصفاً، ولما صرف في النوبة الثانية حصل له ذل كبير وقهر زائد، وذهب غالب ما كان حصله في عمره، ولحقه فالج إلى أن مات في شهر ربيع الأول. عبد الله بن مسعود بن علي، الملبى القرشي أبو محمد المعروف بابن القرشية، أخذ عن أبيه عن الواد ياشي وعن أبي عبد الله بن عرفة وأبى على عمر بن قداح الهواري أحد من أخذ عن محمد بن عبد السلام شارح ابن الحاجب وأحمد بن إدريس الزواوي شيخ بجاية بل أخذ عنه المسلسل بالأولية ومصافحة المعمرين وأبى عبد الله بن مرزوق وأبى الحسن البطرني في آخرين يتضمنهم فهرسته رأيتها بخطه، وقد أجاز فيها لأبي الفرج سرور بن عبد الله القرشي الحلبي دارا في رجب سنة 822، ومات بتونس في هذه السنة على ما ذكر لي الشيخ أبو الفرج سرور المذكور وهو ابن أخيه. عبد الرحمن بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمد، القاضي زين الدين أبو الفرج الزرندي قاضي الحنفية بالمدينة، ولد في ذي القعدة سنة ست وأربعين بالمدينة، وسمع على عز الدين ابن جماعة وصلاح الدين العلائي وأجاز له الزبير بن علي الأسواني فكان خاتمة أصحابه، مات في ربيع الأول. عبد الوهاب تاج الدين المعروف بابن كاتب المناخات، تقدم ذكر ولايته الوزارة في الحوادث وأنه صرف وصودر، ثم صرف على عقب وفاة الأستادار الذي صرف بموته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 وهو ناصر الدين ابن أبو والى، وأعيد صلاح الدين ابن نصر الله، وكان تاج الدين ضخماً طوالا ريض الأخلاق عارفاً بالكتابة، وباشر الديوان المفرد مدة طويلة. علي بن عبد الكريم نور الدين القوي، سمع من الشيخ حمال الدين ابن نباتة وأحمد بن يوسف الخلاطي وغيرهما، وحدث بالكثير، سمعت عليه السيرة النبوية لابن هشام ونعم الشيخ كان! مات في خامس ذي الحجة وبلغ الستين. علي بن لؤلؤ، نور الدين، كان عالماً عاملاً متورعاً، لا يأكل إلا من عمل يده ولم يتقلد وظيفة قط، وكان ملازماً للإقراء بالجامع الأزهر وغيره، وانتفع به الناس، وله مقدمة في العربية سهلة المأخذ، مات في عشر الستين .... فاطمة بنت قجقار، زوج الملك الأشرف برسباي وأم ابنه محمد، ماتت ودفنت في المدرسة التي استجدها بالحريريين، وصلى عليما أمام باب الستارة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 وتقدم الشافعي للصلاة عليها والسلطان والأمراء وغيرهم خلفه، وكانت جنازتها حافلة، وقرئ عليها ليلاً ونهاراً، ماتت في خامس عشرى جمادى الآخرة. قاسم بن سعد بن محمد، الحسباني شرف الدين المعروف بالسماقي، ولد سنة ثمان أو تسع وأربعين، وقرأ الكتب واشتغل قليلاً، وتعانى الشهادة ثم صار موقعاً للحكام، واستنابه ابن حجى، فباشر القضاء ولم يترك الجلوس مع الشهود، ثم ولي قضاء حمص، وكان قليل البضاعة كثير الجرأة متساهلاً في الأحكام، مات في شعبان. محمد بن أحمد المبارك الحموي الحنفي ابن الخرزي، ولد قبل سنة ستين، واشتغل على الصدر بن منصور وغيره من أشياخ الحنفية بدمشق، ثم سكن حماة، وتحول إلى مصر بعد اللنك وناب عن بعض قضاة الحنفية، ثم تحول إلى دمشق ودرس، وكان مشاركاً في عدة فنون إلا أن يده في الفقه ضعيفة، وكان كثير المرض، مات في شعبان. محمد بن أبي بكر بن علي بن يوسف، الذروي الأصل الصعيدي ثم المكي نجم الدين المعروف بالمرجاني، ولد سنة ستين أو في التي بعدها بمكة، وأسمع على العز بين جماعة وغيره، وقرأ في الفقه والعربية، وتصدى للتدريس والإفادة، وله نظم حسن ونفاذ في العربية وحسن عشرة، ورحل في طلب الحديث إلى دمشق فسمع من ابن خطيب المزة وابن المحب وابن الصيرفي وغيرهم بإفادة الياسوفي وغيره، وكان يتثنى عليه وعلى فضائله، وحدث قليلاً، مات في شهر رجب، وقد سمعت منه قليلاً من حديثه ومن نظمه وكانت بيننا مودة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 محمد بن عبد الله بن سعد بن أبي بكر بن مصلح بن أبي بكر بن سعد، المقدسي الحنفي، القاضي شمس الدين ابن الديري، كان أبوه من التجار فولد له هذا في سنة إثنتين أو ثلاث وأربعين وسبعمائة، والديري نسبة إلى مكان ببردا من جبل نابلس، وتعانى الفقه والاشتغال في الفنون وعمل المواعيد، ثم تقدم في بلده حتى صار مفتيها والمرجوع إليه فيها، وكانت له أحوال مع الأمراء وغيرهم يقوم فيها عليهم ويأمرهم بكف الظلم واشتهر ذكره، فلما مات ناصر الدين بن العديم في سنة تسع عشرة استدعاه المؤيد فقرره في قضاء الحنفية بالقاهرة وكان قدمها مراراً، فباشرها بشهامة وصرامة وقوة نفس، ثم انمزج مع المصريين وساس الناس، وكان منقاداً لما رام به منه ابن البارزي، فلما كملت عمارة المؤيدية سأل السلطان أن يقرره في مشيختها، فأجابه بعد أن كان عين لها بدر الدين ابن الأقصراني، وظن ابن الديري أن السلطان لايخرج عنه القضاء فجاء الأمر بخلاف ظنه، فلما قرره في المشيخة قال له - ونحن نسمع: الآن استرحنا واسترحت - يشير بذلك إلى كثرة الشكاوى من الأمراء فيه، وقرر في قضاء الحنفية القاضي زين الدين التفهني، وكان ابن الديري كثير الإزدراء بأهل عصره، لا يظن أن أحداً منهم يعرف شيئا مع دعوى عريضة وشدة إعجاب، يكاد يقضي المجالس بالثناء على نفسه، مع شدة التعصب لمذهبه والحط على مذهب غيره - سامحه الله تعالى! مات في سابع ذي الحجة ببيت المقدس. وكان يأسف على فراقه يقول: سكنته أكثر من خمسين سنة ثم أموت في غيره! فقدرت وفاته به. وذكر العيني في تاريخه أنه زاد على التسعين، وليس كما قال فإنه كان يقول إن مولده سنة خمس وأربعين، فسألته عن سبب إختلاف قوله فذكر أنه لا يحققه وإنما يجيب بطريق الظن، والذي صدرت به الكلام هو الذي حصل من الإستقراء من مجموع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 كلامه، واستقر ولده سعد الدين في مشيخة المدرسة المؤيدية، وخلع عليه في الرابع والعشرين من ذي الحجة. يعقوب بن جلال واسمه رسولا ويسمى أيضاً أحمد الرومي التباني الحنفي الشيخ شرف الدين، ولد سنة ستين تقريباً، وتفقه على أبيه وغيره ومهر في العربية، وأحب الحديث وشرع في شرح المشارق، وكان يستحضر كثيراً من فروع الحنفية مع براعة في العربية والمعاني والبيان ومع بشاشة الوجه وطلاقة اللسان وكرم النفس والسخاوة، جواداً، وكان أول ما ولى التدريس والخطابة والإمامة بمدرسة الجائي في حدود سنة تسعين، وولي مشيخة تربة قجا السلحدار، وولى مشيخة قوصون مدة ثم رغب عنها، وولي نظر القدس بعناية ايتمش ثم صرف عنه، وولي في سلطنة المؤيد مشيخة الشيخونية ونظر الكسوة ووكالة بيت المال، ثم صرف عن الكسوة وحصلت له جائحة مع الدويدار بسببها فصرف عنها واستمر في الوكالة وفي الشيخونية حتى مات فجأة، وجرت له خطوب مع الناصر فرج واتصل بالمؤيد فعظم قدره عنده، ولو كان يصون نفسه ما تقدمه أحد! ورقت حاله بعد موت المؤيد جداً، واستقر بعده في وكالة بيت المال نور الدين الصفطي شاهد الأمير الكبير، واستقر في الشيخونية بعده الشيخ سراج الدين قارئ الهداية، وذكر العيني أنه عاش زيادة على سبعين - فالله أعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 سنة ثمان وعشرين وثمانمائة في ثامن المحرم حضر المبشر بالصالحية وذكر أنه تعوق بسبب مقبل، وكان مقبل قد فر من القاهرة فصار ينزل في طريق الحاج وربما حصل ممن يصحبه لمن يمر به أذى، وتأخر قدوم الحاج عن العادة يومين فقدم الأول في الرابع والعشرين والمحمل في الخامس والعشرين، وذكروا أنهم تأخروا بمنى يوماً من أجل بهار السلطان، وتأخروا في وادي مرو يوماً آخر بسبب حسن بن عجلان لأنه أشيع أنه يدخل مكة إذا خرج الحاج، فأقام أمير الحاج ومن معه من الجند يوماً حتى تحققوا عدم صحة ذلك. وفي الرابع عشر منه حضر يوسف بن قطب الدين الحنفي من حلب وأظهر الإزدراء بعلماء الحنفية وأنه ليس فيهم مثله فأمر السلطان بحمع فضلاء الحنفية فحضروا بمجلسه وأحضرت فتاوى كتبت من نسخة واحدة فدفع للشيخ نظام الدين يحيى شيخ الظاهرية واحدة وللشيخ بدر الدين العينتابي واحدة وللشيخ سراج الدين قارئ الهداية وهو يومئذ شيخ الشيخونية واحدة ولصدر الدين ابن العجمي واحدة وللشيخ سعد الدين ابن الديري شيخ المؤيدية وكان استقر فيها بعد موت أبيه واحدة وللشيخ يوسف واحدة، وأمروا أن يكتبوا عليها منفردين، فأجابوا إلى ذلك إلا يوسف فقال: أنا لا أكتب إلا بمنزلي، فسجلوا عليه العجز وكتبوا كلهم غيره، ودفع السلطان لقاضي الحنفية رين الدين التفهني الفتاوى لينظر من أصاب منهم ممن أخطأ، وانفصل الأمر على ذلك. وفي يوم الجمعة سادس عشر المحرم وصل طوخ الذي كان توجه أميراً على العسكر المجهز إلى مكة في العام الماضي نجدة لقرقماس وعلي بن عنان، فأخبر أن الركب تأخر خروجهم عن مكة يومين بسبب أن التجار سألوا أمير الركب أن يتأخر لأجلهم يوماً ففعل، فطلب منه قرقماس أن يتأخر يوما آخر ففعل، وتوجه من في الركب الأول والثاني مع قرقماس فأوقعوا بابن حسن بن عجلان، وجرح من الطائفتين جماعة وانهزم ابن حسن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 وفيها سارت الهدية من مصر إلى بلاد العجم لملكها شاه رخ بن اللنك، وكان أرسل يسأل في أن يؤذن له في كسوة الكعبة من داخل فكتبت أجوبته. وفي ربيع الأول جهز السلطان إلى مكة عسكراً. وفيه أرسل الشيخ محمد بن قديدار ولده إلى صاحب قبرس يسأل أن يطلق من عنده من أسرى المسلمين ليسعى له في التمكين في زيارة القمامة، فعوق ولده فضج الشيخ من ذلك وكان من غزو المسلمين قبرس ما سيأتي ذكره، وكمل الغراب الذي أنشأه السلطان لغزو الفرنج وأنزل البحر وكان يوماً مشهوداً. وفيه وصل رسل قرايلك من التركمان ...... وفي سابع عشر ربيع الآخر قدم نائب الشام فخلع عليه وأعيد إلى إمرته على عادته، وشفع في طرباي بأن يطلق من سجن الإسكندرية إلى دمياط، فأجيب إلى ذلك، ووقع في العشر الأخير من أمشير حر شديد حتى نزع الناس الفراء والجوخ وظنوا أن الشتاء انقضى، فلم يكن إلا خمس ليال حتى عاد البرد أشد مما كان. وفي هذا الشهر أوقع قرقماس أمير الحجاز بأهل الطائف وذلك لأنهم قطعوا الميرة عن مكة، فأذعنوا له وحصل بمكة أمن كثير ورخاء زائد. وفيه توجه الشيخ شمس الدين ابن الجزري إلى بلاد اليمن، فأكرمه ملكها وسمع عليه الحديث وأنعم عليه بمال وأطلق له كثيراً من تجارته بغير مكسها، ورجع في البحر كما سافر منه، وعجب الناس من شدة حرصه مع كثرة ماله وعلو سنه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 وفي سابع عشر ربيع الآخر شكا نائب الشام إلى السلطان من حسين كاتب السر، ففوض أمر ولايته وعزله له. وفي جمادى الأولى وقع بدمياط حريق عظيم حتى يقال احترق قدر ثلثها، وهلك من الدواب والناس والأطفال شئ كثير. وفي جمادى الأولى كملت مدرسة السلطان التي أنشأها بجوار الحانقاه السرياقوسية الناصرية، وقرر فيها شيخاً وصوفية، وفي العاشر منه استقر بدر الدين بن نصر الله في الأستادارية عوضاً عن ولده صلاح الدين بحكم استعفائه، وبعد يومين استقر كريم الدين عبد الكريم ابن سعد الدين المعروف بابن كاتب جكم في وظيفة نظر الخاص عوضاً عن ابن نصر الله المذكور، فحصل لإبن نصر الله بذلك مشقة عظيمة، فباشر الأستادارية بمفردها إلى ثامن شعبان فأمسك هو وولده، واستقر في الأستادارية زين الدين عبد القادر بن أبي الفرج، وهو شاب أمرد. وفي جمادى الآخرة والشمس في برج الثور في خامس بشنس من الأشهر القبطية أمطرت السماء مطراً غزيراً جداً، ثم في الثامن عشر منه قرب نقل الشمس إلى الجوزاء، أمطرت أيضاً مطراً غزيراً عقب ريح شديدة هبت ليلاً، وكان الورد في هذه السنة قليلاً جداً، وفي عاشره قبض على نجم الدين ابن حجى كاتب السر وعوق في البرج بالقلعة، ثم نفي إلى الشام، ووكل به شرطي معه في سلسلة من حديد وأهين جداً، وألزم الموكل به أن ينادي عليه في كل بلد دخله، فإذا وصل إلى دمشق نودي عليه: من كانت له عليه ظلامة فليطلبها! وأحيط بداره وحمل جميع ما فيها، فلما وصل غزة وافاه كتاب السلطان بإطلاقه وإكرامه وإيصاله إلى دمشق وإقامته بها بطالاً، وكان السبب في ذلك أنه باشر كتابة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 السر بغير خبرة بإصلاح الوظيفة وسلك مع المصريين طريقته في حدة الخلق والبادرة الصعبة مع الإقبال على اللهو في الباطن فيما يقال، ثم إنه كان ألزم بعشرة آلاف دينار فحمل منها خمسة فطولب بالخمسة الأخرى ولوزم بالمطالبة، فضج من ذلك وكتب للسلطان ورقة يذكر فيها أنه منذ ولي السلطنة غرم كذا وكذا ألف دينار وفصلها ومن جملتها للباشرين لفلان كذا ولفلان كذا لمن لا يسمى كذا - ورمز إلى جانبك الدويدار، فبلغ ذلك من نسب إليهم الأخذ منه، فحنقوا منه وأمالوا عليه جانبك وهو شاب حاد الخلق قوي النفس كثير الإدلال على مخدومه، فشكا من كاتب السر للسلطان والتمس منه أن يمكنه منه، فأذن له - فأخرجه على الصورة المذكورة، ثم قام ناظر الجيش عليه حتى هدأ خلقه، ورجعه عما كان أمر به من المبالغة في إهانته، ورأى أن المقصود قد حصل بزيادة وربح الجميل عليه بتخليصه من الشدة المذكورة، والتزم عنه بمال يحمله إذا وصل إلى دمشق، ففعل ذلك ودخل دمشق ولزم بيته بطالاً، وجفاه أكثر الناس إلى أن كان في السنة المقبلة منه ما سيأتي ذكره. ومن الإتفاق العجيب أنه طلب بطرك اليعاقبة فراجعه في شئ خاطبه به فأغضبه، فأمر بضربه فضرب على رجليه نحو أربعمائة عصى، فاغتاظ القبط لذلك وبالغوا في التأليب على ابن حجى إلى أن اتفق له ما ذكر، واستقر في كتابة السر بعده بدر الدين محمد بن بدر الدين محمد ابن أحمد - بن مزهر الدمشقي، وكان قدم مع المؤيد أحد الموقعين، واستقر في نظر الإصطبل وتقدم وصار أحد الرؤساء في دولة المؤيد لكن كان لا يرفع رأسه مع وجود ابن البارزي، فلما مات استقر نائب كاتب السر وكبير الموقعين وصار يصرف أكثر الأمور في مباشرة كمال الدين ولد البارزي، ثم لما استقر علم الدين بن الكويز في كتابة السر كان هو القائم بأكثر الأمور وسماه السلطان خليفة كاتب السر وراج عليه وعرف أخلاقه وتمكن منه إلى أن تقرر في كتابة السر بعد كائنة ابن حجى في ثامن عشرى جمادى الآخرة، فباشرها أربع سنين متوالية. وفي ثاني عشر رجب قرئ تقليده بالمدرسة الأشرفية، فوقع من علاء الدين الرومي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 شيخها إساءة أدب في حق القاضي الحنفي فعزره بالكلام وأقامه من المجلس، ثم شكا الحنفي لمن حضر من المباشرين فبلغوا الأمر للسلطان، فأمر بإخراجه من المدرسة فكشف الحنفي رأسه، وأصلح بينهما ناظر الجيش وصرف رأي السلطان عن عزله بعد أن كان أمر بتقرير الشيخ سراج الدين قارئ الهداية مكانه، واشترط عليه لزوم الأدب في البحث - وترك البحث بعده ... -. وفي الثامن من شهر رجب صرف الهروي عن قضاء الشافعية وتقرر كاتبه، قرأت بخط قاضي الحنابلة محب الدين: كان يوماً مشهوداً وحصل للناس سروران عظيمان: أحدهما بولايته لأن محبته معروفة في قلوب الناس، والثاني بعزل الهروي فإن القلوب كانت اتفقت على بغضه لإساءته في ولايته وارتكابه الأمور الذميمة. وفي الثامن من رجب توجه القاضي المستقر إلى مصر في موكب عظيم، ومعه من القضاة ونوابهم والفقهاء من لا يكاد يحصر، وكان يوماً مشهوداً، انتهى ما نقلته من خطه ورحل الهروي من القاهرة خفية من شدة مطالبات الناس له، وذلك في التاسع عشر منه. وفي رجب هيأ الأشرف العسكر الذي ندبه لغزو الفرنج وأميرهم جرباش الحاجب الكبير وأنفق فيهم، وعين لذلك جماعة من الأمراء - والمماليك السلطانية -، وسافروا في شهر رمضان، فوصلوا إلى ساحل الماغوصة في سادس عشرى شهر رمضان، فسمع بهم صاحبها فبذل لهم الطاعة وجهز لهم الأموال ودلهم على عورات صاحب جزيرة قبرس فأقاموا ثلاثاً، ثم توجهوا إلى جزيرة في البحر فيها الماء الحلو فتزودوا منها، ووقع لهم بعض الفرنج في البحر فقاتلوهم إلى أن فر الفرنج ورجع المسلمون إلى أماكنهم ثم التقوا في البر فانكسر المشركون أيضاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 وغنموا منهم، وكان غالب العسكر مع ذلك مقيما في المراكب خشية أن يكيدهم الفرنج بأن يملكوا عليهم البحر، ثم بلغهم أن صاحب قبرس تجهز لهم في جمع كثير، فتوجهوا في المراكب إلى جهة طرابلس، فرمتهم الريح إلى الطينة مقابل دمياط وكاتبوا السلطان بذلك، فأذن لهم في دخول دمياط فدخلوها في شوال، ثم أذن لهم في دخول القاهرة فدخلوها ومعهم عدة من السبى نحو الألف رأس، فتسلم السلطان جميع الغنيمة وفرق في الجيش مالا من عنده، وشاع الخبر أن صاحب قبرس كاتب نائب الشام في طلب الصلح، وكان ما سيأتي ذكره. ذكر غزاة قبرس الأولى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة. تقدم في حوادث سنة سبع ما وقع من الوقعة بين المسلمين وبين الفرنج في ساحل اللمسون المتصل بجزيرة قبرس، فلما رجعوا بالغنيمة والأسرى أمر الأشرف بتجهيز الأغربة والإستكثار منها، فجد في ذلك وأرسل إلى طرابلس والإسكندرية ودمياط وبيروت، وأمر بتركيز الجند في السواحل حفظا لها من عادية الفرنج، فاتفق أن جابوش صاحب قبرس جهز غرابا وسلورة وشحنهما بالرجال والعدد، وأمرهم بتتبع السواحل ونهب ما استطاعوا وإفساد ما قدروا عليه، فلم يبلغوا من ذلك غرضا لحفظها بالجند، فاتفق أنهم احتاجوا إلى الماء فانتهوا إلى مكان يقال نهر الكلب، فلما رآهم الحرس كمنوا لهم، فلما لم يروا أحداً دخلت السلورة النهر وهو ضيق فخرج عليهم الكمين فأحرقوها وأسروا من فيها ورجع من في الغراب إلى قبرس، ولما تكاملت العمارة جهز الأشرف الجند، وتوجه صحبتهم من المطوعة عدد كثير، وركب إلى الساحل فعرض الجميع وسافروا إلى دمياط، وكان جابوش - صاحب قبرس - جهز أميراً يقال له باله في تسعة أغربة، فوقف على فوهة دمياط يمنع أغربة المسلمين من الدخول في البحر الملح فوقف هناك، فصادف مجئ العمارة من الإسكندرية فقصدوهم فانهزموا منهم بغير قتال، وسافر الجميع من فم دمياط إلى طرابلس فانضم إليهم المراكب المجهزة منها ومن بيروت، واجتمع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 فيها من الأمراء والجند والمطوعة ومن العشير والزعر عدد كثير، ثم راسل كبيرهم وهو جرباش الكريمي جابوش في الدخول في الطاعة فامتنع، فسافروا إلى جهته فوصلوا إلى الماغوصة، فطلع الخيالة وأكثر المشاة وضربوا خيامهم بالبر، فحضر رسول صاحب الماغوصة ومعه ضيافة وقال إنه في الطاعة، فأعطوه أماناً وركبوا في الحال فداسوا من قدروا عليه وأوسعوهم تخريباً وتحريقاً، وكان ذلك في رمضان، وأوقع الله الرعب في قلوب الذين كفروا حتى كان الثلاثة من المسلمين يدخلون الضيعة وفيها ما بين المائة والخمسين فلا يمتنع عليهم أحد، ثم صادفهم أخو جابوش في ألف فارس وثلاث آلاف رجال غير الكمناء، ثم إنه قذف في قلبه الرعب فرجع بمن معه، ولما تمت لهم في الماغوصة أربعة أيام وقد أوسعوها نهباً وأسراً قصدوا الملاحة وأحرقوا ما مروا عليه إلى مكان يقال له رأس العجوز، فوجدوا هناك أميراً فأسروا من معه وقتلوه، ثم صادفوا تسعة أغربة وقرقورة مشحونة مقاتلة فلا قاهم المسلمون، فانكسر للنصارى زورق وفر من فيه إلى البر فأسرهم المسلمون، وكان من تدبير صاحب قبرس أنه أرسل أخاه في الجبال فأرسل المقاتلة في البحر، فرجع أخوه بغير قتال وهزم الله أهل البحر، ووصلوا إلى الملاحة وضربوا خيامهم بها، وشنوا الغارة في الضياع، وقتلوا الذي كان أميراً على الملاحة، ويقال إنه كان شديداً على أسرى المسلمين، وكان يقال له: عين الغزال، وكان جابوش أمده بأربعة أحمال زرد خاناة على عجل، فأحاط بها المسلمون ثم جمعوا الغنائم والأسرى ورجعوا إلى المراكب إلى أن وصلوا إلى اللمسون، فحاصروا الحصن الذي هناك فأخذوه عنوة وملؤا أيديهم من الغنائم والأسرى وأحرقوا الحصن، وكان ذلك في يوم الخميس مستهل شوال، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 وجهز الأمير جرباش مبشراً بالفتح، ويقال إن عدة من قتل في مدة نصف شهر من الفرنج خمسة آلاف، ولم يقتل من المسلمين في هذه الغزاة إلا ثلاثة عشر نفساً، وكان طلوعهم إلى القلعة بالأسرى والغنائم يوماً مشهوداً وكان في بقية شوال منها. وفي رجب قدم مقبل الحسني الذي كان أمير الينبع بخديعة من صديقه فحر الدين التوريزي التاجر، فلم يزل به حتى قدم معه إلى القاهرة بعد أن توثق له بالأمان، فأمر السلطان بحبسه غير مضيق عليه. وفي السابع والعشرين من شعبان زلزلت الأرض بمصر والقاهرة قدر درجتين، وكان أمراً مهولاً إلا أنه لم يقع بها هدم شئ من الأماكن إلا اليسير فنسأل الله العفو والعافية. وفي سابع عشرى ذي القعدة نودي على الفلوس بأن يكون كل رطل منها بإثني عشر درهماً، وكانت قد قلت جداً بحيث صار الشخص يشتري من الدرهم الفضة رغيفاً فلا يجد الخباز ما يكمل به حقه من الفلوس، وكان السبب في ذلك أنه اجتمع عند السلطان منها مقدار كثير، فشاع بين الناس أنه ينادي عليها بزيادة في سعرها، فأمسك أكثر الناس عن إخراجها ممن عنده شئ منها رجاء الربح، فعزت بسبب ذلك، فلما نودي سكنت نفوسهم وأخرجوها فكثرت في الأيدي. وفي أواخر ذي القعدة وصل يشك الجركسي وكان - جلب - من بلاد الجركس فأخذه الفرنج فأقام عندهم وتعلم ما يصنعه البهلوان، فدخل القاهرة فأوصلوه إلى السلطان، فأسلم ورتب في طبقة المماليك، ثم أراد أن يرى السلطان شيئاً من فنه، فنصب حبلاً على رأس مئذنة حسن وطرفه على رأس الأشرفية فمشى عليه، ورمى بالمكحلة وهو فوقه وأوتر قوس الرجل ورمى به، ولما فرغ خلع عليه السلطان وأركبه فرساً وأنعم عليه الأمراء بجملة دراهم. ولما صرف جمال الدين الكركي من كتابة السر بمصر قرر في نظر الجيش بدمشق بعد مدة، وذلك في أواخر رمضان، وكان حسين جمع بين وظيفتي كتابة السر ونظر الجيش بعناية أزبك الدوادار، فصرف من نظر الجيش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 وفي ذي القعدة عزل أزدمردجايه عن الأمرة وأمر بلزوم منزله، ثم بشره ياقوت المقدم الحبشي - مقدم المماليك - بالرضا عنه، فخلع عليه كاملية بسمور، وأمر بأن يخرج مع كاشف الصعيد لقتال العرب. وفي رمضان ادعى على الشيخ شمس الدين بن الشيخ سراج الدين عمر الميموني، وكان أبوه من أعيان الطلبة الشافعية عند شيخنا سراج الدين البلقيني وغيره، وكان نقيب درس الخشابية، ونشأ ولده هذا طالباً للعلم فمات أبوه وهو صغير، فتعاني طريقة الفقراء وأقام في زاوية ونصب له خادماً فبقي مدة، ثم ترك وواظب الحج في كل سنة، وكان كثير التلاوة جداً؛ فاتفق أنه ذكر لبعض الناس أنه رأى زين الدين التفهني في المنام في حالة ذكرها سيئة جداً، فادعى عليه أنه قال: قد أباح لي سيدي اللواط والخمر والحشيش والفطر في رمضان - إلى أشياء من هذا الجنس، فأنكر، فشهد عليه جماعة وثبت ذلك عن ابن الطرابلسي نائب الحنفي، ثم استفتى علماءهم فأفتوه بأن ذلك زندقة، فاتفق أن الحنفي ذكر ذلك للسلطان واستأذنه في إمضاء الحكم عليه فأمر بإحضاره، فلما كان يوم الاثنين سادس شوال أحضر إلى القصر وفي رقبته سلسلة فسلم ثم قال: يا عبد الرحمن اتق الله - يخاطب القاضي التفهني؛ فغضب وقال: حكمت بزندقتك وسفك دمك؟ وقال للحنبلي: نفذ لي، فقال: حتى ينفذ الشافعي؟ فامتنع، فسألني السلطان فقلت: وقعت عندي ريبة تمنع من تنفيذ هذا الحكم، فإني أعرف هذا وقد ذكر لي أن في عقله خللاً والقاضي سارع بالحكم في حال غضبه وتعصب العين للميموني وأحضر النقل بأن الزنديق إنما يقتل عندهم إذا كان داعية، وطال البحث في ذلك. وقام الحنفي ليقتله وأرسل إلى الوالي، فأشار عليه بعض ألزامه بالتأني في أمره، ثم عقد مجلس حافل بسببه وتغضب أكثر الجند وأكثر المباشرين عليه تبعاً للتفهني، ولم يبق معه سوى خشقدم الخازندار وللسلطان إليه ميل، فطال النزاع في أمره فاتفق أن قال في جملة ما خاطب به للتفهني: يا سيدنا قاضي القضاة؟ أتوب إلى الله من رؤيا المنامات من اليوم، فازداد حنقه منه، وكايده العيني فتعصب له، ثم اتفق الحال على حبسه، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 فلما كان في أول ذي القعدة اجتمع الحنفي بالسلطان وقرر معه أنه ينفى إلى بعض البلاد الحلبية، ثم أرسل ناظر الجيش في خامس ذي القعدة إلى التفهني وكاتبه، فأصلح بينهما وأرسل لكل منهما بغلة. وفي الثامن من ربيع الأول قرر جمال الدين يوسف السمرقندي في قضاء حلب عوضاً عن شمس الدين ابن أمين الدولة بحكم عزله، وكان هذا قدم في أواخر دولة المؤيد فاعتنى به الظاهر ططر وهو أمير، وأعانه على الحج، وقرره في عدة وظائف بحلب، فتوجه إليها وباشرها إلى أن وقع بينه وبين القاضي المذكور، فرتب عليه من يشهد عليه بأمر صدر منه، وذلك بالمدرسة السارخية في سوق النشاب ففر خفية منها، فقدم القاهرة وشكا حاله للسلطان فعزل القاضي وقرره مكانه، فلما بلغ القاضي ذلك وصل إلى القاهرة، فقام معه بعض الرؤساء فما أفاد، وأمر بعوده إلى حلب بطالاً. وفي سابع ذي الحجة ثار جماعة على المحتسب وهو القاضي بدر الدين العيني بسبب إهمال أمر الباعة وشدة غلاء الخبز مع رخص القمح. ورفعوا للسلطان فلم يأخذ لهم بيد بل ضرب جماعة منهم وهدد جماعة وحبس نحو العشرة، فعدم الخبز من الحوانيت وتزاحموا على الأفران، ثم تراجع الحال، وكثر الخبز مع زيادة السعر في الشعير والقمح والفول - وكان ما سيأتي ذكره في أول السنة. وفي الثالث والعشرين من ذي الحجة وصل بالمبشر من الحاج وأخبروا بالرخاء الكثير في الحجاز، وأنه نودي بمكة أن لا تباع البهار إلا على تجار مصر، وأن لا يكون البهار إلا بهار واحد، وأخبر بأن الوقفة كانت يوم الاثنين وكانت بالقاهرة يوم الأحد، فتغيظ السلطان ظناً منه أن ذلك من تقصير في ترائي الهلال، فعرفه بعض الناس أن ذلك يقع كثيراً بسبب اختلاف المطالع؛ وبلغني أن العيني شنع على القضاة بذلك السبب فلما اجتمعنا عرفت السلطان أن الذي وقع يقدح في عمل المكيين عند من لا يرى باختلاف المطالع، حتى لو كان ذلك في رمضان للزم المكيين قضاء يوم، فلما لم يفهم المراد سكن جأشه، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 وفي هذه السنة كانت وقعة الفأر باللجون من طريق الشام، وكان قد كثرت فراخه حتى شاهد بعض الناس كثيراً منها يخرج بأولادها الصغار فيتركونها عند البيوت ويأتونها بالقمح في سنبله فيدخله الأولاد في البيوت، ومن رجع ووجد شيئاً من القمح لم يحول إلى البيت ضرب ولده الضرب المبرح، وتسلط الفأر على زروع الناس وتضرروا من ذلك ضرراً كبيراً - قرأت ذلك بخط قاضي الحنابلة محب الدين، ثم عقب ذلك وقع بين الفئران مقتلة عظيمة، وشاهد الناس منها جملة كثيرة. بعض مقطوع الرأس ومقطوع الرجل ومقطوع اليد ومنها الموسط، وصار منهم أكوام كثيرة، وفي شعبان ارتفع سعر الغلى فوصل الفول إلى مائتين والشعير إلى مائة وخمسين، ثم ازداد السعر في ذي القعدة ووصل الفول إلى ثلاثمائة، وكذلك القمح، ثم تراجع القمح إلى مائتين وخمسين. وفي آخرها ماتت زوجة السلطان - وكانت ابنة عمه - بوادي الصفراء، وكانت خاملاً فوضعت وماتت في نفاسها. فبلغ السلطان فحزن عليها كثيراً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 ذكر من مات في سنة ثمان وعشرين وثمانمائة من الأعيان أحمد بن أبي بكر بن علي بن عبد الله بن بوافي بن يحيى بن محمد بن صالح، الأسدي المعشمي الشيخ شهاب الدين الشهير جده بالطواشي، ولد بعد الستين، وأحضر في الثالثة على ابن جماعة، وأسمع على الفروي والضياء الهندي، وأجاز له الكمال ابن حبيب ومحمد بن جابر وأبو جعفر الرعيني وأبو الفضل النويري والزرندي والأميوطي وغيرهم، وكان خيراً ديناً منقطعاً عن الناس؛ مات يوم الجمعة سابع عشر شعبان بمكة، وصلى عليه بعد الصلاة، وشيعه جمع كثير منهم أمير مكة علي بن عنان. أحمد بن عبد الرحيم بن أحمد بن الفصيح، الكوفي الأصل ثم البغدادي ثم الدمشقي، شهاب الدين، نزيل القاهرة، كان جده من أهل العلم والطلب للحديث وحدث أبوه بالسنن الكبري للنسائي وتفرد به عن ابن المرابط بالسماع وكان حنفي المذهب، ونشأ ابنه هذا يتعاني التجارة، ثم عمل نقيب الحكم الحنفي بدمشق، ثم سكن القاهرة مدة وتردد إلى القاهرة، وكان يحب الانجماع ولا يباشر إلاناساً مخصوصين، وكان ابن الأدمي يكرمه ويعظمه لأنه كان يقرب له من جهة النساء، فقرره في النقابة بالخانقاه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 البيبرسية في سنة خمس عشرة، فاستمر فيها إلى أن مات في أول يوم من شعبان وله بضع وسبعون سنة، وكان قليل الكلام كثير المعرفة بالأمور الدنيوية، وما أتردد أنه سمع على ابن أميلة ومن قبله لكن لم أقف على ذلك تحقيقاً، وسألته عن ذلك فلم يعترف به، وسألته أن يجيز لجماعة فامتنع ظناً منه أن ذلك على سبيل السخرية به لسعة تخيله. تغري بردى المؤيدي المعروف بابن قصروه نائب حلب، كان مات بها محبوساً في ربيع الأول. سليمان بن عبد الرحمن بن داود بن الكويز، أخو كاتب السر علم الدين، ورث من أخويه صلاح الدين وعلم الدين. أما صلاح الدين فلكونه شقيقه، وأما علم الدين فلكونه وصيه، فكثر ماله، ووقع بينه وبين ابن أخيه عبد الرحمن بن علم الدين تنازع في شيء ففسد بذلك من المال عليهما شيء كثير، وكان سليمان يلقب بدر الدين حسن الصورة جميل الفعال شديد الحياء عاقلاً وقوراً، باشرا استيفاء الدولة وغير ذلك، وهو أصغر الإخوة؛ ومات في حادي عشر المحرم. شعبان بن محمد بن داود، المصري، وكان يقال له: الموصلي، ثم زعم أن اسم أبيه محمد بن داود ويقال إن داود - كان ممن تشرف بالإسلام فأحب أن يبعد عنه وصار يكتب الآثارى نسبة إلى الآثار النبوية لكونه أقام بها مدة، وكان قد تعانى الخط المنسوب، فجاد خطه بملازمته لشيخنا شمس الدين الزفتاوي، وصار رأس من كتب عليه وأجازه، فصار يكتب للناس، ثم اتفق أنه شرب البلاذر فحصل له طرف نشاف، واقام مدة عارياً من الثياب والعمامة، ثم تماثل قليلاً وطلب العلم، ولازم الشيخ بدر الدين الطنبذي والشيخ شمس الدين الغماري، وتعانى النظم فنظم نظماً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 سافلاً أولاً ثم أكثر من ذلك حتى انصقل قليلاً ونظم نظماً وسطاً، ومن نظمه لما عزل البلقيني بالهروي واتفقت الزينة للمحمل فعلق شخص يسمى الترجمان على باب داره بالجنميين حماراً بسرياقات على رؤوس الناس بأحسن هيئة وتردد الناس للفرجة عليه فقال: أقام الترجمان لسان حال ... عن الدنيا يقول لنا جهارا زمان فيه قد وضعوا جلالاً ... عن العليا وقد رفعوا حمارا ثم أقبل على ثلب الأعراض وتمزيقها بالهجو المقذع، ونظم أرجوزة في العربية وأرجوزة في العروض، وتعلق على توقيع الحكم فقرر به، ثم عمل نقيب الحكم - بمصر، ثم استقر في الحسبة بمال وعد به، ثم ارتكبه الدين بسبب ذلك ففر من مصر في سنة إحدى وثمانمائة، ودخل اليمن فمدح ملكها فاعجبه، وأثابه، ومدح أعيانها وتقرب منهم، ثم انقلب يهجوهم كعادته، فأمر السلطان الملك الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل بنفيه إلى الهند فأركب في المراكب الواصلة من تانة واقام بها وأكرم، ثم عاد إلى طبعه فأخرج منها - وقد استفاد مالاً فأصيب بعضه، ورجع إلى اليمن فلم يقم بها، وتوجه إلى مكة فأقام بها مدة طويلة، وأظهر بها من القبائح ما لا يحمل ذكره ونصب نفسه غرضاً للذم، وتزوج جارية من جواري الأشرف يقال لها خود، فاتخذها ذريعة إلى ما يريده من الذم والمجون وغير ذلك، فصار ينسب نفسه إلى القيادة والرضا بذلك لتعشقه فيها - إلى غير ذلك، وكان فيه تناقض فإنه يتماجن إلى أن يصير أضحوكة، ويتعاظم إلى أن يظن أنه في غاية التصون، وكان شديد الإعجاب بنظمه، لا يظن أن أحداً يقدر على نظيره، مع أنه ليس بالفائق بل ولا جميعه من المتوسط بل أكثره سفساف كثير الحشو عري عن المعنى البديع، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 ثم قدم القاهرة سنة عشرين وهجا بهاء الدين ابن البرجي الذي كان يتولى الحسبة قديماً، ثم صادف أن ولي الهروي القضاء فهجاه ومدح البلقيني وأثابه، ولعله أيضاً هجا البلقيني، ثم توجه إلى دمشق فقطنها إلى أن قدم القاهرة سنة سبع وعشرين ومدحني بقصيدة تائية مطولة، ولا أشك أنه هجاني كغيري، ثم رجع إلى دمشق ثم قدم القاهرة فمات يوم وصوله في سابع عشر شعبان، وخلف تركة جيدة، قيل: بلغت ما قيمته خمسة آلاف دينار، وكان مقتراً على نفسه. فاستولى على ماله شخص ادعى أنه أخوه وأعانه على ذلك بعض أهل الدولة، فتقاسما المال، ووقف كتبه وتصانيفه بالباسطية؛ وعاش بضعاً وستين سنة. صالحة أو زينب بنت صالح بن رسلان ابن نصير البلقيني، وهي والدة القاضي علم الدين صالح بن شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين، تزوجها الشيخ وهي ابنة عمه فأولدها صالحاً وعبد الخالق، ثم قدمت على الشيخ أخته من بلقينة فذكرت للشيخ أنها أرضعت زوجته هذه، فبحث الشيخ عن ذلك حتى وضح له، فلما علم صحة قولها اجتنبها. وذلك قبل موته بعشر سنين، ثم لما مات تزوجت بعده زوجاً بعد زوج من العوام، وكانت موصوفة بالخير؛ وعاشت نحو الستين وماتت في حادي عشر المحرم. طوغان أمير آخور، مات مقتولاً بقلعة المرقب في ذي الحجة، وكان قد ولى عدة وظائف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 عثمان بن محمد فخر الدين الدنديلي الشاهد، سمع من أبي الحسن العرضي، وأجاز لأولادي، وسمعت عليه جزءاً من حديث ابن حذلم أنا العرضي أنا الفخر ابن البخاري؛ جاوز الثمانين ومات في 18 شوال. عثمان بن ... التلاوي المعروف بالطاغي، خازن الكتب بالمدرسة المحمودية، وقد تقدم ذكر صرفه عنها في حوادث سنة ست وعشرين وكان شديد الضبط لها، ثم حصل له من تسلط عليه بالخديعة إلى أن وقع التفريط فذهب أكثر نفائس الكتب، وكان في أول أمره أقرأ القاضي جلال الدين البلقيني القرآن، وتمشيخ بالمشهد النفيسي ولقي جماعة من الاكابر؛ ومات في 14 المحرم. علي بن أحمد بن محمد بن سلامة بن عطوف، السلمي المكي نور الدين ابن سلامة، ولد سنة ست وأربعين بمكة، واشتغل وعني بطلب الحديث ورحل فيه، فسمع بدمشق من ابن أميلة والصلاح ابن أبي عمر وابن كثير وغيرهم، وبحلب من ابن حبيب وغيره، وببغداد من عمر بن علي القزويني وعبد الدائم ابن عبد المحسن بن الخراط وغيرهما، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 وبالقاهرة من التقي البغدادي وقرأ عليه القراآت، أكثر عنه صاحبنا زين الدين رضوان، وحدث بالقاهرة ومكة وصار مسندها، وكان عارفاً بالقراآت، وأخذ الفقه عن جماعة ولم ينجب، وله نظم، وكان يباشر شهادة الحرم المكي، ولم يكن يشكر في شهادته مع التأله والتعبد، وخرج له ابن فهد معجماً، انتزع أكثره من معجم ابن ظهيرة تخريج الأقفهسي؛ ومات في يوم السبت 24 شوال. علي بن محمود بن أبي بكر، القاضي علاء الدين، السلماني ثم الحموي، المعروف بابن المغلي، الحنبلي، ولد سنة 771، وتفقه ببلده ثم بدمشق، فاخذ عن جماعة منهم زين الدين ابن رجب، وكان يتوقد ذكاء فحفظ جملة من المختصرات في العلوم، كالمحرر في الحديث لابن عبد الهادي، والفروع في المذهب لابن الحاجب، والتلخيص للقزويني، والتسهيل لابن مالك؛ وكان يحفظ كثيراً من الشروح والقصائد الطوال، وينظم الشعر الوسط، ويكرر على محفوظاته المختصرة، ويستحضر شيئاً كثيراً من الفنون؛ وما أظن أنه كان في عصره من يدانيه في ذلك وإن كان فيهم من هو أصح ذهنا منه، ولي قضاء حماة بعد التسعين، ثم ولي قضاء حلب في سنة أربع وثمانمائة، ثم ولي قضاء الديار المصرية من سنة سبع عشرة إلى أن مات مضافاً إلى قضاء حماة فكان يستنيب فيها، وكان ذلك بعناية كاتب السر ابن البارزي، ومع طول ملازمته للاشتغال ومناظرته للأقران والتقدم في العلوم لم يشتغل بالتصنيف، وكنت أحرضه على ذلك لما فيه من بقاء الذكر فلم يوفق لذلك، وكان شديد البأو والإعجاب حتى وصفه بعضهم بأنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 يحيط علماً بالمذاهب الأربعة - مع احتمال ما يقع ممن يناظره من الجفاء، ويكظم غيظه ولا يشفي صدره، ويكرم الطلبة ويرفدهم بماله وكان واسع الحال جداً، لأنه كان في الأصل تاجراً لم يزل يتكسب، وكان كثير ... وكان ممن أعان علم الدين صالح البلقيني على ولاية القضاء وصرف ولي الدين العراقي. لأن العلم كان يتلمذ له والعراقي كان يتمشيخ عليه فأحب أن يكون رفيقه من يعترف له دون من يتعاظم عليه فأعان على ذلك بقلبه وقالبه فانعكس الأمر، وندم بعد أن تورط وصار يبالغ في الذم من العلم، ووقفت على خطه نفساً كتبها في حقه بالغ فيها في الحط عليه، ثم عوقب بأن أصيب بولده قبل إكمال الحول من عزل العراقي ثم أصيب بنفسه، وكذا صنع الله بأن الكويز فإنه كان الأصل الكبير في هذه الكائنة فلم ينتفع بنفسه بعدها إلا قليلاً واستمر موعوكاً ستة أشهر إلى أن مات عقب موت العراقي بشهر واحد ويجتمع الكل عند الله تعالى؟ وقد ذكرت في حوادث سنة سبع وعشرين ما اتفق له من العزم على الحج ثم تركه ذلك ووقوعه من السلم وتوعكه، فلما أهلت السنة انتكس وثار به القولنج الصفراوي فيقال إنه دس عليه السم فمات منه بعد أن حصل له الصرع قدر شهر، وذلك يوم الخميس في العشرين من صفره، واستقر في قضاء الحنابلة بعده محب الدين أحمد بن الشيخ نصر الله التستري ثم البغدادي، وخلع عليه في الرابع والعشرين من صفر. فرحة بنني ماتت في يوم الأربعاء تاسع شهر ربيع الآخر وكانت حجت في العام الماضي مع زوجها الشيخ محب الدين بن الأشقر ورجعت موعوكة إلى أن ماتت عن ثلاث وعشرين سنة وتسعة أشهر - عوضها الله الجنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 فضل الله بن نصر الله بن أحمد، التستري الأصل ثم البغدادي الحنبلي أخو قاضي الحنابلة محب الدين، كان قد خرج من بلاده مع أبيه وإخوته وطاف هو البلاد ودخل اليمن ثم الهند ثم الحبشة وأقام بها دهراً طويلاً، ثم رجع إلى مكة فجاور بها قليلاً وصحب بها الأمير يشبك الساقي الأعرج وكان المؤيد نفاه إلى مكة فجاور بها صحبته، ثم لما رجع يشبك إلى القاهرة وتأمر حضر فضل الله إلى القاهرة فأكرمه، واتفق موت الشيخ شمس الدين الحبتي فشغرت عنه مشيخة الخروبية فقرر فيها فضل الله المذكور بعناية يشبك المذكور بعد أ، كان تقرر فيها غيره، فاستمر بها إلى أن مات في شهر ربيع الأول وهو ابن ستين سنة أو جاوزها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الحريري شمس الدين البيري أخو جمال الدين الأستادار ولد في حدود الخسمين، وتفقه على أبي البركات الأنصاري، وسمع من أبي عبد الله بن جابر وأبي جعفر الغرناطي نزيل البيرة بحلب وقرأ عليهما وتفقه، وولي قضاء البيرى مدة ثم قضاء حلب سنة ست وثمانمائة، ثم تحول إلى القاهرة في دولة أخيه بعد أن كان عزله حكم لما غلب على حلب فتوجه إلى مكة فجاور بها، ثم قدم أبي القاهرة فعظم قدره وعين للقضاء، ثم ولي مشيخه البيبرسية بعد الشريف النسابة، ثم درس بالمدرسة المجاورة للشافعي بعد جلال الدين ابن أبي البقاء، ثم انتزعتا منه بعد كائنة أخيه، ثم أعيدت إليه البيبرسية في سنة ست عشرة وصرف عنها بكاتبه في سنة 18، ثم قرر في مشيخة سعيد السعداء بعد موت البلالي سنة عشرين، وكان قد ولى خطابة ببيت المقدس؛ ومات في سحر يوم الجمعة 24 ذي الحجة، واستقر بعده في مشيخة الصلاحية شهاب الدين أحمد بن المحمرة الذي كان بها مخبزياً قبل ذلك، ثم ارتقى منها إلى ولاية القضاء بدمشق، ثم عاد إلى المشيخة بالقاهرة، ثم نقل منهاإلى مشيخة الصلاحية ببيت المقدس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 محمد بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز اللخمي النستراوي شمس الدين ابن أخي القاضي كريم الدين ناظر الجيش، ولد سنة سبعين تقريبا، وباشر الديوان مدة إلى أن ولي عمه نظر الجيش فباشر قليلاً، ثم ترك ذلك وزهد ولبس الثوف، وسمع معنا على كثير من مشايخنا، وكان يحب أهل الخير وينفر غاية النفرة ممن يتزوكر، وأقام على قدم التصوف سبعاً وثلاثين سنة مع صحة العقيدة وجودة المعرفة والصبر على قلة ذات اليد ومات ليلة الجمعة 12 شعبان. محمد بن القاضي شهاب الدين أحمد، الدفري المالكي شمس الدين، ولد سنة بضع وستين، وتفقه على مذهب مالك، وأحب الحديث فسمعه وطاف على الشيوخ وسمع معنا كثيراً من الممايخ، وكان حسن المذاكرة جيد الاستحضار، درس بالناصرية الحسينية وغيرها، وكان قليل الحظ؛ مات في العشرين من جمادى الأولى. محمد بن إسماعيل بن محمد بن محمد بن هانئ اللخمي المالكي، القاضي ناصر الدين ابن القاضي سري الدين أبي الوليد قاضي حلب ثم طرابلس، ولد سنة نيف وأربعين واشتغل قليلاً وناب عن أبيه فعابوا على أبيه ذلك، ثم ولي قضاء حماة ثم حلب في سنة ست وسبعين، ثم ولي حماة وطرابلس وغيرها مراراً، ثم ولاه نوروز قضاء دمشق سنة ست عشرة فساءت سيرته جداً، ثم صرفه المؤيد إلى قضاء طرابلس سنة سبع عشرة فاستمر فيها عدة سنين؛ كتب عنه القاضي علاء الدين وذكره في تاريخ حلب فقال كتبت عنه بطرابلس لما وليت قضاءها وكان هو قاضي المالكية بها وكان ظريفاً كريماً مسناً جواداً حسن الاخلاق، مات في أوائل سنة 828 بطرابلس. محمد بن أبي بكر بن عمر، المخزومي المالكي المعروف بابن الدماميني بدر الدين الإسكندراني، ولد سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وتفقه بالإسكندرية وتعاني الآداب ففاق في النظم والنثر والخط ومعرفة الشروط. واستنابه ابن التنسي في الحكم ودرس بعدة مدارس، ثم قدم معه القاهرة وناب في الحكم أيضاً وتقدم ومهر واشتهر ذكره، ثم تحول إلى الإسكندرية واستمر بها ينوب في الحكم ويشغل في العلم ويتكسب من التجارة، ثم حصلت له محنة فقدم القاهرة وعين للقضاء، وقام معه في ذلك ابن البارزي فلم يقدر فتوجه إلى الحج ثم دخل اليمن فلم يحصل له إقبال، فدخل الهند فحصل له إقبال كبير وأقبلوا عليه وأخذوا عنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 وعظموه، وحصل له مال له صورة فاتفق أن بغتة الأجل فمات هناك في شعبان في هذه السنة عن نحو سبعين سنة، ومن نظمه: قلت له والدجى مول ... ونحن بالأنس في التلاقي قد عطس الصبح يا حبيبي ... فلا تشتمه بالفراقي محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن محمد، المقدسي الصالحي شمس الدين، ولد في شوال سنة 755، وأحضره أبوه عند ... وأسمعه على ابن قيم الضيائية، وأحمد بن الجوخي وعمر ابن أميلة وست العرب في آخرين، وحدث، وشرع في شرح البخاري وتركه بعده مسودة، وله نظم ضعيف، وكان يقرأ الصحيحين على العامة، وأجاز لأولادي غير مرة؛ ومات بطيبة المكرمة في هذه السنة، وكان يذكر عن نفسه أنه رأى مناماً من نحو عشرين سنة يدل على أنه يموت بالمدينة، وسمعوه منه قبل أن يخرج إلى هذه السفرة للحج، فاتفقت وفاته بالمدينة في رمضان من هذه السنة، وهو بقية البيت من آل المحب بالصالحية. محمد الحموي النحوي المعروف بابن العيار شمس الدين، كان في أول أمره حائكاً ثم تعاني الاشتغال فمهر في العربية، وأخذ عن ابن جابر وغيره، ثم سكن دمشق، ورتب له على الجامع تصدير بعناية البارزي، وكان حسن المحاضرة ولم يكن محموداً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 في تعاطي الشهادات؛ مات في ذي القعدة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 سنة تسع وعشرين وثمانمائة في حادي عشر المحرم صرف بدر الدين العينتابي من الحسبة واستقر فيها اينال الششماني وكان أمير عشرة، وسعر القمح يومئذ مائتان وخمسون، والشعير والفول جميعاً كل إردب بثلاثمائة أزيد من سعر القمح، وعز اللحم حتى بيع البقرى بتسعة كل رطل، وبيع المطبوخ من الضأنى بعشرين، وكان سعر الذهب البندقي كل مشخص بمائتين وخمس وعشرين، ثم كثر اللحم بعد ولاية الششماني، ثم تزايد القمح إلى أربعمائة إلى أن دخل جمادى الأولى فانحل السعر إلى ثلاثمائة ومائتين في ... وفي المحرم قدم حسن بن عجلان من مكة بوساطة ناظر الجيش، وقام معه إلى أن أعيد إلى إمرة مكة، وأمر بإعادة الجيش الذين أقيموا بمكة لحفظها من حسن، وصرف على بن عنان عن إمرة مكة، وبذل حسن مالاً كثيراً اقترضه من التجار بالقاهرة، وكتب تقليده وأرسله إلى مكة، وأقام هو لإحضار بقية ما وعد به. وفي مستهل صفر أمر السلطان القضاة أن يلزموا العوام بالصلاة، فاجتمعوا في ثانيه بالصالحية ومعهم المحتسب ونائب الوالي، وكتبوا ورقة لتقرأ على الناس، وتولى قراءتها بعض نواب الحكم من باب النصر إلى جامع طولون في الشارع الأعظم. وفي خامس عشر صفر عقد مجلس بالقضاة وبياض الناس من التجار، وشاور السلطان القضاة في إبطال المعاملة بالدنانير البندقية المشخصة، فاستحسنوا ذلك، وضربت الأفلورية أشرفية، ونودي بمنع المعاملة بالبندقية، فظن الناس أن المعاملة بالدراهم البندقية تبطل فنودي بإبقائها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 وفي يوم الخميس السابع من ربيع الأول عمل المولد النبوي وابتدأوا به من بعد الخدمة، ومد السماط بعد صلاة العصر وفرغ بين العشاءين، وكانت العادة أن يبدأ بعد الظهر ويمد السماط المغرب ويفرغ عند ثلث الليل. وفي السادس والعشرين من شهر ربيع الآخر صرف القاضي زين الدين التفهني عن قضاء الحنفية وقرر في مشيخة الشيخونية عوضاً عن الشيخ سراج الدين قارئ الهداية بحكم وفاته، وكان السراج لما مات سعى جماعة في المشيخة فأمر السلطان بجمعهم فاجتمعوا، وتعصب جماعة من أهل الشيخونية للتفهني فقرره السلطان فيها، ففرح بذلك ظناً منه أنه يضمها إليه مع القضاء، فلما لبس الخلعة بها أحضر العينتابي فألبس الخلعة بولاية القضاء، فسقط في يدي التفهني وندم حيث لا ينفعه الندم ونزل الشيخونية كئيباً، ورجع أكثر الناس مع العينتابي إلى الصالحية ثم إلى منزله. وفي رابع عشري ربيع الآخر صرف الشيخ علاء الدين الرومي عن مشيخة الأشرفية، وقرر عوضه الشيخ كمال الدين ابن الهمام، ولم يكن له في ذلك سعي، وإنما كان تقرر درسه بقبة الصالح فطلب إلى القلعة وألبس الخلعة، وكان سبب عزل علاء الدين أن شخصاً من الصوفية مات وخلف مالاً جزيلاً فاحتاط عليه نقل عنه أمور فاحشة، فغضب السلطان وأمر بإخراجه وعزل منها وتقرير كمال الدين. وفي ربيع الآخر كتبت الجارة الجودرية في التفتيش على جاني بك الصوفي، ولسبب فيه أن كتاب نائب الشام ورد وفيه أنه مختفي عند شخص جندي فلم يوجد، فأمر أهلها بإخلائها وحرقها، فرحلوا وتتبعت آثار جاني بك فلم يوقف له على أثر. وفي الثالث عشر من جمادى الآخرة صرف القاضي محب الدين أحمد بن نصر الله عن قضاء الحنابلة، واستقر عز الدين عبد العزيز ابن علي بن أبي العز المقدسي الذي كان ولي قضاء الشام ودرس بالمؤيدية، وكان قبل ذلك قديماً ولي قضاء بيت المقدس، ثم فر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 من الشام لكائنة وقعت له مع الباعوني فوصل إلى بغداد وولي القضاء بها؛ وكان ربما افتخر فقال: وليت قضاء الشام والعراق ومصر ولم يقع ذلك لأحد من أقراني. وفي أول يوم من رجب أدير المحمل، ولم تجر العادة بذلك بل كان يدار في النصف أو قبله أو بعده بقليل. ذكر غزوة قبرس الكبرى بلغ الأشرف أن جابوش - ويقال: جينوس - بن جاكم بن بيدو بن أنطون بن جينوس صاحب قبرس وكان قد ملكها من سنة ثمانمائة فراسل ملوك الفرنج يستنفزهم على المصريين ويشكو ما جرى على بلاده، فأرسل كل منهم له نجدة، وأرسل ملك الكتيلان ابن أخيه بمركب وفرسان، وجد جابوش في عمارة المراكب والقراقر وعزم على قصد الإسكندرية تأسياً بوالده، فإنه هو الذي كان طرقها في آخر سنة ست وستين ودخلها عنوة في آخر المحرم أوائل صفر سنة سبع وانتهبها - وأسر منها خلائق والقصة مشهورة؛ فأمر السلطان لما بلغه ذلك بعمارة الأغربة والحمالات، وجد في ذلك وبذل الأموال، فلما تكاملت العمارة انحدرت إلى قوة ويقال إنه بلغت عدة العمارة أغربة وحمالات وزوارق - مائى قطعة وزيادة؛ وندب السلطان ينال الجكمي وتغري بردى المحمودي وغيرهما من الأمراء الكبار والصغار للغزاة وأن يكون ينال على من في البحر والآخر على من في البر وأن لا يعارض أحدهما الآخر، وكان معهم من الأمراء مراد خجا الشعباني - وإياس ويشبك الشاد واينال الأجرود وسودون اللكاشي وجانم المحمدي وغيرهم؛ وتلاقت المراكب من الإسكندرية مع المراكب المصرية بثغر رشيد في رجب، فاتفق أن الريح هاجب في بعض الليالي، فانكسرت أربع حمالات ومات فيها مائة فرس، وتسعة أنفس، وبلغ السلطان ذلك فتطير جماعة من الأمراء وثبت هو ولم يتطير، وقال له كاتب السر وهو يومئذ بدر الدين بن هرمز: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 يا مولانا السلطان! إن من كان أوله كسر يكون في آخره جبر؛ ولما بلغ قراقر الإسكندرية ما جرى على الحمالات رجع أميرهم فأقام بعا تحت العساكر، فلما كان مستهل شعبان هجم عليهم غراب وقرقوران مملوءة من المقاتلة جهزهم صاحب قبرس ليأخذوا من يجدونه بساحل الإسكندرية لعلمه بمسير القراقز الخمس إلى جهته بإعلام من بالبلد من الفرنج له، فدخلوا وهم يظنون أن الخمس قراقب في رشيد، فواجهوهم فأرشقوهم رمياً بالنشاب إلى أن هزموهم فاتفق أنهم خرجوا مقلعين فوافتهم أغربة أرسلها إليهم من برشيد من الجند، فلم يزل الجند مجتمعين والمراكب توافيهم من كل جهة إلى الرابع والعشرين من شعبان، فساروا مقلعين حتى وصلوا إلى اللمسون فوجدوا الحصن الذي كانوا أحرقوه قد عمر وشحن بالمقاتلة فأحاطوا به في السابع والعشرين، وصعد يشبك قرقش وهو من الفرسان المعدودين وقد ولي إمرة الموكب الأول في الحج بعد ذلك في سنة 44، فصعد هو ومن معه على سلم من خشب وتبعهم خلق كثير، فهرب الفرنج الذين في الحصن بعد أن كانوا أوقدوا قدور الزفت تغلي ناراً ليصبوها على من يصعد إليهم من المسلمين، فهزمهم الله تعالى وملكوا البرج الأول؛ وأحاط بعض المسلمين بالأسكتية وهي قرية من قبرس خارجة عن حكم جابوش نظير الماغوصة وهي مع البنادقه، فطلبوا من المسلين الأمان فأمنوهم، فحملوا إليهم الهدايا والضيافات، فسألوهم عن جابوش فقالوا إنه مستعد في خمسة آلاف فارس وسبعة آلاف راجل، فراسلوه بأن يدخل تحت الطاعة ليؤمنوه على نفسه وجنده وبلده وإلا مشوا عليه وخربوا قصره وأسروه وقتلوه، فلما بلغته الرسالة أخذته حمية الجاهلية فقتل الرسول وأحرقه، فبلغ المسلمين الخبر في مستهل رمضان فانقسموا قسمين النصف مع المحمودي في البر والنصف مع الجكمي في البحر، فلم يزل أهل البر سائرين حتى وصلوا موضع الكنيسة فوجدوها خراباً والبئر الذي بها قد هدم، فحفروا حوله فظهر الماء فشربوا بعد أن كانوا عطشوا. ثم ساروا في جبال وتلال وهم صوام والحر شديد فنزلوا للقائلة في ظلال الشجر وإذا بصارخ صرخ: جاءكم العدو! فثاروا وركبوا وحصلت رجفة عظيمة، وكان جابوش لما قتل الرسول ركب في عساكره بعد عرضهم، وجهز قراقرة في البحر للإحاطة بمن في البحر من المسلمين، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 فلما تراءى الجمعان انحاز إلى بساتين هناك، وجعل بينه وبين المسلمين نهراً، وتقدم نحو الخمسمائة من المقاتلة فبرز لهم من المسلمين خمسة تغري بردى وقطلوبغا المؤيدي المصارع وعلان فبادروا الأبراج فلحق بهم ابن القاق مقدم العشير بالشام ومعه نحو الثلاثين فتنادوا: يا وجوه العرب ويال جركس! إن أبواب الجنان فتحت، إن متم كنتم شهداء، وإن عشتم عشتم سعداء بيضوا وجوهكم وأخلصوا الله العمل؛ فحملوا حملة واحدة، فنصرهم الله تعالى؛ وقاتل يومئذ قطلوبغا قتالاً عظيماً فعثر جواده فقام عنه وقاتل راجلاً إلى أن قتل، فلما رأى جابوش أمر عسكره في إدبار وقد استظهر عليهم أهل الإسلام ركن إلى الهرب ثم إن عسكره خالفوه وحملوا، فصبر لهم المسلمون واشتد الأمر، فاتفق أن جابوش وقع عن فرسه فنزل أصحابه فأركبوه، فوقع ثانياً فنزلوا وأركبوه، فكبا به الفرس ثالثاً فدهشوا وذهلوا عنه، وانكسر عسكره وولوا الأدبار، فرآه بعض الترك فأرشقوهم نبلاً، فلم يزالوا كذلك إلى أن غربت الشمس، وقيل إن جملة من قتل منهم في ذلك اليوم ستة آلاف؛ ثم رجع المسلمون فنزلوا على الماء وباتوا على أهبة، فلما أصبحوا توجه يشبك الشاد ومن معه إلى جبل الصليب فخربه وما حوله من الديارات، وأحضروا الصليب الذي كان به وكانوا يعظمونه حتى سموه صليب الصلبان، ثم سار المحمودي بالعسكر إلى جهة الملاحة، وتوجه بعض العسكر إلى من بالمراكب، فأعلموهم بما وقع من المسلمين، أن صاحب قبرس مقيد، وأن أخاه قتل، وأن ابن أخي صاحب الكتيلان الذي جاء نجدة له مقيد، ثم وصل العسكر وكان ثاني شهر رمضان. ره في إدبار وقد استظهر عليهم أهل الإسلام ركن إلى الهرب ثم إن عسكره خالفوه وحملوا، فصبر لهم المسلمون واشتد الأمر، فاتفق أن جابوش وقع عن فرسه فنزل أصحابه فأركبوه، فوقع ثانياً فنزلوا وأركبوه، فكبا به الفرس ثالثاً فدهشوا وذهلوا عنه، وانكسر عسكره وولوا الأدبار، فرآه بعض الترك فأرشقوهم نبلاً، فلم يزالوا كذلك إلى أن غربت الشمس، وقيل إن جملة من قتل منهم في ذلك اليوم ستة آلاف؛ ثم رجع المسلمون فنزلوا على الماء وباتوا على أهبة، فلما أصبحوا توجه يشبك الشاد ومن معه إلى جبل الصليب فخربه وما حوله من الديارات، وأحضروا الصليب الذي كان به وكانوا يعظمونه حتى سموه صليب الصلبان، ثم سار المحمودي بالعسكر إلى جهة الملاحة، وتوجه بعض العسكر إلى من بالمراكب، فأعلموهم بما وقع من المسلمين، أن صاحب قبرس مقيد، وأن أخاه قتل، وأن ابن أخي صاحب الكتيلان الذي جاء نجدة له مقيد، ثم وصل العسكر وكان ثاني شهر رمضان. فلما كان يوم الخميس خامسه ساروا إلى الأفقيسة - وهي كرسي المملكة، فلما رأى الفرنج الذين في القراقر خلف البحر من الجند حطموا على اكب المسلين، فأمر الجكمي من بقي معه بمدافعتهم وأرسل إلى المحمودي يعلمه فأعاد عليه أكثر العسكر وتأخر معه طائفة، فلما رجعوا وجدوهم في وسط القتال فأعلنوا بالتكبير، فأجابهم من في البحر وبادروا إلى طلوع المراكب ومشوا على مراكب الفرنج، فاشتد القتال إلى أن دخل الليل فحجز بينهم، فلما طلع الفجر أبعدت مراكب الفرنج عن المسلمين، فلما هبوا تفطن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 الجكمي فلم يجد الريح تساعدهم، فتبعهم إياس الجلالي فقطع مركباً ووقع القتال بينهم، وكان بالمركب ثلاثمائة مقاتل غير الأتباع، فرمى عليهم بالسهام الحطابية حتى ما بقي أحد منهم يجسر يخرج رأسه فطلع المسلمون وملكوها وقتلوا أكثر من بها. واستمرت بقية المراكب هاربة في البحر حتى غابوا عن الأعين، وكفى الله المؤمنين القتال بهزيمة من في البحر من الفرنج! وكان سبب ثيابهم في القتال أنهم لم يعلموا ما اتفق لملكهم من الأسر ولعسكره من الهزيمة، واستمر المحمودي حتى أخذ المدينة هو ومن معه وذلك في يوم الجمعة خامس شهر رمضان، فخشى من مع المحمودي على أنفسهم لقلتهم فشجعهم المحمودي، ثم دخل القصر فوجد به من الأمتعة ما لا يحصى، فأقاموا بها صلاة الجمعة وأذنوا على صوامع الكنائس، ثم خرجوا يوم السبت ومعهم الغنائم الكثيرة والأسرى، فلما وصلوا إلى المراكب اجتمعوا وأحصوا عدد الأسرى فكان ثلاثة آلاف وسبعمائة نفس. واختلف رأيهم في الإقامة والمطالعة بما وقع من الفتح وانتظار وصول الرسول بالجواب أو التوجه بالأسرى والغنائم والعود إذا أراد السلطان مرة أخرى لاستئصال بقية الفرنج والاستيلاء على بقية الغنائم، فغلب الرأي الثاني، وصحبتهم الغنائم والأسرى ومن جملتهم عظيمهم وهو مقيد، فلما وصلوا إلى ساحل بولاق أركب صاحب قبرس وولده وابن أخي صاحب الكتيلان على بغال عرج وأعلامه منكسة أمامه وحملتالغنائم والأسرى على الجمال والبغال وشقوا المدينة، وكان ذلك يوم الاثنين ثامن شوال، ومعه الأمراء والجند، ولم يبق بمصر والقاهرة وضواحيها كبير أحد إلا حضر الفرجة حتى سدوا الأفق، وكان أول الحمالين باب المدرج وآخرهم بولاق، فلما وصلوا به إلى القلعة كشف رأسه وكب على وجهه حتى قبل الأرض عند الباب، ثم أحضر بين يدي السلطان فقبل الأرض مراراً وسقط مغشياً عليه، فلما أفاق ردوه إلى مكان أعد له وكانت صورة دخولهم أنهم ترتبوا من الميدان الكبير ثم أدخلوهم من باب القنطرة فشقوا القاهرة، واجتمع أهل البلد حتى لم يتخلف كبير أحد، فكان أمراً مهولاً من كثرة الخلق، وجاز الأمراء ثم الأسرى ثم الغنائم، ونصبوا تاج الملك وأعلامه منكسة وهو راكب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 على بغلة مقيد، فلما وصل إلى المدرج باس الأرض ومشى في قيده إلى أن وقف قدام السلطان بالمقعد، وحضر ذلك أمير مكة ورسل ابن عثمان ورسل ملك تونس ورسل أمير التركمان ورسل ابن نعير وكثير من قصاد أمراء الشام، فكان اتفاق حضورهم من المستغرب، فلما رأى السلطان عفر وجهه في التراب بعد أن كشفه، وخلع السلطان على الأمراء، ثم قرر عليه مائتا ألف دينار، يحمل منها هو بمصر النصف ويرسل النصف إذا رجع، وألزم بحمل عشرين ألف دينار كل سنة، ثم أفرج عنه بعدان حمل ما قرر عليه معجلاً، وتوجه فأرسل شيئاً بعد شيء إلى أن أكمل ما أرسله خمسة وسبعين ألف دينار؛ وقدرت وفاته عقب ذلك، ويقال إنه كان فهماً عاقلاً ينظم الشعر بلسانه ويعربه بالترجمان بالتركي فأملأ على بعض من معه هذه الأبيات: يا مالكاً ملك الورى بجسامه ... انظر إلي برحمة وتعطف وارحم عزيزاً ذل وامنن بالذي ... اعطاك هذا الملك والنصر الوفي إن لم تؤمني وترحم غربتي ... فبمن ألوذ ومن سواكم لي يفي فلما قرئت على السلطان وعرف معناها رق له وقال: عفوت عنه، وتقرر الحال معه بعد ذلك أن يكون نائباً عن السلطان في قبرس وما معها وأن يقرر عليه لبيت المال في كل سنة ألفي ثوب صوف ملونة قيمتها قريب من عشرين ألف دينار وأن يعجل بسبعين ألف دينار خارجاً عن الذي يحتاج إليه للحاشية فألبس تشريفاً ومركوباً وعذبة، وتوجه المسفر صحبته إلى الإسكندرية، فطلب جميع التجار من الفرنج المقيمين بها فأقرضوه المبلغ جميعه، فعجل به قبل أن يصل إلى بلاده، وكان أمير الإسكندرية يومئذ آقبغا التمرازي فأمر بعرض جميع من بها من الجند فكانت عدتهم ألفين وخمسمائة ملبس، واجتمع من الرعية ما لا تحصى عدتهم فاصطفوا له سماطين على طريقه، فلما رأى كثرتهم قال: الله إن كل من في بلاد الفرنج ما يقاوم أهل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 الإسكندرية وحدهم! وقد تقدم أن أباه رمى بطرس هو الذي كان هجم على الإسكندرية في سلطنة الأشرف شعبان بن حسين فقدر الله تعالى أن ولده جابوش يدخلها في صورة الأسير في سلطنة الأشرف برسباي - ولله الحمد على جزيل هذه النعمة! وكان رتب له رواتب تقوم بكفايته وكفاية من يخدمه، وكان من أمره ما سأذكره إن شاء الله تعالى في السنة الآتية، وفرح المؤمنون بنصر الله تعالى وكان ذلك على غير القياس، فإن الجند الذين توجهوا إلى قبرس لم يكن لهم عادة بركوب البحر ولا بالقتال فيه فمن الله على المسلمين بلطفه ونصرهم، ولو كانت الأخرى لطمع الفرنج في بلاد المسلمين خصوصاً السواحل، وطار خبر هذه الغزاة إلى الآفاق وعظم بها قدر سلطان مصر ولله الحمد! وأنشد الأديب زين الدين عبد الرحمن بن محمد ابن الخراط موقع الدست بالقلعة قصيدة فائية أولها: بشراك يا ملك الملوك الأشرف ... بفتح قبرس بالحسام المشرف فتح لشهر الصوم تم قتاله ... من أشرف في أشرف في أشرف أحيا الجهاد وكان قبل على شفا ... من تركه فشفيته حتى شفي قالت دمى تلك الديار وقد عفا ... إنجيلهم أهلاً بأهل المصحف وفي طويلة يقول في آخرها: لم تخلف مثلك فاتكاً ... ملكاً ومثلي شاعراً لم تخلف فيك التقى والعدل والإحسان في ... كل الرعية والوفا والفضل في وبيع السبي والغنائم وحمل الثمن إلى الخزانة السلطانية وفرق في الذين جاهدوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 منه بعضه بعد أن كان السلطان هم أن يقسم الغنيمة بالفريضة الشرعية ثم انثنى عزمه عن ذلك. وفي ثالث شعبان ابتدئ بقراءة الحديث بالقلعة وبدأ القارئ يقرأ في صحيح مسلم، وأمر السلطان بإحضار القضاة المنفصلين فجلسوا عن يسار السلطان، وجلس كاتبه عن يمينه وبجانبه العينتابي ثم المالكي ثم عبد العزيز الحنبلي، وجلس المشايخ يمنة ويسرة وهم يزيدون على العشرة، ووقعت فوائد ومباحث فظهرت مقادير انحطاطاً وارتفاعاً، فلما كان يوم الختم خلع على القضاة التشاريف على العادة لكنهم كانوا سبعة، وخلع على المشايخ بسعي العيني فراجى صوف بسنجاب وفرجية وهو بسمور وهي أول سنة خلع فيها على المشايخ وكانوا نحو عشرة. وفي النصف من ذي القعدة وصل نجم الدين ابن حجي الذي كان كاتب السر وبقي في السنة الماضية فلم يزل يسعى ويكاتب يبذل المال إلى أن أجيب وأذن له بالمجيء إلى القاهرة بعناية من كان السبب في صرفه وهو جانبك الدويدار، فلما استقر بالقاهرة سعى في قضاء الديار المصرية، فأجيب سؤاله واستدعى بديوان خطب فحفظ منه خطبة عيد النحر ظناً منه أنه ربما أفضت إليه الولاية عاجلاً فاحتاج إلى أن يخطب يوم العيد، وأمر بخياطة ملابس القضاة من فوقانية ونسج عذبة وغير ذلك، ففي غضون ذلك وصل الشريف شهاب الدين نقيب الأشراف الحسيني الذي كان ولى القضاء عوضا عنه لما أسفر في كتابة السر ومعه من الهدايا والتحف ما لا يوصف كثرة وذلك في أواخر ذي الحجة، فأهدى للسلطان وبقية الكبار هدايا خليلة حتى لم يدع من شاء الله من الرؤساء حتى أهدى له فقلب الله القلوب، وقرر ابن حجى في قضاء الشام وأمر بأن يرجع الشريف بطالا، فتوجها إلى الشام في السنة المقبلة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 وفيها في ذي القعدة بلغ عجلان بن ثابت بن هبة الحسني أمير المدينة أن السلطان عزله وولى ابن عمه خشرم بن جماز بن هبة فقبض على الخدام والقضاة ونهب المدينة، فلما وصل خشرم مع أمير الحاج الشامي وجد عجلان أخلى المدينة فأقام خشرم وتوجه الركب الشامي إلى مكة، فعاد عجلان فأمسك خشرم وخرب بيوتاً كثيرة وأحرق بيوتاً وسلم منه بيوت الرافضة، وكان قد أقام من الرافضة قاضياً اسمه الصيقل وكان يرسل إليه غالب الأحكام. وجلى أهل المدينة إلا الرافضة وإلا القاضي الشافعي فإنه كان استنزل شخصاً من أقارب خشرم يقال له مانع فأجاره. وفيها استقر مقبل الرومي في نيابة صفد عوضاً عن اينال الخازندار بحكم مخامرته هو وأخوه وكان يومئذ نائب القلعة فاتفقا فتحيل مقبل عليهما حتى قبض عليهما فقتلا. وفيها خرجت العساكر إلى هابيل بن قرايلك بمدينة الرها فغلبوا عليها وانتهبوها، واسروا هابيل وأحضروه إلى القاهرة فسجن بالقلعة حتى مات في الطاعون، الكائن في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة. وفيها جهز السلطان برسبغا إلى ينبع وقرقماس الشعباني إلى مكة، فغلب برسبغا على صاحب ينبع وجهزه في الحديد إلى السلطان، وأقام قرقماس بمكة فمهد البلاد وقطع أثر المفسدين. ذكر من مات في سنة تسع وعشرين وثمانمائة من الأعيان أحمد بن محمد بن مكنون، شهاب الدين المنافي القطوي، ولد بها سنة تسع وسبعين وأبوه إذ ذاك الحاكم بها، ونشأ نشأة حسنة وحفظ الحاوي، واشتغل في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 الفرائض، ولازم الشيخ شمس الدين الغراقي في ذلك، وكان يستحضر الحاوي وكثيراً من شرحه، واشتغل في الفقه قليلاً، ثم ولي قضاء قطية بعد أبيه، ثم ولي قضاء غزة بعناية القاضي ناصر الدين ابن البارزي في أول الدولة المؤيدية، ثم استقر في قضاء في دمياط مع بقاء قطية معه فاستناب فيها قريبه زين الدين عبد الرحمن واستمر في دمياط في غاية الإعزاز والإكرام، فلما انفصلت الدولة المؤيدية تسلط عليه أناس بالشكاوى والتظلم، وكان كثير الاحتمال حسن الأخلاق، وصاهر عندي على ابنتي رابعة ودخل بها بكرا ابنة خمس عشرة سنة فولدت منه بنتاً ثم مات عنها، فتزوجها الشيخ محب الدين ابن الأقر فماتت عنده - عوضها الله الجنةَ! ومات ابن مكنون في شهر رمضان وكثر الأسف عليه. اينال النوروزي أمير سلاح مات في أول ربيع الآخر بالقاهرة. أبو بكر بن محمد بن عبد الله الشيخ تقي الدين الحصني ثم الدمشقي الفقيه الشافعي، ولد سنة 752، وتفقه بالشريشي والزهري وابن الجابي والصرخدي والغزي وابن غنوم، وأخذ عن الصدر الياسوفي ثم انحرف عن طريقته، وحط على ابن تيمية وبالغ في ذلك، وتلقى ذلك عنه الطلبة بدمشق، وثارت بسبب ذلك فتن كثيرة، وكان يميل إلى التقشف، ويبالغ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وللناس فيه اعتقاد زائد، ولخص المهمات في مجلد، وكتب على التنبيه، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 وكانت وفاته في 141 جمادى الآخرة، قال القاضي تقي الدين الأسدي: كان خفيف الروح منبسطاً، له نوادر، ويخرج إلى التنزه ويحث الطلبة على ذلك، مع الدين المتين والتحري في أقواله وأفعاله، وتزوج عدة نساء ثم انقطع وتقشف وانجمع، وكل ذلك قبل القرن، ثم ازداد بعد الفتنة تقشفه وانجماعه وكثرت مع ذلك أتباعه حتى امتنع من مكالمة الناس، ويطلق لسانه في القضاة وأصحاب الولايات، وله في الزهد والتقلل من الدنيا حكايات تضاهي ما نقل عن الأقدمين، وكان يتعصب للأشاعرة، وأصيب في سمعه وبصره فضعف، وشرع في عمارة رباط داخل الباب الصغير فساعده الناس بأموالهم وأنفسهم، ثم شرع في عمارة خان للسبيل ففرغ في مدة قريبة، وكان قد كتب بخطه كثيراً قبل الفتنة، وجمع تواليف كثيرة في الفقه والزهد. حسن بن سويد، المصري المالكي القاضي بدر الدين، كان أصله من سوق شنودة وسلفه من القبط، ويقال إن أباه كان يبيع الفراريج، ذكر لي ذلك بعض ثقات المصريين عن شيخنا شمس الدين المراغي أنه شاهده، ورزق سويد هذا من الأولاد جماعة نبغوا وصاروا من أعيان الشهود بمصر منهم شمس الدين الأكبر وبدر الدين هذا، ولازم الاشتغال في مركز الشافعية بباب العبد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 والمتجر الكارمي، ومجلس القاضي فخر الدين القاياتي، ودروس الشيخ شمس الدين المراغي، ثم حصل مالاً واتجر به إلى اليمن في سنة ثمانمائة ثم عاود البلاد مراراً واتسعت حاله جداً، وتزوج بنت الهوريني التي من بنت القاياتي بعد موت زوجها والد الشيخ سيف الدين الحنفي فاستولى على تركة القاياتي بعد موته وأدخل معه فيها من شاء، وبنى مدرسة تقابل حمام جندر ومات قبل أن تكمل، وأوصى لها بأربعة آلاف دينار لتكميلها فصيرها أولاده بعد جامعاً وأبطلوا ما كان صيره هو من كونها مدرسة، ولم يدرس بها تدريساً، وحصل في ذلك خبط كثير؛ مات في أوائل صفر. حسن بن عجلان بن رميثة، الحسني أمير مكة السيد الشريف، وكان قدم صحبة قرقماس من الحجاز في المحرم، واجتمع بالسلطان، وقرره في إمرة مكة على عادته وألزم بثلاثين ألف دينار، أحضر منها خمسة آلاف وأقام ليتجهز فتأخر سفره إلى أن كان في سادس عشر جمادى الآخرة فمات، وكان أول ما ولي الأمرة بعد قتل أخيه علي بن عجلان في ذي القعدة سنة سبع وتسعين، فكانت مدة إمرته اثنتين وثلاثين سنة سوى ما تملكها من ولاية غيره، وكان في هذا الشهر قد تجهز وأخرج أثقاله ظاهر القاهرة، وقدم ولده بركات في رمضان من مكة فالتزم بما بقي على والده، والتزم كل سنة بأن يحمل عشرة آلاف دينار، والتزم أن يكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 ما جرت به العادة من مكس جدة يكون له، وما تجدد من مراكب الهند يكون للسلطان خاصة. خليفة المغربي الأزهري الشيخ المعتقد، مات في 21 المحرم فجأة في الحمام، وكان قد انقطع للعبادة بالجامع الأزهر نيفاً وأربعين سنة، ووجد له شيء كثير. شمس بن عطاء الله، الهروي القاضي شمس الدين واسمه محمد بن عطاء الله بن محمد بن محمود بن محمود بن فضل الله بن الرازي الهروي الشافعي، مولده بهراة سنة 767، كان إماماً بارعاً في فنون من العلوم ويقرئ في المذهبين الشافعي والحنفي والعربية والمعاني والبيان، ويذاكر بالأدب والتاريخ، ويستحضر كثيراً من الفنون، وله تصانيف تدل على غزر علمه واتساع نظره وتبحره في العلوم، وتقدمت أخباره مفصلة في سنة ثماني عشرى، وفي سنة إحدى وعشرين، وفي سنة سبع وعشرين، وكان قد حج في سنة ثمان وعشرين، ثم رجع إلى القدس فمات به وهو شيخ الصلاحية في ثامن عشر ذي الحجة، وكان شيخاً ضخماً طوالاً أبيض اللحية مليح الشكل إلا أن في لسانه مسكة. علي بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن علي بن إسحاق بن سلام ابن عبد الوهاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 بن الحسن بن سلام الدمشقي علاء الدين أبو الحسن الشافعي، ولد سنة خمس أو ست وخمسين، وحفظ القرآن والتنبيه والألفية ومختصر ابن الحاجب، وتفقه على علاء الدين ابن حجي وابن قاضي شهبة وغيرهما كالشهابين الزهري والحسباني، وارتحل إلى القاهرة فقرأ بها الأصول على الضياء القرمي والمختصر على الركراكي المكي وكان يطريه حتى كان يقول: كان يعرفه أكثر من مصنفه، فاشتهر وتميز ومهر، فكان يبحث في حلقة ابن خطيب يبرود فينتشر البحث بين الطلبة بكثرة تفننه وإشكالاته، وأصيب في الفتنة الكبرى بما له وفي يده بالحرق، وأسروه فسار معهم إلى ماردين ثم انفلت منهم، وقرره نجم الدين ابن حجي في الظاهرية البرانية بعد وفاة أخيه، ونزل له التاج الزهري عن العذراوية بمساعدة ابن حجي، ودرس بالركنية بعد ابن خطيب عذراء، وكان يحفظ كثيراً من الرافعي وإشكالات عليه وأسئلة حسنة، ويقرئ في الفقه إقراء حسناً وكذا المختصر، وله يد في النظم والأدب والنثر، وكان بحثه أقوى من تقريره، وكان مقتصداً في ملبسه وغيره شريف النفس حسن المحاضرة، وكان ينسب إلى نصرة مقالة ابن عربي، فإذا حوقق في أمره تبرأ من تلك المقالات ويتحمل لها تأويلات والله أعلم بغيبه، وكان يطلق لسانه في جماعة من الكبار، واتفق أنه حج في هذه السنة فلما رد من الحج والزيارة مات في وادي بني سالم في أواخر ذي الحجة، وحمل إلى المدينة فدفن في البقيع وقد شاخ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 لقيته قديماً بدمشق وسمعت من فوائده، وكان أخذ الفقه عن الحسباني وابن الزهري والأصول عن الضياء القرمي. عمر بن علي بن فارس، الشيخ سراج الدين الخياط الطواقي الحنفي المعروف بقارئ الهداية، وكان في أول أمره خياطاً بالحسينية وتنزل في طلبة البرقوقية وتمهر في الفقه وغيره، واستقر قارئ الشيخ علاء الدين السيرامي بها فلقب بقارئ الهداية تمييزاً له عن سراج الدين آخر كان يقرأ في غيره، وسمع الحديث من ... وتقدم في الفقه إلى أن صار المشار إليه في مذهب الحنفية، وكثرت تلامذته والأخذ عنه، وولي مشيخة الشيخونية بأخرة بعد ابن التباني، فلما مات استقر فيها زين الدين التفهني بعد عزله عن القضاء بالعيني، واستقرت بقية وظائف سراج الدين بيد ولده، وناب عنه فيها صاحبنا عبد السلام البغدادي، مات في ربيع الآخر بعد أن أنتهت إليه الرئاسة في مذهبه، وصار المعول على فتياه مع جلالته في أصول الفقه والعربية والنحو وغيرها، وشارك في فنون كثيرة، وكان مقتصداً في ملبسه ومركبه، يتعاطى حوائجه من الأسواق بنفسه ولم يؤثر ذلك في جلالته وعظمته في النفوس ومهابة السلطان ممن دونه له هذا وهو غير ملتفت لأهل الدولة بالكلية، ولما ولى مشيخة الشيخونية أراد التوجه إليها ماشياً من مسكنه بالظاهرية، فأرسل إليه الأشرف فرساً وألزمه بركوبها، فلما ركبها أخذ بيده عصا يسوقها بها حتى وصل إلى الخانقاه، فنزل عنها كما ينزل عن الحمار برجليه من ناحية واحدة، هذا وهو على ما هو عليه من الوقار والأبهة التي لم يبلغها أصحاب الشكائم والعمائم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 قجق الظاهري أتابك العساكر بالديار المصرية، مات في تاسع رمضان. محمد بن أحمد بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة، المخزومي المكي الشافعي، ابن عم الشيخ جمال الدين محمد بن عبد الله بن ظهيرة، يلقب كمال الدين ويكنى أبا الفضل، ولد في شهر ربيع الآخر سنة ست وخمسين، وسمع من عز الدين ابن جماعة والشيخ خليل المالكي والموفق الحنبلي وابن عبد المعطي، وناب في الخطابة، وحدث، وأضر بأخرة؛ ومات في صفر. محمد بن محمد بن أبي القاسم، أبو عبد الله الرخاجي، أحد مشايخ الصوفية بزبيد، كان قد تقدم عند الأشرف إسماعيل ثم عند ولده الناصر، وكان يلازمه وينادمه ويحضر معه جميع ما يصنعه من خير وشر من غير تعرض لإنكار، وكان حسن الوساطة؛ مات في رابع عشر ذي القعدة وله ست وسبعون سنة. يوسف بن خالد بن أيوب، القاضي جمال الدين الحسفاوي الشافعي، نشأ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 بحلب وقرأ في الفقه على ابن أبي الرضى وقرأ عليه القراآت، ثم سافر إلى ماردين فأخذ عن زين الدين سربجا وولي قضاء ملطية مدة، ثم دخل القاهرة ولي قضاء حلب ثم قضاء طرابلس ثم كتابة السر بصفد، وكان حسن الشكل فائق الخط قوي النظم؛ مات بطرابلس في ثالث عشر المحرم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 سنة ثلاثين وثمانمائة أولها السبت ففي الثامن منه خلع على نجم الدين بن حجي بقضاء الشام عالى قاعدته وصرف الشريف شهاب الدين فأقام قليلاً، ثم أمر السلطان بسفره إلى الشام بطالاً، فأول شيء صنعه ابن حجي أنه قرب أبا أسامة الذي كان أثبت عليه المال الجزيل فيما مضى ظلماً وعدواناً فأحسن إليه، ثم استدعى منه أن يثبت على الشريف نظير ما أثبت عليه، فأجابه إلى ذلك فبادر وفعل، وطولع السلطان بذلك فألزم الشريف بما ثبت عليه وعد ذلك من العجائب، واشتهر أبو أسامة بالأحكام الباطلة، واستعاذ كل مسلم من شره لجرأته على الأمور الفظيعة، فخشى عاقبة ذلك فتحزل إلى القاهرة فسكنها مدة، ثم أخرج منها بعد لا بارك الله فيه. وكان صرف الشريف من وظيفة القضاء مما يعد من الخوارق، فإنه لم يكن بقي أحد من أهل الدولة له مال إلا وتعصب له أن يستمر، فعاكس السلطان الجميع. وفي المحرم نودي على أهل الذمة أن يصغروا عمائمهم وأن لا يدخلوا الحمامات مع المسلمين ومن دخل منهم فليكن في عنقه جلجل أو طوق حديد إلى أشياء كثيرة اخترعها المحتسب تبعاً لغيره، فضجوا من ذلك ورفعوا أمرهم إلى السلطان، فأحضر القضاة في ثالث عشر المحرم وسألهم ما يجب عليهم! فتقر الحال أن لا يدخلوا الحمام إلا بخيط في رقبة ويكون فيه خاتم من حديد أو رصاص، وأن لا يتعرض لعمائمهم الملونة كبرت أو صغرت، وأن نساءهم يتميزن من النساء المسلمات بشيء يكون قدر الكف أو أصغر من لون عمائم رجالهن؛ فصنع ذلك وكتب على أكابرهم والتزموا به. وفيها صرف خشرم عن إمرة المدينة وأعيد عجلان. وفي ذي الحجة منع من البيع في داخل المسجد الحرام، ومن نصب الصواوين داخله، ومن نقل المنبر عند خطبة الجمعة من مكانه بجانب المقام إلى ظهر الكعبة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 وفي أواخر شعبان تكلمت مع السلطان في أن لا يطفأ القناديل في رمضان إلا قبيل طلوع الفجر لما يحصل للناس من الإجحاف ممن ينام ثم يستيقظ عطشان فلا يجد القناديل تقد فيظن أن الأكل والشرب حرم وليس كذلك، فوافق السلطان على ذلك ثم عقد لذلك مجلس، فاتفق من حضر على أنه يترتب على ذلك أن يغلط من كان يعرف العادة المستمرة فيبطل صومه، فتوقف الأمر واستمرت العادة - ولله الأمر. وفي هذه السنة صرف أبو السعادات محمد بن أبي البركات محمد بن أبي السعود ابن ظهيرة عن قضاء مكة واستقر الجمال محمد بن علي الشيبي، ولما حج مع الناس استقر في مباشرة الحكم، وأمر بسد أبواب الحرم كلها إلا أربعة أبواب، فحصل للناس بذلك مشقة شديدة فكان ما سنذكره. وفيها وصلت من الهند من صاحب بنجالة هدايا جليلة لجماعة من الناس خصوصاً الشيخ علاء الدين محمد بن محمد بن محمد البخاري ثم الهندي نزيل القاهرة، ووصلت أيضاً هدايا من صاحب الهند. وفي العشر الأخير من شعبان انكشفت رأس بعض المماليك وهو يلعب بالرمح، فظهر أنه أقرع فضحكوا منه. فسأل السلطان أن يقرره شاد القرعان، فكتب له مرسوم بذلك، فكان يدور على الناس فمن ظن به أنه أقرع كشف رأسه فإن وجده أقرع أخذ منه ثلاثة دراهم فضة وثلثاً ثم اضمحل أمره بعد قليل. وفيها قدم سودون نائب الشام، ثم رجع إلى إمرته بعد عشرة أيام، وصرف أزدمر شايه عن إمرته بالقاهرة وقرر حاجباً بحلب. وفيها خرج عرب الشرق من الحجاز على أهل الركب العراقي فانتهبوهم، وكان من جملتهم ولدان لحسن بن عجلان كانا انتجعا المشرق، فأكرمهما الملوك اللنكية وغيرهم ورجعا بمال ونهب، وذهبت للتجار العراقيين أموال عظيمة كثيرة جداً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 وفي أواخر السنة بلغ السلطان أن بعض التركمان نازل الملطية، فأمر بتجريده ثم بطلت، وجهز قانباي البهلوان أميراً عليها. وفي خامس عشري شهر ربيع الآخر مات كافور الزمام، وكان قد عمر وقارب التسعين، ودفن في تربة بناها بالصحراء. وفي عاشر جمادى الآخرة قبض على تغري بردى المحمودي، وهو يومئذ راس نوبة كبير، وكان حينئذ يلعب مع السلطان بالأكرة في الحوش، وذكر أن ذنبه ما نقل عنه أنه اختلس من الأموال من قبرس وشيع في الحال إلى الإسكندرية مقيداً. ومن عجائب ما اتفق له في تلك الحال أن شاهد ديوانه شمس الدين محمد بن الشامية لحقه قبل أن يصل إلى البحر فقال له وهو يبكي: يا خوندّ هل لك عندي مال؟ وقصد أن يقول: لا، فشفعه ذلك بعده عند السلطان وغيره، فكان جوابه له: أنا لا مال لي بل المال للسلطان، فلما سمعها ابن الشامية، دق صدره، واشتد حزنه وسقط ميتاً من غير ضعف ولا علة. وفي آخر يوم من ذي القعدة استقر بهاء الدين ابن نجم الدين ابن حجي في قضاء الشام مكان والده، وبذل في ذلك ثلاثين ألف دينار - وسيأتي ذكر قتل أبيه في ترجمته. ذكر من مات في سنة ثلاثين وثمانمائة من الأعيان أحمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عرب أبو العباس المعروف بابن عرب اليماني الزاهد بالشيخونية، انتقل أبوه من اليمن إلى بلاد الروم فسكنها وولد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 له بها أحمد هذا فنشأ بمدينة برصا، فكان يقال له: ابن عرب، على عادة الروم والترك في تسمية من لم يكن منهم عرب، ونشأ أحمد هذا نشأة حسنة، ثم قدم القاهرة وتنزل في القاعدة التي استجدها أكمل الدين صوفياً، وقرأ على خير الدين سليمان بن عبد الله، ونسخ بالأجرة واشتغل، ثم انقطع عن الناس فلم يكن يجتمع بأحد، واختار العزلة مع المواظبة على الجمعة والجماعة، واقتصر على ملبس خشن جداً وقنع بيسير من القوت، ومهما اطلع على أن أحداً من الباعة عرفه فحاباه لم يعد إليه، وكان يتنكر ويشتري قوت يومين أو ثلاثة بعد العشاء ويدخل الجامع من أول النهار يوم الجمعة، ولا يكلم أحداً في حال ذهابه ولا إيابه، فأقام على هذه الطريق أكثر من ثلاثين سنة ولم يكن في عصره من داناه في طريقته، وكان يدري القراآت، مات ليلة الأربعاء ثاني شهر ربيع الأول، ومن عجائب أمره أنه لما مات كان الجمع في جنازته موفوراً، وأكثر الناس كانوا لا يعلمون بحاله ولا بسيرته فلما تسامعوا بموته هرعوا إليه، ونزل السلطان من القلعة فصلى عليه بالرميلة، وأعيد إلى الخانقاه فدفن بها، وتنافس الناس في شراء ثياب بدنه فاشتروها باغلاء الأثمان، فاتفق أن جملة ما اجتمع من ثمنها حسب فكان قدر ما تناوله من المعلوم من أول ما نزل بها إلى أن مات لا يزيد ولا ينقص، فعد ذلك من كراماته رحمه الله. أحمد بن موسى، شهاب الدين المتبولي المالكي موقع الحكم، حدث عن البياني وغيره، أخذ عنه جماعة، ومات في يوم الأربعاء 8 ربيع الأول عن خمس وثمانين سنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 أحمد بن يحيى بن عبد الله الحموي الرواقي الصوفي شهاب الدين أبو العباس، ولد سنة 747. وذكر أنه سمع بمكة على العفيف عبد الله اليافعي في سنة 55، وتلقن الذكر ولبس خرقة التصوف من الشيخ يوسف بن عبد الله بن عمر بن خضر الكوراني، واسندها له عن الشيخ نجم الدين الأصفهاني عن نور الدين عبد الصمد عن الشيخ شهاب الدين السهروردي، وتعاني طريق التصوف، وسكن في الأخير حماة، وتردد إلى طرابلس وغيرها، وزار القدس سنة سبع وعشرين؛ قال القاضي علاء الدين: كان صالحاً خيراً ديناً ناسكا؟ ً مسلكاً، يستحضر أشياء حسنة عن الصوفية، اجتمعت به بطرابلس فأنشدني وساق له عن أبي حيان قصيدة أولها: لا خير في لذة من دونها حذر ... ولا صفا عيشة في ضمنها كدر فلا ترم رقعة بين الأنام فقد ... حست منامك الأخبار والسير والرفع من بعده نصب وفاعله ... عما قليل بحرف الجر ينكسر وهي نحو العشرين بيتاً، لا يشبه نظم أبي حيان ولا نفسه ولا يتصور لمن ولد سنة سبع وأربعين أن يسمع من أبي حيان الذي مات قبل ذلك بمدة، ولقد عجبت من خفاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 ذلك على القاضي علاء الدين ثم خشيت أن يكون بين الرواقي وأبي حيان واسطة، وقد زعم أنه أنشدها له العلامة جمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام قال: أنشدنا أبو حيان، ولا يعرف أن ابن هشام أخذ عن أبي حيان شيئاً بل كان يجتنبه. قال: وكان الرواقي يقيم بحماة ويأتي طرابلس، ثم بلغني أنه توجه إلى القدس وأقام به ومات ما بين ثمان وتسع وعشرين. أحمد بن يوسف، الزعيفريني شهاب الدين الأديب البارع كان ينظم الشعر ويكتب المنسوب، ويتكلم في معرفة علم الحرف ويخبر عن المغيبات، ولذلك مال إليه جماعة من الأكابر وأثرى، وامتهن في سنة ثمانمائة واثنتي عشرة وقطع الناصر لسانه وعقدتين من أصابعه، ورفق به المشاعلي عند قطع لسانه فلم يمنعه من الكلام، وكان السبب في ذلك أنه نظم لجمال الدين ملحمة أوهمه أنها قديمة وأنه يملك، وصار بعد موت الناصر يكتب بشماله، وكتب مرة إلى الصدر ابن الأدمي: لقد عشت دهراً في الكتابة مفرداً ... أصور منها أحرفاً تشبه الدرا وقد عاد خطي اليوم أضعف ما ترى ... فهذا الذي قد يسر الله لليسرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 فأجابه: لئن فقدت يمناك حسن كتابة ... فلا تحتمل هماً ولا تعتقد عسرا وأبشر ببشر دائم ومسرة ... فقد يسر الله العظيم لك اليسرى أحمد بن البدر بن محمد بن أويس، المغربي نزيل طرابلس، قرأ بالروايات على أبي زيد عبد الرحمن بن المعلم سليمان بن إبراهيم التونسي نزيل طرابلس في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة فقرأه علي أبي عبد الله محمد بن محمد بن سلامة الأنصاري، ولبس خرقة التصوف من محمد بن أحمد بن محمد بن المهندس بحصن الأكراد في السنة المقبلة، وذكر انه لبسها من علي بن محمد بن محمد بن أبي الفتح عبد المحمود بمدينة بحصن الأكراد سنة 54؛ ومات ابن البدر المذكور بطرابلس في ذي القعدة، وسمع من بهادر القرمي ومحمد بن هبة الله بن وهبة وأحمد بن علي بن محمد الأرموي ومحمد بن مظفر الحسيني وعلي بن اليونانية. أويس بن شاه ولد لابن شاه زاده ابن أويس صاحب بغداد، قتل في الحرب بينه وبين محمد شاه بن قرا يوسف، واستولى محمد شاه على بغداد مرة أخرى. بركوت بن عبد الله المكيني شهاب الدين عتيق سعيد بن عبد الله المكيني عتيق مكين الدين اليمني، كان حبشياً صافي اللون حسن الخلق كثير الإفضال محباً في أهل العلم وأهل الخير كثير البر لهم واللطف بهم، لقي حظاً عظيماً من الدنيا وتنقلت به الأحوال، وبنى بعدن أماكن عديدة، ثم تحول إلى مكة فسكنها وبنى بها داراً عظيمة، وصاهر إلى بيت المحلي التاجر فنكح بنته آمنة واستولدها، وكان كثير التزوج والأولاد، ومات له في حياته أكثر من خمسين ولداً، وما مات حتى تضعضع حاله، وذلك في ذي القعدة بعدن وله نحو الستين. عبد الله الملك المنصور بن الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل صاحب اليمن، مات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 في جمادى منها، واستقر بعده الأشرف إسماعيل بن الناصر احمد. عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب بن محمود ابن ختلو، الحلبي فتح الدين ابن الشحنة أخو العلامة محب الدين أبي الوليد، كان أصغر سناً من أخيه، واشتغل كثيراً في الفقه حنفياً حتى ناب عن أخيه في الحكم ثم تحول بعد الفتنة العظمى مالكياً، وولي القضاء ثم عزل وخصل له نكد لاختلاف الدول، ثم عاد في سنة خمس عشرى من قبل نوروز ثم من قبل المالك المؤيد إلى أن مات، قال القاضي علاء الدين: رافقته في القضاء وكان صديقي وصاحبي، وعنده مروءة وحشمة، وأنشد له من نظمه وهذا عنوانه: لا تلوموا الغمام إن صب دمعا ... وتوالت لأجله الأنواء فالليالي أكثرن فينا الرزايا ... فبكت رحمة علينا السماء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 عمر بن حجي بن موسى بن أحمد بن سعد، السعدي الحسباني الأصل الدمشقي نجم الدين أبو الفتوح بن حجي الشافعي، ولد سنة 767 بدمشق، وقرأ القرآن، ومات والده وهو صغير، وحفظ التنبيه في ثمانية أشهر، وحفظ كثيراً من المختصرات، وأسمعه أخوه الشيخ شهاب الدين من ابن أميلة وجماعة، واستجاز له من جماعة، وسمع هو بنفسه من جماعة كثيرة، وأخذ العلم عن أخيه وابن الشريشي والزهري وغيرهم، ودخل مصر سنة تسع وثمانين فأخذ عن ابن الملقن، ولازم الشرف والعز ابن جماعة وغيرهم، وأذن له ابن الملقن، والبدر الزركشي الأنطاكي مدة وتعلم العربية، وكان قليل الاستحضار إلا أنه جيد الذهن حسن التصرف، وأول ما حج سنة ست وثمانين، ثم ولي إفتاء دار العدل سنة اثنتين وتسعين، وجرت له كائنة مع الباعوني فضربه هو والعزي وغيرهما وطوف بهم وسجنوا بالقلعة، وذلك في رمضان سنة خمس وتسعين، ثم حج سنة تسع وتسعين وجاور، وولي قضاء حماة مرتين، ثم ولي قضاء الشام في ربيع الآخر سنة تسع وثمانمائة، ثم انفصل بعد شهرين، ثن أعيد في شوال سنة عشر، ثم صرف مراراً، وهكذا كانت مدة ولايته إحدى عشرة سنة وأشهر في مدة إحدى وعشرين سنة، وعدد ولاياته سبع مرات، وقدم مصر سنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 اللنك بعد أن نجا منهم بحيلة غريبة، فناب في الحكم عن الجلال البلقيني، ثم عاد وولي قضاء طرابلس سنة اثنتي عشرة قدر شهرين، وحبسه نوروز في شوال سنة خمس عشرى وهم بقتله ثم نجا منه، وقبض عليه مرة أخرة قبل ذلك فهرب من الموكلين به بحيلة عجيبة، ثم قبض عليه في جمادى الأولى سنة ست عشرة، ثم تحيل وخلص وقدم القاهرة، ثم رجع مع المؤيد حتى قتل نوروز، واستقر في القضاء إلى أن قام عليه الحاجب فنودي عليه وحبس بالقلعة، ثم خلص وقدم مصر ورجع متولياً، ثم في سنة إحدى وعشرين سجن بالقلعة ثم أطلق، وحج سنة اثنتين وعشرين، فاستناب الشريف شهاب الدين بن عدنان مع ما كان بينهما من العداوة الشديدة، والسبب في ذلك أن النواب سطوا عليه واختلفوا فيمن يصلح منهم أن ينوب عنه في غيبته فعاقبهم بأن أقام عليهم الشريف، فكان ذلك أول طمع الشريف في الدخول في المنصب ثم قام مع جقمق نائب الشام بعد موت المؤيد وأشار على نائب القلعة بتسليمها إليه، فلما وصل ططر ومن معه لم يؤاخذ بذلك، وحج في تلك السنة سنة أربع وعشرين، وهم بالدخول إلى مصر ليلى عوض البلقيني ثم رجع إلى دمشق، وبلغه ولاية العراقي فقعد، ثم قام عليه نائب الشام في سنة ست وعشرين وتألب عليه أعداؤه وهموا بقتله، ثم اتفق مرض النائب فاشتغل بنفسه ومات فجاءته الولاية في رمضان منها، ولم يزل يتقلب في الأمور إلى أن قرر في كتابة السر بالقاهرة، فلم يمش له فيها حال، وتغير عليه غالب أصحابه، وعادى من كان يحبه قبل ذلك، فصرف صرفاً شنيعاً كما تقدم في الحوادث، ثم استأذن في الوصول إلى مصر فأذن له، فقرر في قضاء الشام في محرم هذه السنة، وحصل له عند عوده تعظيم زائد، وتسلط على الشريف عدوه وآذاه كثيراً وعمل عليه إلى أن قتل في منزله غيلة وذهب دمه هدراً، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 وكان ذكياً فصيحاً حسن الملتقى والمباسطة يلقي الدروس بتأن وتؤدة مع ذلك كثير الإحسان للطلبة والواردين عليه بدمشق إلا أنه انعكس في ذلك في ولايته كتابة السر وصار على ضد ما كان يعهد منه، وكان كثير التلون سريع الاستحالة، وكان قتله في ليلة الاثنين ثاني ذي القعدة. عمر بن طرخان بن شهري، الحاجب الكبير بحلب، مات في حادي عشري شهر رجب. عمر بن الشيخ شمس الدين محمد بن اللبان، المصري، أخذ القراآت عن والده وتصدر للاقراء وكان ساكناً سليم الباطن، وكان غالية في الشطرنج؛ مات في شعبان عن نحو ثمانين سنة. محمد بن إبراهيم بن محمد الدمشقي الأصل البشتكي، كان أبوه فاضلاً فنزل بخانقاه بشتاك الناصري فولد له الشيخ بدر الدين هذا بها، وكان جميل الصورة، فنشأ محباً في العلم، وحفظ القرآن وعدة مختصرات، وتعاني الأدب فمهر فيه، ولازم ابن أبي حجلة وابن الصائغ، ثم قدم ابن نباتة مصر فلازمه وكتب عنه ديوان شعره، ثم رافق جلال الدين ابن خطيب داريا ودخل معه دمشق واجتمع بفضلائها، وأخذ عن البهاء السبكي وغيره بالقاهرة،، وصحب الشيخ بهاء الدين الكازروني مدة ونسخ له كثيراً، وكان أحد الأفراد في كثرة النسخ حتى كان ينسخ في اليوم خمسة كراريس، فإذا تعب اضطجع على جنبه وكتب خمسة أخرى كما يكتب وهو جالس، وكتب ما لا يدخل تحت الحصر وكتب للكازروني المذكور كثيراً من تصانيف ابن العربي، ثم رجع عن ذلك بعد موته وصار داعية إلى الحط على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 مقالة ابن العربي، وأحب المذهب الظاهري على طريقة ابن حزم، وامتحن بسبب ذلك بمكة على يد أبي الفضل النويري قاضيها وكان جاور بها بعد الثمانين، وامتحن أيضاً بالقاهرة على يد البرهان الإختاني وحبس ثم أطلق، وصحب فخر الدين ابن مكانس، وأقرأ ولده وأدبه، وتخرج به فمهر في الأدب، وله مطارحات مع أدباء أهل العصر وهاجي جماعة منهم، وكان هو كثير الإنجماع، يرجع إلى دين متين مع محبته في المجون والخلاعة، ثم أقلع وتاب ولازم الإنجماع، وكان حسن الأخلاق في أول ما يصحب ثم لا يلبث أن يتغير، وفي الجملة كان عديم النظير في الذكاء وسرعة الإدراك إلا أنه تبلد ذهنه بكثرة النسخ، وقد مدح القاضي برهان الدين بن جماعة بعدة قصائد طنانة، سمعت منه كثيراً من شعره ومن فوائده، وكانت وفاته فجأة، دخل الحمام فمات في الحوض يوم الاثنين ثالث عشري جمادى الآخرة، ومن نظمه: كنت إذا الحوادث دنستين ... فزعت إلى المدامة والنديم لأغسل بالكؤس الهم عني ... لأن الراح صابون الهموم قاسم المؤيدي الدوادار، كان ولي الإسكندرية ثم إمرة بحلب، ثم استمر بها إلى أن قتل في المحرم. كافور أغتمشي الزمام، مات يوم الأحد خامس عشري ربيع الآخر وقد قارب الثمانين، وهو صاحب المدرسة التي تجاه حارة الديلم، واستقر بعده في الزمامية خشقدم الظاهري. محمد بن المحدث عماد الدين إسماعيل بن محمد بن بردس بن رسلان البعلبكي الحنبلي الشيخ تاج الدين أبو عبد الله، ولد ليلة التاسع والعشرين من جمادى الآخرة سنة 45، وسمع من أبيه أسمعه الكثير من ابن الخباز وتفرد به، وسمع أيضاً من محمد بن يحيى وشقيراء وابن الجوخي وابن أميلة، وأجاز له العرضي والبياتي وابن نباتة والعلائي وغيرهم، وانتفع به الرحالة، وكان محباً لنشر العلم وللرواية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 طلق الوجه حسن الملتقى كثير البشاشة مع الدين والعبادة وملازمة الأوراد والصلابة في الدين، وله نظم وتأليق وصدقة في السر، مات في شوال، وقد أجاز لي غير مرة. محمد بن خالد بن موسى، الحمصي القاضي شمس الدين المعروف بابن زهرة - بفتح الزاي - الحمصي الحنبلي، مات في ثالث عشري شهر رجب، وهو أول حنبلي ولي قضاء حمص، وكان أبوه خالد شافعياً فيقال إن شخصاً رأى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن خالداً ولد له ولد حنبلي! فاتفق أنه كان ولد له هذا فشغله لما كبر بمذهب الحنبلية، وقرأ على بدر الدين بن اشناب ببعلبك وعلى الشيخ شرف الدين ابن قاضي الجيل وزين الدين بن رجب بدمشق، وولي قضاء حمص. محمد بن عبد الواحد بن العماد محمد بن القاضي علم الدين أحمد بن أبي بكر، تقي الدين الإخنائي المالكي نائب الحكم، كان من خيار القضاة، مات في سادس ذي الحجة بمكة وكان جاور بها في هذه السنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن الإمام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد، الغزالي الشافعي محي الدين أبو حامد الطوسي، قدم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 من بلاده إلى حلب في شهر رمضان سنة ثلاثين وثمانمائة بعد أن كان دخل الشام قديماً، وسمع من زين الدين عمر بن أميلة مسند الوقت وحدث عنه في هذه المقدمة، وجده الثامن فيما زعم هو حجة الإسلام أبو حامد الغزالي المشهور - كذا ذكر ذلك عنه الشيخ برهان الدين سبط ابن العجمي فيما قرأت بخطه والقاضي علاء الدين في ذيل تاريخه ووصفاه بالعلم والدين، قال في الذيل: رأيت أتباعه وتلامذته يذكرون عنه علماً كثيراً وزهداً وورعاً، وأخبر عنه بعض الطلبة أنه حج مراراً منها واحدة ماشياً على قدم التجريد، وكان معظماً في بلاده، قال: وبلغني أنه رأى ملك الموت فسأله: متى أموت؟ فقال: أنت تموت في العشر، فما درى أي عشر، فاتفق أنه مات في حلب في العشر الأخير من شهر رمضان سنة ثلاثين، وكانت جنازته مشهودة، أخد عنه إبراهيم بن علي الزمزمي المكي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة في ثالث المحرم لبس السلطان الصوف وكان ذلك قبل العادة بمدة والحر موجود واستمر بعد ذلك أياما ووقع الندى وأمطرت السماء قليلاً، ودخل كيهك من شهور القبط وهو أول الأربعين عند المصريين ولم يقع البرد بل كان نظير فصل الربيع واستمر ذلك إلى أن نقلت الشمس إلى الجدي ولم يعهد ذلك. وفي الثالث من المحرم قدم الحمل من قبرس وهو خمسون ألف دينار. وفيها قتل عذراء بن علي بن نعير أمير آل فضل، واستقر بعده أخوه مذحج. وفي ثاني عشر صفر صرف القاضي الحنبلي عز الدين عبد العزيز ابن علي المقدسي وأعيد القاضي محب الدين بن نصر الله، وكان عز الدين أحس بأن يعزل فمكر بأن سأل ناظر الجيش أن يسأل له السلطان في الإعفاء، فبلغ السلطان ذلك فأعجب به وقال: لولا أنه رجل جيد ما طلب الإعفاء، وأمر أن يستمر فظن حصول مقصوده بذلك من الاستمرار وصبر على ذلك مدة، وسخط منه كاتب السر لأمر اقتضاه فاحتال عليه بأن قال للسلطان: هذا الحنبلي شيخ كبير وقد تكرر سؤاله الإعفاء وأن يقرر له رزق على جهة حل يأكل منها ويعبد الله ويدعو للسلطان، فأمر السلطان بإجابته لذلك، فخلع على محب الدين ولم يشعر عز الدين بذلك، فضج ودار على الأمراء فلم ينجع، وقرر له في الشهر على وقف تنبغا التركماني معلوم النظر، وكان يظن أنه بما تحيل به يستمر فانعكست حيلته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 وفي صفر أمر بتحكير قصب السكر وأن لا يزرعه أحد إلا السلطان، ثم بطل ذلك بعد قليل، وفيه أمر بهدم ما كان اليهود أحدثوه من بناء درب محدث يغلق على كنيستهم وسياج كالسور، حازوا فيه كثيراً من دور المسلمين التي تهدمت، وكانوا فعلوا ذلك في سنة ثلاث وعشرين بغير إذن من حاكم، فقام الشريف شهاب الدين النعماني في ذلك، وكان لما أنكر عليهم لبسوا على قاضي الحنابلة وأخذوا خطه على قصة، وكان القائم معهم في ذلك نقيب الحنبلي جمال الدين عبد الله الإسكندراني، فحمل النعماني أعيان الناس على الحنبلي حى أوضح له القصة فحكم بهدم ما أحدثوه من السياجات والأبواب والخوخ، وسجل على نفسه بذلكم في سنة أربع وعشرين، فلما كان في هذه السنة رفعوا للقاضي الحنفي العينتابي قصة، فأذن فيها لبعض النواب ممن كان الشافعي منعه من الحكم وكان من شيعة الهروي فتوسل للعينتابي بذلك، فأذن له في الحكم وعين عليه هذه القصة، فكتب محضراً يتضمن أن الذي كانوا جددوه مختص بالكنيسة وليس فيه شيء من أبنية المسلمين ولا من حقوقهم وإنما تعصبوا عليهم في القصة التي تقدم ذكرها، فأثبت ذلك وأذن لهم في إعادة ما كان الحنبلي حكم بهدمه، فسارعوا إلى بنيانه، فقام النعماني وحمل الناس على العبنتابي حتى نفذ حكم الحنبلي، ثم أخذ النعماني في التشنيع على النائب الذي تعاطى ذلك وهو عبد الله البرلسي حتى اتصلت القصة بالسلطان، فأذن للشافعي والحنبلي أن يتوجها بمفردهما ومعهما ناظر الأوقاف إلى المكان المذكور ويشخصوه وينظر القاضيان فيما حكم به ابن المغلي ثم البرلسي ويفعلا فيه الواجب، فتوجها يوم الجمعة ثاني عشري صفر، وكان النعماني استكتب شيوخ المصريين في محضر شهدوا فيه أن الذي أعيد الآن هو عين ما كان ابن المغلي أمر بهدمه، وأذن العينتابي لليهود في كتابة محضر بأنه غيره وكتب فيه جماعة، فلما تأملت المحضرين وشاهدت الأمكنة المجددة أغنت المشاهدة عن الخبر فظهر الحق بيد النعماني، لكن رأيت الغوغاء قد اجتمعوا ومعهم المساحي والمعاول، فلو أذنت بهدم شيء ما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 لهدمت الكنيسة كلها ونهب ما فيها، وكان ذلك وقت العصر فقلت لهم: لا بدمن كشف كنيسة النصارى حتى ينظر ما أحدثوا أيضاً وبهدم الجميع، فأعجبهم ذلك وافترقنا على العود في أول النهار، ثم استوفى الشافعي والحنبلي الشروط في المسألة وحكما بهدم ما أحدث وإبطال حكم البرلسي، وكان البرلسي قبل ذلك خشي القالة فأشهد على نفسه بأنه رجع الحكم المذكور، ثم توجه لكاتب السر فأعلمه بذلك واتصل ذلك بالسلطان، وكنت عند الافتراق أمرت الوالي أن يزيل ما أحدثوه من الأبنية الجديدة كلها بالليل، ففعل ذلك وانحسمت المادة بعون الله تعالى. وفي ربيع الأول غلا السعر بسبب هبوب الريح المريسية، فمنعت المراكب من الوصول من الوجه البحري بالغلال، وعز وجود الخبز بالأسواق أياماً، ثم فرج الله وانحل السعر في جمادى الأولى، ورخص القمح وغيره. زفي شهر ربيع الآخر شدد السلطان في أمر الخمر وأمر بإراقة ما يوجد منها في مظانها في جميع البلاد، وكذلك الحشيش أمر بإحراق ما يوجد منها، فأهريق من الخمر وأحرق من الحشيش ما لا يحصى كثرة، وأكثر ذلك كان بدمياط وكان في القاهرة وغيرها من الأعمال على ذلك ضمان وعليه إقطاعات لأناس، فبطل ذلك ولله الحمد، ثم أعيد قليلاً قليلاً بدسائس أهل الظلم والمكر حتى عاد كما كان بعد مدة قريبة. وفيها أبطلت المعاملة بالبنادقة وضربت اشرفية، وحصل بذلك لخيار المسلمين سرور كثير، وفيه حضر من أكابر أهل دمياط جماعة وشكوا من ابن الملاح الكاتب النصراني الملكي وأنه يتجاهر باللواط، ويستخدم من يكون جميل الصورة من أبناء البلد، ويبالغ في إظهار الفاحشة، حتى أنه ربما قام بحضرة الناس فخلا به الشاب منهم بحيث لا يواريه إلا جدار المخدع أو شبهه ثم يخرجان معاً على الهيئة الدالة على المراد، وكثر ذلك منه، وأنف جماعة من الناس ومنعوا أولادهم من الخدمة عنده، وهو يفسدهم بكثرة العطية ومعاقرة الخمر والغناء، مع ما هو فيه من الجاه العريض حتى كان والي البلد يقف في خدمته، ومهما قاله لا يرد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 ومهما فعله لا يتعقب، ومن نازعه في شيء أفسد حاله عند ناظر الخاص المتكلم على البلد؛ فرفعوا في أمره قصة تتضمن هذا وغيره من المفاسد، فعقد له مجلس بحضرة السلطان، فلما ادعى عليه أنكر، فقامت البينة بشيء من ذلك فبادر وأسلم وحكم بإسلامه ولقب محب الدين. وشرط عليه الشافعي أنه متى ثبت عليه شيء مما وقع فيه أو وقع في حق أحد ممن قام عليه في ذلك رتب عليه مقتضاه! وتهدده في ذلك، فأذعن والتزم وتوجه إلى دمياط وحسنت سيرته بالنسبة لما كان أولاً - والله أعلم بغيبه. وفيه منع الفرنج من حمل الخمر من بلادهم ثم بعد مدة عادوا، وفيه جعل على تجار الشام ثلاثة دنانير ونصف إن حملوا البهار إلى بلادهم زيادة على المكس المعهود، ثم بعد سنين بطل ذلك والتزموا بعدم الحمل. وفي الخامس من جمادى الأولى غضب السلطان على فيروز الساقي بسبب أنه تكلم في القاضي الحنفي العيني ونسبه إلى أمور معضلة من تناول الرشوة والحكم بالعرض وتعاطي الأسباب المفسقة، فأراد السلطان الاستثبات في ذلك فأحضر الحنفي، وأراد من فيروز أن يواجهه ويحاققه، فخارت قوى الطواشي فاعتذر واستغفر، فاشتد غضب السلطان وأمر بأن بنفي بعد أن ضرب بحضرته ضرباً شديداً، ثم شفع فيه بأن يكون توجهه إلى المدينة الشريفة فأجاب، وتوجه فأقام بها سنة ثم أذن له في الرجوع. وفي جمادى الأولى عند نزول الشمس برج الحمل أمطرت السماء يومين متواليين مطراً غزيراً لم يقع في هذه السنة قبل ذلك، ووقع في أول يوم من برمودة والشمس في الحمل حر شديد وسموم نظير ما جرت العادة أنه يقع في تموز. وفيه لبس السلطان الأبيض قبل العادة بسبعة وثلاثين يوماً لشدة ما وقع من الحر، ثم لم يلبث البرد أن عاد أشد ما كان واستمر إلى مضي عشرين يوماً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 وفيه وقع بالشام مرض عام، وكثر موت الخيل بها وبحماة. وفي جمادى الأولى خلع الأشرف إسماعيل بن الناصر أحمد صاحب اليمن من الملك، وكان السبب فيه أن وزيره الشرف إسماعيل بن العفيف عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر العلوي قصر في مرتبات الجند، فطالبوه مراراً فلم ينصفهم، فرفعوا أمرهم للسلطان، فأحالهم على الوزير، فتألموا وهجموا على الدار فخرج إليهم شقير أمير جندار، فضربوه بالسيوف حتى برد، وقتلوا الشاد الكبير، واسمه عندهم مشد المشدين، وهجموا على الأشرف وقبضوا عليه وعلى علي بن الحسام لاجين، وسجنوا الأشرف وأمه وحظيته، وكان كبيرهم مملوكاً يقال له برقوق من مماليك الناصر، فاتفق رأيهم أن يخرجوا يحيى بن ناصر من محبسه يسلطنوه ففعلوا ولقبوه الظاهر، ونهبوا دار السلطان، واستقرت سلطنة يحيى بن الناصر وحبس الأرف إسماعيل في الموضع الذي كان فيه يحيى، وهو في حصن ثعبات من بلاد تعز، وصودر الوزيران، وعظم أمر الشهاب أحمد بن الأمير محمد بن زياد الكاملي، وكان أبوه من أكابر أمراء الأشرف بن الأفضل ثم صار هو الآن كبير الأمراء، وظهرت من الظاهر يحيى شجاعة ومعرفة ومهابة. وفي الثالث من جمادى الآخرة ادعى على شمس الدين محمد بن الشيخ عز الدين حسن الرازي الحنفي أحد نواب الحكم بأنه وقع في حق النبي صلى الله عليه وسلم فأنكر، ثم ادعى عليه نقيب الحنفي أنه قال له: أنت يهودي، فأنكر، فأقام عليه البينة بذلك فعزر، وحكم الحنفي بحقن دمه وسكنت القضية وفي جمادى الآحرة وصل إلى الشيخ علاء الدين ابن البخاري من صاحب كلبرجا من بلاد الهند ثلاثة آلاف شاش، ففرق منها ألفاً على الطلبة الملازمين له، من جملتها مائة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 شاش لصدر الدين ابن العجمي ليوفي بها دينه، ويقال إن صاحب الهند كان قرأ على الشيخ علاء الدين لما كان بالهند، فراسله فأشار عليه أن يرسل لفقراء الطلبة صدقة فأرسل ذلك، ثم فرق الشيخ علاء الدين على الطلبة كثيراً من الشاشات، وعمل لهم وليمة في بستان ابن عنان صرف عليها ستين ديناراً، ووصلت هدية صاحب الهند للسلطان، وهي مائتاشاش، ومائتا إزار بيرمي، وستون نافجة من المسك الطيب، وأربعة أسياف محلاة فيها نحو خمسمائة مثقال. وفيها عزم الشيخ علاء الدين ابن البخاري على الحج واستاذن السلطان فامتنع، فألح مرة بعد مرة فأرسل إليه كاتب السر بدر الدين بن مزهر، فلم يزل يرجعه إلى أنقبل يده فأطاع وأقام. وفي السادس من جمادى الآخرة أخذت الحوانيت التي فيهاالسيوفية والصيارف ظاهر الصاغة وعلوها وقد أخذ فيه الجوانب، واستبدل النصف والربع بمال جزيل يعمر به في البرع الباقي لجهة وقفه على الصالحية فعمر عمارة جديدة، وصارت أجرة الربع أزيد من أجرة الكل بالنسبة لما كان يفضل بعد الصرف في ترميمه. وفي أول يوم من رجب عمل الموكب السلطاني وكان حافلاً جداً، والسبب فيه قدوم رسول من ابن عثمان يستأذن في الحج ومعه هدية جليلة. وفيه التمس الشيخ علاء الدين محمد بن محمد بن محمد البخاري من السلطان أن يبطل إدارة المحمل حسماً لمادة الفساد الذي جرت العادة بوقوعه عند إدارته في الليل والنهار من ارتكاب المنكرات والتجاهر بالمعاصي، فأمر السلطان بجمع القضاة وكاتب السر وأن يتوجهوا إلى الشيخ علاء الدين ويتكلموا معه في هذه المسالة، فوقع الكلام فقلت: ينبغي أن ينظر في السبب في هذه الإدارة فيعمل بما فيه المصلحة منها ويزال ما فيه المفسدة، وذلك أن الأصل فيه إعلام أهل الآفاق أن الطريق من مصر إلى الحجاز آمنة، وأن من شاء أن يحج فلا يتأخر لخشية خوف الطريق؛ وذلك لما كان حدث قبل ذلك من انقطاع الطريق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 إلى مكة من جهة مصر كما هي الآن منقطعة غالباً عن العراق، فالإدارى لعلها لا بأس بها لهذا المعنى وما يترتب عليها من المفاسد يمكن إزالته بأن يبطل الأمر بزينة الحوانيت، فإنها السبب في جلوس الناس فيها، وكثرة ما يوقد فيها من الشموع والقناديل، ويجتمع فيها من أهل الفساد، فإذا ترك هذا وأمر السلطان من تعاطي إدارة المحمل من غير تقدم إعلام الناس بذلك حصل الجمع بين المصلحتين، وانفصل المجلس على ذلك؛ ووقع في هذا المجلس ذكر ابن العربي الصوفي، فبالغ الشيخ علاء الدين في ذمه وتكفيره وتكفيرمن يقول بمقالته، فانتصر له المالكي وقال: إنما ينكر الناس عليه ظاهر الألفاظ التي يقولها، وإلا فليس في كلامه ما ينكر إذا حمل لفظه على مراده بضرب من التأويل، فانتشر الكلام بين الحاضرين في ذلك، وكنت مائلاً في ذلك مع الشيخ علاء الدين، وأن من أظهر لنا كلاماً يقتضي الكفر لا نقره عليه، وكان من جملة كلام الشيخ علاء الدين الانكار على من يعتقد لوحدة المطلقة وكان من جملة كلام المالكي أنتم ما تعرفون الوحدة المطلقة، فاستشاط البخاري غضباً وأقسم بالله أن السلطان إن لم يعزل المالكي من القضاء ليخرجن من مصر! والتمس من كاتب السر أن يسأل السلطان في إزالة أشياءمن المظالم الشنيعة، ومن جملتها أن المسلم يؤخذ منه المكس أكثر ممكا يؤخذ من النصراني إذا أحضرا بضاعة واحدة، بحيث صار كثير من المسلمين يجعل بضاعته باسم النصراني ويتقلد له المانه، وأكد عليه في قصة المالكي، فأعاد كاتب السر على السلطان جميع ما اتفق، فأمر السلطان بإحضار القضاة عنده، فحضروا فسئلوا عن مجلس علاء الدين، فقصه كاتب السر بحضرتهم، ودار بين السافعي والمالكي في ذلك بعض كلام، فتبرأ المالكي من مقالة ابن العربي وكفر من يعتقدها، فصوب الشافعي قوله، وسأل السلطان ماذا يجب على المالكي، وهل تكفير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 الشيخ علاء الدين له مقبول، وهل يستحق العزل أو التعزير! فقلت: لا يجب عليه شيء بعد اعترافه هذا وهذا القدر كاف منه، وانفصل المجلس على ذلك؛ وأرسل السلطان يترضى علاء الدين ويسأله بأن لا يسافر، فأبى وسلم له حاله وقال: يفعل ما أراد، وهم بعزل القضاة لاختلاف قولهم الأول عند علاء الدين والثاني عنده، فبين له كاتب السر أن قولهم لم يختلف وأوضح له المراد فرضي، واستمر المالكي بعد أن كان أراد أن يقرر الشيخ شهاب الدين بن تقي الدميري أحد نوابه مكانه، وحضر المجلس المذكور، وأحضرت خلعته، فبطل ذلك. وفي السادس والعشرين من رجب هبت ريح شديدة ملأت الأزقة والبيوت تراباً، ودام ذلك من أول النهار إلى آخره، وفي بعض الليل. وفي رمضان توجه سعد الدين إبراهيم بن المرة الكاتب لأجل المكوس من تجار الهند بحدة فعمر بجدة جامعاً وفرضة وصارت مينا عظيمة، وجهز السلطان أمير يقال له أرنبغا من أمراء العشراوات، وجهز معه خمسين مملوكاً لدفع بني حسين والقواد عن التعرض إلى جدة والإعراض عن النهب، وحج بالركب الأول ينال الششماني راس نوبة وبيده يومئذ حسبة القاهرة فاستناب فيها دويداره شاهين، فمشى الأمور إلى أن وصل أستاذه، فلم يشكر سيرته لكثرة نومه وإغفاله أمر اللصوص وفيه قبض على قطج أحد أمراء الألوف وحمل إلى الإسكندرية، وقبض على جرباش قاشق أمير مجلس ونفي إلى دمياط مطلقاً، فأقام بها واتجر وتمول، واستقر اينال الأجرود في نيابة غزة، وأعبد تنبغا المظفري من القدس واستقر في إمرة جرباش قاشق المذكور وذلك في العشر الأخير من ذي القعدة. وفي خامس ذي الحجة قبض على أزبك الدويدار، واستقر مكانه اركماس الظاهري، واستقر تمراز الذي كان نائب غزة في وظيفة اركماس راس النوبة الكبير، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 ووصل في هذه السنة المحمل من العراق بعد أن انقطع عشر سنين أو اكثر. جهزه في هذه السنة حسين بن علاء الدولة ابن أحمد بن أويس أمير الحلة ومغيرة بن سقم أمير العرب، ووقف الحاج يومين للاختلاف في الهلال. وفي ذي الحجة انحط سعرالقمح بعد أن كان بلغ أربعمائة إلى ثلاثمائة وخمسين، ثم انحط بعد ذلك أيضاً وفتحت الشؤن السلطانية وغيرها وبيع منها فحصل الاتساع، وكان السعر بلغ مائتين وعشرين، والتبن مائة وثمانين كل حمل، ثم أنحط إلى أربعين درهماً كل حمل. وفي ثامن رمضان استقر قانصوه النوروزي في نيابة طرسوس وكان أمير عشرة، وأضيف إقطاعه إلى الديوان المفرد، وفي جمادى الآخرة قرر طرباي في نيابة طرابلس، وكان قد أذن له أن يقيم بالقدس بطالاً، فتحول من ثم إلى طرابلس واستمر في إمرتها إلى.. وفي شهر ربيع الآخر أفرج عن جنبوس الفرنجي صاحب قبرس على فدي مبلغه مائة ألف دينار، وأن يطلق عندهم من أسرى المسلمين وجهز إلى الإسكندرية، وفيه قدم مركبان من فرنج الكتيلان لأخذ الإسكندرية بغتة، فوجدوا أهلها قد أيقظهم متولي قبرس بهم، فلم يحصل لهم مقصود. وفيه أمر السلطان بإراقة الخمور فتتبعت من عند كل من يتعاناها من المسلمين وأهل الذمة، وشدد في ذلك وكتب به إلى البلاد الشامية وغيرها، وكتب إلى الإسكندرية بإلزام الفرنج بإعادة ما جلبوه من الخمور إلى بلادهم، واتفق في دمياط أن بعض الفقهاء أراق خمراً فعارضه بعض الخاصكية وأهانه، فبلغ ذلك السلطان فأمر بضرب ذلك الخاصكي ضرباً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 مبرحاً، حتى أن بعض الأمراء وهو اخو السلطان قام ليشفع فيه، فضربه معه فضربا معاً، ثم أمر بإحراق الحشيش والمنع من زرعها. وفيها نقض ابن الركاعنة طاعة أبي فارس صاحب تونس، فسار إليه واجتمع به عبد الواحد بن أبي حمو وهو عمه، ففر ابن الركاعنة، وأقام أبو فارس عبد الواحد المذكور في ملك تلمسان وفاس ورجع - وكانما سيأتي ذكره سنة ثلاث وثلاثين. وفي السابع من رجب استقر كمال الدين ابن البارزي في كتابة السر بدمشق عوضاً عن حسين السامري بحكم وفاته وكان له منذ عزل من نظر الجيش مقيما؟ ً بالقاهرة سبع سنين، واستقر شهاب الدين ابن نقيب الأشراف بدمشق في نظر الجيش عوضاً عن حسين أيضاً، وكان جمعهما. وفي عاشره استقر عز الدين بن عبد السلام بن داود بن عثمان المقدسي في تدريس الصلاحية بالقدس عوضاً عن الشيخ شمس الدين البرماوي بحكم وفاته، واتفق في هذه السنة من العجائب أن الفول نزل عليه الصقيع بالصعيد فافسده وهو أخضر، شرق كثيرمن الأراضي فلم يزرع، وأكلت الدودة مواضع مزدرعة، فكانت هذه الأمور الثلاثة في العادة ينشأ عنها الغلاء، وانضاف إلى ذلك نزول النيل بسرعة، فزرعوا في شدة الحر، ثم تسلطت الدودة مع ذلك، فتحرك السعر قليلاً ثم لم يرتفع لشئ من الغلة رأس، وتمادى الأمر على ما كان حتى جاء المغل الجديد، ثم غلا السعر في أيام زيادة النيل فزاد سعر كل إردب مائة درهم، وانحلت الأسعار بعد وفاء النيل، وكان ببلاد الصعيد الأعلى وباء شديد ومرض حاد ومات بسببه خلائق في رجب وشعبان، واستمر إلى ... وفي سادس عشر شوال نودي بأبطال المعاملة بالدراهم البندقية واللنكية، وأخرجت الدنانير الأشرفية، ونودي أن يكون بمائتين خمسة وعشرون، وأبطلت المعاملة بالأفلورية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 وفي السادس من ذي الحجة قبض على أزبك الدويدار الكبير، واستقر عوضه أركماس رأس نوبة النوب، واستقر في وظيفته تمران الذي كان نائب غزة -. وفيها استقر جوهر القنقباى خازندار ثانيا، ثم بعد قليل استقر عوضا عن خشقدم خازندار كبيرا، واستقر خشقدم زماما بعد موت الزمام. وفي سابع عشر ذي الحجة استقر التاج الوالي مهمندارا عوضا عن خرز، فاجتمعت له عدة وظائف: ولاية القاهرة والحجوبية وشد الدواوين والمهمندارية، مع استمراره في مجالسة السلطان ومنادمته. ذكر من مات في سنة 831 من الأعيان. إبراهيم بن عبد الله الشامي الملقب خرز، قدم مع المؤيد فولاه المهمندارية بعد ابن لاقي ومات وقد ولى ولاية القاهرة، ومات في العشر الأخير من ذي القعدة. أزدمر شايه أحد الأمراء الكبار المقدمين -، نقل لنيابة ملطية في أول سنة ثلاثين، ثم رجع إلى حلب أميراً، ومات بها في سادس شهر ربيع الآخر، وكان من مماليك الظاهر ثم صار من أتباع شيخ، فلما تسلطن أمره. إياس الحاجب الظاهري، كان أحد الأمراء الأربعين، ثم أخرج إقطاعه وانفصل من الحجوبية، ومات بطالاً. بكتمر بن عبد الله، السعدي مملوك سعد الدين بن غراب، تربى صغيراً عنده وتعلم الكتابة والقراءة، وكان فصيحاً ذكياً، ترقى إلى أن سفره السلطان إلى صاحب اليمن، ثم علد فتأمر وتقدم، وكان فاضلاً شجاعاً عارفاً بالأمور، مات في يوم الخميس 13 ربيع الأول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 جانبك الدوادار الأشرفي كان اشتراه وهو صغير، ثم رقاه كما تقدم في الحوادث، وأمره طبلخاناة في المحرم سنة ست وعشرين، وأرسل إلى الشام لتقليد النواب فأفاد مالاً عظيماً، وتقرر أولاً خازندار ثم تقرر دويدار ثانياً بعد سفر قرقماس إلى الحجاز، وصارت غالب الأمور منوطة به، وليس للدوادار الكبير معه كلام وتمكن من سيده غاية التمكن، حتى صار ما يعمل برأيه يستمر، وما يعمل بغير رأيه ينقض عن قرب -، وشرع في عمارة المدرسة التي خارج باب زويلة، وابتدأ به مرضه بالمغص ثم انتقل إلى القولنج، وواظبه الأطباء بالأدوية والحقن ثم اشتد به الأمر فعاده أهل الدولة كما هم من الخدمة السلطانية فحجبوا دونه، فبلغ السلطان فنزل إليه العصر فعاده واغتم له وأمر بنقله إلى القلعة، وصار يباشر تمريضه بنفسه مع ما شاع بين الناس أنه سقي السم، وعولج بكل علاج إلى أن تماثل ودخل الحمام ونزل إلى داره، فانتكس أيضاً لأنه ركب إلى الصيد بالجيزة فرجع موعوكاً، وتمادى به الأمر حتى مات، فنزل السلطان إلى داره وحضره وركب في جنازته وصلى عليه تحت القلعة، وكان شاباً حاد الخلق عارفاً بالأمور الدنيوية كثير البر للفقراء شديداً على من يتعاطى الظلم من أهل الدولة، وهم الأشراف مراراً أن يؤمره تقدمة فلم يقدر ذلك، وكان هو في نفسه وحاله أكبر من المقدمين، مات في ليلة الخميس سابع عشرى شهر ربيع الأول عن خمس وعشرين سنة - تقريباً -، وماتت زوجته بعده بستة أيام، فيقال إنه كان جامعها لما أفاق من مرضه قبل النكسة فأصابها ما كان به من الداء، ونقل السلطان أولاده عنده وبنى لهم خان مرور بالقرب من بين القصرين وكان قد استهدم، فأخذه بالربع وعمره عمارة متقنة بحيث صار الذي يتحصل من ريعه يفي لأهل الربع بالقدر الذي يتحصل من جميعه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 جانبك بن حسين بن محمد بن قلاون سيف الدين بن الأمير شرف الدين ابن الناصر بن المنصور، ولد سنة بضع وخمسين، وأمر طبلخاناة في سلطنة أخيه الأشرف شعبان، ولما زالت دولة آل قلاون استمر ساكناً بالقلعة مع أهل بيته، وكانت عدتهم إذ ذاك ستماءة نفس، فما زال الموت يقلل عددهم إلى أن تسلطن الأشرف برسباي، فأمر بهم أن يسكنوا من القاهرة حيث شاؤا فتحولوا، ولم يكن فيهم يومئذ أقعد نسبا من جانبك بل كان قبله بقليل ولد الناصر حسن وقد تقدمت وفاته في ... وأناف جانبك على السبعين. حسن بن أحمد بن محمد، البرديني بدر الدين، قدم من السيوفة صغيراً ونشأ بالقاهرة فقيراً، ونزله أبو غالب القبطي الكاتب بمدرسته التي أنشأها بجوار باب الخوخة، فقرأ على الشيخ شمس الدين الكلائي ولم يتمهر في شئ من العلوم، بل لما ترعرع تكسب بالشهادة، ثم ولى التوقيع واشتهر به وكانت لديه معرفة بالأمور الدنيوية فراج على ابن خلدون فنوه به، وكذا صدر الدين المناوي، ولم ينتقل في غالب عمره عن ذلك ولا عن ركوب الحمار، حتى كان بأواخر دولة جمال الدين الأستادار فإن فتح الله نوه به، فركب الفرس وناب في الحكم وطال لسانه، واشتهر بالمروءة والعصبية فهرع الناس إليه لقضاء حوائجهم وصار عمدة القبط في مهماتهم يقوم بها أتم قيام - فاشتد ركونهم إليه - وخصوه هم بها فلايثق أحد منهم فيها بغيره، فصارت له بذلك سمعة، وكان يتجوه على كاتب السر فتح الله بناظر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 الجيش ابن نصر الله، وعلى ناظر الجيش بكاتب السر فتح الله، وعلى سائر الأكابر بهما معاً، فحوائجه مقضية عند الجميع، ولما باشر نيابة الحكم أظهر العفة ولم يأخذ على الحكم شيئاً، فأحبه أكثر الناس وفضلوه على غيره من المهرة لهذا المعنى، وحفظت عنه كلمات منكرة مثل إنكاره أن يكون في الميراث خمس أو سبع لأن الله لم يذكره في كتابه، وغير ذلك من الخرافات التي كان يسميها المفردات، وحج بأخره فذكر لي صلاح الدين بن نصر الله عنه أموراً منكرة من التبرم والإزدراء - فنسأل الله العفو! وكان مع شدة جهله عريض الدعوى غير مبال بما يقول وبفعل مات في يوم الإثنين خامس عشرى رجب وقد أناف على الثمانين. حسين نجم الدين بن عبد الله، السامري الأصل كاتب السر بدمشق، وقد جمع بينها وبين نظر الجيش بعناية صهره زوج بنت امرأته ازبك الدوادار، واستقر بعده كمال الدين البارزي في كتابة السر بدمشق وشهاب الدين الشريف نقيب الأشراف في نظر الجيش، وكان موت حسين المذكور في - يوم الأربعاء لست بقين من جمادى الآخرة -، وكان عريا عن العلوم جملة والعجب أنه كان باسمه التدريس بدار الحديث الأشرفية بدمشق! وأول ولايته لكتابة السر كان في أول سنة إثنتي عشرة، ثم صرف وباشر عند الأمراء، وأول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 ولايته نظر الجيش سنة خمس وعشرين في صفر، ثم أضيفت إليه كتابة السر في جمادى الآخرة منها وصرف عن كتابة السر في سنة ثمان وعشرين، ثم أعيدت إليه في ربيع الآخر سنة ثلاثين، واستمرتا معه إلى أن مات. سعيد بن عبد الله المغربي، المجاور بالجامع الأزهر وأحد من يعتقد ويزار، وكان عنده مال جم من ذهب وفضة وفلوس يشاهده الناس فلا يجسر أحد على أخذ شئ منه، وكان عنده ذهب هرجة يخرجه أحيانا ويصففه، وقد شاع بين الناس أن من اختلس منه شيئا أصيب في بدنه، فلا يقربه أحد، وكان حوله قفاف ذوات عدد ملأى من الفلوس، وكان يحضر أحياناً ويغيب أحياناً إلى أن مات - يوم الأربعاء - في تاسع عشر ربيع الآخر بعد مرض طويل، وقد زاره السلطان مرة، ولما مات حمل المال الذي وجد له لبيت المال، وكانت جنازته حافلة. شرف بن أمير، السرائي ثم المارديني الكاتب المجود، تعانى الكتابة إلى أن أتقن الخط على الطريقتين ابن البواب وياقوت، وتعلم منه أهل تلك البلاد، وقدم حلب على رأس القرن، ثم حج في سنة تسع وعشرين، وذكر أن اللنك طلبه من صاحب ماردين، فتغيب هو كراهية من قربه اللنك، ثم نزل حصن كيفا وسكنها، وعلم الناس بها الكتابة، قربه صاحبها، قرأت ترجمته في تاريخ القاضي علاء الدين بحلب - أيده الله -. عبد الغني المعروف بابن الجيعان مستوفي الخاص، كان متمولا عارفاً بأمور الديوان وبالمتجر، وقد حج في سنة ست وثمانمائة، مات في جمادى الآخرة، وكان كثير السكون، وفي لسانه لثغة قبيحة، وعمر دارا هائلة بقرب الجامع أخذ فيها أملاك الناس، فقدر أنها آل نظرها إلى بيت زوجته التي كانت زوجاً لأزبك - الدوادار - فباعتها بأبخس ثمن وهو ألف دينار في سنة إحدى وأربعين، وذكر لي كمال الدين كاتب السر في سنة خمس وأربعين أن مصروفها كان أكثر من عشرة آلاف دينار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 قجقار شقطاي أحد الأمراء الصغار، تقدم في دولة المؤيد وقرر رأس نوبة ولده إبراهيم وتوجه رسولاً إلى ملك الططر، وعظم قدره في دولة الأشرف فصار زردكاشا، واستقر بعده فيها أحمد بن الأسود الذي كان دويدارا صغيراً وكان مشكور السيرة كثير الرفق بالفلاحين عارفاً بعمارة الأرض. كمشبغا الجمالي، أحد أمراء الأربعين، كان عاقلاً وقوراً متديناً، واستنابه الناصر فرج في بعض سفراته إلى الشام، ولما كانت دولة المؤيد بطل من الإمرة وولى النظر على الخانقاه بسرياقوس وحمدت سيرته، ومات بحلب بطالاً في سادس ربيع الآخر وجاوز الثمانين. محمد بن أحمد بن علي، الشيخ شمس الدين الرملي المعروف بالشامي، ولد سنة 744، وسمع من أبي الحسن العرضي وتفرد بالرواية عنه بالسماع، وسمع أيضاً من القلانسي وغيره، وسمع من موفق الدين القاضي وتفقه عليه، ولازم صهره ناصر الدين، وناب في الحكم مدة، وكان جلداً قوياً يمشي وقد جاوز الثمانين من بين القصرين إلى الشيخونية ليحضر وظيفة التصوف والدرس، ويلازم دروسه في الطلب يمشي على رجليه ويقضي حوائجه وحوائج الناس بنفسه، ولم يكن ماهراً في العلم ولا متصوناً في الدين ولا متثبتاً في الحكم، وكان على ذهنه ماجريات طريفة، وتعصب على مجد الدين سالم لما عزل من الحكم، وقام مع ابن المغلى قياماً عظيماً حتى كان يخدمه في جميع ما يحتاج إليه حتى في شراء زيت القنديل، يتعاطاه بنفسه، مات في 22 شعبان - سامحه الله -. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 محمد بن أحمد بن موسى بن عبد الله، الشيخ شمس الدين الكفيري العجلوني الأصل الدمشقي، ولد في العشر الأول من شوال سنة 757، وحفظ التنبيه، وأخذ من ابن قاضي شهبة وغيره، ولازم الشيخ شمس الدين الغزي مدة طويلة واشتهر بحفظ الفروع وكتب بخطه الكثير نسخاً لنفسه ولغيره، وناب في الحكم وولى بعض التداريس، وحج مراراً وجاور، وولى مرة قضاء الركب، وجمع شرحاً على البخارى في ست مجلدات وكان قد لخص شرح ابن الملقن وشرح الكرماني ثم جمع بينهما، نقلت ترجمته من ابن قاضي شهبة ونقلت من خط غيره أنه أجاز له محمد بن أحمد المنبجي ويوسف بن محمد الصريفي، وأنه سمع على ابن أميلة وابن أبي عمر وابن قواليح وابن المحب وابن عوض والعماد وابن السراج وابن الفصيح وغيرهم وأنه صنف عين النبيه في شرح التنبيه واختصر الروض للسهيلي فسماه زهر الروض، وكان لا يعرف شيئاً من العلوم سوى الفقه، وينظم ولا يعرف العروض، وكان كثير التلون، مات في 13 المحرم. محمد بن حسين، شمس الدين التروجي المالكي، اشتغل وتعاني النظم فقال الشعر الحسن فأكثر، مات تحت الهدم في تاسع عشر صفر عن ستين سنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 محمد بن عبد الدائم بن عيسى بن فارس، البرماوي الشيخ شمس الدين، ولد في نصف ذي القعدة سنة 763، وكان اسم والده فارساً فغيره البرماوي، وتفقه وهو شاب، وسمع من إبراهيم بن إسحاق الآمدي ومن عبد الرحمن بن علي القارئ وغيرهما، وسمع معنا من جماعة من المشايخ، ولازم الشيخ بدر الدين الزركشي وتمهر به، وحضر دروس الشيخ سراج الدين البلقيني وقرأ عليه بعضها وقد سمعت بقراءته على الشيخ مختصر المزني، وأول ما تخرج بقريبه الشيخ مجد الدين إسماعيل وقد عاش بعده، وكان حسن الخط كثير المحفوظ قوى الهمة في شغل الطلبة حسن التودد لطيف الأخلاق ضيق المال كثير الهم بسبب ذلك، ثم اتسع حاله بأخرة، وله منظومات وتصانيف منها شرح العمدة ومنظومة في أسماء رجالها وشرحها وشرح البخارى في أربع مجلدات، وكان غالب عمره خاملاً، ثم ولي نيابة الحكم عن ابن أبي البقاء، وصحب ولده جلال الدين، ثم ناب عن الجلال البلقيني ثم عن الإخنائي، ثم ترك ذلك وأقبل على الإشتغال، وكان للطلبة به نفع وفي كل سنة يتم كتاباً من المختصرات فيأتي على آخره ويعمل له وليمة، ثم استدعاه نجم الدين ابن حجى وكان رافقه في الطلب عند الزركشي فتوجه إلى دمشق، فقرره في وظائف كثيرة واستنابه في الخطابة والحكم ونوه به، فلما مات ولده محمد وكان ولداً نجيبا وحفظ عدة مختصرات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 أسف عليه وكره الإقامة بدمشق، فزوده ابن حجى وكتب له إلى معارفه كتباً أطراه فيها إلى الغاية، فتلقاها أولئك بالقبول واعتقدوا فيه تلك الأوصاف فقاموا معه حد القيام حتى قرروه في مباشرة وظائف الشيخ ولي الدين العراقي نيابة عن حفيده وكانت عند موته قررت باسمه، فباشر الجميع بعد إن كان العراقي قد أوصى أن ينوب عن حفيده في درس الحديث من عينه وكذا في دروس الفقه، وباشر بعض ذلك وقرر الناظر الشرعي على أوقاف المدرسة الجمالية الشيخ ناصر الدين البارنباري أحد المهرة في العلوم في نيابة المشيخة والتدريس، وباشر ذلك مدة مع شدة استحقاقه من أوجه، فلم يلتفت البرماوي لذلك بل لبس للنيابة عن الصغير تشريفاً وباشر الجميع، ولم يرع حق البارنباري مع ظهور استحقاقه فباشر البرماوي ذلك من أثناء سنة تسع وعشرين، إلى أن حج في سنة ثمان وعشرين جاور بمكة سنة تسع وعشرين، فلما حضر أول سنة ثلاثين قرر في تدريس الصلاحية ببيت المقدس عوضاً عن الهروي في آخر المحرم ثم سافر إلي القدس في رجب من هذه السنة فباشرها نحو السنة مع ملازمة الضعف له إلى أن مات، وتفرقت كتبه وتصانيفه شذر مذر - عفا الله تعالى عنه! واستقر في تدريس الصلاحية بعده عز الدين عبد السلام بن داود بن عثمان المقدسي بعناية القاضي بدر الدين بن مزهر كاتب السر، وتأخر سفره إلى ذي القعدة، وكان نزل عن غالب وظائفه بمصر والقاهرة ببذل من المنزول له كتدريس الحديث بالجمالية وتدريس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 الخروبية في الفقه بمصر، استقدمه ابن حجي إلى دمشق سنة إحدى وعشرين، فأجلسه بالجامع يقرئ ويفتي ثم رجع إلى مصر، ثم استقدمه سنة ثلاث وعشرين وفاستنابه في الحكم، وولي إفتاء دار العدل عوضاً عن الشهاب الغزي، ثم ولاه تدريس الرواحية وغيرها عوضاً عن برهان الدين بن خطيب عذراء، وتدريس الأميننية عوضاً عن عز الدين الحسباني، وعكفت عليه الطلبة فأقرأفي جمادى ورجب وشعبان الحاوي في سنة والتنبيه في سنة والمنهاج في سنة. محمد بن يعقوب، البخانسي شمس الدين الدمشقي، ولي حسبة الشام ثم القاهرة في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة وولي وزارة دمشق؛ ومات في ثالث المحرم. محمد بن يوسف بن عبد الرحمن تقي الدين القرشي الدمشقي، ولد سنة نيف وستين، وتعاني المباشرات إلى أن ولاه نوروز الوزارة بدمشق ثم كتابة السر، وولي قضاء طرابلس سنة ست عشرة، ثم رجع إلى دمشق وباشر التوقيع، واستمر ينوب في كتابة السر إلى أن مات، وكان فاضلاً في فنه ساكناً كثير التلاوة منجمعاً عن الناس؛ ثم مات في جمادى الآخرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 محمد بن خطيب قارا، الشيخ شمس الدين، كان متمولاً، ولي قضاء صفد وحماة وغيرهما يتنقل في ذلك، وفي اواخر أمره تنجز مرسوماً من السلطان بوظائف الكفيري ونيابة الحكم بدمشق، وقدمها فوجد الوظائف انقسمت بين أهل الشام، فجمع أطرافه وعزم على السعي في قضاء دمشق، وركب البحر ليحضر بما جمعه إلى القاهرة، فغرق وذهب ماله، وذلك في رجب منها. يشبك بن عبد الله الأمير الكبير الساقي الأعرج الظاهري، اشتراه برقوق وهو شاب، ثم تأمر في اول دولة الناصر، وخرج من القاهرة في كائنة جكم ونوروز ببركة الجيش، فتنقل في تلك السنين في الفتن إلى أن قتل الناصر فصار من فريق نوروز فأرسله إلى قلعة حلب ليحفظها، وكان من إخوة ططر وقد صار من فريق المؤيد، فلم يزل يراسله حتى حضر عند المؤيد، فلما قتل نوروز أراد المؤيد قتل يشبك، فشفع فيه ططر فاعفاه من القتل، وأمر بتسفيره إلى مكة بطالاً، فتوجه إليها ودخل اليمن، ثم سعى له إلى أن عاد إلى القدس فأقام به بطالاً، فلما تمكن ططر من المملكة أمر بإحضاره فوصل إليه وهو بدمشق، وتوجه معه إلى حلب فاقامه في حفظ قلعتها، ثم لما رجع وتسلطن أرسل إليه فحضر فأمره، ثم كان من كبار القائمين بدولة الأشرف وسلطته فرعى له ذلك وأسكنه في القلعة معه، ثم صيره أتابك العساكر بعد قطج، وكان من خيار الامراء محباً في الحق وفي اهل الخير كثير الديانة والعبادة كارهاً لكثير من الامور التي تقع على خلاف مقتضى الشرع، وعك صبيحة موت جانبك فلم يزل يتنقل في المرض إلى أن مات يوم السبت الثالث من جمادى الآخرة، واستقر في الأتابكية بعده جراقطلي نقلاً من نيابة حلب، واستقر نور الدين ابن مفلح على نظر المارستان بعد أن كان نور الدين السفطي قد سعى فيها ليعود إليها، فلم يتم له أمر بعد أن هيئت خلعته وكذا سعى فيها جماعة، فبطل سعيهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة في أولها نقص النيل عن الغاية التي انتهى إليها ذراعاً وثلثي ذراع فإنه كان انتهى إلى عشرين ذراعاً، ثم أسرع في النقص حتى منع السقائين من الملء من الخليج في عاشر الشهر، وصار الماء على ستة عشر ذراعاً وذلك في رابع عشر بابه، فبادر الناس إلى الزراعة واشتغلوا بها، فلما كان في النصف منه وذلك في أواخر بابه وقع برق متوالي من الغروب إلى أن مضت من الليلة هجعة فوقع رعد شديد مزعج فتمادى، ثم أعقبه مر كافواه القرب إلى أن مضى ثلث الليل الأول، فدلفت السقوف من البيوت الكبار فضلاً عن الصغار وسقطت أماكن وانزعج الناس انزعاجاً ما عهد مثله في هذه الازمنة في مثل هذا الوقت، وأصبحت أزقة البلد كالخلجان وكثر الوحل جداً وشراع الناس في تنظيفها، ولم يعهد مثل ذلك بالقاهرة إلا إذا أمطرت مراراً، ووصل الخبر بانها أمطرت بالبهنسا برداً في قدر بيضة الدجاجة والحمامة، وهلك بسبب ذلك من الحيوان شيئ كثير جداً. وفي ربيع الأول شغب الجند على الأستادار ونهبوا بيته بسبب تأخير النفقة، فاحضر السلطان الأستادار فضربه بحضرته ثم خلع عليه واستمر، وأنفق من خزانته شهرين، وعمل المولد السلطاني على العادة في اليوم الخامس عشر، فحضره البلقيني والتفهني وهما معزولان، وجلس القضاة المسفزون على اليمين وجلسنا على اليسار والمشايخ دونهم، واتفق أن السلطان كان صائماً، فلما مد السماط جلس على العادة مع الناس إلى إن فرغوا، فلما دخل وقت المغرب صلوا ثم أحضرت سفرة لطيفة، فاكل هو ومن كان صائماً من القضاة وغيرهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 وفي شهر ربيع الآخر التزم نور الدين الطنبذي كبير التجار بالقاهرة أن يأخذ من السلطان ستين الف دينار ليتجر له فيها ويقوم للأستادار بالربح، وكانت له به عناية لأنه كان صديقه وصديق أبيه من قبله فأجيب لذلك، فشرع في تحكير السكر وأن لا يباع إلا بأمره، ودخل في امور شنيعة وكثر الدعاء عليه، وعورض كثير من أهل الدولة في ذلك ولم يستمر ذلك إلى آخر السنة. وفي ربيع الآخر أمر السلطان نواب القضاة أن لا يحبس أحد على أقل من ألف، وفيه نزل السلطان من القلعة مختفياً إلىالقاهرة فدخل بيت القاضي ناظر الجيش بغتة، فاندهش الرجل وقدم ما تيسر، ثم صحبه بألفي دينار وخيل وبغال وتقدمة، وفي هذا الشهر نودي على الفلوس أن يباع الرطل المنقى منها بثمانية عشر درهماً، ففرح من كان عنده منها حاصل، وحزن من عليه منها دين، لما يقاسمونه من نواب الحكم في إلزامهم إعطاء ذلك بالوزن الاول، وفيه بحث كثير وثبت أن ذلك لا يلزم على الإطلاق بل لا بد من الشروط، واقتضى الحال كتابة مراسيم للشهود أن لا يكتبوا وثيقة في معاملة ولا صداق ولا غيره إلا بأحد النقدين: الذهب أو الفضة، بسبب شدة اختلال أحوال الناس واختلاف أحوال الفلوس التي صارت هي النقد عندهم في عرفهم مع عزة الفلوس وعدمها، كان يكتبون ذلك بالفلوس مع تحققهم أن لا وجود لها، أن لا حقيقة لذلك الإقرار، ثم إذا نودي عليها بأن يزاد سعرها يصير من كتبت له يطالب بذلك الوزن فأجحف ذلك بالناس، فحسمت هذه المادة من هذا التاريخ على يد من وفقه الله لذلك وهو كاتبه، وتمادى الاختلاف بسبب ما كان كتب اولاً، فلم يزل يضمحل بحمد الله تعالى. وفي رجب استقر جلال الدين محمد بن بدر الدين محمد بن مزهر في كتابة السر عوضاً عن أبيه وهو شاب أمرد كثير الخجل والسكون، فباشره معه شرف الدين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 سبط ابن العجمي، وقام معه بأعباء الوظيفة إلى أن انفصل عن قرب، وكوتب الشريف بن عدنان كاتب السر بدمشق فتباطأ في الحضور. وفي يوم الجمعة الثاني من شعبان تأخر اللحم عن المماليك الذين في الطباق يوم الخميس فأصبحوا يوم الجمعة - فصبح منهم بيت الوزير جمع فهجموا عليه بيته الذي بحارة زويلة فكسروا أبوابه ونهبوا ما فيه، وكسرت عدة أواني من الصيني، واستلبوا ثياب النساء والجواري، وأفسدوا رخام منزله، وهرب الوزير في بيت الجيران، ثم ثارت في سادس شعبان بين جماعة من المماليك السلطانية وبين الأمير الكبير جارقطلي، فأرادوا أن يهجموا عليه فاغلقت الأبواب، فأرادوا إحراق الدار فبرز إليهم راكباً، فنكصوا عنه ودخلوا بين القصرين، فوقعت في العوام هجة فأغلقت أبواب المدينة، وأمسك من مماليك الأمير الكبير ثلاثة أنفس فضربوا بحضرة السلطان، فبلغ ذلك الامير الكبير فغضب وسكنت الفتنة، ثم إن السلطان تلطف بالمماليك. وفي اوائل شعبان هجم ساحل الإسكندرية خمسة مراكب من الفرنج فعبثوا، فبادر عبد القادر بن أبي الفرج الأستادار وساق معه جماعة من عرب البحيرة ودخل الإسكندرية، فقويت بهم نفوس أهل الثغر ونكص الفرنج على أعقابهم بعد أن جرح منهم جماعة، وكفى الله المؤمنين القتال. وفي ذي القعدة هرب قنصل الفرنج الجنوية ومن معهم الذين كانوا مقيمين بالإسكندرية، وفي جهتهم لتجار المسلمين أكثر من عشرين ألف دينار، وكانت إقامتهم بالإسكندرية قد طالت حتى أن اكثرهم إنما ولد بها، وكاوا يخرجون في كل يوم بعد عشائهم فيتمشون بالساحل عادة لهم بعد الأكل، فلما كثرت عليهم المظالم التي لم يألفوها رتبوا أمرهم وهربوا في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 بعض المراكب ووجدوا في نواحيهم مركبين حضر من بلادهم فردوهم، فانزعج السلطان والمسلمون لذلك - وكان ما سنذكره. وفي تاسع ذي القعدة كسر الخليج الناصري، وكان النيل وصل في اول يوم من ذي القعدة وهو يوم الجمعة إلى خمسة عشر ذراعاً وشيء، ثم وصل في رابعه إلى تسعة عشر إصبعاً من السادس عشر وتوقف أربعة ايام، فضج الناس وأقبلوا على شراء القمح وغيره خشية استمرار التوقف، فجمع السلطان القضاة والفقراء عنده وقرئ عنده القرآن وابتهلوا بالدعاء واصبح، في اليوم الثامن فركب إلى الآثار فزار ودع وتصدق، فاتفق أنه أوفى في صبيحة ذلك اليوم، وباشر كسر الخليج محمد ولد السلطان. وفي نصف ذي الحجة استقر الشريف شهاب الدين احمد بن علي ابن عدنان الحسني نقيب الأشراف بالشام في كتابة السر بمصر، وألبس خلعة خضراء بطرحة خضراء، وصرف جلال الدين ابن مزهر وكان قد استقر فيها بعد والده، ولم يعهد في الدولة التركية أن وظيفة كاتب السر تمتهن هذا الامتهان بحيث يتولاها شاب صغير وتدور بين ثلاثة في سنة واحدة ولم تكن العادة أن يتولاها إلا من جرب عقله ومعرفته ثم لا ينفصل عنها إلا بالموت غالباً. وفي جمادى الآخرة حاصر ابن قرا يلك مدينة خرت بزت فبلغ ذلك السلطان، فجرد عدة من الامراء والمماليك وأنفق فيهم وارسل إلى المماليك الشامية بالخروج معهم، فإلى أن وصلوا تصالح قرا يلك والنائب بها وتسلمها قرا يلك، فوصل العسكر بعد ذلك إلى الرها، فانتهبوها وقتلوا من أهلها مقتلة عظيمة وافحشوا في ذلك، واسروا ولد قرا يلك وارسلوه إلى القاهرة، واتفق ورود الخبر بذلك يوم وفاء النيل في تاسع ذي القعدة. وفي شوال وعك كاتبه ثم عوفي في ذي القعدة، فاستعرض أهل السجون فصولح من له دين من مال كاتبه، وحصل لجمع كثير من الناس فرح كبير، أما صاحب الدين فلياسه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 من حصول شيء من المسجون، وأما المسجون فلما كان يقاسيه من شدة الحر وغيره من الضيق - فلله الحمد. وفيها نازل إسكندر رسل محمد - ابن قرا يوسف السلطانية وقتل متوليها من جهة شاه رخ ملك الشرق ووقعت بينه وبين إسكندر بن قرا يوسف وقع، فانكسر إسكندر وانهزم إلى الجزيرة وقد تمزق عسكره. وفي هذه السنة غزاه شاه رخ ملك الرق ابن قرا يوسف فأوقع به خارج تبريز، ودخل شاه رخ تبريز فخربها بحيث صارت قاعاً صفصفاً، وجلا أهلها عنها إلى سمرقند؛ وأعقب رحيله عنها جراد عظيم أفسد الزرع كله، وعاثت الاكراد بعده فيمن بقي فما أبقوا لهم شيئاً. وفيها أغار قرا يلك على الرها فنازلها وأخذ قلعة خرت برت، وسلمها لولده، فتوجهت العساكر إليها فحاصروا الرها وبها هابيل بن قرا يلك واسمه عثمان، فلم يزالوا حتى أخذوها ونهبوها، وأفحشوا حتى بلغني لما دخلت حلب أنهم فعلوا فيها شيئاً أشد مما فعل التتر بدمشق من التحريق والتخريب والفساد بالنساء والصبيان وقتل الانفس بالسيف والتحريق - فلله الأمر. وفيها أنقطع جسر زفته فغر البلد وخربت منه عدة دور. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 وفي أول هذه السنة تلفت السلطان إلى المتجر بإغراء الخازندار له، فامر بتجهيز مال إلى جدة ليشتري له وحجر على الفلفل أن يشتري لغيره، وألزم جميع التجار أن لا يتوجه أحد ببضاعة إلى الشام ولا غيرها بل إلى القاهرة ولا يباع إلا بالإسكندرية بعد أن يكتفي السلطان، والزم الفرنج بشراء الفلفل بزيادة خمسين ديناراً عن السعر الواقع، فاشترى الفرنج شيئاً ورجعوا باكثر بضائعهم وما معهم ن النقد إلى بلادهم، فلم يحصل للسلطان مقصوده، وحصل على التجار من البلاء مالا يوصف، وتمادى الامر على ذلك ولا يزداد الأمر في سنة إلا شدة. وفيه حجر على باعة الثياب البعلبكي والموصلي والبغدادي ثم بطل ذلك. وفيه حجر على السكر مدة ثم بطل أيضاً. وفي شهر ربيع الآخر عقد مجلس عند كاتب السر اجتمع فيه القضاة ومشايخ العلم بسبب أن السلطان اشترى من وكيل بيت المال أرضاً ثم وقفها، وثبت ذلك عند الشافعي ونفذه الباقون إلا الحنفي فادعى أن الحكم باطل، واستند إلى أن علم الدين ولد شيخنا البلقيني ذكر له البطلان، ووافقه بعض نواب الحكم من الشافعية المنفصلين، وكان القائم في امر الشراء المذكور ناظر الجيش، فامر كاتب السر أن يستفتي علماء الشافعية في ذلك، فأفتوا بالجواز إلا القمني والعلم، فلما حضروا وقع البحث في ذلك، فرجع القمني وقال: إذا استوفى الحاكم الشروط صح البيع، وكان قبل ذلك كتب بأن البيع لا يصح وأطلق، وأما العلم فاعتل بأنه يلزم من ذلك اتحاد الموجب والعابل وذلك لا يختص كما يتعاطى الجد لحفيده، وأن وكيل بيت المال وكيل السلطان فإذا اشترى السلطان من وكيله فكأنه اشترى من نفسه، وفاته ما صرح به جماعة من العلماء بأن وكيل بيت المال وكيل عن الجهة للمسلمين لا عن خصوص السلطان، وإنما وظيفته ولاية لا نيابة وقد صرح بذلك السبكي وغيره؛ ثم ظفرت بأن ذلك صنع للسلطان صلاح الدين في وقف الصلاحية ببيت المقدس ونقله السبكي في فتاويه، وقال الأذرعي في شرح المنهاج: اغتر بعض الناس بتسميته وكيلاً فقال: إنه ينعزل بموت السلطان، هو غلط، ثم أحضر حكم الدين البلقيني في مثل ذلك وكذلك من قبله أبو البقاء وعز الدين ابن جماعة، فاصر على دعوى البطلان وأصر الحنفي على الامتناع ن التنفيذ اعتماداً على قول المذكور مع قصوره في الفهم ونزارة ما عنده من العلم، ثم حملته العصبية على أن اجتمع بالسلطان وعرفه أن البيع باطل وأن الشافعية راعوا القاضي الشافعي فوافقوه فيما عمل، فأمرهم بالاجتماع عنده فحضروا يوم الاثنين ثامن الشهر المذكور، فبدا الشافعي فسأل الحنفي: لم امتنعت من تنفيذ هذا الحكم؟ فقال: لأن الشافعية قالوا إنه باطل فوقفته على فتاوي الشافعية فاسند الامر للقمني وللعلم فوقفته على فتوى القمني الثانية فقال: هذا لا يعتمد عليه لأنه تناقض، فسئل العلم في المجلس عن مستنده في دعوى البطلان فقال: نص الشافعي في عيون المسائل أن الوالي في رعيته بمنزلة الوصي في مال اليتيم، فسئل ما وجه الدلالة من هذا النص لصورة المسألة، فخلط في جوابه وانتقل فأخرج له نص الشافعي في مختصر المزني بأن المراد بذلك فيما يتعلق برعاية المصلحة للجهتين فكابر، فرد عليه من حضر وقالوا: إذا كان الكلام مطلقاً وذكر له في موضع آخر قيد وجب الحمل عليه وعمل بالخاص، ثم استظهر الشافعي بأن للسلطان أن يقف ما يراه من أراضي بيت المال على من يراه، وأن الوصي ليس له ذلك في مال اليتيم، فدل على أن النص ليس على عمومه، فاستمر على العناد فبان للجماعة قصوره وتعصبه. وأما الحنفي فتبين له أن لا حجة للقمني والعم فأصر على التعصب وقال: لا يجب على التنفيذ وكأنه خشي أن ينفذ في الحال فيقال إنه غلب فجنح إلى هذا العذر، وانفصل المجلس على ذلك؛ وسئل علماء الحنفية عن ذلك فقالوا: بل يجب على الحاكم إذا اتصل به حكم غيره وسأله صاحب الحق التنفيذ أن يفعل، وممن كتب بوجوب ذلك عليه وإثمه إذا لم يفعل التفهني وابن الديري ونظام الدين السيرامي وصدر الدين ابن العمي وعبد السلام البغدادي وكمال الدين ابن الهمام بدر الدين القدسي وأمين الدين الأقصر أي والقاضي المالكي والقاضي الحنبلي، فيما بلغه ذلك استفتى فما إذا حصلت عند العجمي ريبة في الحكم هل يجب عليه أن ينفذه مع الريبة، فطافوا بها فلم يكتب عليها أحد، فأشير عليه بأن يرجع وينفذ، فآل الأمر إلى أن نفذ الحكم بعد ذلك في السادس عشر من الشهر المذكور. وفي اواخر شهر ربيع الآخر قدم فيروزمن المدينة وخلع عليه بعد أيام وعاد إلى مكانه، وزاد تمكناً بحيث اقتصر السلطان من القدماء عليه وعلى التاج الوالي وولي الدين ابن قاسم وأحمد الأحدب الشامي ومراد العجمي - هؤلاء قدماء الحضرى، ومن طرأ عليهم من غيرهم مقتوه إلىأن يخرجوه. وفي يوم الاثنين مستهل جمادى الآخرة استقر شهاب الدين أحمد ابن محمد بن صلاح المعروف بابن المحمرة وبابن السمسار في قضاء الشام عوضاً عن أبي البقاء ابن حجي، وبقيت بيده مشيخة سعيد السعداء وتدريس الشيخونية وغير ذلك من جهاته بالقاهرة، فاستناب فيها وسافر في رجب وكان السلطان طلب العلم البلقيني وفوض إليه قضاء الشام فامتنع وقال: أنااوثر به وجه السلطان في هذا الشهر مرة علىهذا، فقال له: قد بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلىاليمن فلم بعتذر بمثل هذاّ فتعجب من حضر من استحضاره هذه القصة المناسبة، ولم يؤثر ذلك في العلم لشوقه إلى العود بالقاهرة، فلما استقر ابن المحمرة أرسل له السلطان محقة وأذن له أن يستنيب في وظائفه بالقاهرة. وفه استقر جمال الدين يوسف ابن الصفي الكركي في نظر الجيش بدمشق عوضاً عن الشريق شهاب الدين، واستقر شمس الدين محمد بن علي بن عمر الصفدي في قضاء الحنفية بدمشق عوضاً عن القاضي شهاب الدين ابن الكشك نقلاً من القضاء بطرابلس، واستقر في قضاء طرابلس ولد الصفدي المذكور. وفي ليلة الخميس ثاني عشر جمادى الآخرة هبت ريح بالتراب برقة الأهواء، فأثارت منه ما ملأ البيوت وكاد الناس يهلكون من الغم وأصبح الجو أصفر. وفي ليلة النصف خسف القمر ولم يشعر به أكثر الناس. وفي ثالث شعبان استقر نظام الدين عمر بن القاضي تقي الدين إبراهيم ابن الشيخ شمس الدين محمد بن مفلح في قضاء الحنابلة بدمشق عوضاً عن القاضي شهاب الدين ابن الحبال، وكان ابن الحبال قد ضعف بصره حتى قيل إنه عمي وقوي صمعه وضعفت قوته، فلما استقر نظام الدين وبلغه ذلك تحول إلى بلده طرابلس، فأقام بها إلى أن مات في السنة المقبلة. وفي شعبان هجم جماعة من المماليك بيت الوزير فنهبوا، وكانت كائنة شنيعة؛ وفيه اشتد فساد المماليك الجلب وأفسدوا حتى منع السلطان الناس عن العمل إلا عن أمره إشفاقاً عليه، وسار الامراء إلى خرت برت فأوقعوا بمن فيها. وفيه وقع الوباء بدرندا. وفيه قدم نائب الشام سودون من عبد الرحمن وقدم معه كاتب السر ابن البارزي ثم رجعا على وظيفتيهما، وسار بعدهم العسكر المجهز إلى البلاد الحلبية وهم: الحاجب الكبير والدويدار الكبير وغيرهما، ومعهم من الطبلخانات والعشراوات جماعة ومن المماليك السلطانية أربعمائة نفس، فوصلوا إلى حلب وأقاموا بها لحفظها من التركمان، ثم وقعت لهم مع التركمان وقعة قتل فيها ولد لقرايلك صاحب تلك البلاد، وصادف وصول الخبر بذلك يوم وفاء النيل، فحصل للناس بذلك بشران، وشاع أن قرا يلك مات ثم تبين كذب الإشاعة. وفيها قدم بيرم التركماني صاحب هيت فاراً من أصبهان من قرا يوسف، فأكرمه السلطان واجرى له راتباً ثم أقطعه ناحية من الفيوم. وفيها في رجب استقر سودون من عبد الرحمن أتابك العساكر نقلاً من نيابة الشام، واستقر في نيابة الشام جارقطلي عوضاً عنه. ذكر من مات في سنة 832 من الاعيان أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب، المرشدي المكي أخو محمد وعبد الواحد، ولد سنة ستين وسبعمائة، وسمع من عبد الرحمن بن عل التغلبي ابن القارئ جرء ابن الطلابة أنا الأبرقوهي، ومن محمد بن أحمد بن عبد المعطي صحيح ابن حبان أنا الرضي والصفي الطبريان، ومن عبد الله بن أسعد اليافعي صحيح البخاري، ومن عز الدين ابن جماعة من مناسكه الكبرى - ومن غيرهم، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 وأجاز له الصلاح ابن أبي عمر وابن أميلة وابن هبل وابن قواليح وأبو البقاء السبكي وآخرون، وحدث؛ ومات بمكة يوم الخميس رابع ذي القعدة، وقد حدث قبل موته بسنة بشرح السنة لبغوي بإجازة من بعض شيوخه، ومن قبل موته بشهر بالشمائل بإجازته من الصلاح المذكور. أحمد بن عمر بن أحمد بن عيسى، الشاب التائب شهاب الدين المصري الشاذلي، نزيل دمشق، ولد في ذي الحجة سنة سبع وستين، واشتغل بالفقه قليلاً، وتعاني المواعيد فمهر فيها، وكان يلقي من حفظة عنان، وطاف البلاد في ذلك فدخل اليمن مرتين ثم العراق مراراً ودخل حصن كيفا وكثيرا من بلاد الشرق وأقام بدمشق مدة وحج مراراً، وكان فصيحاً ذكياً يحفظ شيئاً كثيراً، وله رواج زائد عند العوام، وبنى عدة زوايا بالبلاد؛ مات في رجب. برسبغا الجلباني، تقدم في أيام الناصر فرج بواسطة عبد اللطيف الطواشي وكان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 يخدمه، واستقر في الدويدارية، وكان فصيحاً عارفاً لا يظن من عرفه إلا أنه من أولاد الناس، وكان نفي في الدولة المؤيدية إلى القدس، ثم أعيد في الدولة الأشرفيةوباشر الدوالب السلطانية بالصعيد؛ مات في شهر رجب. خشرم بن دوغان بن جعفربن هبة الله بن جماز بن منصور بن جماز مع رفيقه كما ذكرنا في عجلان. رابعة بنتي زوج شيخ الشيوخ محب الدين ابن الأشقر ماتت وكان مولدها في رجب سنة إحدى عشرة، وكانت قد تأهلت بشهاب الدين ابن مكنون قبله، وسمعت معي في سنة خمس عشرة من الشيخ زين الدين ابن حسين بمكة، وأجاز لها جمع كثيرمن أهل مصر والشام - عوضها الله الجنة. سعد الآمدي سعد الدين، نزل بطرابلس وشغل الناس في الحاوي، ولم يكن مشكوراً في دينه؛ مات في جمادى منها. عبد المعطي زين الدين الكوم الريشي الحنفي، مات في هذه السنة - وقد تقدم خبره في حوادث سنة عشر وثمانمائة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 عجلان بن نعير بن منصور بن جماز بن شيحة بن قاسم، العلوي الحسيني، أمير المدينة، قبض عليه في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة فسجن ببرج في القلعة، ثم أفرج عنه بمنام رآه القاضي عز الدين عبد العزيز بن علي الحنبلي فقصه على المؤيد، وأمر بالإفراج عنه في ذي الحجة. وقتل فيها ايضاً قريبه خشرم بن دوغان بن جعفر بن هبة الله ابن جماز بن منصور. علي بن حسين بن علي، الحاضري نور الدين، ولد في جمادى الأولىسنة 755، واشتغل وباشر عدة وظائف سلطانية، وكان كثير التودد طلق الوجه حسن العشرة، وكان في دولة منطاش قد أهين ونفي، ثم عظم لما عاد الظاهر وتولى ابن أخيه بيبرس الدويدارية؛ مات في العشرين من شعبان وقد شاخ ورق حاله. علي بن محمد بن يوسف، التوريزي نور الدين، كان أبوه من كبار التجار ونشأ هو في كنفه، ثم مات أبوه واشتهر بالتجارة أخواه الجمال محمد والفخر أبو بكر، وتعاني هذا السفر إلى بلاد الحبشة والتجارة بها فشهر بذلك، وصارت له عندهم منزلة وصورة كبيرة ووجاهة، وصارت كلمته عندهم مقبولة لقيامه في خدمتهم بما يرومونه من النفائس التي يحضرها لهم من القاهرة وغيرها، فلما أكثر من ذلك نقم عليه بعض الناس موالاته للكفار الحبشة ونسبوه إلى شراء السلاح لهم والخيول، وعثر عليه مرة بشيء من ذلك في الدولة المؤيدية، فاستتيب وأقسم أنه لا يعود، فلما كان في أثناء العام الماضي زعم بعض من يتعصب عليه أنه توجه رسولاً من ملك الحبشى إلىملك الفرنج يستحثه على المسلمين، وهذا عندي لا يقبل لأن معتقد الطائفتين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 مختلف، ويقال إنه دخل بلاد الفرنج بسبب تحصيل صليب عندهم بلغ أمره ملك الحبشة فاحب أنيراه، ولما شاع ذلك عنه خشي عى نفسه في مكان بالقرب من الخانقاه الناصرية بسرياقوس، فنم عليه عبد السلام الجبرتي ووشى به إلى السلطان فامر والي القاهرة فقبض عليه، فوجد معه امتعة من ملابس الفرنج وشيئاًمن سلاح وناقوسين من ذهب وكتاب فيه مراسلة من صاحب الحبشة يستدعي منه أشياء يصوغها من صلبان ونواقيس ويحضه على أن يشتري له مسماراً من المسامير التي سمر بها المسيح بزعمهم، والكتاب كله بالحبشية فعرب فحبس، ثم عقد له مجلس ففوض السلطان أمره للمالكي وذلك في حادي عشر جمادى الأولى، فتسلمه المالكي، وسمع عليه الدعوى فأنكر، فشهد عليه صدر الدين ابن العجمي، والشيخ نصر الله وآخرون وشهد أكثرهم بالاستفاضة، فأعذر إليه فيمن شهد عليه، فادعى عداوة بعضهم وأعذر لبعضهم، فحم بقتله بشهادة من أعذر لهم، فضربت عنقه بين القصرين تاسع عشر الشهر المذكور وهو يعلن بالشهادتين وقراءة القرآن ويتبرأ من كل دين يخالف دين الإسلام، فتسلمه أهله فغسلوه وصلوا عليه ودفن، ثم بعد أيام أعاد السلطان لأهله ماكان وجد له بين لأكثر الناس أنه مظلوم، وذكر لي خادمي فاتن الطواشي الحبشي - وكان على هذا هو الذي جلبه من بلاد الحبشة - أنه كان ببلاد الحبشة يواظب على الصلاة والتلاوة، ويؤدب من لم يصل من أتباعه، وعنده فقيه يقرئ أولاده واتباعه القرآن، وللمسلمين به نفع، وهم به في بلاد الحبشة في إكرام واحترام؛ ولم يمتع منشهد عليه بل لحق به بعد قليل كما سيأتي - والله أعلم بغيبه. علي بن محمد بن الصفي، علاء الدين بن صدر الدين بن صفي الدين الأردبيلي، شيخ الصوفية بالعراق، قدم دمشق سنة ثلاثين ومعه أتباع فحج وجاور، ثم قدم دمشق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 ولده ومعه جمع كثير، وذكروا أن له ولوالده بتلك البلاد اكثر من مائة ألف مريد؛ ومات علاء الدين المذكور بعد رجوعه من الحج ودخوله بيت المقدس في شهر ربيع الآخر. علي السفطي نور الدين، كان يتعاني الشهادة عند الامراء، وباشر نظر المارستان مدة، ثم ولي وكالة بيت المال والكسوة؛ ومات في اواخر جمادى الآخرة وقد جاوزالخمسين. محمد بن إبراهيم بن أحمد، الشيخ شمس الدين الصوفي، ناظر المارستان، ولد سنة تسع وأربعين واشتغل بالعلم، وأحب المذهب الظاهري والانتماء إلى الحديث، ورافق برهان الدين ابن البرهان لما دخل بغداد، ثم اتصل بالملك الظاهر برقوق وقام معه لما عاد إلى السلطنة، فرعى له ذلك وولاه نظر المارستان، ثم خشي منه فاستأذنه في الحج وتوجه فدخل اليمن وجال فيالبلاد، ثم عاد بعد موت الظاهر بمدة فأقام بالقاهرة منجمعاً، وكان يرجع إلى دين وتعبد، وعمي مدة إلى أن مات في مسجد بالكافوري في ليلة الثلاثاء ثالث عشر المحرم منها. محمد بن إبراهيم بن عبد الله، الشيخ شمس الدين الشطنوفي الشافعي ولد بعدالخمسين وقدم القاهرة شاباً، واشتغ لميرزق الإسناد العالي بل كان عنده عن التقى الواسطي ونحوه، واشتغل بالفقه ومهر في العربية، وتصدر بالجامع الطولوني في القراآت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 وفي الحديث بالشيخونية، وانتفع به الطلبة لاتصابه لشغلهم متبرعاً بالجامع الازهر، وكان كثير التواضع مشكور السيرة؛ مات في ليلة الاثنين سادس عشري ربيع الأول بعد علة طويلة. محمد بن أحمد بن علي، الحافظ تقي الدين أبو الطيب الفاسي ثم المكي المالكي، مفيد البلاد الحجازية وعالمها، ولد سنة خمس وسبعين وسبعمائة وأجاز له بإفادة الشيخ نجم الدين المرجاني ابن عوض وابن السلار وابن المحب وجماعة من الدماشقة، وعني بالحديث فسمع بعد التسعين من جماعة ببلده، ورحل إلى القاهرة والشام مراراً، وولي قضاء بلده للمالكية، وهو أول مالكي ولي القضاء بها استقلالاً، وصنف أخبار مكة وأخبار ولاتها وأخبار من احتل بها من أهلها وغيرهم عدة مصنفات طوال وقصار، وذيل على العبر للذهبي وعلى التقييد لابن نقطة، وعمل الاربعين المتباينة وفهرس مروياته، وكان لطيف الذات حسن الاخلاق عارفاً بالامور الدينية والدنيوية، له غور ودهاء وتجربة وحسن عشرة وحلاوة لسان، ويجلب القلوب بحسن عبارته ولطيف إشارته، رافقين في السماع كثيراً بمصر والشام واليمن وغيرها، وكنت أوده وأعظمه وأقوم معه في مهماته، ولقد ساءني موته وأسفت على فقد مثله - فلله الامر! وكان قد أصيب ببصره وله في ذلك اخبرا، ومكن من قدحه فما أطاق ذلك ولا أفاده؛ ومات في رابع شوال. محمد بن سعيد، الصالحي، شمس الدين، نسبة للصالح صالح بن الناصر، وكان سعيد مولى بشير الجمدار وبشير مولى الصالح فنسب شمس الدين لمولى مولاه، وكان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 أحد القراء في الجوق بالنغم، ويلقب سويدان، وهو آخر الحلبة الأولى من تلامذة الشيخ خليل المشبب وممن قرا مع الزرزاي وابن الطباخ، وقد حظي في أيام الناصر فرج، وولي حسبة القاهرة مراراً وقد جاوز السبعين، وكانت بيده مشيخة العلانية وإمامة القصر وغير ذلك؛ مات في يوم الاثنين صفر. محمد بن عبد الله بن حسين، المعروف بابن المواز شمس الدين، اشتغل كثيراً ونزل في بعض المدارس، وكان يؤدب أولاد أبي هريرة ابن النقاش، الغالب عليه الانجماع؛ ومات فجأة يوم الأحد في ربيع الأول. محمد بن عبد الله، شمس الدين الزفتاوي الملقب فت فت، كان يكتسب بالشهادة ثم عمل التوقيع وتقدم في ذلك وأقرأ أولاد بعض الرؤساء وكان ينوب في الحكم في بعض المراكز، وكان كثير التلاوة، خيراً، سليم الباطن، أكمل الثمانين. محمد بن عبد الوهاب بن محمد، الشيخ ناصر الدين البارنباري الشافعي، ولد قبيل السبعين بيسير، وقد قدم القاهرة فاشتغل ومهر في الفقه والعربية والحساب والعروض وغير ذلك، وتصدر بالجامع الأزهر احتساباً، وكان من خيار الناس، ودرس وخطب وأفتى، واقرأ مدة بالقاهرة ودمياط وقد ذكرت ما جرى له مع شمس الدين البرماوي في السنة الماضية، وأصاب ناصر الدين عقب ذلك فالج أبطل نصفه، واستمر به موعوكاً إلى أن مات في ليلة الأحد حادي عشر شهر ربيع الأول وقدناف علىالسبعين. محمد ويدعى الخضر بن علي بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم، النويري الشافعي، ولد في ربيع الآخر سنة 762، وتفقه قليلاً، واسمع على العز ابن جامعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 وابن حبيب وابن عبد المعطي والاميوطي ومن بعدهم، وأجاز له البهاء ابن خليل والجمال الأسنوي وأبو البقاء السكي وغيرهم، وناب في الحكم عن قريبه عز الدين بن محب الدين ابن ابي الفضل، وولي قضاء المدينة مدة يسيرة ولم يصل إليها بل استناب ابن المطري وصرف، وكان ضخماً جداً؛ مات في رابع عشر ذي الحجة وقد دخل السبعين، وانصلح بأخرة، وهو والد أبي اليمن خطيب الحرم. محمد بن بدر الدين محمد بن أحمد بن مزهر، الدمشقي بدر الدين، ولد سنة 786، ونشا في كنف ابيه ثم مات أبوه عنه وهو صغير، فكفله زوج أخته محي الدين أحمد المدني، وتولى التوقيع عنده لما ولي كتابة السر بدمشق، فاتصل بالمؤيد وخدمه وقدم.. ثم سلمه إلى نائب القلعة يشبك بن أزدمر فحبسه عنده وضيق عليه إلى أن وقع الإفراج عنه بعد قتل الناصر، فقدم مع التجريدة إلى القاهرة، فولي نظر الإصطبل، وباشر توقيع الدست مع البازري، ثم صار نائب كاتب السر في مباشرة ولده فمن بعده إلى أن استقر فيها استقلالاً فكانت مدته في ذلك نيابة واستقلالاً نحو تسع سنين، لأنه باشر ذلك عقب وفاة ناصر الدين ابن البازري في ثامن شوال سمة ثلاث وعشرين، وباشر في غضونها نظر الجيش نيابة عن ناظر الجيش لما حج في سنة ست وعشرين، وكان فصيحاً مفوهاً عارفاً بالامور الدنيوية عرياً عن معرفة الأمور الأخروية، إنماهمه الاعظم تحصيل الدرهم ولو كان فلوساً، حتى حصل في هذه المدة ما يزيد على مائتي ألف دينار تمزقت بعده، وبقي منها ما اشتراه من العقار فإنه بقي لذريته، وكان ابتدأ مرضه في اول ربيع الآخر حصلت له ذبحة في حلقه فصار ينفث الدم قليلاً، ولم ينقطع عن الركوب إلى الحادي والعشرين من الشهرالمذكور، فحصل له الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 رعاف كثير حتى أفرط فانقطع بسببه، ولازمه الاطباء وأكثروا له من الحقن والأدوية إلى أن استفرغوا قوته كلها مع ما يخرج من أنفه من الدم، ثم تنوعت به الأمراض من القولنج وغيره إلى أن مات في ليلة الأحد اثنتين وعشرين جمادى الآخرة عن نحو الخمسين، واشيع بأنه سم وكان هو يلوح بذلك، ولم يغب ذهنه في طول مرضه، وحرص مراراً على أن يوصي ببر أو صدقة أو خلاص ذمة فلم يقدر له ذلك ومات باحماله لم يحط عنه منها شيء إلا أن كان اغتيل فإن في ذلك كفارة كبيرة، وكثر الثناء السيء عليه بعد موته بسوء معاملته وطمعه - والله يسمح له! فلقد كان يقوم في الحق أحياناً، وله بر وصلة وصدقة لبعض الناس ومحبة في الصالحين ومروءة وعصبية لاصحابه - رحمه الله تعالى! واستقر بعده في كتابة السر ولده جلال الدين.. محمد ولقب بلقب أبيه بدر الدين ولم يستمر ذلك، وخلع على شرف الدين سبط ابن العجمي بنيابة كتابة السر، وتلقى الامور عن جلال الدين لصغر سنه، ويقال إنه أخذ لأجل ذلك من مال أبيه مائة ألف دينار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة في المحرم استقر الوزير كريم الدين ابن كاتب المناخات في نظر الديوان المفرد مضافاً للوزارة، وفيه أمطرت في حمص ضفادع خضراء امتلأ منها الأزقة والأسطحة ووصل الخبر بذلك. وفيه شغب الجند المماليك فزيد في أرزاقهم كل واحد أربعمائة فسكنوا. وفيها رجع إسكندر بن قرا يوسف إلى تبرير فملكها بعد رحيل شاه رخ، ووقع لها الغلاء المفرط حتى أكلوا الكلاب. وفي شوال أغار على قرقماس بنحسين بن نعير على ابن عمه مدلج ابن علي بن نعير، فانهزم قرقماس ودخل مدلج ومن معه بيوت قرقماس فنهبوها، فكر عليهم قرقماس بمن معه فقتل مدلج، وذلك في ذي القعدة وعمره نحو العشرين سنة، فقدم سليمان بن عذراء إلى القاهرة فأمره الأشرف على العرب عوضاً عن عمه مدلج فوصل إلى حلب في سادس ذي القعدة، وورد على يده مثال للأمراء المجردين أن يتوجهوا مع نائب حلب ليقبضوا على قرقماس، فبلغ ذلك قرقماس فأرسل يطلب الأمان، فورد المثال السلطاني بطرده عن البلاد، فتوجهوا الجميع من حلب يوم الجمعة سابع ذي القعدة وقرقماس يومئذ محاصر مدينة جعبر، فأسرعوا السير فادركوه وهو على المهد تجاه جعبر على شاطئ الفرات، فلما رآهم ركب وانهزم فركبوا في إثره وتشاغل بعض العرب الذين معهم والعسكر بالنهب، واستمر العسكر ف إثر قرقماس فأبعد عنهم وقد تعبت خيولهم وغلمانهم، فكر فيهم قرقماس ومن معه فقتلوا الدشاري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 وكان على الساقة وأخذوا غالب الخيول التي وقفت والتي وجدوها، وقتل من العسكر جماعة في تلك الوقعة ونهبت بعض خيامهم وأثقالهم ورجعوا إلى العرب في إثرهم يتخطفونهم، ولما تحقق قرقماس رجوعهم خشي عاقبتهم فتوجه إلى جهة الشرف، فدخل الامراء إلى حلب سابع عشر ذي القعدة وقد نهب من أثقالهم وخيولهم وسلاحهم شيء كثير جداً. وفيها ورد كتاب شاه رخ ملك الشرق يستدعي من الأرف هدايا منها كتاب في العلم منها فتح الباري بشرح البخاري لابن حجر فجهزت له ثلاث مجلدات من أوائل الكتاب، ثم عاد طلبه في سنة تسع وثلاثين فلم يتفق تتمة الكتاب. وفيها نقض عبد الواحد بن أبي حمو بيعة أبي فارس صاحب تونس، فجهز أبو فارس إليه ابن أخيه ابن الركاعنة، فظفر بعبد الواحد عمه فقتله واستقر في مملكة تلمسان في ذي القعدة منها. وفيها مات أزبك الدويدار وكان قد نفي إلى القدس بطالاً في شهر بيع الأول منها بعد ضعف طويل. وفي مستهل جمادى الأولى سافرالناس إلى مكة ليجاوروا بها صحبة سعد الدين ابن المراة وكان استقر ناظراً على مكس البهار الوارد عليه في جدة. وفيها أوقع قرا يلك بملطية وماردين، وساق بعد ذلك إلى البلاد الحلبية حتى وصل عينتاب يعيث وينهب. وفيها هلك صاحب الحبشة إسحاق بن داود بن سيف أرغد الحبشي الأمخري في ذي القعدة، وأقيم بعده ولده أندراس بن إسحاق فملك أربعة أشهر، وأقيم عمه خرنباي بن داود فتملك سبعة أشهر ثم هلك، فأقيم سلمون ين إسحاق بن داود المذكور فهلك سريعاً، فأقيم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 بعده صبي صغير إلى أن هلك في الطاعون الذي كان عندهم سنة تسع وثلاثين - فذكرت ذلك هنا تحصيلاً للفائدة، وكانت ولاية إسحاق إحدى وعشرين سنة منذ مات أبوه. وفي زمانه حصرت دولته بعد أن كانت همجاء، وكان أبوه يركب وهو عريان كزي بقية الحبشة فصار هذا يركب في الملابس الفاخرة وشعار الملك، والسبب فيه أن قبطياً كابتاً كان يقال له فخر الدولة فر من حادث حدث له فدخل بلاد الحبشة بكتاب البترك، فحظي عند إسحاق ورتب له أمور المملكة وجبي الأموال، وصادف دخول أمير من الجراكسة يقال له الطنبغا معزق وكان يعرف أنواع العمل بالسلاح والفروسية فعلم جماعة منهم رمي النشاب والطعن بالرمح والضرب بالسيف، وكانوا لا يعرفون القتال إلا بالحراب، وعمل له زردخاناة ملأها بجميع آلات السلاح مما كان يجله له التجار الذين يترددون إلى بلاده خصوصاً على التوريزي الذي ذكرنا قتله قبل ذلك وقد ذكرت خبره فيما مضى. وفي المحرم جهز أو فارس عسكراً في البحر إلى جزيرة صقلية فنازلوا أولاً مازر فأخذوها عنوة وحصروا مألقة فانهزم من جملة الجند العلوج واخذ، فانهزم بهزيمته جماعة واستشهد بعض الأعيان، ثم تراجعوا وقبضوا على العلج وبعثوه إلى أبي فارس فأمدهم بجيش. وفيها كان الغلاء الشديد بحلب ودمشق والطاعون بدمشق وحمص. وفي يوم الخميس سادس عشري صفر صرف كاتبه والعيني عن وظيفة الحكم، واستقر فيها التفهني والبلقيني، واستقر صدر الدين ابن العجمي في مشيخة الشيخونية عوض التفهني، وشرط على الشافعي عشرة نواب، وللحنفي ثمانية، وللمالكي ستة، وللحنبلي أربعة؛ ولا يولى أحد من غير مذهبه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 وفيها حجر المحتسب اينال الششماني على جلاب القمح من البيع وشغل الطحانين جميعهم بشراء القمح من شؤن السلطان، واستمر على ذلك مدة فكثرت الغلال من الجلابة فانحط السعر كثيراً - ولله الحمد. وفي الرابع من ربيع الآخر يوم الأربعاء صرف اينال الششماني من الحسبة وأعيد العني إليها. وفي التاسع منه أمر بإحضار نائب الإسكندرية الامير آقبغا التمرازي، وقرر في نيابتها شهاب الدين أحمد الدوادار المعروف بالاسود ابن الأقطع. وفي خامس عشريه استقر آقبغا الجمالي عوضاً عن عبد القادر بن أبي الفرج في وظيفة الأستادارية، لكونه كان التزم بحمل مائة ألف دينار بعد التكفية، ثم لما تمادى الحال عجز فآل أمره إلى الإهانة كما سياتي ذكره، وسلم عبد القادر وألزمه لآقبغا، ثم أفرج عنهم على مال. وفي رجب مات ياقوت، ويلقب فخر الدين الحبشي مقدم المماليك، واستقر عوضه نائبه فيها خشقدم الرومي اليشبكي - وكان من مماليك يشك واشتهر في أيام المؤيد وترقى وعرف بالحرية. وفي رجب أيضاً قدم تغري بردى المحمودي من دمياط، فامر أن يتوجه إلى دمشق أميراً كبيراً. وفي ذي القعدة أضيفت وظيفة الأستادارية الكبرى للوزير فباشرهما معاً. وقبض على آقبغا الجمالي وعوقب، ثم افرج عنه وولي كشف الجسور في أواخر السنة. وفي ثامن عشرة ركب السلطان إلى مصر، ثم ركب النيل إلى المقياس وخلقه، وفتح الخليج الناصري بحضرته، وهي اول سنة فعل فيها ذلك بنفسه. وفي ذي القعدة ظهر للحاج من جهة البحر كوكب يرتفع ويعظم ويرتفع منه شرر كبار، فلما أصبحوا اشتد عليهم الحر فهلك من المشاة عالم كثير، وتلف من جمالهم وحميرهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 كثير - واشتهر أمر الطاعون في الوجه البحري فيقال مات بالمحلة خمسة آلاف نفس وبالبحرارية تسعة آلاف، ومات في الإسكندرية في كل يوم مائة وخمسون إلى غير ذلك، وعد هذا من النوادر لأنه وقع في قوة الشتاء وكان قبل ذلك قد فشا في برصا وغيرها من بلاد الروم حتى بلغ عدد من يموت في اليوم زيادة على الألف على ما قيل، فلما استهل ربيع الآخر كان عدة من يموت بالقاهرة اثنتي عشرة نفساً، وفي آخره قاربوا الخمسين. وفي أول يوم من جمادى الأولى بلغوا مائة، فنودي في الناس بصيام ثلاثة ايام وبالتوبة وبالخروج إلى الصحراء في اليوم الرابع، وخرج الشريف كاتب السر والقاضي الشافعي وجمع كثير من بياض الناس وعوامهم، فضجوا وبكوا ودعوا وانصرفوا قبل الظهر، فكثر فيهم الموت أضعاف ما كان وبلغ في اليوم ثلاثمائة بالقاهرة خاصة سوى من لا يرد الديوان؛ ووجد بالنيل والبرك شيء كثير من الاسماك والتماسيح موتى طافية، وكذا وجد في البرية عدة من الظباء والذئاب. ومما وقع فيه من النوادر أن مركباً ركب فيها أربعون نفساً قصدوا الصعيد، فما وصلت إلى الميمون حتى مات الجميع؛ وان ثمانية عشر صياداً اجتمعوا في مكان، فمات منهم في يوم واحد أربعة عشر فجهزهم الأربعة، فمات منهم وهم مشاة ثلاثى، فلما وصل الآخر بهم إلى المقبرة مات؛ وبلغ في سلخ جمادى الأولى إلى ألف وثمانمائة. وفي رابع جمادى الأولى بلغت عدة الموتى بالقاهرة خاصة في اليوم ألف نفس ومائتي نفس، ووقع الموت في مماليك السلطان حتى زاد في اليوم على خمسين نفساًمنهم، وانتهى عدد من صلى عليه في اليوم خمسمائة وخمسين نفساً، وضبط جميع المصليات في يوم فبلغت ألفي نفس ومائتين وستاً وأربعين نفساً، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 ووقع الموت في السودان بالقرافة إلى أن مات منهم ماتحو ثلاثة آلاف، وعز وجود حمالي الموتى وغساليهم ومن يحفر القبور حتى عملوا حفائر كباراً كانوا يلقون فيها الأموات، وسرق كثير من الأكفان، ونبشت الكلاب كثيراً فأكلتهم من أطراف الأموات، ووصل في الكثرة حتى شاهدت النعوش من مصلى المؤمني إلى باب القرافة كأنها الرخم البيض تحوم على القتلى، وأما الشوارع فكانت فيها كالقطارات يتلو بعضها بعضاً. وفي جمادى الأولى وعك يوسف ولد السلطان فتصدق عنه بوزنه فضة. وفي نصف جمادى الآخرة جمع الشريف كاتب السر أربعين شريفاً اسم كل منهم محمد وفرق فيهم مالاً، فقرأ بعد صلاة الجمعة بالجامع الازهر ما تيسر من القرآن، فلما أن قرب العصر قاموا فدعوا وضجوا. وكثر الناس معهم في ذلك إلى أن صعد الأربعون إلى السطح فأذنوا العصر جميعاً وانفضوا، وكان بعض العجم قال للشريف إن هذا يدفع الطاعون، ففعل ذلك فما ازداد الطاعون إلا كثرة حت دخل رجب، فلما دخل رجل تناقص؛ قرأت بخط قاضي الحنابلة محب الدين أن شخصاً يقال له على الحريري كان له أربعة مراكب فيها مائة نفر وعشرون نفراً ماتوا كلهم بالطاعون إلا واحداً، ولما اشتد الامر بالطاعون أمر السلطان باستفتاء العلماء عن نازلة الطاعون هل يشرع الاجتماع للدعاء برفعه أو يشرع القنوت له في الصلوات؟ وما الذي وقع للعلماء في الزمن الماضي؟ فكتبوا الأجوبة وتشعبت آراؤهم وتحصل منها على انه يشرع الدعاء والتضرع والتوبة، وتقدم قبل ذلك التوبة، والخروج من المظالم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانهم لا يستحضرون عن أحد من السلف أنهم اجتمعوا لذلك إلا أن الاجتماع أرجى للإجابة؛ وأجاب الشافعي بجواز القنوت، لأنها نازلة وقد صرح الشافعية بمشروعية القنوت في النوازل، وأجاب الحنفي والمالكي بالمنع، واجاب الحنبلي بأن عندهم روايتين ومن جوزه خصه بالإمام الاعظم في غير يوم الجمعة؛ ثم طلب القضاة والعلماء إلى حضرة السلطان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 فقرئت الفتاوى وفسرها له محب الدين ابن الأقصراني فأجاب: أنا أتابع الصحابة والسلف الصالح ولا أخرج بل كل أحد يبتهل إلى الله تعالى في سره! ثم سالهم عن المراد بالمظالم التي كتبوا في الفتاوى أنهم يخرجون منها، فذكروا اشياء مجملة فقال: مهما تجدد بعد الظاهر برقوق أنا أزيله! فقال له الشافعي: قد نجدد في هذه السنة ثلاث مظالم: التشديد على التجار الكارمية في بيع البهار للسلطان وإلا منعوا من التجارة فيه، والتشديد على الباعة في طرح النطرون والتحكير على القصب أن لا يزرع إلا في بلاد السلطان، فلم يتحصل من الجواب عن ذلك كبير امر، وأمر السلطان القضاة والامراء بأن يامروا الناس بالتوبة والإقلاع عن المعاصي والإكثار من الطاعات ونحو ذلك، ونودي بالقاهرة بمنع النساء من الخروج إلى الترب، وتوعد المكاري بالشنق والمرأة بالتغريق وانصرفوا على ذلك؛ ففي الحال دخل إليه بعض خدمه فأخبره أن ابنه الكبير محمداً طعن، وذكر القاضي زين الدين التفهني أنه رأى في النوم حسام الدين درغان الخادم بالشيخونية وكان من جملة من مات في هذه السنة بالطاعون فسأله عن حاله فقال: الجنة مفتحة للمسلمين، سمعت ذلك منه، وكان حسام الدين رجلاً جيداً كثير النفع للطلبة بالشيخونية منذ اقام بها وباشر الخدمة بها مباشرة حسنة. وفيها في جمادى الآخرة أمر السلطان القضاة والحجاب وغيرهم أن لا يحبسوا أحداً على دين! فاستمر ذلك إلى شوال منها، وحكى أبو بكر ابن نقيب الأشراف - وكان باشر بعد موت أخيه شهاب الدين أمور كتابة السر من قبل أن يلبس الخلعة - أن السلطان ورد عليه كتاب فلم يجد من يناوله إياه حتى استدعى مملوك من بعض الطباق. وفي ثامن عشر شعبان بلغ السلطان أن كمال الدين بن الهمام عزل نفسه من مشيخة المدرسة الاشرفية فسئل عن السبب في ذلك، فأخبر أن وظيفة شغرت عن صوفي فعين فيها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 شخصاً وعارضه جوهر اللألأ فنزل غيره فغضب وقام بعد أن حضر التصوف وقت العصر فقال: اشهدوا على أني عزلت نفسي من هذه الوظيفة وخلعتها كما خلعت طيلساني هذا! ونزع طيلسانه ورمى به وتحول في الحال إلى بيت له في باب القرافة، فلم يعرج السلطان عليه، وقرر أمين الدين يحيى بن الأقصرائي في المشيخة، ونعم الرجلان هما! فنزل أمين الدين لابن أخيه محب الدين ابن مولانا زاده عن المشيخة بمدرسة جاني بك. وفيها سقط العيني عن بغلته فانكسرت رجله، فأقام عدة أشهر منقطعاً واستقر محب الدين المذكور يقرأ عند السلطان السير والقصص التي كان يقرأها العيني. وفي ثامن عشر شعبان شكى برد بك الحاجب فطلبه، فادعى عليه الشاكي أنه ضرب بغير ذنب، فقال: طلبته فامتنع، فأرسله إلى الحنفي فحكم بعزله عن وظيفته فعزل اياماً، ثم أوصى خصمه فصفح عنه فتكلموا له مع السلطان فأعاده. وفي تاسع رمضان قرر السلطان في مدرسته بقية المذاهب ولم يكن نزل بها أولاً إلا الحنفي. وفي ثامن عشر رمضان استقر القاضي شهاب الدين ابن السفاح في كتابة السر وكانت شعرت بموت جلال الدين ابن مزهر، وتكلم فيها شرف الدين ابن الأشقر نيابة إلى أن دخل ابن السفاح، واستقر ولده عمر في وظائفه بحلب. وفي رمضان وصل كتاب شاه رخ صحبة شريف اسمه هاشم بغير ختم أوله: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، ثم خاطب السلطان فيه بالأمر وأرعد وأبرق وتهدد، فكتب إليه جوابه من جنس كتابه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 وفي ذي الحجة وصل شاه رخ إلى تبريز في عساكر هائلة وتاخرت إدارة المحمل إلى ثامن شعبان بسبب شغل المماليك الرماحة بأنفسهم وبمن ماتت من رفقتهم وأداروه على العادة المعهودة. وفي شعبان اشتغل بدر الدين بن الأمانة بتدريس الفقه بالشيخونية وجمال الدين ابن المحبر بمشيخة الصلاحية، وكان ابن المحمرة استنابهما في وظيفتيه المذكورتين لما توجه قاضياً بالشام وسعيا إلى أن استقلا، ثم لما عزل هو وعاد استعادهما، ثم لما سارإلى مشيخة الصلاحية بالقدس لم يعد إلى استنابتهما. ذكر من مات في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة من الأعيان إبراهيم بن ناصر الدين بن الحسام، الصقري صارم الدين، نشأ طالباً للعلم فتأدب وتعلم الحساب والكتابة والأدب والخط البارع، وقد ولى الحسبة بالقاهرة في أوخر ايام المؤيد؛ ومات في ثامن عشر جمادى الآخرة مطعوناً. إبراهيم بن أحمد بن وفاه، الشاذلي أبو المكارم، ولد سنة 88 ومات في هذه السنة مطعوناً. إبراهيم بن المؤيد شيخ واخوه الملك المظفر أحمد ماتا صغيرين بالإسكندرية. أحمد ولد ناظر الجيش عبد الباسط شهاب الدين - مات في مستهل شعبان، وكان قد بلغ ونبغ وناب عن والده في كتابة العلامة فطعن، وكانت جنازته حافلة. أحمد بن علي بن إبراهيم بن عدنان، الشريف شهاب الدين الحسيني الدمشقي، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 ولد سنة 744 ونشأ بدمشق ومع والده نقابة الأشراف وكان فيه جرأة وإقدام، ثم ترقى بعد موت أبيه فولى نقابة الأشراف، ثم ولي كتابة السر في سلطنة المؤيد، ثم ولي القضاء بدمشق في سلطنة الأشرف، ثم ولي كتابة السر في ذي الحجة سنة اثنتين وباشرها إلى أن مات بالطاعون في جمادى الآخرة. أحمد بن علي بن عبد الله بن علي بن حاتم بن محمد بن يوسف، البعلي الأصل الحنبلي القاضي شهاب الدين ابن الحبال الطرابلسي، ولد سنة تسع وأربعين، وتفقه وسمع الحديث، ثم كان مع الذين قاموا في السعي في إزالة دولة الظاهر وأخ معهم وضرب، واشتهر بعد اللنك بطرابلس وعظم شأنه، ثم ولي القضاء بها وصار أمر البلد إليه، وكان يقوم على الطلبة ويرد عنهم، ويتعصب لعقيدة الحنابلة، ثم نوه به ابن الكويز فنقله إلى قضاء دمشق في أول دولة ططر فدخلها في جمادى الأولى سنة أربع وعشرين، فاستمر إلى أن صرف في سنة اثنتين وثلاثين في شعبان بسبب ما اعتراه من ضعف البصر والارتعاش وثقل السمع، وكانت الأمور بسبب ذلك تخرج كثيرة الفساد، وكان مع ما أصابه كثير العبادة ويلازم صلاة الجماعة، وكان منصفاً لأهل العلم قليل البضاعة في الفقه؛ ورحل إلى طرابلس فمات بها في شهر ربيع الأول بعد قدومه بيوم. أحمد بن محمود بن محمد بن عبد الله، القيسري صدر الدين المعروف بابن العجمي، ولد سنة 777، واعتنى به أبوه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 في صغره، وصلى بالناس التراويح بالقرآن أول ما فتحت الظاهرية في سنة 88 وهو ابن إحدى عشرة سنة لم يكملها، وأقرأه الفقه والعربية والمعاني والبيان. وأحضر له المؤدبون والمعلمون وترعرع وبرع، وباشر التوقيع في ديوان الإنشاء، ثم ولى الحسبة مراراً ونظر الجوالي وغير ذلك، وتنقلت به الاحوال كما مضى في الحوادث؛ مات في الطاعون في الرابع عشر من شهر رجب. أزبك الدوادار مات بالقدس بطالاً يوم الثلاثاء - في سادس عشر ربيع الأول. إسحاق بن إبراهيم بن أحمد بن محمد، التدمري تاج الدين خطيب الخليل، ذكر أنه أخذ عن قاضي حلب شمس الدين محمد بن أحمد بن المهاجر وعن شيوخنا العراقي وابن الملقن وغيرهما، وأجاز له ابن الملقن في الفقه؛ ومات ليلة العيد من شهر رمضان. إسحاق بن داود صاحب الحبشة مات في هذه السنة، وقد قدمت نبأه في ترجمة أبيه سنة 812. أبو بكر بن علي بن إبراهيم بن عدنان، الشريف الماضي أخوه أحمد قريباً، ولد سنة تسعين تقريباً، ونشأ بزي الجندية، ثم بعد ذلك تزيا بزي المباشرين، وكان الغالب عليه الديانة والخير والعفة، وانطلقت الألسن بالثناء عليه، وعين بعد أخيه لكتابة السر وباشر بغير تولية، فعوجل بالطاعون أيضاً ومات في رجب ولم يبق بعد أخيه سوى ستة عشر يوماً. ابو بكر بن عمر بن عرفات بن عوض بن أبي السعادات بن أبي الظاهر محمد بن أبي بكر بن احمد بن موسى بن عبد المنعم بن علي بن عبد الرحمن بن سالم بن عبد العزيز بن أحمد بن علي بن ضياء الدين عبد الرحمن بن أبي المعالي سالم بن الأمير المجاهد عز العرب وهب بن مالك الناقل من أرض الحجاز بن عبد الرحمن بن مالك بن زيد بن ثابت الأنصاري الخزرجي الشيخ زين الدين القمني - هكذا رأيت نسبه بخطه وأملاه على بعض الموقعين، ولا شك أنه مركب ومفتري، وكذا لا يشك من له أدنى معرفة بالأخبار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 أنه كذب، وليس لزيد بن ثابت ولد يسمى مالكاً، وتلقيبه عبد الرحمن بن سالم ضياء الدين من أسمج الكذب، فإن ذلك العصر لم يكن التلقيب فيه - بالإضافة للدين، وكان مولده على ما كتب بخطه سنة ثمان وخمسين، وذكر لي بلفظه أنه حضر درس الشيخ جمال الدين وهو بالغ وعرض عليه التنبيه، فيحتمل أن يكون بلغ وهو ابن ثلاث عشرة سنة أو ذهل حين كتب مولده، وقدم القاهرة في حدود السبعين، واول شيء رأيته من سماعه في جمادى سنة أربع وسبعين من الشيخ بهاء الدين بن خليل ثم في رمضان سنة ثمان وسبعين، سمع في البخارى على التقي عبد الرحمن بن أحمد البغدادي، وسمع أيضاً من عبد الله بن الناجي وعبد الله بن مغلطاي وصلاح الدين البلقيني، ثم من تقي الدين بن حاتم وابن الخشاب وعزيز الدين المليجي، ونشأ يتيماً فقيراً بجامع الأزهر، ثم اتصل بعلاء الدين بن قشتمر فنبه قليلاً، ثم تنقلت به الاحوال إلى أن صحب قلطماي الدويدار في سطلنة الظاهر فصار له ذكر، واتفق تسحب الشيخ شمس الدين ابن الجزري إلى بلاد الروم فشغرت عنه الصلاحية فوثب عليها، وكان رحل إلى الشام قبل التسعين فسمع ابن المحب وابن الذهبي وابن العز والبرهان بن جماعة وهو يومئذ قاضي الشام ومحمد بن أحمد بن عبد الرحمن المنبجي الأسمري والكمال بن النحاس وابن خطيب يبرود وابن الرشيد وناصر الدين محمد بن عمر بن عوض بصالحية دمشق، وسمع من متقدمي شيوخنا كالشامي والغزي والصردي والمطرز وابن صديق وابن أبي المجد ثم الحلاوي والسويداوي ومن الحافظين والأبناسي واللقيني والهيثمي شمس الدين وابي بكر بن حسين المراغي - وخرج له ابن الشرائحي مشيخة عن أربعة وأربعين شيخاً وحدث بها مرتين وكان يتبجح بها لكنه لا يعرف عالياً من نازل، وكان عريض الدعوى كثير المجازفة - سامحه الله! مات في رجب مطعوناً. برد بك السيفي أحد مقدمي الألوف بمصر، مات في يوم الاحد عاشر جمادى الأخرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 بالطاعون وهو والد فرج. بيبغا المظفري التركي كان من مماليك الظاهر، وتأمر في دولة الناصر وعمل الأتابكية وقد سجن مراراً ونكب -، وكان قوي النفس؛ مات ليلة الأربعاء - سادس جمادى الآخرة. حسن العلقمي بدر الدين ناظر الأوقاف مات بالقاهرة، وكان حسن العشرة والأخلاق بساماً، جاوز الستين. زين خاتون بنتي وهي بكر أولادي ولدت في رجب سنة اثنتين وثمانمائة، وتعلمت الكتابة والقراءة، واسمعتها من الشيخ زين الدين العراقي والشيخ نور الدين الهيثمي، وأجاز لها كثير من المسندين من أهل دمشق؛ وماتت وهي حامل بالطاعون فجمعت لها شهادتان. سرداح بن مقبل بن نخبار بن مقبل بن محمد بن راجح بن إدريس بن حسين بن أبي عزيز، الحسني؛ الينبعي ولي أبوه إمرة الينبع مدة ثم قبض عليه وحبس بالإسكندرية في سنة خمس وعشرين إلى أن مات بها وكحل ولده، فيقال إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فمسح عينيه فأبصر واتهم السلطان من كحله - فالله أعلم. العباس بن المتوكل بن المعتضد أمير المؤمنين المستعين أبو الفضل ولد في سنة 20000 واستقر في الخلافة بعهد من أبيه في شهر رجب سنة ثمان وثمانمائة، فلما انهزم الناصر فرج وحوصر بدمشق بويع للمستعين بالسلطنة مضافة للخلافة فتصرف بالولاية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 والعزل، وفي الحقيقة إنما كان له العلامة والخطبة وضربت السكة في الذهب والفضة باسمه، فلما توجه العسكر إلى مصر كان الأمراء كلهم في خدمته على هيئة السلطنة ولكن الحل والعقد للأمير شيخ ثم سكن الإصطبل وصار الجميع إذا فرغت الخدمة من القصر نزلوا في خدمته إلى الإصطبل، فأعيدت الخدمة عنده ووقع الإبرام والنقض ثم يتوجه دويداره إلى السلطان فيعلم على المناشير والتواقيع، فلم يزل على ذلك إلى أن تسلطن المؤيد فلم يوافق العباس على ذلك فصرح المؤيد بعزله من الخلافة وقرر فيها اخاه داود ولقب المعتضد، فلما خرج المؤيد إلى نوروز ارسله إلى الإسكندرية فاعتقل بها، فلم يزل بها إلى أن تكلم ططر في المملكة، فأرسل في إطلاقه وأذن له في المجئ إلى القاهرة، فاختار الاستمرار في سكنى الإسكندرية لأنه استطابها، وحصل له مال كثير من التجارة، فاستمر إلى أن مات بالطاعون شهيداً، وخلف ولده يحيى. عبد اللهبن محب الدين خليل بن فرج بن سعيد جمالد الدين، القدسي الأصل الدمشقي البرماوي، ولد في حدود الستين، وقرأ على ابن الشريشي وابن الجابي وغيرهما، ودخل مصر فحمل عن جماعة، وجاور بمكة مدة طويلة، ثم قدم الشام فاقام على طريقة حسنة وعمل المواعيد واشتهر، وكان شديد الحط على الحنابلة وجرت له معهم وقائع؛ ومات في ربيع الآخر. عبد البر بن القاضي جلال الدين محمد بن قاضي القضاة بدر الدين محمد ابن البقاء كان شاباً جميل الصورة طيب النغمة، وكان قد أذن له في نيابة الحكم في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 اواخر السنة الماضية، ثم سافر إلى الشام ورجع فمات في سابع عشر شهر رجب ولم يكمل الثلاثين. عبد الغني بن جلال الدين عبد الواحد بن إبراهيم المرشدي ثم المكي نسيم الدين، اشتغل كثيراً ومهر وهو صغير، وأحب الحديث فسمع الكثير وحفظ وذاكر، ودخل اليمن فسمع من الشيخ مجد الدين، وكتب عني الكثير؛ ومات مطعوناً بالقاهرة. عبد القادر بن عبد الغني بن أبي الفرج، المكي، ولي الاستادارية كأبيه، ومات في يوم الأربعاء سابع عشري - جمادى الآخرة. عبد الكريم، كريم الدين ابن سعد الدين بركة، القبطي المعروف بابن كاتب جكم، كان أبوه يخدم الوزير علم الدين بن كاتب سيدي ثم تعلق بخدمة الأمراء فخدم عند الأمير حكم فشهر به، واستقر بعده ولده سعد الدين - إبراهيم وصاهر تاج الدين ابن الهيصم قبل أن يلي الأستادارية، واستقر مستوفي الدولة في مباشرة ابن نصر الله، ثم ولي نظر الدولة وباشر ديوان السلطان قبل أن يتسلطن، ثم سعى في نظر الخاص لما ولي ابن نصر الله الاستادارية، فباشر بسكون وحشمة ونزاهة، وأكثر من زيارة الصالحين ومن الفقراء، والزم ولديه إبراهيم ويوسف الذي ولوا الخاص بعده واحداً بعد واحد بالاشتغال بالعلم وأحضر لهم من يعلمهم العربية والكتابة، وكانت وفاته سادس عشر شهر - ربيع الاول قبل وقوع الطاعون، واستقر ولده إبراهيم فاستمر - في وظيفته وهو امرد، ولم يظن أحد أنه يستمر لصغر سنه لكنه استعان أولاً بجده لامه ثم استقل بالأمور بعد وفاته وقد تدرب، وكان يتكلم بالتركي ويحسن المعاشرة مع لثغة في لسانه، وخلفه أخوه جمال الدين يوسف وفاق أخاه وإياه. علي بن تاج الدين عبد الوهاب بن القاضي ولي الدين، العراقي تقي الدين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 علي بن عنان بن مغامس بن رميثة بن أبي نمي، الحسني المكي الشريف مات بالقاهرة في ثالث جمادى الآخرة مطعوناً، وقد ولي إمرة مكة مرة ودخل الغرب بعد أن عزل عنها فأكرمه أبو فارس، وكان حسن المحاضرة ويذاكر بالشعر وغيره ومات بالقاهرة. علي الأسيوطي الشيخ ويقال له أبو الخلق، وكان ممن يعتقد ويذكر عنه مكاشفات كثيرة. عمر القاضي سراج الدين، النويري الشافعي، قاضي الشافعية بطرابلس، مات في جمادى الآخرة. قاسم بن الامير كمشبغا الحموي، وكان أحد الحجاب الصغار. كشبغا الفيسي الكاشف المزوق الظاهري، كان جريئاً على سفك الدماء، مات منفياً بدمشق في 14 ربيع الآخر وقد ناهز الثمانين. ماجد بن أبي الفضائل بن سناء الملك فخر الدين ابن المزوق، كان من أولاد الكتبة، وخدم عند سعد الدين ابن غراب، فولي بعنايته نظر الجيش وكتابة السر واحدة بعد أخرى، ثم ولي نظر الإصطبل، ثم تعطل في الدولة المؤيدية وما بعدها إلى أن مات في ليلة الخميس 12 رجب. محمد بن أحمد بن سليمان، الاذرعي الحنفي شمس الدين، أخذ عن ابن الرضي والبدر المقدسي في مذهب الحنفية، ثم بعد اللنك انتقل إلى مذهب الشافعي وولي قضاء بعلبك وغيرها، ثم عاد حنفياً وناب في الحكم ودرس وأفتى، وكان يقرأ البخاري جيداً، ويكتب على الفتوى كتابة حسنة وخطه مليح، وتوجه إلى مصر في آخر عمره فعند وصوله طعن فمات غريباً شهيداً في جمادى الآخرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 محمد تاج الدين بن العماد إسماعيل، البطرني المغربي الأصل نزيل دمشق، كان في خدمة القاضي علم الدين القفصي وعمل نقيبه، ثم بعد موته ولي قضاء طرابلس، ثم رجع وناب عن القاضي المالكي، وكان عفيفاً في مباشرته، ويستحضر طرفاً من الفقه؛ مات بالطاعون في صفر. محمد بن الملك الأشرف برسباي، وكان قد عين للسلطنة بعد أبيه مات في يوم الثلاثاء 26 جمادى الأولى مطعوناً وقد ناهز الاحتلام، ودفن بالمدرسة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 الأشرفية. محمد بن ططر السلطان الصالح بن الطاهر، خلع في خامس عشر ربيع الأول سنة خمس وعشرين، وأقام عند السلطان الملك الأشرف مكرماً إلى أن طعن، ومات في سابع عشري جمادى الآخرة هذه السنة. محمد بن الناصر فرح بن الظاهر برقوق، مات بسجن الإسكندرية في يوم الاثنين حادي عشري جمادى الىخرة مطعوناً عن 21 سنة، ودفن بها ثم نقل إلى مصر. محمد بن عبد الحق بن إسماعيل بن أحمد الانصاري السبتي صاحبنا، كتب إلي وشرح البردة، وله يد في النظم والنثر والتصوف، وكان حسن الطريقة. محمد بن عبد الواحد بن أبي بكر بن إبراهيم بن محمد، السنقاري شرف الدين نزيل هون ولد في المحرم، سنة 773، وتفقه قليلاً، وأخذ عن المشايخ، وكان أبوه موسراً فمات في الثمانين، ونشا هو يتعاني التجارة والزراعة ويتردد إلى القاهرة، وتقلبت به الأمور، وكان فاضلاً مشاركاً متديناً، وكان يقول: ما عشقت قط ولا طربت قط، مات في الطاعون في جمادى الآخرة، وكان يحكي عن ناصر الدين محمد بن محمد بن عطاء الله قاضي هو أنه كان بجانب داره نخلة جربها بضعاً وثلاثين سنة، فإن قل حملها توقف النيل، وأن كثر زاد، وأنها سقطت في سنة ست وثمانمائة فقصر النيل تلك السنة ووقع الغلاء المفرط. محمد بن عبد الوهاب بن نصر الله، شرف الدين أبو الطيب بن تاج الدين، ولد في ذي القعدة سنة سبع وتسعين، ونشأ في حجر السعادة وتعلم الكتابة واشتغل بالعلم، وكتب في الإنشاء، وعظم في دولة الظاهر ططر، وولاه نظر الكسوة ودار الضرب ونظر الأشراف وغير ذلك؛ ومات في سابع عشري ربيع الىخر بمرض السل. محمد بن عمر بن عبد العزيز، بن أمين الدولة قاضي الحنفية بحلب شمس الدين؛ مات يوم الخميس 12 شعبان. محمد جلال الدين بن بدر الدين محمد بن بدر الدين محمد بن مزهر، ولد سنة 14 وحفظ القرآن واشتغل قليلاً، فلما مات أبوه في سنة اثنتين وثلاثين قرر مكانه في كتابة السر فباشرها، والاعتماد في ذلك على شرف الدين الموقع وكان قد تقرر في نيابة كتابة السر وانفصل بدر الدين المذكور، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 وكان لقب في أيام مباشرته في كتابة السر بلقب أبيه بدر الدين، ومات بالطاعون - يوم الإثنين سنة ست وعشرى رجب -. محمد زين الدين بن القاضي شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد ابن عبد الملك، الدميري المالكي، كان حسن الصورة، له قبول تام عند الناس لكثرة حشمته، وقد ولي الحسبة مراراً، وبيده التحدث في المارستان نيابة عن الأمير الكبير على قاعدة أبيه، ولم أظنه جاوز الخمسين ومات في 3 شعبان. محمد الإسكندراني شمس الدين العروف بابن المعلمة، ولي حسبة القاهرة مدة، وكان مالكياً فاضلاً مشاركاً في العربية وغيرها، مات في شعبان. مدلج بن علي بن نعير واسمه محمد بن حيار أمير آل فضل وكان ولي إمرة العرب بعد أخيه وعذراء ودخل في الطاعة، ثم وقع بينه وبين ابن عمه قرقماس قاتل أخيه عذراء الوقعة المقدم ذكرها في الحوادث، وقتل مدلج في 2 ذي القعدة منها بظاهر حلب. مرجان الهندي مملوك شهاب الدين بن مسلم، أخذه المؤيد قبل أن يلي السلطنة قهراً من أستاذه، فنجب عنده وترقت منزلته جداً إلى أن اتضعت في أيام ططر فمن بعده، وصودر إلى أن مات في سادس عشرى جمادى الآخرة. ناصر بن محمد البسطامي الشيخ ناصر، من تلامذة الشيخ عبد الله البسطامي، ثم قدم القاهرة وقطنها، مات بها في الطاعون. نصر الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل، الأنصاري الشيخ جلال الدين الروياني العجمي الحنفي، ولد سنة ست وستين، وتجرد وبرع في علم الحكمة والتصوف، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 وشارك في الفنون، وكتب الخط الفائق، وقدم القاهرة مجرداً، واتصل بأمراء الدولة وراج عليهم لما ينسب إليه من معرفة علم الحرف وعمل الأوفاق، وسكن المدرسة المنصورية، وكان مفضالاً مطعاماً محباً للغرباء فهرعوا إليه ولازموه، وقام بأمرهم وصيرهم سوقه التي ينفق منها وينفق بها، واستخلص بسبب ذلك من أموال الأمراء وغيرهم ما أراد حتى كان كثير من الأمراء يفرد له من إقطاعه أرضاً يصيرها رزقة ثم يسعى هو حتى يشتريها ويحبسها، وكان فصيحاً مفوهاً حسن التأني عارفاً بالأمور الدنيوية عرياً عن معرفة الفقه، له اقتدار على التوصل لما يطلب، كثير العصبية والمروءة، حسن السياسة والمداراة، عظيم الأدب، جميل العشرة، وله عدة تصانيف في علم الحرف والتصوف، منها غنية الطالب فيما اشتمل عليه الوهم من المطالب، وإعلام الشهود بحقائق الوجود، ومات في ليلة الجمعة سادس شهر رجب بالطاعون. - ياقوت الأرغون شاوي الحبشي مقدم المماليك، مات مطعوناً في يوم الإثنين ثالث رجب، ودفن بمدرسته التي أنشأها بالصحراء - هابيل بن قرا يلك، مات مسجوناً بالقلعة مطعوناً. هاجر خوند بنت منكلى بغا زوج برقوق، ماتت في رابع رجب، وأمها خوند فاطمة بنت الأشرف شعبان بن حسين بن قلاوون -. يحيى نظام الدين بن الشيخ سيف الدين بن محمد بن عيسى السيرامي، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 ولد سنة ..... وكان حسن التدريس والتقرير، جيد الفهم، قليل التكلف، قوي الفهم، متواضعاً مع صيانة، قليل الشر كثير الإنصاف، ولم يكن في أبناء جنسه مثله، وكان قد اختص بالمؤيد وسامره، وكان يبيت عنده كثيراً من الليالي ويثق به ويعقله، ولما وقع الطاعون استكان وخضع وخشع، ولازم الصلاة، على الأموات بالمصلى إلى أن قدر الله أنه مات بالطاعون في أواخره. يحيى بن الإمام شمس الدين محمد بن يوسف بن علي، الشيخ تقي الدين الكرماني الشافعي، ولي نظر المارستان وكان ثقيل السمع، وكان قد ضعف وطال رمده، ثم مات مطعوناً في يوم الخميس ثاني عشرى جمادى الآخرة. يشبك أخوالسلطان الأشرف وكان أسن منه لكن السلطان أسرع إليه الشيب دونه، طعن فاقام أياماً يسيرة، ويقال إنه مات ساجداً، وكان شديد العجمة وتعلم اللسان التركي، ولم يفقه بالعربي إلا القليل، وكان فيه عصبية لمن يلتجئ إليه ومكارم أخلاق. يعقوب بن إدريس بن عبد الله بن يعقوب، الشهير بقرا يعقوب الرومي النكدي الحنفي، نسبة إلى نكدة من بلاد ابن قرمان، ولد سنة تسع وثمانين، واشتغل في بلاده، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 ومهر في الأصول والعربية والمعاني وكتب على المصابيح شرحاً وعلى الهداية حواشي، ودخل البلاد الشامية، وحج سنة تسع عشرة ثم رجع وأقام بلارندة يدرس ويفتي، ثم قدم القاهرة بعد موت المؤيد فاجتمع بمدير المملكة ططر، فأكرمه إكراماً زائداً ووصله بمال جزيل، فاقتنى كتباً كثيرة ورجع إلى بلاده فاقام بلارندة إلى أن مات في شهر ربيع الأول. يوسف بن إبراهيم بن عبد الله بن داود بن أبي الفضل بن أبي المنجب ابن أبي الفتيان، الداودي الطبيب جمال الدين، مات في أول شهر رجب وله زيادة على التسعين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 سنة أربع وثلاثين وثمانمائة استهلت وقد غلا سعر الذهب إلى أن بلغ مائتين وخمسة وسبعين، وانتهت فيه زيادة النيل إلى تسعة عشر ذراعاً وعشرين إصبعاً، وخرج الأمراء المجردون في آخره ثم أمر بعودهم فعادوا ن خانقاه سرياقوس، وفيه رخص الفول جداً حتى صار بدرهمين ونصف فضة وزنا كل إردب والشعير كل إردب بثلاثة، والقمح بستة ونصف، وهذا غاية الرخص إلا ما تقدم في دولة المؤيد، فإن القمح نزل فيه إلى ستة دراهم بندقية، وفيه خرج السلطان إلى الصيد بالهيئة الكاملة فشق المدينة وخرج من باب الشعرية ثم عاد من يومه. وفيها حصل للحاج عطش عند رجوعهم بمنزلة الوجه فمات منهم ناس كثير، قيل: قدر ثلاثة آلاف، كلهم من الركب الأول، ومات من الجمال والدواب شيء كثير جداً، وذهب لمن مات من الاموال ما لا يحصى. وفيها حجر السلطان على المباعة أن لا يتبايعوا إلا بالدراهم الأشرفية التي جعل لكل درهم منها بعشرين من الفلوس، وانتفع الناس بها بالميزان، وشدد في الذهب أن لا يزاد في سعره، فإذا قل ازداد، ولم يزل الأمر يتمادى على ذلك إلى أن بلغ كل دينار أشرفي مائتين وخمسة وثماتين درهماً من الفلوس. واستقر الأمر على ذلك إلى آخر الدولة الأشرفية. وفيها استبد ابن الركاعنة صاحب فاس وتلمسان بالمملكة، فسار إليه أبو فارس صاحب تونس بنفسه وظفر به، وقرر في المملكة أحمد بن أبي حمو، وذلك في رجب سنة أربع وثلاثين. وفي ربيع الآخر جهز السلطان الفعلة وأهل المعرفة بالبناء لإصلاح الآبار وأماكن المياه التي في طريق الحجاز. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 وفيها حفرت بعيون القصب بئر عظيمة فعظم النفع بها، وكانت عيون القصب تجري من واد عظيم ينبت فيه القصب الفارسي ويجري الماء بين تلك الغابات، وكان للحاج به رفق بحيث يبيتون فيه ليلة، ثم عمرت تلك العيون وصاروا يقتنعون بالحفائر، وكان الماء الذي يخرج منها يفسد في ليلته، فأشار ناظر الجيش لما حج بحفر بئر هناك فخرج ماؤها عذباً، وحفروا قبل ذلك بئرين بزعيم وقبقاب، فاستغنى الناس بهما عن ورود الوجه، والوجه مكان فيه بئران لا يحصل الماء فيهما إلا بالمطر، فإذا لم يقع المطر ووردهما الحاج لم يجدوا فيهما إلا النزر اليسير، وفي الغالب يقع لهم العطش والهلاك فاستغنوا بالبئرين عن الوجه. وفيها استقر تاج الدين عبد الوهاب ابن الخطير في نظر الديوان المفرد بعد موت تاج الدين ابن الهيصم، وهو من بيت كبير في القبط، وكان اسمه جرجس ولقبه الشيخ التاج، فأسلم على يد السلطان الأشرف قبل أن يتسلطن، وذلك في الأيام المؤيدية، وخدم في ديوان الخاص، ثم ولاه الأشرف نظر الإصطبل بحكم شغوره عن بدر الدين بن مزهر لما ولى كتابة السر وأستادرية ولد السلطان، فشكرت سيرته وأمانته وحسن سياسته وكثرة بره. وفي ثاني عشر جمادى الأولى سار سعد الدين القبطي المعروف بابن المرأة إلى مكة بسبب المكس المتعلق بالتجار الواصلين إلى جدة، وخرج معه نحو ألف نفس للمجاورة فلما كانوا فيها بين الوجه وأكرى وجدوا عدة موتى ممن مات بالعطش في العام الماضي، فلما نزلوا رابغ خرج عليهم الشريف زهير بن سليمان بن زبان بن منصور بن جماز بن شيحة الحسيني ومن معه وكانوا نحو مائة فارس وأرادوا نهبه فصالحوهم على مال بعد أن وقعت بينهم مناوشة وقتل بينهم قلائل من الطائفتين، ودخلوا مكة في ثامن عشرى جمادى الآخرة عرب زبيد، فصالحوهم على مائة دينار بذلها ابن المرأة من ماله -. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 وفي ثاني عشر رمضان نودي بمنع المعاملة بالفضة اللنكية وبأن الذهب الأشرفي - الدينار - بمائتين وخمسين. وفي سادس عشرى جمادى الأولى أعيد كاتبه إلى وظيفة القضاء الشافعية وهي المرة الثانية. وفيها مات شهاب الدين أحمد الأسود الدويدار نائب الإسكندرية المعروف بابن الأقطع فاستقر جانبك الناصري رأس نوبة إبراهيم بن المؤيد الشهير بالتور نائبا بالإسكندرية وكان من مماليك يلبغا الناصري. وفي ذي القعدة جرى بين شخص في خدمة كاتب السر ابن السفاح يقال له ابن الناظر الصفدي وبين مملوك لابن السفاح مشاجرة فاغتاله فقتله بسكين، فاطلع عليه بعض الخدم فنم عليه، فانزعج كاتب السر لذلك وحرص على أنه يعرف السبب، فقيل إنه كان بسبب صبي تعايرا عليه، وقيل إن ابن الناظر ذكر لقاتله أنه يعرف السحر وأنه قتل شخصاً بسحره وأن العلماء أفتوه بقتل من يقتل بسحره فما أفادته هذه الدعوى، وبلغ السلطان الخبر فاستدعاه فلما سأله واعترف أمر بقتله، فحرص كاتب السر على أن يؤخر قتله إلى أن يحضر أولياء المقتول، فامتنع السلطان وأمر بتوسيطه، وحصل لكاتب السر من ذلك مشقة شديدة لقصة مملوكه وكان يميل إليه ولفقد صديقه وكان يأتمنه على كثير من أحواله - فلله الأمر. وفي ذي الحجة استقر التاج الوالي الشويكي في نظر الأوقاف الجكمية، وقرر له من مال الأوقاف في الشهر ثلاثة آلاف، ولم يباشر شيئاً بل قنع بالمعلوم المذكور. وفي يوم الإثنين من ذي القعدة الموافق لثامن عشرى أبيب أوفى النيل وكسر الخليج وزاد بعد ذلك، فكان في أول يوم من مسرى سبعة عشر ذراعاً وأصابع من الثامن عشر، ولا يحفظ ذلك اتفق فيما مضى قط، وأعجب منه أنه زاد ثاني يوم الوفاء نصف ذراع ولم يحفظ فيما مضى مثل ذلك إلا في سنة ست عشرة فإن الملك المؤيد صاحب حماة ذكر في تاريخه بنظير ذلك في هذا العصر أن النيل أوفى تاسع عشرى أبيب وقال إنه غريب. وفي شعبان كانت الزلزلة، بغر ناطة وخسف بعدة أماكن وعدة مواضع وانهدم بعض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 القلعة، ودامت الأرض تهتز أياماً، وسقط من جدار الجامع الأعظم، وخاف أهل البلد كلهم فخرجوا إلى الصحراء. وفيها غزاهم الفرنج فكادوا يقبضون عليهم قبض اليد، فأدركهم الله بالفرج، فخرج الشيخ يحيى بن عمر عثمان بن عبد الحق شيخ الغزاة في ألفين من الجند، وسار نصف الليل حتى بعد عن عسكر الفرنج، وقرر مع أهل البلد أن يخرجوا إلى الفرنج فإذا حملوا عليهم انهزموا أمامهم، ففعلوا وطمع الفرنج في أهل البلد - وإذا بالشيخ يحيى قد دهمهم بمن معه من خلفهم - فأطلق النيران في معسكرهم، فجاءهم الصريخ فرجعوا، فركب المسلمون أقفيتهم أسراً وقتلا، فقيل بلغ عدة القتلى زيادة على ثلاثين ألفاً والأسرى إثني عشر ألفاً. وفي الرابع والعشرين من المحرم عقد مجلس بين أمير آخور جقمق العلائي الذي ولي السلطنة بعد ذلك وبين القاضي زين الدين التفهني وكان يومئذ مدرس الخنفية بمدرسة قانباي، فقرئ محضر يتضمن أن قانباي فوض النظر للتفهني والزمام ثم عزلهما، وأحضر جقمق جماعة يشهدون بذلك، فأسر السلطان لناظر الجيش كلاماً فغاب والشهود معه ثم عاد فقال: اتفقت شهادتهم، ثم أمر السلطان بعقد مجلس بالصالحية وادعى وكيل جقمق على وكيل التفهني أن التفهني حكم في المدرسة المذكورة بغير طريق شرعي، فأجاب وكيل التفهني بأن جقمق ليس ناظراً إلى أن يثبت ذلك، فوصل كتاب الوقف بالشافعي فوجد فيه أن النظر بعده لم يكون أمير آخور يوم ذلك، فقال الوكيل: هذا يقتضي التقييد بذلك الوقت وليس فيه تعميم، فقال الشاهدان على الواقف: نحن نشهد على الواقف أنه جعل النظر بعده لمن يكون أمير آخور، فوقع البحث في ذلك، فادعى وكيل الحنفي أنه له دافعاً، فأمهل ثلاثة أيام، فحكم الحنبلي في غضون ذلك بمقتضى ما شهد به الشاهدان وأن ذلك مقبول ولا يقدح في شهادتهما وإنما هو تفسير لما أبهم؛ وانفصل الأمر على ذلك. وفي سابع عشر المحرم وصل الأمراء الذين كانوا مجردين بحلب، وأمر السلطان بإخراج بعض العسكر إلى البلاد الحلبية لدفع قرايلك عن ملطية وكان نائبها قانباي البهلوان أرسل لطلب المدد، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 فلما تجهز الأمراء وصل الخبر بالإستغناء عن ذلك فأمر برجوعهم فرجعوا بعد أن رحلوا مرحلة واحدة، وقيل كان السبب أن نائب الشام أرسل يذكر للسلطان أنه لا حاجة إلى إرسال أحد من مماليك السلطان، فتخيل منه وأراد إختبار حاله فأرسل له كتاباً صحبة ساعي يستدعى حضوره إلى القاهرة، فوصله الكتاب وهو راكب فخرج في الحال إلى ظاهر دمشق واستدعى آلة السفر وتوجه فوصل في سادس جمادى الآخرة، فأكرمه السلطان وخلع عليه بالإستمرار، وعمل له السلطان ضيافة بخليج الزعفران، وسافر في ثالث عشر الشهر الذي جاء فيه. وفي هذه السنة قرئ البخارى على العادة، فكثر من يحضر من آحاد الطلبة الذين يقصدون الظهور ومنعوا فشغبوا، وصار لغطهم يزيد وسوء أدبهم يفحش فهددوا فلم يرتدعوا، فأمر السلطان في المجلس الثاني أن تكون القراءة في القصر التحتاني، وصار إذا جاء يجلس في الشباك الذي يطل من القصر الفوقاني على القصر التحتاني، وحصل بذلك للقضاة ولأعيان المشايخ اتضاع منزلة، وعظم اللغط بالنسبة لما كان يحضره السلطان، وصار السلطان بعد ذلك يتشاغل بكتابة العلامة فيجتمع عنده من يتعلق بها ويصير بالتبعية له في أعلى منزلة بالنسبة لمن هو في الحقيقة فوقهم؛ ولما رأى ابن البلقيني أنه ما بقي يظهر له مقصود انقطع عن الحضور، واستمر إلى سنة أربعين، فسعى في العود كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وفيها توجه قرقماس الشعباني وهو يومئذ الحاجب الكبير إلى الصعيد، فلاقاه موسى بن عمر شيخ عرب هوارة وقدم له تقدمة، فلما رجع بلغ موسى أن ابن عمه عمران استقر مكانه وعزله، فخاف موسى ودخل البرية بمن أطاعه، وتوجه الوزير إلى قرقماس ليتعاونا على رجوع موسى فعجزا عنه. ثم لم يزل الوزير يراسل موسى ويتلطف به حتى عاد، وأحضره إلى السلطان فخلع عليه ثم أمسكه بعد أيام ثم حبسه، فبلغ ذلك عربه فأفسدوا في البلاد وأحرقوا الغلال، ووصل عبد الدائم شيخ الفقراء ومعه طائفة من الفقراء في شوال، فهرع الناس للسلام عليه والتبرك به، وكان قد أذن لموسى بن عمر في التوجه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 إلى السلطان وضمن له السلامة، فلما سمع بحبسه جاء للشفاعة فيه، فأرسل لهم السلطان القاضي بدر الدين العيني فأحضرهم عنده وتأدب معهم وكانوا ثلاثة: عبد الدائم، وشجاع، والعريان، وأتباعهم، وقبل السلطان شفاعتهم وأذن لهم في تسليم ابن عمر بعد أن يحلفه كاتب السر عند العيني، ففعل ذلك ورجعوا. وفي جمادى الأولى شاع عن أهل التقويم أنهم اتفقوا أن الشمس تكسف في ثامن عشري هذا الشهر بعد الزوال، فتأهب السلطان وغيره لذلك وترقبها إلى أن غربت، ولم يتغير منها شيء البتة. وفي يوم الخميس ثاني عشر شهر رجب تزوج سيدي محمد ولد الأمير جقمق بنت أحمد بن أرغون شاه، وعمل له أبوه وليمة عظيمة وقدم له السلطان ومن دونه تقادم سنية. وفي شوال أرسل السلطان ثلاثمائة مملوك إلى جزيرة قبرس بمطالبة صاحبها بما استقر عليه من المال في كل سنة، وأوصاهم أن يرسوا على بعض الجزائر ويراسلوه، فإن أجاب بالامتثال رجعوا وصحبتهم ما يوصله لهم، وإن امتنع اعتصموا ببعض الجزائر وراسلوا السلطان، فعادوا بعد بضعة وعشرين يوماً وصحبتهم أثواب صوف بقيمة ثلاثة آلاف دينار. وفيها حجب خوند جلبان زوج السلطان، وكانت أمته فأعتقها وتزوجها وصيرها أكبر الخوندات، وجهزها في هذه السنة تجهيزاً عظيماً، وأرسل صحبتها جوهر اللالا وناظر الجيش ونصب في الودك المتعلق بها على شاطئ النيل وكان امراً مهولاً، وسافروا بالمحمل من أجلها في 7 شوال ورحلوا به من البركة يوم الحادي والعشرين منه قبل العادة بثلاثة أيام. وفي 12 ذي القعدة أوفى النيل ستة عشر ذراعاً، ونودي عليه بزيادة نصف ذراع بعد الستة عشر، وذلك في تاسع عشري أبيب، وقد تقدم في سنة خمس وعشرين انه أوفى في تاسع عشري أبيب أيضاً ولكن بزيادة اصبعين على الستة عشر فقط، وأوفى قبل ذلك في سنة ست عشرة آخر يوم من أبيب وهي من النوادر، وافسد تعجيل الزيادة من الزروع التي بالجزائر شيئاً كثيراً كالبطيخ والسمسم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 وفيها قدم الامير ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن منجك في ذي القعدة، فأخبر أن نائب الشام اقام أياماً محتجباً، فأنكر عليه وسباي الحاجب الكبير فأجابه بالشتم والضرب والإهانة وخرج النائب إلى ظاهر البلد فأقام هناك، فوقع الراي على رجوع ابن منجك بخلعة استمرار للنائب وأخرى للحاجب وأن يصلح بينهما، فبادر وصحبته سودون ميق وهو يومئذ أمير آخور ثاني فاصلحا بينهما واستمر الحال، واشتهر فيها وقوع زلزلة بالأندلس هدم بها من الأمكنة شيء كثير. وفيها نودي على الذهب بأن كل أشرفي بمائتين خمسة وثلاثين ومن خالف ذلك شنق في يده فاستمر على ذلك. وفها قدم غادر بن نعير على السلطان مفارقاً لاخيه قرقماس، فأكرمه وأمره عوضاً عن أخيه، فلما رجع عصى وآذى بعض الناس، فأرسل السلطان إلى نائب حلب ونائب حماة أن يركبوا عليه، فبلغه ذلك فهرب وأحاطوا بما وجدوه من ماله. وفيها أرسل شاه رخ قرايلك في طلب إسكندر بن قرا يوسف فواقعه، فانهزم اسكندر وفر إلى بلاد الكرج فنزل بقلعة سلماس، وبعث إليه شاه رخ عسكراً فقاتلوه إلى أن انهزم ونجا بنفسه جريحاً، فاتفق أنه وقع الغلاء ثم الوباء في عسكر شاه رخ فكر راجعاً إلى بلاده. وفي العشرين من ذي الحجة مات فارس الذي كان رأس المماليك المقيمين بمكة لكف أذى وكان غيره قد توجه عوضه مع الحاج ورجع هو مبشراً فمات في الطريق، وتاخر قدوم المبشرين بسبب ذلك يومين عن العادة، فقدموا في ثامن عشري ذي الحجة وأخبروا بالرخاء لكن كان الماء قليلاً. ذكر من مات في سنة أربع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان إبراهيم بن علي بن إسماعيل بن إبراهيم برهان الدين البلقيني الأصل المعروف بابن الظريف بالظاء المعجمة وتشديد التحتانية، ولي نيابة الحكم بالحسنية في ولاية البلقيني، ثم أضيفت إليه نيابة الحكم بالقاهرة ومصر وباشر مباشرة حسنة، وكان حسن العشرة والمعاملة كثير الإسراف على نفسه - سامحه الله! مات في يوم السبت ثاني عشر - شوال بعد مرض طويل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 أحمد الدوادار نائب الإسكندرية المعروف بابن الأبتع، مات يوم الأحد تاسع جمادى الآخرة بالقاهرة. إسماعيل بن أبي الحسن بن علي بن محمد، البرماوي الشافعي ولد في حدود الخمسين، ودخل القاهرة قديماً وأخذ عن المشايخ وسمع، ومهر في الفقه والفنون، وتصدى للتدريس، وخطب بالجامع العمري بمصر؛ مات في يوم الأحد الخامس عشر - نصف ربيع الآخر. إسماعيل الرومي الطبيب الصوفي المقيم بالخانقاه البيبرسية، كان يقرئ العربية والتصوف والحكمة، وامتحن بمقالة ابن العربي ونهى مراراً عن إقرائها، ولم يكن محمود السيرة ولا العلاج، وكان من صوفية البيبرسية؛ مات في تاسع شوال. حمزة بن يعقوب، الحريري الدمشقي؛ مات في صفر. شاهين الرومي المزي عتيق تقي الدين أبي بكر المزي، وكان عارفاً بالتجارة، على طريقة سيده في محبة أهل الخير، ووصاه على أولاده فرباهم، ثم مات بالقولنج وهم صغار فأحيط بموجوده، فيسر الله تعالى القيام في أمرهم مع السلطان إلى أن أسعدته، فصار الذي لهم في ذمو شاهين، وظهر لشاهين أخ شقيق، فلما أثبت نسبه قبض ما بقي من تركة أخيه بعد مصالحة ناظر الخاص؛ وكان موته في ثالث عشري ذي القعدة. عبد الله بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، المقدسي ثم الصالحي الشيخ شرف الدين ابن القاضي شمس الدين أخو القاضي تقي الدين، ولد في ربيع الأول سنة خمسين ومات أبوه وهو صغير، فحفظ المقنع ومختصر ابن الحاجب، وأخذ عن بعض مشايخ أخيه وسمع الحديث، وأجاز له عز الدين ابن جماعة وجمال الدين ابن هشام النحوي وغيرهما، وسمع من جده لأمه جمال الدين المرداوي وشرف الدين بن قاضي الجبل وغيرهما، وافتى ودرس واشتغل وناظر وناب في الفضاء دهراً طويلاً وصار كثير المحفوظ جداً، وأما استحضار فروع الفقه فكان فيه عجباً مع استحضار كثير من العلوم، وكان ينسب إلى المجازفة في النقل أحياناً وعليه مآخذ دينية، وانتهت إليه رئاسة الحنابلة في زمانه، وعين للقضاء غير مرة فلم يتفق ذلك، وولي ابن اخيه في حياته وقدم عليه؛ مات في ليلة الجمعة ثاني ذي القعدة، أرخه مؤرخ الشام وأرخه قاضي الحنابلة في خامس عشر شوال. عبد الرحمن وجيه الدين بن الجمال، المصري، ولد بزبيد سنة وتفقه، وتزوج بنت عمه النجم المرجاني، وقطن مكة وأشغل الناس بها في الفقه واشتهر بمعرفته؛ ومات في 17 رجب. عبد الرزاق بن سعد الدين تاج الدين إبراهيم ابن الهيصم، كتب في الديوان المفرد ثم ولي الاستادارية بعد جمال الدين، ثم ولي الوزارة في الدولة المؤيدية ونكب مراراً؛ ومات في يوم الخميس العشرين من ذي الحجة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 عمر بن منصور، الشيخ سراج الدين البهادري الحنفي، ولد سنة بضع وستين، واشتغل بالفقه والعربية والطب والمعاني وغير ذلك حتى مهر واشتهر ودرس وناب في الحكم، وصار يشار إليه في فضلاء الحنفية وفي الأطباء ولم يكن محمود العلاج؛ مات في العشر الثاني من شوال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 محمد ناصر الدين ابن أرغون، المارداني القبيباتي، ولد سنة خمسين وسبعمائة، ونشأ في خدمة الأمراء من عهد آقتمر عبد الغني النائب وهلم جراً، وولي الجيزة والحجوبية والأستادراية عند غير واحد، وكان عارفاً بالأمور، وصحب الناس وعرف أخلاق أهل الدولة وعاشرهم ومازجهم، ثم أقبل على الاشتغال بالفقه حتى صار يستحضر كثيراً من المسائل الفقهية، ويقرأ عنده في الروضة وغيرها، ويكثر من مسايلة من يلقاه من العلماء، وسمعت منه فوائد ولطائف، وكان من جملة من ينتمي إلى أصهارنا بقرابة من النساء؛ مات في رمضان. محمد بن الأشراف برسباي محمد بن الحسن بن محمد، الشيخ شمس الدين الحسني ابن أخي الشيخ تقي الدين الحصني، اشتغل على عمه ولازم طريقته في العبادة والتجرد، ودرس بالشامية وقام في عمارة البادرائية؛ ومات في شهر ربيع الأول، وكان شديد التعصب على الحنابلة. محمد بن حمزة بن محمد بن محمد، الرومي العلامة شمس الدين الحنفي المعروف بابن الفنري - بفتح الفاء والنون مخففاً، ولد في سنة 751 في صفر، وأخذ ببلاده عن العلامة علاء الدين المعروف بالأسود شارح المغني وعن الكمال محمد بن محمد المعري والجمال محمد بن محمد بن محمد الأقصرائي وغيرهم ولازم الاشتغال، ورحل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 إلى الديار المصرية سنة ثمان وسبعين وله عشرون سنة، فأخذ عن الشيخ أكمل الدين وغيره، ثم رجع إلى الروم فولي قضاء برصا مدة؛ ثم تحول إلى قونية فأقام بها، فلما وقع الحرب بين ابن قرمان وابن عثمان وانكسر ابن قرمان أخذ ابن عثمان الشيخ شمس الدين المذكور إلى برها ففوض إليه قضاء مملكته وارتفع قدره عنده فوصل عنده المحل الأعلى وعذق به الأمور كلها وصار في معنى الوزير واشتهر ذكره وشاع فضله، وكان حسن السمت كثير الفضل والإفضال غير أنه يعاب بنحلة بن العربي وبأنه يقرىء الفصوص ويقرره، ولما قدم القاهرة لم يتظاهر بشيء من ذلك، وحج سنة اثنتين وعشرين، فلما رجع طلبه المؤيد فدخل القاهرة واجتمع بفضلائها، ولم يظهر عنه شيء مما كان رمي به من المقالة المذكورة، وكان بعض من اعتنى به أوصاه أن لا يتكلم في شيء من ذلك، فاجتمع به فضلاء العصر وذاكروه وباحثوه وشهدوا له بالفضيلة، ثم رجع إلى القدس فزاره، ثم رجع إلى بلاده وكان قد اثرى إلى الغاية حتى يقال إن عنده من النقد خاصة مائة وخمسين ألف دينار، وكان عارفاً بالقراآت والعربية والمعاني، كثير المشاركة في الفنون، ثم حج سنة ثلاث وثلاثين على طريق أنطاكية ورجع فمات ببلاده في شهر رجب وكان قد أصابه رمد وأشرف على العمى بل يقال إنه عمي ثم رد الله عليه بصره فحج هذه الحجة الأخيرة شكر الله على ذلك، وله تصنيف في أصول الفقه جمع فيه المنار والبزدوي وغيرهما، وأقام في عمله ثلاثين سنة، وأقرأ العضد نحو العشرين مرة، كتب لي بخطه بالإجازة لما قدم القاهرة. محمد تقي الدين بن الشيخ نور الدين علي بن أحمد بن الأمين، المصري ولد سنة ستين، وتفقه قليلاً، وتكسب بالشهادة مدة طويلة، وكان يحفظ شيئاً كثيراً من الآداب والنوادر، واشتهر بمعرفة الملح والزوائد المصرية وثلب الأعراض خصوصاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 الأكابر، فكان بعض الأكابر يقربه لذلك، ولم يكن متصوناً في نفسه ولا في دينه - والله يسامحه! مات في شوال. محمد بن الناصر فرج - محمد بن محمد بن محمد بن محمد الحافظ - الإمام المقرئ شمس الدين ابن الجزري، ولد ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة 751 بدمشق، وتفقه بها، ولهج بطلب الحديث والقراآت، وبرز في القراآت، وعمر مدرسة للقراء سماها دار القرآن وأقرأ الناس، وعين لقضاء الشام مرة، وكتب توقيعه عماد الدين بن كثير ثم عرض عارض فلم يتم ذلك. وقدم القاهرة مراراً، وكان مثرياً وشكلاً حسناً وفصيحاً بليغاً، وكان باشر عند قطلبك استادار ايتمشن فاتفق أنه نقم عليه شيئاً فتهدده، ففر منه فنزل البحر إلى بلاد الروم في سنة ثمان وتسعين، فاتصل بابي يزيد ابن عثمان فعظمه، وأخذ أهل البلاد عنه علم القراآت وأكثروا عنه، ثم كان فيمن حضر الوقعة مع ابن عثمان واللنكية، فلما أسر ابن عثمان اتصل ابن الجزري باللنك فعظمه وفوض له قضاء شيراز فباشره مدة طويلة، وكان كثير الإحسان لأهل الحجاز، وأخذ عنه أهل تلك البلاد في القراآت وسمعوا عليه الحديث، ثم اتفق أنه حج سنة اثنتين وعشرين فنهب ففاته الحج وأقام بينبع ثم بالمدينة ثم دخل مكة، فجاور إلى أن حج ورجع إلى العراق، وكان كاتب المؤيد يأذن له في دخول القاهرة، فمات المؤيد في تلك السنة فرجع، ثم عاد في سنة ست وعشرين وحج ودخل القاهرة سنة 127 فعظمه الملك الأشرف وأكرمه وحج في آخرها وأقام قليلاً، ودخل اليمن تاجراً فاسمع الحديث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 عند صاحبها ووصله ورجع ببضاعة كثيرة، فقدم القاهرة في سنة سبع وأقام بها مدة إلى أن سافر على طريق الشام ثم على طريق البصرة إلى أن وصل إلى شيراز، وقد انتهت إليه رئاسة علم القراآت في الممالك، وكان قديماً صنف الحصن الحصين في الأدعية ولهج به أهل اليمن واستكثروا منه، وسمعوه علي قبل أن يدخل هو إليهم ثم دخل إليهم فأسمعهم، وحدث بالقاهرة بمسند احمد ومسند الشافعي وبغير ذلك، وسمع بدمشق وبمصر من ابن أميلة وابن الشيرجي ومحمود بن خليفة وعماد الدين بن كثير وابن أبي عمر وإبراهيم بن أحمد بن فلاح والكمال بن حبيب وعبد الرحمن بن أحمد البغدادي وغيرهم وبالإسكندرية من عبد الله الدماميني وابن موسى وببعلبك من أحمد بن عبد الكريم؛ وطلب بنفسه وكتب الطباق وعني بالنظم، وكانت عنايته بالقراآت أكثر، وذيل طبقات القراء للذهبي وأجاد فيه، ونظم قصيدة في قراءة الثلاثة، وجمع النشر في القراآت العشر جوده، وذكر أن ابن الخباز أجاز له واتهم في ذلك، وقرأت بخط القاضي علاء الدين بن خطيب الناصرية انه سمع الحافظ أبا إسحاق إبراهيم سبط ابن العجمي يقول: لما دخلت دمشق قال لي الحافظ صدر الدين الياسوفي: لا تسمع مع ابن الجزري شيئاً؛ قلت: وقد سمعت بعض العلماء يتهمه بالمجازفة في القول، وأما الحديث فما أظن ذلك به إلا إنه كان إذا رأى للعصريين شيئاً أغار عليه ونسبه لنفسه، وهذا أمر قد أكثر المتأخرون منه ولم ينفرد به؛ وكانت وفاته في أوائل سنة ثلاث وثلاثين، وكان يلقب في بلاده الإمام الأعظم، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 ولم يكن محمود السيرة في القضاء، واوقفني فتأملتها فوجدته خرجها بأسانيده من جزء الأنصاري وغيره وأخذ كلام شيخنا العراقي في أربعينه العشاريات بنصه، فكأنه استخرج عليها مستخرجاً بعضه بالسماع وأكثره بالإجازة، ومنه ما خرجه شيخنا من جزء ابن عرفة فإنه رواه عن ابن الخباز بالقراءة فأخرجه ابن الجزري عن ابن الخباز بالإجازة. محمد جمال الدين ابن الشيخ بدر الدين يوسف بن الحسن بن محمود، الحلواني، قدم القاهرة سنة 34 فأكرم. ثم طلبه صاحب الحصن بن الاشرف فجهزه إليه، فمات بمصر في هذه السنة، وكان فاضلاً في عدة علوم، وما اظنه أكمل أربعين سنة. محمد بن الشيخ بدر الدين، الحمصي المعروف بابن العصياتي، اشتغل كثيراً، وكان في أول أمره جامد الذهن ثم اتفق أنه سقط من مكان فانشق رأسه نصفين ثم عولج فالتأم فصار حفظة ومهر في العلوم العقلية وغيرها، وكان يرجع إلى دين وينكر المنكر ويوصف بحدة ونقص عقل؛ مات في صفر -. محمد بن ناصر الدين الشيخي، تولى الوزارة للناصر، ثم عزل في سنة أربع وثمانمائة، وصودر بسبب انه ظهر عنده من يعمل الزغل ويخرجه على الناس، فقبض عليه وعوقب إلى أن مات في ذي القعدة. واستقر بعده في الوزارة سعد الله بن عطايا. محمود بن أحمد بن محمد، الفيومي الأصل نور الدين الحموي ابن خطيب الدهشة، ولد سنة خمسين وسبعمائة، وسمع من جماعة وتفقه ببلده على علمائها في ذلك العصر ودخل الشام ومصر طالب علم، ثم ولي قضاء حماة في أول دولة المماليك المؤيد وباشر مباشرة حسنة بعفة ونزاهة وصرف بزين الدين ابن الخزري في أوائل سنة ست الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 وعشرين، واختصر القوت للأذرعي وسماه لباب القوت، وله تكملة شرح المنهاج للسبكي، وشرح الكافية الشافية في العربية، وله منظومة في الخط وشرحها، وهذب المطالع لابن قرقور في قدر ضعفه وانتهت إليه رئاسة المذهب بحماة مع الدين والتواضع المفرط والعفة، والانكباب على المطالعة والاشتغال والتصنيف، وكان مشاركاً في الأدب وغيره وحسن الخط؛ مات في يوم الخميس تاسع عشر شوال بحماة، وكانت جنازته مشهودة، ومن نظمه: وصل حبيبي خبر ... لانه قد رفعه ينصب قلبي غرضاً ... إذ صار مفعولاً معه وبينه وبين الشيخ بدر الدين ابن قاضي أذرعات مكاتبات منظومة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 سنة خمس وثلاثين وثمانمائة وفي تاسع عشر المحرم وصل الأمير طرباي نائب طرابلس فسلم على السلطان وخلع عليه، فأقام خمسة أيام ورجع إلى بلده. وفي شهر رمضان منها استقر دولات خجا الظاهري في ولاية القاهرة عوضاً عن التاج، واستقر التاج في بقية - وظائفه، وكان هذا ظالماً غاشماً، ولي كشف الوجه القبلي فتعدى الحد في العقوبة حتى كان يأمر بأن ينفخ في دبر من يريد عقوبته حتى تندر عيناه وينفلق دماغه، ثم ولي كشف الوجه البحري، ثم استقر في الولاية فجمع كل من في سجن الوالي من أولى الجرائم فأطلقهم، وحلف جهد يمينه أنه متى ظفر بأحد منهم وسطه وفعل ذلك ببعضهم فكفوا، وركب في الليل وطاف وأكثر من ذلك، وألزم الباعة بكنس الشوارع ورشها ووقيد القناديل في حوانيتهم كل ليلة، ومنع النساء من الخروج إلى الترب أيام الجمع، فاستمر على ذلك قدر شهرين ثم أعيد التاج. وفي الخامس من صفر انتشر بمصر جراد كثير في الآفاق ولكن لم يحدث منه شر، ووردت الأخبار بأنه وقع فيما بين بغداد وتبريز فلم يدع خضراء وكثر فساده، وعم الغلاء حتى حدث منه الشدائد وأعقبه الوباء المفرط، وفيه أعيد آقبغا الجمالي لكشف الوجه القبلي، وفي ربيع الآخر نزل بعض المماليك من الطباق لنهب بيت الوزير وكان استعد لهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 فلم يظفروا به ولا بشيء منه، فلما أصبح استعفى من الأستادارية، فقرر السلطان فيها الصاحب بدر الدين بن نصر الله في ثالث عشري ربيع الآخر، فباشرها شهرين ثم انفصل وأعيد آقبغا الجمالي في جمادى الآخرة، وسبب ذلك أنه كان حصل من الصعيد بالظلم والعسف مالاً كثيراً فرافعه بعض الناس فسعى في الحضور فأجيب، فسعى في الأستادارية على أن يزن عشرة آلاف دينار ويلتزم بالتكفية فأجيب، ثم حوقق على جهات احتاط عليها فزيد على الذي وعد به خمسة آلاف دينار فالتزم بها. وفيها أجريت العيون حتى دخلت مكة فامتلأت برك باب المعلي ومرت على سوق الليل إلى الصفا فعم النفع بها، وكان القائم على ذلك سراج الدين ابن شمس الدين بن المراق كبير التجار بدمشق، وصرف على ذلك من مال نفسه شيئاً كثيراً، وفي السابع والعشرين من جمادى الآخرة صرف القاضي زين الدين التفهني من قضاء الحنفية وأعيد العيني، وكانت علة التفهني طالت لأنها ابتدأت به من ذي الحجة، فأقام مدة وعوفي ثم انتكس واستمر، وتداولته الأمراض إلى أن أشيع موته، واستقر في قضاء الحنفية بدر الدين العينتابي، وبلغ التفهني ذلك فشق عليه وركب في اليوم الثاني إلى القرافة حتى شاهده الناس ليتحقق أن العينتابي يقول عليه أنه بلغ الموت لكن لم يفد ذلك فلما دخل شوال مات، وكان مولده سنة بضع وستين. فإن القاضي شمس الدين البساطي ذكر أنه يعرفه من سنة ثمانين وهو بالغ، وكان في غضون مرضه نزل لولده شمس الدين محمد - عن تدريس الصرغتمشية، فشق ذلك على العينتابي وقام فيه وقعد، فصده ناظر الجيش عنه، وأمضى السلطان النزول، فلما مات التفهني صودر ولده على خمسمائة دينار، وكان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 التفهني سمع الحديث من النجم ابن الكشك وغيره واشتغل على جماعة من المشايخ، وأول من نوه به كاتب السر الكلستاني، وكان أصله من تفهنة إحدى القرى الغربية وأبوه طحان، ومات وهو صغير فرباه أخوه شمس الدين محمد، فلما ترعرع دخل القاهرة ونزل في كتاب السبيل بالصرغتمشية، ثم صار عريفاً بالمكتب، ثم نزل في الطلبة ثم نزل في طلبة الشيخونية، فلما نوه به الكلستاني ناب في القضاء وحمدت سيرته، ولازم الاشتغال وحسن خطه، وكتب على الفتاوى فأجاد، وكان حسن الأخلاق كثير الاحتمال شديد السطوة، إذا غضب لا يطاق وإذا رضي لا يكاد يوجد له نظير - رحمه الله تعالى. وفي شعبان صرف القاضي شهاب الدين بن المحمرة عن قضاء الشام واستقر كمال الدين البارزي وخلع عليه يوم الجمعة ثاني شعبان مع استمراره في كتابة سر الشام، فلما بلغ الشام توجه إلى بيت المقدس فصام شهر رمضان هناك وقدم بعد شوال إلى القاهرة، وكان لما سار إلى الشام استناب بدر الدين ابن الأمانة في تدريس الشيخونية وجمال الدين ابن المجبر في مشيخة الصلاحية، فلما تمادت إقامته هناك استنجز مرسوم السلطان بالاستقلال، فلما عاد إلى القاهرة استعاد الوظيفتين منهما بإذن السلطان ولم يلتفت إلى شرط الواقف أن من غاب عن وظيفته أزيد من مدة مجاورة الحاج أخرج منها، وهذا بخلاف شرط سعيد السعداء فإن شرط واقفها أن من غاب عن وظيفته يعود إليها إذا عاد ولو طالت غيبته، فحجة ابن الأمانة قائمة وحجة ابن المجبر داحضة. وفيها وصل من زنوك الصين عدة ومعهم من التحف ما لا يوصف فبيع بمكة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 وفيها أسر حمزة بن قرايلك صاحب آمد، ساره ناصر الدين أمير ماردين وسجنه، لأن أباه كان يغير على معاملة مادرين ويكثر الفساد، فسار قرايلك حتى نازل ماردين وحاصرها مدة إلى أن ملكه، وهرب ناصر الدين أميرها وخلص حمزة بن قرا يلك، واستمرت ماردين في يد قرايلك. وفي رجب قدم نائب الشام أيضاً مطلوباً فوصل في حادي عشري رجب وخلع عليه في ثاني عشري رجب، واستقر أتابك العساكر عوضاً عن جار قطلي وخلع على جار قطلي بنيابة الشام عوضه، وتوجه في أول شعبان منها. وفيها صمم السلطان على السفر إلى البلاد الشمالية بسبب قرا يلك وتجهز غالب الناس ولم يبق إلا السفر، فقدم قاصد قرا يلك وصحبته مفاتيح قلعة ماردين وكان قد غلب عليها وقتل صاحبها، ففتر العزم في هذه السنة. وفيها أراد السلطان عمل دار العدل كما كانت في أيام الظاهر برقوق، فبادروا إلى ترميمها وإصلاح ما تشعث منها، وجلس يوماً ثم ترك. وفيها حج ركب المغاربة وركب التكرور ومعهم بعض ملوكهم. وفيها اشتد تحجير السلطان على التجار وألزمهم بعدم بيع بضائعهم إلا بإذنه، ثم جمعهم في رمضان وسألهم أن يبيعوا عليه جميع ما عندهم من الفلفل بسعر خمسين الحمل، فشق عليهم ولم يجدوا بداً من المطاوعة وكانوا قد باعوه عليهم من قبل السلطان قبل ذلك بسعر ثمانين، فذكر له بعضهم ذلك فلم يلتفت إليه، ثم كتب مراسيم وأرسلت الشام والحجاز والإسكندرية أن لا يبيع أحد البهار ولا يشتريه إلا السلطان، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 وفي ذي القعدة عقد مجلس حضره القضاة الأربعة وقرقماس الحاجب الكبير بإذن السلطان بسبب ما حكم به نائب الحنفي من هدم دار ابن النقاش. وكان السبب في ذلك أن علم الدين البلقيني كان سأل ناظر الجيش أن يتنزع له من كاتبه نظر جامع طولون ونظر الناصرية ليسكت عن طلب العود للقضاء والسعي فيه، فرضي كاتبه بذلك وفوض له ذلك وأخذ به توقيعاً سلطانياً، فمن حمقه أنه هنأ السلطان بعيد الفطر فسأله عن أمر النظرين فشكر السلطان فقال له: ينبغي أن يشكر القاضي الذي أعطاك، فقال: أنا ما أعطاني إلا السلطان، وهذا غاية في الحمق والجهل، فإن الواقف شرط النظر للقاضي الشافعي فلو ولاه السلطان لغيره لم تصح ولايته، فلما بلغني ذلك صرحت بعزله، فما بالي بذلك واستمر يتحدث فيهما افتياتاً من غير مبالاة، فلا استمر على التحدث في جامع طولون استخرج من أوراق أخيه محضراً كان كتبه على ابن النقاش يتضمن أن أمين الدين الطرابلسي حيث كان قاضي الحنفية حكم عليه بسد السراب الذي فتحه في جدار الجامع ليستطرق منه إلى الدخول وان البيت الذي بناه من جملة حريم الجامع فيكون له حكم المسجد، وسأل القاضي بدر الدين العينتابي أن يأذن لأحذ نوابه أن يحكم بذلك، فأسند ذلك للقاضي ناصر الدين الشنشي، فحكم وعرض ذلك على السلطان، فاستعظم الناس هدم البيت المذكور بعد مضي أربعين سنة أو أكثر، وشاهد ذلك أكابر العلماء والأئمة، فأمر السلطان بعقد مجلس، فلما اجتمعوا ادعى مدعي على ولد ابن النقاش بأن البيت في أيديهم يجب هدمه، لأنه عمر في حريم الجامع فله حكم المسجد، وأنه يجب عليهم أجرة المثل عن المدة الماضية في تركة أبيهم إلى أن مات ثم في المدة التي منذ مات يجب من ريعه، فأجاب بأن أباه استأذن القاضي جلال الدين البلقيني في استئجار المذكورة فأذن لنائبه القاضي ولي الدين العراقي في النظر في ذلك فاستوفى الشروط وأذن لبعض العدول في إجارته فأجره بأجرة معينة - مدة معينة ليبني في ذلك الزمان ما أراد واتصل ذلك بالعراقي وحكم به، وذلك مصير منهم إلى أن الأرض المذكورة ليست مسجداً؛ فاتصل ثبوت ذلك بالقاضي المالكي في المجلس لكونها شهادة على الخط ثم اتصل بالشافعي، فحكم بابقاء البناء المذكور وعدم التعرض لهدمه، وكان ابن النقاش قد سد الإستطراق المذكور فحاول العلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 أن يهدم ما سده ثم يبني، فلم يوافقه أحد، وانفصل المجلس على ذلك وقصر حكم نائب الحكم بأن الساحة المذكورة الدائرة حول الجامع من حريم الجامع وأن لها حكم الجامع على ما بناه فيه مما لم يتقدم به حكم أحد من الحكام، وحصل للعلم والحنفي من ذلك حنق زائد، فأما العلم فبذل جهده في السعي ليعود إلى القضاء فتعذر عليه ذلك، وأما الحنفي فصار يمتنع من حضور المجالس مع الشافعي ولله الحمد. وأدير المحمل في هذه السنة في ثالث رجب، وفي هذه السنة منع الناس من السفر في وسط السنة إلى الحجاز صحبة ابن المرأة خشية عليهم من نهب العرب، وكان كسر الخليج في الخامس من مسرى، وانتهت الزيادة في هذه السنة إلى أحد وعشرين إصبعاً من ثمانية عشر ذراعاً في آخر مسرى، ووصل المبشر يوم الجمعة خامس عشرى ذي الحجة، فقطع المسافة في أربعة عشر يوماً، وهذا أسرع ما سمع في ذلك. وفي سابع عشر شعبان وهو الثالث والعشرون من برموده أرعدت السماء وأمطرت مطراً غزيراً، في هذه السنة تقطع غالب الجسور التي عملت للنيل، فشرق بسبب ذلك كثير من الأراضي، وفي أول رمضان تراءى الناس الهلال فخفى عليهم، فشهد به إثنان بعد العشاء فثبت، فلما أصبح السلطان استغرب ذلك لكونه تراءى هو ومن معه ومكانهم بالقلعة مرتفع جداً وكانت السماء صاحية، فاستدعى بالشهود فحضروا عنده، فامتحنهم بأن فرق بينهم وبأن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 ألزمهم أن يشيروا إلى الجهة التي رأوا الهلال فيها في أول ليلة، ففعلوا فلم يخطئوا فمضى الأمر، واتفق في هذه السنة أنهم لم يروا الهلال ليلة الترائي، ثم ثبت في اليوم الثاني من ذي الحجة، فتوافق العيدان في المعنى المذكور، وفيه أكثر السلطان من الركوب إلى الصيد والتنزه حتى ركب في يوم واحد إلى بيت ناظر الجيش ثم إلى بيت ناظر الخاص فحملا له تقادم جليلة، وفيه استقر الوزير كريم الدين ابن كاتب المناخات في كتابة السر مضافاً للوزارة في ثالث شوال عوضاً عن ابن السفاح، وكان السلطان أرسل إلى شهاب الدين ابن الكشك قاضي الحنفية بدمشق بأن يحضر ويستقر في كتابة السر، فأرسل بالإعتذار وبذل مالاً على الكف عنه، فأجيب واستقر كريم الدين، فباشر قليلاً ثم صرف بعد قليل لما حضر ابن البارزي، وفي ذي القعدة استقر القاضي عز الدين عبد العزيز بن علي البغدادي في قضاء الحنابلة بدمشق وفي أواخر جمادى الأولى صرف العينابي من الحسبة، واستقر صلاح الدين بن بدر الدين بن نصر الله. وفي شوال قتل نصراني وقع في حق داود عليه السلام فحبس مدة ليسلم فأصر فقتل. وفي هذه السنة ثارت فتنة عظيمة بين الحنابلة والأشاعرة بدمشق، وتعصب الشيخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 علاء الدين البخارى نزيل دمشق على الحنابلة وبالغ في الحط على ابن تيمية وصرح بتفكيره، فتعصب جماعة من الدماشقة لابن تيمية، وصنف صاحبنا الحافظ شمس الدين ابن ناصر الدين جزءاً في فضل ابن تيمية وسرد أسماء من أثنى عليه من أهل عصره فمن بعدهم على حروف المعجم مبيناً لكلامهم وأرسله إلى القاهرة، فكتب له عليه غالب المصريين بالتصويت، وخالفوا علاء الدين البخارى في إطلاقه القول بتفكيره وتفكير من أطلق عليه أنه شيخ الإسلام، وخرج مرسوم السلطان على أن كل أحد لا يعترض على مذهب غيره ومن أظهر شيئاً مجمعا عليه سمع منه، وسكن الأمر؛ واستقر جارقطلي في نيابة الشام في ثامن عشرى رجب، وفيه ألزم أهل سوق الخيل أن لا يبيعوا لمعم فرساً ولا لجندي من أولاد الناس، ثم بطل ذلك عن قرب، وفيه وقع الفناء في الخيول، فأخذت الناس من الربيع ثم شفع فيهم فأعيد أكثرها، وتوجه عدة من الأمراء إلى بلاد الريف لأخذ الخيول من أيدي الفلاحين. وفي ثالث ربيع الآخر أمر السلطان بإخراج من في السجون على الديون والمصالحة عنهم، وفي أولها اهتم السلطان بأمر الأسعار وأمر بإخراج البذر من حواصله للأراضي البائرة، فكثر الزرع وفرح الناس بذلك وتراجع السعر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 وفيها مات جينوس بن ثاني الفرنجي متولي قبرس الذي كان أسر، ووصل الخبر بذلك في ذي القعدة، واستقر ولده مكانه فبذل الطاعة لصاحب مصر والتزم بما كان أبوه التزم به وأرسل مع رسل السلطان إليه بذلك أربعة وعشرين ألف دينار وكان السلطان الأشرف جهز إلى جوان ابن جينوس الفرنجي متولي قبرص رسولاً، فقابله بالإكرام وقبل الأرض قائماً أمام الكتاب وأجاب بالطاعة وأنه نائب عن السلطان، وجهز المال الذي كان تأخر على والده وجهز سبعمائة ثوب صوف ملونة، وسألوا السلطان أن يكون عندهم نائب من جهته، فأرسل إليهم أميراً ومعه أربعون مملوكاً. وفيها اشتهر خراب الشرق من بغداد إلى تبريز، وكثر الغلاء حتى بيع الرطل اللحم بنصف دينار، وأكلوا الكلاب والميتات، ثم فشا الوباء في العراق والجزيرة وديار بكر. وفيها أمر القضاة بإحضار جميع نوابهم إلى السلطان ليعرفهم، ففعلوا ذلك في أول ذي القعدة، ثم أمروا بتأخير النواب، فسألهم السلطان عن النواب فوقع الكلام إلى أن قال السلطان: يستقر للشافعي خمسة عشر وللحنفي عشرة وللمالكي سبعة وللحنبلي خمسة، فامتثلوا ذلك ثم قال: لا يستنب أحد من غير مذهبه بالقاهرة وأما الضواحي فيستنيب الشافعي عز الدين الحنبلي في قضاء الشام عوضاً عن نظام الدين ابن مفلح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 ذكر من مات في سنة خمس وثلاثين وثمانمائة من الأعيان. أحمد بن إسماعيل، الأشيطي الشيخ شهاب الدين، تفقه قليلاً، ولزم قريبه الشيخ صدر الدين الأبشيطي، وأدب جماعة من أولاد الأكابر، ولهج بالسيرة النبوية فكتب منها كثيراً إلى أن شرع في جمع كتاب حافل في ذلك، وكتب منه نحواً من ثلاثين سفراً يحتوي على سيرة ابن إسحاق وما وضع عليهما من كلام السهيلي وغيره وعلى ما احتوت عليه المغازي للواقدي، وضم إلى ذلك ما في السيرة للعماد بن كثير وغير ذلك، وعنى بضبط الألفاظ الواقعة فيها؛ ومات في سلخ شوال وقد جاوز السبعين. أحمد بن صالح بن محمد بن محمد بن أبي السفاح، شهاب الدين ابن السفاح كاتب السر بحلب ثم بالديار المصرية، ولد سنة 72، وسمع من الكمال ابن حبيب وجماعة من الحلبيين، وحفظ القرآن. وتعانى الكتابة في التوقيع إلى أن مهر فيه، وولي نظر الجيش بحلب، فباشر التوقيع عند يشبك بعد أخيه ناصر الدين، ثم ولي كتابة السر بصفد ثم بحلب مرتين، ثم قدم القاهرة واستقر في توقيع السلطان قبل سلطنته، فلما تسلطن استقر به كاتب السر ابن الكوين في كتابة السر ببلده بحلب إرادة للراحة منه، فتوجه إليها بعد أن كان يباشر توقيع الدست مدة، فلما كان من وفاة الشريف شهاب الدين كاتب السر ما كان وتبعه أخوه أو بكر شغرت وظيفة كاتب السر وذكر لها جماعة، فاقتضى رأي السلطان تقرير هذا فأرسل إليه، فقدم في شهر رمضان سنة ثلاث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 من حلب، واستقر في أواخره، واستمر فيها إلى أن وعك في شهر رمضان هذه السنة فلم يلبث سوى خمسة أيام ومات. وكان قليل الشر غير مهاب ضعيف التصرف قليل العلم جداً، وكان السلطان يمقته في طول ولايته مع استمرار خدمته له ببدنه وماله، ويقول إنه أزعجه بشئ هدده به فضعف قلبه من الرعب ومات منها؛ قال القاضي علاء الدين: هو أخي من الرضاعة وكان صديقي وفيه حشمة ومروءة وعصبية وقيام في حاجة من يقصده؛ ومات في ليلة الأربعاء 14 رمضان عن ثلاث وستين، وعينت بعده للقاضي شهاب الدين ابن الكشك قاضي الحنفية بدمشق فعاد جوابه بالإستعفاء فعيب عليه، والتزم بمال يحمله بسبب الإعفاء، وعين القاضي كمال الدين البارزي، فإلى أن يحضر استقر الوزير كريم الدين مضافاً إلى الوزارة، واستقر في الأستادارية آقبغا الجمالي إلى أن قدم جمال الدين. أحمد بن تقي الدين عبد الرحمن بن العلامة جمال الدين بن هشام، المصري النحوي شهاب الدين، اشتغل كثيراً بمصر، وأخذ عن الشيخ عز الدين ابن جماعة وغيره. وفاق في العربية وغيرها، وكان يجيد لعب الشطرنج، وانصلح بأخرة، وسكن دمشق فمات بها في رابع جمادى الآخرة. أحمد بن عثمان بن محمد بن عبد الله، الحنفي ابن الكلواتاني الشيخ شهاب الدين، ولد في شهر رمضان سنة ست وستين وسبعمائة، وأجاز له قديماً القاضي عز الدين ابن جماعة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 وأحب الحديث بعناية صديق أبيه شمس الدين ابن الوفاء فسمع وهو مترعرع منه الكثير، ثم طاف على الشيوخ في سنة تسع وتسعين وسبعمائة وهلم جرا إلى أن مات، ما فتر ولا ونى ولكنه لم ينجب ولم ينتقل عن الحد الذي ابتدأ فيه في الفهم والمعرفة والحفظ والقراءة درجة بل كان شديد الحرص على الاشتغال في الحديث والفقه والعربية والقراآت، وأعلى من عنده بالسماع ناصر الدين محمد بن علي الحراوي صاحب الدمياطي، وسمع من أصحاب ابن الصواف وابن القيم ثم من أصحاب أصحاب النجيب ثم من أصحاب أصحاب الفخر ثم من أصحاب ست الوزراء وابن الشحنة والواني والدبوسي والحنفي ثم من بعدهم حتى قرأ على أقرانه ومن سمع بعده، وخرج لنفسه شيئاً لم يكمله، وشرع في اختصار تهذيب الكمال فكتب منه شيئاً وتركه، ونسخ بخطه من تصانيف شيوخنا ثم من تصانيف أقرانه كالقاضي ولي الدين وكاتبه وغيرهما شيئاً كثيراً، وخطه ردئ وفهمه بطئ ولحنه فاشي لكنه كان ديناً خيراً كثير العبادة، على وجهه وضاءة الحديث، وكان في أكثر عمره متقللاً من الدنيا حتى كان يتكسب بالشهادة، ثم قرر في قراءة الحديث في القلعة بأخرة بعد الشيخ سراج الدين قارئ الهداية، ومات في 14 جمادى الآخرة. جينوس بن جاكم بن بيدو بن أنطون بن جينوس متملك قبرس وصاحب الواقعة مع المسلمين، هلك واستقر ابنه في قبرس بعده. حسين بن علاء الدولة بن أحمد بن أويس، آخر ملوك العراق من ذرية أويس، وكان اللنك أسره وأخاه حسناً، وحملهما إلى سمرقند ثم أطلقا، فساحا في الأرض فقيرين مجردين، فأما حسن فاتصل بالناصر فرج وصار في خدمته ومات عنده قديماً. وأما حسين فتنقل في البلاد إلى أن دخل العراق فوجد شاه محمد بن شاه ولد بن أحمد بن أويس وكان أبوه صاحب البصرة فمات فملك ولده شاه محمد، فصادفه حسين قد حضره الموت فعهد إليه بالمملكة فاستولى على البصرة وواسط وغيرهما ثم حاربه أصبهان شاه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 بن قرا يوسف، فانتمى حسين إلى شاه رخ بن اللنك، فتقوى بالانتماء إليه وملك الموصل واربل وتكريت وكانت مع قرا يوسف، فقوي اصبهان شاه واستنقذ البلاد وكان يخرب كل بلد ويحرقه - إلى أن حاصر حسيناً بالحلة منذ سبعة أشهر، ثم ظفر به بعد أن أعطاه الامان فقتله خنقاً في ثالث صفر هذه السنة. خالد بن قاسم بن محمد، العاجلي ثم الحلبي زين الدين، ولد في رمضان سنة 753، ولازم القاضي شرف الدين بن فياض وولده أحمد، واخذ عن شمس الدين ابن اليانونية، وأحب مقالة ابن تيمية، وكان من رؤوس القائمين مع أحمد بن البرهان على الظاهر، وهو آخر من مات منهم، وتنزل بالآثار النبوية، وكان قد غلب عليه حب المطالب فمات فلم يظفر بطائل، ونزله المؤيد بمدرسته في الحنابلة؛ ومات في ثالث ذي الحجة. عبد الله بن نور الدين محمد بن قطب الدين عبد الله بن حسن بن يوسف بن عبد الحميد بن أبي الغيث، البهنسي قطب الدين، ويقال له أيضاً جمال الدين، ولد في رجب سنة 755، واشتغل وسمع الحديث وقال الشعر وكان موسراً لكنه كان كثير التقتير على نفسه جداً وأصيب في عقله بأخرة وأكمل الثمانين؛ مات في شهر رمضان. قرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي: أنشدني جمال الدين البهنسي لنفسه: إذا الخل قد فاجاك بالهجر فاسطبر ... وسامح له واغفر بنصح وداره فإن عاد فاقتله ولا تذكر اسمه ... فحول طريق القصد عن باب داره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن علي بن هاشم، التفهني القاضي زين الدين الحنفي، ولد سنة بضع وستين، وسأل اخاه شمس الدين أحد من ينوب في الحكم عن النائب بها عن مولده فذكر أنه ولد سنة 43 وأنه أسن من القاضي زين الدين بعشرين سنة، ولست أرتاب في مجازفته في كل ذلك، ومات أبوه وهو صغير فانتقل إلى القاهرة وهو شاب، وتنزل في مكتب اليتامى بمدرسة صرغتمش، ثم ترقى إلى أن صار عريفاً وتنزل في الطلبة هناك، ولازم الاشتغال ودار على الشيوخ فمهر في الفقه والعربية وجاد خطه وشهر اسمه وخالط الأتراك وصحب بدر الدين محمود الكلستاني كاتب السر فاشتهر ذكره، وناب في الحكم عن الطرابلسي ثم عن ابن العديم كمال الدين ونوه به كمال الدين عند الأكابر، وكان قد تقرر في طلب الشيخونية كمال الدين مشيختها فصار من أفاضلهم، وولي تدريس الصرغتمشية بعناية ابن العديم بعد أن تنازع فيها هو والشيخ شرف الدين التباني، وحصرها التباني ثم انتزعها منه، وتزوج فاطمة بنت شهاب الدين المحلي كبير التجار بمصر ثم انتزعها منه، وسعى في قضاء الحنفية بعد موت ناصر الدين ابن العديم، وراج أمره ثم لم يتم ذلك وولي شمس الدين بن الديري، ثم لما قرر المؤيد الديري في مشيخة المؤيدية فوض إليه قضاء الحنفية في ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين فباشره مباشرة حسنة، وكان حسن العشرة، كثير العصبية لأصحابه، عارفاً بأمور الدنيا عارفاً بمخالطتهم، على أنه يقع منه في بعض الأمور لجاج شديد يعاب به ولا يستطيع أن يتركه، وصرف عن القضاء في سنة تسع وعشرين وبالعيني، ثم أعيد في سنة ثلاث وثلاثين، ثم صرف قبل موته في جمادى الآخرة؛ ومات تاسع شوال، وقد انتهت إليه رياسة أهل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 مذهبه، ويقال إن أم ولده دست عليه سماً، لأن زوجته لما ماتت ظنت أم ولده أنها تنفرد به، فتزوج امرأة وأخرج الأمة فحصلت لها غيرة، والعلم عند الله تعالى - والله يسامحه. عمر بن أبي بكر بن عيسى بن عبد الحميد، المغربي الأصل البصروي زين الدين، قدم دمشق فاشتغل بالفقه والعربية والقراآت وفاق في النحو، وشغل الناس وهو بزي أهل البر، وكان قانعاً باليسير حسن العقيدة، موصوفاً بالخير والدين، سليم الباطن، فارغاً من الرياسة؛ مات في 4 جمادى الآخرة. عيسى بن محمد بن عيسى، الأقفهسي شرف الدين أحد نواب الحكم، تفقه وعرف كثيراً من الفروع وكان يستحضرها، وناب في الحكم مدة طويلة؛ ومات في جمادى الآخرة، ولم يكن مشكوراً، وأظنه جاوز الثمانين وكان يذكر أنه حضر درس الشيخ جمال الدين الأسنوي ثم لازم شيخنا البلقيني وقرأ عليه في تاج الأصول، ورأيت خطه له بذلك، وفيه أنه أذن له في التدريس، وفيه إلحاق الفتوى بخط شرف الدين نفسه الذي لا يخفي فوق قشط، وكانت إجازة الشيخ له في سنة 75، فعاش بعدها ستين سنة، وكان يذكر أنه ناب في الحكم في بعض البلاد عن البرهان ابن جماعة - سامحه الله تعالى. محمد بن سعد الدين، جمال الدين، ملك الحبشة المسلمين، قتل في جمادى الآخرة، وكانت ولايته بعد فقد أخيه منصور في سنة ثمان وعشرين، وكان شجاعاً بطلاً مديماً لجهاد وكان عنده أمير يقال له حرب جوس، كان نصرانياً فأسلم فحسن إسلامه، وكان لا يطاق في القتال، فهزم الحبشة الكفار مراراً وأنكأ فيهم، وغزاهم جمال الدين مرة ومعه حرب جوس فغنم غنائم عظيمة حتى بيع الرأس الرقيق بربطة ورق، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 وانهزم منهم مرة الحطي صاحب الحبشة، ولم يزل جمال الدين على طريقته في الجهاد حتى ثار عليه بنو عمه فقتلوه في هذه السنة، وكان من خير الملوك ديناً ومعرفةً وقوةً وديانةً، وكان يصحب الفقهاء والصلحاء، وينشر العدل في أعماله حتى في ولده وأهله، ومن جملة سعده هلالك الحطي إسحاق بن داود بن سيف أرغد في أيامه في سنة ثلاث وثلاثين، وأقيم بعده اندراس، واسلم على يد جمال الدين خلائق من الحبشة، واستقر بعده في مملكة المسلمين أخوه شهاب الدين أحمد ويلقب بدلاي، فأول ما صنع جد حتى وجد قاتل أخيه فاقتص منه. محمد أبو عبد الله بن صاحب المغرب أبي فارس عبد العزيز، مات وكان ولي عهد أبيه، وأسف عليه أبوه أسفاً كثيراً، وكان موصوفاً بالشهامة ومكارم الأخلاق، لا يعرف له صبوة إلا في الصيد، وكان أبوه قد تخلى له عن الملك غير مرة فيمتنع ويبالغ في الامتناع، فقدرت وفاته بطرابلس المغرب بزاويته التي أنشأها هناك، وكثر الأسف عليه، ويقال إنه كان مغرماً بالجواري، وكان أبوه يعرف ذلك فكان يقول له: إياك والنساء ويكرر ذلك في المجلس حتى يخجله ولا يرتدع، وكان حدث له ورم في ركيتيه، فكان أبوه يخشى عليه من كثرة الجماع. فقدر أن وفاته كانت بسبب ذلك فيما يقال. محمد بن ناصر الدين محمد بن محمد، الحافظ تاج الدين الكركي ابن الغرابيلي سبط العماد الكركي، ولد سنة ست وتسعين بالقاهرة حيث كان جده لامه ونقله أبوه إلى الكرك حيث عمل إمرتها، ثم تحول به إلى القدس سنة سبع عشرة، فاشتغل وحفظ عدة مختصرات كالكافية لابن الحاجب والمختصر الأصلي والإلمام والألفية في الحديث، ولازم الشيخ عمر البلخي فبحث عليه في العضد والمعاني والمنطق، وتخرج أيضاً بنظام الدين قاضي العسكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 وبابن الديري الكبير، ومهر في الفنون إلا الشعر، ثم أقبل على الحديث بكليته فسمع الكثير وعرف العالي والنازل، وقيد الوفيات وغيرها من الفنون، وشرع في شرح على الإلمام، وذكر لي بعض اصحابه أنه أقبل على الحديث من سنة خمس وعشرين، فأقبل لي النظر في التواريخ والعلل، وسمع الكثير ببلده، ورحل إلى دمشق ورحل إلى القاهرة فلازمني إلى أن حرر نسخته من المشتبه غاية التحرير، واغتبط به الطلبة لدماثة خلقه وحسن وجهه وفعله، وقدرت وفاته في جمادى الآخرة بعد أن هم بالحج صحبة ابن المرأة فلم يتهيأ له ذلك، ووعك إلى إن مات وكان من الكملة فصاحة لسان وجرأة ومعرفة وقياماً مع أصحابه ومروءة وتودداً وشرف نفس وقناعة باليسير وإظهاراً للغني مع قلة الشيء، وقد عرض عليه كثير من الوظائف الجليلة فامتنع واكتفى بما كان يحصل له من شيء كان لأبيه، وكان الأكابر يتمنون رؤيته والاجتماع به لما يبلغهم من جميل أوصافه، فيمتنع إلا أن يكون الكبير من أهل العلم - رحمه الله تعالى. يحيى بن عبد الله، القبطي علم الدين أبوكم، باشر نظر الأسواق ثم ولي الوزارة في دولة الناصر فرج، ثم خمل وحج وجاور بمكة مرة - إلى أن مات في 22 رمضان بالقاهرة وقد جاوز السبعين، وكان إسلامه حسناً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 سنة ست وثلاثين وثمانمائة في المحرم حولت السنة الخراجية على العادة، وكان أول السنة الخراجية ثاني يوم المحرم، وكان أوله يوم الجمعة فأول السنة الخراجية يوم السبت، وكان الذهب الأشرفي حينئذ بمائتين وسبعين، وانتهت زيادة النيل إلى خمسة أصابع بعد العشري، وفي السادس والعشرين منه غضب السلطان على آقبغا الجمالي الأستادار وضربه بحضرته عدة مقارع ونحو ثلاثمائة عصا على ما قيل، وأنزل على حمار إلى بيت والي الشرطة وأعيدت الاستادراية إلى الوزير، وانفصل من ولاية كتابة السر، وكوتب جمال الدين محمد بن ناصر الدين محمد البازري وكان قد استقر قاضي الشافعية ليلى كتابة السر، فوصل في أول الجمعة تاسع عشر ربيع الأول، ولم يلبث حتى حمل المال الذي قرر عليه بسبب ذلك، وخلع عليه في يوم السبت العشرين منه، وقرئ تقليده في يوم الخميس ثامن جمادى الأولى، فلم يقم إلا قليلاً حتى تحرك السلطان للسفر إلى الشام فخرج معه، واستقر في قضاء دمشق صهره بهاء الدين ابن حجي، وعرضت كتابة السر على شهاب الدين ابن الكشك، فاعتذر بضعف بصره، فقرر فيها تاج الدين عبد الوهاب بن أفتكين وكان أحد الموقعين بها ويتوكل عن كاتب سر مصر ابن مزهر، وكان الشتاء في هذه السنة معتدلاً بحيث لم يقع به برد شديد سوى أسبوع، وبقيته يشبه مزاجه فصل الربيع في الاعتدال، وفي هذا الشهر أظهر السلطان الجد في التوجه إلى بلاد الشمال، وأعلم الناس بذلك فتجهزوا، وفي حادي عشر جمادى الآخرة أنفق على العسكر ثم أنفق في - المماليك السلطانية والأمراء في سلخ جمادى الآخرة - وهم ألف وسبعمائة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 وفي ربيع الأول استقر محيي الدين يحيى بن حسن بن عبد الواسع الحيحاني المالكي في قضاء دمشق عوضاً عن الشهاب الأموي بحكم وفاته، وفي ثاني عشر شهر رجب أدير المحمل المكي بغير زينة ولا سوق الرماحة ولا رمي النفط ولم يصل المحمل إلى مصر على العادة بل رجعوا به من الصليبية. وفيها حج صاحب التكرور في جمع كثير، فلما رجع من الحج سار إلى الطور ليركب البحر، فمات ودفن بالطور. وفي رجب كائنة القاضي سراج الدين الحمصي بطرابلس مع الشيخ شمس الدين ابن زهرة شيخ الشافعية بطرابلس، وذلك أنه بلغه ما وقع بين علاء الدين البخاري والحنابلة في أمر الشيخ تقي الدين ابن تيمية وأن البخاري أفتى بأن ابن تيمية كافر وأن من سماه شيخ الإسلام يكفر، فاستفتى عليه بعض من يميل لابن تيمية من المصريين فاتفقوا على تخطئته في ذلك وكتبوا خطوطهم، فبلغ ذلك الحمصي فنظم قصيدة تزيد على مائة بيت بوفاق المصريين، وفيها أن من كفر ابن تيمية هو الذي يكفر، فبلغ ذلك ابن زهرة فقام عليه فقال: كفر القاضي، فقام أهل طرابلس على القاضي وأكثرهم يحب ابن زهرة ويتعصب له، ففر الحمصي إلى بعلبك وكاتب أهل الدولة، فأرسلوه له مرسوماً بالكف عنه واستمراره على حاله، فسكن الأمر. وفي صفر استقر في نيابة البحيرة حسن بك بن سالم الدكري أحد أمراء التركمان، وخلع عليه وأمر له بمائة قرقل ومائة قوس ومائة تركاش وثلاثين فرساً، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 وفي أواخره ضربت رقبة نصراني كان أسلم خوفاً من الوالي لأنه ظفر به مع امرأة مسلمة ثم بدا له بعد ثلاثة أيام فارتد، فقتل فأحرقت جثته، وفي سابع عشر جمادى الآخرة أعيد دولات خجا إلى ولاية القاهرة. ذكر السفرة الشمالية في يوم الجمعة تاسع عشر شهر رجب وهو أول يوم نزلت فيه الشمس الحمل رحل السلطان من الريدانية قبل صلاة الجمعة بقدر نصف ساعة، فصلينا الجمعة بالقاهرة وسرنا فبتنا مع العسكر بالعكرشة، ورحل سحراً فوصل بلبيس قبل الظهر، ورحل طلوع الفجر فنزل الحطارة بعد الظهر، ورحل نصف الليل فوصل الصالحية بعد طلوع الشمس يوم الاثنين، ثم رحل منها في ثالثة الثلاثاء إلى الغرابي فنزلها بعد العشاء بكثير فقطع أربعة برد: بتر الوالي ثم العقولة ثم بتر حبوة ثم الغرابي، ورحل يوم الأربعاء وقت الزوال فوصل قطيا بعد العصر والأثقال بعد المغرب، وأقام إلى أن رحل منها بكرة الجمعة فوصل السوادة بعد العشاء، وهي ثلاث برد -: معن ثم المطيلب ثم السوادة، ثم رحل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 قبل طلوع الشمس فوصل إلى العريش بعد العشاء وهي ثلاثة برد الورادة ثم برد ويل فبات بالعريش ليلة الأحد ورحل في الثالثة إلى الحروبة ثم الزعقة قبل المغرب، ثم رحل بعد نصف الليل أول يوم من شعبان فاجتاز على رفخ ثم خان يونس ثم نزل خارج غزة، ثم دخلها وقت العصر سلخ رجب فدخلها - في موكب عظيم فبات خارجها إلى جهة الشام، وسلمنا على السلطان يوم الثلاثاء وهنأناه بالسلامة وبالشهر، وكان ثبت عندهم يوم الاثنين، وحصل من الجند في زرع الناس فساد كبير، وأقام بها ليلة الخميس فرحل فوصل إلى المجدل بعد طلوع الشمس، ونزل بموضع يقال له السكرية، ووقع في تلك الليلة برد شديد عند السحر أشد من الشتاء المعتاد بعد إن كان في النهار شديداً إلى الغاية، ورحل بعد المغرب على طريق العوجاء ولم يدخل الرملة واجتاز بسازور، ورحل قبل طلوع الشمس يوم السبت إلى قاقون وهي منزلة نزهة لكثرة الخضرة والنضارة فنزل بعد العصر، ورحل إلى اللجون ونزل - قبل الفجر، وهي منزلة وعرة إلى الغاية فنزل بعد الظهر، ورحل يوم الاثنين أول النهار فنزل ببيسان وهي طريق وعرة بعد المغرب، ورحل قبل الفجر إلى جسر أم جامع - وحصل لهم فيه وحلة عظيمة عند القنطرتين وهناك النهر من بحيرة طبرية، فوصل إلى الكرك آخر النهار ليلة العاشر، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 وطلع العقبة وهي كثيرة الوعر مع الخضرة في أرضها فنزل بالخربة الظهر، وبات ليلة الحادي عشر فوصل نائب الشام والقضاة أول النهار وسلموا، وسار ليلة الجمعة سحراً إلى العدوانية فنزل الظهر، وفي الطريق قنطرة حصل عندها ازدحام شديد، ورحل ليلة السبت إلى شقحب بعد الظهر والطريق إليها شديد الوعر جداً، وفيه مخاضات وهي أرض فيحاء خضرة، ووصل ليلة الرابع عشر قبل الفجر إلى قبة يلبغا ورم على خان ذي النون والكسوة فبات ليلة النصف واصبح فعمل الموكب ودخل دمشق من أول النهار إلى أن وصل الخيام ببرزة، وهبت في آخر النهار ريح شديدة، وفي صبيحة يوم الثلاثاء سادس عشرة هنينا السلطان بالسلامة، وعقدت مجلس الإملاء بدمشق فاستملي القاضي نور الدين بن سالم، وحضر الحافظ شمس الدين ابن ناصر الدين والقاضي شهاب الدين ابن الكشك وجمع وافر. وفي السابع عشر عقد مجلس بسبب وقف حكم فيه نائب الحنفي، فاعترضه الشيخ علاء الدين البخاري وأفتى بنقض حكمه، فاتفق الجماعة على استمرار الحكم ونفذوه بحضرة الدويدار الكبير، وامتنع ابن حجي من التنفيذ حتى يأذن له الشيخ علاء الدين، فلم يلتفتوا إليه، وصلينا الجمعة بالقابون، ورحل طلوع الفجر العشرين منه فنزل بمرج عذراء، ورحل بعد صالة الفجر وفي الطريق مخاضات ووعر ونزل القطيفة ووصل النبك في صبيحة الثاني والعشرين، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 ورحل وقت الظهر إلى مكان عيون القصب، واجتاز في هذه الرحلة بقارا وحسيان وكانت شديدة المشقة، ووصل هناك نائب طرابلس ونائب حماة، ورحل قبل الفجر رابع عشري شعبان إلى حمص فنزل بظاهرها يوم الخميس، ورحل منها صبح الجمعة وزار خالد بن الوليد وأمر لمن فيه بمائة دينار وكان الزحام على جسر الرستن شديداً ونزل الرستن في أرض وعرة ورحل سحرا ودخل حماة بعد طلوع الشمس يوم السبت، ورحل بعد صلاة الفجر يوم الاثنين فنزل العيون نصف الليل ورحل قبل الزوال فنزل تل السلطان وأمطرت السماء على الناس مطراً شديداً ولاقوا شدة حتى نزلوا نصف الليل تل السلطان فبات ليلة الخميس، وهنئ السلطان بالشهر ووصل قضاة حلب فسلموا وذكروا أنهم لم يروا هلال رمضان ليلة الثلاثاء ثم تبين أنه ثبت عندهم ورحل يوم الخميس ثم نزل قنسرين ليلة الجمعة، ثم رحل فنزل عين مباركة بعد الظهر يوم الجمعة، ثم دخل صبيحة السبت خامس شهر رمضان في موكب هائل إلى حلب، فنزل الشافعي عند القاضي الشافعي، والحنفي في منزل وحده، والمالكي والحنبلي جميعاً في مدرسة، وكانت الإقامة بحلب خمسة عشر يوماً وفي أثنائها استقر محي الدين ابن الشحنة في قضاء الحنفية بحلب، وكانت الوظيفة شاغرة منذ تحول بأكثر إلى القاهرة، وحضر إلى السلطان أكابر أمراء التركمان مثل ابن رمضان وابن قراجا وابن دلغار ومن أمراء العرب، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 وفي الثامن من شهر رمضان أغار.. وفي السادس عشر من شهر رمضان تقدم إلى جهة الفرات نائب طرابلس ونائب صفد ونائب حماة ونائب غزة، وجاء الخبر بان الجسر عمر وأتقن وأن قرقماس البدوي العاصي أرسل جماعة ليحرقوه فأمسك منهم أكثر من عشرين نفساً وسافر بعدهم نائب حلب في تاسع عشر شهر رمضان، ورحل السلطان وجميع العسكر في ليلة الحادي والعشرين من رمضان، وأذن للقاضيين المالكي والحنبلي في الإقامة بحلب، وسافر صحبته الشافعي، وكان الحنفي استأذنه أن يزور أهله بعينتاب فأذن له، فلما رحل السلطان من حلب أرسل إليه مرسوماً أن يلاقيه بالبيرة، وفي رابع عشري رمضان أغار قرقماس البدوي على ابن الأقرع البدوي فقتله واستاق من ماله نحو مائتي بعير، وخرج نائب الغيبة بحلب في طلبه فلم يظفر به، وفي يوم الجمعة اجتاز السلطان الجسر المعد على الفرات واجتاز العسكر بعده أولاً فأولاً فلم يتكاملوا إلى بقية يوم الأحد لكثرتهم، فلما كان يوم الأحد وقت الظهر أذن السلطان للقاضيين الشافعي والحنفي في الرجوع، فلما سلم عليه الشافعي خيره بين الإقامة وبالبيرة أو بحلب، فاختار التوجه صحبة الحنفي إلى عينتاب ليأكل ضيافته ببلده، ثم توجه إلى حلب، فأذن في ذلك واصحبه أميرا صحبته خمسة من الرماة، وتوجها صحبة الأمير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 فدخلا عينتاب قبل العيد بثلاثة ايام ثم صلينا العيد، وتوجهت إلى جهة حلب، وتخلف العيني ببلده أياماً ثم وصل إلى حلب في حادي عشر شوال، وفي الثامن والعشرين من شوال كسفت الشمس بعد العصر واستمرت إلى وقت الغروب فانجلت بعد أن صليت بالجماعة بالجامع الكبير صلاة الكسوف على الصورة المشروعة في السنة النبيوية فما سلمت إلا وقد انجلت، وغربت الشمس فصلينا المغرب بالجامع وانصرفنا بغير خطبة، وكنت بعد السلام من الصلاة أرسلت بعض الشهود ليصعد المنارة ليشاهد الشمس هل تم انجلاءها! فصعد وعاد بأنها انجلت انجلاء تاماً، وذكر أنه صادف في طلوعه رجلاً يفجر بشاب في سلم المنارة، وتعجبت من جرأته في مثل تلك الحالة؛ أما العسكر فاستمر السلطان حتى وصل الرها فعبروها فوجدها خالية، واستمر إلى آمد فنازلها أول يوم وقتل من الفريقين جماعة وتبين أن بها ولد قرايلك وجماعة من العسكر وهي في غاية الحصانة، فلم يقدر عليها فنصب عليها منجنيقاً أقام في عمله مدة، وتبين أن قرا يلك مقيم بجبل بالقرب من آمد، فتوجه إليه بعض العسكر وأوقع به ساقة العسكر فانهزم مكبدة، ثم عطف عليهم لما عرف بعدهم من الجريدة فأوقع بهم فانهزموا وراموا من أمير الجريدة أن يتبعه فخشوا من كيده فتركوه، وبلغ السلطان ذلك فغضب منه، ويقال إن نائب الشام كان غضب من تقدم اينال الجكمي عليه فقصر في طلب قرا يلك مع قدرته عليه لشهامته وفروسيته، وكل شيء له أجل محدود لا يتعداه، وصاروا في شدة في زمن حصار آمد من كثرة الحر والذباب ووخم الأرض من الجيف المقتولة، وعزت الأقوات فوضعوا أيديهم في الزروع التي في ضواحي البلد فأفسدوها، ونقلوا ما بها من الشؤن فتوسعوا به، واتخذوا أرحية ليطحن لهم غلمانهم فيقتاتوا بذلك، ودام الأمر خمسة وثلاثين يوماً إلى أن ملوا ولم يظفروا بشيء فتراسلوا في الصلح، فاستقر الأمر على أن يخطب للسلطان ببلاده، وأن لا يتعرض لأحد من جهة السلطان ولا من معاملات بلاده، ولا يمكن أحداً من جهته يقطع طريق التجار ولا القوافل وأن يسلم أكثرها فأجاب إلى ذلك وانتظم الأمر، وتوجه القاضي شرف الدين سبط ابن العجمي كبير موقعي الدست لتحليفه فحلفه ورجع، وتوجه السلطان بالعساكر إلى الرها فدخلها في تاسع عشر ذي القعدة، وقرر بها نائباً اينال الأجرود الذي كان نائباً بغزة، وجعل عنده مائتي مملوك ليحفظها، وأعطاه تقدمة قانباي البهلوان بحلب، وأعطى قانباي تقدمة تغرى بردى المحمودي بدمشق وقدم إلى حلب، فتلقيناه بالباب وبزاعة في اليوم الأحد رابع عشري ذي القعدة، ودخل حلب في ليلة الاثنين بغير موكب، وأقام بالمخيم أيضاً، واستهل به شهر ذي الحجة، ثم خرج منها يوم السبت السابع منه، فدخل دمشق يوم الخميس التاسع عشر منه ونزل بقلعتها، ونزل الجند ينهبون الناس وحصل الضرر بهم ولكن لم يفحش، ثم رحل منها يوم السبت الثاني والعشرين منه، وفي مستهل ذي الحجة أرسل قرقماس بن نعير ولده إلى السلطان بهدية سنية، ومن جملتها فرس كان اشتراه بألف دينار، ورد على السلطان فرساً سرقه منه تركمانيان فظفر به معهما فجهزهما مع الفرس، فأعجب السلطان ذلك وخلع على ولده وأمر بشنق التركمانيين؛ وذكر الشيخ شهاب الدين أبو بكر بن محمد بن شادي الحصني أين يعقوب بن قرايلك أمير خرت برت على معتقد النسيمي المقتول بحلب، وأنه يرى تحريم معاملة خادم الحرمين وأرسل ينكر على أبيه، وكذا أنكر عليه أخوه علي بك أمير كماخي، وأن قرا يلك راسل اينال الأجرود يتهدده، فأراد قتل رسوله ثم شفع فيه وضربه ورده رداً عنيفاً؛ فبلغ ذلك قرا يلك فندب عسكره إلى القتال فامتنعوا، وأنه بلغه أن السلطان أراد العود إلى آمد فأمر بإحراق جميع المراعي التي حولها وكان قرايلك خرج من آمد إلى أرمس وترك بآمد ولده، فلما زحف العسكر على آمد قتل مراد بك بن قرا يلك بسهم، ونزل محمود بن قرا يلك في عسكر على جبل مشرف على العسكر فصار يتحدى من خرج، فندب السلطان سرية فأحضروا عشرين رجلاً منهم فوسطوا تجاه القلعة. لما عرف بعدهم من الجريدة فأوقع بهم فانهزموا وراموا من أمير الجريدة أن يتبعه فخشوا من كيده فتركوه، وبلغ السلطان ذلك فغضب منه، ويقال إن نائب الشام كان غضب من تقدم اينال الجكمي عليه فقصر في طلب قرا يلك مع قدرته عليه لشهامته وفروسيته، وكل شيء له أجل محدود لا يتعداه، وصاروا في شدة في زمن حصار آمد من كثرة الحر والذباب ووخم الأرض من الجيف المقتولة، وعزت الأقوات فوضعوا أيديهم في الزروع التي في ضواحي البلد فأفسدوها، ونقلوا ما بها من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 الشؤن فتوسعوا به، واتخذوا أرحية ليطحن لهم غلمانهم فيقتاتوا بذلك، ودام الأمر خمسة وثلاثين يوماً إلى أن ملوا ولم يظفروا بشيء فتراسلوا في الصلح، فاستقر الأمر على أن يخطب للسلطان ببلاده، وأن لا يتعرض لأحد من جهة السلطان ولا من معاملات بلاده، ولا يمكن أحداً من جهته يقطع طريق التجار ولا القوافل وأن يسلم أكثرها فأجاب إلى ذلك وانتظم الأمر، وتوجه القاضي شرف الدين سبط ابن العجمي كبير موقعي الدست لتحليفه فحلفه ورجع، وتوجه السلطان بالعساكر إلى الرها فدخلها في تاسع عشر ذي القعدة، وقرر بها نائباً اينال الأجرود الذي كان نائباً بغزة، وجعل عنده مائتي مملوك ليحفظها، وأعطاه تقدمة قانباي البهلوان بحلب، وأعطى قانباي تقدمة تغرى بردى المحمودي بدمشق وقدم إلى حلب، فتلقيناه بالباب وبزاعة في اليوم الأحد رابع عشري ذي القعدة، ودخل حلب في ليلة الاثنين بغير موكب، وأقام بالمخيم أيضاً، واستهل به شهر ذي الحجة، ثم خرج منها يوم السبت السابع منه، فدخل دمشق يوم الخميس التاسع عشر منه ونزل بقلعتها، ونزل الجند ينهبون الناس وحصل الضرر بهم ولكن لم يفحش، ثم رحل منها يوم السبت الثاني والعشرين منه، وفي مستهل ذي الحجة أرسل قرقماس بن نعير ولده إلى السلطان بهدية سنية، ومن جملتها فرس كان اشتراه بألف دينار، ورد على السلطان فرساً سرقه منه تركمانيان فظفر به معهما فجهزهما مع الفرس، فأعجب السلطان ذلك وخلع على ولده وأمر بشنق التركمانيين؛ وذكر الشيخ شهاب الدين أبو بكر بن محمد بن شادي الحصني أين يعقوب بن قرايلك أمير خرت برت على معتقد النسيمي المقتول بحلب، وأنه يرى تحريم معاملة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 خادم الحرمين وأرسل ينكر على أبيه، وكذا أنكر عليه أخوه علي بك أمير كماخي، وأن قرا يلك راسل اينال الأجرود يتهدده، فأراد قتل رسوله ثم شفع فيه وضربه ورده رداً عنيفاً؛ فبلغ ذلك قرا يلك فندب عسكره إلى القتال فامتنعوا، وأنه بلغه أن السلطان أراد العود إلى آمد فأمر بإحراق جميع المراعي التي حولها وكان قرايلك خرج من آمد إلى أرمس وترك بآمد ولده، فلما زحف العسكر على آمد قتل مراد بك بن قرا يلك بسهم، ونزل محمود بن قرا يلك في عسكر على جبل مشرف على العسكر فصار يتحدى من خرج، فندب السلطان سرية فأحضروا عشرين رجلاً منهم فوسطوا تجاه القلعة. وفيها حاصر إسكندر بن قرا يوسف قلعة ساهي وكان صاحبها من نوابه، فلما رجع إسكندر من محاربته مع شاه رخ أرسل إليه النائب ولده ليهنئه بالسلامة، وكان شاباً جميلاً فحبسه عنده يرتكب منه الفاحشة فيما قيل، ثم أرسله لأبيه، فلما أخبر أباه بما جرى له عصى على إسكندر فتوجه إليه وحاصره فلم يظفر منه بشيء، وكان للإسكندر في تلك القلعة عدة من النساء فخشي عليهن من أيدي أعاديه لحصانتها، فنفذ الأمير إلى النسوة المذكورات فقسمهن بينه بين ولده الذي أفحش فيه الإسكندر وبين ابن عمه وجعلوهن بمنزلة السراري لهم، فبلغ ذلك الإسكندر فزاد في حنقه. وفي ذي الحجة توقف النيل عن العادة ونقص منه عدة أصابع قبل الوفاء واستمر ذلك ستة أيام، فضج الناس وغلا السعر قليلاً، ثم وقعت الزيادة وأوفى وكان ما سنذكره في السنة المقبلة إن شاء الله تعالى. وفي هذه السنة قبض ايدكي بن أبي يزيد بن عثمان صاحب الروم على أخيه أرصر بك فأكحله وسجنه مدة طويلة، فاتفق أنه مات في هذه السنة وكان له مملوك يخدمه في السجن اسمه طوغان فدس له جارية في صورة مملوك فأقامت عنده للوطىء حتى اشتملت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 منه على حمل فولدت منه ذكراً سماه سليمان وبنتاً فلما مات أخذهما طوغان وأمهما وهرب بهم من السجن إلى حلب فلاقى السلطان لما عاد من آمد وشكا له حاله، فأكرمه وجهز الأخوين إلى القاهرة ورتب له راتباً وأسكنهما القلعة إلى أن جرى لهما ما سيأتي ذكره في سنة أربعين. ذكر الحوادث في غيبة السلطان الأشرف بالقاهرة قرأت بخط الشريف صلاح الدين الاسيوطي في أوائل شعبان: دخل سائل إلى السوق الحاجب يسال فقال له تاجر: يفتح الله! فتناول من يد التاجر أوراق حساب خطفاً وخرج هارباً، فاتبعه التاجر ليأخذ منه الحساب - فخطف من جزار سكينة وضرب بها التاجر فمات في الحال وأظهر الفقير التجانن فحمل إلى المارستان، وذهب دم التاجر هدراً. وفي رمضان تخاصم أقيماوي ولحام على نصف فضة فخنق أحدهما الآخر فوقع مغشياً عليه فمات بعد يومين، وتخاصم اثنان من المسحرين فضرب أحدهما الآخر فسقط ميتاً، وطلق عجمي زوجته ثم ندم فتبعها في زقاق فضربها بسكين فماتت، وتزوج بعض مشاهير البزازين بنت أمير فعشقت عليه عبداً أسود فأدخلته في زي امرأة وقالت لزوجها إنها بنت أمير كبير، فعمل لها ضيافة وجلست يومها مع ذلك العبد والزوج لا يجسر على دخول البيت إكراماً لها، فلما دخل الليل سألته أن يبيت في طبقة وحده وتبيت هي مع حوند إكراماً لها، فقبل ذلك ونامت هي مع محبوبها فسكرا فسولت لها نفسها أن اتفقت معه أن يقتل زوجها فهجم عليه بسكين فضربه فخابت الضربة، فاستغاث فأمسك العبد وضرب فأقر فأمضى فيه الحكم. وأما الزوجة فحلفت لزوجها أنها هي وبنت الأمير باتتا تلك الليلة وما علمتا بقصة ذلك العبد أصلاً، فصدقها واستمر معها. وفها احترق بيت البرهان المحلي التاجر الذي على شاطئ النيل بمصر، وكان أعجوبة الدهر في إتقان اليناء وكثرة الرخام والزخرفة والمنافع الكثيرة من القاعات والأروقة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 فاحترق جميعه وسلمت المدرسة التي بجواره وهي من إنشاء المحلي أيضاً، وكان يقال إن مصروف بيت المحلي المذكور خمسون ألف مثقال ذهباً، وذلك في شعبان، ووقع الجريق في مصر والقاهرة في عدة أماكن لكنها لا يقارب هذا، وكان سعر القمح بكل دينار أشرفي إردب ونصف مصري يكون ثمنها من الفضة بالوزن ستة دراهم الإردب، ومن الفضة الكاملة دون العشرة وهذا في نهاية الرخص، وحج بالناس أينال الششماني والحاج قليل جداً فساروا ركباً واحداً، وفي غيبة السلطان وقع في عدة أماكن الحريق، منها بيت المحلي كما تقدم، واحترقت غلال كثيرة في الجرون بناحية شيبين القصر. وفي رابع عشر ذي القعدة خسف القمر، في ليلة الثالث عشر من جمادى الأولى خسف القمر كله قدر ثلاث ساعات، وفي الثامن عشر جمادى الآخرة أسفر اسنبغا الطياري إلى جدة لتحصيل المكوس الهندية، وأرسل معه سعد الدين ابن المرأة كاتباً على عادته واسنبغا شاداً عليه، وسافر معه جماعة لقصد المجاورة من تجار وغيرهم. وفيها قدم مقبل الرومي نائب صفد وقدم هدية هائلة وخلع عليه خلعة استمرار، وتوجه إلى بلاده في جمادى الأولى، وكانت له إلى الآن في نيابة صفد نحو عشر سنين. وفي شهر رمضان منها ذكر لي رفيقنا الفاضل إبراهيم بن حسن ابن عمر البقاعي أنه رأى ي النوم قبل إن ندخل إلى حلب أن السلطان مات وأنه صار يتعجب من كونه مات على فراشه واستيقظ ثم لم يظهر لنا تعبير ذلك المنام والعلم عند الله تعالى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 وفيها انتزع أصبهان ابن قرا يوسف بغداد من مراد بن محمد فبعث أربعين رجلاً في زي القلندرية وقرر معهم أن يقتلوا البوابين ويفتحوا له الباب في يوم معين ففعلوا ففر محمد، ثم استولى أصبهان على بغداد فسار فيها أفحش سيرة - ولله الأمر. ذكر من مات في سنة ست وثلاثين وثمانمائة من الأعيان إبراهيم بن حجاج، الأبناسي برهان الدين، اشتغل كثيراً وسكن زاوية سميه الشيخ برهان الدين الأبناسي، وانتفع الطلبة له؛ ومات بعد ضعف طويل في سابع عشري ربيع الآخر. أحمد الملك الأشرف بن العادل سليمان ابن المجاهد غازي بن الكمال محمد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 بن العادل أبي بكر بن الأوحد عبد الله بن المعظم توران شاه بن الصالح نجم الدين أيوب صاحب مصر ابن الكامل محمد صاحب مصر ابن العادل أبي بكر صاحب مصر ابن الأمير نجم الدين أيوب بن شادي بن مروان - الأيوبي صاحب حصن كيفا وكان خرج في عسكره لملاقاة السلطان على حصار آمد فاتفق انه نزل لصلاة الصبح فوقع به فريق من التركمان فأوقعوا به على غرة فقتل، ووصل بقية أصحابه وولده إلى السلطان، فقرر ولده في مملكة أبيه، وكان فاضلاً ديناً، له شعر حسن، وقفت على ديوانه وهو يشتمل على نوائح في أبيه وغزل وزهديات، وغير ذلك، وكان جواداً محباً في العلماء - رحمه الله تعالى! واستقر في مملكته ولده الملك الصالح خليل وهو على طريقة والده في محبة العلماء خصوصاً الشافعية، وله نظم أيضاً، وقدم أخوه شرف الدين يحيى بتقدمة أخيه على السلطان بآمد، فخلع عليه وكتب عهد أخيه ولقب بالملك الكامل، وسار في بلاده سيرة حسنة ونشر العدل، واستوزر القاضي زين الدين عبد الرحمن بن عبد الله بن المجير وهو قاضي شافعي عالم حسن السيرة، ووقع من قرا يلك تعرض للإفساد ببعض بلاده فأرسل إليه يهدده، فخضع له وصالحه على أن كلاً منهما لا يتعرض لبلاد الآخر - واستمر الصلح بينهما. أحمد بن عبد الله بن محمد بن محمد، الأموي القاضي شهاب الدين المالكي، نشأ بدمشق وتعاطى الشهادة وكتب جيداً وخدم البرهان التادلي ثم ولي قضاء طرابلس، ثم ولي قضاء دمشق سنة خمس وثمانمائة نحو ثلاثة اشهر، ثم أعيد سنة ست وثمانمائة فامتنع النائب من إمضاء ولايته، ثم ولي من قبل شيخ سنة اثنتي عشرة وانفصل بعد أربعة اشهر وهرب مع شيخ إلى بلاد الروم وقاسى شدة، ثم لما تسلطن شيخ ولاه القضاء بالديار المصرية وذلك في شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة، فباشر دون السنة بأيام، وكان شيخ يكرهه ويسميه الساحر ولكن كان بعض أهل الدولة يراعيه، ثم استقر في قضاء الشام سنة إحدى وعشرين ونحو أربعة أشهر ثم أعيد في جمادى الآخرة سنة أربع وعشرين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 واستمر إلى أن مات بسبب أن الأشرف كان يعتقده، لأنه بشره وهو في السجن بأنه سيلي السلطنة فلما تسلطن اتفق أنه كان حينئذ قاضياً فاستمر به ولم يسمع فيه كلام أحد مع شهرته بسوء سيرته والجهل الزائد، وكان متجاهراً بأخذ الرشوة، وحصل مالاً طائلاً تمزق بعده؛ مات ليلة الثلاثاء حادي عشر صفر. أحمد بن غلام الله بن أحمد بن محمد، الميقاتي شهاب الدين الكوم الريشي اشتغل في فن النجوم وعرف كثيراً من الأحكام وصار يحل الزيج ويكتب التقاويم واشتهر بذلك؛ مات في صفر وقد أناف على الخمسين. أبو بكر زين الدين الأنبابي الشافعي، أحد نواب الحكم، وكان كثير الاشتغال، أخذ عن الشيخ علاء الدين الأقفهسي وابن العماد والبلقيني وغيرهم وكان خيراً؛ مات في شعبان. تاني بك الناصري أحد أمراء العشرات، رأس نوبة، ويعرف بالبهلوان؛ مات في شوال. جاني بك الحمزاوي، ولي نيابة غزة، قتل بها في ذي الحجة -. تغرى بردى المحمودي، تنقل في الخدم إلى أن ولي تقدمة ألف وقرر راس نوبة كبيراً، ثم صرف وحبس بعد أن كان رأس الذين غزوا الفرنج بقبرس، ثم أفرج عنه وقرر أميراً بدمشق؛ ومات في قتال قرا يلك في ذي القعدة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 سودون ميق الظاهري، أحد أمراء الألوف بمصر؛ مات في آخر شوال. حسن بن شرف الدين أبي بكر بن أحمد، الشيخ بدر الدين القدسي الحنفي وهو يومئذ شيخ الشيخونية، قرر فيها لما أعيد التفهني في رجب سنة 33 إلى القضاء وكان أولاً ينوب عنه، واشتغل قديماً من سنة ثمانين وهلم جراً بالقدس ثم بدمشق ثم بالقاهرة، وكان فاضلاً في العربية وغيرها؛ مات ثالث ربيع الآخر وكان ذلك يوم الخميس - وقد قارب السبعين، واستقر بعده في تدريس جامع المارداني الشيخ سعد الدين ابن الديري فلبس بعض الناس على السلطان أنه نزل له، وكان السلطان أمر بترك النزولات وعدم إمضائها، فغضب وأمر بتقرير محب الدين بن الشيخ زاده فيها، فتالم الناس لسعد الدين، واعتذر محب الدين بأنه لم يكن له في ذلك سعي ولا يقدر على مخالفة السلطان خشية على نفسه، واستقر في مشيخة الشيخونية عوضاً عن القدسي الشيخ باكير الملطي نقلاً من قضاء حلب، وتأخر حضوره إلى رجب، وباشر، وهو أبو بكر بن إسحاق الحنفي وأصله من ملطية وسكن حلب مدة، وهو كثير السكوت، قليل البضاعة، حسن الهيئة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 عبد الرحمن بن محمد، القزويني المعروف بالحلالي - بمهملة ولام وثقيلة - الشيخ زين الدين من أهل جزيرة ابن عمر، وهو ابن أخت العالم نظام الدين عالم بغداد، ولد سنة بضع وسبعين، وأخذ عن أبيه وغيره، وبرع في الفقه والقراآت والتفسير، وحج، وقدم حلب لطلب زيارة القدس فزار، ثم رجع إلى حلب وهو في سن الكهولة وظهرت فضائله، ودخل القاهرة في سنة 34 وأخذوا عنه ثم رجع؛ فلما وصل إلى بلده مات بعد أربعة اشهر، وذلك في سنة ست وثلاثين ظناً - قاله القاضي علاء الدين قال: واجتمعت به فرأيته عالماً بالفقه والمعاني والبيان والعربية، وله صيت كبير في بلاده وكان عالمها، قرأت بخط عبد الرحمن بن محمد الحلالي الشافعي القزويني أنه يروى البخاري عن قاضي المدينة عن الحجار ولم يسمه، وأنا أظنه شيخنا زين الدين ابن حسين، فإنه كان يروي عن الحجار بالإجازة وهو آخر من حدث عنه بها فيما أعلم وأنه يرويه عن المحدث شمس الدين ابن كثير بسماعه له على الحجار، وكتب خطه في أواخر سنة 831. عبد الوهاب بن أفتكين الذي ولي كتابة السر في العام الماضي بدمشق، مات في آخر السنة، وقرر السلطان عوضه في كتابه السر بدمشق نجم الدين ابن المدني نقلاً من نظر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 الجيش بالشام إليها، وأرسل توقيعه بذلك في أواخر ذي الحجة، فوصل في آخر المحرم وباشر ونعم الرجل هو. عثمان الأمير فخر الدين بن الأمير ناصر الدين محمد الطحان الحاجب بحلب، كان مات في خامس عشر المحرم خارج حلب - وأحضر إليها في سابع عشرة ودفن فيه. علي بن عمر الكثيري انتزع ظفار من عبد الله بن محمد بن عمر ابن أبي بكر بن عبد الوهاب بن علي بن نزار انطفاري، واستمر فيها إلى هذه الغاية. علي بن محمد بن نور الدين بن جلال الدين، الطنبذي، انتهت إليه رياسة التجار بالديار المصرية، وكان كثير الحج، كثير الإسراف على نفس، حسن المعاملة، وشاهدته يقرض المحتاج بغير ربح مراراً، وكان له بر الجماعة ومروءة في الجملة على ما فيه؛ مات في ليلة الجمعة 14 صفر وقد جاوز السبعين. علي بن يوسف بن عمر بن أنور، صاحب مقدشوه في عصرنا، ويلقب المؤيد بن المظفر بن المنصور. محمد بن جوهر، المدير في الجيش؛ مات بحلب في رمضان. محمد بن عبد الرحيم بن أحمد، المنهاجي المعروف بسبط ابن - اللبان الشيخ شمس الدين الشافعي، ولد بعد السبعين، واشتغل قديماً، وأخذ عن مشايخ العصر كالعز بن جماعة وشمس الدين بن القطان، وقرأ على ابن القطان صحيح البخاري بحضوري، وقرأ على ترجمة البخاري يوم الختم، وتعاني نظم الشعر فتمهر فيه، وله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 عدة قصائد ومقاطيع، ومهر في الفقه والأصول، وعمل المواعيد وشغل الناس، ولزم بأخرة جامع عمرو بن العاص يقرأ فيه الحديث والمواعيد ويشغل الناس، وكان حسن الإدراك واسع المعرفة بالفنون، حج هذه السنة من البحر فسلم، ودخل مكة في شهر رجب فجاور إلى زمن إقامة الحج فحج وقضى نسكه ورمى جمرة العقبة ثم رجع فمات بمنى قبل أن يطوف طواف الإفاضة، سمعت من نظمه، وطارحني مراراً، وكتب عني كثيراً. محمد بن عبد الحق بن إسماعيل، السبتي أبو عبد الله، ولد سنة 783، وأخذ عن الحاج أبي القاسم بن أبي حجة ببلده، ووصل إلى غرناطة فقرأ بالأدب، وقدم القاهرة سنة 32 فحج، وحضر عندي في الإملاء فزار وأوقفني على شرح البردة له، وله آداب وفضائل؛ مات في صفر. محمد بن علي بن موسى، الشيخ شمس الدين الدمشقي المعروف بابن قديدار. ولد سنة 152 تقريباً، لأنه قال: كتب في فتنة تنبغا روس رضيعاً، وقرأ القرآن في صغره، وحفظ المنهاج والعمدة والألفية، وتلا بالسبع على جماعة منهم ابن اللبان، وصحب الشيخ أبا بكر الموصلي والشيخ قطب الدين، وأقبل على العبادة، واشتهر من بعد سنة تسعين حتى أن اللنك لما طرق الشام أرسل من حماه وحمى من معه، وكان شيخ المؤيد يعظمه، وأرسله في سنة ثمان وثمانمائة رسولاً عنه إلى الناصر، فاجتمعنا به بالقاهرة ومصر وسمعنا من فوائده، وكان سهل العريكة، لين الجانب، متواضعاً جداً، محباً في العلماء والمحدثين، وكان قدم رفيقاً له في ذلك الشيخ شهاب الدين بن حجى فنزلا بمدرسة البلقيني ثم بمدرسة المحلى على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 شاطئ النيل ثم رجعا، وبنى شيخ له زاوية، وكان يتردد إلى بيروت للمرابطة، وله بها زاوية فيها سلاح كثير، وكلمته نافذة عند الفرنج، ويكتب إليهم بسبب المسلمين فيقبلون ما يكتب به، وحصل له في آخر عمره ضعف في بدنه وثقل سمعه؛ ومات ليلة عيد الفطر ودفن صبيحتها، وكانت جنازته مشهودة، وصلينا عليه بحلب صلاة الغائب. منكلى بغا الحاجب وهو من مماليك الظاهر، اشتغل كثيراً، وكتب الخط الحسن، وولي حسبة القاهرة في دولة المؤيد، وأرسله الناصر فرج إلى اللنك، وكان يذاكر بشئ من الفقه؛ مات - في ليلة الخميس - في حادى عشر ربيع الأول. يوسف جمال الدين بن صاروجا بن عبد الله، المعروف بالحجازي، تنقلت به الأحوال في الخدم، وعمل أستادارا، وتقدم في أواخر دولة الناصر عند الدويدار طوغان، وكان زوج ابنته ويدعوه: أبي، وكثر ذلك حتى صار يقال له: أبو طوغان، وكان عارفاً بالأمور. خوند والدة عبد العزيز بن برقوق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 سنة سبع وثلاثين وثمانمائة أولها الثلاثاء بلا نزاع، فإن الهلال غاب ليلة الثلاثاء قبل العشاء بنحو نصف ساعة، وفي الحساب أولها الإثنين، وفي أول يوم منها أوفى النيل، ثم كسر الخليج في يوم الأربعاء الثاني منه، واستمرت الزيادة إلى يوم وصول العسكر، واستهلت ونحن بالطريق إلى غزة، ورحل السلطان منها يوم الخميس يوم عاشوراء، وساق على الطريق التي توجه فيها، وأرسل إلى القدس خمسة آلاف دينار صدقة، وكان الوصول إلى بلبيس يوم الجمعة ثامن عشرة، ومات ما بين غزة وبلبيس من الجمال والبغال والحمير والخيول مالا يحصى كثرة بحيث صارت الأرض منتنة الرائحة مع شدة الحر، ووصل إلى خانقاه سرياقوس ليلة السبت، فأصبح فدخل القاهرة في موكب عظيم جداً، وشق القاهرة وأمامه الخليفة والقضاة والأمراء. وزينت له المدينة. وبعد يومين وصل الحاج وأخبروا بالرخاء والأمن وأنه مات منهم في طريق المدينة خلق كثير من شدة الحر، وأمطرت السماء مطراً غزيراً، فنقص النيل نقصاً فاحشاً وكان انتهى إلى سبع عشر إصبعاً من ثمانية عشر ذراعاً، فبادروا إلى كسر سد الأميرية فظهر النقص فيه، وانكشف كثير من الأراضي، واستشعر الناس الغلاء فبادروا إلى خزن الغلال - والله المستعان. ثم تراجعت الزيادة إلى أن نودي بإصبع من ثمانية عشر، ثم عاد النقص وأظنه لكسر الصليبي، فنودي في يوم الأحد عاشر صفر الموافق لثالث عشر توت بإصبع لتكملة ستة عشر إصبعاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 من سبعة عشر ذراعاً، وبلغ سعر القمح مائة وثمانين بعد أن كان بتسعين، والفول بمائة وعشرة، والشعير كذلك، وامتدت الأيدي إلى تحصيل الغلال إما للمؤنة وإما للتجارة فاشتد الخطب - ولله الأمر! ومع ذلك فلطف الله بأهل مصر لطفاً عظيماً كما سيأتي بيانه بحيث أن جميع من خزن القمح ندم على ذلك لعدم إرتفاع سعره في طول المدة، وفيها أرسل يوسف بن محمد بن يوسف ابن محمد بن يوسف بن محمد بن الأحمر إلى أبي عبد الله محمد بن نصر بن أبي عبد الله بن الأحمر المعروف بالأيسر عسكراً حاصره وهو بالمرية، وكان من شأنه أنه ثار على محمد بن الموال ففر إلى مالقة فجمع عسكراً ونازل ابن الموال فغلب عليه فقتله، ثم ثار عليه محمد بن يوسف والد يوسف المذكور فغلب على غرناطة، ففر الأيسر إلى تونس فأقام في كنف أبي فارس حتى جهز معه عسكراً إلى غرناطة، فملكها ثالث مرة وقتل محمد بن يوسف، فثار عليه يوسف ولده فقتله وكان صحبة أبي فارس منذ قتل أبوه، فلما مات أبو فارس توجه إلى صاحب فنشالة الفرنجي فأمده بعسكر، وكتب إلى أهل رندة ومالقة وغيرها أن يعينوه، وإلى أهل غرناطة أن يطيعوه، وتهددهم إن خالفوه، فسار يوسف فملك رندة ودخل غرناطة وفر منه الأيسر واستقر فيها، فلما كان في هذه السنة جهز إلى الأيسر عسكراً وهو بالمرية. وفي شعبان طلب من البلاد بالوجه البحري خيول، فوظف على كل بلد فرس واحد، وعلى البلد الكبير إثنان أو ثلاثة، وإن لم يوجد فيه خيل أخذ عوض الفرس خمسة آلاف، فكانت مظلمة حادثة، - وفيه - في التاسع والعشرين منه كان ختان يوسف ابن السلطان الذي ولي السلطنة بعد أبيه ولقب العزيز وعمره يومئذ نحو تسع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 سنين، أو هو ابن عشر ودخل في الحادية عشرة، وختن معه عدة من أولاد الأمراء وغيرهم، وكان مهماً حافلاً؛ ورأيت في كتاب بعض من يذكر الحوادث أن امرأة طلقت وهي حامل فكتمت حملها وتزوجت، ثم طلقها الزوج فتزوجت بثالث ثم بعد ذلك أخذها الطلق ووضعت ولداً صورته صورة الضفدع في قدر الطفل، فسترها الله بأن أماته - قرأت ذلك بخط الشيخ تقي الدين المقريزي، وأعيد التاج إلى ولاية القاهرة عند قدوم السلطان إلى القلعة وعزل دولات خجا، ثم أعطى ولاية القليوبية والمنوفية في ربيع الآخر، وانتهت زيادة النيل إلى سبعة عشر ذراعاً وسبعة عشر إصبعاً، ثم نقص بعد النيروز دفعة واحدة قدر ذراع ثم عادت الزيادة إلى أن كاد يكمل السابع عشر، فنقص أيضاً قدر خمسة عشر إصبعاً، ثم عادت الزيادة في العشرين من توت فتناهت إلى قدر عشرين إصبعاً من السابع عشر، ثم عاد النقص واستمر وشرقت غالب البلاد العالية من الصعيد الأعلى فما دونه، وشرق بعض بلاد الجيزة وما والاها، ومع ذلك لطف الله تعالى بالمسلمين في هذه السنة المباركة لطفاً عظيماً بحيث أن سعر القمح مع ارتفاعه قليلاً لم ينقطع الواصل منه، واستمر ذلك إلى أن جاء المغل الجديد وتناقص السعر، وفي صفر أعيد آقبغا الجمالي إلى كشف الوجه القبلي، وفي ليلة السبت تاسع ربيع الأول هبت ريح شديدة قلعت كثيراً من الأشجار بدمياط من أصولها، فتساقطت نخيل كثيرة وفسدت أشجار الموز، وفسد كثير من الأقصاب، وأسف كثير من الناس على ما تلف من ماله، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 وشاع أن في أوائله وقع سراق الفرنج على سبعة مراكب للمغاربة المسلمين، فأسروا من فيها، ونهبوا الأموال والبضائع، وأحرقوا ثلاثة منها وساروا بأربعة، وفي ثامن عشر ربيع الأول أخرج إقطاع الأمير - الكبير - سودون بن عبد الرحمن وكان نائب الشام وأمر بلزوم بيته، فأرسل سودون في صبيحة ذلك اليوم جميع ما عنده من الخيل والجمال والبغال للسلطان، ولم يقرر في المارستان أحداً ولا في الأتابكبية، وأضيف الإقطاع إلى الديوان المفرد، ثم أمر بنفيه إلى دمياط في جمادى الآخرة، فاستمر بها إلى أن مات، والعجب أنه ولد له في ذا الشهر مولود من جارية ولم يكن له ولد ذكر، وقيل إنهم تكلموا مع السلطان في إحضاره إلى القاهرة ثم لم يتم ذلك وفي يوم الخميس ثاني عشر شهر ربيع الآخر نزل السلطان في عدد يسير فدخل المرستان وقرر أمره ونادى بأنه الناظر عليهم، ومن كانت له حاجة أو ظلامة فليحضر إلى باب السلطان! وفيه استقر إينال الششماني في نيابة صفد بحكم وفاة مقبل. - وفيه - في ثالث عشرى شوال استقر خليل بن شاهين الصفوي في نظر الإسكندرية، وكان أبوه يسكن القدس ونشأ ابنه هناك، ثم قدم القاهرة وتزوج أخت خوند جلبان زوج السلطان فعظمت حرمته، وسعى في حجوبية الإسكندرية ثم في نيابتها. وفي صفر ألزم الوزير بحمل ما يوفر من العليق في ديوان الدولة وفي ديوان المفرد، فكان جملته سبعين ألف إردب، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 513 وفي ربيع الأول عملت مكحلة لرمي المنجنيق من نحاس وزنها مائة وعشرون قنطاراً بالمصري، ونصبت خارج باب القرافة، ورموا بها إلى جهة الجبل بأحجار زنة بعضها قدر ستمائة رطل. وفيه وصل كتب من دمياط بأنه هبت بها رياح عاصفة - فتقصفت نخيل كثيرة، وتلفت أشجار الموز وقصب السكر من الصقيع -، وانهدمت عدة دور، - وفزع الناس من شدة الريح حتى خرجوا إلى ظاهر البلد - وسقطت صاعقة فأحرقت شيئاً كثيراً، ثم نزل المطر فدام طويلاً. وفيها وقع بمكة سيل عظيم طبق ما بين الجبلين، وانهدمت بمكة دور كثيرة، ووصل الماء إلى قرب باب الكعبة، وطاف بعض الناس سبحاً، وأقام الماء يوماً بالحرم إلى أن صرف، وفاضت زمزم إلى أن شرع الماء بها هدراً قرأت في كتاب علي بن إبراهيم الأبي الزبيدي نزيل مكة لما كان في ليلة الحادي والعشرين من جمادى الأولى وقع بمكة مطر غزير سالت منه الأودية وكانت ليلة الجمعة، فأصبحوا وقد صار في المسجد ارتفاع أربعة أذرع - ماء -، فأزيلت عتبة باب إبراهيم فخرج الماء من المسفلة، فبقى من الطين في المسجد نحو نصف ذراع، وتهدمت في تلك الليلة دور كثيرة، ومات تحت الردم جماعة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 وقرأت في كتاب صاحبنا شهاب الدين الجرهي أنه تلف له كتب كثيرة من السيل، وعقب هذا السيل وباء. وفي يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الآخرة وعك السلطان فاستمر بالقولنج خمسة أيام ثم تماثل وعدته فوجدته كما به، ثم عدته في أول يوم من شهر رجب فوجدته تماثل، ثم صلى الجمعة ثاني شهر رجب وكانوا أرجفوا بموته وتحزبوا أحزاباً، ووجل الناس من إثارة الفتنة، وفي أوائل شعبان قرئ البخاري في القلعة على العادة، وحضر شخص عجمي يقال له شمس الدين - محمد - الهروي ويقال له ابن الحلاج كهل من أبناء الأربعين ادعى أنه يعرف مائة وعشرين علماً، فأظهر بأواً عظيماً وشرع يسأل أسئلة مشكلة، وظهرت منه أمور تدل على إعجاب زائد فآل أمره إلى أن وقعت منه أمور أنكرت من جهة المعتقد، فزجر فخذل بعد ذلك وصار كآحاد الطلبة، واعتذر بعد ذلك أن بعض الناس أغراه بذلك ظناً منه أن ينقص من قدر كاتبه، فأبى الله ذلك وحاق المكر السيئ بأهله - ولله الحمد! وفيه في الجملة ذكاء وعلى ذهنه فوائد كثيرة وعنده استعداد ويعرف الطب، وعدت عليه سقطات، وبحث مع سعد الدين بن الديري فلم يحبه، وقرر من جملة المشايخ ورتب له ما يكفيه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 وفيه استعفى الوزير كريم الدين من الوزارة وشكا من كثرة المصروف وقلة المتحصل، فاسترضى بزيادة بلد أضيفت له فاستمر، ثم تغيب في يوم السبت ثالث عشرى رجب بعد أن طلع القلعة، واستقر في الوزارة أمين الدين إبراهيم الذي كان ولي نظر الدولة، وهو ولد مجد الدين عبد الغني ابن الهيصم الذي كان ولي نظر الخاص في دولة الناصر فرج، ولبس الخلعة في هذا اليوم المذكور، وهرع الناس للسلام عليه بمنزله ظاهر باب القنطرة بالقرب من الميس، فلما كان يوم الثلاثاء استقر ولده وهو صغير السن في نظر الدولة، وألبس خلعة لذلك وشغرت الأستادارية، وتكلموا مع السلطان في استقرار جانبك مملوك ناظر الجيوش عبد الباسط فيها فأجاب لذلك، ثم بطل ذلك وسعى ناظر الجيش في إعفائه، - وتغيظ السلطان على المباشرين، وألزم ناظر الخاص فيما قيل بالمباشرة فيها، واستعفى - فأمر أن ينادي بأمان الأستادار، فبلغه ذلك فظهر، وذلك في السابع والعشرين منه، وطلع إلى السلطان، فخلع عليه قباء كان عليه، ونزل إلى داره وفرح الناس - به - وكان يوماً مشهوداً - تم في .... -، ومن حوادث سنة 37 أنه أحصى من في الإسكندرية من الحاكة فوجد فيها ثمانمائة نول، وكان ذلك وقع في سنة 797، فبلغوا أربعة عشر ألف نول بمباشرة جمال الدين محمود الأستادار، ونحو هذا أن كتاب الجيش أحصوا قرى مصر قبلها وتحررها، فبلغت عدتها ألفين ومائة وسبعين قرية؛ وقد ذكر بعض القدماء في أوائل دولة الفاطميين أن عدتها عشرة آلاف. وفيها أعيد جلال الدين أبو السعادات على القضاة في جمادى الآخرة عوضاً عن الجمال محمد بن علي الشيبي، وفي رجب سافر الناس صحبة أرنيغا إلى مكة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 وفي ذي القعدة استقر الشيخ شمس الدين محمد - بن أحمد - المالكي الفرياني المغربي في قضاء نابلس شافعياً وسافر إليها، وهو كثير الإستحضار للتواريخ، وكان يتعانى عمل المواعيد بقرى مصر وبدمياط وبلاد السواحل، وصحب الناس، وهو حسن العشرة نزهاً عفيفاً، وقد حدث بحلب عن أبي المجالس البطرني وما أظنه سمع منه فإنه ذكر لنا أن مولده سنة ثمانين ببلده وكان البطرني بتونس ومات بعد سنة تسعين، ورأيت له عند أصحابنا بحلب إسناداً للمسلسل بالأولية مختلفاً إلى السلفي وآخر أشد اختلافا منه إلى نصر الوائلي، وسئلت عنهما فبينت لهم فسادهما، ثم وقفت مع جمال الدين ابن السابق الحموي على كراسة كتبها عنه بأسانيده في الكتب الستة أكثرها مختلق وجلها مركب، وأوقفني الشيخ تقي الدين المقريزي له على تراجم كتبها له بخطه كلها مختلفة إلا الشئ اليسير - والله المستعان! ثم وقفت على ذلك بخط الفرياني المذكور وهو بضم الفاء وتشديد الراء بعدها ياء آخر الحروف وبعد الألف نون. وفي رمضان ألزم السلطان القاضي بدر الدين ابن الأمانة بالحج لأنه ترجم له بأنه من المياسير وأنه قارب الثمانين ولم يحج فسأله فقال؛ حججت وأنا صغير، فقال: لا بد أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 تحج حجة الإسلام هذه السنة، فأجاب وحج ورجع سالماً، وجرى نظيره للعراقي فمات كما تقدم، ومن العجب أن ابن الأمانة لما ألزم تكره ذلك كثيرا؛ وفي يوم السبت عاشر ذي الحجة يوم عيد الأضحى ولد لمحمد ولدي ابنة سماها بيرم، ثم ماتت عن قرب بعد أن استهلت السنة، وفي يوم السبت خامس عشرى ذي الحجة وافق سابع مسرى كسر الخليج على العادة، وحصل للناس السرور بالوفاء، وكانت الوقفة بمكة يوم الجمعة، وكان الحج كثيراً، وحج جقمق وهو يومئذ أمير سلاح في أواخر ذي القعدة على الرواحل وصحبته خلق كثير، فحج ورجع أيضاً في العاشر من المحرم. وفي هذه السنة كثر فساد الفرنج الكتيلان، فأخذوا عدة مراكب للتجار وأسروا من فيها، وباعوهم أسرى، وكاتب صاحبهم السلطان ينكر عليه إلزامه للفرنج بشراء بضائعه من الفلفل وغيره، فمزق السلطان كتابه لما قرئ عنه. وفي التاسع والعشرين من شعبان ليلة السبت تراءى الناس الهلال فلم يروه، وأجمع أهل الفن أنه تغيب مع غيبوبة الشمس، فحضر ولد شهاب الدين أحمد بن قطب الدين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 محمد بن عمر الشيبي فأخبر أنه رأى الهلال، وكان المحتسب حاضراً وكانوا كتبوا الورق على العادة بتضمن عدم الرؤية، وحضرت إلى السلطان فقلت للمحتسب: استصحب هذا معك، فتوجه به فذكر أنه صمم على أنه رآه، فسأل السلطان عنه فأثنوا عليه لكونه يقرب لجليس السلطان ولي الدين ابن قاسم، فأمر بالعمل بما يقتضيه الشرع، فحكم الحنبلي بمقتضى شهادته ونودي في الناس بالصيام، وذكر أن الناس بمد عدة ثلاثين تراءوا الهلال ليلة الإثنين فلم يروه، ولم يجئ أحد من البلاد يخبر برؤيته ليلة الأحد، لكن نحن اعتمدنا على حكم الحنبلي وأكملنا العدة ثلاثين ولم نتعرض للترائي ومن زعم أن الناس خرجوا للترائي فقد وهم، وإنما شاع أن بعض الناس تراءى فلم ير شيئاً، واتفق أن غالب الجهات المتباعدة وكثيراً من المتقاربة عيدوا يوم الإثنين. وكان وفاء النيل في الثامن عشر من ذي الحجة، وصادف أنه أول يوم من مسرى وكان في العام الماضي تأخر إلى العشر الأخير منه، فبسبب ذلك التأخير وهذا الإسراع وقع الوفاء في أول العام وفي آخره، ولكن لزم منه أنه لم يقع في العام المقبل وفاء بل تأخر إلى أن دخل العام الذي يليه، فصار كالعام الوفاء مرتين وخلا عن العام الذي يليه، وهو من النوادر. وفيها كانت لا ينال الأجرود النائب بالرها وقعة مع التركمان، وسببها أن بعض أتباعه كان في تسيير خيله فوقع بطائفة منهم فثار بهم فقتل منهم، فخرج إينال نجدة له - فخرج عليه كمينهم - فوقع بينهم قتال فقتل بين الطائفتين جماعة ودخل إينال المرقب فبلغ ذلك السلطان فكتب إلى نائب حلب قرقماس أن يتوجه بالعسكر إلى الرها، وكتب إلى سائر الممالك الشامية أنهم إن تحققوا نزول قرايلك على الرها أن يتقدموا بعساكرهم إلى اللحاق بقرقماس لقتال قرايلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 519 وفيها أخرب أصبهان بن قرا يوسف بغداد وتشتت أهلها منها، وأخرب قبل ذلك الموصل. وفيها جهز السلطان الجنيد أمير آخور إلى الغرب لمشتري الخيول، فعاد ومعه كتب من تونس وهدية من صاحبها وخيول جياد اشتراها. ذكر من مات في سنة سبع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان. إبراهيم بن داود بن محمد - بن أبي بكر - العباسي ولد أمير المؤمنين المعتضد ابن المتوكل العباسي، ولم يكن بقى له غيره، وكان رجلاً حسناً كبير الرئاسة، قرأ القرآن وحفظ المنهاج واشتغل كثيراً، وخلف أباه لما سافر خلافة حسنة شكر عليها، ومات بمرض السل في ليلة الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول بالقاهرة ولم يكمل الثلاثين، ولم يبق لأبيه ولد ذكر، وذكر أنه تمام عشرين ولدا ذكرا. أحمد بن محمود بن أحمد بن إسماعيل - بن محمد - بن أبي العز، الدمشقي شهاب الدين الحنفي المعروف بابن الكشك، انتهت إليه رئاسة أهل الشام في زمانه، وكا شهماً قوي النفس مستحضراً لكثير من الأحكام، ولي قضاء الحنفية استقلالاً مدة ثم أضيفت إليه نظر الجيش في الدولة المؤيدية وبعدها ثم صرف عنهما معاً، ثم أعيد لقضاء الشام وعين لكتابة السر بعد موت شهاب الدين ابن السفاح، فاعتذر لضعف يعتريه وهو عسر البول، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 وكانت بينه وبين نجم الدين ابن حجى معاداة فكان كل منهما يبالغ في الآخر، لكن كان ابن الكشك أجود من ابن حجى - سامحهما الله تعالى! عاش ابن الكشك بضعاً وخمسين سنة وكانت وفاته ليلة الخميس سبع ربيع الأول بالشام. إسماعيل بن أبي بكر بن المقرئ عالم البلاد اليمنية، شرف الدين أصله من الشرجة من سواحل اليمن، وولد سنة خمس وستين وسبعمائة بأبيات حسين، وسكن زبيد، ومهر في الفقه والعربية والأدب، وجمع كتاباً في الفقه سماه عنوان الشرف، يشتمل على أربعة علوم غير الفقه، يخرج من رموز في المتن عجيب الوضع، اجتمعت به في سنة ثمانمائة ثم في سنة ست وثمانمائة، وفي كل مرة يحصل لي منه الود الزائد والإقبال، وتنقلت به الأحوال، وولي إمرة بعض البلاد في دولة الأشرف، ونالته من الناصر جائحة تارة وإقبال أخرى، وكان يتشوف لولاية القضاء بتلك البلاد فلم يتفق له. ومن نظمه بديعية التزم أن تكون في كل بيت تورية مع التورية باسم النوع البديعي، وله مسائل وفضائل، وعمل مرة ما يتفرع من الخلاف في مسألة الماء المشمس فبلغت آلافا، وله شرح - مختصر - الحاوي في مجلدين، وحج سنة بضع عشرة، وأسمع كثيراً من شعره بمكة رحمه الله تعالى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 آقبغا الجمالي الذي كان عمل الأستادرية الكبرى غير مرة، وفي الآخر ولاه السلطان كشف البحيرة فتوجه إلى هناك فأغار على بعض العرب، فتجمعوا عليه وذهب دمه هدراً، وكان أهوج مقداماً غشوماً، وهو من مماليك كمشبغا الجمالي، وخرج الوزير الأستادار عبد الكريم ابن كاتب المناخات بعسكر فجمع العرب وأمنهم وأحضرهم إلى السلطان في 21 ربيع الآخر. أبو بكر بن علي بن حجة، الحموي الحنفي، الشيخ الأديب الفاضل، شاعر الشام، تقي الدين الأزراري، كان في ابتداء أمره يعقد الأزرار، وكان يخضب بالحمرة، ثم تعانى النظم فتولع أولاً بالأزجال والمواليا ومهر في ذلك وفاق أهل عصره، ثم نظم القصائد ومدح أعيان أهل بلده، ودخل الشام فمدح برهان الدين ابن جماعة قبل التسعين بقصيدة كافية أعجبته، فطاف بها على نبهاء عصره فقرظوها له، ودخل بسبب ذلك إلى القاهرة فدل على القاضي فخر الدين بن مكانس ومدحه وطارح ولده وكتب له على القصيدة، ومن نظمه: سرنا وليل شعره ينسدل ... وقد غدا بنومنا مسفرا فقال صبح ثغره مبتسما ... عند الصباح يحمد القوم السرى ومنه: في سويدا مقلة الحب نادى جفنه ... وهو يقنص للأسود صيدا لا تقولوا ما في السويداء رجال ... فأنا اليوم من رجال السويدا واجتمعت به إذ ذاك، ثم عاد مرة أخرى فتأكدت الصحبة، ولما رجع في الأول صادف الحريق الكائن بدمشق لما كان الظاهر يحاصر دمشق بعد أن خرج من الكرك وكان أمراً مهولاً، فعمل فيه رسالة وكاتب بها ابن مكانس وهي طويلة، وأقام بحماة يمدح أمراءها وقضاتها، وله قصيدة في علاء الدين ابن أبي البقاء قاضي دمشق، ومدح أمين الدين الحمصي كاتب السر حينئذ وغيره ودخل القاهرة، ثم نوه به القاضي ناصر الدين البارزي في الدولة المؤيدية فعظم أمره وشاع ذكره، وكان نظم قصيدة بديعية على طريقة شيخه المعز الموصلي وشرحها في ثلاث مجلدات، وجمع مجاميع أخرى مخترعة وله في المؤيد غرر القصائد وقرر في ديوان الإنشاء منشئ الديوان، وعمل في طول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 الدولة المؤيدية من إنشائه مجلدين في الوقائع، ودخل مع المؤيد بلاد الروم، فلما انقضت الدولة المؤيدية رق حاله فرجع إلى بلده حماة فأقام بها على خير إلى أن مات في الخامس والعشرين من شعبان، سمعت من نظمه كثيراً، وسمعت عليه معظم شرحه على بديعيته وجملة من إنشائه، ولقيته بحماة سنة ست وثلاثين ذهاباً وإياباً، وبيننا مودة أكيدة - والله المسؤول إن يرحمه ونعم الرجل كان - رحمه الله تعالى. أبو بكر المقيم ببولاق، أحد من كان يعتقد، وكان مقيماً بالحسينية ظاهر القاهرة ثم تحول إلى بولاق وبنيت له زاوية، فاتفق أنه أمر بأن يبنى له بها قبر فبنى، فلما انتهت عمارته ضعف فمات فدفن فيه في المحرم، ويحكى عنه كرامات، ومكاشفات - وكان في الغالب ثملاً -. جار قطلي نائب الشام، تنقل في الخدم إلى أن ولي نيابة حماة في الدولة المؤيدية ثم نقل إلى نيابة حلب عوضاً عن تاني بك البجاسي واستقر البجاسي في نيابة دمشق فكان دخوله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 523 إلى حلب في شوال سنة ست وعشرين، ثم نقل إلى القاهرة في سنة ثلاث وثلاثين فأمر تقدمة، ثم قرر أتابك العساكر بها ثم نقل إلى نيابة دمشق بعد عزل سودون من عبد الرحمن، فكانت مدة ولايته لها قدر سنة واحدة إلى أن مات - ليلة الإثنين في تاسع عشر - في شهر رجب، وكان شهماً مسرفاً على نفسه، يحب العدل والإنصاف ولم يخلف ولداً، واستقر بعده في نيابة الشام قصروه نائب حلب نقلاً منها، واستقر عوضه في نيابة حلب قرقماس الحاجب الكبير، واستقر عوضه في الحجوبية يشبك المشد، ومن الاتفاق أن رفيقاً لي رأى لما كنا في سفرة آمد قبل أن ندخل حلباً وذلك في رمضان أن الناس اجتمعوا فطلبوا من يؤم بهم فرأوا رجلاً ينسب إلى الصلاح فسألوه أن يؤم بهم فقال بل يؤم بهم قرقماس، ففي الحال حضر قرقماس فتقدم فصلى بهم، فوليها بعد ذلك بدون السنة، ونفى سودون من عبد الرحمن الذي كان نائب الشام إلى دمياط بعد أن كان بذل في نيابة الشام ستين ألف دينار يعجل نصفها ويجهز ويرسل نصفها بعد الولاية فلم يجب، واستقر عوضه في إمرته الأمير الكبير إينال الجكمي أمير سلاح، واستقر عوضه آقبغا التمرازي أمير سلاح وكان أمير مجلس، واستقر عوضه أمير مجلس جقمق أمير آخور، واستقر عوضه أمير آخور تغرى برمش الذي كان نائب الغيبة في سفر الشام، كل ذلك في يوم الخميس سلخ رجب، وفي الثالث من شعبان ماتت أم تغرى برمش المذكور، وكان الجمع في جنازتها حافلاً ومنع ابنها أكابر الناس من المشي في جنازتها وركب وركبوا إلى مصلى المؤمني. رمبثة بن محمد بن عجلان، الحسني الذي كان ولي إمرة مكة، وكان خرج في طائفة من العسكر للوقيعة ببني إبراهيم على نحو من ثمانية أيام من مكة، فقتل في المعركة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 عبد الله بن عبد الله العفيف المعروف بالأشرفي كان مملوكاً رومياً اشتراه أرغون الفاخوري ورباه، فتعلم الخط وحذق اللسان العربي وتعانى الخدم، فرآه البرهان المحلى - التاجر - فأعجبه، فاشتراه من أرغون ثم أعتقه، ثم تنقلت به الأحوال حتى اتصل المذكور بالملك الأشرف إسماعيل صاحب اليمن، فعظم عنده جداً وفوض إليه أمر المتاجر بعدن، وصار يكتب بخطه الأشرفي واشتهر بها، فشرق به المحلى وتولدت بينهما العداوة، وكان يباشر بصرامة وشهامة وبعض عسف مع معرفة تامة، فلم يزل على ذلك من سنة ثمانمائة يتنقل الحال في ذلك بينه وبين نور الدين ابن جميع إلى أن مات الأشرفي وتولى ولده الناصر ومات ابن جميع، وتحول العفيف الأشرفي إلى مكة فسكنها نحواً من عشر سنين، ثم تحول إلى القاهرة فقطنها، واستقام أمره إلى أن قدر أنه خرج في تجارة إلى جهة طرابلس فأسر من طائفة من الفرنج وقعوا بالمركب الذي هو فيه فانتبهوا ما معه، واستمر في الأسر نحواً من أربع سنين إلى أن مات في هذه السنة في ربيع الآخر. عبد الله جمال الدين بن الشيخ شمس الدين محمد بن محمد، العراقي الحلبي الأصل نزيل القاهرة، ولد سنة 64 تقريباً بحلب، وكان أبوه من صدور علمائها، وتربى هو بعد موته عند الشيخ شهاب الدين الأذرعي، وحصل له وظائف أبيه، ثم تعلق بعد أن كبر بولاية الحكم فناب في عدة بلاد وولي قضاء بعض البلاد على غير مذهبه، ولم يكن متحرياً وكان يعرف الشروط، ويستكثر من شراء الكتب مع عدم فراغه للاشتغال، وقدم القاهرة سنة إحدى وعشرين فقطنها إلى أن مات، وفي هذه السنة قيل للسلطان إنه لم يحج، فأرسل إليه في العشر الأخير من شوال، فسأله عن ذلك فاعترف، فأمره أن يحج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 في هذه السنة، فبادر إلى الإجابة وأظهر الفرح بذلك، فنزل في الحال فتجهز وتوجه صحبة الركب الأول، فقدرت وفاته بمغارة نبط - ذاهباً - على ما بلغنا، ولم أعرف له سماعاً في الحديث ولا حدث، وكان مبغضاً للناس بغير سبب غالباً - عفا الله عنه -. عبد الله بن مسعود، التونسي المكي الشيخ الجليل المعروف بابن القرشية أخذ عن والده وذكر أنه .... قرأت بخطه أن من شيوخه شيخنا بالإجازة أبا عبد الله بن عرفة وقاضي الجماعة أبا العباس أحمد بن محمد بن جعدة أخذ عن محمد بن عبد السلام شارح ابن الحاجب، ومنهم أبو القاسم أحمد بن أبي العباس الغبريني، أخذ عن أبي جعفر بن الزبير وعن ابن عربون وابن هارون، ومنهم أبو العباس أحمد بن أدريس الزواوي شيخ بحاية، وحدث بالحديث المسلسل بالأولية ومصافحة المعمر، ومنهم أبو عبد الله بن مرزوق، ومنهم أبو الحسن محمد بن أبي العباس أحمد الأنصاري البطرني، وذكر أنه قرأ عليه القراآت وسمع عليه كثيراً من الحديث وألبسه خرقة التصوف، ومنهم أبو العباس أحمد بن مسعود بن غالب البلنسي، أخذ عن الوادياشي وعن أبي عبد الله بن هزال. عبد العزيز السلطان أبو فارس بن أبي العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن عمر الهنتاني الحفصي صاحب تونس، مات وهو قاصد إلى تلمسان وقد مضى كثير من أخباره في الحوادث، قرأت بخط صاحبنا أبي عبد الله محمد ابن عبد الحق الهنتي فيما كتب من سيرته أنه بلغه أنه كان لا ينام من الليل إلا قليلاً حتى حزر مقدار ما ينامه بالليل أربع ساعات لا يزيد قط بل ربما نقصت، وليس له شغل إلا النظر في مصالح ملكه، وكان يؤذن بنفسه ويؤم بالناس في الجماعة ويكثر من الذكر ويقرب أهل الخير، وقد أبطل كثيراً من المفاسد والتركاس بتونس منها العيالة وهو مكان يباع فيه الخمر للفرنج ويحصل منه في السنة شئ كثير وكان لأكثر الجيش عليه رواتب فأبطله وعوضهم - وأخرج المحسس بولده، قال - وشكى إليه قلة القمح - بالسوق - فدعا تجاره فعرض عليهم قمحاً من عنده وقال: أريد بيع هذا بسعر دينار ونصف، فاسترخصوه، فأمر ببيعه بذلك السعر وأن لا يشتري أحد من غيره بفوق ذلك، فاحتاجوا أن يبيعوا بذلك القدر فترك هو البيع فبلغه أنهم زادوا قليلاً فأمر بأن يباع ما عنده بسعر دينار واحد، وتقدم إلى خازنه أنه إن وجد القمح بالسوق لا يبيع من عنده شيئاً وإلا باع بسعر دينار فاضطروا إلى أن باعوا، فكانت تلك من أحسن الحيل في تمشية حال الناس، ولم يكن ببلاده كلها شئ من المكوس ولكنه كان يبالغ في أخذ الزكاة والعشر، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 وكان محافظاً على عمارة الطرق حتى أمنت القوافل في أيامه في جميع بلاده. وذكر أنه حضر محاكمة مع منازع له في بستان إلى القاضي فحكم عليه، فقبل الحكم وأنصف الغريم، وكان إذا مر في الأسواق يسلم، ولا يلبس الحرير ولا يجلس عليه ولا يتختم بالذهب. وكانت صدقاته إلى الحرمين وإلى جماعة من الصلحاء بالقاهرة وغيرها مستمرة، وما سافر قط مع كثرة أسفاره إلا قدم بين يديه صدقات للزوايا وكذلك إذا عاد، وكتب إليه ابن عرفة مرة: والله لا أعلم يوماً يمر - علي ولا ليلة - إلا وأنا داع لكم بخير الدنيا والآخرة فإنكم عماد الدين ونصرة المسلمين؛ مات في 14 ذي الحجة عن ست وسبعين سنة بعد أن خطب له بفاس وتلمسان وما والاهما من المدن والقرى إحدى وأربعين سنة وأزيد، وقام من بعده حفيده المنتصر أبو عبد الله محمد بن الأمين أبي عبد الله محمد ابن أبي فارس. عبد العزيز عز الدين بن القاضي بدر الدين محمد بن عبد العزيز بن الأمانة، مات في سابع عشرى جمادى الأولى، وكان شاباً صالحاً عفيفاً فاضلاً، اشتغل كثيراً ودرس وعمل المواعيد بالجامع الأزهر. علي بن حسين ابن عروة المشرقي ثم الدمشقي الحنبلي أبو الحسن ابن زكنون، ولد قبل الستين وكان في ابتداء أمره جمالاً، وسمع علي بن يحيى بن يوسف الرحبي ويوسف الصيرفي ومحمد بن محمد بن داود وغيرهم، وكان يذكر أنه سمع من ابن المحب ثم أقبل على العبادة والإشتغال فبرع، وأقبل على مسند أحمد فرتبه على الأبواب، ونقل في كل باب ما يتعلق بشرحه من كتاب المغنى وغيره، وفرغ في مجلدات كثيرة، وكان منقطعاً في مسجد يعرف بمسجد القدم خارج دمشق، وكان يقرئ الأطفال ثم انقطع ويصلي الجمعة بالجامع الأموي ويقرأ عليه بعد الصلاة في الشرح، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 وثار بينه وبين الشافعية شر كبير بسبب الاعتقاد، وكان زاهداً عابداً قانتاً خيراً لا يقبل لأحد شيئاً، ولا يأكل إلا من كسب يده؛ توفي في ثاني عشر جمادى الآخرة، وكانت جنازته حافلة. عمر بن علي بن حجى، الشيخ الحنفي البسطامي، أصله من العجم، وصحب بعض الفقراء، ودخل القدس فلازم الشيخ عبد الله البسطامي فعرف به، وأخذ عن الشيخ محمد القرمي، ثم قدم مصر وسكن بقرب اللؤلؤة بالعارض، وكان خيراً ساكناً، يعتقدون الناس فيه، وله مدد من عقار يملكه ويستأجره، وكان قد أقعد وهو مع ذلك ملازم الصلاة والذكر، وقل أن ترد رسائله؛ مات في حادي عشر ذي الحجة وقد قارب التسعين، وسمعت بعض الناس يذكر أنه جاوز المائة وليس كما يظن. قطلو بغا حجى البانقوسي حمو الظاهر ططر، ولي نظر الأوقاف في أيام الأشرف مدة، وباشر بعنف شديد ثم لانت عريكته، ثم انفصل ومات في يوم السبت 25 صفر. محمد بن أحمد، المالكي فتح الدين ابن النعاس - بالعين والسين المهملتين - أحد موقعي الحكم، كان حسن الخط عارفاً بالوثائق، وولي الخطابة بمدرسة ناظر الجيش عبد الباسط وكان يتلمذ لإبن وفاء وتقدم في الصلاة عليه بإشارة ناظر الجيش بحضور القاضي الحنبلي وغيره من الأعيان. ولم يتفق لي حضورها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 محمد بن أبي بكر بن محمد بن سلامة. المارديني الحلبي الحنفي الشيخ بدر الدين، اشتغل ببلده مدة ولقى أكابر المشايخ وحفظ عدة مختصرات ومهر في الفنون وشغل الناس، وقدم إلى حلب مراراً فاشتغل بها ثم درس في أماكن وأقام بها مدة عشر سنين ثم رجع، ولما غلب قرايلك على ماردين نقله إلى آمد فأقام مدة، ثم أفرج عنه فرجع عنه إلى حلب فقطنها، ودرس في عدة مدارس، ثم حصل له فالج قبل موته بنحو عشر سنين فانقطع، ثم خف عنه وصار ثقيل الحركة، وكان حسن النظم والمذاكرة، اجتمعت به في حلب، وذكر لي أن مولده سنة خمس وخمسين ومدحني بقصيدة رائية وأجبته عنها، ومات ثانى صفر سنة 837، وكان فقيهاً فاضلاً صاحب فنون من العربية والمعاني والبيان، وأخذ عن شريحاً وجماعة، وقد ذكرت له ترجمة حسنة في معجمي ومات وله اثنتان وثمانون سنة ولم يخلف بحلب بعده مثله. محمد ابن أبي بكر بن محمد السمنودي المقرئ تاج الدين الشهير بابن تمرية، ولد قبل الثمانين بيسير، وكان أبوه تاجراً بزازاً، فنشأ هو محباً في الإشتغال مع حسن الصورة والصيانة وتعانى القراآت فمهر فيها، ولازم الشيخ فخر الدين بالجامع الأزهر والشيخ كمال الدين الدميري، وولي خطابة جامع بشتاك، وأخذ أيضاً عن الشيخ خليل المشبب، مات يوم الجمعة عاشر صفر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 529 محمد بن عبد الله السلمي الشيخ بدر الدين، مات في تاسع عشر ذي الحجة. محمد بن علي بن محمد بن أبي بكر، قاضي مكة جمال الدين القرشي العبدري المكي الشيبي أبو المحاسن، ولد في رمضان 779، وسمع على برهان الدين ابن صديق وغيره، وله إجازة من النشاورى والحافظ العراقي ونحوهما، وتعانى الأدب والنظر في التواريخ، وصنف أشياء لطيفة، منها ذيل على حياة الحيوان سماه طيب الحياة، ومن نظمه قوله في القاضي جلال الدين لما أعيد إلى القضاء بعد الهروي في سنة إثنتين وعشرين: عود الإمام لدى الأنام كعيدهم ... بل عودة لا عيد عاد مثاله أجلى جلال الدين عنا غمة ... زالت بعون الله جل جلاله وولى سدانة البيت في سنة 27، ثم ولي قضاء مكة بعد صرف أبي السعادات في سنة ثلاثين فباشره، فحمدت سيرته وأضيف إليه نظر الحرم، ولم يكن يعاب إلا بما يرمى به من تناول لبن الخشخاش. قال القاضي تقي الدين الشهبي: ولي حجاجة البيت سنة 28 وولي قضاء مكة سنة ثلاثين وجمع مجاميع كثيرة، منها تعليق على الحاوي وطيب الحياة مختصر حياة الحيوان مع زوائد، وكان رحل إلى شيراز وبغداد، وكتب بخطه حوادث زمانه؛ مات ليلة الجمعة ثامن عشرى ربيع الأول عن نحو من سبعين سنة. محمد بن علي الحكري - بدر الدين -، ولي أبوه القضاء مدة لطيفة، كما تقدم ذكره في سنة ست وثمانمائة، ونشأ ابنه هذا نشأة حسنة واشتغل كثيراً ثم ناب في الحكم مدة، وكان جميل الصورة حسن المعاشرة متواضعاً، فاشتغل ومهر وبحث المقنع والمستوعب على القاضي الحنبلي، وكتب بخطه كثيراً؛ ومات في أول شهر ربيع الأول، طلعت له جمرة في قفاه فمات بها، وعاش ثلاثاً وخمسين سنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 530 محمد بن قطلبك الكماخي - بالخاء المعجمة - شمس الدين، أحد نواب الحنفي؛ مات في الخامس من جمادى الآخرة، وكان مذموم السيرة. محمد بن محمد بن محمد بن القماح، التونسي المحدث بها أبو عبد الله، سمع من أبي عبد الله بن عرفة وجماعة وحج فسمع من شيخنا تاج الدين ابن موسى خاتمة من كان عنده حديث السلفي بالعلو بالسماع المتصل بالقاهرة من شيخنا حافظ العصر زين الدين العراقي ومن مسند القاهرة برهان الدين السامي وجماعة، ورجع إلى بلاده فعنى بالحديث واشتهر به وكاتبني مراراً بمكاتبات تدل على شدة عنايته بذلك ولكن بقدر طاقته في البلاد، وقد ولي قضاء بعض الجهات بالمغرب، وحدث بالإجازة العامة عن البطرني الأندلسي مسند تونس وخاتمة أصحاب ابن الزبير بالإجازة وعن غيره من المشارقة وحدث بالكثير؛ مات في أواخر شهر ربيع الآخر، كتب إلي بوفاته الشيخ عبد الرحمن البرشكي من تونس وقال: كان حسن البشر سمح الأخلاق محباً للحديث وأهله - رحمه الله تعالى. محمد بن شفشيل، شمس الدين الحلبي، أحد الفقهاء بها، اشتغل كثيراً وفضل، سمعت من نظمه بحلب، وكتب عني كثيراً؛ مات في جمادى الأولى. محمد بن الفخر، المصري ناصر الدين المعروف بابن النيدي.. كان أبوه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 531 تاجراً، فنشأ هو محباً في العلم فمهر في العربية، وصاهر شيخنا العراقي على ابنته، ثم ماتت معه فتزوج بركة بنت الشيخ ولي الدين أخي زوجته الأولى ومات وهي في عصمته وخلف ولدين وكان معروفاً بكثرة المال فلم يظهر له شيء وله بضع وستون سنة. محمد بن فندو ملك بنجالة جلال الدين أبو المظفر ويلقب بكاس، وكان سبب تملكه لها أن أباه كان كافراً فثار على شهاب الدين مملوك سيف الدين حمزة بن غياث الدين أعظم شاه بن إسكندر شاه بن شمس الدين، فغلبه على بنجالة وأسره، وكان أبو المظفر قد اسلم فثار على أبيه واستملك منه البلاد، وأقام شعار الإسلام، وجدد ما خربه أبوه من المساجد، وراسل صاحب مصر بهدية، واستدعى بعهد من الخليفة وكانت هداياه متواصلة بالشيخ علاء الدين البخاري نزيل مصر ثم دمشق، وعمر بمكة مدرسة هائلة، وكانت وفاته في شهر ربيع الآخر، واقيم بعده ولده المظفر أحمد شاه وهو ابن أربع عشرة سنة. محمد الدمشقي المعروف بابن تيمية ناصر الدين، وكان يتعانى التجارة ثم أتصل بكاتب السر فتح الله وبشمس الدين بن الصاحب وسافر في التجارة لهما، وولي قضاء الإسكندرية مدة، وكان عارفاً بالطب، ودعاويه في الفنون أكثر من علمه؛ مات في تاسع شهر رمضان وقد جاوز السبعين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 532 مقبل بن عبد الله الرومي الذي كان دويدارا عند موت المؤيد، وفر إلى الشام فرقاً من ططر، ثم أمنه واستعان به على جقمق الذي كان نائب الشام ثم استقر في النيابة بصفد فباشرها مدة طويلة وحسنت سيرته فيها وسمعته، وكان فارساً بطلاً عارفاً بالسياسة؛ مات بصفد في يوم الجمعة 29 ربيع الأول، واستقر في نيابتها بعده اينال الششماني وكان قريب العهد من المجئ من إمرة الحاج وهم يشكون من جوره ووهنه - فلله الأمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 533 وقدم جماعة من المقادسة والخليلية يشكون من نائبها أركماس الجلباني أنواعاً من الظلم والأذية - لجميع الطوائف، ومما أعتمده أنه حبس القاضي شمس الدين البصروي وهو يومئذ قاضي الشافعية وزعم أنه استنقذه من العوام لئلا يرجموه وحجر على المياه التي لبيت المقدس فختم على الآبار ومنع الناس من الاستفاء منها إلا بثمن - إلى غير ذلك، فلما علم السلطان بسيرته أمر بعزله وقرر غيره في الإمرة وهو أخو - تغرى برمش الذي ناب عن السلطان في الغيبة. سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة كان أولها يوم الخميس، فيها كائنة شمس الدين محمد المعروف بابن الادمي الجوهري، كان أحد طلبة العلم واشتغل كثيراً، وتنزل في بعض المدارس، ثم ترك فلزم التسبب بالبضاعة، فاتفق أنه حضر مجلس جوهر الخازندار فأراد أن يطريه، فقال له: أنت سئلت لهذه الوظيفة ويوسف عليه السلام سأل فيها فأنظر كم بين السائل والمسؤل! وأعاد ذلك مرة أخرى، فقال: فانظركم بين المقامين. فشاع ذلك عنه فبادر إلى الحنفي واعترف فحقن دمه وحكم له باستمراره على الإسلام، ونفذ ذلك، وبلغ ذلك الشيخ يونس الالواحي فثار كعادته فاستشكى واستكثر من الاستفتاء على ذلك، فبلغ الخازندار فشق عليه وتوعد يونس. قلت: واستمر ابن الأدمي على حالته وتنصل من ذلك، وتالم لما نسب إليه من ذلك ومن غيره. وفيها أعيد ناصر الدين بن عز الدين البكري إلى قضاء الفيوم عوضاً عن رجب بن العماد الفيومي، ثم صرف وأعيد رجب بعناية جوهر الخازندار. وفيها في المحرم قدم السيد الشريف تاج الدين بن عبد الله الحسيني الشيرازي رسولاً من قبل السلطان شاه رخ بن تيمور وقدم هدية للاشرف، وسأل أن يؤذن له في كسوة البيت الحرام، وكانت الهدية ثمانين ثوباً من الحرير الاطلس وألف قطعة فيروزج، وتاريخ كتابه في ذي الحجة سنة ست وثلاثين، ولقيت السيد المذكور فوجدته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 فاضلاً متواضعاً، ذكر لي انه تزوج بنت السيد الشريف الجرجاني صاحب التصانيف وأن السيد الشريف المذكور ذكر له انه اشتغل بالقاهرة، وأخذ عن أكمل الدين وغيره، وأقام بالخانقاه السعيدية أربع سنين، ثم خرج إلى بلاد الروم ثم لحق ببلاد العجم ورأس هناك، وكان قدومه من جهة الحجاز فحج ووصل مع الحجاج، ثم عقد الموكب وأحضر الرسول المذكور ومعه ولده وذكر أنه رزقه من بنت الشريف الجرجاني وهو كهل من أبناء الثلاثين وله فضيلة أيضاً، ثم في اثناء صفر أحضر الرسول والقضاة المصرية ودار بينهم كلام يتعلق بالرسالة المذكورة، وانفصل المجلس على أن السلطان اعتذر من الإجابة خشية أن يتطرق إلى ذلك غيره من الملوك، وقنع الرسول بهذا الجواب، ثم جهز معه أقطوه الذي كان دويدار صغيراً ثم صار مهمندار السلطان رسولاً من قبل سلطان مصر بهدية وجواب، وسافروا من طريق الشام، وأظهر السلطان بعد ذلك حنقاً على القضاة في عدم مبالغتهم في الرد على الرسول فيما احتج به على تعين غجابة مرسله وكانوا استفتوا على ذلك أهل العلم بالقاهرة فأجابوا، وتواردت أجوبتهم على المنع، ومنهم من أجاب من قبل أن يسال بل كتب السؤال والجواب بخطه معاً، فمن عجيب ذلك أن بعضهم كتب لا يجوز ذلك لما فيه من تعطيل الوقف، وكتب الآخر لا يجوز لسلطان مصر الإجابة لذلك لما فيه من الافتيات على سلطان مصر - إلى غير ذلك من الاستدلالات الواهية، كل ذلك زعموا لطلب مرضاة السلطان، فقدر الله تعالى أنه لم يعجبه شيء مما كتبوا به أجمعين، ولم أعرج في جوابي إلا على ما تقدم من أن ذلك يفضي إلى تسليط غيره لطلب ذلك - فينخرق السياج وترتفع الخصومة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 ولما شاع غضب السلطان من القضاة تحرك صالح البلقيني في العود إلى القضاء، وذكر القاضي - شمس الدين بن القاضي زين الدين التفهني الذي كان أبوه في وظيفة القضاء بالقاهرة أن يستقر في وظيفة أبيه، فيقال إنه مال إلى ذلك وسعى أو سعى له فيه، ولم ينبرم لواحد منهما أمر - والأمر بيد الله تعالى يفعل ما يشاء ويختار. وفي المحرم شرع الأمير سودون المحمدي في عمل سقف الكعبة بأمر الملك الأشرف. فبدأ فيه في نصف الشهر وعمله سقفاً جديداً، فشرع فيه أوائل شهر ربيع الأول منها، وهدم منارة باب السويقة وعمرها جديدة فوجد فيها مالاً. وفي أوائل صفر صرف بهاء الدين أبو البقاء محمد بن القاضي نجم الدين ابن حجي عن قضاء الشام، وقرر شهاب الدين ابن المحمرة عوداً على قدر التمس منه أن يدفع للسفر بذلك خمسمائة دينار، فامتنع وصمم، فغضب السلطان وأمر بنفيه إلى القدس بطالاً أو مكة قاضياً، فأجاب إلى مكة واستمهل إلى رجب أو شوال، فسعى حينئذ لسراج الدين عمر بن موسى بن حسن الحمصي الذي كان نائب الحكم باسيوط من الصعيد ثم ولي قضاء طرابلس، فأجيب ساعيه بمال جزيل وأرسل إليه خلعته وصرف شمس الدين محمد بن شهاب الدين بن الكشك عن قضاء الحنفية بدمشق أيضاً، وقرر شمس الدين الصفدي على مال جزيل، وتوجهت خلعة الصفدي أيضاً وفي وسط صفر قصر الوزير المستقر عن قرب وهو امين الدين إبراهيم بن مجد الدين عبد الغني ابن الهيصم الذي ناظر الدولة وكان أبوه ناظر الخاص ومن قبل في الديوان المفرد فقصر في تجهيز المرتبات السلطانية، فهجم جماعة من المماليك الجلب على داره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 536 فنهبوا ما وجدوا فيها، ثم توجهوا إلى منزل الاستادار وهو كريم الدين عبد الكريم بن تاج الدين عبد الوهاب بن كاتب المناخات فنهبوا ما وجدوا فيه أيضاً، ثم توجهوا إلى منزل - ناظر الجيوش زين الدين عبد الباسط بن خليل فأفحشوا في نهب ما قدروا عليه منها، فلما أصبحوا بكر الوزير والأستادار فشكيا حالهما، ثم أراد ناظر الجيش أن يحضر بين يدي السلطان فمنعه وراسله بأن يتوجه إلى الإسكندرية حتى تنكسر شوكة المماليك، فصعب ذلك عليه وراسل السلطان يستعفيه، فأعفاه وأمره بالحضور فحضر، واستقر الحال على أنه يتكفل بأمر الوزير ويسعفه في جمع ما يحتاج إليه وستمر الاستادار على حاله، ثم بعد يومين استقر جانبك دويدار ناظر الجيش في وظيفة الاستادراية وقبض على الاستادر وصودر واستتر الوزير. فأمر السلطان ناظر الدولة - وهو سعد الدين إبراهيم بن كريم الدين عبد الكريم بن سعد الدين كاتب حكم في الكلام في الوزارة، فلما أصبح ألزمه السلطان بأن يستقر وزيراً. فامتنع فأمر بضربه، وضرب ضرباً مبرحاً، وتوجه إلى منزله ملزوماً بتكفية الوزارة، وكان ذلك يوم الثلاثاء ثالث عشر صفر، فصار ينظر في أمور الوزارة إلى أن استقر أخوه جمال الدين يوسف فباشر بشدة وعسف، واستقر قبطي يقال له ابن قطارة في نظر الدولة وألزمه بسد الأمور، ثم في يوم الأربعاء ضرب الاستادار ضرباً مبرحاً وعصر وألزم بخمسين ألف دينار، فشرع في بيع دوره ودواليبه وقماش أهله وعرض مماليكه وجواريه للبيع. وانتهت زيادة النيل في سابع عشري توت إلى عشرين ذراعاً ونصف ذراع، وانفتق من الخليج فتق فنفذ إلى ناحية شبراً ومنية الشيرج، فغرق من ذلك شيء كثير، وبقي الناس أياماً في شدة. وصرف والي الشرطة عمر أخو التاج الشويكي عن ولايته وأعيد دولات خجا الذي كان استقر في سنة ست وثلاثين وصرفه نائب الغيبة، فأعيد وباشر سد المقطع المذكور. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 537 وفي ربيع الآخر قدم أرغون شاه من الشام وهو الذي كان ولي الوزارة قبل ذلك بالقاهرة، واستقر عوض الحمصي بطرابلس ولد قاضيها شهاب الدين وهو صدر الدين محمد بن أحمد بن محمد النويري ببذل ثلاثمائة دينار. وفي ربيع الآخر قبض قرقماش نائب حلب على ولد ناصر الدين ابن صدر الباز التركماني بسبب أن أباه نزع ابن أخيه من نيابة مرعش وكان السلطان قرره فيها، فانتمى إلى نائب حلب فكاتب فيه، فأذن له أن يسير إلى مرعش ويقرره في نيابته ويخرج من عائده، فتوجه لذلك فوقع بينهم مناوشة، فكسرهم وقبض على ابن ناصر الدين المذكور وجماعة وأحضرهم إلى حلب وكاتب بذلك، فعاد إليه الجواب عن ذلك. وفي جمادى الأولى أول يوم منه أمر السلطان القضاة بقراءة كتب الاوقاف بالمدارس الكبار والخوانق وأتباع شرط الواقفين فيها وشدد في ذلك، فلما كان يوم الأربعاء رابعه اجتمعوا بالشيخونية وقرئ كتاب الوقف فقال لهم الشافعي: يقام ناظر بشرط الواقف ليعمل بالشرط وينفذ تصرفه. فانفصلوا على ذلك، ثم حضر المشايخ والطلبة يوم الثلاثاء حادي عشره عند السلطان، فقال لهم: ما فعلتم؟ فقالوا: الحال يتوقف على ناظر يتكلم. فقال للشيخ: أنت ناظر! فقال: وكذلك كاتب السر، فأمر كاتب السر في الكلام معه، فحضروا يوم الأربعاء وقرئ شرط الواقف فتكلموا أولاً في البيوت فوجدوا الشرط أن يسكنها العزاب، فوجد من المترددين نحو العشرين، فأمر أن يخرج من المتزوجين بعددهم ويسكن المترددون ووعدوا بأن يحضر لكتابة ذلك من يوثق له فلم يحضر أحد، وحضروا يوم العشرين بالصالحية فقرئ كتاب وقف الناصري، فترددوا فيمن يستحق النظر هل هو الشافعي أو المالكي! ونزل إلى الشيخونية جمدار فأخبر الشيخ وهو في الحضور أن السلطان رسم أن كل أحد على حاله فسروا بذلك وقرؤا للسلطان، ثم تبين للسلطان أن الذي قام في ذلك كان فيه هوى وتعصب، وأشير عليه بترك الناس على حالهم، وأن الذي يصل إليهم من المعاليم هو من جملة أموال المسلمين وهم مستحقون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 538 إلى غير ذلك من الاعتذارات إلى أن أمر بترك ذلك وخمدت الكائنة واستمر الامر على ما كان. في المحرم قدمت هدية قرا يلك وفيها دراهم مكتوب عليها سكة السلطان الأشرف. وفيه استقر جانبك الذي كان نائباً بالإسكندرية حاجباً عوضاً عن بردبك الإسماعيلي بحكم نقله إلى دمياط، ونودي يوم النوروز بزيادة إصبعين فصار على أربع عشرة إصبعاً من الذراع العشرين ولا يحفظ مثل ذلك فيما مضى. وفيه استمر إسكندر بن قرا يوسف على قلعة شاهين وكان الأمير بها من قبل أن يستمر رمضان وقد قدمت بسبب عصيانه عليه، وهي على مسيرة يومين من تبريز فاستمر فيها إلى الآن، فحاصرها إلى أن نفد زاده ومات في الحصار، فملكها الإسكندر واستنقل نساءه بها. وفيها رفع داود الكيلاني التاجر عن قاضي مكة أموراً عظيمة من الظلم والأحكام الباطلة، وسعى في أن يقرر في نظر الحرم عوضه على مال بذله فأجيب، فراجع أمير مكة وذم داود المذكور وذكر أنه أمر سودون المحمدي الذي جهز من القاهرة لترميم البيت والحرم أن ينظر في ذلك إلى أن يعود المرسوم من القاهرة، فأجيب بتقرير سودون المذكور في ذلك. وفيها استقر سفر الذي تجهز من مصر لقبض المكوس الهندية بجدة في البحر وبطل السفر من البر، وكان للناس فرح كبير لأن كثيراً من المسلمين يحبون المجاورة بمكة فكان السفر في هذه الأيام يحصل لهم به صيام رمضان بمكة والعمرة والمجاورة وفي غضون ذلك يحصل للكثير منهم المكاسب، وجدد في هذه السنة مرسوم بأن لا يؤخذ من تجار الهند إلا العشر من كل شئ معهم بضاعة من غير تكليف للدرهم الفرد، فإن وجد منهم مصري أو شامي يؤخذ منه الخمس عقوبة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 539 لهم على مخالفة الأمر، وإن وجد يمني أخذ جميع ماله، واتفق أن قرئ هذا المرسوم تجاه الحجر الأسود، ثم راجع أمير مكة السلطان في ذلك حتى أمر بالتسوية بين الجميع بعد ذلك. وفي ليلة التاسع والعشرين من صفر سقط صبي لعبد الرحمن بن فيروز عمره ست سنين من منزلهم الذي على الخليج الناصري في الماء فغرق، فتتبعوه في الماء فلم يقدروا عليه، فبعد يومين وجدوه في بركة في آخر الخليج فدفنوه، فلما كان بعد ذلك ظهروا على أن جارية لهم سوداء غضبت من أمه فألقته في الماء وهو نائم، فتحيلوا عليها حتى أقرت كيفية ذلك، فرفعوا الأمر إلى بعض نواب المالكي فحكم بتغريقها في المكان الذي ألقت فيه الصبي، فألقوها موثقة بالكتاف، فتخبطت في الماء قليلاً وانغمست فماتت، وذلك في تاسع عشرى الشهر المذكور. وانتهت زيادة النيل على ما زعم القياس إلى عشرين ذراعا ونصف والحس لا يقبل ذلك بل لم يكمل العشرين ولكن الري كان عاماً في جميع البلاد العالية. شهر ربيع الأول أوله الثلاثاء الموافق لثامن بابة، ونقص النيل نحو الذراع، وتشاغل الناس بزرع البرسيم على العادة، وفيه ادعى على والي الشرطة عند المالكي بأنه ضرب شخصاً حتى مات، فأجاب بأنه أتى به إليه وهو سكران فضربه الحد وما زاد عليه وأقيمت البينة بذلك، فدرأ عنه القتل، وبلغ السلطان ذلك فأنكره، واتفق أن أولياء المقتول أبرؤا الوالي وطاح دم ذلك القتيل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 540 وفي أول يوم - منه - استقر يوسف بن كريم الدين عبد الكريم ابن سعد الدين بن كاتب جكم في الوزارة وخلع عليه، وهرع الناس للسلام عليه، وخلع على أخيه - إبراهيم - خلعه الرضا واستقر في نظر الخاص، واستمر الأستادار في المصادرة فعرض جميع عقاراته وكل ما يملكه للبيع، واستقرت مصادرته على عشرين ألف دينار. فسلم للتاج أستادار الصحبة على المال المذكور، فأقام في منزله حتى أورد نحو أربعة ألف دينار؛ وعمل المولد السلطاني يوم الخميس الثالث منه. وفيه أغار ولد قرايلك على معاملة ملطية ودوركي ونهب شيئاً كثيراً، وتوجه أبوه للإغارة على الرها. وفي أواخر جمادى الآخرة استقر تاج الدين عبد الوهاب بن الخطير ابن نصر الله القبطي ناظر الإصطبل في الوزارة بعد القبض على جمال الدين يوسف ابن كريم الدين ابن كاتب جكم ومصادرته، وكان يوسف قد استعفى بسبب قلة المتحصل وكثرة المصروف، فأعفاه السلطان ولكنه قبض عليه وعلى أخيه ناظر الخاص وصادرهما على مال يقال إنه ثلاثون ألف دينار، ثم خلع في صبيحة ذلك اليوم يوم الإثنين السابع عشرى جمادى الآخرة على ناظر الخاص مستمراً، وأمر الخطير أن يتكلم في الوزارة بغير ولاية إلى أن يرى من يتكلم، فتكلم في ذلك يوم الأحد ويوم الأثنين، ثم خلع عليه يوم الثلاثاء بالوزارة، وشرع ناظر الخاص وأخوه في بيع أملاكهم ورزقهم من أراضي وعقار، ثم خفف عنهما من مال المصادرة نحو النصف، واستمر ناظر الخاص، واستقر أبو الحسن بن تاج الدين في نظر الإصطبل عوض والده. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 541 من الحوادث فيها تولية دولات خجا كشف منفلوط واستقرار علاء الدين علي ابن محمد ابن الطبلاوي الذي كان والياً في الأيام الناصرية فرج وبعدها في الولاية، وكان له مدة طويلة خاملاً، فاستقر في سابع عشر جمادى الأولى. وفيها استقر جلبان نائباً بطرابلس نقلاً من حماة، واستقر قانبائي الحمزاوي في نيابة حماة نقلاً من إمرته بالقاهرة، واستقر خجا سودون عوضاً عن قانبائي، وأضيف إقطاع سودون خجا للوزير تقوية له. وفي هذا الشهر جدد سودون المحمدي سقف الكعبة وأتقنه، وحمل إليه من الرخام من القاهرة لمرمة الحجر وشاذروان البيت. وفيها كانت الوقعة بين الأمراء وبين عرب هوارة فقتل منهم جماعة، فعين السلطان يوم السبت أول يوم من جمادى الآخرة وهو السادس من كانون الثاني كريم الدين الذي كان أستادارا ووزير كاتب المناخات فتوجه لكشف الوجه القبلي وألبس خلعة بزي الأمراء وفرح الناس بذلك، وصحبه محمد الصغير الذي كان كاشفاً قبله ودويداراً في خدمته، وأمر على الدم ولي الكشف القبلي أيضاً والوجه البحري مرة أخرى، واستمر ناظر الخاص رأس نوبة بين يديه فتوجه إلى الصعيد فأصلح أحوال العرب ورجع، والسبب في ذلك أن تغري برمش أمير آخور خرج في السرحة التي جرت بها العادة فالتزم له الكاشف واسمع محمد الصغير بمقدار من المال عن السرحة، فبلغ ذلك أكابر العرب فتحالفوا على أن لا يعطوا أحدً شيئاً ووقع بينهم تناوش، فراسل أمير آخور السلطان، فجرد له جماعة من أكابر الأمراء فتوجهوا في هذه السنة وكان ما سيأتي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 542 وفيها وثب فياض بن ناصر الدين محمد بن دلغادر على ابن عمه حمزة أمير مرعش فأخرجه واستقر بها بغير تولية من السلطان، فتوجه الأمير قرقماس نائب حلب فقبض على فياض المذكور وولاها لابن عمه حمزة بك بن علي بن بك بن دلغادر، فبلغ ذلك ناصر لدين بك والد فياض المذكور وهو يومئذ أمير الأبلستين وقيصرية فشق عليه، وجهز قرقماس فياضاً المذكور إلى القاهرة فسجن بالقلعة. فبعث ناصر الدين زوجته خديجة والدة فياض تشفع في ولدها وجهز معها هدية ومفاتيح قيصرية وأن يكون زوجها ناصر الدين بك نائباً عن السلطان فيها، فوصلت حلب في رمضان فوصلت القاهرة في آخر شوال، فقبلت هديتها وأفرج عن ولدها وأعطي نيابة مرعش، واستقر أبوه على حاله بقيصريه، وكان إبراهيم بن قرمان راسل السلطان أن يعطيه قيصرية على أن يحمل كل سنة عشرة آلاف دينار وغيرها، فأمره قرقماس نائب حلب أن يتجهز إلى أخذها ويسلمها لابن قرمان، فوقع لصاحبها ما ذكر فبطل ذلك، وفي أثناء ذلك لجأ حمزة إلى ابن عمه سليمان بن ناصر الدين بك واجتمع جانبك الصوفي الذي كان أميراً بمصر وسجن بالإسكندرية وهرب من أول الدولة الأشرفية بعد أن اختفى ثلاث عشرة سنة واستمرار السلطان في التنقيب عليه، فجز داوداره ومحمد بن كند غدي ابن رمضان إلى ناصر الدين بك ابن دلغادر بالأبلستين فحلفاه على أنه إذا قدم عنده جانبك الصوفي لا يسلمه ولا يخذله، ثم اجتمع جانبك بسليمان بن دلغار فتلقاه هو وأمراؤه وأمراء قلماس بن كبك ومحمد ابن قطلبك ونزلوا بملطية فجاء إليهم ناصر الدين بك ثم توجهوا جميعاً إلى محمد بن قرا يلك وهو بقلعة كركر فقواهم ثم نازلوا قلعة ديركي وضايقوا أهلها بالحصار وجاء قاصد شاه رخ إلى قرا يلك يأمره بالمسير إلى قتال إسكندر بن قرا يوسف فترك جابي بك الصوفي ومن معه بدوركي وتوجه بجماعته إلى ملطية فحاصرها فمشى عليه إسكندر وأغار على أرزن الروم فأخذها ففر قرا يلك إلى آمد فأقام بها ثم خرج إلى ارقنين فلما كان في صفر سنة تسع وثلاثين التقى إسكندر بن قرا يوسف وقرا يلك على أرزن الروم، فخرج على قرا يلك كمين لإسكندر فهزمه، فلما كاد يؤخذ رمى بنفسه في خندق المدينة فغرق، فطلع به أولاده بعد ذلك فدفنوه هناك، فجاء إلى اسكندر من عرفه بذلك، فأرسل من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 543 أخرجه من قبره بعد ثلاثة أيام وحز رأسه ورأس اثنين من أولاده، وثلاثة من ألزامه وأرسلهم إلى القاهرة فنصبت على باب زوبلة، وذلك في ربيع الأول وزينت القاهرة فرحاً بذلك، وأكرم السلطان قصاد الإسكندر وأعطاهم مالاً وقماشاً بقدر عشرة آلاف دينار، وكتب سليمان بن دلغادر إلى جانبك الصوفي بأنه معه معيناً له على مقاصده، فاغتر بذلك فاجتمعا بملطية، فبالغ في إكرامه والمناصحة له، وأقاما على ذلك مدة، ثم خرجا يوماً للصيد والتنزه فأبعدا في ذلك، وكان جانبك قد رتب فرسانه وجماعته على حصار ديركي، فقبض أصحاب سليمان على جانبك وقيدوه، وسرى به سليمان على الدمس ليلة كاملة حتى صبح الأبلستين فسجنه، وراسل السلطان الملك الأشرف يعلمه بالقبض عليه. وفيها جرد أربعة أمراء من الألوف إلى عرب البحيرة، والسبب في ذاك أن وكانت طائفة من عرب لبيد قحلت بلادهم فدخلوا البحيرة وصالحوا أهلها، فمكنوهم من التوجه إلى عرب محارب بالوجه القبلي، فنزلوا في الأراضي التي بارت من الزرع وطلع فيها مرعى يقال له الكتيح - بكاف ومثناة ومهملة مصغر - فلم يمكنهم الكائف من الرعي فيه إلا ببذل مال، فأنفقوا من ذلك ووقع بينهم قتال، فكان ذلك سبب بعث الأمراء فنهبوا منهم كثير من جمالهم وفروا من أيديهم، فرجع الأمراء في شعبان. وفي رمضان الوافق لبرمودة من أشهر القبط عند دخول فصل الصيف وقع بمصر مطر غزير دلفت منه البيوت وجاء سيل عظيم بحيث أقام بالصحراء أياماً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 544 وقرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي ورأيت في كتاب ورد من أرض الحبشة فيه: وفي أول رجب أي سنة ثمان وثلاثين غزا الأمير خير الدين أخو السلطان مدلاي بن سعد الدين بلاداً للقرم فتح سبعة أبواب من أبواب الحطى وانتصر عليهم، وقتل أميراً من ألزام الحطى وحرق بلادهم، وأخذ من المال غنيمة شيئاً كثيراً وقتل منهم عدداً كثيراً، ورجعوا ومعهم من الذهب والفضة والزرد والدروع والوصفان كثير، ولم يسوقوا شيئاً من الإبل والبقر والغنم ولا العجائز والشيوخ بل جعلوا عليهم علامات، وخربوا ست كنائس وعدة قرى ورد ألف بنت من المسلمين، ووصفوا خير الدين بعدل كثير والرخاء عندهم كثير. وفيها مات الحطى ووقع الخلف بعده. ثم اتفقوا على صبي صغير وسلطانهم مدلاي عادل خير. وفيها وقع الوباء في بلاد المسلمين والكفار فمات به خلق كثير جداً، وفي شوال منها خرج خير الدين أيضاً غازياً. وفيها في شعبان راجت الفلوس التي ضربها السلطان عن كل درهم ثمانية عدداً منها وأبطل الفلوس الأول، وصار الرطل من هذه بحساب سبعة وعشرين درهماً ومن القديمة بثمانية عشر، فكانت تؤخذ من الباعة وتحمل لدار الضرب لتضرب جديدة وتمشي الأمر على ذلك ولكنها قليلة لعدم الاعتناء بكثرتها لقلة المتحصل منها. وفيها نقل قانصوه النورزي من نيابة طرسوس إلى الحجوبية بحلب، ونقل الحاجب طوغان إلى إمرة مائة بدمشق، وقرر يوسف ابن فلدوا في نيابة طرسوس. وفي ربيع الأول استقر سراج الدين عمر بن موسى الحمصي في قضاء حلب نقلاً من قضاء طرابلس عوضاً عن بهاء الدين ابن حجي، ويقال إنه بذل ثلاثة آلاف دينار، واستقر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 545 شمس الدين محمد بن علي بن عمر بن علي بن مهنا بن أحمد الصفدي في قضاء دمشق عوضاً عن شمس الدين بن الكشك، وشرط عليه بذل ألفي دينار، فلما وصل إليه التوقيع والخلعة امتنع ورحل إلى القاهرة مستعفياً، وكان قد أقام في قضاء طرابلس مدة طويلة، ثم ولي قضاء دمشق عوضاً عن شهاب الدين ابن الكشك ثم صرف وأعيد ابن الكشك، فلما رحل السلطان إلى جهة حلب قرره لما رجع في عدة بلاد نزعها من نواب ابن الكشك واستمر ابن الكشك في القضاء، فلما مات ابن الكشك أمل أن يعود فقدم عليه ولد ابن الكشك على مال كثير بذله واستقر هذه المدة اللطيفة ثم صرف، فلما امتنع ابن الصفدي من الوالية بالشرط المذكور واستعفى أعفي ورجع إلى دمشق من فوره على ما بيده من المدارس واستمر ابن الكشك ثم ألزم ابن الصفدي بالتوجه إلى صفد فسار إليها فيما قيل، ولد في ذي القعدة سنة 775، وذكر أنه سمع موطأ القعنبي على ابن حبيب الكمال قرأ عليه ابن فهد منتفى منه وقرأه عليه كاملاً صاحبنا البقاعي ثم ظهر بطلان لهما ورجعا عن روايته لاشتباهه عليهما. وفيه ثار شمس الدين الهروي على القاضي علم الدين صالح، وادعى أن بيده وظائف كثيرة بغير شروط الواقفين، فتعصب له ناظر الجيش ودافع عنه، واستمر على ما بيده واندفع الهروي بذلك، ثم عمل ناظر الجيش مولده في السابع والعشرين من الشهر أرسل إليه فأصلح بينهما - والله المستعان. شهر ربيع الآخر أوله الأربعاء بالرؤية، في أوائله منع الوالي السقائين من الملء من الخليج الحاكمي ثم الناصري، ونقص الماء إلى أن صار في مقدار الوفاء، فكانت مدة ما انتفع أهل البلد بالخلجان نحو المائة يوم، وفي الرابع منه وقعت زلزلة لطيفة وزالت بسرعة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 546 وفي أوله وصلت البنادقة وهم تجار القطائع من الفرنج الذي يسمونها القطائع فتأخروا عن عادتهم نحو العشرين يوماً ولم يصلوا في العام الماضي، وعجلوا عن عادتهم في الذي قبله بنحو الشهرين، ولم يحفظ ذلك فيما مضى بل الذي تمادى عليه حالهم أنهم يصلون في أول العشر الثاني من بابة ويرجعون في أوائل هاتور، فألزم السلطان التجار بعدم البيع إلى أن يباع ما يتعلق به، وطلب من الفرنج أن يشتروا منه الفلفل بمائة وعشرين كل جمل، فامتنعوا وتراضوا مع نائب الإسكندرية إلى أن يشتروا منه ثلاثمائة جمل بسعر كل جمل بمائة، ومشوا ولم يشتروا من المسلمين جملاً واحداً، وكسدت بضائع التجار واشتد أسفهم وشق عليهم ذلك مشقة شديدة - والأمر بيد الله. وفي السادس منه - ووافق ثاني عشر هاتور - أمطرت السماء وقت العصر، وسرح السلطان في هذا اليوم ورجع وقد صاد، وفي أواخر امشير في العشر الأخير من رجب وقع برد شديد، وحصل المطر أياماً وسر الناس بذلك، وتمادى البرد نحوا من عشرة أيام أشد مما كان في طوبة وكهيك، ثم عاد فراح الوقت كما كان، وفي الجملة من نحو ثلاثين سنة ما عهد أقل برداً من فصل الشتاء في هذه السنة. وفي نصف شوال أعيد التاج الوالي إلى ولاية القاهرة وعزل ابن الطبلاوي، وفيه قطعت إصبع عبد القدوس بن الجيعان لما تكرر منه من التزوير. وفيه اهتم السلطان بأمر الجسور وأمر بإتقانها، وندب لذلك تمرباي الدوادار الثاني والوزير فاجتهدا في ذلك، ثم ضاق بالوزير الحال في المصروف فاستعفى وكان ما سنذكره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 547 وفيها نازل اصبهان بن قرا يوسف صاحب بغداد الموصل فراسل صاحبها رمال قرا يلك، فأمده بودله محمود في مائتي فارس، فأنزلهم عنده كالمسجونين فراسل محمود أباه، فأمده بأخيه محمد بن قرايلك في ألف فارس، فنزل على الموصل ولم يمكن من رؤية أخيه، وكان قرا يلك برأي العين فتوجه على نصيبين، فبلغه إن إسكندر بن قرا يوسف قصد محاربته بعد فراره من شاه رخ ملك الشرق. وفي التاسع عشر من جمادى الآخرة سافر تغري برمش أمير آخور إلى سرحة الصعيد في تجمل كبير ونزل معه غالب الأمراء فودعوه ووقع له مع عرب الصعيد وقعة قتل فيها من أصحابه جماعة، وبعث يطلب نجدة، فأمر تمراز رأس نوبة بالتوجه إليه، وأمر كل أمير مقدم أن يرسل معه عشرين مملوكاص وتكمل له من غير المقدمين ثلاثمائة، وسافر في سابع جمادى الآخرة. وفي أول شعبان أمر السلطان القاضي الشافعي إذا حضر المجلس لسماع الحديث إن يحضر صحبته فلقة وعصى، ومن تعدي في كلامه أو أساء الأدب أدب وأكد في ذلك. وفي رمضان أمر السلطان بترك أكثر الخلع التي قررت لمن يحضر سماع الحديث، ثم شفع فيهم وقيل له: لو كان هذا قبل أن يحضروا، فإن كان ولا بد وقد قضوا المدة كلها تصرف لهم هذا العام ثم يعلموا ويقطعوا فيما يستقبل، فأمر بالصرف لهم. وفي أواخر رمضان حضر عند السلطان شريف من الشام ومعه أوراق بخط الشيخ علاء الدين البخاري فيما يتعلق بالنسيمي وشيخه فضل الله، وأن بالشام ومصر جماعة على عقيدته، وأنه تصدى لتتبعهم وكشف عورتهم، وأنه وجد بالقاهرة شخصاً منهم، فقرئ كتاب الشيخ علاء الدين فأمر السلطان بإحضار الرجل وما في بيته من ورق ففعل ذلك، وهذه هي الطائفة المبتدعة المعروفة بالحروفية ثم بالنسيمية، فلما كان في رابع شوال عقد مجلس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 548 بالقصر عند السلطان وأحضرت الكتب وبعضها من كلام شيخه وهي باللسان الفارسي فقرأ من أول واحد منها شيئاً يسيراً وفسره بالعربي وهي مقالة مركبة من قول المشبهة والاتحادية، فقرأ الشافعي خط الشيخ علاء الدين وفيه أن شعر الإنسان في وجهه ورأسه سبعة شهور: شعر أجفانه الأربعة وحاجباه ورأسه، وأن في وجهه سا آخر سبعة، وأن عقد أصابعه في اليدين أربعة عشر. فذلك عدد حروف المعجم ونحو من هذا. وفيه أن الإلهية انتقلت من الله لآدم ومن آدم لآخر إلى أن انتقلت لفضل الله وكلاماً من هذا حاصله إن الله هو الحروف؛ ثم أحضر الرجل فسئل عنها فقيل إنه شراها من حصن كيفا بثلاثين درهماً ولا يعتقد شيئاً مما فيها وأعلن بالشهادتين والتبرئ من كل دين يخالف دين الإسلام وصرح بكفر من صنف هذه الكتب وشيخه أو يعتقد ما فيها، فقال له الشافعي إن كنت صادقاً فاحرق هذه الكتب بيدك. فامتثل ذلك بعد أن حاد عن الجواب وباشر إحراق ذلك بنفسه، ثم سأل السلطان: هل على إثم إذا أخرجت هذا ومثاله من بلادي؟ فقال: لا، فنودي من عرف من أهل مذهب النسيمي ووجد عنده شيء من كتبه وأحضره للسلطان كان له مائة دينار، ثم أمر فنودي أن يخرج جميع العجم من القاهرة والقلعة بأسرهم ولا يتأخر منهم إلى ثلاثة أيام، ثم لم يتم ذلك. وفي يوم الأحد ثاني عشر شعبان أشيع موت زين الدين عبد الرحمن بن الشيخ شهاب الدين أحمد بن حمدان الأذرعي، وكان مولده في المحرم سنة 755 واشتغل على أبيه وغيره، وسمع من الصدر ابن غنوم جزءاً من الخلعيات سنة بضع وستين بسماعه من العراقي أنا ابن عماد، وسمع الكثير من شيوخ ذلك العصر بحلب وغيرها، وقدم مع أبيه دمشق فأسمعه من ... ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 549 وأجاز له جماعة تفرد بالرواية عنهم لكني لا أعلم أنه حدث عنهم بشيء غير جزء أو جزءين ثم ظهر أنه لم يمت إذ ذاك، فذكر لي ابن فهد أنه توجه إليه هو وغيره من الرحالة كالبقاعي وابن الإمام في هذه السنة فمات بعد وصولهم إليه بقليل، وكان قدومه القاهرة سنة بضع عشرة فاستوطنها وولي نيابة الحكم، ثم ولي قضاء دمنهور الوحش والبحيرة فاستقرت قدمه بها بعد منازعات، وأقام على ذلك بغير منازعة أكثر من عشر سنين، وكان فاضلاً يستحضر أشياء في الفقه ويذاكر بأشياء حسنة، وله نظم حسن ومدحي قديماً وحديثاً، واستهل شهر رمضان الخميس ووافق برمهات. وفيها وصلت هدية نائب الشام وفيها مائة وخمسون فرساً وعشرة قطرة جمال وألف ثوب بعلبكي ومثلها بطان وخمسون قباء سمور ووشق وعشرة آلاف دينار ونعالاً خيل من ذهب ومسامير فضة، قيل إن في كل نعل خمسين ديناراً، وقيل إن مجموع قيمتها ثلاثين ألف دينار، وكان قدومهم سابع عشر ذي الحجة. وفي سادس شهر رمضان هبت ريح شديدة باردة وتراب كثير عم القاهرة وسقط عدة من الدور، وفي الثالث عشر منه أمطرت ليلاً، وتمادى ذلك في أول النهار مع رعد وبرق. وذلك عند حلول الشمس برج الثور، ثم تمادى المطر ذلك اليوم كله لكن بغير توالي حتى توحلت الأرض كلها ووكفت البيوت، ثم أمطرت صبيحة ذلك اليوم بعد الفجر مطراً غزيراً جداً حتى وكفت البيوت وفسدت الأمتعة والزروع - والأمر لله وحده! الجزء: 3 ¦ الصفحة: 550 وهبت ريح شديدة وقت العصر من اليوم الماضي حتى انتصف النهار ثم انجلت عن قرب. وفيه استقر.. في كشف الوجه القبلي، وصرف كريم الدين ودخل القاهرة، وفي آخر يوم من رمضان خطبت بجامع عمر بن العاص، قايضت الشيخ شمس الدين محمد بن يحيى بما كان معي من خطابة جامع الأزهر بما معه من نصف خطابة جامع عمرو، وكان أكثر الفاكهة في هذه السنة غير ناجب بسبب كثرة الماء ولفقده في البساتين، ثم تأخر المطر في الشتاء كله فكان الورد قليلاً وكذا المشمش والليمون حتى بيعت الليمونة الواحدة بنصف درهم، وأمطت في عشي يوم الجمعة سابع شوال قبل المغرب مطراً خفيفاً، ووافق ذلك الحادي عشر من بشنس والشمس يومئذ في أواخر برج الثور، وأمطرت أيضاً يوم السبت بعد أن هبت ريح عاصف بتراب ثم انجلت، واستمر البرد في طرفي النهار شديداً بنحو ما كان في فصل الشتاء أو دونه يسيراً ولكن في وسط النهار وفي جوف الليل يقع فيهما بعض الحر، وتأخر لبس الصوف إلى يوم الجمعة سابع شوال المذكور فتأخر عن العام الماضي نحو عشرين يوماً، وزاد النيل في غير أوانه في اول العشر الثالث من بشنس، وتعجل بنحو عشرين يوماً، وغرقت بعض الأمتعة. وفي الثامن عشر من شوال طيف بالمحمل وخرج إلى بركة الجب وأميرهم تمربائي الدوادار الثاني وأمير الأول المحتسب صلاح الدين بن الصاحب بدر الدين بن نصر الله، ورحلوا من البركة الحادي والعشرين منه، وفي أواخر بشنس من الأشهر القبطية زاد النيل قبل أوان عادته زيادة عظيمة، وغرق غالب ما زرع من المقاث البطيخ والسمسم وغيره في الجزائر وفسد للناس شيء كثير من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 551 البطيخ ونحوه، ثم عادت الزيادة في أوائل بؤنة، وكل ذلك قبل الوقت الذي جرت فيه العادة بالزيادة. فلما كان الثاني عشر من بؤنة وهو أول وقت المعتاد زاد أيضا بحيث بلغت الزيادة في المدة المذكورة نحو ستة أذرع ثم نقص نحو ذراع ونصف، ثم لما كان في الخامس والعشرين من بؤنة وهو اليوم الذي جرت فيه العادة بابتداء القياس وجد الماء قد بلغ إلى أحد عشر ذراعاً وعشرة أصابع وقد كان قد بلغ ثلاثة عشر ذراعاً لكن نقص في أول العشر الأخير، وهذا شيء لم يعهد مثله بمصر، وأكثر ما وصل إلى يوم الخامس والعشرين إلى عشرة أذرع ولكنها لم تفتح زيادتها قبل الأوان، وزاد في اليوم السادس والعشرين إصبعين، وفي الذي بعده إصبعين ثم ثلاثة، ثم توقف عن الزيادة من ثامن عشري بؤنة إلى رابع أبيب، ثم زاد فيه إصبعاً وإصبعاً ثم إصبعين وتمادى، وكان نقص سبعة عشر إصبعاً، وتحرك سعر القمح فازداد كل يوم شيئاً إلى أن وصل إلى مائتين وخمسين بعد إن كان بمائة وثمانين، وفي آخر يوم من المحرم وهو اليوم الثاني من أيام النسىء كانت الزيادة خمسة أصابع فانتهى إلى تسعة عشر ذراعاً وأربعة أصابع، وصادف أنه كان في العام الماضي في مثل هذا اليوم من أيام النسيم كان انتهى إلى هذا القدر سواء، وهذا من عجائب الاتفاق، وفي أول ذي القعدة وصل الخبر من شيراز من شاه رخ بأنه جهز إلى مكة كسوة للكعبة وهي التي كان عقد المجلس بسببها في أوائل هذه السنة وجهزت الرسل بالأجوبة، فجهز هو الكسوة من قبل أن يعود عليه الجواب وانزعج السلطان وكان من سيأتي ذكره. وفي الرابع والعشرين من ذي القعدة كسرت عدة جرار تزيد على المائتين من الخمور فيها كبار تسع الواحدة نحو القطار، وذكر أنها لشخص يقال له أبو بكر بن الشاطر سمسار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 552 القماش الإسكندراني، وكان لكسرها في وسط البحر رجة واجتمع فيه خلق كثير. والسبب فيه أنه عثر عليه في بعض الحواصل بساحل بولاق فاستعان بأناس من الجند. فهجموا على الذين عثروا عليهم فضربوهم، فهربوا فحولوا جميع ذلك إلى مركب وانحدروا بهم إلى قرب شبرا، فتوجه إليهم الوالي فقبض عليهم. فتمكنوا منهم وأخذوا الجرار، فرجعوا بأهالي الساحل فكسروها وكان يوماً مشهوداً. وفيها وقع بين جماعة من نواحي الزبداني فتنة، فقتل خطيب الجامع وجماعة نحو الستة عشر نفساً، واتهم بذلك زين الدين بن صادر الاستادار فبلغ السلطان ذلك فأرسل يستدعيه ويأمره أن يحضر معه بتقدمة، فبادر إلى الحضور، فلما وصل إلى قطيا جهز السلطان عمر الوالي وأمره أن يقتله حال اجتماعه به، فلاقاه إلى بليس فقتله وحمل رأسه إلى السلطان، وهو عبد الرحمن بن محمد بن صادر، ولي الأستادارية في المستأجرات والحمامات السلطانية، وكان أستادار جقمق دويدار الملك المؤيد بالقاهرة، وتنقلت به الاحوال بعده إلى أن مات عن نحو من سبعين سنة. وفيه خرج عرب بني لام على المبشرين بالوجه فقتلوا منهم اثنين وسلم المبشر وهو بيرم خجا القرشي، فدخل في الثامن والعشرين من ذي الحجة وليس معه شيء من الكتب، وذكر أنه نهب لهم أشياء وأنه كان معه نفائس حصلها فجاء مسلوباً، وفي يوم الثلاثاء ثاني عشر ذي الحجة خرج شهاب الدين ابن المحمرة على مشيخة الصالحية بالقدس، فصادف قدوم عز الدين القدسي فالتقيا بالخانقاه الناصرية، ودخل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 553 عز الدين يوم الأربعاء ثالث عشر ذي الحجة القاهرة، واستمر بها على نيابة القضاء فقط، وصرف عز الدين الناعوري عن قضاء حمص وأضيف ذلك إلى قاضي الشام. ذكر من مات في سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة من الأعيان أحمد بن عبد الخالق بن عبد العزيز، الاسيوطي شهاب الدين، سمع من أبيه ومن عبد الرحمن بن القارئ وأجاز له، وكان يواظب التكسب بالشهادة في جامع ظاهر الوراقين، وكتب في الاستدعاآت بأخرة وحدث به وسمع الفضلاء، ومات في ثاني عشر ربيع الآخر. أحمد شاه بن أحمد بن حسن شاه بن بهمن سلطان كلبركة شهاب الدين أبو المغازي، أقام في مملكته أربع عشرة سنة وكان خيراً، له مآثر بمكة، واستقر بعده ابنه ظفر شاه واسمه حميد أيضا. أحمد بن عمر، البلبيسي البزاز شهاب الدين، مات في يوم الجمعة ثاني عشر رجب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 554 وقد جاوز الثمانين، وكان من خيار التجار ثقة وديناً وأمانةً وصدق لهجة، وله عدة مجاورات بمكة، وسمع الحديث الكثير وأنجب أولاداً رحمه الله تعالى. إبراهيم السلطان أمير زه ابن القان معين الدين شاه رخ ابن الطاغية تيمور خان صاحب شيراز، كتب الخط المنسوب قارب ياقوت، ومات في رمضان، ووجد عليه أبوه وأهل شيراز. أحمد بن ناصر الدين محمد بن أبي بكر بن رسلان بن نصير، البلقيني شهاب الدين، ابن أخي شيخنا سراج الدين، مات في السادس والعشرين من رجب بعلة السل، ولد سنة ست وتسعين، ولما ترعرع كان بان عم أبيه القاضي جلال الدين قاضياً وقد استناب أباه فتعلم القرآن، وحفظ كتباً. ودربه أبوه في توقيع الحكم، واشتغل في القراآت والعربية، وكان حسن الصوت بالقرآن، أم بالمدرسة الملكية بالقرب من مشهد الحسين، ووقع في الحكم، ثم ناب في القضاء بأخرة، وخدم ابن الكويز وهو كاتب السر ثم ابن مزهر، فأثرى وصارت له وجاهة وحصل جهات، ثم تمرض أكثر من سنة، ودفن عند أبيه بمقابر الصوفية. أحمد بن محمد، ناصر الدين المعروف ابن أمية الحكم، وكان ينوب في الحكم بمصر وعدة بلاد من البهنساوية، وكان له مدة منقطعاً بمرض عرض له فالج فانقطع بسببه. أحمد بن محمد - الماجري المصمودي الشيخ ... أحمد الحنبلي شهاب الدين الحلبي المعروف بالخازوق، ولي قضاء الحنابلة بها مراراً، وفي سنة خمس صرف وتقرر ابن الرسام، فدخل القاهرة ليعود إلى القضاء فتعذر ذلك مدة إلى أن قرر، فلما وصل لدمشق ضعف فتوصل إلى حلب في محفة فدخلها مريضاً، فاستمر على ذلك إلى أن مات بعد دخوله حلب بقليل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 555 إسماعيل بن علي بن محمد بن داود بن شمس بن عبد الله بن رستم، البيضاوي الزمزمي. المؤذن بمكة، يكنى أبا الطاهر ويلقب مجد الدين، ولد سنة ست وستين، وأجاز له صلاح الدين ابن أبي عمر وعمر بن أميلة وأحمد ابن النجم وحسن بن مقبل وآخرون، وكان يتعانى النظم، وله نظم مقبول ومدائح نبوية من غير اشتغال بالآلة، ثم أخذ العروض عن الشيخ نجم الدين المرجاني ومهر، وكان فاضلاً، ورحل إلى القاهرة فسمع من بعض شيوخنا، وكان قليل الشر مشتغلاً بنفسه وعياله مشكور السيرة ملازماً لخدمة قبة العباس، وله سماع من قدماء المكيين، وحدث بشيء يسير، سمعت من نظمه، وأخوه إبراهيم ولد سنة 777، وأجاز لي في سنة 787 النشاوري والشهاب ابن ظهيرة وآخرون، واشتغل في عدة فنون، وأخذ عن أخيه حسين علم الفرائض والحساب فمهر فيهما. أبو بكر بن أحمد بن عبد الله بن الهليس، رفيقي زكي الدين المهجمي الأصل ثم المصري، ولد بعد السبعين بيسير، ونشأ في حال بزة وترفه، ثم اشتغل بالعلم بعد أن جاوز العشرين ولازم الشيوخ، وسمع معي من عوالي شيوخي مثل البرهان الشامي وابن الشيخة وابن أبي المجد وبنت الأذرعي وغيرهم فأكثر جداً، وأجاز له عامة من أخذت عنه في الرحلة الشامية، ورافقني في الاشتغال على الأبناسي والبلقيني والعراقي وغيرهم. ثم دخل اليمن في سنة ثمانمائة فاستمر بالمهم وبعدن إلى أن عاد من قريب فسكن مصر، ثم ضعف بالذرب واختل عقله جداً - وثم منه جيرانه فنقلوه إلى المارستان المنصوري، فأقام به نحو شهرين ومات، وصليت عليه ودفنته بالتربة الركنية بيبرس في سلخ المحرم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 556 باني سنقر بن شاه رخ بن تيمور صاحب مملكة كرمان، مات في ذي الحجة. أبو بكر الشيخ تقي الدين اللوبياني الفقيه الشافعي، أحد الفضلاء الشافعية بدمشق فباشر تدريس الشامية الجوانية وغيرها، ومات في شوال. حسين بن علي بن سبع، المالكي شرف الدين وبدر الدين البوصيري، ولد سنة 45، وسمع على المحب الخلاطي أكثر الدارقطني أنا الدمياطي وصفة التصوف لابن طاهر خلا من أول الزهد إلى آخر الكتاب، وسمع أيضا على عز الدين بن جماعة غالب الأدب المفرد للبخاري، وعرض على مغلطاي شيئاً من محفوظه وأجاز له، وكان من الطلبة بالشيخونية، وحدث، سمع منه رضوان وابن فهد والبقاعي وغيرهم، واجاز لابني محمد ومن معه، ومات في ربيع الأول. طرباي الظاهر نائب طرابلس، وبها مات في يوم السبت ثالث رجب فجأة. خضر بن أحمد، اصله من.. وكان يتجر في الزيت ثم في البر يجلبه ويبيعه، وأنجب ابنه إبراهيم صاحبنا، وذكر أن مولده سنة سبع وأربعين فبلغ التسعين وكان عجز بأخرة وانقطع فآواه ولده إلى أن مات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 557 زهير بن سليمان بن زبان بن منصور بن جماز بن شيحة الحسني، قتل في حرب وقعت بينه وبين أمير المدينة مانع بن علي بن عطية بن منصور بن جماز في شهر رجب، وقتل معه جمع من بني حسين، منهم ابن عزيز بن هيازع الذي كان أبوه أمير المدينة، وكان زهير فاتكاً يقطع الطريق ومعه جماعة، كما تقدم في حوادث سنة أربع وثلاثين. عبد الله بن سلمان المحلي جمال الدين أحد موقعي الحكم، وقد ناب في الحكم في بعض الجهات وفي بعض النواحي بالقاهرة قليلاً، مات في يوم الاثنين ثاني عشر رجب. عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن حمزة المقدسي زين الدين، ولد في رمضان سنة 789، وأسمعه عمه الكثير من ابن المحب وابن عوض وابن داود وابن الذهبي وابن العز، مات فجأة في 14 شهر ربيع الآخر، فمن مسموعه على ابن العز السادس من مسند أنس من المختارة للضياء والثاني والسبعين منها، وسمع على ابن داود الثاني من أمالي المحاملي رواية ابن أبي عمر ابن مهدي أنا سليمان ابن حمزة. عبد الرحمن بن نجم الدين عمر بن عبد الرحمن بن حسين بن يحيى ابن عبد المحسن، المسند زين الدين أبو زيد القبابي ثم المقدسي الحنبلي، ولد في 13 شعبان سنة 49، وأجاز له أبو الفتح الميدومي وجل شيوخ شيخنا. العراقي، وسمع من الشيخ تقي الدين السبكي وصلاح الدين ابن أبي عمر وابن أميلة وصلاح الدين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 558 العلائي وناصر الدين التونسي والتباني وابن رافع وأحمد بن النجم إسماعيل والخلاطي وابن جماعة ومغلطائي وابن نباتة والرساوي وحسن بن هبل، وشيوخه بالسماع والإجازة نحو المائة وخمسين نفساً خرجت له عنهم مشيخة، وأجاز لي غير مرة، مات في سابع شهر ربيع الآخر ببيت المقدس، وقد أكثر عنه الرحالة وقصد لذلك، وبلغ سبعين سنة إلا قليلا، وتفرد بأكثر مشايخه. عبد الواحد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب، الفوي الأصل ثم المكي العلامة النحوي جلال الدين أبو المحامد الشهير بالمرشدي، ولد في جمادى الآخرة سنة ثمانين بمكة، وأسمع على النشاوري والأميوطي والشهاب بن ظهيرة وغيرهم، ورحل إلى القاهرة فسمع بها من بعض شيوخنا، ومهر في العربية، وقرأ الأصول والمعاني والفقه، وكان نعم الرجل مروءة وصيانة؛ ومات في يوم الجمعة 24 شعبان، وكثر الأسف عليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 559 علي بن طيبغا بن حاجي بك، التركماني الشيخ علاء الدين العينتابي الحنفي، كان فاضلاً وقوراً، مهر في الفنون، وقرره السلطان الأشرف مدرساً وخطيباً بالتربة التي أنشأها بالصحراء؛ مات في طريق الحجاز ودفن بالقرب من الينبع. علي بن محمد بن موسى بن منصور، المحلي ثم المدني الشيخ نور الدين، كان مولده في جمادى الأولى سنة 754 بالمدينة، وسمع علي ابن حبيب وابن خليل وابن القارئ وأبي البقاء السبكي وغيرهم، وأجاز له ابن أميلة وابن هبل وابن أبي عمر، وحدث باليسير وأجاز لنا: ومات يوم مات في الثالث من شوال وليس ببلاد الحجاز أسند منه. عمر البسطامي المقيم بالعارض بسفح المقطم، كان كثير الذكر مستمراً عليه لا يفتر عنه لسانه، وتحكى عنه كرامات، وللناس فيه اعتقاد وعمر نحو التسعين. .... تقدم في التي قبلها فيحرر. فاطمة بنت خليل بن أحمد بن أبي الفتح المقدسية ثم القاهرية زوج غازي الحنبلي، ولدت في ... وأجاز لها أكثر شيوخ القباني الذين ذكروا قبل، وخرجت لها مشيخة اضفتها إلى مشيخة القباني، وحدثت بأخرة، سمع منها الطلبة؛ وماتت في أول يوم من جمادى الأولى وقد تفردت عن بعضهم. محمد بن المنصور بن أبي فارس بن عبد العزيز بن المنتصر ملك الغرب عم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 560 أبيه الحسين، وكان فاضلاً ذكياً شاطراً، يحفظ المذهب وكثيراً من معاني الحديث، وكحل. محمد بن عبد الله بن عبد القادر، الشيخ نجم الدين الواسطي السكاكيني، يقال إنه قرأ على العاقولي ومهر في القراآت والنظم والفقه، يقال إنه أقرأ الحاوي ثلاثين مرة، وله شرح على منهاج البيضاوي، ونظم بقية القراآت العشر وتكملة للشاطبي على طريقته حتى يغلب على سامعه انه نظم الشاطبي وخمس البردة وبانت سعاد؛ مات بمكة في سادس عشري شهر ربيع الآخر. محمد بن علي، جمال الدين التوريزي التاجر، تنقلت به الاحوال، وتولى ببلاد اليمن التحدث في المتجر السلطاني بعدن ثم صرف، وكان تسحب من القاهرة من ديون ركبته في سنة 24 ولم يعد إليها، ومات في هذه السنة بمكة، وهو أخو على المذكور قبل بسنتين المقتول سنة أربع وثلاثين. محمد بن محمد بن عمر، تقي الدين بن شيخنا سراج الدين البلقيني؛ مات في أول ليلة الثاني عشر من شوال، ودفن صبيحة ذلك اليوم الأربعاء على أبيه وجده، وكان مولده سنة تسع وثمانين مات أبوه وهو طفل فرباه جده، وحفظ القرآن وصلى بالناس وهو صغير له نحو عشر سنين، ودرس في المنهاج، ولازم الشيخ كمال الدين الدميري وغيره، وكان ذكياً حسن النغمة، ونشا في إملاق، ولما ولي عمه القضاء نبه قليلاً، وولي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 561 بأخرة نيابة الحكم بمنية الأمراء وغيرها من الضواحي، ودرس بعد موت عمه جلال الدين في الفقه بجامع طولون، وتمول بملازمة ناظر الجيوش عبد الباسط، وحصل وظائف وإقطاعات ورزقاً، وصار كثير المال جداً في مدة يسيرة. وسيرته مشهورة وسبب تقدمه عند المذكور مشهور، وتقدم في الصلاة عليه عمه علم الدين وله نحو الخمسين، وخلف ولداً كبيراً وآخر صغيراً وابنتان، وقد حدث عن جده بشيء يسير، قرأ بعض الطلبة عليه كتاب الجمعة للنسائي بسماعه من جده أنا إسماعيل البلقيني بسنده. محمد ناصر الدين بن الشيرازي نقيب الجيوش، مات في يوم الثلاثاء رابع عشر شهر ربيع الآخر عن بضع وخمسين سنة، وكان تام القامة كثير المداراة محبباً إلى الناس لكنه كان مسرفاً، وله في هذه الوظيفة مدة طويلة. تقي الدين بن الجيعان أخو كاتب ديوان الجيش، وكان ساكنا وقوراً يباشر في عدة جهات .... ، وكانت جنازته حافلة، وكثر التاسف عليه. عماد الدين السرميني موقع الدست بدمشق، وكان فاضلاً ذكياً، مات في شوال وقد بلغ الأربعين أو قاربها. الحطي ملك الحبشة الكافر - لا رحم الله فيه - بغرز إبرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 562 سنة تسع وثلاثين وثمانمائة استهلت بالخميس، ووافق ذلك رابع مسري من شهري القبط. وبلغت زيادة النيل فيه إلى دون خمسة عشر ذراعاً. ثم وقع الوفاء وكسر الخلج في يوم الاثنين خامس المحرم ووافق ثامن مسري، وكان نظير ذلك في العام الماضي في سابع مسري، وزاد من الذراع - السابع عشر أربعة اصابع، وباشر ذلك ولد السلطان، وكان يوماً مشهوداً، وسر الناس بذلك، وتباشروا بانحطاط السعر - فلله الحمد. واستمرت الزيادة بعد ذلك إلى أن كان في آخر يوم من مسري قد انتهى إلى تسعة عشر ذراعاً سوى إصبع واحد. ولم يعهد مثل هذا فيما مضى من السنين سوى في السنة الماضية - فالله المحمود على كل حال. وفيه وصل إلى حلب رسل من قبل جانبك الصوفي، فبلغ السلطان ذلك فجهز لنائبها بقتلهم فقتلوا، ثم تبين أن ذلك كان في آخر - في السنة الماضية، وكان النيروز يوم الثلاثاء، خامس صفر، وكانت السنة القبطية كبيساً ولم يلعب أحد فيه لنهي السلطان عن ذلك وبلغت زيادة النيل فيه تسعة عشر ذراعاً وثمانية عشر إصبعاً، وساوى العام الماضي في ذلك وزاد ثلاثة أصابع ثم زاد في أول يوم من توت إصبعين، وفي الثاني إصبعاً، وكان في العام الماضي قد نقص في أول يوم من توت أربعة أصابع ومع ذلك فلم ترو عدة بلاد من الجيزية التي كان من شأنها أن تروى من ستة عشر لفساد الجسور - والأمر لله! ثم يسر الله أن زاد حتى وفي قدر العام الماضي ولم يكن أحد يظن ذلك، وانتهت زيادة النيل في أول يوم من بابة إلى عشرين إصبعاً، ورئي شهر ربيع الأول ليلة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 السبت، وثبت ذلك فلم ينقص منه إلى الرابع من شهر ربيع الآخر سوى قدر ذراع، ودخل هاتور من الأشهر القبطية وهو على ثباته، وتأخر زمان الزرع عن العادة، وضج الناس من ذلك، وغلا السعر في القمح وغيره إلى أن بلغ القمح نحو الدينار ثم تناقص. وفيها استدعى شاه رخ قرا يلك وأمره بقتال إسكندر فكان ما حكيناه في السنة الماضية، ووصل أحمد بن شاه رخ نجدة لقرا يلك، فلقوا إسكندر على ميافارقين، فقتل من الفريقين جمع جم، وانهزم إسكندر إلى بلاد الروم، فوصل إلى أفشر وكاتب صاحب مصر فقام متوليها بخدمته، ودل عليه أحمد بن شاه رخ، فسار في طلبه فتبعه العسكر فانهزم ودخل توقات من بلاد الروم، فأرسل صاحبها يستأذن ملك الروم مراد بن محمد بن عثمان - في أمره -، فأرسل إليه هدية بما قيمته عشرة آلاف دينار وأمر بإكرامه، فإلى أن يصل إليه ذلك جرى على عادته من الفساد والنهب، فشق ذلك على متولى توقات وراسل صاحبه، فأمر برد الهدية وإخراج إسكندر من بلاده، فسار إلى جهة بلاد القرانية، وراسل شاه رخ ملوك الروم وجهز لهم خلعاً وأمرهم بطرد اسكندر وملك أحمد بن شاه رخ ملك الروم وتزوج بنت قرايلك، ولما وصل الخبر للسلطان شرع في التجهيز للسفر وعرض أجناد الحلقة، وفي الثالث من شهر ربيع الأول خلع على شرف الدين أبي بكر بن سليمان الحلبي سبط ابن العجمي كبير الموقعين ونائب كتابة السر بكتابة السر بحلب، وقرر ولده مكانه في جهاته، وهو معين الدين عبد اللطيف، وجهز إلى كاتب السر بها زين الدين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 عمر بن السفاح بالحضور، لأن كاتب السر ابن السفاح بحلب كتب يحذر من - غائلة - قرقماس وأنه يريد الخروج عن الطاعة، ففطن قرقماس فراسل يطلب الحضور، وصادف توجه النجاب بطلبه فسبق قاصده، فعرف السلطان براءته مما رمى به وأذن له في المجئ، وحنق على ابن السفاح وعزله من كتابة السر وأمره بالقدوم، ثم شفع فيه أن يستمر بطالاً، وتوجه شرف الدين، واتفق قدوم قرقماس على الهجن في أربعة عشر يوماً في سادس ربيع الأول، فلما قدم أكرم. وفي صبيحة وصوله خلع أمير سلاح مكان جقمق، وخلع على إينال الجكمي الأمير الكبير بنيابة حلب. وعين جقمق الذي كان أمير سلاح في وظيفته، وعوتب قرقماس بأنه راسل جانبك الصوفي، فتنصل وكان ما سيأتي، ثم سافر إينال الجكمي وشرف الدين في الرابع عشر من شهر ربيع الأول إلى مدينة حلب، - وخلع على جقمق مكان الجكمي قبل ذلك - في السابع منه، وخلع عليه أيضاً بنظر المارستان - في السادس عشر منه -، والعجب أنه بعد ثلاث سنين ولي السلطنة في هذا الشهر، وحضر المولد السلطاني في الثالث عشر منه وجلس رأس الميمنة وجلس قرقماس رأس الميسرة، ثم جاء ولد السلطان فجلس فوقه وكان السرور طافحاً على جقمق وقرقماس مكتئب. وفي حادى عشر ربيع الآخر وصل الخبر بموت قصروه نائب الشام، فقرر مكانه إينال الجكمي الذي توجه قريباً إلى حلب، وتوجه القاصد إليه بنقله عن حلب إلى دمشق، وقرر تغرى برمش أمير آخور التركماني نائباً بحلب، فسار في أول الشهر إلى جهة حلب وخرج في بحمل زائد، وقرر عوضه جانم أخو السلطان الأشرف من أمه أمير آخور، وخلع عليه في سابع جمادى الأولى - أيضاً -، وأمر تغرى بردى المؤذى تقدمة، وورد كتاب صاحب حصن كيفا يخبر فيه بمنازلة شاه رخ تبريز وإذعان إسكندر بن قرا يوسف له، ثم ظهر أن إسكندر انكسر ودخل شاه رخ تبريز ونزل من رساع يشتى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 فيها، وأرسل عسكراً مع ولده إبراهيم يتبع إسكندر فدخل اسكندر بلاد صاحب مصر واستأذنه في الإقامة بها، فأجابه الأشرف لذلك، فأرسل إليه هدية وآثره بجملة من المال، وورد كتاب نائب ملطية يخبر فيه بإمساك جانبك الصوفي، وتاريخه ثامن عشر ربيع الأول، ثم أحضرت رأس عثمان بن قرايلك وولده وعلقتا بباب زويلة - وذكر نائب ملطية في كتابه أنه - وقع بينه وبين قوم آخرين من التركمان حرب فسقط عن فرسه في المعركة - فغرق - فلم يشعر به إلا بعد يومين - فعرف، وكوتب السلطان فأمر السلطان بإحضار رأسه - وشرح نائب ملطية أموراً - كثيرة -، فأرسلت إليه هدية وأمر، ووصل قاصد ابن دلغادر يخبر بإمساك جانبك - الصوفي -، ووصل جمال الدين يوسف بن عبد الله الكركي قريب ابن الكويز الذي كان ولي كتابة السر بعد موته قدر نصف سنة ختام سنة ست وعشرين وأوائل سنة سبع وعشرين، ثم صرف وولي أخيراً نظر الجيش بالشام فاستمر فيه، ثم صرف ثم أعيد مدة فوصل مطلوباً في أول يوم من شهر ربيع الآخر فتوعك، واستمر إلى أن خلع عليه يوم السبت سادس جمادى الأولى بكتابة سر الشام وصرف من نظر الجيش، فاستقر فيها بهاء الدين بن حجى وكان وليها مرة قبل هذه، وفي أواخر شهر ربيع الآخر غلا سعر القمح فتزايد وقل الخبز من الحوانيت فضجت العامة، فأمر السطان بفتح الشؤن - والبيع - منها، فمشى الحال قليلاً وتزايد السعر إلى أن بلغ القمح أربعمائة والفول مائتين والشعير مائة وسبعين، وسكن الحال بوجود ذلك وبيع الرغيف الذي زنته نصف رطل بدرهم ونصف قنطار من الدقيق - ويسمى عندهم بطه - بمائة وعشرة، وهذا كله والري قد شمل الأرض قبلها وبحررنها فكيف لو كان فيه تقصير! اللهم الطف بعبادك يا رب العالمين. وفيها وقع الطاعون ببرصا فدام أربعة أشهر، وفيه قبض على جانبك الصوفي وقد تقدم ذكر ظهوره في السنة الماضية فاتفق أنه توجه هو قرمش الأعور وابن سلامش وابن قطلبك إلى محمد بن قرايلك فقواهم، فنازلوا قلعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 دوركي ونهبوا ما حولها، ثم توجه محمد إلى أبيه بأمر شاه رخ لقتال إسكندر، وتوجه جانبك ومن معه إلى ملطية فحاصروها، فأظهر له سليمان بن ناصر الدين بن دلغادر أنه معه، فكتب إليه أن يقدم عليه، فقدم في مائة وخمسين فارساً، فتلقاه جانبك فأظهر له المناصحة حتى اطمأن إليه، ثم غدر به وقبض عليه وتوجه له ليلاً حتى دخل الأبلستين، وكتب إلى نائب حلب يعلمه بأنه قبض عليه في سابع عشر ربيع الأول ويقر في مقابلته خمسة آلاف دينار، فجهز نائب حلب كتابه إلى السلطان بمصر، وجهز ناصر الدين قاصده إلى ولده سليمان أن يرسل إلى صاحب مصر بالإعلام بذلك - ويخبر جنبك ليتخذ عنده يداكي يطلق ولده فياضاً ولم يكن بلغه إطلاقه، ففي غضون ذلك وصلت إليه خديجة وابنها فياض، وأرسل جانبك كتاباً إلى يلبان نائب درنده يستميله، فقبض على قاصده وسجنه وأرسل بكتابه إلى الأشرف، فتحقق غدر ابن دلغادر، ووقع الإرجاف بأمر جانبك، وكثر القال والقيل لا سيما ممن يتعصب له، وكان ناصر الدين قبل ذلك نازله تغري برمش نائب حلب، ففر منه فأمر أهل الأبلستين بالرحيل منها وأحرقها. ونهب العسكر من بقي بها. فكانت غيبته خمسين يوماً. وفي شوال رجع شاه رخ إلى الشرق، واستناب بتبريز شاه جهان وأنعم عليه بجميع نساء إسكندر بن قرايوسف، ووجد مع جانبك بعد القبض عليه كتاب شاه رخ يحرضه على أخذ البلاد الشامية ويعده بأنه يرسل إليه ولده أحمد نجدة له بالعساكر، فقلق صاحب مصر من ذلك وكتب إلى نواب الشام بالاستعداد. وفي ربيع الآخر نودي بعرض أجناد الحلقة، فعرضوا على السلطان فقال: اخرجوا كلكم، من قدر على فرس ركب فرساً، ومن قدر على حمار ركب حماراً، وفي سابع عشره ورد الأمير شاهين الأيدكاري وصحبته قصاد إسكندر بن قرا يوسف ومعهم راس قرا يلك ورأس ولديه، فأمر السلطان بالرؤوس فطيف بها وزينت القاهرة - وعلقت الرؤوس على باب زويلة وحمل إلى الإسكندر مال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 وفي آخر الشهر سابع عشر منه تجهز شاذ بك راس نوبة بمال وفرس وسرج ذهب وكنبوش مزركش إلى سليمان بن دلغادر وابنه ناصر الدين ليسلما - جانبك الصوفي، فجاء الخبر بعد قليل - بأنهما أخذا المال وأطلقا جانبك، قدم شاذ بك في حادي عشر رجب بذلك، فشق على السلطان وكاتب أهل البلاد بالشام ونادى في العسكر بالتجهيز للسفر، وكاتب ملك الروم أن يتأهب للترافق معه على قتال شاه رخ، ثم جهز السلطان جماعة من الأمراء وهم الأمير الأتابك جقمق الذي ولي السلطنة بعده والد يدار أركماس الحاجب الكبير ويشبك ونائب القلعة تنبك وتغري بردى البكلمشي المعروف بالمؤذي - وقرا قجا الحسني - الذي صار أمير آخور وتاني بك نائب القلعة وتغري برمش الذي صار دويدار كبيراً، وخجا سودون وألف فارس من مماليكه وألف فارس من جند الحلقة، وأنفق فيهم سبعة عشر ألف دينار، وتوجهوا إلى حلب فالتقوا بأميرها تري برمش وساروا جميعاً، وقبض على مملوك لابن دلغادر توجه من جهتهم ليكشف حال أهل حلب فدلهم على جانبك الصوفي أنه مقيم بالأبلستين، فتوجهوا ففر منهم جانبك، وهجموا البلد فاحتملوا - ونهبوا ما فيها وعادوا إلى حلب، وتخلف عنهم خجا سودون بعينتاب، فاجتمع جاني بك ومن معه على أن يكبسوه فلاقاهم فوقعت بينهم محاربة شديدة انجات عن أخذ قرمش الأعور وجماعة معه، وفر جانبك وسجن قرمش ومن أسر معه بقلعة حلب، ثم جهزت رأس قرمش بعد قتله إلى القاهرة. وفي رابع عشري رمضان قدم اسلماس بن كبك التركماني إلى القاهرة مراغماً لجانبك الصوفي، فأكرمه السلطان وخلع عليه وجهزه إلى بلاده، وقرر شاذ بك في نيابة الرها عوضاً عن أينال الاجرود وأمر بإحضار أينال. وفي هذه السنة أكثر السلطان من النزول إلى الصيد، ونزل غير مرة إلى الضواحي، ومنها إلى جامع عمرو فصلى ركعتين، وإلى خليج الزعفران مرة وغير ذلك. وفي ثالث عشري ربيع الآخر رسم بعقد مجلس بالقضاة ليتشاوروا في جمع المال لقتال اللنك، ثم أعفوا من ذلك وأشار السلطان بأن من ينسب إلى الغنى يجهز ما يقدر عليه من المقاتلة، وقرر على القاضي الشافعي خمسة عشر وعلى الحنفي عشرة ونحو ذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 وفي أواخر شهر ربيع الآخر شاع أن شاه رخ قاصد البلاد الشامية، فنودي في أجناد الحلقة بالعرض فعرضوا عند الدويدار الكبير، وحصل لهم مشقات كبيرة خصوصاً لصعاليكهم، واستمر التشديد عليهم. وفيه خلع علي ولي الدين محمد بن تقي الدين أبي القاسم بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن محمد بن عبد القادر الششيني نزيل المحلة نديم السلطان ناظر الحرمين عوضاً عن سودون المحمدي وشيخ الخدام بالمدينة عوضاً عن بشير التنمي، ثم خلع على الصاحب كريم الدين ابن الصاحب تاج الدين ابن كاتب المناخات بالنظر علي الكارم بجدة، وشرع في التجهيز صحبة ابن قاسم، وخلع على يلخجا الثاني أخو الطنبغا الصغير - بشادية جدة عوضاً عن نكار، وخرجوا وصحبتهم جماعة لقصد العمرة والمجاورة وهو الركب الرحبي في نحو أربعمائة جمل، وساروا في يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الآخرة، ووصل نكار إلى القاهرة محتفظاً به، ويقال إنه أهين وصودر على مال، وكان نكار المذكور توجه إلى جدة فلم ينجع كما نجع من قبله، فسخط عليه لسوء تصرفه. وفي جمادى الأولى وصل الخبر من اقطوه الذي كان توجه رسولاً إلى شاه رخ بأنه وصل إلى حلب وصحبته رسل من شاه رخ، فأجيب بالإذن لهم في المجئ، فلما كان في جمادى الآخرة وصل اقطوه سالماً كما سيأتي. وفي ذي الحجة وصلت هدية ملك بنجالة إلى السلطان فغرق المركب، وقام الصاحب كريم الدين ومن معه إلى أن استخرجوا الشاشات من البحر وأصلحوها بالقصار وجهزوها وفات ما عدا ذلك، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 وكان أصلها أن السلطان جهز هدية إلى ملك بنجالة فمات، فأرسل ولده أحمد بن أبي المظفر جواب الهدية بتحف كثيرة، فاتفق أن الريح ألقتهم بجزيرة قرب ديبة، فمات الطواشي الذي من جهة السلطان، فاحتاط صاحب ديبة على موجوده وترك الهدية، فوصلت إلى جدة فغرقت دون ذلك، فبلغ السلطان فشق عليه وأمر بالقبض على كل من وصل مكة من بنجالة، فقبض عليهم وعلى أموالهم حتى أفتكوها بغرامة ما فسد من الهدية. ودخل فصل الشتاء في يوم الأربعاء السابع عشر من كيهك وقد اشتد البرد بالديار المصرية جداً كاشد ما عهد في وسط الشتاء، وكان برد ذلك في الثالث والعشرين من جمادى الأولى، وكان ابتداء شدة البرد في يوم العشرين منه قبل انفصال الشمس عن القوس بثلاثة ايام، وتزايد البرد مع عدم الهواء والسحب وما جرت به العادة في الشتاء بمصر بل الهواء غير مزعج الهبوب مع شدة برده، وأكثر ما تهب من جهة الشرق عن يسار القبلة. وفي الحادي والعشرين من كيهك صار الماء الذي في البرك وبقايا الخلجان جليداً، فجمع منه شيء كثير جداً بحيث صار أصحاب المزايل يجمعونه فيبيعونه، والناس يتسارعون إلى شرائه والتناول منه ويظنون أنه من جملة الثلج، وكثر ذلك جداً بحيث لم يسمع ينظير ذلك في هذه الأعصار، وكان الأمر في العام الماضي قبل هذه الأيام بالعكس من استمرار الحر وعدم البرد البتة - فسبحان من له الملك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 وفي السادس عشر منه صرف خليل نائب الإسكندرية عن الإمرة والنظر، وذكر لنا خليل بن شاهين المذكور أنه في ولايته أبطل ما كان مقرراً على الباعة لجهة الحسبة وهو في كل شهر ثلاثون ألفاً يحمل إلى ديوان النيابة، ونقش ذلك في رخامات جعلت على أبواب البلد، وأنه وجد ابن الصفير الناظر على الثغر أخذ ما بالمجانيق التي بقاعة السلاح من الرصاص فعمر به حماماً له، فطالع بذلك السلطان فأمر بانتزاعه منه فانتزع، وعمر بالمجانيق كما كانت، وجدد بها واحداً كبيراً ووضعه على برج يقال له الضرغام، ووصف لنا ما بالقاعة من العدد فكان شيئاً كثيراً وأمراً مهولاً حتى أنه قيل إنه في بعض الكائنات احتيج إلى أخذ ورق منها فأخرجت منها خمسة آلاف فلم يؤثر في كثرتها. وفي العشرين منه استقر سرور المغربي ناظراً وقاضياً بالثغر ولبس الخلعة بذلك، وبلغني أنه عوتب فقال إن الجمع بينهما جائز لأن الذي ينظر عليه ليس مكساً بل هو زكاة الأموال من المسلمين، وما يؤخذ من الكفار ليس بمكس، ثم بعد يوم أهين وضرب على ما بلغني، ثم قرر اقباي اليشبكي الدويدار في إمرة الإسكندرية، ثم قرر خليل المذكور في نظر دار الضرب بالقاهرة عوضاً عن ابن قاسم وكان قد استناب فيها أخاه فصرف. وفي يوم الثلاثاء سابع عشري جمادى الآخرة منها - أو في شهر رجب وصل أقطوه الدويدار الذي كان رسولاً إلى شاه رخ ابن تمرلنك وصحبته رسل منه، فاجتمع بالسلطان في يومه ثم وصل الرسل يوم الأربعاء وانزلوا بالقاهرة، ثم أخذ منهم الكتاب فقرئ وفيه إنكار ما يصنع بمكة من اخذ - المكوس والتحذير من أمر إسكندر ابن قرا يوسف والإذن له في دخول هذه البلاد وأن يخطب له بمصر وتضرب السكة باسمه والتغليط في ذلك والتهديد، وصحبة الرسول خلعة بنيابة مصر وتاج، ثم راسله القاصد بان معه كلاماً مشافهةً، فأحضر يوم السبت فأداه، فأمر - بضربه وضرب رفيقه، فضربا ضرباً مبرحاً وغمسا في ماء البركة في شدة البرد ولكن بثيابهما حتى كادا يهلكان غماً، ثم أمر بإخراجهما فأعيدا إلى المكان الذي أنزلا فيه، ثم أمر بنفيهما إلى مكة في البحر، فحجا وتوجها إلى العراق، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 وعزم السلطان على السفر إلى البلاد الحلبية بالعساكر، وكاتب الأشرف بن عثمان أن يكون عوناً على شاه رخ، وجهز المراسيم إلى بلاد الشام بتجهيز الإقامات، وكتب إلى جميع المدن الكبار بتجهز العساكر واستخدام جند من كل بلد - فالله يختم بخير. وفيها أدير المحمل على خلاف العادة، وأمر مشايخ الخوانق أن يركبوا في صوفيتهم بغير رماحة وأن يلاقوا المحمل من الجامع الجديد إلى الرميلة ويرجع القضاة من هناك. وفيها وقعت بقرب عسفان بين سرية من أمير مكة وبين بعض العرب من بطون حرب، فتحيل عليهم العرب وأظهروا الهزيمة فرجعوا عليهم وقتلوا منهم مقتلة وانهزم من بقي، وممن قتل الشريف ميلب بن علي بن مبارك بن رميثة، وغنموا منهم اثنين وثلاثين فرساً وجملة من السلاح. وفي يوم الخميس السابع من شهر رجب استقر شيخ الشيوخ محب الدين محمد بن الشيخ شرف الدين عثمان المعروف بابن الأشقر في كتابة السر الشريف عوضاً عن القاضي كمال الدين ابن البارزي. واستقر ولده شهاب الدين أحمد في مشيخة الشيوخ بسرياقوس عوضاً عن والده وباشر، وهرع الناس للسلام عليه فركب هو مسرعاً فطاف على كبراء الدولة فسلم عليهم ورجع ونظر في الأمور، ورجع من يسلم عليه يتوجع للمنفصل على العادة. وفي رمضان نقل قانصوه إلى دمشق بتقدمة ألف عوضاً عن جانبك المؤيدي لموته، ونقل حسن ناظر القدس على إمرة قانصوه بدمشق. وفي جمادى الآخرة صرف أمين الدين القسطلاني عن قضاء المالكية بمكة وأعيد أبو عبد الله النويري. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 وفي رجب أوقع تغري برمش نائب حلب بالتركمان بمدينة مرعش، فقتل منهم جماعة وأسر جماعة وغنم منهم غنيمة كثيرة، ورجع إلى حلب سالماً. وفيها في الخامس من جمادى الآخرة استقر جمال الدين ابن الصفي الكركي كاتب سر دمشق عوضاً عن يحيى بن المدني بحكم عزله، واستقر بهاء الدين بن حجي في نظر الجيش عوضاً عن جمال الدين، واستقر الشريف بدر الدين محمد بن علي بن أحمد الجعفري في قضاء الحنفية بدمشق عوضاً عن الشريف ... وفيها نازل اسكندر بن قرا يوسف أرزن الروم فأخذها، وفر منه قرا يلك إلى آمد بعد ليلة إلى أرقنين. وفيها وقع بين طوائف من الإفرنج حروب هائلة، وأنجد المنتصر صاحب تونس بعض الطوائف وكانت أمه منهم، فكانت النصرة لهم على الباقين. وفيها حصر العرب مدينة تونس، وكان المنتصر ضيق عليهم ومن معهم - ومنعهم من دخول تونس، فانتمى إليهم ابن عمه زكرياء بن محمد بن أبي العباس وأمه بنت أبي فارس، وكان المنتصر مريضاً فأنجد عثمان أخو المنتصر أخاه، وكانت بينهم مقتلة عظيمة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 وفيها عزل جمال الدين يوسف بن أبي أصيبعة من نظر الجيش بحلب، وأضيف لزين الدين ابن السفاح كاتب السر. وفي ذي الحجة خرجت طائفة من العرب من غزة على مبشري الحاج ففتكوا بهم وسلبوهم، فمشوا حتى وقعوا على بعض ذوي الدول من جهينة، فآووهم وكسوهم وحملوهم إلى القاهرة، وحج في هذه السنة أمير ديبه وبلاد الهند، واسمه حسن بن أبي بكر بن حسن الشهير بابن بدر ويلقب الناصر. وفيها وقع الوباء ببلاد كرمان وفشا الطاعون بهراة حتى سمعت اقطعوه الذي كان رسولا إلى شاه رخ ملك الشرق يقول - إنه سمع وهو عند شاه رخ أن عدة من مات بهراة ثمانمائة ألف. وتوجه شاه رخ في جمع عظيم لقتال اسكندر بن قرا يوسف، والسبب في ذلك أن اسكندر كان نازل قلعة شماخي من بلد شروان وقاتل صاحبها خليل ابن إبراهيم الدربندي مدة، فاغتنم غيبة اسكندر في الصيد فهجم على عسكره فقتل منهم ناساً واسر ولد اسكندر وابنته وزوجته، فبعث بالابن إلى شاه رخ فسيره إلى سمرقند، ووقف خليل بنت اسكندر وزوجته في الخرابات مع البغايا، فلما عاد اسكندر غلب على شماخي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 حتى خربها ونهب ما بها من الأموال وأفحش في القتل والسبي، فهرب خليل واستنجد بشاه رخ فخرج في نصرته، وظفر اسكندر ببنت خليل وامرأته فوقفهما في البغايا، وألزم واحدة منهما أن تمكن خمسين رجلاً يزني بها جزاء ما فعل خليل، وكان خروج شاه رخ في ربيع الأول فنزل على قزوين في رجب، وأمر فيروز شاه أمير الأتراك أن يتوجه إلى البلاد ما بين قزوين إلى السلطانية إلى تبريز وسائر العراقين وينادي بعمارة ما خرب من البلاد وزراعة ما تعطل من الأرض وغراس البساتين وحط الخراج عمن زرع إلى خمس سنين وإعانة الزراع والفلاحين بالبذر والمال. فلما بلغ آبهان بن قرا يوسف خبره راسل شاه رخ بأنه في طاعته فكف عنه - ثم أرسل شاه رخ ولده أحمد إلى ديار بكر في ذي الحجة، وأقام على قرا باغ وجد في عمارة تبريز، واظهر العدل إلى أن كان ما سنذكر في السنة المقبلة. وفي هذا الشهر نزلت الشمس برج الحمل في يوم الأحد ثالث عشري شعبان في النصف من برمهات من أشهر القبط، وانقضى فصل الشتاء والبرد أشد ما كان كنحو الذي كان في طوبة من اشهر القبط وهو كانون من أشهر الروم، ثم بعد ثلاثة أيام هجم الحر دفعة واحدة فدام على ذلك سبعة أيام، ثم عاد البرد على الحال واستمر في رمضان إلا أنه في العشر الأخير منه تناقص ووقع بعض الحر. وفي يوم الخميس سادس عشري شعبان برز الأمراء بمقدمة العسكر المجرد إلى حلب إلى الريدانية وخرج آخرهم يوم الجمعة، وهم سبعة أمراء فيهم الأتابك والدويدار الكبير والحاجب الكبير فتوجهوا، فلما استهل شهر رمضان بيوم أشيع خروج بقية العسكر مع السلطان ثم فتر العزم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 وفي شهر رجب اجتمعت طائفة من عرب بني حرب ومنازلهم حول عسفان بعد أن كانوا يفرقون في أعمال ... فنهبوا غنماً لبعض أهل مكة، فقبض ابن عجلان على الغنم وردها لأصحابها وأنكر عليهم. فاعتذروا بأنهم اتفقوا مع والده حسن بن عجلان إن لا حرج عليهم من قبله فيما يفعلونه في غير الحرم، فأنكر ذلك وأمر بالغارة عليهم، فخرج إليهم طائفة من أهل مكة منهم أخوه علي بن حسن ووزيره سليمان وميلب بن علي بن مبارك بن رميثة وخرج أرنبغا مقدم المماليك المقيمين بمكة من قبل سلطان مصر ومعه عشرون مملوكاً، وذلك في الثالث عشري من شهر رجب، فأوقعوا بهم فقتلوا منهم طائفة وانهزم الباقون واستاقوا إبلاً كثيرةً واشتغل من طلب النهب، فكمن لهم بعض من انهزم في مضيق فأخذوهم على غرة، فقتل ميلب وفر أرنبغا وقتل من أهل مكة نحو الثلاثين ومن الترك ثمانية أنفس ونهب جميع ما معهم ودخلوا مكة في أسوأ حال، وفاز العرب بالغنيمة وتوجهوا إلى بلادهم فصادفهم وصول الوزير وولي الدين بن قاسم ويلخجا الذي قرر شاداً على البهار بجدة، فبلغهم طرف من الفضة فأخذوا حذرهم، فمروا بمكان الوقعة فدفنوا بعض القتلى وتوجهوا خائفين فلم يلقوا أحداً ودخلوا مكة سالمين في أول يوم من شعبان، فتوجه أرنبغا ومن بقي معه من الترك إلى القاهرة، فدخلوها في أوائل العشر الثاني من شهر رمضان، وذكروا أنه وصل إلى مكة ناس من التجار ومعهم بضائع من قبل شاه رخ ابن اللنك أمر بيعها بمكة وتفرقتها فيها صدقة على من عينه من أهل مكة، وان المتكلم على البضائع من قبل سلطان مصر أساء عشرتهم وأخذ منهم عشور ما معهم وكاتب السلطان يستأذنه في تمكينهم من بيع ما أحضروه ومن تفرقته. وفي السابع من شهر رمضان قرر خليل الذي كان نائب الإسكندرية في الوزارة وصرف تاج الدين الخطير وكان قد أظهر العجز، فاتفق أن لحم المماليك الاجلاب تأخر فرجموه فسعى في الاستعفاء فأناط السلطان الأمر بناظر الجيش، فتروي في الأمر ثم قرر هذا، فباشر دون الشهر ثم عجز وقصر -، فتغيظ السلطان فتلافى ناظر الجيش الأمر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 وآل الأمر - إلى أن صرف خليل عن الوزارة، وتكلم ناظر الجيش في ذلك إلى أن يصل كريم الدين ابن كاتب المناخات - من جدة، فأقام ناظر الدولة يتصرف ويراجعه، واستمر الحال إلى أن قدم كريم الدين، واستهل شوال يوم الأربعاء، فلبس السلطان الأبيض، وذلك قبل العادة القديمة بأسبوعين - فإن العادة جرت أن يكون ذلك في ثامن بشنس فوقع هذا في الثالث والعشرين من برمودة. وفي ليلة السبت ثاني ذي القعدة ولد علي بن محمد ابن كاتبه، أنشأه الله صالحاً في دينه ودنياه، وأمطرت في صبيحة هذا اليوم بعد طلوع الشمس واستمر في طول النهار أحياناً، وذلك في رابع عشري بشنس، وكان تقدم قبل ذلك سموم حارة في معظم النهار في الجمعة التي قبلها وفي الليل واضر ذلك بكثير من الخضراوات. وفيه نودي بمنع ضرب أواني الفضة وآلاتها، وشدد على من يحمل الدراهم المضروبة إلى الحجاز، لان التجار يستفيدون فيها لرغبة الهنود في الفضة فلذلك قلت بأيدي الناس. وفيه استقر شمس الدين الصفدي في قضاء الحنفية بدمشق على مال يحمله، وكان قدم القاهرة ليخف عنه فزيد عليه. وفي ليلة السبت خامس عشري الشهر هبت هواء باردة بحيث عاود الناس لبس الصوف وخصوصاً في الليل وفي أوائل النهار، وذلك عند انفصال فصل الربيع ودخول فصل الصيف. واستهل شهر - ذي الحجة بالسبت وكنا تراءيناه فتعسرت رؤيته ثم ثبت في اليوم الثاني. وفي يوم الخميس سادس ذي الحجة نودي على البحر، وكانت القاعدة يومئذ سته أذرع وستة عشر إصبعاً. وفيها وصل حمزة بك بن علي بن دلغادر فوقف بين يدي السلطان، فقبض عليه وسجن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 وفيها وقعت بين خجا سودون ومن معه من جيش حلب وبين قرمش ومن معه من اتباع جانبك الصوفي بعينتاب وقعة كبيرة أمسك فيها قرمش وجماعة ممن فر إلى جانبك، وسر السلطان بذلك لما وصل إليه الخبر -. وفيها على ما قرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي أنه بلغه في مجاورته بمكة هذه السنة أن أندراس الحطي صاحب مملكة الحبشة الكفرة مات في الطاعون العظيم الذي وقع في بلاد الحبشة حتى مات بسببه من لا يحصى من المسلمين والنصارى، وأقيم بعده ولد له صغير، فغزاهم شهاب الدين أحمد الملقب بدلاي ملك المسلمين بالحبشة، فغنم وسبى وفتح عدة قرى، واستنقذ الباني وهي بلدة من بلاد المسلمين كان العدو غلب عليها، فأنزل بها ألف بيت من المسلمين، وأقام أخاه خير الدين في بلد ركله، ونشر العدل وأمنت الطريق في زمانه - ولله الحمد. وفي هذه السنة فشا الوباء في بلاد اليمن سهلها وجبلها إلى صعدة وصنعاء، وفي مقابلها من بلاد بربر والحبشة والزنج. ذكر من مات في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان إبراهيم أمير زاه بن شاه رخ صاحب شيراز، وكان قد ملك البصرة، وكان فاضلاً حسن الحظ جداً، مات في رمضان. أحمد بن شاه رخ ملك الشرق، مات في شعبان بعد أن رجع من بلاد الجزيرة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 وأرزن الروم فحزن عليه أبوه، واتفق أنه مات له في هذه السنة ثلاثة أولاد كانوا ملوك الشرق بشيراز وكرمان، وهذا كان أعهدهم، ويقال له أحمد جوكي. أحمد بن عبد العزيز، الشبكي ثم الشيرازي الشيخ همام الدين، قرأ على الشريف الجرجاني، قرأ عليه المصباح في شرح المفتاح، وقدم بمكة فنزل في رباط اشت، فاتفق أنه كان يقرئ في بيته فسقط بهم البيت إلى طبقة سفلى فلم يصب أحد منهم بشيء وخرجوا يمشون، فلما برزوا سقط السقف الذي كان فوقهم وكان حسن التقرير قليل التكلف مع لطف العبارة وكثرة الورع عارفاً بالسلوك على طريق كبار الصوفية، وكان يحذر من مقالة ابن العربي وينفر عنها، مات في خامس عشري شهر رمضان. أحمد بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن محمد بن محمد، الزاهدي الخباز المعمر العابد شهاب الدين، خادم ضريح الشيخ رسلان لدمشق، ذكر أنه ولد سنة 739، واسمع من زينب بنت الكمال وغيرها فقرؤا عليه بإجازتها ولم يظهر له سماع؛ ومات في تاسع جمادى الأولى وله مائة سنة وسنتان. إسماعيل بن عبد الخالق، الأسيوطي مجد الدين ابن الشيخ، كان وقوراً، ملازماً حانوت الشهود، قليل الشر، وله سماع وحضور وإجازة من عبد الرحمن بن القارئ؛ مات في ثاني المحرم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 بابي سنقر بن شاه رخ صاحب كرمان، مات في ذي الحجة، وكان ولي عهد أبيه، وفيه شجاعة موصوفة. تاج بن سينا بن عبد الله، الشويكي - بالشين المعجمة والكاف مصغر نسبة إلى الشويكة مكان ظاهر دمشق - المعروف بالتاج الوالي، وقديماً كان يعاني خدمة الأكابر في الحاجة، وذكر لي أنه كان يخدم الشيخ شهاب الدين ابن الجابي بدمشق، ذكر لي مراراً ما يدل على أن مولده كان بعد الخمسين، واتصل بالملك المؤيد قبل سلطنته بعد أن اتصل بالأمير الطنبغا القرمشي فخدمه وراح عليه، فلما استقر في الملك بالقاهرة ولاه الشرطة فباشرها، وفوض إليه في أثناء ولايته أمر - الحسبة، فكان في مباشرته ذلك الغلاء المفرط، ثم في أواخر الدولة صرف عنها واستقر استادار الصحبة، وفي مرض موت المؤيد أعيد، وحصل له في أوائل دولة الأشرف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 انحطاط منزلة وهو مستمر على الولاية ثم خدم الأشراف فراج عليه أيضاً واستقر معه مضافاً إلى الولاية المهمدارية وأستادار الصحبة وشاد الدواوين والحجوبية ونظر الأوقاف العامة وغير ذلك، فأما الشرطة فكان الذي يباشرها عنه غالباً أخوه عمر، ثم في الآخر صار كالمستبد ثم صرف واستقر غيره ثم صرف مرة أخرة وأعيد ابن الطبلاوي، ثم صرف ومات وهو على هذه الوظائف كلها، مات بعلة - بعسر البول في آخر يوم العشرين من المحرم، وبلغني أنه كان لقي منه شدائد، وكان يعتريه قبل هذا بحيث أنه شق مرة فخرجت حصاة كبيرة وأفاق دهراً، ثم عاوده ثم كانت هذه القاضية، وكان حسن الفكاهة، ذرب اللسان لا يبالي بما - يقول، وتنقل عنه كلمات كفر مخلوطة بمجون لا ينطق بها من قبله دون - ذرة من إيمان، فإن كان ... مرضاً نفعه فإنه كان كثير الصدقة والبر المستمر، ولم يتعرض السلطان لماله وترافع أخوه عمر وزوجته وقرر عليها خمسة آلاف دينار، ثم أعفيت من ذلك باعتناء أهل الدولة. جلبان خوند الجركسية زوج السلطان ووالدة ولده يوسف الذي قرر أميراً كبيراً وهو مراهق، وكانت من جواريه فأعتقها وتزوجها وحظيت عنده، وحجت سنة أربع وثلاثين، فكانت في عظمة زائدة مفرطة، وماتت بعلة الصرع في يوم الخميس ثاني شوال، وقد أقدم السلطان من أهلها عدداً كثيراً أحضرهم من بلاد الجركس وأقطعهم وخولهم، وخلفت من الأمتعة والملابس والنقد شيئاً كثيراً جداً يقال يقرب من سبعين ألف دينار. الحسين الإمام العلامة المفتي الأمير ابن أمير المسلمين أبي فارس، الحفصي، وكان أخوه لما مات في العام الماضي استقر ولده في المملكة، ثم أراد الحسين الثورة فظفر به فقتله وقتل أخوين له، وعظمت المصيبة بقتل الحسين، وكان فاضلاً مناظراً ذكياً - ذكر لي ذلك صاحبنا الشيخ عبد الرحمن البرشكي رحمه الله تعالى. خشقدم الخصي الظاهري كان خازندار السلطان ثم صرف عنها، واستقر زماماً إلى أن مات، وخلف مالاً جزيلاً يقارب مائة ألف دينار، منه غلال مخزونة قومت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 بستة عشر ألف دينار، وصار للسلطان من تركته مال كثير، وكذا من تركة خوند زوجة يلبغا الناصري، وقيل: وصل ثمنها قدر عشرين ألف دينار، وكان مرضه بالقولنج في أوائل السنة فتعافى، ثم انتكس مراراً إلى أن مات، وكان شهماً يحب الصيد، وفيه عصبية وخلقه سيء إلى الغاية، واتفق أنه كان أنشأ مكاناً بالقرب من الأخفاقيين يجعله مدرسة، وعجل ببناء صهريج، وابتدأ في عمل سبيل لسقي الماء تكمل في مدة ضعفه، وجرت لشمس الدين الرازي بسبب إثبات وقفية داره في مرض موته إهانة من جهة السلطان واستقر جوهر اللالا زماماً بعد موت خشقدم مضافاً لوظيفته. سعد بن محمد بن جابر العجلوني ثم - الأزهري الشيخ مات في شوال، وكان خيراً ديناً سليم الباطن، ولكثير من الناس فيه اعتقاد، وذكر عنه كرامات، وكانت بيده إمامة المدرسة الطيبرسية المجاورة للجامع الأزهر. صالح بن محمد بن موسى المغربي الزواوي الشيخ صالح كان خيراً ذاكراً لكثير من الفقه ملازماً لحضور مجالس العلم، وجاور بالمدينة الشريفة مدة وحصلت له جذبة، وقدم القاهرة وسكن بتربة الظاهر بالصحراء، وحسن ظن كثير من الناس فيه، ثم سكن القاهرة وتنزل يدرس الحديث بالمؤيدية ورتب له في الجوالي، ودخل في وصايا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 كثيرة لكن لم نسمع عنه سوءاً في تصرفه وكان يصل إليه من سلطان المغرب كل سنة مبلغ، وكان شهماً يقوم في الحق عند الظلمة ولا يبالي بهم، وذكر انه سمع من ... وأجاز لأولادي، ومولده تقريباً سنة ستين، رأيت بخطه: ولدت أوان الستين وسبعمائة، ومات في ليلة الأربعاء ثامن عشري رجب. عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن الفخر، المصري ثم الدمشقي زين الدين، واسم الفخر محمد بن علي، تفقه قليلاً، واسمعه أبوه الكثير من مشايخ عصره. فسمع على الكمال ابن حبيب سنن ابن ماجة، وعلى ابن المحب جزء العالي أنا الحجاز وعشرة الحداد أنا إبراهيم بن صالح، وعلي الصلاح بن أبي عمر مسند عائشة من مسند أحمد، ومات في جمادى الآخرة. عبد الرحمن بن علي بن محمد، الحلبي الحنفي الشريف ركن الدين المعروف بالدخان، اشتغل بدمشق وناب في الحكم مدة ثم ولي القضاء استقلالاً بعد موت ابن الكشك، وكان ماهراً في فروع مذهبه، مات في ليلة الأحد 7 المحرم. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد، العدناني الشهير بالبرشكي صاحبنا المحدث الرحال الفاضل زين الدين، أخذ ببلاده عن ... وعن جماعة، ورحل إلى المشرق قديماً سنة ست عشرة فحج، وحمل عن المشايخ وأجاز له الشيخ برهان الدين الشامي قديماً، وكان حسن الأخلاق لطيف المجالسة كريم الطباع رحمه الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 تعالى. عبد العزيز بن بدر الدين محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن عبد الله ابن عمر بن حياة بن قيس، الحراني الأصل الدمشقي نزيل .... عز الدين أبو العز ويدعى محمداً، كان كثير العبادة ملازماً للصلاة في الليل، وله اشتغال بالعلم وتصانيف ونظم ونثر، ويذكر عنه كرامات وكلام في الرقائق. مات في 13 جمادى الأولى. عبد الملك بن علي بن أبي -، المنى البابي نزيل حلب ويعرف بالشيخ عبيد، ولد في حدود سنة سبعين، واشتغل بالفقه والعربية والقراآت وكان حفظ المنهاج، واشتغل على الشيخ بيرو والقاضي شرف الدين الأنصاري وشمس الدين النابلسي، وكان يشغل في الجامع الكبير بحلب، وأخذ عنه جمع جم، وناب في الخطابة بالجامع، ولم يكن صيناً، مات في جمادى الآخرة، وكانت جنازته حافلة جداً، وعاش ستين سنة وقد تقدم في العربية والقراآت وشغل الناس كثيراً، وناب في الخطابة والإمامة بالجامع مدة إلى أن مات. عبد الولي بن محمد بن الحسن، الخولاني الإمام ولي الدين، ولد بغرب من التغلن، ولازم بتعز الإمام رضي الدين ابن الخياط والإمام جمال الدين محمد بن عمر العوادي والفقيه أحمد بن عبد الله الحرازي والفقيه وحيد الدين عبد الرحمن بن أبي بكر الزوفري وقرأ عليهم الفقه، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 ولازم الشيخ مجد الدين الشيرازي وأخذ عنه النحو واللغة، وجاور معه بمكة وبالطائف ومهر إلى أن صار مفتي تعز مع ابن الخياط، ومات بالطاعون أيضاً. عثمان بن قطلبك بن طرغلي، التركماني المعروف بقرايلوك، كان أبوه من أمراء التركمان بديار بكر وتأمر هو بعده، وكان شجاعاً أهوج، وله مع الترك والعرب وقائع، ولما طرق اللنك البلاد انتمى إليه، ودخل في طاعته فاستنابه في بلاده، وحضر معه فتح البلاد الشامية، ووقعت له وقعة مع جكم لما ولي السلطنة بحلب فقتل جكم في الوقعة وقوي قرا يلك واستولى على ماردين وقتل صاحبها وهو آخر أهل بيته، وكان بينه وبين حديثه بن سيف بن فضل أمير العرب، وكانت بينه وبين حميد بن نعير عداوة، فنصر قرا يلك هذا فكبس حديثة بالقرب من شيزر، فكاتب الملك المؤيد قرا يوسف في الغارة على قرا يلك وسار المؤيد من مصر، فلما بلغ ذلك قرا يلك ترامى على المؤيد وانتمى إليه فأرس إلى قرا يوسف فشفع فيه فرجع عنه، ثم صار قرا يلك يغير على بلاد قرا يوسف فخنق منه وكبسه، ففر منه إلى حلب فتبعه، فجفل أهل حلب من قرا يوسف وفروا على وجوههم إلى الشام ثم إلى مصر، ثم كبس قرا يلك على بيرم النائب بأرننكان فقتله، واتفقت وفاة قرا يوسف ثم المؤيد، وغلب قرا يوسف على أرزنكان، وكانت له وقعة مع برسباتي قبل أن يلي السلطنة وبرسباتي يومئذ نائب طرابلس انكسر فيها برسبائي، وبسبب هذه الوقعة غزا برسبائي في سلطنته آمد، وكانت له وقعة أخرى مع برهان الدين قاضي سيواس قتل فيها البرهان، واستمر قرا يلك أميراً مدة وملك الديار ديار بكر، وشرع في إيواء من هرب من السلطان الأشرف فجهز له عسكراً في سنة 32 فتوجهوا لجهة آمد، فكبس هابيل بن قرا يلك وهي في طاعة السلطان فأخذها عنوة واستباحها، فوصل العسكر فأسروه، ثم جهز للقاهرة فاتفق موته بالطاعون سنة 33 ثم غزا الملك الأشرف آمد ففر قرا يلك واستمر الأشرف يحاصر آمد، ثم رجع إلى الديار المصرية واستمر قرا يلك على حاله في نهب القوافل وقطع الطريق، ثم إن قرا يلك جهز من نهب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 التركمان الذين حول حلب فتجهز له الأشرف نفسه فلم يتم له أمر وأذعن للصلح، ثم اتفق أن إسكندر بن قرا يوسف فر من مروان شاه ولد اللنك فبلغ خبره قرا يلك فتبعه، فلما تلاقوا كسره إسكندر كسرة شنيعة وانهزم قرا يلوك فوقع في خندق البلد وهي ارزن الروم، فنزل إليه جماعة من جهته فاحتملوه ودلي من بالقلعة لهم الجبال فربطوه ورفعوه، فمات في العشر الأخير من صفر في هذه السنة وقد بلغ التسعين او زاد عليها وذكر لي الشيخ بدر الدين بن سلامة أنه لما استولى على ماردين استصحبه، قال: فوجدته في عيشة شظة إلى الغاية وفي غالب زمانه مشتغل بالشر، وتفرق أولاده بعدة بلاد وانكسرت شوكتهم جداً، فجهز ولده علي بك ينتمي إلى سلطان مصر ويلتزم أن يكون من جهته. علي بن صلاح بن علي بن محمد بن علي بن أحمد بن الحسين الحسني إمام الزيدية مات وأقيم ولده بعده فمات عن قرب بعد شهر، فقام بقصر صنعاء عبد بن عبيد الإمام يقال له سنقر وأراد إن يجعلها مملكة بالشوكة، فأنف الزيدية من ذلك وثاروا عليه وأقاموا مهدي بن يحيى ابن حمزة قريب الإمام، وجده مزة هو أخو محمد - جد صلاح، ويقال إن أم الإمام راسلت صاحب زبيد الملك الظاهر تسأله أن يرسل أميراً على صنعاء، ولم يتحقق ذلك إلى الآن. فيروز قطب الدين فيروز شاه بن تهمتم بن جردن شاه بن طغلق ابن طبق شاه صاحب هرمز والبحرين والحسا والقطيف. قصروه نائب الشام كان من بقايا مماليك الظاهر برقوق، تقدم في دولة الأشرف وولي أمير آخور في أول دولته، ثم ولاه نيابة طرابلس، ثم نقل إلى حلب في سنة ثلاثين فاستمر إلى سنة 37، ثم نقل لنيابة دمشق بعد موت جارقطلي في شعبان منها، وكان عاقلاً فاستمر إلى أن مات ليلة الأربعاء - في ثالث ربيع الآخر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 كبيش بن جماز الحسيني كان قصد القاهرة ليتولى إمرة المدينة، فظفر به قوم لهم عليه ثأر فقتلوه قبل أن يدخلها. مانع بن علي بن عطية بن منصور - أمير المدينة النبوية مات فتنازع العجل بن عجلان وعلي بن مانع في الإمرة ثم استقرت الإمرة لوميان بن مانع عوض أبيه، وكان قتله في جمادى الآخرة. محمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر، الفوي الأصل المكي جمال الدين بن عبد الوهاب بن أحمد، أبو المحامد المرشدي، ولد في ربيع الأول سنة سبعين وسبعمائة، واسمع على النشاوري وأبي الفضل النويري والأميوطي وغيرهم، ورحل إلى القاهرة فسمع بها الكثير، وطلب بنفسه فسمع على التقي ابن حاتم، وقرأ الألفية على الحافظ زين الدين العراقي وأذن له، وله إجازة من مسندي الشام كالصلاح ابن أبي عمر وابن أميلة وغيرهما، وخرج له الشيخ خليل الأقفهسي أربعين والجمال بن موسى فهرستاً، وصحب المجد الشيرازي وحفظ عنه من اللغة شيئاً كثيراً وصار يتعانى ذلك في كلامه وفي مراسلاته، ومات في حادي عشري شهر رمضان وقد قارب السبعين، ولم يتأخر في مكة من له المعرفة بالفقه والنحو مع الديانة والصيانة نظيره. محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن الأمانة، الأبياري ثم القاهري القاضي بدر الدين، ولد في حدود الستين وقدم القاهرة مع أبيه واشتغل، فذكر لي أنه قرأ على الشيخ عبد الخالق الأسيوطي وأن الأسيوطي أخبره أن الشيخ سراج الدين البلقيني قرأ على الأسيوطي في مبتدأ أمره وكان الأسيوطي قد عمر، وهو والد إسماعيل وأحمد المقدم ذكرهما قريباً، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 وسمع الشيخ بدر الدين المذكور من عبد الله الباجي ومن السراج الكومي وبطبقتيهما وأكثر عن شيوخنا، ولازم الشيخ سراج الدين البلقيني وابن الملقن والعراقي، واشتغل في الفقه والحديث والعربية ومهر، وسكن المدرسة الصالحية ووقع فيها لي الحكام مدة ثم ناب عن القضاة، واستمر إلى أن كان كثير النواب في آخر عمره، وحج قبل موته بقليل، ودرس للمحدثين في المنصورية، وولي عدة وظائف، ودرس بالكهارية، وتصدى للفتيا وللاشتغال بالفقه وغيره، وأضيف إليه قضاء الجيزة مدة وغيرها، وكان قليل الشر حسن المحاضرة والمذاكرة، يستحضر كثيراً من أخبار القضاة الذين أدركهم وما جرياتهم، وله نوادر ظريفة، حضر معنا سماع الحديث بالقلعة يوم الأحد إلى العصر ورجع إلى بيته فأقام يوم الاثنين وهو طيب إلى أن دخل الليل فصلى العشاء ودخل الفراش فقال: أجد غما، فلم يلبث أن مات فجأة وقد قارب الثمانين - رحمه الله تعالى! واتفق أن بعض الناس شكك أهله وأولاده في موته، وقال لهم: هذا به سكتة ويب أن تختبروا أمره لئلا تدفنوه حياً، فأحضروا طبيباً فجسه وأمر بفصده، فامتنع الفاصد حتى اجتمع ثلاثة من الأطباء وقالوا إن ذلك لا يضر ففصد فخرج منه دم كثير، ثم فصد في الذراع الآخر فخرج منه دم كثير أيضا، فترك إلى أن أمسى ثم إلى أن اصبح فأروح، فاتفقوا على موته، ودفن ثامن عشر شعبان ضحى يوم الأربعاء، وخلف أربعة أولاد ذكور. محمد بن أبي بكر بن محمد بن الخياط، الحافظ الجليل المفتي حافظ البلاد اليمنية جمال الدين ابن الإمام رضي الدين، ولد سنة ... وتفقه بأبيه وغيره حتى مهر، ولازم الشيخ نفيس الدين العلوي في الحديث، فما مضى إلا اليسير حتى فاق عليه حتى كان لا يجاريه في شيء، وتخرج بالشيخ تقي الدين الفاسي، وأخذ عن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 القاضي مجد الدين الشيرازي واغتبط به حتى كان يكاتبه فيقول: إلى الليث ابن الليث والماء ابن الغيث، ودرس جمال الدين بتعز وأفتى، وانتهت إليه رياسة العلم بالحديث هناك، وأخذ عن الشيخ شمس الدين الجزري لما دخل اليمن بأخرة، ومات بالطاعون في هذه السنة. محمد بن عمر بن أبي بكر تاج الدين ابن الشرابيشي، مات في يوم الأحد تاسع عشر جمادى الآخرة ودفن يوم الاثنين العشرين منه وقد أسن وتغير عقله، سمع الكثير من الشيخ بهاء الدين ابن خليل، ورأيت قراءته عليه في صحيح البخاري سنة سبعين وبلغ بضعاً وثمانين سنة، وطلب الفقع وكتب الكثير بخطه الحسن المتقن، ولازم شيخنا ابن الملقن، وأكثر عن شيخنا العراقي، وسمع الكثير من أصحاب أصحاب السبط والطبقة ومن أصحاب أصحاب المحب ثم أصحاب الفخر - ودار على الشيوخ وسمع معي كثيراً ولم يمهر ولكن كان يستحضر شيئاً كثيراً من الفوائد الفقهية والحديثية، وكان يعلق الفوائد التي يسمعها في مجالس المشايخ والأئمة حتى حصل من ذلك جملة كثيرة، ثم تسلط عليه بعض أهله فمزقوا كتبه بالبيع تمزيقاً بالغاً، لأنهم كانوا يسرقون المجلدات مفرقات من عدة كتب قد أتقنها وحررها فيبيعونها تفاريق وكذلك الكتب التي لم تجلد يبيعونها كراريس بالرطل، وضاعت كراريسه وفوائده، وقد تصدى للأسماع، وأكثر عنه الطلبة من بعد سنة ثلاث وثمانمائة إلى أن مات رحمه الله تعالى، وأجاز لي في استدعاء أولادي غير مرة. محمد بن محمد بن أبي فارس، المنتصر أبو عبد الله، مات في 21 صفر بتونس، ولم يهن في أيام ملكه لطول مرضه وكثرة الفتن، واستقر بعده شقيقه عثمان فقبض على الهلالي القائد وفتك ف أقاربه بالقتل، فخرج عليه عمه أبو الحسن صاحب بجاية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 يحيى بن يحيى بن أحمد بن حسن، القبابي شمس الدين أبو زكريا المصري، ولد في أواخر سنة ستين أو في أول التي قبلها، وقدم القاهرة فاشتغل بها وحفظ التنبيه والألفية ومختصر ابن الحاجب، وحضر دروس البلقيني وابن الملقن والأبناسي وغيرهم، واشتغل في علم الحديث على العراقي، ولازم عز الدين بن جماعة في قراءة المختصر ومحب الدين بن هشام في العربية، وطاف على الشيوخ في الدروس، ثم ارتحل إلى دمشق وهو فاضل، فأثنى شهاب الدين الزهري، قرأ عليه نصف المختصر وأذن له، وتكلم على الناس بالجامع، وسكن بعد الفتنة العظمى بيت روحاء فأقام بها، ودخل مصر حين دخل إليها مع الشاميين، ثم عاد فلازم عمل الميعاد، وكان فصيحاً مفوها فاجتمع عليه العامة وانتفوا به، وقرأ صحيح البخاري عند نوروز، ثم ناب في الحكم عن ابن حجي سنة إحدى عشرة وثمانمائة واستمر في ذلك، ولم يكن في أحكامه محموداً، وكان في بصره ضعف فتزايد إلى أن أضر وهو مستمر على الحكم، وكان يؤخذ بيده فيعلم بالقلم ويكتب عنه الفتوى ثم يكتب هو اسمه، وكان فصيحاً ذكياً مشاركاً في عدة فنون، جيد الذهن، لين العريكة، سهل الانقياد، قليل الحسد مع المروءة والعصبية، وقد أقبل في أواخر عمره على إقراء الفقه فدرس في المنهاج والتنبيه والحاوي بالجامع حلاً لكل منها في أشهر قليلة من غير مطالعة، وكان قد درس بالرواحية، وناب في تدريس الشامية البرانية، اجتمع في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 ذي الحجة سنة ست وثلاثين بالعادلية الصغرى، وذكر أنه قرأ على شيوخنا العراقي والبلقيني وغيرهما، وسمع من ابن المحب، وسمعت عليه جزء الخلفاء، من حديثه وسمع على شيئاً ومات في صفر، نقلت غالب ترجمته من كتاب القاضي تقي الدين الأسدي إلي - أبقاه الله تعالى. طاهر بن عبد الله، المراكشي الشيخ المغربي نزيل مكة، مات بها في شوال، وكان قرا على عبد العزيز الحلفاوي قاضي مراكش وغيره، وكان خيراً ديناً صالحاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 سنة أربعين وثمانمائة استهلت ليلة الاثنين، ووصل شاه رخ إلى السلطانية فنزلها وعزم على الإقامة بها حتى يبلغ غرضه من اسكندر بن قرا يوسف، وفي عاشر المحرم أعيد لأجناد الحلقة ما كان أخذ منهم بسبب التجريدة، وقبض على التاج الخطير وصرف من أستادراية ولد السلطان، وقرر عوضه في الوزارة ناظر الخاص. وفي حادي عشرية طرق مينا الإسكندرية ثلاثة أغربة من الكتيلان وأخذوا مركبين، فخرج إليهم آقباي النائب فراماهم حتى استعاد أحد المركبين، وأحرق الفرنج الأخرى، وتحارب مركب للجنوية مع مركب الكتيلان فانهزم الكتيلان. وفيها حصر أبو الحسن بن أبي فارس صاحب بجاية قسطنطينية، فخرج صاحب تونس عثمان - إلى قتاله وهو ابن أخيه، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 وفي الثامن عشر منه أو في النيل وكسر الخليج وصادف التاسع عشر من مسري، وباشر ذلك يوسف بن السلطان، ووصل رأس قرمش الأعور - وكمشغبا الظاهري - فعلقتا بباب زويلة، ثم أمر السلطان أن تلقيا في السراب الحاكمي، وكان قبض عليهما بيد خجا سودون المؤيدي - بعينتاب، وكان جمعاً عسكراً وكبساً العسكر المصري فكسروا وأسروا -. وفي هذه السنة رخص العسل النحل إلى أن بيع بتسعمائة القنطار وعادته ألف وخمسمائة، وكانت جميع الغلال وأصناف المطعومات والفواكه رخيصة، وجاء الزرع في غاية الخصب والنماء في الزرع بالغ جداً، واستمر وقوع الفناء في عسكر اللنكية فرجعوا إلى بلادهم، ووصل الحاج فشكوا من أميرهم كثيراً فلم ينجع ذلك، ومن جملة قبائحه التي حكوها أنه طلب من التجار في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة مالا يجبى منهم فامتنعوا، فرحل بالناس في آخر الحادى عشر ليفوت عليهم البيع بمنى في الثامن عشر والثالث عشر، فكانت من أفحش الفعلات فإنه فوت عليهم المبيت والرمي. واستهل صفر ليلة الأربعاء، واستهل ربيع الأول ليلة الخميس، وفي شهر ربيع الأول قام الشيخ ناصر الدين محمد بن علي الطبناوي في هدم الدير الذي في بحرى، وحضر المولد النبوي، وأخرج محضراً يتضمن أن النصارى يحجون إليه في كل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 سنة، ويجتمع عنده من النصارى والمسلمين للفرجة والتجارة من لا يحصى حتى صاروا يضاهون بذلك أهل الموقف بعرفة، وأفتى العلماء بهدم ذلك الدير وإزالة تلك العادة، ففوض السلطان الأمر للقاضي المالكي فلم يتفق أنه يقوم في ذلك حق القيام حتى كان ذلك في السنة المقبلة فهدم - ولله الحمد. وفيه هرب سليمان بن عثمان مع جماعة من الروم والتركمان في غراب وكان مقيماً بالقلعة من سنة آمد، فلما عرف السلطان ذلك شق عليه فأرسل في آثارهم فأتى بهم، فحبس الصبي وقطع أيدي قوم وقتل آخرين، وكان السبب في ذلك أن سليمان هذا وهو ابن أرخن بك بن محمد بن عثمان كان عمه مراد صاحب برصا قبض على والده أرخن بك وكحله وسجنه، وكان له مملوك يقال له طوغان يقوم بخدمته، فأدخل إليه جارية وهو في السجن فحملت منه، فلما مات أرخن في السجن فر المملوك طوغان هذا بسليمان وأخته شاه زاده إلى حلب، فلما قدم السلطان إليها وقف بهما إليه وأخبره خبرهما، فأكرمهما ثم صحبهما معه إلى القاهرة، فأمر بسليمان أن يمشي في خدمة ولده يوسف، وأقامت أخته في القلعة لتكبر ويتزوجها السلطان أو ولده، فلما كانت ليلة خامس ربيع الأول فر سليمان وأخته ومن انضم إليهما فركبا بحر النيل وتوجها إلى جهة رشيد لينزلا في مركب إلى بلاد الروم، فبلغ السلطان فأرسل في آثارهم فقبض عليهم وعلى من في المركب وعدتهم خمسة وستون رجلاً، فوسط طوغان مملوك سليمان وثمانية من مماليك السلطان صحبوهم وقد قطعت أيدي الباقين ولا ذنب لهم البتة لأنهم تجار رافقهم أولئك، فلما جاء الذين أرسلهم السلطان في طلب المتسحبين خشى التجار على أنفسهم فدافعوا عنها من غير أن يعلموا الخبر لكونهم قصدوا الإستيلاء عليهم ونهبهم فظنوا أنهم حرامية، فلما دافعوا عن أنفسهم وقع الحرب بينهم فغلبوهم وأسروهم وكان ما كان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 وفي السادس من شهر ربيع الأول استقر - الصاحب - كريم الدين ابن الصاحب تاج الدين - ابن كاتب المناخات - في الوزارة على قاعدته، فباشر مباشرة حسنة وفرح الناس به، واستقر معه أمين الدين ابن الهيصم ناظر الدولة على عادته، وكانت الوزارة منذ صرف عنها خليل بن شاهين لم يستقر فيها أحد بل عذق أمرها بناظر الجيش، فأقام ناظر الدولة عنه متحدثاً وأحال مصروف كل جهة على متحصل جهة من الجهات وكل جهة لم يف متحصلها بها أكملها من عنده، فاستمر الحال على ذلك إلى أن قدم. وفيه نودي بمنع لبس الزموط الحمر وعملها وهي التي يلبسها العرب ويسموه الشاشبة فنودي بذلك، فوقف له جماعة ممن اشترى الصوف لذلك فصمم على المنع، ثم رفع له بعض الغلمان من الهجانة وغيرهم فأغلظ لهم القول واستمر على المنع ونودي أن لا يحمل أحداً سلاحاً، وفيه وصل العسكر المجرد إلى الأبلستين فوصلوا إلى تجاه سيواس فوجدوا - في تاسع عشره جانبك ومن معه فقدموا -. وفيه قتل جاسوس وجد معه كتب من جانبك الصوفي. وفيه وقع بين الهنود الذين يقيمون بظاهر - المدرسة - الصالحية لإصلاح شعور اللحى، وثب رجل هندي على رجلين فقتلهما قدام الصالحية، وذلك أنه تقاتل مع واحد فقتله ثم مر برجل يصلح شاربه فضرب الذي يصلح في كتفه فوقع ميتاً وحصل للرجل فزع - فحمل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 إلى بيته - فمات هو والقاتل فصاروا أربعة فقبض عليه فقطعت يده ثم قتل، ونودي بعد غد أن لا يبقى أحد من الهنود بالقاهرة. وفيه عين خليل الذي أمر بالإسكندرية أن يكون شاداً على المكوس بجدة وأميراً على المماليك المجردين بمكة وأمر ابن المرأة بالسفر، وسافر خليل ومن معه من البر ونودي للناس بالسفر صحبتهم. واستهل ربيع الآخر ليلة الجمعة، ففي السادس عشر منه جمع الخازندار الجزارين وأشهد عليهم أن لا يشتروا اللحم إلا من ذبائح السلطان، فصار يذبح لهم كل يوم ما يحصل عند السلطان من الغنم المحضر من البلاد. وفي الخامس من ربيع الآخر فقد سليمان بن أرخن بن كرجى بن أبي يزيد بن عثمان وأخته شاه زاده - وقد تقدم خبر عنهما في سنة ست وثلاثين، فكان مملوكهما الذي أحضرهما اتفق معهما أن يسير بهما إلى بلادهما وواطئوا على ذلك جماعة من تجار الروم، فأخذهما طوغان فتوجه بهما إلى الغراب فتوجهوا إلى رشيد، فلما عرف الأشرف بالقصة كاتب نواب البلاد بطلبهما، فحاربهم شاد رشيد بحضرة قاصد السلطان، فحبسوا بالريح فاتفق أن الريح هبت عاصفة فصادف وصول نائب الإسكندرية فقبض عليهم، وجهز جميع من في الغراب من التجار وغيرهم، ثم أمر بقطع أيدي بقية التجار وهم نحو الخمسين، وأدب سليمان بالضرب تحت رجليه، ونظر إلى أخته فاستحسنها - فعقد عقده عليها وابتكرها، وقد تزوجها - بعده - الملك الظاهر جقمق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 واستهل جمادى الأولى ليلة السبت، فيه قدمت رسل مراد بن محمد بن أبا يزيد بن عثمان ملك الروم بهدية، وفي سابع عشرة قدم الأمراء الذين جردوا لحلب، فهرع الناس للسلام عليهم ثم طلعوا القلعة فخلع عليهم، وفي صبيحة قدم الأمراء المجردون إلى البحيرة وصحبتهم الأمير حسن بك بن سالم البلوى التركماني ومحمد بن بكار ابن رحاب وقد دخل في الطاعة، وفيه رفعت يد القاضي الحنفي من وقف الطرخي، وأمر أن يحاسب على متحصله وأن يتحدث فيها جوهر الخازندار، ثم بطل ذلك وأعيدت للقاضي. وفيه نودي من له ظلامة فليحضر إلى باب السلطان في يومي الثلاثاء والسبت، وأمر القضاة أن يحضروا مجلس الحكم في المظالم، فحضروا يوماً واحداً ثم بطل ذلك. وفي سابع جمادى الأولى خرج الركب الحجازي وأميرهم خليل الذي - كان - ناب في الإسكندرية ومعه نحو السبعين من المماليك ليقيم بهم بمكة عوضاً عن الذي كان فيها وخرج معه عدد كثير من الحاج والتجار، ورحلوا من خليج الزاعفران في التاسع منه. وفي الخامس عشر منه وصل الأمراء - الذين كانوا بحلب - وفيهم جقمق الأمير الأمير الكبير الذي ولي السلطنة بعد هذا بسنتين والدويدار الكبير أركماس الظاهري، وتأخر منهم خجا سودون فلم يحضر. وفي يوم السبت تاسع عشر منه حضر القضاة الأربعة بأمر السلطان مجلس الحكم وتكلم الشافعي معه في عدة حكومات بين حكم الشرع فيها، ثم لما فرغوا أمرهم السلطان أن يبطلوا الوكلاء من أبوابهم فأجابوا بالإمتثال، ثم تكلموا في الذين يعاملون بالربا وما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 الحكم فيهم، فقال - له - الشافعي: الحيلة في ذلك سائغة عندي وعند الحنفي فليفوض أمرهم إلى المالكي والحنبلي، ثم سأل عن النواب فقال له الشافعي: كان السلطان أمر قبل السفر بعشرين وهم الآن أربعون لكن كل اثنين في نوبة ثم سأل من الرسل وأمر أن لا يعطي الرسول إلا ثلثين وانصرفوا، ثم لم يعد يطلبهم إلى مجلس حكم بعد أن كان شاع أنه أمر أن يواظبوه كل سبت وثلاثاء، فبطل ذلك. واستهل جمادى الآخرة ليلة الاثنين، فيه أرسل ناصر الدين بن دلغادر ولده سليمان إلى مراد بن عثمان صاحب الروم يستنجد به على إبراهيم بن قرمان، وكان ابن قرمان قد أخذ منه - قيصرية ونازل صاحب أماسية وهو من حاشية ابن عثمان، فجهز مع سليمان عسكراً وندب معه صاحب توقات وأمره بمحصارة قيصرية ويسلمها لابن دلغادر، وجهز عيسى أخا إبراهيم على عسكر آخر ليغير على بلاد أخيه إبراهيم، فبلغ ذلك صاحب مصر فكتب إلى أمراء الطاعة من التركمان بمعاونة إبراهيم بن قرمان. وفي يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة أرسل القاضي المالكي ورقة إلى كاتب السر يستعفي من القضاء، فقرأها على السلطان فأعفاه وأمره إن يعين قاضياً غيره ويستمر بمعاليم القضاء له - دون الذي تعين، فلما بلغ ذلك ولد القاضي قام وقعد وسعى عند علي باي الخازندار وأنكر أن يكون أبوه كتب الورقة، فبلغ ذلك كاتب السر فصعب عليه نسبتهم إياه إلى الكذب، وأخرج الورقة فوجدوها بخطه الذي لا يرتاب فيه، ومع ذلك فاعتنى بهم على باي، ولم يستطع كاتب السر يوسع في القضية كلاماً رعاية لخاطر الخازندار المذكور فإنه كان يومئذ من أقرب الناس منزلة عند السلطان، فاستقر الحال على أنه تحيل للسلطان أن يعيد ولاية المالكي فأجابهم لذلك، واستمر في القضاء بعد ذلك إلى أن مات في رمضان سنة اثنتين - كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 وفيه رخص القمح إلى أن بيع بمائة وأربعين إلى مائة، فأمر السلطان بشراء القمح وحزره فغلا السعر - ولا حول ولا قوة إلا بالله. وفيه قدم شرف الدين ابن الأشقر من حلب، فلما كان في الثالث من شعبان استقر ولده تقي الدين عبد اللطيف - في كتابة السر بحلب وخلع عليه، واستمر والده نائباً لكاتب السر على عادته. وفيه توجه الوزير وناظر الجيش وأينال الأجرود ويشبك الحاجب لحفر خليج الإسكندرية ثم عادوا وقد قرروا الأمر، وفوض السلطان لآقبغا التمرازي أن يباشر حفره فتوجه، وجهز معه المال الذي جبوه من البلاد بسبب ذلك ومائتي قطعة من الجراريف والمقلقات وستمائة رأس بقر. واستهل شهر رجب ليلة الثلاثاء في أواخره وهو العاشر من أمشير والطالع سعد بلع، هبت الريح المريسية شديدة البرد اليابس مع شعث، فكان البرد أشد ما وقع في هذا الفصل، ودام ذلك إلى آخر الشهر، ومضى طوبة معتدلاً ليس فيه برد شديد أصلاً، وهذا بخلاف العادة المعهودة، ولم يزل البرد شديداً إلى يوم نزلت الشمس الحوت وهو سابع عشر أمشير فخف قليلاً، ثم في اليوم - الذي يليه - كان الطالع سعد السعود، فوقع المطر وهبت الريح الباردة ودام المطر ليلة الأربعاء وفي يومها وفي ليلة الخميس، ثم صحت في صبيحة عن أوحال في البلد كثيرة وصلح الزرع - ولله الحمد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 وفيه استقر خليل بن شاهين الذي كان أمير الإسكندرية أمير الحاج - وفي رجب توجه جانبك الدويدار والقاضي عبد الباسط إلى شبرار الخيام فهدما الكنيسة المحدثة. وفي يوم الجمعة ثاني شعبان توجه القاضي كمال الدين البارزي إلى قضاء دمشق وسار معه من حاشيته جمع جم، وتأخر أهله وصغار ولده بمنزلهم بالقاهرة، ونزل عن قضاء دمياط لجوهر الخازندار، وكان ابن قاسم قد نزل له عنه وتعوض عنه في مقابلة خمسين ألف درهم فيما قيل، فسأله جوهر أن ينزل له عنه فلم يسعه إلا الإجابة ولا وسع القاضي الشافعي إلا الإمضاء، وسار جوهر في ذلك أحسن من سيرة ابن قاسم وصار يكتب على الكتب التي يحتاج إليها إلى دمياط الداعي جوهر الحنفي، ولم يل القضاء خصى قبله. وفي يوم الأحد الرابع من شعبان ابتدئ بقراءة البخارى بالقلعة على العادة وحضر الجماعة كلهم، وكان الأمير ... يفرد الأعيان من الجماعة على حدة ومن عداهم على حدة ليقل اللغط، ثم بدا للسلطان أن يحضروا الجميع وينصتوا لسماع الحديث، ففعلوا ولم يتكلم أحد إلا أن الشافعي رد على القارئ مواضع من الأسانيد أسماء يبدلها أو يحرفها من سبق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 اللسان، وحضر في المجلس - الثاني - القاضي علم الدين البلقيني بسعى.. منه في ذلك، وكان يظن أن الأمر على العادة ليشغب كعادته فوجدهم ألزموا السكوت، فلما كان في المجلس الثالث وقع في الليل مطر غزير فكير الوحل في الطرقات. وفيه استقر أينال الأجرود أمير صفد عوضاً عن يونس وأن يقيم يونس بطالاً بالقدس، واستقر قراجا شاد الشر بخاناة في إمرة إينال، واستقر إينال الخازندار شاد الشربخاناة، واستقر على باى خازندارا عوضاً عن إينال، وهذان الشابان نشأ عند السلطان نشأة حسنة فأحبهما وقربهما ومولهما - فصار لهما - الجاه والحرمة الوافرة - وكان لهما بعده ما سنذكره في الحوادث. وفي شعبان نودي بأن يجتمع الذين قطعت أيديهم من الذين كانوا رفقة سليمان ولد ابن عثمان، فاجتمعوا ظناً منهم أنه ينفق فيهم توسعة على رمضان، فجعل كل إثنين في قرمة خشب وأنزلوا في مركب إلى البحر لينفوا إلى بلاد الروم، فكثر ضجيجهم ودعاءهم - ولله الأمر. وفي عاشر رمضان - جاءت أخبار - من جهة ابن عثمان ومن جهة جانبك الصوفي فعزم السلطان على السفر، واستهل رمضان ليلة الجمعة بعد أن ترأوه فلم يتحدث أحد برؤيته، وأوقد غالب أهل البلد المنائر بغير رؤية فنودي لهم بإطفائها، فأصبح الناس فأفطر الكثير منهم، ثم أرسل السلطان ثلاثة أنفس من المماليك ذكروا أنهم رأوا الهلال، فلما سمع الناس بذلك بادروا، فما تعالى النهار حتى ثبت عند ثلاثة من الحكام ونودي بالإمساك، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 واستمر البرد. وفي يوم الإثنين الرابع منه نزلت الشمس الحمل، واستمرت الأيام رطبة ويأتي الحر أحياناً في أثناء النهار وفي أثناء الليل. وفي عاشره عقد - مجلس - مشورة بسبب التوجه إلى البلاد الشمالية من أجل ابن دلغادر وجانبك الصوفي وشاع بأن ابن عثمان قصد نصرتهم، فاستقر الأمر على أن يتوجه نواب الشام نجدة لإبن قرمان إبراهيم ويطالعوا بما تجدد. وفي يوم الأربعاء العشرين من شهر رمضان ختم البخارى على العادة، وكان علاء الدين الرومي سعى في مشيخة الشيخونية عوضاً عن باكير وألحوا على السلطان في أمره، فامتنع وقال إنه كثير الشر ولا يحتمله أهل الشيخونية، وأمر أن يرتب له في الجهات السلطانية مرتبات، وعند القاضي الشافعي في الأوقاف ألفا وخمسمائة، وعند الحنفي النصف من ذلك، فلم يقنع بذلك وشرع في الحط على شيخنا فأكثر فوقع منه قبيل مجلس الختم أن بحث في شئ فتكلم باكير، فرد عليه ثم بالغ إلى أن كفره، فرد عليه الشافعي ووافقه الجماعة ووافقهم السلطان، فسكت الرومي على مضض ثم شرع في كتابة أسئلة ودسها إلى السلطان ليجيب عنها الشافعي، فأحضرها بعض الدويدارية - فسلمها للشافعي فقرأها - وقال له: يطلب الجواب، فذهب ولم يعد، فذكر الشافعي للحاضرين أن أول الورق مقسماً بأيمان عظيمة أن - أعلم - أهل المجلس لا يعلم معنى قال رسول الله، وكلاماً آخر فيه عجرفة ولحن، فأجمع من سمع ذلك على ذمه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 ثم في يوم الجمعة الثاني والعشرين من شهر رمضان أمر السلطان بعقد مجلس بسبب منازعة إبراهيم السفارى مع جهة الحرمين في جزيرة قاو من الصعيد وكانت بيد مستحقي الحرمين وشرف الدين السفارى مستأجرها منهم، ثم ادعى في سنة أربع وثمانين أنها وقف أبيه وسأل في كتابة محضر فسطر ثم بطل، فلما كان في سنة ست وثلاثين بعد موت شرف الدين قام إبراهيم هذا وهو صهره فأكمل المحضر المذكور عند المالكي قبل السفر إلى آمد وثبت، فلما عاد العسكر قام المستأجر على الأمراء إلى أن استمرت في يد مستحقي الوقف فلما كان في السنة الماضية سأل إبراهيم السفاري عقد مجلس فرسم له عند كاتب السر فحضر القضاة الأربعة، فحكم الحنفي بإبقاء الوقف في يد مستحقي الحرمين وبإلغاء ما يخالف ذلك، فلما كان في شهر رجب هذه السنة أحضر إبراهيم محضراً من الصعيد فيه حكم قاضي هو بأن الجزيرة المذكورة اشتراها السفارى الكبير من بيت المال ووقفها على ذريته، فنفذ ذلك الحنفي وضمنه حكما بناه على حكم المالكي الأول، فقام في نقض ذلك زمام الدور السلطانية جوهر نيابة عن ناظر الحرمين، وأوصل القصة بالسلطان، وأوضح له تناقض الحنفي في المسألة، فرسم بعقد مجلس عنده فعقد، فلما تبين له الحال قطع المستند الذي بيد إبراهيم بحضرة الحنفي وغيره وأبقى الجزيرة المذكورة بيد مستحقي الحرمين، فلما انقضى المجلس طلب باكير من السلطان الإذن للشافعي أن يأخذ له حقه من علاء الدين الرومي، فأذن له. وفي يوم السبت طلب شرف الدين أبو بكر بن إسحاق الملطي شيخ الشيخونية علاء الدين علي بن موسى الرومي لمجلس الحكم وادعى عليه أنه كفره بمجلس الحديث بحضرة السلطان والعلماء في يوم الاثنين ثامن عشرة ونسب أنه قال: الوجوب والإيجاب متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار، فأنكر الرومي ذلك فخرج الملطي على البيان، ثم عقد مجلس بحضرة السلطان في القصر يوم الاثنين خامس عشريه، فتنازعا قليلاً فقام الحنفي فأصلح بينهما، وذكر أن ذلك بإشارة السلطان، وانفصل الأمر على ذلك، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 فرفع الرومي إلى السلطان أن الرسل الذي طلبوه إلى اشرع أنزلوه عن فرسه وجروه على الأرض وقطعوا فرجيته وأحضروه وحوله نحو من مائتي نفر من العامة يصيحون عليه يا رافضي! كفرت، فأمر بإحضارهم، فأحضر منهم اثنان فضربا بحضرته ثم أطلقا، وانفصل الأمر على ذلك، وذلك يوم الأربعاء سابع عشرية، وافتتح القاضي علم الدين البلقيني بالسعي، فدس الحمصي الذي صرف عن قضاء الشام وحضر إلى القاهرة ليسعى في العود فكتب قصة يطلب فيها تولية قضاء الشافعية بمصر وكتابة السر بها أو نظر الجيش بالشام، فقال قائل: لأي معنى عزل عن الشام؟ فقال بعض من رتب في القول: إذا وعد هذا ببذل الكثير فغيره يبذل ذلك ويستقر وهو أحمق منه، وهو كان صاحب الوظيفة فأصغى السلطان لذلك، ثم بدا له فترك القول في ذلك حتى انسلخ شهر رمضان. وفي أول شوال جدد الساعي للقاضي علم الدين السؤال، فأمر السلطان بعض الخاصكية أن يتكلم مع كاتبه في بذل شيء، فامتنع، فلما كان في يوم الخميس خامسه صرف كاتبه عن القضاء واستقر القاضي علم الدين البلقيني، وفي يوم السبت السابع منه رسم بعقد مجلس بعلماء الحنفية بسبب شرط الشيخونية، فأحضرت أربعة كتب وهي الهداية والبزدوي والمفتاح والكشاف، وذكر السلطان للجماعة أن بعض الفقهاء قال له إنه لم يبق أحد يعرف يقرر هذه الكتب، فوقع بينهم الكلام وبدر القاضي الشافعي فقال: يا مولانا السلطان! هؤلاء الجماعة هم أعيان العلماء، وليس في الدنيا مثلهم، وما منم إلا من يعرف - يقرر هذه الكتب، فمن ادعى خلاف ذلك فليحضر حتى نسمع كلامه ونرده عليه، فأعجب السلطان ذلك، وانفصل المجلس على أن القائل هو الحنفي، فلما لم يجب عن ذلك كلمة وظهر منه الرجوع عن ذلك ظهر للسلطان أنه تكلم يعرض لأجل الرومي، ففصل الأمر وانقضى المجلس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 وفي يوم الأربعاء توجه القاضي المستقر إلى مصر على العادة، وكان استقر في نقابة الحكم بشخص يقال له حسن الأميوطي وكان رسولاً في الحكم، فنقم عليه شيء فصار يتوكل في المحاكمات، ثم اتصل بالقاضي المستقر، فلما كان هذا اليوم طلع إلى القلعة ومعه شيء من الذهب الموعود به فخلع عليه قباء بطراز، فاستمر لابسه وهو راكب قدام القاضي من مصر إلى القاهرة في الشارع، وتعجب الناس من ذلك. وفيه نزلت صاعقة بحدة فأتلفت شيئاً كثيراً، ووقع حريق وهلك نحو المائة نفس، وتلف لبعض التجار مال كثير، ومن العجائب أن البضاعة المتعلقة بالسلطان سالمة، ويقال إن غالب الأبنية المتجددة في جدة احترقت واحترق أيضاً مركبان بما فيهما من البضاعة، ووقعت وقعة بين القواد وجانبك شاد جدة فجرح عدة، ثم أصلح بينهم من كان أمير مكة، وفي العشر الأخير منه موافقاً لأوائل بشنس من اشهر القبط زاد النيل زيادة كثيرة وشاهدت المقياس واعتبرته فوجدت الماء في نصف الذراع الثامن هذا وقد بقي للأمد المعتاد أكثر من أربعين يوماً. وفي السابع عشر منه طيف بالمحمل وخرج الحاج وفي الظن أنهم قليل، فاجتمع في بركة الجب خلائق بحيث أنهم صاروا ثلاثة ركوب. الأول ولد الدويدار الكبير وأمير المحمل غرس الدين خليل الذي كان أمير الإسكندرية، وتوجه جمع كثير من الركبين صحبة جماعة من الخاصكية، وسافر الأول يوم الأحد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 وفي ثالث عشري شوال قتل شخص كان نصرانياً فأسلم ثم ارتد فعرض عليه الإسلام فامتنع فقتل. وفي آخر شوال أحضر شخص ثلاث شعرات ذكر أن تاجراً أوصى أن يدفع ذلك للسلطان ومات بحلب فاستدعى النائب والقضاة وسلمها لهم، ففرح بها - السلطان وأراد أن يبني لها زاوية ويتركها فيها لتزار كما يزار الآثار التي بمصر ثم.. واستهل شهر - ذي القعدة بالاثنين، وفيه اصطلح ابن عثمان وابن قرمان، وعاد نائب حلب من مرعش، ووقع بين حمزة ابن قرايلكو صاحب ماردين وبين أصبهان بن قرا يوسف حرب انهزم فيها أصبهان ومن معه وأقام شخصاً بالقلعة فولاه -. وفي يوم الأربعاء شهد جماعة برؤية الهلال تلك الليلة، فلم يقبل القاضي شهادتهم ورددهم وبين القاضي الحنفي، فبلغ السلطان ذلك فذكر إن اثنين من المماليك أخبرا السلطان بذلك وأنه ارتقب الهلال ليلة الخميس فغاب قبل العشاء، فاستدلوا بذلك - على بطلان شهادة من شهد برؤيته ليلة الأربعاء، وقوي عندهم ذلك أن أهل التقويم أطبقوا على أن رؤيته يوم الأربعاء غير ممكنة في العادة لأنه تغيب على نحو ثلث ساعة، واستمر الحال على ذلك إلى أن ضحي جماعة من الناس يوم الجمعة اعتماداً على من رأى ليلة الأربعاء، وانتشر الأمر وكثر عدد من ينسب إلى الرؤية، وامتنع جماعة من صيام يوم الجمعة اعتماداً على من شهد ويتهم من اتهم الذين لم يقبلوا الشهادة المذكور بأنهم فعلوا ذلك محاباة للسلطان لما جرت العادة من نظيرهم بخطبتين في يوم، فنقض عليهم بأن القاضي ولي الدين العراقي خطب في شوال سنة وهي ول سنة تقرر فيها الأشرف في السلطنة ثم لم يزل مستقيماً في مملكته إلى الآن، وكثرت الشناعة بسبب ذلك - والله المستعان، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 وعيد جماعة يوم الجمعة وصلوا في بيوتهم العيد، وأفطر جمهور الناس يوم الجمعة خشية أن يكون هو يوم العيد، واتفق أهل الشام والقدس وما حولهما على أن أول ذي الحجة يوم - الأربعاء. ذكر من مات في سنة أربعين وثمانمائة من الأعيان إبراهيم بن عبد الكريم الكردي الحلبي، دخل بلاد العجم وأخذ عن الشريف الجرجاني وغيره وأقام بمكة، فكان حسن الخلق كثير البشر بالطلبة، انتفعوا به كثيراً في عدة فنون وجلها المعاني والبيان، وكان يقررها تقريراً واضحاً، مات في آخر المحرم. أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عمر بن عثمان البوصيري الشيخ شهاب الدين نزيل القاهرة، ولد في المحرم سنة 762، واشتغل قليلاً وسكن القاهرة، ولازم شيخنا العراقي على كبر فسمع نه الكثير، ثم لازمني في حياة شيخنا فكتب عني لسان الميزان والنكت على الكاشف، وسمع على الكثير من التصانيف وغيرها، ثم أكب على نسخ الكتب الحديثية وفي الأجزاء، وكتب - على نسخ الفردوس ومسند الفردوس وعلق بذهنه من أحاديثهما أشياء كثيرة وكان يذاكر بها، واشتغل في النحو قليلاً على بدر الدين القدسي، ولم يكن يشارك في شيء منه ولا من الفقه، وكان كثير السكون والعبادة والتلاوة مع حدة الخلق. وجمع أشياء، منها زوائد سنن ابن ماجة على الكتب الأصول الستة، وعمل زوائد المسانيد العشرة وزائد السنن الكبير للبيهقي، وجمع من مسند الفردوس وغيره أحاديث، وأراد أن يذيل بها على الترغيب والترهيب للمنذري ولم يبيضه وسماه تحفة الحبيب للحبيب بالزوائد في الترغيب والترهيب، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 ولم يزل مكباً على الاشتغال والنسخ إلى أن مات في ليلة الثامن عشري المحرم بمدرسة السلطان حسن بالرميلة وله ثمان وسبعون سنة. أحمد بن صلاح بن محمد بن محمد بن عثمان بن علي بن السمسار المعروف بابن المحمرة شيخ الصلاحية شهاب الدين، ولد في صفر سنة 767، وحفظ القرآن صغيراً والعمدة والمنهاج وكان ذكياً، ولازم الشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ زين الدين العراقي، ودار على الشيوخ وقتاً، وكتب بعض الطباق، ثم تشاغل بالجلوس في رحبة العيد وتقرر في المخبز بالخانقاه الصلاحية ولازم السالمي فقرأ له بنفسه على جمع من الشيوخ عدة من الكتب، وسمع قديماً من عبد الله بن علي الباجي وتقي الدين ابن حاتم ونحوهما، ثم أكثر عن شيوخنا البرهان الشامي وابن أبي المجد، ثم استنابه القاضي جلال الدين في الحكم، فأقبل على ذلك بكليته واقتنى مالاً وعقاراً، وكان كثير الدربة في الحكم حسن التجمل جداً، فاتفق أن الملك الأشرف قرر بهاء الدين بن حجي في قضاء الشام بعد قتل أبيه فسار سيرة سيئة، فاتصل ذلك بالسلطان فعرض ذلك على القاضي علم الدين البلقيني فاستعفى، فذكر شهاب الدين للسلطان فعرفه بحسن شكله فقرره وذلك في سنة 32، فتوجه وسار سيرة حسنة، فلم يزل على ذلك حتى وقع بينه وبين كاتب السر القاضي كمال الدين بدمشق البارزي فسعى عليه فاستقر في القضاء وعاد إلى القاهرة. ثم لم ينشب القاضي كمال الدين أن نقل إلى كتابة السر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 من دمشق إلى القاهرة، واستمر شهاب الدين بالقاهرة إلى أن شغرت مشيخة الصلاحية فصرف الشيخ عز الدين القدسي عنها، فسار إليها في ذي الحجة سنة 38 فباشرها إلى أن مات في يوم السبت - 4 شهر ربيع الآخر، قال القاضي تقي الدين الشهبي ناب في القضاء مدة ودخل في قضايا كبار وفصلها، وولي بعض البلاد فحصل منها مالاً، وصار يتجر بعد أن كان مقلاً يتكسب من شهادة المخبز بالخانقاه الصلاحية، ولما ولي قضاء دمشق سار سيرة مرضية بحسب الوقت، ولم يعدم من يفتري عليه إلا أنه كان متساهلاً بحيث - لا يبحث عن القضايا الباطلة، وكان لا يتولى الحكم بنفسه ولا يفصل شيئاً ولا ينكر على ما يصدر من نوابه مع اطلاعه على حالهم. أحمد بن محمد بن رمضان - المكي الشاعر المعروف بالحجازي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 أبو العباس، ذكر لي أنه ولد سنة 771 تقريباً بجياد مكة، فولع بالأدب وقدم الديار المصرية في سنة ست وثمانين وسبعمائة صحبة زكي الدين الخروبي وتردد، ثم استقر بالقاهرة وتكسب بمدح الأعيان، فكان ينشد قصائد جيدة منسجمة غالبها في المديح، فما أدري بمدح الأعيان أكان ينظم حقيقة أو كان ظفر بديوان شاعر من الحجزيين فكان يتصرف فيه! وإنما ترددت فيه لوقوعي في بعض القصائد على إصلاح في بعض الأبيات عند المخلص أو اسم الممدوح فيكون فيه زحاف أو كسر - والله يعفو عنه! وأظنه مخطئاً في سنة مولده فإنه كان اشتد به الهرم وظهر عليه جداً - فالله أعلم. أحمد البابي شهاب الدين - بباء موحدة - نسبة إلى باب والبزاغة، وكان يصحب القاضي صدر الدين المناوي، وتقدم في ولايته القضاء ثم ولي تدريس الشريفية بالقرب من الجودرية وسكن بها إلى أن مات وقد جاوز الثمانين. أرغون شاه النوروزي، وكان ولي أستادارية السلطان بدمشق، وولي الوزارة بمصر ثم الأستادراية، ثم أعيد إلى دمشق على إمرة؛ مات في حادي عشر رجب. أقباي اليشبكي، كان من مماليك يشبك واستقر بعد ذلك دويدار صغيراً وولي نيابة الإسكندرية في العام الماضي وكان متواضعاً بشوشاً كثير الحرص على التحصيل ولم يحمد في ولايته المذكورة، ومات في يوم السبت 21 ذي القعدة، واستقر عوضه - زين الدين عبد الرحمن ابن علم الدين بن الكويز في نيابة الإسكندرية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 فاستقر يوم الخميس ثالث ... وسافر يوم الخميس -. بردبك الإسماعيلي، من مماليك الظاهر برقوق أحد الأمراء العشرات، مات في جمادى الأولى. أبو بكر - بن عتوق بن أبي بكر السوهائي زكي الدين الشاهد بمصر، سمع في سنة 79 على ناصر الدين محمد بن علي بن يوسف بن إدريس الحراوي الطبردار - قطعة من كتاب - الخيل للدمياطي بسماعه لجميعه منه، ومات في .... حمزة بك بن علي بك بن ناصر الدين ابن دلغادر، مات مسجوناً بقلعة الجبل في ليلة الخميس السابع والعشرين من - جمادى الأولى. سليم بن عبد الرحمن، الجنائي الشيخ سليم، واصله من عسقلان ويقال له، الأزهري، لسكناه بجامع الأزهر، وهو أحد من كان يعتقد بالقاهرة، وكان شهماً، جاوز الستين بأربع، وحج مرات، وكانت جنازته مشهودة، ومات أخوه الشيخ علي الجناني قبله بقليل وكان خيراً وأظنه جاوز الثمانين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 عائشة ست العيش بنت القاضي علاء الدين الحنبلي، ولدت سنة 61 وحضرت على جدها فتح الدين القلانسي أكثر الغيلانيات وغيرها - وسمعت من القاضي عز الدين ابن جماعة والقاضي موفق الدين الحنبلي جزءين من حديث أبي الحسن بن بشران ومن ناصر الدين الحراوي الجزء الأول من فضل الخيل للدمياطي، ولها أجازة من محب الدين الخلاطي وجماعة من الشاميين والمصريين، أكثر عنها الطلبة بأخرة، وكانت خيرة وتكتب خطاً جيداً، وهي والدة القاضي عز الدين ابن قاضي المسلمين برهان الدين إبراهيم بن نصر الله الحنبلي. عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن عبد الله، المروزي الأصل زين الدين ابن الخراط نزيل القاهرة، الأديب الشاعر، موقع الدست، اشتغل على أبيه وغيره بحلب، ولد بحماة في سنة 77، وقدم مع والده إلى حلب فنشأ بها، واشتغل بالفقه ثم تولع بالأدب واشتهر، وأكثر من مدح الأكابر من أهل حلب، ومدح حكم بقصائد طنانة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 فأجازه واختص به ونادمه، ثم بعد إقامته بمصر مدح ملوكها ورؤساءها وقدم أخوه شمس الدين محمد إلى القاهرة صحبة القاضي ناصر الدين ابن البارزي فسعى لأخيه في كتابة السر بطرابلس فوليها، ثم قدم الديار المصرية فقطنها وقرر في كتابة الإنشاء، ثم ولي وظيفة الإنشاء بعد ابن حجة، وكانت بيده وظائف تلقاها عن أبيه فاستمرت معه، وولي قضاء الباب بعد والده فاستمر معه إلى أن مات، واعتراه في آخر عمره انحراف بعد أن كان في غاية اللطافة والكياسة، سمعت من نظمه وصار حتى بلغز في النعام نثراً من إنشائه فأجبته، وكان كثير النفور من الناس جداً، بلغني أنه قارب السبعين مات في ليلة الثلاثاء ثاني المحرم - وقد تقدم ذكر أبيه. عبد الرحمن القاضي نور الدين بن الشيخ جلال الدين نصر الله، البغدادي أخو قاضي القضاة محب الدين، كان ينوب في الحكم عن اخيه، وناب قبل ذلك على ابن المغلي، وكان في ابتداء أمره حريراً بحانوت على باب القصر، ثم جلس في الشهور إلى أن ناب عن أخيه فحكم فيه، ثم ولي قضاء صفد استقلالاً فأقام بها سبع سنين، ثم حج في أواخر شعبان سنة 37 وجاور سنة ثمان، ورجع إلى القاهرة في أول سنة 39، فأقام بها ينوب عن أخيه إلى أن مات في يوم الجمعة تاسع شعبان، وكان الجمع في جنازته وافراً، ولم اصل عليه لأنه أخرج وقت صلاة الجمعة وأنا صليت في جامع القلعة بالسلطان، ومولده في سنة 783، وقدم مع أبيه بعد التسعين وهو أصغر الإخوة، وله سماع من بعض شيوخنا، وكان حسن المودة كثير البشاشة، وفي كثير من أحكامه مقال - والله يعفو عنه! الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 وأجاز له في استدعاء بخط أخيه القاضي محب الدين ابن المحب وجماعة من شيوخ الشام في سنة 786، وذكر لي أخوه أنه سمع معه على تقي الدين ابن حاتم كتاب الشفاء، ولم يخلف ولداً، وقرأت بخط أخيه أنه مات له ثلاثة عشر ولداً. عبد الرحمن الحلبي القاضي تاج الدين المعروف بابن الكركي بحلب ومولده.. وسمع من ... وولي قضاء حلب مدة ثم نزل عن ذلك، واستمرت بيده جهات قليلة يتبلغ منها إلى أن مات في يوم 22 من شهر رمضان، وكان يسكن القاهرة مدة وناب عني ثم حج وتوجه، ولفقيته بحلب ما توجهت إليها صحبة السلطان، وأجاز لأولادي - رحمه الله. علي بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن منصور بن حجاج بن يوسف الحسني العلوي الشريف صاحب صنعاء الإمام المنصور نجاح الدين أبو الحسن ابن الإمام صلاح الدين أقام في الإمامة بعد أبيه ستاً وأربعين سنة وأشهراً بصنعاء وصعدة وعدة حصون، ومات في 7 صفر، واستقر بعده ابنه الناصر صلاح الدين محمد فمات بعد ثمان وعشرين يوماً، فاجتمع الزيدية على رجل يقال له صلاح بن علي بن محمد بن أبي القاسم وبايعوه ولقبوه بالمهدي والجميع زيدية. قرقماس بن عذراء بن نعير بن حيار بن مهنا. كمشبغا الظاهري أمير عشرة، وهو أيضاً ممن قام بنصر جانبك الصوفي إلى أن أخذ في هذه السنة كما قدمنا في الحوادث -. عبد الوهاب تاج الدين بن الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير، مات في ثاني ذي القعدة بدمشق -. عيسى بن قرمان، قتل في محاربته مع أخيه إبراهيم. قرمش الأعور، كان من مماليك الظاهر برقوق، وتنقلت به الأحوال وتامر، ثم كان مع تنبك البجاسي لما خامر على السلطان، ثم ظهر مع جانبك الصوفي في السنة الماضية، فلما كان العسكر المجرد بحلب وصل خجا سودون إلى عينتاب فطرقه قرمش فكانت بينهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 وقعة قبض فيها على قرمش فقتل. فحملت رأسه إلى القاهرة فطيف بها، ووصل العسكر المجرد إلى سيواس فلم يظفروا بجانبك ولا بابن دلغادر بل انهزما أمامهم إلى بلاد الروم. قصروه وكان من مماليك الظاهر برقوق، وتنقلت به الأحوال إلى أن استقر في إمرة آخور الكبير في أول دولة الأشرف، ثم نقل إلى نيابة طرابلس في سنة خمس وعشرين، ثم نقل إلى نيابة حلب سنة ثلاثين، فلما كانت سفرة آمد وعاد الأشرف إلى القاهرة ولاه نيابة دمشق، ونقل منها جار قطلي إلى القاهرة، ونقل قصروه إلى حلب في شعبان سنة سبع وثلاثين - فسار فيها سيرة حسنة، وعمر قبة كبيرة في مقام الأنصاري ووقف عليها وقفاً. محمد بن أحمد بن محمود القاضي شمس الدين الحنفي المعروف بابن الكشك، مات معزولاً عن القضاء. محمد بن إسماعيل بن أحمد الضبي الشافعي صاحبنا الشيخ شمس الدين، كان خطيباً بجامع يونس بالقرب من قنطرة السباع بين مصر والقاهرة، وكان ديناً خيراً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 مقبلاً على شأنه لازمني نحو ثلاثين سنة وكتب أكثر تصانيفي، منها أطراف المسند، وما كمل من شرح البخاري وهو أحد عشر سفراً، والمشتبه ولسان الميزان، وكتب الأمالي وهي في قدر أربع مجلدات بخطه، وتخريج الرافعي وعدة تصانيف، وكتب لنفسه من تصانيف غيري، واشتغل بالعربية، ولم يكن له نهمة في غير الكتابة، وكان متقللاً من الدنيا قانعاً باليسير صابراً قانتاً قليل الكلام، كثر الثناء عليه من جيرانه، مات في يوم الثلاثاء ثاني عشر رمضان وتأسفوا عليه - رحمه الله. محمد بن محمد بن أحمد، المناوي الأصل الشيخ شمس الدين الجوهري المعروف بابن الريقي، مات في يوم الخميس خامس شوال، وكان قد حصلت له ثروة من قبل بعض حواشي الناصر فرج من النساء، واكثر من القراءة على الشيخ برهان الدين البيجوري فقرأ عليه الروضة وفي الرافعي الكبير وفي الرافعي الصغير وغير ذلك، ولازم دروس القاضي ولي الدين العراقي، وكان كثير التلاوة والإحسان للطلبة، وكانت جنازته مشهودة. محمد بن محمد بن علي بن أدريس ين أحمد بن محمد بن عمر بن علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن، مجد الدين أبو الطاهر العلوي - نسبة إلى نبي علي بن بلي بن وائل - التعزي الشافعي، ولد في أول شوال سنة ست وثمانمائة. وقرأ القرآن وشدا شيئاً من العربية ونظم الشعر، وأحب طلب الحديث فاخذ عن الجمال بن الخياط بتعز، وحضر عند الشيخ مجد الدين الشيرازي وأجاز له، وحج سنة تسع وثلاثين فسمع بمكة، ثم قدم القاهرة فأكثر على السماع ليلاً ونهاراً وكتب بخطه كثيراً، ثم بغته الموت فتوعك أياماً، ومات يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة، وكان ينظم سريعاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 محمد بن موسى بن عمر بن عطية، اللقائي الأزهري المالكي، ولد سنة 774 - كذا بخطه، ونشأ مع أبيه وحفظ القرآن وقرأ به في الجوق وكان حسن الصوت، ثم طلب الحديث وقتاً وكتب أسماء السامعين واعتمدوا عليه في ذلك، ثم اتصل بشرف الدين الدماميني خين ولي نظر الجيش، ثم بفتح الله حين ولي كتابة السر فلازمه إلى أن استقر شاهد ديوانه وغلب عليه، ثم لما زالت دولته واستقر ابن - البارزي خدمه ولازمه إلى أن غلب أيضاً عليه، واستقر في ديوانه لا يقطع أمراً دونه إلى أن مات، فخدم ابنه وابن الكويز، ثم انفصل عنه وباشر في عدة جهات، وكان كثير التودد والإحسان للفقراء والمحبة في أهل الخير والصلاح، مات يوم الاثنين خامس شعبان بمنزلة جوار جامع الأزهر، وكانت جنازته حافلة، صلوا عليه بالجامع الأزهر، وكان الجمع كثيراً، ثم مشوا إلى مصلى باب النصر فصليت عليه، وحضر جميع مباشري الدولة ناظر الجيش فمن دونه. محمد بن يوسف بن أبي بكر بن صلاح، القاضي شمس الدين الحلاوي الدمشقي، وكان يذكر أن أصلهم من حلب وأنهم نسبوا إلى المدرسة الحلاوية بها، وكان كثير من الناس يذكرون أن أباه كان يبيع الحلوى الناطف في طبق، وولد له هذا في سنة 765، وكان للناس فيه اعتقاد فنشأ ولده بين الطلبة، واسمعه من جماعة من الشيوخ، وكان يذكر أنه سمع من الحافظ عماد الدين ابن كثير وابن أميلة ونحوهما من أهل ذاك العصر، فوجد سماعه من ابن كشك لبعض الصحيح وحدث به، ثم قدم القاهرة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 وتوصل إلى خدمة الأمير يشبك، وصحب ابن غراب، وعمل التوقيع عند يشبك، وولي نظر الأحباس مدة والحسبة غير مرة، ثم ولي وكالة بيت المال سنة سبع وعشرين بعد موت ابن التباني إلى أن مات، وكان قد مرض مرضاً طويلاً نحو الخمسة أشهر، أصابه فالج فبطل نصفه، وتنقلت به الأمراض إلى أن مات في ليلة الجمعة سادس شوال، وكان كثير المجازفة في النقل، واستقر بعده في وكالة بيت المال القاضي نور الدين مفلح ناظر المارستان وفيه قيل: إن الحلاوي لم يصحب أخاً ثقة ... إلا محا شؤمه منه محاسنهم السعد والفخر والطوخي لازمهم ... فأصحبوا لا ترى إلا مساكنهم يعني سعد الدين ابن غراب وأخاه فخر الدين وبدر الدين الطوخي، فزاد عليهم المصنف رحمة الله: وابن الكويز وعن قرب أخوه ثوى ... والبدر والنجم رب اجعله ثامنهم يعني صلاح الدين ابن الكويز وأخاه علم الدين وبدر الدين بن محب الدين المشير والنجم ابن حجي. محمد بن شاه بن الشيخ شمس الدين الفناري الحنفي الرومي، كان ذكياً، وحج في سنة بضع وثلاثين ودخل القاهرة، ثم رجع إلى بلاد ابن قرمان فمات. محمد المغربي الأندلسي النحوي الشيخ شمس الدين الذي ولي قضاء حماة وأقام بها مدة، ثم توجه إلى الروم فاقام بها وأقبل الناس عليه، وكان شعلة نار في الذكاء كثير الاستحضار عارفاً بعدة علوم خصوصاً العربية، وقد قرأ في علوم الحديث على وكان حسن الفهم، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 مات في شعبان ببرصا من بلاد الروم. محمد بن ... بن الشيخ عبد القادر الكيلاني، الشيخ شمس الدين مات في رابع صفر. محمد المعروف بالبلدي الشيخ شمس الدين، كان خيراً وبيده نظر المارستان بمكة، وكان يخدم الفقراء ويبالغ في ذلك بنفسه، وكان دأبه المشي بين الناس للإصلاح بينهم وتأليف قلوبهم فألموا لفقده، وكانت وفاته في يوم الخميس سلخ ربيع الأول. موسى بن أحمد بن موسى بن عبد الله بن سليمان، الشافعي الشيخ شرف الدين السبكي، مات في سابع عشر ذي القعدة، وكان متصدياً لشغل الطلبة بالفقه جميه نهاره، وأقام على ذلك نحو العشرين سنة ولم يخلف بعده في ذلك نظيره، وأظنه بلغ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 السبعين وكان سناطاً. نعمة الله بن الشيخ شرف الدين محمد بن عبد الرحيم، الجرهي - بفتح الجيم والراء الخفيفة، مات وله دون الثلاثين سنة، ولد بشيراز وسمع الكثير وحبب إليه الطلب وسمع من أبيه وجماعة بمكة، ثم قدم القاهرة فأكثر عني وعن الشيوخ وفهم وحصل كثيراً من تصانيفي ومهر فيها، وكتب الخط الحسن وعرف العربية، ثم بلغه أن أباه مات في العام الماضي فتوجه في البحر فوصل إلى البلاد ورجع هو وأخوه قاصدين إلى مكة فغرق نعمة الله في نهر الحسا ونجا أخوه، فلما وصل إلى اليمن ركب البحر إلى جدة، فاتفق وقوع الحريق بها فاحترق مع من احترق لكنه عاش وفقد رجليه معاً فإنهما احترقا، وعاش هو لعمره وذلك في شوال منها، وكانت وفاة نعمة الله في رجب أو شعبان ظناً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 1 8 - // الجزء التاسع بسم الله الرحمن الرحيم سنة إحدى وأربعين وثمانمائة قرأت بخط القاضي الحنبلي: لم ير الهلال ليلة الجمعة إلا أن شخصاً يقال له العاملي يقرأ المواعيد ذكر أنه رآه ولم يوجد من يوافقه، وفي يوم الجمعة صلى بجامع الحاكم بعد الصلاة على ميت ... وفيه - فرقت كتب الحجاج، وفيها أن الوقفة يوم الجمعة، وكان قدوم الهجان بذلك بعد العصر يوم الخميس قبل ذلك، ولم يحضر المبشر على العادة خشية من العرب الذين يقطعون الطريق. وفي يوم الاثنين استقر سراج الدين عمر الحمصي في قضاء طرابلس وخلع عليه، وركب معه القاضي الشافعي وناظر الجيش. وفي العاشر منه ثار جماعة من المماليك الأشرفية الجلبان وقصدوا نهب - بيت ناظر الجيش، فأنذر بهم فاحترز وتحول من بركة الرطلي ونقل أمتعته، فهجموا منزله ببركة الرطلي فنهبوا ما وجدوا - فيه وهم دون المائة ورجعوا -، وخشي الوزير من النهب فاختفى، ثم صارا يحضران مع الموكب ويرجعان مختفيين، قراسلهم السلطان بالمنع مما فعلوه، فلم يجيبوا وراموا أن يزاد جوامكهم واللحم؛ ثم سكنت القضية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 وفيه وصل بدوي فأخبر أن الحاج حصل لهم في الذهاب عطش ومات منهم كثير من الجمال ولم يحضر معه من كتبهم إلا اليسير، فحصل لجماعة ممن له معرفة من الحاج اضطراب إلى أن وصل في السادس عشر جماعة سبقوا من العيون فذكروا أن بني لام خرجوا على شاهين الذي كان توجه لعمارة البئر بالعيون فقتلوه ونهبوا الإقامة المجهزة من القاهرة وأن الحجاج بخير، ثم وصل من سطح العقبة جماعة في يوم العشرين فأخبروا أن الركب الأول يدخل يوم السبت وأن المحمل يتأخر بسبب احترازهم من العرب. وفي سابع عشر صفر وقع لعز الدين بن القاضي جمال الدين البساطي تغيظ على بعض العامة فعزره فشكاه للسلطان، فتعصب أمير آخور الصغير فأدب العامي فضربه ضرباً مبرحاً، فحمله أخوه على جمال الدين وزعم أنه أشرف على الموت، فآل الأمر إلى أن أمر السلطان بضرب البساطي فضرب ضرباً مبرحاً، وشق ذلك على غالب الناس. وفي يوم الأربعاء ثالث عشري ربيع الأول نودي على النيل بما كان نقص وهو إصبعان، ثم نودي يوم الخميس بإصبع تكملة أربع عشرة من أحد وعشرين ذراعاً، وكان ذلك موافقاً لتاسع عشري توت من الأشهر القبطية، وانتهت الزيادة في سلخه إلى خمسة أصابع من أحد وعشرين ذراعاً، واستمر ثابتاً مدة، واشتد الحر نحو العشرة أيام إلى أن طلع نجم السماك يوم السبت رابع عشر ربيع الآخر الموافق لبابة من الأشهر القبطية فهبت الهواء الباردة وسكن الحر. وفيها غلب على صنعاء اليمن سنقر مولى علي بن صلاح ملكها الذي انتقل بالوفاة، فعصى سنقر المذكور على الإمام الذي استقر بعد على ابن صلاح بصعدة، فسار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 الغمام لمحاربة سنقر المذكور كما سيأتي بيانه في السنة التي بعدها وآل الأمر إلى أن المملكة صارت لسنقر وصيرها ملكاً. وفيها ورد كتب صاحب الحبشة يذكر فيه أن البطرك الذي عندهم من قبل البطرك الساكن بمصر مات ويلتمس من السلطان أن يأمر البطرك أن يجهز إليهم من عنده بدله ويذكر فيه مودة ومحبة وتوصية بمن بمصر وأعمالها من النصارى، فتقدم الأمر إلى البطرك بذلك فبعث نصرانياً يسمى مخاييل، ومن قبل أن يسافرا حضر عندهما جماعة من الحبشى نصارى فشكوا أنهم كانوا في دير وأن قطاع الطريق نزلوا عليهم فقتلوا منهم ثلاثة وهرب من بقي، وسألوا في ترميم كنيسة كانت قديمة ببساتين الوزير وتركها أهلها من أجل تخريبها، فرفعوا قصة إلى السلطان فأذن في ذلك، ورفعوا أمرهم إلى القاضي الحنفي وهو حينئذ بدر الدين العيني فكتب لبعض من ينوب عنه بالتوجه لتلك الجهة وإعادة الكنيسة على ما كانت عليه بأنقاضها من غير مزيد على ذلك ففعل، فكان في سنة 844 ما سأذكره. وفي شهر ربيع الآخر قبض على جانبك الصوفي بعد أن كان تحول عند مرزابك إلى جهة ابن قرايلك -، فما زال تغري برمش النائب بحلب - يكاتبه في أمره إلى أن اتفقا على خمسة آلاف دينار ليقبض عليه، فبلغ ذلك جانبك الصوفي - ففر بمن معه فتبعوه - فجرح في المعركة وقبض عليه، وكوتب النائب فجهز المال ومعه سرية تحمله إلى حلب وكاتب السلطان في ذلك، فاتفقت وفاته ثاني يوم القبض عليه، فوصلت السرية فقبض المال وحز رأسه وجهزت إلى حلب ثم إلى القاهرة، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 ووصلوا بها أول جمادى الأولى، وطيف - بها في القاهرة واستقرت النفوس، وحصل لمن كان يهوى هواه ما لا مزيد عليه من الحزن، وبطلت الملحمة وتبين كذب من افتراها - والأمر كله بيد الله تعالى. وفي يوم الخميس سابع عشرة رفع جماعة أن نور الدين بن سالم أحد نواب الشافعي حكم عليه في قضية، فطلبه السلطان فحضر، فسأله عن الشهود: لم لم يكتب أسماؤهم في الحكم؟ فأجاب بأن ذلك ليس شرطاً، فعارضه بعض من حضر، فأمر بضربه فضرب بحضرته وأخذ شاشه وأهين إهانة صعبة، فخرج وهو مكسور الخاطر لكونه مظلوماً، وكثر التأسف عليه، ولم يكن إلا اليسير حتى وعك السلطان وتمادى أمره إلى أن مات كما سيأتي مفصلاً. وفيها وقع الطاعون في نصف الشتاء في البلاد الشامية فكثر بحماة وحلب وحمص، ثم تحول إلى دمشق في أواخر الشتاء ودخل الديار المصرية في أوائل شهر رمضان، فكان في ابتدائه يموت في اليوم - نحو العشرين، ثم بلغ في آخره نحو الثمانين، ثم بلغ في أول شوال إلى المائة، ثم بلغ المائتين في العشر الأول منه، وفي العشر الآخر من شهر رمضان توجه جكم ختن السلطان بإذنه إلى الوجه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 البحري فهدم دير المغطس وهو دير روماني من قبل الإسلام لكنهم يبالغون في تعظيمه ويخصون له يوماً معيناً كالعيد، يجتمع فيه من جميع أقطار الإقليم مشاة وركباناً، ويتشبهون بالحجاج، ويجتمع حوله من الباعة ما جرت به العادة في المواسم الكبار، ويعلنون فيه بسب أكابر المسلمين كالصحابة خصوصاً خالد بن الوليد، وقد تقدم في حوادث شهر ربيع الأول من السنة الماضية قيام الشيخ ناصر الدين الطنباوي في أمره وسعيه في هدمه فلم يتفق، فقيض الله في هذا الشهر هذا الرجل وهو جركسي قريب العهد بالإسلام لكن إسلامه قوي، فعرفه بعض الصلحاء بالقضية ففهمها، فقام فيها إلى أن أذن السلطان للقضاة بالحكم بهدمه بعد إن كان المالكي في تلك المرة - قد بالغ في تثبيت مقتضيات هدمه وأشرف على الحكم، فدسوا عليه من أخافه بأن للسلطان غرضاً في ترك هدمه وإبقائه مغلقاً، فجبن وركن لمن زعم له أن السلطان حكم بإغلاقه إلى إن يسر الله في هذا الوقت هدمه - ولله الحمد. وفي أواخر شهر رمضان سأل السلطان من يحضر مجلس الحديث عن سبب الطاعون، فذكر له بعضهم فشو الزنا، فأمر بمنع النساء هن الخروج من بيوتهن إلا العجائز والجواري لقضاء الحوائج اللاتي لا بد لهن منها وشدد في ذلك. وفي الثامن والعشرين من شهر رمضان صرف كاتب السر صلاح الدين بن الصاحب بدر الدين - ابن نصر الله عن الحسبة، واستقر دولات خجا الذي كان ولي الشرطة في سنة ست وثلاثين في سفرة آمد. وفيه أخرج الشيخ سرور المغربي من القاهرة بأمر السلطان إلى الإسكندرية. وفي هذا اليوم ظهر جراد كثير جداً بعد العصر، جاء من قبل المشرق، حتى كاد النهار يظلم، فدام ساعة وسار نحو المغرب، فلم يبق له أثر من قبل المغرب، ثم في اليوم الذي يليه وقع نظير ذلك في وقته ثم انقضى أمره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 وفي أواخر شهر رمضان كتب مرسوم بإضافة المواريث الحشرية من النصارى إلى بيت المال بعد أن كن البطرك يتناولها بمراسيم يقررها له الكتاب من قديم الزمان، وكلما أبطلوه أعادوها مراراً. شوال، أوله الخميس، في أوله اشتد البرد جداً بحيث أنه كان أشد مما كان في فصل الشتاء وعاد الناس إلى لبس الفراء ونحوها، وفشا الطاعون فزاد على المائة، وصلينا في الجامع الحاكمي بعد الجمعة على خمسة أنفس جملة، وكان أول ما بدا اشتد - في نواحي الجامع الطولوني ثم في الصليبة ثم فشا في القاهرة - ولله الأمر. ثم بلغ المائتين في العشر الأول منه كل يوم، ثم في العشر الأوسط إلى ثلاثمائة. وفي السادس منه استقر كاتبه في الحكم بالديار المصرية على عادته. وفي النصف منه توجهت ليلى لزيارة أهلها بحلب، فأكملت في عصمتي خمس سنين سواء ووقعت الفرقة، وعادت في رجب ثم أعيدت إلى العصمة. وفي العاشر منه عاود السلطان ضعفه بالقولنج وسوء المزاج وفساد المعدة، فانقطع عن الموكب والخدمة إلى.. وأدير المحمل في يوم الاثنين تاسع عشرة وأميرهم آقبغا التركماني، وأبطل جماعة من الناس السفر لاشتغالهم بالطاعون، وكان فطر النصارى في الثامن عشر، وأمطرت في التاسع عشر مطراً خفيفاً، ثم كثر في الليل وأرعدت وأبرقت ونزل الماء كأفواه القرب، وهو في - اليوم الثالث من نزول الشمس الثور، وأصبحت المدينة ملأى بالوحل ونزل الماء، وقد تقدم نظير هذا في مثل هذا اليوم من سنة ست وعشرين وثمانمائة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 وفيه أمر بكسر أواني الخمر، فأخبرني المحتسب دولات خجا أنه كسر في يوم واحد ثلاثة وستين ألف جرة وأنه سئل بمال جزيل الإعفاء من ذلك، فلم يستطع مخالفة الأمر لشدة فحص السلطان على ذلك، وفي آخره توجه العسكر المصري من حلب إلى جهة الروم. وفي يوم السبت الرابع والعشرين منه غضب السلطان على رئيسي الطب شمس الدين أبي البركات بن عفيف بن وهبة بن يوحنا بن وفا حلب - الملكي الأسلمي وزين الدين خضر الإسرائيلي لاتهامه إياهما أنهما غلطا عليه فيما وصفاه له - من الأدوية، فأمر بتوسيطهما فوسطا بالحوش، وذكر أن ابن العفيف استلم وتشهد، وأن الآخر مانع عن نفسه وعالج وسأل أن يفدي نفسه بخمسة آلاف دينار، فلم يجب، وقتلا. وفي صبيحة يوم الأحد سلمت جثتهما لأهلهما، فدفناهما وراحاه من وزن الذهب - وعد ذلك من الأعاجيب. وفيه غضب على عمر والي الشرطة وصودر على مال ثم أعيد، واشتد بالسلطان الضعف لعدم تناول الغذاء وساءت أخلاقه، وصار يأمر بأشياء فيها ضرر لبعض من يلوذ به فيظهر المأمور الامتثال ولا يفعل، واتفق أن ناظر الجيوش القاضي زين الدين - عبد الباسط انقطع يوماً بسبب ظلوع في ذراعه ثم عوفي وركب وفرح الناس -، واستمر كاتب السر صلاح الدين بن نصر الله - ضعيفاً منقطعا من يوم الجمعة ولم يظهر فيه الطاعون إلا أن مرضه شديد الحدة. فلما كان يوم الثلاثاء الرابع من ذي القعدة طلب السلطان الخليفة والقضاة والأمراء والخاصكية والمماليك السلطانية والأجناد، وعهد السلطان بالسلطنة لولده وكتب عهده، ولقب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 الملك العزيز جمال الدين يوسف -، وأشهد السلطان على نفسه بذلك برضا أهل المملكة وإمضاء الخليفة، واشهد على نفسه أنه جعل الأمير الكبير - جقمق نظام مملكة ولده يوسف - وكتب له بذلك ورقة مفردة، وشهد فيها على السلطان بالتفويض وعلى الخليفة بالإمضاء، وانفق على المماليك السلطانية فجعل - لكل شخص ثلاثون ديناراً وأنفض المجلس، وخلع على نور الدين الإمام السويفي بوظيفة الحسبة عوضاً عن دولات خجا، وهرع الناس للسلام عليه. وفي الرابع من ذي القعدة تناقص البرد وتزايد الحر وخف الموت من ضواحي القاهرة إلا من الجهة البحرية والشرقية فتزايد فيهما كما كان في الغربية والقبلية فيقال جاوزوا الألف في كل يوم ومعظمهم أطفال ورقيق من جميع الأجناس. وفي النصف من ذي القعدة بدأ الطاعون في النقص فصار ينقص في كل يوم نحو الأربعين والخمسين والثلاثين، وتمادى على ذلك إلى أن كان في العشرين منه، فكانت عدة الاموات بمصلى باب النصر مائة بعد أن كانت بلغت الخمسمائة، ثم تناقص إلى ستين في ثاني عشري ذي القعدة وكانت بلغت بمصلى المؤمني نحو الثلاثمائة، ثم تناقص ذلك إلى ثلاثين. وفي العاشر من ذي القعدة ناول العسكر المصري الابلستين، ثم توجهوا إلى مدينة اقشر فنازلوها وأميرها سالم بن الحسن وكان يقطع الطريق على التجار، فهدموا بعض قلاعها وكان هذا المكان - معداً لقطاع الطري، وتوجه العسكر المصري منها في أواخر الشهر بعد أن - قرروا بها نائباً. وفي السادس والعشرين من ذي القعدة هبت ريح شديدة، وأثارت تراباً كثيراً بحيث ملأت البيوت والشوارع، ودامت من الليل إلى آخر النهار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 وفي العشر الأخير من ذي الحجة وكان أوله الاثنين قصد العسكر المصري أرزن الروم، فأرسل إليهم صاحبها يعقوب بك بن قرا يلك ولده وزوجته وقضاة بلده يبذل الطاعة وصحبتهم دراهم مضروبة باسم الأشرف من ذلك قبل إن يصل لكنهم حين مروا فدخلوا البلد فزينوها لهم ونزلوا بالمرج وأتتهم الضيافة، واستقر يعقوب نائباً بها نائباً من قبل السلطان هو وابن أخيه جهانكير بن علي بك بن قرايلك، ورحل العسكر منها في أول يوم من المحرم. ذكر من مات في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة من الأعيان. إبراهيم بن عبد الكريم بن بركة الكاتب سعد الدين بن كريم الدين ابن سعد الدين المعروف بابن كاتب جكم، مات في ليلة الجمعة ثامن عشر شهر - ربيع الأول ولم يبلغ الثلاثين، وكان استقر في نظر الخاص السلطاني ووكالة السلطان الخاص عقب موت والده فباشرها إلى أن مات، وكان علته مرض السل، وعرض له في أثناء ذلك قولنج وحصل له صرع ولم يكثر -، واتهم طبيبه بأنه دس عليه سماً، وكانت جنازته حافلة، صلى عليه بالزميلة ونزل السلطان وكثر الثناء عليه، وكان قليل الأذى، كثير البذل، طلق الوجه، نادرة في طائفته، واستقر بعده في وظيفته أخوه جمال الدين يوسف يوم السبت، وهرع الناس للسلام عليه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 أحمد بن صالح شهاب الدين الشطنوفي العامل بمودع الحكم بالقاهرة، وكان يجيد الكتابة والضبط، وللجهة به جمال، فتلاشى الأمر بعده جداً - ولله الأمر، ذكر لي ولده شمس الدين محمد وهو من النجباء أن مولد والده في..، وذكر لي غيره أنه جاوز الثمانين، مات في ليلة الجمعة حادي عشري ذي القعدة. أحمد بن محمد بن عبد الرحمن شهاب الدين المادح المعروف بالقرداح الواعظ وكان قد انتهت إليه رياسة الفن ولم يكن في مصر والشام من يدانيه في هذا الوقت، فإنه كان طيب النغمة، عارفاً بالموسيقى، يجيد الأعمال ويتقنها، ولا ينشد غالباً إلا معرباً، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 ومهر في علم الميقات، وكان ينظم نظماً وسطاً، سمعت منه ومدحني مراراً. وكان يعمل الألحان وينقل كثيراً منها إلى ما ينظمه، فإذا اشتهر وكثر العمل به تحول إلى غيره، وهو أحد مفاخر الديار المصرية ولم يخلف بعده مثله، ذكر لي أن مولده سنة ثمانين، وكان قد أسرع إليه الشيب والهرم، وخلف كتباً كثيرة تزيد على ألف مجلد، وخلف مالاً جزيلاً خفي غالبه على ورثته. أركماس دويدار الأمير الكبير، وكان خدم دويدار عند بيبغا المظفري قبل أن يلي وظيفة الأمير الكبي، ثم خدم عند يشبك الأعرج الساقي بعد أن كان أميراً كبيراً، وكان حسن السياسة، عارفاً بالأمور، مشكور السيرة، قليل الشر، وولي نظر الأوقاف بعد موت - قطلوبغا حجي، ومات في المحرم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 برسباي السلطان الملك الأشرف، مات في عصر يوم السبت بعد أن أقام أكثر من عشرين يوماً ملقى على قفاه لا حراك به إلا في بعض الأحيان يحرك بده كالعابث أو ينطق بما لا يفهم، وصار يجرع السويق ونحوه بالمسعط، فلا ينزل إلى جوفه من ذلك إلا اليسير، وكان قبل ذلك قد أفرط به الإسهال حتى انحطت قوته، ثم عرض له الصرع فأقام في أول مرة زماناً طويلاً بحيث أرجف بموته ثم أفاق منه مختبلاً، ثم عاوده بعد سبعة أيام فازداد انحطاطاً، واستمر يعاوده حتى يئس منه كل من حوله من النساء والرجال والأطباء، وفي كل نوبة من الصرعة يرجف بموته ويتهيا الناس لذلك ثم يتحرك، وكان في غضون ذلك في أوائل ذي الحجة خرج وجلس على لسانه مع بعض الحاشية يأمرهم أن يحلفوا لولي العهد ولده يوسف الملك العزيز، قكان أول من حلف ممن حضر تمربائي الدويدار ثم إينال المشد ثم على باي الخازندار، ثم تواردوا على الإيمان لولي العهد ولنظام الملك فعرضوهم طبقة بعد طبقة إلى أن تعالى النهار جداً، ثم انصرفوا واصبحوا على ذلك فأرسل كل قاض نائباً من عنده حضر التحليف، والمباشر للتحليف القاضي شرف الدين سبط ابن العجمي نائب كاتب السر، فاستوعبوا في يومين آخرين من بقي، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 وكان من تأخر الأمراء عن الصلاة بالجامع ثم اجتماعهم وصلاتهم يوم الخميس الخامس من هذا الشهر وهم على حذر، ثم اجتمعوا لصلاة العيد، وخلع ولي العهد على الأمير الكبير جرت له عادة بالخلع، ثم اجتمعوا لصلاة الجمعة ثاني عشر الشهر وقد اطمأنت نفوسهم، فلما كان يوم الست الثالث عشر من ذي الحجة مات السلطان قبل العصر، فاجتمعوا بعد العصر بباب الستارة، وجلس ولي العهد وطلب القضاة والأمراء والجند، فاجتمعوا كلهم فعقدوا له البيعة بالسلطنة، ولقب الملك العزيز كما تقدم، ثم ألبس خلعة الخلافة وأركب الفرس ورفعت على رأسه القبة، ومشى الامير الكبير بالغاشية إلى أن دخل القصر الكبير فأجلس على الكرسي وجلس حوله الخليفة والقضاة، ثم وقف جميع الامراء وأهل الدولة من المباشرين وغيرهم، وقرأ كاتب السر عنوان التقليد، وادعى كاتب السر عند الشافعي عن السلطان إن الخليفة فوض إليه السلطنة على قاعدة والده وسأل الحكم بذلك فاستوفيت فيه شروط الحكم وحكم ونفذه القضاة، وركب السلطان إلى داخل الدور، وخرج الخليفة والقضاة والأمراء - والجند أجمعين إلى باب القلعة؛ وأخرج الأشرف في التابوت فوضع على المصطبة الكبرى، وتقدم الشافعي للصلاة عليه، فلما أكملوا الصلاة توجهوا به إلى تربته التي أنشأها بالصحراء فدفن بها قبل أن تغرب الشمس، ولم يتوجه معه من حاشيته إلا عدد يسير، وكثر ترحم العامة عليه، وبالغوا في سب الخازندار لما رواه في الجنازة ورموه بكل سوء، فبات بالتربة ورجع إلى القلعة فدخلها أول ما فتحت، وحضرنا الصبحة فوجدنا عدداً يسيراً من الجند وبعض الفقهاء، فلما ختم وانصرفنا اجتمع الأمراء ورؤساء الدولة عند السلطان وقرروا أمور من يسافر بخلع النواب بالبلاد، فلما كان يوم الاثنين النصف من الشهر شرعوا في تجهيز القصاد إلى البلاد لتحليف أمرائها والإذن للأمراء المجردين في الرجوع..، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 وكان برسباي يخدم دقماق الذي مات أخيراً بحماة، ودقماق كان من مماليك الظاهر برقوق، فيقال إنه الذي أعتق برسباي، ثم صار برسباي من أتباع نوروز، ومن قبل ذلك كان مع جكم، ثم صار مع شيخ بعد قتل الناصر وحضر معه إلى مصر فولاه نيابة طرابلس، ثم غضب منه فاعتقله عند نائب دمشق، فلما دخل ططر الشام بعد المؤيد استصحبه إلى القاهرة وقرره دويدارا كيرا فباشر، وسلطنته في ربيع الآخر سنة خمس وعشرون، وأكرم الصالح محمد بن ططر - وقرنه بولده فكانا يركبان جميعاً إلى أن ماتا بالطاعون سنة ثلاثين. واتفق في أيام سلطنته من السعد في حركاته ما لا يوصف بحيث أنه لم يقم أحد إلا وقتل من غير أن يجهز له عسكراً أو يباشر له حرباً، وفتحت في أيامه قبرس وأسر ملكها - وقد سبق خبرها في الحوادث. بلقيس بنت بدر الدين محمد بن شيخنا سراج الدين البلقيني، ماتت في ذي القعدة، وكانت لها شهرة تغني عن ذكرها، وهي لسان أهل بيتها، وسلكت أكثر من عشرين سنة طريق التصوف، ولبست الخرقة من جماعة وتسمت بالشيخة ووقع في ذلك أضحوكات - وبالله المستعان! وأظنها جاوزت الستين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 أبو بكر بن عبد الله بن أيوب بن أحمد، الملوي المصري الشاذلي الشيخ زين الدين، ولجده أيوب زاوية بملوي وكان معتقداً، واما هذا فولد سنة 762، وصحب الفقراء وتلمذ للشيخ حسن الحيار ثم لازم صاحبه صلاح الدين العلائي، وصار يتكلم على الناس بزاوية الحيار بقنظرة الموسكي ويفسر القرآن برأيه على قاعدة شيخه، فضبطوا عليه اشياء ورفع إلى القاضي جلال الدين فمنعه من الكلام إلا أن قرا من تفسير البغوي وشبهه واجتمع بي بسبب ذلك فوجدته حسن السمت إلا أنه عرى عن العلم، وكان فيما ذكر لي هو أنه رأي أن في قوله تعالى: كذبت قوم هود المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود، إن الضمير في قوله أخوهم للمرسلين، قلت: بل لعاد، قال: لا، لا يليق بالنبي أن يوصف بأنه أخو الكفرة، قلت: فقد قال في الآية الأخرى: واذكر أخا عاو، فسكت، وله نظائر لذلك إلا إنه كان كثير الذكر والعبادة، يتكسب في التجارة في الغزل، ولجماعة من الناس فيه اعتقاد كبير، مات في ليلة الجمعة الخامس من ذي الحجة، وكانت جنازته حافلة، وهو أخو شمس الدين رئيس الأذان بجامع ابن طولون الذي يقال له المسجل. جاني بك الصوفي الظهري صاحب الحوادث والوقائع، مات في يوم الجمعة 15 ربيع الآخر، واختلف في قتله. جاني بك السيفي أحد أمراء الطبلخاناة المعروف بالتور، مات بمكة في شعبان وكان ولي بندر جدة شاداً. تمراز المؤيدي نائب صفد ثم غزة، مات محبوساً بسجن الإسكندرية في 23 جمادى الآخرة. إسكندر بن قرا يوسف صاحب تبريز، مات منفياً عن بلاده مذبوحاً ذبحه ابنه في 2 ذي الحجة. أحمد بن قرطائي الشهابي سبط بكتمر الساقي، مات في الطاعون ليلة الاثنين عاشر ذي القعدة، ومولده في شعبان سنة 786، وكان ناظماً حسن النظم حلو المحاضرة جيد المذاكرة شمساً جداً، ومن نظمه: حتى العذر وافاه من بعدهجر بوصلي ... وقال صف لي عذارى فقلت ناحب علي دولات جا الذي استقر في الحسبة وكان والي القاهرة، مات يوم الأحد ثاني ذي القعدة بالطاعون. سودون بن عبد الرحمن نائب الشام ثم أتابك العساكر، مات بطالاً بثغر دمياط في يوم السبت العشرين من المحرم ولم يخلف مثله، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 آق بردا البجاسي نائب غزة، مات في خامس المحرم -. عبد الرحيم بن محمد بن أبي بكر، الطرابلسي القاضي تاج الدين أبو محمد ابن قاضي القضاة شمس الدين، ولي أبوه قضاء الحنفية وناب عن أخيه أمين الدين في الحكم، واستمر ينوب عمن ولي بعده إلا ابن العديم وولده فإنه لم ينب عنهما رعاية لأخيه، وولي إفتاء دار العدل، وكان يصمم في الأحكام ولا يتساهل كغيره، وأقعد في أواخر عمره وحصلت له رعشة في بدنه ثم فلج فحجب، وأقام على ذلك نحو سنتين إلى أن مات ليلة الثاني والعشرين من المحرم، وكان سمع ن ابن مناع الدمشقي بعض الأجزاء الحديثية بسماعه ن عيسى المطعم، وسمع عنا على البرهان الشامي وغيره، وحدث قليلاً قبل موته، وكتب في الاستدعاآت. عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن محمد، الزنكلواني الشيخ عبد الملك الرجل الصالح، وكان يسكن بدار مجاور جامع عمرو بن العاص ويؤدب الأطفال ويكثر من تلاوة القرآن والصيام، ويذكر عنه مكاشفات كثيرى، ومات في ليلة الرابع والعشرين من جمادى الأولى ولم يجاوز الستين فيما قيل، وهو ابن خال برهان الدين الزنكلوني أحد نواب الحكم، وفي ذلك اليوم.. بجوار مشهد الست زينب خارج باب النصر، وكان صالحاً وللناس فيه اعتقاد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 علي بن محمد بن عبد الرحمن، نور الدين الصهرجي، مات في شوال عن نحو السبعين، وهو من قدماء الطلبة الشافعية، وكان مشهوراً بالخير ويتكسب بالشهادة. علي بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد، البخاري العجمي علامة الوقت علاء الدين، مولده في سنة 779 ببلاد العجم، ونشأ ببخارى فتفقه بأبيه وعمه العلا عبد الرحمن، وأخذ الأدبيات والعقليات عن الشيخ سعد الدين التفتازاني وغيره، ورحل إلى الأقطار واجتهد في الأخذ عن العلاء حتى برع في المعقول والمنقول والمفهوم والمنظوم واللغة العربية وصار إمام عصره، وتوجه إلى الهند فاستوطنه مدة، وعظم أمره عند ملوكه إلى الغاية لما شاهدوه من غزير علمه وزهده وورعه، ثم قدم مكة فأقام بها، ودخل مصر فاستوطنها، وتصدر للإقراء بها فأخذ عنه غالب من أدركناه من مذهب وانتفعوا به علماً وجاهاً ومالاً، ونال عظمة بالقاهرة مع عدم تردد إلى أحد من أعيانها حتى ولا السلطان والكل يحضر إليه، وكان ملازماً للإشغال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بذات الله مع ضعف كان يعتريه، وآل أمره إلى أن توجه إلى الشام فسار إليها بعد أن سأله السلطان في الإقامة بمصر مراراً فلم يقبل، وسار إليها فأقام بها حتى مات في رمضان، ولم يخلف بعده مثله لما اشتمل عليه من العلم والورع والزهد والتحري في مأكله ومشربه وعدم قبوله العطاء من السلطان وغيره، ولما سافر السلطان إلى آمد ركب إليه وزاره أول ما دخل دمشق. علي بن مفلح، الحنفي نور الدين ناظر المارستان ووكيل بيت المال، مات يوم الجمعة 22 ذي القعدة عن نحو السبعين، وكان عارفاً بصحبة الرؤساء كثير الخدمة لهم، كثير التودد لأصحابه والإعانة لهم، وفيه لبعض الطلبة خير وبر، وكان قد ولي مشيخة الجامع الجديد بمصر مدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 علي بن موسى بن إبراهيم، الرومي الحنفي العلامة علاء الدين، تخرج بالشريف الجرجاني والتفتازاني إلى أن برع وتصدر للإقراء ودخل مصر، فاستقر في مشيخة الأشرفية الجديدة وجرت له مع علماء مصر مناظرات، وبالجملة فكان عالماً محققاً، عارفاً بالجدل، إماماً في المعقول، بارعاً في علوم كثيرة، إلا إن يستخف بكثير من علماء مصر، مات في يوم الأحد 20 من رمضان -. علي بن موسى بن إبراهيم، الشيخ علاء الدين الرومي صاحب الوقائع المشهورة في هذه السنة. محمد بن أحمد بن محمد الباهي، الشيخ تاج الدين النويري، نزيل مصر بالنخالين منها، وكان يخدم الشيخ زين الدين البوشي المجذوب، ثم انقطع في منزله وصار يظهر منه بعض الخوارق، وللناس فيه اعتقاد زائد، وأضر قبل موته بمدة، وصار مكانه من جميع جوانبه بنالا وهو مستمر فيه إلى أن مات في رمضان، وأظنه بلغ السبعين أو دونها. محمد - ولد شهاب الدين البنهاوي التاجر، مات في ذي القعدة، واستولى المتحدث عليه على موجود أبيه، ولعله يزيد على عشرين ألف دينار، فقام اثنان فادعيا أنهما ولدا عمه عصبة، فصالحهما على شيء وصالح ناظر الخاص على شيء آخر، ومجموع ذلك لا يجيء قدر الثلث من الموجود، وكان المخبر بذلك من باشر عرض الموجود وبيعه وضبطه، ومع ذلك فلم يلتفت المذكور لذلك وركب طرف الإنكار، وإن الذي خصه هو الذي استولى عليه من غير زيادة. محمد صلاح الدين بن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله كاتب السر بالديار المصرية -، مات بالطاعون، تمرض خمسة أيام، وولي أبوه في يوم الخميس وظيفته وهرع الناس للسلام عليه وباشر -، واتفق انحطاط السلطان في المرض إلى أن ثقل فيه وكان ما تقدم، وكان صلاح الدين أولاً يلقب غرس الدين واسمه خليل، ثم غيره أبوه في الدولة المؤيدية واستمر، ونشأ صلاح الدين - فهماً يقظاً فتعلم الخط المنسوب والحساب، وولي شاد المارستان والحجوبية في الدولة الناصرية فرج، وولي إمرة طبلخاناة في الدولة المؤيدية، وولي نديم الأشرف ثم كتابة السر عن أبيه وظائفه كلها كنظر الجيش ونظر الخاص والوزارة، وولي الأستادارية الكبرى مرتين في أيام ططر وأيام الأشرف ثم استعفى - وباشر عن أبيه في وظائفه كنظر الجيش ونظر الخاص والوزارة نيابة، وولي إمرة طبلخناة، ثم ولي الأستادارية بتقدمة ألف ثم استعفى، ثم نادم السلطان بعد ابن قاسم فولاه الحسبة ثم كتابة السر، فلم يقم بها إلا دون السنة، وكان كثير البشاشة وحلاوة اللسان وينسب إلى التزيد في القول - عفا الله تعالى عنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 مات في ليلة الأربعاء خامس ذي القعدة بالطاعون، ومولده في رمضان سنة تسعين وسبعمائة، وعاش إحدى وخمسين سنة رحمه الله -. محمد بن الحسن بن محمد، الفاقوسي الرئيسي ناصر الدين كبير الموقعين بديوان الإنشاء، ولد في ليلة الجمعة خمس وعشرين صفر سنة سبعمائة وثلاث وستين - وكان قديم الهجرة، وباشر الوظائف الكبار، ووقع عن القضاة أولاً ثم في الدرج ثم في الدست، ثم ولي نظر الديوان الخاص بخاص السلطان وديوان المشاجرات والذخيرة السلطانية مدة، وعلت منزلته في الدولة الناصرية، ثم انحطت في الدولة المؤيدية ولكنه يتماسك، ثم انحطت في الدولة الأشرفية، وانقطع عن الخدمة في أواخر عمره، وكان رئيساً جليلاً، سمع الحديث الكثير وحدث بأخرة، وله حكايات في ضيق العطن مع سماحة نفس وصدقة، وكان ينظم نظماً وسطاً وكذلك إنشاءه، وخطه أجود من إنشائه، مات في يوم الثلاثاء سابع عشري شوال - رحمه الله تعالى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 وفيه مات للأمير الكبير ثلاثة أولاد: ذكر وانثيان، فدفن البنتين في يومه ودفن الصبي صبيحة هذا اليوم. وفيه مات للقاضي الحنفي بنت أخرى. محمد بن الخضر بن داود بن يعقوب بن يوسف بن أبي شديد، الحلبي شمس الدين ابن أخي الرئيس سليمان بن داود الأديب الشهير بابن المصري، ولد بحلب قبل السبعين، وأسمع على الكمال بن حبيب والظهير ابن العجمي وعمر بن أيدغمش وغيرهم ونشأ بها، وتكسب بالشهادة ثم بالتوقيع، وكانت له فضيلة ويرجع إلى ديانة، وقدم القاهرة بعد اللنك فأقام بها دهراً، وعمل التوقيع عند جمال الدين ثم في ديوان الإنشاء عند ناظر الجيش، ثم تحول إلى بيت المقدس واستقر شيخ المدرسة الباسطية به، ومات هناك وله نيف وسبعون سنة، وسمع مني وكتب في الإملاء ومن شرح البخاري، وقرأ على المقدمة، ومن كتابي في الصحابة، وأجاز لي في استدعاء أولادي، وطارحني بأبيات وهو في بيت المقدس فأجبته، وأنشدني لغزاً لغيره في المسك وسألني جوابه، ففعلت - والله يرحمه؟ واستقر بنوه في جهاته التي بالقاهرة. محمد بن عمر بن محمد ناصر الدين الطبناوي - بفتح المهملة والموحدة وتخفيف النون - نسبة إلى طبنا من عمل سخا، ذكر لي أنه ولد سنة 753، وكان أبوه مذكوراً يقال له ركن الدين، فنشأ في محبة الفقراء وتقدم فيهم، وكان مطاعاً عند الأمراء والأكابر، وقد ذكرت قصته في الحوادث - في هدم الدير المعروف بالمغطس وأنه قام في ذلك سنة أربعين فاتفق من خذل السلطان عن - الأمر بهدمه بعد أن كان انطاع لذلك لكنه أمر بإغلاقه، ثم قدر أنه أذن بهدمه في هذه السنة، فبادر الشيخ وأعوانه إلى ذلك فهدم، وقدم الشيخ القاهرة مراراً وله أتباع، وهو على طريقة حسنة من العبادة والتوجه والرغبة في الخير، وكان اجتماعي الأخير به في أول ذي الحجة من هذه السنة، وذكروا أن والدته كانت من الصالحات ويؤثر عنها كرامات ولها شهرة في تلك البلاد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 محمد بن عمر، الميموني الشافعي الشيخ شمس الدين بن الشيخ سراج الدين، ولد في حدود السبعين، واشتغل بالفقه، وكان أبوه نقيب الزاوية المعروفة بالخشابية ومات وهو صغير، وتنزل في الوظائف ثم ترك وسلك طريق الفقر وجلس في زاوية، ثم ترك ذلك وأكثر الحج وكان يديم التلاوة ووقعت له مع القاضي الحنفي كائنة ذكرت في حوادث سنة تسع وعشرين، ونجا منها بعد إن حكم بإراقة دمه، وعاش إلى هذه الغاية فمات بالقولنج بالمارستان. محمد بن محمد بن محمد، الشيخ علاء الدين البخاري الحنفي، كان من أهل الدين والورع وله قبول عند الدولة، وأقام بمصر مدة طويلة، وتلمذ له جماعة، وكان يتقن فن المعاني والبيان ويذكر أنه أخذه عن الشيخ سعد الدين، ويقرر الفقه على المذهبين، وانتفعوا به كثيراً، ثم تحول إلى دمشق فاغتبطوا به، وكان كثير الامر بالمعروف، مات بدمشق - رحمه الله؟؟؟؟؟؟ وبلغني أنه قارب السبعين، قرأت بخط الشريف تاج الدين عبد الوهاب الدمشقي: مات شيخنا علاء الدين البخاري نزيل دمشق صبيحة يوم الخميس 23 رمضان سنة 841 بالمزة. شمس الدين العماري - بفتح المهملة وتشديد الميم - أحد نواب الحكم الحنفي، وكان سار مع كاتب - الشام سودون من عبد الرحمن إماماً فناب في الحكم بالشام، ورجع بعد إن انفصل المذكور، ولم يكن بالمحمود عفا الله تعالى عنه. يحيى بن سعد الله بن عبد الله، الكاتب المعروف بابن بنت الملكي شرف الدين صاحب ديوان الجيش، مات في ذي القعدة بالطاعون ولم يكمل الخمسين، واستقر أخوه عبد الغني في وظيفته مشاركاً لأولاده -. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة شهر الله المحرم - أرخوه على عادة العدد يوم الأربعاء، ثم تبين أن أوله الثلاثاء بعد ستة أيام. وفي يوم السبت خامسه استقر أينال الشاد دويدار عوض تمرباي، واستقر تمرباي من الأمراء المقدمين، واستقر بعد ذلك - على باي شادا عوضاً عن اينال، واستقر جكم خال السلطان خازندار عوضاً عن هلي باي، واستقر في وكالة بيت المال شهاب الدين ابن الشيخة شاهد القيمة، وعينت وظيفة نظر المارستان لولي الدين السنطي ثم لمحب الدين بن الأشقر ثم لسراج الدين العبادي فقيه الملك العزيز، ثم لم تتم لواحد منهما إلى أن، استقرت لابن الأشقر. وفي يوم السبت خامسه استقر في ولاية القاهرة واحد من الخاصكية يقال له دمرداش، ثم استقر علاء الدين ابن الطبلاوي في شهر ربيع الأول. وفي يوم السبت الرابع عشر من المحرم استقر الشيخ سعد الدين شيخ المؤيدية في قضاء الحنفية عوضاً عن القاضي بدر الدين العيني بحكم عزله وركب الناس معه، ولم يركب معه أحد من الأمراء ولا من المباشرين إلا أن ناظر الجيش وكاتب السر وناظر الخاص والأستادار لحقوه بالمها مرتين ولم يسيروا معه بل وقفوا معه عند الأشرفية حتى قرب منهم ثم توجهوا أمامه فوقفوا عند الصالحية على العادة ودخل القضاة، وتوجه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 ناظر الجيش ومن معه، ورجع المستقر إلى منزله، وهرع الناس للسلام على المنفصل، وحصل للمنفصل قهر عظيم لأنه لم يكن يظن أن ذلك يقع، ووقع في هذا اليوم لناظر الجيش إساءة من مملوك من مماليك السلطان ثم تكرر ذلك، وصار لا يركب إلا مع جماعة يحمونه من معرتهم - وانخرقت تلك الحرمة واتضعت تلك الكلمة وجرى بين جوهر الخازندار مع بعض الخاصكية كلام أغلظ له فيه، ونسبه إلى انه كان السبب في تلك المظالم، وانحطت منزلته جداً وعظم قدر جوهر الزمام، ولم يتأثر الخازندار لما قيل فيه ومشى على طريقته، وتسلط كثيرمن الجند على ناظر الجيش وكرروا الإساءة عليه بالقول والفعل والتهديد، وكلما رام تلك الصفة التي كان عليها في زمن الأشرف عورض - ولله الامر. وفي أوله تصدى الأمير الكبير نظام المملكة للحكم بين الناس في كل يوم وبسط العدل، ولم يمنع أحداً طلب الشرع من التوجه حيث أراد من الحكام سواء كان نائباً أو مستقلاً، واستقر عنده شهاب الدين ابن العطار دويدار وكان عند تمرباي الدويدار، وهو مشكور السيرة كثير التودد والعقل. وفيها خرج على الحاج عرب بلي فأخذوا نحواً من ألفي جمل كانت مع العرب من جهينة وغيرها، فمنها كثير من الحاج العزاوي والشامي ومعهم الكثير من بهار المصريين ومن أمتعتهم وهداياهم وذلك عند الوجه، فأخذوا الجمال ورموا ركابها وأخذوا نفائس ما معهم، فتوصل الكثير منهم حفاة عراة إلى بئر الأزلم فمات الكثير منهم هناك، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 وسئل أمير الركب آقبغا التركماني أني قيم بالأزلم حتى بتكامل الذين سلموا من الموت، فامتنع ورحل من أول النهار فهلك الذين وصلوا بعدهم ولم يجدوا من يرفدهم ومات أكثرهم فكانت قصة شنيعة، وتوصل بعضهم إلى عيون القصب فركب البحر من جزيرة عينون ودخل الحاج أولاً فأولاً، فأول من وصل الترك الذين كانوا بمكة في العام الماضي ومعهم جمع كثير في الحادي والعشرين، ووصل قبلهم طائفة في السابع عشر تقدموا من المويلجة، ووصل جماعة تقدموا من نخل في الثاني والعشرين، ودخل الركب الأول في الثالث والعشرين والمحمل في الرابع والعشرين، وانطلقت ألسنتهم بذم أمير الركب وأنه كان السبب فيما صنع عرب بلي لكونه أرسل أحد الرئيسين مبشراً، وزنجر الآخر فغضب قومه وفعلوا ما فعلوا ولم يعاتب أمير الركب فضلاً أن يعاقب، ثم تبين أن العرب الذين حملوا البهار سلموا، ووصل معهم جمع كثير من الحجاج وذكروا أن بقيتهم ركبوا البحر وأنه لم يمت منهم إلا القليل. وفيه استقر كل من عبد الرزاق الطرابلسي وسراج الدين العبادي إماماً للسلطان فصاروا خمسة، وكان عبد الرزاق إمامه قبل السلطنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 وفيه توجه جماعة لتلقيد أمراء البلاد على ما كانوا عليه. وفيه استقر فارس الخادم الرومي شيخ الخدام بالمدينة الشريفة عوضاً عن ولي الدين بن قاسم، وتوجه من جهة البحر إلى الينبع ليسير منها إلى المدينة. وفي آخره وصل الخبر من العسكر المصري أنهم رجعوا من أرزنكان في أول يوم من المحرم، ووصلوا مدينة حلب في الخامس -، وجهزوا القاصد بأخبارهم وتوجههم إلى جهة حلب بعد - أن لم يبق في الجهة التي قصدوها أحداً عاصياً، وكل ذلك قبل أن يبلغهم خبر موت السلطان. وفيه وثب نائب حلب - تغري برمش على ثقل بعض الأمراء المجردين فنهبه ورجع إلى جهة ملطية خارجاً عن الطاعة، ووصل الخبر من بقية الأمراء بذلك إلى القاهرة في الثالث من صفر، ثم تبين فساد النقل المذكور واستمرار المذكور على الطاعة. صفر - أوله الخميس، نزل ناظر الجيش من القلعة فلاقاه جماعة من المماليك نحو العشرة، فأساءوا عليه بالسب ثم سل أحدهم الدبوس وقصد ليضربه، فلاقاه عنه الأستادار وهو مملوكه جاني بك، فاجتمع من المماليك آخرون وتكاثروا، فدكس فرس لجهة القلعة ونزل عنه ودخل الجامع فتفرقوا، ثم توجه إليه الوزير وغيره فأخذوه معهم إلى بيته فأقام به، وحصل بذلك من كسر حرمته ما حصل له به القهر العظيم ولكنه تدارك ذلك، وألبس خلعة صبيحة يوم الجمعة ونزل إلى بيته وهرع الناس للسلام عليه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 وفي ليلة الجمعة ثاني صفر أمطرت السماء مطراً غزيراً غير كثير فنزل البحر، وكان له من يوم السبت السادس والعشرين من المحرم ما زاد شيئاً إنما ينادي بإصبع أو إصبعين تطميناً للناس فلم يناد يوم الجمعة بشيء، فلما كان بعد دخول الشهر زاد قليلاً، وتمادى ذلك إلى الرابع عشر من صفر الموافق للثالث عشر من مسري، فكان في صبيحته في العام الماضي قطع البحر واوفى وزاد من الذراع السابع عشر، وكان انتهاءه في مثل هذا اليوم من هذا العام إلى ثلاثة عشر ذراعاً وعشرين إصبعاً، فالنقص بينهما ذراعان وربع ذراع، ثم من الله بوفاء النيل يوم الاثنين سادس عشري صفر، وقطع البحر في صبيحته على العادة، وكان في العام الماضي في هذا اليوم ثمانية عشر ذراعاً سواء. وفي يوم الخميس نصف الشهر بلغ الأتابك جقمق والامراء وغيرهم أن المماليك الجلب قصدوا الفتك بهم بغتة، وثم عليهم بعضهم فلبسوا السلاح وحذروا، وراسل الأتابك السلطان في ذلك والتمس أن يجهز إليه رؤوسهم وهم أربعة سماهم منهم جكم خال السلطان، فترددت الرسل في ذلك فلم يقع الإجابة، وأرسل إلى القضاة وأشهدهم ومن حضر أنه باق على بيعته في طاعة السلطان ولكنه يلتمس من مماليك السلطان أن يقفوا عند اليمين التي حلفوها في حياة الأشرف أنهم يكونون بعده في طاعة ولده والأتابك نظام الملك، ثم أرسل السلطان إلى القضاة في يوم الجمعة، فراسل الأتابك يسأله عن مراده فعادوا له بما ذكر، وتكرر ذلك فلم تقع الإجابة ونشبت الحرب بين الطائفتين، فعمد الأكابر إلى الأتابك فتحول معهم إلى بيت نوروز، ثم لما وقع التزامي دخل أولئك المدرسة الحسينية بالرملة وعلوا على سطحها ونصبوا المجانيق ورموا السهام، وحصروا المماليك بالإصطبل، وبادروا إلى الماء الذي يصل إلى القلعة في القناة التي تمد من النيل فقطعوها فباتوا في ضيق، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 فأعاد السلطان المراسلة إلى أن حصلت الإجابة إلى ما طلبه الأتابك، وجهزوا له الأربعة فحبسهم، ونزع الطائفتان السلاح ورجعوا إلى بيت الأتابك، فأحضر القضاة في يوم الأحد وشرعوا في تحليف الجند أجمع على أنهم في طاعة السلطان والأتابك على الأربعة وجهزهم للسلطان، وجهز أربعة أنفس كانوا رؤساء في مقابلة أولئك فخلع السلطان عليهم، واستمر الحال على ذلك إلى يوم الخميس، فصعدوا الجميع إلى خدمة السلطان وسكن الاتابك بالإصطبل، فلما اصبح يوم الجمعة اجتمع عدد من المماليك الجلب ونازعوا الاتابك في ذلك، وأنكروا سكناه الإصطبل ونسبوه إلى أنه يروم السلطنة فتنصل من ذلك، واتفق أنه لم يصل الجمعة مع السلطان من الطائفتين إلا النادر، ولم يجتمعوا في الخدمة يوم السبت ولا الاحد ولا الاثنين، فكثر تأذي العامة بالجلب فأمسك منهم اثنان وضربا وجرساً، فسكن شرهم قليلاً. شهر ربيع الأول أوله السبت، في الرابع منه دخل يشبك الحاجب الكبير ضعيفاً في محفة فنزل في بيته أول النهار وهرع الناس للسلام عليه، فأقام أياماً يسيرة ثم تعافى. وفي خامسه دخل سائر الأمراء فبادروا إلى الإصطبل، فخرج إليهم الأمير الكبير، فوقفوا جميعاً تحت القلعة، وتقدم الأمير الكبير فقبل الأرض والسلطان في القصر - يشاهدهم وقبل بقية الأمراء واحداً بعد واحد، فأمر للقادمين بالخلع فخلع عليهم، ونزلوا إلى بيوتهم وهرع الناس للسلام عليهم. وفي يوم الخميس قبض على جماعة من الأمراء القادمين وغيرهم، منهم جانم أمير آخور، وجكم والثلاثة الذين كانوا قبضوا معه وعلى باي ويخشباي وأينال ومقدم المماليك ونائبه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 وتاني بك الجقمقي نائب القلعة - وتمام ثمانية عشر نفساً منهم تاني بك الجقمقي نائب القلعة - وسفروهم إلى الإسكندرية، وأنزلوا صبيحة يوم السبت في القيود إلى شاطئ النيل، فأنزلوا في المراكب حيث أمر بهم إلى الإسكندرية -، استقر تمر باي نائب الإسكندرية وسافر على البر وتاني بك في نيابة القلعة كما كان أولاً، ووكل بالزمام وبالخازندار ثم أفرج عنهما. وفي التاسع عشر منه جمع الخليفة والقضاة والأمراء فلما اجتمعوا بالقاعة داخل الأصطبل عند الأمير الكبير نظام الملك قال الأمير قرقماس للجماعة إن جماعة الأمراء اجتمع رأيهم على تقرير الأمير النظام في السلطنة لعجز لملك العزيز عن ترتيب المملكة ويترتب على ذلك الفساد الذي لا خفاء به، فأجابه الخليفة بأنني أعلم هذا وأشهدكم أنني خلعت الملك العزيز من السلطنة وصيرت الأمير الكبير جقمق في السلطنة، وبايعه في الحال وألبس الخلعة وصعد إلى القصر وجلس على الكرسي - وبايعه الأمراء، وحمل الأمير قرقماس القبة وخلع عليه على العادة، وقدم للخليفة الفرس والخلعة، ولبس - وركب ورجع إلى منزله، ثم صعد القضاة فسلموا على السلطان، وقررهم في وظائفهم وتوجه كل إلى بيته - فكان ما سنذكره. وفي صبيحة يوم الأربعاء المذكور أمطرت السماء مطراً خفيفاً، وكان النيل بلغ تسعة عشر إصبعاً من تسعة عشر ذراعاً، فلما كان عند الثلث الأخير من ليلة السبت الثاني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 والعشرين من ربيع الأول وهو السادس عشر من توت نقص يوم الجمعة - نقصاً فاحشاً، وأمطرت السماء برعد وبرق، وظهر النقص ظهرواً بيناً. وفي يوم الخميس خلع على الدويدار الكبير على عادته، وكذا أينال الدويدار الثاني وهو الذي يباشر لعجز الكبير -، واستقر تغري بردى البكمشي في الحجوبية الكبرى وهو المعروف بالمؤذي، واستقر يشبك أمير سلاح بدل آقبغا التمرازي، واستقر آقبغا التمرازي أمير مجلس بدل قرقماس، واستقر قرقماس أتابك العساكر، واستقر تمراز أمير آخور، واستقر بدله راس نوبة - قراقجا الحسني، وخلع على اجميع، ووكل بالزمام جوهر وسجن بالبرج، واستقر عوضه فيروز الذي كان ساقياً وغضب عليه الأشرف، ثم خلع على جوهر الخازندار على عادته وصعدت ليلة الجمعة مغل بنت البازري زوج السلطان وقد صارت خوند - من بيتهم بالخراطين إلى القلعة في محفة عند غروب الشمس وحولها المشاعل والشموع نحو من خمسين من الطواشية وجمع كثير على الحمير من النساء، واستقرت خوند الكبرى، وأسكن الملك العزيز بالقاعة البربرية، ووكل به نحو خمسين نفساً، فلما كان بعد أيام أفرج عنه واستقر داخل الدور وقرر له ما يكفيه، ثم أفرج عن جوهر الزمام ونزل إلى بيته وهو ضعيف، وشرع في بيع موجوده ليوفي مال المصادرة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 وفي ليلة الجمعة الاثمن والعشرين منه عمل المولد النبوي وحضر الامراء والأعيان والقراء على العادة. وفيه ثقل سمع القاضي موفق الدين الناشري قاضي الأقضية بزبيد من بلاد اليمن وضعفت قوته، فقرر الظاهر صاحبها عوضه ولد - أخيه أبا المظفر محمد ابن الفقيه العالم شهاب الدين أحمد بن محمد الناشري، وهو الآن كبير البيت وعمه في الأحياء، وهو المشار إليه في الفقه، وقد قارب التسعين فإن مولده سنة 754. شهر ربيع الآخر استهل بيوم الأحد، وفي يوم الثلاثاء خلع على القاضي محب الدين بن الأشقر الذي ولي كتابة السر بنظر المارستان عوضاً عن ابن مفلح بحكم وفاته. وفي يوم الأربعاء رابعه ثار جمع من الجند وطلبوا زيادة في النفقة في جامكية الشهرية فلم يلتفت إليهم، فاجتمعوا إلى قرقماس فما زالوا به حتى ركب معهم ولم يركب معه من الامراء إلا القليل، وعظم الأمراء والجند صعدوا إلى القلعة، ووقع بينهم الترامي بالنشاب وقتل جماعة من الفريقين، وفي آخر النهار انهزم قرقماس ومن معه فنهب بيته، ونودي لمن أحضره بأمرة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 وخلعة، ورجع جماعة ممن كان معه إلى الطاعة قبل الهزيمة، وكان السلطان عزل والي الشرطة وولي علي بن الطبلاوي، فجمع له الزعر فبالغوا في القتال مع جمعة السلطان إلى أن تمت الهزيمة، وفرق السلطان فيهم جملة من الذهب والفضة رماها من أعلى المكان فتناهبوها وجدوا في القتال. وفي صبيحة الخميس قبض على قرقماس وأرسل إلى الإسكندرية، وتتبع جماعة ممن كان معه فسجن بعض ونفي بعض. وفي التاسع منه قرئ تقليد السلطان بالقصر وجرى كلام يتعلق بالقضاة فقال الشافعي: عزلت نفسي، فقال له - السلطان: أعدتك، فقبل وخلع عليه وعلى رفقته، ورسم بإعادة الأوقاف التي خرجت عن الشافعي، وهي وقف قراقوش في ولاية العراقي ووقف تنبغا التركماني في ولاية البلقيني ووقف الأسرى في ولايته، فأعيدت بتوقيع جديد. وفي السابع عشر منه استقر القاضي كمال الدين البارزي في كتابة السر بالقاهرة عوضاً عن الصاحب بدر الدين بن نصر الله، واستقر برهان الدين الباعوني في قضاء الشافعية بدمشق عوضاً عن القاضي كمال الدين. ثم ورد الخبر في أوائل جمادى الأولى أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 الباعوني امتنع من قبول الولاية، فقرر ص43 القاضي تقي الدين بن قاضي شهبة، وسار القاصد بخلعته وتقليده. وفي يوم السبت الثاني والعشرين منه استقر تنم الذي كان خازندارا صغيراً في وظيفة الحسبة عوضاً عن نور الدين السويفي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 وفيه أمر السلطان القضاة بالتوجه إلى الكنيسة المعلقة والكنيسة المعروفة بشنودة وكشفتا، وهدم من المعلقة أشياء جددت ما بين شبابيك مخروطة وكتيبات مطعمة ودقيسيات، وألزموا بتكملة هدم البناء المجدد الزائد عما سبق لهم من حكم نائب الحنفي بترميمه. وفيه ادعى على بطرك النصارى بأنه يتناول مال الموتى الحشرية من النصارى، فادعى أن معه مرسوماً من السلطان، فاستفتى السلطان القضاة، فاتفقوا على أنه من أموال بيت المال، فخلع على فتح الدين المحرقي بنظر سعيد السعداء والنظر على الترك الحشرية من أهل الذمة وشرع في استخلاص ذلك وبطلب ما سبق لاستعادته ممن تناوله ولحق النصارى من ذلك شدة شديدة. وفيه نازل الإمام صاحب صعدة بعساكره صنعاء، فقاتل المتغلب عليها وهو سنقر التركي، وكان سنقر قد تحكم في البلاد بالشوكة وأقام هذا الإمام وزوجه بنتاً لعلي بن صلاح، فبلغ سنقراً أنه يريد القبض عليه وبادر هو فقبض عليه وسجنه، فتحيل إلى أن خلص من محبسه بصنعاء، وتوجه إلى صعدة فجمع العسكر ونازل سنقرا، فقوي عليه سنقر بمن أطاعه من أهل الشوكة، فانكسر الأمام وتحصن بقلعة يقال لها تلي، فلما بلغ ذلك زوجته استولت على صعدة وأطاعها أهلها، ثم كاتب سنقر الملك الظاهر صاحب زبيد يطلب منه عسكراً ليسلمه صنعاء ويكون هو أحد الأمراء، فبادر الظاهر لذلك وأرسل أميرين، فلما وصلا بمن معهما إلى دماء وبلغهما موت الظاهر رجعوا، وذلك في رجب. جمادى الأولى - أوله الثلاثاء، حضرنا للتهنئة عند السلطان يوم الاثنين سلخ الشهر الماضي، فسأل السلطان أن يشهد على نفسه بما فوض لي من الولاية والأنظار وغيرها، فأشهد على نفسه بذلك بحضرة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 القضاة، وشكوت إليه بعد ذلك ما انتزعه مني الملك الأشرف ووهب بعضه أو أكثره للقاضي علم الدين صالح بن البلقيني، فرسم بعقد مجلس بذلك - بحضرته، فتوسط ناظر الجيوش بيني وبينه إلى أن أعاد النصف وتركت له النصف. وفي أوائله طلع الشيخ حسن العجمي لتهنئة السلطان بالشهر ومعه جماعة على العادة، فأمر بالقبض عليه وضرب بحضرته ضرباً مبرحاً وأمر بنفيه، ونودي عليه جزاء من يقتني كتب الكفر ويدور بها وشهر في البلد، وحبس محبس الجرائم، ثم ادعى عليه عند المالكي أنه وقع في حق الجناب الرفيع، فشهد عليه امام التربة الجديدة الاشرفية، فسجن لتكمل البينة، وقرر في زاويته شمس الدين الكافياجي، وتعجب الناس من كون الذي شهد عليه والذي أخذ مكانه منسوبين إلى الذي كان يقرره ويهديه. وفي أول - العشر الأوسط منه ضرب كاتب من كتاب الوزير بسبب مال صار في جهته، فقدر أنه اصبح ميتاً بعد الضرب فاستغاث أهله، فأمر السلطان بإحضار المقدم، فضرب بحضرته بالمقارع وأرسله إلى القاضي المالكي، فعفا بعض أولياء الميت عن الدم وبقي حق ال فحبس بسبب ذلك. وفيه قدم شخص من حلب بسبب الحروفية، ونجزت له مراسيم بالقيام عليهم - وقد نبهت على ذلك في حوادث سنة 821. وفي الرابع والعشرين منه شكا حسين بن حسن الأميوطي نقيب ابن البلقيني، ونسب إليه أمور وكان الذي قام في أمره ولي الدين بن تقي الدين البلقيني وساعده ابن عم أبيه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 قاسم وتبعهما جماعة، وكتب فيه محضر شهد عليه فيه بأمور معضلة بعضها يقتضي الزندقة والاستهزاء بالشريعة وأهلها وغير ذلك من ارتكاب كبائر من لواط وشرب خمر، فبلغه ذلك فاستجار بعبد الرحمن بن الكويز فسعى له، ثم قبض عليه بعض الأعوان وجمع من الشرط وذلك في أول الليل، ففر إلى بيت ابن الكويز، فأصبح القوم فرفعوا أمرهم ثانياً، فأمر السلطان الوالي ونقيب الجيش بالجد في طلبه، فلم يقدروا عليه واستمر في تواريه إلى أن كان في يوم الأربعاء - ثاني شعبان فشفع فيه الأمير تنم المحتسب والأمير دولات باي أمير آخور عند ناظر الجيش، فتكلم معي في سماع الدعوى عليه والحكم بحقن دمه فأجبتهم، فامن على نفسه وظهر ولم يقع له ولا عليه حكم إلى إن وقع من القبض على ناظر الجيش في أواخر السنة ما وقع، فتحرك حسن المذكور وساعده ولي الدين السفطي وكيل بيت المال وجليس السلطان، فأوقفه للسلطان وادعى أن ولي الدين البلقيني تعصب عليه بجاهه وماله وأن الذين كتبوا في حقه رجع أكثرهم، وأظهر خطوط بعضهم بذلك، فأمر السلطان أن يعقد له مجلس بالقضاة والعلماء ويفصل الأمر بينهم، فوقع ذلك في المحرم كما سياتي بيانه إن شاء الله تعالى. جمادى الآخرة - أوله يوم الأربعاء بالرؤية. في الثالث منه عزل السلطان ابن النقاش من الخطابة بجامع ابن طولون، وقر فيها برهان الدين ابن المليق، وذكر أنه كان يصلي خلفه أحياناً وهو أمير فلا يفصح في الخطبة ولا في القراءة في الصلاة. وفيه حكم بهاء الدين الأخنائي بحضرة مستنبيه القاضي المالكي بقتل بخشباي الاشرفي حداً لكونه لعن أجداد حسام الدين بن حريز قاضي منفلوط بعد أن قال له: أنا شريف، جدي الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان سبق له أنه ادعى عليه عند بعض الشافعية بأنه شتم ناساً فيهم أشراف، وحكم ذلك النائب الشافعي بقبول توبته وحقن دمه، فلما ادعى الحسام بذلك عند المالكي طلب صورة الحكم السابقة وذكر أنها لا تمنع من سماع هذه الدعوى وفوضها لنائبه المذكور، فسمع البينة على الغائب وحكم وبقي له الحجة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 وفيه أشيع موت الشيخ عز الدين ابن - عبد السلام بن داود ابن عثمان المقدسي شيخ الصلاحية ببيت المقدس، فعين شهاب الدين أحمد ابن.. التبريزي الكوراني عوضه بشرط ثبوت موته، فلما كان بعد قليل حضر شرف الدين - يحيى بن العطار الذي كان استقر في مشيخة خانقاه ناظر الجيش عوضاً عن بهاء الدين ابن المصري إلى القاهرة فأخبر أن ضعف عز الدين لا يقتضي الموت وأنه فارقه في قيد الحياة. وفي التاسع من جمادى الآخرة كان أول كيهك وهو أول الأربعينية عند المصريين فوقع فيه مطر يسير وكذلك في الليل، ثم أرعدت وأبرقت في يوم الجمعة ووقع المطر الغزير، وتواتر وانتفع به أصحاب الزرع انتفاعاً جيداً. وفيه استقر في قضاء الشام القاضي تقي الدين أبو بكر بن قاضي شهبة، وكان ناظر الجيش عين لوظيفة القضاء برهان الدين الباعوني وجهزت له الخلعة والتوقيع فجاء كتاب النائب يذكر أنه امتنع واصر على الامتناع فجهز توقيع المذكور. وفيه حضرنا عند السلطان بسبب محاكمة فذكر أنه بلغه أن الشيخ زين الدين أبا هريرة ابن النقاش بني بيته الذي بجوار جدار - الجامع الطولوني من داخل السور الذي للجامع يغير حق وأنهم حكموا قديماً بهدمه، وكان السلطان أمر أولا أن يتوجه القضاة الأربعة إلى الجامع ويكشفوا حال البيت المذكور، فكشفوه وأعادوا له الجواب بأنه حكم على أولاده بسد الباب الذي فتحه في جدار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 الجامع وكذلك المناور التي فوقه، فوجدوها قد سدت وبيضت، فقال في هذا اليوم ما ذكر فقلت له إن كان ثبت عند مولانا السلطان فليحكم بهدمه ونحن ننفذ حكمه فتوقف، فبلغ ذلك علم الدين صالح - البلقيني وكان وقع بين أخيه القاضي جلال الدين وبين ابن النقاش منازعة بسبب نظر وقف في مجلس الأمير الكبير فاستطال ابن النقاش على الجلال فغضب وقال: حكمت بفسقك وعزلتك من وظائفك لكونك بنيت بيتك في رحاب الجامع، فلم يلبث أن أعاده بعد ثلاثة أيام ولكن سطر ذلك المجلس وبقي عندهم، فتوجه البلقنيني إلى العيني واجتمعا بالسلطان وتنصحا له بذلك، فأصغى لهما وأعجبه، فلما كان عند التهنئة برجب أظهر لي - المحضر المذكور فعرفته أنه لا يفيد وكان تاريخه سنة خمس وثمانمائة فسكنا - إلى أن كان ما نذكره. رجب الفرد الحرام - أوله الجمعة، ثم ثبت أنه رئي ليلة الخميس وأدير المحمل في النصف منه وكان حافلاً والجمع وافر. وفي يوم الاثنين الخامس منه عقد مجلس بالقصر وادعى فيه نور الدين ابن آقبرص نائب الحكم بطريق الوكالة عن السلطان عند القاضي المالكي على منصوب عن قرقماس بحكم غيبته بالإسكندرية بالسجن بأنه بايع السلطان وحلف له ثم خرج عليه وشق العصا وشهر السلاح وقتل بسببه جماعة، فقامت البينة وحكم القاضي بموجب ما شهدت فيه، فسئل عن موجبه فقال: يجوز للسلطان قتله، فضبطوا عليه هذا الجواب وجهز بريدي إلى الإسكندرية بقتله بعد أن، يقرأ عليه المحضر ويعذر له، فقرئ عليه فاعترف بما شهدت به البينة فقتل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 وكان قدم مع المجهزين إلى قرا يلك في سنة 32 البلاد الحلبية، ثم في النيابة سنة 37، ثم خرج في العسكر إلى دفع قرا يلك فأقام بالبيرة: ثم أرسل إليه حمزة بك بن علي بك بن دلغادر يطلب منه نجدة على عمه وهو بمرعش فوصل إليه في طائفة. فلما وصل إلى مرعش جاءه فياض بن ناصر الدين بك ومعه أميران من التركمان فجهز إلى القاهرة، ثم خرج بأمر السلطان إلى تسلم قيسارية من ناصر الدين بك بن دلغادر، ثم وصل الخبر بتأخير ذلك فرجع إلى حلب في رمضان سنة 38، ثم شاع ظهور جانبك الصوفي فجاء الأمر بتوجه قرقماس إلى مصر، فحضر واستقر أمير سلاح، واستقر أينال الجكمي في نيابة حلب بعده، وأطلق السلطان فياضاً وولاه إمرة مرعش، وكان قرقماس الشعباني من مماليك الناصر فرج، ثم تنقلت به الأحوال واستقر دويدار صغيراً في أوائل دولة الأشرف، ثم ولي إمرة مكة شريكاً لحسن بن عجلان، ثم عاد إلى القاهرة وولي الحجوبية الكبرى وباشرها بشهامة وصرامة، وكان مهيباً ويميل إلى الفقهاء ويجالسهم ويطالع كتب العلم، ثم ولي إمرة حلب بعد رجوع السلطان من آمد، ثم صرف عنها واستقر بالقاهرة أمير مجلس، ثم اتفق أن الأشرف مات وهو مع المجردين في البلاد الشمالية، فلما عادوا كان القائم في سلطنة الملك الظاهر جقمق - وخلع العزيز وحبس الأمراء الذين من جهته، ثم لم يلبث أن ثار الظاهر ومعه المماليك الأشرفية، فحاربه الأمراء الذين كانوا بدولة الظاهر، فانكسر وجرح جماعة وقتل جماعة، ثم احضروا في اليوم الثالث فأرسلوا إلى الإسكندرية - وكان ما تقدم. وفي الرابع من رجب حضر الجماعة لقراءة البخاري بالقصر وحضر معهم السلطان، ثم انقطع وصار يحضر أحياناً وشرط عليهم عدم اللغط، واستقر برهان الدين إبراهيم بن عمر - بن حسن البقاعي قارئاً عوضاً عن نور الدين السويفي إمام الملك الأشرف، واستحسنوا قراءته وفصاحته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 شعبان المكرم - أوله السبت، في الثاني منه عقد مجلس بسبب بيت الشيخ أبي هريرة ابن النقاش المجاور لجامع ابن طولون، وأحضر ولداه وادعى عليهما ولي الدين السفطي بطريق الوكالة عن السلطان وعن الناظر، فأجاباه بأن والدهما استأجر المكان المذكور وحكم بالإجارة القاضي ولي الدين العراقي، وأظهرا بذلك مثبوتاً، فحضر المجلس المذكور ناصر الدين الشنشي نائب الحكم وذكروا عنه أنه كان في سنة 35 حكم بهدمه، فسئل عن ذلك فقال: الذي ثبت عندي أن الأرض المذكورة من رحاب الجامع وأنه لا يجوز فيها البناء، فسألته في المجلس: أنت تقدم لك حكم بعدم بناء ابن النقاش؟ قال: لا، فأعرض السلطان عنه وانفصل المجلس على أن القاضي المالكي ينظر في الإجارة ويعمل فيها ما يقتضيه مذهبه، فادعى عليهما السفطي صبيحة ذلك اليوم إن الإجارة التي بيدهما انقضت وأن الناظر يختار الهدم فحكم المالكي بهدم الدار المذكورة، وكان ابن النقاش وقف الدار المذكورة على صهريج بناه مجاورها، فحكم المالكي بطلان الوقف بانقضاء الإجارة ومكنهما من نقل الأنقاض وتملكها وتسوية الأرض، ثم توجه المالكي بأمر السلطان صبيحة اليوم لمذكور فحضر هدم الدار المذكورة، وذلك في صبيحة يوم الأربعاء خامس شعبان. وفيه عصى تغري برمش التركماني - نائب حلب وأراد القبض على الأمراء بحلب وأن يملك القلعة، ففطنوا له فحاربوه، وأغلقوا القلعة، فحاصرهم فيها، وجاء الخبر بذلك إلى السلطان في الحادي عشر من رمضان، فأمر بتقليد نائب طرابلس النيابة بحلب، وأرسل إليه تقليده وخلعته مع هجان، وأمره بالمسير بالعسكر إلى حلب والقبض على تغري برمش، وكتب إلى الحاجب بحلب وكان قد فر من حلب إلى حماة بنيابة حماة، وأمر نائب حماة أن يتحول إلى نيابة طرابلس، واستشعر من نائب الشام اينال الجكمي العصيان -، فوافى كتابه في آخر اليوم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 المذكور بما يدل على استمراره على الطاعة فاطمأن لذلك، ثم أظهر العصيان وكاتب النواب فما أطاعه أحد وواطا بعض أهل القلعة ورشاهم بجملة من المال، ففطن بهم نائب القلعة فقبض عليهم وقتلهم، وهرب واحد منهم فأعلمه، فاستغاث أهل القلعة بالعوام وسألوهم النصر، فانتحوا واجتمعوا ورجموا من يحاصر القلعة بالحجارة، وخربوا المكان الذي صعدة رماته ليرموا على القلعة منه، فهزموهم وهجموا على دار العدل، ففر النائب لا يلوي على شيء، ونهبوا ما وجدوا ولم يصل معه سوى مائة فارس، فخرج من باب أنطاكية ليس معه إلا ما هو لابسه، وأخذ له ولأتباعه من الأموال ما يفوق الوصف، وظهرت له ودائع كثيرة فاستخرجت، واستمر هو في ذهابه إلى أن وصل شيزر فنزل على علي بن صقل سر التركماني، فآواه وجمع له جمعاً وتوجهوا إلى طرابلس، وكان نائبها جلبان استشعر من تغري برمش أنه يشاققه فأخلى له طرابلس، وتوجه إلى الرملة، فدخل تغري برمش طرابلس وأخذ منها أموالاً وخيولاً. وتوجه قاصداً أينال الجكمي بدمشق فحاصروا حماة، وانضم إليهم جمع من التركمان مع علي يار وجمع من الأعزاب العزية، ثم أجمع رأيهم على الرجوع إلى حلب فنازلوها - وحاصروها في العشرين من شوال فاستعدوا للحصار، وجد تغري برمش ومن معه في حصار أهل حلب وجدوا هم في مدافعته وعاش من معه في القرى فانتهبوها، وفي غالب الأيام يستظهر أهل حلب ويقتلوا من عدوهم - جماعة، ثم حاصر المدينة من جهة الميدان سواء ولكن خربت أماكن وأحرقت بانقوسا، فلم يزالوا كذلك إلى أن خرج أهل حلب فصدقوا الحملة فانهزموا واستمروا إلى جهة الشمال فنزلوا مرج دابق، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 وكان قد استولى على عينتاب وأسكن بها جماعة من مماليكه وأتباعه، وبلغ أهلها هزيمته من الحلبيين فوثبوا على من عندهم فانتزعوا منهم القلعة والمدينة وأخرجوهم، فلم يفجأهم إلا الخبر بانهزام اينال الجكمي ومن معه فاجتمعوا على حماة، فلما اصبحوا يقتتلوا انجفل العرب والتركمان - ورحلوا واستمر تغري برمش ومن معه، فلما تراءى الجمعان انهزم تغري برمش ومن معه فاحتووا على وطاقهم ونهبوا أثقالهم -، واستمرت هزيمتهم إلى صهيون ثم إلى الشغر ولم يبق معهم سوى مائتي نفر أو أقل ثم استمروا إلى أنطاكية، فاجتمع عليهم جمع من الفلاحين ورموا عليهم بالسهام وهجموا عليهم فأسروهم، وصادف ذلك - وصول الخبر إلى العسكر السلطاني وهم على خان طوغان خارج حلب، فطلبوا المأسورين فأحضروهم إلى الأمير قطج فقيدهم، واجتمع هو وبقية العسكر في حلب في العشر الأخير من ذي القعدة، وكاتبوا السلطان في العشر الأخير من ذي القعدة - فوصل الخبر، يأمر بقتلهم، فقتلوا تغري برمش وابن صقل اشر في سابع عشر ذي الحجة، ثم ظهر لتغري برمش مال آخر غير ما كان أخذ له لما هرب أولاً، فقيل إن جملة ما أخذ له من العين خاصة أكثر من سبعين ألف دينار؛ وكان اصل تغرب برمش وأقاربه - من أولاد التركمان ببهنسا، وكان أبوه من الأجناد يقال له أحمد بن - المصري فولد له حسن خجا وحسين بك، فلما وقعت المحنة - العظمى باللنكية مات أبوهم، وفر حسين فدخل حلب وهو مراهق، وحين بلوغه فاستخدمه بعض الأمراء ثم انتقل بعده إلى الأمير طوخ وكان يسمي نفسه لما تقرر في الخدمة تغري برمش، فلما قتل طوخ في وقعة شيخ مع نوروز بدمشق اتصل تغري برمش بخدمة جقمق الدويدار واستمر عنده إلى أن رجعوا إلى القاهرة، ثم كان في خدمته لما ولي نيابة دمشق فكان دويدار عنده، فلما أمسك جقمق الأمير برسباي الذي ولي بعد ذلك السلطنة قام تغري برمش بأمره وخدمه وهو في الاعتقال وواصله بالبر وكثرة الخدمة والإحسان - فرعى له ذلك ولما صار سلطاناً استدعى به من الشام فأمره ثم نقله فصار أمير آخور كبيراً، وكان جرده إلى حلب في سنة 32 ثم قرره في نيابة حلب لما نقل أينال الجكمي إلى نيابة الشام فقدمها سنة تسع وثلاثين - فكان من أمره ما كان، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 ولما جهز الأشرف الأمراء ومنهم جقمق الذي تسلطن بعد ذلك إلى الأبلستين لإخراج ناصر الدين ابن دلغادر وهو الذي صاهره جقمق بعد السلطنة على ابنته التي كانت زوج الأشرف - وقدم بها القاهرة فلما أحس بهم - نزح عن البلاد وعادوا إلى حلب ثم توجهوا إلى مصر، ثم راسل نائب حلب المذكور الاشرف بأن يجهز إليه عسكراً لأخذ ارزنكان وما يليها من القلاع، فجهز ثمانية أمراء مع نواب الشام دمشق - طرابلس وصفد وحماة فاجتمعوا فافتتحوها في السنة المقبلة ورجعوا إلى حلب، فبلغهم وفاة الأشرف فوقعت الوحشة وتوجه الأمراء إلى بلادهم ووصل المصريون إليها، فلما تسلطن الظاهر جقمق وصلت الخلعة من جهته إلى نائب حلب والكمين في نفسه منه - فلبسها وأظهر الطاعة، ثم أخذ في العصيان وطمع في المملكة. قرره في نيابة حلب لما نقل أينال الجكمي إلى نيابة الشام فقدمها سنة تسع وثلاثين - فكان من أمره ما كان، ولما جهز الأشرف الأمراء ومنهم جقمق الذي تسلطن بعد ذلك إلى الأبلستين لإخراج ناصر الدين ابن دلغادر وهو الذي صاهره جقمق بعد السلطنة على ابنته التي كانت زوج الأشرف - وقدم بها القاهرة فلما أحس بهم - نزح عن البلاد وعادوا إلى حلب ثم توجهوا إلى مصر، ثم راسل نائب حلب المذكور الاشرف بأن يجهز إليه عسكراً لأخذ ارزنكان وما يليها من القلاع، فجهز ثمانية أمراء مع نواب الشام دمشق - طرابلس وصفد وحماة فاجتمعوا فافتتحوها في السنة المقبلة ورجعوا إلى حلب، فبلغهم وفاة الأشرف فوقعت الوحشة وتوجه الأمراء إلى بلادهم ووصل المصريون إليها، فلما تسلطن الظاهر جقمق وصلت الخلعة من جهته إلى نائب حلب والكمين في نفسه منه - فلبسها وأظهر الطاعة، ثم أخذ في العصيان وطمع في المملكة. وفيه جاء الخبر بقتل بن جنقر التركماني، وكان فاتكاً يقطع الطرقات بين دمشق وحلب، وفرح الناس بذلك. وفيه فتك الأشرف إسماعيل صاحب اليمن في جماعة من جنده، وأسرع في سفك دمائهم وجرى في أمر التجار والباعة في البلاد التي تحت نظره على سيرة الجور والظلم الفاحش من فتح المصادرة ونحو ذلك. وتراءى الناس الهلال ليلة الأحد وكانت بالعدد الثلاثين من شعبان فلم يروه، فلما كان بعد صلاة - العشاء بنحو ثلث ساعة حضر كتاب من نائب الحكم وهو المحب البكري أنه ثبت عنده فنودي بالصيام، وصل كتاب - نائب الحكم من بلبيس في أول النهار بمثل ذلك، وفي أثناء النهار من نائب الحكم بمنوف العليا كذلك، وكثر بعد ذلك من يخبر برؤيته ويعتذر. وحضر السلطان سماع الحديث في أول يوم في شهر رمضان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 وفيه صرف معين الدين بن شرف الدين موقع الدست ونائب كاتب السر عن كتابة السر بحلب وأذن له في الرجوع إلى القاهرة، واستقر فيها زين الدين عمر بن السفاح نقلاً من نظر الجيش، واستقر في نظر الجيش سراج الدين عمر الحمصي الذي كان ولي القضاء بدمشق في أيام الأشرف بعد طرابلس، وكان أولا ينوب في الحكم بأسيوط من الصعيد وسيرته مشهورة غير مشكورة ثم صرف عن ذلك. وفي العشر الأول من رمضان - عصى نائب الشام أينال الجكمي وقبض على الحاجب الكبير بدمشق وحصر القلعة بمن فيها وأظهر الإنكار على السلطان في قتله قرقماس القتلة الشنيعة، وكان قبل ذلك وصل إليه كتاب من تغري برمش انه عصى هجم على الحاجب ليقبضه ففر منه إلى حماة فحصر القلعة ورام الاستيلاء عليها، فأظهر نائب الشام الإنكار على تغري برمش - نائب حلب حين قرأ كتابه وعابه - وجهز كتابه إلى السلطان مكراً منه و - خداعاً، فلما حضر عنده الأمراء ليشاورهم على التوجه إلى حلب لقبض على النائب بها ظنوا ذلك على ظاهره فحضروا بغير أهبة منه ومحاربته - فقبض عليهم وسجنهم -، وبلغ ذلك - نائب القلعة فعصى عليهم، وكان - لما قبض على الأمراء أطلق من وافقه على مراده وجلفه وسجن من امتنع عن قصده وخالفه -، وكل ذلك في العشر الأول من شهر - رمضان، ثم جمع من أموال الأمراء - المقبوض عليهم جملة مستكثرة -، وقبض على جماعة من التجار الأكابر وأخذ منهم أموالاً اقترضها، وشرع في استخدام العساكر، وفر منه يونس أحد الأمراء وتشاوروا في القاهرة في أمر النيابة - فاقتضت الآراء لجهة الأمير الكبير - كما سيأتي ذكره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 وفي يوم الاثنين ثالث عشري رمضان استقر الأمير الكبير آقبغا التمرازي في نيابة الشام وخلع عليه بالقصر، وعين جماعة من الأمراء والجند للمسير إلى قتال نائب الشام كان أينال الجكمي الخارج عن الطاعة -، ثم وصل الخبر بأن الذي كان في طرابلس تركها لما وصل تغري برمش نائب حلب إليها، وجاء فيمن أطاعه إلى الرملة فكاتبه السلطان يستحثه على الوصول بالعساكر لتمهيد البلاد الشامية. وفي ليلة الاثنين من شهر رمضان تراءى الأنس الهلال على العادة وحضر القضاة الأربعة بالمدرسة المنصورية فلم يروا شيئاً وأصبحوا صائمين، فشاع أن العزيز يوسف ابن برسباي - هرب من قاعة محبسه من القلعة وهرب معه الطواشي الذي كان يخدمه والجارية، وقلق السلطان بسبب ذلك واتهم به جماعة من مماليك أبيه، فبلغ ذلك اينال الأشرفي - فخشي على نفسه فوزع قماشه وتسحب بالليل وبات جماعة من الأمراء ملتبسين بالرميلة، وشاع أن الفتنة تقع يوم العيد، فصلى السلطان العيد بالقصر الكبير، وحضر الأمراء كلهم فصلى بعضهم بالجامع وبعضهم بالقصر، وخطبت بهم بعد الصلاة على منبر لطيف -، وخلع على من له من عادة من الأمراء والقضاة وانصرفوا إلى منازلهم. شوال أوله الثلاثاء، في يوم السبت خامسه استعفى أركماس الظاهري الدويدار الكبيرمن الخدمة وكرر ذلك، فأعفاه السلطان فطرد الشرطة من بابه وخرج أقطاعه. فلما كان في يوم الخميس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 عاشره استقر تغري بردى الحاجب في وظيفته، وأمر اسنبغا الطياري الدويدار الثاني تقدمة، وقرر في وظيفته رأس نوبة كبيراً، وأخرج تمراز من وظيفة الأمير آخور - من الإصطبل على إمرته، وقرر شاهين في وظيفة دولات باي، وقرر سيدي محمد ولد السلطان في إمرة قراجا بعد القبض على قراجا وحبسه بالإسكندرية، وخرج الأمراء إلى الريدانية وهم الأمير الكبير نائب الشام آقبغا التمرازي وقرا قجا الحسني وتمربائي الظاهري ومن انضم إليهم من الجند، وبقيت وظيفة الأمير الكبير شاغرة ثم عينت ليشبك أمير سلاح، وجاء الخبر بأن الأمراء بالشام تسحبوا من الشام هرباً من النائب ووصلوا إلى الرملة وكاتبوا بذلك واستحثوا على حضور العساكر إليهم، وكان السبب في ذلك أنهم ندموا على طواعية نائب الشام فاجتمعوا وحاربوه وحاربهم فكسرهم، وفر أينال الششماي إلى القلعة فتحصن بها، وخرج الباقون إلى الرملة، واغتنم بهاء الدين ابن حجي كاتب السر إذ ذاك الفصة فخرج من دمشق مسرعاً على الخيل إلى صفد ثم إلى الرملة، ثم قدم القاهرة في اليوم العشرين من شوال. وفي هذا اليوم وصل طوغان وكان قد توجه إلى الصعيد لإفساد الجند الاشرفية على السلطان، فأعلمهم بأن الملك العزيز خلص وأن الجند اجتمعوا عليه، ووصلت إليهم كتب نائب الشام بأنه واصل، وأطمعهم بأنهم إذا توجهوا إلى القاهرة لوافي نائب الشام بعساكره وينضم إليهم بقيتهم المقيمين بالقاهرة فأصغوا إلى ذلك، ثم ظهر لهم خلاف ذلك وأن العزيز هرب ولم يعرف له مكان فرجعوا عما هموا به، وقبض يشبك على طوغان المذكور وجهزه في مركب مقيداً، فوصل إلى القلعة في هذا اليوم، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 وكان السلطان قبل ذلك قبض على قانباي اليوسفي لأنه قيل له إنه صديق طوغان، فضربه فلم يقر بكبير أمر فسجنه حتى وصل طوغان، فعصرا جميعاً فأقرأ بالواقعة، وأن قانباي كان رأساً في هذه الفتنة، وأنه هو الذي أطمع السلطان العزيز وأعلمه بخبر النواب، وانه لم يصل القاهرة حتى اتفقوا الجميع على العصيان، وذكر طوغان أنه فارق العزيز بنواحي الشهداء بغلس، ثم ظهر كذبه وأنه أقام بمشهد ذي النون ثلاثة أيام وبمصر في قاعة بين المطابخ بنواحي سوق شنودة سبعة عشر يوما، فلما بلغه خبر إمساك طوغان وإحضاره خرج. وفي يوم الثلاثاء عشريه رحل الركب الأول من بركة الجب. وفي يوم الأربعاء ثاني عشر منه - رحل الركب مع أمير المحمل تنبك أحد الأمراء المقدمين وقد استقر في الحجوبية الكبرى قبل سفره، وكان الحاج كثيراً جداً حتى كانوا خمسة، ركوب الأول والمحمل والتكادرة والمغاربة والينابعة. وفي يوم الجمعة خامس عشري شوال لبس السلطان الأبيض ووافق نصف برمودة من أشهر القبط فسبق العادة قبل شهر، واستمر البرد في أول النهار بقوة وابتدأ الموت بالطاعون، وفي هذا اليوم قبض على أينال الجكمي نائب الشام وأصعد إلى القلعة بدمشق مقيدا، وكان السبب في ذلك أن نائب الشام آقبغا التمرازي رحل من غزة في النصف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 من شوال، ثم تلاحق به الأمراء واجتمعوا جميعاً يوم الأربعاء ثالث عشري شوال بالخربة، واجتمعوا بالنواب الذي كانوا مقيمين بالرملة وتقدم نائب الشام ومن معه من النواب، وتأخر بقية الأمراء ومن معهم من المماليك السلطانية، ولم يكن بينهم إلا قدر ميلين فالتقوا بأينال الجكمي ومن معه، فحمل عليهم أينال الجكمي - بمن معه فقتل صرغتمش دوادار جلبان ووقع طوخ نائب غزة عن فرسه وقتل جماعة، وتمت عليه الكسرة حتى وقع سنجق نائب الشام وكان قاصداً نائب الشام وصل إلى الأمراء والمماليك السلطانية قبل أن يلحقوا به، فصادف لحوقهم به ما وقع لمن كان معه من الهزيمة، فرجع بهم وحمل على أينال ومن معه - فألقوا كثيراً من الجند الذي كانوا مع أينال الجكمي - وقبضوا على ولد قانصوه النوروزي وكان من الشجعان المشهورة، وانهزم أينال الجكمي وتمزق جمعه ونزل العسكر كله في شقحب، واتفق أن جانبك دويدار برسباي الحاجب أدرك أينال الجكمي وهو منهزم وقد أصابته في بدنه عدة جراحات وضعف من كثرة ما سال منه من الدم، فالتجأ إلى ضيعة فنزل في بستان منها، فهجم عليه فقبض عليه واركبه فرسه وهو لا يستطيع الدفع عن نفسه وساقه إلى أن أدخله قلعة دمشق، ورجع إلى العسكر وهم نزول بشقحب يوم الخميس فاعلمهم الخبر، ففرحوا واطمأنوا - فطلبوا ودخلوا الشام يوم الجمعة خامس عشري شوال في أبهة عظيمة. وجهزوا المبشر إلى السلطان بالخبر. قرأت هذا الفصل من كتاب بعض المماليك السلطانية إلى بعض أصدقائه: ووسط طوغان بعد أن ضرب ضرباً مبرحاً - فاقر أن اركماس الدويدار الكبير كان معهم وقانباي اليوسفي وخرمان، فضرب قانباي وخرمان ضرباً مبرحاً. وذكر لي ولي الدين السفطي أن السلطان أرسله إلى ابن الديري يستفتيه في أمر طوغان وما ظهر منه من الفساد، فأفتى بجواز قتله وأرسل له معه النقل في عدة مواضع، فأمر بتوسيطه لذلك؛ ثم اشتد الخطب على كثير من الناس ممن اتهم بإخفاء الملك العزيز فكبست بيوتهم ونهب بعضها، وكان منهم ناظر الدولة أمين الدين بن الهيصم، فلما كان في ليلة الأحد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 السادس والعشرين من شوال ظفر بالملك العزيز ومعه جندي وأخذا ماشيين قاصدين مكاناً يأويان فيه من شدة ما وقع من الطلب وذلك بين العشاءين، فأحضرا إلى الإصطبل وطلع بهما ولد السلطان إليه، فأكرمه وبيته عنده، وهرع الناس لتهنئة السلطان بالظفر به. ثم تبين أن العزيز كان أوى إلى شخص من مماليك أبيه فعمل عليه الحيلة حتى أطلعه للسلطان ليحظى بذلك عنده. وفي السابع والعشرين من شوال أحضر أينال الأشرفي -. فقيد وأرسل إلى السجن بالإسكندرية، وتوجه شهاب الدين أحمد - ابن العطار إلى الإسكندرية بسبب ما يتعلق بالبهار السلطاني وبيعه -. وفي سلخ شوال ورد الخبر بقتل أينال الجرود نائب صفد في معركة وقعت لنائب الشام أينال الجكمي -، ثم ظهر أن ذلك كذب من بعض الاشرفية، وتحقق أن الجكمي خرج عن دمشق وأن العساكر الظاهرية رحلوا بأمر السلطان من الرملة في النصف من شوال قاصدين نائب الشام، وترك الشام وعصى نحو تدمر -. واستهل شهر ذي القعدة يوم الخميس وتحدث الناس برؤيته ليلة الأربعاء، واستقر جوهر الخازندار زماماً عوض فيروز الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 الساقي -، وفي أول يوم منه استقر بهاء الدين بن حجي في قضاء الشام مضافاً لكتابة السر ولبس الخلعة بذلك، وسافر يوم الجمعة رابع عشري الشهر المذكور. وفي الثاني منه صلى في الجامع الحاكمي على ثلاثة أنفس ماتوا بالطاعون -. وفي الثامن منه طلب القاضي بهاء الدين بن القاضي عز الدين عبد العزيز بن مظفر البلقيني إلى حضرة السلطان بسبب جارية أفسدها عبده فغابت عن سيدتها قدر سبعة أيام ثم وجدتها سيدتها فتسلمتها بشاهدين منه ثم هرب العبد، فاتهم بهاء الدين بسيدة الجارية، فاتصل الأمر بالدويدار الصغير فطلبه ليوفق بينهما، فتعاظم فأوصل الأمر بالسلطان ونسب المذكور إلى أمور معضلة وأنه هو الذي أفسد الجارية المذكورة إلى غير ذلك من القبائح، فلما وصل أمر بتجريده وضربه بالمقارع، فجرد - فشفع فيه ناظر الجيش فبطح وضرب نحواً من مائة عصا وسلم للدويدار الكبير، وأمر أن يصادره على مال، فتسلمه إلى نزله وأهانه واستكتبه خطه بثلاثة آلاف دينار، ثم شفع فيه إلى أن انحطت إلى ألف واحدة وأنعم بها على الدويدار، وكان مما أهين به أن أركب حماراً وفي عنقه باشه وخنزير - وهو مكبوب على وجهه إلى الدويدار وكانت كائنة شنيعة وكثرت القالة فيه مع ذلك، وبلغني أنه مع هذه الشدة في بأو عظيم ورقاعة مفرطة وأصر على عدم الإعطاء وكرر تهديده، فلما طال عليه ذلك أذعن لبذل الألف دينار، فبذلها وبذل معها أشياء أخر وخلص بعد سبعة أيام وعزل من نيابة الحكم، وكنت كلمت السلطان في أمره بعد صلاة الجمعة فقال: والله لولا أنت لكنت حرقته بالنار لما صنع وكأنهم قرروا عنده أنه كان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 هو المفسد للجارية - والله يأخذ بحق من افترى عليه ورماه بهذا البلاء حتى تمت عليه هذه المحنة، وبلغني أن قريبه لم ينفعه في هذه الكائنة بشئ - ولا قوة إلا بالله. وفي التاسع منه وصلت بطاقة بالوقعة بين إينال الجكمي والعسكر المصري وأنه انهزم، وهرع الناس لتهنئة السلطان بذلك - وقد شرحتها قبل في حوادث الشهر الماضي - وحصل عند المتعصبين للأشرفية قلق كبير وهم عظيم بهذه الكائنة. وفي السابع عشر من ذي القعدة كانت الوقعة يوم الجمعة بين تغرى برمش الذي كان نائب حلب وبين العسكر المصري. وكانوا بعد أن أمسكوا إينال الجكمي توجهوا إلى حماة وبها نائب حماة وقد جمع بها جمعاً جما، فكانت الكسرة عليهم ونهب هو ومن معه، وفر هو إلى أن التجأ بقلعة شيزر، ووصل الخبر بذلك في الخامس والعشرين منه يوم السبت. وفي العشرين من ذي القعدة وهو التاسع من بشنس من أشهر القبط والرابع من أيار من أشهر الروم فشا الموت بالطاعون بالقاهرة بعد أن كان فشا في قرى مصر البحرية وكثر بالإسكندرية وتروجة والبحيرة والغربية ومنوف - العليا - والمحلة وعدة قرى، ووصل في اليوم بالقاهرة إلى ثلاثين، - ثم وصل في العشرين من ذي القعدة في اليوم إلى الخمسين ثم إلى الستين -، ثم تناقص إلى الأربعين - والثلاثين والعشرين - فما دونها ثم رجع إليها، وأكثره في الرقيق والأطفال ثم تناقص إلى العشرين في أول ذي الحجة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 وفي السابع والعشرين من ذي القعدة وصلت رأس أينال الجكمي - نائب الشام - وطيف بها على رمح، واتفق قبل هذا بيسير أن ذكرنا وقعة بين العسكر المصري وتغرى برمش نائب حلب ومن انضم معه بالقرب من حماة، فانكسر النائب وهرب إلى الجبل الأقرع، فظفر به بعض التركمان - فكبسه - وأسره هو ومن معه ووصل الخبر بذلك في أول يوم من ذي الحجة يوم الجمعة، وفرح الناس بذلك لحصول الأمن ورفع الحرب والطمأنينة في الطرقات، - وتوجه العسكر المصري لتمهيد أمور البلاد الشامية، وكان من أمره أنه في شهر رمضان حاصر القلعة وأظهر العصيان لكنه لم يقطع الخطبة باسم الظاهر وبها قانباي البهلوان وبرسباي الحاجب وفارس نائب القلعة واختلف عليهم التركمان، ثم استشعر نائب القلعة بأن أهل القلعة وافقوا النائب على العصيان فقبض عليهم وقتل بعضهم واسترجع منهم المال الذي رشاهم به النائب في الحصار حتى استغاث أهل القلعة بالعوام من جيرانهم، فاجتمعوا ورجموا المقاتلة بالحجارة، فتسامع بقية أهل البلد فاجتمعوا وساعدوا فانكسر جماعة النائب، وبلغه الخبر فركب جريدة وخرج من البلد ولم يصحبه أحد بفرش ولا فرس ولا خيمة وليس معه سوى ثياب بدنه. وقرأت كتاباً كتبه إلى القاضي علاء الدين بن خطيب الناصرية من حلب يذكر فيه قصة تغرى برمش نائب حلب ملخصه أنه أظهر العصيان في يوم الجمعة الثامن عشر من شعبان وحاصر القلعة ليملكها، فامتنع عليه نائبها فألح عليهم بالحصار إلى يوم الثلاثاء عاشر شهر رمضان، فركب أهل حلب عليه ونزل الأمير حطيط نائب القلعة ومن معه وساعدهم من بالبلد من الجند والعامة، فوقع بينهم قتال شديد ساعة من نهار أفضى فيه الأمر إلى خذلان تغرى برمش، فخرج من حلب على جرائد الخيل في نحو مائة فارس، واستمر في هزيمته حتى دخل شيزر فنزل على طور على ابن صقيل سر فجمع جمعاً من التركمان والعرب وسار إلى طرابلس ففر منه نائبها، ودخلها هو فأقام بها أياماً واستخرج من أهلها مالاً كثيراً، ثم رجع ومعه ابن صقل سز وعلي يار التركماني وأمير العرب، ونزل بالميدان ظاهر حلب وأعلن بالدعاء للملك العزيز بن الأشرف وكاتب أهل حلب بالدخول معه، فأعلنوا بمخالفته وقفلوا دونه الأبواب وصمموا على طاعة الملك الظاهر، فحاصرهم واستحضر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 آلات الحصار من مكاحل وسلالم وغيرها، واشتد الخطب يوم الثلاثاء ثاني عشرى شوال، فحصل من جماعته من الفساد ما لا يعبر عنه، فأحرقوا الزروع وأخربوا القرى من شيزر إلى حلب، ونودي بقتاله ونشبت بينهم الحرب فقتل من الطائفتين جماعة، وفي جميع ذلك كانوا مستظهرين عليه، واستمر على ذلك إلى يوم الأحد رابع ذي القعدة، فرحل عن حلب بعد أن أيس من الظفر بها، وخرج أهلها في أثره فنهبوا آلات الحصار، وسار هو إلى أن نزل مرج دابق، فأقام به إلى يوم الجمعة تاسع ذي القعدة وعاد إلى ناحية حلب فرمى شرفها يوم السبت ولم يقاتل ونزل من الجهة القبلية، ثم بلغه طروق العسكر المصري فرحل يوم الأحد إلى ناحية حماة، فالتقى العسكران بقرب الرفاعي، فلم يلبث أن انكسر هو وابن صقل سز ففر إلى الجهة الغربية، وانهزمت العرب إلى الجهة الشرقية، وذلك في السادس عشر من ذي القعدة، ثم توجه إلى جهة بالس واستمر إلى الشغر ثم إلى الجبل الأقرع فنزل على ابن حنوص التركماني وكان معه، فأضافه ثم باطن عليه الفلاحين بتلك النواحي وأمسكوه وأمسكوا معه طور غلى وجماعة فوصلوا إلى حلب وأدخل طور على جمل، وذلك في يوم الخميس ثاني عشر ذي القعدة، فأودع هو وتغرى برمش بالقلعة - انتهى ملخصا -. وقرأت بخطه أيضاً أن النائب المذكور في هذه الكائنة ظهر منه من سوء الطوية ما لا يعبر عنه، وأنه ومن معه أفسدوا من الزروع ودورهم شيئاً كثيراً بالتحريق وغيره بحيث أنه أفحش في غالب ما حولها من القرى وأنه لما كسر الكسرة الأخيرة غنم العسكر المصري من المواشي ما لا يدخل تحت الحصر بحيث بيع الجمل بثلاثين درهماً والشاة بخمسة دراهم. وفيه أن المذكور لما نزل الجبل الأقرع بات ليله وتوجه بكرة الأحد تاسع عشر ذي القعدة قاصداً أنطاكية فوصل إلى دربند هناك، فاجتمع عليه وعلى من معه جماعة من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 الفلاحين فقاتلوهم فأمسكوا عليهم المضايق إلى أن قبضوا عليهم فسلبوا جميع من معه وتركوهم، وأما النائب وطور غلى بن صقل سز فإنهم راسلوا أهل حلب، فبادر قطبح الأمير الكبير بحلب والحاجب ونائب حماة فتسلموهما من الذين أسروهما ورحلوا إلى حلب فوصلوا في ثالث عشر ذي القعدة، فسجن إلى أن وصل الأمر من السلطان بقتلهما، فضربت عنق تغرى برمش بحضرة نائب القلعة ووسط طور غلى تحت القلعة وذلك في السابع عشر من ذي الحجة. ومن خطه أن الخطبة بحلب استمرت في طول هذه الفتنة باسم الملك الظاهر. شهر ذي الحجة - الحرام أوله الجمعة - في أوائل هذا الشهر شكا القاضي علم الدين - صالح - البلقيني إلى السلطان أن الملك الأشرف كان قد أنعم عليه بألفي دينار، وأنه بعد موت الأشرف استعيد منه أحد الألفين فأنعم عليه بإعادتهما له فلما قضهما استأذنه أن يحضر عنده في كل أسبوع يوم الأحد ويعمل بحضرته ميعاداً فأذن له، فعمل في السابع عشر منه ميعاداً على طريقته في مدرسة والده فلم يعجبه، فلما حضر في الأحد الذي يليه منع من ذلك فرجع خائباً، وكان في أثناء ذلك قد أظهر زهواً عظيماً وهرع إليه ناس ممن يؤثر ولايته وظنوا أن الإذن في ذلك يوصله إلى الغرض، فانحزم ما أملوه وبطل - ولله الأمر -. وفي صبيحة يوم الخميس ثامن عشرى ذي الحجة قبض على ناظر الجيش عبد الباسط ابن خليل بن يعقوب الشامي، وكان قد عظم قدره في دولة الأشرف جداً بحيث صار هو مدبر المملكة، ثم لما مات الأشرف قام في سلطنة ولده، ثم صار بعض الخاصكية يذمه وقاموا عليه مراراً ليؤذوه وهو ينتصف منهم إلى أن تغيرت الدولة، ثم حظى عند الملك الظاهر واستمر على طريقته في الإستبداد بالأمور ومخالفة الملك فيما يرومه، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 فلم يحتمل له ذلك واحتاط به لما طلع إلى الخدمة، وأحاطوا على منزله فقبضوا على ولده وبعض حريمه وأصعدوا إلى القلعة ليقرروا على أحواله، وفر غالب أتباعه منهم القائم بأموره شرف الدين ابن البرهان - وقبض على بعضهم -، وبرز فخر الدين التوريزي له ساعة القبض عليه فادعى عليه أنه يستحق في ذمته ثلاثين ألف دينار فأنكر فرسم عليه - له -، ويقال إنه ذكر له أنه كاتب نواب الشام الذين عصوا، فأنكر ذلك فعوق في قاعة في الحوش السلطاني. وفي يوم الجمعة جعل أربعة من أتباعه في البرج وهم موسى بن البرهان كاتبه وموفق الدين كاتب الجيش وإبراهيم - الصغير - كاتب الباب وولد القاضي أذرعات ويقال له ضفدع وجعل ولده في طبقة والأستادار جانبك عند أستاذه وأرغون دويداره معه ثم طلب منهم المال، فقرر على موسى عشرة آلاف دينار، وعلى موفق الدين خمسة آلاف دينار، وأطلق إبراهيم الكاتب وضفدع بعد أيام، ثم أحضر الشريف حسن الإسكندراني من الإسكندرية بسبب أنه تاجر لناظر الجيش فعوق في البرج أيضاً، ثم أطلق موسى وموفق الدين وسلما لشهاب الدين - أحمد - بن العطار الدويدار فشرعا في بذل المال؛ وشرع ناظر الجيش في بيع موجوده وباع على السلطان ما في ملكه من الفلفل وهو ألف جمل بأربعين ألف دينار، وحمل من النقد قريباً منها، وباع أشياء كثيرة من نفائسه، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 ومن نوادر ما يحكى أن الحاج لما قدموا في العشر الأخير من المحرم أخبر جماعة منهم أنه شاع وهم بالينبع يوم الخميس ثامن عشر ذي الحجة أن السلطان فبض على ناظر الجيش وهو اليوم المذكور بعينه - وممن أخبرني بذلك القاضي ظهير الدين الطرابلسي ..... ذكر من مات في سنة إثنتين وأربعين وثمانمائة من الأعيان. أحمد بن محمد بن أحمد الدميري المالكي شهاب الدين ابن تقى الدين المعروف بابن تقى، وكانت أمه أخت القاضي تاج الدين بهرام فكان ينسب إليها ولا ينسب لأبيه، ويكتب بخطه في الفتاوى وغيرها: أحمد ابن أخت بهرام، وكذلك يسجل عليه ولا يذكر أبوه، وسألت مرارا عن سبب ذلك فقيل لي إنه كان لا يحمد في شهادته الشهاب المذكور، وكان فاضلاً مستخضراً للفقه والأصول والعربية والمعاني والبيان وغيرها، مشاركاً في جميع ذلك، فصيحاً عارفاً بالشروط والأحكام، جيد الخط، قوي الفهم، ولكنه كان زرى الهيئة مع ما ينسب إليه من كثرة المال، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 وخلف ولدين ذكرين وأنثى، وقد عين للقضاء مراراً فلم يتفق، مات في الثاني عشر من ربيع الأول، وما أظنه بلغ الستين، ثم قيل لي إنه ولد سنة 784، وأول ما ناب في الحكم في سنة أربع وثمانمائة، وكان في صباه آية في سرعة الحفظ بحيث أنه كان يحفظ الورقة الواحدة من مختصر ابن الحاجب من مرتين أو ثلاثة بغير درس واشتهر عنه ذلك. أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد القاضي علم الدين بن القاضي تاج الدين ابن القاضي علم الدين بن القاضي كمال الدين بن القاضي برهان الدين الأخناتي - المالكي -، مات في ليلة الأربعاء خامس عشرى رمضان مطعوناً وكان من أعيان نواب القاضي المالكي ورام ولاية القضاء فلم يتفق له، وكان ضعفه عقب وفاة البساطي، واستقر ابن التنسي وقد ثقل هو في الضعف، ومولده قبيل التسعين فجاز الخمسين، وكان يتعانى الأدب ويتولع بالنظم، وصحب تقى الدين ابن حجة مدة. تغرى برمش نائب حلب - تقدم ذكره في الحوادث -. إينال الجكمي نائب الشام - تقدم ذكره في الحوادث -. جوهر اللالا عتيق أحمد بن جلبان وكان قبله لعمر بن بهادر، ثم اتصل بخدمة الملك الأشرف وهو أمير فتنقل معه، وقرره لالا ولده محمد الأكبر ثم ولده يوسف، - ثم تقرر زماما بعد موت حسن قدم مضافاً للوظيفة الأخرى - فلما تسلطن العزيز فخم أمره وشمخت نفسه وظن أن الأمور تدور عليه، فانعكس عليه الأمر وقبض عليه في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 أول الدولة الظاهرية وسجن بالبرج، ثم أفرج عنه وهو ضعيف بمرض القولنج ثم حصل له الصرع إلى أن مات في الحادى والعشرين من جمادى الأولى، وعمر مدرسة حسنة بالمصنع ودفن بها. حسن بن محمد بن أحمد بن علي بن حجر، مات في صبيحة الأحد ثالث عشرى شعبان وله دون السنة. حسن بن.. الكشكلي الكركي بدر الدين، مات في الرابع والعشرين من ذي الحجة بالقاهرة، وكان قد باشر نظر القدس والخليل مدة في أيام المؤيد وغيره، وكان عارفاً بالمباشرة مشكوراً. داود بن علي بن بهاء الدين الكيلاني التاجر بالإسكندرية شرف الدين، مات في الرابع من ذي القعدة وأوصى على أولاده ولده الكبير علياً فمات بعده بأيام قلائل، وكان على هذا قد ولى قضاء جدة ولم يكن بالمتصون، وما أظنه أكمل الثلاثين، وأما أبوه قمن أبناء السبعين، وكان وجيهاً في التجار، وقد رأس في بعض السنين في سلطنة الأشرف بجدة. عبد الله الملك الظاهر بن الملك الأشرف إسماعيل، صاحب اليمن، مات في سلخ شهر رجب، واستقر ولده إسماعيل بن الظاهر وبه حينئذ نحو العشرين. علي بن عبد الرحمن - بن محمد - الشيخ نور الدين الشلقامي، وهو أسن من بقى من الفقهاء الشافعية، وذكر لي أنه حضر درس الشيخ جمال الدين الأسنائي وكان من أعيان الشهود، وله فضيلة ونظم، مات راجعاً من الحج بالقرب من السويس، وكان خرج من الحجاج فقوى عليه الضعف فعجز عن ركوب المحارة، فركب البحر من السويس إلى الينبع وعجز عن التوجه صحبة الحاج، فأقام حتى رجعوا فعاد معهم في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 البر، فمات قبل دخول القاهرة وقد بلغ إثنتين وتسعين سنة، فإنه ذكر لي أن مولده في الطاعون الكبير سنة 749 أو في حدودها. علي بن عبد الكريم نور الدين الكتنى، مات وقد قارب السبعين أو جاوزها وكان عارفاً بالكتب وأثمانها وكان أبوه آخر من بقي بسوق الكتب وما رأيت مثله في الإحسان إلى الطلبة وأما ولده هذا فما سلك طريق أبيه بل تشاغل غالباً بغير الكتب، وقد ناب في الحكم مرة، وترك وتعلل عدة سنين. علي بن محمد بن قحر - بضم القاف وسكون المهملة بعدها راء - الزبيدي الفقيه العالم الفاضل موفق الدين، ولد سنة 758 واشتغل بالفقه فمهر فيه، وتقدم إلى أن صار مفتي زبيد وفقيهها والمرجوع إليه في ذلك، - مات في الثاني من شوال -. قرقماس الشعباني - تقدم في الحوادث -. محمد بن أحمد بن عثمان بن نعيم بن مقدم بن محمد بن حسن بن غانم بن محمد بن علي البساطي المالكي القاضي شمس الدين، وكان يكتب بخطه الطائي، وظهر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 أنها نسبة لبعض قرى بساط، مات بعد العصر يوم الخميس الثاني عشر من شهر رمضان، أصابه صرع فغشى عليه فصرخوا عليه ثم تحرك، فأمرهم الطبيب أن لا يشرعوا في جهازه، ثم أصبح ميتاً فأخرجت جنازته، وكانت له مدة طويلة يتمرض بالقولنج يثور به فينقطع أياماً ثم يسكن عنه فيفيق، وكان في أوائل رجب قد نصل وركب وتصرف وحكم وحضر مجلس السلطان ثم انقطع قليلاً، ثم عوفى وركب أول يوم من رمضان إلى القلعة وحضر سماع الحديث وسلم على السلطان مع الجماعة عقب الفراغ بعد العصر، وفرح السلطان بعافيته، وحضر معنا مجلساً بالصالحية بأمر السلطان يوم الثلاثاء ثالث شهر رمضان وهو في عافية تامة وقد صام، واستمر متماسكاً يكتب على الفتاوى ويسمع الدعاوى ويعلم على القصص وغيرها للنواب إلى صبيحة يوم الخميس وإلى أن ثار عليه الوجع في آخر النهار فقضى، وكان مولده في جمادى .... سنة ستين وسبعمائة فأكمل إثنتين وثمانين سنة و.. أشهر وأياماً، وكان في شبيبته نابغة في الطلبة واشتهر أمره وبعد صيته واشتغل في فنون، وذكر لي أنه سمع الحديث على عبد الرحمن ابن البغدادي وغيره ولم يكثر بل لم يطلب أصلاً ولا اشتغل له، وكان عارفاً بفنون المعقول والعربية والمعاني والبيان والأصلين وصنف فيهما تصانيف وفي الفقه أيضاً، وولى تدريس الفقه بالشيخونية ودام فيه أكثر من ثلاثين سنة، ثم قايض بها التدريس بالظاهرية البرقوقية وناب في الحكم عن ابن عمه جمال الدين يوسف البساطي وغيره مدة وكان بحالة هينة من قلة الشئ، ثم نوه به الأمير ططر فذكره عند الملك المؤيد فولاه مشيخة التربة الظاهرية عقب موت حاجى فقيه سنة تسع عشرة ثم ولاه القضاء عقب وفاة جمال الدين الأقفهسى في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين، فأقام فيه نحو عشرين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 سنة متوالية بقية مدة المؤيد وولده والظاهر ططر وولده والأشرف برسباي وولده وهذه القطعة من سلطنة الظاهر، ورافقه الأشرف برسباي وولده وهذه القطيعة من سلطنة الظاهر، ورافقه من القضاة خمسة من الشافعية وهم البلقيني والعراقي وصالح وكاتبه والهروي، ومن الحنفية أربعة وهم ابن الديري والتفهيى وابن الديري، ومن الحنابلة ثلاثة وهم ابن المغلى والمحب البغدادي وعز الدين القدسي، وفي هؤلاء من صرف وعاد - غيره -، وجاور في مكة سنة كاملة في دولة الأشرف وهو على ولايته، وعين ابن تقى مرة للولاية في كائنة علاء الدين البخارى المذكورة - في الحوادث -، فلم يتم له أمر واستعفى في السنة الماضية، ثم ندم واستمر به الأشرف بعناية على باي الخازندار، وكانت وفاته في الليل وصلى عليه وقت ربع النهار بمصلى باب النصر، ودفن بتربة بني جماعة بالقرب من تربة سعيد السعداء، وأمطرت السماء بعد الفراغ من دفنه مطراً غزيراً، وعين السلطان للقضاء بعده الشيخ عبادة الزرزاري، وسعى ولد الميت في وظائفه التي كانت معه قبل أن يلي القضاء، فأجيب إلى بعضها كمشيخة التربة الظاهرية بالصحراء، ودعى عبادة إلى تولية الحكم فامتنع وتغيب، فلما كان يوم السبت الخامس والعشرين من الشهر المذكور خلع على القاضي بدر الدين بن القاضي ناصر الدين بن التنسي، وركب القضاة معه والمباشرون على العادة إلى الصالحية واستقر في الوظيفة. محمد بن أبي بكر - المالكي - الكتامي بضم الكاف وتخفيف المثناة نسبة إلى حارة كتامة من القاهرة، شمس الدين، مات فجأة على ما قيل، مات في الثاني والعشرين من ذي القعدة، وكان نقيب الحسبة عند القاضي بدر الدين العيني، ثم صار نقيب الحكم عنده إلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 أن عزل، فاستمر يتردد إليه وهو معزول إلى أن أدركه الموت، وكان قد شارف الثمانين وهو جلد، ويكثر تلاوة القرآن، ويقال: خلف مالاً كثيراً - عفا الله تعالى عنه. محمد بن زين بن عبد الله شمس الدين بن زين الدين، المرساوي الأصل الجرائحي المعروف بابن الديفي التباني، اشتغل في علم الجراحة وتحول إلى الديار المصرية قديماً فسكن التبانة، وتقدم في صناعته واستقر في الرياسة، وطعن في السن وفي شعر لحيته السواد الكثير وكان يدعى أنه جاوز المائة، وقرائن الحال تشعر أنها من الدعوى المحال. محمد بن سعيد بن كبن - بفتح الكاف وتشديد الموحدة الثقيلة بعدها نون، جمال الدين، مات بعدن من بلاد اليمن وكان قاضيها في السابع من رمضان، وكان فاضلاً، ولي القضاء بعدن نحواً من أربعين سنة تخللها ولاية القاضي عيسى اليافعي مدداً مفرقة، وكان جمال الدين فاضلاً مشاركاً في علوم كثيرة، واسف الناس عليه لما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 كان فيه من المداراة وخفض الجناح ولين الجانب والإصلاح بين الخصوم، ولعله قارب الثمانين. محمد بن القاضي بهاء الدين البرجي بدر الدين، مات في ذي الحجة في الحمام، وكان أبوه قد ولي الحسبة مراراً ووكالة بيت المال والكسوة، وصاهر البلقيني ثم ولده بدر الدين، وصارت له وجاهة ثم خمل، ثم نبه قليلاً في دولة المؤيد بعناية ططر، فجعله ناظر العمارة بالمدرسة المؤيدية، وعظم لما تسلطن، ثم لما لم تطل مدته استمر خاملاً، ثم مات بعد بيسير، وكان بدر الدين هذا قد تزوج بنت بدر الدين البلقيني ثم فارقها، وكان كثير الصلف، وباشر في عدة جهات، وكان يلقب بعزيق - بمهملة وزاي وقاف - مصغر، لقبه بذلك ناصر الدين بن كليب وكان جارهم، وكان قد جاوز الخمسين. موسى بن علي بن جميع، الصنعاني الأصل العدني - شرف الدين ابن نور الدين، كان قد استقر في وظيفة أبيه بعدن وهي الرياسة على التجار في المتجر السلطاني، وكان حاذقاً عارفاً بالمباشرة والكتابة فصيحاً لسناً، وقد قدم القاهرة في وسط الدولة الناصرية من نحو ثلاثين سنة أو أكثر، ولم يكن صيناً، مات في شعبان. يحيى الملك الظاهر بن الملك الناصر أحمد بن عبد الملك - الأشرف إسماعيل، صاحب تهامة اليمن، مات في يوم الخميس سلخ رجب، وأقيم بعده ولده الأشرف إسماعيل في يوم الجمعة مستهل شعبان منها ليلاً، فقتل أكابر أهل الدولة فمنهم برقوق وكان كبير المماليك الأتراك، وعدة من رؤساء الجند وعدة من الأجناد الذين يدعون السقاليب حتى أضعف المملكة، وأثر ذلك حتى خرجت الأعزاب العازبة - بالعين المهملة والزاي - عن الطاعة وضعف أمر تلك البلاد جداً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 يحيى المغربي المالكي، قاضي المالكية بدمشق، محيي الدين، مات وقرر بعده شرف الدين يعقوب بن ... المغربي، وكتب توقيعه في ذي الحجة. يخشباي الأشرفي، ضربت عنقه في الثامن من ذي الحجة، أخرج من السجن، وادعى عليه بأنه سب شريفاً من أهل منفلوط، وهو حسام الدين محمد بن حريز قاضيها، وثبت ذلك عليه بالقاهرة، واتصل بقاضي الإسكندرية فاعذر إليه فأنكر، ثم حلف أنه لم يفعل فقيل له إن الإنكار لا يفيد بعد قبول الشهادة، فاستسلم للقتل، فشهدوا عليه بعدم الدافع وضربت عنقه. يوسف ولد كاتب السر، مات في الرابع والعشرين من ذي الحجة وقد راهق، ولم يكن له الآن ولد ذكر غيره، واشتد أسفه عليه، وكانت جنازته حافلة جداً. يونس بن حسين بن علي الواحي نزيل القاهرة الشيخ شرف الدين، سمع من عبد الرحمن بن القارئ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 وناصر الدين الطبردار وغيرهما وحدث، وكان يذكر أن مولده سنة 757، وعرض العمدة على الشيخ جمال الدين الأسنوي، ولازم الشيخ سراج الدين البلقيني، وكان يحب الأمر بالمعروف ويشدد في ذلك مع قصوره في العلم، ويتخيل الشيء أحياناً فيلح في كونه لا يجوز، أنكير قديماً كون ملك الموت يموت واستفتى القدماء، وكان سمع في ميعاد الشيخ سراج الدين شيئاً من ذلك - فصار الشيخ وآل بيته يمقتونه من ذلك الوقت، وسمع الخطيب يذكر في خطبة الجمعة في ذكر عمر أنه منذ أسلم فر الشيطان منه، فأنكر عليه وقال: لا تقل: منذ أسلم، يقع في ذهن العامي أن في ذلك نقصاً لعمر، واستفتى في ذلك فبالغ، وسمع مدرساً يذكر مسألة الصرف وقول أبي سعيد لابن عباس: إلى متى تؤكل الناس الربا؟ فاشتد إنكاره ونزه ابن عباس عن ذلك واستفتى، واجتمع عنده من الفتاوي من هذا الجنس مالو جلد لجاء في خمس مجلدات، وجمع لنفسه مجاميع مفيدة لكنه كان عرياً من العربية فيقع له اللحن الفاحش، وكان كثير الابتهال والتوجه. ولا يعدم في طول عمره عامياً يتسلط عليه وخصوصاً ممن يجاوره - والله يعفو عنه؟ وقد حدث في آخر عمره واستحلى ذلك وأعجب به وحرص عليه - رحمه الله. خوند بنت الملك المؤيد زوج قرقماس الشعباني، ماتت في التاسع عشر من جمادى الأولى، وكانت نفساء عن سقط أسقطته عند كائنة زوجها، فاستمرت في الضعف إلى أن ماتت، ولم تخلف سوى ولد ذكر له نحو سبع سنين، واسندت وصيتها لزوجها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة ؟؟ المحرم - أوله الأحد، العشرين من بونة من أشهر القبط -، وفي ليلة السبت تراءوا هلال المحرم فلم يظهر مع الصحو الشديد، فلما كان صبيحة هذا اليوم استقر القاضي محب الدين بن الأشقر ناظر الجيش وركب الناس معه وكان الجمع وافراً، واستقر معه محمد بن أبي الفرج عبد الرزاق أخو فخر الدين في الأستادارية، فركب معه فوصله إلى منزله برأس حارة زويلة، وتوجه إلى منزله بقرب قنطرة سنقر، وتوجه غالب الناس معه. وفي هذا اليوم وصل رأس تغري برمش ورفيقه ونودي عليهما بالقاهرة ثم علقا بباب زويلة - وقد تقدم أنه ضربت عنقه في سابع عشر ذي الحجة من الحالية - بقلعة حلب، وقدم مبشر الحاج وأخبر أنهم وقفوا يوم السبت، وأن بعض الناس تحدث برؤية الهلال ليلة الجمعة ولم يثبت ذلك، لكن سار الركب من مكة فباتوا بعرفات ليلة الجمعة احتياطاً. وفي هذا اليوم نقلت الشمس من برج السرطان، وهو أول يوم من الصيف، ومن يومئذ نقص النهار وأخذ الليل منه، وهذا اليوم هو أطول أيام السنة وأقصر لياليها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 وفي يوم الاثنين ثاني المحرم استقر الشيخ ولي الدين السفطي شيخ المدرسة الجمالية في نظر الكسوة مضافة إلى وكالة بيت المال، وركب الناس معه أيضاً. وفي الثالث منه أمر عبد الباسط ناظر الجيش دويداره بإحضار ما في منزله من الذهب، فكان ثلاثين ألف دينار فاستقلها السلطان، فاستأذنه ناظر الجيش المذكور في بيع موجوده فأذن له، وشرعوا في بيع جميع ما عنده من الحواصل، فوصلت مصادرته في اليوم العاشر إلى مائة ألف دينار وثلاثين ألف دينار والطلب مستمر، وقيل إنه طلب منه ألف ألف دينار، وإن بعض الوسائط أنزلها إلى خمسمائة ألف دينار، ولم يثبت ذلك وصودر كاتبه على عشرة آلاف دينار، ثم خفف عنه منها الخمس، والأستادار جانب بك مملوكه - على عشرة آلاف دينار، فباع دوره واثاثه وشرع في وزنها وضمن عليهم وأطلقوهم، ثم أطلق ضفدع وإبراهيم الكاتب بغير شيء، وكثرت الأمتعة والملابس الفاخرة بأيدي الناس من كثرة من يبيع ذلك من حواشي المشار إليه - إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار. ومن أعجب ما يذكر أن جميع منادميه صاروا ملازمين لكاتب السر طمعاً في استمرار جهاتهم وجاههم - والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 وأحضر الشريف بدر الدين حسن الإسكندراني التاجر، وكان يتوكل عن ناظر الجيش في بيع النبهار من الإسكندرية في هيئة شنيعة، فحبس بالبرج وحوسب إلى إن استقر عليه شيء يسير وأطلق، ثم لما كان بعد ذلك تقرر على عبد الباسط ثلاثمائة ألف دينار، وكان السلطان ألزمه بستمائة، ثم بخمسمائة ثم بأربعمائة، فتكلموا معه في ذلك فأظهر العجز عن ذلك، وقرروا مع السلطان أن يكون ثلاثمائة وأعلموه بذلك، ثم شاوروا السلطان فأنكر أن يكون رضي بذلك، وتغيظ عليهم وعليه وأمر بحبسه في البرج، فحبس في برج مظلم وضيق عليه، فأقام إلى أن قلب الله قلبه وأمر بإخراجه منه، وتسلمه نائب القلعة فأنزله في غرفة علية وهي أعلى بناء في القلعة، فأقام بهاأكثر من شهر إلى أن افرج عنه. وتوجه إلى مكة في أثناء ربيع الآخر - كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وفي التاسع عشر منه وصل سابق الحاج وذكر أنه فارقهم من عيون القصب وأنهم بخير. وفيه ابتدأت الزيادة في النيل. وفي يوم الجمعة سادسه رفع أمين النيل الخبر بأنه يومئذ كان على أربعة أذرع وعشرة أصابع، فزاد على العام الماضي في النقص خمسة وأربعين إصبعا، واستمرت الزيادة فكان في أبيب وهو يوم الجمعة العشرين من المحرم أنقص من العام الذي قبله بأحد وستين إصبعا، فلم يزل يزيد حتى كان في العشرين من صفر أزيد من الذي قبله بأربعة تسعين إصبعا - فسبحان القادر. وفي السادس والعشرين منه خلع على نور الدين ابن آقبرص أحد نواب الحكم بوظيفة نظر البيوت عوضاً عن ناظر الجيش، وكانت الخلعة جبة سمور. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 وفي يوم السبت الثامن والعشرين منه وصل يشبك الحاجب الكبير وخلع عليه، واستقر أتابك العساكر، وهرع الناس للسلام عليه، ونزل ببيت بركة وهو الذي كان فيه أركماس الظاهري - الدويدار، ودخل العسكر الذين كانوا في الصعيد. وفي هذا اليوم عقد مجلس بسبب حسن الأميوطي الذي عمل نقابة الحكم في العام الماضي للقاضي علم الدين صالح - البلقيني وادعى عليه بأمور معضلة، فسمع الدعوى عليه بعضها القاضي الشافعي وبعضها القاضي الحنفي، وأمر الحنفي بحبسه ليتبين ما ادعاه من الطعن في الشهود، واجتمع بسبب ذلك من لا يحصى عدده من الناس، وحصل له لما أرسل إلى الحبس من الإهانة والصفع مال لا يزيد عليه، ولو لاذب الجيش عنه لقتل على ما قيل. شهر صفر الأغر - أوله يوم الاثنين، وفي صبيحة الثلاثاء عزر حسن الأميوط نقيب البلقيني في مجلس الحنفي، فضرب على ظهره مجرداً نحواً من أربعين، وأهين في أثناء ذلك إهانة عظيمة وأعيد إلى الحبس، واجتمع من الناس من لا يعد كثرة، ولولا والي الشرطة لقتلوه، ثم حبس ثم أحضر يوم السبت إلى مجلس الحكم - فادعى عليه ثانياً - ولم يقع ما كان يظن، وأعيد إلى الحبس ثم أفرج عنه في الحال، وسكنت القضية بعد أن كان يظن أنه يراق دمه لا محالة. وفي أواخر يوم الخميس رابعه الموافق لثاني عشري أبيب أمطرت السماء مطراً غزيراً بعد صلاة العصر، ودامت نحو ساعة وأوحلت الأرض داخل القاهرة وحولها، وقد وقع نظير ذلك في سنة تسع وأربعين فأمطرت في.. من.. فوافق جمادى الأولى فأمطرت من بعد العصر إلى قرب العشاء فكان أكثر من ذلك، فاستغرب الناس ذلك ونسوا وقوعه قبل ذلك بست سنين. وفي يوم الجمعة وصل العسكر الذي كان جهز إلى الشام، ودخل قبلهم قانباي البهلوان فقرر في نيابة صفد عوضاً عن إينال الأجرود، وصل إينال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 المذكور بعد اسبوع واستقر مقدماً على عادته بعد أن خلع عليه ثالث عشره -، وواجه أمراء العسكر السلطان يوم السبت سادسه، وخلع عليهم وهرع الناس للسلام عليهم. وفي يوم الخميس أهين عبد الباسط وحول من محبسه بالقاعة - إلى البرج الذي كان حبس فيه أولاً أتابعه وهو في رفاهية، فعاد إلى ضيق وحصر وشدد عليه في التهديد وطلب المال، وكان هو يظن أنه إذا بادر بدفع المال يفرج عنه، وذكر أنه حمل جميع ما عنده من النقد ثم عرض جميع ما عنده من أصناف المتاجر للبيع فاشتريت للسلطان، ثم عرض جميع ما عندهم الجواهر والحلي وبيع للسلطان أيضاً - ثم عرض جميع ما عنده من الثياب الصوف والحرير والمخمل والمذهب والمطرز فاشترى ايضاً للسلطان، ثم عرض جميع ما عنده من الأثاث فبيع بالأثمان الغالية تارة وبالرخيصة أخرى، وحصل لجماعته في أثناء ذلك منافع كثيرة، ومع ذلك فلم يجتمع من ذلك إلا نحو مائتي ألف دينار، وأصر السلطان على طلب خمسمائة ألف دينار بعد أن كان طلب منه ألف ألف دينار - فلم يزل يحطها إلى أن صارت على النصف ولكن المطلوب منه حط على أنه لا يقدر إلا على ما ذكر، لكن بقي له العقار فكأنه شرع في الحيلة في حل الأوقاف ليباع ما يمكن بيعه من العقار - والحكم لله ثم آل الأمر إلى أن غضب منه فأمر بسجنه في البرج المظلم فأقام فيه مدة. ثم أفرج عنه - وسلم لنائب القلعة فأسكنه عنده في طبقة عليا نيرة. وتقرر مال المصادرة على مائتي ألف دينار وخمسين ألف دينار، فاستوعب ما يقدر عليه من النقد والبضائع والامتعة - والديون والغلال، وباع ما لم يوفقه من العقار - وأخر كثيراً مما وقفه وباع بعضه أنقاضا فلم يكمل المائتين، فاخذ في الإستدانة وسؤال المعارف ومن سبقت له إليه يد، فكان جهد ذلك أن كمل المائتين في العاشر من ربيع الأول - ثم كان ما سنذكره. وفي يوم الاثنين خامس عشره رسم السلطان أن يرسل الملك العزيز يوسف ابن الأشرف إلى الإسكندرية على طريق البر وصحبته اسنبغا الطيارى أحد الأمراء المقدمين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 ليودعه السجن بها وأمر بتحويل الأمراء المسجونين هناك إلى قلعة صفد وغيرها، ثم بطل العزم عن سجن العزيز واستمر تحويل الأمراء، وأقام قانباي البهلوان الذي تقرر في إمره صفد بسرياقوس إلى أن يحضروا ويتوجه بهم صحبته إلى أن يسجنهم بقلعة صفد وبغيرها كقلعة المرقب والصبيبة، ثم وصلوا وسلموا وتوجه كل إلى مقصده، وذلك في أول ربيع الأول. وفي يوم الخميس ثامن عشر صفر كسر الخليج الحاكمي على العادة، ونودي على النيل بالوفاء ستة عشر ذراعاً وزيادة إصبعين، ثم نودي عليه في صبيحة الجمعة بعشرة، فصار على ستة عشر ذراعاً ونصف ذراع، وكان في مثل هذا اليوم من العام الماضي على ثلاثة عشر ذراعاً وربع -، وانحل سعر الغلال بعد أن كان ارتفع - ولله الحمد، وزاد الماء في ثلاثة أيام متوالية بعد يوم الوفاء اثنين وثلاثين إصبعا، وهو شيء لم يعهد قبل هذه السنة، ثم زاد سبعة في اليوم الثالث من يوم الوفاء وستة في اليوم الرابع - فبلغت زيادته عن العام الماضي أربعة أذرع وتسعة أصابع، وما سمع قط أن النيل في العاشر من مسري تكمل ثمانية عشر ذراعاً ينقص إصبعاً واحداً، واستمرت المناداة بالزيادة إلى يوم الخميس الثاني من شهر ربيع الآخر فزاد أصابع من العشرين، فاستراب أكثر الناس بذلك، لأن الذين اعتادوا معرفة ذلك ممن له دار تطل على النيل لم يصل الماء عنده - إلى علامة العشرين، فتوجه جماعته فشاهدوا المقياس فظهر لهم كذب القياس، ثم اقتضى الرأي عدم التوسع في ذلك لئلا يضطرب العامة إذا تبين أن الزيادة دون ما ذكر فلا يؤمن أن يحدث من ذلك غلاء في السعر، واستشعر القياس بذلك فصار ينادي كل يوم بإصبع مع أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 الزيادة مستمرة بأكثر من ذلك، وكان آخر يوم من مسري يوم الأحد ثاني عشر ربيع الأول انتهى إلى تسعة عشر ذراعاً وستة عشر إصبعا. وفي ليلة السبت حادي عشر ربيع الأول حول الملك العزيز من القلعة إلى ساحل بولاق فأنزل في الحراقة الصغرى، ومعه من يتوكل به إلى الإسكندرية، فسجن بها على عادة من تقدمه كولد الملك الناصر فرج ثم ولد الملك المؤيد، وعمل المولد السلطاني في يوم الأحد الثاني عشر منه وكان حافلاً، وفرع وقت العشاء سواء، وخرج الناس والاسواق مفتحة والليلة مقمرة جداً - ولله الحمد. ونودي بالسفر إلى مكة في الرجبية. وعين عدة من المماليك للإقامة بمكة والمدينة، أما مكة فلحفظ البضائع الواردة من الهند من عبيد مكة وسفهائها، وأما المدينة فلقمع الرافضة الذين تسلطوا على أهل السنة بها. وفي هذا الشهر قبض على سراج الدين عمر بن موسى - الحمصي الذي كان قاضي طرابلس ثم دمشق، وكان قد تسحب من دمشق بكلام بلغه عن السلطان من جهة انتمائه إلى أينال الجكمي فأقام بقرية من طرابلس، فبلغ ذلك النائب فمسكه وأرسل وقيده بقيد ثقيل وسجنه وكاتب فيه، فشفع فيه بعض الأمراء بالقاهرة فأذن في إطلاقه، وتوجه القاصد بذلك، وكان سفر الرجبية من القاهرة في.. وأميرهم وممن سافر معهم..، وكان أول توت أول السنة الشمسية يوم السبت ثامن عشر شهر ربيع الأول، ابتدأ السلطان في الحكم بين الناس بالإسطبل على العادة ونودي بذلك، فكان أول شيء أمر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 به أن ينفي عز الدين البساطي المالكي وناصر الدين الشنشي الحنفي وولده إلى قوصن ثم بلغني أنه شفع فيه ولم يتم ذلك للبساطي واستمر الشنش. وأمر السلطان القضاة الأربعة - أن لا يحبس أحد من نوابهم أحداً إلا بعد مراجعة مستنيبه، وكسر سد الأميرية وغيرها في هذا اليوم، فنقص البحر نحو نصف ذراع بعد أن، كان نودي عليه يوم الجمعة بإكمال العشرين ذراعاً، ثم زاد إلى سلخ تسعة أصابع، وانتهت الزيادة يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الآخر إلى أحد عشر إصبعا من أحد وعشرين ذراعاً، والحق أنه لم يكمل العشرين وأن الافتراء من أمين البحر. وفيه وقع بين المطوعة في البحر من أهل دمياط وبين الفرنج وقعة بساحل صيدا، قتل فيها كبيرهم المجاهد عبد الرحمن، وأسر المسلمون بعد أن قتل منهم جماعة، وأخذت لهم ثلاثة مراكب، وأسف المسلمون على ذلك أسفاً شديداً. وفي أواخر شهر ربيع الأول وردت مطالعة نائب الشام يشكو فيها من القاضيين الشافعي والحنفي، فأمر السلطان بعزلهما معاً، فعزل القاضي بهاء الدين - ابن حجي من كتاب السر بدمشق ومن قضاء الشافعية، واستقر في قضاء الشافعية شمس الدين الوناي، وقرر في يوم الخميس سابع شهر ربيع الآخر، وفي كتابة السر شهاب الدين العجلوني الذي كان يوقع عند الأمير الدويدار الكبير، وكان عين لها زين الدين بن السفاح بل قيل له البس الوظيفتين معاً، ثم استقر في نظر الجيش فقط، وصرف جمال الدين الكركي. وأمر السلطان بنقل بهاء الدين من دمشق إلى القدس فسكنها بطالاً، ثم تكلم له في تدريس الصلاحية فرسم له بها، وصرف الشيخ عز الدين القدسي وتوجه القاصد بذلك إلى دمشق، ثم بطل ذلك وكتب إلى ابن حجي بالقدوم إلى القاهرة واستمر القدسي في وظيفته فقدم ابن حجي في رجب ثم خلع عليه بنظر الجيش وسافر في أول رمضان، وصرف زين الدين بن السفاح وأعيد إلى نظر الجيش بحلب، واستقر في قضاء الحنفية بدمشق بعض المصريين، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 وصرف القاضي شمس الدين محمد بن علي الصفدي ثم تأخر ذلك واستمر الصفدي، واستقر في قضاء الحنفية بحلب عز الدين عبد العزيز بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن العديم، ثم بطل وأخر لبس الخلعة واستمر ابن الشحنة. شهر ربيع الآخر - أوله الجمعة بالرؤية موافق لثالث عشر توت، وأرخ في بعض البلاد كدمياط بيوم الخميس، وفي يوم الاثنين رابع شهر ربيع الآخر وصل القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية الحلبي من حلب إلى القاهرة من أجل السعي في العود إلى وظيفة القضاء، فأقام إلى شعبان ثم خلع عليه وسافر في أثنائه إلى بلاده على وظيفته فوصل في أواخر رمضان، ثم لم يلبث أن مات. وفي يوم الاثنين حادي عشره أفرج عن زين الدين عبد الباسط، وخلع عليه خلعة رضا - وهي جبة سمور، وأذن له في السفر إلى مكة، فرجع بخلعته إلى تربته بالصحراء بالقرب من تربة قجماس ليقيم بها إلى إن يرحل بعد أيام، ثم تحول إلى طرف المرج من جهة بركة الجب ليتجهز منها إلى مكة بأهله وعياله، وانضم إليه جمع كثير من الناس، وتوجهوا إلى مكة في ليلة الاثنين الثامن عشر من هذا الشهر. وفي يوم السبت تاسعه أذن للشنشي وولده بالعود إلى القاهرة وتوجه إليهما القاصد بذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 وفي يوم الأربعاء سادس شهر ربيع الآخر ادعى جماعة من المجاهدين ومن انضم إليهم على شخص نصراني أن هو الذي كان السبب في قتل المجاهدين وأنه كاتب الفرنج بقضيتهم حتى استعدوا لهم ودل على عوراتهم، وأقيم بذلك البينة عند بعض نواب الحكم بدمياط مالكي المذهب، وثبت ذلك عليه فحكم بقتله وأمر بسجنه ليراجع السلطان، فاجتمع عليه جمع لا يحصون كثرة فنزعوه من أيدي أعوان الحكم وحملوه إلى ظاهر البلد فقتلوه بين الكنائس وحرقوه، ومدوا أيديهم إلى الكنائس فهدوموها ونهبوا ما فيها، وكان النائب بالثغر ركب بمن حضر من القضاة وغيرهم لينزعوا النصارني منهم، فوجدوا الأمر قد اشتد فكاتب السلطان بذلك، فأمر بإحضار القضاة والنائب فسألهم فأخبروه بجلية الحال، وأخرج بعض الناس محضراً بأن النصراني المذكور أسلم قبل قتله، فتغيظ على قاتليه وأمر بحبس كبارهم، ثم أذن في إطلاقهم في اليوم الثاني وأمر بعزل النائب والقضاة، فاستقر في النيابة محمد الصغير معلم النشاب - الذي كان وليها في العام الماضي، واستمر القاضي - على حاله، وأمر في الاقتصار في النواب على ثلاثة فقط. وفي يوم الاثنين حادي عشره أمر السلطان أن يستقر للقاضي الشافعي من النواب أربعة وللحنفي اثنان وللمالكي كذلك وللحنبلي كذلك، وعقد في هذا اليوم مجلس بحضرته بسبب الحوانيت التي نازع فيها بسعي تاني بك البجاسي، وحضره قاضي حلب المنفصل علاء الدين ابن خطيب الناصرية وذكر الصورة مفصلة، ومع ذلك أمر السلطان القاضي الشافعي أن ينشئ الدعوة في ذلك ويحرر الأمر فيها، ثم أذن السلطان أن يستقر للشافعي ست أنفس ولكل من رفقته ثلاثة، فكتب الشافعي أسماء جميع النواب في رقاع وأحضرها لحضرة السلطان، فتناول السلطان منها ستة فاستقر بهم ومنع غيرهم، ثم أذن بعد سبعة أيام في زيادة اثنين، ثم أمر باستبدال ثلاثة من الستة بثلاثة أمير منهم لطعن بعض جلسائه في الثلاثة الأولين، فانتهى أمره في يوم الثلاثاء سادس عشري شهر ربيع الآخر إلى ثمانية وللحنفي أربعة، واستقر المالكي على ثلاثة والحنبلي كذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 وفي هذا الشهر مات آقبغا التمرازي نائب الشام، ووصل الخبر في يوم الأحد رابع عشر الشهر المذكور، فقرر في نيابة دمشق جلبان نائب حلب، وقرر نائب طرابلس في نيابة حلب، وقرر الحاجب الكبير برسباي الذي كان وقع بينه وبين النائب ما وقع في نيابة طرابلس، وقرر في الحجوبية نائب غزة، توجه دولات باي الدويدار الثاني في تقليد نائب حلب في يوم الثلاثاء. شهر - جمادى الأولى - أوله السبت، في أول يوم منه نودي بالسفر في رجب لمن أراد التوجه إلى الحجاز صحبة المماليك المجهزة إلى مكة، وكان ما حذا للمناداة الأولى، فتحرك جماعة لذلك منهم - وتوجه قبل ذلك الأمير محمد بن علي ابن إينال أمير شكار -، وصحبته عسكر من الترك والعرب لدفع قبيلة بلي المفسدين في طريق الحجاز، فظفروا بطائفة منهم بسطح العقبة رجعوا بعد أن امتاروا، فقبضوا عليهم واستمروا إلى أن دخلوا بلاد بلي. وفي يوم الثلاثاء الرابع منه الموافق لخامس عشر بابه والعاشر من تشرين الأول أمطرت السماء في أول الليل قليلاً ثم في أول النهار، ثم أرعدت ولم يكثر المطر إلا من بعد الظهر فاستمر إلى بعد العصر وتزلقت الأرض، وأخذ النيل في الانهباط، ثم لم يظهر اثر ذلك بل ثبت غلى أن انقضت بابه، واستمر البحر إلى أن نزلت الشمس برج الجوزاء، ولم يتغير مزاج الحر - ثم كان ما سنذكره. وفي يوم الجمعة ثاني عشري جمادى الأولى لبس السلطان الصوف ووافق التاسع من هاتور وهو الخامس من تشرين الثاني، وتأخرت عن عادة الاشرف نحواً من عشرين يوما، وأظن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 سبب ذلك استمرار الحر. واستهل جمادى الآخرة والأمر على ذلك، وفي هذا اليوم أمر السلطان بجمع اليهود من مراكزهم، فاجتمعوا عنده في الحوش فشرط عليهم مشافهة أن لا يؤخروا عندهم صداق امرأة ولا طلاقها بل يدفع لها في الحال، وأن لا يشهدوا على يهودي ولا نصراني في مرض مخوف بوقف ولا وصية إلا بإذن من القاضي والناظر على المواريث. واستمر الحر إلى أن نقلت الشمس إلى برج القوس فتأخر البرد عن العادة، وانهبط النيل فكان في نصف هاتور في خمسة عشر ذراعاً وافرة؛ ووصل رسول شاه رخ ابن اللنك إلى القاهرة ومعه جماعة، فأقام أكثرهم بالشام ووصل هو ببعض جماعته - إلى مصر، ومضمون رسالته التهنئة بالسلطنة.. شهر رجب الأصم - أوله الثلاثاء، في أول يوم منه خرج أمير المحمل فضرب خيامه مقابل خليج الزعفران، ثم خرج الحاج وهم كثير ورحلوا من ثم في يوم الاثنين فنزلوا مقابل المرج ورحلوا ليلة السبت خامسه -؛ ووصل الخبر بعدهم بقليل بأن العسكر الذين توجهوا إلى العرب بأنهم غلبوا عليهم. وفي اليوم الرابع عشر منه أدير المحمل وكان حافلاً. وفي يوم الاثنين سابع شهر رجب دخل فصل الشتاء، واشتد البرد على العادة بعد أن كان الحر تمادى إلى يوم الخميس ثالثه - وتأخر المطر بعد نزول المطرة الأولى المنبه عليها، ثم امطرت مطراً يسيراً مرة بعد مرة، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 وتسلطت الدودة على البرسيم فأكلت منه الأكثر، فغلا بسبب ذلك حتى كانت قيمته قدر العام الماضي مرة ونصف أو أزيد، ثم توالت الأمطار وحصل النفع بها. وفي يوم الاثنين حادي عشر منه دخل أحمد بن إينال وصحبته جماعة من عرب بلي، قبض عليهم فأمر بتسميرهم وتوسيطهم، وهم الذين كانوا في آخر سنة 41 قطعوا الطريق على الحاج ونهبوا منه أموالاً عظيمة، وهلك بسبب ذلك خلائق من النساء والأطفال والرجال بالجوع والعطشن وحصل للناس بذلك سرور كثير، لكن قيل إن كثيراً منهم لم يكن منهم وإنما أخذوهم بغتة ولم يحصل طائل - والعلم عند الله تعالى. شعبان المكرم - أوله الخميس. شهر رمضان المعظم قدره وحرمته - أوله الجمعة، في الثاني والعشرين منه وصلت الجمال الذين حملت الحجاج الرجبية، وذكروا أنهم فارقوهم وهم بخير وقد انحط السعر قليلاً وكان الحمل الدقيق بلغ ثلاثة عشر ديناراً فنقص دينار، وكان شاع بالقاهرة أنه بلغ العشرين أو زاد، فظهر كذب تلك الإشاعة. وفي التاسع منه ثار العامة بدمشق على النائب بها، فهجموا عليه دار السعادة ففتحوا الطبلخلناة فضربوها، فتجمعوا، وكان السبب في ذلك إن شخصاً يقال له عبد الرزاق خدم برددارا عند النائب فاحتكر اللحم وصار هو الذي يتولى الذبيحة، فغلا اللحم وصار يشتري الغنم بالسعر البخس ويبيع بالربح المفرط، فقل الجالب بسبب ذلك فاشتد الخطب حتى كان اللحم يباع بدرهمين ونصف فبلغ ثمانية، فنادى النائب بالجند فأمسكوا منهم جماعة وسجنوهم، فهجم الباقون السجن وكسورا بابه وأطلقوا أصحابهم، وكان النائب قبل ذلك لما شكوا إليه عزل البرددار ونادى بإسقاط المكس عن الغنم، فانحط السعر إلى أربعة وخمسة فلم يقنعهم ذلك، فكاتب في ذلك فوصل الخبر بذلك في الثالث والعشرين من رمضان، فأمر السلطان بجمع الأمراء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 والقضاة يوم الأحد صبيحة الرابع والعشرين فاشتوروا فقيل للمالكي إن عندهم قولاً بقتل الثلث لاستصلاح الثلث فأنكر المالكي ذلك وقال: هذا لا يعرف في المذهب العشر قال: فما السبب في تجرئ هؤلاء؟ قال: كثرة الحلم عنهم - هذا ملخص ما حكاه هو لي، فإنني ركبت فما وصلت حتى انقض المجلس، وكذلك الحنبلي ما أدرك المجلس، وسألت الحنفي فقال ما أجبت بشيء لأجل غيبتكم، ففهمت أن المعول كان على المالكي، وذكر لي الحنفي أن بعض الأمراء قال: هؤلاء بغاة، قال: فقلت له: لا، ما هؤلاء بغاة وإنما أساءوا الأدب، وينبغي أن نعرف البادي منهم بذلك فنعاقبه بما يرتدع به غيره؛ فلما كان يوم الاثنين كتب مرسوم قرئ على المنبر بتهديد العامة والإنكار عليهم فيما فعلوا، وكتب توقيع القاضي تقي الدين بن قاضي شهبة بعوده إلى القضاء وبعزل القاضي شمس الدين الونائي، لان النائب بعث يشكو منه ويقول: إنما تسلط العامة علينا به - ونحو ذلك، وعين للسفر بذلك الشريف الحموي الموقع بعناية كاتب السر فوصل قبل سفر الحاج بيومين، وكان الونائي قد تجهز إلى الحج فاسترم، واستقر ابن قاضي شهبة، وهي الولاية الثانية. شهر - شوال المبارك أوله السبت بالرؤية الصحيحة، وصادف تاسع برمهات ورابع آذار، وقع في أول يوم منه ريح باردة، وأثارت غباراً شديداً بحيث كان يتصاعد إلى أعلى القلعة واشتدت الظلمة منه وقت العصر إلى أن أمطرت شيئاً يسيراً، فسكن واستمر البرد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 الشديد بحيث أنه كان يضاهي ما كان في أول الشتاء أو أشد منه، واستمر إلى فرغ برمهات وعاد مزاج فصل الربيع على العادة، وفي الثاني منه نقلت الشمس إلى برج الحمل. وفي يوم الأحد الثالث والعشرين منه الموافق لأول يوم من برمودة من أشهر القبط - كان عيد النصارى - أخزاهم الله. وفي النصف منه تنازلت أسعار الغلال وانحطت إلى قدر النصف بحيث بيع ما كان بلغ ثلاثمائة بمائة وخمسين واقل من ذلك. وفيه - رحل إلى القاهرة طالب حديث الفاضل البارع قطب الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن خيضر بن سليمان بن داود بن فلاح بن ضميدة البلقاوي ويعرف الآن بالخيضري نسبة لجد أبيه، فسمع الكثير وكتب كتباً كثيرة وأجزاء، وجد وحصل في مدة لطيفة شيئاً كثيراً، وتوجه صحبة الحاج المصري لقضاء الفرض، وكتب عني في مدة يسيرة المجلد الأول من الإصابة بتمييز الصحابة وقرأه وعارض به معي وأتقنه، ونسخ أيضاً تعجيل المنفعة في رجال الأربعة وقرأه كله وأتقنه، وسمع عدة أجزاء، وكتب عدة مجالس من الامالي؛ وخطه مليح وفهمه جيد، ومحاضراته تدل على كثرة استحضاره. وفي يوم الثلاثاء خامس عشر شوال وصل ناصر الدين بك بن خليل بن قراجا بن دلغادر، وجلس له السلطان في إيوان القصر الكبير جلوساً عاماً، وأمر الأمراء الكبراء بتلقيه فتلقوه ظاهر القاهرة ودخلوا به من البلد إلى أن أطلعوه القلعة فدخل ومعه أولاده، فخدم وخلع عليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 وأنزل في بيت نوروز، وهو شيخ كبير يقال بلغ الثمانين، وتغلب على لونه السمرة الشديدة، وتقدم خبره في حوادث سنة 727، وكان دخل القاهرة في دولة الملك الظاهر مرة قبلها، ثم صاهره السلطان وتزوج ابنته، وسافر بعده إلى بلاده بعد أن، بولغ في إكرامه والإنعامات عليه. وورد الخبر بأن أبا الفضل ابن شيخنا زين الدين ابن حسين اغتيل فوجد لعبه، قتله شريف من الرافضة، وقيل: إن سبب ذلك أن الحسني كان له دين على القاتل فلما مات أوصى أبا الفضل، فطالب أبو الفضل بمال محاجيزه، فمطله فألح عليه فاغتاله، وصار أهل المدينة في خوف شديد، ولم يبق أحد يجسر أن يخرج من بيته سحراً، وكان سليمان أمير المدينة غائباً وله نائب اسمه حيدر بن عزيز فخرج في جماعة لتحصيل القاتل، وكان تسحب هو وجماعة من عشيرته، فما ظفروا بأحد منهم - وكان ما سنذكره في السنة المقبلة. وفي أواخر شوال مر صاحبنا القاضي محب الدين بن أبي الحسن البكري المصري نائب الحكم وكان قد سار مع الرجبية إلى مكة، فرأى وهو يطوف بالبيت بعض الصناع من المرخمين يحاول قلع لوح رخام من الحجر وهو في غاية الثبات ليلصقه على كيفية أخرى فأنكر عليه، فتوجه المذكور إلى شاد العمارة سودون المحمدي فذكر له ذلك، فسال عنه فقيل له إنه نائب الحكم عن الشافعي، فقال: لعل هذا هو الذي كاتب فينا، فأمر بإحضاره فأهانه وضربه تحت رجليه عصيات، ثم أراد أن يركبه حماراً ويطوف به فقيل له: إنه بريء مما اتهمته به وإنه كان حين ورود الكتاب مقيماً بالقاهرة، فندم على ذلك ولقيه في الطواف فاستحله؛ وكان المحب المذكور قد امتلأ غيظاً بما أصابه بغير جرم وكظم، فما لبث إن حم واستمر موعوكاً إلى أن قدم الحج فتوجه مع الركب المصري فمات باليبنع بعد أن رجع من زيارة المدينة النبوية - وقد ذكرت ذلك في ترجمته فيما سيأتي، وختم له بخير ولعله مات شهيداً؛ ورأت امرأة من أهل الصدق ليلة دفنه وهي مستيقظة على سطح كأن عمود نور أقبل من نحو المدينة إلى أن غاب في قبر المذكور، فأيقظت زوجها وأخرى من أقاربها، فشاهدوا ما شاهدت وأخبروا به، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 وفيه ورد الخبر بأنه خرج على الحاج بعد أن انفصلوا من المدينة ريح حارة وأعقبها سموم أضعفت الأبدان وأهلكت الجمال ومات منها من بني آدم عدد كثير، منهم القاضي محب الدين محمد بن أبي الحسن البكري نائب الحكم، وكان عارفاً بالأحكام متثبتاً في القضايا، وقوراً عاقلاً، كثير الاحتمال، مشاركاً في الفقه ولم يشتغل في غيره وقد درس في المدرسة الخروبية بشاطئ النيل نحواً من عشر سنين، وكان قد توجه إلى الحجاز في الرجبية فجاور ثم رجع، وذكر لي من أثق به من أنه كان كثير الطواف وأنه واظب على خمسين أسبوعاً في كل يوم، وهو من قدماء معارفنا وأهل الاختصاص بنا - فالله يعظم أجرنا فيه ويبدلنا به خير منه وقد غبطته بما اتفق له من حسن الخاتمة بالحج والمجاورة وزيارة الحضرة الشريفة النبوية والموت عقب ذلك في الغربة، وكانت وفاته بالينبع وصلى عليه هناك ودفن به، وقد جاوز السبعين بسنتين. شهر ذي الحجة الحرام اختتام السنة أوله الثلاثاء بالرؤية - يوم الثلاثاء مستهل ذي الحجة بالرؤية، فيه استقر نور الدين علي بن أحمد ابن آقبرس في نظر الأوقاف عوضاً عن تقي الدين بن عبد الرحمن - ابن تاج الدين عد الوهاب ابن ناصر الدين - بن نصر الله ابن أخي الصاحب بدر الدين - وكان تقي الدين استقر فيها بعد صلاح الدين ابن عمه، وكان عمه الصاحب بدر الدين إذ ذاك موعوكاً فبلغه ذلك فشق عليه وشغله الضعف، ثم توجه للعافية واستمر نور الدين في الوظيفة. وفي الثامن من ذي الحجة ورد الخبر بموت أقبغا التركماني في محبسه بسجن الكرك، وكان أحد الأمراء الكبار في الدولة الأشرفية، وولي النظر على الخانقاه الناصرية بسرياقوس؛ فذكر بعض الكبراء إن السلطان أمر كاتب السر أن يكتب إلى نائب الكرك بأن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 يطلقه، ويشترط عليه أنه لا يعود إلى شرب المسكر وأنه متى عاد نفي إلى قبرس؛ فشرع كاتب السر في كتابة السر بذلك، فوصل الخبر بموته قبل أن يفرغ الكتاب. وفي يوم الثلاثاء التاسع والعشرين منه وصل المبشر بسلامة الحاج ومعه من الأخبار أن الوقفة كانت بمكة يوم الأربعاء، وأن السعر في الأقوات كان ارتفع فكان الحمل من الدقيق بخمسة عشر شخصاً والإردب من الشعير بتسعة، وكان الجمع كثيراً جداً، ولم يدخل مكة من واصل الهدايا إلا القليل، وكان الأرز والشاشات في غاية - رخص بخلاف ما عدا ذلك من اللبان ونحوه، وأن الركب الأول وصل مكة - في السابع والعرين من ذي القعدة. وفي هذه السنة ثار توران شاه بهمس بن توران شاه على أخيه سيف الدين صاحب هرمز وما معها فانتزع منه المملكة، ففر سيف الدين إلى شاه رخ ابن اللنك - ملك الشرق مستغيثاً به فأمده بعسكر فسار إلى فرغان فنازلها، فسار إليه أخوه فتحاربا إلى إن تصالحا على أن يكون ملك القلعة لسيف الدين هي وما حولها وافترقا. ذكر من مات في سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة من الأعيان أحمد الدميري أحد نواب الحكم شهاب الدين كان فاضلاً يستحضر كثيراً من المسائل الفقهية، وناب في الحكم في بعض النواحي وبالقاهرة، ومرض مدة طويلة بوجع الظهر ثم بالإسهال، ومات في الحادي والعشرين من صفر، وأظنه جاوز الستين. احمد النفيائي - بكسر النون وسكون الفاء بعدها تحتانية مثناة - نسبة إلى بلدة بالوجه البحري ويعرف بال لثاني - الشيخ شهاب الدين، كان من مشاهير الطلبة عند الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 قدماء المشايخ، ثم نزل في فقاهة المؤيدية وتكسب بالشهادة مدة إلى أن مات. آقبغا التمرازي، نائب الشام - تقدم في الحوادث. آقبغا التركماني، كذلك وأنه مات في محبسه بالكرك -. أبو بكر الحلبي، نزيل بيت المقدس الشيخ أبو بكر، تلمذ للشيخ عبد الله البسطامي، وكان له اشتغال بالفقه والحديث، ثم أقبل على العبادة وجاور بيت المقدس، وكف بصره بأخرة. سودون دويدار اركماس الظاهري - الدويدار الكبير، كان غشوماً عارفاً بأفانين الظلم، صرف عن وظيفته قبل موت الأشرف، وأصيب برمد أفسد عينه، ولما قبض على أستاذه خدم في المماليك السلطانية، وكان بصدد أن تقدم ففجئه الموت، وأحاط ناظر الخاص على موجوده وهو شيء كثير، مات في ذي القعدة. عبد اللطيف بن محمد بن الأمانة تقي الدين بن القاضي بدر الدين، درس في الحديث بالمنصورية، وفي الفقه بالمدرسة الكهارية مكان أبيه أياماً، ومات وهو شاب في يوم الأحد ثامن عشري ذي القعدة وكان مشكور السيرة على صغر سنه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 علي بن محمد الطائي خطيب الناصرية القاضي علاء الدين، كان مولده في سنة 744، وسمع من أحمد بن عبد العزيز بن المرحل وهو أقدم شيخ له ومن عمر بن ايدغمش خاتمة أصحاب إبراهيم بن خليل.. ومات في الحادي عشر من شوال. قطج الأمير، مات في العشر الأوسط من رمضان، وكان قد ولي إمرة بعض البلاد الشامية، وحضر إلى القاهرة مصروفاً فأقام دون الشهر. محمد بن أحمد تاج الدين الأنصاري التفهيني سبط القاضي مجد الدين الحنفي البلبيسي، أحد نواب الحكم الشافعي، مات يوم الأحد تاسع عشري المحرم بعد أن مرض مرضاً طويلاً، ولم يجاوز الستين. محمد بن أبي الحسن القاضي محب الدين البكري - تقدم ذكره في الحوادث. محمد بن عبد الله الشيخ جمال الدين الكازروني، المدني جاء الخبر بوفاته وقد انتهت إليه رياسة العلم بالمدينة النبوية ولم يبق هناك من يقاربه، وكان ولي قضاء المدينة والخطابة من مدة ثم صرف، ودخل القاهرة مراراً ومولده في سنة.. نقلته من خطه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 محمد بن يحيى بن علي بن محمد بن أبي زكريا المقرئ الشيخ شمس الدين الصالحي صالحية مصر بالشرقية - هكذا كنت أظن، ثم ذكر لي أخوه شهاب الدين أحمد أنهم ينسبون إلى قرية يقال لها منية أم صالح بناحية مليح من الغربية وإلى حارة الصالحية بالبرقية داخل القاهرة، ولد قبل الستين، عني بالقراآت فأتقن السبع - على جماعة، وذكر لي أنه رحل إلى دمشق وقرأ على ابن اللبان، وطعن في ذلك بأن سنه تصغر عن ذلك، كما تقدم في تقييد وفاة ابن اللبان، واشتغل بالفقه وتولى تدريس الفقه بالظاهرية البرقوقية عوضاً عن الشيخ أوحد الدين - بحكم نزوله له عند بمبلغ كثير من الذهب، وكان اتصل بالأمير قطلوبغا الكركي فقرره إماماً بالقصر، واشتهر في ذلك مدة وناب بجاهه في الحكم أحياناً وأم قطلوبغا المذكور، ثم ولي شيخ القراآت بالمدرسة المؤيدية لما فتحت، وما علمته تزوج وكان مولعاً بالمطالب، ينفق ما يتحصل له فيها مع التقتير على نفسه، وكف بصره في أواخر عمره واختل ذهنه - عفا الله عنه واستقر في تدريس الظاهرية شهاب الدين أحمد الكوراني بعناية كاتب السر، وعمل له إجلاساً حضرناه، وخلع عليه جنده مستحسنة، وكان المستنزل لأخيه شهاب الدين عن وظائفه وأمضى ذلك النظار، وباشرها في حياته ثم نوزع في المؤيدية، وعقد له مجلس بسبب أن شرط الواقف إذا وقع نزول أن لا يقرر النازل ولا المنزول له. محمد الدجوي ناصر الدين الموقع، ناب في الحكم قليلاً ووقع عند بعض الأمراء؛ ومات في شهر رجب وأظنه بلغ الخمسين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 سنة أربع وأربعين وثمانمائة استهلت يوم الخميس موافقاً للثامن من بونة من شهور القبط. وفي يوم السبت الثالث منه قبض على الأستادار ناصر الدين محمد ابن أبي الفرج وحبس بالبرج، ثم تسلمه الوزير بعد أيام على مال صودر عليه، واستقر في وظيفته مملوك يقال له طوغان، وخلع عليه وباشر. وفي يوم الاثنين الثاني عشر منه ووافق التاسع عشر من بونة وهو أول يوم من فصل الصيف، وكان الهواء بارداً وقت السحر واستمر إلى إن تعالى النهار بحيث وجد من البرد كأيام أوائل الربيع، فلما قرب الظهر اشتد الحر جداً كما في كل يوم. وخلع على القاضي سراج الدين عمر بن موسى الحمصي، واستقر في قضاء الشام على عادته بعد أن سعى السعي الحثيث وأجيب بالمنع مراراً، فلم يزل يتلطف لي أن أجيب، وتوجه في اليوم العشرين من المحرم. وكذا أعيد قاضي صفد علاء الدين بن حامد وصرف الزهري وتوجه في هذا الشهر، وفيه - قبض على ابن القف ناظر الجيش بصفد لشكوى نائب صفد منه، وأخبر قائس النيل في اليوم الخامس والعشرين من بونة وهو الثامن عشر من المحرم إن النيل بلغ في القياس إلى ستة أذرع وأربعة أصابع، ونودي عليه في العشرين منه بثلاثة اصابع، واستمرت الزيادة. وفي يوم الثلاثاء سابع عشري المحرم رفع إلى السلطان أن رجلاً مات وأوصى إلى رجل فضم القاضي الشافعي إليه آخر وأن التركة وقع فيها تفريط، فطلبهما وطلب نائب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 الحكم الذي اثبت أهلية الآخر وحبسهما بالقلعة، ثم سأل الوصي فذكر في القصة أموراً تغير السلطان منها لظنه صدق الوصي والواقع أنه مشهور بالكذب والبهتان، وقد امتلأ غيظاً فضم الآخر معه حتى أنه لم يتمكن مما كان يروم أن يفعله فنسب إلى المذكور أموراً معضلة، فظن السلطان أن ذلك بعلم القاضي فتغيظ على القاضي وأرسل إليه أن لا يخطب به يوم الجمعة، وعين شخصاً من نواب الحكم يقال له برهان الدين ابن الميلق، فخطب به يوم الجمعة أول صفر، وطلب من يفوض إليه الحكم فذكر له جماعة، فاختار القاضي شمس الدين الونائي الذي كان ولي قضاء الشام وانفصل منه في شوال وحج وعاد إلى القاهرة فدخلها في يوم الجمعة ثالث عشري المحرم - ثم كان ما سنذكره. شهر صفر الأغر - أوله الجمعة، ذكرنا أن ابن الميلق خطب وذكروه فيمن تولى القضاء وبلغ ذلك صالح - ابن البلقيني فضاق صدره وعيل صبره واشتد سعيه، فلم يجب لشيء وتعين الونائي وفصلت خلعته يوم السبت، ثم في أثناء يوم السبت طلب السلطان شهود التركة وفوض لنائب القلعة أن يباشر المحاسبة بين الوصي ورفيقه بحضرة الشهود وبحضرة شخص يقال له جمال الدين عبد الله الحلبي التاجر، وكان هو الذي وصل الوصي حتى ذكر للسلطان ما ذكر، وكررت المحاسبة ووقعت المحاققة والمشاححة إلى أن ظهر لنائب الغيبة دغل الوصي وتزيده في القول وافتراءه ما كان افترى، فدخل بالمحاسبة إلى السلطان وظهرت براءة القاضي والذي أقامه، وذلك وقت أذان المغرب؛ فلما كان صبيحة الأحد أمر بإطلاق نائب الحكم والذي أقامه القاضي، واتفق أن كلمه ولده الأمير ناصر الدين محمد فيما يتعلق بالقاضي وجبر خاطره فيما وقع فيه من الافتراء، فأذن له فبطل أمر - الونائي، وفصلت للقاضي جبة سمور ولبسها صبيحة الاثنين وكان يوماً مشهوداً. وفي أوائله وصل عبد الباسط إلى القدس سالماً، وكان أرجف بأنه اصيب جميع من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 معه ولم يسلم غيره، ثم ظهر أنه لم يكن لذلك صحة، ووصلت هديته إلى السلطان بعد أيام فيها مائة - شاش وأشياء كثيرة من تحف الهند واليمن والحبشة -، فقبلها وخلع على قاصده. وفي يوم الأربعاء السابع والعشرين منه وهو الموافق - للرابع من مسري أوفى النيل ستة عشر ذراعاً وإصبعين، وكسر الخليج في صبيحة يوم الخميس، وباشر ذلك الأمير ناصر الدين محمد ولد السلطان، وصحبته حاجب الحجاب وجمع يسير، وكان يوماً مشهوداً، وكانت الزيادة في هذه السنة من العجائب، فإنه ابتدئ في العشرين من المحرم فكان يزيد قليلاً قليلاً إلى يوم السبت السادس عشر من صفر، فزاد ثمانية ثم زاد اثني عشر إصبعاً، ثم زاد في خمسة أيام ثمانين إصبعاً، في يوم ثلاثين، وفي يوم عشرين، وفي ثلاثة أيام كل يوم عشرة، وفي يوم سبعة عشر أيضاً، فنودي خمسة يوم الوفاء خمسة عشر تعليق الستة عشر وإصبعين فوقها. وفيها كائنة إبراهيم ابن خطيب القدس وقاضيه جمال الدين بن جماعة، رفع فيه إلى السلطان أنه زور عليه مرسوماً بمرتب، فأحضر إلى القدس وصرف أبوه عن القضاء وحوقق على ذلك -، وجرى لصهره قاضي الحنفية ابن الديري من البؤس وتغير الخاطر ما لا يعبر عنه، وبالغ السلطان في الإنكار على كاتب السر بسبب ذلك. وفي الأربعاء تاسعه عقد مجلس بالصالحية بسبب شخص قرمي اسمه علي ابن أخي قطلو خجا، حضره القضاة الثلاثة وغاب الحنبلي لضعفه، وكان المذكور رفع أمره إلى السلطان أنه وقع في حق نبينا صلى الله عليه وسلم بكلام فاحش، وأن بعض العوام أنكر عليه فكثر اللغط، فخلصه منهم شهاب الدين ابن عبيد الله الحنفي نائب الحكم، فأنكر السلطان عليه ذلك في يوم الأحد أول يوم ن الشهر عند التهنئة، فاعتذر بأنه خشي عليه من العوام أن يقتلوه، فأكد السلطان عليه في تحصيله، ثم اتفق أن بعض الحجاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 قبض عليه وهو ذاهب إلى جهة الشام، فرده من الخانقاه السرياقوسية فأحضر عند السلطان فأمر بعقد مجلس بالقضاة الأربعة، فشهد ثلاثة عند ابن عبيد الله المذكور عليه بما يقتضي الاستهتار بالدين والتنقيص للرسول، وشهد أحدهم أنه قال عند كثرة صلاة المصلين على النبي صلى الله عليه وسلم أول النهار: فلان معرض، وشهد آخر أنه سمعه يقول لمن صلى.. بأمنا - يقول: تصلوا ومحمدكم نبيكم - كذا وكذا، وذكر لفظة بالتركي فاحشة، وشهد آخر أنه سمعه يخاطب جماعة من المسلمين بما نصه: يا خنازير كل دينكم باطل، ثم حضر القضاة عند السلطان بسببها، عادوا له ما جرى، فأمر الحنفي أن يتعاطى الحكم في ذلك بنفسه بعد أن أحضر جلساء السلطان النقل من عدة كتب للحنفية أن توبة الزنديق لا تقبل، فطلب القاضي تكثير الشهود، وكان القاضي - قد بلغه أن الذين يشهدون عليه بنحو ذلك كثير، فتوجه إلى منزله وأحضر المذكور فادعى عليه أن له مدة طويلة يمر بالشوارع ويصرح بسب النبي صلى الله عليه وسلم وبالسب في الصحابة وينظر إلى السماء ويتكلم بكلمات تؤدي إلى الزندقة، فأنكر فشهد عليه شاهدان أنه قال لفظاً بالتركي يقتضي سب البارئ سبحانه السب الفاحش، وزاد أحدهما أنه سب أبا بكر، وشهد آخر أنه قيل له: ترض عن أبي بكر، فقال: أبو بكر سكم ومحمدكم، وشهد آخر أنه سمعه مراراً يصرح بسب أبي بكر ويقول عنه: كلب، وشهد آخر أنه طلب منه شيئاً فقال: ما معي إلا أربعة أفلس، فقال: هاتهم فهم عندي خير ن أربعين نبياً أو أربعين ألف نبي - شك الشاهد، وشهد آخر أنه سمعه يشير إلى الماسء ويقول بلفظ غير عربي ما يقتضي السب الصريح، ثم أعيدت شهادة الذين شهدوا أمس، فاعذر إلى المدعي عليه فقال: لا اعرف أحداً منهم ولابيني وبين أحد منهم عداوة، ثم حضر شاهد آخر فشهد عليه أنه سمع منه لفظاً فاحشاً بغير العربي مدلوله سب البارئ بما هو أشنع وأبشع مما تقدم؛ فعند ذلك أمر به إلى السجن فسمعه شاهدان من الناس يتلو قوله تعالى: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن، نطق بها بالتاء المثناة المفتوحة بدل النون، وحضر شاهد آخر في صبيحة يوم الأربعاء حادي عشره فشهد أنه مسعه يسب البارئ وغالب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 المسلمين سباً فاحشاً بغير اللسان العربي، وانه يعرف اللغة التي نطق بها، ومدلول الألفاظ السب الفاحش؛ فسئل حينئذ القاضي الحكم فيه فتأمل جميع ما قامت به البينة فرأى أنها لا تصدر من صحيح الإيمان بل من غير متمسك بملة من الملل وأنه بذلك يستحق إراقة دمه وعد قبول توبته، فأمر بإراقة دمه هدراً عالماً بالخلاف، فلما تكامل ذلك أركبه جملاً وأمر أن يطوف به الشوارع التي كان يعلن فيها بما تقدم ذكر، فلما وصل الرميلة أمر السلطان بضرب عنقه هناك فضربت. وفي يوم الثلاثاء ثالث عشري شهر ربيع الآخر تأخر القاضي كمال الدين كاتب السر عن الخدمة بسبب تغيظ السلطان عليه في يوم الاثنين من أجل امرأة تظلمت من وقف عليها بدمشق استبدل في غيبتها، ثم حضرت إلى دمشق بعد مدة طويلة فرفعت الأمر لأحد نواب الحكم فحكم لها باسترجاعه، فأمر السلطان كاتب السر أن يكتب لها بتسليم الوقف، فتأمل ما بيدها فوجده لا نيفذ تسليهما ذلك فتباطأ في كتابة المرسوم، فلما سأله عن سبب البطوء قال: ليس معها حق، فغضب عليه وانزعج عليه، فنزل داره - وراسل يستعفي، ثم في يوم الأربعاء خلع عليه جبة وركب معه جماعة واستمر، وكان ذلك يوم الأربعاء رابع عشري شهر ربيع الأول سنة 844، فاجتمع فيه خمس أربعا آت والثمانمائة يشتمل على أربع مائتين وهي آخر أربعاء في الشهر؛ وإنما ذكرت ذلك لما فيه من الرد على من يتعانى التشاؤم. شهر ربيع الآخر - أوله الثلاثاء، في يوم الاثنين السابع منه أعيد القاضي بدر الدين العينتابي إلى وظيفيته الحسبة عوضاً عن الأمير تنم وركب في جمع كثير، فأظهر العوام الفرح به، ونودي من جهته بإبطال ما أحدث على الباعة من الجمع وغيرها، فكثر الدعاء له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 وفي يوم السبت سادس عشرين وصل رسول ملك الشرق شاه رخ ابن اللنك، وكان الخبر بوصوله وصل قبل ذلك، وأنزل في بيت جمال الدين الأستادار بين القصرين، وزينب البلد لذلك زينة عامة في جميع الحارات، وبالغوا في ذلك أعظم من زينة المحمل، ثم أحضر الرسول يوم الاثنين وقرئ الكتاب الواصل صحبته بالقصر الكبير بمحضر من الامراء والقضاة والمباشرين، ومحصله الجواب عن الكتاب الواصل إليه والسرور به وقبول الهدية وتجهيز هدية صحبة الرسول المذكور، وعرضت في القصر على رؤوس أربعين من الحمالين في الأقفاص، ثم أمرهم السلطان بعد ذلك برفع الزينة بعد أن كان أشيع أنها تقيم شهراً وأكثر، والسبب في رفعها ما اشتهر من المفاسد التي تقع في الحوانيت وغيرها في الليل. وفي هذا الشهر نازل إينال الحسني الذي كان أمير المدينة ومعه جمع كثير من العربان المدينة، فخرج إليه أميرها سليمان ومعه جمع قليل، فحصل النصر للفئة القليلة، وقيل: كان قصد إينال نهب المدينة فخذل وانهزم ورجع سليمان منصوراً. شهر جمادى الأولى - أوله الثلاثاء بالرؤية، ووافق الشهر القبطي بابة. وفي الثامن منه مات ولد الرسول الذي مات أبوه - بغزة وكانت له جنازة حافلة حضرها كبار الأمراء والمباشرين. وفي ليلة الجمعة قرئت عند قبره ختمة واحتفل السلطان بسبب ذلك، ثم حضر الرسول الذي بقي، وعمل له ضيافة حافلة وخلع عليه خلعة هائلة، وذلك في الثاني عشر، وأمر الأمراء أن يضيفوه كل يوم واحداً بعد واحد، فبدأ الأمير الكبير ثم ولد السلطان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 وفي يوم الثلاثاء الثاني والعشرين منه قدم المجاهدون من بحر الفرنج وكانوا أرسلوا على رودس وراسلوا صاحبها بكتاب من السلطان، فجاءهم من أنذرهم أن الفرنج أرادوا أن يبيتوهم، فخرجوا من الساحل فأحاطوا بهم فقاتلوهم إلى الليل، فهبت ريح شديدة ومطر فأفرجت لهم، فساروا كما هم إلى أن مروا على بعض سواحل البلد فرأوا في طرفها معصرة قصب سكر، فنزلوا عليها، فنهبوا ما فيها وأسروا من وجدوه من المزارعين وغيرهم، ورضوا بهذه الغنيمة التافهة، ونجوا بأنفسهم بعد أن قتل منهم نحو الأربعين وجرح جماعة، ولم يظفروا بما خرجوا بسببه - ولله الإرادة يفعل ما يشاء وينصر من يشاء. وفي هذا الشهر بطوله كان الحر مستمراً، ووافق شهر بابة من أشهر القبط، ولم يعهد ذلك حتى كان الحر فيه اشد مما كان في الذي قبله وهو - توت، وثبت النيل ثباتاً عظيماً، فلم ينقص في طول هذا الشهر سوى نحو الذراع ثم اخذ في النقص، واستمر الحر في هاتور، فلم يكن فيه من أوله إلى آخره البرد المعهود إلا اليسير. وأواخره دخل كيهك يوم الأحد ثاني رجب والأمر على حاله إلا أنه في صبيحته وقع برد وليس بالشديد وظهر الزرع، ثم وقع البرد في أول يوم من فصل البرد وهو عند نزول الشمس القوس واستمر، ثم تزايد هبوب الريح المريسية واشتد التأذي بها حتى وقع في أوائل طوبة الذي يسمى الصقيع، فأفسد كثيراً من الزروع كالقصب والفول والبرسيم. فلما كان في الرابع عشر من شعبان وهو الثالث عشر من طوبة وقع مطر رقيق من طلوع الفجر إلى آخر النهار فوقع الزلق والوحل. جمادى الآخرة - أوله الجمعة، في أوله شرع النيل في النقص، وشرع الناس في الزرع. وفي الثاني منه أحضر شهاب الدين أحمد بن يوسف الكوراني مجلس السلطان بحضرة القاضي الحنفي والمحتسب، فعزز بالضرب تحت رجليه بعد أن كان السلطان أمر أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 يضرب عرياناً فشفع فيه الحنفي فضرب خمسة وسبعين عصاً، وأمر بنفيه فأخرج في الحال إلى التربة، وكان السبب في ذلك أن شخصاً يقال له حميد الدين ابن تاج الدين الفرغناني قدم من دمشق يطلب وظيفة بدمشق، فكتب له السلطان بها فتوجه إلى دمشق، فوقف في طريقه القاضي الحنفي وهو شمس الدين الصفدي فرجع ساخطاً، فذكر للسلطان أن الحنفي وقع في حق أمهات المؤمنين وقص قصة شنيعة فبدر الكوراني بالإنكار عليه، وهذا الكوراني كان قدم علينا من نحو عشر سنين طالب علم وهو في غاية القلة، فقرأ علي البخاري ودار على بعض الشيوخ، وتردد إلى كاتب السر البارزي فاتفق حضور كتاب من بلاد العجم فاستقرأه إياه، فأجاد في تعريبه فقربه إلى السلطان فقرر له راتباً، وترقى بعد ذلك إلى أن صار في هذه الدولة عيناً لكاتب السر عند السلطان، فصار يجالس السلطان في كل يوم - من أول النهار إلى قرب الظهر لا ينقطع، وعظم قدره في أعين الناس على العادة بالوهم وثقل في نفس الأمر على السلطان وهو مطبوع على الاحتمال. فلما أنكر على حميد الدين اتفق حضورهما عند كاتب السر فتقاولا في ذلك فقال له حميد الدين: أنت حمار ما تفهم فأجابه بان الحمار أنت وأبوك وأجدادك وأسلافك وكان في المجلس جماعة، منهم بدر الدين محمود بن عبيد الله، وكان قد سعى في قضاء دمشق عقب إينال الجكمي، وغضب السلطان على القضاة الذين وافقوه على الخلاف، ومنهم الصفدي فعزل الشافعي لذلك وولي بهاء الدين ابن حجي، فطمع ابن عبيد الله أن يعزل الصفدي فسعى في ذلك فتوقفوا في قضيته، وبالغ فيها الكوراني المذكور، فبادر حميد الدين بالشكوى إلى السلطان واستشهد بابن عبيد الله، فشهد له - بأن الكوراني قال له، ولم يذكر ما بدا به حميد الدين. وكان تاج الدين والد هذا يدعى أنه من ذرية الإمام أبي حنيفة وأملى لنفسه نسباً إلى يوسف بن أبي حنيفة، يعرف من له أدنى ممارسة بالأخبار تلفقه، فكتبه عنه الشيخ تقي الدين المقريزي، فطلب السلطان شاهداً آخر فأحضروا آخر فلم يشهد بشيء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 فسكنت القضية، وصعد الكوراني على عادته فبالغ في التنصل، فدار حميد الدين على أعيان الحنفية فقال لهم: هذا الرجل قد سب أبا حنيفة لأنه من أسلافي وهو يعرف أنني من ذريته، وكان مرة استأذن له على السلطان فقال له: إن ابن أبي حنيفة بالباب - إلى غير ذلك، فتعصبوا له ودار معه ابن عبيد الله، فدبروا أمرهم إلى أن ظهر لهم أن يكيدوه بقاصد ملك الشرق فاجتمعوا به، فوجدوا فقهيه في غاية الحنق من الكوراني، لأنه كان اجتمع به أول ما قدموا فحصلت له منه إساءة ثم لما أضافهم السلطان عنده بدت من الكوراني في حقه إساءة أخرى، فانتصف هو منه بحضرة السلطان إدلالاً عليه لكونه في ضيافته، وما استطاع الكوراني بنتصف فانضاف حقد هذا الفقيه على الكوراني إلى ما عنده من شدة العصبية للحنفية، فطلع إلى السلطان فشنع على الكوراني، وكان فيما قال إن الخبر إذا وصل إلى ملك الشرق مع شدة اعتقاده في أبي حنيفة يتغير خاطره وينسبكم إلى التعصب على الإمام، فحرك عنده ساكناً كامناً فأمر بطلبه في الحال وأمر بسجنه في البرج، وأرسل إلى القضاة أن يعقدوا له مجلساً، فاجتمعوا في صبيحة الثلاثاء الثامن والعشرين من جمادى الاولى، فآل الأمر إلى أن وقعت الدعوى عليه عند القاضي الحنفي، فأمر بنزوله معه إلى منزله فانزل ماشياً، فشهد عليه ابن عبيد الله وانضاف إليه بدر الدين محمد ابن حسن التنسي وهو من الشهود بالقاهرة، وهو ابن أخت القاضي - بدر الدين بن الأمانة، وهو مشهور بالتجوز في شهادة الزور، ولكن كان كاتب السر قربه وأدناه وسافر به معه إلى دمشق، فحصل به مقاصد كثيرة وتمول هو بجاه كاتب السر وعاد -، فكانت له في بابه حركات كثيرة، والناس منه في حنق شديد القضاة ومن دونهم، فاتفق أنه كان عنده من الكوراني كمين فذهب وشهد عليه، فأرسل كاتب السر يعلم الحنفي أن القضاة لا تقبل التنسي، فاتفق حضور بعض الأطباء وهو ابن أخت شمس الدين ابن عفيف الذي قتله الاشرف في أواخر عمره فذكر أنه كان دخل لكاتب السر في ضرورة فسمع الكائنة فشهد بها، فاجتمعوا يوم السبت المذكور وكان ما كان. وفيه قدم نائب الشام جلبان وقدم تقدمة كبيرة مع ثمانين جمالاً. وخلع عليه مراراً، وأعيد إلى بلده على وظيفته، فسار قبله بأيام قاضي الشام الحنفي مطلوباً بسبب ما نقل عنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 حميد الدين المذكور في كائنة الكوراني، فإنه نقل عنه أنه سئل عن الحكمة في طواف النبي صلى الله عليه وسلم على النساء في ليلة واحدة، فأجاب بأنه فعل ذلك ليعفهن عن الزنا، فاستبشع هذا اللفظ وغضب السلطان وأمر بإحضاره، فوصل إليه البريدي فأغرمه مائتي دينار وتكلف شيئاً آخر حتى وصل وشفع له نائب الشام وجماعة أن يسلم على السلطان وكان أمر أن يكتب إلى الشام بكتابة الواقعة وأن كل من سمعها يكتب خطه بما سمع، فامتنع السلطان من الإذن له وصمم على أنه لا يأذن له إلا إذا عاد الجواب وظهرت براءة ساحته. رجب الفرد الحرام - أوله السبت، في التاسع عشر منه عقد مجلس بحضرة السلطان وادعى حميد الدين النعماني على القاضي شمس الدين الصفدي محمد بن علي بن عمر قاضي الحنفية بدمشق أنه قال في مجلس من المجالس أنا ما اتقيد بمذهب أبي حنيفة بل أحكم تارة بمذهب الشافعي وتارة بمذهب مالك وتارة بمذهب أحمد، وأن علماء مذهبه أفتوا بأن هذا تلاعب وأن الحكم بذلك لا يصح، فأجاب بأنني ما أردت إلا أنني أتبع مقالة أبي يوسف تارة ومقالة محمد تارة وغيرهما من علماء المذهب؛ فقال المدعي: هذا الجواب لا يطابق الدعوى وانتصرت للصفدي وقلت له -: بل يطابق إذا أراد أن الرواية التي عن أبي يوسف توافق مذهب الشافعي مثلاً والرواية عن محمد توافق مذهب مالك مثلاً، فلا يلزم من ذلك أنه يخرج عن مذهب الحنفية، والقاضي الذي يوليه السلطان في هذه الأزمان على قاعدة ن تقدمه ومن تقدم كانوا منهم العالم المتأهل للترجيح وهذه طريقته وغيره المقلد الصرف، والصفدي المذكور من أهل العلم فلا ينكر عليه أن يعمل بما رجح عنده، وكثر اللغط إلى أن قال السلطان على طريق التنزل: لو ثبت عليه شيء ما كان يجب عليه أكثر من التعزير وقد عزز بإحضاره من دمشق إلى هنا؛ وانفصل المجلس على ذلك. وفي العشر الوسط صرح السلطان بعزل الحمصي عن قضاء دمشق وعين الونائي، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 فتوقف وذكر أنه شرع في تدريس كتاب وسأل المهلة إلى أن يختمه في آخر رمضان فاجيب، ثم طلب إعادة ما خرج من وظائف القاضي الشافعي فأجيب، ثم استشعر بان ذلك لا يتم فاستعفى وأقام، وأدير المحمل في الثالث عشر من الشهر وكان حافلاً. وأبطل النفط الذي كان يعمل بالرميلة. شهر - رمضان المعظم قدره وحرمته - أوله الثلاثاء يرؤية عدد قليل ثم كثر من يقول إنه رآه. شوال المبارك - أوله الخميس، في الرابع عشر منه توجه القاضي الشافعي ونائب القلعة وهو تغري برمش الفقيه إلى الدير الذي نبه عليه في حوادث شعبان في ترجمة جوهر وهو بساتين الوزير لما رفعت إلى السلطان قصة بأنه أحدث فيه أبنية مشيدة فأمرهما بكشفه وعمل ما يقتضيه حكم الشرع، فتوجها في طائفة من الناس فإذا فيه جماعة من الجيوش، ووجدوا النصارى قد بالغوا في تحصينه، وجددوا أمام الباب حوشاً كبيراً دوره بذراع العمل من ثلاث جوانب نحو الستين ذراعاً بالحجر الأبيض، واعتلوا بأن اللصوص قد تهجم عليه، فظهرت معذرتهم في التشييد لا في المحدث، فأمروا بإزالته وإبقاء الترميم؛ وذكر بعض - من جاورهم أن جاههم انخفض بموت الخازندار وأن قريبه بعد وفاته تسحب، فلما كان يوم الثلاثاء سابع عشر الشهر المذكور توجه نائب الشافعي ونائب القلعة بأمر السلطان فهدم الحوش المذكور بحضرتهم، فحضر جمع من أهل تلك القرية وأخبروا أن الجدار المستطيل المسامت لكنيسة كان للبستان المجاور للكنيسة، وأن البستان لما خرب وسقطت جدرانه وقلعت اشجاره بقي أثر الجدار المذكور، فادعى النصارى أنه كان جدار الحوش يتعلق بالكنيسة وأقاموا من شهد بذلك، فأذن نائب الحنفي في إعادته بنقضه، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 فجددوه كما تقدم، فظهر أن لا استحقاق لهم فهدم، وحصل لأهل تلك الناحية سرور كثير بذلك، فإن من كانوا فيه من الجيوش كانوا يستطيلون على من فيه وعلى من يمر بهم، فانخفضت دولتهم وانحطت رتبتهم - ولله الحمد. وفي ذي القعدة قدم نائب حلب ولاقاه السلطان بالمطعم وخلع عليه، ثم قدم هدية هائلة وقدم كاتب السر بها وكان قدم صحبته تقدمته أيضاً. وفي آخر ذي الحجة الحرام - طرق جمع من الفرنج في عدة مراكب ساحل الطينة، فاخذوا مركبين للتجار بما فيهما وأسروا من فيهما، ثم طوقوا الساحل فأحرقوا ما فيه من المراكب ونهبوا ما قدروا عليه. ذكر من مات في سنة أربع وأربعين وثمانمائة من الأعيان أحمد بن إسماعيل قطب الدين القلقشندي، مات في الثامن من ذي الحجة، وكان أكبر من بقي من شهود المودع الحكمي، سمع الحديث من.. واشتغل.. وكان حسن الكتابة متقن المباشرة، وفيه شهامة، وأنجب عدة أولاد منهم ولده علاء الدين وهو أمثلهم طريقة، قارب الثمانين. أحمد بن أبي بكر بن رسلان بن نصير بن صالح، البلقينين، المعروف بالعجيمي، قاضي المحلة الكبرى بالغربية، شهاب الدين، مات في يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الأولى عن أكثر من ثمانين سنة، ذكر لي ولده أوحد الدين محمد انه ولد في سنة 67 فأكمل سبعاً وسبعين سنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 وهو ابن عم الشيخ سراج الدين، وآخر الإخوة الخمسة، وأجلهم بهاء الدين أبو الفتح رسلان، ومات قبل هذا بأكثر من أربعين سنة - واشتغل هذا في أول الأمر ثم تشاغل بنيابة الحكم فناب في عدة قرى، ثم استقر في نيابة الحكم - بالمحلة - وتقدم في الحوادث ما جرى له في أيام المؤيد، وعزل ابن عمه القاضي جلال الدين بسبب قيام الناس عليه فعزل هو أيضاً، واستمر ثم عاد بعد ذلك وولي مراراً إلى أن مات. أحمد بن عبيد الله الأردبيلي شهاب الدين - الحنفي أحد نواب الحكم، مات في ليلة الأربعاء ثالث عشري رمضان، وكان مولده في صفر سنة إحدى وتسعين، واشتغل قليلاً وتعلم بالتركي. وكان جميل الصورة فقربه كثير من الأمراء، وتنقلت به الأحوال إلى أن ولي نيابة الحكم بالجاه مع قلة البضاعة في الفقه والمصطلح، وحفظت عليه عدة أحكام كثيرة فاسدة، وكان مع ذلك يلازم الجلوس بمسجد بظهر الخانقاه الشيخونية إلى أن مات بالإسهال الدموي والقولنج والصرع. أحمد بن عيسى القاضي شهاب الدين المعروف بابن عيسى الحنبلي، اشتغل قليلاً، وتعاني الشهادة عند الأمراء وله شهادة في الأحباس، وكان ساكناً وقوراً متعففاً، وناب في الحكم مدة، ومات في يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادى الأولى، وأظنه قارب السبعين. أحمد بن نصر الله بن محمد بن عمر بن أحمد قاضي الحنابلة محب الدين أبو يوسف التستري الأصل ثم البغدادي، نزيل القاهرة، ولد في السابع عشر من شهر رجب سنة 765، وقرأ على أبيه وغيره، وأخذ عن الكرماني والسخاوي، ورأيت إجازة الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف ابن علي الكرماني له واستدعاء سئل فيه أن يجيز له ولغيره، وقد وصفه بالفضيلة مع صغر السن وتمثل فيه بقول الشاعر: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 إن الهلال إذا رأيت نموه ... أيقنت أن سيصير بدراً كاملاً ولقبه شهاب الدين، وأجاز له إن يروي عنه شرح البخاري والكتب الخمسة ومشيخة إجازة معينة، وذلك في جمادى الآخرة سنة 782، وسمع بدمشق من ابن رجب وابن المحب، وبحلب من ابن المرحل، ثم رحل إلى القاهرة، وذلك سنة ثمان وثمانين، فسمع بحلب ودمشق ثم قطن القاهرة، وقرر في درس الحنابلة بالمدرسة الظاهرية البرقوقية أول ما فتحت بعد أن كان درس قبله فيها لأهل الحديث الشيخ زاده العجمي، وكان يحفظ قطعة كبيرة من البخاري ويسردها مع فنون كثيرة كان صاهر الاقصراي، وانجب ولده الشيخ محب الدين إمام السلطان الآن، ولازم الشيخ محب الدين الشيخين سراج الدين ابن الملقن وسراج الدين البلقيني، وسمع من عز الدين بن الكويك وغيره ولم يمعن، والعجب أنه لم يلازم حافظ الدنيا في وقته شيخنا العراقي وهو المشار إليه في علم الحديث مع دعواه أنه محدث، وكان بعد يدرس منظومة الألفية، ثم ناب في الحكم مدة ثم وليه استقلالاً مرتين، الاولى بعد موت علاء الدين الحموي وقد تقدم بيان ذلك في الحوادث مفصلا، وكانت وفاته بعلة القولنج، وكان يعتريه أحياناً ويرتفع، وفي هذه العلة استمر أكثر من ستين يوماً إلى أن مات بعد طلوع الفجر صبيحة يوم الأربعاء النصف من جمادى الأولى، وقد أقام في الولاية الثانية ثلاث عشرة سنة، ومن الاتفاقيات أنني كنت أنظر ليلة الأحد ثاني عشر جمادى الأولى في دمية القصر للباخرزي فمررت في ترجمة المظفر بن علي أن له هذه الأبيات يرثي بها: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 بلاني الزمان ولا ذنب لي ... بلى إن بلواه للأنبلي وأعظم ما ساءني صرفه ... وفاة أبي يوسف الحنبلي سراج العلوم ولكن خبا ... وثوب الجمال ولكن بلى وقد التزم فيها النون ثم الباء قبل اللام فتعجبت من ذلك، ووقع في نفسي أنه يموت بعد ثلاثة أيام بعدد الأبيات فكان كذلك، ومات بعد أن صلى الصبح بالإيماء، فأكمل ثمانياً وسبعين سنة وعشرة أشهر إلا يومين واستقر ولده يوسف بعده في تدريس المنصورية والأشرفية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 أبو بكر بن سليمان سبط ابن العجمي المعروف بابن الاشقر شرف الدين، مات في يوم الأربعاء الثاني من رمضان، وكان مولده بحلب سنة.. وتعاني صناعة التوقيع فمهر فيها، وقدم القاهرة سنة سبع وثمانمائة فقرره جمال الدين الأستادار في توقيع الدست، فباشره إلى أن مات، وكان تزوج ابنة أخيه شمس الدين، واستقر موقعاً - كبيراً عنده، وحصل عدة جهات في طول المدة منها مشيخات بعدة خانكات وتداريس وأنظار، وأنجب ولده معين الدين عبد اللطيف، وولي شرف الدين نيابة كتابة السر في دولة الأشرف واستمر، ثم ولي كتابة السر بحلب في حياة الأشرف وبعده، ووليها ولده المذكور، وكان شرف الدين حسن الملتقى، بشوش الوجه، كثير السكون، قليل الشر والكلام، محبباً إلى اكثر الناس، وإنما قيل له أبن العجمي لأن أمه بنت.. هي بنت.. جوهر القنقباي الطواشي الحبشي الخازندار الزمام بالباب السلطاني، وكان من عبيد الأمير قنقباي الجركسي، ثم تنقلت به الاحوال بعده إلى أن خدم عند علم الدين ابن الكويز الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 فسار عنده سيرة حسنة، لانه كان يحب أهل القرآن ويدرس فيه ويقرب أهله ويتدين ويتعفف، فعظم قدره عند أستاذه بذلك إلى أن مات، فلما أن مات خمل قليلاً ثم اتصل بالملك الأشرف بواسطة جوهر اللالا الذي تقدم ذكر وفاته سنة 42، فاستخدمه في باب السلطان وقربه منه، فأنس به لما فيه من العقل والسكون والتدبير، فلما مات في الزمام قرر في الوظيفة خشقدم الذي كان خازندارا وقرر - في وظيفته جوهر المذكور، فباشر في أول أمره مباشرة حسنة وتقرب من الناس جداً وتزاحموا على بابه وصار يقضي حاجة من ينتمي إليه فاشتهر بذلك فهرعوا إليه، ثم تقرب إلى السلطان بتحصيل الأموال من وجوه أكثرها لا تحل. فكان يقربه ويتبرأ عند الناس من ذلك ويظهر الإنكار سراً، وهو السبب الأعظم في إطلاق أموال التجار ورخص بضاعاتهم وغلبة الفرنج لهم، حتى صار التاجر يغيب السنة فما فوقها بمصر - ويحضر - فلا يستطيع أن يبيع حملاً واحداً من بضاعته ولا يجد من يشتريه ويستدين نفقته على نفسه وعياله وعنده ما يساوي عشرة آلاف دينار، فبقوا على هذا البلاء بقية مدة الأشرف نحو العشر سنين، ثم تمادى الحال على ذلك بعده، وأضيفت إليه بعد الاشرف وظيفة الزمام، فإن جوهرا الزمام لما قبض عليه بسبب هرب العزيز قرر عوضه فيروز الجركسي، فلما غضب السلطان عليه بسبب هرب العزيز قرر هذا في وظيفة الزمام مضافة إلى الخازندارية، فجمع الوظيفتين ولكنه لم يتمكن مما كان يفعله أيام الاشرف وصار في دولة الظاهر خائفاً يترقب ويتوقع الإيقاع به ولكن زوج السلطان كانت اتصلت به بعد ابن الكويز، فلما سكنت القلعة وعزل فيروز ساعدت جوهراً هذا ووصفت للسلطان سيرته، فقرره مع أنه كان يعرف ما كان يعامل به الناس أيام الأشرف وهو أحد من كان ينكر سيرته ومع ذلك أغضى عنه إلى أن حصل له في موضع مباله دمل فآلمه وحبس عنه الإراقة، ثم فتح فتألم منه شديداً لكنه استراح بفتحه من الألم، ثم ربا في موضع آخر فأقام بذلك نحو الشهرين واشتد به الأمر في العشر الأوسط من رجب وارجف بموته، ثم كانت وفاته في ليلة الاثنين أول شعبان من اشهر العرب - آخر يوم من كيهك من شهور القبط - وقد جاوز السبعين، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 وأنشأ داراً بدرب الأتراك بالقرب من الجامع الأزهر، وكان في آخر عمره أخذ أماكن عند باب السر من الجهة القبلية من جامع الأزهر وعمرها مدرسة فلما قرب فراغها مات فدفن بها، ويقال إنه كان له قريب من الجيوش فأسكنه في دير عند بساتين الوزير، فعمره وصار هو ومن معه يتظاهرون بما لا يتظاهر به غيرهم بجاهه - والله أعلم بسريرته. ومن عجائبه أن ولي الدين بن قاصم كان قد ولي قضاء دمياط في دولة الأشرف بجاهه بعد موت ابن مكنون، فكان يستنيب فيها من يرتشي من المال الجزيل ويقرر عليه كل شهر مقداراً جيداً فكان جوهر يطلع على ذلك لأنه صديقه، فلما سافر ابن قاسم للمجاورة بمكة نزل عن قضاء دمياط للقاضي كمال الدين البازري، فباشرها إلى أن خرج إلى قضاء دمشق، فسأل جوهر أن ينزل له عن قضاء دمياط فنزل له - عن فجرى على عادة ابن قاسم، وانضاف إلى ذلك أنه يستأجر من الأوقاف بالنزر اليسير بما يحصل منه في السنة أموالاً كثيرة، ورأيته إذا عزل نائباً وقرر آخر يكتب بخطه الداعي جوهر الحنفي، وكذلك إذا سئل في مرسوم أو كتاب بالوصية بأحد، وتوسع في تحصيل الإقطاعات والإرصادات إلى أن قيل إنه وجد باسمه بعد موته نحو خمسين ما بين رزق وإقطاع ومن المستأجرات وكان يستأجر القرية بخمسين ديناراً وهي تغل قدر المائة أو أزيد، ويصرف أجرتها على حساب صرف الدينار بأحد عشر وربع درهم وزناً وهو يساوي حينئذ أربعة عشر درهماً وربع درهم، ثم يبيع عليهم بذلك عسلاً يقيمه عليهم بثلاثين درهما وهو يساوي عشرين ونحوها، فلا يتحصل لهم من الجهة نحو العشرين - وقس على ذلك، ومن خالفه في شيء مما يرومه لا يأمن على نفسه ولا ماله، وفي الأحيان يمتنع من صرف الأجرة أصلا ويقول: إن كانت الأرض مصرية شرقت مع أنه كان ربما استأجرها مقيلاً ومراحاً، وإن كانت شامية يقول - كانت محلاً راعاً كانت في تلك السنة أو عند الأرض مطراً؛ ويواظب مع ذلك على الصلاة والتلاوة، ويقرب أهل القرآن، ويتصدق في فقراء الحرمين بجمل من المال. حسن بن عبد الله بن تقي القباني بدر الدين، كان مشهوراً بجده، مات في خامس عشري شوال عن سن عالية تقرب من التسعين، وكان في بدايته اشتغل وتعانى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 القراآت فأتقن السبع، وصاهر الشيخ شمس الدين ابن الصائغ على ابنته وهي خالة الشيخ تقي الدين المقريزي، وذكر لنا الشيخ تقي الدين أنه كان شاباً وبدر الدين هذا رجل، وتعلم الوزن بالقبان فاستمر، وكان خيراً كثير التأني، وكان يؤم بنا في رمضان بالمنكوتمرية. عبد الله بن سعد الدين بن التاج موسى القبطي أمين الدين، كان أبوه ولي نظر الخاص في أيام الملك الظاهر برقوق مدة، وباشر هذا في غيبته الوظيفة، وكان شاباً جميل الصورة وتولع بالأدب، ثم امتحن في أيام جمال الدين الأستادار فسلك طريق المجون، وصار ينادم الأكابر من الأمراء والمباشرين، وحصل بسبب ذلك أموالاً وكثرت مرتباته وجهاته وصار يكثر الحج، ثم حصل له في رجليه بلغم إلى أن أقعد فصار يحمل على الأيدي، وكان يتهم بمحبة العبيد السود وله في ذلك ماجريات وسخف كثير، وكان طلق الوجه كثير البشاشة والنوادر؛ مات في الثاني من جمادى الآخرة، وعاش بضعاً وستين سنة. عبد الرحمن بن حسن بن سويد المصري وجيه الدين بن بدر الدين، أحد نواب الحكم المالكية، وكان أبوه زوجه بنت القاضي فخر الدين القاياني وهو صغير وتزوج أبو أختها، ثم مات القاياتي فاحتاط أبوه على تركته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 بطريق الإيصاء والتحدث، وخلص لهم الدار العظمى بشاطئ النيل، وكان هذا حسن الصورة، دخل مع والده اليمن وهو صغير سنة ثمانمائة، ثم صار يسافر به معه ويقربه أكثر من أخيه الأكبر محمد الذي تقدم ذكر موته، واشتغل هذا قليلاً وصار أنبه من أخيه مع بأو زائد فيهما، ليس له سبب إلا دناءة أصل جدهما والد بدر الدين. وكان بدر الدين في غاية التضاع لكنه حصل له مال طائل فصار إلى ولديه فعظمت أنفسهما وانتسبا إلى كنانة، فقال لي بعض المصريين: لعل أصلهما من منية كنانة بالقللوبية فإن أكثر أهلها نصارى، وكان القائل يعتمد على قول الشيخ شمس الدين الغماري أنه رأى سويداً وهو بالعمامة الزرقاء يبيع الفراريج والقفص على رأسه - والعلم عند الله! ورأس وجيه الدين بعد أبيه وصار المشار إليه بمصر، ولازم يشبك الأعرج الامير الكبير في دولة الأشرف فكان يتقوى به في أموره، ثم لازم جوهر الخازندار الأشرفي فعظم أمره وتقوى به في أمور كثيرة، وكان ابتداء ضعفه في ربيع الأول فانتقل من مرض إلى مرض إلى أن غلب عليه الزحير ثم حبس الإراقة، فلما قوي البرد اشتد به ثم انحلت قواه إلى أن مات في ليلة السادس من شعبان، وصلى عليه بجامع عمرو؛ وتقدم في الصلاة عليه القاضي المالكي، في ساعة دفنه حضر من ختم على حواصله في منزله وغيره من جهة السلطان، لأن بعض أتباع الخازندار رافع فيه على ما قيل، ثم أطلق ولده وفك الختم على منزله صبيحة ذلك اليوم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 علي بن الحسن بن عمر نور الدين التلواني، مات في آخر يوم الاثنين الخامس ولعشرين من ذي القعة، وبيده يومئذ تدريس الصالحية بجوار قبة الشافعي ومشيخة الرباط بالبيبرسية، وكان أصله من بلاد المغرب، وسكن الحسن حزوان من قرى المنوفية فولد له على هذا بعد ستين وسبعمائة فنشأ بها، ثم انتقل إلى تلوانة وعرف بالنسبة إليها، وقدم القاهرة فطلب العلم، ولازم البلقيني حتى أذن له بالتدريس والفتوى، وتصدى لذلك قديماً في حياة مشايخه، فاخذ عنه جماعة، ومارس العربية - اشتغل قديماً، وكان جهوري الصوت، مشهور الصيت، قليل التحقيق، كثير الدعوى، حسن البشر، صحيح البنية، قوياً ديناً خيراً - مكرماً للطلبة بحيث كان الفيومي يسميه وزير الطلبة، وقد سمع الكثير من شيوخنا كان أبي المجد والشامي وأنظارهما. وحدث، وأسمع البخاري مدة بالجامع الأزهر، ودرس بعدة أماكن، وناهز الثمانين أو جاوزها. علي المالكي الشيخ نور الدين البنبي، كان حسن السمت سليم الفطرة، خطب بالجامع الأزهر مدة نيابة عني، واغتبطوا به؛ مات في سادس عشري ذي الحجة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 قاسم البشتكي، مات في أول شهر رجب بأرض تبني من عمل غزة، وكان له فيها أرض خراجية فأقام بها وكانت له وجاهة، وتزوج بنت الملك الأشرف شعبان قديماً ورأس، وكان يحب أهل العلم ويقربهم واشتغل، ثم حصلت له حظوة في دولة الملك المؤيد، وولي نظر الجوالي فباشرها بحرمة وشهامة، ثم حط عليه كاتب السر ناصر الدين - ابن البارزي، وكانت عنده وسوسة وخفة، ثم غضب عليه المؤيد وضربه، ثم من بعده تنقلت به الاحوال، ولم يحظ في دولة الأشرف بطائل، وركبه الدين فتوجه إلى أرضه المذكورة ورافقنا في السفر إلى حلب ثم إلى البيرة، ثم رجع معنا حلب بإذن الأشرف، وذلك آخر عهدي به إلى أن مات غريباً وقد جاوز الستين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 قجق الجركسي نائب القلعة كان جركسياً - وكان من الخيار، مات مبطوناً في يوم السبت سلخ جمادى الآخرة، واستقر بعده صاحبنا تغري برمش الفقيه المحدث الفاضل. محمد بن إبراهيم بن عبد الرحيم الحريري صلاح الدين المشهور بابن مطيع، مولده سنة 762، ومات ي ليلة السبت بعد أذان المغرب ثاني عشر شهر ربيع الآخر فأكمل الثمانين وزاد عليها، وكان أبوه حريرياً فمات وهو صغير، فتزوج شهاب الدين بن مطيع أمه فنسب إليه واشتهر به، وترك صناعة أبيه بعد أن كان أتقنها، وتنزل في المدارس ولازم حلق أهل العلم، وسمع من صلاح الدين البلبيسي ونجم الدين ابن زين وابن حديدة وابن الشيخة وابن الملقن والسويداوي وغيرهم، وسمع معنا من بعض شيوخنا، وكان يذكر أنه سمع من الزيتاوي ببيت المقدس ولم يكن له ثبت ولا وجد اسمه ي الطباق التي فيها أسماء من أخذ عن الزيتاوي، وكان لطيف العشرة، وهو احد الصوفية بخانقاه السلطان صلاح الدين المعروفة بسعيد السعداء، وقد اصابه فالج من نحو خمس سنين أو أكثر ودام به نحو العام ثم عوفي منه، ثم صارت الأمراض تعتاده إلى أن مات بإسهال أصابه في آخر علته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 محمد بن أحمد بن محمد التنسي القاضي شمس الدين بن قاضي القضاة ناصر الدين، مولده 777 أو سنة ثمان، ونشأ في حجر السعادة وكان من جملة أوصيائه، واشتغل وتقدم، وكان لطيف المزاج مع شراشة خلق، وناب في الحكم مدة طويلة، وحكم في بعض المجالس مدة، وكان قد أتلف ما خلف له أبوه وفسدت حاله، ثم صلح حاله قليلاً وعين لقضاء المالكية بالشام فلم يتم، ولما استقر أخوه في القضاء استنابه، فأظهر بعد قليل عدم القبول وتوجه مع الرجبية إلى مكة، فأقام بها إلى أن قدم مع الحاج في أول السنة، فأصابه ذرب فطال به إلى أن مات في يوم السبت من شهر ربيع الآخر، وكان الجمع في جنازته متوفراً. محمد بن عمار بن محمد بن أحمد - المالكي الشيخ الإمام العالم العلامة شمس الدين، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 ولد في حدود الستين، واشتغل قديماً ولقي المشايخ، وسمع من كثير من شيوخنا، وقرأ بنفسه ولم يكثر، وسمع معي بالقاهرة والإسكندرية وكان صاحب فنون، وقد جمع مجاميع كثيرة، وشرح العمدة، وكتب على التسهيل، واختصر كثيراً من الكتب المطولة، وسكن مصر بجوار جامع عمرو بن العاص وانتفع به المصريون وسكن الشيخ أبي عبد الله الجبرتي بالقرافة مدة، وكان حسن المحاضرة محباً في الصاحلين حسن المعتقد، وكان لما ولي تدريس المسلمية بمصر في سنة ثلاث وثمانمائة بعد موت شمس الدين ابن مكين نوزع فيه بأن شرط الواقف أن يكون المدرس في حدود الأربعين، فأثبت محضراً بأن سنه إذ ذاك خمس وأربعون سنة، فعلى هذا يكون مولده سنة 758؛ ومات في ليلة السبت الرابع عشري من ذي الحجة، فيكون أكمل ستاً وثمانين سنة، وكان قد عرض له عرق جذام، واستحكم به واشتد قرب وفاته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 ستة خمس وأربعين وثمانمائة المحرم أوله - يوم الاثنين، وهو الرابع من بونة من أشهر القبط، وقد زاد النيل بخلاف ما جرت به العادة بحيث كانت الزيادة بعد ما تناهى النقص أكثر من ذراعين -، وانقطع جسر بحر - بني المنجا، واهتم السلطان بأمره وبأمر بقية الجسور، واستمرت الزيادة في النيل إلى الثامن منه، فغرقت كثير من الأمقنة التي في الجزائر وحصل لأصحابها جوائح. وفي الثالث منه ولد للأمير الكبير يشبك ولد من بنت الملك الظاهر ططر، ولم يولد له ولد قبله، فسر به وأفرط هو وأهله فيما صنعوا من الوليمة لأجله، فلم ينشب أن مات يوم السبت - السادس عشر من الشهر، فاشتد أسفهم عليه وحزنهم لكنه هو تجلد، وكان السلطان لما بلغه سرورهم به أعطاه إمرة وأرسل إليه خيلاً ورقيقاً. وفي الخامس عشر منه قدم ثلاثة مشايخ من دمشق، وهم عبد الرحمن بن قريح الطحان وناظر الصاحبية، وعلي بن إسماعيل بن بردس، وكان السلطان طلبهم من دمشق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 بعناية تغري برمش نائب القلعة، لانهم كانوا انفردوا برواية المسند الحنبلي بالسماع العالي عن أصحاب الفخر، وعند بعضهم سنن أبي داود والترمذي ومشيخة الفخر، فجهزوا وأخرجوا في ثالث عشري ذي الحجة ووصلوا في تاريخه، فأنزلهم نائب القلعة عنده، وقرئ عليهم عنده في برج القلعة، ثم قرئ عليهم بالبيبرسية وعند سيدي محمد ولد السلطان بالفور داخل القلعة أيضاً، وهرع الناس إلى السماع عليهم. وفي السادس عشر ظفر بجماعة من الفرنج من ناحية رشيد قبض عليهم وأحضروا إلى القاهرة. صفر الأغر - في الثامن منه عقد مجلس بسبب مدرسة ابن السويد التي أنشأها بمصر بالقرب من حمام أمير جندار بظهر فندق الكارم الصغير، وكان وقفها مسجداً وجعل فيها مدرساً، فعمد ولده عبد الرحمن إلى المدرس فأبطله، وادعى أن أباه اسند إليه النظر وأنه اقتضى رأيه أن يجعل فيها خطبة، فاستؤذن الملك الأشرف في إقامة الخطبة فأذن، واتصل ذلك بالقاضي الحنفي وهو يومئذ بدر الدين العيني فأثبت الإذن وحكم بموجبه، فأقيمت بها خطبة، واتخذ لها منبراً فوضعه بجانب المحراب ودكة للمؤذنين، واستمر الحال إلى هذه الغاية، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 فلما مرض مرض موته أسند النظر لولده، فنازعه الآن أخوه أحمد وادعى أن أباه شرط النظر لأولاده بعده، فأحضر كتاب الوقف فوجد فيه أنه شرط النظر لنفسه ومن بعده لولديه محمد وعبد الرحمن ومن بعدهما لأولادهما وأولاد أولادهما إلى آخره وجعل لنفسه أن يوصي بذلك لمن شاء بعد موته، فأثبت عبد الرحمن فصلاً في هامش كتاب الوقف يتضمن - انه اسند إليه النظر وفيه ملحق بين السطرين وجعل له أن يسند لمن شاء، وأوصل الفصل بالقاضي بدر الدين العيني ضمن كتاب الوقف، فأشهد عليه أنه ثبت عنده مضمون كتاب الوقف ومضمون ما بهامشه من الفصول وحكم بصحة الوقف هذا الذي تضمنه تسجيله، فروجع في ذلك، فذكر أنه لم يحكم إلا بصحة الوقف خاصة دون ما تضمنه فصل الإسناد، وقع البحث في أن الإسناد يساوي الوصية أو يزيد عليها، ثم ذكر شهود الفصل أنهم لم يتحملوا الشهادة بالملحق ولا أدوها عند الحاكم، ووافقهم الحاكم على ذلك مع قوله إن حكمه لم يلاق الفصل المذكور أصلاً، وكانت الدعوى عند كاتبه فاتجه له أن الإسناد المذكور من الواقف لعبد الرحمن، وإن قلنا بصحته بناء على أن المراد به الوصية إليه على وفق ما جعله لنفسه لكن قوله إنه جعل لعبد الرحمن أن، يسند لم يدخل في الجعل المذكور، وعلى تقدير دخوله فلم يتصل بحاكم ولا حكم به. فلما اتصل به ذلك قامت عنده البينة العادلة بأن الواقف المذكور وقف مكانه المذكور مدرسة وعين لها مدرساً سماه، وأن ولده هو الذي خالف شرطه وأبدل المدرس بالخطبة، فسئل الحكم بما ثبت عنده من ذلك فحكم بتبطيل الخطبة من المكان المذكور وتقرير المدرس على وفق شرط الواقف، وأكد ذلك أن الحاكم الذي اتصل به الوقف وحكم به ذكر أن حكمه بصحة إقامة الخطبة بناه على أن الواقف هو الذي شرط ذلك، فلما وضح له أنه شرط غير ذلك لم يتناوله الحكم وصرح برجوعه منه، فأزيل المنبر وبطلب الخطبة يوم الجمعة عاشره، فلما كان في الرابع والعشرين من صفر أعيدت الخطبة بعد أن عقد مجلس قبل ذلك بيوم، وأظهروا حكماً سابقاً حكم به العينين بإقامة الخطبة بها، فادعوا أنه سابق على حكم الشافعي بالإبطال وأن الحكم السابق يرفع الخلاف، فنازعهم الشافعي في ذلك، فأمر السلطان ابتداء بإقامة الخطبة، فأرسل الشافعي إلى الخزانة التي وضع فيها المنبر لما أزيل، ففك ختمه عنها فأعادوا المنبر وصلوا بها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 قرأت في مجموع لطيف بخط بعض أصحابنا في يوم الاثنين تاسع ربيع الآخر سنة 45 ورد من النائب بثغر دمياط ثلاثة نفر من السلمين، أخبر في مكاتبته بأنهم كانوا في مركب بالبحر فخرج عليهم الفرنج فقاتلوهم فاختلسوهم وقتلوا من قتلوا وأسروا الثلاثة وأن النائب اشتراهم بمائة وستين ديناراً، فقال لهم السلطان: لم أسلمتم أنفسكم؟ ولم لم تقاتلوا حتى تقتلوا؟ ثم سلمهم لوالي الشرطة وقال له: خلص منهم القدر الذي وزنه عنهم النائب ورده إليه، قال - وما سمع بأعجب من هذا الحكم في مثل هذا. شهر ربيع الأول - أوله يوم الخميس بالرؤية. وفي يوم الجمعة الثاني من الشهر كسر الخليج بمصر، وباشر التخليق سيدي محمد بن السلطان ومعه الحاجب الكبير وجماعة، وذلك في السابع والعشرين من أبيب، ولم يعهد نظير ذلك فيما مضى، ونودي بالوفاء وزيادة إصبعين، وكانت العادة المستمرة أن النيل إذا احترق كانت علامة لبلوغه الغاية تلك السنة وبالعكس، فلم يحترق في هذه السنة بل كان قارب الوفاء قبل دخوله بونة، فلما دخل بونة تناقص، وعند استحقاق النداء عليه كان بلغ زيادة على عشرة اذرع، وزاد مترسلاً فأكمل الستة في أحد وثلاثين يوماً، وأسرع ما أدركناه أنه أوفى في التاسع والعشرين من أبيب، واستغرب الشيوخ ذلك - والأمور كلها لله يفعل ما يشاء. وفي يوم السبت ثالثه استقر في الحسبة الشيخ على الخراساني بالقاهرة مضافة لمصر وصرف بدر الدين العيني، فكانت مدة تكلمه في الحسبة في هذه الولاية دون السنة، لأنه استقر في ربيع الآخر سابع يوم فنقصت السنة شهراً وعشرة أيام، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 وانتهت زيادة النيل إلى تعليق العشرين ذراعاً، وهبط في أواخر توت بسرعة، وبادروا إلى الزرع، وهبت ريح بادرة نحو أسبوع، ثم عاد مزاج فصل الخريف على العادة، ولبس السلطان الصوف قبل العادة القديمة وذلك في العشرين من بابة، وصادف تلك الليلة أن أمطرت وهبت الريح الباردة يومين وعاد الحر في أثناء الليل وفي أثناء النهار. جمادى الآخرة - أوله الثلاثاء، فيه سار علي بن حسن بن عجلان بن رميثة المكي الحسني أميراً على مكة عوضاً عن أخيه أبي البركات، وصحبته يشبك الصوفي أحد الأمراء ليقيم بمكة عوضاً عن سودون المحمدي، وصحبته الاجناد على العادة، وسافر معهم نويس قليل. وفي يوم الخميس تاسع شهر رجب استقر الأمير زين الدين عبد الرحمن القاضي علم الدين - ابن الكويز في الأستادارية الكبرى، وصرف قيز طوغان ثم أفرج عنه سريعاً، واستقر زين الدين يحيى قريب بن أبي الفرج ناظر الديوان المفرد على حاله - والتزم بالتكفية. وفي يوم الاثنين سابع عشر منه استقر الأمير شهاب الدين أحمد ابن علي بن إينال في إمرة الإسكندرية، وصرف سنبغا الطياري بحسب سؤاله، ولم يسافر حتى بلغه خروج الطياري من الإسكندرية فتوجه في أواخر شعبان، وقدم الطياري في ثامن عشر شهر رمضان، واستمر على إمرته بتقدمة ألف، وحضر من الإسكندرية في رجب الرماة ومعهم صفة قلعة من خشب فقدموها للسلطان، ورموا عليها بحضرته بقوس الرجل فخرج منها صورة شخص بسيف وترس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 فرمى عليه عبد صغير فضرب رقبته بالسهم؛ فأمر السلطان بأن يخلع عليهم وكتب لهم بجامكية وصرفهم إلى بلدهم، وحضر برسباي نائب طرابلس فتلقاه السلطان ونزل ببيت لزوجته بجوار كاتب السر، وكان قبل ذلك حاجب الحجاب بدمشق، وقدم تقدمته للسلطان على مائتين وأربعين جمالاً. وفي هذه السنة واقعة شهاب الدين القدسي وهو أحمد بن عبد الله ابن محمد العسقلاني الأصل المقدسي، اشتغل بالقدس كثيراً وكان فيه فرط زكاء، وتعاني الكلام على العامة فمهر في ذلك، واجتمع عليه خلق كثير، ثم قدم القاهرة فكان يجتمع في مجلسه جمع كثير خصوصاً النساء، فتعصب عليه قوم فمنعه القاضي المالكي من اجتماع النساء عنده، وكان اتفق أنه حكى حكاية عن الإمام مالك فنسبه بعض أهل مذهبه إلى تنقيصه.. فمنعه المالكي من الكلام جملة، ثم شفعوا فيه فأذن له، ثم اتفق أنه توجه إلى الحج فجاور سنة أربع وأربعين وعقد المجلس للوعظ كعادته، فاحبه العامة وحضر مجلسه بعض الخاصة والتف عليه جماعة من أهل اليمن، تعصب عليه القاضيان الشافعي والمالكي لكلام بلغهما عنه، فقرأت كائنته بخط القاضي - الحنفي وهذا ملخصها فقال في حقه: هو من الفضلاء الأذكياء، وانتفع به الناس، واشتغل عليه الطلبة، وكتب على الفتوى، ووعظ بالمسجد فاجتمع عليه العوام وبعض الخواص، واستمر في العام الماضي ثم في هذا العام إلى تحمل عليه بعض الفقهاء بمكة، فعلموا عليه محضراً ونسبوه إلى أمور، وشهد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 عليه بها بعض حاشيتهم وهو ينكر ذلك، ومحصل ما أثبتوه عليه أشياء، أدناها توجب التعزيز وأعلاها الكفر، وشهدوا عليه بأفعال قلبية كقولهم: قال كذا وقصده كذا ونحو ذلك مما لا يطلع عليه إلا الله؛ ثم أمر القاضي المالكي بحبسه فحبس ليلة الجمعة ويوم الجمعة إلى أن فاتته صلاة الجمعة، فعقد له الشريف أبو البركات مجلساً حضره سودون المحمدي وجماعة، فأحضر فبدر أن قال: لي دعوى على القاضي المالكي، فأخذه الشافعي وتله بلحيته بحضور الجميع وقال له: يا شيخ نحس! وأمر بكشف راسه وتعزيره، وأشهد على نفسه أنه منعه من الجلوس على الكرسي بالمسجد الحرام؛ وانفصل المجلس على ذلك ولولا أن الشريف لطف قضيته لكان الأمر أشد من ذلك. ثم إنه جلس للتدريس على عادته فمنعه الشافعي من التدريس ومن الكتابة على الفتوى، وحكم هو ونفذ المالكي، وشهد الحاشية، فحصل له بذلك مشقة زائدة وعزم على التوجه إلى القاهرة لإنهاء حاله إلى السلطان. قلت: واتفق قدوم المذكور يوم الخميس ثاني عشري رمضان وكان سبقه قاصد صاحب مكة علي بن حسن فنقل عنه أن الشريف المخلوع تعصب له لكونه كان يذكر له أن علياً مقدم على أبي بكر وأنه لما قدم علي بن حسن والياً على مكة اجتمع به بناء على أنه يروج عنده بذلك فجبهه وقال له: أنا رجل سني وأبو البركات زيدي، وأنهى ما اتفق له إلى السلطان، وأحضر المحضر الذي كتبه المالكي والشافعي فيه، فتغيظ السلطان منه على ما بلغني، فلما كان يوم الجمعة استشار المذكور بعض خواص السلطان، فأشار إليه أن لا يحدث أمراً لأن السلطان في أول كل قضية يكون مغمور الفكر بما يلقى إليه ابتداء إلى أن يتجلى له الأمر بعد، فسكت على مضض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 ثم في.. شهر رمضان المعظم قدره وحرمته - أوله الأحد وترؤه ليلة السبت وكانت رؤيته ممكنة لكن كان الغيم مطبقاً ومضى أكثر النهار ولم يتحدث أحد برؤيته، وتمادى الأمر على ذلك إلى العشر الثاني، فشاع أن بعض أهل الضواحي صاموا يوم السبت، ثم كثر الخبر عن أهل المحلة فكوتب حاكمها، فاجاب بأنه شهد برؤيته شاهدان من العدول وآخران مستوران، وتحدث برؤيته جماعة كثيرون وحكم به بعض نواب الحكم، فلما تكامل ذلك اتصل ببعض نواب الحنبلي القاضي - فحكم بتحريم صوم يوم الاثنين الذي هو بالعدد يكون ثلاثين من رمضان وبوجوب قضاء يوم السبت على قاعدتهم في أن الهلال إذا رئي ببلد وجب على بقية البلاد صومه وقضاءه على من كان أفطره، وكانوا هم صاموا يوم السبت على قاعدتهم - في صوم اليوم الذي يلي الليلة التي يكون غيمها مطبقاً ولولا ذلك لأمكنت رؤية الهلال. فلما كانت ليلة الاثنين تراءى الناس الهلال فرآه جمع جم، فكان العيد يوم الاثنين بغير شك، فلم يمكن الحنابلة صيامه. شهر - ذي القعدة الحرام أوله - الأربعاء في يوم السبت رابعه عقد مجلس بحضرة القضاة - فادعى تقي التاجر على برهان الدين بن ظهير شاهد عثمان ولد السلطان أنه ظلمه، فإنه كان اشترى حصة من مطبخ سكر لتقي فيها الأكثر فوقع بينهما منازعة بسبب ذلك. فأشهد تقي على نفسه أنه ملك ولد السلطان حصته - من الجدر. والنحاس الذي يطبخ فيه السكر والجوز والبنا - وكتب بينه وبين ابن ظهير مباراة وثبت، واستثنى في المباراة قدرة كبيرة تختص بتقي فادعى تقي، ثم إن تقي ادعى بأن - ابن ظهير حولها في غيبته بغير وجه شرعي، فادعى بذلك بين يدي الحنفي فقال الحنفي: لا تسمع دعوى من أمراء ولو كان وكيلاً. فأذن السلطان لأحد أئمة القصر في الدعوى على تقي عن ولده، فأمر السلطان أن يتوجهوا إلى مجلس القاضي فأعيدت الدعوى. فخشي تقي على نفسه من غيظ السلطان فقال: كل ما يدعي علي لولد السلطان أنا أملكه لولد السلطان، فبادر من أعلم السلطان أن الحق غلب على تقي، فظن صحة ذلك فأرسل إلى القاضي أن لا يمكن تقي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 من التصرف ولا من التوجه من مجلس الحكم حتى يزن المال. فظن القاضي أن السلطان يريد مصادرة تقي فأخبره بالرسالة، فصار يكاتب معارفه بالورق إلى إن حصل المال في عدة أيام وهو في صورة الترسيم في مجلس القاضي، ثم كتب عليه في. قرأت بخط من أثق به: لما وصل الحاج إلى مدينة الينبع كان الدقيق في أول النهار كل حمل بسبعة دنانير، فارتفع الظهر إلى اثني عشر ثم العصر إلى ستة عشر، وكان العليق أربع ويبات بدينار فوصل إلى ويبتين، ووصل الحمل الفول الصحيح إلى عشرة، وكان البقسماط رخيصاً فوصل إلى ستين درهماً كل عشرة، وكاد الجمالة أن يهربوا، فقدر وصول الخبر بوصول المراكب إلى الساحل، فتراجع السعر إلى أن صار وسطاً بعد ما كان أولاً وآخراً. وتوجه خلق كثير من الركب إلى الساحل فأحضر الدقيق والعليق. ولزم من ذلك أن أقاموا بالينبع أربعة أيام، ولما وصلوا إلى منزلة بدر ولم يجدوا بها عليقا بيع النوى كل ويبة بثلث أفلوري والبقسماط بسبعين العشرة. وكان مع ذلك اللحم واللبن والبطيخ كثيراً. ومات شعبان بواب دار الضرب قبل رابغ بيوم، وكان وصول الركب إلى مكة سحر يوم الخميس، ولم يروا الهلال تلك الليلة لكثرة الغيم، وسألوا أهل مكة فلم يخبر أحد منهم برؤيته. وتمادوا على أن الوقفة تكون يوم السبت، وأشار عليهم القاضي الشافعي أن يخرجوا يوم الخميس ويسيروا إلى عرفة ليدركوا الوقوف ليلة السبت احتياطاً ويقفوا يوم السبت أيضا. فبينا هم على ذلك إذ دخل الركب الشامي فأخبروا برؤية الهلال ليلة الخميس وانه ثبت عند قاضيهم، فبنوا على ذلك ووقفوا يوم الجمعة ونفروا ليلة السبت على العادة، وذكر أنه وجد بمكة رخاء كثيراً؛ قال: ووصلت إلى جدة عدة مراكب وأسرعوا تفريغها، فكان يدخل إلى مكة كل يوم خمسمائة جمل، وبيع الشاش الخنبيسني بافلورين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 ونصف إلى ثلاثة - والأرز البيرمي من افلوري إلى ثلاثة. قال: ووصل إلى مكة من اللؤلؤ والعقيق مع - السروي شيء كثير إلى الغاية. قال: وفي اليوم الثاني من ذي الحجة ازدحم الناس فمات أربعة عشر نفساً، ثم دخل الركب الغزاوي ثم الشامي ثم الحلبي ثم الكركي ثم الصفدي ثم البغدادي ثم التركماني إلى أن امتلأت بيوت مكة وشعابها وجبالها وامتدوا إلى منى؛ قال: ولما وصلوا إلى عرفات أرجف مرجف بأن السيد بركات هجم جدة ونهبها، ولم يظهر صحة ذلك، ووصل قاسم أخو بركات حاجاً فأمنه الشريف علي ولم يحدث منه سوء مع أنه أشجعهم وأفرسهم، وندب أخاه الذي يقال له سيف ليأخذ جماعة ويتوجه إلى حراسة جدة، ثم اتفق أخاه الذي يقال له سيف ليأخذ جماعة ويتوجه إلى حراسة جدة، ثم اتفق معه على إن يحفظ الحاج بمنى وعرقة، وتأخر هو عن الخروج مع الحاج ليلة التاسع، فلما كان بعد عصر عرفه ثارت غبرة عظيمة ثم ظهر خلق كثير فرسان وغيرهم، فظن الناس أنه بركات جاء في جمعه لينهبهم، فانكشف الغبار فإذا هو علي ومن معه، أدركوا الوقوف بعرفة، وصحبته أخوه إبراهيم وكان قد تغيب عنه بمكة، فلما وجده اعتذر بأنه قيل له إنه عزم على إمساكه، فتنصل من ذلك واستصحبه معه فحصلت الطمأنينة للناس، ونزلوا منى صبيحة اليوم العاشر، وتجهز المبشر في ذلك اليوم فدخل القاهرة ليلة الأحد خامس عشري ذي الحجة. وفي الثاني من ذي الحجة لبس السلطان البياض. لأن الحر كان اشتد من يومين ووافق السابع عشر من برمودة، فتقدم قبل عادة القيظ بعشرين يوماً. وفي الرابع عشر - من ذي الحجة توجه القاضيان الشافعي والحنفي والمحتسب وجماعة إلى كنيسة اليهود الكائنة بقصر الشمع بمصر، فوجدوا فيها منبراً ثلاث عشرة درجة يشبه أن يكون قريب العهد بالتجديد، فتشاوروا في أمره فهم في أثناء ذلك ظهر في الدرجة التي يقف عليها الخطيب أو يقعد كتابة يلوح أثرها، فقال لهم الشافعي: تأملوا هذه الكتابة، فتداولها جماعة منهم حتى تبين أنها محمد وهي ظاهرة وأحمد وهي خفية، فاقتضى الرأي إزالة المنبر المذكور فصورت دعوى، وحكم نور الدين بن آقبرس نائب الحكم وناظر الأوقاف بإزالته وتأخر المحتسب لذلك وافترقوا، ثم قام الشيخ امين الدين يحيى ابن الأقصرائي في كشف كنائس اليهود والنصارى فأبطلت عدة كنائس، ختم على أبوابها إلى أن يتضح أمرها، فمنها واحدة للملكيين، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 وجد فيها دعائم بالحجر العص النحيت مثل الأعمدة، فادعوا أنها كانت ذات أعمدة رخام فاحترقت في سنة ثلاث وسبعمائة، وأخرجوا لها محضراً ثبت على القاضي جلال الدين القزويني وأذن في مرمتها فرموها بالحجارة وهي دون الرخام.. وفي التاسع والعشرين منه استقر سودون الذي كان دويدارا عند طوغان أمير آخور الكبير - المؤيدي، واستقر في آخر دولة الاشرف أمير شوي فاستقر الآن في نظر أوقاف المساجد والجوامع والزوايا بالوجهين القبلي والبحري، فصار نظار الأوقاف الأهلية ثلاثة أنفس: نور الدين بن آقبرس وشرف الدين أبو بكر المصارع، وسودون أمير شوي. ذكر من مات في سنة خمس وأربعين وثمانمائة من الأعيان أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصمد الشيخ تقي الدين المقريزي، واصلهم من بعلبك ثم تحول أبوه إلى القاهرة وولي بها بعض ولايات من متعلقات القضاة وولي التوقيع في ديوان الإنشاء، وكان مولد تقي الدين في سنة ست وستين وسبعمائة، ونشأ نشأة حسنة، وحفظ كتاباً في مذهب أبي حنيفة تبعاً لجده لأمه الشيخ شمس الدين بن الصائغ الأديب المشهور، ثم لما ترعرع وجاوز العشرين ومات أبوه سنة ست وثمانين تحول شافعياً، وأحب إتباع - الحديث فواظب على ذلك حتى كان يتهم بمذهب ابن حزم ولكنه كان لا يعرف به، ونظر في عدة فنون، وأولع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 بالتاريخ فجمع منه شيئاً كثيراً وصنف فيه كتباً، وسمع من شيوخنا وممن قبلهم قليلاً كالطبردار وحدث ببعض مسموعاته، وكان لكثرة ولعه بالتاريخ يحفظ كثيراً منه، وكان إماماً بارعاً مفنناً متقناً ضابطاً ديناً خيراً، محباً لأهل السنة يميل إلى الحديث والعمل به حتى نسب إلى الظاهر - حسن الصحبة، حلو المحاضرة، وحج كثيراً واور مرات، وقد رأيت بعض المكيين قرأ عليه شيئاً من تصانيفه فكتب في أوله نسبه إلى تميم ابن المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي عبيد الله القائم بالمغرب قبل الثلاثمائة، والمعز هو الذي بنيت له القاهرة وهو أول من ملك من العبيديين - فالله أعلم، ثم إنه كشط ما كتبه ذلك المكي من أول المجلد، وكان في تصانيفه لا يتجاوز في نسبه عبد الصمد بن تميم، ووقفت على ترجمة جده عبد القادر بخط الشيخ تقي الدين بن رافع وقد نسبه أنصارياً فذكرت ذلك له، فأنكر ذلك على ابن رافع وقال: من أين له ذلك! وذكر لي ناصر الدين أخوه أنه بحث عن مستند أخيه تقي الدين في الانتساب إلى العبيديين، ذكر له أنه دخل مع والده جامع الحاكم فقال له وهو معه في وسط الجامع: يا ولدي! هذا جامع جدك؛ مات الشيخ تقي الدين في يوم الخميس سابع عشري شهر رمضان. أحمد بن يوسف الخطيب الملقب درابة - بضم المهملة وتشديد الراء بعد الألف موحدة - شهاب الدين، اشتغل قليلاً وجلس مع الشهود دهراً طويلاً، وعمل توقيع الحكم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 ثم توقيع الدرج ثم توقيع الدست، وكان سليم الباطن قليل الشر، وفيه غفلة؛ مات في رجب وقد قارب التسعين. داود بن محمد أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح بن أمير المؤمنين أبي عبد الله المتوكل على الله، مات في يوم الأحد رابع شهر ربيع الأول وقد قارب التسعين بعد مرض طويل، وعهد بالخلافة لأخيه شقيقه سليمان ولقب بالمستكفي بالله -. طيبغا مملوك الصاحب بدر الدين ابن نصر الله، مات في 2 المحرم وكان قد أمر بحماة في الدولة الاشرفية. عبد الله بن محمد بن الجلال نائب الحكم جمال الدين الزيتوني الشافعي أخذ عن شيخنا رهان الدين الأبناسي وغيره، واشتغل كثيراً وتقدم ومهر ونظم الشعر المقبول الجيد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 وأفاد، وناب في الحكم وتصدر وكان قليل الشر كثير السكون والكلام فاضلاً، أظنه قارب السبعين - بتقديم السين؛ مات في يوم الخميس سادس عشر رجب. عبد الله بن محمد جمال الدين البرلسي، اشتغل قليلاً وكان يتعانى بزي الصوفية ويصحب الفقراء ثم دخل مع الفقهاء، وناب في الحكم قليلاً في بعض البلاد -، ثم منع من ذلك لكائنة جرت له لأن الشافعي لما منعه ناب عند الحنفي، فعين عليه قضية تتعلق بكنيسة اليهود، فحكم فيها بحكم يلزم نقض حكم سابق على حكمه من قاضي القضاة علاء الدين بن المغلي الحنبلي، فأنكر عليه وقوبل على ذلك وصرف عن نيابة الحكم واستمر إلى أن مات في رجب، وأظنه مات في عشر التسعين - بتقديم المثناة. عبد الله بن محمد جمال الدين ابن الدماميني المخزومي - الإسكندراني قاضي الإسكندرية، وليها أكثر من ثلاثين سنة، وكان قليل البضاعة في العلم لكنه كثير البذل ضخم الرياسة، سخي النفس، أفنى مالاً كثيراً في قيام صورته في المنصب ودفع من يعارضه فيه وركبه الدين، ثم تحصل له إرث أو أمر من الأمور التي يحصل تحت يده بها مال من أي جهة كانت ساغت أم لم تسغ فيوشك أن يبذرها في ذلك، وآخر ما اتفق له أن المعروف بسرور المغرب قام في عزله إلى أن عزل بشمس الدين ابن عامر أحد نواب الحكم من القاضي شمس الدين البساطي، وامتنع القاضي بدر الدين بن - التنسي من استنابته فحسن الشيخ سرور للسلطان تولية ابن عامر فولاه، فدخل إلى الإسكندرية وباشر القضاء بها، وخرج جمال الدين قبله فقدم القاهرة وهو موعوك فتوسل بكل وسيلة إلى أن أعيد إلى منصبه، وصرف ابن عامر فاستمر خاملاً، وأداروا الحيلة في إفساد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 صورة الشيخ سرور إلى أن تمت، ونفي إلى المغرب بأمر السلطان، ثم شفع به فأمر بإعادته، فصادف أنه كان أنزل في مركب إفرنجي ليسافر به إلى بلاد المغرب فوصل البريدي مساء، ففهموا أنه جاء في إطلاقه فغالطوه بقراءة الكتاب إلى أن يصبح ودسوا إلى الفرنجي فأقلع بمركبه ليلاً، فلما أصبحوا وقرئ الكتاب أمر بإصعاده، فقيل سافر في المركب، ورجع البريدي واستمر سفر الشيخ سرور -، فلم ينتفع القاضي بعده بنفسه بل استمر متعللاً، واشيع موته مراراً إلى أن تحقق ذلك في هذا الشهر ذي القعدة، أظنه جاوز الستين، وعين للقضاء بعده الشيخ شهاب الدين التلمساني، فوليه وتوجه فباشره، وتحفظ بمباشرته إلى أن شاعت سيرته المستحسنة واستمر، وانطفأت تلك الجمرة كأنه لم تكن، ولم يترك جمال الدين بعده من يخلفه من أهل بيته، وانقطع خبر الشيخ سرور فقيل إن الإفرنجي اغتاله فلحق الظالم بالمظلوم فكانا كما قال الله تعالى ضعف الطالب والمطلوب. عبد الرحمن بن علي الشيخ زين الدين ابن الصائغ كاتب الخط المنسوب، تعلم الخط المنسوب من الشيخ نور الدين الوسمي، فأتقن قلم النسخ حتى فاق فيه على شيخه، وأحب طريقة ابن العفيف فسلكها، واستفاد فيها من شيخنا الزفتاوي وصارت له طريقة منتزعة من طريقة ابن العفيف وغازي، وكان الوسمي كتب على غازي وغازي كتب اولاً على ابن أبي رقيبة شيخ شيخنا الزفتاوي وهو تلميذ ابن العفيف، ثم تحول غازي عن طريقة ابن العفيف إلى طريقة ولدها بينها وبين طريقة الزكي العجمي، فاق أهل زمانه في حسن الخط ونبغ في عصره شيخنا الزفتاوي لكنه لم تحصل له نباهة لسكناه بالفسطاط، ومهر عبد الرحمن وشيخنا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 وكذا شيخه، وصرح كثير بتفضيله عليه، ونسخ عدة مصاحف وكتب، وقرر مكتباً في عدة مدارس، وانتفع أهل العصر به وحصل له في آخر عمره انجماع بسبب ضعف، فانقطع إلى أن مات في نصف شوال في عشر الثمانين. عبد الرحمن بن يوسف بن أحمد بن سليمان بن داود بن سليمان زين الدين أبو محمد وأبو الفرج ابن قريج - بقاف وراء وجيم مصغر - ابن الطحان الحنبلي الصالحي المسند، مولده في سنة 164، واعتنى به أبوه فاسمعه على صلاح الدين ابن أبي عمر المسند، وعلي عمر بن أميلة جامع الترمذي والسنن لأبي داود ومشيخة الفخر ابن البخاري وعمل اليوم والليلى لابن السني كما ذكر وعلى زينب بنت قاسم ما في المشيخة من جزء الأنصاري وصحيح مسلم كما ذكر على البدر محمد بن علي بن عيسى بن قواليح سنة 777: أنا علي بن يعيش وغيره، وقرأ بنفسه على ابن المحب حرسي: أنا المطعم ويحيى بن سعد والحجار سماعاً والتقى سليمان بن حمزة إجازة: أنا ابن اللبي، وجميع فوائد الكنجروديات تخريج السكري: أنا ابن الزراد، وكتاب اليقين لابن أبي الدنيا: أنا أبو بكر بن عبد الدائم أنا محمد بن إبراهيم بن سليمان الإربلي سماعاً ونصر بن عبد الرزاق الجيلي وخليل بن أحمد الجوسقي أجازة قالوا: أنا شهدة، وكتاب الأربعين الصوفية لأبي نعيم: أنا إسحاق الآمدي، وسمع من لفظه كثيراً، وسمع على أبي الهول علي بن عمر الجزري كتاب الذكر لابن أبي الدنيا: أنا التقي سليمان ابن حمزة نبأنا الشهاب عمر السهروردي أنا هبة الله الشبلي، وقرأ على أحمد بن العماد وأبي بكر بن العز شيخنا بالإجازة، ومحمد بن الرشيد وعبد الرحمن ابن السبط كتاب التوكل لابن أبي الدنيا قالا: أنا العماد أبو عبد الله محمد بن يعقوب الجرائدي ويحيى بن سعد قالا أنا عبد الرحمن ابن مكي، وعلي ابن أبي بكر بن يوسف بن عبد القادر الخليلي جزءاً في فضل ركعتي الفجر وغير ذلك من أمالي القاضي أبي عبد الله المحاملي: أنا محمد بن غازي الحجازي أنا يحيى بن محمد القرشي أنا عبد الصمد بن محمد الأنصاري أنا عبد الكريم بن الخضر السلمي أنا الخطيب بسنده؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 مات بقلعة الجبل في يوم الاثنين بعد العصر السابع والعشرين من صفر بعد أن تمرض أياماً يسيرة، وأسمع في قدمته سنن أبي داود وقطعة كبيرة من المسند. عبد الرحيم بن محمد بن أبي بكر الرومي الحنفي نائب الحكم زين الدين، اشتغل قليلاً، وتنزل في المدارس، وناب في الحكم مدة؛ ومات في رجب وقارب السبعين أوأكملها. علي بن محمد نور الدين الويشي - وهو بكسر الواو وسكون المثناة من نحت بعدها معجمة، وكان قد طلب العلم فاشتغل كثيراً ونسخ بخطه الحسن شيئاً كثيراً، ثم تعاني الشهادة في القيمة فدخل في مداخل عجيبة واشتهر بالشهادات الباطلة - والله سبحانه عفو غفور! مات في ذي القعدة. محمد بن عبد الرحمن بن أبي أمامة أبو أمامة بن أبي هريرة الدكالي الأصل المعروف بابن النقاش، مات في يوم الثلاثاء سادس عشري شعبان وقد قارب السبعين، اشتغل قليلاً وهو شاب، ثم صار يخالط الأمراء في تلك الفتن التي كانت بعد وفاة برقوق فجرت له خطوب، وقد خطب نيابة عن ابيه بالجامع الطولوني، وحج مراراً وجاور، وتمشيخ بعد وفاة والده ولم ينجب وأصابه الفالج في أوائل هذا العام إلى أن مات به، ودفن إلى جانب والده. محمد بن علي شمس الدين أبو شامة الشامي، كان يزعم أنه أنصاري وولي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 نيابة الحكم بدمشق ثم ناب في الحكم بالقاهرة، وكان كثير السكون مع إقدام وجرأة - وقد تقدم منا في الحوادث، وكان خمل في آخر دولة الأشرف وتغيب مدة، ثم ظهر في دولة الظاهر وولي وكالة بيت المال بدمشق، ومات بها. محمد بن عمر شمس الدين الدنجاوي، مات في أول شوال بالقاهرة وكان تعانى الأدب فمهر، واشتغل في الفقه والعربية، وقرره شرف الدين يحيى بن العطار في خزانة الكتب بالمؤيدية، وكان خفيف ذات اليد، وجاد شعره، ومات في هذا الشهر بعد توعك يسير، وذكر لأصحابه أنه رأى في المنام أنه يؤم بناس كثيرة وأنه قرأ سورة نوح ووصل إلى قوله تعالى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر فاستيقظ وجلا فقص المنام على بعض أصحابه وقال: هذا دليل أنني أموت في هذا الضعف، فكان كما قال، وما أظنه بلغ الأربعين. محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق بن عيسى بن عبد المنع ابن عمران بن حجاج الأنصاري السفطي الشيخ ضياء الدين بن شيخنا ناصر الدين شيخ الآثار النبوية بالقرب - على شاطئ النيل؛ مات في شوال، وكان خيراً فاضلاً مشهوراً بالخير والديانة، وولي المشيخة بعد أبيه فأقام فيها بضعاً وثلاثين سنة. محمد بن محمود بن محمد البالسي ثم القاهرة شمس الدين، مات في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 ليلة الأربعاء الثاني والعشرين من صفر وقد بلغ التسعين وزاد عليها لأن مولده كان سنة 754، كان صاهر شيخنا ابن الملقن قديماً على ابنته، وحصل وظائف من مباشرات وأطلاب وشهادات، وكان أحد الرؤساء بالقاهرة، وناب في الحكم في عدة بلاد، وكان حسن الخط قليل العلم، وسمع الكثير من شيخنا وغيره، واستجاز له شيخنا في شوال سنة سبعين وسبعمائة جماعة من مسندي الشام، منهم عمر بن أميلة وأحمد بن إسماعيل بن السيف وصلاح الدين بن أبي عمر وأحمد بن محمد المهندس وحسن بن أحمد بن هلال وزينب بنت القاسم، وهؤلاء من أصحاب الفخر وآخرون، وحدث في أواخر عمره لما ظهرت هذه الإجازة وعن غيرهم، وتمرض في آخر عمره مدة، ومات صحيح البصر والسمع والأسنان. محمد البصروي ناصر الدين، مات بغزة، وولي كتابة السر في إمرة نوروز بالشام، وتولى قضاء القدس في دولة الأشرف سنة 35، وعزل منها في دولة الظاهر، وكان قليل البضاعة من اعلم، وفيه حشمة ورياسة. محمد البرلس موقع الدست ناصر الدين، مات في جمادى الآخرة، كان يوقع عن الخليفة وعن ناظر الخاص، وكان استقراره في التوقيع سنة.. فأقام في ذلك.. أربعين سنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 سنة ست وأربعين وثمانمائة شهر الله المحرم - أوله السبت، في يوم الاحد - الثاني منه - أمره السلطان والي الشرطة بإصلاح الطرقات، فأساء التصرف في ذلك فإنه ألزم كل من له حانوت أو بيت أن ينظف ما أمامه، واوجع كثيراً منهم بالضرب المؤلم، فبادر إلى ذلك - كل من حضر الوعيد فشرع في قطع ما أمام داره أو حانوته، وغاب كثير منهم فصارت الطرقات جميعاً موعرة وقاسى الناس من ذلك شدة شديدة خصوصاً من يمشي بالليل وهو ضعيف البصر، ثم أبطل ذلك في اليوم الثاني، واستمر بعض الطرق بغير إصلاح. وفي أول يوم منه ختم على كنيسة النصارى الملكيين، لأنه وجد داخلها أعمدة كدان من الحجارة المنحوتة وأكناف جدد فزعموا أن معهم مستنداً بذلك، فلما أبطأوا بإحضاره ختموا عليها ومنعوا من دخولها، وكشف في حارة زويلة عن دار كانت لبعض أكابر اليهود وكانوا يجتمعون عنده للاشتغال بأمور دينهم فمات فجعلها محبسة لذلك فصارت في حكم الكنيسة، فرفع عنهم أنهم أحدثوا كنيسة، فأكد عليهم عدم الاجتماع فيها وأن تسكن بالأجرة أو لمن يستحق سكناها، وفوض الأمر فيها لبعض نواب الحنفي فحكم بانتزاعها من أيدي اليهود، واشهد على الكثير منهم بعد أن ثبت عنده أنها إن أحدثت كنيسة أن لا حق لهم في رقبتها، فحكم بها لبيت المال، فنودي عليها في يوم الأربعاء ثاني عشره. وفي الخامس منه عزر القاضي الحنفي ثلاثة من يهود كنيسة مصر الذي ظهر فيها اللوح المكتتب فيه محمد وأحمد لان جماعة ثبت عنده أنهم كانوا يصعدون على المنبر، فمات واحد منهم وأسلم آخر وعاش آخر موعوكاً ثم مات، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 ثم تتبعوا سائر الكنائس وحكم بأنها من الحجارة الجديدة لكونها محدثة وليس لهم الإعادة إلا بالمثل أو دونه، وفعل ذلك بجميع ما بالبلدين - وحصل على جميع الطوائف من أهل الذمة من الإهانة والتعزير ما لا يزيد عليه، وأظهر الملكية محضراً يتضمن الإذن لهم عمارتها بعد الحريق الكائن في سنة ثلاثين وسبعمائة من القاضي جلال الدين القزويني قاضي الديار المصرية في الدولة الناصرية، وتاريخ المحضر سنة 34، فوقع في ذلك نزاع كثير، وانفصل الحال على أن كل ما حكم فيه نائب الشافعي يكمله على مقتضى مذهبه، وما عدا ذلك يتولى الحكم فيه القاضي المالكي بنفسه. وفي الخامس من المحرم ادعى عند القاضي صدر الدين ابن روق على طائفة من اليهود القرائن بأن بحارة زويلة دارا تعرف بدار ابن شمخ كانت مرصدة لتعليم أطفال اليهود وسكنى لهم فأحدثوها كنيسة، لها حدود أربعة: القبلي إلى خربة فاصلة بينها وبين دار تعرف بأولاد الجالي، والبحري إلى دار بحري في ملك بو سعيد النصراني، والشرقي إلى سكن إبراهيم العلاف، والغربي بعضه إلى دار شموال النافذ وفيه الباب؛ فأشهد عليه انه ثبت عنده بشهادة من أعلم له مضمون المحضر المذكور، وحكم بموجب ما قامت به البينة في تاريخه وكان نص شهادة من أعلم له، شهد بمضمونه عبد الرزاق بن محمد بن شعيب الشهير بالجنيدي، كتب بخطه وأعلم له: شهد عندي بذلك، ومثله عبد الله بن يوسف بن ناصر الشريف النقلي وكتب عنه وأعلم له: شهد بذلك، ومثله جلال الدين محمد بن علي بن عبد الوهاب ابن القماط، ومثله داود بن عبد الكريم وزادوا أن الدار المذكورة تسمى دار ابن شمخ وليست بكنيسة قديماً، وشهد علي بن محمد التوصوفي أن الدار المذكورة - تعرف بدار ابن شمخ وانها كانت معدة لتعليم الأطفال وأعلم له: شهد بذلك ومحمد بن أبي بكر بن محمد - بن قضاة وأنها ليست بكنيسة قديماً وإنها كانت معدة لتعليم أطفال اليهود وكتب عنه وأعلم له: شهد عندي بذلك، وشهد بمثل ذلك نحو عدد المذكورين، ثم اتصل ذلك بأفضل الدين محمود بن سراج الدين القرمي ونفذ حكم صدر الدين في السادس من المحرم، ثم ادعى عند نور الدين ابن البرقي على جماعة من اليهود أن الدار المذكورة أعلاه كانت مرصدة لتعليم أطفال اليهود القرايين ومسكنا لهم ثم اتخذوها كنيسة عن قريب وأنها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 مستحقة لبيت المال المعمور بمقتضى أن ابن شمخ هلك ولم يعقب ولم يترك ولداً ولا أسفل من ذلك ولا عاصباً ولا من يحجب بيت المال عن استحقاقها سفلاً وعلواً، أن رئيس اليهود القرايين ومشايخهم يتداولون وضع أيديهم على الدار المذكورة خلفاً عن سلف بغير طريق شرعي، وطالبهم برفع أيديهم وتسليمها لمن يستحقها، فسئلوا فأجابوا بأن هذه الدار بأيديهم وأنهم وجدوها على هذا الوجه وتلقوها عن آبائهم وأجدادهم، وبين المدعي المذكور ما ادعاه فذكر المدعي أن الذي تضمنه المحضر المذكور ثبت أولاً على صدر الدين وحكم بموجبه ونفذه أفضل الدين، أعذر فيه لجمع كثير من اليهود القرايين، فكلف المدعي المذكور أن يثبت ذلك، فاتصل بنور الدين البرقي ما اتصل بأفضل الدين من الثبوت والتنفيد. والإعذار والإقرار، وثبت عنده بطريق شرعي أن ابن شمخ هلك ولم يترك ولداً ولا اسفل من ذلك ولا عاصباً ولا من يحجب بيت المال عن استحقاق هذه الدار سفلاً وعلوا وثبت عنده جميع ذلك ثبوتاً شرعياً، فلما تكامل ذلك سأل المدعي المذكور الحاكم المذكور الإشهاد على نفسه بثبوت ذلك والحكم باستحقاق بيت المال لهذه الدار سفلاً وعلواً وجميع ما اشتملت عليه من المنافع والمرافق والحقوق، وعلى المعذر إليهم برفع أيديهم عن الدار المذكورة سفلاً وعلوا وتسليمها لبيت المال، فاستخار الله تعالى ونظر في ذلك - وتروى فيه والتمس من المدعي عليهم حجة يدفعون بها ما ثبت بأعاليه أو كتاباً قديماً يشهد لهم بملك أو وقف، فاعترفوا بأن لا حجة لهم تدفع ذلك ولم يكن عندهم كتاب بذلك، فأعاد المدعي المذكور السؤال المذكور، فراجع الحاكم المذكور فيه مستنيبه ومن حضر من أهل العلم، وأجاب السائل إلى سؤاله وأشهد على نفسه بثبوت ذلك عنده الثبوت الشرعي، وحكم بما سأله الحكم به فيه - حكماً صحيحاً شرعياً مستوفيا شرائطه الشرعية، وأشهد عليه بذلك في يوم الجمعة السابع من المحرم سنة تاريخه. وفي يوم الخميس السابع والعشرين من شوال استقر القاضي بدر الدين محمود بن أحمد العينتابي في الحسبة عوضاً عن الشيخ نور الدين الخراساني، وعزل افضل الدين الذي كان الخراساني استنابه في غيبته، وكان قبل ذلك خصيصاً عند القاضي بدر الدين العيني وولاه الخطابة بمدرسته واستنابه، فنقم عليه الانضمام للشيخ نور الدين. وفي هذا اليوم بعد استقرار القاضي ناصر الدين ابن المخلطة في تدريس المالكية بالمدرسة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 الأشرفية نازعه ولد الشيخ عبادة بمساعدة جماعة من الأكابر، وتمسكوا بقول الواقف بان من كان له ولد وهو أهل التدريس بها فلا يقدم عليه غيره، فاستقر الولدان جميعاً لأنه لم يوجد في شرط الواقف ما يمنع التشريك، وقبل ذلك نوزع القاضي شمس الدين ابن عامر المالكي في تدريس الشيخونية يعد أن استقر فيها وعمل إجلاساً، فنوزع بان شرط الواقف أنه لا يقدم على من كان متأهلاً للتدريس من طلبة المكان، فإن لم يكن فيهم أهل قرر من غيرهم، يقدم الأفضل فالأفضل والأمثل فالأمثل، وكان أحد النظار قرر ابن عامر والآخر قرر الشيخ يحيى العجيسي، فاتفقوا على أن الشيخ يحيى أفضل من ابن عامر، فصرف ابن عامر وقرر الشيخ يحيى، وأشار بعض الحاضرين بأن يعوض ابن عامر وظيفة خفيفة من وظائف الشيخ يحيى، فتبرع قاضي المالكية بوظيفته بالجمالية له ووقع التراضي، ثم غضب القاضي من ابن عامر من كلام واجهه به فتعصب له ناظر الجمالية فامتنع من إمضاء النزول، ولم يظفر ابن المخلطة ولا ابن عامر بشيء. وفي يوم الاثنين الخامس عشر من ذي القعدة صرف كاتبه عن القضاء بسبب امرأتين من أهل الشام تنازعتا في نظر خمس سنين وشهراً وعشرة أيام وقف والدهما، فشرك الحمصي وهو يومئذ قاضي الشافعية بدمشق بينهما ثم بعده الونائي بقليل، فحكم للكبرى وألغى الحكم للصغرى، فعقد لهما مجلس بحضرة السلطان وتعصب الأكابر للصغرى، فوجد حكم الونائي لا يلاقي حكم الحمصي فأمر كاتبه أن يستوعب الصورة ويستمر بهما على الاشتراك، فلما تأملت وجدت حكم الونائي لا ينقض، فاعتل عليه وكيل الصغرى بأنه اسنده إلى ما ثبت عنده من تبذيرها وسفهها ولم يفسر التبذير والسفه فلا يقدح فيها، لاحتمال أن يكون من شهد بذلك يعتقد ما ليس بسفه سفهاً وما ليس بتبذير تبذيراً، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 وأخرج فتاوى جماعة من الشافعية بذلك، فتوقفت عن مراده لما تأملت في آخر حكم الونائي بعد اعتبار ما يجب اعتباره شرعاً فقلت: لو جاء فقال: فسر عندي بقادح وقد دخل في هذا الكلام كان مقبولاً منه، فاستشاط الوكيل وتوسلت موكلته إلى جمع كثير من الأكابر، فأبلغوا السلطان أن هذا الكلام تعصب للونائي، فصرح بعزل الاثنين، فلما بلغ كاتبه ذلك أقام بمنزله لا يجتمع بأحد، فلما كان ضحى يوم الخميس حضر إليه الحمصي رسولاً من السلطان على لسان الشيخ شمس الدين الرومي أحد جلساء السلطان فأمره بالاجتماع بالسلطان، فاجتمع به - فقص عليه القصة مفصلة، فعذره واعتذر إليه وقرره في الوظيفة، وكان قد صمم على عدم القبول من أول يوم، فاجتمع به القاضي الماضي المالكي وبلغه عن الجماعة ما يقتضي التخويف والتهديد إذا استمر على الإعراض بما يخشى منه على المال والد والعرض، فقبل على ذلك - والله المستعان؛ ثم ألحوا عليه في التشريك بين المرأتين في النظر، فتأمل - فوجد حكم الونائي منذ سنين وجاز أن يصير السفيه فيها رشيداً، فالتمس منهم بينة تشهد باستواء المرأتين في صفة الرشد الآن ليقع التشريك بينهما مع بقاء حجة الغائبة، فاقيمت عند بعض النواب، وقضى بذلك في ثاني ذي الحجة منها - والله المستعان. وفي الثامن والعشرين من ذي القعدة قدم القاضي بهاء الدين ابن حجي من الشام، وهرع الناس للسلام عليه، ثم استقر في نظر الجيش صبيحة ذلك اليوم وهو يوم الاثنين تاسع عشري شهر ذي الحجة، وظهر بعد ذلك انه كان آخر يوم من الشهر، لأنه اشتهر أن جمع من الناس رأوا هلال ذي القعدة ليلة الأحد. واستهل ذو الحجة يوم الثلاثاء بالرؤية. ففي الحادي عشر منه لبس السلطان البياض. وفي الخامس عشر منه وصل علي بن حسن بن عجلان أمير مكة من الطور وكان السلطان أرسل بالقبض عليه، فقبض في ذي القعدة وجهز في البحر إلى الطور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 ومعه أخوه إبراهيم، فوصلا مقيدين فسجنا ببرج القلعة، وكان أخوهما أبو القاسم قد استقر في الإمرة وتوجه صحبة الحاج، وكان شرط عليه أن يبطل النزلة وهي أن عادة أكابرهم أن يستجير بهم الغريب ويسمونه نزيلاً، فغلب ذلك عليهم حتى صار من عليه حق يستنزل ببعضهم فيمنع من يطالبه حتى بالحق، وكثر البلاء بذلك وافرطوا فيه فرفع ذلك للسلطان، فشرط على هذا الأمير إن يبطل ذلك جملة ويعاقب من فعله، وكتب عليه بذلك التزام وحكم عليه به. ذكر من مات في سنة ست وأربعين وثمانمائة من الأعيان أحمد بن محمد شهاب الدين بن محمد - الشيخ شمس الدين بن فهيد المصري المشهور بابن المغيربي - بالتصغير، ولد من أمة سوداء بعد الستين، ونشأ في حجر أبيه، وزوجه بنت الأمير أبي بكر بن بهادر، وكان بزي الترك، ولم يشتغل بعلم ولا تميز في شيء إلا أنه كان كثير المعاشرة للجند، وينفق عليهم بمعرفة لسانهم والانتساب إلى الفقراء، وولي في سلطنة الملك الظاهر جقمق مشيخة الدسوقية، وكثرت فيه الشكوى، وكان ممن يأكل الدنيا بالدين، ولا يتوقى من يمين يحلفها فيما لا قيمة له مع إظهار تحري الصدق والديانة البالغة، وكان يتوسع في المآكل والملابس من غير مادة، فلا يزال عليه الدين ويشكو الضيق؛ مات بعلة الدرب في ليلة الثامن من شهر ذي الحجة بعد ضعف ستة أشهر. حسن بن نصر الله بن حسن بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الكريم البصروي الأصل ثم الفوي، كاتب سر مصر وناظر جيشها وخاصها ووزيرها وأستادارها ومشيرها، ولد في ليلة الثلاثاء ثالث ربيع الأول سنة سبعمائة وست وستين بفوة ونشأ بها، ثم تحول إلى الإسكندرية فباشر بها عدة جهات، ثم عاد إلى فوة فولي نظرها، ثم عاد إلى الإسكندرية فولي نظرها، ثم تحول إلى القاهرة فترقى بعناية يشبك الكبير في دولة الناصر، فولي الخاص ثم الوزارة ثم نظر الجيش إلى أن جاءت الدولة المؤيدية، فخرجت عنه الجيش وتولى الخاص ثم الوزارة، وصودر مراراً من غير إهانة، ثم ولي الخاص بعد انقضاء الدولة المؤيدية في زمن الظاهر ططر، واستمر في دولة الصالح محمد بن ططر ثم في دولة الأشرف إلى أن استقر أستادارا، وصرف عن الخاص بالقاضي كريم الدين بن عبد الكريم ابن كاتب جكم في أوائل جمادى الأولى سنة 828، وعزل عن الاستادارية، وصودر هو وولده صلاح، وأخذ الأشرف منهما ستين ألف دينار، واستمر بطالاً في منزله، ثم ولي الأستادارية بعد سنين مرة ثانية فلم تطل مدته فيها وعزل، ثم ولي الأستادارية بعد سنين مرة ثانية فلم تطل مدته فيها وعزل، وولي آقبغا الجمالي الأستادارية عوضاً عنه، ولزم داره سنين إلى أن ولي كتابة السربعد موت ولده صلاح الدين فباشرها يسيراً، وعزله جقمق بصهره الكمال البارزي، ولزم البدر بيته إلى أن مات، وكان شيخاً طوالاً ضخماً جهوري الصوت حسن الشكالة مدور اللحية كريماً واسع النفس على الطعام فاضلاً، وطالت ايامه في السعادة هو وولده فصارا رؤساء مصر، وكان لا يسلم كل قليل من مصادره مع إنعامه وفضله على أعيان الدولة، وكان عنده بادرة خلق سيء مع حدة مزاج وصياح في كلامه، مات في هذه السنة بعد أن أقام ضعيفاً نحو السنتين بمرض يقال له الحمق والنسيان اختلط منه ذهنه، وحجب في منزله إلى أن مات في ليلة الأربعاء سابع ربيع الآخر -. أيتمش الخضري كان من مماليك الظاهر برقوق - وتقرر خاصكيا، وولي إمرة غزة ثم ولي الأستادارية الكبرى في دولة الأشرف، وتنقلت به الأحوال وأصيب في جسده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 ببياض فكان يستره بحمرة، وكان قارئاً للقرآن، محباً في حملته، كثير البر لهم، مع شر فيه وبذاءة لسان وارتكاب أمور فيما يتعلق بالمال، سقط عليه جدار فغطاه، فأخرج منه مغشياً عليه، فعاش بعده قليلاً ومات في آخر ليلة السبت العشرين من شهر رجب. تغر بردى البكلمشي الملقب بالمؤذي، مات يوم الثلاثاء خامس عشر - في جمادى الآخرة وهو يومئذ الدويدار الكبير، وكان شهماً شجاعاً، عارفاً بالامور، فصيحاً بالعربية، كثير الجمع للدنيا، وعمر في ولايته الدويدارية مدرسة بالصليبة، عمل فيها خطبة، ووقف عليها أوقافاً غالبها مغتصبة، وسر أكثر الناس بموته لثقل وطاته عليهم، وأظنه قارب السبعين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 عبادة بن علي الزرزاي المالكي الشيخ العالم العلامة المفنن زين الدين، سمع الكثير من شيوخنا ورافقنا في السماع مدة ومهر في الفقه وغيره، وصار رئيس المالكية بأخرة، وعين للقضاء بعد موت القاضي شمس الدين البساطي فامتنع، فألح عليه فأصر ثم تغيب إلى أن ولي غيره، وولاه الملك الأشرف التدريس بمدرسته التي بجوار الوراقين أول ما فتحت - تدريس المالكية بها إلى أن مات، وولي قبل موته بقليل تدريس الشيخونية بعد ابن تقي، وكان قبل موته بمدة قد انقطع إلى الله تعالى، وأعرض عن الاجتماع بالناس وأقبل على شأنه، وامتنع من الإفتاء إلا باللفظ أحياناً، مات في رمضان وجاوز السبعين. عبد الله السنباطي الواعظ جمال الدين، مات في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 رمضان بعد مرض طويل وقد جاوز السبعين، وكان يتكلم على الناس بالجامع الأزهر من نحو سبعين سنة، ولازم مجلس - الشيخ سراج الدين البلقيني، يقرأ عليه من كلامه وكلام غيره، واشتهر ذكره وحظي حظوة عظيمة، وكان مع ذلك يشتغل بالعلم ويستحضر في الفقه، وقد ناب في الحكم عن القاضي جلال الدين وغيره. عبد الرحمن بن محمد الزركشي الشيخ أبو ذر الحنبلي، سمع من أبي عبد الله البياني صحيح مسلم وحدث به عنه مراراً، وتفرد عنه بالرواية بالديار المصرية بل كان في هذا الوقت مسند مصر، مات في ليلة الأربعاء ثامن عشر صفر فنزل الناس بموته درجة، ومولده في.. وخمسين وسبعمائة، وكان يدري الفقه على مذهبه، فقرر في تدريس المدرسة الاشرفية الجديدة، وباشر في تدريس الشيخونية بعد موت القاضي محب الدين الحنبلي البغدادي، وكان صحيح البدن ضعيف البصر وقد ناهز التسعين. عبد العزيز بن علي بن عبد المحمود البكري المقدسي البغدادي الحنبلي القاضي عز الدين، ولي قضاء القدس وحصل بينه وبين الخطيب بالقدس وهو حينئذ القاضي برهان الدين الباعوني فقام على الباعوني فقدر أن الباعوني ولي قضاء الشام، فتوجه عز الدين إلى بغداد فأقام بها وولي القضاء بها ثم عاد إلى القدس، فلما دخل الهروي القدس وقع بينهما فتحول عز الدين إلى القاهرة بأهله، فاتفق دخول الهروي القاهرة وولي قضاء الشافعية بها، فقام عليه عز الدين إلى أن عزل، ثم ولي تدريس الحنابلة بالمؤيدية أول ما فتحت، ثم ولي قضاء الشام فأقام مدة ثم عاد، ثم ولي القضاء بالديار المصرية مرة ثانية، ثم أعيد إلى قضاء دمشق، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 وكان عجباً في بني آدم كثير الدهاء والمكر والحيل ونقل عنه أشياء مضحكة؛ مات بدمشق في شوال مفصولاً عن الحكم، وكان اختصر المغني وضم إليه مسائل من المنتقى لابن تيمية من مختصرات الحنابلة. علي بن إسماعيل بن محمد بن بردس بن نصر بن بردس بن رسلان البعلي علاء الدين، مولده سنة 762 ببعلبك ونشا بها وقرأ القرآن، ورحل به والده إلى دمشق واسمعه جامع الترمذي وسنن أبي داود ومشيخة الفخر على أبي حفص عمر بن أميلة، وأسمعه على الصلاح ابن أبي عمر الشمائل للترمذي ومسند ابن عباس من مسند الإمام أحمد ومسند أهل البيت فيما أظن، وسمع مسند الإمام الشافعي على يوسف بن عبد الله ابن حاتم بن الحبال سنة 772 أنا أبو الحسن اليونيني والتاج عبد الخالق ابن علوان، قال اليونيني: أنا ابن الزبيدي وأخوه أبو علي الحسن وعبد السلام ابن عبد الرحمن بن سكينة ومحمد بن سعد بن الخازن وأبو هريرة محمد ابن الوسطاني وآخرون إجازة؛ ح وقال ابن علوان: أنا الموفق بن قدامة إجازة نا أبو زرعة أنا أبو الحسن الكرخي بسنده، وله مسموعات آخر ببعلبك على شيوخها وفيهم كثرة، وهو شيخ صالح خير مؤذن بجامع بعلبك، مات بعد أن رجع إلى بلاده في أول سنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 ست وأربعين، وكان قدم القاهرة كما تقدم وأقام بها مدة وأسمع الكثير، ثم رجع فمات وبقي من الثلاثة واحد وهو ناظر الصاحبية. محمد بك بن دلغادر الأمير ناصر الدين صاحب الأبلستين وحمو الملك الظاهر جقمق، مات في أوائل جمادى الآخرة بالأبلستين، وقيل إنه قتل على فراشه، وكان كثير الشرور والعصيان على الملوك -. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 محمد بن عمر بن علي الطنبدي القاضي جمال الدين المعروف بابن عرب، مات في ليلة الخميس الثامن من شهر رمضان وهو في عشر المائة، ولد بعد الخمسين بيسير، واشتغل وقرأ القرآن وحفظ التنبيه، ثم وقع على القضاة وهو في العشرين، رأيت خطه في الشهادة على أبي البقاء السبكي سنة 73 فأداها بعد سبعين سنة وزيادة، ثم ولي حسبة القاهرة ووكالة بيت المال غير مرة، وأذن له في الحكم نيابة عن القاضي الشافعي، ثم اقتصر على النيابة بعد الثمانمائة واستمر، وجرت له خطوب، وانقطع باخرة في منزله مع صحة عقله وقوة جسده، وكانت أكثر إقامته ببستان له بجزيرة الفيل، ثم توالت عليه الأمراض وتنصل - إلى أن كان في هذه السنة فإنه سقط من مكان فانكسرت ساقه، فحمل في محفة من جزيرة الفيل إلى القاهرة، فأقام نحو أربعة أشهر ومات، وهو أقدم من بقي من طلبة العلم ونواب القضاة الشافعية. محمد بن محمد بن محمد بدر الدين ين زين بن شمس الدين الدميري المالكي، كان جده ناظر المارستان وولي الحسبة وكذا والده واستمر هو في مشارفته، وكان مشكور السيرة كثير الحياء والتودد للناس، مات في رمضان وكثر الثناء عليه ولم يبلغ الخمسين. محمد بن محمد بن بدير زوج أخت الذي قبله بدر الدين العباسي المعروف بالعجمي، وكان رفيق الذي قبله بالمارستان مشكور السيرة أيضاً محبباً إلى الناس، وكثر التأسف عليهما، مات في شوال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 سنة سبع وأربعين وثمانمائة شهر الله - المحرم، أوله الأربعاء بالرؤية في اليوم التاسع منه استقر سراج الدين عمر بن موسى الحمصي في قضاء الشافعية بطرابلس، وأضيف إليه نظر الجيش بعد أن أقام بالقاهرة ثمانية اشهر وأزيد يسعى في قضاء الشافعية بدمشق، فحضر الونائي قاضيها في الثالث والعشرين من ذي الحجة، فحصل للحمصي ياس من قضاء دمشق فسعى في طرابلس إلى أن خلع عليه. وفي يوم الأحد تاسع عشر شهر ربيع الأول عمل المولد السلطاني، وكان مختصراً في كل أحواله بحيث أن عدد القراء انحط من ثلاثين إلى عشرة وكذلك الوعاظ، وفرغ بين العشائين، وتوجه الناس إلى منازلهم سالمين من عبث المماليك. وفي يوم الاثنين سابع عشر شهر - ربيع الأول توجه العسكر المجهز لقتال الفرنج برودس، ومقدمهم تمرباي راس نوبة الكبير وإينال العلائي الدوادار الكبير، ومعهم ألف وخمسمائة مقاتل، ومعهم جمع كثير من المطوعة، فتوجهوا إلى دمياط ليجتمع بها المراكب التي جهزت من الشامات وغيرها. وفي هذا العشر من هذا الشهر توقف النيل بعد إن كانت الزيادة في العشر الأول ظاهرة، ونودي في يوم منه بثلاثين إصبعاً - والله المستعان فيما كان - فكانت مدة التوقف.. وفي ليلة الخميس.. وفي من شهر ربيع الآخر توجهت مراكب - العساكر إلى دمياط الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 للغزو، وكان ركوبهم في البحر في.. وساروا، وقذفهم الريح إلى أن اجتمعوا في طرابلس.. وتوجهوا منها في..، فلما كان في السابع من جمادى الآخرة فتحوا بلداً في جزيرة في وسط البحر تسمى القشتيل - بفتح القاف وسكون المعجمة وكسر المثناة من فوق وسكون المثناة من تحت بعدها لام. وقد شرح لي صاحبنا العلامة إبراهيم بن عمر بن الحسن البقاعي الوقعة وأثبتها في هذا التعليق بخطه منذ توجهوا من دمياط إلى أن توجهوا إلى جهة الديار المصرية ليكون قصتها متوالية، وهذا اوان سفر الجيش المنصور من داخل فم البحر الملح كان يوم الأحد رابع عشر شهر ربيع الآخر قاصداً اللمسون من جزيرة قبرس - جعلها الله دار إسلام إلى يوم الدين! آمين. وكان في المراكب واحد بطيء السير، فكان الناس يتقدمونه لحكم الهواء ثم يرجعون بسببه، فتاهوا عن طريقهم فأشرفوا على جبال صيدا وكان قد قل ماء بعضهم، فأرسوا على ساحل بيروت ليلة الاثنين ثاني عشري الشهر، وتاه تمرباي في خمسة عشر مركباً فأرسوا على طرابلس في تلك الليلة، ووجدنا العسكر الشامي قد توجه من بيروت إلى قبرس في خمسة عشر مركباً يوم الخميس ثامن عشر الشهر، ثم رحلنا عن بيروت يوم الأربعاء رابع عشري الشهر والريح قليل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 جداً، فأرسينا على الملاحة من أرض قبرس يوم الأحد ثاني عشريه، ووافى بها فيه من كان ذهب إلى طرابلس فكان ذلك من غرائب الاتفاق، ثم رحلنا يوم الثلاثاء مستهل جمادى الأولى، واستبطأنا الشاميون وكانوا على اللمسون فلاقونا بين الملاحة واللمسون فأرسينا هنالك، وقد تم عدد المراكب ثمانين ما بين أغربة وحمالات ومربعات وزوارق وسلالير سوى ما يبتعها من القوارب، ثم سرنا ليلة الأربعاء ثانيه فأرسينا على اللمسون في آخر نهارها، فوجدنا أميرها قد رحل بأهلها وأمتعتهم، فحكم اصحاب الأغراض الدنيوية، وهم غالب الناس عليهم بنقض العهد، وأفتاهم بذلك من تسمي باسم الطلب ممن لم يرسخ قدمه في العلوم الدينية، ولم تطل ممارسته للسنة النبوية، ولا اتسعت معارفه في الأحوال الحربية والسياسات الشرعية، وتشبثوا بما لا تمسك فيه، فاشتد الأذى وعظم الخطب، فسعوا في تلك الأراضي بالفساد ونهبوا ما وجدوه في بعض البلاد، وحرقوا وقتلوا، فنهيت من قدرت عليه وبالغت في الزجر، وبحثت مع بعض من أضلهم حتى قطعت حججهم، وذكرت أنا تحققنا لهم عهداً فلا نزيله إلا بتحقق نقضه وان عذرهم في الهرب الخوف من المفسدين، وما في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا - الآية من الإشارة إلى التأني، وعلى ذلك فإنهم لعمري لم يرجعوا بقلوبهم، ثم ذكرت قصة يهود بني النضير في ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم إليهم - يستعينهم في دية العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه خطا، وجلوسه صلى الله عليه وسلم إلى بعض جدرهم، وعزمهم على أن يطرحوا عليه صخرة ليقتلوه وإخبار الله تعالى له بذلك، وأنه مع تحققه لنقضهم لم يبادر إليهم بالقتال بل خيرهم بينه وبين المسير من بلاده إلى آخر القصة؛ فبينما نحن على ذلك إذ جاءت رسل صاحب قبرس في آخر يوم الخميس تخبر بان ضيافته تلاقي العسكر في الباف بإشباع الموحدة -، وأنهم باقون على عهدهم سامعون مطيعون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 مسرورون بمسيرنا إلى رودس لكثرة أذاهم له، واعتذروا عن هرب القرى المجاورة بنحو اعتذاري عنهم. وفي ذلك اليوم رأى بعض المسلمين مركبين أشرفوا علينا من بعد بحيث رأوا مراكبنا ثم ذهبوا فقصدوا المسير إليهم، فلم يكن في الأغربة من يصلح لذلك من النوتية ولا من الجند ليفرقهم في تلك الأراضي، ثم رحلنا من اللمسون ليلة السبت خامس الشهر فأرسينا على اللمسون عصر يومها، ثم سرنا يوم الاثنين بالمقاذيف وتفرقت المراكب لعدم الريح وعدم المقاذيف في بعضها فأرسينا على الرأس الأبيض في ذلك اليوم، ثم سرنا منه ليلة الثلاثاء خامس عشر الشهر مع معاكسة الهواء وجر أصحاب المقاذيف العريين عنها فارسينا قريباً من ذلك المنزل، ثم سرنا صبيحة يوم الأربعاء سادس عشره فأرسينا على قرية قريبة من الباف، فجاءت رسل صاحب قبرس فأخبروا عن مقدار الضيافة وشكوا ما فعل في بلادهم وتوجعوا، وظهر منهم الخداع إما لما فعل ببلادهم أو لغير ذلك، فاستقل أميرنا هديتهم وغضب لعدم مجيء ملكهم وإحضارهم لما بقي عندهم من المال، واعتذروا عما فعل في بلادهم بأنه فعل بعض الأتباع بغير علمه على أنهم معذورون لعدم المبادرة باللقاء وإحضار الضيافة والإخبار بالطاعة، فرحل ليلة الخميس سابع عشره معرجاً عن الباف لئلا يأخذ هديتهم، فتعديناها وأرسينا على رأس الصندفاني، ثم رحلنا صبح يوم الجمعة ثامن عشر الشهر مع عدم الريح، فاستمرينا ندور في البحر ونحن بحيث نرى الجبال إلى أن قصدنا البر فأرسينا به ليلة الأحد في هذه المنزلة فاستقينا، ثم رحلنا يوم الأحد العشرين منه فنزلنا على مدينة العلايا من بر التركية ليلة الخميس رابع عشري الشهر، وحصلت هناك زلزلة عظيمة قبل غروب شمس يوم الجمعة خامس عشره - بنحو عشر درج رجفت منها الأرض ثلاث رجفات، ثم سرنا عنها يوم الاثنين ثامن عشري اشهر، فأرسينا على مدينة أنطاليا ليلة الأربعاء مستهل جمادى الآخرة، ثم سرنا عنها ضحى ذلك اليوم فأرسينا على آغو ليلة الخميس ثانيه - لاجتماع الناس، وكان قد حصل لهم ريح عاصف فرقهم وضعضع بعضهم، فاجتمعوا إلا اثنين: أحدهما لم يقعوا له على خبر والثاني أخبروا انه في أنطاكيا يصلح خللاً حصل في غرابه، فأمر يشبك الفقيه بالرجوع لمساعدته، فرجع ليلة الأحد خامس الشهر، وسار الأمير بالجيش نحو رودس، فرجعنا إلى أنطاكيا في ذلك اليوم، فلما أصلح المركب سرنا ليلة الثلاثاء سابع الشهر فلحقنا بعض العسكر عند رأس الشالدون فأرسينا جميعاً على منزلة فنيكة، ثم سرنا منها تلك الليلة فلحقنا جميع العسكر في بكرتها عند مجاز القيقبون ومعهم بتخاص وكان مر على المراكب ليلاً فلم يرها وظنهم تقدموا، فلما قرب من القيقبون وجدوا أربعة من مراكب الفرنج فطلبوه فرجع ونذر بهم التركمان، فاجتمعوا في البر فتركوه ورجعوا، فعلم أن الجيش وراءه فاستمر راجعاً حتى نام في فنيكة، وبلغ الأمير خبره فأرسل في أمره نجدة فوجدوه في فنيكة - وفي هذا اليوم أرسلنا بالقيقيون، ووجدوا هنالك امرأة جالسة على الجبل، فأحضروها إلى أمير فقالت: إنها كان تسحر جيش المسلمين ثم هداها الله تعالى إلى الإسلام فأسلمت، فأبطل الله تعالى باطل سحرهم، وأوقعهم في حبائل كفرهم وأشراك كيدهم ومكرهم - ثم سرنا في أواخر ليلة الجمعة عاشر الشهر فأرسينا ضحى يومها بمنزلة إينوا، ثم سرنا منها في أوائل ليلة السبت حادي عشره فأرسينا في أواخرها على قشتيل الروج، وهو حصن منيع على جبل رفيع في طرف جزيرة تقرب مساحتها من مساحة القاهرة من الحسينية إلى القرافة ومن تربة برقوق إلى بولاق فشارفه بعض شبان المسلمين فصعد إليهم بعض الأكابر فتلطف بهم حتى ردهم، فظن الفرنج انهم خافوا فرموا عليهم بمكحلة وهزأوا بهم، فأثر الكلام في الناس فكلم بعضهم الأمير في قتالهم فمنع منه وأقلع للسفر، ثم أكثروا عليه في ذلك فرده الله تعالى لأمر قدره وقضاه، وارتضاه في سالف الازل فأمضاه، فوثب الناس إليهم وثوب الآساد، وسمحوا بأرواحهم سماح الاجواد، ووقع قائم الزحف، وقام قاعد الحتف، وتقدمت الأبطال، وتميزت فحول الرجال، وعملت المعاول في السور، وبان هنالك الرجل الصبور، وتراشق الناس بالنبال، وتراموا بالجنادل الخفاف والثقال، فطارت رسل السهام، بمر شراب الحمام، ودارت على البرايا، كؤوس المنايا، وألقوا بالدرق والحنويات، والدروع الداوديات - ولله در المقاليع! فلقد كانت كأنها المناجيق - ولله أصحابها! فلقد كان الأقوياء يسترون بعض أجسامهم بدروع الحديد وكانوا هم يعدون جميع أبدانهم حديداً، ويرمون رمياً شديداً، ثم أحجموا عن مجاورة السور إلى جدار الحصن وهبت ريح الصبا من حين قتالهم إلى ظهر يوم الاثنين ثاني عشر الشهر، فكان ذلك من آيات القول المحمدي نصرت بالصبا وفي ذلك اليوم حطم الناس واشتد البؤس، وقامت الحرب على ساق، وكلت من النظر الاحداق، اشتكت إلى أبدانها الأعناق، واستداروا بالحصن من غالب الجوانب، وكثر في رمينا الصائب؛ فحمي الوطيس، وخذل إبليس أخطأت كثيراً سهامهم ومكاحلهم، وأصيبت دروعهم ومقاتلهم، وحينئذ استدارت الريح دبوراً فكانت من علامات إهلاكهم، وأهلكت عاد بالدبور، وهدت مكحلتنا عند ذلك ناحية من الجدار، وأضرم بسهم خطاي من تحته نار؛ وكان ذلك من بديع الآيات، وعظيم العنايات، وما زالت تقلله تقليلاً، وتهدمه قليلاً قليلاً، إلى أن هدمت منه جانباً كبيراً، وكان يوماً على الكافرين عسيراً. اليلة الأربعاء مستهل جمادى الآخرة، ثم سرنا عنها ضحى ذلك اليوم فأرسينا على آغو ليلة الخميس ثانيه - لاجتماع الناس، وكان قد حصل لهم ريح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 عاصف فرقهم وضعضع بعضهم، فاجتمعوا إلا اثنين: أحدهما لم يقعوا له على خبر والثاني أخبروا انه في أنطاكيا يصلح خللاً حصل في غرابه، فأمر يشبك الفقيه بالرجوع لمساعدته، فرجع ليلة الأحد خامس الشهر، وسار الأمير بالجيش نحو رودس، فرجعنا إلى أنطاكيا في ذلك اليوم، فلما أصلح المركب سرنا ليلة الثلاثاء سابع الشهر فلحقنا بعض العسكر عند رأس الشالدون فأرسينا جميعاً على منزلة فنيكة، ثم سرنا منها تلك الليلة فلحقنا جميع العسكر في بكرتها عند مجاز القيقبون ومعهم بتخاص وكان مر على المراكب ليلاً فلم يرها وظنهم تقدموا، فلما قرب من القيقبون وجدوا أربعة من مراكب الفرنج فطلبوه فرجع ونذر بهم التركمان، فاجتمعوا في البر فتركوه ورجعوا، فعلم أن الجيش وراءه فاستمر راجعاً حتى نام في فنيكة، وبلغ الأمير خبره فأرسل في أمره نجدة فوجدوه في فنيكة - وفي هذا اليوم أرسلنا بالقيقيون، ووجدوا هنالك امرأة جالسة على الجبل، فأحضروها إلى أمير فقالت: إنها كان تسحر جيش المسلمين ثم هداها الله تعالى إلى الإسلام فأسلمت، فأبطل الله تعالى باطل سحرهم، وأوقعهم في حبائل كفرهم وأشراك كيدهم ومكرهم - ثم سرنا في أواخر ليلة الجمعة عاشر الشهر فأرسينا ضحى يومها بمنزلة إينوا، ثم سرنا منها في أوائل ليلة السبت حادي عشره فأرسينا في أواخرها على قشتيل الروج، وهو حصن منيع على جبل رفيع في طرف جزيرة تقرب مساحتها من مساحة القاهرة من الحسينية إلى القرافة ومن تربة برقوق إلى بولاق فشارفه بعض شبان المسلمين فصعد إليهم بعض الأكابر فتلطف بهم حتى ردهم، فظن الفرنج انهم خافوا فرموا عليهم بمكحلة وهزأوا بهم، فأثر الكلام في الناس فكلم بعضهم الأمير في قتالهم فمنع منه وأقلع للسفر، ثم أكثروا عليه في ذلك فرده الله تعالى لأمر قدره وقضاه، وارتضاه في سالف الازل فأمضاه، فوثب الناس إليهم وثوب الآساد، وسمحوا بأرواحهم سماح الاجواد، ووقع قائم الزحف، وقام قاعد الحتف، وتقدمت الأبطال، وتميزت فحول الرجال، وعملت المعاول في السور، وبان هنالك الرجل الصبور، وتراشق الناس بالنبال، وتراموا بالجنادل الخفاف والثقال، فطارت رسل السهام، بمر شراب الحمام، ودارت على البرايا، كؤوس المنايا، وألقوا بالدرق والحنويات، والدروع الداوديات - ولله در المقاليع! فلقد كانت كأنها المناجيق - ولله أصحابها! فلقد كان الأقوياء يسترون بعض أجسامهم بدروع الحديد وكانوا هم يعدون جميع أبدانهم حديداً، ويرمون رمياً شديداً، ثم أحجموا عن مجاورة السور إلى جدار الحصن وهبت ريح الصبا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 من حين قتالهم إلى ظهر يوم الاثنين ثاني عشر الشهر، فكان ذلك من آيات القول المحمدي نصرت بالصبا وفي ذلك اليوم حطم الناس واشتد البؤس، وقامت الحرب على ساق، وكلت من النظر الاحداق، اشتكت إلى أبدانها الأعناق، واستداروا بالحصن من غالب الجوانب، وكثر في رمينا الصائب؛ فحمي الوطيس، وخذل إبليس أخطأت كثيراً سهامهم ومكاحلهم، وأصيبت دروعهم ومقاتلهم، وحينئذ استدارت الريح دبوراً فكانت من علامات إهلاكهم، وأهلكت عاد بالدبور، وهدت مكحلتنا عند ذلك ناحية من الجدار، وأضرم بسهم خطاي من تحته نار؛ وكان ذلك من بديع الآيات، وعظيم العنايات، وما زالت تقلله تقليلاً، وتهدمه قليلاً قليلاً، إلى أن هدمت منه جانباً كبيراً، وكان يوماً على الكافرين عسيراً. وكان الأمير سودون قراقاش المؤيدي - قص على يوم السبت سادس عشري جمادى الأولى أنه رأى في المنام أن الحصار في مكان له سوران، قال: فهززت الذي يليني لأرميه، فقال: ارم الذي وراءك فهو الأهم، قال: فقلت: بل أرميك ثم أرميه؛ فكان تأويل ذلك أنه كان منزله وقت حصار هذا الحصن قرب البرج الأخير الذي يلي - فيه الباب، فاشرف من هناك بعض الفرنج ضحى يوم الخميس سادس عشر الشهر أعني جمادى الآخرة - وقالوا: قد كان قصدكم إلى رودس فنريد أن تذهبوا إليها قبل أن تنهك أنفسكم وأموالكم، فإن أخذتموها فنحن في قبضتكم، أو أعطونا سلورة حتى نذهب إليهم، فإن رضوا سلمنا لكم فعلنا؛ فلم يرد الأمير لهم جواباً إلا رمي المكحلة والمنجنيق، وكان قد نهانا في ذلك الوقت ونادى مناديه وهم يسمعون بالمنع من كلامهم إلا بإذنه، وكنا وجدناهم قد طموا بعض آبارهم، ووضعوا في الجميع التراب وأغصان الدفلي وورقها، فأنتنت المياه وقلت، فذهب جماعة من المسلمين إلى بر التركية للاستقاء، فوجدوا هناك ثلاثة رجال فأتوا بهم في عصر هذا اليوم، فسألهم الأمير عن أمرهم، فقالوا: إنهم هربوا من بلاد التركمان قاصدين إلى القشتيل، فضربهم فأصروا على ذلك وقالوا: إنهم مماليك لبعض الروم وسمي كل واحد منهم مالكه وكان قد أصيب خلق ممن دنا إلى الحصن بالحجارة والنبل وضاع منا في أحجارهم سهام كثيرة، فمنع الأمير من الدنو إليهم وجعل جل القتال على المدفع والمنجنق، ثم أمطرت علينا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 السماء من أوائل يوم الأحد إلى أواخر يوم الاثنين مطراً متصلاً ومنه ما هو شديد جداً مع برق ساطع ورعد صادع ثم استمر الجو في غالب الأوقات مغلساً والمطر يتعاهد الارض والهواء عاصف فشق ذلك على الناس لإتيانه لهم على غفلة لكنه أغناهم عن الاستقاء من بر التركية، ثم صحت السماء يوم السبت خامس عشري الشهر وحميت الشمس فاتفقت فيه كثرة إصابة المكحلة والمنجنيق وتواردهما على مكان واحد من الجدار فأوهناه وهنا شنيعاً وأسرعنا إلى إفساده إسراعاً ذريعاً، فخاف الكفار من الدنو إلى ذلك المكان، فاتفق أن قاربه اثنان من المسلمين فعلما ذلك فلاصقا الجدار وتابعهما الناس وأسرع إليهم النقابون وستروهم بالأتراس. وجاء الفرنج وأكثروا من رمي الحجارة، فيسر الله تعالى نقبه، وتلاحق الناس بالحنويات وجدوا في الأمر، وكانت القتلى مع ذلك قليلاً، وجاء الليل فأرخى ستره وأسبل سرباله فكانت حجارتهم تنزل على غرة فغلبت السلامة، وضاق النقب على الحجارين فستر لهم بابه بالاخشاب فأوسعوا، وجد الجد عند الصباح وعظم الهد لما دعا داعي الفلاح، وحم الأمر وجاء النصر، ودقت فينا البشائر، وشقت منهم بعد الجدر المرائر فقذف الله في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين، فطلبوا الأمان عند الشروق، فكفوا عنهم النبل ودلوا كبيرهم إلينا بحبل، فوقع الصلح على أن يكفوا عنهم القتل، وعن أهلهم ويتركوا حصنهم بما فيه، فكان ذلك من الألطاف الخفية والآيات النبوية، وكانت عدتهم نحو مائة وخمسين ورحالهم ستين، والله أعلم بعدة قتلاهم! فقد سئل اثنان بحضوري مفترقين فاختلف كلامهما اختلافاً كثيراً، وقتل منا أكثر من ثلاثين وجرح كثير، فصعد المسلمون إليه وعلوا أكثرهم - عليه، ونكست تلك الأعلام وانتصبت رايات الإسلام، وكسرت الصلبان، وعلت كلمة الإيمان، وزعق هنالك الذعر السلطاني، وحمد ولله الحمد الأمر الشيطاني، وكان يوماً علينا مطيراً، وعلى الكافرين عبوساً قمطريراً، ثم شرعنا في هدم المكان صبح يوم الاثنين سابع عشري شهر، فلم يفرغ إلا وقد ساوت جدرانه الأرض، من طولها والعرض، وسارع إليه الخراب، وصار ماوى الثعالب والذئاب، ولم يبق في تلك الجزيرة ديار، ولا نافخ نار، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 ولقد صعدت الحصن فرأيت من صعوبته ما يزيد على الوصف، وكثر حمدي لله تعالى على ما ألقى في قلوبهم من الرعب، فإنهم لو ثبتوا لزاد التعب، ولم نقدر عليه بنقب ولا مكحلة، والمرجو ممن حقق بعض - منام الأمير سودون أن يحقق بقيته، واتفق رأي الأمراء أن يشتوا في بلاد الروم في بلدة يقال لها مكري حتى يريد الله ما يريد فهو المرجو فضله في تيسير الأمور، ثم لم يوافقهم الريح الشرقي واستمر الغربي، وخافوا من هروب من في المراكب من النواتية وغيرهم، فاقتضى رأيهم أن ينزلوا بجزيرة قبرس، فساروا ضحى يوم الأحد ثالث شهر رجب، فاصبحوا بمنزلة فنيكة وقد تفرقت المراكب لظلمة الليل وقلة الريح، فأقاموا بها يومين ثم سافروا، فقويت الريح فأرسوا بالجانب الغربي من رأس الشالدون في منزلة يقال لها قرابالق وقد تفرقت المراكب بحيث لم يعلم أحد خبر أحد إلى أن هبت الريح فاجتمعوا إلا مركب الأمير إينال الدويدار، وهو كبيرهم، فأرسلوا من يعرف خبرهم في مركب لطيف فلم يعد الخبر عنه، ثم ظهر إنه ارسى بمن معه في القيقبون من عدم الريح، فتوجهت الاغربة بأمر أمير البحر إليه وكان غرابنا فيها، فسرنا بعد أن دفن أمير الشاميين فارس نائب القلعة وكان جرح في القشتيل في جبينه جراحة أزالت عقله، فلما كنا في أثناء الطريق آخر هذا اليوم أرسلت علينا السماء من أفواهها عيون الماء، واجتمعت ظلمة الليل إلى سواد ذلك العماء، فأرسينا هنالك، وقد خفنا أن تحيط بنا المهالك، وأن تحبط أعمالنا لذلك، فلم يصبح يوم الأحد عاشره إلا وقد شابت رؤوس الجبال فاكتست عمائم الثلج البيض، وعادت وجوه الرجال من شباب البرد في الطويل العريض، ثم ابيض السحاب فشابت منه ناصية البحر، وعاد اسوداده واخضراره فائقاً بياض النحر، فضربتنا الأهواء من بياض الجبال والبحر بشيبين، وأغرقتنا الأنواء من ماء الغمام والموج بشيبين، وبلينا من قرص الذباب ورقص الغراب، بأليم العذاب، فعلمت أنه لا يريح من هذه العموم، ويزيح ما توالى من جيوش الغموم، إلا الأعمال الصالحة، والأقوال الرابحة، ولم أستحضر فيما سلف لي منها اأرتضيه، فألتجئ إلى ظله وارتجيه، وفهمت من حديث كعب بن عجرة وغيره أن أسرع الدعاء في القبول، واشده إنقاذاً من شدة الشدائد الصلاة على الرسول، فلزمتها ليلاً ونهاراً، عشياً وإبكارا وأرسينا ليلة الاثنين على فنيكة - ومنعنا الهواء من جوازها وهو صعب العريكة، فبتنا بليلة رأينا فيها من الأهوال ما رأينا، وقاسينا من شديد الأحوال الذي قاسينا، ريح تكاد والعياذ بالله أن تقلب الغراب، وصيب لا ينجي منه ستر ولا ثياب، وبرق يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار، وأمواج ما يمنعها كبر - من الكبر ومثيرها البحر الزخار، فضاقت الصدور من جامعين، وطارت القلوب من خافضين رافعين، ليل سواده أشد من سواد الغراب، وغراب أعظم في تقلبه من لاطائر النقاب، ثم انجلت الشمس وطاب الوقت، وابتدانا في اجتناء ثمرة الصلات من الفوز والنجاة، فسرنا في آخر ليلة الأربعاء ثالث عشر الشهر نحو القيقبون حتى أدركنا بقية الجيش في المكان الأول، واجتمعت الآراء على العود إلى الديار المصرية خوفاً من هيجان البحر وعدم موافقة الرياح - والله المستعان. يوم الأحد ثالث شهر رجب، فاصبحوا بمنزلة فنيكة وقد تفرقت المراكب لظلمة الليل وقلة الريح، فأقاموا بها يومين ثم سافروا، فقويت الريح فأرسوا بالجانب الغربي من رأس الشالدون في منزلة يقال لها قرابالق وقد تفرقت المراكب بحيث لم يعلم أحد خبر أحد إلى أن هبت الريح فاجتمعوا إلا مركب الأمير إينال الدويدار، وهو كبيرهم، فأرسلوا من يعرف خبرهم في مركب لطيف فلم يعد الخبر عنه، ثم ظهر إنه ارسى بمن معه في القيقبون من عدم الريح، فتوجهت الاغربة بأمر أمير البحر إليه وكان غرابنا فيها، فسرنا بعد أن دفن أمير الشاميين فارس نائب القلعة وكان جرح في القشتيل في جبينه جراحة أزالت عقله، فلما كنا في أثناء الطريق آخر هذا اليوم أرسلت علينا السماء من أفواهها عيون الماء، واجتمعت ظلمة الليل إلى سواد ذلك العماء، فأرسينا هنالك، وقد خفنا أن تحيط بنا المهالك، وأن تحبط أعمالنا لذلك، فلم يصبح يوم الأحد عاشره إلا وقد شابت رؤوس الجبال فاكتست عمائم الثلج البيض، وعادت وجوه الرجال من شباب البرد في الطويل العريض، ثم ابيض السحاب فشابت منه ناصية البحر، وعاد اسوداده واخضراره فائقاً بياض النحر، فضربتنا الأهواء من بياض الجبال والبحر بشيبين، وأغرقتنا الأنواء من ماء الغمام والموج بشيبين، وبلينا من قرص الذباب ورقص الغراب، بأليم العذاب، فعلمت أنه لا يريح من هذه العموم، ويزيح ما توالى من جيوش الغموم، إلا الأعمال الصالحة، والأقوال الرابحة، ولم أستحضر فيما سلف لي منها اأرتضيه، فألتجئ إلى ظله وارتجيه، وفهمت من حديث كعب بن عجرة وغيره أن أسرع الدعاء في القبول، واشده إنقاذاً من شدة الشدائد الصلاة على الرسول، فلزمتها ليلاً ونهاراً، عشياً وإبكارا وأرسينا ليلة الاثنين على فنيكة - ومنعنا الهواء من جوازها وهو صعب العريكة، فبتنا بليلة رأينا فيها من الأهوال ما رأينا، وقاسينا من شديد الأحوال الذي قاسينا، ريح تكاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 والعياذ بالله أن تقلب الغراب، وصيب لا ينجي منه ستر ولا ثياب، وبرق يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار، وأمواج ما يمنعها كبر - من الكبر ومثيرها البحر الزخار، فضاقت الصدور من جامعين، وطارت القلوب من خافضين رافعين، ليل سواده أشد من سواد الغراب، وغراب أعظم في تقلبه من لاطائر النقاب، ثم انجلت الشمس وطاب الوقت، وابتدانا في اجتناء ثمرة الصلات من الفوز والنجاة، فسرنا في آخر ليلة الأربعاء ثالث عشر الشهر نحو القيقبون حتى أدركنا بقية الجيش في المكان الأول، واجتمعت الآراء على العود إلى الديار المصرية خوفاً من هيجان البحر وعدم موافقة الرياح - والله المستعان. واتفق وصول أولهم إلى ساحل دمياط في يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر رجب، ووصل الخبر بذلك إلى القاهرة في يوم الجمعة بعد الصلاة، ثم وصل سودون المحمدي مبشراً بقدومهم فاجتمع بالسلطان في يوم الاحد الثاني والعشرين منه، ثم تلاحق بقية العسكر، فمنهم من جرته الريح إلى ساحل دمياط كما تقدم، ومنهم من جرته إلى الإسكندرية، ونزل أكثرهم بساحل رشيد، ثم دخلوا بحر النيل فاستقبلهم الريح المريسية، فما تكامل مجيئهم إلا في يوم الأربعاء حادي عشر شعبان، فركبوا جميعاً ومعهم الأسرى والغنيمة إلى القلعة، وخلع عليهم، واجتمعوا بالسلطان يوم الخميس. من الحوادث بعد سفر الغزاة في أواخر جمادى الآخرة قدم زين الدين عبد الباسط الذي كان ناظر الجيش ومدبر المملكة في سلطنة الأشرف بعد أن استأذن في القدوم إلى السلطان زائراً، فأذن له فقدم، وهرع الناس إلى تلقيه وبالغوا في ذلك لما ظنوا من عوده إلى ما كان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 عليه، فلما اجتمع بالسلطان خلع عليه وعلى أولاده الثلاثة، فزينت لهم البلد وأظهروا من الفرح به ما لم يكن في البال حتى أطبق أكثر الناس على أنهم ما رأوا مثل ذلك اليوم من كثرة استبشار الناس به، وهرع الناس بعد للسلام عليه وأرجفوا بولايته وتنافسوا في ذلك، فأقام أياماً ثم استأذن في الزيارة فأذن له، فحصل له بسط زائد وابتهاج وعاد بغير شيء، ثم تكرر ذلك إلى أن أظهر أنه لا أرب في ولاية من الولايات وإنما يريد أن يشتي بالقاهرة ويصيف بالشام، فسكت عنه، ثم بدا له أن يستأذن في الرجوع فأذن له فودع، وسار قبل أن يستهل رجب، وحصل لأصحاب الوظائف طمأنينة زائدة بعد قلق كثير، لأن كلاً منهم ما كان يدري ما يؤل أمره معه، وأعطى السلطان لولده الكبير بالشام - إمرة. وفيه رافع ولد القاضي شهاب الدين ابن الرسام الذي كان قاضياً بحماة ثم بحلب، وكان ولده هذا يتقاضى الإشغال بباب والده، ثم توصل إلى التعرف بالسلطان لما كان في السفرة الأخيرة من دولة الأشرف بحلب، ثم إنه حضر ورافع في كاتب السر بحلب وهو زين الدين عمر بن شهاب الدين بن السفاح وفي نائب القلعة ووالي القلعة ومباشر القلعة أنهم استولوا على الحواصل السلطانية في إمرة تغري برمش الذي كان نائباً بها وخرج لما خلع الملك العزيز وآل أمره إلى القتل كما تقدم، فاحضر الأربعة مع البريدية وحبسوا بالبرج، ثم أذن لنائب القلعة تغري برمش الفقيه في محاسبتهم، فتقرر عليهم خمسة وعشرين ألف دينار وأطلقوا ليحصلوها، واستقر الذي رافع فيهم في نظر الجيش وكتابة السر جميعاً، وسافر ومعه زوجته ألف بنت القاضي علم الدين صالح ابن شيخنا البلقيني، فلما كان بعد سفره بعشرة أيام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 أعيدت كتابة السر لابن السفاح وأذن له في السفر.. ذكر من مات في سنة سبع وأربعين وثمانمائة من الأعيان ازبك جحا مات مسجونا بقلعة صفد، وكان من خواص الأشرف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 حسن بن عثمان بن الأشقر بدر الدين أخو ناظر الجيوش محب الدين، وكان قد باشر نظر المرستان نيابة عن أخيه، ثم لما تولاه في زمن الظاهر جقمق مات في صفر ولم يكمل الستين، وتاسف عليه أخوه كثيراً، وكان قائماً بأمور أخيه كلها. علي بن أحمد بن.. بصال الإسكندراني الأصل نور الدين - كان يتعانى التوقيع في ديوان الإنشاء، واشتغل كثيراً في عدة فنون ولم يكن بالماهر، وسمع من أبي الفرج ابن الشيخة والشيخ سراج الدين بن الملقن وغيرهما ومن قبل ذلك، كتب بخطه كثيراً من تصانيف شيخنا المذكور، وحدث باليسير ولازم مجالس الإملاء عندي نحواً من عشرين سنة، مات ف آخر يوم الأربعاء ثالث عشري رجب أظنه أكمل السبعين. خليل السخاوي غرس الدين ناظر الحرمين القدس والخليل، كان عامياً ورقاه الظاهر جقمق حتى عد من الأعيان، ولم تطل مدته حتى مات ليلة العشرين من جمادى الأولى وكان يتدين مع كونه عارياً. صدقة المحرقي فتح الدين ناظر الجوالي، كان ممن رقاه جقمق على عاميته؛ مات في ليلة الخميس سلخ شوال ودفن ظاهر باب الحديد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 فارس أمير السرية التي خرجت من دمشق في الغزاة إلى رودس فأصابه جراحة، فتضعف منها إلى أن مات في البحر بعد أن رجعوا - وقد ذكر في رسالة برهان الدين -. محمد ناصر الدين أبو المعالي بن السلطان الظاهر جقمق، مات في السبت سحر الثاني عشر من ذي الحجة، وكان مولده في شهر رجب سنة 816، وقرأ القرآن واشتغل بالعلم وحفظ كتباً ومهر في مدة يسيرة، ونشا في معاشرة أهل العلم، ولازم الشيخ سعد الدين بن الديري قبل أن يلي القضاء، وتردد إلى كاتبه، وأخذ عن شمس الدين الكافياجي الرومي وغيره، وكان محباً في العلم والعلماء، وولي الإمرة بعد سلطنة أبيه بقليل، وجلس راس الميسرة وسكن الغور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 بالقلعة، ووعك في أثناء السنة قدر شهر ثم عوفي، ثم انتكس في أوائل شوال وأصابه السل، فصار بنقص كل يوم، ثم انقطعت عنه شهوة الأكل وخرج إلى النزهة في الربيع وهو بتلك الحال فما رجع إلا وهو كما به، وطرأ عليه الإسهال واستحكم به السل، وهو مع ذلك يحضر الموكب إلى أن صلى صلاة العيد ونزل إلى بيته بالرميلة فضحى ورجع واستمر إلى أن مات، لم يتهيأ له أن يوصي، وخلف بنتين وثلاث نسوة ووالديه، وكان حنفياً لكثرة من يعاشره، ويلازم الشافعية، وكان كثير البر والبشر، قليل الأذى، كثير الإنكار على ما لا يليق بالشرع، غلا أنه كان منجمعاً عن الكلام مع والده، وكان يكظم غيظه إلى أن قدرت وفاته -، فمات شهيداً فمنعهم أبوه من الاعتماد على ذلك، ومنهم من يزعم أنه سقى؛ ولم يثبت شيء من ذلك، ودفن بقرب القلعة بالتربة التي أنشأها قانباي الجركسي لولده محمد.. وكان من أقرانه، وكانت سيرة الآخر مشكورة، ومات وله دون الثلاثين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 يحيى بن العباس بن محمد بن أبي بكر العباسي، وهو ابن الخليفة السلطان المستعين بالله أمير المؤمنين بن المتوكل بن المعتضد، مات بعد الظهر الثاني عشر من المحرم، وأخرجت جنازته صبيحة الثالث عشر، ودفن بالصحراء في حوش اتخذه لنفسه فدفن فيه أولاده، ولم يخلف غير بنتين، ولم يبلغ الأربعين، وكان قد ترشح للخلافة لما مات عمه المعتضد داود وادعى أن والده عهد إليه، فلم يتم له ذلك، وكان من خيار الناس، مشكور السيرة، سليماً مما يعاب - رحمه الله! ولم يخلف ذكراً وخلف مالاً جزيلاً فيما قيل. جمال الدين بن المجبر التزمنتي.. الشيخ جمال الدين، مات في ليلة الجمعة خامس عشر شهر رجب، وكان فاضلاً اشتغل كثيراً -، ودار على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 الشيوخ، ودرس في أماكن، وناب في الحكم عن القاضي علم الدين ابن شيخنا البلقيني وكان صديقه، وأظنه جاوز السبعين. جلال الدين بن شرف الدين عبد الوهاب، الشريف الجعفري الزيني الأسيوطي، مدرس المدرسة الشريفية بأسيوط، والمدرسة المذكورة إنشاء ابن عم أبيه زين الدين بن الناظر الاسيوطي، وكان قد ولي الحكم بها مدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 سنة ثماني وأربعين وثمانمائة استهل المحرم منها يوم الاثنين وقد تزايد الطاعون، وبلغ عدد الأموات في كل يوم زيادة على عشرين ومائة ممن يضبط في المواريث وقيل إنه يزيد على المائتين، وأكثر من يموت الأطفال والرقيق، ثم تزايد واشتد اشتعاله إلى أن دخل الحاج فتزايد أيضاً، ومات من أطفالهم ورقيقهم عدد جم، ويقال إنه جاوز الألف في كل يوم. وفي يوم الاثنين ثاني عشري الشهر خرج أمير المجاهدين إينال الدويدار الكبير، وكان خرج قبله باثني عشر يوماً طائفة كبيرة تقدموا إلى إحضار المراكب من دمياط إلى الإسكندرية. وفي يوم الجمعة الثالث من صفر بعد صلاة الجمعة والشمس في الجوزاء أمطرت السماء مطراً يسيراً بغير رعد، تقدمته ريح عاصف بتراب منتشر، فسكن في الحال واصبح الناس يتحدثون أن الوباء قد تناقص عما كان. وفي ليلة الأحد خامس صفر وجدت وجعاً تحت إبطي الأيمن ونغزة مؤلمة فنمت على ذلك، فلما كان في النهار زاد الألم قليلاً، ونمت القائلة وانتبهت - والأمر على حاله، فلما كان العاشر برزت تحت إبطي كالخوخة اللطيفة، ثم أخذت في لخفة قليلاً قليلاً إلى العشر الأخير منه فذهبت كأن لم تكن - ولله الحمد! وتناقص الموت إلى أن انحط ما بين العشرين والثلاثين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 شهر ربيع الأول - أوله الخميس بالرؤية الواضحة، ووافق الرابع والعشرين من بونة، وفي يوم الجمعة اختبر القياس مكان الماء. وفي يوم السبت دار من يبشر بالنيل. وفي يوم الأحد نودي بالزيادة وقد - وصل هجان من الحجاز يخبر برخص الأسعار بمكة - وله الحمد! وفيه ارتفع الطاعون نادراً ثم ارتفع جملة -. وفي يوم الثلاثاء أواخر الشهر سقط الجدار على ولد سعد الدين إبراهيم الذي كان أبوه ناظر الخاص وكذا جده المعروف بابن كاتب جكم - فمات، وكان قد طعن بجنبين ثم خلص وأفاق فبغته الموت بالهدم، وكان قد قارب البلوغ، وخرجت له جنازة حافلة. شهر ربيع الآخر يوم الجمعة بالرؤية، في يوم الأحد ثالث شهر ربيع الآخر حضر إلي بعض الدويدارية من عند السلطان يأمرني أن ألزم البيت - وهي كناية عن العزل، ثم لم نلبث إلا ساعة أو دونها فحضر الشيخ شمس الدين الرومي جليس السلطان فذكر أن السلطان ندم على ذلك وقال: لم أرد بذلك العزل، وسأل أن ابكر إلى القلعة صبيحة ذلك اليوم لألبس خلعة الرضا، وكان السبب في ذلك أن بعض نواب الحكم أثبت شيئاً فاستراب السلطان به فأحضره وأحضر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 بعض الشهود فاختلف كلام من حضر من الشهود، فتغيظ وبطش بنائب الحكم وأمر بسجنه وعزل القاضي الكبير، ثم أعيد القاضي في يومه وأمر بالإفراج عن النائب، فحصل لي حنق فالتزمت أنني لا أستنيب إلا عشرة ولا أعيد أحداً من غيرهم إلا بإذن مشافهة من السلطان؛ وذلك في يوم الخميس سلخ الشهر، وأوضحت للسلطان عذر النائب فيما أثبته، فأظهر القبول بحضرة قاضي القضاة الحنفي والشيخ شمس الدين الونائي، واخبراه أنه لم يخطئ في الحكم، ومع ذلك بقي عنده من ذلك بقايا، ثم حصل اجتماع آخر وتأكد قبول العذر، ثم حضر عنده النائب ورضي عليه وكساه فرجية وأذن في عوده لنيابة الحكم. وفي التاسع منه كسر الخليج في يوم الثلاثاء - ونودي فيه بزيادة عشرين إصبعاً، وكان في يوم الاثنين قبله نودي بعشرين إصبعاً، قبله في يوم الأحد بعشرين إصبعاً ثم نودي في صبيحة الأربعاء بتكملة سبعة عشر ذراعاً، ولم يعهد قط أنه نودي يوم الوفاء بزيادة عشرين إصبع، منها إصبعان تكملة الوفاء وثمانية عشر زيادة أول يوم منه. وفي رابع عشري شهري ربيع الآخر وصل الغزاة إلى ساحل رودس، فتحصن أهلها في قلعتهم فوجدوها في غاية الحصانة، فوصل كتاب صاحبنا برهان الدين البقاعي مؤرخ بالسابع من جمادى الأولى فيه شرح قصتهم في الذهاب إلى أن حاصروا القلعة - وقد ضممته إلى هذا التعليق كما فعلت في غزاة قشتيل. ثم وصل كتاب الشريف الكردي مؤرخ بالتاسع من جمادى الأولى المذكور، وفيه أنه أصيب من المسلمين خلق كثير مما رماهم الفرنج من أعلى الحصن وكسر من المراكب. وأن أكثرهم حصل لهم الفشل والخور بسبب من أصيب منهم وأنهم في ضيق، فجهز السلطان إليهم مدداً، وقد فتحت رودس في خلافة معاوية على يد جنادة بن أبي أمية، وأمر معاوية جماعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 من المسلمين بالإقامة فيها، فأقاموا إلى أن ولي يزيد الخلافة فأذن لهم في القفول خشية عليهم ففعلوا وتركوها، ثم كانت تغري بعد ذلك؛ وبعد توجه المدد وصل الخبر برجوع العسكر كله بسبب تخاذلهم، وأصيب.. بالرمي عليهم ثم.. ثم الترجمان ومعه طائفة - وخشي أن.. من هجوم الشتاء، فاتفق أكثرهم على الرجوع فلم يسعه إلا موافقتهم، فتوجهوا ووصلوا أرسالاً، فكان آخر من وصل كبيرهم وهو الدويدار الكبير إينال العلائي فوصل في آخر جمادى الآخرة منها. وفي أوائل رجب سافر الحاج الرجبي وصحبتهم صاحبنا الشيخ برهان الدين السوبيني قاضياً على مكة، وفي سابع ذي القعدة أمر أمير مكة أبو القاسم بن حسن بن عجلان القاضي جلال الدين أبا السعادات أن يخرج من مكة، فتوجه إلى جدة فأقام بها إلى أن تكلم التاجر بدر الدين حسن بن الطاهر مع الشريف في أمره فأذن له في الرجوع، فلم ينشب أن قدم أمير الركب تمرباي وصحبته مرسوم سلطاني بأن أبا السعادات لا يقيم بمكة بل يخرج إلى المدينة الشريفة فيقيم بها، فتجهز مع الركب الأول. وتراءى الناس الهلال ليلة الخميس فلم يتحدث أحد برؤيته، فوقفوا يوم الجمعة وكان الجمع كثيراً جداً، وأمطرت السماء ذلك اليوم من وقت زوال الشمس إلى أن غربت مطراً غزيراً جدا، وتوالى بحيث ابتلت أمتعتهم حتى أشرف من لا خيمة له على الهلاك، وتضاعف الرعد والبرق، ويقال: كانت هناك صواعق أهلكت رجلان وامرأة وبعيران قرأت ذلك بخط القاضي نور الدين علي بن - قاضي المسلمين الخطيب أبي اليمن النويري. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 شهر ذي الحجة استهل بيوم الخميس بعد أن تراءى الناس الهلال ليلة الأربعاء على العادة بعدة أما كن من الجوامع وغيرها فلم يخبر أحد برؤيته إلا شذوذاً، يقول الواحد منهم: إنه رأى، فإذا حوقق أنكر، فبحث عن السبب في ذلك فاعتذروا بأنه شاع بينهم أن السلطان إذا اتفق يوم - العيد يوم الجمعة يلزم أن يخطب له مرتين وقد جرب أن ذلك إذا وقع يكون فيه خوف على السلطان، فبلغ السلطان ذلك بعد أيام فأنكره وأظهر الحنق على من ينسب إليه ذلك، فقيل له فإن أحمد بن نوروز، وهو أحد من يلوذ به من خواصه المعروف بشاد الغنم - ذكر أنه رآه ولم يخبر القاضي بذلك، فاستدعاه فاعترف أنه رآه ليلة الأربعاء ومعه جماعة، فأرسله مع المحتسب إلى القاضي الشافعي فأدى عنده شهادته، فلما شاع ذلك نودي في البلد من رأى هلال ذي الحجة ليلة الأربعاء فليؤد شهادته بذلك عند القاضي الشافعي، فسارع غالب من كان شاع عنه دعواه الرؤية في تلك الليلة إلى الشهادة بذلك، فلما استوفيت شروط ذلك نودي بأن العيد يوم الجمعة، فاعتمدوا على ذلك وصلوا العيد يوم الجمعة؛ فلما كان في يوم السبت الخامس والعشرين من ذي الحجة وصل المبشر بسلامة الحاج في آخر ذلك اليوم، وأخبر أن كل من حضر الموقف من الآفاق لم ينقل عن أحد منهم أنه رأى الهلال ليلة الأربعاء بل استوفوا العدة واستهلوا ذا الحجة بيوم الخميس ووقفوا بعرفات يوم الجمعة -، واستمر الأمر بينهم على ذلك وأنه فارقهم آخر النهار يوم السبت، فقطع المسافة في أربعة عشر يوماً، ووصف السنة بالأمن واليمن والرخاء مع كثرة الخلائق - ولله الحمد على ذلك. وفي هذه السنة توجه الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد الفرياني المغربي إلى جهة الجبال المقدسة ويقال لها: جبال حميدة، وعندها عرب، فنزل عند بعض العشير ودعا إلى نفسه أنه المهدي، وقيل ادعى أنه القحاطاني، فانضم إليه جماعة من العرب فاستغواهم ووعدهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 وملأ آذانهم بالمواعيد، فشاع خبره في آخر السنة فكوتب نائب القدس يخبره فبحث عن قضيته إلى أن أطلع أن ابن عبد القادر شيخ العرب يعرفه فاستدعى به فأنكر أن يكون أطلع على مراده، وإنما وصل إليه شيخ معه عدة جمال يشبه أن تكون كتباً علمية، وأنه سئل أن يرسل معه من يجيره إلى أن يصل إلى مقصوده من تلك الجهة لضرورات عرضت له، فأرسل معه ناساً أوصلوه إلى جهة مقصده وفارقوه ولم يعرفوا المطلوب عنه؛ فكاتب نائب القدس بذلك ووصف الرجل بما دل على أنه الفرياني المذكور، وهذا الرجل قدم القاهرة قديماً وصحب كاتب السر ابن البارزي في حياة والده، وأكثر التردد إلى الشيخ تقي الدين المقريزي، وواظب الجولان في قرى الريف الأدنى يعمل المواعيد ويذكر الناس، وكان يستحضر من التاريخ والاخبار الماضية شيئاً كثيراً ولكنه كان يخلط في غالبها ويدعي معرفة الحديث النبوي ورجال الحديث، ويبالغ في ذلك عند من يستجهله، ويقصر في المذاكرة عند من يعرف أنه من أهل الفن، وراج أمره في ذلك دهراً طويلاً، ثم صحب الأمير زين الدين عبد الرحمن بن الكويز وانقطع إليه مدة ثم فارقه، وكان قبل ذلك تحول عن مذهب مالك وادعى أنه يقلد الشافعي، وولي قضاء نابلس بعناية القاضي كمال الدين ثم صرف عنها، فانقطع إلى ابن الكويز وهجر الكمال إلى أن بدا ما ذكر؛ وكوتب نائب القدس بأن يجهز إليه من يقبض عليه ويرسله إلى القاهرة، وكان بروز الأمر بذلك في العشر الأخير من هذا الشهر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 ذكر من مات في سنة ثمان وأربعين وثمانمائة من الأعيان أحمد بن.. الفاضل شهاب الدين الحسيني مسكناً الشهير بالحناوي - بكسر المهملة وتشديد النون مع المد - مات في ليلة الجمعة الثامن والعشرين من جمادى الأولى، وكان مالكي المذهب، سمع من جماعة قبلنا وسمع معنا من شيوخنا، وقرأ بنفسه وطلب وقتاً، وولي نيابة الحكم، ودرس في أماكن، منها في المنكوتمرية، وولي مشيخة خانقاه نور الدين الطنبدي التاجر في تربته بطرف الصحراء، وكان من الصوفية البيبرسية، وكان وقوراً ساكناً قليل الكلام كثير الفضل، انتفع به جماعة في العربية وغيرها، وقد جاوز الثمانين بيقين لكن يشك في الزيادة فقيل ست وقيل أكثر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 حمزة بك بن قرا يلك واسمه عثمان بن طور غلي صاحب ماردين وغيرها من ديار بكر، مات في أوائل رجب، وكان قبيح السيرة. طوخ الأبو بكري نائب غزة، قتل بها بيد العربان الطاغية في أواخر ذي الحجة. فيروز بن عبد الله الجركسي الرومي الطواشي الساقي الزمام، مات بطالاً في يوم الأربعاء 24 شعبان، ولم يكن به بأس بالنسبة لرفقائه -. عبد الرحيم بن علي الحموي الواعظ المعروف بابن الأدمي الشيخ زين الدين، تعانى عمل المواعيد فبرع فيها واشتهر وأثرى، وقدم إلى القاهرة في الجفل بعد رحيل اللنكية فاستوطنها إلى أن مات في الثاني من ذي القعدة، وولي في غضون ذلك خطابة المسجد الأقصى، ثم صرف عنه واستمر على حاله في قراءة المواعيد والكلام في المجالس المعدة لذلك واشتهر اسمه وطار صيته، وكان غالباً لا يقرأ إلا من الكتاب مع نغمة طيبة وأداء صحيح، فلما أنشأ الاشرف مدرسته قرر فيها خطيباً، وكان يقرأ صحيح البخاري في شهر رمضان في عدة أماكن إلى أن مات فجأة بعد أن عمل يوم موته الميعاد في موضعين، وقد جاوز الثمانين وترك أولاداً، أحدهم شيخ يقرب من الستين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 محمد بن أحمد بن كميل المنصوري الفقيه الفاضل الشاعر شمس الدين، اشتغل كثيراً وحفظ الحاوي، وكان يستحضر ونظم الشعر ففاق الأقران، وأول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 ما عرفته في سنة 24، حججنا جميعاً وكنا نجتمع في السير ونتذاكر في الفنون. ثم كان يتناوب نيابة الحكم بالمنصورة هو وابن عمه شمس الدين محمد بن خلف بن كميل، ويتعاهد السفر للقاهرة في كل سنة مرة أو مرتين ومدح الملك المؤيد لما رجع من سفرة نوروز بقصيدة طنانة، وله مدائح نبوية مفلقة وقصائد في جماعة من الأعيان، ولم يكن يتكسب بذلك وإنما يمدح لتحصيل جاه الممدوح في الدفع عنه أو المساعدة له، ثم استقل بقضاء المنصورة وضم إليه سلمون، ثم زدته منية بني سلسيل فباشر ذلك كله، وكان مشكور السيرة، ونشأ له ولد اسمه أحمد فنبغ واغتبط به، فلما كان في ليلة الاثنين ثاني عشر شعبان كان قد توجه إلى سلمون لأمر يتعلق به فنزل المسجد، وله فيه خلوة فوقها طبقة وللطبقة سطح مجاور المئذذنة، فاتفق هبوب ريح عاصف في تلك الليلة واشتد في آخرها وفي آول النهار فصلى المذكور الصبح ودخل خلوته التي كان ينام فيها، فقصف الريح نصف المئددنة فوقع على سطح الطبقة فنزل به إلى سطح الخلوة فنزل الجميع على الخلوةو وشمس الدين قاعد فيها، وذلك لما تعالى النهار ولم يشعر بشيء من ذلك حتى نزل الجميع عليه فارتدم المكان به فمات غماً، وجاء الخبر إلى ولده فتوجه من المنصورة مسرعاً فوصل إليه فنبش عنه، فوجد الخشب مصلباً عليه ولم يخدش شيئاً من جسمه، بل تبين أنه مات غماً لعجزه عن التخلص من الردم المذكور - والله المستعان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 سنة تسع وأربعين وثمانمائة استهل شهر الله - المحرم يوم الجمعة، ففي أول يوم منه - توجه من يلاقي الحاج إلى عقبة إيلياء، وصحبتهم أنواع من المأكولات والعلف على العادة. وفيه أسلم جميع الأساري الذين كان ملك الروم جهزهم إلى سلطان مصر، وذكروا أنهم من بني الأصفر -، وأن ملكهم قتل في المعركة، وأن عسكرهم كان أضعاف عسكر ابن عثمان، وأن النصر الذي حصل ما كان على الخاطر؛ وذلك أن الكفار كانت لهم مدة في التجهيز لأخذ بلاد السواحل من المسلمين والتوصل إلى الاستيلاء على بيت المقدس، فاجتمع منهم من جميع أمصارهم من يستطيع القتال، ولم يشكوا هم ولا ملك المسلمين في اخذ السواحل وانكسار عساكر المسلمين، ففتح الله للمسلمين بالنصر بأن ملك الكفار لما رأى قلة عسكر المسلمين طمع فيهم فحمل بنفسه وكان شجاعاً بطلاً، فقتل من المسلمين عدة أنفس ورجع، ثم حمل ثانياً فصنع ذلك، ثم حمل ثالثاً فاستقبلوه بالسهام فأصابه سهم فسقط، فنزل فارس من المسلمين فحز رأسه وسار به إلى ملك المسلمين، فنصب رأسه على رمح ونادى في الكفار بقتل ملكهم، فانهزموا بغير قتال وتبعهم المسلمون فبادروهم أسراً وقتلاً، وصادفهم في تلك الحالة اجتماع عدة من الوحوش الكاسرة على جماعة من الغزلان اجتمعت في مكان، فثار بين الفريقين غبرة عظيمة وظنها الكفار نجدة من بلاد المسلمين من مصر أو غيرها، فاشتد رعبهم وانهزموا لا يلوي أحد على أحد، واشتد الغبار فقتل بعضهم بعضاً وكفى الله المؤمنين القتال؛ وجهز ملكهم بعض الأسرى إلى سلطان مصر، فسلمهم للأمير الزردكاش فحسن لهم الإسلام فأسلموا، ففرقهم السلطان على الأمراء. وفي ليلة الجمعة الثامن من المحرم سقطت المنارة التي بالمدرسة، الفخرية القديمة في سويقة الصاحب، والمدرسة الفخرية - قديمة جداً من إنشاء فخر الدين بن - عثمان بعد الستمائة، وكانت مالت قليلاً فحذر السكان بالربع الذي يجاورها من سقوطها وهو موقوف عليها فتهاونوا في ذلك، فسقطت بالعرض على واجهة المدرسة ووجه الربع، فنزل بعض على بعض وهلك في الردم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 جماعة، فاجتمع الوالي والحاجب واستخرجوا كثيراً، فالقليل أحياء ولكن كل مصاب بيد أو رجل أو ظهر والنادر منهم، والأكثر من مات، فبلغ السلطان ذلك فتغيظ منه وطلب الناظر على المدرسة، وهو نور الدين القليوبي أمين الحكم أحد نواب الحكم فتغيظ عليه، وظن أنه ينوب في ذلك عن القاضي الشافعي فبسط لسانه في القاضي إنكاراً عليه في التفريط في مثل ذلك، ثم انكشف الغطاء أن القاضي ليس له في ذلك ولاية ولا نيابة، ولا عرف بشيء من ذلك مذ ولي وإلى تاريخه، ولما بلغ ذلك بعض الناس بسط لسانه وقال ما شاء، ثم تبين بخلاف ما ظنوا وخاب ما أملوا وكفى الله القتال؛ ثم إن بعضهم أغرى السلطان بأن قال له: إن فلاناً ينجح بكذا وينسب السلطان إلى الظلم والجور - ونحو ذلك، فغضب زيادة على الغضب الأول، وراسله بأن، ينعزل عن الحكم، وأن يغرم دية الموتى، وذلك يوم الاثنين حادي عشره، فلما كان يوم الخميس طلب الشيخ شمس الدين محمد بن علي القاياتي إلى القلعة فاجتمع بالسلطان، وأمره أن يتقلد القضاء فأجاب باشتراط أمور أجابه إليها، وأشار بأن يلبس الخلعة والتشريف، فامتنع وتقلد ورجع، واركبه كاتب السر بغلته وهو بثيابه البيض، ودخل الصالحية وصحبته جماعة المباشرين والدويدار الكبير والثاني ورجعوا، وخرج هو من الصالحية إلى منزله بالجامع الأزهر وطلب من له مباشرة في المودع والأوقاف، وهرع الناس للسلام عليه وعلى المنفصل - ولله الحمد على ذلك. ربيع الأول - أوله الاثنين، في السابع منه نقلت الشمس السرطان ودخل فصل الصيف، وفيه عمل المولد السلطاني بالحوش على العادة وحضر القضاة. وفي الثالث عشر منه خلع على كاتب السر الكمال البارزي خلعة استمرار، وكان وقع له يوم الأربعاء تغيظ من السلطان فطلب الإعفاء، ثم وقع التراضي وخلع عليه، وركب الناس معه وهرع الباقون للسلام عليه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 وفي يوم الاثنين ثاني شهر ربيع الآخر استقر الشيخ ولي الدين السفطي في نظر المارستان المنصوري عوضاً عن القاضي محب الدين ابن الأشقر، ولبس خلعة ونزل وليس سمعه كبير أحد، واعتذر بأنه تعمد ذلك حياء من ابن الأشقر، ثم أرجف بان السلطان يريد أن يخرج نظر الجيش أيضاً بسعي جماعة، فاقتضى الحال استمراره فخلع عليه يوم الخميس خامس الشهر خلعة استمرار، فركب معه الجماعة على العادة وأظهر الناس السرور به. وفي يوم الثلاثاء سافر برهان الدين السوبيني إلى قضاء حلب عوضاً عن القاضي سراج الدين الحمصي، وقدم الحمصي في العام الماضي فاجتمع بالسلطان فتغيظ عليه وأهانه بالقول والتهديد، ثم قدم هدية نفيسة فسكن الحال، ولما استهل الشهر طلع للتهنئة فأظهر له الإعراض، فبادر فحلف أنه لا يسعى في القضاء بوجه من الوجوه، ولزم بيته لكنه يكثر الاجتماع بالأكابر على عادته. وفي يوم الأحد العشرين من شهر ربيع الآخر الموافق للثاني من مسري آخر الشهور القبطية أمطرت السماء مطراً يسيراً بعد العصر بحيث ابتلت الأرض، ودام ذلك إلى وقت - مغيب الشفق، وكانت ظلمة وريح باردة، وهذا من المستغربات وقد تقدم قريب من ذلك في حوادث سنة ثلاث وأربعين في رابع ربيع الأول. وفي هذا الشهر عزل نائب حلب جلبان، وقرر عوضه نائب حماة، قرر عوضاً عن نائب حماة شادي بك أحد أمراء المقدمين بالقاهرة، ويقال: قرر دولات باي الدويدار الثاني في إمرة شادي بك -، وقرر الشهاب أحمد حفيد إينال اليوسفي دويداراً نائباً، وخلع على شادي بك، وجهز يونس البواب مسفراً لنائب حماة يحمله إلى حلب ويتوجه نائب حلب بطالاً إلى.. وكان السبب في عزل نائب حلب أن نائب القلعة شاهين أحد أتباع السلطان حيث كان أميراً أرسل يشكو منه أنه تعصب عليه مع القاضي الحنبلي علاء الدين ابن مفلح، وأن ابن مفلح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 ادعى أن شاهين امتنع من الشرع وأنه وقع في أمر يقتضي الكفر وكتب عليه بذلك محضراً وراسلوه لينزل فسمع الدعوى عليه فامتنع وكاتب وتظلم، فوصل كتاب نائب حلب وقرينه المحضر المكتتب، فغضب السلطان من نائب حلب وعزله وعزل القاضي، وشيع أنه أبطل قاضي الحنابلة من حلب، فإن ثبت ذلك فلعله يسع غيرها من البلاد - والله المستعان. وفي ربيع الأول قدم الأمير تغري برمش نائب القلعة ومعه رفيقه القاضي بدر الدين بن عبيد الله.. وفي ليلة الإثنين حادي عشره كان المولد النبوي بالحوش على العادة وتغيظ السلطان فيه على القاضي الحنفي بسبب تأخيره الحكم في الصارم إبراهيم بن رمضان بسبب ما وقع فيه - من الأمور المنكرة، وتوجه تغري برمش وابن عبيد الله إلى بلاده - بسببها، فاقتضى الحال عقد مجلس بسببه فعقد بعد أيام، فلم يثبت عليه ما يتحتم به القتل، فأمر بتعزيره، فأعيد إلى السجن فمات بعد أسبوع. جمادى الأولى - استهل بالرؤية الفاشية، ففي صبيحته حضر القضاة عند السلطان للتهنئة بالشهر، فأمر الشافعي أن يتوجه مع كاتب السر إلى مصر - بسبب كنيسة للمكيين، فرفع ابن آقبرس ناظر الأوقاف للسلطان أن جدارها عال على مسجد يجاورها وأنه يجب هدمه، وكن السبب في ذلك أن برد دار ابن آقبرس تسلط على بطرك الملكية وكان قريب العهد بالاستقرار فيها فقرر عوض الذي مات في السنة الماضية وطمع فيه، فرفع البطرك أمره للسلطان بقصة أعطاها لكاتب السر، فبادر ابن آقبرس حمية لمن هو من جهته فذكر ذلك، فأمر بالكشف فتوجهوا، فقيل: إنهم رأوا الجدار الذي من جهة المسجد مائلاً، فحكم نائب الشافعي بهدمه خشية أن يسقط على المسجد، وانفصل المجلس على ذلك، وكان السلطان يظن انه يجب هدم الكنيسة أصلا، وكان الحنفي المنفصل حاضراً فتغيظ عليه لكونه قال: ما يهدم إلا بشرط أن تكون حادثه، فإن كان المسجد قديماً وجب هدم ايعلو عليه، فقال له: فلما كنت حاكماً لم لا فعلت ذلك بل كنت تفعل عكسه - أو نحو هذا من القول. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 وفي يوم الجمعة ثاني الشهر كسر الخليج الحاكمي، ونزل عثمان ولد السلطان على العادة وصحبته الامراء إلى المقياس، فركبوا معه وصحبتهم كاتب السر وبقية المباشرين ولم تجر العادة بركوبهم، ونزل بعضهم إلى الحراقة من شباك المقياس، وامتنع شاد الشر بخاناة قانباي الجركسي من إنزال ابن السلطان من هناك بل عادته والجماعة صحته من البر واحدار الحراقة إليه، فركب إلى الخليج فكسر بحضرته، وركبوا معه إلى القلعة على العادة، وكل ذلك قبل صلاة الجمعة، وزاد أربعة من سبعة عشر، وكان في العام الماضي في هذا اليوم وافت تكملة الذراع السابع عشر. واتفق أن شعبان كان أوله الثلاثاء بالعدد، فلما كان النصف منه ذكر بعض نواب الحكم بالجيزة أن اثنين شهدا عنده برؤيته ليلة الاثنين، فثبت وصام من أراد صيام النصف يوم الاثنين. ويسر الله أن هلال رمضان رئي ليلة الثلاثاء وغاب قبل العشاء بثلث ساعة، فلما كان أول يوم من رمضان شاع بين الناس أن اثنين من أهل قليوب رأيا هلال رمضان ليلة الثلاثاء، واستنكر كل من سمع ذلك صحة هذا، ثم اعتمد القاضي الشافعي في تحرير هذا الخبر، فأرسل عوناً من أعوانه إلى قليوب فأحضر الرجلين. وفي ليلة الأحد رابع شوال - وهي ليلة التاسع من طوبة والخامس من كانون الثاني - أمطرت السماء مطراً خفيفاً فدام بحيث أزلق الأرض، ثم عاد في النهار ثم عاد في ليلة الاثنين حتى صارت الأرض كالبرك ثم عاد في صبيحة الاثنين، ثم كان في ليلة الثلاثاء ثم عاد في صبيحة الثلاثاء، فتعطلت معايش غالب الناس، وقل أن وقع مثل ذلك في هذه البلاد إن يمطر ثلاثة أيام بلياليها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 ذكر من مات في سنة تسع وأربعين وثمانمائة من الأعيان أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل الذهبي ابن ناظر الصاحبية الصالحي الحنبلي العدل شهاب الدين ابن المسند زين الدين، ولد سنة 766 وسمع علي محمد بن الرشيد عبد الرحمن المقدسي جزء أبي الجهم أبا الحجار، وسمع على والده شيخنا من السفينة البغدادية للسلفي أنا ابن أبي الثابت أنا مكي بن علان أنا السلفي، وسمع علي أحمد بن محمد بن إبراهيم بن غنائم ابن المهندس الحنفي جميع رسالة الحسن البصري إلى عبد الرحمن الزيادي يرغبه في المقام بمكة وعلى العماد أبي بكر بن يوسف الحنبلي قالا: أنا الحجار أنبأنا جعفر أنا السلفي، وسمع علي الشهاب أحمد بن المعز السادس من حديث أنس من المختارة للضياء بحضوره في الثالثة على التقي سليمان والجزء الثاني من المختارة وهو الأول من مسند عمر بإجازته من التقى - وغير ذلك، وذكر لي شيخنا الإمام المحدث الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر عبد الله بن ناصر الدين رحمه الله غير مرة أنه قال: ذكر لي والده - يعني زين الدين ابن ناظر الصاحبية - أنه قال: ما فرحت بشيء أعظم من أني أحضرت ولدي هذا - يعني أحمد المذكور - جميع مسند الإمام - أحمد علي البدر أحمد بن محمد بن محمود بن الرقاق ابن الجوخي أنا زينب بنت مكي أنا حنبل؛ قال شيخنا ابن ناصر الدين: وكان شيخنا زين الدين ابن ناظر الصاحبية من الثقات، قدم القاهرة فحدث بها بالمسند وغيره، ثم رجع إلى بلده فمات في هذه السنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 أحمد بن محمد نب احمد المحلي الأصل ثم القاهري شهاب الدين المعروف بابن النسخة، شاهد القيمة، مات في يوم الأحد ثاني عشري صفر وهو من أبناء الستين أو يزيد عليها وكان غاية في إبطال الأوقاف وتصييرها ملكاً بضروب من الحيل، وله في ذلك مهارة وشهر بها، ومهر في ذلك بحيث فاق أهل عصره في ذلك مع انه كان يتمذهب لمالك، وكانت له مروءة وعصبية ومداراة لكنه كان تقدم في صناعته على أمر عظيم، وحصل له رواج عظيم في دولة الملك الأشرف، وشهد في القيمة أزيد من ثلاثين سنة، وهي وظيفة والده من قبله، مات بذات الجنب، وأمره مشهور - وأمره إلى الله سبحانه وتعالى! وقد ولي وكالة بيت المال في أول دولة الملك العزيز، ثم أخرجت عنه في أول دولة الملك الظاهر. عبد الرحمن بن عثمان الترجمان التاجر الإسكندراني جمال الدين، مات في رمضان، وكان قدم من الإسكندرية وهو مدعوك فمرض مدة، ثم نصل ودخل الحمام ثم انتكس ومات، وكان من العارفين بأمور المتجر، ومات له ابن اسمه محمد، وصاهر في بيت ابن الأشقر. فاطمة بنت القاضي كريم الدين عبد الكريم بن أحمد بن عبد العزيز إحدى الاخوات الخمس، مات أبوهن في ربيع الأول سسنة سبع وثمانمائة، وخلف خديجة وشقيقتها آمنة وشقيقتهما فاطمة، وفرج من غير امهن، وانس أصغرهن وهي والدة أولاد مسطرها، فاول من مات منهن فاطمة وهي اصغر أولاد منها، ماتت في الثالث والعشرين من جمادى الآخرة وقد أكملت سبعين سنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 كزل العجمي الأمير، مات يوم الخميس ثالث عشر ربيع الأول، وكان أحد الأمراء في الدولة الناصرية فرج، وولي وظيفة الحجوبية الكبرى مدة، وول إمرة الحاج مراراً، وأصابه فالج في سنة 32 بطل شقه ثم بطل فمه وأدلع لسانه حتى نزل حنكه إلى قرب صدره، ثم أفاق أخرس لا يستطيع النطق أصلاً، ولا المشي، وتمادى به ذلك نحو سبع عشرة سنة حتى مات وقد بلغ السبعين، وكان من الفرسان والعارفين بالرمح، وساق المحمل مراراً، وكان فيه مروءة وعصبية. قانباي الجكمي صاحب الحجاب، احترق بيته فمات وهو على هيئة غير مرضية في أواخر السنة، ولم يكن فيه أهلية، وعيب على الظاهر تقدمة في الحجوبية. محمد بن أحمد بن عمر النحريري المعروف بالسعودي الشيخ شمس الدين، ولد سنة 762، وحفظ القرآن والتنبيه وغيره، وكان أبوه من أهل البلاد، ونشأ هوطالباً للعلم، وجلس مؤدباً للأولاد مدة، ثم قدم القاهرة في حدود التسعين فاجلس مع الشهود، ولازم شيخنا البلقيني الكبير وخدمه، وصار يجمع له أجرة أملاكه هو مع ذلك يؤدب الأولاد وخرج من تحت يده جماعة فضلاء، وكان كثير المذاكرة، وحج فأخذ عن جماعة هناك، ولم يمعن في ذلك لأنه لم يكن من أهل الفن ولا صحب من يدر به، ثم دخل بيت المقدس فاتفق أنه سمع من شيخنا بالإجازة شهاب الدين بن الحافظ صلاح الدين العلائي ومن ابن خاله شمس الدين القلقشندي وغيرهما، وممن تعلم عليه صاحبنا برهان الدين بن خضر وجلال الدين بن نور الدين بن شيخنا سراج الدين ابن الملقن نائب الحكم، وأدب قبله ولده أحمد وجمعاً كثيراً من أولاد الكبراء، ثم حصل له مرض أشفى منه، فلما عوفي عمي فصار يقرئ وهو مكفوف، وحصل له مرض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 الدرب حتى مله أهله ونقلوه إلى المرستان، وقل ما دخل المرستان ذو ذرب إلا ويخرج ميتاً، فقدرت حياة هذا وعاد إلى منزله، فعاش بعدها أكثر من عشرين سنة، وتنوعت عليه في آخر عمره الأمراض حتى ثقل سمعه جداً وأقعد، ولسانه لا يفتر عن التلاوة إلى أن مات فجأة في العشر الاخير من رمضان وقد أكمل ستاً وثمانين سنة. محمد بن إسماعيل بن محمد بن أحمد الونائي ثم القرافي القاضي شمس الدين، كان أبوه شاهداً فشغله بالعلم، وأخذ عن الشيخ شمس الدين البرماوي وظيفته، واشتهر بالفضيلة، ثم تزوج إلى الشيخ نور الدين التلواني، وصحب جماعة من الاعيان، ونزل في بعض المدارس طالباً ثم تدريساً، ثم فوض له شهاب الدين ابن المحمرة تدريس الشيخونية لما انتقل إلى تدريس الصلاحية ببيت المقدس، فمات ابن المحمرة فاستقل بها، ثم ولي قضاء دمشق مرتين، ثم رجع فسعى في تدريس الصلاحية بجوار الشافعي فتركتها له اختياراً فباشرها سنة ونيفاً، ثم ضعف فامتد ضعفه نحو الشهرين إلى أن مات في يوم الثلاثاء سابع عشر صفر، ومولده في شعبان - سنة 788. ثم انتقل إلى القاهرة وطلب الحكم وحفظ التنبيه وعدة مختصرات، وأقبل على الاشتغال ولازم علماء عصره من سنة سبع إلى أن برع في الفقه والعربية، وتكسب بالشهادة، وولي مشيخة السكرية بالقرافة، وكان معدوداً من أئمة العلماء الذين جمعوا المعقول والمنقول -. محمد بن عبد الرحمن بن علي التفهني الحنفي القاضي شمس الدين ابن - قاضي القضاة زين الدين، مات في الثامن من شهر رمضان وكان مولده قبل القرن، واشتغل كثيراً ومهر، وكان صحيح الذهن، حسن المحفوظ، كثير الأدب والتواضع، عارفاً بأمور دنياه، مالكاً لزمام أمره، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 ولي في حياة والده قضاء العسكر وإفتاء دار العدل وتدريس الحديث بالشيخونية، وولي بعد وفاة والده تدريس الفقه بها ومشيخة البهائية الرسلانية بمنشة المهراني وتدريس القانبيهية بالرميلة، وحصلت له محنة من جهة الدويدار تغري بردى المؤذى مع تقدم اعترافه بإحسان والده له، ومرض مرضاً طويلاً إلى أن قدرت وفاته في التاريخ المذكور. محمد بن عمر الغمري الشيخ محمد، مات في يوم الثلاثاء آخر يوم من شعبان بالمحلة الكبرى بالغربية، وكان مذكورا بالصلاح والخير، وللناس فيه اعتقاد، وعمر في وسط سوق أمير جيوش جامعاً، فعاب عليه أهل العلم ذلك وأنا كنت ممن راسله بترك إقامة الجمعة، فلم يقبل واعتذر بان الفقراء طلبوا منه ذلك وعجل بالصلاة فيه بمجرد فراغ الجهة القبلية، واتفق أن شخصاً من أهل السوق المذكور يقال له بليبل تبرع من ماله بعمارة المئذنة، ومات الشيخ وغالب الجامع لم يكمل عمارته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 محمد بن محمد بن أحمد شمس الدين ابن أمين الدين بن شهاب الدين المنهاجي، وأبوه سبط الشيخ شمس الدين بن اللبان، ولد سنة سبعين وحفظ القرآن والتنبيه، ومات أبوه وكان متمولاً، وله أيضاً نسبة بالتاجر الكبير برهان الدين المحلي فسعى هذا في حسبة مصر فوليها مرتين أو ثلاثاً، ثم توصل إلى أن استنابه القاضي جلال الدين في الحكم بمصر، فصار يحكم بين الخصمين مع الجهل المفرط ويجلس في دكاكين الشهود ويتعانى التجارة والمعاملة، فكان يرتفع وينخفض إلى أن مات غير مقتر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 ولكنه سود عليه يشبك السودوني الأمير الكبير سيف الدين المعروف بالمشد أتابك العساكر بمصر، مات في يوم الخميس ثالث شعبان بعد مرض طويل، واستقر بعده إينال العلائي، وكان عاقلاً ساكناً حشماً عرياً إلا من رمي النشاب على عيوب في رميه، وينسب إلى طمع وعدم دين -. سنة خمسين وثمانمائة استهلت بالثلاثاء بلا خلاف. وفي يوم الخميس الثالث منه استقر خليل بن شاهين الذي كان نائب ملطية في نيابة القدس عوضاً عن طوغان، واستقر برهان الدين ابن الديري في نظر الجوالي عوضاً عن ابن فتح الدين المحرقي، ولبس كل منهما خلعة. وفي الخامس منه قتل الفيل بأن رمي بالسهام حتى أصيب في عينيه ثم تمكنوا منه حتى قتلوه، وكان أمر السلطان بقتل الفيل بسبب أنه كان قد هجم على سائسه فبرك عليه حتى مات تحته. وفي الثاني عشر منه حضر نقيب الجيش إلى الشيخ ولي الدين السفطي وكيل بيت المال وبيده قصة رفعت للسلطان باسم أبي الخير النحاس أن له دعوى شرعية عليه، وأن السلطان أمره أن يتوجه مع غريمه إلى قاضي الشرع، فأجاب وقال: من تختار من القضاة قال: الشافعي، فدخل معه إلى الشافعي - فادعى عليه بأنه وضع يده له على ثريا مكفتة، فاعترف بأنه استامها منه ليشتريها للمدرسة الجمالية وأنها معلقة في الجمالية وأذن له في أخذها، وتوجه إلى منزله، فشاع بين الناس أن السلطان منعه من الوصول إليه فكثرت الأقاويل، ففي آخر النهار حضر إليه من أخبره عن السلطان أنه لم يمنعه وأنه يصل إليه متى شاء، فلما أصبح ركب، فلما تلاقيا التزمه وأمر له بكاملية سمور فلبسها في صبيحة ذلك اليوم، وصادف أنه اليوم الرابع عشر من الشهر، وفرح الناس به بغضاً في غريمه، وركب معه جميع المباشرين والقضاة وبياض الناس وكان يوماً مشهود وكان وصول الحاج في أول العشر الثالث من الشهر، فدخل الركب الأول في آخر يوم الاثنين حادي عشري الشهر، وتكاملوا إلى أن أصبحوا يوم الثلاثاء بالقاهرة، ووصل بعدهم المحمل على العادة في يوم الثلاثاء ودخلوا القاهرة يوم الأربعاء وكان أول من وصل منهم بعض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 الأجناد دخل في يوم الجمعة ثاني عشر الشهر المذكور، وأخبر أنه فارقهم من ليلة الثلاثاء، وكان وصول الركب الأول إلى البركة في يوم الثلاثاء ثاني عشري المحرم وقت الظهر ثم لم يمض الليل حتى دخل ركب المحمل، ودخلوا جميعاً يوم الأربعاء - وسلموا جميعاً على السلطان ومعهم قاض القضاة الحنبلي، وتكاملوا آخر النهار -. وفي أول يوم الاثنين الثامن والعشرين من المحرم مات القاضي شمس الدين محمد بن علي بن محمد بن يعقوب - القاياتي قاضي القضاة الشافعية وقد أكمل في الولاية سنة ونصف شهر، لانه قرر في يوم الأربعاء ثاني عشر.. وفوض إليه ذلك جهراً يوم الخميس، ونزل إلى الصالحية بغير خلعة بعد أن أحضرت، فامتنع من لبسها تورعاً ثم باشر القضاء بنزاهة وعفة، ولم يأذن لأحد من النواب إلا لعدد قليل، ويتثبت في الأحكام جداً وفي جميع أموره، فلما كان يوم الجمعة الثامن عشر من المحرم خطب بالقلعة ورجع إلى منزله ومات عازماً على التوجه إلى ملاقاة الحاج فتهيأوا يوم السبت فوعك في بقية النهار، وأصبح ولداه فتوجها وتأخر هو ليقع له نشاط، فدخل الحاج يوم الأربعاء ثالث عشري الشهر، وعاد ولداه فوجداه كما به، واشتد ألمه بالحمى وصار يشكو بحمى الكبد، وواظبه الأطباء، وقل أن يتناول ما وصف له، فلما كان يوم الجمعة اشتد به الخطب إلى أن مات في أول ليلة الاثنين، ودفن في صبيحتها بعد أن حمل تابوته من جوار الجامع الأزهر إلى مصلى المؤمني تحت القلعة بالرميلة من أجل أن السلطان أمر أن يحضر إلى هناك ليصلي هو عليه، فحضر الجمع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 وكان وافراً جداً، فتقدم في الصلاة عليه الخليفة بإذن السلطان، ورجعوا من جهة الصحراء إلى التربة الصلاحية المعدة لأهل سعيد السعداء فدفن بها، وشغر منصب القضاء إلى أن كان يوم الاثنين خامس عشري الشهر، استقر كاتبه على قاعدته، ثم بعد ذلك بيسير قدم.. ابن تاج الدين البغدادي الحنفي من دمشق وبيده يومئذ الحسبة ووكالة بيت المال وعدة وظائف، فلم يلبث أن مات، فأسف السلطان عليه وأمرهم بالصلاة عليه بالمصلى المذكور ونزل فصلى عليه، ودفن بالقرافة. وفي المحرم مات الشيخ برهان الدين إبراهيم بن رضوان الحلبي الشافعي، كان ممن اشتغل ومهر وتميز ونزل في المدارس بحلب، وولي بعض التداريس وناب في الحكم، ثم صحب ولد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 السلطان الظاهر جقمق فاختص به لما أقام مع والده بحلب في أواخر دولة الاشرف، ثم قدم عليه القاهرة فلازم ولده حتى استقر به إماماً، وكان ممن مرضه في ضعفه الذي مات به وقررت له بجاهه وظائف، وندبه السلطان في الرسلية إلى حلب في بعض المهمات فلما مات ولد السلطان رقت حاله واستعيد منه التدريس الذي كان استقر فيه بحلب بجاهه، فاستعاده الذي نزعه منه، ثم توجه إلى الحج في العام الماضي، فسقط عن الجمل فانكسر منه شيء ثم تداوى، فلما رجع سقط مرة أخرى، فدخل القاهرة مع الركب وهو سالم إلى أن مات، وكان ينسب إلى شيء يستقبح ذكره - والله اعلم بسريرته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248