الكتاب: التراتيب الإدارية والعمالات والصناعات والمتاجر والحالة العلمية التي كانت على عهد تأسيس المدنية الإسلامية في المدينة المنورة العلمية المؤلف: محمد عَبْد الحَيّ بن عبد الكبير ابن محمد الحسني الإدريسي، المعروف بعبد الحي الكتاني (المتوفى: 1382هـ) المحقق: عبد الله الخالدي الناشر: دار الأرقم - بيروت الطبعة: الثانية عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- التراتيب الإدارية = نظام الحكومة النبوية الكتاني، عبد الحي الكتاب: التراتيب الإدارية والعمالات والصناعات والمتاجر والحالة العلمية التي كانت على عهد تأسيس المدنية الإسلامية في المدينة المنورة العلمية المؤلف: محمد عَبْد الحَيّ بن عبد الكبير ابن محمد الحسني الإدريسي، المعروف بعبد الحي الكتاني (المتوفى: 1382هـ) المحقق: عبد الله الخالدي الناشر: دار الأرقم - بيروت الطبعة: الثانية عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] [نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية] كتاب التراتيب الإدارية والعمالات والصناعات والمتاجر والحالة العلمية التي كانت على عهد تأسيس المدنية الإسلامية في المدينة المنورة العلمية لحافظ العصر ومحدثه وإمام التاريخ وفلسفته مسند الزمان ونسابته أبي الأسعاد وأبي الأقبال الشيخ مولانا عبد الحيّ بن شمس الأفاق الوافع على جلالته الأطباق والإتفاق الشيخ أبي المكارم مولانا عبد الكبير بن القطب الشهير الشيخ أبي المفاخر سيدي محمد الحسني الإدريسي الكتاني الفاسي رحم الله الجميع ونفعنا ببركاتهم وعلومهم آمين الجزء الأول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 مقدمة التحقيق لا زلت أذكر بعض أساتذتي «1» في المرحلة الثانوية حينما كان يوجه الطلبة، قبيل افتتاح الدروس فكان ينقل لنا نصوصا رائعة من الشعر والنثر، مما أثار حماستنا آنذاك، وذات مرة سألناه عن المصدر فقال: إنه التراتيب الإدارية للعلامة الحافظ مسند الدنيا السيد محمد عبد الحي الكتاني- وكان لا زال على قيد الحياة- وأطرى مقامه العلمي وقوة حافظته، وسعة مكتبته، بحيث لا تضارعها مكتبة خاصة في الدنيا، فقد حوت من نفائس المخطوطات ما يعد من أندر النوادر. ثم حصلت على كتاب التراتيب وقرأت فيه وأعجبت به أيما إعجاب، حتى كان في نيتي أن أطبع مقدمته ونشرها لكثرة فوائدها. وبما أن الكتاب قد طبع في عام 1346 هـ أي قبل سبعين سنة في مدينة فاس، وقد امتلأ بالأخطاء المطبعية، ثم أعيد تصويره أكثر من مرة دون تصحيح. وشاء الله أن أتعرف إلى أخ كريم هو الحاج أكرم الطبّاع صاحب دار الأرقم بن أبي الأرقم، فذكرت له كتاب التراتيب وأهميته وضرورة إخراجه بصورة لائقة فأبدى استعداده وعهد إلي بمهمة تصحيح الكتاب وتحقيقه وتخريج آياته القرآنية وأحاديثه النبوية. فبادرت لذلك وطالعت الكتاب مطالعة دقيقة خرجت فيها الآيات القرآنية وعزوت الأحاديث إلى مصادرها في أحد الكتب التسعة المطبوعة في استانبول وفقا للمعجم المفهرس. وصححت أكثر الأخطاء التي ظهر لي وجه الصواب فيها. وتركت قسما منها إلى طبعة تالية إن شاء الله نظرا لقلة المصادر بين يدي وأضفت الجزء الناقص من كتاب الخزاعي في محله. هذا وقد كان العلامة الكتاني قد سمع بكتاب تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية تأليف أبي الحسن علي بن محمد الخزاعي. فسعى بكل ما أوتي من جهد وحرص للحصول على نسخة منه، فظفر ببغيته في مكتبة الزيتونة بتونس من أوقاف المرحوم المشير أحمد باشا فاستنسخها وكان ينقصها الجزء العاشر والأخير، وكم تحسر لذلك وحاول استدراك هذا النقص فلم يوفق فزاد من عنده بمقدار أصل الخزاعي وزيادة، نظرا لوفرة المصادر بين يديه ولرغبته القوية في إيصال فكرة مؤداها: أن الحضارة الإسلامية التي نمت وأورقت في العهد الأموي ثم العباسي إنما   (1) هو المرحوم الشيخ سعدي ياسين رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وضعت أسسها وزرعت بذورها في عهد النبوة ما من أمر من أمور الحياة المعاشية والإدارية إلا وله في صدر الإسلام أصل يرجع إليه. وكتب مقدمة لكتابه غاية في النفاسة. وقد اختار العلامة الكتاني نصوصا من كتاب التخريج وجعل تحتها خطا لتمييزها عما أضافه هو إليها. ثم استدرك عليه كثيرا من الأبواب والتفاصيل. يقول الأستاذ الكبير المحقق الدكتور إحسان عباس الذي حقق كتاب التخريج للخزاعي والمطبوع عام 1405 هـ- 1985 م لدى دار الغرب الإسلامي. [ولا ريب في أن ما أضافه الكتاني مفيد في معظمه وإن كان في جوانب منه تزيد لا تخفى] ص 15 المقدمة ومما تجب الإشارة إليه أني وجدت المؤلف رحمه الله قد استرسل في بعض الأحيان وأسهب إسهابا كثيرا في بعض المواضيع فأجزت لنفسي حذف الزائد من الكلام وأشرت لذلك بالهامش. وذلك احتراما لقيمة الكتاب من اشتماله على ما لا فائدة فيه لقارئه. أما الأعلام وأسماء المؤلفات التي رجع إليها فهي من الكثرة بحيث تحتاج إلى مجلد قائم بذاته لذلك تركت هذا الأمر لفرصة قادمة إن شاء الله. وأنتقل الآن لإعطاء نبذة يسيرة تعريفا بالمؤلف رحمه الله. من هو السيد محمد عبد الحي الكتاني 1305 هـ/ 1888 م- 1382 هـ/ 1962 م إنه العلم الشامخ والجبل الراسخ، وحيد العصر، وفريد الدهر النابغة في هذا القرن الرابع عشر، سليل الأسرة الإدريسية الشريفة، ورث العلم كابرا عن كابر، مما ورث شرف المحتد، فكان أعجوبة الزمان، قرأ العلم على والده الجليل السيد عبد الكبير الكتاني وعلى خاله جعفر الكتاني وعلى علماء فاس وهم كثر وظهر نبوغه المبكر وأظهر اهتماما زائدا بعلم الحديث ورجاله، ثم شد الرحال إلى بلاد الشرق فدخل مصر والشام والحجاز فأدهش العلماء الفحول وهو في العشرين من عمره فأجازهم وأجازوه، ولم يبق في تلك الديار من لم يعرف قدره وكاتب علماء اليمن والهند وكاتبوه ثم اشترى كميات هائلة من الكتاب المخطوطة وعاد إلى المغرب. وكان له إلى جانب نشاطه العلمي جانب سياسي فخاض في غمارها ولم يحالفه التوفيق، مما أغضب الكثيرين وفيهم أقاربه، ثم صودرت مكتبته الثمينة فسافر إلى فرنسا وأقام بها إلى وافته المنية عام 1962. ترك الكتاني آثار كثيرة تزيد عن مائة وثلاثين ما بين كتاب ورسالة وأهمها فهرس الفهارس في مجلدين وفيه بيان شيوخه ومن أخذ عنهم وأخذوا عنه وهو كاف للتعريف به وبفضله. رحمه الله رحمة واسعة، وشكر له سعيه، ونفعنا بعلمه وفضله آمين المحقق خادم أهل العلم عبد الله الخالدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 الإهداء أهديت هذا الديوان إلى روح شيخنا الاستاذ الوالد رحمه الله تعالى مخاطبا له متمثلا بقول ابن طباطبا العلوي: لا تنكرن إهداءنا لك منطقا ... منك استفدنا حسنه ونظامه فالله عزّ وجلّ يشكر فعل من ... يتلو عليه وحيه وكلامه وقول الحافظ ابن حجر: هنيئا لأصحاب خير الورى ... وطوبى لأصحاب أخباره أولئك فازوا بتذكيره ... ونحن سعدنا بتذكاره وهم سبقونا إلى نصره ... وها نحن أتباع أنصاره ولما حرمنا لقى عينه ... عكفنا على حفظ آثاره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 [ المقدمة الأولى ] بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد: فإن الذين اعتنوا بتدوين المدنية العربية والتراتيب الإدارية لخلفاء المملكة الإسلامية، وذكروا ما كان لأمراء الإسلام على عهد الدولة الأموية والخلافة العباسية، من الرتب والوظائف والعمالات والعمال أهملوا ما كان من ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مع أنه عليه السلام حيث كان يشغل منصب النبوة الديني على قاعدة جمع دينه القويم بين سياسة الدين والدنيا جمعا مزج بين السلطتين، بحيث كادا أن يدخلا تحت مسمى واحد وهو الدين. وكذلك وقع. كانت الإدارات اللازمة للسياستين على عهده صولجانها دائر، والعمالات بأتم أعمالها إلى الترقي والعمل سائر، بحيث يجد المتتبع أن وظائف حاشية الملك اليوم، الخاصة بشخصه من صاحب الوضوء والفراش والنعال والإصطبل والحاجب وغير ذلك، كانت موجودة عند النبي صلى الله عليه وسلم. ولعل عن ذلك العهد أخذها ملوك الإسلام. كما إذا التفت إلى ما يتعلق بالمراتب الإدارية من وزارة بأنواعها، وكتابة بأنواعها، والرسائل والإقطاعات، وكتابة العهود والصلح، والرسل والترجمان، وكتّاب الجيش والقضاة، وصاحب المظالم وفارض النفقات، وفارض المواريث، وصاحب العسس في المدينة والسجان، والعيون والجواسيس، والمارستان والمدارس والزوايا، ونصب الأوصياء والممرضات والجراحين، والصيارفة وصاحب بيت المال، ومتولي خراج الأرض وقاسم الأرض، وصانع المنجنيقات والرامي بها وصاحب الدبابات، وحافر الخنادق والصوّاغين وأنواع المتاجر والصناعات والحرف، تجد أن مدّته عليه السلام مع قصرها لم تخل عن أعمال هذه الوظائف، وإدارة هذه العمالات. وتجد أنها كانت مسنده للأكفاء من أصحابه وأعوانه عليه السلام. وربما يستغرب السامع هذا القدر على البديهة إذا سمعه خصوصا ممن اقتصر على مطالعة بعض كتب السير للمتأخرين، وظن أنها خالية عن أمثال هذه الأمور، فإنه ربما يحيص حيصة الاستغراب، ولكن لا ضير فإن أكثر الذين يتعاطون السير اليوم غاية ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 يقرأون من كتبها الهمزية بشرحها لبنيس، فلذلك لا يستغرب أن يشذّ عن أبصارهم أمثال هذه الوظائف والمراتب والإدارات. وربما استبعد ذلك آخرون من حيث أن الكتاب الذين تصدروا أخيرا للبحث في المدنية الإسلامية العربية ودونوا فيها المدونات العدة من المسلمين والمسيحيين غاية ما ينسبون من التمدن للإسلام؛ يذكرون ما وجد على عهد الدولة العباسية والأموية مثلا، مع ما أوجدته بعد ذلك ممالك العجم والديلم والترك والفرس والبربر وغيرهم، من ملوك الدول الإسلامية بالشرق والغرب. بل وربما كانوا يأتون بنسبة المدنية في الإسلام لبني العباس، ليتسنى لهم بعد التصريح بأنهم أخذوا ذلك عن اليونان والفرس، لا عن القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم. بل وقع لبعض الكتاب الشاميين في رسالة له في انتشار الأديان التصريح بأن التمدن الإسلامي قام عن الشريعة الإسلامية ولم يقم معها اهـ. وهو غلط فادح نتج لصاحبه عن جهله بالسير والحديث، أو من عدم تشخصه لحقيقة ينابيع المدنية التي جعل الحكماء أساسا لها. أما النظر إلى الأبنية لأنها عنوان رقي الجماعات، الذين يسكنونها، أو إلى المخلفات العلمية والأدبية والفلسفة؛ لأنها مجلى حقيقة ما كانوا عليه من المدارك، أو الثروة التي كانوا يتنعمون بها، لأنها تدل على اقتدارهم في الصناعة والزراعة والتجارة، وبالأخير إلى شرائعها، لأن الشرائع أعظم دليل على ما كان في تلك الأمة من الأخلاق الراقية وعدمها، ومن المساوات أو التفاوت في المقامات، ومن العدل أو الظلم، ومن الآداب الحسنة أو الأخلاق السيئة، ومن عرف نهضة الإسلام وتعاليم النبي عليه السلام وأمعن النظر في تلك النهضة تحقق أن ليس هناك من أساليب التمدن ما لم يكن الإسلام في وقت ظهوره أصلا له، وينبوعا فمن تأمل ما بثه النبي صلى الله عليه وسلم من التعاليم، وأنواع الإرشاد، وما حوى القرآن من آداب الاجتماع، وسنّ من طرق التعارف والتمازج، وما أودع الله غضون كلماته الجوهرية من أحكام الطبيعة وأسرار الوجود وفرائد الكائنات، وما ضبط من الحقوق وسنّ من أنظمة الحياة وما تلته به السنة النبوية من تهذيب النفوس والأخلاق، والإرشاد للأخذ بالأحسن فالأحسن وأحكمته من سنن الإرتقاء والأخاء البشري والتمتع بضروب الحرية علم أن التمدن الإسلامي في إبان ظهوره قامت معه تلك الأعمال لتأثير تلك التعاليم على قلوب سامعيها في ذلك الحين. نعم. لا ننكر أن التمدن الإسلامي جرى مجرى النشوء الطبيعي في كل شيء، وسار سيرا تدريجيا إلى أن وصل إلى أوجه في السمو، فمن لم يتأمل ذلك ولم يحط نظرا في الموضوع بما له وعليه، لا بد أن يغيب عن علمه ما بلغته الإدارات، والعمالات والصناعة والتجارة في تلك العشر سنوات، التي قضاها صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة بعد الهجرة النبوية، وأن الترقي والعمران وصل فيها إلى إحداث ما يعرف من الوظائف اليوم في إدارة الكتابة والحساب والقضاء والحرب والصحة ونحو ذلك خصوصا من غاية علمه عن ذلك الدور أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 أهله كانوا يمشون حفاة، وإذا أكلوا مسحوا أيديهم في أقدامهم، خصوصا وقد وقعت لبعض الأعلام فلتات إن لم نقل سقطات وهفوات، حتى إن الولي ابن خالدون قال في مقدمة العبر في مواضع: «إن الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة لمقتضى أحوال السذاجة والبداوة، وإنما أحكام الشريعة التي هي أوامر الله ونواهيه كان الرجال ينقلونها في صدورهم، وقد عرفوا مأخذها من الكتاب والسنة بما نقلوه عن صاحب الشرع وأصحابه، والقوم يومئذ عرب لم يعرفوا أمر التعليم والتأليف والتدوين، ولا رجعوا إليه ولا دعتهم إليه حاجة وجرى الأمر على ذلك زمن الصحابة والتابعين» . انظر ص 477 من مقدمة تاريخه طبعة مصر ونحو هذه العبارات للأمير صديق حسن خان القنوجي في كتابه «الحطة في ذكر الصحاح الستة» من غير عزو لابن خالدون انظر ص 11 منها. ولكن من واصل ليله بنهاره، واطلع وطالع بالدقة وحسن الروية، يجد أن المدنية وأسباب الرقي الحقيقي، التي وصل إليها العصر النبوي الإسلامي في عشر سنوات، من حيث العلم والكتابة والتربية وقوة الجامعة وعظيم الاتحاد وتنشيط الناشئة، وما قدر عليه رجال ذلك العهد الطاهر، وما أتوه من الاعمال واستولوا عليه من الممالك، وما بثوا من حسن الدعوة وبليغ الحكمة ومتمكن الموعظة، لم تبلغها أمة من الأمم ولا دولة من الدول في مئات من السنين، بل جميع ما وجد من ذلك إلى هذا الحين عند سائر الأمم، كلها على مباني تلك الأسس الضخمة الإسلامية انتشأ. فلولا تلك الصروح الهائلة والعقول الكبيرة، وما بثوه من العلوم وقاموا به من الأعمال المخلدة الذكر، لما استطاعت المدنيات المحدثة أن تنهض لما له نهضت وارتقت. أحدق ببصرك وبصيرتك إلى الدور الذي وجد فيه عليه السلام تجد أن الخراب والدمار والظلم كان أثبت في كل جهة من جهات العالم، من الشرق إلى الغرب. فدولة الروم هرمت مع الضعف الذي استولى على ملوكها؛ بمجاوزتهم الحد في الترف، والإنهماك في اللذات، والفتن الداخلية والخارجية، والأمة الفارسية سقطت قوتها بسبب حروبها الطويلة مع الروم مع الفتن الأهلية، والشعوب العربية في انحطاط تام وجهل عام. بين هذا الوسط نبعت تلك الشعلة النورية النبوية، فأضاءت دفعة [فجأة] من أول وهلة على العالم، فأحدثت فيه حركة ونهضة بعد العهد بمثلها في جهة من الجهات، أما في جميع أطراف العالم «1» التأمت تلك الشعلة واستفحلت وعرفت كيف تربي رجالا عظاما لنشر مباديها الحقة والقيام بالعالم من وهدة السقوط فأولئك الذين كانوا أنفسهم قبل الإسلام لا يعرفون من دنياهم إلا البارحة وتربية الماشية والعيش على أخس بداوة قد انقلبوا بعد الإسلام إلى قواد   (1) بياض بالأصل ويسحن وضع كلمة «ثم» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 محنكين ودهاة وحماء سياسيين وعمال أمناء إداريين، حتى قال القرافي في الفروق ص 167 من الجزء 4: «أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا بحارا في العلوم على اختلاف أنواعها، من الشرعيات والعقليات والحسابيات، والسياسيات والعلوم الباطنة والظاهرة، حتى يروى أن عليا جلس عند ابن عباس في الباء من بسم الله، من العشاء إلى أن طلع الفجر، مع أنهم لم يدرسوا ورقة ولا قرأوا كتابا، ولا تفرغوا من الجهاد وقتل الأعداء، ومع ذلك كانوا على هذه الحالة حتى قال بعض الأصوليين: لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه لكفوه في إثبات نبوته» . وقد أفرد فضائلهم بالتأليف جماعة من أيمة السلف؛ كأبي محمد خيثمة بن سليمان الطرابلسي، وأبي محمد طراد بن محمد الزينبي، وأبي القاسم حمزة بن يوسف الجرجاني، وأحمد بن محمد بن المهندس، وأبي الحسن أحمد بن حمزة الموازيني. وأفرد فضائل الخلفاء الأربعة فقط أبو نعيم الأصبهاني وأبو الحسن أحمد بن محمد بن زنجويه. وفضائل أبي بكر لأبي طاهر محمد بن علي العشاري وفضل أبي بكر وعمر لأسد بن موسى. وفضائل العباس لأبي الحسن محمد بن المظفر الحافظ ولأبي محمد حمزة بن يوسف السهميّ ولأبي القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي. وفضائل معاوية لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم. وفضائل العشرة المحب الطبري وهو مطبوع. ولأبي الحسن مروان بن عثمان المكي قصيدة في فضل الصحابة ولأبي علي الحسن بن محمد الخلال الحافظ كتاب كرامات الصحابة وللضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي مناقب جعفر بن أبي طالب وللموفق بن قدامة المقدسي الاستبصار في أنساب الأنصار. وكان العلم الذي تعلموه في مدرسة القرآن والسنة أصبحوا به لا ندّلهم في كل رجال العصر، بل والأعصر بعد الذي كانوا فيه، سواء في الحكمة التي ساسوا بها الشعوب، أو في القوة التي سادوا بها على الممالك، ذلك العلم الصحيح الذي لانت له في أسرع وقت القلوب، التي كانت بالأمس أقسى من الصخر، وأوعر من الوعر، فحلّ الوئام محل الخصام، والأخاء محل العداوة، والإحسان بدل التعدي والظلم، فلم تمض تلك المدة اليسيرة على تلك الشعلة النورية حتى عمّت أرجاء الكرة الأرضية، لا جرم لمّا كثر المستظلون بذلك اللواء، والمستكنون في أمانه، أراد عليه السلام أن يضبط أمورهم بنظامات سنّها، وولايات نصبها، وعمالات أسسها، تلك النظامات [الأنظمة] التي لا يستقيم ملك لملك ولا أمر لأمة بدونها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 لذلك أرى من الواجبات الكفائية، إن لم نقل العينية على المسلمين العلم بهذه الأمور، لتكون منوالا تنسج عليه الأمة، أو منبها يحرك فيها باعث الجد لاسترجاع ما فات، والتوثق من حفظ استقلالها وصون حياتها مما هو آت، أو ليعلموا على الأقل شرف دين متبوعهم الأعظم عليه السلام وليزدادوا فيه حبا وله تعظيما. ولما دعاهم إليه تمسكا. قال بعض العلماء: «إن أساسات الدين الإسلامي باعتقاد الحق، وإقامة البرهان على المعتقد وتعميم المعاملات والأخاء، وتخويل عموم الأفراد حرية محضة محدودة بحدود موافقة للحكمة بحيث تحفظ الحياة الإجتماعية ما دام في الوجود موجود، مانعة ذويها من الإفراط والتفريط، ثم أوجب بينهم حفظ المراتب والدرجات، وأوجب رعايتها عليهم ورفع بعضهم فوق بعض درجات، بمقتضى الاستحقاق والقابلية، ثم ألزمهم رعاية مصالح سواهم، وحبّب اشتراك غيرهم معهم، في نعمة هذه المدنية العظمى. وكانت الزراعة معتنّى بها في زمانه عليه السلام، وهو الذي يأمر بها ويحض عليها، وكذلك الصناعة، فإنه أمر بها وبتعلمها، وأمر بمبادي التعليم وأمر بأخذ العلوم، ولو من ديار الكفار. وأدخل بعض الأمور التي وصله خبرها من الأمور النافعة، التي يستعملها كفار الفرس وغيرهم؛ مثل عمل الخندق واستحسان تنوير المسجد من قبل تميم الداري، حين أو قد قنديلا ومصباحا أحضره معه من سياحته بعد أن كان يستضاء في المسجد النبوي بالحرق، وأمر بنشر العلوم والمعارف، وتقسيم الوظائف وإيجاب الأخاء، وتقدير الرجال وتنظيم القوى الدفاعية والهجومية، وأسس وجوب ذلك وقرر وجوب حفظ الأبدان والطب والتشريح وأنواع الحكمة الطبيعية وتعميم الآداب ومكارم الأخلاق، والتاريخ والجفرافية والسياحة والاستكشافات، والسعي في الاختراعات والنجوم والحساب والقصص والروايات وآداب المحاضرات والمسامرات، وقرر مع كل هذا وظائف الأعمال الإدارية وألزم بالاقتصاد الإداري، والمالي، وكل ما يكون في الأمم المتمدنة حتى قرر وجوب الإحصاء. أما التجارة فقد استعملها عليه السلام بذاته، هذا ما كان من أمر الشؤون الداخلية- وأما الشؤون الخارجية فقد دعا بالبلاغ المبين وقرر أصول الحقوق الدولية والحقوق الملّيّة [الوطنية] وأوجب أصول الحروب والهدنة والمسالمة والمعاهدة والمقاولة والمكاتبة ورعاية الموازنة السياسية، والمعاهدات وأصول أهل الحماية وحقوق الجوار ومعاملة رعايا الأجانب [الدول الأجنبية] وأهل الذمة وتخويل كل فرقة حقا محدودا بالحكمة، محوطا بالصواب. فيجب على من يريد درك الحقيقة من هذا الدين المتين، أن يراجع نصوصه المبينة في كل حادث زماني أو مكاني أو علمي أو عملي، ويكون له من الاقتدار على التطبيق الشرعي صلاحية كافية، فإنه يرى الحكمة تنجلي بين يديه، مجردة عن كل تردد واحتجاب «1» اهـ.   (1) انظر رسالة حجة الكرام في محجة أهل الإسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وقال غيره أيضا: «سنّ صلى الله عليه وسلم من القوانين والنظامات والأنظمة ما يأمن معه كل ذي حق على حقه، ويدفع التعدي من الأشرار، وذوي الأطماع على أحد من الأمة، أو أهل الذمة، ومن أحكام الزوجية بالطريقة المرضية على أكمل نظام، وأبدع إحكام، وبيّن حقوق الزوجين على بعضهما، مجتمعين أو مفترقين، وسنّ أحكام المعاملات من نحو البيع والشراء والإجارة والشركة والمداينة، وقسم التركات على طريقة الحكمة، وسنّ بعض العقوبات والقصاصات والتعازير لتحفظ بها الأنفس والأموال والأعراض، وسنّ جميع الآداب من كل باب كاداب الأكل والشرب، وآداب النوم وآداب الكلام، وآداب المجالسة والمحادثة والزيارة، وآداب الحضر والسفر، وآداب الزوجية، وآداب ذوي الأرحام مع بعضهم، وآداب الجيران، وآداب الأصحاب، وآداب جميع المسلمين مع بعضهم، وآدابهم مع أهل ذمتهم، إلى غير ذلك من الآداب. فبعد أن يبحث في كل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وما سنه من القوانين والنظامات [والأنظمة] التي هي في غاية الأحكام والإتقان والإبداع، يجزم بأن إتيانه صلى الله عليه وسلم بها، وهو أمي نشأ بين أمة أمية بدوية جاهلية لم يفارق أوطانه إلا أشهرا قلائل لا تصلح (مدته) «1» لتحصيل أقل القليل من العلوم، ولم يجتمع على أحد من أهل المعارف في مدة حياته في بلده، ولم يشاهد أنه عانى تعلم شيء من الشرائع، وقوانين الدول. فأنّى له بأن يستنبط عقله هذا الترتيب الغريب العجيب، الذي أحاط بكل حكمة باهرة، واحتوى على كل خصلة جميلة فاخرة، وتكفل بنظام حال البشر وصالح أحوالهم، وطهارة نفوسهم وعمار ديارهم، وكف أشرارهم، وبكل شيء يعود عليهم بالخير ويدفع عنهم الضر لا يصحح العقل إمكان التصديق باقتداره صلى الله عليه وسلم على الإحاطة بجميع ما جاء به؛ فإذا لا بد أن يكون مرسلا من عند الله، وهو الذي هداه إلى جميع ذلك وأطلعه عليه، وفهّمه أسراره وأمره بتبليغه اهـ. ولله در الحافظ أبي القاسم السهيلي إذ قال في الروض الأنف بعد ذكر حريفات «2» من السيرة ما نصه: فهذه جملة تشرئب إلى معرفتها أنفس الطالبين، وترتاح بالمذاكرة بها قلوب المتأدبين، وكل ما كان من باب المعرفة لنبينا صلى الله عليه وسلم ومتصلا بأخبار سيرته مما يونق الأسماع ويهزّ بأرواح المحبة الطباع، والحمد لله على ما علم من ذلك اهـ ص 93 من الجزء الثاني. وقد قال الإمام القاضي أبو عبد الله محمد بن الأصبغ المعروف بابن المناصف القرطبي الأزدي في الدرر السنية في المعالم السنية في المعلم الرابع من السيرة النبوية: وإن أولى ما تحلى المسلم ... بعد كتاب الله أو يقدم علم بأيام رسول الله ... من لدن النشء إلى التناهي وحفظ ما يحق أن لا يجهلا ... من أمره وحاله مفصلا   (1) حذف ما بين القوسين أنسب. (2) كذا في الأصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 فلنقتضب من ذاك ما لا يسع ... في الحق أن يجهل ذاك الأورع وما يكون شرف المجالس ... جلا العلا للحافظ المدارس تعلو به الرتبة عن يقين ... في شرف الدنيا وحكم الدين وقال الإمام أبو الحسين أحمد بن فارس الرازي في مختصره في السير أوله: «هذا ذكر ما يحق على المرء المسلم حفظه، ويجب على ذي الدين معرفته، من نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومولده ومنشئه وشيعته، وذكر أحواله في مغازيه ومعرفة أسماء ولده، وعمومته وأزواجه. فإن للعارف بذلك رتبة تعلو على رتبة من جهله، كما أن للعلم به حلاوة في الصدر، ولم تعمر مجالس الخير بعد كتاب الله بأحسن من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم» منها قال الإمام أبو العباس العزفي السبتي في الدر المنظم بعد نقل كلام ابن فارس مشيرا إلى قوله يجب: «فهذا إمام من أئمة المسلمين قضى بوجوب معرفة مولده على المؤمنين» . وقال أبو عيسى المهدي بن أحمد بن علي الفاسي في شرحه الوسط على الدلائل إثر كلام ابن فارس: والوجوب في كلامه يحتمل الوجوب الشرعي أو العرفي بمعنى ينبغي مرجعه إلى اعتبار الأولى والأخلق وقد حمله العزفي على الوجوب الشرعي والله أعلم. وعليه فيحتمل وجوب معرفة جميع ما ذكر أو بعضه وباقيه استطراد وزيادة خير للعارف به رتبة كما قال تعلو على رتبة من جهله والله أعلم. والظاهر حمل الوجوب على الشرعي، وأنه يتعلق بجميع ما عدد. وللقرافي في الذخيرة وأشار إليه في شرح الأربعين: أن جملة الأحوال المتعلقة بالرسول، كلها فضلا عمّا به يتعين يرجع إلى العقائد لا إلى العمل، فيجب البحث عن ذلك ليحصل كمال المعتقد. ومشخصاته هي معرفة اسمه ونسبه وزمانه ومكانه وصفته عليه السلام وقال مفخرة الشام ابن القيم الجوزية في زاد المعاد بعد أن بين اضطرار العباد إلى معرفة الرسول وما جاء به وتصديقه فيما أخبر وطاعته فوق ما أمر ونصه: «وإذا كانت سعادة الدارين معلقة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فيجب على كل من نصح نفسه وأحب نجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين، ويدخل به في عداد أتباعه وشيعته وحزبه» . انظر بقية كلامه ولا شك أن المسلم إذا تتبع السيرة على الوجه الذي توخيناه، لم يبق له شك في أن نبيه جاء بعمارة الدنيا والعمل للآخرة، لا بخراب العالم والانقطاع عن العمل، حاشا وكلّا. نعم جاء عليه السلام بعدم تعمير القلب بالدنيا تعميرا يغافل به المسلم عن ربه وتوحيده، ولكن أمرك أن تجد وتجتهد حتى تملأ منها يدك وتترك قلبك لله، وما يرضيه منك من وجوه مبرات وحسنات لبني جلدتك خالدات، بهذا جاء الدين لا بعكسه. ويدلّك لذلك أن ثلث الشريعة الإسلامية عبادات، وأسرار تلك العبادات تتضمن سعادة بذلك وحياة روحك زيادة على إخلاص العمل لوجه الله، وبقية الثلثين معاملات دنيوية وكيفية الأخذ منها والرّد بالقسط. انظر إلى أجزاء الزرقاني مثلا على المختصر الثمانية فإن أحكام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 العبادة منها لا يزيد على جزءين وبقية الأجزاء الستة أحكام المعاملات الدنيوية. بل قال بعض الكتاب: إنّ في القرآن الكريم من آيات العلوم الكونية ما يزيد على سبعمائة وخمسين آية، أما علم الفقه فلا تزيد آياته، الصريحة عن مائة وخمسين آية اهـ. وفي حديث أخرجه ابن عساكر عن أنس قال الحافظ السيوطي في الحاوي: صحيح من وجوه: «ليس خيركم من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه حتى يصيب منهما جميعا فإن الدنيا بلاغ الآخرة ولا تكونوا كلّا على الناس» . وقد أخرجه ابن عساكر عن عمر بن قيس قال: كان عبد الله بن الزبير إذا نظرت إليه في أمر دنياه قلت: هذا رجل لم يرد الله طرفة عين، وإذا نظرت في أمر آخرته قلت: هذا رجل لم يرد الدنيا طرفة عين أنظر ترجمة ابن الزبير في تاريخ الخلفاء [للسيوطي] . وفي حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رزق الدنيا على الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له، وأقام الصلاة وآتى الزكاة مات والله عنه راض» أخرجه «ابن عبد البر في جامع العلم. وقال ابن عمر: لو كان عندي أحد ذهبا أعلم عدده وأخرج زكاته ما كرهت ذلك وما خشيت [أن] يضرني. وقال سعيد بن المسيب: لا خير فيمن لا يجمع المال فيقضي دينه ويصل رحمه ويكف به وجهه. وأخرج الديلمي عن جابر رفعه: «نعم العون على تقوى الله المال» . وقال عمر بن الخطاب: من أراد أن يسأل عن المال فليأتنا فإن الله جعلني خزانا. وقال صلى الله عليه وسلم لسيدنا سعد [ابن أبي وقاص] كما في الصحيح لما أراد أن يتصدق بأكثر ماله: «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس» «1» . وقال لكعب بن مالك حيث استشاره في الخروج عن ماله كله: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك» «2» . وقال قيس بن عاصم [المنقري التميمي] حين حضرته الوفاة لبنيه: يا بني عليكم بالمال واصطناعه فإنه منبهة للكريم، ويستغنى به عن اللئيم. وللصحابي الجليل سيدنا النمر بن تولب العكلي في الحث على الكسب ومدح المال والزجر عن القعود عن التكسب وذم الفقر: خاطر بنفسك كي تصيب رغيبة ... إن القعود مع النساء قبيح فالمال فيه عزة ومهابة ... والفقر فيه مذلة وفضوح أنشدهما له الحافظ ابن عبد البر في كتابه بهجة المجالس.   (1) رواه مسلم في كتاب الوصية ج 2 ص 1251. وأحمد ج 1 ص 168 بمعناه. (2) رواه البخاري كتاب الزكاة وباب 18 ص 117/ 2. ورواه مسلم في كتاب التوبة ج 3 ص 2227. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وقال الثوري مرة لما عاتبه في تقليب الدنانير: لولا هذه لتمندل بنا بنو العباس «1» . وقال أيضا: لأن أخلف عدة آلاف درهم يحاسبني الله عليها أحب إليّ من أن احتاج إلى الناس. وجاء عنه أنه قال: المال في هذا الزمان سلاح المؤمن. وقال سفيان بن عيينة: من كان له مال فليصلحه. ذكر هذه الآثار عنهم الحافظ السخاوي في جواب له في الباب. وفيه أيضا عن أبي الدرداء: من فقه الرجل استصلاحه معيشته. وأورد الزمخشري في الكشاف عند قوله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً [النساء: 5] شيئا من هذا. وكيفما كان الحال؛ فإن ذلك مما يدل ولا إشكال على اهتمام الشريعة الإسلامية بنظام حياتك، وإرشادك إلى استثمار ينابيع الثروة، وأساليب المعيشة الهنيئة. ذلك النظام الذي سنّه لك الإسلام؛ وهو مادة نظام العالم المتمدن اليوم، إن لم يكن جميعه فمعظمه. وأنت أيها المسلم ساه لاه. وفي «الروض الأنف» أن العلاء بن الحضرمي لما قدم على المنذر بن ساوى وخاطبه في الإسلام وشرائعه أجابه المنذر بقوله: قد نظرت في هذا الأمر الذي في يدي فوجدته للدنيا دون الآخرة، ونظرت في دينكم فوجدته للآخرة والدنيا، فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الموت، ولقد عجبت أمس ممن يقبله، وعجبت اليوم ممن يرده وإن من إعظام من جاء به أن يعظم رسوله انظر ص 356 من الجزء الثاني. وفيه أيضا أن الجلندى لما قدم عليه عمرو بن العاص قال له: انظر في هذا النبي الأمي الذي جاء بالدنيا والآخرة. لهذا وشبهه عنّ لنا أن تكون عنايتنا في التدوين بالتراتيب الإدارية، والحرف والصنائع والمتاجر وأنواع العلوم والمشخصات التي كانت على عهد تأسيس المدنية الإسلامية النبوية، حتى يعلم الناس من أبناء ملتنا وعشق التاريخ من غيرهم، أن النبي العربي قد مدّن الشعوب، ورقّى الأمم بما أسس لهم من مباني العمران وسنّ من أنظمة التقدم وأنه يمر بك كثيرا أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بهذا الرقي والعمران بما أنزل الله عليه من آي ذلك وأساليبه. ولكن غفلوا عن ذكر كيفية تمشية ذلك النظام في ذلك الزمان، وحراس تلك التمشية، الذين كانوا يسهلون على الشعب العمل باداب ذلك وأساليبه، ويسهرون على تمسك الأفراد بها. وقد يقال: إنك أسأت الأدب وقرعت أبواب العطن بذكرك في سمرك هذا المصطفى صلى الله عليه وسلم نظاميا ملكا وأصحابه قوادا وولاة. قلت: هذا من ضيق العطن ورمي الفطن وإلا فالبشر كلهم بشر ولكن فيهم الصالح والطالح في بشريتهم، والكامل والأكمل والنبيه والأنبه، والرذيل والأرذل. فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائدهم لا كالقواد، وأميرهم لا كالأمراء لمكانهم من القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولسماعهم الوحي الطري والعلم الصحيح، كما أن المصطفى صلى الله عليه وسلم بشر لا كالبشر، وملك لا   (1) ربما الصواب هو: قال عبد الله بن المبارك للثوري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 كالملوك، وقد قال فيلسوف الإسلام الغزالي في الإحياء: «ومن خصائصه عليه السلام أنه جمع له بين النبوة والسلطنة» اهـ وإلى كلامه هذا أشار الحافظ الأسيوطي في أنموذج اللبيب حيث قال: وجمع له بين النبوة والسلطنة، ولم تجمع لنبي قبله «1» . عد هذا الغزالي رحمه الله في الأحياء. ولما تكلم الإمام السهيلي في الروض على قول أبي سفيان للعباس لما حبسه في محتبس الوادي يوم الفتح: لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما. ورد عليه العباس بقوله إنها النبوة قال: فنعم إذا. ذكر عن القاضي أبي بكر بن العربي إنما أنكر العباس ذكر ذلك الملك مجردا من النبوة، مع أنه كان في أول دخوله في الإسلام، وإلا فجائز أن يسمّى مثله ملكا وإن كان لنبي فقد قال تعالى: وَشَدَدْنا مُلْكَهُ [ص: 20] وقال سليمان عليه السلام وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ص: 35] . غير أن الكراهة أظهر في تسمية حال نبينا صلى الله عليه وسلم ملكا، لما في الحديث أنه خيّر بين أن يكون نبيا عبدا أو نبيا ملكا فأشار إليه أن تواضع فقال: بل نبيا عبدا «2» . قلت: كلام ابن العربي هذا وجدته في الأحكام: ص 199 من الجزء الأول. ولا شك أن ما نحن فيه ليس مما ينكر ولا ينكره أحد وقد قال الشهاب الخفاجي على حديث أبي مسعود البدري أن رجلا قام بين يديه عليه السلام فأرعد من الفرق فقال: هون عليك فإني لست بملك «3» ما نصه: يعني لست من الملوك الجبابرة حتى تخاف مني لأن جبريل جاءه من الله وخيّره بين أن يكون نبيا عبدا أو نبيا ملكا فاختار أن يكون نبيا عبدا ولم يرض بوصفه بالملك وكذا الخلفاء الأربعة. وأول من ملك في الإسلام معاوية فلا وجه لقول بعضهم هنا: إن هذا لا ينافي أنه ظهر ملكه وإن كان ملكه نبوة فإنه لم يرد إلا نفي أنّه ملك كسائر الملوك عند المخاطب. وقال الخفاجي أيضا على حديث ابن أبي هالة الذي فيه عليه السلام كان يقول: أبلغوني حاحة من لا يستطيع إبلاغها، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبّت الله قدميه يوم القيامة «4» . قيل يريد إن أبلغ سلطانا حاجة جوزي بهذا، فكيف بمن يبلغه صلى الله عليه وسلم، وإلا فهو أجل من أن يكون ملكا أو سلطانا وقد قال: لست بملك.   (1) إذا كانت السلطنة تعني القدرة والملك فقد جمعت لسيدنا داود وابنه سليمان، مصححه. (2) روى الإمام أحمد حديثا عن أبي هريرة أوله: جلس جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى السماء فإذا ملك ينزل فقال جبريل: إن هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق قبل الساعة فلما نزل قال: يا محمد أرسلني إليك ربك. أفملكا نبيا يجعلك أو عبدا رسولا؟ قال جبريل: تواضع لربك يا محمد. قال: بل عبدا رسولا ج 2/ 231 والإسلامي: 304/ 2. (3) روى ابن ماجه ج 2 ص 1101 حديثا عن أبي مسعود البدري أوله: هوّن عليك فإن لست بملك، إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد. (4) ذكره في التيسير وعزاه للطبراني وأبي الشيخ عن أبي الدرداء وقال: فيه من لا يعرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 قلت: فيه نظر؛ لأن المراد بالسلطان هنا الإمام الأعظم خليفة الله، وقد أطلق الفقهاء ذلك عليه كما بيناه. وفي حكمه بالسلطنة والفتيا والقضاء المذكور في القواعد للسبكي كما سيأتي اهـ منه. وقال الإمام فخر المالكية، أبو العباس القرافي في الفروق في الفرق السادس والثلاثين، بين قاعدة تصرفه صلى الله عليه وسلم بالقضاء، وبين قاعدة تصرفه بالفتوى، وهي التبليغ وبين قاعدة تصرفه بالإمامة: إعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإمام الأعظم والقاضي الأحكم والمفتي الأعلم، فهو صلى الله عليه وسلم إمام الأيمة وقاضي القضاة وعالم العلماء، فجميع المناصب الدينية فوّضها الله إليه في رسالته، وهو أعظم من كل من تولّى منصبا منها في ذلك المنصب إلى يوم القيامة، فما من منصب ديني إلا وهو متصف به في أعلى رتبة، غير أن غالب تصرفه صلى الله عليه وسلم بالتبليغ والفتوى إجماعا. ومنها ما يجمع الناس على أنه بالقضاء، ومنها ما يجمع الناس على أنه بالإمامة، ومنها ما يختلف العلماء فيه لتردده بين رتبتين فصاعدا، فمنهم من تغلب عليه رتبته ومنهم من تغلب عليه أخرى، ثم تصرفاته عليه السلام بهذه الأوصاف تختلف آثارها في الشريعة. اهـ كلامه الجليل فقف عليه ص 346. من الجزء الأول. وقد عدّ القاضي عياض في الشفا من أسمائه صلى الله عليه وسلم السلطان. قال الشهاب الخفاجي في شرحها: وله معان منها البرهان والملك والنبوة والغلبة، ويعم إرادة كل منها هنا وسمّي صلى الله عليه وسلم بهذا في كتاب شعيب وبعض الكتب القديمة اهـ وفي همزية البوصيري في حق الصحابة: وبأصحابك الذين هم بع ... ك فينا الهداة والأوصياء أحسنوا بعدك الخلافة في الد ... ين وكل لما تولى إزاء أغنياء نزاهة فقراء ... علماء أيمة أمراء أرخصوا في الدنا نفوس ملوك ... حاربوها أشلاءها أشلاء قال الشمس ابن عبد الرحمن في شرحه على قوله: أمراء تولوا الإمارة وأمور المسلمين، في حياته وبعد وفاته عليه السلام. وقاموا فيها بحق الله كما يجب وينبغي، فهو على أقوم موازين العدل وأحقها. وقال الحافظ في الفتح على حديث الصحيح «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله ما لا فسلطه على هلكته في الحق وآخر آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها» «1» . في الحديث الترغيب في ولاية القضاء لمن استجمع شروطه، وقوي على إعمال الحق، ووجد له أعوانا لما فيه الأمر بالمعروف ونصر المظلوم، وأداء الحق لمستحقه، وكف يد الظالم، والإصلاح   (1) هو الحافظ العراقي في شرحه لصحيح الإمام البخاري المشهور واسمه فتح الباري والحديث في كتاب الزكاة ج 2 ص 112 من حديث ابن مسعود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 بين الناس، وكل ذلك من القربات، ولذلك تولاه الأنبياء ومن بعدهم من الخلفاء الراشدين، ومن ثم اتفقوا على أنه من فروض الكفاية، لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه. وقال الحافظ أيضا على باب ما يكره من الحرص على الإمارة؛ هو في حق من دخل فيها بغير أهلية، ولم يعدل فإنه يندم على ما فرط منه إذا جوزي بالخزي يوم القيامة، وأما من كان أهلا وعدل فيها فأجره عظيم، كما تضافرت به الأخبار اهـ. وفي المواهب كان قيس بن سعد بن عبادة بين يديه صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة، قال الزرقاني في شرح المواهب بضم المعجمة والراء وقد تفتح الراء: الواحد شرطي أو بمنزلة كبيرهم، وهم أعوان الولاة، سمّوا بذلك لأنهم الأشداء الأقوياء من الجند، قيل: لأنهم نخبة الجند، وشرطة كل شيء: خياره. وقيل: لأن لهم علامات يعرفون بها، وهذا الحديث كله رواه الطبراني، وروى القطعة الأخيرة منه البخاري عن أنس قال: «إن قيس بن سعد كان يكون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير» «1» . وقال الإمام أبو الحسن السندي المدني في حواشيه على مسند أحمد: الشرط جمع شرطة وشرطي، وهم أعوان السلطان لتتبع أحوال الناس وحفظهم، ولإقامة الحدود. وقيل: هم أول الجيش ممن يتقدم بين يدي الأمير، لتنفيذ أوامره. وقيل: هم نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم اهـ. ويرحم الله الإمام أبا الحسن الخزاعي حيث قال في كتابه الآتي ذكره: وذكرت في كل عمالة منها من ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها من الصحابة ليعلم ذلك من يليها الآن، فيشكر الله على أن استعمله في عمل شرعي، كان يتولاه البعض من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقامه مقامه ويجتهد في إقامة الحق فيه مما يوجب الشرع ويقتضيه، فيكون قد أحيا سنة وأحرز حسنة» . وأصله ما ذكره أبو موسى المديني وأبو الربيع الكلاعي في الاكتفاء ثم ابن الأثير في أسد الغابة وابن حجر في الإصابة في ترجمة أميمة والدة أبي هريرة رضي الله عنه ويقال: إسمها ميمونة: عن أبي هريرة أن عمر بن الخطاب دعاه ليستعمله (يوليه) فأبى أن يعمل له، فقال له أتكره العمل وقد طلبه من كان خيرا منك؟ قال: من ذاك؟ قال: يوسف بن يعقوب. قال: يوسف: نبي بن نبي، وأنا أبو هريرة بن أميمة. انظر ص 21 من جزء النساء من الإصابة. وفي رحلة الأديب الكاتب أبي محمد الشرقي بن محمد الإسحاقي الحجازية على قوله تعالى: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً [الفرقان: 74] قال بعض العلماء: يؤخذ من هذه الآية؛ أنه يجوز للإنسان أن يطلب المراتب العلية في الدين، كالولاية والعلم مثلا والتقدم فيه اهـ.   (1) رواه البخاري في كتاب الأحكام ج 8 ص 108. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 بل قال الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه العجيب المسمى الأكليل على استنباط التنزيل على قول يوسف عليه السلام: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف: 55] استدل بها على جواز طلب الولاية كالقضاء ونحوه لمن وثق من نفسه القيام بحقوقه وجواز التولية عن الكافر والظالم اهـ وقال ابن عطية في تفسيره: «وطلب يوسف للعمل إنما هو لرغبته أن يقع العدل. ونحو هذا دخول أبي بكر في الخلافة، مع نهيه الحثيث من الأنصار عن أن يتأمر على اثنين. الحديث «1» فجائز للفاضل أن يعمل ويطلب العمل إذا رأى أن لا عوض عنه» . وقد نص الحافظ ابن حجر في عدة مواضع من الإصابة أن الخلفاء الراشدين كانوا لا يؤثرون بالولايات غير الصحابة. ورأيت في طبقات ابن سعد لما ترجم للحنظل ابن الحصين البارقي الأزدي عنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قد علمت ورب الكعبة متى تهلك العرب؛ إذا ساس أمرهم من لم يصحب الرسول، ولم يعالج أمر الجاهلية انظر 6/ 88. وأورد ابن أبي شيبة في مصنفه أنهم كانوا في الفتوحات لا يؤمرون غير الصحابة. ولما كان لكل شيء مادة، فمادة كتابتنا هذه من الوجهة الحديثية الكتب الستة التي هي معصم الإسلام وساعده، وشروحها خصوصا فتح الباري، لسيد الحفاظ ابن حجر وعمدة القاري للبدر العيني. والتنقيح للبدر الزركشي. وتوشيح الحافظ السيوطي. واختصاره والمصابيح للبدر الدماميني. وبهجة النفوس للعارف ابن أبي جمرة. وإرشاد الساري للشهاب القسطلاني. وحاشيتي ابن غازي. ورفيقه الإمام الجامع أبي العباس أحمد زرّوق دفين مصراته (في ليبيا) وتشنيف المسامع للعارف الفاسي. وتعليق حفيد أخيه أبي زيد الفاسي. وحواشي أبي عبد الله ابن زكري. وتلميذ تلميذه أبي عبد الله محمد التاودي ابن سودة. وشرح أبي زيد المجاجي على مختصر ابن أبي جمرة. ونفحة المسك الداري شرح نظم مقدمة فتح الباري لأبي الفيض حمدون ابن الحاج. والفجر الساطع على الصحيح الجامع لشيخنا أبي عبد الله محمد الفضيل الإدريسي الزرهوني. وشروح مسلم للنووي وعياض والأبي وابن المشاط والسنوسي والسيوطي وحواشي السيوطي على الكتب الستة خصوصا قوت المغتذي على جامع الترمذي وعون الودود على سنن أبي داود لأبي الحسنات محمد بن عبد الله الفنجابي الهندي والتعليق المحمود على سنن أبي داود للشيخ فخر الحسن الكنكوهي الهندي وإنجاح الحاجة على سنن ابن ماجه لشيخ كثير من شيوخنا محدث المدينة المنورة الشيخ عبد الغني بن أبي سعيد الدهلوي المدني، والحطة في ذكر الصحاح الستة للأمير الطيب الذكر السيد صديق حسن خان البوهبالي الهندي والموطأ لإمام دار الهجرة وشروحها خصوصا المنتقى للإمام أبي الوليد الباجي والقبس على موطأ مالك بن   (1) حديث أبي ذر: «يا أبا ذر لا تولّينّ مال يتيم ولا تأمرّنّ على اثنين» . رواه أحمد ج 5 ص 180. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 أنس للإمام أبي بكر بن العربي المعافري وحاشية السيوطي وموطأ محمد بن الحسن بحاشيتهما لأبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي الهندي ومسند أحمد بن حنبل وحاشيته لمحدث المدينة أبي الحسن السندي ومسند أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ومسند الخليفة عمر بن عبد العزيز تخريج أبي بكر محمد بن محمد الباغندي وهو مطبوع بالهند وإن يكن طابعه لم يذكر جامعه وهو عجيب، والأدب المفرد للبخاري والعلل للإمام أبي محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم الحنظلي ومجمع الزوائد للحافظ نور الدين الهيثمي والجامع الكبير للحافظ الأسيوطي والجامع الصغير وشروحه كفتح القدير والتيسير كلاهما للمناوي والعزيزي وحواشيه للشمسين العقلي والحفني وكنز العمال لابن الهندي ومختصره منتخب كنز العمال ونصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للحافظ جمال الدين الزيلعي الحنفي واختصارها للحافظ ابن حجر وتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير للحافظ ابن حجر أيضا ومشكاة المصابيح وشرحها للشيخ علي بن سلطان المعروف بالقاري الحنفي المسمى بالمفاتيح على المصابيح ومنتقى الأخبار للشيخ مجد الدين بن تيمية وشرحه نيل الأوطار للقاضي محمد بن علي الشوكاني الصنعاني وشرح حديث أم زرع لفخر المغرب القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله ورضي عنه والمقاصد الحسنة للحافظ السخاوي وعروس الأفراح في معنى حديث الأرواح للشمس محمد بن أحمد بن عقيلة المكي وشرح الأربعين النووية للشهاب بن حجر الهيتمي والبرهان للشبرخيتي ومشكل الحديث لأبي محمد ابن قتيبة وتوجيه النظر لصاحبنا الشيخ طاهر الجزائري الدمشقي والفتاوي الحديثية لابن حجر الهيثمي وكتاب أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن الطلاع القرطبي والدرر اللوامع في الكلام على أحاديث جمع الجوامع للحافظ أبي العلاء العراقي الحسيني الفاسي وبلوغ السول في أقضية الرسول للأمير صديق حسن خان البوهبالي وكشف الغمة للعارف أبي محمد عبد الوهاب الشعراني المصري الشافعي ونبراس العقول الذكية في شرح الأربعين حديثا النبوية للشمس محمد بن مصطفى الكرماني الحنفي والمعتصر من المختصر تلخيص القاضي أبي المحاسن يوسف بن موسى الحنفي من اختصار الباجي لمشكل الآثار للطحاوي وشرح مسند أبي حنيفة رواية الحصكفي لأبي الحسن علي القاري المعروف بابن سلطان المكي والذهب الإبريز على المعجم الوجيز للشيخ أبي المحاسن محمد بن خليل القاوقجي الحنفي الطرابلسي الشامي. ومن كتب السيرة النبوية شمائل الترمذي وشروحها لابن حجر والمناوي وحاشية السيوطي وسيرة ابن إسحاق التي هي أول سيرة ألفت في الإسلام وتهذيبها لابن هشام وشرح غريبها لأبي ذر الخشني وشرحها لأبي القاسم السهيلي الضرير دفين مراكش وسيرة الحافظ أبي عمر بن عبد البر المسماة بالدرر في المغازي والسير وقد نقل عنها الحافظ ابن حجر في مواضع من الإصابة بواسطة، فكأنها لم تكن بيده إذ ذاك والاكتفاء لأبي الربيع الكلاعي والشفا وشروحها خصوصا علي القاري المعروف بابن سلطان ونسيم الرياض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 للشهاب الخفاجي واختصاره لابن عبد السلام بناني والحريشي والمنهل الأصفا على الشفا أيضا لابن التلمساني والدرر المنظم في مولد النبي المعظم للحافظ أبي القاسم العزفي السبتي وهو أكبر مولد رأيناه أو سمعنا به وبهجة المحافل للعاملي وحاشيتها لابن الأشخر اليمني وسيرة ابن سيد الناس وحاشيتها نور النبراس للحافظ برهان الدين الحلبي وميرة الشريف الطبري وألفية الحافظ زين الدين العراقي وشرحها للمناوي والشيخ الطيب ابن كيران والمواهب اللدنية للشهاب القسطلاني وهو كتاب جامع مسبوك تداولته الأيدي وخدمه الناس. ومن الغريب أنا نجد نصفه مأخوذا من فتح الباري بعزو وغيره، كما نبّه على ذلك شارحه الزرقاني ص 19 من الجزء الأول، كما قال قبل ذلك: إن المصنف اقتبس من الشفا في غالب التقاسيم والأبواب، حتى إنه اقتفى أثره في صدر الخطبة فقال: المنفرد مع ما فيه من النزاع منشدا بلسان حال: وهل أنا إلا من غزية إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد وشرحها للشمس محمد بن عبد الباقي الزرقاني وحاشيتها لشيخه النور علي الشبرملسي الشافعي المصري والهدي النبوي لابن القيم والسيرة الحلبية لنور الدين علي بن برهان الدين الحلبي المصري والشامية لخاتمة الحفاظ محمد بن يوسف الشامي، وهي أجمع السير وأوسعها مادة وأكثرها مجلدات وهي عندي بحمد الله وسيرة ابن فارس اللغوي وشرحها للقاضي المحدث أبي علي ابن أبي القاسم ابن باديس القسمطيني المسمى فوائد الدرر وفرائد الفكر في شرح مختصر السير وهو في مجلد ضخم واسع البحث غزير المادة والمقالات السنية في مدح خير البرية للعلامة عثمان بن علي، وهي سيرة منظومة فيها تسعة عشر ألف بيت من أعجب ما ألف في الإسلام، وأبدع ما نظم نفاخر بها نظم الإلياذة والدرة السنية في المعالم السنية للقاضي أبي عبد الله محمد بن عيسى بن أصبغ الأزدي المعروف بابن المناصف القرطبي وهي نظم عجيب نحو سبعة آلاف بيت من الرجز ومنحة واهب الهبات البهية والصلات الفاخرة في مدحة صاحب الآيات السنية والمعجزات الباهرة وهي همزية جيدة في نحو خمسة آلاف بيت من البلاغة والغرابة بمكان وفتح المتعال في مدح النعال لأبي العباس المقري واختصاره وأنموذج اللبيب في خصائص الحبيب للسيوطي وشرحه للشمس محمد بن عمر الروضي المالكي الأزهري وخصائص القطب الخيري وهو الكتاب الذي صرح الخفاجي في مواضع من شرح الشفا أنه لم يصنف مثله وسمط الجوهر الفاخر في مفاخر سيد الأوائل والأواخر لأبي عيسى المهدي بن أحمد الفاسي والمولد الكبير للشهاب الحلواني ووفاء الوفاء للسيد السمهودي وخلاصة الوفا له أيضا وتاريخ المسجد النبوي للسيد جعفر البرزنجي وتحفة المحبين والأحباب فيما للمدنيين من الأنساب لأبي زيد عبد الرحمن بن عبد الكريم الأنصاري المدني وهو من الكتب النادرة في المدينة المنورة ونجوم المهتدين في دلائل نبوة سيد المرسلين للشيخ أبي المحاسن يوسف النبهاني البيروتي الشامي والهمزية لشرف الدين البوصيري وشروحها للشمس الجوجري والشهاب ابن حجر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 الهيثمي والشمس الحفني وأبي عبد الله محمد زنيبر السلوي وأبي عبد الله محمد بن أحمد الحضيكي السوسي وأبي محمد عبد القادر السجلماسي قاضي مكناس وأبي عبد الله محمد بنيس الفاسي وأبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الصومعي التادلي والشيخ سليمان الجمل المصري وأبي العباس الصاوي المصري وغيرهم من شروحها وشرح البردة لأبي العباس الجادري. ومن كتب تراجم الصحابة كتاب الطبقات الكبرى للإمام ابن سعد طبعت في ثمان مجلدات بأوروبا، ولعلها أول كتاب ألف في طبقات الصحابة في الإسلام. وكل من ألف فيهم بعده إنما على أثره نسج. ثم الاستيعاب للحافظ أبي عمر بن عبد البر واختصاره المسمى أنوار أولي الألباب في اختصار الاستيعاب وأسد الغابة لابن الأثير والإصابة لسيد الحفاظ ابن حجر وهي أوسع المواد لأنها البحر الزاخر الذي يجد به كل باحث قصده في سائر الأبواب من الأوائل والأواخر. واختصارها لأبي زيد عبد الرحمن بن محدث فاس والمغرب أبي العلاء العراقي الحسيني والتجريد للحافظ الذهبي ودر السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة للأسيوطي والرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة لأبي زكريا يحيى العامري صاحب البهجة وظل الغمامة وطوق الحمامة في مناقب من خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكرامة للإمام مفخرة وقته ذي الوزارتين أبي عبد الله محمد الغافقي الأندلسي المقول فيه: لم يطلق اسم كاتب بالأندلس على رجل مثله والاستبصار في أنساب الأنصار للإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة الحنبلي المقدسي وسيرة عمر بن الخطاب للحافظ ابن الجوزي وأسنى المطالب في مناقب سيدنا علي بن أبي طالب للحافظ ابن الجزري وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى للحافظ محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري شيخ الحرم وحافظ الحجاز وجواهر العقدين في فضل الشرفين شرف العلم والنسب للإمام مؤرخ المدينة المنورة نور الدين علي السمهودي الشافعي المدني الشامي. ومن كتب التاريخ والأدب والأنساب تاريخ الإسلام لحافظ الإسلام أبي القاسم بن عساكر والعبر لولي الدين ابن خالدون الحضرمي ومقدمته وجمهرة الحافظ أبي محمد بن حزم الأندلسي والفهرست أبي الفرج محمد بن أبي يعقوب إسحاق النديم الشيعي وصبح الأعشى في صناعة الإنشا للشهاب أحمد القلقشندي وهو من أعظم ما ألف في التاريخ الإسلامي ومدنيته وآداب لغته وطبعه من أبدع حسنات هذا العصر والمعارف لابن قتيبة ووفيات الأعيان للقاضي ابن خلكان وتاريخ الخلفاء ولب الألباب في الأنساب وطبقات اللغويين والنحاة وآكام العقيان في الخصيان وحسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة وتدريب الراوي في شرح تقريب النووي ورسالة الزجر في الهجر والمسارعة إلى المصارعة والأجر الجزل في الغزل التسعة «1» للحافظ الأسيوطي والدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة وسمط اللآلي في بيان ما اشتمل عليه كتاب الشفا من الرجال للشيخ قويسم التونسي في أحد   (1) وجدت في كتاب هدية العارفين اسم كتاب للسيوطي وعنوانه: أجر الجزل في العزل. ص 535/ 5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 عشر مجلدا عندي منه أربع مجلدات وطالعت غيرها وهو من الكتب الجامعة النادرة الوجود والعقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي وعيون الأنباء في طبقات الأطباء لموفق الدين أبي العباس أحمد بن القاسم السعدي الخزرجي المعروف بابن أبي أصيبعة ومرآة الزمان لسبط ابن الجوزي الحنبلي وكتاب أخبار الدول وآثار الأول لأبي العباس أحمد بن يوسف بن أحمد الدمشقي الشهير بالقرماني «1» وخطط مصر للمقريزي وعلي مبارك باشا وكتاب أشهر مشاهير الإسلام في الحرب والسياسة لصديقنا الكاتب المعتبر رفيق بك العظم الدمشقي نزيل مصر وشرح بديعية البيان للحافظ محمد بن ناصر الدين الدمشقي في طبقات الحفاظ المسمى التبيان وطبقات الشافعية الكبرى للقاضي تاج الدين السبكي الشافعي والأنساب لابن السمعاني ونكت الهميان في أخبار العميان للصلاح الصفدي ونهاية الأرب في معرفة أنساب العرب لصاحب صبح الأعشى والديباج المذهب لابن فرحون وذيليه لأبي العباس السوداني النيل والكفاية وطبقات الإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد الحضيكي السوسي وطبقات الحنفية للعلامة بن قطلوبغا الحنفي وروض القرطاس لابن أبي زرع والتعريف بالمصطلح الشريف لابن فضل الله العمري وهو مادة القلقشندي في صبحه ومسالك الأبصار في ممالك الأمصار لابن فضل الله المذكور أيضا والأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل لمجير الدين الحنبلي وتكملة الحافظ ابن الأبار الأندلسي وغيره لصلة ابن بشكوال وروضة النسرين في دلوة بني مرين لأبي الوليد إسماعيل بن الأمير يوسف المعروف بابن الأحمر ومستودع العلامة لابن الأحمر أيضا وتذكرة الحفاظ للحافظ الذهبي وتاريخ الإسلام له والتعريف بالرجال المذكورين في مختصر ابن الحاجب الفرعي لمحمد بن عبد السلام بن إسحاق الأموي المالكي وتاريخ الدولتين الموحدية والحفصية لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم اللؤلؤي الزركشي والاعلاق النفيسة لأبي علي أحمد بن عمر بن رسته وذيل بشائر الإيمان في فتوحات آل عثمان لرئيس ديوان الإنشاء في الدولة التونسية الشيخ المؤرخ حسين خوجه الحنفي التونسي ونفح الطيب وأزهار الرياض في أخبار عياض كلاهما للمقري وجذوة الاقتباس لأبي العباس ابن القاضي ودرة الحجال ولقط الفرائد كلاهما له أيضا والخبر المعرب للشيخ أبي راس المعسكري وري الظما فيمن قال الشعر من الإما للحافظ أبي الفرج ابن الجوزي والتلقيح وتلبيس إبليس له أيضا وسلك الدرر في أهل القرن الثاني عشر للشمس محمد خليل المرادي الدمشقي وثمار القلوب في المضاف والمنسوب لأبي منصور الثعالبي وهو من أبدع كتبه وإرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد للشمس محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري الأكفاني ومفتاح السعادة ومصباح السيادة لأحمد بن مصطفى (طاشكبري زاده) والأزهار الطيبة النشر في بعض مبادىء العلوم العشر للقاضي أبي الفتح محمد الطالب ابن الشيخ أبي الفيض حمدون بن الحاج السلمي الفاسي والاستقصاء لفخر سلا أبي العباس   (1) طبع مؤخرا في بيروت في دار الكتب العلمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 الناصري السلاوي وخلاصة تاريخ العرب للمؤرخ الفرنسوي الشهير سيديو والتحفة القادرية لأبي محمد عبد السلام بن الخياط القادري الفاسي والأشراف على من بفاس من مشاهير الأشراف للقاضي أبي الفتح ابن الحاج وتحفة الأكابر في مناقب الشيخ عبد القادر لأبي زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي والدر النفيس فيمن بفاس من أبناء محمد ابن إدريس لأبي محمد الوليد بن العربي العراقي الفاسي وسلوة الأنفاس فيمن أقبر من العلماء والصالحين بمدينة فاس لابن خالنا أبي عبد الله محمد بن جعفر الكتاني الفاسي وكشف الظنون للمنلا كاتب چلبي ورحلة الإمام الحافظ أبي القاسم التجيبي ورحلة أبي محمد عبد الله التجاني وماء الموائد رحلة الشيخ أبي محمد عبد الله بن محمد أعياش وورحلة الإسحاقي الحجازية ورحلة خاتمة الحفاظ بالمغرب الأقصى أبي عبد الله محمد بن عبد السلام الناصري الدرعي ورحلة الشيخ أبي راس المعسكري حافظ المغرب الأوسط وفواتح الأنس في الرحلة إلى القدس للشيخ مصطفى أسعد اللقيمي والترجمانة الكبرى اسم رحلة الكاتب أبي القاسم الزياني الفاسي وروضة البسام في الرحلة إلى بلاد الشام لمحمد بن عبد الجواد القاياتي المصري ورحلة الحبشة لصادق باشا المؤيد العظم وتلخيص الإبريز للشيخ رفاعة الطهطاوي المصري والرد الوافر على من زعم أن من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر لحافظ الشام الشمس محمد بن ناصر الدين الدمشقي الشافعي والنجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لأبي المحاسن المطبوع بليدن سنة 1851 م وتاريخ مصر الحديث لجرجي زيدان وانتقاده نبش الهذيان من تاريخ جرجي زيدان وجوابه وأوائل السيوطي والدر النفيس لجدنا من قبل الأم أحمد بن عبد الحي الحلبي والدرر المرصعة في صلحاء درعة لأبي عبد الله محمد المكي بن موسى بن محمد الناصري والأنيس المطرب فيمن لقيته من أدباء المغرب لأبي عبد الله محمد بن الطيب العلمي دفين مصر والرد المتين على منتقص الشيخ محي الدين للشيخ عبد الغني النابلسي وتاريخ الدولة الحسنية العلوية لأبي العباس ابن الحاج وتاريخ بيوتات فاس لأبي زيد الفاسي ورياض الورد فيما انتمى إلى هذا الجوهر الفرد للقاضي ابن الحاج والجيش العرمرم الخماسي لأبي عبد الله أكنسوس السوسي المراكشي والبحر الزاخر في تاريخ العالم وأخبار الأوائل الأواخر لمحمود فهمي المصري وهو في عدة مجلدات ورسالة النقود الإسلامية للتقي المقريزي. ومن كتب التفسير والفقه والأصول والتصوف واللغة والسياسة والطب والحكمة أحكام القرآن للإمام أبي بكر أحمد بن علي الجصاص الحنفي البغدادي وهو من أول من ألف في أحكام القرآن من أهل القرن الرابع والقاضي أبي بكر بن العربي المعافري المالكي وتفسير ابن عطية والقرطبي والكشاف للزمخشري وتفسير ابن عرفة التونسي وتفسير المولى أبي السعود الحنفي والدر المنثور للحافظ السيوطي والإتقان في علوم القرآن له أيضا والإكليل في استنباط التنزيل له أيضا وتفسير الشيخ محمد نووي الجاوي المسمى مراح لبيد والمحاذي؟ للأستاذ المقري أبي عبد الله محمد بن عبد السلام الفاسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 ومن كتب الفقه المالكي المدونة والرسالة لابن أبي زيد وشروحها لأبي يحيى التازي وابن ناجي وزروق الأجهوري وجسوس وغيرهم والكافي لأبي عمر بن عبد البر والبيان والتحصيل لأبي الوليد بن رشد والقوانين لأبي القاسم ابن جزي وشرح أبي العباس القباب على قواعد عياض والمعيار المعرب للحافظ الونشريسي وشرح أبي عبد الله المواق الغرناطي والحطاب المكي على المختصر والزرقاني والشبرخيتي عليه أيضا وأبي علي ابن رحال المعداني وحاشية الرهوني والشيخ الأمير المالكي المصري عليه وحاشية الأمير المذكور أيضا على شرحه لمجموعه وحاشية الشمس الدسوقي على شرح الدردير على المختصر أيضا وتنبيه الغافل للتفجروتي وألغاز ابن فرحون وشرح المنظومة التلمسانية في الفرائض للإمام أبي يوسف يعقوب بن موسى بن يعقوب بن عبد الله الستاني وهو من أشياخ بعض مشائخ ابن غازي والتبصرة لابن فرحون وشرح أبي عبد الله محمد بن الطيب القادري على المرشد المعين وتحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشعائر وتغير المناكر للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن قاسم العقباني التلمساني وسراج الملوك لأبي الوليد الطرطوشي والمصباح الوهاج المغني عن سراج الداج لأبي عبد الله محمد التهامي بن محمد المدعو شهبون اليالصوتي الشفشاوني وفتح الوهاب على هداية الطلّاب للشيخ سيدي المختار بن أحمد بن أبي بكر الكنتي وفتاوى شيخ بعض شيوخنا العلّامة الصالح أبي عبد الله محمد بن أحمد عليش المالكي والتيسير في أحكام التسعير للقاضي أبي العباس أحمد بن سعيد المجليدي قاضي فاس الجديد وشرح جامع خليل للشيخ التاودي بن سودة الفاسي وشرح الشيخ أبي العباس أحمد الهشتوكي السوسي على نظمه في الذريعة وحاشية فقيه الشام ومفتيه شيخ بعض شيوخنا الشمس محمد بن عابدين الحنفي على الدر المختار شرح تنوير الأبصار وهو أجمع كتاب ألفه المتأخرون في الفقه الحنفي والدر المختار شرح تنوير الأبصار المذكور وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين بن مسعود الكاساني وهو كتاب عظيم ليس له نظير في كتب الحنفية والحديقة الندية في شرح الطريقة المحمدية للعلامة الأستاذ الكبير الشيخ عبد الغني بن الشيخ إسماعيل النابلسي الحنفي الدمشقي والوسيلة الأحمدية والوزيعة السرمدية في شرح الطريقة المحمدية للحاج رحب بن أحمد التركي والبريقة المحمودية في شرح الطريقة المحمدية للشيخ أبي سعيد الخادمي الحنفي ونهاية الأحكام فيما للنية من الأحكام لصديقنا السيد أحمد الحسيني الشافعي المصري وكشاف القناع على متن الإقناع للشيخ منصور بن إدريس الحنبلي من كبار كتب الفقه الحنبلي وفتاوى الشهاب أحمد بن حجر الهيتمي الفقهية وفتاوى الشهاب أحمد الرملي الشافعي المصري والمواقف للعضد وشرحها للسيد [الشريف الجرجاني] وقوت القلوب لأبي طالب المكي والإحياء للغزالي وتخريج أحاديثها للحافظ العراقي وشرحها لفخر المتأخرين وعلم المحدثين المسند السيد مرتضى الزبيدي دفين مصر ومختصر كتاب المومل في الرد على الأمر الأول للحافظ أبي شامة عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 والقواصم والعواصم للإمام أبي بكر بن العربي المعافري دفين فاس والابتهاج في شرح المنهاج للإمام تقي الدين السبكي الأنصاري الشافعي وشرح الحافظ السيوطي على نظمه جمع الجوامع المسمى بالكوكب الساطع ونسمات الأسحار على شرح إفاضة الأنوار على متن أصول المنار لشيخ بعض شيوخنا مفتي دمشق ونحريرها الشمس محمد بن أحمد بن عابدين الحنفي الدمشقي وفواتح الرحموت على مسلم الثبوت للعلّامة عبد العلي بن نظام الدين الأنصاري الهندي وشرح جمع الجوامع لأبي العباس أحمد حلولو القيرواني المسمى بالضياء اللامع ومتنه وشرحه للجلال المحلي وحاشيته لأبي علي العطار المصري والمدخل لأبي عبد الله بن الحاج العبدري والفروق للإمام أبي العباس القرافي وسنن المهتدين للمواق والعلم الشامخ في إيثار الحق على الأباء والمشايخ للنظار الشيخ صالح المقبلي اليمني وبدائع السلك في ترتيب الملك للقاضي أبي عبد الله بن الأزرق الغرناطي وأدب الدنيا والدين للماوردي والإنالة العلمية في طريقة الفقراء المتجردين من الصوفية للأستاذ العالم أبي عثمان سعيد بن أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن ليون التجيبي والأجوبة المهمة لمن له بأمر دينه همة لعالم صحراء افريقية الشيخ المختار بن أبي بكر الكنتي صاحب الطريقة المشهورة به وكتاب الآداب الشرعية الكبرى للإمام أبي محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي وهو من أوسع المؤلفات في آداب الإسلام اشتمل على مجلدين ضخمين ومنظومة الإمام محمد بن عبد القوى المرداوي الحنبلي وشرحها غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب لمحدث الشام وعالمه في القرن الثاني عشر أبي عبد الله محمد بن أحمد السفاريني النابلسي الحنبلي وهو أيضا في مجلدين ما أوسع إطلاعه وأندر إتقانه بالنسبة لمعاصريه وبلوغ أقصى المرام في شرف العلم وما يتعلق به من الأحكام للعلامة أبي عبد الله محمد بن مسعود الطرنباطي الفاسي وسعود المطالع والفواكه الجنوية والقصر المبني على حواشي المغني ثلاثتها للنحرير الشيخ عبد الهادي الإبياري المصري والشرح الجلي على بيتي الموصلي للشهاب أحمد البربير البيروتي وهداية الضال من القيل والقال وهو شرح ابن عمنا المؤرخ المدرس الأديب أبي محمد المأمون بن عمر الكتاني الحسني على بيتي ابن فارس اللغوي: إذا كنت في حاجة مرسلا ... رسولا وأنت بها مغرم والمواهب الفتحية في علوم اللغة العربية للشيخ حمزة فتح الله المصري وكناشة أبي العباس أحمد بن عاشر الحافي السلاوي وشرح خطبة المختصر لأبي العباس الهلالي السلجماسي وشرح الحافظ السخاوي على ألفية العراقي في الاصطلاح واليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر للشيخ عبد الرؤوف المناوي المصري ومقدمة تاريخ شهاب الدين المرجاني الغازاني المسمى وفيات الأسلاف وتحية الأخلاف وهي مقدمة نفيسة أراد أن يضاهي بها مقدمة ابن خالدون لتاريخه ومقدمة تاريخ الوزير جودت باشا التركي وآكام النفائس في آداب الأذكار بلسان فارس لسمّينا أبي الحسنات عبد الحي اللكنوي الهندي ومشارق الأنوار للقاضي عياض ونهاية ابن الأثير ومجمع بحار الأنوار للشيخ محمد طاهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 الفتني وتهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي وشرح الشواهد الكبرى لمحمود العيني المصري والمطالع النصرية في الأصول الخطية لأبي الوفاء نصر الهوريني المصري وروضة الاعلام بمنزلة العربية من علوم الإسلام لآخر قضاة الأندلس أبي عبد الله محمد بن علي بن الأزرق المتوفى على قضاء بيت المقدس وهو كتاب عظيم قال عنه المقري في نفح الطيب لم يؤلف في فنه مثله اهـ والقاموس وحاشيته للإمام محمد بن الطيب الشركي الفاسي وشرح خطبته المسمى فتح القدوس للإمام أبي العباس أحمد بن عبد العزيز الهلالي السجلماسي وشرحه تاج العروس لخاتمة الحفاظ أبي الفيض الزبيدي المصري والمصباح والصحاح ومفاتيح العلوم لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف الكاتب الخوارزمي وإتحاف ذوي الاستحقاق ببعض مراد المرادي وزوائد أبي إسحاق اسم حاشية ابن غازي على ألفية ابن مالك والنوافح العالية في المدائح السليمانية لأبي الفيض حمدون بن الحاج المرداسي والرد على ابن المطهر الحلي للحافظ ابن تيمية الحنبلي الدمشقي والصارم المسلول على شاتم الرسول له أيضا والطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم وكتاب البركة في فضل السعي والحركة لأبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحبشي اليمني وشرح الشيخ أبي سالم العياشي المسمى إرشاد المتسبب على نظمه لبيوع ابن جماعة التونسي المسمى معونة المكتسب وبغية التاجر والمحتسب والوافي في المسألة الشرقية ومتعلقاتها لأمين إبراهيم شميل المطبوع سنة 1296 لم أقف منه إلا على المجلد الأول وهو في 485 صحيفة وفهرس العلّامة المحدث المسند أبي العباس أحمد بن قاسم البوني التميمي ومعجم الحافظ السيد مرتضى الزبيدي الحسيني شارح الاحياء وفهرسة الحافظ أبي بكر بن خير الأموي والفوائد الجمة في إسناد علوم الأمة للإمام أبي زيد عبد الرحمن التمنارتي وصلة الخلف بموصول السلف لابن سليمان الرداني دفين دمشق الشام وفهرس الشيخ عبد الباقي الحنبلي الدمشقي المسمى رياض أهل الجنة في آثار أهل السنة، والمنح الباذية في الأسانيد العالية لأبي عبد الله محمد الصغير الفاسي وحصر الشارد في أسانيد محمد عابد لشيخ بعض شيوخنا محدث الحجاز الشيخ محمد عابد السندي الأنصاري المدني وإفراد ذوي الاستعداد إلى معالي الرواية والإسناد للشيخ أبي محمد عبد القادر ابن أحمد الكوهن الفاسي وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المدايني وتثقيف اللسان وتلقيح الجنان لأبي حفص عمر بن خلف بن مكي الصقلي قاضي تونس من الكتب النادرة حتى إن صاحب كشف الظنون والبلغة لم يذكراه وتسريح الأبصار فيما يحتوي لبنان من الآثار للقس هنري لا بسنس اليسوعي وكناشة المؤرخ النسابة الرحالة أبي عبد الله محمد بن الخياط بن إبراهيم الفاسي وكناشة أبي الفضل عباس بن أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن السجلماسي الفاسي والامتاع بأحكام السماع لكمال الدين أبي الفضل جعفر ابن ثعلب الأدفوي الشافعي والنفس اليماني والروح الروحاني في إجازة القضاة الثلاثة بني الشوكاني لمفتي زبيد ومسندها السيد عبد الرحمن بن سليمان الأهدل رحمه الله وفتح المنة في التلبيس بالسنة للشعراني وطبقاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الكبرى والمنن وتنبيه المغترين له وتحديد الأسنّة في الذبّ عن السنة لشيخنا وولي نعمتنا الأستاذ الوالد الشيخ أبي المكارم عبد الكبير بن محمد الكتاني الحسني والتوفيق من الرب القريب في عدد شيبه وفي خضاب النبي الحبيب له أيضا ومناهج الأخلاق السنية في مباهج الأخلاق السنية للعلّامة الشيخ عبد القادر الفاكهي المكّي وعين العلم اختصار الاحياء للشمس محمد بن عثمان البلخي وشرحه للمنلا علي القاري المعروف بابن سلطان المكي الحنفي وضياء النهار المجلي لقائح الأبصار لأبي القاسم بن خجو الحساني أمير فاس وتشييد المكانة لمن حفظ الأمانة للعلّامة العارف أبي المعارف مصطفى بن كمال الدين البكري الصديقي الحنفي الدمشقي والوابل الصيب في الكلم الطيب للحافظ ابن القيم الزرعي الدمشقي وبدائع الفرائد له أيضا وحجة الكرام في محجة أهل الإسلام والمحاضرات والقانون كلاهما للعلامة النظار أبي علي الحسن بن مسعود اليوسي ومناهج الألباب المصرية في مناهج الآداب العصرية للشيخ رفاعة الطهطاوي المصري وبذل الكرامة لقراء المقامة لصاحبنا الشمس محمد بن عبد الرحمن البوسعادي الجزائري ومقدمة أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك تأليف الوزير خير الدين باشا التونسي والدوحة المشتبكة في ضوابط دار السكة لأبي الحسن علي بن يوسف بن أبي الحسن الكومي الفاسي والتاج للإمام أبي عثمان بن بحر الجاحظ في أخلاق الملوك وآدابهم وهو كتاب لا ينبغي أن يختلف في نسبته للجاحظ لأن بيدي منه أوراقا بخط قديم في رق غليظ يغلب على ظني أنها كتبت في حياة الجاحظ نفسه أو بعده بقريب عنوانها الجزء الثامن من كتاب التاج تأليف أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ للفتح بن خاقان مولى أمير المؤمنين اهـ باللفظ. ولو ظفر بهذه الأوراق منه الأستاذ أحمد زكي باشا المصري طابعه لطرب وزال عنه كل شك وريب وربما اختلج في ظني أن العنوان المنقول نصه هنا هو مكتوب بخط الفتح بن خاقان نفسه والبيان والتبيين ورسالة في مدح التجار وذم عمل السلطان كلاهما للجاحظ أيضا وحسن الصناعة في علم الزراعة وغير ذلك من الرسائل والمصنفات. ومن أعظم ما اعتمدته وسايرته كتاب تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية وإن كنت لم أقف عليه كاملا ولكن على ترتيب ما وقفت عليه منه اعتمدت وعليه أضعاف أضعاف فصوله وأصوله ونقوله زدت واستدركت مع تمييز الزيادات عليه غالبا برسم حرف الزاي قبلها، أو قلت كما فعل ابن حجر في الإصابة فيما زاده على الذين دونوا قبله فيما دون فيه، وجعلت خطوطا بالمداد الأسود (شرطات) على كلامه ليظهر كلامه من زياداتي فكلما رأيت التأشير متصلا بالمداد الأسود من فوق فهو كلام الخزاعي، وابتداء كلامي من رسم حرف الزاي ثم قلت وإن رسمت الزاي وبعدها قلت قبل الترجمة فاعلم أنها وما فيها من استدراكاتي، وإن رسمت الزاي وبعدها قلت بعد كتب الترجمة فاعلم أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 الترجمة للخزاعي والزيادة والاستدراك كلها من زياداتي «1» . وقد عملت على الكتابة في هذا الموضوع بلسان يناسب روح العصر وقلم يرمي إلى ترجيح مهيع الاختصار، والاقتصار على الأرجح، والأفيد من غير خروج عن الموضوع. وقد كنت فيما مضى وانقضى شديد التطلب لهذا الكتاب تخريج الدلالات العظيم الشأن الذي اهتم به مؤلفه بما لم يهتم به أحد قبله ولا بعده فيما نعلم، وهو تدوين المدنية الإسلامية على عهد تأسيسها الأول، جازما أن صاحبه ألهم الخوض في مشروع يستلفت الأنظار، ويستوجب مزيد الشكر وأن يبقى له به أعظم تذكار، ومع ذلك أجد أن طول الزمن أخنى على مؤلفه ومؤلّفه فدفنا معا في زوايا النسيان، وألقي عليهما الإهمال بكلكله في أودية النكران، فبقيت في تشوق وتلهف للكتاب المذكور، أوالي عنه البحث والتفتيش من أقصى وادي نون إلى بلاد العريش، حتى ظفرت به في مكتبة تونس الزاهرة لما رحلت إليها سنة 1339 هـ[حوالي 1920] فأخرجته من مكتبتها بقصد الانتساخ. وممن ساعدني على استعارته، بهجة تلك الحاضرة الذي هو فيها الشامة النادرة، الشيخ محمد طاهر عاشور قاضيها لهذا العهد، وقد عجبت أكبر إعجاب لوجود ذلك الكنز، في تلك الحاضرة الزاهرة، التي يتردد إليها كثير من أهل العلم، من أهل بلدنا ومن غيرهم ولم يحيه أحد باستنساخه وجلبه، فضلا عن نشره وطبعه. ولكن بكل أسف لم يوجد اسم المؤلف على ظهر النسخة التونسية ولا في برنامجها. ومع كوني طالما تأبطت به هنا وهناك، وأطلت الحديث عليه باحتباك، ذاكرا من ترجمه وعرف به، فلم أجد قط من يصغي إلى شيء من ذلك أو به يهتبل وينتبه، ومع كوني في هيامي به وحيدا، وسمري به وسهري فريدا، بقيت مهتما به أي اهتمام، قياما بواجب حق مؤلفه الذي خدم الإسلام، وبموضوعه الذي هو حاجتنا اليوم القصوى، ودفع ما به عمّت الأمم الإسلامية البلوى، فأقمت عليه بعد وصوله ليدي بفاس أياما وليالي، أميز أبوابه من فصوله، وأشير على رؤوس الكلام وأصوله، وأصحح ما غلط فيه ناسخه، الذي وجدته لم يعتبره ولا عرف له قيمة، ولا فهم أنه يكون مني ومن عشاق الآثار الإسلامية من أكبر الكتب القيّمة. وقد كنت طالما طالعته وسامرته، وصاحبته معي في أسفاري وفي كل موطن منها أحضرته، أجد أنه لو نسج على منواله، واعتني بالزيادة عليه والاستدراك طبق آماله، لكان الموضوع قابلا للزيادة عند من يعتني بالإفادة والإجادة، خصوصا وقد انتشرت الكتب اليوم في الأرض طولها والعرض، وعمّ منها المشرق والمغرب ما كانت يد الظنة به قبل تغرب،   (1) في هده الصبعة تم الاكتفاء بأن جعل كلام الخزاعي بي هلالين «» بخط أسود أوضح من سائر الكلام، وبقية الكتاب هو من كلام المؤلف رحمه الله بالخط العادي وذلك نظرا لكون كتاب التخريج قد طبع كاملا محققا من قبل الأستاذ الكبير إحسان عباس ولاختلاف أساليب الطباعة في زماننا عن الأيام. مصححة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 خصوصا حين نهضة الأمم الإسلامية الأخيرة، وما جادت به المطابع وما سهلته مخترعات العصر من أدوات الانتقال والرحلة بما أصبحت به يسيرة، بعد أن كانت شاقة كثيرة، وآمادها وأيامها كبيرة، فانتهزت فرصة من فرص الزمان الذي كان بها قبل بخل وضنّ، وجمعت هذه الرسالة التي استغرقت فيها أربعة أشهر أو أزيد، وطالعت عليها جل مكتبتي التي فيها والحمد لله ما هو أجمع وأفيد، فجاءت في الجمع أكبر آية والغاية القصوى التي يتطلبها أهل البادية والنهاية، أتيت فيها على جميع النافع من كتاب التخريج، وزدت عليه ما هو أمتع وأنفع من الزهر الأريج، مقدما قبل نجواي ما سبق وآتيا بمقدمتين الأولى في التعريف بكتاب التخريج ومؤلفه، وذكر اصطلاحه ومقصده وغايته ومادته، لخلو أكثر الدواوين من التعريف به، وجهل جملة أهل العصر به، لولا أفراد استرقوا السمع مني، ثم أدلوا بما سمعوا هنالك مظهرين أنهم استغنوا عني في ذلك، وإلا فهم بين قن وخادم لولا أنا ما ذهبوا ولا جاؤوا، ولبقوا في خمول أصحاب الماثم على أن من تطور على غير شكله فإنما شهد بخساسة أصله، ومن لبس حلية غيره مولول بأنه متشبع بما لم يعطه سيان في فرضه أو نفله. الثانية: في ذكر برنامج [فهرس المطالب] الكتابين لتظهر خدمة السابقين واللاحقين للفئتين فأقول والله المستعان. اسم مؤلف كتاب التخريج ونسبه وبلده مؤلفه أبو الحسن علي بن ذي الوزارتين محمد بن أحمد بن موسى بن مسعود بن موسى بن أبي غفرة الخزاعي. ترجمه ابن القاضي في درة الحجال التي ذيل بها تاريخ ابن خلكان وكتابه الآخر جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الاعلام بمدينة فاس، فأما الدرة فقال فيها: علي بن مسعود الخزاعي التلمساني ولم يزد على ذلك في نسبه شيئا. وفي الجذوة قال: علي بن ذي الوزارتين محمد بن مسعود الخزاعي التلمساني المولد، الفاسي الوفاة، الأندلسي الأدب والسلف، وقد بحثت عن اسم والده ذي الوزارتين محمد بن مسعود الخزاعي وترجمته في كثير من المصنفات، فلم أوفق للعثور عليها إلى الآن، ثم وجدت تحليته في ترجمة ابنه أبي الحسن من كتاب مستودع العلامة لابن الأحمر فوصفه: بذي الوزارتين القائد الفقيه الكاتب، صاحب الأشغال السلطانية محمد بن الفقيه القاضي موسى بن مسعود الخزاعي، قال: جمع أبوه بين الخطتين السيف والقلم، وكان رسوخ قدمه في الفروسية والعلم أثبت من علم، وكان من آبائه بالأندلس جملة قضاة وأرباب تحصيل العلوم، وحلل مرتضاة وعبر البحر منهم للعدوة [شاطىء المغرب] فاستقر بتلمسان، فقلد بها الوزارة والقيادة والكتابة، إذ نجم منه الإحسان. والخزاعي كما في لب اللباب في تحرير الأنساب للحافظ الأسيوطي نسبة إلي خزاعة قبيلة من الأزد اهـ. وفي القاموس: خزاعة حي من الأزد، سمّوا بذلك لأنهم تخزعوا من قومهم، وأقاموا بمكة اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وفي الصحاح: لأن الأزد لما خرجت من مكة لتتفرق في البلاد تخلفت عنهم خزاعة، وأقامت بها. وفي العبر: كانت مواطنهم بمكة ومرّ الظهران وما بينهما اهـ. مولده ومشيخته: ولد كما في فهرسة أبي زكريا السراج سنة عشر وسبعمائة وأخذ كما فيها عن الخطيب الراوية المكثر أبي عبد الله بن أحمد بن مرزوق التلمساني وأجاز له، وعن المحدث قاضي الجماعة بالجزيرة أبي البركات محمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم البلفيقي. قلت: وكأني به كان قليل الرواية أو إنما روى واستجاز في كبره، لأن وفاته قريبة من وفاة شيخيه المذكورين، فأما الخطيب بن مرزوق فقال عنه ابن فرحون في الديباج: توفي بعد الثمانين وسبعمائة. وفي العبر أنه توفي سنة 781 وأما أبو البركات ابن الحاج فتوفي كما في فهرسة أبي عبد الله الحضرمي سنة 771 وعجيب أن يكون حافظ لا يذكر من مشيخته إلا من مات قبله بنحو عشر سنوات أوهم من أقرانه في السن، فإذا علمت مولد الخزاعي ومولد هؤلاء ظهر لك قرب ما بينهم. ذكر ما حليّ به: حلّاه [وصفه] تلميذه الإمام الصوفي محدث فاس وراويتها أبو زكريا يحيى بن أحمد بن محمد السراج الحميري الفاسي المتوفى بفاس سنة 805 في فهرسته بالشيخ الجليل الحافظ اللغوي التاريخي المصنف الناظم التاثر ثم قال: كان شيخا جليلا فاضلا لغويا شاعرا مجيدا مقدما في التاريخ كثير الصدقة والإيثار، لم يكن في زمانه من يضاهيه فيها، فذا في طريقته اهـ ووصفه ابن الأحمر في كتابه مستودع العلامة بالفقيه الكاتب صاحب القلم الأعلى، ثم قال عنه: تلقى راية الفخر باليمين، وهو واسطة عقد المفاخر الثمين، من أعلام كتاب العذوتين [أي الضفتين ضفة الأندلس وضفة المغرب] ومعرفته بالحساب تستغرق العقول، إذ أربت عن حد الحصر والمنقول، وأما اللغة فمسلكه في سبلها أسكت ابن السكيت، وبكّت فهمه المدرك في حفظها أي تبكيت، والعربية هو على رياستها العلمية، وقد برز في إجادتها الإدراكية العلمية، ولم يكن في معرفة الفقه بالمقصر كما نظر عن إنسان عين الحديث المبصر، وكفه بإرسال المواهب لم تكن جانحة إلى التقصير، ولا قيل لطول جودها جدعت أنف الفضائل عن بخل يا قصير «1» اهـ كلام ابن الأحمر واقتصر أبو العباس ابن القاضي في الجذوة على تحليته بالفقيه الكاتب ولم يزد عليها، وكذلك فعل في الدرة إلا أنه زاد في حقه الأديب. ذكر شيء من شعره: قال ابن القاضي في الجذوة وهو القائل لما كبا بموسى أبي عنان المريني فرسه بالشماعين.   (1) قصير هو وزير الزبّاء ملكة تدمر وقد جدع أنفه ليحتال بذلك على جذيمة الأبرش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 مولاي لا ذنب للشقراء إن عثرت ... ومن يلمها لعمري فهو ظالمها وهالها ما اعتراها من مهابتكم ... من أجل ذلك لم تثبت قوائمها ولم تزل عادة الفرسان مذ ركبوا ... تكبو الجياد ولم تنبو عزائمها وفي النبي رسول الله إسوتنا ... أعلى النبيئين مقدارا وخاتمها كبا به فرس أبقى بسقطته ... في جنبه خدشة تبدو مراسمها حتى لصلى صلاة جالسا ثبتت ... لنا بها سنة لاحت معالمها صلى عليه الإله دائما أبدا ... أزكى صلاة تحييها نواسمها وقال في القصة الولي أبو عبد الله محمد بن عباد الرندي الحميري: إن الجواد ما كبا ... إلا لما فيه نبا ذاك قبول ما به ... أمامنا تقربا وقد خمسها أبو الوليد ابن الأحمر فقال: قل للذي ما نكبا ... عما أتى وارتكبا وفي اعتراض أوكبا ... إن الجواد ما كبا إلا لما به نبا لا تجز عن لنا به ... قد خر في منابه إذ التقى سما به ... ذاك قبول ما به إمامنا تقربا موسى بصافي ذهنه ... ونبله ودهنه وقد أودى به ردى ... رهبته في يومه «1» وقال فيه أبو سرحان مسعود بن محمد بن أبي الطلّاق: إن الجواد ما كبا ... إلا لفتح قربا فإنه صلى ومن ... صلى ينال الأربا وإنما صلاته ... صلاة نصر وجبا اهـ ما في الجذوة. ثم وجدت القصة عند الإمام الجادري في شرح البردة عند قول البوصيري: «من لي بردّ جماح من غوايتها» قائلا ما نصه: وقد كبت فرس شقراء بالسلطان أمير المؤمنين موسى بن أمير المؤمنين أبي عنان المريني إثر صلاة الجمعة، فقال في ذلك الكاتب ابن الحسن علي بن محمد   (1) كذا في الأصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 المسعودي: مولاي لا ذنب الخ وانشد الأبيات الستة حاذفا البيت الثالث عند ابن القاضي وهو: ولم تزل عادة الفرسان الخ ... وعنده في البيت الخامس: كبا به فرس أبدى بسقطته وعند ابن القاضي أبقى وفي البيت الأخير عند الجادري صلى الإله عليه ثم ذكر أبيات ابن عباد وابن الطلاق. ووجدت في مجموعة عندي بخط المؤرخ النسابة الرحالة أبي العباس أحمد بن محمد الخياط بن إبراهيم الفاسي صاحب سلسلة الذهب المنقود في ذكر الاعلام من الأسلاف والجدود سياق هذه القصة قائلا: يحكى أن السلطان موسى المريني أخا أبي عنان لما سقط عن فرسه بالشماعين استحى من الناس كثيرا، لما وقع به وكان هذا بعد خروجه من صلاة الجمعة بالقرويين، خلف الولي الصالح أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن عباد الرندي المتوفى سنة 792. فأزال عنه الخجل كاتبه أبو السعود فقال: مولاي لا تلم الشقراء إن عثرت الخ فساق الأبيات إلا بعض كلمات كالشطر الأول فإنه عند ابن القاضي: مولاي لا ذنب للشقراء الخ وبخط ابن إبراهيم مولاي لا تلم الشقراء وبخطه أيضا في الشطر الثاني من البيت ثبت وأبدل تنبو بدل تكبو وفي الشطر الأخير من البيت السادس لنا بها سنة تحيي معالمها وفي الشطر الأخير تحيه بدل تحييها. وأثر الأبيات المذكورة أيضا بخط ابن إبراهيم أيضا: وأزال عنه الخجل الشيخ ابن عباد رضي الله عنه فقال: إن الجواد ما كبا فساقها إلا أنه ساقها أبياتا ثلاثا والثالث عنده في يومه فليهنه ... أجر ونصر وجبا وكذا وجدت القصة على الوجه المذكور والسياق الأخير المسطور في كناشة العدل الجمّاع المقيد أبي محمد عباس بن الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن السجلماسي الفاسي وكلاهما وصف موسى بأخ أبي عنان، وهو غلط فإن موسى ابنه كما تقدم وهو الصواب. فانظر كيف نسبا أبيات: مولاي لا ذنب للشقراء لأبي السعود كاتب السلطان موسى، فإما أن يكون الخزاعي كان يلقب بأبي السعود وإما أنهما أرادا غيره والله أعلم. ثم وجدت في مستودع العلامة لابن الأحمر لما ترجم للكاتب صاحب القلم الأعلى محمد بن الحاجب الكاتب أبي الفضل محمد التميمي صاحب السلطان أبي فارس المريني تخميس أبيات ابن عباد في القصة انظرها فيه. كما وقع في تونس أن أميرها مصطفى باي لما هوى به فرسه إلى الأرض، فانسلّ بسبب ذلك حسامه وانجرح فقال في القصة الشيخ أحمد زروق الكافي: تحمي علوّ مكانك الأقدار ... وتعز في الآخرى وهذي الدار إلى أن قال: ما خان راكبه الجواد ولا ونى ... به عن سبيل القصد منه عثار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 لكن عرته لهيبة لك خشية ... لم يستقر بها لديه قرار فهوى إلى وجه الصعيد بوجهه ... ولواه عما قد نراه خرار وأحاله عن حال طبعه «1» عارض ... للرعب منك عراه منه نفار انظر الكشكول في محاسن الغول للأديب الكاتب المؤرخ أبي عبد الله محمد السنوسي التونسي صاحب مسامرة الظريف. ووقفت في كتاب المراسلات للأمراء والوزراء والسلاطين لأبي علي الحسن بن زيد الأنصاري الذي عندي نسخة منه بخط الشهاب القسطلاني، فرغ منها سنة 879 هـ على صورة مكاتب التهنئة بالسلامة من السقوط عن الفرس، وهي أربعة: واحد للسلطان، وآخر مثله، وكتاب آخر من معناه إلى السلطان أو ولده، وكتاب من معناه إلى الخليفة فقف عليه. ورأيت في بعض المجاميع لبعض وزراء الدولة السعدية ما قاله في يوم السبت من 14 جمادى 2 عام 1037 لما تكسر رمح السلطان مولاي أحمد بن مولاي زيدان حين ركب للميز: تطاول الرمح على ... سيف الأمير وافتخر تاه بطول قده ... وبالقوام المعتبر والسيف من أوصافه ... فيه اعوجاج وقصر قال له السيف اقتصر ... أنت قضيب من شجر وليس للرمح سوى ... طعن ببعد إن قدر وهو لا يصحب من ... كان مقيما مستقر والسيف في يوم الوغى ... للضرب والطعن ابتدر وصاحب ملازم ... في حضر أو في سفر وفعله قال لنا ... ليس العيان كالخبر فثبت الفضل إلى ... سيف على رمح ظهر والرمح خر ساجدا ... من أجل ذلك انكسر والله يبقي نصركم ... ما لاح نجم أو قمر وكتب بطرة القصة المذكورة قصة موسى المريني وما قيل فيها كما سبق عن الجادري. ذكر الرواة عنه وسندنا المتصل به لم أقف على من روى عنه الآن دون أبي زكريا السراج فإنه قال: سمعت من لفظه بعض تاليفه المسمى تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من   (1) الوزن مضطرب وإصلاحه: وأحاله عن حال طبع عارض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 الحرف والصنائع والعمالات الشرعية وناولني جمعه وأجازني إجازة عامة اهـ. واتصالنا بجميع ما يصح لأبي زكريا السراج روايته خصوصا ما تضمنته فهرسته المذكورة من طرق: منها روايتنا عن محدث المدينة المنورة العالم اللغوي الأديب المسند المعمر الرحالة أبي اليسر فالح بن محمد الظاهري المهنوي المدني المتوفى سنة 1328 فيما أجاز فيه مكاتبة ثم شفاها بها سنة 1324 عن خاتمة المحدثين أبي عبد الله محمد بن علي السنوسي، دفين واد الجغابيب عن قاضي مكة عبد الحفيط بن درويش العجيمي المكي. (ح) وأخبرني أعلى بدرجة مسند الديار الهندية، نور الحسنين بن محمد حيدر الأيوبي الأنصاري الحيدر آباد، فيما كتب به إلي من حيدر آباد الدكن إجازة عامة، عن شيخ والده القاضي عبد الحفيظ المذكور، عن خاتمة الحفاظ أبي الفيض مرتضى الزبيدي الحسيني (ح) ومنها روايتي عن المعمرين الكنزين المدّخرين أبي محمد عبد الله بن درويش الركابي السكري، ومحمد سعيد الحبال، شفاها من كل منهما بدمشق، عن مسند الديار الشامية عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الكزبري، الدمشقي. (ح) ومساو له عن أبي العباس أحمد بن سالم النهطيهي المصري الشافعي عن مسند الديار المصرية أبي عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف البهي الطندتائي. (ح) وأعلى منه بدرجة روايتنا عن العلّامة المعمر، أحمد بن صالح السويدي البغدادي، فيما كتب به إلي من مكة لما حج سنة 1321. قال العجيمي والبهي والكزبري والسويدي أخبرنا خاتمة الحفاظ أبو الفيض محمد مرتضى الزبيدي الحسيني المصري إجازة خاصة للثلاثة الأولين وإجازة عامة لجد الرابع وذريته قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الطيب الشركي الفاسي، عن الشيخ أبي العباس أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي التمكروتي، عن أبيه عن أبي عبد الله محمد المصمودي، عن مفتي فاس أبي زكريا يحيى السراج، عن أبي الحسن علي بن محمد بن هارون الفاسي. (ح) وأنا عاليا مسند الإسكندرية أبو محمد عبد الله بن محمد بن صالح البنا الحنفي الإسكندري، شفاها بها سنة 1323 عن أبيه، عن مسند المدينة السيد زين العابدين جمل الليل المدني. (ح) وأخبرنا أيضا الشيخ خضر بن عثمان الرضوي الحيدر آباد كتابة، من حيدر آباد قال: أنبأنا شهاب الدين العمري القندهاري قال: أنا رفيع الدين القندهاري كلاهما عن محمد بن محمد بن عبد الله المغربي المدني، أنا مسند الحجاز عبد الله بن سالم البصري المكي، عن أبي مهدي عيسى بن محمد الثعالبي المكي، عن سعيد بن محمد قدورة الجزائري، عن سعيد بن محمد المقري، أنا سفيان العاصمي السفياني قال: هو وابن هارون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 أنبأنا أبو عبد الله بن غازي، عن الشيخ المبارك أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم محمد بن يحيى النفزي الحميري الشهير بالسراج الفاسي، عن أبيه أبي القاسم محمد عن جده الحافظ الراوية المكثر الصوفي الأكمل أبي زكريا السراج عن أبي الحسن الخزاعي رحمه الله. بلده ووفاته ومدفنه في الدرة ولقط الفرائد كلاهما لابن القاضي أنه توفي سنة 789 هـ. وقال تلميذه أبو زكريا السراج: «وتوفي بعد صلاة العصر من يوم الأحد الخامس من ذي القعدة سنة 789 ودفن من غده يوم الاثنين» . فمدفنه على هذا بفاس وقد سبق قول صاحب الجذوة فيه: «التلمساني المولد الفاسي الوفاة الأندلسي الأب والسلف» اهـ أما في الدرة فلم يزد فيها على وصفه بالتلمساني. فإذا ضممنا وصف الجذوة له بالفاسي الوفاة إلى قول السراج ودفن من غد وفاته نقطع بأنه فاسي المدفن. والعنوان الذي جعله لكتابه. تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية. ينمّ عن بلده ومسقط رأسه ومحل تربيته، فإن استعمال جملة الدلالات مع وصفها بالسمعية، وجعلها عنوانا لكتاب لا يصدر غالبا إلا ممن قصر نفسه على علم الكلام، أو زاوله مزاولة طويلة. وهذا الشأن كان في التلمسانيين؛ حتى نقل أبو العباس المقري في «أزهار الرياض» عن بعض المتأخرين من كلام له في صناعة التأليف: نجد أثر العلوم النظرية بتلمسان اهـ. وحيث جزمنا بأنه فاسي المدفن فبكل أسف لا يعرف مضجعه الأبدي على التعيين، والظاهر أنه بمطرح الأجلة خارج باب الفتوح بفاس، فقد قال الإمام المقري في ترجمة الإمام ابن رشيد الفهري، من أزهار الرياض لما ذكر أنه دفن خارج باب الفتوح، بالروضة المباركة المعروفة بمطرح الجلة، حيث تدفن العلماء والصلحاء، الواردون على فاس من الغرباء. والعجب من أبي زكريا السراج تلميذ الخزاعي، كيف لم يذكر بلده لا أولا ولا أخيرا، ولا مدفنه ولا المحل الذي اجتمع فيه عليه. فإذا لا نعجب من إهمال ابن أبي مريم ترجمته في البستان في علماء تلمسان مع أنه تلمساني الدار، ولا إهمال ابن خالنا «1» لترجمته في سلوة الأنفاس، مع أنه فاسي المدفن، ولا إهمال أبي إسحاق ابن فرحون لذكره في الديباج وقد عاش ابن فرحون بعده بمدة، ولا أبي العباس السوداني لترجمته في نيل   (1) هو السيد الجليل العلامة المحدث السيد محمد بن جعفر الكتاني رحمه الله جد الأسرة الكتانية الحسنية بدمشق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 الابتهاج وكفاية المحتاج كلاهما ذيله على الديباج، ولا إهمال البدر القرافي لترجمته في التوشيح اسم ذيله على الديباج أيضا، مع أنه مالكي، ولا إهمال أبي العباس ابن عجيبة لذكره في طبقات المالكية بل، ولا إهمال الحافظ ابن حجر له حين ترجم لمن مات سنة 789 من الأعيان في كتابه أنباء الغمر بحوادث العمر بالأحرى، ولا إهمال أبي العباس ابن قنفذ القسمطيني لذكره في وفياته مع دخوله في مدته لتلمسان وفاس، وذكره لأقرانه، ولا إهمال صاحب كشف الظنون في أسماء الكتب والفنون، ومن ذيله لذكر كتابه من جملة الكتب في حرف التاء، ولا إهمال شيخ بعض شيوخنا، محدث الحجاز الشيخ محمد عابد الأنصاري السندي لذكر كتابه هذا في حرف التاء من حصر الشارد من أسانيد محمد عابد، ولا إهمال نادرة المغرب أبي عبد الله محمد بن سليمان الرداني في حرف التاء من ثبته صلة الخلف بموصول السلف مع إطالته لذكر مصنفات المشارقة والمغاربة في هذا الحرف، ولا إهمال القاضي المحدث الأثري، محمد بن علي الشوكاني لذكره في حرف التاء من كتابه إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر. وكذا في حرف الميم، حين ذكر أسماء المؤلفين تحت عنوان مصنفات كما فعل عصريه وتلميذه صاحب حصر الشارد، ولا إهمال الحافظ محمد بن ناصر الدين الدمشقي لذكره في منظومته بديعية البيان وشرحها التبيان وهي من أنفس كتب الرجال واجمعها، ولا إهمال الحافظ ابن حجر لذكره في ذيله عليه، ولا إهمال الحافظ الأسيوطي لذكره في طبقات الحفاظ الذي جمع فيه ما للذهبي وابن حجر وابن ناصر، وزاد عليهم من وصف أبي زكريا السراج للخزاعي كما سبق؛ بالحافظ، ولا إغفال أبي العباس المقري في أزهار الرياض في أخبار عياض، وكذا في نفح الطيب وفي فتح المتعال فإنه لم يجر له ذكر فيها مع اعتنائه باستطراد أخبار التلمسانيين، وولوعه بالنقل عنهم والكمال لله وحده. نسخ كتاب التخريج الموجودة في المكاتب ومن نقل منه كنت وجدت بخط مجيزنا العلّامة قاضي مكناس، أبي العباس أحمد بن الطالب بن سودة، في كناشة له النص على وجود نسخة من كتاب التخريج بخزانة الأحباس، بمكناسة الزيتون، ولكن لم نجدها فيها بعد البحث المتكرر المتوالي في عدة سنوات ووجدت اسمه أيضا في برنامج المكتبة المخزنية بفاس الجديد، الذي قيد أيام الدولة الحفيظية «1» ، ولا أدري أين هو الان. وأخبرني راحل إلى باريز من قضاة العصر، وقد دخل إلى مكتبتها أنه رأى اسمه في برنامجها [فهرست أسماء الكتب] والنسخة التي ظفرت بها منه هي النسخة التونسية، وهي موجودة بمكتبة جامع الزيتونة تحت رقم 7572 من تحبيس [أوقاف] المشير أحمد باشا بتاريخ 1256 هـ وهي ناقصة مخصوصة من القسم العاشر، ومنها استخرجت   (1) لعل مراده أيام السلطان مولاي عبد الحفيظ وكان سلطانا في بلاد المغرب أوائل القرن الحالي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 هذه النسخة التي بيدي وقد سبق ذكرها، فهذه نسخ خمسة لا أعلم لها في الخزائن التي دخلتها في المشارق والمغارب، بالحجاز ومصر والشام وتونس والجزائر والمغرب الأقصى، أو فيما طالعت برنامجه من الخزائن الآخرى سادسة. أما النقل عنه فلا أحفظ ولا أستحضر الآن ناقلا عنه، أو ذاكرا له من رجال التدوين والجمع من أيمة الحديث ونحوه، في شيء من الكتب التي وقفت عليها، إلا ما علمته أخيرا من أن العالم المتفنن الشيخ رفاعة الطهطاوي المصري، لخصه وأتى على المفيد منه، والمقصود بالذات في كتابه نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز. وهذا الكتاب مطبوع في المطبعة الحجرية بمصر قديما من ص 305 إلى ص 531 منه. ولكن لم يصل الكتاب المذكور إلى بلادنا، ولا رأينا من رآه، وأول من رأيناه ينقل عنه الكاتب السيد محمد ابن الخوجة الجزائري في مقدمته، التي جعلها للقانون الجزائري. وفي زماننا هذا الذي كثر الكلام فيه حول الخلافة وسلطتها ابتدأ العصريون ينقلون عنه بواسطة الطهطاوي المذكور والله أعلم. أول خطبة كتاب التخريج قال أبو الحسن الخزاعي صدر ديوانه: «الحمد لله الذي خلق الخلق من غير افتقار إليهم. وبسط الرزق جودا منه عليهم. وبعث فيهم رسلا منهم أقاموا لهم على وجوده ووحدانيته أوضح حجة. وحملهم بالإيمان به وامتثال أوامره ونواهيه على أفسح محجة. وخصّنا منهم بأعظمهم قدرا. وأرفعهم ذكرا أولهم في الجلالة. وآخرهم في الرسالة. مسك الختام. ولبنة التمام. سيدنا ومولانا محمد نبيه الكريم. الرؤوف بالمؤمنين الرحيم. فأدى إلينا صلى الله عليه وسلم أمانة ما حمّل. وبلّغ ما عليه أنزل. وأرشد ونصح. وبيّن وأوضح» الخ. مقصده من تدوينه (قال رحمه الله) وبعد: فلما رأيت كثيرا ممن لم ترسخ في المعارف قدمه، وليس لديه من أدوات الطالب إلا مداده وقلمه، يحسبون من دفع في كثير من تلك الأعمال، في هذا الأوان مبتدعا لا متبعا، ومتوغلا في خطة دينية ليس عاملا في عمالة سنية، استخرت الله في أن أجمع ما تأدى في علمي من تلك العمالات، في كتاب يوضح نشرها، ويبين للجاهل أمرها، فيعرف الجاهل وينصف المتحامل، فألفت هذا الكتاب، وذكرت في كل عمالة منها من ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، من الصحابة ونسبه وأخباره، ليعلم ذلك فيشكر الله عزّ وجلّ على أن استعمله في عمل شرعي، كان يتولاه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقامه مقامه ويجتهد في إقامة الحق فيه، مما يوجبه الشرع ويقتضيه، فيكون قد أحيا سنة وأحرز حسنة، وإني لأرجو مما تحملته من التعب في جمع هذا التأليف، حتى أتيت بجميع ما تضمنه من الحرف والصنائع والعمالات النبوية والتشريف، بالنسبة الشرعية، والتنزيه عن الظنة السيئة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 الدعية، اقتناء للأجر الجليل عند الله تعالى، بفضله ورحمته في الآخرى، واجتناء الشكر الجميل، وبقاء للأجر الطويل، من أربابها في الدنيا إن شاء الله تعالى. تاريخ اشتغاله بتدوينه وكلمة جامعة في أبي الحسن الخزاعي قال رحمه الله: وكنت اشتغلت باقتناص شوارده من مكامنها، والتقاط فوائده من أماكنها أيام عزلتي عن العمل، وعطلتي عن الشغل والفشل، فما زلت أؤلف وأصنف، وأبوب وأرتب، وأصحح وأنقح حتى سطع في رياض الإجادة زهره، ولمع من أفق الإفادة بدره، وذلك في أول سنة 786 فجمعت على فريدته يد الضنين، ومنعت خريدته من لمح العيون الخ. فصرّح بأنه أكمله سنة 786 فعاش رحمه الله بعد إكماله نحو ثلاث سنين. ومن وقف مثل موقف أبي الحسن الخزاعي مثلي، يتحقق أنه رحمه الله تعب تعبا شديدا، وشغل فكره أمدا مديدا، ينم عن ذلك كثرة تراجمه وأبوابه، فإن أكثرها يتردد النظر في أي قسم يلحق، ولذلك لا يكون إلا أكثر من التردد والرجوع بعد الجزم، كما يقتضيه حال عظيم التأمل قوي العزم، ولا عجب ولا غرابة فقد قال العماد الكاتب «1» : ما ألف أحد كتابا إلا قال في غده: لو قدمت أو أخرت، وهو ما يدل على عجز عموم البشر والتفرد بالكمال لواهب القوى والقدر. وقال حمّاد الرواية: ما أتم ذو الرمّة قصيدته التي مطلعها: ما بال عينيك منها الماء ينسكب حتى آخر حياته. أقول: ومع ذلك لا يزال كثير من تراجم كتاب الخزاعي يحتمل إدخاله في قسم وكان غيره الآن به أنسب، وللإصابة أقرب. شأن البشر الذي يكثر التردد فيما يأتي وما يذر. وربما صحبه فيما عزم عليه كبير خور. وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء: 82] وبذلك يتحقق الإنسان أن موضوعا كهذا، يتناوله عدة مرجحات وموجبات، وأطراف عديدة لا أصعب من التصنيف فيه والتدوين، وفي مثله قيل: من ألّف فقد استهدف. وقيل من ألّف فقد جعل عقله في طبق وعرضه على الناس. وأنا أقول: التصنيف في الموضوع البعيد الأطراف، الذي يتناوله الوصف والإشراف، كوة صغيرة يطل منها على مخيلة المصنف وأمد صبره وانتهاء نبله ومقدار اختياره واستقلاله الفكري.   (1) هو العماد الكاتب الأصفهاني أبو عبد الله محمد بن صفي الدين أبي الفرج المتوفى بدمشق 597 خدم أولا في العراق ثم الدولة النورية والأيوبية بدمشق. انظر ترجمته في وفيات الأعيان ج 5 ص 147 وكذلك مرآة الزمان والكامل لابن الأثير ج 12، والروضتين ومعجم الأدباء ج 18، ص 11، وطبقات الشافعية للسبكي ج 4 ص 97، والعبر للذهبي ج 4 ص 299. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 السلطان الذي قدمه إليه قال: ولما منّ الله على هذا الصقع المغربي، بقدوم مولانا أمير المؤمنين، المتوكل على الله أبي فارس موسى بن مولانا أمير المؤمنين، المتوكل على الله أبي عنان فارس بن موالينا الخلفاء الراشدين، أسود العرين، وملوك بني مرين، أيدهم الله ورضي عنهم، أهديته لمقامه الكريم أسماه الله، جريا على العادة في إتحاف الخادم المملوك لمولاه القادم الخ. وأبو فارس موسى بن أبي عنان المذكور، هو السلطان الملقب بالمتوكل على الله، بن السلطان أبي عنان. بويع يوم الخميس ثاني ربيع الأول عام 786 وكانت بيعته كما للقاضي ابن السكاك في تأليفه الوسط في آل البيت بفاس الجديد، ثم ارتحل إلى مكناس، فمات مسموما عام 788. قال ابن خالدون في العبر: في جمادى الآخرة طرقه المرض فهلك ليوم وليلة لثلاث سنين من خلافته، وكان الناس يرمون يعيش وزيره بأنه سمه اهـ منه ص 352 من الجزء السابع. ووقع في ترجمته من الاستقصا أن موته كان في رمضان وأن مدة دولته نحو سنتين وأربعة أشهر. وترجمه أبو الوليد بن الأحمر في روضة النسرين في دولة بني مرين. وقال: بويع يوم الخميس الموفى عشرين لشهر ربيع الأول، ومات مسموما يوم الجمعة شهر «1» عام 788 وله إحدى وثلاثون سنة. قال: وكانت دولته سنتين وأربعة أشهر. والسلطان موسى المذكور هو الذي لما كبا به فرسه بالشماعين بفاس لما قصد الصلاة بجامع القرويين قال في ذلك أبو الحسن الخزاعي وابن عباد وغيرهم كما سبق «وانظر تاريخنا للقرويين» فقد ذكرت فيه ذلك؛ لأن الحادثة وقعت ببابه، والسلطان المذكور هو الذي امتدحه الشاعر المشهور أبو عبد الله بن زمرك بموشح ساقه أبو العباس المقري في أزهار الرياض فأنظره فيه. خطته في الدولة المرينية يؤخذ من تحلية [ترجمة] ابن القاضي له أنه كان يكتب لأحد ملوكهم، ممن كان معاصرا له. وقد بحثت في كتّاب وقضاة أبي فارس موسى بن أبي عنان؛ فوجدت أن ابن الأحمر في روضة النسرين تعرض لوزيره وسماه مسعود بن رحون بن قاسي. وتعرض لكتّابة فسمّي محمد بن محمد بن أبي عمر التميمي، وأبا القاسم محمد بن سودة المري. وتعرض لقاضيه فسمّي محمد المغيلي مقتصرا على ذلك. ثم تتبعت من سمّي في هذه الخطط لمن قبل أبي فارس من ملوك بني مرين، فوجدت اسمه في كتاب المستعين بالله إبراهيم بن أبي الحسن المريني المبايع يوم الجمعة منتصف شعبان عام ستين وسبعمائة، المقتول يوم الخميس 21 من   (1) كذا في الأصل بدون تعيين اسم الشهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 ذي قعدة عام 763 فلما ترجم في روضة النسرين لكتّابه قال: كتابه أبو القاسم بن يوسف بن رضوان، وعلي بن محمد بن مسعود الخزاعي اهـ ثم وجدت ابن الأحمر ترجمه في أعتاب الكتاب فقال عنه: كاتب علامة أمير المسلمين أبي سالم إبراهيم، بن أمير المؤمنين أبي الحسن علي، بن أمير المسلمين أبي سعيد عثمان، بن أمير المؤمنين يعقوب بن عبد الحق المريني ملك المغرب. وكتب في حضرة بني عبد الواد، فكان صدرا لتلك المحافل والنوادي. ثم استقر كاتب الأشغال في حضرة بني مرين، ثم احتوى على الكتابة بذلك العرين، واعترف له بالإصابة في الخطتين أعلام من هناك من العدوّتين. اصطلاح الخزاعي في كتابه التخريج وصنيعه قسم كتابه إلى أقسام عشرة، وجعل تحت كل قسم عدة أبواب، تحت غالب الأبواب عدة فصول، وتحت غالب الفصول عدة مسائل. قال هو عن كتابه: «طالعته وضمنته فوائدي في شرح جملة من الألفاظ اللغوية الواردة فيها، وضبطت ما أشكل فيها بالمواضع التي نقلت منها، جميع ما اشتمل عليه من كتب العلماء رحمهم الله، ليقف عليها هنا من تطمح نفسه لذلك، فأبرأ من عهدة النقل وأسلم من تبعة النقد اهـ وقد زيّن له رحمه الله التوسع في المواد اللغوية، وذكر النظير حذاء النظير، كأن كتبها كانت قليلة في زمانه، وتعمّد كثيرا من الاستطرادات والمتشابهات ومهما وقع له ذكر صحابي إلا وبسط ترجمته ونسبه، مقلدا صاحب الاستيعاب، مستوعبا ما عنده في ذلك الصحابي، ثم يفسّر غريب ما وقع في ذكر نسبه وترجمته على طريق الإسهاب. ومع أن موضوع كتابه العمالات والصناعات التي وجدت في زمانه عليه السلام، يأتي بذكر ما حدث بعده على عهد الخلفاء الراشدين. ومن أمعن النظر في كتاب التخريج وتأمل في مضامنه بجدّ يتحقق أن كثيرا من التخاريج التي ذكرها إما تستند إلى ضعيف الأخبار أو متكلف الاستنتاج. ويظهر بتتبع الكتاب أيضا أن مؤلفه أبا الحسن رحمه الله لم يكن عظيم المزاولة للصناعة الحديثية، فلذلك تراه يصدر الأحاديث غالبا بلفظ روي، وقد يستعمل ذلك ويطلقه حتى في أحاديث الصحيحين، مع أن روي إنما تستعمل في الأحاديث الضعيفة، كما لابن الصلاح والنووي والعراقي وغيرهم ونبّه على ذلك المنذري في أول الترغيب والترهيب. كما لاحظت عليه أنه يعزو الحديث لمسلم كثيرا وهو في صحيح البخاري. والقاعدة عندهم أي علماء الحديث أنه لا يقدم أحد على البخاري في العزو، ويعزون الحديث للصحيحين إذا كان فيهما، ولكن يسوقون لفظه لمسلم لشدّة محافظته على الألفاظ النبوية. وإذا تعجلت الطلب للحقيقة فانظر إلى أول حديث صدّر به الخزاعي مطلقا، وذلك أنه لما صرح بأنه قدم كتابه لأمير وقته موسى المريني قال: جريا على العادة في إتحاف الخادم لمولاه القادم، وعملا على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الحض على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 الهدية والأمر بها وأملا فيما أخبر به وخبره الحق ووعد الصدق من إنشاء المحبة بسببها قال صلى الله عليه وسلم: تهادوا تحابوا وقال صلى الله عليه وسلم: تهادوا تزدادوا حبا ذكره القاضي محمد بن سلامة في كتابه الشهاب، فرضاهم أعزهم الله غاية السول ونهاية المأمول الخ. وهذا عجيب صدوره من مالكي ومحدث، فأما مالكي فلأن الحديث في الموطأ لإمامه بن أنس: في باب ما جاء في المهاجرة من جامع الموطأ «1» مالك عن عطاء بن عبد الله الخراساني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء» . وأما محدث فلأن البخاريّ خرجه في كتاب الأدب المفرد، وأبو يعلى والنسائي في الكنى وابن عبد البر في التمهيد بإسناد حسن عن أبي هريرة وغيره، بلفظ: تهادوا تحابوا تهادوا تذهب الشحناء. وحديث مخرّج في كثير من السنن والمعاجم، كيف يعزوه للقضاعي في الشهاب؟ ويقول ذكره وقد أورده الأسيوطي في الجامع الصغير بلفظ: تهادوا تحابوا وعزاه لأبي يعلى عن أبي هريرة قال المناوي في شرحه الكبير: وظاهر صنيعه أنه لم يره مخرجا لأحد من الستة، وإلا لما عدل عنه وليس كذلك، فقد رواه النسائي في الكنى والبخاريّ في الأدب، قال الزين العراقي: والسند جيد. وقال ابن حجر: حسن. وقد أورده في جمع الجوامع بألفاظ منها: تهادوا تزدادوا حبا وهاجروا تورثوا لأبنائكم مجدا وأقيلوا الكرام عثراتهم، وعزاه للطبراني في الكبير، والعسكري في الأمثال عن عائشة وأورده أيضا فيه بلفظ: تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر (غلّه وغشه) وعزاه لأحمد في مسنده، والترمذي عن أبي هريرة. أخرجه الترمذي في كتابه: الولاء والهبة من طريق أبي معشر وقال: غريب، أبو معشر ضعيف. وقال البخاريّ: منكر الحديث. ثم أورد له هذا الخبر. وقال ابن حجر: في إسناده أبو معشر المدني تفرد به وهو ضعيف جدا، وأورده السيوطي أيضا بلفظ: تهادوا فإن الهدية تخرج الضغائن من القلوب، وعزاه للقضاعي أي في مسند الشهاب والخطيب عن عائشة، وأورده أيضا فيه بلفظ: تهادوا فإن الهدية تضاعف الحب وتذهب بغوائل الصدر. وعزاه للطبراني في الكبير وابن الضريس عن سمرة. وفي نسخة أخرى من الجامع عزوه لأبي نعيم في الحلية عن أم حكيم بنت وداع الخزاعية. وأورده أيضا فيه بلفظ: تهادوا الطعام بينكم فإن ذلك توسعة لأرزاقكم في عجيل الخلف وجسيم الثواب يوم القيامة، وعزاه للديلمي عن ابن عباس وأورده في الجامع الصغير أيضا بهذا اللفظ، وعزاه لمن ذكر. وزاد المناوي عزوه للديلمي في مسند الفردوس. وأورده في الصغير أيضا بلفظ: تهادوا تزدادوا حبا الخ. واقتصر على عزوه لابن عساكر عن عائشة قال المناوي في شرحه الكبير: قال ابن حجر في إسناده نظر. وقضية صنيع المصنف أن هذا لم يره مخرجا لأحد من الذين   (1) رواه في كتاب حسن الخلق ص 908/ 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وضع لهم الرموز، مع أن الطبراني خرّجه عن عائشة قال الهيثمي فيه المثنى أبو حاتم لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات. سبق عزو السيوطي له للطبراني في الكبير، فاقتصر في الصغير لأجل الاختصار، وأورده في الجامع الصغير بلفظ: تهادوا فإن الهدية تذهب بالسخيمة، (الحقد في النفس) . ولو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي إليّ كراع لقبلت، وعزاه للبيهقي في الشعب. قال المناوي: من حديث محمد بن مندة عن بكر بن بكار عن عابد بن شريح عن أنس. فتحصل أنه ورد عن جماعة من الصحابة عن أبي هريرة وعائشة وسمرة وأم حكيم الخزاعية وابن عباس وأنس مرفوعا، وعن عطاء مرسلا. أخرجه من طريقهم جماعة: مالك وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي وأبو يعلى والطبراني في الكبير، وابن عساكر في الأمثال، والقضاعي في مسند الشهاب، والخطيب وابن الضريس والديلمي في مسند الشهاب «1» والبيهقي في الشعب، وغيرهم فغافل الخزاعي عن كل هؤلاء المخرجين، واقتصر على قوله: ذكره القضاعي في الشهاب، مع أن الشهاب لا يعزى له، وإنما يعزون لمسنده؛ لأن الأول كتاب بلا إسناد ولكنّ الكمال لله سبحانه. الأصول التي استمد منها في كتابه ونقل عنها عقد لهذا القدر الخزاعي بابا من الأبواب الأربعة التي جعلها في القسم العاشر من كتابه، ولكن بكل أسف، لم أقف على هذا القسم في النسخة الوحيدة التي ظفرت بها في تونس «2» وهو باب مفيد جدا، ولكن بتتبعنا للكتاب تكرارا ومرارا علمنا أن جلّ اعتماده في ذكر الحرف والصنائع والعمالات وأصحابها وتراجمهم وأنسابهم على كتاب الاستيعاب لأبي عمر بن عبد البر بحيث لك أن تقول: إن نصف الكتاب مأخوذ منه، وأكثر من ثلثي ما بوّب وترجم مقام منه ومن ذيله لابن فتحون فهما هجيّراه وأبوا مثواه «3» ، وباقي ما فيه مفرق. فما فيه من التفسير مأخوذ من أحكام القرآن لابن العربي والكشاف للزمخشري والتحبير للقشيري. وتفسير الرازي والثعلبي وابن عطية وغريب القرآن. ومعانيه وأحكامه واختلاف العلماء في حلاله وحرامه للقاضي منذر بن سعيد. وما فيه من الحديثيات ومتعلقاتها فالموطأ والصحيحين وسنن أبي داود والنسائي وجامع الترمذي وشمائله، وكتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لابن حيان الأصبهاني، ومشكل الصحيحين لابن الجوزي، وكشف المشاكل له أيضا، واقتباس الأنوار للرشاطي في   (1) الصواب: الفردوس. (2) بعد وفاة المؤلف رحمه الله وجدت نسخة كاملة من كتاب التخريج المذكور وقد حققها الدكتور إحسان عباس وطبعت في دار الغرب الإسلامي طبعة متقنة سنة 1405 هـ 1985 م. (3) فهما هجّيراه أي جل اعتماده عليهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الأنساب ومعالم السنن للخطابي والإكمال لعياض، وتفسير المبهمات لابن بشكوال؛ ومنتقى الباجي، والاكتفاء في شرح الموطأ لأبي جعفر أحمد بن نصر الداودي، وشرح العمدة لابن دقيق العيد وغيرها. وما فيه من التاريخ واللغة والأدب والنكت الصوفية فعن ابن هشام، والسهيلي، وكأني به لم يستوعبه أو لم يكن بيده كاملا، ونفحة الحدائق والخمائل في الابتداع والاختراع للأوائل، وهو كتاب يعتمده كثيرا ولا يسمي مؤلفه، ولم أر له ذكرا في كشف الظنون، ولا ذكره السيوطي في أوائله وغيره ومختصر السير لابن جماعة، ومولد العزفي السبتي، وجمهرة ابن حزم، وأبي عبيد القاسم بن سلام وخلاصة الطبري، وجوامع السيرة لابن حزم، والعمدة لأبي عبد الله التلمساني وهو كتاب ينقل عنه كثيرا. ولا يزيد في النقل منه على ما ذكر. ولم أجد له ذكرا في كشف الظنون ولا غيره كالبستان. نعم: ينقل عنه قليلا ابن باديس في شرح سيرة ابن فارس ومرة ذكر عنه شيئا فقال: لا أعتمد على كتاب عمدته، وإنما ذكرته تنبيها على انفرادها باجتلابها وتمييزه باتقاء جلبابها. أنظره وصفوة ابن الجوزي والتلقيح والمدهش له أيضا، وتاريخ الخطيب، وعيون الأخبار لابن قتيبة، والمعارف له، والمشرع الروي، وحلية المحاضرة للحاتمي، وكتاب أنباء الأنبياء للقضاعي وكتاب الموالي للجاحظ، وبهجة النفس لابن هشام، وبلغة الظرفاء لأبي السرور الروحي، والكامل لابن الأثير، وطبقات الفقهاء للشيرازي، وكتاب أشعار الخلفاء، لأبي بكر محمد ابن بحر الصولي، واليواقيت للمطرزي، وبهجة المجالس لابن عبد البر، وطبقات صاعد، ورحلة ابن جبير وكتاب المراتب والأخطار للجاحظ، وكتاب العائد لأبي الفتح كشاجم، وكتاب الخيل لابن الدراج، والأصمعي، وصلة ابن عبد الملك، وبغية الأديب لأبي الحسن الحراني، والاستنصارات لعبد المهيمن الحضرمي، ومسامرة الأمراء للصالوني، والفرائد في التشبيهات للكاتب الأصبحي، ورسالة القشيري، وصفوة التصوف لمحمد بن طاهر المقدسي، وكتاب السماع للأصبهاني، وكتاب الصحاح والمشارق، وغريب أبي عبيد، وأفعال ابن القوطية وابن طريف، وغريب السيرة لابن دراكتني، والمحكم وديوان الأدب، ومثلث ابن السيد، وتفسير الألفاظ الطبية لابن الخشاب، وصناعة الكتابة لابن النحاس، واليواقيت للمطرزي، والتسهيل وشرحه لابن هاني، والبسيط لابن أبي الربيع، وجامع القزاز، وديوان الأدب. وما فيه من الفقهيات والأحكام فمن التنبيهات والبيان والتحصيل لابن رشد، وشرح الرسالة للزناتي، وكتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام، وتهذيب البرادعي، والأحكام السلطانية للماوردي، والكافي لابن عبد البر، والجواهر لابن شاس، والكفاية والغناء في أحكام الغناء لابن الدراج، وكتاب الأثبات للفقيه أبي العباس العزفي، والتبصرة للتلمساني، ومقالة ابن القطان، وابن عطية، وأبي العباس ابن البنا، وأبي بكر بن خلف الأنصاري وغير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 المقدمة الثانية في برنامج [فهرس] الكتابين لتظهر خدمة السابق واللاحق للفئتين، وهذه المقدمة واجبة الذكر لشيئين: الأول: لتسهل المراجعة على المطالع والباحث. الثاني: ليعلم الفرق بين الجمعين في الزمانين (فأقول والله المستعان) : قسم أبو الحسن الخزاعي كتابه إلى عشرة أجزاء، فيها عنده مائة وثمانية وسبعون بابا، تشتمل على مائة وستة وخمسين خطة، من الحرف والعمالات والصناعات عنده، أما نحن فقسمناه أيضا على عشرة أقسام: برنامج القسم الأول عند الخزاعي في الخلافة والوزارة وما يضاف إلى ذلك وفيه عنده سبعة أبواب: باب في ذكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. باب في الوزير. باب في صاحب السر. باب في الآذن وهو الحاجب والبواب. باب في الخادم. باب في صاحب الوساد. باب في صاحب النعلين. (ذكرت هذه الأبواب مهذبة محررة عزوا وسياقا واختصارا) . (ومما زدت عليه في هذا القسم خلال أبوابه) . باب في ذكر الفرق بين الخليفة والسلطان والملك من حيث الشرع والاصطلاح. باب في ذكر حبس بعض الوافدين عن الأذن. باب في ذكر من خدم المصطفى من الأحرار. باب في من كان يخدمه عليه السلام من مواليه ذكورا وإناثا. باب ذكر من كان يوقظه عليه السلام إذا نام ويستره إذا اغتسل. ذكر من كان يبيت على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 ذكر مواليه الذين أعتقهم في مرض موته باب ذكر من كان يخدم المصطفى إذا أراد حاجته داخل منزله. باب استخدامه عليه السلام في ذلك امرأة. باب استخدامه عليه السلام غلاما يهوديا. باب ما كان عليه السلام لا يكله إلى أحد من خدمه. باب ذكر الذين قام بخدمتهم المصطفى بنفسه. باب ذكر قيام المهاجرين يفرجون عنه عليه السلام عند الازدحام. باب سيرته عليه السلام في غمز الظهر. باب الرجل يعلم الوفد كيف يحيونه عليه السلام. باب مضحكه عليه السلام. باب ملاعبته عليه السلام أقاربه. باب على أي شيء كانوا يؤذنون في العهد النبوي. برنامج القسم الثاني من كتاب الخزاعي في العمليات الفقهية وأعمال العبادات وما ينضاف إليها من عمليات المسجد وعمليات الطهارة وما يقرب منها وفي الإمارة على الحج وما يتصل بها وفيه عنده أبواب: باب في معلم القرآن. باب في معلم الكتابة. باب في التفقه في الدين. باب في اتخاذ الذار ينزلها القراء ويستخرج منه اتخاذ المدارس. باب في المفتي. باب في العابر للرؤيا. باب في إمام صلاة الفريضة. باب في القيام في صلاة رمضان. باب في المؤذن. باب في الموقت. باب في صاحب الخمرة. باب في صاحب العنزة. باب في المسرج. باب في المجمر. باب في الذي يقمّ المسجد ويلتقط الخرق والعيدان منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 باب في الذي يشتد على الناس في الصلاة جماعة. باب في الذي يمنع الناس من اللغط والمنازعة في المسجد. باب في صاحب الطهور. باب في صاحب السواك. باب في صاحب الكرسي. باب في الساقي. باب في الإمارة على الحج. باب في صاحب البدن. باب في حجابة البيت. باب في السقاية. (فذكرت هذه الأبواب كلها مختصرة مهذبة عزوا وسياقا) . (ومما استدركت عليه في هذا القسم خلال تراجمه من الأبواب) : باب أمره عليه السلام الناس أن يتعلموا الفقه والقرآن من جيرانهم. باب من كان يحفظ القرآن على عهده عليه السلام. باب من نقل عنه وجوه القراءت من الصحابة. باب حكم تعليم المرأة عنه عليه السلام. باب من كان يتوسط بين الصحابة وبينه عليه السلام. باب من كان يصلي بالناس ويخطب مدة مرضه عليه السلام. باب اتخاذه عليه السلام عليا يعبر عنه بمحضره. باب خطبته عليه السلام في حجة الوداع على الدواب. باب أمره عليه السلام باستنصاب الناس له رجلا أطول الناس قامة، وأنداهم صوتا. باب تكليف الإمام عظيما من أصحابه يحشر له قومه. باب إرساله عليه السلام عليا يبلغ عنه في غيبته سورة القتال (براءة) . باب في الذي كان يحمل العصا بين يديه عليه السلام إذا قام أو أراد دخول منزله. باب هل أوقدت الشموع في المدينة على عهده عليه السلام. باب الرجل يتقدم إلى المصلين يرتب صفوفهم ويضربهم على ذلك. باب هل توضأ عليه السلام بالماء السخن أو دخل الحمام. باب وضوئه عليه السلام بانية زجاج. باب وضوئه عليه السلام من الطشت. باب سقي الماء له عليه السلام من الآبار الطيبة. باب طلبه عليه السلام ماء زمزم من مكة إلى المدينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 باب الروايا تسافر معه عليه السلام ومن كان يذهب يملأها. باب ساقيه عليه السلام من اليهود. باب هل كانوا يهنئون الشارب. باب في الانتباذ في الأواني الخضر. باب دعاء المصطفى لمن أزال شعرة من مائه. باب الخادم يخدمه عليه السلام عند الأكل. باب أوانيه عليه السلام. باب مباشرته عليه السلام لنحر الهدي بيده وإذنه لعلي في إكمال الباقي. القسم الثالث من كتاب الخزاعي في العمليات الكتابية وما يشبهها وما ينضاف إليها وفيه عنده أبواب: باب في كتاب الوحي. باب في كتاب الرسائل والإقطاع. باب في كتاب العهود والصلح. باب في صاحب المغانم. باب في الرسول. باب في حامل الكتاب. باب في الترجمان الذي يترجم كتب أهل الكتاب ويكتب إليهم بخطهم ولسانهم. باب في الشاعر. باب في الخطيب في غير الصلوات. باب في كاتب الجيش. باب في العرفاء. باب في المنادي وهو الذي يدعو الناس في وقت الغرض. باب في المحاسب. (فذكرت هذه الأبواب مهذبة مختصرة عزوا وسياقا) . (واستدركت خلال تراجمه) : باب من كان يكتب له عليه السلام للبوادي. كتابته في الجلد ومقداره. باب من كان يكتب له عليه السلام أموره الخصوصية. من كان يكتب بين الناس وقبائلهم ومياههم. باب خليفة كل كاتب من كتابه عليه السلام. باب ذكر مسائل تتعلق بالختم والخاتم. باب تعليم المصطفى لكتابه أدب القلم ومحل وضعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 باب ندبه عليه السلام كتابه لتتريب الكتابة. باب آخر مكتوب نبوي حفظ لنا التاريخ عينه من كتبه عليه السلام لأهل الإسلام وتحافظهم عليه. باب ذكر أصح مكتوب. باب ذكر أصح مكتوب حفظ التاريخ لنا عينه عنه عليه السلام لأهل الكفر. باب ذكر الكتاب الذي تداولته المجلّات المصرية والتونسية أخيرا. باب ذكر أجمع وأطول كتاب حفظ التاريخ نصه من كتبه عليه السلام الإحكامية. باب هل كتب عليه السلام بخطه شيئا. باب ذكر ما كان يفتح به كتبه عليه السلام. باب اتخاذه صلى الله عليه وسلم أما بعد للفصل بين فصول الكتاب ورؤوس المسائل. باب ذكر التزامه عليه السلام فيه أما بعد. باب ذكر اصطلاح المكاتب النبوية. باب ذكر عنوان مكاتبه عليه السلام. باب ذكر كيفيه مخاطبته عليه السلام للمعاصرين له من الملوك. باب ذكر عنوان المكاتب التي كانت توجه له عليه السلام. باب ذكر عمله عليه السلام إذا لم يحضره الختم. باب ذكر التاريخ في المكاتب وأصل وضعه. باب ذكر الشعراء من الصحابة الذين مدحوه عليه السلام. باب استشهاده عليه السلام بشعر الهالكين. باب استشهاده عليه السلام لشعر الكفار. باب ذكر انصاته عليه السلام لشعر فيه التشبيب والغزل وقبوله له. باب تكرمه عليه السلام بأعظم سبي سبي له بسبب أبيات شعرية قدمت له. باب الشعراء من الصحابة والصحابيات الذين رثوه عليه السلام بعد موته. باب ذكر البيعة التي كان يأخذها عليه السلام على أصحابه وأصلها. باب تكليفه عليه السلام من يجلس برئيس ليرى جنود الإسلام. باب رده عليه السلام في الاستعراض من لم يستأذن أبويه. باب ذكر الأوصياء. باب ذكر النقباء. برنامج القسم الرابع من كتاب الخزاعي في ذكر العمالات الأحكامية وما ينضاف إليها وفيها عنده أبواب: باب في الإمارة العامة على النواحي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 باب في القاضي. باب في صاحب المظالم. باب في قاضي المناكح. باب في الشاهد وكاتب الشروط. باب في فارض المواريث. باب في فارض النفقات. باب في الوكيل يوكله الإمام في غير الأمور المالية. باب في البصير بأمور البناء. باب في القسام. باب في المحتسب. باب في المنادي. باب في صاحب العسس بالمدينة. باب في الرجل يتولى حراسة أبواب المدينة في وقت الهرج. باب في الرجل يكون ربيئة القوم في زمن الهرج. (وهذه من الأبواب التي لم يقف فيها الخزاعي على أصل فاستدركناه عليه) . باب في السجان- سجن الرجال- سجن النساء. باب في مقيم الحدود. (فذكرت هذه الأبواب مختصرة مهذبة محررة عزوا وسياقا) وزدت عليه عدة أبواب وهي: باب كيف كان يوصي عليه السلام عماله في صفة البريد الذي يوجهونه له. باب اشتراطه عليه السلام مثل ذلك في عماله. باب كيف كان عهده عليه السلام إلى عماله وأمرائه. باب ذكر الكلام على من دوّن النوازل التي نزلت في حياته صلى الله عليه وسلم وحكم فيها. باب ذكر تراجم وأصول الأبواب التي قضى فيها عليه السلام وأفتى. باب هل كان عليه السلام يشترط السن المديد فيمن يوليه القضاء. باب أين كان يجلس القاضي للحكم والفصل. باب هل كان للقضاء والولاة راتب. باب سياق نص بعض العقود النبوية. باب ذكر شهادة الصبيان وكتابة أسمائهم في السجلّات. باب الرجل يجعل على الأسارى. باب هل كانوا يجرون على المساجين أرزاقا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 باب الرجل يجعل على قطع الأشجار. باب ذكر مقابلته صلى الله عليه وسلم للمستحق بالتعبيس ونحوه. باب إقامته عليه السلام الحد بالضرب. باب تأديبه عليه السلام بالهجران. باب ذكر قتله عليه السلام بيده من اشتد غضب الله عليه. باب تعذيبه عليه السلام بالإحراق والهدم. باب معاملته عليه السلام المستحق بسمل الأعين والإلقاء في الحرة. باب ولاية المظالم. باب معرفته عليه السلام بأمور الهندسة والبناء. برنامج القسم الخامس من كتاب الخزاعي في ذكر العمالات الحربية وما يتشعب عنها وما يتصل بها وفيه عنده أبواب: باب في الإمارة في الغزو. باب في المستخلف على الحضرة إذا خرج الإمام إلى الغزو. باب في الذي يستخلفه الإمام على أهله. باب في المستنفر. باب في حامل اللواء. باب في قسم الجيش إلى خمسة أقسام وكون الإمام في القلب من تلك الأقسام. باب في الرجل يقيمه الإمام يوم لقي العدو بمكانه من قلب الجيش ويلبس الإمام لأمته ويلبس هو لأمة الإمام حياطة على الإمام. باب في صاحب المقدمة. باب في صاحب الميمنة. باب في صاحب الميسرة. باب في صاحب الساقة. باب في المقدم على الرماة. باب في المقدم على الرجالة. باب في الوازع. باب في صاحب الخيل. باب في المسرج. باب الذي يأخذ الركاب عند الركوب وذكر ما جاء في ضم ثياب الفارس في سرجه عند ركوبه. باب في الرجل يركب خيل الإمام يسابق عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 باب في صاحب الراحلة. باب في صاحب البغلة. باب في القائد. باب في الخادم. باب في صاحب السلاح. باب في حامل الحربة. باب في حامل السيف. باب في الصيقل. باب في الدليل. باب في مسهل الطريق. باب في صاحب المظلة. باب في صاحب الثقل. باب في الأمين على الحريم. باب في الحارس. باب في المتجسس. باب في الرجل يتخذ في دار الحرب ليكتب بالأخبار إلى الإمام. باب في المخذّل. باب في صانع السفن. باب في المستعمل فيها. باب في صانع المنجنيق. باب في الرامي بالمنجنيق. باب في صفة الدبابات. باب في قاطع الشجر. باب في حفر الخندق. باب في صاحب المغانم. باب في صاحب الخمس. باب في المبشر بالفتح وفي خروج أهل الحضرة للقاء الإمام يهنئونه (فذكرت هذه الأبواب مختصرة مهذبة عزوا وسياقا) . واستدركت عليها خلالها: باب الرجل يستخلفه الإمام في طريق يظن أن العدو سيعمل فيها مكيدة. باب تعميم الإمام للصبيان. باب رايات الأنصار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 باب أمير الرماة. باب شعار المحاربين. باب من كان يسوق به عليه السلام. باب سائق بدنه عليه السلام. باب راعي بدنه عليه السلام. باب من كان يقوم بلقاحه عليه السلام. باب من كانت عنده خيله عليه السلام. باب جماله عليه السلام. باب من كان يأخذ بركابه عليه السلام وهو على الناقة. باب من كان يأخذ بخطام ناقته عليه السلام. باب صاحب بدنه عليه السلام. باب من كان على هديه عليه السلام. باب صاحب سلاحه عليه السلام. باب أين كان يعلق السيف منه عليه السلام. باب من كان يضرب الأعناق بين يديه. باب البناء في المفازات التي يسلكها الإمام إعلاما بوصول قدمه هناك. باب ذكر من كان يطأطىء له عليه السلام ليركب ناقته. باب ذكر فسطاطه عليه السلام. باب من كان يضرب له القباب. باب من أي شيء كانت الخزائن إذ ذاك. باب من كان يكتنفه عليه السلام إذا أراد الدخول للحضرة. باب ارتياد المواضع لنزول الجيش. باب من كان يقود أو يسوق بنسائه عليه السلام. باب الإمام يخرج للغزو فيترك الحرس بعده في العاصمة. باب الرجل يلازم الإمام من خلفه في السفر. باب الرجل يتقدم أمامه عليه السلام ينشده شعرا يوم الفتح. باب طلائع الجيش. باب الرجل يتخذه الإمام في البعد عينا له على الناس.. باب النمام. باب هبة الإمام جنس حيوان من غزاهم. باب ذكر من كان يكتب غنائم المصطفى عليه السلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 باب الطعام عند القدوم. باب قوله عليه السلام إذا رجع من سفر. باب قوله عليه السلام عند كل قرية أراد دخولها. باب تلخيص حالة كفار جزيرة العرب معه. باب تلخيص معاملته عليه السلام مع كفار زمانه من استعمال الشدة في محلها واللطف والملاينة في إبانها ومداراته عليه السلام وما شرعه في ذلك. برنامج القسم السادس من كتاب الخزاعي في العمالات الجبائية وهذا القسم يشتمل على أبواب: باب في صاحب الجزية. باب في صاحب الأعشار. باب الذي يترجم على أهل الذمة وقت نزولهم بلد المسلمين. باب في متولي خراج الأرضين. باب في المساحة. باب في العامل على الزكاة. باب في كاتب أموال الصدقات. باب في الخارص. باب في صاحب الأوقاف. باب في صاحب المواريث. باب في المستوفي. باب في المشرف. (فذكرت هذه الأبواب مهذبة محررة معزوة) وزدت عليه: باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه إلى البادية في إبل الصدقة. باب ذكر من وكله عليه السلام بحفظ زكاة رمضان. باب من جعله عليه السلام على قبض مغانمه. باب من كان على خمسه عليه السلام. برنامج القسم السابع من كتاب الخزاعي في العمالات الاختزانية وما أضيف إليها وفيه أبواب: باب في فضل الخازن الأمين. باب في خازن النقد وهو صاحب بيت المال. باب في الوزان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 باب في خازن الطعام. باب في الكيال. باب في ذكر أسماء الأوزان والأكيال الشرعية المستعملة في عهده عليه السلام. باب في صاحب السكة ويقال له صاحب دار الضرب. باب في اتخاذ الإبل. باب في اتخاذ الغنم. باب في الوسام. باب في الحمى يحميه الإمام. (فذكرت كل هذه مختصرة مهذبة معزوة وحررت القول فيما ساقه خصوصا الكلام على المسكوكات والنقود والصاع والمد النبوي المريني الموجود في مكتبتنا وهو من أعظم ذخائرها) . برنامج القسم الثامن عند الخزاعي في سائر العمليات وفيه عنده أبواب: باب في المنفق. باب في الوكيل يوكله الإمام في الأمور المالية. باب في الرجل يبعثه الإمام بالمال لينفذه فيما يأمره به من وجوه مصاريف الإمام في غير الحضرة. باب في إنزال الوفود. باب في المارستان. باب في الطب. باب في الراقي. باب في القاطع للعروق. باب في الكواء. باب في المكان يتخذ للفقراء الذين لا يأوون على أهل ولا مال ويستخرج منه اتخاذ الزوايا (فذكرت هذه الأبواب مهذبة محررة معزوة) واستدركت أثناءها فرائد وأبوابا منها: باب أمر المصطفى الرجل أن يحبس السبايا والأموال في الغزو. باب جوائزه عليه السلام للوفود. باب تجمله عليه السلام للوفود. باب أمر الرجل بذكر اسم الله على الجرح ثم التفل فيه. باب كون من لا يعرف بالطب لم يكن يباح له أن يعالج الناس. باب في أصل ما يعرف الآن في الإدارات الصحية بالكرنتينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 باب في المنجم. باب في القافي. باب إقامة الخانات من القرآن. برنامج القسم التاسع من كتاب الخزاعي في ذكر حرف وصناعات كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر من عملها من الصحابة وفيه أبواب دون ما سر فيها تقدم من الأقسام في مواضع هي بها عنده أليق وهذه عناوينها: باب في التجارة. باب في البزاز. باب في العطار. باب في العراف. باب في بائع الرماح. باب في بائع الطعام. باب في الثمار. باب في بائع الدباغ. باب في الدلال. باب في النساج. باب في الخياط. باب في النجار. باب في ناحت الأقداح. باب في الصواغ. باب في البناء. باب في الحداد. باب في الدباغ. باب في الخراص. باب في الصيد في البر. باب في الصيد في البحر. باب في العامل في الحوائط. باب في السقاء الذي يستقي بالأجر. باب في الحمال على الظهر. باب في الحجام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 باب في الجزار. باب في الطباخ. باب في الشواء. باب في الماشطة. باب في القابلة. باب في الخافضة. باب في المرضعة. باب في المغني. باب في حافر القبور. باب غسل الموتى. (فذكرت أبوابه مهذبة محررة معزوة) . واستدركت عليها خلالها: باب ذكر أصل تسمية متعاطي البيع والشراء تاجرا. باب سوق البزازين بالمدينة على عهده عليه السلام. باب تعيينه عليه السلام محل السوق ووقوفه عليه بنفسه. باب الأسواق التي كانت في الجاهلية فتبايع الناس بها في الإسلام. باب في المزارعين والزراعة. باب كون الناس كانوا في أول الإسلام لا يتعاطون البيع والشراء إلا بعد علمهم بأحكامه. باب تشديد عمر للصحابة على تركهم الاشتغال بالتجارة لغيرهم من العامة والأخلاط. باب قول عمر إذا رأى غلاما فأعجبه. باب قول عمر في التكسب والغزو ورأيه في التفاضل بينها بالنسبة إلى نفسه. باب أمر عمر للفقراء وغيرهم بالسعي والتكسب. باب الجلاب. باب ذكر من كان يتجر من الصحابة في بحر الشام. باب جلب دقيق الحوّار والسمن والعسل من الشام إلى المدينة. باب منع إخراج التمر من المدينة في العهد النبوي لأمر طارىء. باب المسافة التي كان يأتي منها الزرع ونحوه إلى المدينة. باب التجارة في العنبر والزئبق. باب حفر معدن الذهب. باب تبايع الصبيان. باب بيع السكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 باب بيع العطر. باب بيع العقاقير الطبية. باب الخراز. باب الجلد الطائفي. باب المهد للصبيان. باب صنع الأنف من ذهب. باب إحداث الرحى الهوائية. باب المصور. باب الأصل لوضع الرؤساء للحجر الأساسي في البناآت القومية والمعاهد الدينية. باب ذكر بنائه عليه السلام لمسجده ثلاث مرار منها ما بني بالأنثى والذكر [التعشيق] . باب تعيين الإمام موضع المسجد وتعليمه محل القبلة. باب أمر الإمام من ينوب عنه في اتخاذ القبلة مسجدا. باب ذكر دوره عليه السلام ومساكن أزواجه. باب ذكر خريطه مسكن مارية بالعوالي. باب أمره عليه السلام في البناآت أن تكون على مقتضى القواعد الصحية وجعله عليه السلام للجيران قواعد عليهم أن لا يتعدوها. باب هدمه عليه السلام لمسجد الضرار. باب ذكر الصباغ. باب ذكر السباحة. باب ذكر بيع الماء. باب ذكر بيع اللبن. باب ذكر اتخاذ الشحم للاستصباح ودهن السفن ونحوها. باب المستدل على محل الماء واستخراجه. باب صانعة الحريرة. باب الخباز. باب كيف كانت أقراص خبزه عليه السلام. باب ذكر اعتناء البدوي بطرف بلاده يهديها له عليه السلام في الحضر والعكس. باب منع الصيد في جهة. باب كونه عليه السلام لم يصد بنفسه ولا اشترى صيدا. باب ذكر الغزل. باب المضحكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 باب ذكر أسماء المغنيات في المدينة على العهد النبوي. هل كانت الدفوف في الزمن النبوي بالجلاجل وهل سمع الصحابة العود. هل كان لبعض السلف اعتناء بعلم الموسيقى. باب ذكر ما كانوا يغنون به. باب ذكر رقص الحبشة في المسجد النبوي أمامه عليه السلام. باب ذكر رقص الحبشة بحرابهم عند قدومه عليه السلام. باب ذكر حجل بعض كبار الصحابة بين يديه صلى الله عليه وسلم. باب السماع والإنشاد ونحوه. باب ذكر المرأة الكبيرة السن تلازم القبر. باب ذكر المسابقة. باب ذكر المصارعة. باب ذكر الرماية. باب ذكر لعب البنات. باب ذكر لعبهم بالتصاوير. باب اتخاذ الوحش في المسكن. باب قوله عليه السلام اقدروا قدر الجارية الحديثة السن. باب حبس الطير للعب الصبيان. باب نهب اللوز والسكر ونثره في العرس. باب مرور أحد الصحابة على الحيشة يلعبون في الطريق. باب النساء الممرضات اللاتي كنّ يرافقن المصطفى في الغزو وما كان الصحابيات يظهرن من ضروب الشجاعة وخفة الحركة ومساعدة الغزاة. التاجرات منهن. المرأة تمثل النسوة في المجلس النبوي. باب ما كانوا يقولونه عند ذهابهم بالعروس إلى بيت زوجها. باب ذكر جعل الوليمة في العرس سبعا. باب ذكر بائع السيوف. باب اتفاق القوم على من يمثلهم تمثيلا رسميا في محفل ديني رسمي. باب ذكر من كان يبري النبل. باب أصل ستر المرأة في نعشها وهي ميتة ومن حبذ ذلك. وبوقوفك على ما اجتهد الخزاعي في جمعه وتفصيله في ديوانه من الحرف والصنائع التي كانت في عهده عليه السلام حتى أوصلها إلى نحو الثلاثين واستدركت عليها نحو هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 العدد أيضا تعلم أن المتأخر ربما يأتي بما لم يأت به المتقدم فهذا شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري غاية ما ترجم له في كتاب البيوع من صحيحه من الحرف والصنائع نحو العشرة وهي: الصواغ والقين والخياط والنساج والنجار وبائع السلاح والعطار والحجام ونحو ذلك وربما كان البخاري اقتصر على هذا القدر لأنه الذي بلغه على شرطه ولكن على كل حال همة المتأخر لا تنكر ويجب أن تذكر فتشكر وإن كان للأوائل فتح أبواب فللمتأخرين الجري على المنوال ضعفا وقوة من غير ارتياب وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [القصص: 68] . القسم العاشر من كتاب الخزاعي وبه كمل التأليف في ذكر أمور متفرقة وفيه أبواب: باب في معنى الحرفة والصناعة. باب في النهي عن استعمال غير المسلمين من الكفار من أهل الكتاب وغيرهم. باب فيما جاء في أرزاق العمال. باب في ذكر الكتب التي استخرج منها ما تضمنه كتابه التخريج. وهذا القسم لم أقف عليه ولا يوجد في النسخة التونسية «1» . فأما [الكلام في] الباب في معنى الحرفة والصناعة فقد قدمنا من ذلك ما نظنه كافيا أول القسم التاسع. وأما حكم استعمال الكفار وأرزاق العمال فمحله على طريق البسط كتب الفقه فأما الباب الرابع الذي عقده لذكر الكتب التي استخرج منها كتابه فهذا الباب مفيد جدا ولكن وإن لم أقف عليه من قلم المؤلف فبتتبع الكتاب يستغنى عنه. وقد تتبعته فوجدت اعتماده في أكثر الصنائع والحرف والعمالات وولاتها على الاستيعاب وذيله لابن فتحون كما سبق. وقد عقدت فيما سبق فصلا ذكرت فيه الكتب التي ينقل عنها في مصنفه وأنت بالخيار إما أن تثبت ذلك الفصل هنا أو تبقيه وتقرؤه هناك. ولما كان الكتاب قد بني على عشرة أقسام (أجزاء) كما يقول الخزاعي أردت أن لا أحرم القراء من قسم عاشر هو من الأهمية بمكان ربما يضارع جل أجزاء المؤلف أو يفوقها أهمية فنقول والله المستعان: القسم العاشر فى تشخيص الحالة العلمية على عهده عليه السلام تعلما وتعليما والحالة الاجتماعية من حيث النبوغ وسعة المدارك والأخلاق والعوائد والأزياء، ويتركب هذا القسم من مقصدين: المقصد الأول : في تشخيص الحالة الاجتماعية على عهده عليه السلام، وذكر ما حازه أصحابه من السبقيات في أنواع النبوغ وسعة المدارك والكيفيات وغير ذلك، مما يعرفك أن المدينة المنورة في الزمن الأول؛ كانت مجموعة مهولة بصنوف واختلاف   (1) سنضيفه لا حقا في مكانه من طبعة دار الغرب الإسلامي إن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 الأعمال، والأفكار والصفات والأشغال الحياتية، والتوسعة العائلية التي لا بد منها في كل بلد مصر، واتخذ عاصمة لمدنية عظمى سادت على العالم في أقرب وقت. وتحت كل مقصد أبواب: المقصد الأول في تشخيص الحالة العلمية الرائجة في زمنه عليه السلام تعلما وتعليما وفيه أبواب: الباب الأول في الإشارة إلى أن أوسع دائرة للمعارف تناولها البشر [هي] القرآن الكريم الباب الثاني في أن السنة فرع عن القرآن وأن الحديث الصحيح يتطلب لفظه أو بعضه أو معناه منه. الباب الثالث في مقدار الأحاديث الواردة عنه صلى الله عليه وسلم. الباب الرابع في ذكر من تصدى لجمع جميع السنة. الباب الخامس في كيفية تلقي الصحابة للعلم وأنه كان حلقا حلقا في المسجد النبوي. الباب السادس في وقوفه عليه السلام على حلق العلم وإيثاره الجلوس فيها على حلق الذكر. الباب السابع فيمن كان يخلف المصطفى عليه السلام بعد قيامه من مجالس الذكر والفقه فيجلس فيها. الباب الثامن في كيفية تدارس الصحابة للقرآن وتفسير المصطفى عليه السلام لهم آيه الكريمة. الباب التاسع في اعتناء الصحابة بما يبلغهم من العلم بالحفظ والمذاكرة فيه. الباب العاشر في أمره عليه السلام أصحابه بنقل الحديث بالسند. الباب الحادي عشر في إباحته عليه السلام لأصحابه التحديث بالأخبار الإسرائيلية من عجائب الأمم الماضية. الباب الثاني عشر في تعريف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بمن امتاز بعلم من الفنون أو غلبت عليه فضيلة مخصوصة ليؤخذ كل شيء عن أربابه. الباب الثالث عشر في إطلاق العلامة في العصر النبوي على أعلم الناس بأنساب العرب والشعر. الباب الرابع عشر في كيفية اختباره صلى الله عليه وآله وسلم قوابل أصحابه ليعرفهم فيما بينهم مبلغهم في الذكاء والفهم والعلم. الباب الخامس عشر في تخصيصه صلى الله عليه وآله وسلم لأهل العلم أياما معلومة. الباب السادس عشر في بيان أن الصحابة كانوا يتحملون العلم تدريجيا فيأخذون الآكد والأقرب إلى الفهم ثم الأصعب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 الباب السابع عشر في حرص الصحابة على التعلم وهم كبار. الباب الثامن عشر في أمرهم بطلب العلم قبل التزوج. الباب التاسع عشر في ذكر أن التاجر منهم كان يتعلم والمتعلم منهم كان يتجر. الباب الموفي عشرين في بيان أن الصحابة كانوا يعلمون نساءهم وإماءهم وأن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كان يجعل للنساء يوما على حدة. الباب الحادي والعشرون في كيفية إعتناء الصحابة بحفظ وضبط ما كانوا يسمعونه منه صلى الله عليه وآله وسلم. الباب الثاني والعشرون في بيان أن الصحابة كانوا إذا سمعوا ما لم يفهموا من العلم استعادوه حتى يفهموه. الباب الثالث والعشرون في بناء أمرهم على تبليغ الشاهد الغائب رضي الله عنهم. الباب الرابع والعشرون في تعاطيهم العلم ليلا ونهارا. الباب الخامس والعشرون في احتفاظ المصطفى صلى الله عليه واله وسلم على قلوب المبتدئين فكان لا يعلمهم ما يعلم المنتهين. الباب السادس والعشرون في الإشارة إلى أن تعليم الكتابة من حقوق الأبناء على الأباء. الباب السابع والعشرون في القلم والدواة في العصر النبوي. الباب الثامن والعشرون في وجود الأقلام القصبية في عصر الصحابة وكذا الحبر. الباب التاسع والعشرون في اختراع اتخاذ الكاغد [الورق] من القطن أواخر أيام الصحابة بجزيرة العرب. الباب الموفي ثلاثين في كتابة الصحابة للحديث وأمر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لهم بالتقييد. الباب الحادي والثلاثون هل كانوا يدونون في صدر الإسلام شيئا أو جمع للصحابة شيء في أبواب العلم أو نسب للصحابة وأتباعهم في زمانهم التدوين والتصنيف. الباب الثاني والثلاثون في اعتناء القواد من الصحابة برفع التقارير الجغرافية للخلفاء الراشدين عن البلاد التي يدخلونها. الباب الثالث والثلاثون في بيان أن ترجمة الكتب القديمة للعلوم العمرانية من طب وكيمياء وصناعات ونحوها وقع الاعتناء به أيام الصحابة. الباب الرابع والثلاثون في أن أول من تكلم في علوم القوم الصحابة رضي الله عن جميعهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 الباب الخامس والثلاثون في أن أول من وضع فن النحو في الإسلام الصحابة. الباب السادس والثلاثون في أن الصحابة تكلموا في علم الكلام قبل أن يتكلم ويدون فيه الأشعري. الباب السابع والثلاثون في بيان أن عليا كرم الله وجهه هو أول من نطق بالتصحيف أحد أنواع البديع. الباب الثامن والثلاثون في إملاء الصحابة للحديث على من يكتب عنهم. الباب التاسع والثلاثون في وقت بروزه صلى الله عليه وآله وسلم ليجيب عن أسئلة السائلين وأغلب ما كانوا يسألونه عنه. الباب الموفي أربعين في مراجعتهم للحديث فيما بينهم إذا فارقهم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. الباب الحادي والأربعون في أنهم كانوا إذا اجتمعوا تذاكروا العلم وقرأوا سورة من القرآن. الباب الثاني والأربعون في أن العالم منهم قد يأمر تلميذه بالتحديث بمحضره. الباب الثالث والأربعون في أخذهم القرآن مع التفقه في معانيه تدريجيا. الباب الرابع والأربعون في أول من أطلق على القرآن المصحف. الباب الخامس والأربعون في استفتاء الصحابة في حكم نسخ المصاحف. الباب السادس والأربعون في اعتناء الصحابة ومن كان في زمنهم بنسخ المصاحف وتلاوتهم القرآن فيها. الباب السابع والأربعون في اعتناء الصحابة بمصاحبة المصاحف في أسفارهم. الباب الثامن والأربعون هل كانوا يحلّون المصاحف. الباب التاسع والأربعون هل كانوا يقبلون المصاحف. الباب الموفي خمسين في بيان أن المصاحف كانت لها ولاة يحفظونها في زمن أبي بكر رضي الله عنه الباب الحادي والخمسون في أن الصحابة كانوا يحبون أن لا يخرج الرجل من منزله صباحا حتى ينظر في المصحف. الباب الثاني والخمسون في أن سيدنا معاوية كان له غلمان وكلوا بحفظ دفاتر التاريخ. الباب الثالث والخمسون في تعليمهم القرآن في زمنه عليه السلام وتسويغه لهم أخذ الأجرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 الباب الرابع والخمسون هل كانت المصاحف تباع في عهدهم. الباب الخامس والخمسون في اتخاذهم المكاتب لقراءة الصبيان. الباب السادس والخمسون أين كان الصبيان يصبون الماء الذي يغسلون به ألواحهم. الباب السابع والخمسون هل هناك ما يدل على السن الذي كانوا يبتدئون فيه تعليم الصبي. الباب الثامن والخمسون في بيان من كان منهم يعلم القرآن بالمدينة ومن كان يبعثه عليه السلام إلى الجهات لذلك وحفاظ القرآن منهم ومعلم الناس الكتابة من الرجال والنساء مؤمنين وكافرين والمفتين في عهده عليه السلام ومعبري الرؤيا واتخاذ الدار في ذلك الزمن ينزلها القراء كالمدارس اليوم وغير ذلك. الباب التاسع والخمسون في تعاطي علم الخط. الباب الموفي ستين في حضهم على تعاطي الشعر. الباب الحادي والستون في تعاطي علم الأنساب. الباب الثاني والستون في روجان علم الفرائض في العهد النبوي وحضّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس على تعلمه وتعليمه. الباب الثالث والستون في ذكر من كان يحال عليه في الأمور الحسابية في زمن الخلفاء الراشدين. الباب الرابع والستون في أخذ أهل أوروبا بالأرقام العربية عن العرب ودخولها إلى بلادهم في زمن علي كرم الله وجهه. الباب الخامس والستون في إيثارهم القرشي على غيره في أخذ العلم. الباب السادس والستون في الأمر بتعلم علم النجوم. الباب السابع والستون في أمرهم بتعلم علم الرماية والسباحة. الباب الثامن والستون في أمرهم بتعلم العربية وأمر عمر عماله بضرب اللحانة من الكتّاب أو تأخيره. الباب التاسع والستون في تعاطي الصحابة للحكمة والتنجيم والقافة والموسيقى والطب والإدارة والحرب والسياسة والترجمة والإملاء والتجارة والصناعة ونحو ذلك. الباب الموفي سبعين في كونهم كانوا يتجنبون في التحديث والرواية ما يضر سماعه بالعامة والمبتدئين. الباب الحادي والسبعون في وصاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالشباب من طلبة العلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 الباب الثاني والسبعون في اهتبال علماء الصحابة بالآخذين عنهم والاهتمام بوقايتهم من الأسواء وحنوهم عليهم. الباب الثالث والسبعون في الوصف الذي كان يحمله المنقطع للعلم في ذلك العهد تعلما وتعليما. الباب الرابع والسبعون في تسميته عليه السلام حملة الحديث ونقلته خلفاء له عليه السلام. الباب الخامس والسبعون في عنوان القرآن وبرنامجه وهو الأصل في وضع المسلمين العناوين للمصنفات. الباب السادس والسبعون في حضه عليه السلام طلبة العلم على السؤال عمّا لم يفهموا. الباب السابع والسبعون في إجابته عليه السلام السائلين على حسب قوابلهم وتنويعه الخطب على حسب الحال والمقام. الباب الثامن والسبعون في إجابته عليه السلام السائلين على حسب سبقيتهم. الباب التاسع والسبعون في روايته صلى الله عليه وآله وسلم عن أصحابه وتحديثه عنهم. الباب الموفي ثمانين في أخذ الصحابة بعضهم عن بعض. الباب الحادي والثمانون في أن جلالة بعضهم عند بعض كانت لا تمنع من المخالفة فيما لم يودّهم إليه اجتهادهم. الباب الثاني والثمانون في أدب الصحابة مع من يتعلمون منهم أيضا. الباب الثالث والثمانون في رواية الصحابة عن التابعين. الباب الرابع والثمانون في أخذ كبار الصحابة العلم عن الموالي. الباب الخامس والثمانون في أخذ الصحابة من العرب عمن أسلم من اليهود. الباب السادس والثمانون في رجوع الصحابة للحق إذا ظهر لهم واعترافهم به. الباب السابع والثمانون في تأديب النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصحابة في التعليم واقتفائهم أثره في ذلك. الباب الثامن والثمانون في مناظرة الصحابة بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم. الباب التاسع والثمانون في آداب طالب العلم المنصوص عليها لأهل القرون الأولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 الباب الموفي تسعين في أن الصحابة كانوا يعرفون حق أكابرهم في العلم والسن. الباب الحادي والتسعون في إنزال النبي صلى الله عليه وسلم الناس ساعة التعليم منازلهم من تقديم الأكبر علما أو سنا. الباب الثاني والتسعون في رحلة الصحابة لبعضهم في طلب العلم أو رغبة في علو السند. الباب الثالث والتسعون في دعاء الصحابة بعضهم بعضا وغيرهم من الناس إلى حضور الميراث النبوي. الباب الرابع والتسعون في القاص في زمنه عليه السلام وجلوسه مجلسه. الباب الخامس والتسعون في ذكر ما بثه عليه السلام من الفرائد الطيبة والعلوم الحكمية المتعلقة بالأغذية والأدوية وعلاج الأمراض حتى دونت فيها الدواوين. الباب السادس والتسعون في توسعه عليه السلام مع أصحابه في ذكر الوقائع التاريخية وأخبار الأمم السالفة واتخاذه لذلك وقتا وهو أصل تعاطي الدورس اليوم في شبه ذلك. الباب السابع والتسعون في اتخاذ الأنصار ما بين العشاءين لتعلم الرماية. الباب الثامن والتسعون في اتخاذ معاوية رضي الله عنه وقت السمر لسماع كتب التاريخ وأخبار الأمم والأجيال. الباب التاسع والتسعون في بناء أمرهم على أخذ العلم ممن وجدوه عنده ولو كان كافرا أو صغيرا. الباب الموفي مائة في تحريض سيدنا علي كرم الله وجهه على العلم وتنبيهه على شرفه بأبلغ تعبير. الباب الحادي والمائة في ترتيبهم العلوم في الأخذ ومن كانوا يقدمون ويؤخرون من المجتمعين للطلب. الباب الثاني والمائة في أن الصحابة كانوا يروحون القلوب ساعة فساعة. الباب الثالث والمائة في حديث خرافة. الباب الرابع والمائة في حديث أم زرع. الباب الخامس والمائة في المضحكين والمضحكات في الزمن النبوي دون ما سبق في القسم الأول. المقصد الثاني فيما حازه أصحابه عليه السلام من السبقيات، وما تميّز به أفرادهم من علو المدارك والكيفيات، مما يعرفك أن المدينة المنورة كانت في الزمن الأول مجموعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 مهولة، بصنوف واختلاف الأعمال والأفكار والصفات والأشغال الحياتية، التي لا بد منها في كل بلد مصر اتخذ عاصمة لمدنية عظمى، سادت على العالم في أقرب وقت، وما وصل إليه ذلك العصر الزاهر والمصر الطاهر، من الاختلاط والاختلاف في الأحوال، والاتفاق في الآمال، وأنه من أندر ما حفظ التاريخ عن الأجيال والدهور وتحته أبواب: الباب الأول في أن الصحابة كانوا أهل اجتهاد في الأحكام، وقدرة على استنباطها، والتبصر بمواقع الخطابات التشريعية ومحاملها. الباب الثاني في تحرّيهم في الفتوى وتدافعهم لها، وكراهتهم الكلام في المسألة قبل نزولها. الباب الثالث فيمن كان يوسم بأعلم الصحابة. الباب الرابع فيمن كان يعرف منهم بباب مدينة العلم. الباب الخامس فيمن كان يلقب منهم بأسد الله. الباب السادس في الملقب فيهم بشيخ الإسلام. الباب السابع في الملقب فيهم بسيف الله. الباب الثامن في الذي يضرب به المثل في العدل منهم. الباب التاسع في الذي يضرب به المثل في الهيبة منهم. الباب العاشر في الذي يضرب به المثل في الفضائل كلها من الصحابة. الباب الحادي عشر في الذي يضرب به المثل في الصدق منهم. الباب الثاني عشر في الذي يضرب به المثل في المشية منهم. الباب الثالث عشر في الذي يضرب به المثل في الفقه منهم. الباب الرابع عشر في المحصل على لقب أمين الأمة. الباب الخامس عشر فيمن أو لم وليمة بقي يضرب بها المثل. الباب السادس عشر في الذي يضرب به المثل في الحلم منهم. الباب السابع عشر فيمن كانت تستحيي منه ملائكة الرحمن منهم. الباب الثامن عشر في ذي الرأي من الصحابة. الباب التاسع عشر في ذي اليدين من الصحابة. الباب الموفي عشرين في ذي العمامة. الباب الحادي والعشرون في الذي يضرب به المثل بسيفه من الصحابة. الباب الثاني والعشرون فيمن كان يعد صوته في الجيش بألف رجل. الباب الثالث والعشرون في الذي يسبق الفرس شدا على قدميه من الصحابة. الباب الرابع والعشرون فيمن عرف بالدهاء من الصحابة بحيث كان يضرب به المثل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 الباب الخامس والعشرون فيمن عرف بالقوى المدهشة من الصحابة، حتى باهى العرب به فارس والروم. الباب السادس والعشرون فيمن كان من الصحابة في نهاية الطول. الباب السابع والعشرون فيمن عرف بالقصر من الصحابة. الباب الثامن والعشرون فيمن كان من الصحابة فردا في زمانه بحيث يضرب به المثل. الباب التاسع والعشرون فيمن كان يضرب به المثل في الجمال من الصحابة. الباب الموفي ثلاثين فيمن كان من الصحابة يعمل بيديه. الباب الحادي والثلاثون في أخوة سبعة كلهم من الصحابة تباعدت قبورهم [وهم أبناء العباس] . الباب الثاني والثلاثون في صحابي أصغر من أبيه بإحدى عشرة سنة. الباب الثالث والثلاثون فيمن كان بيده سيف الفتح، بحيث نصب في عهده اثنا عشر ألف منبر للخطبة. الباب الرابع والثلاثون في صحابي كان له ألف مملوك يؤدون له الخراج [الزبير] . الباب الخامس والثلاثون فيمن كان يحفظ مائة لغة متباينة من الصحابة. الباب السادس والثلاثون فيمن مات من الصحابة فمات بموته تسعة أعشار العلم. الباب السابع والثلاثون في صحابي مات فقال فيه عمر مات سيد المسلمين. الباب الثامن والثلاثون في ذكر الأغنياء من الصحابة ومن توسع منهم في الأمور الدنيوية. الباب التاسع والثلاثون فيمن تغالى منهم في الصداق حين تزوج بعلوية فاطمية. الباب الموفي أربعين في عدد الصحابة. الباب الحادي والأربعون في عدد من كان بالمدينة من الصحابة معه عليه السلام آخر الأمر. الباب الثاني والأربعون في المكثر الرواية عنه صلى الله عليه وسلم من الصحابة. الباب الثالث والأربعون في احفظ الصحابة وأول محدّث في الإسلام. الباب الرابع والأربعون في ذكر ائمة الفتوى من الصحابة. الباب الخامس والأربعون في ذكر من كان أكثر الصحابة فتيا، ومن جمع من فتاويه سبع مجلدات، والمخصوص منهم بلقب البحر وحبر القرآن، ورباني الأمة والغواص، ومن كان يعرف ممره في الطريق، ومن وجم الناس عن تعزيته شهرا هيبة له وإجلالا. الباب السادس والأربعون في ذكر من كان له من الصحابة أتباع يقلدونه في فتواه، كالمقلد مع المجتهد في الطريق. الباب السابع والأربعون في ذكر من انتهى إليهم العلم من الصحابة. الباب الثامن والأربعون فيمن عرف بالكرم والجود من الصحابة. الباب التاسع والأربعون في ذكر أعلم الأمة بالفرائض منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 الباب الموفي خمسين في ذكر المعروف في الصحابة بحسن الصوت وتجويد التلاوة. الباب الحادي والخمسون فيمن قيل فيه من الصحابة أخطب أهل الدنيا. الباب الثاني والخمسون في المخصوص من الصحابة بلقب حكيم الأمة. الباب الثالث والخمسون في ذكر من كان يقرأ الكتب القديمة من الصحابة ويعلم ما فيها. الباب الرابع والخمسون في ذكر من قيل فيه أعلم الناس من نساء الصحابة. الباب الخامس والخمسون في ذكر من قيل فيها من نساء الصحابة لو كان رجلا لصلح للخلافة. الباب السادس والخمسون في ذكر مولى من الصحابة قال عمر في حقه: لو كان حيا لاستخلفته. الباب السابع والخمسون في ذكر من قيل فيه: أفصح الناس وأفخمهم نطقا من الصحابة. الباب الثامن والخمسون في ذكر من كان أعلم الناس بالمناسك من الصحابة. الباب التاسع والخمسون فيمن أفتى الناس ستين سنة من الصحابة. الباب الموفي الستين فيمن كان يطلق عليه الحبر وهو العالم في الزمن النبوي. الباب الحادي والستين في أمره عليه السلام الصحابة بالقيام إلى العالم منهم. الباب الثاني والستون فيمن كان من الصحابة يمكن لتلاميذه من يده يقبلونها. الباب الثالث والستون من قبّل من علماء الصحابة يد تلميذه لكونه من آل البيت. الباب الرابع والستون في صحابي قال فيه عمر: حق على كل مسلم أن يقبل رأسه، الباب الخامس والستون في صحابي قدم المدينة في خلافة عمر فأمر عمر الناس أن يخرجوا معه للقائه. الباب السادس والستون في الصحابة الطلس ومن استخلف منهم. الباب السابع والستون في الخصي. الباب الثامن والستون في المخنثين. الباب التاسع والستون في المجبوب. الباب الموفي سبعين هل كان السلف يحتفظون بالآثار القديمة. الباب الحادي والسبعون جعلته خاتمة- الأبواب وزبدة الكتاب- في حديث ابن أبي هالة الذي هو أجمع حديث عندي في صفاته عليه السلام الخلقية والخلقية. وبتتبعه لا يستغرب الجاهل بأحوال نبي الإسلام؛ أن يربي صاحب تلك الأحوال والتراتيب والأخلاق رجالا يصلحون لإرشاد الخليقة والقيام بسياسة الكون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 ثم الخاتمة- فيها فوائد في تقدم العرب في الاختراعات والفنون، وكونهم أساتذة أوروبا باعتراف ساستهم والمنصفين من محققيهم. وبتتبعك لأبواب الكتاب، ووقوفك على الحقيقة في المدونين تعلم أننا أتينا على زبدة كتاب الخزاعي، وحذفنا مكرره واستطراده، وما لا حجة أو حاجة فيه. وزدت عليه أضعاف أضعاف ما ذكر من كل قسم، من الحرف والصنائع والعمالات والصفات، بحيث وفقنا (والحمد لله) لكثير من المظان التي لا تخطر ببال ولا كانت في الحسبان. ولم أقلد أبا الحسن الخزاعي في غالب عزوه، ولذلك إن كان الكتاب الذي نقل عنه مطبوعا أذكر الصحيفة الواقع فيها ما نقل منه. ولا شك أن مواد هذا الموضوع سهلت الآن بما أظهرته مطابع الشرق والغرب، من الضنائن التي بتتبع أسماء فهارس المطبوعات شرقا وغربا، لا يبقى ريب في أنه يتيسر اليوم ما عسر أدراكه على كثير ممن سبق، وليس بعد العيان بيان. وبذلك تتحقق بأحقية قول الجاحظ: ما على الناس شيء أضر من قولهم: ما ترك الأول للآخر شيئا. وقد قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر وقد نقل قول علي كرم الله وجهه: قيمة كل امرىء ما يحسن فقال: إنه لم يسبق إليه أحد قال: وأي كلمة أحض على طلب العلم منها؟ قال: وما كان أضر بالعلم وبالعلماء وبالمتعلمين من قول القائل: ما ترك الأول للآخر شيئا اهـ وقال أبو الحسن المسعودي في كتابه «النبيه» المطبوع في أوروبا وقد تشترك الخواطر وتتفق الضمائر وربما كان الأخير أحسن تأليفا وأمتن تصنيفا لحكمة التجارب وخشية التتبع والاحتراس من موانع المضار؛ ومن هاهنا صارت العلوم نامية غير متناهية، لوجود الأخير ما لا يجده الأول وذلك إلى غير غاية محصورة ولا نهاية محدودة. على أن من شيم كثير من الناس إطراء المتقدمين، وتعظيم كتب السالفين ومدح الماضي وذم الباقي، وإن كان في كتب المحدثين ما هو أعظم فائدة وأكثر عائدة. ثم حكي عن الجاحظ على جلالة قدره بين الكتاب والبلغاء أنه قال: كنت أؤلف الكتاب الكثير المعاني الحسن النظم، وأنسبه إلى نفسي، فلا أرى الأسماع تصغي إليه، ولا الإرادات تبتسم نحوه، ثم أؤلف ما هو أنقص منه رتبة وأقل فائدة، وأنحله عبد الله بن المقفع، أو سهل بن هارون، أو غيرهما من المتقدمين ممن سارت أسماؤهم بين المصنفين، فيقبلون على كتبها، ويسارعون إلى نسخها، لا لشيء إلا نسبتها للمتقدمين. ولما يداخل أهل هذا العصر من حسد من هو في عصرهم، ومنافسته على المناقب التي عزّ تشييدها. قال: «وهذه الطائفة لا يعبأ بها كبار الناس، وإنما العمل على أهل النظر والتأمل، الذين أعطوا كل شيء حقه من القول، ووفوه قسطه من الحق، فلم يرفعوا المتقدم إذا كان ناقصا، ولم ينقصوا المتأخر إذا كان زائدا، فلمثل هولاء تصنف العلوم وتدون الكتب» . وإذا كان هذا في ذلك الزمن زمن نفاق أسواق العلم، ورجحان أهله بالمدارك والغايات، فكيف بزماننا هذا زمن التأخر والانحطاط والتقليد الأعمى لكل مستهجن، وغلبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 الأغراض السافلة والمقاومة للكمال والكاملين، والتشبث بأذيال الناقصين والساقطين، سخطا على الفضيلة ومقاومة لها. وإذا كان الإمام حافظ الأندلس أبو محمد ابن حزم يقول في رسالته في المفاضلة بين علماء الأندلس وغيرهم: أما جهتنا فالحكم في ذلك ما جرى به المثل السائر: أزهد الناس في العالم أهله. وقد قرأت في الإنجيل أن عيسى عليه السلام قال: لا يفقد النبي حرمته إلا في بلده. وقد تيقنا ذلك بما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من قريش، وهم أوفر الناس أحلاما وأصحهم عقولا، وأشدهم تثبتا مع ما خصوا به من سكناهم أفضل البقاع، وتقديسهم بالحرم الجباه؛ حتى خصّ الله الأوس والخزرج بالفضيلة التي أبانهم بها عن جميع الناس، ولا سيما أندلسنا فإنها خصّت من حسد أهلها العالم الظاهر فيهم، الماهر منهم واستقلالهم كثير ما يأتي به، واستهجانهم ما يأتي من حسناته، وتتبعهم سقطاته وعثراته، وأكثر ذلك مدة حياته بأضعاف ما في سائر البلدان؛ إن أجاد قالوا سارق مغير، وإن انتحل قذع وإن توسّط قالوا: غث بارد وضعيف ساقط، وإن باكر الحيازة لقصب السبق، قالوا: متى كان هذا ومتى تعلم؟ وفي أي زمان قرأ ولأمّه الهبل. وبعد ذلك إن ولجت به الأقدار أحد طريقتين إما شفوفا دائما يعليه على نظرائه، أو سلوكا في غير السبيل التي عاهدوها فهنالك حمي الوطيس على اليائس، وصار غرضا للأقوال وهدفا للمطالب، وعرضا للتطرق إلى عرضه، وربّما نحل ما لم يقل، وطوق ما لم يتقلد، وألحق به ما لم يفه به، ولا اعتقده قلبه، فإن لم يتعلق بالسلطان بحظ لا يسلم من المتالف، ولا ينجو من المخالف، فإن تعرض لتأليف غمز ولمز، وتعرض وهمز وسترت فضائله وهتف ونودي بما أغفل فتسكن لذلك همته، وتكل نفسه وتبرد حميته. الخ كلامه انظر بقيته في رسالته المثبوتة في نفح الطيب. فليت شعري ما يقال بعد خراب الأندلس وضعف الإسلام في القرن الرابع عشر. وجماع القول أن من جهل شيئا عاداه، والمزكوم لا يجد رائحة العطر بل يأباه، ويرحم الله أبا الثناء محمود بن عبد الله الألوسي البغدادي صاحب روح المعاني إذ يقول: وإذا الفتى بلغ السماء بفضله ... كانت كأعداد النجوم عداه ورموه عن حسد بكل كريهة ... لكنّهم لا ينقصون علاه ولولا تفكري في أمر أبي الحسن الخزاعي، وأن ما أحياه من ماثر الأسلاف، وإن قضى عليه الزمن الأخير بالنكران، فقد قيضتني الأقدار، بعد أن مضى على موته نحو من ستمائة سنة بلا اختيار، لإحياء مراسمه والاهتبال، بمعالمه، والانفعال لعوامله في مثل ذلك الزمن والآتي مع غض الطرف عن هذا الذي نحن فيه وليس بمواتي، لكنت قد أضربت عن هذا العمل ونبذته وفارقته تماما وقاطعته، ولكن فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ [الأنعام: 89] فإلى المؤمنين بفضائل المعاصرين يجر الحديث وإلى من يؤمن بكرامة الموتى من الآتين نجتهد في بث ما علمناه ونسير السير الحثيث فإليكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 معاشر الآتين وأرواح أفراد من الماضين أسوق هذه المجموعة النفيسة التي هي كمرآة مكبرة تتجلّى لكم منها الحالة الاجتماعية والسياسية والحربية والعلمية والأخلاقية والعائلية التي كانت في زمن مصدر النبوة، وإبان فيضان الكمال بأتم معانيه، في وقت الرسالة المحمدية فخذوها شاكرين. واقرؤوها بالخير ذاكرين والله المستعان وعليه لا على غيره التكلان وهذا حين الشروع في المقصود مستعينا بالرب المعبود سبحانه «1» .   (1) جزى الله المؤلف خيرا فقد صدق في قوله، وأرجو أن يحقق الله بالآتين ظنه، فكتابه من أنفس ما كتب في بابه، وأوسع ما يمكن لذي قلم أن يجمع من ثمره ولبابه. رحمه الله رحمة واسعة، وألحقه بشجرته الطيبة المباركة من آل الكتاني الكرام، سلاسة سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهم وألحقنا بركابهم آمين. مصححه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 القسم الأول في الخلافة والوزارة (الصدارة) وما يضاف إلى ذلك من الخدمات النبوية الشخصية التي كان يقوم بها أفراد من الصحابة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 الخلافة «قال الفخر الرازي: الخليفة من يخلف غيره ويقوم مقامه. وفي صناعة الكتابة لابن النحاس: وعلى هذا خوطب الصديق فقيل له: يا خليفة رسول الله وهو أول من ولي الخلافة في الإسلام» خزاعي. الخلافة هي الرياسة العظمى، والولاية العامة الجامعة، القائمة بحراسة الدين والدنيا، والقائم بها يسمّى الخليفة، لأنه خليفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإمام لأن الإمامة والخطبة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين لازمة له، لا يقوم بها غيره إلا بطريق النيابة عنه؛ كالقضاء والحكومة، ويسمّى أيضا أمير المؤمنين. وهو الوالي الأعظم لا والي فوقه ولا يشاركه في مقامه غيره، وأول خلافة انعقدت على حقيقتها ووجهها في الأرض، خلافة أبي بكر رضي الله عنه. أخرج ابن عديّ عن أبي بكر بن عياش قال: قال لي الرشيد: يا أبا بكر كيف استخلف الناس أبا بكر الصديق؟ قلت: يا أمير المؤمنين، سكت الله وسكت رسوله وسكت المؤمنون، فقال: والله ما زدتني إلا غما. قال: يا أمير المؤمنين مرض النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية أيام، فدخل عليه بلال فقال: يا رسول الله من يصلي بالناس؟ فقال: مر أبا بكر يصلي بالناس فصلى أبو بكر ثمانية أيام والوحي ينزل، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسكوت الله وسكت المسلمون لسكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعجبه فقال: بارك الله فيك. وقد استنبط جماعة من العلماء خلافة أبي بكر من آيات القرآن، فأخرج البيهقي عن الحسن البصري في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: 54] قال: هو والله أبو بكر وأصحابه لما ارتدت العرب جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتى ردوهم إلى الإسلام. وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير في قوله تعالى: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ [الفتح: 16] قال: هم بنو حنيفة. قال ابن أبي حاتم وابن قتيبة: هذه الآية حجة على خلافة الصديق، لأنه الذي دعا إلى قتالهم، وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري: سمعت أبا العباس بن شريح يقول: خلافة الصديق في القرآن في هذه الآية، قال: لأن أهل العلم أجمعوا على أنه لم يكن بعد نزولها قتال دعوا إليه إلّا دعاء أبي بكر لهم وللناس إلى قتال أهل الردة، ومن منع الزكاة. قال: فدلّ ذلك على وجوب خلافة أبي بكر وافتراض طاعته، إذ أخبر الله أن المتولي عن ذلك يعذّب عذابا أليما. قال الحافظ بن كثير: ومن فسّر القوم بأنهم فارس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 والروم فالصديق هو الذي جهز الجيش إليهم، وتمام أمرهم كان على يد عمر وعثمان، وهما فرعا الصديق، وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [النور: 55] الآية قال ابن كثير: هذه الآية منطبقة على خلافة أبي بكر. وأخرج البيهقي عن ابن الزعفراني قال: سمعت الشافعي يقول: أجمع الناس على خلافة أبي بكر الصديق، وذلك أنه اضطر الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبي بكر فولوه رقابهم. وفي الفروق لأبي العباس القرافي ص 182 من الجزء الثاني قال العلماء: إن قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف: 44] إنه الخلافة وأنه صلى الله عليه وسلم كان يطوف على القبائل في أول أمره لينصروه، فيقولون له: ويكون لنا الأمر من بعدك: فيقول صلى الله عليه وسلم: إني قد منعت من ذلك، وإنه قد أنزل عليه وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ الزخرف: 44] فلم يكن للأنصار في هذا الشأن شيء، وقد سئل بعض علماء القيروان من كان مستحقا للخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: سبحان الله إنا بالقيروان نعلم من هو أصلح منا للقضاء، ومن هو أصلح منّا للفتيا، ومن هو أصلح منا للإمامة، أيخفى ذلك عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إنما يسأل عن هذه المسائل أهل العراق. وصدق رضي الله عنه فيما قاله اهـ. وهو رضي الله عنه أول من أسلم، وأول من جمع القرآن وأول من سمّاه مصحفا، وأول من سمّي خليفة. أخرج أحمد عن أبي بكر ابن مليكة قال: قيل لأبي بكر: يا خليفة الله قال: أنا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا راض به. وأول من ولي الخلافة وأبوه حي وأول خليفة فرض له رعيته العطاء. أخرج البخاري عن عائشة قالت: لما استخلف أبو بكر قال: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤونة أهلي، وشغلت بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، ويحترف للمسلمين، وأخرج ابن سعد عن عطاء بن السائب قال: لما بويع أبو بكر أصبح وفي ساعده أبراد وهو ذاهب إلى السوق. فقال عمر: أين تريد؟ قال: إلى السوق. قال: أتصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قال: انطلق يفرض لك أبو عبيدة فانطلقا إلى أبي عبيدة فقال: أفرض لك قوت رجل من المهاجرين، ليس بأفضلهم ولا أركسهم، وكسوة الشتاء والصيف، إذا أخلقت شيئا رددته وأخذت غيره، ففرض له كل يوم نصف شاة، وما كساه في الرأس والبطن، وأخرج ابن سعد عن ميمون قال: لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين. قال: زيدوني لأن لي عيالا وقد شغلتموني عن التجارة فزادوه خمسمائة. وهو أول من اتخذ بيت المال كما سبق. قال الحاكم: أول لقب في الإسلام لقّب أبي بكر عتيقا قال الحافظ السخاوي: وهو أول من لقب بشيخ الإسلام اهـ وقال الشهاب أحمد حلولو في شرحه على «جمع الجوامع» : أما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 كون أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد اتفقت الصحابة على إطلاقه، وذلك لما اقتضته الأدلة من الاستخلاف، وهي كثيرة جدا مبسوطة في الكتب المطولّة، متواطئة على معنى واحد، غير أنه ليس فيها نص صريح؛ لأنه لو كان لما وقع التردد منهم أولا في يوم السقيفة، وأما تسمية بقية الخلفاء بأمراء المؤمنين فبإطلاق الصحابة اهـ. وقال الحافظ ابن حزم في «نقط العروس» : من ولي الخلافة بعهد اختلف الناس في أبي بكر. والذي أدين الله به: أنه ولي الخلافة بعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ونص عليه لإجماع أهل الإسلام على تسميته خليفة رسول الله، ولم يسمّ أحد بهذا الإسم أحدا غيره، ولا ممن استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة، ولا ممن استخلفه على الصلوات في غزواته وحجته، وللخبر الثابت «1» الذي رويناه من طرق ثابتة في قصة المرأة التي قالت: يا رسول الله، فإن رجعت ولم أجدك كأنها تريد الموت قال: «فأبو بكر» ، هكذا نص الحديث كما أوردناه، ولغير هذا مما ذكرناه في كتاب «الفيصل» ولله الحمد اهـ وقال ابن جزيّ في «القوانين» : الدليل على إثبات إمامة الخلفاء الأربعة من ثلاثة أوجه: أحدها أن كل واحد منهم جمع شروط الإمامة على الكمال، والآخر أن كل واحد منهم أجمع المسلمون على بيعته والدخول تحت طاعته والإجماع حجة، والثالث ما سبق لكل واحد منهم من الصحبة، والهجرة والمناقب الجليلة، وثناء الله عليهم وشهادة الصادق لهم بالجنة، ثم إن أبا بكر وعمر أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خلافتهما وأمر بالإقتداء بهما، وقدم أبا بكر على حجة الوداع وعلى الصلاة بالناس في مرض موته، وذلك دليل على إمامته ثم استخلف أبو بكر عمر، ثم جعل عمر الأمر شورى بين ستة نفر، فاتفقوا على تقديم عثمان. إلى أن قتل مظلوما، ثم كان أحقّ الناس بها بعده علي لمرتبته الشريفة وفضائله المنيفة. وأول من سمّي بأمير المؤمنين من الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب اتفاقا، وذلك أن أبا بكر لما بويع كانوا يسمونه خليفة رسول الله، فلما بويع عمر كانوا يدعونه خليفة خليفة رسول الله فاستثقلوا ذلك، وكرهوا تزايده داعيا إلى أن يؤدي إلى الاستهجان، ويذهب التمييز المقصود به لكثرتها وطول إضافتها، فاتفق أن دعا بعض الصحابة عمر بن الخطاب بأمير المؤمنين فيما كتبه إليه أبو موسى الأشعري، وفيما خاطبه مشافهة عدي بن حاتم الطائي أو المغيرة بن شعبة أو عمرو بن العاص أو غيرهم، فاستحسنه الناس واستصوبوه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلق هذا الاسم قبله على عبد الله بن جحش حين بعثه في سرية. وقال الحافظ السيوطي كما في «المصباح الوهاج» ، حين ذكر أن أبا بكر بعد موته عليه السلام بعث أسامة على جيش للشام، فكان الصحابة في ذلك السفر يدعونه أمير   (1) رواه البخاري في كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب 5 ص 191/ 4 ونصه: إن لم تجديني فأتي أبا بكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 المؤمنين. وروي عن سيدنا عمر أنه كان إذا رأى أسامة قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فيقول أسامة: غفر الله لك يا أمير المؤمنين تقول لي هذا فيقول لا أزال أدعوك الأمير ما عشت. مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت عليّ أمير اهـ. ووقع في الأسئلة التي قدمها الشيخ تاج الدين السبكي للصلاح الصفدي: من عدّ من أمراء المؤمنين ولم ... يحكم على الناس من بدو ومن حضر ولم يكن قرشيا حين عدّ ولا ... يجوز أن يتولى إمرة البشر؟ ومن جواب الحافظ السيوطي عن الأسئلة المذكورة: ثم المسمى أمير المؤمنين ولم ... يحكم على الناس من بدو ومن حضر أسامة حين ولاه النبي على ... سرية لقبوه ذاك في السفر ثم توارث الخلفاء هذا اللقب سمة لا يشاركهم فيها أحد وتنافسوا فيها؛ خصوصا ملوك بني أمية، ثم بني العباس الذين كانوا ببغداد، إلا من رأى أنه أحق منهم بالخلافة ببقية الأقطار، كإمام المغرب أبي العلاء، مولانا إدريس بن عبد الله الكامل، قدس الله روحه الزكيّة، فإنه قام بالأمر هنا، بإيصاء أخيه محمد النفس الزكية له بالأمر، وقد كان بويع في المدينة بالخلافة قبل بيعة أبي جعفر المنصور العباسي، فكان هو الخليفة الشرعي، وفي شرح ابن زكري على همزيته: إن النفس الزكية انعقدت له الإمامة قبل بني العباس، ولهذا كان مالك وأبو حنيفة يجنحان إليه ويرجّحان إمامته على بني العباس ويريان أن إمامته أصحّ من إمامة أبي جعفر لانعقاد هذه البيعة من قبل اهـ وأصله للحافظ التنسي في الدر والعقيان. وقال غيرهما: بيعة بني العباس هي غير المنعقدة لأنهم خارجون، وبيعة مولانا إدريس ثابتة، ولذلك ثبت أن مولانا إدريس الأكبر قال في خطبته حين بيعته: إن الذي تجدونه عندنا لا تجدونه عند غيرنا، وفي كنز الأسرار للمقري: سبب اشتهار مذهب مالك بالمغرب واقتصارهم عليه وأمر مولانا إدريس لهم باتباعه: رواية مالك في الموطأ عن جده عبد الله الكامل، وفتياه بخلع أبي جعفر المنصور العباسي، وبيعته لمحمد النفس الزكية وعهده لأخيه إدريس الأكبر بالخلافة بعده قاله ابن خالدون. فكان مالك هو السبب في ولايتهم الملك، فقال إدريس نحن أحق باتباع مذهبه وقراءة كتابه يعني الموطأ، وأمر بذلك في جميع عمالته اهـ وانظر الدر النفيس. وكعبد الرحمن بن محمد الملقب بالناصر الأموي المتوفّى سنة خمسين وثلاثمائة. قال ابن جزيّ في قوانينه: هو أول من دعي بالأندلس أمير المؤمنين اهـ قال السيوطي في تاريخ الخلفاء: هو أول من تسمى بالأندلس بالخلافة وبأمير المؤمنين لما وهت الدولة العباسية في أيام المقتدر، وكان الذين قبله إنما يتسمون بالأمير فقط اهـ وفي أزهار الرياض: والناصر هو من تسمّى بأمير المؤمنين من بني أمية بالأندلس، لأن الدولة عظمت في أيامه، حين اختلط نظام ملك العباسيين بالمشرق وتغلبت عليه الأعاجم اهـ منه. وإنما أعلن الناصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 بذلك لما رأى من ضعف أمر الخلفاء العباسيين ببغداد، إذ لقب نفسه أمير المؤمنين، وأورث من عقبه هذا اللقب، واستهل خطيبه بجامع قرطبة خطبة الجمعة بذلك سنة 316، وأنفذ منشوره بذلك لعماله جاء فيه: وقد رأينا أن تكون الدعوة لنا بأمير المؤمنين، وخروج الكتب عنا وورودها علينا بذلك، إذ كل مدعو لهذا الاسم منتحل له ودخيل ومتسم بما لا يستحقه، وعلمنا أن التمادي على ترك الواجب لنا من ذلك حق أضعناه واسم ثابت أسقطناه، فمر الخطيب لموضعك أن يقول به، وأجر مخاطبتك لنا عليه اهـ. ولما قام عبيد الله المهدي أول ملوك العبيدين بأفريقية تسمّى بأمير المؤمنين لأنه كان رأى أنه أحق بالخلافة من بني العباس المعاصرين له بالمشرق، قال صاحب تاريخ دول الإسلام: فهو أول من زاحم الخليفة بهذا اللقب اهـ ثم تبعه على ذلك عبد الرحمن الناصر الأموي صاحب الأندلس، ورأى أن له الحق في الخلافة، اقتداء بسلفه الذين كانوا خلفاء بالمشرق، ثم لم يتجاسر أحد لا من ملوك العجم بالمشرق، ولا من ملوك البربر بالمغرب على التلقب بأمير المؤمنين، لأنه لقب الخليفة الأعظم القرشي، إلى أن جاءت دولة المرابطين وكان منهم يوسف بن تاشفين واستولى على المغربين، والأندلس وعظم سلطانه واتسعت مملكته، وخاطب الخليفة العباسي بالمشرق، فولاه على ما بيده وتسمى بأمير المسلمين، أدبا مع الخليفة، وقيل: أول من دعاه بها المعتمد بن عباد صاحب ملك الأندلس، فاستحسن ذلك منه. ثم لقبّه بها صاحب بغداد، ثم جرت على من بعده. ولما تكلم ابن أبي زرع على وقعة الزلاقة وكانت سنة 479 وما أوتيه فيه من النصر قال: وفي اليوم نفسه سمّي يوسف بن تاشفين بأمير المسلمين، ولم يكن يدعى بها قبل ذلك اهـ. قلت: مثل ما لابن أبي زرع لغير واحد. نعم في كتاب أخبار الدول وآثار الأول للقرماني أن عبد الله بن ياسين ممهد دولة الموحدين، سمّى أبا بكر بن عمر رأس قبيلة اللمتون لما بايعه بأمير المسلمين، ولا شك أن بيعته كانت قبل وقعة الزلاقة بكثير فيحتمل أن يكون الملقب أولا ابن عمر، ثم اشتهر على يوسف المبايع بعده لما لقبه به رسميا في الأندلس المعتمد بن عباد في وقعة الزلاقة، ثم أقره عليه الخليفة العباسي والله أعلم، وصار اللقب بأمير المسلمين شعار المرابطين ففي مكتبتنا طرف من الموطأ انتسخت في الرق لعلي بن يوسف بن تاشفين سنة 530 على أول بعض أجزائها: مما كتب لخزانة أمير المؤمنين وناصر الدين علي بن يوسف بن تاشفين أدام الله تأييده ونصره يحيى بن محمد بن عباد اللخمي اهـ من خطه. وفي مكتبتنا في قسم السكك دراهم ليوسف بن تاشفين، رسم عليها وصفه بأمير المؤمنين. وهو يؤيد ما في كتاب أخبار الدول وآثار الأول. لأحمد بن يوسف القرماني الدمشقي في ترجمة يوسف بن تاشفين أنه تلقب بأمير المؤمنين اهـ انظر ص 254 طبع بغداد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 ورأيت عياضا وصف ولده علي بن يوسف بن تاشفين مرارا في الغنية بأمير المؤمنين، ولما أعقبت دولة المرابطين الدولة الموحدية أعلنت بما تهوى قال ابن جزيّ في قوانينه عن عبد المؤمن بن علي الموحدي تسمى بأمير المؤمنين اهـ. وأفاد صاحب تاريخ دول الإسلام أن عبد المؤمن تسمّى بأمير المؤمنين سنة 528 واتسم بوسم الخليفة، وتبعه على ذلك بنوه، ففي مكتبتنا نسخة من اختصار الموطأ للمهدي بن تومرت وأماليه، انتسخت بفاس سنة 588 طالعتها وفيها تحلية أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن بأمير المؤمنين، ولا يستغرب ذلك في الدولة الموحدية، لأنهم تجاوزوا ذلك إلى إدعاء العصمة والمهدوية، في إمامهم ابن تومرت. ومن العجيب ما وقع في باب الأيمة من قريش من فتح الباري من أن قطري أحد أيمة الخوارج تسمى بأمير المؤمنين قال: وكذا تسمى بأمير المؤمنين من غير الخوارج؛ ممن قام على الحجاج كابن الأشعث، ثم تسمى بالخلافة من قام في قطر من الأقطار في وقت ما، فتسمى بالخلافة وليس بقرشي كبني عباد وغيرهم بالأندلس، كعبد المؤمن وذريته ببلاد المغرب كلها اهـ منه. ولكن لما جاءت الدولة المرينية محت ذلك واقتصر ملوكها على التلقيب بأمير المسلمين، وبذلك كان يدعى ملوكهم، ولذلك نجد على بناآتهم وآثارهم الوصف بأمير المسلمين لا المؤمنين تمييزا لهم عن لقب الخلفاء بالمشرق، وفي مكتبتنا مد لإخراج زكاة الفطر من آثارهم نقش في صدره ما نصه. الحمد لله- أمر بتعديل هذا المد المبارك مولانا أمير المسلمين أبو الحسن بن مولانا أمير المسلمين أبي سعيد بن مولانا أمير المؤمنين أبي يوسف بن عبد الحق أيده الله ونصره الخ. وفي مكتبتنا أيضا أوراق من ربعة مصحف كريم في الرق في آخره بالذهب: كمل الجزء السادس عشر، مما نسخ لمولانا الملك العادل التقى الأطهر، أمير المسلمين وخليفة رب العالمين، أبو سعيد بن مولانا المقدس يوسف بن عبد الحق الخ واقتدى بهم في ذلك ملوك بني زيان بتلمسان، ففي مكتبتنا ربعة مصحف انتسخها بيده السلطان أبو زيان محمد بن أبي حم سنة 801 ووقع في آخرها وصفه بأمير المسلمين. ولكن لما كانت انقطعت الخلافة ببغداد وكثر الأمراء في الجهات واستقل كل في جهته الحال الذي وصفه ابن الخطيب بقوله: حتى إذا سلك الخلافة انتثر ... وذهب العين جميعا والأثر قام بكل بقعة مليك ... وصاح فوق كل غصن ديك توسع ملوك الأطراف في التلقيب بأمير المؤمنين، وتهافتوا عليه فيما بعد وخصوصا ملوك الدولة السعدية، ففي عقود تحبيساتهم في مكتبة القرويين وصفهم بأمير المؤمنين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 كثيرا، وبالأخص يتيمة عقدهم أبو العباس المنصور، مع احترامه لملوك الترك العثمانيين وكونهم أولياء نعمته وشيوخه نراه يكتب فوق كثير من عقود التحبيس عن نفسه أمير المؤمنين ذاهبا بها قلمه كيف شاء، وهكذا الحال إلى الآن وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران: 140] . وفي مقدمة العبر لدى فصل إن اللقب بأمير المؤمنين من شعار الخلافة وأنه محدث، منذ عهد الخلفاء أنه لما تعطل دستها، وثار بالمغرب من قبائل البربر يوسف بن تاشفين ملك لمتونة ملك العدوتين، وكان من أهل الخير والاقتداء نزعت به همته إلى الدخول في طاعة الخليفة، تكميلا لمراسم دينه فخاطب المستظهر العباسي، وأوفد عليه ببيعته عبد الله بن العربي، وولده القاضي أبا بكر من مشيخة أشبيلية، يطلبان توليته إياه على المغرب، وتقليده ذلك فانقلبوا إليه بعهد الخلافة له على المغرب، واستعار زيهم في لبوس رتبة وخاطبه فيه بأمير المؤمنين تشريفا له واختصاصا، فاتخذه لقبا. ويقال إنه كان دعا له بأمير المؤمنين من قبل أدبا مع رتبة الخلافة، لما كانت عليه هو وقومه المرابطون من انتحال الدين واتباع السنة، ثم انتحل عبد المؤمن الموحدي اللقب بأمير المؤمنين، وجرى عليه من بعده خلفاء بني عبد المؤمن، وآل ابن حفص من بعدهم، استيثارا بهم عمّن سواهم، ولما انتقض الأمر بالمغرب وانتزعه زناتة «1» ، ذهب أولهم مذهب البداوة والسذاجة، واتباع لمتونة في انتحال اللقب بأمير المؤمنين، أدبا مع رتبة الخلافة التي كانوا على طاعتها لبني عبد المؤمن أولا، وبني حفص من بعدهم، ثم انتزع المتأخرون منهم إلى اللقب بأمير المؤمنين، وانتحلوه إلى هذا العهد اهـ وقوله المؤمنين لدى كلامه على يوسف بن تاشفين، وبني مرين هو كذلك في طبعتي مصر الأولى والثانية وهو تصحيف وصوابه: أمير المسلمين وهو المعروف كما أن ما ذكره من أن يوسف بن تاشفين أوفد على المستظهر العباسي ببيعته عبد الله بن العربي وولده القاضي أبا بكر الخ منقوض بأن ابن العربي ووالده ذهبا للمشرق فرارا من يوسف بن تاشفين لما سقطت دولة المعتمد بن عباد، بدليل أن عبد الله بقي بالمشرق متجولا إلى أن مات هناك إجماعا، وولده أبو بكر بقي بعده ورجع لبلده لا لمراكش وفي مدة انتقالهما وجولانهما بالمشرق اعتقلت أملاكهما عليهما إلى أن رجع أبو بكر فتشفع في ردها عليه الحافظ أبو علي الصدفي. انظر كتابنا حول كتاب العواصم لابن العربي المذكور. ذكر الفرق بين الخليفة والملك والسلطان من حيث الشرع والاصطلاح هكذا ترجم الأسيوطي [السيوطي] في حسن المحاضرة ص 108 من الجزء الثاني فذكر عن ابن سعد في الطبقات أن عمر بن الخطاب قال لسلمان: أملك أنا أم خليفة؟ فقال   (1) زنانة: اسم قبيلة بربرية معروفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 له سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهما أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة. فاستعبر عمر، وخرّج أيضا عن عمر قال: والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟ فإن كنت ملكا فهذا أمر عظيم. قال قائل: يا أمير المؤمنين إن بينهما فرقا. قال: ما هو؟ قال: الخليفة لا يأخذ إلا حقا ولا يضعه إلا في حق، وأنت بحمد الله كذلك والملك يعسف الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا فسكت عمر، وأما السلطان من حيث الإصطلاح فقال ابن فضل الله في المسالك: ذكر علي بن سعيد أن الإصطلاح أن لا تطلق هذه التسمية (السلطان) إلا على من يكون في ولايته ملوك، فيكون ملك الملوك فيملك مثلا مصر وأهل الشام أو مثلا إفريقية والأندلس، ويكون عسكره عشرة آلاف فارس أو نحوها فإن زاد بلادا أو عددا في الجيش كان أعظم في السلطنة، وجاز أن يطلق عليه السلطان الأعظم، فإن خطب له في مثل مصر والشام والجزيرة ومثل خراسان وعراق العجم وفارس ومثل إفريقية والمغرب الأوسط والأندلس كان سمته سلطان السلاطين كالسلجوقية اهـ انظر حسن المحاضرة وتاريخ القرماني ص 221. «لطيفة» وفي مناهج الألباب المصرية في مناهج الآداب العصرية أن أبا جعفر المنصور أحضر ليلة عبد الله بن علي وصالح بن علي في نفر معهما فقال عبد الله بن علي يا أمير المؤمنين إن عبد الله بن مروان لما هرب إلى بلاد النوبة «1» جرى بينه وبين ملكها كلام فيه أعجوبة سقط عني حفظه، فإن رأى أمير المؤمنين أن يرسل إليه بحضرتنا، ويسأله عما ذهب عنا، وكان في الجيش. فأرسل إليه أبو جعفر فلما دخل قال له: أخبرني بحديثك وحديث ملك النوبة. قال: يا أمير المؤمنين هربت بمن تبعني بأثاث سلم لي إلى بلاد النوبة، فلما دخلت بلادهم فرشت تلك الأثاث، فجاء أهل النوبة ينظرون معجبين إلى أن بلغ الخبر إلى ملكهم فجاءني فلما وصل قعد على الأرض قال: إنكم تشربون الخمر وهو محرم عليكم، فقلت: عبيدنا وأتباعنا يفعلون ذلك بالجهل منهم. فقال: فلم تلبسون الديباج والحرير، وتتحلون الذهب وهو محرم عليكم؟ فقلت: زال عنا الملك وإنقطعت المادة واستنصرنا بقوم من الأعاجم كان هذا زيهم فكرهنا الخلاف عليهم، فأطرق يقلب يده ويقول: عبيدنا وأتباعنا وأعاجم دخلوا في ديننا. يكرر الكلام على نفسه. ثم نظر إليّ وقال: ليس ذلك كما تقول، ولكنكم قوم ملكتم فظلمتم، وتركتم ما به أمرتم، وركنتم إلى ما عنه نهيتم، فسلبكم الله العز وألبسكم الذل بذنوبكم، ولله فيكم نقمة لم تبلغ غايتها بعد، وإني أخاف أن تنزل بكم النقمة، وأنتم ببلدي فتصيا بني معكم، فارتحلوا عن جواري، فقام أبو جعفر وقيد من كلامه قال تعالى: وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً [الإسراء: 16] اهـ. وقد ذكر القصة بمعناها أيضا المسعودي في مروج الذهب، ثم ابن خالدون في مقدمة   (1) بلاد النوبة هي في أقصى الصعيد المصري. مصححه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 العبر، وانظر المسند الصحيح الحسن في ماثر أمير المؤمنين أبي الحسن، وإيضاح المراشد في أجوبة أبي راشد كلاهما للخطيب بن مرزوق، ومقدمة كتاب القضاء من شرح التقليد للماوردي المالكي؛ فإنه حرر مواضع الخلافة، وهذب طرقها وما يحتاج إليه من ذلك، وكتاب إمام الحرمين الجويني في الخلافة، الذي سماه غياث الأمم في التياث الظلم وهو عنده مرتب على ثلاثة أركان: الركن الأول في الإمامة وما يليق بها من الأبواب، والركن الثاني في تقدير خلوّ الزمان عن الأيمة وولاة الأمة والركن الثالث: في تعذير إنقراض حملة الشريعة جملة. صنفه لغياث الدولة وهو موجود بالمكتبة الخديوية بمصر، وانظر مقدمة كتاب: نصيحة الصفا في قواعد الخلفا لأبي العباس أحمد بن محمد بن يعقوب وهو مشتمل على أبواب خمسة: الأول في معنى الخلافة الثاني في حرزها الثالث في إستقرارها الرابع في كمالها وحربها الخامس في جعلها وسيلة للفوز بالخلافة الآخروية. لطيفة أخرى: في ثمار القلوب للثعالبي: كان أبو الفتح البستي يستحسن قولي في كتاب المبهج: الملك خلافة عن الله في عباده وبلاده، ولن تستقيم خلافته مع مخالفته اهـ. وفي ترجمة أبي عبد الله المقري التلمساني من تكملة الديباج عنه أنه قال: سألني بعض الفقراء عن سوء بخت المسلمين في ملوكهم؛ إذ لم يلهم من سلك بهم الجادة، بل من يغتر بدنياه غافل عن عقباه، لا يرقب في مؤمن إلا ذمة، فأجبته بأن الملك ليس في شرعنا، بل هو شرع من قبلنا قال تعالى ممتنا على بني إسرائيل: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً [المائدة: 20] وقال: قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً [البقرة: 247] وقال: وَهَبْ لِي مُلْكاً [ص: 35] ولم يشرع لنا إلا الخلافة، فأبو بكر خليفته عليه السلام، كما فهم الناس عنه. وأجمعوا عليه، واستخلف عمر؛ فخرج عن طريق الملك الذي يرثه ولد عن والد، إلى الخلافة التي هي النظر والإختيار. ثم اتفق أهل الشورى على عثمان، وأخرجها عمر عن بنيه؛ لأنها ليست ملكا. ثم تعين علي بعد إذ لم يبق مثله، فبايعه من آثر الحق على الهوى، والآخرة على الدنيا، ثم الحسن كذلك، ثم كان معاوية أولّ من حوّلها ملكا. والخشونة لينا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل: 110] فصارت ميراثا. ثم لما خرجت عن وصفها لم تستقم ملكا. وكان عمر بن عبد العزيز خليفة لأن سليمان آثر حق المسلمين، فرغب عن بني أبيه، وعلم اجتماع الناس إليه فلم يسلك طريق الإستقامة إلا خليفة، وأما الملوك فكما ذكرت إلا من قل، وغالب حاله غير مرضي اهـ. قال الحافظ في أول كتاب الأحكام من الفتح: ومن بديع الجواب قول بعض التابعين لبعض الأمراء من بني أمية؛ لما قال له: أليس الله أمركم أن تطيعوني. في قوله: وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء: 59] فقال له: أليس قد نزعت عنكم يعني الطاعة إذا خالفتم الحق بقوله: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [النساء: 59] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 قال الطيبي أعاد الفعل في قوله: أطيعوا الرسول إشارة إلى إستقلال الرسول بالطاعة، ولم يعده في أولي الأمر إشارة إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته ثم بين ذلك بقوله: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ كأنه قيل: فإن لم يعملوا بالحق فلا تطيعوهم، وردوا ما تخالفتم فيه إلى حكم الله ورسوله اهـ. الوزير «قال القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن: الوزارة عبارة عن رجل موثوق به في دينه وعقله يشاوره الخليفة فيما يعن له من الأمور اهـ وقد صرح ابن العربي في سراج المريدين والأحكام بتحسين حديث فيه أن أبا بكر وعمر وزراء النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الأرض» . قلت: وفي القوانين لابن جزي في حق عمر: وكان هو وأبو بكر وزيرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته اهـ منها. ولا شك أن حالهما كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعطي إلا ذلك، وبما وصلاه من هذه الرتبة العظيمة إستخلفهما المسلمون بعده، وأخرج الحاكم عن ابن المسيب قال: كان أبو بكر من النبي صلى الله عليه وسلم مكان الوزير؛ فكان يشاوره في جميع أموره، وكان ثانيه في الإسلام، وثانيه في الغار، وثانيه في العريش يوم بدر، وثانيه في القبر، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم عليه أحدا. انظر ص 23 من تاريخ الخلفاء للسيوطي، وقد جاء ذكر الوزير في كثير من الأحاديث؛ أخرج النسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من وليّ منكم عملا فأراد به خيرا جعل له وزيرا صالحا فإن نسي ذكره وإن ذكره أعانه «1» . وخرّج أبو داود عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بالأمير خيرا حعل الله له وزير صدق إن نسى ذكره وإن ذكر أعانه وإن أراد الله به غير ذلك جعل الله له وزير سوء إن نسي لم يذكره وإن ذكر لم يعنه» «2» . وأصله في الصحيح. ترجم على الحديث المذكور أبو داود في سننه باب إتخاذ الوزير وأورده في الجامع الصغير، وعزاه لأبي داود والبيهقي قال المناوي في التيسير: رمز المؤلف لحسنه، ولعله لشواهده. وإلا فقد جزم الحافظ العراقي بضعفه اهـ وقال الشمس العلقمي في حواشي الجامع المسماة بالكوكب المنير بجانبه علامة الحسن، وقال أيضا قوله: وزير، الوزير هو الذي يوازر الأمير، فيحمل عنه ما يحمله من الأثقال، والذي يلتجىء الأمير إلى رأيه، فهو ملجأ له ومفزع انظر بقيته فيه، وفي عون الودود على سنن أبي داود للفنجابي: الحديث يدل على إستحباب إتخاذ الوزير عند الحاجة لأمور السياسة اهـ. وكان على الخزاعي أن يذكر هنا قول عبد الله بن مسعود وهو عند أحمد والبزار والطبراني في الكبير قال النور الهيثمي ورجاله موثّقون: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد   (1) رواه النسائي في كتاب البيعة رقم 39- 33 ج 7 ص 159. (2) رواه أبو داود تحت رقم 2932 ج 3 ص 345. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 قلب محمد خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه فبعثه برسالته، ونظر في قلوب العباد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سييء وأن يذكر أيضا ما خرّجه الآجري في أربعينه، عن عبد الرحمن بن خديج بن ساعدة رفعه: إن الله إختارني واختار لي أصحابي فجعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهارا فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا. وفي أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب للحافظ السيوطي أيضا: وأيد عليه السلام بأربعة وزراء جبريل وميكائيل وأبي بكر وعمر، وأعطي من أصحابه أربعة عشر نجباء، وكل نبي أعطي سبعة اهـ قال البدر الروضي في شرحه عليه قلت: قد جاء بيان هذه الأربعة عشر في الحديث من طرق مع إختلاف الأسماء فمنها ما جاء: لم يكن نبي قط إلا أعطي سبعة نجباء ووزراء رفقاء، وأعطيت أربعة عشر: حمزة وجعفر وأبا بكر وعمر وعليا والحسن والحسين وعبد الله بن مسعود وسلمان وعمار بن ياسر وحذيفة وأبا ذر وبلالا ومصعبا اهـ. وفي سيرة ابن فارس: وأما رفقاؤه النجباء فعلي وابناه وحمزة وجعفر وأبو بكر وعمر وأبو ذر والمقداد وسلمان وحذيفة وابن مسعود وعمار بن ياسر وبلال. وفي الاستيعاب ورد عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه لم يكن نبي إلا أعطي سبعة نجباء وزراء ورفقاء، وإني أعطيت أربعة عشر فذكرهم بأسمائهم لكنه مرة قدّم بعضهم ومرة أخر. والمقصود التسمية والعدد. وبذلك كله تعلم ما في قول أبي عبد الله اكنسوس في الجيش لما جاء الإسلام، وصار الملك خلافه، وذهب رسم الملك، وذهبت تلك الخطط اللازمة بذهابه، وبقيت المعاونة بالرأي والمفاوضة بالمصالح المستجلبة، والمفاسد المستدفعة، فلم يمكن زوال هذا. إذ هو أمر طبيعي لا بد منه، فكان صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه، ويفاوضهم في المهمات العامة والخاصة، ويخص أبا بكر بخصوصيات أخرى، حتى كان بعض العرب الذين عرفوا دول العجم قبل الإسلام كسرى وقيصر والنجاشي؛ يسمون أبا بكر وزير النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك كان عمر مع أبي بكر، وعلي وعثمان مع عمر، ولم تكن العرب تعرف لفظ الوزير في هذه المرتبة، وإنما علمها منهم من خالط العجم، هذا حاصل ما ذكره ابن خالدون اهـ وتعلم أيضا ما في نقل القلقشندي في صبح الأعشي عن القضاعي وغيره: أن أول من لقب بالوزارة في الإسلام أبو سلمة حفص بن سليمان الخلالّ وزير أبي العباس السفاح، أول خلفاء بني العباس، ولم يكن ذلك قبله. ثم جرى الأمر على ذلك في إتخاذ الخلفاء والملوك الوزراء اهـ سيما وإستعمال الوزير وقع في القرآن حكاية عن الأنبياء قبل. فعن موسى عليه السلام: وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي [طه: 29] وقال تعالى: وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً [الفرقان: 35] فتأمل ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 ذكر صاحب السر «صرّح الخطيب في تاريخ بغداد: أن حذيفة بن اليمان كان صاحب سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقع تسميته بذلك أيضا في سنن النسائي، في قصة ذهاب علقمة للشام ولقائه في دمشق لأبي الدرداء فإن أبا الدرداء قال له: أليس فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره؟» . قال في أسد الغابة: حذيفة صاحب سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين، لم يعلمهم أحد إلا حذيفة، أعلمه بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأله عمر أفي عمالي أحد من المنافقين؟ قال: نعم، واحد قال: من هو؟ قال: لا أذكره. قال حذيفة: فعزله فكأنما دل عليه اهـ. في ذكر الآذن [ الحاجب ] قلت: قال الشبراملسي في حواشي المواهب قوله: ويأذن عليه أن يراجع النبي صلى الله عليه وسلم فيمن يريد الدخول عليه، ثم يأذن له إذا علم رضى النبي بذلك، وأما من كان يأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم. «فخرّج مسلم «1» عن جابر بن عبد الله قال: جاء أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد الناس جلسوا ببابه ولم يؤذن لهم قال: فأذن لأبي بكر فدخل ثم أقبل عمر فاستأذن له، وفي كتاب أنباء الأنبياء للقضاعي: آذنه أنس بن مالك. قال ابن العربي في الأحكام: كان أنس بن مالك يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيعمل على قوله وفي ذلك دليل على أنه يجوز من الصغير، وفي الصحيح مطولا في كتاب النكاح من حديث الحسن فقال لغلام له أسود: أستأذن لعمر. وفي مختصر السير لإبن جماعة: وآذن عليه السلام رباح الأسود وأنسه مولاه» . استيذان رباح الأسود المذكور على النبي صلى الله عليه وسلم لعمر «1» ، لما كان في المشربة في صحيح مسلم أيضا، وأسد مولاه ترجمه في الإصابة ص 32 نقلا عن تاريخ جمعه العباس بن محمد الأندلسي للمعتصم بن صمادح وفيه: وكان أنس ومولاه أسد يستأذن عليه اهـ وأنسه المذكور يكنى أبا يشرح، ويقال أبا يسروح وكان يأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس، فيما حكاه مصعب الزبيري. ومات في خلافة أبي بكر رضي الله عنه. وذكر ذلك في ترجمته في الإصابة ناقلا له أيضا عن خليفة. وذكر فيه التردد هل هو أنيس أو أنسه أو التعدد، ورباح مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال في الإستيعاب: كان أسود، وربما آذن على النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا إذا انفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ عليه الإذن، وترجم في الإصابة لعبد الله بن زغب الأيادي فقال: ويقال إنه كان يأذن على النبي صلى الله عليه وسلم. ذكر حبس بعض الوافدين عن الآذن ترجم في الإصابة لمالك بن أبي العيزار فقال هو مذكور عند إبراهيم الحربي في   (1) انظر كتاب النكاح من البخاري ج 6 ص 149. وكتاب الطلاق في مسلم ص 1104/ 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 غريب الحديث عن عائذ بن سعيد الجسري قال: وفدنا على النبي صلى الله عليه وسلم فلقينا الضحاك بن سفيان وابن ذي اللحية الكلابي لم يؤذن لهما فقال: يا مالك وهو أحد الوفد إن جسرا قد أتى بها، فإذا دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل كذا وقل كذا فقال: أنا إلى الإذن أحوج مني إلى التلقين، ثم نادى مالك إئذن لوفد جسر يا رسول الله فأذن لنا. الحديث. الحاجب في العقد الفريد لإبن عبد ربه وحاجبه عليه السلام أبو أنسه مولاه اهـ منه ص 174 من ج 2 وقد تكلم في صبح الأعشى على الحجابة فقال: كان موضوعها عند الخلفاء الراشدين حفظ باب الخليفة، والإستيذان للداخلين عليه، لا للتعدي للحكم في المظالم. وقد ذكر القضاعي في تاريخ الخلائف ما يقتضي أن الخلائف لا تزال تتخذ الحجاب من لدن الصديق فمن بعده، فسمى هو وغيره شديدا وشريف مولى أبي بكر كان حاجبه، ويرفأ حاجب عمر بن الخطاب، وحمران مولى عثمان كان حاجبه أيضا نائل مولاه، وحاجب علي كرم الله وجهه قنبر، وكان قبله بشر مولاه أيضا، وفي فتح الباري: أما إتخاذ الحاجب فقد ثبت في قصة عمر في منازعة العباس وعلي أنه كان له حاجب يقال له: يرفأ ومضى ذلك في فرض الخمس واضحا اهـ من كتاب الأحكام. البواب «في الصحيح عن أنس قال: مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال: إتقي الله واصبري، قالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت: لم أعرفك فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى» «1» . قلت: بالأفراد عند البخاري في الأحكام وله في الجنائز، فلم تجد عنده بوابين بالجمع، وفائدة هذه الجملة أنه لما قيل لها: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إستشعرت خوفا وهيبة في نفسها، فتصورت أنه كالملوك، له حاجب وبوّاب، يمنع الناس من الوصول إليه، فوجدت الأمر بخلاف ما تصورته. كذا قال الطيبي. أقول: يخطر بالبال أن مرادها لم تجد بوّابه في تلك الحالة حاضرا. فلا ينافي أنه كان له من يدخل الناس عليه عليه السلام بدليل ما سبق في الآذان، وفي المواهب اللدنية: ومن تواضعه عليه السلام: أنه لم يكن له بواب راتب، ثم ذكر حديث المرأة المذكورة. قال الزرقاني: فلا ينافي وجود بوّاب أحيانا لأمر ما. ثم قال في المتن: لكن في حديث أبي موسى الأشعري: أنه كان بوابا للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لما جلس على القف بضم الفاء (الدكة تجعل   (1) رواه البخاري في كتاب الجنائز ج 2 ص 79. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 حول البير، أو حافة البئر) وهي قصة بير أريس، فإن فيها كما في الصحيحين: فجلست عند الباب فقلت: لأكوننّ بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم. زاد البخاري في الأدب: ولم يأمرني. الحديث في مجيء أبي بكر ثم عمر ثم عثمان واستيذانه عليهم، وقوله عليه السلام في كل: إفتح له وبشره بالجنة «1» . وفي رواية أبي عوانة: أملك على الباب فلا يدخل عليّ أحد. قال القسطلاني وجمع بين القصتين: بأنه كان عليه السلام إذا لم يكن في شغل من أهله، ولا انفراد من أمره، كان يرفع حجابه بينه وبين الناس ويبرز لطالب الحاجة. أي: وإذا اشتغل بأمر نفسه اتخذ بوابا. قاله الزرقاني. وفي حديث عمر حين إستأذن له رباح الأسود حين آلى من نسائه شهرا كفاية اهـ وفي باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها من كتاب النكاح من فتح الباري على قول عمر فقلت لغلام له أسود: إستأذن على عمر فدخل الغلام، فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع فقال: كلمات النبي صلى الله عليه وسلم وذكرتك له فسكت، فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر، ثم غلبني ما أجد فقلت للغلام إستأذن لعمر فدخل ثم رجع فقال قد ذكرتك، فصمت فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد، فجئت الغلام فقلت إستأذن لعمر فدخل ثم رجع إليّ فقال قد ذكرتك له فصمت فلما وليت منصرفا قال: إذا الغلام يدعوني فقال قد أذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم «2» . قال الحافظ على قوله: فقلت لغلام له أسود وفي رواية عبيد بن حنين فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربة يرقى عليها بعجلة وغلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسود على رأس العجلة، واسم هذا الغلام رباح بفتح الراء وتخفيف الموحدة، سماه ضحاك في روايته ولفظه: فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا على أسكفة المشربة مدلي رجليه على نقير من خشب، وهو جذع يرقي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر وعرف بهذا تفسير العجلة المذكورة في رواية غيره والأسكفة في رواية: بضم الهمزة والكاف بينهما مهملة، ثم فاء مشددة وهي عتبة الباب السفلى وقوله: على نقير بنون ثم قاف بوزن عظيم أي منقور ووقع في بعض روايات مسلم بفاء بدل النون وهو الذي جعلت فيه بين كالدرج اهـ. ثم قال الحافظ آخر الترجمة وفيه: جواز إتخاذ الحاكم عند الخلوة بوابا يمنع من يدخل إليه بغير إذنه، ويكون قول أنس الماضي في كتاب الجنائز، في المرأة التي وعظها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تعرفه، ثم جاءت إليه فلم تجد له بوابين، محمولا على الأوقات التي يحلس فيها للناس. قال المهلب: وفيه أن للإمام أن يحتجب عن بطانته وخاصته، عند الأمر يطرقه من جهة أهله حتى يذهب غيظه، ويخرج إلى الناس وهو نشيط إليهم. فإن الكسير إذا إحتجب لم يحسن الدخول إليه بغير إذنه، ولو كان الذي يريد أن يدخل جليل القدر عظيم المنزلة عنده اهـ.   (1) رواه البخاري في كتاب الأدب ج 7 ص 123، ج 4 ص 201. (2) رواه البخاري مختصرا في كتاب تفسير القرآن سورة التحريم: ج 6 ص 70 بدون المقدمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 ثم قال الحافظ: وفيه أن الحاجب إذا علم منع الآذن بسكوت المحجوب لم يأذن، وفيه مشروعية الإستيذان على الإنسان وإن كان وحده لإحتمال أن يكون على حالة يكره الإطلاع عليها، وفيه جواز تكرار الإستيذان لمن لم يؤذن له إذا رجا حصول الإذن، وأن لا يتجاوز به ثلاث مرات كما سيأتي إيضاحه في كتاب الإستيذان في قصة أبي موسى مع عمر، ولا إستدراك على عمر في هذه القصة؛ لأن الذي وقع من الإذن له في المرة الثالثة وقع إتفاقا ولو لم يؤذن له فالذي يظهر أنه كان يعود إلى الإستيذان لأنه صرح كما سيأتي أنه لم يبلغه ذلك الحكم اهـ من الفتح. وفي كتاب الأحكام من الفتح أيضا على قول البخاري باب ما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب قال المهلب: لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم بواب راتب، يعني: فلا يرد ما مضى في المناقب من حديث أبي موسى أنه كان بوابا للنبي صلى الله عليه وسلم لما جلس على القف، قال: فالجمع بينهما أنه إذا لم يكن في شغل من أهله، ولا إنفراد لشيء من أمره، أنه كان يرفع حجابه بينه وبين الناس، ويبرز لطالب الحاجة إليه. وقال الطبري: دل حديث عمر حين إستأذن له الأسود أنه عليه السلام كان في وقت خلوته يتخذ بوابا، ولولا ذلك لاستأذن عمر لنفسه اهـ انظر بقيته فيه. تنبيه: لما قسم القرافي البدع إلى أقسام خمسة، وذكر القسم الثالث وهو ما تناولته قواعد الندب وأدلته قال: كإقامة صور للأيمة والقضاة وولاة الأمور؛ على خلاف ما كان عليه الصحابة، بسبب أن المقاصد الشرعية والمصالح لا تحصل إلا بعظمة الولاة في نفوس الناس، وكان الناس في زمن الصحابة معظم تعظيمهم إنما هو بالدين، ومن سابق الهجرة حتى اختل النظام، وذهب ذلك القرن، وحدث قرن آخر لا يعظمون إلا بالصور، فتعين تفخيم الصور كي تحصل المصالح، وكان عمر يأكل خبز الشعير والملح، ويفرض لعامله نصف شاة كل يوم، لعلمه أن الحالة التي هو عليها لو عملها غيره لهان في نفوس الناس، وتجاسروا عليه بالمخالفة، فاحتاج إلى أن يضع غيره في صورة أخرى تحفظ النظام، ولذلك لما قدم الشام وجد معاوية قد اتخذ حاجبا واتخذ المراكب النفيسة والثياب الهائلة العلية، وسلك ما سلكه الملوك، سأله عن ذلك فقال له: إنا في أرض ونحن فيها محتاجون لهذا، فقال: لا آمرك ولا أنهاك «1» . ومعناه: أنت اعلم بحالك هل محتاج إلى هذا فيكون حسنا أو غير محتاج إليه فلا يكون حسنا. فدل ذلك من عمر وغيره على أن أحوال الأيمة وولاة الأمر تختلف باختلاف الأمصار، والأعصار والقرون والأحوال، فلذلك يحتاجون إلى تجديد زخارف وسياسات لم تكن قديما، وربما وجبت في بعض الأحوال اهـ ونقله المنجور [كذا] في المنهج وأقره وزاد أن الأيمة في كلامه شمل الإمامة الكبرى والصغرى وهو حسن جدا.   (1) رحم الله عمر لو كان نهاه لكان منسجما مع قولته المعروفة: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله. مصححه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 ذكر من تولى خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحرار والموالي قلت: قال في شرح المواهب: الخادم كان غلاما أو جارية اهـ وقد عدهم العامري في بهجة المحافل أحد عشر. «وقال ابن جماعة في مختصر السير في ذكر من خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم: أبو حمزة أنس بن مالك وهند وأسماء إبنة حارثة الأسلميان، وربيعة بن كعب الأسلمي، قال أبو الفرج ابن الجوزي في مختصر الحلية: ربيعة بن كعب الأسلمي كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبيت على بابه لحوائجه. وفي الإستيعاب: كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر» . قلت: وفي مسلم عنه قال: كنت أبيت على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطيه الوضوء، وفي شرح المواهب قال الواقدي: لم يزل مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قبض فخرج من المدينة. وترجم في در السحابة لمهاجر مولى أم سلمة يكنى أبا حذيفة فقال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس سنين لم يقل لشيء صنعته لم صنعته؟ ولم يقل لشيء تركته لم تركته؟ اهـ. ذكر من كان يخدمه عليه السلام من مواليه (والموالى) جمع مولى، يطلق على المعتق بالكسر والمعتق بالفتح وهو المراد هنا. وفي بهجة الخ: إعلم أن هؤلاء الموالي لم يكونوا موجودين في وقت واحد للنبي صلى الله عليه وسلم، بل كل شخص منهم في وقت. وفي بهجة المحافل في فصل مواليه صلى الله عليه وسلم أنهم وصلوا إلى واحد وثلاثين. وعد منهم زيد بن حارثة وأسامة بن زيد وأبا أنجشه ثم أنيسة ثم شقران ورباح، ويسار وأبو رافع القبطي، أبو مويهبة كركرة، زيد، هلال بن يساف، طهمان، مأبور القبطي، واقد أبو واقد، هشام، وأبو ضميرة عيب [كذا] عبيدة، أبو هند، أنجشة، أبو لبابة، رويفع. وكان له من الإماء سبع إحدا هن سلمى، وأوصلهم إلى العدد المذكور أيضا المحب الطبري في الخلاصة وفي المواهب عن ابن الجوزي مواليه 43 واماؤه إحدى عشرة قال الزرقاني: زاد غيره عليه عشرة فيهما، وأفرد ذلك بالتصنيف اهـ انظر الألفية وشروحها وسمط الجوهر الفاخر. تنبيه: قال الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات: إعلم أن هؤلاء الموالي لم يكونوا موجودين في وقت واحد للنبي صلى الله عليه وسلم، بل كان بعض منهم في وقت والله أعلم اهـ. ذكر الموالي الذين أعتقهم عليه السلام في مرضه وفي نور النبراس نقلا عن أبي طاهر المخلص راويا بسنده إلى سهل بن يوسف عن أبيه عن جده قال: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه أربعين رقبة، ووقف على نور النبراس الحافظ أبو العلاء العراقي بخطه: أعتق صلى الله عليه وسلم في مرضه أربعين رقبة اهـ وعقد في سمط الجوهر الفاخر ترجمة لذكر مواليه صلى الله عليه وسلم الذين أعتقهم إشتملت على أربع ورقات. ونقل عصرينا المحدث الأثري نور الحسن خان بن الأمير صديق حسن خان في شرحه على بلوغ المرام عن النجم الوهاج أنه صلى الله عليه وسلم أعتق 63 نسمة عدد سني عمره عليه السلام، وسماهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 قال: وأعتقت عائشة 69 وعاشت كذلك وأعتق أبو بكر كثيرا وأعتق العباس سبعين عبدا رواه الحاكم. وأعتق عثمان وهو محاصر عشرين وأعتق حكيم بن حزام مائة مطوقين بالفضة، وأعتق عبد الله بن عمر ألفا وأعتق عبد الرحمن بن عوف ثلاثين ألف نسمة اهـ. ذكر من كان يوقظه عليه السلام إذا نام ويستره إذا اغتسل في سمط الجوهر الفاخر في حق عبد الله بن مسعود قيل: كان يوقظه عليه السلام إذا نام، ويستره إذا اغتسل، ويرحل له راحلته إذا سافر، ويماشيه الأرض اهـ وفي قصة الفتح واغتساله عليه السلام: وإذا فاطمة بنته تستره. ذكر من كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد حاجته داخل منزله كان يتولى له ذلك عليه السلام أهله، صرّح بذلك الحافظ ابن حجر في الفتح قائلا: الأخلية التي في البيوت كانت خدمته فيها متعلقة بأهله اهـ راجع باب حمل العنزة ص 221 من ط الأولى ونحوه للقسطلاني. ذكر من كان يبيت على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال في طبقات ابن سعد عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت أبيت عند باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعطيه وضوءه فأسمع الهويّ من الليل: سمع الله لمن حمده، وأسمع الهويّ من الليل: الحمد لله رب العالمين انظر ص 44 من ج 4 «1» . وحديث كعب المذكور خرّجه أبو داود في باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم آتيه بوضوئه وبحاجته قال: سلني. قلت: مرافقتك في الجنة. قال: أو غير ذلك؟ قال فأعني على نفسك بكثرة السجود «2» . قال المنذري في إختصارها أخرجه مسلم والنسائي وأخرج الترمذي وابن ماجه طرفا منه وليس لربيعة في كتبهم سوى هذا الحديث. وفي ترجمة الهيثم ابن نصر الأسلمي من الإصابة عنه قال: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم ولزمت بابه في قوم محاويج، فكنت آتيه بالماء من بير أبي الهيثم، وكان ماؤها طيبا. استخدامه عليه السلام في ذلك امرأة أخرج الحسن بن سفيان في مسنده والحاكم والدارقطني وأبو نعيم من حديث أبي مالك النخعي عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن أم أيمن قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل إلى فخارة في جانب البيت فبال فيها، فقمت من الليل وأنا عطشانة فشربت ما فيها، وأنا لا أشعر فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم قال يا أم أيمن: قومي فأهرقي ما في تلك الفخارة.   (1) ورواه أحمد أيضا ج 4 ص 78. طبعة المكتب الإسلامي ومسلم في كتاب الصلاة باب 43 ص 353/ 1. (2) رواه أبو داود في كتاب التطوع ج 2 ص 78 ورقمه 1320. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 فقلت: قد والله شربت ما فيها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال: أما والله لا يجعر أي لا يصيب بطنك أبدا. استخدامه عليه السلام غلاما يهوديا ففي الصحيح عن أنس أن غلاما يهوديا كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فعاده عليه السلام فعرض عليه الإسلام فأسلم فمات [انظر: كتاب الجنائز ج 2 ص 97] . وفي العتبية من أمهات المذهب المالكي: عن زياد بن شبطون من أصحاب مالك أن اسم هذا الغلام عبد القدوس؛ انظر من اسمه عبد القدوس في الإصابة، وترجمه العلامة ابن زكري في كتابه: الفوائد المتبعة في العوائد المبتدعة فانظره. تنبيه: بعد أن ذكر الحافظ الشامي عدة أحاديث فيها أنه عليه السلام كان ربما يحلب شاته، ويخيط ثوبه ويسلخ شاته، ويخدم نفسه قال: وهذا يتعين حمله على أوقات، فإنه ثبت أنه كان له خدم، فتارة بنفسه وتارة بغيره وتارة بالمشاركة اهـ. الأشياء التي كان عليه السلام لا يكلها إلى أحد من خدمه خرج ابن سبع عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكل صدقته إلى غير نفسه حتى يكون هو الذي يضعها في يد السائل. ورواه ابن ماجه عن ابن عباس، وروى ابن سعد بن زياد مولى عياش بن أبي ربيعة قال: خصلتان كان لا يكلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد؛ الوضوء من الليل حين يقوم، والسائل يقوم حتى يعطيه. ذكر الذين قام بخدمتهم المصطفى بنفسه قال في المقالات السنية: والمصطفى غيثه عمّ الوجود فمن ... هـ الكون في نصح والخلق في نعم بادي البشاشة للوفود، راحته ... أنمى لدى آمل من هاطل الديم وفد النجاشي طه قام يخدمهم ... بنفسه حين حلّوا ساحة الكرم قالت صحابته: نكفيك قال: أنا ... أحق للمكرمين الصحب بالخدم أما هم المكرمو صحبي وقد ذهبوا ... مهاجرين إليهم، في ديارهم وقال ابن ليون التجيبي في الانالة: الأصل في خدمة المشايخ من دونهم؛ أنه عليه السلام قام يخدم وفد النجاشي. قلت: قيام المهاجرين يفرجون عنه صلى الله عليه وسلم عند الإزدحام؛ في مسند عائشة من مسند أحمد عروة عن عائشة قالت: إن أمداد العرب كثروا على النبي صلى الله عليه وسلم حتى غموه وقام إليه المهاجرون يفرجون عنه حتى قام على عتبة عائشة فرهقوه فأسلم رداءه في أيديهم ووثب على العتبة فدخل وقال: اللهم ألعنهم فقالت عائشة يا رسول الله هلك القوم فقال كلا والله يا بنت أبي بكر لقد إشترطت على ربي عزّ وجلّ شرطا لا خلف له، فقلت إنما أنا بشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 أضيق كما يضيق البشر فأي المؤمنين بدرت إليه مني بادرة فأجعلها له كفارة انظر ص 107 من الجزء السادس «1» . ذكر صاحب الوساد [المخدة] قلت: وهي بكسر الواو واقتصر عليه في المصباح، وفي القاموس: أنه يثلث كان ابن مسعود هو المولى لها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، «وقع ذلك في الصحيح، في قصة ذهاب علقمة إلى الشام ولقائه لأبي الدرداء» . قلت: في كتاب الوضوء من الصحيح، من قول أبي الدرداء خطابا لأهل العراق: فيكم صاحب الطهور والوساد، بلا هاء وهي المخدة كما للقسطلاني. وقال الخفاجي في شرح الشفا الوسادة: ما يتوسد أي يوضع تحت الرأس، وهي التي تسمى مخدة اهـ. في إدناء النبي صلى الله عليه وسلم الوساد للداخل «أدناها النبي صلى الله عليه وسلم إلى سلمان حين دخل عليه وقع ذلك في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لابن حيان الأصبهاني» . قلت: وفي السيرة الشامية معزوا إلى ابن سعد أن عديّ بن حاتم، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فسلّم عليه وهو في المسجد. ثم قال: من الرجل؟ قال: عدي بن حاتم. فانطلق به إلى بيته، وألقى له وسادة. وقال: إجلس عليها. قال الخفاجي على الشفا: وهذا يدل على أن الوسادة فراش لا مخدة، ولا عبرة بتفسير الجوهري لها بالمخدة فقط اهـ. وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن أنس وضعفّ: أن عدي بن حاتم لما دخل على المصطفى ألقى إليه وسادة وجلس هو على الأرض، فقال: أشهد أنك لا تبغي علوا في الأرض ولا فسادا، ثم أسلم. وفي رواية أخرى فقيل له: يا نبي الله لقد رأينا منظرا لم نره لأحد. فقال: هذا نعم هذا كريم. فإذا أتاكم كريم قوم فأكرموه، وقد روى الحديث المذكور من طريق عدي بن حاتم الدولابي في كتاب الكنى والألقاب، وقال الذهبي: في الميزان عنه أنه منكر، وقد ذكره في الجامع الصغير من طرق عدة من الصحابة ولكن قال الذهبي في مختصر المدخل: طرقه كلها ضعيفة، وله شاهد مرسل وحكم ابن الجوزي بوضعه، وتعقبه العراقي ثم تلميذه ابن حجر بأنه ضعيف لا موضوع، وخرّجه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح الإسناد. والوسادة إحدى الأمور التي نهى صلى الله عليه وسلم عن ردها، في حديث الترمذي: ثلاث لا ترد اللبن والوساد والدهن «2» . وأنشد بعضهم: قد كان من سيرة خير الورى ... صلى عليه الله طول الزمن أن لا يرد الطيب والمتكا ... والتمر واللحم معا واللبن   (1) وفي طبعة المكتب الإسلامي: ج 6 ص 124. (2) ذكره في التيسير وعزاه للترمذي عن ابن عمر وحسنّه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وأوصلها الحافظ السيوطي إلى سبع فقال: عن المصطفى سبع يسنّ قبولها ... إذا ما بها قد أتحف المرء خلّان فحلوّ وألبان ودهن وسادة ... ورزق لمحتاج، وطيب وريحان وفي طبقات الشعراني عن سفيان بن عيينة: ماء زمزم بمنزلة الطيب لا يرد، وفي الرسالة العلمية لابن ليون التجيبي: وأما الإتكاء ففي سنن أبي داود «1» عن جابر بن حمزه قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته فرأيته متكئا ووسادة على يساره، وكان أبو سعيد الخدري يجلس على البساط ويتكىء على الوسادة. وفي شرح الطريقة المحمدية للعارف النابلسي نقلا عن الهداية من كبار كتب الحنفية: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس على مرفقة حرير، وهي بضم الميم وسادة الإتكاء، وخرّج ابن سعد في الطبقات؛ في ترجمة ابن عباس عن راشد مولى لبني عامر قال: رأيت على فراش ابن عباس مرفقة حرير. وخرّج أيضا عن مؤذن بني وداعة قال: دخلت على ابن عباس وهو متكىء على مرفقة حرير، وسعيد بن جبير عند رجليه وهو يقول: أنظر كيف تحدث عني، فإنك حفظت عني كثيرا اهـ وفي أصول البدائع في أصول الشرائع لأبي بكر الكاساني، بعد ذكره قصة ابن عباس: وروي أن أنسا حضر وليمة فجلس على وسادة حرير، عليها طيور فدل فعله على رخصة الجلوس على الحرير، وعلى الوسادة الصغيرة التي عليها صور اهـ انظر باب الإستحسان. ذكر صاحب النعلين «في مختصر السير لإبن جماعة ونحوه في المواهب وغيرهما: كان عبد الله بن مسعود صاحب نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا قام صلى الله عليه وسلم ألبسه إياهما، وإذا جلس جعلهما في ذراعيه حتى يقوم» . قلت: خرّج ذلك الحرث وابن أبي عمر من مرسل القاسم بن عبد الرحمن وزاد: فإذا قام ألبسه نعليه في رجليه، ومشى حتى يدخل الحجرة قبله. قال الزرقاني على المواهب: على قوله: جعلهما في ذراعيه: وكان حكمة ذلك تخلية يديه لخدمة المصطفى إن احتاج، ويشغلهما بالطاعة إذا أرادها بهما اهـ ص 341 وأصله لشيخه الشبراملسي. وفي فتح المتعال للإمام أبي العباس المقري: ثبت أن عبد الله بن مسعود كان صاحب النعلين والسواك والوساد والطهور كما في الصحيح، وكان يلي ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم نعليه إذا قام، ويجعلهما في ذراعيه إذا جلس حتى يقوم النبي صلى الله عليه وسلم. وروى محمد بن يحيى عن القاسم قال: كان عبد الله بن مسعود يقوم إذا جلس النبي صلى الله عليه وسلم؛ ينزع نعليه من رجليه، ويدخلها في ذراعيه، فإذا قام ألبسه إياهما فيمشي بالعصا أمامه حتى يدخل الحجرة. وقد ذكر جماعة منهم ابن سعد أن أنس بن مالك كان صاحب نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإداوته. قال الحافظ بن حجر عند ما تكلم على حديث: أليس فيكم   (1) أخرجه في كتاب اللباس ص 380/ 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 صاحب النعلين ما نصه: والمراد بصاحب النعلين وما ذكر معهما عبد الله بن مسعود، لأنه كان يتولى خدمة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. فصاحب النعلين في الحقيقة هو النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل لإبن مسعود: صاحب النعلين مجازا لكونه كان يحملهما اهـ. وقال البيضاوي كما في قوت المغتذي على جامع الترمذي: أي كان يخدم المصطفى ويلازمه في حالاته كلها، فيحمل مطهرته في قيامه لوضوئه، ويأخذ نعليه فيضعهما صونا لوقت اللبس اهـ. وفي كون ابن مسعود كان صاحب النعال [أنشدني] بوصيري العصر أبو المحاسن يوسف بن إسماعيل النبهاني البيروتي لنفسه ببيروت سنة 1324: إني خدمت مثال نعل المصطفى ... لأعيش في الدارين تحت ظلالها سعد بن مسعود بخدمة نعله ... وأنا السعيد لخدمتي لمثالها وفي المقالة الحادية والعشرين من المقالات السنية في مدح خير البرية ناظما لمحصل ما نقلنا عن المقري: يقوم ينزع نعلي ذي الوسيلة من ... رجليه يدخلهما الهمام ذو النعم أي في ذراعيه حتى قام ألبسه ... إياهما ثم يمشي ثابت القدم أمام أحمد بالعصا فيدخله ... للحجرة إحدى الهدى المخصوص بالخدم تنبيه: في ابن غازي على الصحيح أن العرب في الجاهلية كانوا يلبسون النعال غير مدبوغة، إلا أهل السعة منهم اهـ ولذا إستغرب من رأى ابن عمر يلبس النعال السبتية، وهي التي ليس فيها شعر. فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها اهـ وقد أفرد ما يتعلق بالنعال النبوية بالتأليف جماعة من الأعلام؛ كأبي اليمن بن عساكر، والسراج البلقيني، والبستي والشمس محمد بن عيسى المقري صاحب كتاب قرة العينين في تحقيق أمر النعلين وغيرهم، وأشهرهم الإمام أبو العباس المقري التلمساني دفين مصر له النفحات العنبرية في وصف نعلي خير البرية «1» . كما أن تأليفه في العمامة النبوية ألفه عند رأسه عليه السلام بالمسجد النبوي. قلت: في السيرة الشامية (سيرته صلى الله عليه وسلم في غمز الظهر من السقطة والقدمين) . روى أبو نعيم في الطب عن عمر قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وحبشي يغمز ظهره. قلت: ما هذا يا رسول الله. قال: إن الناقة تقحمت بي البارحة، وفي لفظ يغمز ظهره فسأل عمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الناقة أتعبتني. الحديث المذكور خرّجه الطبراني في المعجم الصغير، فيمن إسمه إبراهيم. وكذا في الأوسط. قال القاري في شرح عين العلم: إسناده ضعيف اهـ.   (1) ذكر المؤلف رحمه الله هنا اسم كتاب آخر في الموضوع نفسه رأيت حذفه تجنبا للتكرار من جهة وكراهية للجناس والسجع بين اسم من أسماء الله الحسنى وبين ما يلبس في الرجل. مصححه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وفي المقاصد الحسنة حديث غمز القدم ونحوه أورده الدارقطني في الأفراد عن ابن عباس، قال: كنت عند أبي ابن كعب أغمز، فذكر حديثا في قراءة آية وروى فيه عن أبي زيد قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أدن فامسح ظهري فدنوت ومسحت ظهره. مضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجم في الإصابة حمارا فذكر عن الصحيح أن إسمه عبد الله، ويلقب بحمار، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن أبي يعلى عن زيد بن أسلم؛ أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم العكة من السمن، أو العسل، ثم يجيء بصاحبها فيقول: أعطه الثمن. قال الحافظ: وقع نحو ذلك للنعمان فيما ذكره الزبير بن بكار في كتاب «الفكاهة والمزاح» . وترجم في الإصابة أيضا لسويبط بن حرملة العبدري، وذكر قضايا من أفعاله، فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحك هو وأصحابه منها حولا. وفي فوائد الدرر وفرائد الفكر، في شرح مختصر السير، للفقيه المحدث القاضي أبي علي حسن بن بلقاسم بن باديس القسمطيني، لما ترجم لسودة زوجه عليه السلام قال: وكانت تضحك النبي صلى الله عليه وسلم؛ قالت له: صليت البارحة خلفك يا رسول الله، فركعت فأمسكت بأنفي مخافة الدم أن يقطر فضحك اهـ منه. ملاعبة الإمام أقاربه الصغار ترجم في الإصابة لكثير بن عباس بن عبد المطلب فقال: خرّج أبو علي بن السكن وابن مندة عن كثير بن العباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمعنا أنا وعبد الله وقثم وآخر فيفرج بين يديه ويقول: من سبق فله كذا، وخالفه غيره فقال: كان يصف عبد الله وعبيد الله وكثيرا أولاد العباس ويقول: من سبق فله كذا وهذا أقوى. الرجل يعلم الوفد كيف يحيّون المصطفى صلى الله عليه وسلم ذكر ابن إسحاق في قصة وفد ثقيف سنة تسع أنه خرج بهم عبد ياليل وهو صاحب أمرهم، فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة وجدوا المغيرة بن شعبة، فانثاب «1» ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم، فلقيه أبو بكر فقال: أقسمت عليك بالله لا تسبقني إلى رسول الله، حتى أكون أنا أحدثه، ففعل المغيرة فدخل أبو بكر فأخبره بقدومهم عليه، ثم خرج إليهم فروّح الظهر معهم، فعلمهم كيف يحيّون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفعلوا إلا تحيّة الجاهلية. انظر الهدى لإبن القيم ص 458 ج 1 وعلى المواهب ص 6 من ج الرابع وفي تفسير المولى أبي السعود الحنفي: كان أبو بكر رضي الله عنه إذا قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفود أرسل من يعلمهم كيف يسلّمون، ويأمرهم بالسكينة والوقار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ وهذا يفهمنا أيضا أن أبا بكر كان يشغل أيضا وظيفة [تشبه] مدير التشريفات اليوم.   (1) وردت في سيرة ابن هشام: ضبر بمعنى وثب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 القسم الثاني في العمليات الفقهية وأعمال العبادات وما يضاف إليها من عمالات المسجد وعمالات الطهارة وما يقرب منها، وفي الإمارة على الحج وما يتصل بها وفيه وظائف: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 في العمليات الفقهية وأعمال العبادات قلت: هاهنا قاعدة في الموظفين الشرعيين: يصلح للمناصب الدينية كما في الفوائد كل وضيع وشريف إذا كان ذا دين وعلم، ولا يصلح لها فاسق وإن كان قرشيا، نعم يقع الترجيح إذا اجتمعا في شخص وانفرد الآخر فيما سوى النسب اهـ وقد احتج من لم يشترط القرشية في الإمام بتأمير النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة، وأسامة بن زيد وغيرهم في الحروب. وأجاب الجمهور بأن ذلك ليس من الإمامة العظمى في شيء. لأنه يجوز للخليفة إستنابة غير القرشي ولهذا ألغز التاج السبكي بقوله: من عدّ من أمراء المؤمنين ولم ... يحكم على الناس من بدو ومن حضر ولم يكن قرشيا حين عدّ ولا ... يجوز أن يتولى إمرة البشر؟ قال السيوطي: الجواب أنه أسامة بن زيد، مولى النبي صلى الله عليه وسلم أمّره على جيش فيه أبو بكر وعمر فلم ينفذ حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعثه أبو بكر إلى الشام. انظر المصباح الوهاج. ذكر معلم القرآن وفيه فصول «الفصل الأول: فيمن كان يعلم ذلك بالمدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بها ذكر أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه مشكل الصحيحين: عبادة بن الصامت فقال: كان يعلم أهل الصفة القرآن (والصفة) دكة في ظهر المسجد النبوي كان يأوي إليها المساكين وإليها ينسب أهل الصفة» . قلت: وترجم في الإصابة لوردان جد الفرات بن يزيد بن وردان، فذكر عن الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم أسلمه إلى أبان بن سعيد بن العاصي؛ ليمونه ويعلمه القرآن. وأخرج ابن عساكر عن ابن ثعلبة قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إدفعني إلى رجل حسن التعليم، فدفعني إلى أبي عبيدة بن الجراح، ثم قال: دفعتك إلى رجل يحسن تعليمك وأدبك، انظر فضائل أبي ثعلبة الخشني من كنز العمال. الفصل الثاني: وكان عليه السلام يأمر الناس أن يتعلموا الفقه والقرآن من جيرانهم؛ فقد ترجم في الإصابة لأبزى الخزاعي فخرج عنه أنه عليه السلام خطب الناس، فأثنى على طوائف من المسلمين خيرا ثم قال: ما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم، ولا يتفقهون؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وعزاه لإبن السكن وإسحاق ابن راهواه، وقد ساق الحديث مطولا الحافظ نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد: تحت باب تعليم من لا يعلم. ثم قال عن علقمة بن سعد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن جده قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأثنى على طوائف من المسلمين خيرا ثم قال: ما بال أقوام لا يفقهون جيرانهم، ولا يتفقهون، ولا يتعظون، والله ليعلمن قوما جيرانهم ويفقهونهم ويعظونهم ويأمرونهم وينهونهم، وليتعلمن قوم من جيرانهم، ويتفقهون ويتعظون أو أعاجلنهم العقوبة، ثم تولى. فقال قوم: من ترونه عنى بهؤلاء؟ قال: الأشعريين. هم قوم فقهاء، ولهم جيران جفاة من أهل المياه من الأعراب، فبلغ ذلك الأشعريين فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ذكرت قوما بخير وذكرتنا بشر، ما بالنا. قال: ليعلمن قوم جيرانهم وليفقهنهم وليعظنهم وليأمرنهم ولينهونهم وليتعلمن قوم من جيرانهم ويتعظون ويتفقهون أو لأعاجلنهم العقوبة في الدنيا فقالوا: يا رسول الله أنفطن غيرنا؟ فأعاد قولهم عليه وأعادوا أقوالهم أنفطن غيرنا؟ فقال ذلك أيضا فقالوا: أمهلنا سنة، فأمهلهم سنة ليفقهوهم ويعلموهم ويعظوهم. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ [المائدة: 78] الآية ورواه الطبراني في الكبير، وفيه بكر بن معزوف قال خ إرم به ووثقه أحمد في رواية وضعفه في أخرى وقال عدي أرجو أنه لا بأس به. الفصل الثالث: ذكر من بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجهات يعلم الناس القرآن ويفقههم في الدين. قلت: إستفتح الخزاعي فصل الفقه في الدين بفصول، أولها: في الحض على التفقه في الدين، صدّره بحديث معاوية: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين «1» ، مقتصرا على عزوه لمسلم مع أنه في البخاري. وهذا معيب منه رحمه الله، لما تقرر أن الحديث إذا كان في البخاري لا يعزى إلى غيره، وثانيها: كيف كان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم في أمور الدين، وثالثها: سؤال النساء. وهذه الفصول في نظري إستطرادية. ثم ترجم لمن بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مفقها في الدين فمنهم عنده: مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف. في سيرة ابن إسحاق؛ لما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من القوم الذين بايعوه في العقبة الأولى، قال: وهم إثنا عشر بعث معهم مصعبا، وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين، وكان يسمى المقريء بالمدينة. قلت: في الإستبصار لإبن قدامة المقدسي: لما قدم مصعب بن عمير المدينة نزل على أسعد بن زرارة فكان يطوف به على دور الأنصار، يقرئهم القرآن ويدعوهم إلى الله عزّ وجلّ، فأسلم على يديهما جماعة؛ منهم: سعد بن معاذ وأسيد بن حضير، وغيرهما. اهـ   (1) الحديث المذكور رواه البخاري في موضعين في كتاب فرض الخمس ج 4 ص 49 وفي ج 8 ص 149 كتاب الاعتصام بالسنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 وفي التهذيب للنووي لدى ترجمة مصعب هذا: هاجر إلى المدينة بعد العقبة الأولى، ليعلّم الناس القرآن ويصلي بهم، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الإثنى عشر أهل العقبة الثانية، ليفقه أهل المدينة ويقرئهم القرآن، فنزل على أسعد بن زرارة اهـ «ومنهم معاذ بن جبل في الإكتفاء لأبي الربيع الكلاعي: إستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة، وخلف معه معاذ بن جبل يفقه الناس في الدين ويعلمهم القرآن» . خرّجه ابن سعد في الطبقات عن مجاهد انظر ص 108 ج 2 من القسم 2. قلت: «وفي الإستيعاب: بعثه النبي صلى الله عليه وسلم قاضيا على الجند من اليمن، يعلّم الناس القرآن وشرائع الإسلام، ويقضي بينهم، وجعل إليه قبض الصدقات من العمال، الذين باليمن عام فتح مكة، ومنهم؛ عمرو بن حزم الخزرجي النجاري؛ في الإستيعاب إستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على نجران ليفقههم في الدين ويعلمهم القرآن، ويأخذ صدقاتهم. وذلك سنة عشر بعد أن بعث إليهم خالد بن الوليد فأسلموا، وكتب له كتابا في الفرائض والسنن والصدقات والديات اهـ» . قلت: يصح أن يستدرك هنا من المعلمين جماعة فمنهم: أبو عبيدة بن الجراح، أخرج أحمد في مسنده عن أنس قال: لما وفد أهل اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: إبعث معنا رجلا يعلّمنا السنة والإسلام، فأخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح فقال: «هذا أمين هذه الأمة» ، وسيّره «1» إلى الشام أميرا فكان فتح أكثر الشام على يده، ومنهم رافع بن مالك الأنصاري، ترجمه في الإصابة فذكر عن ابن إسحاق أنه: أول من قدم المدينة بسورة يوسف، وأن الزبير بن بكار روى في أخبار المدينة أن رافعا لما لقي المصطفى صلى الله عليه وسلم بالعقبة، أعطاه ما أنزل إليه في العشر سنين التي خلت، فقدم به رافع إلى المدينة، ثم جمع قومه فقرأ عليه في موضعه قال: وعجب المصطفى صلى الله عليه وسلم من إعتدال قلبه، ومنهم أسيد بن حضير ترجم في الإصابة لإبراهيم بن جابر فقال فيه: كان من جملة العبيد الذين نزلوا على النبي صلى الله عليه وسلم أيام حصاره الطائف، فأعتقه وبعثه إلى أسيد بن حضير، وأمره أن يمونه ويعلمه. ذكره الواقدي واستدركه ابن فتحون. وترجم في الإصابة أيضا للأزرق بن عقبة الثقفي، من عبيد الحارث بن كلدة الثقفي فذكر: أنه ممن نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في حصار الطائف، وأنه أسلم وأعتقه وسلمه لخالد بن سعيد بن العاصي ليمونه ويعلمه، ومنهم عمرو بن حزم بن زيد الأنصاري قال في الإستبصار في أنساب الأنصار: إستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على نجران، وهو ابن سبع عشرة سنة ليفقههم في الدين ويعلمهم القرآن ويأخذ صدقاتهم وذلك سنة عشر اهـ. أقول: يجب أن يذكر هنا من كان يحفظ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ستة من   (1) الضمير في سيّره هو لعمر بن الخطاب والحديث في ج 3 ص 286 وفي طبعة المكتب الإسلامي ج 3 ص 362. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 الأنصار عدّهم البيهقي هكذا: أبي بن كعب، زيد بن ثابت وأبو زيد ومعاذ وأبو الدرداء وسعد بن عبادة، رواه الطبراني والبيهقي مقيدا بالأنصار فلا ينافي أنه حفظه كثيرون، وفي الصحيحين عن أنس أنه جمع القرآن أي حفظ جميعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبي ومعاذ وأبو زيد بن ثابت. قلت لأنس: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومته. أبو زيد المذكور هو قيس بن السكن يكنى أبا زيد كنيته غالبة عليه ولا عقب له، نبّه على ذلك الموفق بن قدامة في الإستبصار في أنساب الأنصار. وفي ترجمة ثابت بن زيد بن مالك الأنصاري من الإستبصار أيضا يروي عن يحيى بن معين أنه أبو زيد الذي جمع القرآن وغير ذلك أولى اهـ منه، وفي ترجمة حنظلة بن أبي عامر من الإستبصار أيضا. روى قتادة عن أنس قال: إفتخرت الأوس فقالوا: منا غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب. ومنا من حمته الدبر عاصم بن ثابت، ومنا من كانت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت، ومنا من إهتز عرش الرحمن لموته سعد بن معاذ فقال الخزرجيون: منا أربعة قرؤا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقرأه غيرهم، أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد وأبو حنظلة اهـ. قلت: ومراد من حصرهم في أربعة من حضر في ذهنه، فلا ينافي وجود غيرهم من حفظته، كأبي بكر، وفي الفجر الساطع لدى باب القراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قول أنس: لم يجمع القرآن غير أربعة أستشكل هذا فإنه قد جمعه سواهم، ذكر أبو عبيد منهم الخلفاء الأربعة وطلحة وسعدا وابن مسعود وحذيفة وسالما وأبا هريرة وعبد الله بن السائب والعبادلة الأربعة وغيرهم، وأجيب باحتمال: أن المراد لم يجمعه على جميع وجوهه من القراآت التي أنزل بها إلّا أولئك، وأن أنسا قاله بحسب ما وصل إليه علمه، وإن كان الواقع خلافه اهـ وفي فتح الباري: الذي يظهر من كثير من الأحاديث أن أبا بكر كان يحفظ القرآن في حياته عليه السلام، وقد صح حديث «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله» «1» ، وقد قدمه النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه إماما للمهاجرين والأنصار، فدل على أنه كان أقرأهم، وكسيدنا علي فإنه جمع القرآن على ترتيب النزول، عقب موت النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن أبي داود «وانظر فتح الباري» . وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي: أخرج الخطيب في التاريخ بسنده عن محمد بن عباد قال: لم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء إلا عثمان بن عفان والمأمون اهـ. وهذا الحصر ممنوع؛ بل حفظه أيضا الصديق على الصحيح، وصرّح به جماعة منهم النووي في تهذيبه، وعليّ وورد من طريق أنه حفظه كله بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم. وفي الرياض المستطابة: جمع القرآن حفظا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة: علي،   (1) أخرجه أحمد عن أبي مسعود الأنصاري وأنس وعمرو بن سلمة انظر ج 4 ص 118 والمكتب الإسلامي ج 4 ص 164. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وعثمان، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وزيد بن ثابت، وأبو زيد الأنصاري، وتميم الداري، وعبادة بن الصامت، وأبو أيوب اهـ. ورأيت في ترجمة مجمع بن حارثة من طبقات ابن سعد ص 34 ج 1: روى الكوفيون أنه جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلّا سورة أو سورتين منه. وفي ترجمته من الإستبصار قال ابن إسحاق: كان مجمع غلاما حدثا قد جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ. وفي ترجمة شهاب القرشي مولاهم نزيل حمص من الإصابة روى ابن منده عن عبد الله بن زغب: كان شهاب القرشي أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كله، فكان عامة الناس بحمص يقرأون منه. وانظر فتح الباري، وارشاد ابن غازي، والإتقان، وشرح المواهب ص 366 من الجزء الثالث، وانظر شرح الراية للجعبري، وحاشية الشبراملسي على المواهب أيضا. (عجيبة) وبعد أن أطال في الإتقان في هذه المسألة قال: فائدة: ظفرت بامرأة صحابية جمعت القرآن، لم يعدها أحد ممن تكلم على ذلك. فأخرج ابن سعد في الطبقات عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث الأنصاري وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة، وكانت قد جمعت القرآن، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غزا بدرا قالت له: أتأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم وأمرض مرضاكم لعل الله يهدي لي شهادة؟ قال: إن الله عهد لك شهادة، وكان صلى الله عليه وسلم أمرها أن تؤم أهل دارها وكان لها مؤذن غلام لها وجارية كانت قد دبّرتها «1» ، فقاتلاها في إمارة عمر. فقال عمر صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان يقول: إنطلقوا بنا نزور الشهيدة. وذكر السيوطي في الجمع نحو ما ذكر وعزاه لإبن راهواه، وأبي نعيم في الحلية، والبيهقي. قال: وروى أبو داود بعضه اهـ. قلت: ومن تأمل هذه الترجمة علم بالضرورة أن الصحابة لم يكونوا كلهم يعلمون جميع القرآن، وإنما غالبهم كان يعلم البعض دون البعض، وممن صرح بهذا القدر بعينه الاستاذ النابلسي، في شرح الطريقة المحمدية انظر ص 253 جزء 1. ذكر من نقل عنه وجوه القراءة من الصحابة ذكر خاتمة أيمة القراآت بفاس الشمس بن عبد السلام الفاسي في محاذيه عن شرح الجعبري على الشاطبية ما نصه: الأيمة الذين نقل عنهم وجوه القراءة كثيرون في كل عصر، لا يكادون يحصون، فمنهم من الصحابة المهاجرون: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وسعد وابن مسعود وحذيفة وسالم مولى أبي حذيفة، وأبو هريرة وابن عمر وابن عباس   (1) التدبير هنا هو اصطلاح فقهي معناه: أن يصير العبد حرا متى مات سيده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وعمرو بن العاص وإبنه عبد الله، ومعاوية وابن الزبير وعبد الله بن السائب وعائشة وحفصة وأبو سلمة، ومن الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت وأبو الدرداء، وأبو زيد ومجمع بن حارثة وأنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين اهـ منه ومن خط مؤلفه نقلت. ذكر معلم الناس الكتابة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر المعلم من الرجال- المعلم المسلم «ذكر ابن عبد البر في الإستيعاب في ص 393 من مطبعة الهند عبد الله بن سعيد بن العاصي فقال: أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلم الناس الكتابة بالمدينة وكان كاتبا محسنا وفي سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت قال: علمت ناسا من أهل الصفة الكتابة والقرآن» . قلت: ونحو ما سبق عن الإستيعاب في الإصابة في ترجمة الحكم بن سعيد بن العاص بن أمية؛ نقلا عن الزبير في نسب قريش. المعلم الكافر في الروض الأنف للسهيلي في الكلام على غزوة بدر ص 92 من الجزء الثاني قال «كان من الأسارى يوم بدر من يكتب، ولم يكن من الأنصار يومئذ أحد يحسن الكتابة، فكان منهم من لا مال له، فيقبل منه أن يعلم عشرة من الغلمان الكتابة ويخلى سبيله، فيومئذ تعلم الكتابة زيد بن ثابت في جماعة من غلمان الأنصار» . وفي المطالع النصرية في الأصول الخطية لأبي الوفاء نصر الهوريني المصري: لم تكثر الكتابة العربية في المدينة إلا بعد الهجرة النبوية بأكثر من سنة، وذلك أنه لما أسرت الأنصار سبعين رجلا من صناديد قريش وغيرهم، في غزوة بدر السنة الثانية من الهجرة، جعلوا على كل واحد من الأسرى فداء من المال. وعلى كل من عجز عن الإفتداء بالمال أن يعلم الكتابة لغيره من صبيان المدينة، فلا يطلقونهم إلا بعد تعليمهم، فبذلك كثرت فيهم الكتابة، وصارت تنتشر في كل ناحية فتحها الإسلام، في حياته عليه السلام وبعده، حتى بلغت عدة كتّابه عليه السلام 42 رجلا اهـ. وذكر الماوردي في كتابه أدب الدنيا والدين نقلا عن ابن قتيبة أن العرب «كانت تعظم قدر الخط وتعده من أجل نافع «1» حتى قال عكرمة: بلغ فداء أهل بدر أربعة الاف، حتى إن الرجل ليفادي على أنه يعلم الخط؛ لما هو مستقر في نفوسهم من عظم خطره وجلالة قدره وظهور نفعه وأثره وقد قال الله لنبيه: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ [العلق: 3- 4] فوصف نفسه بأن علم بالقلم كما وصف نفسه بالكرم، وعد ذلك من نعمه العظام، ومن   (1) كذا في أصل أدب الدنيا والدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 آياته الجسام، حتى أقسم به في كتابه فقال: ن وَالْقَلَمِ فأقسم بالقلم وما يخط بالقلم» . وقد روي عن ابن عباس في قوله: ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ [الأحقاف: 4] ، قال يعني الخط. وروي عن مجاهد في قوله تعالى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ [البقرة: 269] ، يعني الخط وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة: 269] ، يعني الخط اهـ بتقديم وتأخير. قال بعضهم: وهذا يبطل ما قاله ابن خالدون عن جهلهم بالخط، فإن عكرمة كان يتكلم عن مشاهدة وابن خالدون قال ما قال عن تخمين. ذكر المعلمة من النساء «قال في الإستيعاب والإصابة: الشفاء أم سليمان بن أبي حتمة قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: علّمي حفصة رقية النملة كما علمتها الكتابة، خرّج ذلك عنها أبو داود عن الشفا. قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة، فقال: ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتها الكتابة قال الخطابي في معالم السنن. في هذا الحديث دليل على أن تعلم النساء الكتابة غير مكروه اهـ» . نقل كلام الخطابي المذكور وأقره جماعة منهم ابن طرخان في الأحكام النبوية، ونحوه للأردبيلي في الأزهار شرح المصابيح، وابن القيم في الهدى وغيرهما، وفي نور النبراس أنه وقع في عهده بدمشق أن فقيها سئل: هل يجوز أن يتعلم النساء الكتابة؟ فأجابه: لا يجوز تعليمهن الكتابة. قال الحافظ برهان الدين الحلبي: وغفل هذا المفتي عن الحديث الذي في سنن أبي داود في الطب، وقد سكت عليه أبو داود. فهو صالح عنده ثم ذكر حديث الشفا هذا اهـ. وقال الإمام مجد الدين بن تيمية في المنتقى عقب حديث الشفا المذكور في هذه الترجمة: وهو دليل على جواز تعلم النساء للكتابة. قال شارحه القاضي الشوكاني في نيل الأوطار: وأما حديث لا تعلّموهن الكتابة ولا تسكنوهن الغرف وعلموهن سورة النور فالنهي عن تعلميهن الكتابة في هذا الحديث محمول على من يخشى من تعليمهن الفتنة اهـ منه. وفي الفتاوي الحديثية للشهاب بن حجر الهيثمي الشافعي المصري أنه سئل ما حكم تعلم النساء الكتابة؟ وفي وسيط الواحدي أول سورة النور ما يدل على عدم الإستحباب هل هو صحيح أو ضعيف؟ فأجاب بقوله: هو صحيح فقد روى الحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة رفعته لا تنزلوهن الغرف، ولا تعلموهن الكتابة، يعني النساء وعلموهن الغزل وسورة النور، لما فيهن من الأحكام الكثيرة المتعلقة بهن المؤدي حفظها وعلمها، إلى غاية حفظهن عن كل فتنة وريبة كما هو ظاهر. وأخرج الحكيم الترمذي عن ابن مسعود رفعه: مرّ لقمان على جارية في الكتّاب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 فقال لمن يصقل هذا السيف؟ أي حتى يذبح به. وحينئذ فيكون فيه إشارة إلى علة النهي عن الكتابة، وهي أن المرأة إذا تعلمتها توصلت بها إلى أغراضها الفاسدة. واعلم: إن النهي عن تعليم النساء للكتابة لا ينافي طلب تعليمهن القرآن والعلوم والآداب، لأن هذه مصالح عامة من غير خشية مفاسد تتولد عليها بخلاف الكتابة. فإن قلت أخرج أبو داود عن الشفا وذكر حديث الترجمة وفيه علميها الرقية كما علمتها الكتابة وهذا يدل تعليم النساء الكتابة قلت ليس فيه دلالة على طلب تعليمن الكتابة وإنما فيه دليل على جواز تعليمهن الكتابة ونحن تقول به، وإنما غاية الأمر فيه أن النهي عنه تنزيه لما تقرر من المفاسد المترتبة عليه اهـ وحديث الشفا هذا أورده الحافظ السيوطي في الجامع الصغير بلفظ: علمي حفصة رقية النملة، وعزاه إلى أبي عبيد في الغريب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حتمة قال المناوي في شرحه الكبير فتح القدير: ورقيتها كما في الفائق قروح تخرج بالجنب فترقى فتذهب. ورده بعض أذكياء المغاربة بأنه من الخرافات التي كان ينهى عنها، فكيف يأمر بها؟ وإنما أراد الأول وأراد تأديب حفصة حيث أشاعت السر الذي استودعها إياه على ما نطق به التنزيل بقوله: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً [التحريم: 3] . وقال في التيسير: ورقيتها؛ (العروس تحتفل، وتختضب وتكتحل، وكل شيء تفتعل، غير أن لا تعصى الرجل) اهـ وفي النهاية قيل: إن هذا من لغز الكلام ومزاحه، كقوله للعجوز: لا تدخل الجنة عجوز إذ رقية النملة شيء كانت تستعمله النساء، يعلم كل من سمعه أنه كلام لا يضر ولا ينفع اهـ. «1» وفي حواشي البدر الدماميني على البخاري على حديث: ثلاث لهم أجران، رجل كانت عنده أمة يطأها فأدبها وأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها «2» ، الحديث في باب تعليم الرجل امته وأهله شرائع الدين، لأن هذا الحديث ينسحب على تعليم الإماء، فكيف بالحرائر والأقارب؟ قاله ابن المنير اهـ. وترجم البخاري عقب الترجمة السابقة باب عظة الإمام النساء وتعليمهن فذكر فيها قول ابن عباس أن المصطفي عليه السلام خرج ومعه بلال فظن أنه لم يسمع فوعظهن. قال الدماميني: هذا أصل في حضور النساء المواعيد ومجالس الخير بشرط السلامة من الفتنة اهـ. وفي الفجر الساطع على هذه الترجمة أي مطلوبية ذلك ونبه على أنه كما يطلب من الرجل أن يعلم أهله يطلب من الإمام أو نائبه أن يعلم النساء اهـ. ثم بوّب البخاري أيضا بعد ترجمتين بقوله باب هل يجعل للنساء يوما على حدة في   (1) حذفت هنا كلاما مفاده منع تعليم النساء وفيه بيتان من الشعر لا يناسب مضمونهما قيمة هذا الكتاب. مصححه. (2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير ج 4 ص 20 من حديث أبي موسى وأوله: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 العلم؟ قال في الفجر الساطع: أي تعليمه وجواب هل محذوف تقديره: نعم يجعل لهن ذلك اهـ وفي شرح الطريقة المحمدية للعارف النابلسي: وليس من التشبه المذموم دخول المرأة في شيء من طلب العلم وتعليمه وتربية المريدين، فقد كانت عائشة تعبر العلوم وتورد الإشكالات على الفحول، وقد استدركت على جماعة من الصحابة في كثير من الأحاديث، فاستدركت على عمر وابنه وأبي هريرة وابن عباس وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وابن الزبير وزيد وأبي الدرداء وأبي سعيد والبراء وفاطمة بنت قيس وغيرهم، وألّف في ذلك جمع من العلماء آخرهم الحافظ السيوطي كتابه «الإصابة فيما استدركته عائشة على الصحابة» وقال عروة بن الزبير: ما رأيت أحدا أعلم بالحلال والحرام، والعلم والشعر والطب من عائشة. وقال مسروق: لقد رأيت الصحابة يسألون عائشة عن الفرائض. رواهما الحاكم، وكذلك بقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، والنساء الصحابيات كأم سليم وأم الدرداء وفاطمة بنت قيس، وسائر النساء الصالحات والعارفات، كرابعة العدوية ورابعة الشامية وشقوانة فإنهم كانوا يأخذون العلم والأدب والزهد عنهن، كما كانوا يحملونه عن الرجال، كما يؤخذ ذلك من سيرهن المذكورة في كتب الحديث والتاريخ. وقد رئي من اجتهادهن في العبادة وتدقيقهن في الورع، ما عجزت عنه الرجال اهـ منه. وقد ثبت عن كثير من نساء أهل الصحراء الأفريقية خصوصا شنقيط موريتانيا وتنبكتو وكنت العجب، حتى جاء أن الشيخ المختار الكنتي الشهير صاحب الطريقة الشهيرة به ختم المختصر الخليلي يوما للرجال وختمته زوجته في جهة أخرى للنساء، وفيهما ألف ولدهما الإمام العلامة أبو عبد الله محمد بن الشيخ المختار كتابه «الطريفة والتالدة في مناقب الشيخ الوالد والشيخة الوالدة» وهو في مجلد ضخم، وانظر الكلام على حكم تعليم النساء في شرح المجاجي على مختصر بن أبي جمرة للصحيح، والآداب الكبرى لابن مفلح الحنبلي، ورسالة عصرينا محدث الهند الشيخ محمد شمس الحق الألهابادي المسماة: عقود الجمان في جواز الكتابة للنسوان، وهي مطبوعة وشرح الوغليسية لزرّوق، وشرح أبي علي بن رحال على المختصر، ثم كتاب الدر المنثور في طبقات ربات الخدور، لإحدى الكاتبات المصريات المتأخرات زينب بنت فواز وهو في مجلد ضخم، ويعجبني أن أثبت هنا قول عصرينا الشاعر المصري المشهور وهو الشيخ مصطفى صادق الرافعي «1» : يا قوم لم تخلق بنات الورى ... للدرس والطرس وقال وقيل لنا علوم ولها غيرها ... فعلموها كيف نشر الغسيل والثوب والإبرة في كفها ... طرس عليه كل خط جميل   (1) إعجاب المؤلف بأبيات الرافعي فيها عجب، فقد ذكر النقيضين، فهو من جهة يؤيد تعليم النساء ومرة أخرى يعجب بمن يعارض ذلك؟. مصححه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 فائدة: ظفرت في تونس بجزء للحافظ أبي الفرج بن الجوزي سماه «ري الظما فيمن قال الشعر من الإماء» قال في أوله: كان الوزير أطال الله بقاءه ذاكرني منذ أيام فيمن قال الشعر من الإماء المماليك، وأمرني أن أجمع له ما وقع من أخبارهم، في الدولتين الأموية والعباسية، ولم أجد في الدولة الأموية منهن شاعرة مذكورة ولا خاملة، لأن القوم لم يكونوا يجيزون من في شعره لين، ولا رضوا إلا بما يجري من الشعر مجرى الجزل المختار الفصيح، وإنما شاع هذا في دولة بني هاشم، فذكرت منهم من وقع إلي له خبر مستحسن، أو شعر صالح. ورسمت ذلك على قدر مراتبهن في أشعارهن وأزمانهن، وبالتتبع وجدته ذكر فيه أخبار وأشعار نحو الثلاثين شاعرة من الإماء، ولا يذكر عنهم إلا ما اتصل به إسناده. وهذا يدل على حفظ كبير وإطلاع تام. ترجم في الإصابة للشفاء المذكورة فقال: كانت من عقلاء النساء وفضلائهن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيها ويقيل عندها في بيتها، وكانت قد اتخذت له فراشا ينام فيه، فلم يزل ذلك عند ولدها حتى أخذه منهم مروان، وأقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم دارها عند الخياطين، وكان يقدمها في الدار ويرضاها ويفضلها، وربما ولاها شيئا من السوق اهـ ونحوه للمنذري في اختصار سنن أبي داود. اتخاذ الدار ينزلها القراء ويستخرج منه اتخاذ المدارس «ذكر أبو عمر بن عبد البر في باب «العبادلة» من الإستيعاب: ص 347 عبد الله بن أم مكتوم الأعمى، القرشي العامري، فقال نقلا عن الواقدي: قدم المدينة مع مصعب بن عمير بعد بدر بيسير فنزل دار القرّاء اهـ» . في ترجمة ابن أم مكتوم من طبقات ابن سعد: قدم المدينة مهاجرا بعد بدر بيسير، فنزل دار القراء. وهي دار مخرمة بن نوفل اهـ انظر ص 150 ج 4. ذكر المفتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع في الموطأ «1» عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني، أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أحدهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني سألت أهل العلم فأخبروني الخ. القصة وهي صريحة في أن هناك من كان يترافع إليه الناس في زمنه عليه السلام، ثم إذ لم يرضهم الحكم ترافعوا (استأنفوا) النازلة عنده عليه السلام. «وقد ترجم أبو الفرج بن الجوزي في كتابه المدهش فقال: تسمية من كان يفتي في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر، عمر، عثمان، علي، عبد الرحمن بن عوف، ابن مسعود، معاذ بن جبل، حذيفة زيد بن ثابت، أبو الدرداء، أبو موسى، سلمان» .   (1) انظر كتاب الحدود رقم 41 ص 822 ج 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 قلت: وهكذا سمّاهم ابن الجوزي في كتابه العجيب المسمى بالتلقيح أيضا، وهو كتاب عجيب من أندر كتبه وعندي منه نسخة. وفي ترجمة أبي بن كعب من الإصابة: أن عمر كان يسأله عن النوازل، ويتحاكم إليه في المعضلات اهـ منها ص 16. وفي الإحياء لم ينصب أحد من الصحابة نفسه للفتوى إلا بضعة عشر رجلا «1» ، قال في شرحها كابن عباس، وابن مسعود وأبي الدرداء، وعلي وحذيفة، ومعاذ وأبي هريرة وأنس وزيد بن ثابت وعمر بن الخطاب وعائشة اهـ. وأصل عبارة الإحياء في القوت وزاد: ولا حملت عنه القضايا والأحكام. وأخرج ابن سعد في الطبقات من حديث سهل بن أبي خيثمة: إن الذين كانوا يفتون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة من المهاجرين، عمر علي عثمان، وثلاثة من الأنصار: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت، وفي حديث ابن عمر قال: كان أبو بكر وعمر يفتيان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن حديث خراش الأسلمي: كان عبد الرحمن بن عوف ممن يفتي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي خاتمة مجمع بحار الأنوار للفتني: لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم فتوى غيره في زمانه، لأنه صدر عن تعليمه. ولذلك كان يفتي في زمنه عليه السلام أربعة عشر من الصحابة. وأما بحضوره فلم يكن يفتي أحد سوى الصديق اهـ. وقد نظم من كان يفتي في عهده عليه السلام الحافظ الأسيوطي، كما في كتابه قلائد الفرائد وآداب الفتوى، وفي كتابه الحاوي أيضا فقال: وقد كان في عصر النبي جماعة ... يقومون في الإفتاء قومة قانت فأربعة أهل الخلافة منهم ... معاذ أبي وابن عوف وثابت وابن عوف بالرفع وثابت معطوف على عوف مدخول لقوله ابن أي وزيد بن ثابت. وممن نظمهم أيضا الشيخ نجم الدين بن قاضي عجلون؛ صاحب تصحيح المنهاج. قال النجم الغزي في الكواكب السائرة في أهل المائة العاشرة: أخبرنا شيخ الإسلام الوالد قال: أنا شيخ الإسلام تقي الدين بن قاضي عجلون، عن أخيه شيخ الإسلام نجم الدين ابن قاضي عجلون لنفسه: لقد كان يفتي في زمان نبيّنا ... مع الخلفاء الراشدين أيمة معاذ وعمار وزيد بن ثابت ... أبي ابن مسعود ابن عوف حذيفة ومنهم أبو موسى وسلمان حبرهم ... كذاك أبو الدرداء وهو تتمة   (1) انظر الإحياء ص 23 ج 1 تحت عنوان: العلم المحمود والمذموم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وأفتى بميراث أبو بكر الرضى ... وصدّقه فيها، وتلك مزية وانظر كتاب العلم من شرح الإحياء، ونقل السيوطي في «تدريب الراوي» عن ابن حزم: أكثر الصحابة فتوى مطلقا ستة: عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وعائشة، قال: ويمكن الجمع من فتوى كل واحد من هؤلاء مجلدا ضخما قال: ويليهم عشرون: أبو بكر، وعثمان، وأبو موسى، ومعاذ، وسعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وأنس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وسلمان، وجابر، وأبو سعيد، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وعمران بن حصين، وأبو بكرة، وعبادة بن الصامت، ومعاوية، وابن الزبير، وأم سلمة، قال: ويمكن أن يجمع من فتياكل واحد منهم جزآ صغيرا، قال: وفي الصحابة نحو من مائة وعشرين نفسا يقلّون في الفتيا جدا اهـ. ذكر من كان يتوسط بين المصطفى وبين الصحابة إذا أرادوا أن يسألوه عن شيء ترجم في «الإصابة» لثابت بن معاذ الأنصاري فقال: جاء ذكره في حديث لأنس ضعيف السند، ذكره الخطيب في المؤتلف، من طريق القاسم بن خليفة، حدثنا أبو يحيى التميمي عن إسماعيل بن إبراهيم، عن مطين بن خالد عن أنس بن مالك قال: كنا إذا أردنا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن شيء أمرنا عليا أو سلمان أو ثابت بن معاذ، لأنهم كانوا أجرا أصحابه عليه، فلما نزلت: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر: 1] فذكر حديثا في فضل علي قال الحافظ نقلا عن الخطيب: مطين مجهول، وأبو يحيى التميمي: ضعيف جدا اهـ. ذكر من كان يعبر الرؤيا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذكر علي بن سعد الخولاني القيرواني في كتابه في التعبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعبر أمتي للرؤيا أبو بكر، وأسماء بنت عميس. وفي الصحيحين: ذكر مراءي تقدم أبو بكر لتعبيرها، ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تعبيره فقال له: أصبت بعضا وأخطأت بعضا «1» » . وقد رأى عليه السلام مرة رؤيا قال عنها: رأيت أني لقمت لقمة من حيس «2» فالتذذت طعمها، فاعترض في حلقي منها شيء حين ابتلعتها، فأدخل علي يده فنزعه، فقال أبو بكر: يا رسول الله هذه سرية من سراياك يأتيك منها بعض ما تحب، ويكون في بعضها اعتراض فتبعث عليا فيسهله. فكانت سرية خالد إلى تهامة ووقع ما لم يرضه عليه السلام،   (1) انظر صحيح البخاري ج 8 كتاب التعبير باب 47 ص 83- 84. (2) هو التمر ينزع منه النوى ويقلى بالسمن ومنه البيت الطريف التالي: وإذا تكون كريهة أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب ومعناه: إذا أمر صعب قالوا لي تعال يا فلان. وأما إذا صنعوا الحيس فيدعى غيري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 فبعث عليا. قال ابن باديس: أمر النبي صلى الله عليه وسلم على تعبير الرؤيا أبا بكر، وظاهره أنه أقدم على تعبيرها مبادئا، ولم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وفيه جواز مثل ذلك عند العالم ممن هو دونه، لأن أهل الإمداد والوصول إلى الفوائد إنما هو بوساطة ذلك العالم وتعليمه، وما أناله الله على يده صلوات الله وسلامه عليه اهـ. وفي ترجمة أبي بكر من تاريخ الخلفاء للسيوطي: وكان الصديق غاية في علم تعبير الرؤيا، وكان يعبر الرؤيا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد قال محمد بن سيرين، وهو المقدم في هذا العلم بالإتفاق: كان أبو بكر أعبر هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن سعد. وأخرج الديلمي في مسند الفردوس وابن عساكر عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أولي الرؤيا أبا بكر اهـ. وترجم في الإصابة لأسماء بنت أبي بكر فقال: كان عمر يسألها عن تعبير الرؤيا، ونقل عنها أشياء من ذلك ومن غيره اهـ وقال القسطلاني على باب غسل الدم من الصحيح في حق أسماء: كانت عارفة بتعبير الرؤيا حتى قيل أخذ ابن سيرين التعبير عن ابن المسيب، وأخذه ابن المسيب عن أسماء، وأخذته أسماء عن أبيها اهـ وأصله في طبقات ابن سعد عن الواقدي. وللحسين الخلال الحافظ كتاب طبقات المعبرين: ذكر فيه خمسة الاف وخمسمائة معبر من المشاهير، الذين ضربوا في هذا العلم، وأخذوا منه بقسم، وجعلها خمسة عشر قسما: الأول من الأنبياء والثاني: من الصحابة والثالث من التابعين والرابع من الفقهاء والخامس من المذكرين الوعاظ والسادس من المؤلفين انظر كشف الظنون. وفي الرسالة: ولا ينبغي أن يعبر الرؤيا من لا علم له بها. قال التادلي: إلا إذا كان عالما بأصول التفسير، وهي الكتاب والسنة، وكلام العرب وأشعارها، وأمثالها، وكان له فضل وصلاح وفراسة، ولا يعبرها بالنظر في كتب العبارات، ويعني بذلك على جهة التقليد لذلك: فإن ذلك لا يجوز لأنها تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال. قال الفاكهاني: ولا ينبغي على التحريم لأنه يكون كاذبا أو مخمنا قال تعالى: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء: 36] اهـ من ابن ناجي عليها «1» . وفي شرح أقرب المسالك للدردير: والعلم بتعبير الرؤيا ليس من كتب، كما يقع للناس من التعبير من ابن سيرين فيحرم تعبيرها بما فيه، بل يكون بفهم الأحوال والأوقات وفراسة علم بالمعاني اهـ.   (1) كذا في الأصل. ولعل في الكلام تصحيف أو نقص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 ومن شرح الشيخ زروق على الرسالة: قيل لمالك: أيعبر الرؤيا من لا علم له بها؟ قال: أبالنبوة يلعب؟ وقال جسوس: أي لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الرؤيا جزآ من أجزاء النبوة. وقد أخذ صلى الله عليه وسلم الحكم من مرائي أصحابه، كما في رؤيا الأذان، ورؤيا ليلة القدر. وكل ذلك بناء على أنها وحي، كما أشار إليه القرطبي. ونقله الآبي اهـ. وقال الشيخ أبو يحيى التازي عليها فإن قيل: فالذي ينظر في الفروع التي وضعها من ألف في تعبير المنام كعلي بن أبي طالب القيرواني وغيره، فيجد نص من رأى والجواب عليه. قيل: هذا كالمقلد في الفروع، ينظر نص المسألة وجوابها. وقد يغلط في التنظير اهـ انظر فيه بقيته. تنبيه: الكتب المنسوبة إلى ابن سيرين في علم تعبير الرؤيا من أهجن ما كذب على السلف، ولا يتصور من التابعين أن يكون هذا أول ما ألفوا فيه من أبواب العلم، والتصنيف إنما شاع بعد ذلك والله أعلم وقال الشهاب المرجاني في وفية الأسلاف ص 298: ألف فيه أي علم التعبير إبراهيم بن عبد الله الكرماني، ثم صنف فيه علماء الإسلام وأكثروا، ونسب الغالب منها في زماننا هذا إلى ابن سيرين، يقولون: ذكر فيه لما أن المذكور فيه هو قوله، والذاكر هو المصنف لذلك الكتاب لا ابن سيرين، كما يقال: ذكر محمد في نوادر هشام، والشافعي في البويطي، لما أنا المذكور فيه هو قول محمد أو الشافعي. والذاكر هو هشام أو البويطي من هذا القبيل. وفي الطرق الحكمية لابن القيم ص 256 لما تكلم على الذين أنكروا من السلف التدوين ما نصه: وكان ابن سيرين وأصحابه لا يكتبون الحديث فكيف بالرؤيا اهـ وانظر ترجمته من طبقات ابن سعد، فإذا كان ابن سيرين لا يرى كتابة الحديث فكيف يدون تعبير الرؤيا، إن هذا إلّا حلم يحتاج إلى مؤولين ولسنا بتأويل الأحلام بعالمين. ثم وجدت المسند الشمس ابن سليمان الرداني ذكره في حرف العين من: صلة الخلف بموصول السلف تحت عنوان «كتاب عبارة الرؤيا لأبي بكر محمد بن سيرين المعبر» قال في جزءين. وذكر أنه يرويه الفخر ابن البخاري عن أبي الفتح محمد الميداني عن هبة الله بن محمد بن الحصين، عن علي بن المحسن التنوخي، عن إبراهيم بن أحمد الطبري، عن محمد بن موسى الأنصاري، عن أحمد بن حمدية الزاهد عن محمود بن محمد الحلبي، عن مخلد بن عبد الواحد المعبر عن هشام عنه، وعلى كل حال؛ فالأمر موقوف على معرفة هشام الراوي عن ابن سيرين. وهل ابن سيرين المعلوم هو المعني عنده بأبي بكر المعبر أو غيره. فتأمل ذلك. ووجه ذكر هذا الترجمة تلو باب المفتي، أن التعبير من باب الفتيا وكذلك سماه تعالى في قصة ملك مصر، فقال تعالى يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ [يوسف: 43] اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وقد قال الراغب الأصبهاني في الذريعة: ومن علم الفراسة علم الرؤيا، وقد عظم الله أمرها في جميع الكتب المنزلة. والرؤيا هي فعل النفس الناطقة، ولو لم يكن لها حقيقة لم يكن لإيجاد هذه القوى في الإنسان فائدة والله يتعالى عن الباطل. وهي ضربان: ضرب وهو الأكثر أضغاث أحلام، وأحاديث النفس بالخواطر الردية، لكون النفس في تلك الحال كالماء المتموج لا يقبل صورة. وضرب هو الأقل صحيح، وذلك قسمان: قسم لا يحتاج إلى تأويل، ولذلك يحتاج المعبر إلى مهارة يفرق بين الأضغاث وغيرها، وليميز بين الكلمات الروحانية والجسمانية، ويفرق بين طبقات الناس، إذ كان فيهم من لا تصح له رؤيا، وفيهم من تصح رؤياه، ثم من صح له ذلك؛ منهم من يرشح أن يلقي إليه في المنام الأشياء العظيمة الخطيرة، ومنهم من لا يرشح له ذلك. ولهذا قال اليونانيون: يجب أن يشتغل المعبر بعبارة رؤيا الحكماء والملوك دون الطغام، وذلك لأن له حظا من النبوّة انظر بقيته فيه وانظر مقدمة العبر لإبن خالدون. الإمام في صلاة الفريضة «السلطان أحق بالإمامة في الصلاة، إلا أن يأذن لغيره في ذلك. قال ابن العربي في الأحكام: ولاية الصلاة أصل في نفسها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث أميرا جعل الصلاة إليه ولكن لما فسدت الولاة ولم يكن فيهم من ترضى حالته للإمامة، بقيت الولاية في يده بحكم الغلبة وقدّم للصلاة من ترضى حالته سياسة منهم للناس، وإبقاء على أنفسهم. فقد كان بنو أمية حين كانوا يصلون بأنفسهم يخرج أهل الفضل من الصلاة خلفهم، ويخرجون من الأبواب، فيأخذهم سياط الحرس فيصبرون عليه اهـ» . إشتهر في كتب المتأخرين أن إتخاذ المحاريب في المساجد لوقوف الأيمة بدعة، وأفرد ذلك الحافظ السيوطي بمؤلف. وفي عون المعبود على سنن أبي داود: ما قاله القاري من أن المحاريب من المحدثات بعده عليه السلام فيه نظر؛ لأن وجود المحراب في زمنه عليه السلام يثبت من بعض الروايات، أخرج البيهقي في السنن الكبرى عن وائل بن حجر قال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهض إلى المسجد فدخل المحراب، ثم رفع يديه للتكبير. وقال ابن الهمام: لا يخفي أن إمتياز الإمام مقرر مطلوب شرعا، وثبتت المحاريب في المسجد من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ انظر العون. فائدة: وفي فوائد الفكر لدى قصة الفتح، ذكروا أن العباس لما احتمل أبا سفيان معه إلى قبته أصبح وقد رأى الناس ثائرين إلى طهورهم، فقال يا أبا الفضل: ما للناس أأمروا فيّ بشيء؟ قال: لا، ولكن قاموا إلى الصلاة. فأمره فتوضأ فلما رأى تكبير الناس بتكبير النبي صلى الله عليه وسلم وركوعهم بركوعه قال: ما رأيت كاليوم؛ قوم جميعهم من هنا، وهاهنا، ولا فارس والروم ذات القرون بأطوع منهم له اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 ذكر استخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق على الصلاة وكم من صلاة صلّاها «أمر النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته أبا بكر أن يصلي بالناس فكان يصلي بهم في الصحيحين وغيرهما وفي الدر المنظم لأحمد بن محمد بن أحمد اللخمي العزفي قال ابن الهاشمي: صلى أبو بكر بالناس في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة عشر صلاة وقال: هكذا روى الدولابي «1» » . وروى الدارقطني من مراسيل الحسن البصري: أن أبا بكر صلى بالناس في مرض موته صلى الله عليه وسلم تسعة أيام، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم العاشر، وصلى خلف أبي بكر، قال الزرقاني في شرح المواهب: ومدة مرضه عليه السلام إثنا عشر يوما؛ فيها ستون صلاة أو نحو ذلك اهـ. وقال الحافظ ابن تيمية في رده على ابن مطهر الحلي: ولم تكن الصلاة التي صلّاها أبو بكر بالمسلمين في مرض النبي صلى الله عليه وسلم صلاة ولا صلاتين، ولا صلاة يوم ولا يومين، وأقل ما قيل: إنه صلى سبعة عشر صلاة، صلى بهم العشاء الأخيرة ليلة الجمعة، وخطب بهم يوم الجمعة هذا ما تواترت به الأحاديث الصحيحة اهـ منه. ونقله الحافظ برهان الدين الحلبي في نور النبراس وأقره، فاستفدنا منه فائدة وأي فائدة! وهي أن أبا بكر هو الذي خطب بالناس يوم الجمعة في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كنت أو مأت إلى التوقف في ذلك في اختصار الشمائل تبعا لشيخنا الشبيهي، الذي قال في باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به من الفجر الساطع: لم أقف على من ذكر حال صلاة الجمعة الواقعة في مرضه عليه السلام، وما وقع فيها من خطبة وغيرها اهـ فلم يبق الآن إلا البحث في موضوع خطبته إذ ذاك. تنبيه: بما وقع عليه الإجماع من كون أبي بكر قدّمه عليه السلام للصلاة بالناس في مدة مرضه، ردّ الحافظ ابن تيمية في كتابه في الرّد على ابن المطهر ما ذكره من أنه عليه السلام وجّه أبا بكر في الجيش الذي أمرّ عليه أسامة فقال: لم ينقل أحد من أهل العلم أنه عليه السلام أرسل أبا بكر وعثمان في جيش أسامة، وكيف يرسل أبا بكر، وقد استخلفه يصلي بالناس مدة إلى أن مات، وكيف يتصور أن يأمره بالخروج في الغزاة، وهو يأمره بالصلاة بالناس اهـ واعترضه الحافظ الشامي في سيرته من وجهين: الأول قوله: إنه لم ينقله أحد من أهل العلم الخ بأنه قد ذكره محمد بن عمر الأسلمي وابن سعد، وهما من أئمة المغازي. وجرى عليه في المورد وجزم به في العيون والفتح في مناقب زيد بن حارثة الثاني قوله: وكيف يرسل أبا بكر في جيش أسامة ليس بلازم، وأن إرادة النبي صلى الله عليه وسلم بعث   (1) انظر كتاب تخريج الدلائل السمعية ففيه تفصيل لهذا الموضوع ص 110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 جيش أسامة كان قبل ابتداء مرض النبي صلى الله عليه وسلم، فلما اشتد به المرض استثنى أبا بكر وأمره بالصلاة بالناس اهـ. فائدة: الصلاة جماعة من خصائص أمته عليه السلام، ذكره في أنموذج اللبيب، قال الروضي في شرحه: قال العلماء: قد مكث عليه السلام بمكة ثلاث عشرة سنة، يصلي بغير جماعة، لأن الصحابة كانوا مقهورين يصلون في بيوتهم، فلما هاجر عليه السلام أقام الجماعة. استخلاف المصطفى على الحج في نور النبراس: إعلم أن أول من أقام للناس الحج عتّاب بن أسيد سنة ثمان من الهجرة، وهي عام الفتح وحج بالناس تلك السنة على ما كانت عليه العرب في الجاهلية، قال الأزرقي: لم يبلغنا أنه استعمله على الحج هذه السنة، فلما كان وقت الحج حجّ المسلمون والمشركون، وكان المسلمون بمعزل يدفع بهم عتاب بن أسيد، ويقف بهم المواقف لأنه أمير البلد، وذكر الماوردي في حاويه في السير: أنه عليه السلام لما فتح مكة استعمل عتاب بن أسيد عليها للصلاة والحج، وذكره أيضا في كتاب الحج: وهذا إثبات لم يبلغ الأزرقي. ثم حج أبو بكر سنة تسع اهـ وفي أحكام ابن العربي: وأما ولاية الحج فهي مخصوصة ببلاد الحج، وأول أمير بعثه عليه السلام أبو بكر الصديق بعثه عليه السلام سنة تسع قبل حجة الوداع، وأرسله بسورة براءة ثم أردفه عليا كما سبق اهـ. اتخاذ المنبر «روى البخاري «1» عن جابر بن عبد الله أن امرأة من الأنصار قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه، فإن لي غلاما نجارا قال: إن شئت فعملت له المنبر، فلما كان يوم الجمعة قعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر الذي صنع له. قال ابن بشكوال في كتاب ما أنبهم من الأسماء: إسم هذا الغلام النجار مينا، قال ويقال: إن الذي صنع المنبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم «باقوم» مولى العاصي بن أمية صنعه من طرفاء ثلاث درجات، فلما قدم المدينة زاد فيه وقيل: صنعه ميمون النجار. وقيل صنعه صباح غلام العباس بن عبد المطلب. وذكر ابن فتحون قبيصة المخزومي في كتابه وقال: هو الذي عمل غلامه منبر النبي صلى الله عليه وسلم. وفي المقدمات لإبن رشد: وفي سنة سبع إتخذ النبي صلى الله عليه وسلم المنبر. وقيل في ثمان عمله له غلام لسعد بن عبادة. وقيل غلام لإمرأة من الأنصار. وقيل غلام للعباس بن عبد المطلب. قال ابن رشد ولعلهم اجتمعوا كلهم على عمله» . وترجم في الإصابة إبراهيم النجار فذكر عن الطبراني في الأوسط عن جابر؛ أن النبي   (1) وجدت في كتاب الجمعة من صحيح البخاري ج 1 ص 220 حديثا عن سهل بن سعد الساعدي حول المنبر. فانظره إن شئت هناك. ثم وجدت حديث الباب في البخاري 3/ 14 من كتاب البيوع باب 31- 33. مصححه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 صلى الله عليه وسلم: كان يخطب إلى جذع، فذكر الحديث في إتخاذ المنبر، وفيه فدعا رجلا فقال: ما اسمك؟ قال: إبراهيم قال: خذ في صنعته استدركه أبو موسى وقال في رواية أخرى: إن اسم النجار باقوم، فيحتمل أن يكون إبراهيم إسمه وباقوم لقبه، قال الحافظ: على تقدير الصحة وإلا ففي الإسناد العلاء بن الرواس وقد كذبوه. وترجم في الإصابة لباقوم المذكور فذكر أنه بالميم ويقال باللام، ووصفه بالنجار، ثم نقل أن باقوم النجار كان روميا وهو الذي بنى لقريش الكعبة انظر ص 141. وترجم فيها أيضا لكلّاب مولى العباس بن عبد المطلب، فذكر أن ابن سعد خرج بسند فيه الواقدي عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يخطب إلى جذع في المسجد قائما. فقال: إن القيام قد شقّ علي. فقال له تميم الداري: ألا أعمل لك منبرا كما رأيت يصنع بالشام، فشاور المصطفى المسلمين في ذلك؛ فرأوا أن يتخذه. فقال العباس بن عبد المطلب: إن لي غلاما يقال له كلّاب أعمل الناس فقال: مره أن يعمله، وفي صبح الأعشى: أول من عمل المنبر تميم الداري عمله للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد رأى منابر الكنائس بالشام اهـ. قال الحافظ السيوطي في التوشيح على قول المصطفى: مر غلامك النجار يعمل لي أعوادا. ما نصه: هل صانعه ميمون وصحح أو باقول بلام أو باقوم بميم أو صباح بصاد فموحدة كغراب، أو قبيصة أو كلّاب مولى العباس أو تميم الداري أو ميناء بميم فنون فهمز كميقات تسعة أقوال. وهل في سنة سبع أو ثمان اهـ. وأنشد محدث الشام الشيخ عبد الباقي الحنبلي الأثري في ثبته رياض الجنة لشيخه محدث الشام نجم الدين الغزي الشافعي قوله: صانع منبر المدينة الذي ... كان عليه يخطب النبي صلى وسلّم عليه دائما «1» ... إلهنا المهيمن العلي قيل اسمه ميمون أو باقول ... أو باقون أو تميم الداري وقيل إبراهيم أو قبيصة ... والقول الأوّل هو القوي قال الشيخ عبد الباقي وزدت متبعا فقلت مبينا: مينا صباح قيصرهم باقوهم «2» ... كلامهم مينا هو القوي اهـ ثم قال في التوشيح: وكان ثلاث درجات إلى أن زاده مروان في خلافه معاوية ست درجات؛ بسبب أن معاوية كتب إليه أن يحمله إليه، فقلعه فأظلمت طيبة، وكسفت الشمس. حتى رأوا النجوم. فخرج مروان فخطب فقال: إنما أمرني أمير المؤمنين لأن أرفعه. فدعا نجارا فزاده الست. فقال: إنما زدت به أذكر الناس أخرجه الزبير بن بكار في   (1) هذا المصراع فيه خلل وتصويبه: صلى عليه دائما وسلما. (2) هذا المصراع فيه خلل وتصويبه: مينا صباح قيصر باقوم. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 أخبار طيبة من طرق. قال ابن النجار: فاستمر على ذلك إلى أن أحرق المسجد النبوي سنة 654. فاحترق فكان إشارة إلى زوال دولة بني العباس، إذا انقرضت عقبه بقليل [656 اهـ] في فتنة التتر اهـ. وفي المنهل الأصفى: أنه إحترق أول ليلة من رمضان عام 654. وكان ذلك من أعظم المصائب على الناس. وللحافظ محمد بن ناصر الدين الدمشقي تأليف سماه «عرف العنبر في وصف المنبر» ذكره له الرداني في صلته انظره. فائدة: في التوشيح للأسيوطي: كان اليهود يسمون الاسبوع كله سبتا، وقد وقع ذلك في حديث أنس في الإستسقاء، فحدث في الإسلام تسميته جمعة نظرا لليوم الأشرف [انظر كتاب الاستسقاء في مسلم 8 ص 612/ 1] . خطبته عليه السلام في حجة الوداع على الدواب في أبي داود عن رافع بن عمرو المزني «1» : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بمنى حين ارتفعت الضحى، على بغلة شهباء. وعلي يعبر عنه والناس بين قائم وقاعد، وفيه أيضا عن غيره: رأيته صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر بعرفة «2» ، قال الحافظ عبد الحق الإشبيلي: وهذا حديث لا يثبت لأنه عن مجهول، وقد ذكر أبو داود والنسائي وغيرهما: أنه خطب على بعير وهو الصحيح المشهور «3» . أقول: بوّب الشامي في سيرته: اتخاذه صلى الله عليه وسلم عليا يعبر عنه روى مسدد برجال ثقات عن هلال بن عامر المزني عن أبيه فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى على بغلته وعليه برد أحمر، وعلي أمامه يعبر عنه ما يقول، فجئت حتى دخلت بين شراك النبي صلى الله عليه وسلم وقدمه فجعلت أعجب من بردها رواه أحمد «4» وأبو داود مختصرا. وروى الطبراني برجال ثقات عن ابن عباس قال: لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة: أمر ربيع بن أمية بن خلف فقام تحت يدي الناقة، وكان رجلا صيّتا فقال: أصرخ أيها الناس: أتدرون أي شهر هذا؟ فصرخ فقال الناس: الشهر الحرام. قال أصرخ أي بلد هذا؟ قالوا: البلد الحرام. قال: أصرخ أي يوم هذا؟ قالوا: الحج الأكبر. قال أصرخ فقل: إن رسول   (1) هو في سنن أبي داود. انظره ج 2 ص 489 رقم الحديث 1956. (2) هو برقم 1915 ج 2 من كتاب المناسك. (3) انظر أيضا كتاب المناسك لأبي داود برقم 1916/ 1917. (4) انظر في ج 3 ص 477 وطبعة المكتب الإسلامي. 625/ 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الله صلى الله عليه وسلم قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة شهركم هذا في بلدكم هذا. الحديث. وأحاديث هذه الترجمة هي الأصل في الإملاء، الذي كان مستعملا عند المحدثين، واتخاذ المحدث المستملي إذا كثر الجمع؛ وهو من يبلغ عنه. وفي الصحيح «1» عن أبي جمرة قال: كنت أترجم بين ابن عباس والناس، فإذا كثر الجمع بحيث لا يكفي مستمل إتخذ مستمليين فأكثر، فقد أملي أبو مسلم الكجي في رحبة غسان، وكان في مجلسه سبعة مستملون، يبلغ كل واحد منهم صاحبه الذي يليه، وحضر عنده نيف وأربعون ألف محبرة، سوى من ينظر فقط. وكان يحضر مجلس عاصم بن علي أكثر من مائة ألف إنسان. قلت: يتعين أن يستدرك هنا على الشامي أيضا: أمره عليه السلام باستنصات الناس رجلا أطول الناس قامة وأبلغهم وأنداهم صوتا ففي الصحيح مكررا قوله عليه السلام لجرير بن عبد الله البجلي: استنصت لي الناس في حجة الوداع «2» ، وكان حاله كذلك. تكليف الإمام عظيما من أصحابه يحشر له قومه ترجم في الإصابة للحكم بن منهال، فذكر أن أبا يعلى خرّج من طريق أبي الحويرث، أنه سمع الحكم بن منهال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر: إجمع لي قريشا. وترجم فيها للفضل بن عباس، فذكر أن البغوي خرج من طريقه قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذ بيدي وقد عصب رأسه، فأخذت بيده فأقبل حتى جلس على المنبر فقال: ناد في الناس، فصحت فيهم فاجتمعوا له، فذكر الحديث. تنبيه: قال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بيده في الخطبة سيفا، وإنما كان يعتمد على عصا أو قوس؛ قبل إتخاذ المنبر على عادتهم، ولم يحفظ أنه إعتمد على سيف. وما يظنه بعض الجهلة من أنه إعتمد على السيف إشارة إلى أن الدين قام بالسيف فمن فرط جهله، فإنه لم ينقل أصلا. وتبعه الزركشي ونقله السخاوي في القول التام وأقره اهـ كذا في الفوائد الجنوية للأبياري. ارساله عليه السلام عليا يبلّغ عنه نزول أول سورة القتال وذلك أنه في مرجعه عليه السلام من تبوك، بعث أبا بكر أميرا ليقيم الحج للناس، فخرج. ونزلت براءة فيمن نقض العهد العام، الذي بين النبي صلى الله عليه وسلم، وبين المشركين، وبين   (1) انظر كتاب العلم باب 25/ ج 1/ 30. (2) رواه البخاري في كتاب المغازي باب 77 ج 5 ص 126. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 قبائل من العرب على أمور مخصوصة، فلما نزلت براءة: إنكشفت فيها سرائر قوم كانوا يستخفون بغير ما يظهرون، حتى كانت السورة تسمى المبعثرة، فبعث صلى الله عليه وسلم بصدرها علي بن أبي طالب، وقال: أخرج بهذه القضية فأذن في الناس يوم النحر: إذا اجتمعوا بمنى إنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. ومن كان له عهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو له إلى مدته، فخرج على ناقته العضباء فلما أدرك أبا بكر بالطريق قال: أمير أو مأمور قال: مأمور ومضيا. فأقام أبو بكر الحج وقام علي يوم النحر بما أمر به، وأجّل الناس أربعة أشهر من يومئذ، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم وبلادهم، ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة؛ إلا من كان له عهد خاص إلى مدة فهو له إلى مدته، فلم يحج بعد ذلك العام مشرك، ولم يطف عريان، وكان العهد العام أن لا يصدّ أحد يريد البيت عنه ولا يخاف في الأشهر الحرم. قال القاضي أبو بكر بن العربي عن بعض العلماء: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أرسل عليّا ببراءة لأنها تضمنت نقض العهد الذي كان عقده، فأراد قطع ألسنة العرب بأن يرسل ابن عمه من بيته لينقض العهد؛ حتى لا يبقى لهم متكلم. قال: وهذا بديع اهـ. وحكي الإمام فخر الدين في تفسيره عن الجاحظ أنه قال في قوله عليه السلام: «لا يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي» «1» ، لا يدل على تفضيل علي على أبي بكر، وإنما عامل العرب بما يتعارفونه بينهم؛ أن السيد الكبير إذا عقد لقوم عهدا، فإنه لا يحل ذلك الأمر إلا رجل من أقاربه المقربين، كأخ أو عم. وقد كان أبو بكر الإمام والخطيب يومئذ، وعلي مؤتما به. انظر ما سيأتي في الكلام على المنادي. الإمام في صلاة رمضان «في الموطأ عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس، ثم صلى في القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا في الليلة الثالثة، أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: لم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم ذلك في رمضان. وفيها أيضا أن عمر خرج إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني لأراني لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل، فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرج الناس يصلون بصلاة قارئهم. فقال عمر: نعمت البدعة هذه «2» » .   (1) الحديث رواه أحمد عن أنس ج 3 ص 283، ونصه عن أنس: بعث ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكة قال: ثم دعاه فبعث بها عليا قال: لا يبلغها إلا رجل من أهلي. ص 359 ج 3 من طبعة المكتب الإسلامي. (2) روى مالك في الموطأ الحديثين في كتاب «الصلاة في رمضان» ص 113- 114. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 قلت: ترجم في الإصابة لزيد بن قنفذ بن زيد بن جدعان التميمي فقال: وجدت له خبرا يدل على صحبته. قال عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج: حدثت أنه أول من قام بالناس بمكة في خلافة عمر، وكان من شاء قام لنفسه، ومن شاء طاف، وذكر أبو عمر في التمهيد: أن أول ما جمع عمر الناس على امام في رمضان كان في سنة أربع عشرة اهـ وفي طبقات ابن سعد أن عمر أول من جمع الناس للصلاة في رمضان، وجعل للرجال من يؤمهم، وللنساء من يؤمهم على حدة. ذكر مؤذّن النبي صلى الله عليه وسلم «في صحيح مسلم «1» : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذّنان، بلال وابن أم مكتوم، وقال عياض: يعني في وقت واحد، وإلا فقد كان له عليه السلام غير هما. أذّن له أبو محذورة في مكة، ورتبه لأذانه وسعد القرظ أذّن بقباء ثلاث مرات، ولكن هذان لازما الأذان بالمدينة» . وفي مختصر ابن يونس الفقهي قال ابن حبيب: وقد أذن للنبي صلى الله عليه وسلم أربعة: بلال وأبو محذورة وابن أم مكتوم وسعد القرظ اهـ بواسطة أبي الحسن على المدونة. وفي السيرة الحلبية: وأذّن بين يديه صلى الله عليه وسلم: زياد بن الحارث الصدائي، وعبد العزيز بن الأصم أذّن بين يديه مرة واحدة. قلت: عدّه عبد العزيز بن الأصم من جملة مؤذّنيه فيه ما فيه، وإن وقع لجماعة من المتأخرين. وأصله ما في مسند الحارث بن أبي أسامة عن ابن عمر: كان للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذّنان أحدهما بلال، والآخر عبد العزيز ابن الأصم، ولكن قال في الإصابة: هو غريب جدا. وفيه موسى بن عبيد ضعيف. ثم ظهرت لي علته وهو: أن أبا قرة موسى بن طارق أخرج مثله. وزاد: وكان بلال يؤذّن بليل يوقظ النائم، وكان ابن أم مكتوم يتوخّى الفجر، فلا يخطه «2» فظهر من هذه الرواية أن عبد العزيز اسم ابن أم مكتوم. والمشهور في إسمه عمرو. وقيل: عبد الله بن قيس بن زائدة بن الأصم، فالأصم جد أبيه، نسب إليه في هذه الرواية. وفي شرح أنموذج اللبيب: للشمس محمد الروضي المصري المالكي: روى أصحاب السنن أن مؤذّنيه عليه السلام كان عدتهم أربعة. وعدّهم في نور النبراس كذلك أربعة ثم قال: وزيد عليهم أيضا إثنان فصاروا ستة. والأربعة بلال وعبد الله بن أم مكتوم، وسعد القرظ، وأبو محذورة أوس «3» ، والإثنان زياد بن الحارث الصدّائي فإنه أذّن مرة وأقام في   (1) ذكره مسلم في كتاب الصلاة رقم الباب 4. عن ابن عمر ج 1/ 287 (2) كذا وردت يخطه ولعل الصواب: يخطئه. (3) هو أوس بن معير بن لوذان بن سعد بن جمح وكنيته أبو محذورة، أقامه النبي صلى الله عليه وسلم مؤذنا بمكة وبقي كذلك وهو وعقبه حتى انقرضوا أيام الرشيد. انظر جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 162. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 صلاة الصبح، وكان بلال غائبا. فأراد أن يقيم فقال عليه السلام: إن أخا صداء. أذّن ومن أذّن فليقم «1» . والسادس: عبد العزيز بن الأصم أذّن مرة اهـ ما نقله. قال بعضهم كان المؤذّنون في زمانه عليه السلام مؤذّنين؛ بلال، وابن أم مكتوم. فلما كان زمن عثمان جعلهم أربعة. وزاد الناس بعده. وروي: لما مات عليه السلام ترك بلال الأذان ولحق بالشام، ولم يؤذّن لأحد بعده عليه السلام. وروي أنه كان يأتي كل عام المدينة لزيارته عليه السلام لما أن عاتبه عليه السلام في المنام وقال له: أنت جفوتنا يا بلال؟ لم لا تزورنا؟. ولما أن ذهب بلال إلى الشام أتي بسعد القرظ كان يؤذّن بقبا، ثم صار يؤذّن بمسجده عليه السلام اهـ راجع بقيته فيه. فائدة: أخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن القاسم بن عبد الرحمن: أول من أذّن في الإسلام بلال، وأخرجه أبو الشيخ عن ابن عباس. وزاد: أول من أقام عبد الله بن زيد. وانظر خير البشر بأذان خير البشر. وفي خطط المقريزي قال الواقدي: كان بلال يقف على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم. يعني: بعد الأذان فيقول: السلام عليك يا رسول الله، وربما قال: السلام عليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله، حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة. السلام عليك يا رسول الله. قال البلاذري وقال غيره: كان يقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، الصلاة يا رسول الله. فلما ولي أبو بكر الخلافة، كان سعد القرظ يقف على بابه فيقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة الله وبركاته. حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، الصلاة يا خليفة رسول الله. قلت: ظفرت بمؤذّن سابع له عليه السلام وهو ثوبان. فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أذّنت مرة فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: قد أذّنت يا رسول الله فقال: لا تؤذّن حتى تصبح، ثم جئته أيضا فقلت: قد أذّنت. فقال: لا تؤذّن حتى ترى الفجر. ثم جئته الثالثة. فقلت: قد أذّنت. فقال: لا تؤذن حتى تراه هكذا، وجمع بين يديه ثم فرقهما. انظر كنز العمال. فهذا مؤذّن سابع له عليه السلام. وقد ظفرت بمؤذّن ثامن في خطط المقريزي. جاء أن عثمان بن عفان كان يؤذّن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المنبر اهـ منها ص 43 من الجزء الرابع طبع مصر سنة 1326 ولم أر من ذكر عثمان ولا ثوبان المذكور في المؤذّنين. فإن معظم الأئمة إقتصر على أربعة، ومنهم من عدهم خمسة، وهو المشهور لدى المتأخرين. وأما عدهم سبعة أو ثمانية كما ذكرنا فلم أسبق إليه. والحمد الله وقد نظم أسماء الخمسة دون عبد العزيز بن الأصم البرماوي فقال كما في حاشية الرهوني على الزرقاني:   (1) ورد في مسند أحمد حديث من رواية زياد بن الحارث الصدائي: يقيم أخو صداء فإن من أذّن فهو يقيم ج 4 ص 169. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 لخير الورى خمس من الغر أذّنوا ... بلال ندي الصوت بدا يعين وعمرو الذي أم لمكتوم أمه ... وبالقرظ أذكر سعدهم إذ تبين وأوس أبو محذورة وبمكة ... زياد الصداء نجل حارث يعلن ونظمهم الشيخ التاودي ابن سودة أيضا فقال: عمرو بلال وأبو محذورة ... سعد زياد خمسة مذكورة قد أذنو جميعهم للمصطفى ... نالوا بذاك رتبة وشرفا تنبيه: أبو محذورة المؤذّن، أمره المصطفى عليه السلام بالآذان بمكة، عند منصرفه من حنين، فلم يزل يؤذّن فيها. وبقي الآذان بمكة في نسل أبي محذورة وأولاده قرنا بعد قرن إلى زمن الشافعي- انظر ترجمته من تهذيب النووي. ذكر الموقت «في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا بحفظ الوقت في الموطأ عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من خيبر أسرى، حتى إذا كان من آخر الليل عرّس. وقال لبلال: إكلأ لنا الصبح. ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلأ بلال ما قدر له. الحديث في قصة نوم الوادي» . ولأبي داود والطبراني من حديث عمرو بن أمية قصة أخرى. وفيها: أن الذي كلأ «1» لهم الفجر ذو مخبر. ولإبن حبّان عن ابن مسعود أنه كلأ لهم الفجر. وهذا يدل على تعدّد القصة. فصل في اقتداء المساجد في صلاتهم بمؤذّن المسجد الجامع «في الروض الأنف: كانت مساجد المدينة تسعة سوى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلهم يصلون بأذان بلال كذلك قال: بكير بن عبد الله بن الأشحم فيما روي عنه أبو داود في مراسله، والدارقطني في سننه» . قال في نور النبراس عقبه: وقد رأيت المزّي في أطرافه عزاه إلى المراسيل أخرج فيها عن محمد بن سلمة المرادي، عن ابن وهب عن ابن لهيعة، أن بكير بن الأشحم حدثه بهذا اهـ وأقربها مسجد بني عمرو بن النجار ومسجد بني ساعدة، ومسجد بني سلمة، ومسجد بني رابح من بني عبد الأشهل، ومسجد بني زريق، ومسجد غفار، ومسجد أسلم، ومسجد جهينة. وشك في التاسع كذا قال والمشكوك فيه إذا عاشر انظر النور ولا بد. فائدة: قال الحافظ السيوطي في التوشيح، في تاريخ ابن عساكر بسند ضعيف: إن أول من قدّر الليل والنهار إثنى عشر ساعة نوح عليه السلام، حين كان بالسفينة، وفي الإكليل له   (1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ج 1/ 309 ورقمه: 445. وذو مخبر الحبشي أحد خدام النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 على قوله تعالى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ [الإسراء: 12] الآية أصل في علم المواقيت والهيئة والتاريخ اهـ وفيه أيضا على قوله تعالى: وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ [يونس: 5] أصل في علم التوقيت والحساب ومنازل القمر والتاريخ اهـ وقد أخرج أبو الشيخ بسند فيه مجهول عن ابن الزبير قال: أخذ الأذان من أذان إبراهيم: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [الحج: 27] فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ زرّوق في حواشي الصحيح: لا يبعد أن يكون أحد المقويات لرؤياهم حتى سكن إليها دون آرائهم المتقدمة إذ لا منافاة، وسواء قلنا: جاء به الوحي أم لا. لإحتمال أن يكون الوحي ورد بعد ذلك؛ مؤكدا لما عندهم من الرؤيا والنظر اهـ. وفي خطط مصر للتقي المقريزي، قال أبو عمرو الكندي: في ذكر من عرف على المؤذّنين بجامع عمرو بن العاص بمصر: كان أول من عرف على المؤذّنين: أبو مسلم سالم بن عامر بن عبد المرادي وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أذن لعمر، ثم عرف أخوه شرحبيل بن عامر، وكانت له صحبة. وذكر عن عثمان أنه أول من رزق المؤذّنين. على أي شيء كانوا يؤذّنون في كتاب الجمعة من تشنيف السامع على قول الراوي في الصحيح: فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء، والزوراء قيل إنه مرتفع كالمنارة، وفي النزهة الثمينة في أخبار المدينة لإبن النحاس: وروى ابن إسحاق أن إمرأة من بني النجار قالت: كان بيتي أطول من بيت حذاء المسجد، وكان بلال يؤذّن عليه الفجر كل غداة، فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينتظر الفجر، فإذا رآه تمطى ثم قال: اللهم أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا دينك قالت: ثم يؤذّن، وذكر أهل السير أن بلالا كان يؤذّن على أسطوان في قبلة المسجد، يرقي إليها بأقتاب فيها، وكانت خارجة من المسجد، وهي قائمة إلى الآن في مسجد عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. وروى نافع عن ابن عمر قال: كان بلال يؤذّن على منارة في دار حفصة بنت عمر التي تلي المسجد. قال: فكان يرقى على أقتاب فيها. وكانت خارجة من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم تكن فيه وليست فيه اليوم، وفي غير النزهة: إنه لم يكن منار في زمانه عليه السلام وإنما هو من سنة الصحابة، وكانوا في عهده يؤذّنون عند باب المسجد لا بين يدي الإمام. فإنما فعله هشام وذلك مكروه لأنه محدث أحدثه هشام. كما نقل الذي كان بالزوراء إلى المسجد اهـ ونحوه في الوفاء للسيد السمهوني قائلا: يظهر من سياق ما سبق له: أن أول ما جعل المنار في المسجد كان في زيادة الوليد، ثم لما ذكر ما سبق من أن بلالا كان يؤذّن على منارة في دار حفصة قال: الظاهر أن الراوي تجوّز في تسميته الأسطوان منارة. على أن الراوي لذلك إحترقت كتبه، فكان يروي من حفظه فذكره. والظاهر أن عمر وعثمان لم يتخذا منارة وإلا لنقل اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 وفي البحر [الرائق] من كتب الحنفية: لم تكن في زمنه عليه السلام مئذنة اهـ ولما نقله الشمس ابن عابدين في «ردّ المختار» قال إثره: وفي شرح إسماعيل عن الأوائل للسيوطي أن الماذن بنيت بأمر معاوية ولم تكن قبل اهـ منه. قلت: انظر هذا مع ما نقله الزرقاني على المواهب عن الشيخ خليل في التوضيح: إختلف النقل هل كان يؤذّن بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم أو على المنار الذي نقله أصحابنا؛ أنه على المنار. نقله عبد الرحمن بن القاسم في المجموعة، وفي المرقاة عن ابن القاسم عن مالك: أن الأذان في زمنه عليه السلام كان على المنارة وفي المدخل لأبي عبد الله بن الحاج: السنة في أذان الجمعة إذا صعد الإمام على المنبر أن يكون المؤذّن على المنار. كذلك كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر اهـ وفي المدخل أيضا: المنار عند السلف بناء يبنونه على سطح المسجد اهـ. تتمة في الدرر المرصعة في صلحاء درعة، نقلا عن كتاب إنارة البصائر في مناقب الشيخ بن ناصر، وحزبه الهداة الأكابر، ما نصه: كان يعني الشيخ سيدي محمد بن ناصر يقتصر يوم الجمعة على مؤذّن واحد وأذان واحد غير الإقامة أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن أي التعدي في زمنه ولا في زمن أبي بكر رضي الله عنه على ما هو الأشهر وصدر من خلافة عثمان، وكان لا يؤذّن في زمنه عليه السلام إلا مؤذّن واحد هذا هو الصحيح والمعتمد كما في فتح الباري والآبي اهـ ولا يعكر عليه ما في المدخل لإبن الحاج وكان المؤذّنون ثلاثة يؤذّنون واحدا بعد واحد لقول صاحب عون المعبود على سنن أبي داود إثره: لم أقف على نقل صريح أن المؤذّنين كانوا ثلاثة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم يؤذّنون يوم الجمعة واحدا بعد واحد بل سيجيء أنه لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مؤذّن واحد بلال اهـ. ذكر صاحب الخمرة «الخمرة هي كالحصير الصغير من سعف النخل يضفر بالسيور ونحوها بقدر الوجه والكفين وهي أصغر من المصلي، وفي المعالم للخطابي: الخمرة السجادة التي يسجد عليها المصلي. روى البخاري عن ميمونة رضي الله تعالى عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة. اهـ. وروى مسلم رحمه الله تعالى؛ عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد «1» . وروى النسائي عن ميمونة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا فيتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بخمرته إلى المسجد فتبسطها وهي حائض. اهـ.» قلت: أفرد شيخنا الوالد مسألة صلاته عليه السلام على الخمرة والحصير بتأليف فانظره.   (1) هو في مسلم ج 1 ص 245 من كتاب الحيض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 الذي يحمل العنزة «في الصحيح «1» عن ابن عمر، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغدو إلى المصلى، والعنزة تحمل بين يديه ويصلي إليها، والعنزة عصا قدر نصف الرمح أو أكبر لها ساق مثل ساق الرمح» . وفي كتاب الوضوء من الصحيح باب: من حمل العنزة مع الماء الإستنجاء. خرج عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلام إداوة من ماء وعنزة. قال ابن باديس في الفوائد: العنزة بتحريك النون أطول من العصا، ودون الرمح، فيها زج كزج الرمح، وفي المشكاة: العنزة: المحجن؛ عصا قدر الذراع؛ وكان يمشي وهي في يده عليه السلام. وتحمل بين يديه الكريمتين في العيدين حتى تركز أمامه سترة يصلي إليها. ويقال: إنها بقيت بالمدينة إلى أيام المأمون. وفي عيون المعارف: كانت له عنزة أخرى؛ أخذها من الزبير بن العوام. وكان الزبير أخذها من النجاشي اهـ. وقال الحافظ السيوطي في التوشيح: فائدة: روى عمر بن شبّة في أخبار المدينة عن سعد القرظ أن النجاشي أهدى إليه صلى الله عليه وسلم حربة، فأمسكها لنفسه، فهي التي يمشي بها مع الإمام يوم العيد، ومن طريق الليث أنه بلغه أن العنزة التي كانت بين يديه صلى الله عليه وسلم؛ كانت لرجل مشرك، فقتله الزبير بن العوام يوم أحد فأخذها منه النبي صلى الله عليه وسلم. وكان ينصها بين يديه إذا صلى، وجمع بأنّ عنزة الزبير كانت أولا قبل حربة النجاشي اهـ. وفي سيرة ابن فارس أيضا: وكان له محجن ومخصرة تسمى العرجون، وقضيب يسمى الممشوق. قال شارحه: المحجن بالتحريك الإعوجاج والمحجن كالصولجان. وقيل: المحجن دون العنزة قدر ذراع، أو أكثر، معوّج الطرف، كان يمشي به ويعلقه بين يديه على البعير، والمخصرة كالسوط، وكل ما اختصر الإنسان بيده وأمسكه؛ من عصا ونحوها. وقيل: هي كالقضيب تستعمله العرب والأشراف في أيديها؛ للتشاغل به وحك ما بعدت اليد عنه من الظهر. والعرجون: أصل العذق، وكان هذا القضيب إقتطع من موضعه، وهو باق ببغداد عند خلفاء بني العباس اهـ كلام الفوائد. وفي طبقات ابن سعد: كان بلال يحمل العنزة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العيد والإستسقاء. انظر ترجمة بلال فيها. الذي كان يحمل العصا بين يديه عليه السلام ويتقدم إذا أراد أن يدخل منزله الكريم قد سبق عن فتح المتعال للمقري؛ أنه عليه السلام كان إذا قام ألبسه عبد الله بن مسعود نعليه، ثم يمشي بالعصا أمامه حتى يدخل الحجرة. وانظر ص 36 من جواهر البحار   (1) البخاري كتاب العيدين باب 14 ص 8/ 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 من رسالة مؤلفه مسماة بلوغ الآمال في مدح النعال. وللحافظ السيوطي رسالة سماها: الأنباء بأن العصا من سنن الإنبياء وفي كتاب البيان والتبيين. أنه كان له صلى الله عليه وسلم، مخصرة وقضيب وعنزة تحمل بين يديه. وهكذا كانت عادة عظاماء العرب اهـ. وفي الرسالة العلمية لأبي عثمان التجيبي: وأما حمل الإشارة والقضيب، فالإشارة المخصرة وهي عود أرق من العصا، وأغلظ من القضيب، طوله أربعة أشبار أو نحوها. يحملها الفقراء بين أيديهم، ويحملون أيضا السهم. والأصل فيها السترة في الصلاة. وكان له عليه السلام مخصره وقضيب وعصية وعنزة. وكانت العرب تحمل المخاصر وتخطب وهي في أيديها ويتخذونها في مجالسهم اهـ وفي المجمل: والمخصرة قضيب يكون مع الخطيب أو الملك إذا تكلم اهـ. فائدة: وفي جمع الجوامع عازيا للبيهقي وابن عساكر عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك: أنه كان عنده عصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمات، فدفنت معه بين جنبيه وقميصه- انظر ص 10 من الجزء السابع من كنز العمال. المسرج وهو الموقد «في الإستيعاب: سراج مولى تميم الداري قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في خمسة غلمان لتميم، وأنه أسرج للنبي صلى الله عليه وسلم بقنديل الزيت، وكانوا لا يسرجون قبل ذلك سعف النخل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أسرج مسجدنا؟ فقال تميم: غلامي هذا. فقال ما اسمه قال: فتح. قال النبي صلى الله عليه وسلم: بل اسمه سراج. قال: فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم سراجا» . وخرّجه الخطيب بسند ساقه في الإصابة في ترجمته، وفيه: كان يسرج مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بسعف النخل، فقدمنا بالقناديل والزيت والحبال، فأسرجت المسجد- راجع ترجمته في الإصابة. وترجم في الإصابة أيضا لأبي البراء غلام تميم الداري فقال: ذكره المستغفري في الصحابة. وأخرج من طريق محمد بن الحسن بن قتيبة، عن سعيد بن فائد عن أبيه عن جده عن أبي هند قال: حمل تميم الداري معه من الشام إلى المدينة قناديل وزيتا ومقطا، فلما انتهى إلى المدينة، وافق ذلك يوم الجمعة، فأمر غلاما له يقال له: أبو البراء. فقام فشد المقط. وهو بضم الميم وسكون القاف وهو الحبل، وعلق القناديل وصب الماء «1» . فيها وجعل فيها المفتل، فلما غربت الشمس أسرجها، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فإذا هو يزهر فقال: من جعل هذا قالوا تميم يا رسول الله. قال: نورت الإسلام نوّر الله عليك في الدنيا   (1) وصبّ الماء فيها: كذا في الأصل. ولعله يوجد سهو. والصواب: وصبّ الزيت فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 والآخرة. أما إنه لو كان لي إبنة لزوجتكها. فقال نوفل بن الحرث بن عبد المطلب: لي إبنة يا رسول الله تسمى أم المغيرة بنت نوفل، فافعل فيها ما أردت، فأنكحه إياها على المكان. وسنده ضعيف اهـ. وفي التجريد للذهبي أبو البراء غلام تميم الداري ذكر في حديث منكر اهـ. وفي سنن ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال: أول من أسرج في المساجد تميم الداري «1» ، وقد ذكر الحديث السابق عنه أيضا عيسى بن إسماعيل الرعيني في كتابه: «الجامع لما في المصنفات الجوامع» قال في تحفة الأكابر: عليه يوخذ منه أنه إذا وردت مصابيح من عند الكفار، وقد كانت معلقة في كنائسهم، وعلى رؤوس صلبانهم جاز تعليقها في مساجد المسلمين. ومعتمد الجواز: إباحة الإنتفاع بأواني أهل الكتاب كما هو مقرر في الشريعة الخ- انظر بقيته فيها. هل أوقدت الشموع في المدينة على عهده عليه السلام في السنن عن ابن مسعود قال: رأيت ونحن في غزوة تبوك شعلة من نار في ناحية العسكر، فاتبعتها أنظر إليها فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، وإذا عبد الله ذو البجادين «2» المزني قد مات، وإذا هم حفروا له ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته، وفي جامع الترمذي في باب الدفن بالليل: عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج «3» . الحديث. قال الحافظ السيوطي: قوله شعلة نار أي: ضوء الشمعة. وذلك أنه أجاب من سأله: هل الشمع وقد عنده صلى الله عليه وسلم؟ وأفرد ذلك برسالة سماها مسامرة السموع في ضوء الشموع- انظر الفتاوي الحديثية لابن حجر الهيثمي ص 121 والسيرة الحلبية. وفي باب الصلاة على الفراش من الصحيح عن عائشة قالت: كنت أنام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتها. قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح، قال الحافظ في الفتح وقولها: والبيوت ليس فيها يومئذ مصابيح؛ كأنها أرادت به الإعتذار عن نومها على تلك الصفة، قال ابن بطال: وفيه إشعار بأنهم صاروا بعد ذلك يستصبحون اهـ ص 414 من الجزء الأول. وفي السيرة الشامية جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يجلس في بيت مظلم؛ إلا أسرج له فيه أخرج البزار وأبو الحسن بن الضحاك عن عائشة: كان صلى الله عليه وسلم لا يجلس في بيت مظلم إلا أسرج له فيه سراج، وأخرج ابن سعد عنها نحوه.   (1) رقم الحديث في الجزء الأول 760 ص 250 من كتاب المساجد والجماعات. (2) انظر ترجمته في الإصابة ج 1 ص 338 واسمه عبد الله بن عبد نهم. (3) انظر كتاب الجنائز باب 62 ص 372/ 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وفي البيان والتبيين للجاحظ؛ أن جذيمة الأبرش «1» آخر ملوك قضاعة بالحيرة هو أول من رفع الشمع، وفي شرح المنهج للمنجور أن البرزلي سئل عن جعل الثريا والقناديل في المسجد فأجاب: إن جعل الحصر ومطلق الإستصباح من باب ترفيع المساجد، وقد ورد ثواب جزيل في إستصباحه. وحكى الزمخشري في تفسير قوله تعالى: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ [التوبة: 18] الآية عن أنس: من أسرج في مسجد سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له ما دام في ذلك المسجد ضوء، وقال: العمارة تتناول تجديد ما استرم منها، وتنظيفها وتنويرها بالمصابيح، وتعظيمها وإعتبارها للعبادة والذكر. وأما كثرة المصابيح في رمضان فقد طعن فيه بعض المغاربة بأنه بدعة، والصواب أنه من باب ترفيع المساجد اهـ انظر بقيته في نوازل البرزلي وشرح المنهج ولا بد. المجمر «في سنن أبي داود «2» عن عائشة قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تطيب وتنظف» . قلت: ثبت ذلك أيضا في مسند أحمد وابن ماجه وصحيح ابن خزيمة وغيرهم. «وفي كتاب الجامع من البيان والتحصيل لابن رشد: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: جمروا مساجدكم، وفي التمهيد: عبد الله المجمر مولى عمر بن الخطاب كان يجمر المسجد إذا قعد عمر على المنبر، وقد قيل إنه كان من الذين يجمرون الكعبة والأول أصح والتجمير: التبخير» . وفي فتح الباري على باب فضل الوضوء: نعيم المجمر بضم الميم وإسكان الجيم هو ابن عبد الله المزني، وصف هو وأبوه بذلك؛ لكونهما كانا يبخران مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وزعم بعض العلماء أن وصف عبد الله بذلك حقيقة ووصف نعيم إبنه بذلك مجاز، وفيه نظر فقد جزم إبراهيم الحربي بأن نعيما كان يباشر ذلك اهـ منه. الذي يقمّ المسجد ويلتقط الخرق والقذي والعيدان منه «خرّج البخاري «3» ومسلم عن أبي هريرة: أن إمرأة سوداء كانت تقم المسجد ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها فقالوا: ماتت قال: أفلا كنتم آذنتموني. قال: فكأنهم صغروا أمرها. فقال: دلوني على قبرها فدلوه فصلى عليها» .   (1) جذيمة الأبرش هو ابن مالك بن فهم من الأزد كما في الجمهرة لابن حزم 379. (2) وهو في كتاب الصلاة ورقمه 455 ص 314 ج 1. (3) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب 72 ج 1/ 118. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 ورواه ابن خزيمة في صحيحه إلا أنه قال: إن إمرأة كانت تلقط الخرق والعيدان من المسجد. ورواه ابن خزيمة أيضا وابن ماجه عن أبي سعيد قال: كانت سوداء تقم المسجد فتوفيت ليلا فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بها. فقال: ألا آذنتموني فخرج بأصحابه فوقف على قبرها، فكبر عليها والناس خلفه ودعا لها ثم انصرف «1» . وخرّج الطبراني في الكبير عن ابن عباس: أن إمرأة كانت تلتقط القذى من المسجد فتوفيت فلم يؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدفنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا مات لكم ميت فاذنوني وصلى عليها. وقال: رأيتها في الجنة تلقط القذى من المسجد. وروى أبو الشيخ عن عبيد بن مرزوق قال: كانت إمرأة في المدينة تقم المسجد فماتت فلم يعلم بها النبي صلى الله عليه وسلم فمر على قبرها. فقال ما هذا القبر فقالوا: أم محجن فقال التي كانت تقم المسجد؟ قالوا: نعم. فصف الناس فصلى عليها. ثم قال: أي العمل وجدت أفضل؟ قالوا: يا رسول الله أتسمع؟ قال: وما أنتم بأسمع منها. فذكر أنها أجابته. وهذا مرسل. وقمّ المسجد بالقاف وتشديد الميم كنسه. وقد ترجم ابن السكن في الصحابة ثم من بعده: الخرقاء فساق عن أبي السفر عن الخرقاء. قال: وكانت إمرأة حبشية تلقط القذى وتميط الأذى عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لها كفلان من الأجر. وترجم في الإصابة محجنة وقيل: أم محجن فقال: إمرأة سوداء كانت تقم المسجد. وقع ذكرها في الصحيح بغير تسمية. وسماها يحيى بن أبي أنيسة وهو متروك عن علقمة بن مرثد عن رجل من أهل المدينة قال: كانت إمرأة من أهل المدينة يقال لها: محجنة تقم المسجد فتفقدها عليه السلام الحديث. وأخرج الطبراني في الكبير- وأشار المنذري إلى ضعفه- عن أبي قرصافة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إبنو المساجد وأخرجوا القمامة منها، فمن بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة فقال رجل: يا رسول الله، وهذه المساجد التي تبنى في الطرق، قال: نعم وإخراج القمامة منها؛ مهور الحور العين. وفي الآداب الكبرى لابن مفلح: أنه ينبغي أن يكون الكنس ونحوه يوم الخميس فهو سنة. تنبيه: نقل الشمس السفاريني عن فتاوي الحافظ ابن تميمة لما تكلم على من يقيم في المساجد إقامة مشروعة وكالمرأة التي كانت تقم المسجد وكان لها حفش فيه والحفش كما في المطالع بالحاء المهملة والفاء فشين معجمة الدرج وجمعه حفاش وفي الحديث: هلّا جلس في حفش أمه أي بيتها. شبّه ببيت أمه في صغره به، وقال الشافعي: هو البيت القريب السمك، وقال مالك: هو الصغير الخرب، وقيل: الحفش شبه القبة، تجمع فيه   (1) أخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز باب 32 ص 490/ 1 ورقمه 1533. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 المرأة غزلها وسقطها، كالدرج يصنع من الخوص يشبه به البيت الصغير الحقير، قال ابن تيمية: فإذا احتاج أحد هؤلاء إلى سترة كخيمة سعد، وحفش المرأة كان جائزا. فأما أن يتخذ المسجد مسكنا دائما ويتخذه مبيتا ومقيلا ويختص بالحجرة إختصاص أهل الدور بدورهم دائما فهذا يقرب من إخراج هذه البقعة عن حكم المسجد. الرجل يأخذ الناس بالصلاة في الجماعة ويشتد عليهم في تركها «كان صلى الله عليه وسلم يباشر ذلك بنفسه، حتى إنه همّ بحرق الدور على الذين لم يشهدوا معه الجماعات كما في الصحيحين وغيرهما. وذكر الزمخشري في الكشاف: أن المصطفى إستعمل عتّاب بن أسيد على أهل مكة، وقال: فقد أستعملتك على أهل الله، فكان شديدا على المنافقين هينا على المؤمنين. وقال: والله لا أعلم متخلفا عن الصلاة في جماعة إلا ضربت عنقه، فإنه لا يتخلف عن الصلاة إلا منافق» . وقال أبو زيد المجاجي في شرحه على مختصر ابن أبي جمرة: ذكر غير واحد ممن ألف في السير، أن عمر بن الخطاب وعليا كانا من عادتهما، إذا طلع الفجر يوقظان الناس لصلاة الصبح. وأن ذلك سبب قتلهما فيؤخذ منه أن إيقاظ الناس ليس بمكروه، ولا محرم بل هو من باب التعاون على البر، وكذا يؤخذ من قول عمر: أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان. أقول: هذا مستند السلطان أبي عنان المريني. ففي تاريخ بيوتات فاس لأبي زيد الفاسي لدى كلامه على بيت بني زنبق بفتح الزاي وسكون النون وفتح الباء منهم أبو المكارم منديل بن زنبق وهو محرض الناس على الصلاة في أوقاتها، ويضرب عليها بالسياط والمقاريع بأمر أمير المؤمنين أبي عنان. الرجل يتقدم إلى المصلين يرتب صفوفهم ويضربهم على ذلك قال الإمام أحمد في كتاب الصلاة ص 14: أن بلالا كان يسوي الصفوف ويضرب عراقبهم بالدرة حتى يستوون، قال بعض العلماء: قد يشبه أن يكون هذا من بلال على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إقامته، قبل أن يدخل في الصلاة؛ لأن الحديث جاء عن بلال أنه لم يؤذّن لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ إلا يوما واحدا عند مرجعه من الشام في مدة أبي بكر اهـ. الرجل يمنع الناس عن المنازعة واللغط في المسجد «في الصحيح عن السائب بن يزيد قال: كنت نائما في المسجد فحصبني رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال: فاذهب فأتني بهاذين فجئته بهما فقال: من أنتما ومن أين أتيتما، قالا: من أهل الطائف فقال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما. ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الموطأ: أن عمر بن الخطاب بنى رحبة في المسجد تسمى البطيحاء وقال: من كان يريد أن يلغط أو ينشد شعرا أو يرفع صوته فليخرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 إلى الرحبة «1» . وفي الإستيعاب ص 297 أن العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم. كان في الجاهلية رئيسا على قريش، وإليه كانت عمارة المسجد الحرام، ولا يقول فيه هجرا يحملهم على عمارته في الخير، لا يستطيعون لذلك امتناعا؛ لأنه كان ملأ قريش إجتمعوا وتعاقدوا على ذلك، فكانوا له أعوانا وسلموا ذلك إليه. ذكر ذلك الزبير وغيره من العلماء بالخبر والنسب» . صاحب الطهور قال الشبراملسي: قوله صاحب وضوئه؛ لعل المراد أنه كان يباشره في وضوئه؛ إذا توضأ، كان يعاونه بصب الماء عليه إذا احتاج إليه اهـ (أقول) بل أعم من ذلك، فصاحب الطهور والوضوء: يهيء له الماء لوضوئه واستنجائه، ويحمله له إذا ذهب وأبعد، ويعينه بالصب ونحوه. ذكر من كان يتولى ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم «منهم ابن مسعود؛ كان معروفا بكونه صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعليه، وفي مسلم عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبرز لحاجته، فاتيه بالماء فيغتسل به، وفي البخاري عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج لحاجته أجيء أنا وغلام ومعه إداوة ماء؛ يعني يستنجي بها، قال ابن الجوزي في كشف المشاكل: إداوة: إناء من جلد كالر كوة» . أقول: قوله: أنا وغلام زاد في رواية البخاري: منا أو من الأنصار، وبه صرّح الإسماعيلي. ولمسلم: نحوي أي مقارب لي في السن. والغلام هو المترعرع، قاله أبو عبيد، وفي المحكم: من لدن الفطام إلى سبع سنين، وفي الأساس: الغلام الصغير إلى حد الإلتحاء، فإن قيل له بعده: غلام فمجاز، قيل: الغلام ابن مسعود لقول أبي الدرداء لعلقمة بن قيس: أليس فيكم صاحب الطهور؟ يعني ابن مسعود. فيكون أنس سماه غلاما مجازا. ويكون معنى قوله: منا أي من الصحابة، أو من خدمه عليه السلام. وقوله في رواية الإسماعيلي: من الأنصار لعلها من تصرف الراوي أو رأى في الرواية منا. فحملها على القبيلة. فرواها على المعنى؛ أو لأن إطلاق الأنصار على جميع الصحابة سائغ، وإن خصه العرف بالأوس والخزرج لكن يبعده رواية مسلم: غلام نحوي، فوصفه بالصغر، ويحتمل: أنه أبو هريرة، فعنه كان صلى الله عليه وسلم: إذا أتى الخلاء أتيته بماء في ركوة، فاستنجى، ويؤيده ما رواه البخاري في قصة الجن عن أبي هريرة: أنه كان يحمل مع النبي صلى الله عليه وسلم الإداوة لوضوئه وحاجته، ويكون المراد بقول أنس: نحوي. أي في الحال لقرب عهده بالإسلام. ويحتمل أنه جابر، ففي مسلم أنه صلى الله عليه وسلم إنطلق لحاجته، فاتبعه جابر بإداوة سيما وجابر أنصاري. ووقع للإسماعيلي في روايته فاتبعته وأنا غلام بتقديم الواو فتكون حالية لكن تعقبها الإسماعيلي بأن الصحيح أنا وغلام بواو العطف انظر الفتح وترجم في الإصابة لأميمة مولاة رسول الله   (1) روى مالك في الموطأ هذا الحديث في كتاب قصر الصلاة في السفر باب 93 ص 175 ج 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 صلى الله عليه وسلم فذكر أنه أخرج محمد بن نصر وابن السكن والحسن بن سفيان وغيرهم عن أميمة المذكورة أنها كانت توضىء النبي صلى الله عليه وسلم قالت فأفرغ على يديه الماء إذ دخل عليه رجل فقال إني أريد اللحوق بأهلي الحديث- راجع ص 21 من جزء النساء، وذكر في المواهب خير والد عبد الله بن خير مولى العباس رضي الله عنه قال كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ثم وهبه لعمه العباس. قال شارحها رواه سمويه يعني في فوائده والبخاري في التاريخ أن حنينا كان غلاما للنبي صلى الله عليه وسلم فوهبه للعباس عمه فأعتقه فكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وكان إذا توضأ خرج بوضوئه لأصحابه فحبسه حنين فشكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال حبسته لأشربه. وأخرج ابن ماجه عن أم عياش مولاة رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم قالت كنت أوضىء النبي صلى الله عليه وسلم أنا قائمة وهو قاعد. وفي الإستيعاب أميمة خادمة وحديثها أنها كانت توضىء النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن عساكر والحسن بن سفيان وغيرهما. وفي السيرة الشامية أن أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم كانت على مطهرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعاطي حاجته. وفي باب الإستنجاء بالحجارة من الصحيح «1» عن أبي هريرة اتبعت النبي صلى الله عليه وسلم، وخرج لحاجته، فكان لا يلتفت فدنوت منه فقال: إبغني أحجارا أستنفض بها ولا تأتني بعظم ولا روث، فأتيته بأحجار بطرف ثيابي، فوضعتها إلى جنبه وأعرضت، فلما قضى أتبعته بهن، قال في الفتح: وفي الحديث جواز إستتباع السادات، وإن لم يأمروا بذلك، واستخدام الإمام بعض رعيته، والإعانة على إحضار ما يستنجي به وإعداده عنده، لئلا يحتاج إلى طلبها بعد الفراغ، فلا يأمن اللوث اهـ. هل كان صلى الله عليه وسلم يستعمل الماء السخن أو دخل الحمام وجدت بخط شيخنا الاستاذ الوالد على الفتح في باب وضوء الرجل مع إمرأته لدى قول البخاري: وتوضأ عمر بالحميم ما نصه: ذكر أبو عمر بن عبد البر أنه صلى الله عليه وسلم لم يستعمل الماء السخن، لا في وضوء ولا في غسل اهـ. وفي الفجر الساطع لشيخنا الشبيهي على الترجمة المذكورة ما نصه: وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يثبت أنه إستعمله في وضوء ولا غسل. قاله ابن زكري اهـ منه. وفي المواهب: الحديث الذي يروي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حمام الجحفة. (بالضم ميقات أهل الشام) فموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث، كما قاله الحافظ ابن كثير؛ بل لم تعرف العرب الحمام ببلادهم إلا بعد موته عليه السلام اهـ قال الزرقاني في شرحها: وما ذكره الديلمي بلا سند عن ابن عمر؛ أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر: طاب حمامكما، فمحمول إن صحّ على الماء المسخن خاصة من عين ونحوها. وكذا كل ما جاء فيه ذكر الحمام. قاله السخاوي. وأورد عليه ما رواه الخرائطي، ويعقوب بن سفيان في تاريخه، وابن عساكر عن محمد بن زياد الالهاني قال: كان ثوبان جارا لي، وكان يدخل الحمام، فقلت وأنت صاحب رسول الله   (1) في البخاري من كتاب مناقب الأنصار ج 4 ص 240 ورد الحديث المذكور بألفاظ قريبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 صلى الله عليه وسلم تدخل الحمام؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الحمام، فهذا يمنع تأويله بما قال. إذ لا ينكر محمد بن زياد إستعمال المسخن على ثوبان، ولكن إسناده ضعيف جدا اهـ منه ص 247 من الجزء الرابع. وذكر ابن حجر الهيثمي في شرح الشمائل؛ أنه وقع كلام الدميري وغيره دخوله صلى الله عليه وسلم للحمام، وممن نقل ذلك عن الدميري الشيخ التاودي في شرح جامع خليل. وقال عقبه: قال النووي في شرح المهذب: هو حديث ضعيف. اهـ فلم يجزم بالبطلان كعبارة المواهب السابقة. وربما يستروح وجوده في الزمن النبوي من الأحاديث الواردة في أحكامه، انظر كتب السنن، ورسالتنا: الإلمام بما ورد في الحمام. وفي كشف الغمة للعارف الشعراني: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطهرون بالماء المسخن بالنار، ويكرهون التطهير بالماء المشمّس اهـ وفي الأحياء: دخل الصحابة لحمامات الشام، وقال ابن عمر: الحمام من النعيم الذي أحدثوه. وعن أبي الدرداء وأبي أيوب: نعم البيت الحمام يطهر البدن ويذكر النار اهـ. وقد ذكر الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي: أن جماعة من الصحابة كانوا يغتسلون بالماء الحار منهم: عمر وولده عبد الله، وابن عباس، وسلمة بن الأكوع، والأسلع بن شريك. وغيرهم- انظر الكلام على قول عائشة: أسخنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ماء في الشمس ليغتسل به، فقال لي: «يا حميراء لا تفعلي، فإنه يورث البرص» . في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي، وتخريج أحاديث شرح الرافعي الكبير لابن حجر، وانظر السعاية على الوقاية لأبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي الهندي ص 336 وص 192 منه أيضا. وضوؤه عليه السلام في آنية زجاج بوّب ابن خزيمة في صحيحه: الوضوء من آنية الزجاج. وروى من طريق أحمد بن عبدة عن حماد بن زيد عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بإناء من ماء فأتي بقدح من زجاج. قال ز على هب: مثلث الزاي كما في النور اهـ وقال الحافظ في الفتح بزاي مضمومة وجيمين. وتبويب ابن خزيمة ضد قول من زعم من الصوفية: أن ذلك إسراف، لإسراع الكسر إليه. وفي مسند أحمد عن ابن عباس أن المقوقس أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم قدحا من زجاج، لكن في إسناده مقالا. وفي المواهب: بعث به إليه النجاشي فكان يشرب منه، زاد الشامي: وآخر من فخار اهـ. وضوؤه صلى الله عليه وسلم في الطست من صفر وغيره في الصحيح عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ دعا بإناء من ماء فأتي بقدح رحراح، فيه شيء من ماء فوضع أصابعه فيه. قال الحافظ رحراح بمهملات مفتوحة بعدها سكون أي متسع الفم. قال الخطابي: الرحراح: الإناء الواسع الصحن القريب القعر، وهذه الصفة شبيهة بالطست اهـ منه وأخرج البيهقي في الشعب والخطيب البغدادي والديلمي في مسند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الفردوس، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رفعه: أترعوا الطسوس وخالفوا المجوس. أترعوا: أي إملأوا والطسوس من جموع الطست. الإناء المعروف وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم توضأ في المخضب، وهو ما يغسل فيه الثياب من الخشب أو الحجارة. وفي القدح أواني الخشب والحجارة، وفي تور شبه الطست إناء من صفر، وفي آنية النحاس، وفي قدح من زجاج، وقد ترجم لكل ذلك البخاري في كتاب الوضوء «1» ، وفي سنن أبي داود: باب الوضوء في آنية الصفر، وبوّب الحافظ نور الدين الهيثمي في المجمع: باب الوضوء من النحاس، وانظر تأليفنا في حديث: أترعوا الطسوس. صاحب السواك «في البخاري أن صاحب السواك والوساد ابن مسعود» . وترجم في الإصابة لبريرة، مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أن ابن أبي شيبة، خرّج عن عبد الله بن بريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من الليل، دعا جارية له يقال لها: بريرة بالسواك، وانظر تأليف سيدنا الخال في السواك وما يتعلق به. اتخاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرسي «ذكر الدارقطني في العلل، من حديث علي، قال: كنت آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم كل غداة؛ إذا تنحنح دخلت، وإذا سكت لم أدخل قال: فخرج إليّ فقال: حدث البارحة أمر سمعت خشخشة في الدار، وذكر قصة فيها، فإذا بجرو للحسن تحت كرسي لنا، وفي «المشرع الروي» : الكرسي هو الذي يجلس عليه، وقيل لا يفضل عن مقعد القاعد» . ذكر جلوس النبي صلى الله عليه وسلم على الكرسي «في صحيح مسلم «2» وسنن النسائي والنص لمسلم: عن حميد بن هلال قال: قال أبو رفاعة العدوي: إنتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقلت: يا رسول الله رجل غريب يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه. قال: فأقبل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك خطبته حتى انتهى إلي فأتى بكرسي حسبت قوائمه حديدا قال: فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته فأتم آخرها» . الحديث المذكور أغفله السيوطي في الجمع، والهندي في الكنز فاقتصرا على عزوه للطبراني في الكبير، وأبي نعيم، مع أنه كما علمت في مسلم، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد، وفيه جلوسه صلى الله عليه وسلم على كرسي قوائمه من حديد، حتى في المسجد والناس ينظرون، ففيه جواز ذلك، وأنه لا يعد مذموما، وقد قربت مرة إلى رجل من الصالحين كرسيا لجلوسه، فأبى ورأى أنه من التشبه المذموم.   (1) هو في البخاري كتاب الوضوء باب 45، 46. ج 1 ص 57، 58. (2) في الجزء الأول كتاب الجمعة باب 15 ص 597. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وقد ترجم البخاري في الأدب المفرد باب الجلوس على السرير. فذكر قصة جلوس معاوية على سرير، وقول أبي قرة: جلست مع ابن عباس على السرير. وقول أبي جمرة: كنت أقعد مع ابن عباس فكان يقعدني على سريره. فقال لي: أقم عندي حتى أجعل لك سهما من مالي فأقمت عنده شهرين، وقصة جلوس أنس مع أمير البصرة الحكم على سرير، وقصة أبي رفاعة العدوي السابقة عن مسلم، وفيها فأتى بكرسي خلت قوائمه من حديد. قال حميد: ولكن: زاد أراه خشبا أسودّ حسبته حديدا، فقعد عليه. وعن موسي بن دهقان قال: رأيت ابن عمر جالسا على سرير عروس عليه ثياب حمر. وعن عمران بن مسلم قال: رأيت أنسا جالسا على سرير واضعا إحدى رجليه على الآخرى والله أعلم. «وقد ذكر المبرد في الكامل في قصة حبس عمر بن الخطاب للحطيئة على هجوه للزبرقان قال: إن عمر دعا بكرسي فجلس عليه، ودعا بالحطيئة فأجلس بين يديه، ودعا بالة القطع يوهمه أنه عامل على قطع لسانه الخ القصة، وفي سنن النسائي عن عبد خير قال: شهدت عليا دعا بكرسي فقعد عليه، ثم دعا بماء في تور فغسل يديه ثلاثا الخ القصة» «1» . وفي تاريخ الوزير جودت باشا التركي نقلا عن تاريخ واصف أفندي التركي، أن سيدنا يوسف عليه السلام، كان يجري الأحكام وهو جالس على كرسيه، وأن سيدنا سليمان عليه السلام كان ينفذ الأحكام أيضا، وهو على كرسي مرتفع، وأن سيدنا معاوية إتخذ لنفسه دائرة خصوصية، كان يجلس فيها على كرسي مثل التخت، ويجري الأحكام اهـ. وأخرج أبو نعيم في الحلية، عن يحيى بن أيوب، عن الكناني رسول عمر إلى هرقل، وكان يقال له جثامة بن مساحق بن الربيع بن قيس الكناني قال: جلست فلم أدر ما تحتي، فإذا تحتي كرسي من ذهب، فلما رأيته نزلت عنه، فضحك فقال لي: نزلت عن هذا الذي أكرمناك به؟ فقلت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا- انظر ترجمة جثامة بن مساحق من فضائل الصحابة من كنز العمال. فانظر كيف جلس على الكرسي أولا ثم نزل عنه، لا لأنه كرسي بل لما رآه من ذهب، فلو وجده من غيره مما يباح إستعماله لاسترسل جالسا عليه. والله أعلم. في السقّاء وفيه فصول فصل في أنه عليه الصلاة والسلام كان يستعذب له الماء. «في باب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم للأصبهاني عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعذب له الماء من بيوت السقيا قال قتيبة: وهي عين بينها وبين المدينة يومان اهـ «2» » . قال السيد السمهودي في الخلاصة حين ذكره حديث عائشة المذكور: رواه أبو داود   (1) انظره في ج 1 ص 83 ورقمه 113 من سنن أبي داود وص 69/ 1 من النسائي. (2) هو في آخر كتاب الأشربة من الجزء الرابع ص 119 ورقمه: 3735. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 بهذا اللفظ وسنده جيد وصححه الحاكم. وللواقدي من حديث سلمى إمرأة أبي رافع، قالت: كان أبو أيوب، حين نزل عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستعذب له الماء من بير مالك بن النضر، والد أنس، ثم كان أنس وحارثه أبناء أسماء يحملون الماء إلى بيوت نسائه من بيوت السقيا، وكان رباح عبده الأسود يسقي له من بير عرس مدة، ومن بير السقيا التي ذكرها المطيري أنها آخر منزلة السقاء على يسار السالك إلى بير علي بالمحرم، ثم قال بعد تفسير قتادة السابق ما نصه: العين المذكورة معروفة بطريق مكة القديمة، وهي من عمل الفرع. وعلى ما قاله المجد: ألا أنها ليست المرادة هنا، فكأنه لم يطلع على أن بالمدينة سقيا اهـ راجع ص 223 وص 228 من الخلاصة وأصلها. فصل في سقي الماء له عليه السلام من الآبار الطيبة بالمدينة ترجم في الإصابة للهيثم بن نصر بن زاهر الأسلمي فقال: ذكره الواقدي ممن خدم النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج بسند له عنه قال: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم، ولزمت بابه في قوم محاويج، فكنت آتيه بالماء من بير أبي الهيثم بن التيهان جارهم، وكان ماؤها طيبا، ولقد دخل يوما ضائفا على أبي الهيثم ومعه أبو بكر فذكر القصة. فصل فيما جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان يبرّد له الماء «في صحيح مسلم عن جابر في حديثه الطويل، في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: يعني جابر، فأتينا العسكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جابر ناد بوضوء قال: قلت يا رسول الله، ما وجدت في الركب من قطرة. وكان رجل من الأنصار يبرّد لرسول الله صلى الله عليه وسلم الماء في أشجاب له على حمارة من جريد، وفي المشارق: أشجاب جمع شجب بسكون الجيم وفتح الشين وهو ما قدم من الغرب، والحمارة وتسمى الحمار، وهي الأعواد التي تعلق عليها هالة القربة، والجريد سعف النخل» [انظر كتاب الزهد ص 2307 ج/ 3] . فصل في طلبه عليه السلام ماء زمزم من مكة إلى المدينة وتحريضه على التعجيل بأصرح عبارة ترجم في الاصابة لأثيلة الخزاعي فذكر عن أبي قرة موسى بن طارق أن النبي صلى الله عليه وسلم، كتب إلى سهيل بن عمرو: إن جاءك كتابي ليلا فلا تصبحن، أو نهارا فلا تمسين، حتى تبعث إلي من ماء زمزم. قال: فاستعان سهيل بأثيلة الخزاعي، حتى جعل مزادتين ملأهما سهيل من ماء زمزم، وبعث بهما على بعيره «1» ، ورواه المفضل بن محمد الجنوي. ثم ترجم في الاصابة أيضا: أزيهر؛ مولى سهيل بن عمرو له صحبة، أرسله مولاه سهيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بماء زمزم،   (1) لا شك بأن هذه الرسالة: إنما كانت بعد فتح مكة سنة 8 للهجرة لأن سهيلا المذكور إنما أسلم عام الفتح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وروى الفاكهي من طريق محمد بن سليمان عن حرام بن هشام عن أبيه عن أم معبد قال: مرّ بي بخيمتي غلام سهيل أزيهر ومعه قربتا ماء، فقلت: ما هذا؟ فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى مولاه سهيل يستهديه ماء زمزم، فإني أعجل السير، لكيلا تنشف القرب. فصل في الروايا تسافر مع المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن كان يذهب يملأها ترجم في الاصابة لفائد مولى عبد الله بن سلام فقال: أخرج له المفيد بن النعمان الرافضي في مناقب علي حديثا من طريق ابراهيم بن عمرو عمن حدثه عن فائد مولى عبد الله بن سلام قال: نزل النبي صلى الله عليه وسلم الجحفة في غزوة الحديبية، فلم يجد ماء فبعث سعد بن مالك فرجع بالروايا واعتذر، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا فلم يرجع حتى ملأها، ورمز لهذه الترجمة بحرف الزاي. فصل في ساقي النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين خرّج مسلم عن انس قال: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدحي هذا الشراب كله، العسل والنبيذ والماء واللبن. [انظر كتاب الأشربة ج 2 ص 1591] . فصل في ساقيه عليه السلام من اليهود في صبح الاعشى ص 344 من الجزء السادس؛ أنه عليه السلام استسقى فسقاه يهودي فقال له: جمّلك الله فما رأي الشيب في وجهه حتى مات، وأخذ منه جواز الدعاء للكفار في المخاطبات. قلت: كأن هذه القصة هي الآتية تحت ترجمة دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن أزال شعرة من مائه. ومن باب استخدامه عليه السلام ليهودي ما في طبقات ابن سعد في ترجمة أسق اليهودي مولى عمر بن الخطاب؛ أنه كان مملوكا لعمر بن الخطاب وكان يعرض عليه الإسلام فيأبى فقال له عمر: لا إكراه في الدين، فلما حضرت عمر الوفاة أعتقه، وهو نصراني وقال: إذهب حيث شئت. انظر ص 109 من ج 6. فصل في سقي الماء «في الصحيح عن ثعلبة بن أبي مالك أن عمر بن الخطاب قسم مروطا بين نساء من نساء المدينة، فبقي مزط جيد، فقال له بعض يا أمير المؤمنين أعط هذا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك، يريدون أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، فقال عمر: أم سليط احق، أم سليط من نساء الانصار ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر: فإنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد، وفي المشارق: تزفر لنا القرب أي تحملها على ظهرها تسقي الناس منها» . [انظر صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير ج 3 ص 222] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 الانتباذ في الاواني الخضر ترجم ابن الاثير في أسد الغابة وابن حجر في الاصابة مسلم بن عمير الثقفي، فذكر أن الطبراني أخرج عن عمير قال: أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جرة خضراء فيها كافور، فقسمه بين المهاجرين والأنصار وقال: يا أم حليمة انتبذي لنا منها، وفي التجريد للذهبي: مسلم بن عمير الثقفي روى عنه مزاحم بن عبد العزيز إن صح الحديث. دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن أزال شعرة من مائه ترجم الحافظ في الاصابة لأبي زيد بن أخطب، فذكر أن أحمد خرّج عنه قال: استسقى النبي صلى الله عليه وسلم ماء، فأتيته بقدح فيه ماء، فكانت فيه شعرة فأخذتها، فقال: اللهم جمّله. قال فرأيته ابن أربعة وتسعين، ليس في لحيته شعرة بيضاء، وصححه ابن حبان والحاكم. الخادم يخدم عند الأكل ذكر أبو عمرو صاحب التهذيب في مواليه عليه السلام أبا عبيد وقال: هو الذي قال له عليه السلام: ناولني الذراع فقال: كم للشاة من ذراع؟ فقال: فو الذي نفسي بيده لو سكتّ لناولتني الذراع ما دعوت، أخرجه في الشمائل قال أبو عمرو: يقال إنه خادمه. أوانيه عليه السلام قال العاملي في بهجة المحافل: كان له عليه السلام قصعة يقال لها الغرّاء يحملها أربعة رجال، لها أربع حلق. قال العلامة ابن الأشخر اليمني في شرحها: رواه أبو داود عن عبد الله بن بشر، ورواه الطبراني عن عبد الله بن زيد قال العامري: وكان له خشب بثلاث ضبات من فضة وقيل من حديد وفيه حلق تعلق به، وكان بعده عند أنس بن مالك، ثم عند بنته بعد، وكان له قدح من زجاج. قال ابن الأشخر: يشرب فيه. كما رواه ابن ماجه عن ابن عباس وقال: من قوارير اهـ وكان له قدح آخر يقال له: الريان (قدح من الحجارة) ومخضب من شبه، يكون فيه الحناء والكتم يوضع منه على رأسه إذا وجد حرا، وكان له مغتسل من صفر، وصاع يخرج به فطرته عليه السلام. قال ابن الأشخر: وكان له سرج يسمى الراج بالمهملة والجيم وكان له بساط يسمى الكز بالكاف والزاي، وكان له ركوة تسمى الصادر. أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس. وكان له قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل. أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم عن أميمة بنت رقية، والعيدان بفتح المهملة جمع عيدانة وهي النخلة الطويلة اهـ. هل كانوا يهنئون الشارب في الزمن النبوي عن ابن جريج قال: أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان وهي الطوال من النخل، ثم توضع تحت سريره فجاء فإذا القدح ليس فيه شيء. فقال: لإمرأة يقال لها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 بركة، كانت تخدم أم حبيبة جاءت معها من أرض الحبشة أين البول الذي كان في القدح؟ قالت: شربته قال: صحة يا أم يوسف فما مرضت قط، حتى كان مرضها الذي ماتت فيه رواه عبد الرزاق في مصنفه. وأبو داود متصلا عن ابن جريج، عن حكيمة عن أمها أميمة. وصحح ابن دحية أنهما قصتان وقعتا لإمرأتين وقد وضح أن بركة أم يوسف غير بركة أم أيمن، وهو الذي ذهب إليه البلقيني قلت: وحكيمة المذكورة بضم الحاء المهملة وفتح الكاف مصغر كما في التبصير وغيره تابعية، وفي الاصابة عن أبي نعيم: لم يرو عنها إلا ابن جريج ونحوه في مختصر التهذيب، فإنه لم يذكر لها راويا سواه، وفي مرقاة الصعود للسيوطي: لم يرو عن حكيمة إلا ابن جريج. زاد الذهبي: روي عنها بصيغة عن أي وهو مدلس فيتقي من حديثه ما عنعن فيه. وكذا لأبي داود وأبي نعيم. لكن في الإستيعاب وجامع الرّعيني بصيغة التحديث. فإن ثبت، فلم يبق إلا الجهل بحكيمة فقد قال الذهبي في الميزان: في ترجمة حكيمة: غير معروفة، قال الزرقاني المالكي على قوله عليه السلام لها: صحة بكسر الصاد والنصب أي جعله الله صحة، أو الرفع أي ما شربته صحة أي سبب لها. وفيه إن قول ذلك مستحب للشارب، ويقاس عليه الأكل. وحكمته: أنه يخشى منهما السقم ونحوه كما قيل: فإن الداء أكثر ما تراه ... يكون من الطعام أو الشراب اهـ منه ص 268 من الجزء الرابع. وقال الشهاب الخفاجي في شرح الشفا على الحديث المذكور ص 451 من الجزء الأول ما نصه: في قوله عليه السلام: صحة. ما يدل على أن الدعاء به بعد الشرب سنة لا بدعة اهـ ثم وجّه بما سبق عن الزرقاني، وأنشد البيت المذكور أيضا. وفي حاشية النور على الشبراملسي على المواهب على قوله: صحة أيضا: يوخذ منه أن قول صحة سنة، وينبغي أن يكون مثل الشرب الأكل اهـ. وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن الحاج العبدري المالكي في المدخل ص 196 من الجزء الأول: قول: صحة لمن يفرغ من الشرب، وإن كان دعاء حسنا، فاتخاذه عند الشرب بدعة. فإن قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم أيمن، لما أن شربت بوله: صحة فهذا ليس فيه حجة، فإنه لم يكن ثم ماء يشرب، وإنما هو البول وهو إذا شرب عاد بالضرر، فقال عليه السلام: صحة لينفي عنها ما تتوقعه، مما جرت به العادة من بول غيره بخلاف شرب الماء. ويدل على ذلك أنّه لم ينقل عنه عليه السلام هذا اللفظ في غير هذا الموطن، ولا عن أحد من الصحابة والسلف فلم يبق إلا أن يكون بدعة اهـ وهو وجيه، إلّا أن آداب الإسلام لا تنافي التهنئة بالشراب والأكل. وقول صحة للشارب جرت مجرى الليل والنهار، في المغرب الأوسط، حتى ربما كنت أستثقل هناك الشراب لأجل تهافتهم على تهنئة الشارب بها من أفواه جميع من حضر. وفي الحجاز ومصر يقولون: هنيئا مريئا. وربما يقام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 لهم الدليل علي ذلك من حكايته سبحانه عن تهنئة أهل الجنة لمن يأكل فيها من الداخلين: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ [الحاقة: 24] . وقد رأيت في رحلة عالم المغرب الأوسط الشيخ أبي راس المعسكري، أنه لما دخل إلى فاس حضر وليمة بها، فشرب بعض الطلبة بمحضره. قال: فبادرته بلفظ: صحة فضحك مني من حضر، حتى قرعت سن الندم. ثم قلت: ما سندكم في الترك؟ فقالوا: تلك عادتنا. فقلت: تستدلون بنقل على ذلك؟ فقالوا بأجمعهم: وأي نقل في هذا؟ فقلت: إن شهاب الدين الخفاجي نصّ على السنة، وصاحب المدخل على عكسه. وكان الشيخ الطيب بن كيران متكئا. ولما سمع النقل استوى كاستواء المأمون لما لحنه النضر بن شميل وقال: أيوجد النقل على ذلك والإختلاف على ما هنالك؟ فقلت: نعم وأحلتهم على كلام الشهاب والمدخل، قال فاعترفوا بفضلي وبصحة نقلي اهـ كلامه ملخصا. وقد علمت مما سبق أن الزرقاني من محدثي المالكية صرّح باستحباب التهنئة، وتصريح شيخه النور الشبراملسي الشافعي بالإستحباب، فتأيد تصريح الشهاب الخفاجي مع العمل المتوارث بالمشرق وغيره اليوم. وفي شرح منظومة الآداب للمحدث السفاريني الحنبلي؛ ذكرهم أي فقهاء الحنابلة أن الحامد أي بعد الأكل يدعى له: يدل على أنه يدعى للآكل والشارب بما يناسب الحال. والقول بالإستحباب مطلقا هو مقتضى كلام ابن الجوزي. اهـ انظر بقيته في ص 134 من الجزء الثاني وهو ملخص من كلام مطوّل في المسألة للإمام بن مفلح في كتابه: الآداب الكبرى انظرها ولا بد. والله أعلم. ثم بعد هذا بمدة، وقفت على كلام في الباب للشهاب بن حجر الهيثمي في فتاويه الفقهية؛ لا أجمع منه ولا أجود، وهذا سياقه رحمه الله: سئل عما اعتيد من قول الإنسان لمن يفرغ من شربه: صحة ونحو ذلك، هل له أصل أو هو بدعة؟ فأجاب بقوله: يمكن أن يقال إن له أصلا ويحتج بقوله صلى الله عليه وسلم لأم أيمن لما شربت بوله صلى الله عليه وسلم: صحة يا أم أيمن لن يلج النار بطنك، ووجه القياس أن المختار عند كثير من أئمتنا طهارة فضلاته عليه السلام، وأن بوله شفاء أي شفاء. فإذا قال ذلك لشاربته، فلا بدع أن يقاس عليه قول مثله لشارب الماء، لا يقال لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم قول ذلك في غير هذه الواقعة لأنا نقول: لا يشترط في الإقتداء به صلى الله عليه وسلم فيما يفعله على جهة التشريع تكرّر ذلك الفعل منه صلى الله عليه وسلم؛ بل يكفي صدور ذلك منه كذلك ولو مرة، كما هو واضح، على أن عدم النقل في غير هذه الواقعة لا يدل على عدم الوجود. وليس هذا مما تتوفر الدواعي على نقله، وبقولنا: إن بوله صلى الله عليه وسلم شفاء اندفع ما قيل هذا لا حجة فيه، لأنه لم يكن ثم ما يشرب، وإنما هو البول، وهو إذا شرب عاد بالضرر. فقال: صحة لينفي عنها ما تتوقعه مما جرت به العادة من بول غيره عليه السلام، فتضمن ذلك دعاء وإخبارا بخلاف شرب الماء اهـ فقوله: لينفي عنها ما تتوقعه، يردّ بأنه تقرر عند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 أم أيمن وغيرها أنه شفاء، ولم تقصد بشربه إلا ذلك، فاندفع جميع ما ذكره، ويمكن أن يقال: لا حجة فيه لا لما ذكره هذا القائل، بل لكونه صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك إلّا تحقيقا لما قصدته من شرب البول، فإنها إنما شربته للتداوي وطلب الشفاء، فقال لها صلى الله عليه وسلم: صحة تحقيقا لقصدها، وإجابة لما مر لها، وإخبارا بأن ما قصدته من الصحة قد حصل وتحقق، وهذا معنى ظاهر إرادته من اللفظ، وعند ذلك لا يبقى في الخبر دلالة ظاهرة على أن فيه دليلا لندب ذلك عند شرب الماء، نعم فيه دلالة ظاهرة لندبه عند شرب الدواء لأنه على طبق النص فلا فارق بينهما اهـ منها ص 117 من الجزء الثالث. الامارة على الحج «قال عياض في الإكمال: أول من أقام للمسلمين الحج عتاب بن أسيد سنة ثمان، ثم أبو بكر سنة تسع، وحج صلى الله عليه وسلم سنة عشر، وقال ابن جماعة في مختصر السير: إنه صلى الله عليه وسلم حج سنة عشر، معه مائة ألف وعشرون ألفا» . وانظر ما سبق عن نور النبراس، وفي حواشي الشبراملسي على المواهب بعد أن ضبط لفظ عتّاب بتشديد المثناة وفتح العين المهملة وأسيد بوزن أمير قال ما نصه: وكان عتاب أميرا على مكة، ومعه معاذ بن جبل يعلمهم الفقه والسنن، وكان عمر عتّاب إذ ذاك قريبا من عشرين سنة اهـ. وفي الاصابة أسلم يوم الفتح، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مكة، لما سار إلى حنين واستمر. وقيل: إنما استعمله بعد أن رجع من الطائف وحج بالناس سنة الفتح، وأقره أبو بكر على مكة إلى أن مات عتاب يوم مات أبو بكر. ذكر جميع ذلك الواقدي وغيره. وكان عمره حين استعمله نيفا وعشرين اهـ. وفي أسد الغابة: أقام للناس الحج سنة ثمان وحج المشركون على ما كانوا، وحج أبو بكر سنة تسع، فقيل: كان أبو بكر أولّ أمير في الإسلام، وقيل: كان عتاب اهـ. صاحب البدن «في الموطأ «1» عن هشام بن عروة عن أبيه أن صاحب هدي النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من البدن؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كل بدنة عطبت من الهدي فانحرها، ثم ألق قلائدها «2» في دمها، ثم خلّ بينها وبين الناس يأكلونها. وفي النسائي عن ناجية الخزاعي قال: قلت: يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من الهدي؟ فقال: انحرها. الحديث» .   (1) انظر الموطأ كتاب الحج باب 47 ص 380 رقم الحديث 148. (2) في الأصل: قلائدها، وفي الموطأ: قلادتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 حجابة البيت وهي العمارة والسدانة فصل في ذكر من وليها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم «قال القاضي أبو محمد عبد الحق بن عطية في التفسير: عمارة البيت هي السدانة، وكان يتولاها عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، وشيبة بن عثمان، وهذان هما اللذان دفع إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة، في ثاني يوم الفتح، بعد أن طلبه العباس وعلي، وقال لعثمان وشيبة: يوم وفاء وبر؛ خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم يعني السدانة» . وفي رواية: خذوها أي سدانة الكعبة خالدة تالدة، قال المحب الطبري: لعل تالدة من التالد وهو المال القديم، أي هي لكم من أول الأمر وآخره. واتباعها لخالدة بمعناها. ثم قال: لا ينزعها منكم إلا ظالم. وفي رواية لا يظلمكموها إلا كافر، أي كافر نعمة الله العظيم عليه. ويحتمل الحقيقة أي إن استحل. ثم قال: يا عثمان إن الله إستأمنكم على بيته، فكلوا مما يصلكم من هذا البيت بالمعروف، أي بسبب خدمته على سبيل الشرع والبر. قال المحب الطبري في الباب الثامن والعشرين، من كتاب القرى: ربما تعلق بعض الجهال به في جواز أخذ الأجر على دخول الكعبة، ولا خلاف في تحريمه، وأنه من أشنع البدع. وهذا أي قوله: فكلوا مما يصل، إن صح احتمل أن معناه ما يأخذونه من بيت المال على خدمته، والقيام بمصالحه، ولا يحل لهم إلا قدر ما يستحقونه، وما يقصدون به من البر والصلة على وجه التبرر بهم فلهم أخذه، وفي ذلك أكل بالمعروف اهـ. وحكى على هذا الزرقاني في شرح المختصر الإجماع. ووجهه: أن أخذ الأجرة إنما يجوز على ما يختص الإنسان بمنفعته، والإنتفاع به، والبيت لا يختص به أحد دون أحد، فلا يجوز لهم أخذ الأجرة على فتحه، وإنما لهم الولاية على فتحه وإغلاقه، في الأوقات التي جرت العادة بفتحه فيها، ولا يجوز لهم إغلاقه ومنع الناس دائما. قاله الشيخ أبو عبد الله الحطاب الرعيني المكي المالكي في شرح المختصر، ثم قال: والظاهر، وإن لم أقف على نص، أن حكم فتح المقام وأخذ الأجرة عليه كذلك، وقال الحطاب في باب النذر من شرح المختصر أيضا: والمحرم إنما هو نزع المفتاح منهم، لا منعهم من إنتهاك حرمة البيت، وما فيه أدب فهذا واجب لا خلاف فيه. لا كما يعتقده الجهلة أنه لا ولاية لأحد عليهم، وأنهم يفعلون في البيت ما شاؤوا. فهذا لا يقوله أحد من المسلمين. وقال الحطاب أيضا بعد ذكره عدة روايات من قصة تسليم المصطفى لهم المفتاح: هذه الأخبار كلها دليل على بقاء عقبهم إلى الآن، ولا التفات إلى قول بعض المؤرخين؛ وهو الشريف محمد بن أسعد الحراني النسابة في كتابه «الجوهر المكنون في القبائل والبطون» أن عقبهم إنقطع في خلافة هشام بن عبد الملك، فإنه غلط لقول مالك أي: في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 كتاب النذور من المدونة: لا يشرك مع الحجبة في الخزانة (بكسر الخاء هي أمانة البيت قاله في التنبيهات) أحد، لأنها ولاية منه صلى الله عليه وسلم، ومالك ولد بعد هشام، وذكر ابن حزم وابن عبد البر جماعة منهم في زمانهم وعاشا إلى بعد نصف المائة الخامسة، وكذا ذكر العلامة القلقشندي (صاحب صبح الأعشى) وعاش إلى 821. ولا دلالة لزعمهم انقراضهم في إخدام معاوية عبيدا؛ لأن إخدامها غير ولاية فتحها كما هو معلوم، وكثيرا ما يقع في كلام المؤرخين كالأزرقي والفاكهي ذكر الحجبة ثم الخدمة بما يدل على التغاير بينهما اهـ ملخصا. غريبة في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم، لما أنزل عليه الأمر برد الأمانة إلى أهلها، ناول عثمان الشيبي مفتاح الكعبة وقال له: غيبه، وفي رواية الواقدي عن مشيخته أنه عليه السلام أعطاه المفتاح، ورسول الله مضطبع بثوبه عليه وقال: غيبوه، إن الله رضي لكم بها في الجاهلية والإسلام. وذكر الفاكهي في اخبار مكة؛ أنه دفعه إليه من وراء الثوب وقال: غيبوه. قال الزهري: فلذلك تغيب المفتاح. قال الحطاب: فلذلك والله أعلم: يرخون البيوت عند فتحه وعند إغلاقه اهـ. قلت: ورد ذلك من حديث السائب بن يزيد، ومحمد بن جبير بن مطعم وابن سابط خرجه الطبراني في الكبير، وابن عساكر وابن أبي شيبة وغيره- انظر كنز العمال في باب فضائل الكعبة. وفي خطبته عليه السلام في زمن الفتح: ألا كلّ مأثرة أو ذي مال، فهو تحت قدمي هاتين. إلا سدانة البيت وسقاية الحاج. قال ابن باديس: طرح عليه السلام كل مأثرة، وهي المكرمة التي كانت الجاهلية تتكبر بها، وتفاخر وقوله: تحت قدمي أي مطروح ملقى من قول العرب: جعلت هذا الأمر تحت قدمي. أي لم ألتفت إليه، كما لا يلتفت إلى ما وضع تحت الأقدام لهوانه، واستثنى من ذلك السدانة و السقاية ، لأن فيها تعظيم حرمات الله من حفظ البيت والقيام عليه، واختصت السدانة ببني شيبة ولاية من النبي صلى الله عليه وسلم لهم عليها، فتبقى دائمة لهم ولذراريهم أبدا، ولا ينازعوا ولا يشاركوا ما داموا موجودين صالحين لها لقوله: لا ينزعها منكم إلا ظالم اهـ. السقاية «كانت قبل الإسلام لبني عبد المطلب، فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم لهم في الإسلام «1» ، حتى قال لهم عليه السلام؛ وقد أتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال: انزعوا بني عبد   (1) أصل الحديث في مسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه في باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم ج 1 ص 892 رقم الباب 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم، فناولوه دلوا فشرب منه. مباشرته عليه السلام لنحر الهدي بيده الكريمة في حجة الوداع واذنه لعلي في إتمام البقية في صحيح مسلم؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثا وستين ناقة بيده. أي باشرها بيده، وهي رواية الجماعة، قال القاضي عياض وعند ابن ماهان بدنة مكان بيده وكلاهما صواب. لكن نحره بيده هو المروي لقوله: ثم أعطى عليا فنحر ما بقي، وكانت عدتها مائة على ما جاء في الحديث. واختصت الثلاثة والستون به قيل: لأنه أتى بها معه من المدينة على ما ذكره الترمذي. قال القاضي: وذكر بعض أصحاب المعاني أن نحره عليه السلام تلك بيده، كان إشارة إلى منتهى عمره، فيكون قد نحر عن كل عام من عمره بدنة اهـ قاله في الفوائد. وفي سنن النسائي أنه عليه السلام أشرك عليا في بدنه، ثم أخذ من كل بدنة بضعة، فجعلت في قدر، فطبخت فأكل صلى الله عليه وسلم وعلي من لحمها، وشرب من مرقها. قلت: وهذا يدل على كثرة من حضر الموقف، وعظيم العمارة بمكة، لأن من يأكل مائة ناقة كثير. تنبيه: ألف في حجة الوداع، التي هي آخر حجاته عليه السلام الحافظ أبو محمد بن المنذر، والحافظ أبو جعفر أحمد بن عبد الله الطبري، وأبو الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي الشافعيون، وأبو محمد بن حزم الظاهري، وبسط الكلام عليها الحافظ ابن القيم في الهدي النبوي، والحافظ ابن كثير الشافعي في كتابه: السيرة من تاريخه المسمى «البداية والنهاية» وهو أوسع من الذي قبله، وكل منهم ذكر أشياء لم يذكرها الآخر. وجمع ذلك كله وزاد عليه الحافظ الشامي في سيرته فتتبع وقائعها قدما بقدم؛ كأنه حضرها جزاه الله خيرا. وممن ساقها سياقا عجيبا مختصرا مفيدا الشيخ الأكبر ابن عربي الحاتمي في المحاضرات، اعتمد فيها سياق ابن حزم فانظرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 القسم الثالث في العمليات الكتابية وما يشبهها وما يضاف إليها وفيه أبواب: الباب الأول في كتّاب الوحي وفيه فصول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 العمليات الكتابية «في كتاب «1» «أنباء الأنبياء، وتواريخ الخلفاء، وولايات الملوك والأمراء» : كان عثمان بن عفان وعلي يكتبان الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن غابا كتب أبي بن كعب وزيد بن ثابت اهـ وفي الإستيعاب ص 26 ج 1 وكان أبي بن كعب ممن كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي قبل زيد بن ثابت ومعه أيضا، وكان زيد ألزم الصحابة لكتابة الوحي، وكان أبي إذا لم يحضر دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت، وكان أبي وزيد يكتبان الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ» . ونحوه في العقد الفريد لابن عبد ربه انظر ص 143 من الجزء الثاني قال القضاعي: فإن لم يحضر أحد منهم، كتب الوحي من حضر من الكتاب وهم: معاوية، وجابر بن سعيد بن العاصي، وابان بن سعيد، والعلاء بن الحضرمي، وحنظلة بن الربيع، وكان عبد الله بن أبي سرح يكتب الوحي أيضا، فارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين، فلما فتحت مكة استأمن له عثمان بن عفان، فأمّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن اسلامه. باب كتابه عليه السلام مطلقا ذكرهم الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق، فأوصلهم إلى ثلاث وعشرين، وترجم لهم في بهجة المحافل، فأوصلهم إلى خمسة وعشرين، فذكر منهم عليا وأبا بكر وعمر وعثمان وعامر بن فهيرة وعبد الله بن الأرقم، وأبي بن كعب، وثابت بن قيس بن شماس، وخالد بن سعيد بن العاصي، وأخاه حبان «2» وحنظلة بن أبي عامر الأسدي وزيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول والزبير بن العوام ومعيقيب بن أبي فاطمة الدوسي والمغيرة بن شعبة وخالد بن الوليد والعلاء بن الحضرمي وعمرو بن العاصي وجهيم بن الصلت، وعبد الله بن رواحة، ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وكأنه قلد في ذلك ابن عبد البر، فقد أوصلهم إلى العدد المذكور في ترجمة زيد من الإستيعاب، وأوصلهم القرطبي في تفسيره إلى ستة وعشرين، وأوصلهم الشبراملسي في كتاب القضاء، من حاشيته على المنهج في   (1) هو للقاضي محمد بن سلامة القضاعي. نقلا عن كتاب الخزاعي ص 171. (2) بل هو أبان، والتصحيح من جمهرة الأنساب لابن حزم ص 81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 فقه الشافعية إلى أربعين، وأوصلهم العراقي إلى اثنين وأربعين فقال: كتّابه؛ اثنان وأربعونا ... زيد بن ثابت وكان حينا كاتبه، وبعده، معاوية ... ابن أبي سفيان كان واعيه كذا أبو بكر، كذا علي، ... عمر، عثمان، كذا أبي وابن سعيد خالد، وحنظله ... كذا شرحبيل حسنه «1» وعامر وثابت بن قيس ... كذا ابن ارقم بغير لبس واقتصر المزيّ مع عبد الغني ... منهم على ذا العدد المبيّن وزدت من مفترقات السير ... جمعا كثيرا فاضبطنه واحصري طلحة والزبير وابن الحضرمي ... وابن رواحة وجهما فاضمم وابن الوليد خالدا وحاطبا ... هو ابن عمرو وكذا حويطبا حذيفة بريدة أبان ... ابن سعيد وأبا سفيان كذا ابنه يزيد بعض مسلمه ... الفتح مع محمد بن مسلمه عمرو هو ابن العاصي مع مغيرة ... كذا السجل مع أبي سلمه كذا أبو أيوب الأنصاريّ ... كذا معيقيب هو الدوسي وابن أبي الارقم فيهم أعدد ... كذاك ابن سلول المهتدي كذا ابن زيد إسمه عبد الله ... والجد عبد ربه بلا اشتباه واعدد جهيما والعلا ابن عتبة ... كذا حصين ابن نمير أثبت وذكروا ثلاثة قد كتبوا ... وارتدّ كل منهم وانقلبوا ابن أبي سرح مع ابن خطل ... وآخر أبهم لم يسمّ لي ولم يعد منهم إلى الدين سوى ... ابن أبي سرح وباقيهم غوى اهـ وعدهم البرهان الحلبي في الحواشي الشفا فأوصلهم إلى ثلاثة وأربعين، قال الهوريني في المطالع النصرية: ولكن لم يكونوا كلهم كتاب وحي؛ وإنما كان أكثرهم مداومة على ذلك بعد الهجرة؛ زيد بن ثابت، ثم معاوية بعد الفتح اهـ وأصله للنووي قال في التهذيب: قالوا: وكان أكثرهم كتابة زيد بن ثابت، ومعاوية اهـ. وقال الحافظ ابن عبد البر في بهجة المجالس: كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة، وكان كاتبه المواظب على الرسائل والأجوبة، والذي كتب الوحي كله زيد بن ثابت اهـ. وقد ترجم البخاري في كتاب الأحكام «2» باب: ما يستحب للكاتب أن يكون أمينا عاقلا، وذكر فيها قصة زيد بن ثابت مع أبي بكر وعمر، في جمع القرآن، وقول أبي بكر   (1) في الشطر الثاني بياض ولا بد من ضبط الوزن أن يقال: كذا شرحبيل هو ابن حسنه. (2) انظر: باب 37 في الجزء الثامن/ 119. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 لسيدنا زيد: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن واجمعه، قال الحافظ في الفتح: لأنه لو لم تثبت أمانته وكفايته وعقله لما استكتبه النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، وإنما وصفه بالعقل وعدم الإتهام دون ما عداهما إشارة إلى إستمرار ذلك له اهـ. باب في خليفة كل كاتب من كتّابه عليه السلام ذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد، أن حنظلة بن الربيع كان خليفة كل كاتب من كتّابه عليه السلام إذا غاب عن عمله اهـ انظر ص 144 من الجزء الثاني. فائدة: شرحبيل بن حسنة هو أول كاتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله في المواهب. وفيها أيضا نقلا عن الحافظ بن حجر: أول من كتب له عليه السلام بالمدينة أبيّ بن كعب قبل زيد وغيره، وأول من كتب له بمكة من قريش عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري. قال الزرقاني: خرج شرحبيل بن حسنة لأنه كندي فلا يرد على قوله: إنه أول من كتب اهـ. وفي صبح الأعشى ص 89 من الجزء الأول في الباب الرابع من المقدمة في التعريف بحقيقة ديوان الإنشاء: واصل وضعه في الإسلام- بعد أن بين أن الديوان اسم الموضع الذي يجلس فيه الكتّاب- قال: الفصل الثاني في أصل وضعه في الإسلام، وتفرقه بعد ذلك في الممالك ما نصه: إعلم أن هذا الديوان أول ديوان وضع في الإسلام، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكاتب أمراءه، وأصحاب سراياه من الصحابة ويكاتبونه، وكتب إلى من قرب من ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام، وبعث إليهم رسله بكتبه، وكتب لعمرو بن حزم عهدا حين وجهه إلى اليمن، وكتب لتميم الداري وإخوته بإقطاع بالشام، وكتب كتاب القضية بعقد الهدنة بينه وبين قريش عام الحديبية، وكتب الأمانات أحيانا إلى غير ذلك، مما سيأتي ذكره في الاستشهاد به في مواضع، وهذه المكتوبات كلها متعلّقها ديوان الإنشاء، بخلاف ديوان الجيش، فإن أول من وضعه ورتبه عمر بن الخطاب في خلافته اهـ. وفي كتاب مفتاح السعادة ومصباح السيادة للشيخ عصام الدين أحمد بن مصطفى المعروف بطاشكبري زاده: علم الشروط والسجلات وهو العلم 15 منه قال: وهو من فروع الفقه، وهو علم باحث عن كيفية إثبات الأحكام الثابتة عند القاضي في الكتب والسجلات، على وجه يصح الاحتجاج به عند اقتضاء شهود الحال، وموضوعه تلك الأحكام من حيث الكتابة، وبعض مباديه مأخوذ من الفقه وبعضها من علم الإنشاء، وبعضها من الرسوم والعادات والأمور الاستحسانية، ولمحمد بن الصافي تأليف حسن في هذا العلم، والذي يوافق عرف هذا الزمن تأليف محمد بن أفلاطون، واعلم أن هذا العلم من فروع علم الأدب؛ باعتبار تحسين الألفاظ وإخراجها على مقتضى الحال، وقد يجعل من فروع علم الفقه من حيث تراتيب معانيه على وجه يوافق قوانين الشرع، وهذا أوردناه في القسم الأدبي. وفي القسم العلمي أخرى فلا تأخذ في نفسك شيئا قبل أن تقف على حقيقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 الحال اهـ ونحوه في كشف الظنون، بعد أن ذكر من ألف فيه، ومنهم؛ أبو زيد أحمد بن زيد الشروطي الحنبلي، وذكر الجرجاني في ترجيح مذهب أبي حنيفة؛ أن الشروطي لم يسبقه أحد، وأجاب أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي في رده بأن النبي صلى الله عليه وسلم أول من أملى كتب العهود والمواثيق؛ منها عهده لنصارى أيلة بخط علي بن أبي طالب اهـ ص 56 الجزء الثاني. باب في كتاب السر قال المقريزي في الخطط: كتّاب السر رتبة قديمة لها أصل في السنة، فقد خرج أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني في كتاب المصاحف عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها تأتيني كتب لا أحب أن يقرأها كل أحد، فهل تستطيع أن تتعلّم كتاب العبرانية أو قال السريانية؟ فقلت: نعم فتعلمتها في سبع عشرة ليلة «1» . فصل في ذكر كتاب الرسائل والإقطاع «في الاستيعاب ص 26 من ج 1، والإصابة عن الواقدي: أول من كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي مقدمه المدينة أبي بن كعب وهو أول من كتب في آخر الكتاب: وكتبه فلان. وكان إذا لم يحضر دعا زيد بن ثابت فكتب، وكان أبي وزيد يكتبان بين يديه صلى الله عليه وسلم ويكتبان كتبه للناس وما يقطع وغير ذلك، قال أبو عمر: كان من المواظبين على كتب الرسائل عبد الله بن الأرقم الزهري، وذكر عن ابن إسحاق أنه قال: كان زيد بن ثابت يكتب الوحي، ويكتب إلى الملوك أيضا. وكان إذا غاب عبد الله بن الأرقم وزيد بن ثابت واحتاج أن يكتب إلى أمراء الأجناد والملوك، أو إلى إنسان بقطيعة أمر من حضر أن يكتب له. والإقطاع كما في المشارق: تسويغ الإمام من مال الله لمن يراه أهلا لذلك. وفي الاستيعاب: وكتب زيد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر. وكان على بيت المال في خلافة عثمان، وذكر محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استكتب عبد الله بن الأرقم، فكان يجيب عنه إلى الملوك، وبلغ من أمانته عنده أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك فيكتب، ويأمره أن يطيّنه ويختمه وما يقرؤه لأمانته عنده» . وما نقله عن ابن إسحاق في حق عبد الله بن الأرقم خرّجه البيهقي. قال الحافظ في كتاب الأحكام من الفتح بإسناد حسن وخرّجه أيضا البغوي وقال   (1) وفي البخاري روى في كتاب الأحكام باب 40 عن زيد بن ثابت إن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود، حتى كتبت للنبي صلى الله عليه وسلم كتبه، وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه ج 8 ص 120. وروى الترمذي أيضا في كتاب الاستئذان ج 5 ص 67 حديثا بمعناه وأوله: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم له كتاب يهود الخ. فانظره هناك في الباب رقم 22 رقم الحديث 2715. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال عمر: كتب إلى رسول الله كتاب فقال لعبد الله بن الأرقم الزهري: أجب هؤلاء عني، فأجابهم ثم جاء به فعرضه عليه عليه السلام فقال: أصبت بما كتبت. قال عمر فما زالت في نفسي حتى جعلته على بيت المال، وذكر هذه القصة في العتبية وزاد: قال عمر: ما رأيت أخشى لله منه، حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى ابن وهب عن مالك قال: بلغني أن عثمان أجاز عبد الله بن الأرقم، - وكان له على بيت المال- بثلاثين ألفا فأبى أن يقبلها. وروي أنه بلغ من أمانته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك فيكتب، ويأمره أن يطيّنه ويختمه ما يقرؤه لأمانته عنده اهـ من البيان والتحصيل لابن رشد. باب فيمن كان يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم للبوادي كان يكتب له للبوادي معاوية، فقد قال المدائني كما في شرح المواهب: كان زيد بن ثابت يكتب الوحي، ومعاوية يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فيما بينه وبين العرب انظر ص 369 من الجزء الثالث. تنبيه: في الشفا؛ أن رجلا قال للمعافى بن عمران: أين عمر بن عبد العزيز من معاوية؟ يعني أيهما أفضل وخصهما بالسواء لأنهما أمويان، فغضب المعافى على السائل وقال: لا يقاس بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد، معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحيه، لأنه لو لم يستأمنه ما استكتبه الوحي، وكفاه بهذا مرتبة لم يصل إليها عمر بن عبد العزيز وأضرابه، قال الشهاب في نسيم الرياض: والمعافى رجل منطق فما صح عنه يرد ما قيل: إنه لم يكتب له شيئا من الوحي، وإنما كان يكتب له إلى القبائل والجهات اهـ. فصل في كتابته عليه السلام في الجلد ومقداره ترجم في الإصابة لمالك بن أحمر الجذامي العوفي، فذكر أن ابن شاهين أخرج بسنده عنه؛ أنه لما بلغهم مقدم النبي صلى الله عليه وسلم تبوك، وفد إليه مالك بن أحمر فأسلم، وسأله أن يكتب له كتابا يدعوه إلى الإسلام فكتب له في رقعة من أدم (جلد) . وفي طريق آخر: عرضها أربعة أصابع وطولها قدر شبر، وقد انمحى ما فيها، وكذا أخرجه البغوي والطبراني في الأوسط. وهاهنا تنبيه: ترجم في صبح الأعشى لما نطق به القرآن مما يكتب فيه فذكر اللوح، وذلك قوله تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج: 21- 22] الثاني: الرق بفتح الراء قال تعالى: وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ والرق ما يرقق من الجلد ليكتب فيه، الثالث: القرطاس والصحيفة، وهو الكاغذ. ثم عقد فصلا آخر لما كانت الأمم السالفة تكتب فيه، فذكر أن أهل الصين كانوا يكتبون في رق مصنوعة من الحشيش، وعنهم أخذ الناس صناعة الورق، وأهل الهند يكتبون في خرق الحرير الأبيض، والفرس يكتبون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 في الجلود المدبوغة من جلود الجواميس والبقر والغنم والوحوش، وكذلك كانوا يكتبون في اللخاف بالخاء المعجمة وهي حجارة بيض رقاق، وفي النحاس والحديد ونحوهما. وفي عسيب النخل وهي الجريد الذي لا خوص فيه. وفي عظم أكتاف الإبل والغنم، وعلى هذا الأسلوب، كانت العرب لقربهم منهم. واستمر ذلك إلى أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن والعرب على ذلك. وربما كتب النبي صلى الله عليه وسلم بعض مكاتباته في الأدم. وأجمع الصحابة على كتابة القرآن في الرق لطول بقائه، أو لأنه الموجود عندهم حينئذ إلى زمن الرشيد، فأمر أن لا يكتب الناس إلا في الكاغد اه. فصل في كتّاب العهود والصلح «قال أبو عمر: كان الكاتب لعهوده صلى الله عليه وسلم إذا عاهد وصلحه إذا صالح علي بن أبي طالب، وكتب له في قصة الهجرة عامر بن فهيرة عهدا في رقعة من أدم لسراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، وفي بعض الروايات إن الذي كتب له أبو بكر» . فصل فيمن كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أموره الخصوصية ترجم في الإصابة لحصين بن نمير، فنقل عن أبي علي بن مسكويه في كتابه «تجارب الأمم» : الحصين بن نمير في جملة من كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: كذا ذكره العباس بن محمد الأندلسي في التاريخ الذي جمعه للمعتصم بن صمادح. قال: وكان هو والمغيرة بن شعبة يكتبان في حوائجه، وكذا ذكره جماعة من المتأخرين منهم القرطبي المفسر في المولد النبوي، والقطب الحلبي في شرح السيرة، وأشار إلى أن ذلك مأخوذ من كتاب القضاعي الذي صنفه في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أنهما كانا يكتبان المداينات والمعاملات، فلا أدري هل أراد هذا أو الذي قبله؟ وانظر من كان يكتب للمصطفى أموال الصدقات وخرص النخل. وفي المحاضرات للشيخ الأكبر ابن عربي الحاتمي: كان الزبير العوام وجهم بن الصلت يكتبان أموال الصدقات، وكان حذيفة بن اليمان يكتب خرص النخل، وكان المغيرة بن شعبة والحصين بن نمير يكتب المداينات والمعاملات، وكان شرحبيل بن حسنة يكتب التوقيعات إلى الملوك اهـ ص 29. نظرة إجمالية في الكتّاب قال في المواهب: أما كتابه صلى الله عليه وسلم فجمع كثير وجمّ غفير، ذكر بعض المحدثين في تأليف له بديع استوعب فيه جمّا من أخبارهم، ونبذا من سيرهم وآثارهم، وصدّر فيه بالخلفاء الأربعة الكرام خواص حضرته عليه السلام اهـ. قلت: وممن ألف فيهم القضاعي، ذكر ذلك الحافظ في ترجمة حصين بن نمير من الإصابة. وممن ألف فيهم أيضا عمر بن شبة؛ نقل عنه ابن عبد البر في الاستيعاب. وللإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن علي بن أحمد بن حديدة الأنصاري «المصباح المضيء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي» وجعله على قسمين الأول في كتابه عليه السلام، الثاني: في رسله ومكاتباته إلى الملوك فرغ من تأليفه سنة 679 بمصر بالخانقاه الصالحة «1» . وممن ألف فيهم أيضا الجمال الأنصاري، ذكر ذلك تلميذه البرهان الحلبي في حواشيه على الشفا، ولعله المذكور قبله ويحتمل أنه غيره. وممن ألف فيهم أيضا ابن أبي الجعد، وقف عليه الشهاب الخفاجي كما في شرحه على الشفا وقال: كأنه لم يقف عليه البرهان الحلبي. فائدة: وبعد أن تكلم في نور النبراس على كتّابه عليه السلام قال: المداوم على الكتابة معاوية وزيد بن ثابت، قال غير واحد من الحفاظ: كذا قالوا. وينبغي أن يقيد: بما بعد الفتح لأن معاوية من مسلمة الفتح، وأما زيد فقبل الفتح وبعده اهـ وفي المواهب: وممن كتب في الجملة أكثر من غيره الخلفاء الأربعة وأبان وخالد ابنا سعيد بن العاصي بن أمية اهـ. باب في تعليم المصطفى لكتّابه أدب وضع القلم ومحل وضعه ورسم الحروف وتقويمها نحو ذلك خرّج الحافظ السيوطي في آخر طبقات اللغويين والنحاة حديثا مسلسلا بالكتّاب، فساقه من طريق عبد الحميد الكاتب قال: حدثني سالم بن هشام الكاتب، حدثنا عبد الملك بن مروان الكاتب، حدثنا زيد بن ثابت كاتب الوحي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كتبتم بسم الله الرحمن الرحيم فبين السين فيه، قال السيوطي إثره: هذا حديث مسلسل بالكتاب في أكثره اهـ. وفي صبح الأعشى نقلا عن محمد بن علي المدائني: يستحب للكاتب في كتابته؛ إذا فكر في حاجته أن يضع القلم على أذنه، وساق بسنده إلى أنس بن مالك، أن معاوية بن أبي سفيان كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا رأى من النبي صلى الله عليه وسلم إعراضا وضع القلم في فيه. فنظر إليه صلى الله عليه وسلم وقال: يا معاوية إذا كنت كاتبا فضع القلم على أذنك، فإنه أذكر لك وللمملي. وساق بسنده أيضا إلى زيد بن ثابت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إليه وهو يكتب في حوائجه فقال له: ضع القلم على أذنك فإنه أذكر لك. وأخرج أيضا من رواية أنس بن مالك أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكاتبه: ضع القلم على أذنك يكن أذكر لك. وفي رواية عن أنس: كان معاوية كاتبا للنبي صلى الله عليه وسلم، فرآه يوما قد وضع القلم على الأرض، فقال: يا معاوية إذا كنت كاتبا فضع القلم على أذنك اهـ. قلت: ساق في الجامع الصغير حديث: ضع القلم على أذنك فإنه أذكر للمملي،   (1) كذا ولعلها: الصالحية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 وعزاه «1» للترمذي عن زيد بن ثابت. قال دخلت على المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبين يديه كاتب فذكره. وأورده الحافظ السيوطي في الجامع الكبير أيضا وعزاه للترمذي أيضا. وقال: ضعيف وابن سعيد وسمويه عن زيد ثابت اهـ. قلت: خرّجه الترمذي في الاستئذان في باب تتريب الكتاب «2» ومن طريق زيد أيضا أخرجه ابن حبان في الضعفاء في ترجمة عنبسة. وفي فيض القدير: زعم ابن الجوزي وضعه، ورده ابن حجر بأنه ورد من طريق أخرى، ووروده بسندين مختلفين يخرجه عن الوضع اهـ. قال المناوي في التيسير: ضع ندبا أو إرشادا القلم على أذنك حال الكتابة فإنه أذكر للمملي، أي أسرع تذكرا سيما فيما يريد إنشاءه من العبارة والمقاصد، لأن القلم أحد اللسانين المعبرين عما في القلب اهـ وزاد في الفيض قال عياض: وفي هذا الخبر وشبهه دلالة على معرفته صلى الله عليه وسلم حروف الخط وحسن تصويرها اهـ. وقال القاضي في الشفا «3» ، إثر حديث ضع القلم المذكور: هذا مع أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يكتب ولكنه أوتي علم كل شيء، حتى وردت آثار بمعرفته حروف الخط، ثم حسن تصويرها، كقوله: لا تمد بسم الله الرحمان الرحيم. رواه ابن شعبان من طريق عن ابن عباس. وقوله في الحديث الآخر الذي يروى عن معاوية أنه كان يكتب بين يديه فقال له: ألق الدواة وحرف القلم وأقم الباء وفرق السين، ولا تعور الميم، وحسّن الله. ومد الرحمان وجوّد الرحيم. وهذا وإن لم تصح الرواية أنه عليه السلام كتب فلا يبعد أن يرزق علم هذا ويمنع الكتابة والقراءة اهـ. باب في ندب المصطفى عليه السلام الكتبة إلى تتريب الكتابة ترجم لذلك القلقشندي ص 271 من الجزء السادس قائلا: لا نزاع أن تتريب الكتابة بعد الفراغ منه، بإلقاء الرمل ونحوه عليه مطلوب، وفيه معنيان: المعنى الأول التبرك طلبا لنج المقاصد، فقد روى محمد بن عمر المدائني في كتابه القلم والدواة، بسنده إلى إسماعيل بن محمد بن وهب عن هشام بن خالد، وهو أبو مروان الأزدي عن بقية بن الوليد عن عطاء عن ابن جريج، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ترّبوا الكتاب ونحوه من أسفله فإنه أعظم للبركة وأنجح للحاجة. وفي حديث: إذا كتب أحدكم كتابا فليتربه فإنه مبارك وهو أنجح لحاجته رواه الترمذي في كتاب الاستئذان باب 20 ص 66/ 5. ومن كلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: ترّبوا الكتاب. ويؤيد ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم؛   (1) انظر ج 5 ص 67 باب 21 و 22 من كتاب الاستئذان. (2) انظر ج 5 ص 67 باب 21 و 22 من كتاب الاستئذان. (3) انظر ص 357/ 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 كتب كتابين إلى أهل قريتين فترب إحدهما ولم يترب الآخر فأسلمت القرية التي ترّب كتابها. وهذا المعنى موجود في المكاتبات والولايات وغيرهما، لطلب البركة والنجاح في جميع ذلك؛ ولا فرق في ذلك بين أن يكون المكتوب قد جفّ أم لا؛ لأن القصد إنما هو للنجح والبركة. المعنى الثاني: التجفيف لما كتبه بطرح التراب عليه كي لا ينمحي بما يصيبه قبل الجفاف، وهذا المعنى أضعف من الأول. ومقتضاه إذا جفّ الكتاب لا يترب. وعليه عمل كتاب الزمان، ومن هنا يضعون التراب على آخر الكتاب من حيث إنه أقرب عهدا بالكتابة إلى التجفيف بخلاف أول الكتاب، فإنه يكون قد جفّ عند نهاية الكتابة غالبا، لا سيما في الزمن الحار أو مع طول الكتابة وامتداد زمن كتابته. على أن صاحب مواد البيان وغيره من قدماء الكتاب قد صرّحوا بأنه: يستحب وضع التراب على البسملة، ثم يمره الكاتب منها على سائر المكتوب لتعم الكتابة بركة البسملة اهـ «1» . فصل في اصطلاح المكاتيب النبوية «2» عنون عن هذا الفصل القلقشندي فقال: ذكر ترتيب كتبه صلى الله عليه وسلم في الرسائل على سبيل الإجمال. كان صلى الله عليه وسلم يفتتح أكثر كتبه بلفظ: (من محمد رسول الله) إلى فلان. وربما افتتحها بلفظ: أما بعد. وربما افتتحها بلفظ: هذا كتاب. وربما افتتحها بلفظ: سلم أنت. وكان يصرح في الغالب باسم المكتوب في أول المكاتبات. وربما اكتفى بشهرته (أي بما اشتهر به كالقيصر ونحوه) فإن كان المكتوب إليه ملكا كتب بعد ذكر اسمه عظيم القوم الفلانيين. وربما كتب ملك القوم الفلانيين. وربما كتب: صاحب مملكة كذا. وكان يعبر عن نفسه صلى الله عليه وسلم في أثناء كتبه بلفظ الافراد مثل: إني ولي وجاءني ووفد علي وما أشبه ذلك. وربما أتى بلفظ الجمع مثل بلغنا وجاءنا ونحو ذلك، وكان يخاطب المكتوب إليه عند الافراد بكاف الخطاب مثل لك وعليك وتاء المخاطب مثل أنت قلت كذا وكذا وجعلت كذا وعند التثنية بلفظها مثل أنهما ولكما وعليكما. وعند الجمع بلفظة مثل: أنتم ولكم وعليكم وما أشبه ذلك. وكان يأتي في صدور كتبه بالسلام فيقول في خطاب المسلم: سلام عليك. وربما قال: السلام على من ابتع الهدى. وربما أسقط السلام في صدر الكتاب، وكان يأتي في صدور المكاتب بالتحميد بعد السلام فيقول: فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. وربما تركه. وقد يأتي بعد التحميد بالتشهد، وقد لا يأتى به وكان يتخلص في صدر الكتاب إلى المقصود تارة بأما بعد، وتارة بغيرها، وكان يختم كتابه بالسلام تارة فيقول في خطاب   (1) وهنا أفاض المؤلف رحمه الله في بيان فضيلة تتريب الكتاب وبيان الأحاديث الواردة فيه ونقد رجالها في تسع صفحات تقريبا مما وجدت ضرورة اختصاره والاكتفاء بما ذكره أعلاه. مصححه. (2) لقد جمع العلامة الدكتور محمد حميد الله جميع المكاتب النبوية تحت عنوان: مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة وطبع في بيروت عن دار النفائس طبعة متقنة 1987 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 المسلم: والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وربما اقتصر على السلام، ويقول في خطاب الكافر: والسلام على من اتبع الهدى، وربما أسقط السلام في آخر كتبه اه ثم عقد فصلا مهما في كتبه عليه السلام إلى أهل الإسلام، وجعلها على ثلاثة أساليب: الأسلوب الأول: أن يفتتح الكتاب بلفظ من محمد رسول الله إلى فلان، ثم مثّل لهذا القسم عدة كتب نبوية بنصها. الأسلوب الثاني: أن يفتتح المكاتبة بلفظ: هذا كتاب ويذكر المقصد فيما بعد، قال وهو قليل الوقوع في المكاتبات. الأسلوب الثالث: أن تفتتح المكاتبة بلفظ هذا كتاب. ثم عقد فصلا آخر في كتبه عليه السلام إلى أهل الكفر للدعاية إلى الإسلام، قال وهو على ثلاثة أساليب: الأسلوب الأول: أن يفتتح الكتاب بلفظ: من محمد رسول الله إلى فلان كما في الأسلوب الأول من كتبه إلى أهل الإسلام. الأسلوب الثاني: أن يفتتح بلفظ: أما بعد وهو أقل وقوعا مما قبله. الأسلوب الثالث: أن يفتتح الكتاب بلفظ هذا كتاب. ثم مثّل لكل- راجع ص 365 إلى 382 من الجزء السادس. قلت: ومن تتبّع نصوص المكاتيب النبوية المذكورة في طبقات ابن سعد، وجد الكاتب يسمي نفسه آخرها، لعله ليكون شاهدا على صدورها منه عليه السلام. فصل في كيفية مخاطبة الملوك وغيرهم من المعاصرين له (عليه السلام في زمانه) ترجم لذلك القلقشندي إثر ما سبق ص 464 من الجزء السادس فقال: كانت أمراء سراياه صلى الله عليه وسلم، ومن أسلم من الملوك، تفتتح المكاتبة إليه صلى الله عليه وسلم باسمه، ويثنّون بأنفسهم، ويأتون بالتحميد والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، ويتخلصون إلى المقصود بأما بعد أو بغيرها ويختمون بالسلام. وملوك الكفر يبتدئون بأنفسهم وربما بدأوا باسمه صلى الله عليه وسلم، وكان المكتوب عنه منهم يعبر عن نفسه بنون الجمع إن كان المكتوب عنه مسلما خاطبه عليه السلام بلفظ الرسالة والنبوءة مع كاف الخطاب وتاء المخاطب، وإن كان كافرا خاطبه بالكاف والتاء المذكورين، وربما خاطبه باسمه فإن كان المكتوب عنه مسلما ختم الكتاب بالسلام عليه صلى الله عليه وسلم. فصل في عنوان المكاتب إليه عليه السلام في ذلك الزمن قال في صبح الأعشى: أما عنونة هذه الكتب، فيظهر أنها إن فتحت باسمه عليه السلام وثنى باسم المكتوب إليه عنونته كذلك، فيكتب في الجانب الأيمن محمد رسول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 أو نحو ذلك وفي الجانب الآخر من فلان. وإن كانت ممن يفتتح الكتابة باسم نفسه، عنونته على العكس من ذلك اه. فصل في عنوان كتبه عليه السلام قال القلقشندي لم أقف على نص صريح في ذلك، والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يعنون كتبه بلفظ: من محمد رسول الله إلى فلان على نحو ما في الصدر، وتكون كتابته من محمد رسول الله عن يمين الكاتب وإلى فلان عن يساره، وعليه يدل ما تقدم من كلام صاحب مواد البيان في الأصل الثاني عشر من أصول المكاتبات، حيث ذكر الكلام على العنوان: الأصل أن يبتدأ باسم المكتوب عنه، ويثني باسم المكتوب إليه، ثم قال: وعلى هذا كانت كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فصل بما كان يفتتح كتبه عليه السلام المقرّر في السير أنه عليه السلام كان يفتتح مكاتيبه كلها من عقد أو صلح ونحوه بالبسملة، وهي مشروعة في الإسلام في ابتداء الأمور من قول أو فعل؛ تبركا واستنجاحا، وذكر الغافقي عن أبي عبيد أن الشعبي قال: باسمك اللهم. ذاك الكتاب الأول، كتب به النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء أن يجري، ثم نزل بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها [هود: 41] فكتب بسم الله ما شاء الله ثم نزلت قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الإسراء: 110] فجرت بذلك ما شاء الله ثم نزلت إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [النمل: 30] فكتب بذلك. وعن ابن المسيب لما أتى قيصر كتاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ وفيه البسملة قرأه وقال: هذا الكتاب لم أره بعد سليمان بن داود يعني البسملة، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: لم تجر العادة الشرعية ولا العرفية بابتداء المراسلات بالحمد، وقد جمعت كتبه عليه السلام إلى الملوك وغيرهم، فلم يقع في شيء منها البداءة بالحمد بل بالبسملة اه من باب قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ [آل عمران: 64] في تفسير سورة آل عمران من التفسير. وقال القاضي ابن باديس على قصة افتتاحه عليه السلام بالبسملة كتابه إلى يوحنّه بن رؤبة صاحب أيلة، وكان نصرانيا: فيه جواز كتب البسملة فيما يحصل بأيدي الكفار، فإن الكفار استقر بأيديهم وتداولوه، ففيه دليل على جواز النقوش في الدنانير والدراهم، التي تستقر بأيديهم ويحملونه إلى بلادهم من أرض المسلمين اه. فصل في التزامه عليه السلام أما بعد في صدور كتبه وخطبه قال الشمس السفاريني في شرح منظومة الآداب: يستحب الإتيان بها في الخطب والمكاتبات، لأنه عليه السلام كان يقولها في خطبه ومكاتباته إلى الملوك وغيرهم، كما هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 معروف مثل؛ كتابه إلى قيصر، وكسرى، والمقوقس، وغيرهم، وذكر الإمام القاضي علي بن سليمان المرداوي في شرح التجريد؛ أنه نقل إتيانه صلى الله عليه وسلم بأما بعد في خطبه ونحوها خمسة وثلاثون صحابيا اه. وقال الزرقاني في شرح المواهب: ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: أما بعد في خطبه وشبهها، كما روى ذلك أربعون صحابيا، كما أفاده الرهاوي في أربعينه المتباينة الأسانيد. وما أدري وجه اقتصار كثيرين على الظرف، ولا يكفي الاعتذار أن المدار عليه أو روما للاختصار، لأن المدار على اتباع ما جاءت به السنة، لا سيما والاطناب مطلوب في الخطب، وكون المدار عليه يحتاج إلى وحي يسفر عنه اه منه [كذا] . وفي شرح الشيخ أبي العباس أحمد الهشتوكي السوسي على منظومته في أحكام الوزيعة: وقع لأخينا العلامة الدراكة أبي العباس أحمد بن إبراهيم الكتّاني المراكشي مع العلامة الشربيني أحد أئمة الشافعية بمصر، عام حجنا. كان يدرس مع تلاميذه شرح السعد على العقائد النسفية فقال: أصل وبعد: أما بعد. فحذفت كلمة أما، وعوض عنها الواو. فقال له أبو العباس أحمد المذكور: أين الدليل على أن الواو تعوض عن أما، ولم يقع في كلامه عليه السلام الذي هو أبلغ البلغاء وأفصح الفصحاء فيما رأينا إلا أما بعد. وكذا رسائل أصحابه، وكان الشافعي المذكور ضيّق الصدر، فخاطب أبا العباس المذكور خطابا لا ينبغي أن يصدر من مثله، ولم يجب بشيء غير السب والثلب، ولو أجابه بأن استعمال المحققين من المصنفين ذلك طوالع [مقدمة] تواليفهم يكفي دليلا على جوازه لكان كافيا اه. قلت: السنة حجة على الجميع، وقد أومأ إلى ذلك الزرقاني، بما سبق عنه من أن المدار على اتباع ما جاءت به، فانظره. احتياطه عليه السلام في مكاتيبه الرسمية قال الشيخ زروق في حواشيه على الصحيح: إنما قال صلى الله عليه وسلم في كتابه لهرقل: عظيم الروم، ولم يقل ملك الروم. لئلّا يكون تقريرا لملكه اه وقال الخفاجي في شرح الشفا: وقال صلى الله عليه وسلم عظيم الروم وعظيم القبط، لم يقل ملك الروم ولا ملك القبط؛ لأنه لا يستحق ذلك العنوان إلا من كان مسلما، ومع ذلك فلم يخل يتعظيمهما، تليينا لقلوبهما في أول الدعوة إلى الحق اه. باب اتخاذه عليه السلام أما بعد لفصل من فصول الكتاب ورؤوس المسائل ترجم البخاري في الأدب المفرد باب: أما بعد، فذكر فيها عن هشام بن عروة قال: رأيت رسائل من رسائله صلى الله عليه وسلم، كلما انقضت قصة قال: أما بعد اه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 فصل في أصح كتاب حفظ لنا التاريخ عينه من كتبه عليه السلام أصح كتاب حفظ لنا التاريخ عينه من كتبه عليه السلام كتابه إلى هرقل، وهو في الصحيح ونصه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى؛ أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم اليريسيين، يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ؛ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ «1» [آل عمران: 64] اه من أصح المصادر وهو صحيح البخاري ساقه فيه هكذا مكررا في مواضع. آخر مكتوب نبوي حفظ التاريخ عينه لنا من كتبه عليه السلام لأهل الإسلام وتحافظهم عليه آخر مكتوب حفظ التاريخ جلده المكتوب فيه بعينه له عليه السلام الكتاب الذي أقطع به تميم الداري أرضا بالشام، وهو مكتوب مشهور معروف في العصور السابقة، تكلم عليه أهل الحديث والتاريخ والفقه وغيرهم. ففي ترجمة تميم من تاريخ ابن عساكر بسنده إلى أبي هند الداري قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ستة نفر، - وفي سيرة ابن هشام عدهم ثمانية: تميم بن أوس، ونعيم بن أوس أخوه، ويزيد بن قيس، وأبو هند بن عبد الله، وهو صاحب الحديث وأخوه الطيب بن عبد الله، كان اسمه برا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن، وفاكه بن النعمان، وسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطعنا أرضا من أرض الشام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حيث شئتم. فقال: تميم أرى أن نسأله بيت المقدس وكورها، فقال أبو هند هذا محل ملك العجم، وكذلك يكون فيه ملك العرب، وأخاف أن لا يتم لنا هذا. فقال تميم: بيت جرين وكورها. فقال أبو هند: هذا أكبر وأكبر، فقال: فأي شيء نسأله؟ فقال: أرى أن نسأله القرى التي يقع بها تل مع آثار إبراهيم، فقال تميم: أصبت ووفقت. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتميم: أتحب أن تخبرني بما كنتم فيه أو أخبرك؟ فقال تميم: بل أخبرنا يا رسول الله نزداد إيمانا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أردتم أمرا فأراد هذا غيره. ونعم الرأي رأى، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطعة جلد من أدم فكتب لنا كتابا نسخته:   (1) نص هذا الكتاب محفوظ بعينه على رق من الجلد في متحف طوبقبو في استانبول وانظر كتاب: «الوثائق السياسية للعهد النبوي للأستاذ محمد حميد الله إخراج دار النفائس بيروت 1987 وقد اشتمل على كل الرسائل والعهود والإقطاعات النبوية ويعد بحق من أنفس المطبوعات ورقم الصفحة في كتاب النفائس 108- 109 وانظره في البخاري في كتاب بدء الوحي ص 6/ 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب ذكر فيه ما وهب رسول الله للداريين، إذا أعطاه الله الأرض وهب لهم بيت عيون وحبرون والمرطوم، وبيت إبراهيم ومن فيهم إلى الأبد شهد عباس بن عبد المطلب، وخزيمة بن قيس، وشرحبيل بن حسنة. وكتب قال ثم دخل بالكتاب إلى منزله، فعالج في زاوية الرقعة، وغشه بشيء لا يعرف وعقده من خارج الرقعة بسير أو عقدتين وخرج به إلينا مطويا وهو يقول: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران: 68] ثم قال: انصرفوا حتى تسمعوا بأني قد هاجرت، قال أبو هند انصرفنا، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، قدمنا عليه فسألناه أن يجدد لنا كتابا، فكتب لنا كتابا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى محمد رسول الله لتميم الداري وأصحابه، إني أعطيتكم عينون وجيرون والرطومة، وبيت إبراهيم برمته، وجميع ما فيه عطية بت وسلمت ذلك لهم، ولأعقابهم من بعدهم، أبد الأبد فمن آذاهم فيها آذاه الله. شهد أبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان «1» . وقد تعرض بعض الولاة لآل تميم وأراد انتزاع الأرض منهم ورفع أمرهم إلى القاضي أبي حاتم الهروي الحنفي قاضي القدس الشريف فاحتج الداريون بالكتاب فقال القاضي هذا الكتاب ليس بلازم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع تميما ما لم يملك فاستفتى الوالي الفقهاء وكان أبو حامد الغزالي رحمه الله حينئذ ببيت المقدس قبل استيلاء الفرنج عليه فقال: هذا القاضي كافر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: زويت لي الأرض كلها، وكان يقطع في الجنة فيقول: قصر كذا لفلان، فوعده صلى الله عليه وسلم صدق، وعطاؤه حق. فخزي القاضي والوالي وبقي آل تميم على ما بأيديهم وكانت هذه الحادثة لما كان القاضي أبو بكر بن العربي بالشام اه. ولا زالت ذرية الداريين هؤلاء بالقدس وجهاته وهم إلى الآن أهل علم وفضل، وممن لقيته منهم ببلد الخليل لما زرته عام 1324 في رحلتنا الحجازية الشامية خطيب الحرم الخليلي الشيخ عبد الحي بن الخطيب الحاج عبد الفتاح التميمي الداري، وكان عالم الخليل قريبا من ذلك التاريخ ومفتيه الشيخ خليل الداري الأزهري من مشاهير ذلك العصر في الجهات الفلسطينية.   (1) أطال المؤلف رحمه الله في هذا الموضوع جدا أكثر من عشر صفحات، وإن دل ذلك على شيء فعلى سعة اطلاعه ووفور علمه، ولكن لا حاجة أبدا للإطالة في مثل هذا الباب لذلك حذفت ما رأيت حذفه لازما وانظر كتاب الوثائق السياسية ص 130 ونص الكتاب التالي: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد رسول الله لتميم بن أوس الداري. أن له قرية حبرون وبيت عينون قريتهما كلهما، وسهلهما وجيلهما وماءهما وحرثهما وأنباطهما وبقرهما ولعقبه من بعده، لا يحاقّه فيهما أحد، ولا يلجهما عليهم أحد بظلم فمن ظلم وأخذ منهم شيئا فإن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 فصل في آخر كتاب حفظ التاريخ لنا عينه من كتبه عليه السلام (لأهل الكفر ومحافظتهم عليه) آخر مكتوب نبوي حفظ التاريخ لنا عينه، مكتوبه عليه السلام إلى هر قل السابق نصه، وأول ما رأيته تكلم على بقائه ووجوده إلى زمانه الحافظ السهيلي في الروض ص 321 من الجزء الثاني ونصه: وقد روي أن هرقل وضع كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كتب إليه في قصبة من ذهب تعظيما له، وهم لم يزالوا يتوارثونه كابرا عن كابر، في أرفع صوان وأعز مكان، حتى كان عند الأدفونش الذي تغلب على طليطلة، وما أخذ من بلاد الأندلس، ثم كان عند ابن بنته المعروف بابن السليطن. حدثني بعض أصحابنا أنه حدثه من سأله رأيته من قواد أجناد المسلمين كان يعرف بعبد الملك بن سعيد قال: فأخرجه إليّ فاستعرته وأردت تقبيله، وأخذه بيدي فمنعني من ذلك صيانة له وضنا به علي اه وقد كانت وفاة السهيلي بمراكش سنة 581 وقد نقل كلامه هذا ملخصا الكرماني في الكواكب الدراري والحافظ ابن حجر في فتح الباري، والبرهان الحلبي في نور النبراس، وابن غازي في حاشية الصحيح، والشيخ أبو زيد الفاسي في تشنيف المسامع، والعلامة الجماع الشيخ قويسم التونسي في سمط اللآلي وغيرهم، وقوله عبد الملك بن سعيد كذا هو في النسخة المطبوعة من الروض ونحوه بخط الشيخ قويسم في سمط اللآلي، ووقع في فتح الباري نقلا عن السهيلي عبد الملك بن سعد بسكون العين «1» . فصل في أجمع وأطول كتاب حفظ التاريخ نصه من كتبه (عليه السلام الأحكامية) أجمع وأوعب وأطول كتاب حفظ التاريخ نصه كتابه عليه السلام لعمرو بن حزم وهو كتاب جليل فيه من أنواع الفقه، في الزكاة والديات والأحكام، وذكر الكبائر والطلاق والعتاق وأحكام الصلاة في الثوب الواحد، والإحتباء فيه ومس المصحف وغير ذلك. قال النووي في التهذيب في ترجمة عمرو المذكور: استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على نجران باليمن وهو ابن سبع عشرة سنة، وبعث معه كتابا فيه الفرائض، والسنن والصدقات والجروح والديات، وكتابه هذا مشهور في كتب السنن رواه أبو داود والنسائي وغير هما مفرقا، وأكملهم له رواية النسائي في الديات ولم يستوفه أحد منهم في موضع اه. وقد ذكر طرقه الحافظ ابن كثير في إرشاده وقال: بعد ذكر الإختلاف في بعض   (1) وهنا أيضا جال المؤلف في إحدى عشرة صفحة لا ضرورة لاثباتها لأنها إطالة بدون طائل فالرسالة محفوظة في متحف طربقبو في استانبول. وانظر صورتها في كتاب الوثائق السياسية ص 108. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 طرقه: وعلى كل تقدير فهذا الكتاب متداول بين أيمة الإسلام قديما وحديثا يعتمدون عليه يرجعون في مهمات هذا الباب إليه كما قال يعقوب بن سفيان: لا أعلم في جميع الكتب كتابا أصح من كتاب عمرو بن حزم، كان الصحابة والتابعون يرجعون إليه، ويدعون آراءهم، وصح أن عمر ترك رأيه ورجع إليه. قال ابن كثير: رواه الشافعي والتابعون بإسناد صحيح إلى ابن المسيب، قال ابن إبراهيم الوزير في الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم إثر كلام ابن كثير: ظاهر كلام الحافظين يعقوب بن سفيان وابن كثير، دعوى إجماع الصدر الأول على قبول حديث عمرو بن حزم، وذلك يقتضي دعوى الإجماع على جواز العمل بالوجادة اه. وقال القسطلاني في المواهب: واحتج الفقهاء كلهم بما فيه من مقادير الديات، وقد رواه النسائي متصلا، ورواه أبو حاتم في الصحيح وغيره متصلا، وقد وقع في الموطأ ذكره في مواضع في كتاب العقول، وفي كتاب الصلاة، قال الباجي: هو أصل في كتابة العلم وتحصينه في الكتب، وقال أبو عمر بن عبد البر: وهو كتاب مشهور عند أهل السير، معروف عند أهل العلم، معرفة يستغنى بها في شهرتها عن الإسناد اهـ وقال أيضا: لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث، وقد روي مسندا من وجه صالح. ورواه معمر عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن جده. ورواه الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن، كتابا فيه الفرائض والسنن والديات، وبعث به مع عمرو بن حزم، فقدم به على أهل اليمن، وهذه نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي إلى شرحبيل بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال، ونعيم بن كلال قيل ذي رعين، ومعافر، وهمدان أما بعد قلت: وأنا أسوقه هنا معتمدا سياق الحافظ السيوطي في حواشيه على الموطأ، ففيها: أخرج البيهقي في دلائل النبوة، من طريق بن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم قال: هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا، الذي كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقه أهلها ويعلمهم السنة، ويأخذ صدقاتهم فكتب له كتابا وعهدا وأمره فيهم أمره، فكتب «بسم الله الرحمن الرحيم» يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، عهدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم، حين بعثه إلى اليمن، أمره بتقوى الله في أمره كله، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وأمره أن يأخذ الحق، كما أمره أن يبشر الناس بالخير، ويأمرهم به، ويعلمهم القرآن ويفقههم فيه، وينهى الناس فلا يمسّ أحد القرآن إلا وهو طاهر، ويخبر الناس بالذي لهم والذي عليهم، ويلين لهم في الحق، ويشتد عليهم في الظلم، فإن الله كره الظلم ونهى عنه، قال: ألا لعنة الله على الظالمين، ويبشر الناس بالجنة وبعملها، وينذر الناس النار وعملها، ويستألف الناس حتى يتفقهوا في الدين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 ويعلم الناس معالم الحج وسننه وفرائضه، وينهى الناس أن يصلي الرجل في ثوب واحد صغيرا، إلّا أن يكون واسعا فيخالف بين طرفيه على عاتقيه، وينهى أن يحتبي الرجل في ثوب واحد، ويفضي إلى السماء بفرجه، ولا يعقد شعر رأسه إذا غفا في قفاه، وينهى الناس إذا كان بينهم هيج أن يدعو إلى القبائل والعشائر، وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له، فمن لم يدع إلى الله ودعا إلى العشائر والقبائل فليقطفوا بالسيف، حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له، ويأمر الناس بإسباغ الوضوء وجوههم وأيديهم إلى المرافق، وأرجلهم إلى الكعبين، وأن يمسحوا رؤوسهم كما أمرهم الله، وأمره بالصلاة لوقتها، وإتمام الركوع والخشوع، وأن يغلس بالصبح ويهجر بالهاجرة حين تميل الشمس، وصلاة العصر- والشمس في الأرض مدبرة- والمغرب حين يقبل الليل، لا تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء، والعشاء أول الليل، وأمرهم بالسعي إلى الجمعة إذا نودي بها، والغسل عند الرواح إليها، وأمره أن يأخذ من الغنائم خمس الله، وما كتبه الله على المؤمنين في الصدقة، من العقار فيما سقت السماء العشر، وفيما سقت الغرب نصف العشر، وفي كل عشر من الإبل شاتان، وفي كل عشرين أربع وفي كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، جذع أو جذعة وفي كل أربعين من الغنم سائمة شاة، فإنها فريضة الله التي افترضها على المؤمنين في الصدقة، فمن زاد فهو خير له، وأنه من أسلم من يهودي أو نصراني إسلاما خالصا من نفسه فدان دين الإسلام، فإنه من المؤمنين له ما لهم وعليه ما عليهم، ومن كان على نصرانيته أو يهوديته فإنه لا يغيّر عنها وعلى كل حالم ذكر أو أنثى حر أو عبد دينار واف أو عوضه من الثياب، فمن أدّى ذلك فإن له ذمة الله وذمة رسوله، ومن منع ذلك فإنه عدو الله ورسوله والمؤمنين جميعا، صلوات الله على محمد والسلام عليه ورحمة الله وبركاته» . قال البيهقي: وقد روى سليمان بن داود عن الزهري، عن أبي بكر عن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده هذا الحديث، موصولا بزيادات كثيرة في الزكاة والديات وغير ذلك، ونقصان عن بعض ما ذكرناه، قلت وسأسوقه في كتاب العقول اهـ كلام السيوطي. قلت: يستفاد من طبقات ابن سعد أن كاتب كتاب عمرو بن حزم هذا أبي بن كعب رضي الله عنه [انظر ص 207 من كتاب الوثائق السياسية] . ما كتبه عليه السلام ولم يخرجه خرّج أبو داود عن ابن عمر أن المصطفى عليه السلام كتب كتاب الصدقات ولم يخرجه، فعمل به أبو بكر ثم عمر. «تتمة» أخرج ابن سعد في الطبقات عن مسلم بن الحارث التميمي الصحابي، نزيل الشام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له بعد رجوعه من سرية: تلطف إلى أن لم يرق فيها دم فشكر ذلك له المصطفى، وقال له؛ أكتب لك كتابا أوصي بك أيمة المسلمين بعدي، فكتب لي كتابا وختمه، فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم أتيت أبا بكر بالكتاب، ففضه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وأعطاني شيئا ثم ختمه، فلما استخلف عثمان أتيته بالكتاب ففضه وقرأه وأعطاني شيئا، ثم ختمه فلما استخلف عثمان أتيته بالكتاب ففضه وقرأه وأعطاني شيئا، ثم ختمه فلما استخلف عمر بن عبد العزيز بعث إلى ولده الحارث بن مسلم، فأتاه فأعطاه شيئا وقال: لو أردت لوصلت إليك، ولكني أردت أن تحدثني بحديثك عن أبيك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فحدثته به، وانظر ترجمة سندر مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم من طبقات بن سعد ص 196 من الجزء السابع. فصل هل كتب عليه السلام بنفسه شيئا وامضى بعض كتبه (بيمينه الشريفة أم لا) وقع في قصة صلح الحديبية من الصحيح وغيره، أنه لما عقد مع كفار قريش ما عقد دعا عليّا وقال: أكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل: لا أعرف هذا ولكن اكتب: باسمك اللهم فقال: أكتب فكتبها ثم قال: أكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله فقال سهيل: لو شهدت إنك رسول لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله، ثم قال لعلي أمح محمد رسول الله قال: لا والله لا أمحوك فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب فكتب هذا: ما قاضى محمد بن عبد الله، ولفظ الصحيح. كتب وهو لا يحسن الكتابة، فتمسك بظاهره الإمام أبو الوليد الباجي وجزم بأنه صلى الله عليه وسلم كتب، وذكر الحافظ ابن دحية، كما في خصائص القطب الخيضري، أن جماعة من العلماء وافقوه على ذلك، منهم شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري، وآخرون من علماء إفريقية وغيرها، وقد سبقهم إلى ذلك جميعا عمر بن شبة فقال في كتاب الكتاب له؛ كتب النبي صلى الله عليه وسلم بيده يوم الحديبية، ومما استدل به الباجي ومن وافقه ما أخرجه ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: ما مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ. قال عجالة فذكرت ذلك للشافعي فقال: صدق سمعنا قوما يذكرون ذلك اهـ. وفي فيض القدير على حديث: «ضع القلم على أذنك فإنه اذكر للمملي وأخذ القاضي من قصة الحديبية أنه صلى الله عليه وسلم كتب بعد أن لم يحسن الكتابة، ثم إنه أشار لمذهب الباجي ومن عارضه، قال: والنصر له بأن الأمية لا تنافيه، بل يقتضي تقييده النفي بما قبل ورود القرآن، وبعد ما تحققت أميته وتقررت معجزته، لا مانع من كتابته بالتعليم فتكون معجزة أخرى، وروى ابن أبي شيبة عن عوف: ما مات صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ اهـ كلام المناوي في الفيض، وهو ملخص من كلام القاضي أبي بكر بن العربي في «سراج المريدين» فإنه لما تكلم على الغربة قال: وأشد أنواعها فقد النظير، وعدم المساعد، والإضطرار إلى صحبة الجاهل، ثم نظّر ببقي بن مخلد، ومحمد بن موهب، وما لقيا من أهل بلدهما بعد الرجوع من الرحلة حسدا على ما رجعا به. قال: وهذا أبو الوليد الباجي رحل وأبعد وجلب علما جمّا وقرىء عليه البخاري، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم محا وكتب فقيل له: على من يعود قوله: وكتب. فقال: على النبي فقيل له: وكتب بيده؟ قال: نعم. ألا ترونه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 يقول في الحديث: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب، وليس يحسن الكتابة فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله. فقوّلوا عليه، وحملوا كل تكذيب وتعطيل عليه، وانتدب جاهل من المقرئين، فأخبرني أبو محمد عبد الله بن أبي عصام بالمسجد الأقصى قال: رأيته يصيح في المسجد الجامع، ويعلن بالزندقة إليه بيد أن الأمير كان متثبتا فدعا بالفقهاء، فاتفقوا على أن هذا القول كفر، فاستظهر الباجي ببعض الحجة في ذلك وقال للأمير: هؤلاء جهلة ولكن اكتب إلى علماء الآفاق، فكتب إلى إفريقية وصقلية، فجاء الجواب: إن يكتب بعد أميته فيكون ذلك من معجزته، لا يطعن أحد بذلك عليه، لأنهم تحققوا أميته ثم شاهدوا معجزته، فوقفوا ولم يطعنوا اهـ كلام ابن العربي. ومن نسخة عندي عليها خطه نقلت. وفي ترجمة الباجي من «الديباج المذهب» للبرهان بن فرحون أن الذي أنكر على الباجي وكفره أبو بكر بن الصائغ الزاهد، قال ابن فرحون: وتكلم في ذلك من لم يفهم الكلام حتى أطلقوا عليه اللعن، فلما رأى ذلك الباجي، ألف رسالته المسماة بتحقيق المذهب، بين فيها المسألة لمن يفهمها، وأنها لا تقدح في المعجزة، كما لا تقدح القراءة في ذلك، فوافقه أهل التحقيق بأسرار العلم، وكتب بها لشيوخ صقلية فأنكروا على ابن الصائغ ووافقوا أبا الوليد على ما ذكره اهـ كلام ابن فرحون. وقد ساق قصة الباجي هذه الحافظ الذهبي في ترجمته من تذكرة الحفاظ، وذكر أن الباجي لما ألف رسالته التي بين فيها أن ذلك غير قادح في المعجزة، رجع بها جماعة. ثم قال: ما كل من عرف أن يكتب اسمه فقط بخارج عن كونه أميا، لأنه لا يسمى كاتبا، وجماعة من الملوك قد أدمنوا على كتابة العلامة وهم أميون، والحكم للغلبة لا للصورة النادرة، فقد قال عليه السلام إنا أمة أمية أي أكثرهم كذلك لندور الكتابة في الصحابة، وقال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ [الجمعة: 2] اهـ كلام الذهبي. وهو وجيه لا غبار عليه. وخرّج الذهبي في التذكرة أيضا في ترجمة ابن مندة ص 35 من الجزء الثاني، بسنده إلى عوف بن عبد الله بن عتبة عن أبيه قال: ما مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى قرأ وكتب، ثم قال الذهبي عقبه: قلت: وما المانع من جواز تعلم النبي صلى الله عليه وسلم يسير الكتابة، بعد أن كان أميا لا يدري ما الكتابة؟ فلعله لكثرة ما أملى على كتاب الوحي، وكتاب السنن والكتب إلى الملوك، عرف من الخط وفهمه وكتب الكلمة والكلمتين، كما كتب اسمه الشريف يوم الحديبية (محمد بن عبد الله) وليست كتابته لهذا القدر اليسير، مما يخرجه عن كونه أميّا، ككثير من الملوك أميين ويكتبون العلامة اهـ من التذكرة بلفظها. وما أشار إليه الذهبي أقوى صدمة للمعارض من كون كتابته عليه السلام كانت معجزة، وإن سبق إليها ابن العربي كما تقدم، ثم الحافظ ابن الجوزي في المشكل فإنه قال: إطلاق يده بالكتابة ولم يحسنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 كالمعجزة له، ولا ينافي هذا كونه أميا لا يحسن الكتابة، لأنه ما حرّك يده تحريك من يحسن الكتابة، إنما حركها فجاء المكتوب صوابا. اهـ. قال ابن باديس إثره في الفرائد: هذا تأويل منه حسن يجمع بين المذهبين من غير تناقض في الخبر اهـ. وقال ابن التلمساني في شرح الشفا بعد ذكر مذهب الباجي: وصوّب أهل الحق مقالته، أنه لا يقدح في المعجزة كونه كتب مرة، وفي البخاري في باب عمرة القضاء: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب فكتب، قال القرطبي في مختصره: قوله فأخذ الكتاب فكتب، ظاهر قوي في أنه عليه السلام كتب بيده. وقد أنكر قوم تمسكا بقوله تعالى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [العنكبوت: 48] قال: ولا نكرة فيه فإن الخط المنفي الخط المكتسب عن التعليم، وهذا خط خارق للعادة، أجراه الله على أنامل النبي صلى الله عليه وسلم مع بقائه لا يحسن الكتابة المكتسبة وهذا زيادة في صحة نبوته. قلت: احسن منه ما سبق عن الذهبي في ترجمة ابن منده فاعتبره «1» . (فائدة) في الخطط للمقريزي أن آل بلال بن الحارث جاؤا لعمر بن عبد العزيز بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم بإقطاع في جريدة فقبلها عمر وفتح ومسح بها عينيه انظر ص 155 من الجزء الأول طبع مصر. فصل في ذكر صاحب الخاتم ومن أي شيء كان وما كان نقشه «أخرج البخاري «2» عن أنس قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم فقيل له إنهم لن يقرؤوا كتابك إذا لم يكن مختوما فاتخذ خاتما من فضة ونقشه (محمد رسول الله) فكأنما أنظر إلى بياضه في يده صلى الله عليه وسلم. وأخرج الترمذي في الشمائل: بل هو في الصحيح أيضا، فكان الأولى أن ينسب إليه عن أنس كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر، قال المهلب: كان عليه السلام لا يستغنى عن الختم به في الكتب إلى البلدان وأجوبة العمال وقواد السرايا» . وفي أوائل السيوطي: أول من ختم الكتاب من قريش وأهل الحجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أراد مكاتبه الملوك فقيل له: إنهم لا يقرؤون كتابا إلا مختوما اهـ «3» . فصل فيمن كان صاحب خاتمه صلى الله عليه وسلم قال الشبراملسي في حواشي المواهب: قوله: وخاتمه أي من كان يتولاها إذا قلعها   (1) وهنا تكرار لا طائل منه حوالي صفحة حذفته تخفيفا عن القارىء. (2) في آخر كتاب الجهاد والسير باب 101 ج 3 ص 235. (3) وهنا بضعة أسطر مكررة محذوفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 النبي صلى الله عليه وسلم، من يحفظها، ويعيدها إليه عند إرادتها اهـ «خرج البخاري في التاريخ من طريق محمد بن بشار عن إياس بن الحارث بن معيقيب عن جده معيقيب قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديد ملون عليه فضة، فربما كان بيدي، وكان المعيقيب على خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم» . وفي الإصابة أنه كان على بيت المال لعمر، ثم كان على خاتم عثمان. وفي العقد الفريد لابن عبد ربه أنه عليه السلام كان يضع خاتمه عند حنظلة بن الربيع بن صيفي، ابن أخي اكثم بن صيفي الأسدي انظر ص 122 من الجزء الثاي وفي العقد الفريد أيضا ص 174 من الجزء الثاني أنه كان على خاتمه عليه السلام معيقيب بن أبي فاطمة نحو ما سبق وعرف لغيره. باب في عمله عليه السلام إذا لم يحضره الخاتم في ترجمة عبد الملك بن أكيدر من الإصابة عنه قال: كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ولم يكن معه خاتم فختمه بظفره، وفي الإصابة أيضا لدى ترجمة وهب بن أكيدر دومه أن ابن عساكر أخرج من طريقه قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا ولم يكن معه خاتمه فختمه بطينة. قلت: وبذلك تعلم ما في قول القلقشندي في صبح الأعشى: أول من اتخذ الطين لختم الكتاب عمر بن الخطاب، قاله الثعالبي في لطائف المعارف اهـ. باب في مسائل تتعلق بالخاتم النبوي كان عليه السلام اتخذ خاتما من ذهب حين كان مباحا ثم نبذه، ولم يراجعه وكان له خاتم من ورق، أي من فضة وكان فصّه حبشيا كما في مسلم، عن أنس والحبشي حجر من جزع أو عقيق، فإن معدنهما بالحبشة واليمن، وقيل: لونه حبشي أي أسود. وفي البخاري عن أنس، أن فصه كان منه، ففيه جواز جعل الخاتم فصا من فضة وكره من الذهب. ولأبي داود والنسائي أن خاتمه كان من حديد ملونا عليه فضة، وهو محمول على التعدد. وكان نقشه (محمد رسول الله) وهو في الصحيح. ففيه جواز نقش الخاتم، ونقش اسم صاحبه ونقش اسم الله تعالى. وذكر الزبير بن بكار أن نقش خاتم أبي بكر: (نعم القادر الله) وقال غيره كان نقش خاتمه (عبد ذليل لرب جليل) . وفي طبقات ابن سعد عن ابن سيرين مرسلا أن نقش الخاتم كان: (بسم الله محمد رسول الله) ، ولم يتابع على هذه الزيادة. ولأبي الشيخ من حديث أنس (لا إله إلا الله محمد رسول الله) قال الحافظ السيوطي في التوشيح على الجامع الصحيح: وهي زيادة شاذة. وفي الصحيح أن صفة النقش: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر. قال الأسنوي في المهمات: وفي حفظي أنها كانت تقرأ من أسفل فصاعدا ليكون اسم الله فوق الجميع. قال الحافظ ابن حجر: ولم أر التصريح بذلك في شيء من الأحاديث. وفي الصحيحين وغيرهما: النهي عن أن ينقش أحد على نقش خاتمه صلى الله عليه وسلم وسبب النهي أنه إنما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 اتخذ الخاتم ونقش فيه ليختم به كتبه، فلو نقش غيره مثله لدخلت المفسدة وحصل الخلل. قال في التوشيح: وهذا يفهم اختصاص ذلك بحياته صلى الله عليه وسلم. وفي الديباج: النهي تحريم مؤبدا إلى يوم القيامة، وليس ذلك بظاهر. وجاء فيها أنه كان يجعل فصه مما يلي كفه أي ليكون أبعد من التزين. وفي رواية لأبي داود وجعل فصه في ظهر كفه، فإن صحت قلعله كان يعمل هذا لبيان الجواز نادرا وجاء أنه كان يتختم به في اليد اليمنى وفي أحاديث أخر أنه في اليسار. باب في وضع التاريخ وأصله المعروف أن التاريخ بالهجرة النبوية حدث في خلافة عمر بن الخطاب، ولكن حكى أبو جعفر بن النحاس في كتابه صناعة الكتابة، وحكاه عنه القلقشندي في صبح الأعشى 240 من الجزء السادس عن محمد بن جرير، أنه روى بسنده إلى ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما قدم المدينة وقدمها في شهر ربيع الأول أمر بالتاريخ. قال القلقشندي: وعلى هذا يكون ابتداء التاريخ في عام الهجرة هـ. وفي المواهب وأمر صلى الله عليه وسلم بالتاريخ. فكتب من حين الهجرة قال الزرقاني: رواه الحاكم في الإكليل عن الزهري معضّلا، والمشهور خلافه، وأن ذلك في زمن عمر كما قال الحافظ اهـ. وقد قال الحافظ جلال الدين السيوطي: رأيت في مجموع بخط ابن القماح عن ابن الصلاح أنه قال: ذكر أبو طاهر محمد بن محمش الزيادي في تاريخ الشروط: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرّخ بالهجرة حين كتب الكتاب لنصارى نجران، وأمر عليا أن يكتب فيه حين كتب عنه أنه كتب لخمس من الهجرة. قال فالمؤرخ بهذا إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر تبعه في ذلك، قال: وقد أشبعت الكلام على ذلك في مؤلف مستقل مختصر بهذه المسألة اهـ (قلت) سماه «الشماريخ في علم التاريخ» . قال السخاوي: فإن ثبت فيكون عمر متبعا لا مبتكرا اهـ وقال الإمام السهيلي في الروض، ص 11 من الجزء الثاني: تأسيس مسجد قبا كان أول يوم من حلول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار هجرته، والبلد الذي هو مهاجره، وفي قوله تعالى: مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ [التوبة: 8- 10] وقد علم أنه ليس أول الأيام كلها، ولا إضافة إلى شيء في اللفظ الظاهر. ففيه من الفقه صحة ما اتفق عليه الصحابة مع عمر، حين شاورهم في التاريخ، فاتفق رأيهم أن يكون التاريخ من عام الهجرة، لأنه الوقت الذي عز فيه الإسلام، والذي أمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وأسس المساجد وعبّد الله آمنا، كما يحبه. فوافق رأيهم هذا ظاهر التنزيل. وفهمنا الآن بفعلهم أن قوله سبحانه مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ [التوبة: 80] أن ذلك اليوم هو أول أيام التاريخ الذي نؤرخ به الآن، فإن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذوا هذا من الآية، فهو الظن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 بأفهامهم، فهم أعلم الناس بكتاب الله وبتأويله، وافهمهم بما في القرآن من اشارات وافصاح، وإن كان ذلك عن رأي واجتهاد، فقد علم ذلك قبل أن يكونوا، وأشار إلى صحته قبل أن يفعل، إذ لا يعقل قول القائل: فعلته أول يوم إلا بالإضافة إلى عام معلوم، أو شهر معلوم أو تاريخ معلوم، وليس هاهنا إضافة في المعنى، إلا إلى هذا التاريخ المعلوم، لعدم القرائن الدالة على غيره من قرينة لفظ، أو قرينة حال. فتدبره ففيه معتبر لمن ادّكر، وعلم لمن رأى بعين فؤاده واستبصر والحمد الله اهـ. وقد نقل كلامه ملخصا الحافظ في الفتح وقال عقبه: كذا قال: والمتبادر أن معنى قوله: من أول يوم، أي دخل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة اهـ وقال ابن المنير: كلام السهيلي كلام تكلف وتعسف وخروج عن تقدير الأقدمين فإنهم قدروه من تأسيس أول يوم كأنه قيل: من أول يوم وقع فيه التأسيس، وهذا تأسيس تقتضيه العربية وتشهد له الآية اهـ. قلت: كلام السهيلي ظاهر المأخذ، جلي الإستنتاج والذين استبشعوه كأنهم لم يذوقوه، فتأمله بإنصاف، ترى الحق مع ما أملاه الأعمى لا ما كتبه البصراء «1» ، ولذا اقتصر عليه معجبا به المولى شهاب الملة والدين الخفاجي في عناية الراضي وكفاية القاضي فانظرها فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا [الإسراء: 84] . واختيرت الهجرة للإبتداء بها دون وقت الولادة والبعثة، لإختلافهم فيها دونها، ووقت الوفاة وإن شارك الهجرة في الإتفاق، لا يحسن الإبتداء بها عقلا لما ينشأ عنه من تهيج الحزن والأسف بخلاف وقت الهجرة، فإنه يتبرك به لكونه وقت استقامة ملة الإسلام، واختير لإفتتاح السنة المحرم دون غيره لكونه شهر الله، وأحد الأشهر الحرم، وفيه تنصرف الناس من الحج. باب في الرسول (السفير) وفيه فصول فصل في صفات رسله عليه السلام من وفور العقل وطلاقة اللسان وقوة الحجة المقنعة للخصم قال السهيلي في الروض ص 355 من الجزء الثاني: لما قدم دحية على قيصر قال: يا قيصر أرسلني من هو خير منك، والذي أرسله هو خير منه ومنك، فاسمع بذل ثم أجب بنصح. فإنك إن لم تذلل لم تفهم، وإن لم تنصح لم تنصف. قال: هات قال: هل تعلم أكان المسيح يصلي قال: نعم قال: فإني أدعوك إلى من كان المسيح يصلي له، وأدعوك إلى من دبّر خلق السموات والأرض، والمسيح في بطن أمه، وأدعوك إلى هذا النبي الأمي الذي بشر به موسى، وبشر به عيسى ابن مريم بعده، وعندك من ذلك أثارة من علم، تكفي   (1) هنا إشارة لكون الإمام السهيلي رحمه الله كان مكفوف البصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 عن العيان، وتشفي من الخبر. فإن أجبت كانت لك الدنيا والآخرة، وإلا ذهبت عنك الآخرة، وشوركت في الدنيا، واعلم أن لك ربا يقصم الجبابرة، ويغير النعم. فأخذ قيصر الكتاب ووضعه على عينيه ورأسه وقبله ثم قال: أما والله ما تركت كتابا إلا وقرأته، ولا عالما إلّا وسألته، فما رأيت إلا خيرا فأمهلني حتى أنظر من كان المسيح يصلي له، فإني أكره أن أجيبك اليوم، بأمر أرى غدا ما هو أحسن منه، فأرجع عنه فيضرني ذلك، ولا ينفعني، أقم حتى أنظر. فلم يلبث أن أتاه وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. وفي الروض أيضا: أن حاطبا لما قدم على المقوقس ملك مصر قاله له: إنه قد كان رجل قبلك يزعم أنه الرب الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، فانتقم به ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك ولا يعتبر بك غيرك، قال: هات قال: إن لك دينا لن تدعه إلا لمن هو خير منه، وهو الإسلام إليه الكافي به الله فقد ما سواه. إن هذا النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس، فكان أشدّهم عليه قريش، وأعداهم له يهود، وأقربهم منه النصارى. ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا، كبشارة عيسى بمحمد. وما دعاؤنا إياك للقرآن، إلّا كدعاء أهل التوراة إلى الإنجيل. وكل نبي أدرك قوما فهم من أمته، فالحق عليهم أن يطيعوه، فأنت ممن أدرك هذا النبي، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكن نأمرك به. وفيه أيضا أن العلاء بن الحضرمي لما قدم على المنذر بن ساوى بكتابه عليه السلام قال له: يا منذر، إنك عظيم في الدنيا، فلا تصغرنّ عن الآخرة، إن هذه المجوسية ليس فيها تكرم العرب، ينكحون ما يستحيا من نكاحه، ويأكلون ما يتكره عن أكله، ويعبدون في الدنيا نارا تأكلهم يوم القيامة، ولست بعديم عقل ولا رأي، هل ينبغي لمن لا يكذب أن لا تصدقه؟ ولمن لا يخون أن لا تأمنه؟ ولمن لا يخلف ألا تثق به؟ فإن كان هذا هكذا؛ فهو هذا النبي الأمي، الذي والله لا يستطيع ذو عقل أن يقول: ليت ما أمر به نهى عنه، أو ما نهى عنه أمر به، أو ليته زاد في عفوه أو نقص من عقابه إنّ كلّ ذلك منه على أمنية أهل العقل، وفكر أهل البصر. وفيه أيضا أن عمرو بن العاص لما قدم على على الجلندى قال له: يا جلندى، إنك وإن كنت منا بعيدا؛ فإنك من الله غير بعيد، إن الذي تفرّد بخلقك أهل أن تفرد بعبادتك، وأن لا تشرك به من لم يشركه فيك، واعلم أنه يميتك الذي أحياك، ويعيدك الذي بدأك. فانظر في هذا النبي الأمي الذي جاء بالدنيا والآخرة، (فإن كان ما يريد به أجرا فامنعه، أو يميل به هوى فدعه ثم ينظر فيما يجيء به يشبه ما تجيء به الناس فإن كان يشبهه فسله العيان وتخيّر عليه في الخير) وإن كان لا يشبهه فاقبل ما قال، وخف ما وعد. وفيه أيضا أن شجاع بن وهب لما قدم على جبلة بن الأيهم قال له: يا جبلة إن قومك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 نقلوا هذا النبي الأمي من داره إلى دارهم، - يعني: الأنصار- فاووه ومنعوه، وإن هذا الدين الذي أنت عليه ليس بدين آبائك، ولكنك ملكت الشام وجاورت بها الروم، ولو جاورت كسرى دنت بدين الفرس لملك العراق، وقد أقر بهذا النبي الأمي من أهل دينك من إن فضلناه عليك لم يغضبك، وإن فضلناك عليه لم يضرك، فإن أسلمت أطاعتك الشام وهابتك الروم، وإن لم يفعلوا كانت لهم الدنيا ولك الآخرة، وكنت قد استبدلت المساجد بالبيع، والأذان بالناقوس، والقبلة بالصليب. وكان ما عند الله خير وأبقى. وفيه أيضا أن المهاجر بن أبي أمية، لما قدم على الحارث بن عبد كلال قال له: يا حارث، إنك كنت أوّل من عرض عليه المصطفى نفسه، فخطأت عنه، وأنت أعظم الملوك قدرّا، فإذا نظرت في غلبة الملوك فانظر في غالب الملوك، وإذا سرّك يومك فخف غدك، وقد كان قبلك ملوك ذهبت آثارها وبقيت أخبارها، عاشوا طويلا وأمّلوا بعيدا، وتزودوا قليلا. منهم من أدركه الموت، ومنهم من أكلته النقم، وأنا أدعوك إلى الرب الذي إن أردت الهدى لم يمنعك، وإن أرادك لم يمنعه منك أحد وأدعوك إلى النبي الأمي الذي ليس شيء أحسن مما يأمر به، ولا أقبح مما ينهى عنه، واعلم أن لك ربا يميت الحي ويحيي الميت، ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور. ومما قاله دحية في قدومه على قيصر: ألا هل أتاها على نابها ... فإني قدمت على قيصر فقدرته بصلاة المسيح ... وكانت من الجواهر الأحمر وتدبير ربك أمر السما ... ء والأرض فأغضى ولم ينكر وقلت تقر ببشري المسي ... ح فقال: سأنظر، قلت: انظر فكاد يقرّ بأمر الرسو ... ل، فمال إلى البدل الأعور فشك وجاشت له نفسه ... وجاشت نفوس بني الأصفر على وضعه بيديه الكتا ... ب على الرأس والعين والمنخر فأصبح قيصر من أمره ... بمنزلة الفرس الأشقر يريد بالفرس الأشقر مثلا للعرب فيمن يتردد عن الشيء، لا يريد ما يرجح فيه انظر ص 355 من الجزء الثاني من الروض. وفي ص 359 من الجزء السادس من صبح الأعشى من غريب ما يروى، ما ذكره ابن عبد الحكم، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب مصر، وبلغه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ما منعه أن يدعو عليّ فيسلط علي؟ قاله له حاطب: ما منع عيسى أن يدعو على من أبي عليه أن يفعل ويفعل. فوجم ساعة ثم استعادها فأعادها عليه حاطب، فسكت. ويروى أنه حين سأله عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم في حروب قومه وذكر له أن الحرب تكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 بينهم سجالا تارة له وتارة عليه، قال له المقوقس: النبي يغلب؟ فقال له حاطب: فالإله يصلب؟ يشير بذلك إلى ما تزعمه النصارى من أن المسيح عليه السلام صلب مع دعواهم فيه أنه إله؟ وفي ترجمة سيدنا عبادة بن الصامت من الاستبصار للموفق بن قدامة، روي أن المقوقس صاحب مصر بعث إلى عمرو أن أبعث لي رسلا أكلمهم، فبعث إليه نفرا منهم عبادة بن الصامت، وأمره أن يكون هو المتكلم، وكان عبادة أسود شديد السواد، فلما دخلوا على الملك تقدم عبادة، فقال الملك: ما فيكم من يتكلم غير هذا؟ فقال القوم: هو أفضلنا وأقدمنا صحبة لنبينا، ومع هذا فقد أمره أميرنا. هو المتكلم قال: فليتقدم إذا. فإنما هبته لسواده. فقال عبادة: فإن كنت هبتني لسوادي وقد ولى شبابي، وذهبت قوتي فكيف بك لو رأيت عسكرنا وفيه أكثر من ألف أشد مني سوادا، وأقوى أبدانا وأعظم أجسادا؟ فطلب منه الملك الصلح. فقال عبادة: إنا لا نقبل منكم إلا إحدى خلال ثلاث: إما أن تسلموا، فتكونوا إخواننا، لكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإما أن تؤدوا الجزية إلينا،. وتعتقدوا منا الذمة، فنقبل منكم ونكف عنكم، وإما أن تبرزوا لنا حتى يحكم الله بيننا وبينكم. فقال الملك: لا تقبلوا غير هذه الخلال الثلاث؟ فرفع عبادة يديه فقال: لا ورب السماء، لا ورب هذه الأرض، لا نقبل منكم غيرها. فقال الملك لأصحابه: ما ترون فيما قال؟ فأبوا. فقال الملك: والله لئن لم تقبلوا منهم إحدى هذه الخلال قبل قتل الرجال وسبي الحريم، لتقبلنه منهم بعد ذلك وأنتم راغمون فصالحهم. ووجه عمر عبادة إلى الشام قاضيا ومعلما اهـ. ثم استطرد القلقشندي، أن بعض ملوك الروم كتب إلى خليفة زمانه يطلب منه من يناظر علماء النصرانية عنده، فإن قطعهم أسلموا، فوجه إليهم بالقاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني المالكي، فلما حضر المجلس، واجتمع لديه علماء النصارى قال له بعضهم: إن معتقدكم أن الأنبياء معصومون في الفراش، وقد رميت عائشة بما رميت به، فإن كان ما رميت به حقا كان ناقضا لأصلكم الذي أطلقتموه في عصمة الأنبياء في الفراش. وإن كان غير حق كان مؤثرا في إيمان من وقع منه. فقال له القاضي، أبو بكر: امرأتان حصينتان رميتا بالفرية؛ إحداهما لها زوج ولا ولد لها. والآخرى لها ولد ولا زوج لها. يشير بالأولى إلى عائشة، وبالثانية إلى مريم فسجدوا له على عادة تحيتهم في ذلك. وقد رأيت في ترجمة الباقلاني من تاريخ الإسلام للحافظ الذهبي هذه القصة على وجه آخر؛ وذلك أنه ذكر أنه جرت له أمور منها؛ أن الملك أدخله عليه من باب خوخة ليدخل راكعا للملك، ففطن لها ودخل بظهره ومنها أنه قال لراهبه: كيف الأهل والأولاد فقال له الملك: أما علمت أن الراهب يتنزه عن هذا؟ فقال: تنزهونه عن هذا ولا تنزهون الله عن الصاحبة والولد؟ وقيل: إن طاغية الروم سأله كيف جرى لعائشة. وقصد توبيخه فقال: كما جرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 لمريم وبرأ الله المرأتين، ولم تأت عائشة بولد، فأفحمه ولم يدر جوابا اهـ من تاريخ الإسلام. وأحفظ أيضا أن الباقلاني سأله ملك الروم أيضا. قال له: تزعمون أن القمر انشق لنبيكم، فهل للقمر قرابة حتى ترونه دون غيركم؟ فقال: وهل بينكم وبين المائدة إخوة ونسب إذ رأيتموها، ولم ترها اليهود واليونان والمجوس، الذين أنكروها وهم في جواركم؟ فأفحم ولم يدر جوابا. وقد ذكر القصة مبسوطة ابن التلمساني في شرح الشفا قائلا: ذكر بعضهم أن الإمام العالم الأعرف أبا بكر بن الطيب، لما وجهه صاحب الدولة سفيرا إلى ملك الروم، ليظهر به رفعة الإسلام، وبغض النصرانية. وجرت في تلك الوجهة، في القسطنطينية بينه وبين ملكها، مع بطارقته ونبلاء ملته مناظرات ومحاورات، منها: أن الملك قال له هذا الذي تدّعونه في معجزات نبيكم من انشقاق القمر، كيف هو عندكم؟ قال: هو صحيح عندنا. انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رآه الناس، وإنما رآه من الحضور من اتفق نظره إليه في تلك الحال. فقال الملك: وكيف لم يره جميع الناس؟ قال: الناس لم يكونوا على أهبة ووعد لحضوره. قال. وهذا القمر بينكم وبينه قرابة لأي شيء لم يعرفه الروم وغيرهم من سائر الناس، وإنما رأيتموه أنتم خاصة؟ قال: فهذه المائدة بينكم وبينها نسب، وأنتم رأيتموها دون اليهود والمجوس والبراهمة واهل الإلحاد واليونان جيرانكم؛ فإنهم كلهم منكرون لهذا الشأن فتحير الملك وقال في كلامه: سبحان الله، وأمر بإحضار فلان القسيس ليكلمني، وقال: نحن لا نطيقه، فلم أشعر إذ جاؤا بالرجل كالدب أشقر الشعر، فقعد وحكيت له المسألة فقال: الذي قال المسلم لازم لا أعرف له جوابا إلا ما ذكره، فقلت: له: إن الكسوف إذا كان يراه جميع أهل الأرض أم يراه أهل الإقليم الذي في محاذاته؟ فقال: لا يراه إلا من كان في محاذاته. قلت: فما أنكرت من انشقاق القمر كذلك إذا كان من ناحية لا يراه إلا أهل تلك الناحية، ومن تأهب للنظر. وأما من أعرض عنه، أو كان في الأمكنة التي لا يرى القمر فيها فلا يراه فقال: هو كما قلت. لا يدفعك عنه دافع. وإنما الكلام في الرواة الذين نقلوا. فأما الطعن في هذه الوجه فليس بصحيح، فقال الملك: وكيف يطعن في النقلة؟ فقال النصراني: شبه هذا من الآيات إذا صح وجب أن ينقله الجم الغفير، حتى يتصل بنا العلم به، ولو كان كذلك لوقع لنا العلم الضروري به، فلما لم يقع دلّ على أنه أكبر مفتعل باطل، فالتفت الملك إلي وقال: الجواب. فقلت: يلزمه في نزول الملائكة بالمائدة ما لزمني في انشاق القمر. ويقال له: لو كان نزول المائدة صحيحا لوجب أن ينقله العدد الكثير، فلا يبقى يهودي ولا نصراني إلا ويعلم هذا بالضرورة، ولما لم يعلموا ذلك بالضرورة، دل أن الخبر كذب فبهت النصراني والملك ومن ضمه المجلس وانفصل للوطن على هذا اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 اختياره عليه السلام لرسله أن يكونوا أحسن الناس وجها سيأتي أمره لعماله أن يبردوا له البريد كذلك، ومن أشهر رسله عليه السلام للملوك دحية الكلبي. قال العيني: في عمدة القاري ص 93 من الجزء الأول: كان دحية من أجمل الصحابة وجها، وكان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورته، وذكر السهيلي عن ابن سلام في قوله تعالى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها [الجمعة: 11] قال: كان اللهو نظرهم إلى وجه دحية لجماله، وروي أنه كان إذا قدم إلى الشام لم تبق مخدرة إلا خرجت لتنظر إليه اهـ. وفي الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي أن دحية كان أجمل أهل زمانه، وبلغ من أثر جماله في الخلق، أنه لما قدم المدينة واستقبله الناس، ما رأته امرأة حامل إلا ألقت ما في بطنها اهـ وذكر العيني في العمدة أيضا: أن دحية هذا كان يمشي متلثما خشية أن تفتتن به النساء اهـ. وصايته عليه السلام لكل من بعثه لجهة من الجهات من سفرائه وأمرائه ورسله في سيرة ابن هشام قال ابن إسحاق: حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري أنه وجد كتابا فيه ذكر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البلدان وملوك العرب والعجم، وما قال لأصحابه حين بعثهم، قال فبعثت به إلى محمد بن شهاب الزهري فعرفه وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج على أصحابه فقال لهم: إن الله بعثني رحمة فأدّوا عني يرحمكم الله، ولا تختلفوا عليّ كما اختلف الحواريون على عيسى بن مريم. قالوا: وكيف يا رسول الله كان اختلافهم؟ قال: دعاهم لمثل ما دعوتكم له، فأما من قرب به فأحب وسلّم، ومن بعد به فكره وأبى، فشكى ذلك عيسى منهم إلى الله، فأصبحوا وكلّ رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذين وجه إليهم اهـ. وفي باب صب الماء على البول في المسجد؛ أنه عليه السلام قال للصحابة لما تناولوا الأعرابي الذي بال في المسجد: إنما بعثتم ميسّرين، ولم تبعثوا معسّرين. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وكان ذلك شأنه عليه السلام، في حق كل من بعثه إلى جهة من الجهات، يقول: يسروا ولا تعسروا اهـ ص 279 من الجزء الأول. وقع ذلك في مسلم عن أبي موسى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال: «بشّروا ولا تنفّروا، ويسّروا ولا تعسّروا» ، وأخرج البزار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسل معاذا وأبا موسى فقال: تشاورا وتطاوعا ويسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 اتّخاذ البريد في زمن الخلفاء الراشدين البريد «1» اسم للمسافة التي بين كل محطة وأخرى من محطات البريد، وهي أربعة فراسخ «2» ، أو اثنا عشر ميلا، ثم أطلق على حامل الرسائل، وتوسعوا فيه الآن فأطلقوه على أكياس البريد، وأصله من وضع الفرس، ثم استعمل في الإسلام وأقيم له عامل مخصوص يسمى عامل البريد، ينقل أخبار الولاة والبلاد لدار الخلافة والعكس. والمشهور أن أول من وضعه في الإسلام معاوية بن أبي سفيان، ولعله أول من رتبه على طرق ومناهج مخصوصة، رتب له الخيل والمحطات، وإلا فالبريد معروف عند من قبله من الخلفاء الراشدين، واشتهر أمره في مدة سيدنا عمر بن الخطاب، وفي الصحيح «3» لدى باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها، وصلى أبو موسى في دار البريد قال الحافظ: دار البريد المذكورة موضع بالكوفة؛ كانت الرسل تنزل فيه إذا حضرت من الأمراء إلى الخلفاء، وكان أبو موسى أميرا على الكوفة في زمن عمر، وفي زمن عثمان وكانت الدار في طرف البلد، وقال المطرزي: البريد في الأصل الدابة المرتبة في الرباط، ثم سمي به الرسول المحمول عليها، ثم سميت به المسافة المشهورة. وفي سيرة عمر للحافظ ابن الجوزي في الباب الرابع والثلاثين في ذكر عسسه بالمدينة، وبعض ما جرى له في ذلك، أن عمر لما أبعد نصر بن الحجاج عن المدينة إلى البصرة، وكتب عمر إلى عاملة عتبة بن فرقد كتابا وأقام أياما ثم نادى مناديه: ألا إن بريد المسلمين يريد أن يخرج فمن كانت له حاجة فليكتب فكتب إليه نصر بن الحجاج كتابا إلى أمير المؤمنين انظر ص 105. وفي القصة الآتية وهي عند ابن جرير في تاريخه عن الرسول الذي أتى بالعقد هدية من عند امرأة قيصر الروم إلى زوج عمر أنه بريد المسلمين. وفي كتاب الطائر الغريد في وصف البريد: للعرب في نظام البريد فضل مثل مالهم في غيره، ولذلك قد شرح المؤرخون عن أحواله عندهم أكثر من باقي البريد، وأول ما استعمل العرب لنقل البريد الإبل، ثم استبدلوها بالبغال، ثم بالخيل لسرعتها، وكان لكل سفر بريد يتولى قيادة المسافرين، وميل العرب للتنقل بالأسفار وكان أعظم مساعد على اطراد سير البريد الطويل ما بين البلاد الشاسعة بكل ضبط، وهذه الوظيفة كانت عندهم من الوظائف   (1) البريد: كان من اصطلاح الفرس أن يقطعوا أذناب الخيل المخصصة لحمل البريد وقالوا لها: بريدة دم: مقطوعة الذنب. ومن ثم أطلق الوصف على الخيول التي تحمل الرسائل خيل البريد. مصححه. عن كتاب النظم الإسلامية للشيخ صبحي الصالح. (2) فراسخ: كلمة فارسية جمعت جمع تكسير عربي وأصلها. فرسخ، ولا زالت مستعملة في بلاد إيران وتقدر بستة كيلو مترات. مصححه. (3) انظر كتاب الوضوء باب 66 ص 63/ 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 العالية، التي لا يوليها إلا الخليفة نفسه، ولا يتولاها إلا ذو الأهلية. وجاء في كتب الإفرنج أن ابتداء ترتيب البريد عند العرب بعد الهجرة النبوية بأمر أول خليفة، وكان يتسع باتساع فتوحاتهم، التي بلغت مسافات شاسعة، وأعظم اتساع ونظام في بريد العرب تمّ في عهد الخلفاء العباسيين، بلغت محطات البريد نحو ألف محطة، كانت تسمى عندهم بالسكك، ومع هذا الاتساع كانت الأشغال سائرة بكل دقة، في مواعيد السفر والوصول والأمنية، فقد كان لكل محطة رئيس لملاحظة سير السعاة، والخيالة وحالة المحطات، وكان جميع هؤلاء الرؤساء مضطرين أن يقدموا تقاريرهم عن كل ما يحدث في الخطوط إلى عموم الإدارة في بغداد، التي كانت النقطة المركزية والرئيس العالي يعرض ذلك على الخليفة نفسه، الذي كان يهتم بالبحث عن أحوال البريد، وكان للبريد لائحة عمومية، تحتوي على قوانين البريد، في سيره وجغرافية الطرق، وكان ينفق على البريد مبالغ وافرة، قيل: إن نفقة فرع اليمن فقط؛ كانت تبلغ نحو أربعة ملايين درهم سنويا، وهي عبارة عن أربعة ملايين ونصف من الفرنكات، ومن ذلك يعلم قدر نفقات باقي الخطوط، وما كان يبذله العرب لتنظيم البريد وقدر أهميته عندهم، وفي ص 95 من الكتاب المذكور اتخذ العرب العلامات لرسل البريد، وفي عهد الخلفاء العباسيين كانت علاماتهم قطعة من الفضة بقدر الكف، قد كتب على أحد صفحتيها البسملة واسم الخليفة، وعلى الصفحة الثانية هذه الآية: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً [الأحزاب: 45] هـ. «مهمّة» في الخطط للتقي المقريزي، أن إبراهيم بن الأغلب لما ولي على أفريقية سنة 261، كانت القوافل والتجار تسير في الطرق وهي آمنة، والحصون والمحارس على ساحل البحر، حتى كانت توقد النار من مدينة سبتة إلى الإسكندرية، فيصل الخبر منها إلى الاسكندرية في ليلة واحدة وبينهما مسيرة أشهر هـ منها ص 280 من الجزء الأول. قلت: لعمري إن هذه الطريقة في التعجيل بالإخبار أغرب وأعجب من التلغراف والتلفون. ولله في خلقه شؤون. فصل في الرسول يبعث يدعو إلى الإسلام «بعث دحية بن خليفة الكلبي، وبعثه بكتابه وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل، وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك فارس. وبعث عمرو بن أمية إلى النجاشي ملك الحبشة. وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك الإسكندرية. وبعث سليط بن عمرو واحد بني سليط عامر بن لؤي إلي ثمامة بن أثال. وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين وبعث شجاع بن وهب الأسدي إلي الحرث بن أبي شمر الغساني. وبعث المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلي الحارث ملك اليمن. قال ابن جماعة بعث رسول الله ستة نفر في يوم واحد في المحرم سنة سبع» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 قلت: وفي شرح الزرقاني على المواهب وشرح الألفية لابن كيران: وبعث ستة نفر في يوم واحد، إلى الملوك وأصبح كل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعث إليهم، كذا لابن سعد وغيره، وهذه معجزة أخرى هـ منهما. فصل في بعث الرسول في الصلح بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خراش بن أمية الخزاعي إلى قريش «1» بمكة، وحمله على بعير له، وأمره أن يبلغ أشرافهم ما جاء به، فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرادوا قتله فمنعته الأحابيش، فخلوا سبيله. ثم أرسل المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك عثمان بن عفان بإشارة عمر فنجا. فصل في بعث الرسول بالأمان ذكر من بعثه المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك من الرجال «في السير في خبر فتح مكة قال ابن إسحاق: خرج صفوان بن أمية يوم فتح مكة يريد جدة ليركب منها إلى اليمن، فقال عمير بن وهب: يا رسول الله؛ إن صفوان بن أمية سيد قومي، وقد خرج هاربا منك ليقذف بنفسه في البحر. فأمّنه صلى الله عليه وسلم وقال: هو آمن. قال يا رسول الله فأعطني آية ليعرف بها أمانك، فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل بها مكة، فخرج بها عمير حتى أدركه، وهو يريد أن يركب البحر فقال: يا صفوان، فداك أبي وأمي، الله الله في نفسك، أن تهلك، فهذا أمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد جئتك به، قال: ويحك أبعد عني فلا تكلمني إني أخاف على نفسي، قال: هو أحلم من ذلك وأكرم، فرجع معه حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صفوان: إن هذا يزعم أنك أمنتني، قال صدق. قال فاجعلني فيه بالخيار شهرين، قال: أنت بالخيار أربعة أشهر. وقال أبو عمر بن عبد البر: كان عمير بن وهب بن خلف قد استأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هرب يوم الفتح هو وابنه وهب بن عمير فأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما، وبعث له وهب بن عمير بردائه الكريم أمانا له وجاء به بنحو ما ذكر لمن قبله» . ذكر من توجه في ذلك من النساء «قال ابن عبد البر في الاستيعاب: أم حكيم بنت الحارث بن هشام زوج عكرمة بن أبي جهل بن عمها، أسلمت يوم الفتح واستأمنت النبي صلى الله عليه وسلم لزوجها عكرمة، حين فر إلى اليمن وخرجت في طلبه، فردته حتى أسلم وثبتا على نكاحهما، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين رآه لما أتت به: مرحبا بالراكب المهاجر، وقال لأصحابه: إن عكرمة يأتيكم فإذا رأيتموه فلا تسبوا أباه، فإن سبّ الميت يؤذي الحي» .   (1) قبل توقيع صلح الحديبية. مصححه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 فصل في الرسول يبعث إلى الملوك (ليبعث من عنده في بلاده من المسلمين) «قال ابن إسحاق: كان من أقام بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري، فحملهم في سفينتين، فقدم بهم عليه، وهو بخيبر بعد الحديبية ستة عشر رجلا منهم جعفر بن أبي طالب» . في الرسول يبعث إلى الملك ليزوج الإمام المرأة من المسلمين (تكون ببلاده ويبعثها) «ذكر ابن جماعة في مختصر السير: أن المصطفى صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي، واسمه أصحمة وكتب له كتابين يدعوه في أحدهما إلى الإسلام، ويتلو عليه القرآن، فأخذه النجاشي فوضعه على عينيه ونزل عن سريره، فجلس على الأرض ثم أسلم، وشهد شهادة الحق وفي الكتاب الآخر أن يزوجه أم حبيبة، وأمره أن يبعث بمن قبله من أصحابه ويحملهم، ففعل ودعا بحق من عاج، فجعل فيه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لن تزال الحبشة بخير ما كان هذان الكتابان بين أظهرها» . وفي ترجمة عمرو من الإصابة: بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي في زواج أم حبيبة، وإلى مكة فحمل خبيبا من خشبته، وذكر الحافظ في ترجمة أم حبيبة من الإصابة: أن النجاشي أرسل إليها جارية له يقال لها أبرهة فقالت: إن الملك يقول لك: وكلي من يزوجك، فأرسلت إلى خالد بن الوليد فوكلته، وأعطت لأبرهة سوارين من فضة، فلما كان العشي أمر النجاشي بإحضار جعفر بن أبي طالب، ومن معه من المسلمين فحضروا فخطب النجاشي فحمد الله وأثنى عليه وتشهد ثم قال: أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة فأجبت، وقد، أصدقتها أربعمائة دينار ثم سكب الدنانير، فخطب خالد فقال: قد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوجته أم حبيبة وقبض الدنانير، وعمل لهم النجاشي طعاما فأكلوا. قالت أم حبيبة: فلما وصل إلي المال أعطيت أبرهة خمسين دينارا قال: فردتها علي. وقالت: إن الملك عزم علي بذلك وردت علي ما كنت أعطيتها. أولا، ثم جاءتني من الغد بعود وورس وعنبر وزباد، عنبر، فقدمت به على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي شرح ابن باديس على مختصر ابن فارس وفي اللباب: هي أول امرأة أوثرت في الإسلام بهذا المبلغ اهـ. وفي ظل الغمامة لأبي عبد الله الغافقي في حق أم حبيبة المذكورة: حاز رضي الله ورضى رسوله صلى الله عليه وسلم في أداء مهرها العبد الصالح أصحمة، وقد كتب في قلبه الإيمان والمرحمة، وألقى عليها الصون والأمنة حتى أداها إليه صلى الله عليه وسلم شرحبيل بن حسنة، يكلؤها في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 زفافها ويغدق عليها قناعة الإيمان، ويتقارب بمراحلها على بعد الزمان، فحمدت عند الصباح سراها، وجرت السوانح ببشراها، وأهدت سواريها وخواتمها لمن أعلمها بنكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم لها. اهـ. في الرسول يبعث بالهدية «قال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى أبي سفيان بن حرب بهدية إلى مكة، وخرّج أبو عبيد القاسم بن سلام أن هذه الهدية كانت تمر عجوة، وكتب إليه صلى الله عليه وسلم يستهديه أدما فأهداه إليه أبو سفيان. وكانت في الهدنة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة قبل فتحها» . وقد أفرد رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجهات أبو الحسن المدائني؛ ذكر ذلك الحافظ في ترجمة الحارث بن عبد كلال من الإصابة وغيرها، وأشار إليهم الحافظ العراقي في ألفيته فقال: ذكر رسله عليه الصلاة والسلام إلى الملوك: أول من أرسله النبي ... لملك عمرو هو الضمري إلى النجاشي فلما قدّم ... نزل عن فراشه فأسلم فأركب المهاجرين البحرا ... إليه في سفينتين طرّا زوّجه رملة عمرو قبله ... له ومهرها النجاشي بذله ودحية أرسله لقيصرا ... وهو هرقل فعصى واستكبرا وابن حذافة مضى لكسرى ... فمزّق الكتاب غيّا نكرا وحاطب أرسل للمقوقس ... فقال: خيرا ودنا لم يؤيس أهدى له مارية القبطية ... وأختها سيرين مع هدية من ذهب وقدح ومن عسل ... وطرف من مصر من بنها العسل وأرسل ابن العاصي حتى أدّى ... كتابه إلى ابني الجلندا فأسلما وصدّقا وخلّيا ... ما بين عمرو، والزكاة أهديا وأرسل السليط لليمامة ... لهوذة ملك بني حنيفة فأكرم الرسول إذ أنزله ... وقال: ما أحسن ما يدعو له وسال أن يجعل بعض الأمر ... له فلم يعط مضى في الكفر كذا شجاع الأسدي يلقى ... الحارث الغساني ملك البلقا رمى الكتاب قال: إني سائرّ ... إليه، رده هرقل قيصر وقيل: بل أرسله لجبله ... فقارب الأمر ولكن شغله الملك، ثم في زمان عمر! ... أسلم، ثم ارتدّ حتى كفرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وابن أبي أمية المهاجرا ... أرسله للحارث بن حميرا عبد كلال أبه فرددا ... أنظر في أمري وبعد وفدا على النبي مسلما، فاعتنقه ... وفرش الردا له، وومقه وأرسل العلاء بن الحضرمي ... لمنذر وهو ابن ساوى الدارمي كان مع العلاء أبو هريرة ... فانقاد منذر لخير ملة ووفد المنذر عام الفتح أو ... في عام تسعة خلافا قد حكوا كذاك أرسل معاذا وأبا ... موسى إلى مخالف فاقتربا وقال: يسّرا ولا تعسّرا ... وبشّرا طوعا، ولا تنفّرا كذا جرير نحو ذي الكلاع ... ونحو ذي عمرو ونعم الداعي وعمرو الضمري إلى مسيلمه ... فلم يؤب عن كذبه ولزمه أرسل له كتابه مع سائب ... ثانية، فلم يكن بالتائب وبعده عياشا أيضا أرسلا ... إلى بني عبد كلال قبلا كلهم كتابه، وأسلموا ... نعيم والحار ومسروح هم وأرسل النبي أيضا إذ كتب ... لعدة لم يسم من بها ذهب لفروة بن عامر الجذامي ... أفلح إذ أقر بالإسلام ولبني عمرو وهم من حمير ... كذا لمعدي كرب المشتهر ولأساقف بنجران كتب ... كذا لمن أسلم من حدس عرب وابن ضماد خالد الأزدي ... ولابن حزم عمرو الرضي ولأخي تميم أوس كتبا ... وهو لدى أولاده ما ذهبا وليزيد بن الطفيل الحارث ... ولبني زياد بن الحارث باب في جائزة المصطفى لرسول غيره له ترجم في الإصابة 411/ 3 لمسعود بن سعد الجذامي، رسول فروة بن عمرو الجذامي عامل قيصر على عمّان، فذكر أنه ورد عليه عليه السلام بإسلامه وهديته، فقبل ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم وأجاز رسوله بخسمائة درهم. باب في الرسول يتوجه إلى الملك منذرا له بالحرب إن هو لم يؤمن في سيرة ابن إسحاق أنه عليه السلام بعث عمرو بن العاص إلى الجلندى بضم الجيم وفتح اللام وسكون النون والقصر كذا في فتح الباري اسم ملك عمان، يدعوه إلى الإسلام، ومحاورة عمرو بن العاص له طويلة، ساقها أصحاب السير، وفيها خطابا للملك: ما أعلم أحدا بقي غيرك، وإن لم تسلم اليوم يوطئك الخيل، وتبيد خضراؤك، فأسلم تسلم، ويستعملك على قومك. قال الشيخ الطيب بن كيران في شرح الألفية: قلت في هذا قوة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 نفس عمرو إذ خاطبه بهذا الخطاب، وأنذره بالحرب والهلاك في محل ملكه، بحضرة أعوانه مع أنه واقف بين يديه، لم يتمكن من الجلوس. وانظر قصته في الشرح المذكور وغيره. وفي طبقات ابن سعد؛ أنه عليه السلام كتب إلى يحنة بن رؤبة وسروات أهل أيلة: إن أردتم أن يأمن البر والبحر فأطع الله ورسوله، وإنك إن رددتهم يعني رسله ولم ترضهم، لا آخذ منكم شيئا حتى أقاتلكم فأسبي الصغير وأقتل الكبير فإني رسول الله بالحق لخ. باب في الترجمان الذي كان يترجم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر من كان يترجم له باللسان العجمي «في العمدة للتلمساني: زيد بن ثابت الأنصاري النجاري، كان يكتب للملوك، ويجيب بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ترجمانه بالفارسية والرومية، والقبطية والحبشية، تعلم ذلك بالمدينة من أهل هذه الألسن وذكر ابن هشام في البهجة نحوه. ونحوه في التعريف برجال مختصر ابن الحاجب لابن عبد السلام في ترجمة زيد، وفي آكام النفائس في أداء الأذكار بلسان فارس: لسمينا «1» أبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي، أن بعض الصحابة كزيد بن ثابت، قد كان تعلم اللسان العجمي والرومي والحبشي وعيرها من الألسنة، كما صرح به في الإعلام بسيرة النبي عليه الصلاة والسلام وغيره من كتب الإعلام اهـ. وفي ص 144 من الجزء الثاني من العقد الفريد لابن عبد ربه وقيل: إنه أي زيدا تعلم الفارسية من رسول كسرى، والرومية من حاجب النبي صلى الله عليه وسلم، والحبشية من خادم النبي صلى الله عليه وسلم، والقبطية من خادمته عليه السلام اهـ منه. وفي صحيح البخاري لدى باب ترجمة الحكام، وهل يجوز ترجمان واحد من كتاب الأحكام؟ وقال خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت، إن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود . [انظر كتاب الأحكام باب 39 ج 8/ 120] . ذكر من كان يترجم له صلى الله عليه وسلم بالكتاب كتاب السريانية «في الإستيعاب: كانت ترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بالسريانية، فأمر زيد بن ثابت بتعلمها، فتعلمها في بضعة عشر يوما. وفي مختصر الطحاوي: عن زيد بن ثابت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحسن السريانية، إنه تأتيني كتب؟ قال: قلت: لا. قال: فتعلمها. قال: فتعلمتها في سبعة عشر يوما.   (1) ولو قال: ابن عمنا لكان صادقا؛ فهو حسني النسب أيضا ولكنه من أهل الهند. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 وفي الأحكام الصغرى: ذكر أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّه تأتيني كتب من أناس لا أحب أن يقرأهن كل واحد «1» فهل تستطيع أن تتعلم السريانية! قال: قلت نعم. فتعلمتها في سبعة عشر يوما» . وفي بهجة المحافل لابن عبد البر: أنه تعلمها في ثمانية عشر يوما. كتاب اليهود «في صحيح البخاري في شواهده، والتاريخ، والنص له عن زيد بن ثابت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له «2» : تعلم كتاب اليهود، فإني ما آمن يهوديا على كتابة، فتعلمته في نصف شهر، حتى كتبت له إلى يهود، وأقرأته إذا كتبوا إليه، وفي مختصر الطحاوي: عن زيد بن ثابت أنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم كتاب يهود، فما مرّ بي نصف شهر حتى تعلمت، وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله ما آمن يهوديا على كتابي، ولما تعلمت كنت أكتب إلى يهود إذا كتب إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتبهم» . خرّجه البخاري معلقا في باب ترجمة الحكام. وهل يجوز ترجمان واحد! من كتاب الأحكام ولفظه: وقال خارجة بن زيد بن ثابت: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود، حتى كتبت للنبي صلى الله عليه وسلم كتبه، وأقرأته كتبهم إذا كتبوا له، قال الحافظ في الفتح: وصله مطولا في كتاب التاريخ، ثم ساق وصله من طرق. وبوّب عليه الترمذي في كتاب الأدب من جامعه فقال: باب في تعليم السريانية حدثنا علي بن حجر، أنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه زيد قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم له كلمات من كتاب يهود، وقال: إني والله لا آمن يهود على كتابي. قال فما مرّ بي نصف شهر حتى تعلمته له، قال: فلما تعلمت كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتبهم، وقال حديث حسن صحيح. قال الترمذي: وقد روي من غير وجه عن زيد بن ثابت، وقد رواه الأعمش عن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم السريانية. وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: كان زيد بن ثابت يتعلم مدراس ماسكة فتعلم كتبهم في خمس عشرة ليلة، حتى كان يعلم ما حرفوا وبدلوا.   (1) في التخريج للخزاعي: وردت: لا أحب أن يقرأها كل أحد. ص 219. (2) وفي كتاب التخريج للخزاعي ص 219 ورد هذا النص كما يلي: «تعلم كتاب يهود، فإني ما آمن يهود على كتابي فتعلمت في نصف شهر حتى كتبت إلى يهود واقرأ له إذا كتبوا إليه» . وعزاه لتاريخ البخاري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وأخرج ابن أبي داود في المصاحف، وابن عساكر عن زيد بن ثابت قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها تأتيني كتب لا أحب أن يقرأها كل أحد، فهل تستطيع أن تتعلم كتاب العبرانية؟ أو قال السريانية فقلت نعم فتعلمتها في 17 يوما. وأخرج أبو يعلى وابن أبي داود في المصاحف وابن عساكر عن زيد بن ثابت قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم أتحسن السريانية؟ فإنها تأتيني كتب قلت لا قال: فتعلمها فتعلمتها في سبعة عشر يوما. وأخرج الإمام أحمد عن زيد بن ثابت رفعه: يا زيد تعلم لي كتاب يهود فإني والله ما آمن يهوديا على كتابي، وأخرج عبد بن حميد عن زيد بن ثابت رفعه: إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا أو ينقصوا فتعلم السريانية. أقول وبهذا يعلم حكم تعلم اللغات الأجنبية. وفي الجزء الثالث من صبح الأعشى: ينبغي للكاتب أن يتعلم لغة من يحتاج إلى مخاطبته، أو مكاتبته من اللغات غير العربية، فكذلك ينبغي أن يتعلم من الخطوط غير العربية، ما يحتاج إليه من ذلك فقد قال محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة: إنه يجب عليه أن يتعلم الهندية وغيرها من الخطوط العجمية، ويؤيد ذلك ما تقدم في الكلام على اللغة أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب يهود من السريانية، أو العبرانية، وكان يقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم كتبهم ويجيبهم عنه اهـ. وقد استفسر ابن رشد ما جاء عن مالك وعن سيدنا عمر من ذم تعاطي لغة الأعاجم. فتبين من كلامه في كتاب البيان والتحصيل أن الذي كره مالك من تعلم خط العجم ولسانهم هو ما لا يكون في تعلمه منفعة، وأما ما فيه منفعة كتعلمه لترجمة ما يحتاجه الإمام كما تعلمه زيد بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، أو لما يحتاج إليه القاضي للفصل بين الخصوم، وإثبات الحقوق، أو العاشر الذي يعشر أهل الذمة وتجار الحربيين، لطلب ما يعشر عندهم لبيت المال، أو لما يحتاج إليه من فكاك أسير، وما أشبه ذلك مما تدعو إليه الضرورة فغير مكروه. وقال ابن يونس حين تكلم على قول المدونة ونهي عمر عن رطانة الأعاجم أي تكلمهم بلسانهم فقيل: معنى النهي عن ذلك أنها يتكلمون بها في المساجد، وقيل: معنى النهي أنهم إذا تكلموا بها بحضرة من لا يفهمها، فيكون من تناجي الإثنين دون واحد. وقد كره ذلك. قال الشيخ أبو الحسن عليها «1» : والتاويل الآخر أسدّ. وأما الأول فلماذا كرهه هل لأنها من اللغو الذي تنزه المساجد عنه؟ اهـ وكأنه توقف في ذلك وقال في التوضيح: إنما كرهها في المساجد لأن مالكا كره أن يتكلم في المساجد بألسنة العجم وإليه ذهب ابن يونس اهـ. وفي المدخل لابن الحاج: قد كره مالك ما هو أخف من هذا يعني الأكل في   (1) في المتن نقص والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 المسجد، وهو التكلم بغير لسان العرب سيما لمن يحسن العربية اهـ انظر المجاجي على مختصر بن أبي جمرة لدى الحديث الثالث. قلت: فظهر أن نهي عمر وكراهة مالك التكلم برطانة العجم لمن في المسجد لا في غيره، أو حتى في غيره بالنسبة لمن لم تدعه لها ضرورة، أو كان تعليمه اللغة الأجنبية مع ازدرائه للغته وآدابها وعلومها، هذا مع اعترافنا اليوم بأن لغات العجم صارت اليوم مفتاح العلوم الكونية، التي أصبحت ضرورية لمجارات العجم والترقي بين الأمم وصارت أيضا مفتاحا للتعارف الذي أصبح ضروريا للعيش وأمن الإنسان على حقوقه حين الإختلاط، وللشيخ صفي الدين الحلي وهو ممن كان يحفظ عدة لغات: بقدر لغات المرء يكثر نفعه ... وتلك له عند الملمات أعوان فبادر إلى حفظ اللغات مسارعا ... فكل لسان في الحقيقة إنسان نسبهما له صاحب الجوهر المحسوس في ترجمة شارح القاموس. ومن أغرب ما يذكر في هذا الباب، ما وجدته في طبقات ابن سعد من أن جفنة النصراني أحد المشاركين لغلام المغيرة في قتل سيدنا عمر، كان ظئرا لسعد بن أبي وقاص، وكان يعلم الكتاب بالمدينة انظر ص 258 من الجزء الثالث. فربما يقال كان يعلم في الكتاب لغة أجنبية أما العربية مثلا أو القرآن فمن المحال أن يحتاجوا في تعلمها إذ ذاك لنصراني فليتأمل، ومن أحسن ما يذكر في هذا الباب ما رأيته في تفسير الشيخ محمد نووي الجاوي المكي المسمى مراح لبيد في كشف معنى قرآن مجيد على قوله تعالى: عن يوسف اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف: 55] قال عليم بوجوه التصرف في الأموال، وبجميع ألسن الغرباء الذين يأتوني اهـ منه ص 403. وقد ترجم البخاري في الصحيح «1» باب من تكلم بالفارسية والرطانة قال: في الفجر الساطع أي الكلام الغير العربي، فهو من عطف الأعم أي جواز ذلك عند الحاجة إليه كما دلت عليه الآيتان، وأشار إلى ضعف ما ورد من الأحاديث في كراهة الكلام بالفارسية، ووجه إدخال هذه الترجمة في الجهاد أن ذلك يحتاج إليه المسلمون مع رسل العجم وأمرائهم اهـ. ومن أغرب ما يتعين ذكره في هذا الباب ما قرأته في مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي حين تكلم على موالي عبد الله بن الزبير قال: قال هشام كان له مائة غلام كل غلام يتكلم بلغة، وكان ابن الزبير يكلم كل أحد بلغته اهـ وفي ص 83 من تاريخ الخلفاء للحافظ السيوطي عزو ما ذكر لابن عساكر عن عمر بن قيس انظره فهذا أعجب ما سمعت في معرفة اللغات وتعدادها عن الصحابة وتابعيهم.   (1) انظر كتاب الجهاد باب 188 ج 4/ 36. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وقد جاء أنه كان لوالد ابن الزبير ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فلا يستغرب مثل هذا القدر عن ابنه لأنه لا أجل من بيتهم في الإسلام بعد الهاشميين وراجع تأليف ابن خالنا العلامة المحدث أبي عبد الله «1» بن جعفر الكتاني نزيل دمشق الآن المسمى بالمطالب العزيزة الوافية في تكلمه عليه السلام بغير اللغة العربية. ورسالة الشرنبلالي الحنفي المسماة، بالنفحة القدسية في أحكام قراءة القرآن وكتابته بالفارسية. ورسالة العلامة أبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي آكام النفائس في أداء الأذكار بلسان فارس. وانظر أيضا فتح الباري في كتاب الجهاد على قول البخاري باب من تكلم بالفارسية ونصه: كأنه أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف الألسنة، لأنه أرسل إلى الأمم كلها، على اختلاف ألسنتهم، فجميع الأمم قومه بالنسبة إلى عموم رسالته، فاقتضى أن يعرف ألسنتهم، ليفهم عنهم ويفهموا عنه، ويحتمل أن يقال: لا يستلزم ذلك نطقه بجميع الألسنة، لإمكان الترجمان الموثوق به عندهم اهـ وانظر أيضا إتحاف نجباء العصر بالجواب عن المسائل العشر. لخالنا العلامة رحمه الله «1» . (تكملة) في انموذج اللبيب من خصائص المصطفى عليه السلام، أن القرآن نزل بكل لغة، عدّ هذا ابن النقيب. وقال السيوطي أيضا في الإتقان: قال أبو بكر الواسطي في الإرشاد: في القرآن من اللغات خمسون لغة منها لغة قريش وهذيل، وكنانة، وخثعم، والخزرج، ومذحج، وخزاعة، وغطفان، ومزينة، وثقيف، وهوازن، وأشعر ونمير وقيس، وعيلان، وجرهم وأيمن، وأزدشنوءة، وكندة، وتميم، وحمير، ومدين، ولخم، وسعد العشيرة، وحضرموت، وسدوس، والعمالقة، وأنمار، وغسان، وسبأ، وعمان، وبني حنيفة، وتغلب، وطيء، وعامر بن صعصعة، وأوس، وجذام، وعروة والنّمر، واليمامة. ومن غير العربية: الفرس، والروم، والقبط، والحبشة، والبربر، والسريانية، والعبرانية، والقبط اهـ. وفي مكتبتنا رسالة للحافظ السيوطي سماها: المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب رتبها على حروف المعجم، وهي في نحو كراسة، ورسالة له أخرى في الباب. وفي شرح الانموذج للروضي؛ فائدة. استنبط العلماء من هذه الآية وهي قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [سبأ: 28] وقوله تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [إبراهيم: 4] أنه عليه السلام كان يعرف جميع اللغات، انظر شرح البلقيني لمجلس الشيخ الشوني رحمهما الله اهـ وفي شرح الشفا للخفاجي أنه صلى الله عليه وسلم علمه الله جميع اللغات قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [إبراهيم: 4] وهو صلى الله عليه وسلم مرسل للجميع اهـ. انظر ص 480 من الجزء الأول.   (1) هو السيد الجليل محمد بن جعفر الكتاني جد الأسرة الكتانية فرع دمشق، وهو صاحب الرسالة المستطرفة فيمن خدم السنة المشرفة رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وفي فصل: إحتياج الكاتب إلى معرفة اللغات العجمية، من صبح الأعشى ص 165 نقلا عن محمد بن عمر المدائني قيل: إنه صلى الله عليه وسلم، كان يفهم اللغات كلها، وإن كان عربيا لأن الله بعثه إلى الناس كافة، ولم يكن الله بالذي يبعث نبيا إلى قوم لا يفهم عنهم، ولذلك كلم سلمان بالفارسية، وساق بسنده إلى عكرمة، قال: سئل ابن عباس: هل تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفارسية؟ قال: نعم. دخل عليه سلمان فقال درسته وسادته، قال محمد بن إميل أظنه مرحبا وأهلا «1» . وحسّنه، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر زيدا أن يتعلم كتابة السريانية، أو العبرانية لتحريم الكتابة عليه، لا أنه أمره بتعلم لغتهم. وفي رحلة الحافظ ابن عبد السلام الناصري الكبرى في ترجمة شيخه: الإمام محمد بن محمد النجاري النابلسي الأثري: أنه ذاكره في كونه عليه السلام هل تكلم بالفارسية، وأن صاحب القاموس أنكر ذلك في سفر السعادة فقال: الصواب ثبوت كلامه صلى الله عليه وسلم بالفارسية، وأوقفني على كراسين له، في الرد على صاحب القاموس. أملاه في سفره هذا لما سئل عنه اهـ. باب في الشاعر وفيه فصول فصل في ذكر شعراء النبي صلى الله عليه وسلم «في الإستيعاب قال ابن سيرين: كان شعراء المسلمين حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، وأما شعراء المشركين فعمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبعرى، وأبو سفيان بن الحارث، قال أبو عمر بن عبد البر: قيل: لعلي بن أبي طالب أهج عنا القوم الذين يهجوننا، فقال إن أذن لي النبي صلى الله عليه وسلم فعلت، فقالوا: يا رسول الله إيذن له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عليا ليس عنده ما يراد في ذلك منه، أو ليس في ذلك هنالك، ثم قال: ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلاحهم أن ينصرونه بألسنتهم؟ قال ابن سيرين: وانتدب لهجو المشركين ثلاثة من الأنصار: حسان، وكعب، وعبد الله بن رواحة، فكان حسان وكعب يعرضان بهم في الوقائع الأيام والماثر، ويذكران مثالبهم. وكان عبد الله بن رواحة يعيّرهم بعبادة ما لا ينفع، فكان قوله أهون عليهم يومئذ. وكان قول حسان وكعب أشدّ القول عليهم، فلما أسلموا وفقهوا كان أشدّ القول عليهم قول عبد الله بن رواحة» . قلت: في ترجمة حسان من الإصابة: قال أبو عبيدة فضّل حسان بن ثابت على الشعراء بثلاثة: كان شاعر الأنصار في الجاهلية، وشاعر النبي صلى الله عليه وسلم، في أيام النبوة. وشاعر اليمن كلها في الإسلام. وفي الشرح الجلي للشهاب البربير: الصحابة كانوا معدن الشعر ومنبعه، وكان   (1) إن صح سند هذا الحديث فليس المعنى ما ذكر وربما كان النقل محرفا. مصححه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 أشعرهم الخلفاء الأربعة، وكان أشعر الخلفاء الصديق وقد رأيت شيخ مشايخنا السيد مصطفى البكري الصديقي، جمع لجده الصديق من كلامه ديوانا تعجز عن تقريظه أفواه المحابر، والسنة الأقلام رتبه على حروف المعجم، وكان ابنته عائشة أشعر من الخنساء، وكانت تروي من كلام الشعراء ما لا يحفظه الرجال، فضلا عن النساء. ولا يخفى أن من شعراء الصحابة حسان بن ثابت، الذي كان إذا مد لسانه بلغ انفه وكان يحلف بالله أنه لو أمره على شعر [لحلقه] . أو على صخر لخرقه، ومنهم النابغة الجعدي، وكعب بن زهير، وكعب بن مالك، والزبرقان، والعباس بن مرداس، وعمرو بن العاص، وعبد الله بن رواحة، وضرار بن الخطاب، والعباس عمه عليه السلام، وابنه عبد الله بن عباس، ولبيد، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبوه أبو سفيان، والمغيرة بن شعبة وغيرهم. وكان يحث حسان على إنشاء الشعر وهجو المشركين ويقول: إنه أنكى [بهم] من وقع الحسام، وكان يستنشد أصحابه الأشعار. وثبت أنه صلى الله عليه وسلم حقن بالشعر دم كعب بن زهير بعد الإهدار، وأنه أجاز حسان بسيرين القبطية جاريته اهـ. قلت: الشعراء من الصحابة الذين مدحوه صلى الله عليه وسلم، بين رجال ونساء جمعهم الحافظ فتح الدين محمد بن محمد الأندلسي، المعروف بابن سيد الناس، المتوفى عام 734 في قصيدة ميمية ثم شرحها في مجلد سماه منح المدح أو فتح المدح، ورتبهم على حروف المعجم قارب بهم المائتين «1» ، ولعصرينا الأديب أبي الحسن علي بن شاكر الموستاري، المعروف بجابي زاده نزيل الآستانة «2» كتاب نفيس سماه: حسن الصحابة في شرح أشعار الصحابة، طبع الجزء الأول منه في ص 362 رتبه على القوافي يترجم الصحابي ويذكر أشعاره في التوحيد، والثناء على الله، ومدح المصطفى عليه السلام، وبيان معجزاته ونحو ذلك أثبت فيه لأكثر من مائتي صحابي، ما بين بيت مفرد وقصيد. ثم شرح مفردات الجميع. وأما ما مدح به عليه السلام من شعراء أمته بعد الصحابة فشيء يجل عن الحصر، ولو جمع له الناس في كل بلد أو مصر، إذ قلّ أن يجمع مسلم ديوانا إلا وصدّره أو كل حرف منه بالإمداح النبوية، وفي الرحلة العياشية أن صاحبها وقف في مكة على السفر السابع من كتاب منتهي السول في مدح الرسول، كتب سنة 673 قال أبو سالم: هذا التأليف لم يقصد به جامعة جمع كلامه أو كلام مخصوص، بل ما انتهى إليه علمه من الإمداح النبوية، وما شاكلها والله أعلم كم بقي لتمام الكتاب اهـ وفي عصرنا هذا جمع صديقنا نادرة العصر وحسّانه الشيخ أبو المحاسن [يوسف بن إسماعيل] النبهاني الشامي مجموعة في الامداح   (1) طبع الكتاب بعد تحقيقه من قبل: عفت وصال حمزة وصدر عن دار الفكر بدمشق 1987. (2) الآستانة هو اسم من الأسماء التي تطلق على استنابول عاصمة الدولة العثمانية كما يطلق عليها دار السعادة واسمها قبل الإسلام: القسطنطينية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 النبوية رتبها على حروف المعجم، وقد طبعت في أربع مجلدات، وهي على كل حال قلّ من كثر ونقطة من بحر. باب في استنشاده صلى الله عليه وسلم شعر الهالكين في غير موضع خرّج مسلم «1» والبخاري في الأدب المفرد عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: استنشدني النبي صلى الله عليه وسلم من شعر أمية بن أبي الصلت، فأنشدته مائة قافية أو بيت. وفي مسلم أيضا من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه؛ ردفت النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: هل معك من شعر أمية؟ قلت: نعم. قال: هيه فأنشدته بيتا. قال: هيه، فأنشدته بيتا فقال: هيه، حتى أنشدته مائة بيت، فقال: إن كاد ليسلم «2» . قال القرطبي فيه دليل على حفظ الأشعار والإعنتاء بها إذا تضمنت حكما ومعاني مستحسنة شرعا وطبعا. قلت: استنشاده عليه السلام شعر الكفار يؤخذ مما سبق، لأن أمية بن أبي الصلت هو الذي قال فيه المصطفى: آمن شعره وكفر قلبه. سماعه عليه السلام الشعر المتضمن التشبيب والغزل كتشبيه الريق بالراح، وغير ذلك من أنواع التشبيبات. قصة إنشاد كعب بن زهير للنبي صلى الله عليه وسلم قصيدته: بانت سعاد. مشهورة فحقن صلى الله عليه وسلم دمه بها بعد الإهدار، وأجازه بعد بمائة من الإبل. ومنّ عليه ببردته، وقد اشترى تلك البردة منه معاوية بثلاثين ألف درهم وكانت عنده من أجلّ ملكه وأعظم، وكانت أمراء بني أمية يتبركون بلبسها في الأعياد والمواسم، ويعدّونها أفخر لباس حتى وصلت مع الدولة لبني العباس، وكان للأمة الإسلامية كبير إعتناء بهذه القصيدة اللامية البديعة؛ حفظا واستنشادا وشرحا ومعارضة. قال الشيخ الأديب أبو جعفر البصير الألبيري الأندلسي لما ذكر الكعبية هذه: وهذه القصيدة لها الشرف الراسخ، والحكم الذي لم يوجد له ناسخ، أنشدها كعب في مسجده عليه السلام بحضرته، وحضرة أصحابه وتوسل بها، فوصل إلى العفو عن عقابة، فسدّ صلى الله عليه وسلم خلّته، وخلع عليه حلّته، وكفّ عنه كفّ من أراده، وأبلغه في نفسه وأهله مراده، وذلك بعد إهدار دمه، وما سبق من هذر كلمه محت حسناتها تلك الذنوب، وسترت محاسنها وجه تلك العيوب، ولولاها لمنع المدح والغزل، وقطع من أخذ الجوائز على الشعراء الأمل، فهي حجة الشعراء فيما سلكوه، وملاك أمرهم فيما ملكوه، حدثني بعض شيوخنا بالإسكندرية، أن بعض العلماء كان لا يفتتح مجلسه إلا بقصيدة كعب. فقيل له في ذلك.   (1) انظر أول كتاب الشعر في صحيح مسلم ص 1767/ 2. (2) أخرجه مسلم في أول كتاب الشعر ج 2 ص 1767. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم، قلت: يا رسول الله قصيدة كعب أنشدها بين يديك؟ فقال: نعم. أنا أحبها وأحب من يحبها. قال: فعاهدت الله أن لا أخلو من قراءتها كل يوم ولم تزل الشعراء من ذلك الوقت إلى الآن، ينسجون على منوالها، ويقتدون بأقوالها، تبركا بمن أنشدت بين يديه، ونسب مدحها إليه. ولما صنع القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم على وزن بانت سعاد قال: لقد قال كعب في النبي قصيدة ... وقلنا: عسى في مدحه نتشارك فإن شملتنا بالجوائز رحمة ... كرحمة كعب فهو كعب مبارك اهـ بواسطة نفح الطيب للمقري. الشعراء من الصحابة والصحابيات الذين رثوه عليه السلام بعد موته أثبت الحافظ العزفي في آخر مولده عدّة مراثي للصحابة فيه عليه السلام بعد موته، منهم أبو بكر وعمر وعلي وصفية بنت عبد المطلب، وأم حكيم بنت عبد المطلب، وهند بنت المطلب، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعمرو بن العاص، وحسان، وكعب بن مالك، وأبو الهيثم بن التيهان، وعبد الله بن أنيس، وعمرو بن سالم الخزاعي، والزبرقان بن بدر، وعبد الله بن مالك الأرحبي، وابن ذي مدان من سادات همدان، وعبد الله بن سلمة الهمداني، وسواد بن قارب الدوسي، وعبد الحارث بن أنس بن الريان، وغيرهم وذلك مقدار كراسة من المولد المذكور، وقد عقد الحافظ الشامي في السبل أبوابا منها قوله: جماع أبواب سيرته عليه السلام في الشعر، الباب الأول في مدحه صلى الله عليه وسلم حسن الشعر، وذمه لقبيحه، وتنفيره من الإكثار منه. الباب الثاني: في استماعه صلى الله عليه وسلم لشعر بعض أصحابه في المسجد وخارجه. الباب الثالث في أمره عليه السلام بعض أصحابه بهجاء المشركين. الباب الرابع فيما تمثل به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشعر. الباب الخامس فيما طلب استنشاده من غيره فانظرها. باب تكرمه عليه السلام بأعظم سبي سبي له بسبب أبيات شعرية قدمت له عليه السلام هذه القصة غريبة في بابها، عزيز إسنادها، افتتن المحدثون وتهافتوا على روايته، لأنه أعلى ما حصل للمتأخرين؛ كالحافظين السيوطي، والسخاوي، وأمثالهما، ممن أدرك المائة العاشرة وروياه عشاريا بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه عشرة وسائط. قال السخاوي في فتح المغيث: تقع لي العشاريات بالسند المتماسك، من المعجم الصغير للطبراني وغيره، ولا يكون في الدنيا أقل من هذا العدد اهـ. وقال السيوطي في التدريب: أعلى ما يقع لنا ولأضرابنا في هذا الزمان من الأحاديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 الصحاح، المتصلة بالسماع، ما بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه اثنا عشر رجلا، وبالإجازة في الطريق أحد عشر، وذلك كثير، وبضعف يسير غير واه عشرة. ولم يقع لنا بذلك إلا أحاديث قليلة جدا في معجم الطبراني الصغير اهـ. قلت: حبب إلي أن أسوقها هنا بأعلى ما حصل لنا ولأقراننا في قرننا هذا الرابع عشر، وذلك ما أخبرنا به مسند الدنيا، البدر عبد الله بن درويش بن إبراهيم السكري الدمشقي بها عام 1324 قال: أخبرنا مسند الدنيا الوجيه عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الكزبري، أنا المعمر مصطفى الرحمتي الدمشقي، عن العارف عبد الغني بن إسماعيل النابلسي الصالحي، عن نجم الدين محمد بن محمد الغزي عن أبيه البدر محمد بن محمد الغزي العامري الدمشقي، أنا الحافظ عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي قال: أنا مسند الدنيا محمد بن مقبل الحلبي إجازة مكاتبة عام 869 عن محمد بن إبراهيم بن أبي عمر المقدسي، وهو آخر من حدث عنه بالإجازة، أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن البخاري، وهو آخر من حدث عنه، عن أبي القاسم الصيدلاني وهو آخر من حديث عنه، أتنا أم إبراهيم بنت عبد الله، وأبو الفضل الثقفي سماعا، عليهما قالا، أنا أبو بكر بن ربدة، أنا أبو القاسم الطبراني، ثنا بن عبد الله بن رما حسن عام 274، ثنا أبو عمرو زياد بن طارق، وكان قد أتت عليه مائة وعشرون سنة قال: سمعت أبا جرول زهير بن صرد الجشمي يقول: لما أسرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم هوازن ذهب يفرق السبي فأتيته، فقلت: أمنن علينا رسول الله في كرم ... فإنك المرء نرجوه وننتظر أمنن على بيضة قد عاقها قدر ... مشتت شملها في دهرها غير أبقت لنا الدهر هتافا على حزن ... على قلوبهم الغماء والغمر إن لم تداركهم نعماء تنشرها ... يا أرجح الناس علما حين يختبر أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ... وإذ يزينك ما تأتي وما تذر لا تجعلنا كمن شالت نعامته ... واستبق منا فإنّا معشر زهر إنا لنشكر للنعماء إذ كفرت ... وعندنا بعد هذا اليوم مدّخر فألبس العفو من قد كنت ترضعه ... من أمهاتك، إنّ العفو مشتهر يا خير من مرحت كمت الجيادبه ... عند الهياج إذا ما استوقد الشرر إنا نؤمل عفوا منك تلبسه ... هذي البرية إذ تعفو وتنتصر فاعف عفا الله عما أنت واهبه ... يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر قال فلما سممع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشعر قال: ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم «1» ، وقالت قريش: ما كان لنا فهو لله ورسوله، وقالت الأنصار: ما كان لنا فهو لله   (1) انظر سيرة ابن هشام ج 2/ 488 حول إعادة السبي والأموال إلى هوازن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 ورسوله، قال السيوطي في التدريب: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، عشاري أخرجه أبو سعيد الأعرابي في معجمه عن ابن رمّاحسن وابن قار عن عبيد الله بن علي الخواص، عن ابن رماحسن وله شاهد من رواية ابن إسحاق في المغازي، وأخرجه الضياء المقدسي في المختارة من حديث زهير، واستشهد له بحديث عمرو بن شعيب فهو عنده على شرط الحسن، ثم أتى السيوطي بكلام الذهبي وابن عبد البر، واقتصر عليه كما اقتصر عليه قبله شيخ شيوخه الحافظ العراقي في كتابه الأربعين العشاريات الإسناد، وغفلوا جميعا عن طرقه التي جمعها له سيد الحفاظ ابن حجر في لسان الميزان. انظر ترجمة عبد الله بن رماحسن منه ص 96 من الجزء الرابع تر عجبا، وقد انفصل على كون الحديث حسن الإسناد، وفي فتح الباري له: هو حديث حسن وقد وهم من زعم أنه منقطع. وفي الإصابة أيضا وهّن ابن عبد البر إسناده من غير قادح، وقد أوضحته في لسان الميزان في ترجمة زياد بن طارق. وانظر غنيمة الواجد لأبي زيد الثعالبي. وكان عدد السبي الذي رده عليه السلام على هوازن، لما استشفعوا له بهذه الأبيات، كما في المنح المكية للشهاب ابن حجر: من النساء والذراري 6000 رأس، والإبل 2400، والغنم 40000، و 4000 أوقية فضة. باب في ذكر الخطيب في غير الصلوات ذكر من كان خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم «في الجمهرة [ص 364] لابن حزم: ثابت بن قيس بن شماس خطيب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الاستيعاب: كان ثابت خطيب النبي صلى الله عليه وسلم، وخطيب الأنصار، كما يقال لحسان بن ثابت: شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم» . قلت: ألف أبو نعيم الأصبهاني صاحب الحلية كتاب: طبقات الخطباء ذكر ذلك الحافظ في ترجمة سحبان من الإصابة. وفي ترجمة أبي بكر الصديق من تاريخ الخلفاء عن ابن كثير: وكان أي أبو بكر من أفصح الناس وأخطبهم. قال الزبير بن بكار: سمعت بعض أهل العلم يقول: أفصح خطباء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب اهـ منه. هل خطب عليه السلام أو خطب الصحابة بغير اللغة العربية وقال عالم الهند أبو الحسنات اللكنوي في رسالته «آكام النفائس» . النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه خطبوا دائما باللغة العربية، ولم ينقل عن أحد منهم أنهم خطبوا خطبة ولو غير الجمعة بغير العربية، وكان يحضر في مجالس الخطب النبوية رجال من الفرس، والروم والحبش، والعجم، لم يبدل النبي صلى الله عليه وسلم خطبته أبدا ولا علمه أحد، ومن المعلوم أن منهم من لم يكن يفهم لسان العرب مطلقا، ومنهم من لا يقدر على فهم الكثير منه، وإن فهم قدرا. ولا يتوهم أنه لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم اللغة العجمية وغيرها من اللغات العربية، ولو كان علمها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 لخطب بها، لأنا نقول بعد تسليم ذلك: أن بعض الصحابة كزيد قد كان يعلم اللسان العجمي، والرومي، والحبشي، وغيرها من الألسنة فلم لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يخطبهم ويعظهم بألسنتهم. وبالجملة فالاحتياج إلى الخطبة بغير العربية لتفهيم أصحاب العجمية كان موجودا في القرون الثلاثة، ومع ذلك فلم يرد أحد من أحد في تلك الأزمنة «1» اهـ منه ص 33 طبعة سنة 1303 الهندية. وفي غاية المقصود على سنن أبي داود: لا بد للخطيب أن يقرأ القرآن ويعظ به في خطبته، فإن كان السامعون عجما يترجم بلسانهم، فإن أثر التذكير والوعظ في غير بلاد العرب لا يحصل ولا يفيد إلا بالترجمة بلسانهم، وقد قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم: 4] قال في جامع البيان: أي يبين لهم ما أمروا به فيفهموه بلا كلفة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى الأحمر والأسود، لكن الأولى أن يكون بلغة من هو منهم حتى يفهموه ثم ينقلوه ويترجموه اهـ. فلا بد للخطيب أن يفهم معاني القرآن بعد قراءته، ويذكر السامعين بلسانهم، وإلا فيفوت مقصود الخطبة، هكذا قاله شيخنا نذير حسين المحدث الدهلوي اهـ مختصرا. قلت: سيأتي أن الدولة الموحدية كان خطباؤها في جامع القرويين بفاس وغيرها، يخطبون باللسان البربري والله أعلم. فوائد: الأولى: في طبقات الحنفية، للحافظ قاسم بن قطلوبغا، لدى ترجمة جعفر بن محمد بن المعز بن المستغفر النسفي المستغفري، المولود سنة خمسين وأربعمائة، أن من مصنفاته كتاب: خطب النبي صلى الله عليه وسلم انظر ص 10. الثانية: خطبه عليه السلام كانت عارية عن السجع وهي الأصل الأصيل، واقتفى آثارها الخلفاء الراشدون، وأكثر السلف وإنما التزمت الإسجاع في هذه الأزمان التي كثر تكلفاتها، وضلت من الخير والرشاد صفاتها، قاله أبو عبد الله بن الطيب الشرقي في حواشيه على القاموس. الفائدة الثالثة: حضر عليه السلام خطبة قس بن ساعدة الايادي «2» ، قبل النبوة وقال: كأني أنظر إليه في سوق عكاظ على جمل أحمر الحديث. قال الجاحظ في كتاب البيان والتبيين: إن له ولقومه بذلك فضيلة ليست لأحد من العرب، لأن رسول   (1) كذا في الأصل، ولعل في الكلام نقصا أو خطأ مطبعيا وإصلاحه: لم يرو أحد عن أحد في تلك الأزمنة أنه خطب بغير العربية. والله أعلم. (2) راجع حول قس بن ساعدة ما كتبه السيد محمود الآلوسي في كتابه: بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب ج 2/ 244. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 الله صلى الله عليه وسلم روى كلامه وموقفه على جمله بعكاظ، وموعظته وعجب من حسن كلامه، وأظهر تصويبه فهذا أشرف تعظيم، تعجز عنه الأماني وتنقطع دون الآمال. وإنما وفق الله ذلك لقس لاحتجاجه للتوحيد، وإظهاره الإخلاص وإيمانه بالبعث، ومن ثم كان قس خطيب العرب قاطبة اهـ. باب في كتاب الجيش وفيه فصول فصل: في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتب الناس، وثبوت العمل بذلك في عصره صلى الله عليه وسلم. «في صحيح البخاري «1» بسنده عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكتبوا لي من يلفظ بالإسلام من الناس، فكتبت له ألفا وخمسمائة رجل، وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال ارجع فحجّ مع امرأتك، وهو في الصحيح أيضا بلفظ إني كتبت في غزوة كذا وكذا وامرأتي حاجة» [قال فانطلق فحج مع امرأتك. كتاب الحج باب 74 ج 1/ 978] . قلت: قال الحافظ في الفتح على ترجمة باب كتابة الإمام الناس، أي من المقاتلة وغيرهم، والمراد ما هو أعم من كتابته هو نفسه أو بأمره، ثم قال: وفي الحديث مشروعية كتابة دواوين الجيوش. وقال على قول الرجل: إني كتبت في كذا مشعر بأنه كان من عادتهم كتابة من يتعين للخروج في المغازي اهـ. قال التقي المقريزي في الخطط: إعلم أن كتابة الديوان على ثلاثة أقسام: كتابة الجيوش، وكتابة الإنشاء والمكاتبات، ولا بدّ لكل دولة من استعمال هذه الأقسام الثلاثة، وقد أفرد العلماء في كتابة الخراج، وكتابة الإنشاء عدة مصنفات، ولم أر أحدا جمع شيئا في كتابة الجيوش والعساكر، وكانت كتابة الديوان في صدر الإسلام أن يجعل ما يكتب فيه صحفا مدرجة اهـ منها. فصل في البيعة ومعناها المعاقدة والمعاهدة وهي شبيهة بالبيع الحقيقي، قال ابن الأثير في النهاية: كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه، وأعطاه خالصة نفسه وطاعته، ودخيلة أمره. والأصل في ذلك: أنه كان من عادة العرب أنه إذا تبايع اثنان صفق أحدهما بيده على صاحبه، وقد عظم الله شأن البيعة، وحذّر من نكثها فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ، وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ، فَسَيُؤْتِيهِ   (1) كتاب الجهاد ح 4/ 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 أَجْراً عَظِيماً [الفتح: 10] «1» وأمر بمبايعة المؤمنات في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الممتحنة: 12] وبايع النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بيعتين، قال المرجاني: ومعنى البيعة في عرف اللغة ومقصود الشرع: العهد على الطاعة، على أنهم يسلمون لربها النظر في أمور أنفسهم، لا ينازعونه في شيء من ذلك، ويطيعونه فيما يكلفهم به من الأمر، على المنشط والمكره شبهت حالهم في مصافحتهم بأيديهم، تأكيدا لعهدهم بفعل البائع والمشتري، وسميت بيعة. وعلى هذا النحو؛ كانت بيعة النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وعند الشجرة، وحيثما وردت هذه اللفظة. وقد ترجم البخاري: كيف يبايع الإمام الناس؛ والمراد الصيغ القولية لا الفعلية، فذكر فيها البيعة على السمع والطاعة، وعلى الهجرة، وعلى الجهاد، وعلى الصبر، وعلى عدم الفرار، ولو وقع الموت، وعلى بيعة النساء، وعلى الإسلام، وكل ذلك وقع عند البيعة بينهم فيه بالقول. وقال الحافظ بن الجوزي: جملة من أحصي من المبايعات له عليه السلام من النساء أربعمائة وسبع وخمسون امرأة، لم يصافح على البيعة امرأة، وإنما بايعهن بالكلام اهـ. ثم إنه عليه السلام لم يكن يشترط في المبايعين البلوغ، فقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن الزبير، وهو ابن سبع سنين. قال القرطبي: كانت مبايعته صلى الله عليه وسلم لأصحابه بحسب ما يحتاج إليه من تجديد عهد أو توكيد أمر اهـ. وكان أول ما يشترط في البيعة بعد التوحيد إقامة الصلاة، ثم الزكاة، ثم يعلم كل قوم ما حاجتهم إليه أمسّ. وفي الصحيح عن جابر «2» : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم، وإنما بايع جابرا على النصيحة لأنه كان سيد قومه، فأرشده إلى تعليمهم، والنصح لهم. وقد بوّب البخاري باب من بايع مرتين، وباب بيعة الاعراب، وباب بيعة الصغير، وباب من بايع ثم استقال البيعة، وباب من بايع رجلا لا يبايعه إلا للدنيا، وباب بيعة النساء، وباب من نكث بيعته فانظره. وكان الخلفاء من بني أمية وبني العباس يؤكدون البيعة بالاستحلاف، واستيعاب أنحاء الإيمان، وربما كانت على الإكراه، ولما أفتى مالك بسقوط يمين المكره ناله من المحنة ما   (1) قراءة نافع: فسنؤتيه. وأما قراءة حفص وغيره: فسيؤتيه. مصححه. (2) رأيت في البخاري اسم جرير بن عبد الله البجلي مرتين: في كتاب الصلاة ج 1 ص 133 وفي كتاب الزكاة ج 2 ص 110. وفي مسلم كتاب الايمان باب 23: عن جرير: ج 1/ ص 75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 ناله، ثم صارت البيعة كسروية من تقبيل الأرض، أو الرجل أو الذيل استغناء عن المصافحة، لما فيها من التنزل والابتذال المنافيين للرياسة، وصون الرتبة السلطانية إلا للخواص، وهي اليوم عبارة عن وضع المبايع خطه في صك يتضمن الاعتراف للمبايع بالسلطنة، وذلك فيمن يحسن الكتابة وإلا أشهد عليه في صك يبقى بيد المبايع، وفي فوائد الدرر قال القاضي أبو بكر: إن البيعة كانت في صدر الإسلام مقولة، وهي اليوم مكتوبة، إذ كان في ذلك العصر لا يكتب إلا القرآن، وقد اختلفت في السنة وكان عليه السلام لا يكتب أصحابه ولا يجمع لهم ديوانا، إلا أنه يوما قال: اكتبوا من تلفظ بالإسلام، لأمر عرض له، وأما اليوم فيكتب إسلام الكفرة كما يكتب سائر معالم الدين والتوابع، لضرورة حفظها حين فسد الناس وخفت أمانتهم ومرج أمرهم الخ كلامه فانظره في الفوائد فإنه نفيس. وفي ترجمة سلمة بن الأكوع منها عن عبد الرحمن بن زيد العراقي قال: أتيت سلمة بن الأكوع فأخرج إلينا يده ضخمة كأنها خف البعير، قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هذه فأخذنا يده فقبلناها. فصل فيمن تولى ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم «متوليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان، كما سبق عند البخاري، وفي الاستيعاب: كان حذيفة من كبار الكتاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معروف في الصحابة بصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم» . فصل في ثبوت العطاء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم «خرّج أبو داود عن عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا أتاه الفيء قسمه في يومه، فأعطى صاحب الأهل حظين، وأعطى الأعزب حظا فدعينا، وكنت أدعى قبل عمار، فدعيت فأعطاني حظين وكان لي أهل، ثم دعي بعدي عمار بن ياسر فأعطي حظا واحدا. وفي الموطأ أن أبا بكر كان إذا أعطى الناس أعطياتهم سأل الرجل: هل عندك من مال وجبت عليك. فيه الزكاة؟ فإن قال: نعم. أخذ من عطائه زكاة ذلك المال وإن قال: لا. أسلم إليه عطاءه ولم يأخذ منه شيئا» . وقال الإمام أبو يوسف في كتاب الخراج: لم يكن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتبة معينة للجنود الذين كانوا يتألفون من جميع أمراء المسلمين، وإنما كانوا يأخذون مالهم في أربعة أخماس ما يغنمون، وفيما يرد من خراج الأرض التي أبقيت في أيدي أهلها كأرض خيبر، ولما ولي أبو بكر أعطى الناس وسوّى بينهم في العطاء، قائلا: هذا معاش فالأسوة فيه خير من الأثرة، فلما ولي عمر رأى في ذلك غير رأي أبي بكر، وقسم العطاء مفضلا الأسبق فالأسبق الخ كلامه. وفي ترجمة عمرو بن الفغواء؛ من طبقات ابن سعد عنه قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أراد أن يبعثني بمال إلى أبي سفيان، يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح، فقال: إلتمس صاحبا الخ القصة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 فصل في وضع عمر الديوان والسبب في ذلك الديوان: دفتر يكتب فيه أسماء أهل العطاء والعساكر، على القبائل والبطون. وفي النهاية: الديوان دفتر يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء. ذكر أبو هلال العسكري في الأوائل، والماوردي في الأحكام السلطانية، أن أول من وضع الديوان في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انظر صبح الأعشى ص 106 من الجزء الثالث عشر. وفي ترجمة عمر في تهذيب الأسماء للنووي: وكان عمر هو أول من دوّن الديوان للمسلمين، ورتب الناس على سابقتهم في العطاء، وفي الإذن، والإكرام، فكان أهل بدر أوّل الناس دخولا عليه، وكان علي بن أبي طالب أوّلهم. وأثبت أسماءهم في الديوان، على قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ ببني هاشم، وبني المطلب، ثم الأقرب فالأقرب اهـ. وفي ص 413 من ج 1 من صبح الأعشى أيضا ما نصه: هو- أي عمر- أول من رتّب بيت المال فيما ذكره العسكري، لكنه ذكر في موضع آخر؛ أن عمر كان على بيت المال من قبل أبي بكر، فيكون أبو بكر قد سبقه إلى ذلك اهـ. وفي ترجمة أبي بكر من تاريخ الخلفاء للسيوطي، في فصل أولياته ومنها: أنه أول من اتخذ بيت المال، أخرج ابن سعد عن سهل بن أبي خيثمة وغيره: أن أبا بكر كان له بيت مال بالسّنح ليس يحرسه أحد. فقيل له: ألا تجعل عليه من يحرسه؟ قال: عليه قفل، فكان يعطي ما فيه حتى يفرغ، فلما انتقل إلى المدينة حوّله فجعله في داره، فقدم عليه مال فكان يقسمه على فقراء الناس، فيسوي بين الناس في القسم. وكان يشتري الإبل والخيل والسلاح فيجعله في سبيل الله، واشترى قطائف أتي بها من المدائن، ففرقها في أرامل المدينة، فلما توفي أبو بكر ودفن دعا عمر الأمناء ودخل بهم في بيت أبي بكر، منهم عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، ففتحوا بيت المال، فلم يجدوا فيه شيئا، لا دينارا ولا درهما. وبهذا الأثر يرد قول العسكري في الأوائل: إن أول من اتخذ بيت المال عمر، وقد رددت عليه في كتابي الذي صنفته في الأوائل، ثم رأيت العسكري تنبه له في موضع آخر، من كتابه فقال: إن أول من ولي بيت المال أبو عبيدة بن الجراح لأبي بكر ص 31. ويمكن الجمع بأن أبا بكر أوّل من اتخذ بيت المال، من غير إحصاء ولا تدوين، وعمر أوّل من دوّن مثلا. «وفي تاريخ الكامل لابن الأثير: وفي سنة 15 من الهجرة فرض عمر الفروض، ودوّن الدواوين، وأعطى العطايا. وفي الأحكام السلطانية للماوردي أقوال في السبب الذي حمل عمر على ذلك منها: أن أبا هريرة قدم إليه بمال من البحرين، فقال عمر: ماذا جئت به؟ قال خمسمائة ألف درهم. فاستكثره عمر وقال أتدري ما تقول؟ قال: نعم، مائة ألف خمس مرات، فصعد عمر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 كلناه لكم كيلا، وإن شئتم عددناه لكم عدا. فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، قد رأيت الأعاجم يدونون لهم ديوانا فدوّن أنت ديوانا، فاستشار عمر رضي الله عنه الناس في تدوين الديوان، فقال عثمان: أرى مالا كثيرا يسع الناس وإن لم يحصوا، حتى يعلم من أخذ ممن لم يأخذ خشيت أن ينتشر الأمر، فقال خالد بن الوليد: قد كنت بالشام فرأيت ملوكا لهم دواوين، وجندوا أجنادا فدوّن ديوانا وجنّد جنودا. فأخذ عمر بقوله، ودعا عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل، وجبير بن مطعم، وكانوا من شبّان قريش فقال: اكتبوا الناس على منازلهم» . وفي وفيات الأسلاف للشهاب المرجاني ص 368: وأول من وضع ديوان العساكر في الدولة الإسلامية عمر، في محرم سنة عشرين. أمر عقيل بن أبي طالب، ومخرمة وجبيرا من كتاب قريش، فكتبوا ديوان الجيش، بالابتداء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما بعدها «1» ، على ترتيب الأنساب الأقرب فالأقرب اهـ وقد استظهر الخزاعي هنا، وفصّل أن كتابة الناس في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وتدوينهم، إنما كانت في أوقات مخصوصة؛ نحو كتبهم حين أمر حذيفة بإحصاء الناس، وكذلك العطاء في عصره عليه السلام لم يكن له وقت معين، ولا مقدار معين. فلما كثر الناس في خلافة عمر، وجبيت الأموال، وتأكدت الحاجة إلى ضبطهم وضع الديوان بعد مشاورة الصحابة، على ترتيب الأنساب الأقرب فالأقرب اهـ ولكن وجدت في كتاب بدائع الصنائع: للإمام علاء الدين الكاساني الحنفي، حين تكلم على ما كان يعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لرؤساء قريش، وصناديدهم مثل: أبي سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، والأقرع بن حابس التميمي وأمثالهم، وذكر أن أبا بكر وعمر ما أعطيا المؤلفة قلوبهم شيئا. قال: فإنه روى أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاؤوا إلى أبي بكر، واستبدلوا الخط منه لسهامهم، فبدل لهم الخط. ثم جاؤوا إلى عمر وأخبروه بذلك فأخذ الخط من يدهم ومزقه. وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطيكم ليؤلفكم على الإسلام، فأما اليوم فقد أعز الله دينه. فانصرفوا إلى أبي بكر فأخبروه ما صنع عمر، وقالوا: أنت الخليفة أم هو؟ فقال: إن شاء الله هو، فلم ينكر أبو بكر قوله وفعله، وبلغ الصحابة فلم ينكروا اهـ انظر ص 45 من الجزء الثاني. وهذا يدل على أن الناس في زمنه عليه السلام كانوا يأخذون العطاء بالضبط والتقييد، فيدل ذلك على وقوع التدوين، وجعل قوائم للمعطون، وهذا هو الديوان بعينه. فتأمل ذلك. وفي صبح الأعشى ص 11 من ج 1، بعد أن نقل عن القضاعي، أن الزبير بن العوام، وجهم بن الصلت، كانا يكتبان له عليه السلام أموال الصدقات، وأن حذيفة بن اليمان كان يكتب له خرص النخل ما نصه: فإن صح ذلك فتكون هذه الدواوين قد وضعت في زمانه عليه السلام اهـ.   (1) كذا والصواب، وما بعده. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وانظر الفصل الأول من باب كتاب الجيش، وما نقل فيه عن الحافظ في الفتح: مما يؤول جميعه بخلاف ما للمتأخرين في هذه الترجمة. وفي الأحكام لابن العربي: وأما ولاية الديوان؛ فهي الكتابة، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم كتاب، وللخلفاء بعد؛ وهي ضبط الجيوش لمعرفة أرزاقهم، والأموال لتحصيل فوائدها لمن يستحقها اهـ منها. وفي ترجمة عبد الرحمن بن عبد القاري من الإصابة، أنه كان على بيت المال لعمر. وأخرج البزار قال السيوطي في الجمع: وضعف عن عمر قال: كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لعبد الله بن أرقم: أجب هؤلاء، فأخذه عبد الله بن أرقم فكتبه، ثم جاء بالكتاب فعرضه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أحسنت. فما زال ذلك في نفسي حتى وليت فجعلته في بيت المال. وأخرج البيهقي في السنن عن أبي وائل أن عمر استعمل عبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال. وذكر المناوي في شرح الشمائل، في ترجمة أبي جحيفة وهب السوائي؛ أن عليا كان يحبه ويسميه وهب الخير وجعله على بيت المال اهـ وفي الخطط للتقى المقريزي أن معاوية جعل على كل قبيلة من قبائل العرب بمصر رجلا يصبح كل يوم فيدور على المجالس فيقول: هل ولد الليلة فيكم مولود؟ وهل نزل بكم نازل؟ فيقال: ولد لفلان غلام، ولفلان جارية. فيكتب أسماءهم. ويقال: نزل بهم رجل من أهل كذا بعياله فيسميه وعياله، فإذا فرغ من القبيلة أتى إلى الديوان ليثبت ذلك اهـ. تسامح المسلمين في صدر الإسلام مما يدل على تسامح الأمراء الأمويين والعباسيين في أول الإسلام، أن الدواوين كانت بغير اللغة العربية، ففي صبح الأعشى ص 423 من ج 1: أن أول من نقل ديوان العراق من الفارسية إلى العربية الحجاج بن يوسف، في خلافة عبد الملك بن مروان، نقله له صالح بن عبد الرحمن، وفيه أيضا: أوّل من نقل ديوان الشام من الرومية إلى العربية عبد الملك بن مروان، نقله له سليمان بن سعيد، مولى الحسين كاتب رسائل عبد الملك. فولاه عبد الملك جميع دواوين الشام. وفيه أيضا: أول من نقل ديوان مصر من القبطية إلى العربية عبد العزيز بن مروان في إمارته على مصر. ذكره صاحب المنهاج في صنعة الخراج اهـ. وقال الشهاب المرجاني في الوفية: وأما ديوان الجبايات بعد الإسلام فديوان العراق بقي على الفارسية، وديوان الشام على الرومية، على ما كان عليه قبله، وكتاب الدواوين كان من أهل العهد من الفريقين، إلى أن أمر عبد الملك بن مروان سليمان بن سعد، أن ينقل ديوان الشام إلى العربية، فأكمله لسنة من يوم ابتدائه، وأمر الحجاج كاتبه صالح بن عبد الرحمن، أن ينقل ديوان العراق من الفارسية إلى العربية اهـ منه ص 368. وكأن العرب لتسامحهم كانوا يتخذون كتابا لتدوين الدواوين بلغتهم، أو للغة السائدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 في البلاد التي يدونون أمورها، ونظير هذا في الغرابة ما في الروض القرطاس «1» لدى كلامه على القرويين وخطبائها ص 45؛ أن الدولة الموحدية لما حكم رجالها فاس، عزلوا خطيبها وقدموا غيره؛ لأجل حفظه اللسان البربري، قال ابن أبي زرع: لأنهم كانوا لا يقدمون للخطابة والإمامة إلا من يحفظ التوحيد باللسان البربري اهـ منه. وعبارة ابن القاضي في الجذوة ص 33 ثم دخل الموحدون المدينة؛ يعني فاس. فصرفوه أي الخطيب الذي وجدوه عن الخطبة، وقدموا مكانة أبا الحسن بن عطية، لأجل حفظه اللسان البربري فخطب به اهـ. تنبيه: قد سبق العرب علماء أوروبا في حل رموز الخطوط القديمة، وترجمة كتبها إلى اللغة العربية، وبواسطة كتب العرب في ذلك وصلت أوروبا إلى ما وصلت إليه، في معرفة اللغات والخطوط القديمة، وقد ألف في القرن الرابع أو أواخر الثالث أحمد بن وحشية النبطي المتوفى سنة 322 كتابه شوق المستهام إلى معرفة رموز الأقلام، وهو كتاب عجيب جمع فيه مؤلفه صور الخطوط القديمة التي تداولتها الأمم الماضية، وترجم جميعها إلى اللغة العربية، ووضعها بطريقة تسهل للمطلع عليها، أن يترجم ما على الآثارات من الكتابة، على اختلاف أنواعها إلى اللغة العربية، في زمن لا يتجاوز للنبيه أربع ساعات، وقد ترجم الإنكليز هذا الكتاب منذ مائة وثلاثين سنة، وبانتشاره سهل الإطلاع على ما كان مجهولا من أخبار وأحوال وعلوم الأمم الماضية لأهل القرون الخالية. فصل في أي سن يجيز الإمام من يرسم في الديوان «خرّج الترمذي عن نافع عن ابن عمر قال: عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش وأنا ابن أربع عشرة فلم يقبلني، ثم عرضت عليه من قابل في جيش وأنا ابن خمسة عشر فقبلني، فحدثت عمر بن عبد العزيز بهذا الحديث فقال: هذا حد ما بين الصغير والكبير: ثم كتب أن يفرض لمن بلغ الخامسة عشرة» . قلت: ترجم في الإصابة نافع بن خديج فقال: عرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فاستصغره، وأجازه يوم أحد، وترجم أيضا لزيد بن حارثة الأنصاري، فذكر أن ابن منده روى أن المصطفى استصغر ناسا يوم أحد، منهم زيد بن حارثة، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم وسعد بن جبية «2» ، وابن عمر، وجابر، وترجم فيها أيضا لعمرو بن أبي وقاص القرشي، فذكر أن الحاكم أخرج من طريق إسماعيل بن محمد بن سعد عن عمه عامر بن سعد عن أبيه قال: عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش يوم بدر، فرد عمرو بن أبي وقاص فبكى عمرو، فأجازه معه وعليه حمائل سيفه، وأخرج ابن سعد عن سعد قال: رأيت أخي عمرو بن أبي وقاص قبل أن يعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر متواريا فقلت: مالك يا أخي؟ قال:   (1) هكذا في الأصل المطبوع: الروض القرطاس. (2) كذا ولم أعثر عليه في الإصابة ولا في سيرة ابن هشام. مصححه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني، وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة، قال فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستصغره فرده فبكى فأجازه. فكان سعد يقول: فكنت أعقد حمائل سيفي من صغري فقتل وهو ابن ست عشرة سنة. فصل في عرض الناس كل سنة «ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب، عند ذكره سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يعرض غلمان الأنصار في كل عام، فمرّ به غلام فأجازه في البعث، وعرض عليه سمرة بن جندب من بعده فرده، قال سمرة: فقلت يا رسول الله، لقد أجزت غلاما، ورددتني ولو صارعته لصرعته، قال: فصارعه فصارعته فصرعته، فأجازني في البعث» . نحوه في الإصابة نقلا عن ابن إسحاق. وقال الإمام الشافعي: رد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر صحابيا عرضوا عليه، وهم أبناء أربع عشرة سنة، لأنه لم يرهم بلغوا وعرضوا عليه، وهم أبناء خمس عشرة فأجازهم. قال البرهان: ويحتمل أن يريد ردهم في أحد، ويحتمل مجموع من رده في هذا السن في غزواته وفي كل منهما فائدة، وظاهر الشامي احتمال الأول فإنه عدّ من رده في أحد سبعة عشر ثم أجاز منهم اثنين. وأوصلهم شارح المواهب إلى عشرين. انظر ص 24 من الجزء الثاني، وكان صلى الله عليه وسلم في الاستعراض يقف الناس أمامه صفوفا صفوفا. ففي طبقات ابن سعد في قصة قدوم العباس بن مرداس السّلمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسعمائة من قومه على الخيول والقنا والدروع الظاهرة، ليحضروا معه غزو الفتح. قال العباس: فصففنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى جنبه أبو بكر وعمر، انظر ص 15 من ج 4 من الطبقات. باب في رده عليه السلام في الإستعراض من لم يستأذن أبويه روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري أن رجلا هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال: هل لك أحد باليمن؟ قال: أبواي. قال: أذنا لك؟ قال: لا قال إرجع إليهما فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرّهما. وأخرج أحمد والنسائي عن معاوية السّلمي أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أردت الغزو وجئتك أستشيرك فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم. قال: إلزمها، فإن الجنة عند رجلها «1» . انظر السيرة الشامية. فصل في العريش يا بنى للرئيس يشرف منه على عسكره «كان أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش، يعني العريش يوم بدر» .   (1) هذا نص رواية الإمام أحمد عن معاوية بن جاهمة السلمي 3/ 429 والإسلامي 3/ 553 والناس يقولون: الجنة تحت أقدام الأمهات أخذا من هذا الحديث. مصححه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وفي سيرة ابن إسحاق وتهذيب ابن هشام: أن سعد بن معاذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر يا نبي الله ألا نبني لك عريشا تكون فيه، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الآخرة جلست على ركابك، فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، ودعا له بخير ثم بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا فكان فيه هـ ص 66 من الجزء الثاني قال ابن باديس: العريش شبه الهودج وليس به وهو أيضا خيمة من خشب، والجمع عرّش. كقليب وقلب ومنه قيل لبيوت مكة: العرش لأنه عيدان تنصب ويظلل عليها، وقال السهيلي: ذكر أبو حنيفة أن العريش أربع نخلات أو خمس في أصل واحد هـ. باب في تكليف الإمام من يجلس برئيس ليرى جنود الإسلام (وهو الإستعراض الذي يراد منه اليوم إظهار القوة) في قصة الفتح «1» قال المصطفى للعباس: يا عباس إحبسه، يعني أبا سفيان بمضيق الوادي عند خطم الجبل، وهو ما تضايق منه، حتى تمر به جنود الله فكان كلما مرت به قبيلة قال: يا عباس من هذه؟ فأقول بنو فلان. فيقول: ما لي ولبني فلان، حتى مر به النبي صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء، أي لكثرة الحديد، وظهوره فيها. والمهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد قال: من هؤلاء؟ قلت: رسول الله في المهاجرين والأنصار، قال ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، والله لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما. والقصة معروفة في السير. قوله: ما لي ولبني فلان قال صاحب الصلة هو كلام يقوله الرجل: إذا خاف من شيء أو شعر منه ضررا، وهو من باب البلاغة، والأصل فيه ما السبب الباعث على إضراري. قال في الفوائد: فيه إرهاب العدو بنظره لجيش المسلمين، وإن كان قد أسلم ودخل فيهم ليكون أقوى لإيمانه وأبلغ فيما يتحدث به إلى قومه عن معاينة، وليعلم أن الله نصر دينه وأعز رسوله، وصدق وعده، ومن هذا الباب أمر النبي صلى الله عليه وسلم وسلم بإيقاد النيران ليلة الدخول لمكة في قصة الفتح هذه. باب في ذكر العرفاء وهم رؤساء الأجناد وقوادهم «ولعلهم سموا بذلك لأنّ بهم يتعرف أحوال الجيش. قاله الباجي في المنتقى» . وقال غيره: العريف بوزن عظيم، وفي النهاية: العريف القيم بأمور القبيلة والجماعة من الناس، يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم هـ قال الحافظ: وسمي بذلك لكونه يتعرف أحوالهم حتى يعرف بها من فوقه عند الإحتياج هـ. «في الصحيح «2» في قصة مجيء وفد هوازن مسلمين فسألوا أن يرد إليهم أموالهم   (1) انظر سيرة ابن هشام ج 2/ ص 403. (2) انظر كتاب العتق في البخاري باب 13 ص 121/ 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وسبيهم، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إليهم السبي دون المال، فخطب في الناس لأجل ذلك فقال الناس: قد رضينا ذلك. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا ندري من أذن لكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم، فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه برضاهم» . ترجم أبو داود في سننه في كتاب الخراج والإمارة: باب في العرافة وذكر حديث المقدام بن معدي كرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب على منكبه ثم قال له: أفلحت يا قديم إن مت ولم تكن أميرا ولا كاتبا ولا عريفا، ثم عقبه بحديث إن العرافة حق، ولا بد للناس من العرفاء ولكن العرفاء في النار «1» ، قال الفنجابي في عون الودود: فيه أن الخبر الوارد في ذمّ العرفاء لا يمنع إقامة العرفاء. وقال ابن بطال: في حديث الصحيح دليل على مشروعية إقامة العرفاء، لأن الإمام لا يمكنه أن بياشر جميع الأمور بنفسه فيحتاج إلى إقامة من يعاونه ليكفيه ما يقيمه فيه هـ. وقال أيضا على قوله: العرفاء في النار، يشعر بأن العرافة على خطر، ومن باشرها غير آمن [من] الوقوع في المحذور، فينبغي للعامل أن يتقي الله، وأما قوله: العرافة حق، فالمراد به أصل نصبهم، فإن المصلحة تقتضيه لما يحتاج إليه الأمير من المعاونة على ما يتعاطاه بنفسه، ويكفي في الاستدلال لذلك وجودهم في العهد النبوي، كما دلّ عليه حديث البخاري هـ. وأصله في الفتح على قول البخاري «2» : باب العرفاء للناس. ترجم في الإصابة جندب بن النعمان الأزدي فنقل عن تاريخ ابن عساكر قال: قدم أبو عزيز على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم، وحسن إسلامه وجعله عريف قومه، وترجم فيها أيضا رافع بن خديج الأنصاري فذكر أنه كان عريف قومه، وترجم فيها أيضا رافع بن خديج الأنصاري فذكر أنه كان عريف قومه بالمدينة، وقد أخذ بعض من ذاكرناه في مراكش من حديث الترجمة: الأصل لتحمل الكبار بالصغار والرؤساء بالمرؤوسين في الحروب والضمانات وسائر المعاملات. وهو تفقه ظاهر. باب في النقباء ترجم في الإصابة [34/ 1] ، لأسعد بن زرارة فخرج في ترجمته من طريق الحاكم، أنه لما مات جاء بنو النجار فقالوا: يا رسول الله مات نقيبنا، فنقب عليها قال: أنا نقيبكم الخ، ونحوه في ترجمته من «الإستبصار في أنساب الأنصار» لإبن قدامة المقدسي.   (1) انظر سنن أبي داود ج 3 ص 346 رقم الحديث 2933. (2) في كتاب الأحكام باب 26 ص 185/ 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 باب في المحاسب ذكر محاسبة النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد على صدقات بني سليم يدعى ابن اللتبية. «خرّج مسلم عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد على صدقات بني سليم، يدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه فقال: هذا مالكم وهذا هدية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا جلست في بيت أبيك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا. ثم خطب صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد: فإني أستعمل الرجل منكم على العمل، فيأتيني فيقول هذا مالكم، وهذا هدية أهديت لي. أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا، والله لا يأخذ أحد منكم منها شيئا بغير حقه، إلا لقي الله عز وجل يحمله يوم القيامة الحديث» «1» . وفي الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم ص 227: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستوفي الحساب على عمله، يحاسبهم على المستخرج والمصروف، كما في الصحيحين عن أبي حميد الساعدي، ثم ذكر قصة ابن اللتبية المذكورة. فأغفل الخزاعي عزوها للبخاري، وهي فيها ترجم عليها في كتاب الأحكام بقوله: باب محاسبة الإمام عماله، وخرّجه أيضا مستوفى في باب هدايا العمال فانظرهما. وقد كان الخلفاء بعده عليه السلام على طريقته في ذلك. قال ابن قتيبة في عيون الأخبار: قدم معاذ من اليمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر فقال: ارفع حسابك فقال له: أحسابان؟ حساب الله وحساب منكم والله لا ألي لكم عملا أبدا. وفي الإكتفاء للكلاعي: كان عمر في كل سنة ملازما للحج في سني خلافته كلها، وكان من سيرته أن يأخذ عماله لموافاته لكل سنة في موسم الحج، ليحجزهم بذلك من الرعية، ويحجز عنهم الظلم، ويتعرّف أحوالهم من قرب، وليكون للرّعية وقت معلوم ينهون إليه شكاويهم. باب في الأوصياء والوصاية أخرج الحاكم من طريق السراج في تاريخه، ثم من طريق محمد بن عمارة عن زينب بنت نبيط، أن المصطفى حلّى أمها وخالتها أثاثا من تبر وذهب فيه لؤلؤ، وكان أبوها أسعد بن زرارة أوصى بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر ترجمة أسعد من الإصابة، والإستبصار لأبن قدامة المقدسي. قال وزينب بنت نبيط، قد ذكرت في الصحابة من أجل روايتها لهذا   (1) رواه البخاري في كتاب الأحكام بألفاظ قريبة منه انظره ص 121/ 8 رقم الباب 41 واللفظ له. ورواه مسلم في كتاب الإمارة باب تحريم هدايا العمال 1463/ 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 الحديث. وفي نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، للقلقشندي صاحب صبح الأعشى لدى كلامه على الجعافرة، أبناء سيدنا جعفر بن أبي طالب قال: كان له أولاد محمد وعبد الله، مسح النبي صلى الله عليه وسلم على رؤوسهم حين جاء نعي أبيهم جعفر، وقال أنا وليهم في الدنيا والآخرة هـ. وترجم في سمط الجوهر الفاخر لذكر الأيتام الذين كان صلى الله عليه وسلم وصيا عليهم فكانوا في حجره، وهم محمد بن عبد الله بن جحش، مات أبوه في أحد، وأوصى به للنبي صلى الله عليه وسلم، فاشترى له مالا بخيبر وأقطعه دارا بسوق الرقيق بالمدينة، ثم ذكر قصة بنات أبي أمامة اسعد بن زرارة السابقة وقال: وكان في حجره صلى الله عليه وسلم امرأة من بني ليث بن بكر يقال لها: الصمينة بضم الصاد المهملة على وزن جهينة الليثية، وكانت عائشة استوهبت عبد الله بن الزبير من أبويه فكان في حجرها، يدعوها أما، وتقدم أن علي بن أبي طالب ضمه إليه فلم يزل معه إلى أن زوّجه بنته فاطمة بالمدينة. وروى يعقوب بن سفيان عن مطيع بن الأسود أنه أوصى إلى الزبير فأبى، فقال أسألك بالله والرحم إلا قبلت، فإني سمعت عمر يقول: الزبير ركن من أركان الدين. وروى الحميدي في النوادر أنه أوصي إليه عثمان وأوصى إلى الزبير سبعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم عثمان وعبد الرحمن بن عوف، والمقداد، وابن مسعود، وابن عوف، وغيرهم. فكان يحفظ أموالهم وينفق على أولادهم من ماله. ونحوه في أسد الغابة عن هشام بن عروة وزاد الزبير بن بكار كما في الإصابة مطيع بن الأسود وأبو العاص بن الربيع. ووقع في شرح أبي عبد الله زنيبر السلوي على الهمزية ما نصه: وأوصى إليه سبعون من الصحابة بأموالهم وأولادهم، فحفظها وكان ينفق عليهم من ماله هـ منه. تنبيه: خرّج البخاري «1» عن أبي هريرة وأحمد وأبو داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثته. وكان صلى الله عليه وسلم يؤتى في أول الإسلام بالرجل المتوفى فيسأل: هل عليه دين؟ وهل له وفاء؟ فإن قالوا له؛ عليه دين وليس له وفاء قال: صلوا على صاحبكم وإلا صلى عليه. فلما فتح الله بالفتوح والغنائم قال عليه السلام: من مات وعليه دين فعلي قضاؤه. فقيل: إنه كان واجبا عليه. وارتضى إمام الحرمين والماوردي أنه لم يكن واجبا عليه، وإنما كان يفعله تكرما. وهل كان صلى الله عليه وسلم يقضيه من الغنائم أو من خالص ماله؟ احتمالان. قاله: في نسيم الرياض.   (1) انظر كتاب الفرائض باب 4، 15 ج 8/ 5، 8 وكتاب النفقات ج 6/ 195. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 القسم الرابع في العمليات الأحكامية وما ينضاف إليها وفيه عدة أبواب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 العمليات الإحكامية باب في الإمارة العامة على النواحي ذكر من ولاه النبي صلى الله عليه وسلم على النواحي قال الزرقاني في شرح المواهب: أمراؤه عليه السلام ولاته الذين ولا هم على البلاد والقضاء والصدقات هـ. الأمراء الذين وجههم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجهات كثيرون. «منهم أمير مكة عتّاب بن أسيد. قال ابن جماعة: أمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم عتّاب بن أسيد على مكة وإقامة الموسم والحج بالمسلمين سنة ثمان» . قال ابن القيم في الهدى: وهو دون العشرين سنة. «ونقل الثعلبي في تفسيره على قوله تعالى: وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً [الإسراء: 80] قال الكلبي إنه قال: سلطانا نصيرا عتّاب بن أسيد، وذكر توليته صلى الله عليه وسلم له على مكة» . في الإصابة؛ أورد العقيلي في ترجمة هشام بن محمد بن السائر الكلبي، بسنده إليه، عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً قال هو عتاب بن أسيد هـ وفي كتاب «صلة الجمع وعائد التذييل لموصول كتابي الإعلام والتكميل، للحافظ أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد الأوسي الشهير بالبلنسي ابن عسكر، على الآية: خرّج أبو بكر الذهبي في تاريخه بسنده إلى ابن عباس قال: هو عتّاب بن أسيد هـ «ومنهم باذان ويقال باذام ملك اليمن» . وفي صبح الأعشى: لما أسلم باذان نائب كسرى ولّاه النبي صلى الله عليه وسلم على جميع مخاليف اليمن، وكان منزله بصنعاء مملكة التبابعة، وبقي حتى مات بعد حجة الوداع، فولي النبي صلى الله عليه وسلم ابنه شهر بن باذان على صنعاء، وولي على كل جهة واحدا من أصحابه. «وذكر الثعلبي في باذام أنه أول من أسلم من ملوك العجم، وأول أمير للإسلام على اليمن» . قلت: نحوه نقل الزرقاني على المواهب عن الثعلبي وأقره، وانظره مع ما سبق في الإمارة على الحج، من أن أبا بكر كان أولّ أمير في الإسلام وقيل: عتّاب بن أسيد. وفي ترجمة عبد الله بن جحش من الإصابة عن البغوي: أنه أول أمير في الإسلام، ويحتمل أن يكون ذلك باعتبار ما ذكر من الجهات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 ولما مات باذان استعمل النبي صلى الله عليه وسلم على صنعاء ابنه شهر. ذكره الواقدي وابن إسحاق والطبري. وترجم في الإصابة لعامر بن شهر الهمذاني أنه أحد عمال النبي صلى الله عليه وسلم على اليمن. وترجم فيها أيضا لعبد الله بن عمرو بن سبيع الثعلبي، فذكر عن الشّعبي أن المصطفى استعمله على بني ثعلبة وعبس، وبني عبد الله بن غطفان. وفي ترجمة أبي موسى الأشعري أنه عليه السلام استعمله على بعض اليمن كزبيد وعدن وأعمالهما. وترجم في الإصابة للحارث بن بلال المزني، فنقل عن سيف في الفتوح أنه كان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على نصف جديلة بني طيء، وترجم أيضا للحرث بن نوفل الهاشمي، فذكر عن ابن حبان في الصحابة ولاه المصطفى صلى الله عليه وسلم بعض أعمال مكة. قال: وكذا قال: الزبير بن بكار ثم نقل عن ابن سعد: صحب الحارث المصطفى عليه السلام فاستعمله على بعض عمله بمكة، وأقره أبو بكر، وعمر، وعثمان. وترجم أيضا لحصين بن نيار فقال: كان أحد عمال النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره سيف، والطبري، واستدركه ابن فتحون، وترجم فيها أيضا للحارث بن عبد المطلب، فذكر عن ابن أبي حازم: أنه صحب المصطفى صلى الله عليه وسلم، واستعمله على بعض أعمال مكة، وولاه أبو بكر وعثمان هـ ثم حرر أن الترجمة لحفيده الحارث بن نوفل السابق. وترجم أيضا لرافع بن عمرو الطائي فذكر أن الحاكم خرج أنه لما كانت غزوة السلاسل، استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص على جيش فيه أبو بكر وعمر، وترجم فيها لزياد الباهلي والد الهرماس فذكر عن الدارقطني عن الهرماس قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي فولاه على عشيرته من باهلة، وترجم أيضا للسائب بن عثمان، عن ابن إسحاق: أنه استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة، في غزوة بواط. وترجم لسعد الدوسي، فذكر أن أحمد وابن أبي شيبة خرّجا عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت فاستعملني على قومي، وجعل لهم ما أسلموا عليه من أموالهم. الحديث. وترجم أيضا لسعيد بن خفاف التميمي فقال: ذكره سيف في الفتوح، وأنه كان عاملا للنبي صلى الله عليه وسلم على بطون تميم، وأقرّه أبو بكر. وترجم أيضا لسعد بن عبد الله بن ربيعة، فذكر عن ابن أبي شيبة أنه عليه السلام استعمله على الطائف. وترجم أيضا لسلمة بن يزيد الجعفي، فذكر أنه عليه السلام استعمله على الطائف. وترجم أيضا لسلمة بن يزيد الجعفي، فذكر أنه عليه السلام استعمله على بني مروان وكتب له كتابا. وترجم أيضا لصيفي بن عامر من بني ثعلبة فقال: أمّره النبي صلى الله عليه وسلم على قومه. وترجم أيضا للضحاك بن قيس فقال فيه: عامل النبي صلى الله عليه وسلم. وترجم لامرىء القيس بن الأصبغ الكلبي فقال: كان زعيم قومه، وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 عاملا على كلب في حين إرساله إلى قضاعة، ونقل عن سيف في الفتوح: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت عماله على قضاعة من كلب، امريء القيس بن الأصبغ الكلبي من بني عبد الله. وترجم أيضا للحارث بن بلال المزني فقال: عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ص 388، وترجم فيها أيضا لعبد الرحمن بن أبزى الخزاعي، فنقل عن ابن السكن فقال: استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على خراسان «1» وترجم أيضا عثمان بن أبي العاص، فقال: استعمله عليه السلام على الطائف، وأقره أبو بكر وعمر. وفي عكاشة بن ثور أنه كان عامل المصطفى على السكاسك والسكون. وفي العلاء بن الحضرمي أنه عليه السلام، استعمله على البحرين. وفي عمرو بن حزم الأنصاري استعمله عليه السلام على نجران، وروى عنه كتابا كتبه له في الفرائض والزكاة والديات وغير ذلك، أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان والدارمي وغير واحد. وفي أسد الغابة: استعمله عليه السلام على أهل نجران وهو ابن سبع عشرة سنة، بعد أن بعث إليهم خالد بن الوليد فأسلموا هـ ونحوه للنووي في ترجمته من التهذيب. وفي عمرو بن الحكم القضاعي أنه عليه السلام بعثه عاملا على بني القيس، وفي عمرو بن سعيد بن العاص كان النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على وادي القرى وغيرها، وقبض (أي توفي النبي صلى الله عليه وسلم) وهو عليها. وفي عمرو بن محجوب العامري، أنه كان من عمال النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عوف الوركاني أنه كان من عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي عبد الله بن زيد الكندي أنه كان عامل المصطفى على اليمن. وفي عبد الله بن سوار أنه من عمال المصطفى على البحرين. وفي فروة بن مسيك استعمله المصطفى على مراد ومذحج وزبيد كلها. وفي قردة بن نفاثة السلولي أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، في جماعة من بني سلول، فأسلموا وأمّره عليهم. وترجم السيوطي في در السحابة لأبي جديع المرادي فقال: ذكره ابن وزير وعبد العزيز بن ميسرة، أنه كان عاملا النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان من أهل مصر هـ. وفي ترجمة قضاعة بن عامر الدوسي، أنه كان عامل النبي صلى الله عليه وسلم على بني أسد. وفي الترجمة بعدها: أنه ولي عليهم أيضا سنان بن أبي سنان، وفي ترجمة قيس بن مالك الأرحبي أنه لما أسلم وأسلم قومه، كتب له عليه السلام عهدا على قومه همذان عربها ومواليها، وخلائطها أن يسمعوا له ويطيعوا، أن لهم ذمة الله ما أقاموا الصلاة، وساق فيها أيضا أن المصطفى كتب إلى قيس بن مالك: سلام عليك. أما بعد: فإني استعملتك على قومك الحديث وفي مالك بن عوف النصري، استعمله عليه السلام على من أسلم من قومه، ومن تلك القبائل من أعماله فكان يقاتل بهم ثقيفا، فكان لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه حتى يصبح. وفي المنذر بن ساوى الدارمي قال ابن منده: كان عامل النبي صلى الله عليه وسلم على هجر، وفي   (1) كذا وهي كذلك في الإصابة ص 389 ج 2 الطبعة الأولى 1328 ولا شك بأنها خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 ترجمة أبي هيضم المزني نقلا عن الزبير بن بكار، عن أبيه محمد قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم إني مستعمله على هذا الوادي، فمن جاءك «1» من هاهنا وهاهنا فامنعه. قال سعد: فراجعه فعمل عليه. وفي ترجمة سواد بن غزية البلوي الأنصاري من الإستبصار لابن قدامة: كان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيبر، فأتاه بتمر جنيب قد أخذ منه صاعا بصاعين من الجمع، وفي ترجمة عمر بن أبي ربيعة الشاعر من تهذيب النووي، أن المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولّى والده عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي الجند بفتح الجيم والنون بلد باليمن- ومخاليفها، فلم يزل عليها حتى قتل عمر بن الخطاب، ثم ولاه عثمان. وأنه كان من أحسن الناس وجها، وهو الذي بعثته قريش مع عمرو بن العاص، إلى النجاشي. وفي السيرة الشامية تراجم تضمنت تأمير النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد على صنعاء وأعمالها، وتأميره للمهاجر بن أبي أمية المخزومي على كندة، وتأميره زياد بن لبيب على حضرموت، وتأميره لأبي موسى الأشعري على زبيد وعدن [وتوابعهما] ، ومعاذ بن جبل على الجند وأبا سفيان على نجران، وأبا زيد بن سفيان على غيرها. وفي ألفيه الحافظ العراقي ذكر أمرائه عليه السلام. قال ابن كيران: المراد الولاة الذين ولا هم المصطفى صلى الله عليه وسلم على البلاد والقضاء والصدقات والحج: أمّر باذان بلاد اليمن ... ثم ابنه شهرا بصنعا يمن وابن أبي أمية المهاجرا ... كندة والصدق فقبل أن سرى لعمله قضى النبي بالموت ... كذا زياد بن لبيد حضر موت كذا أبو موسى زبيدا وعدن ... ونافع الساحل من أرض اليمن كذاك قد ولّى معاذا الجند ... كذاك عتابا على خير البلد كذاك قد ولى أبا سفيانا ... صخر بن حرب بعد ذا نجرانا كذا ابنه يزيد أي تيماء ... وابن سعيد خالدا صنعاء كذاك عمرا أخذوا وادي القرى ... وحكما أخاهما على قرى عرينه كذاك أيضا أعطى ... أخاهما أبان منه الخطّا كذاك ابن العاص عمرا بعمان ... كذا على الطائف ولّى عثمان ابن أبي العاصي كذاك وليا ... محمية الأخماس ثم وليا عليّ القضاء والأخماسا ... بيمن، وكان فيه راسا كذاك أمّر ابن حاتم عدي ... في صدقات طي وأسد وغيره من أمراء الصّدقه ... تجمع من قبائل مفرقه وأمر الصديق في الحج لدى ... سنة تسع، وعلي في الندا   (1) يلزم عود الضمير على المدعو له والله أعلم بالصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 ألّا يحجّ بعد عام مشرك ... فقرأ السورة خاب المشرك أما الألى أمرهم بالبعث ... فذكروا في كل بعث بعث باب كيف كان يوصي عليه السلام (عماله في صفة البريد الذي يبردون إليه) صرّح السهيلي في الروض ونقله عنه ابن باديس: أنه عليه السلام كان يكتب إلى أمرائه: إذا أبردتم إليّ بريدا فابردوه حسن الوجه حسن الإسم. وقال: ذكره البزار من رواية بريدة مرفوعا. وقد أورد الحديث المذكور في الجامع الصغير، وعزاه لمن ذكر قال المناوي في التيسير: وطرقه كلها ضعيفة كما قال الهيثمي، لكن له شواهد قوية، وقال العلقمي في الكوكب بجانبه علامة الحسن، وقال في الكبير: وصحح. ولعله عند الشيخ حسن. نقل التصحيح غيره هـ منه. وقال المناوي في كبيره قوله: إذا أبردتم إلي بريدا أي أرسلتم إلي رسولا. قال الزمخشري: البريد الرسول المستعجل، وفي محل آخر: فارسية، وهي في الأصل البغلة أصلها بريدة [دم] أي محذوفة الذنب لأن بغال البريد كانت كذلك، فعربت وخففت ثم سمي الرجل الرسول الذي يركبه بريدا. باب في اشتراطه عليه السلام مثل ذلك في عماله قال ابن باديس: وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به ويرى بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رئي كراهية ذلك في وجهه. وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإذا أعجبه فرح به، ورئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رئي كراهية ذلك في وجهه. وفي طبقات ابن سعد: أنه عليه السلام كتب إلى الحارث ومسروح ونعيم بن عبد كلال من حمير، وبعث بالكتاب مع عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وقال: إذا جئت أرضهم فلا تدخل ليلا حتى تصبح، ثم تطهر فأحسن طهورك وصل ركعتين، وسل الله النجاح والقبول، واستعد لذلك، وخذ كتابي بيمينك، وادفعه بيمينك في أيمانهم فإنهم قابلون. باب في كيفية عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمرائه ترجم القلقشندي لأصل مشروعية عهود الخلفاء في ص 398 من الجزء التاسع فقال: الأصل فيها ما رواه ابن إسحاق وغيره، أنه لما رجع وفد بني الحارث بن كعب إلى قومهم باليمن، بعد وفودهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن ولّى عليهم عمرو بن حزم، يفقههم في الدين، ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام، ويأخذ منهم صدقاتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وكتب له كتابا عهد فيه عهده وأمره فيه أمره على ما سيأتي، ذكره في أول نسخ العهود الواردة في هذا الكتاب، فقد فوض صلى الله عليه وسلم أمر اليمن في حياته إلى عمرو بن حزم، وذلك أصرح دليل وأقوى شاهد لما نحن فيه هـ. ونص كتاب النبي صلى الله عليه وسلم في المحل الذي أحال عليه، وهو في ص 8 من الجزء العاشر، بعد البسملة فيما ذكر ابن هشام: هذا بيان من الله ورسوله، يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود، عهدا من محمد النبي، رسول الله لعمرو بن حزم، حين بعثه إلى اليمن، أمره بتقوى الله في أمره كله، فإن الله مع الذي اتقوا والذين هم محسنون، وأمره أن يأخذ بالحق كما أمره الله، وأن يبشر الناس بالخير، ويأمرهم به ويعلم الناس القرآن ويفقههم فيه، وينهى الناس فلا يمس القرآن إنسان إلا وهو طاهر، ويخبر الناس بالذي لهم، والذي عليهم، ويلين للناس في الحق، ويشتد عليهم في الظلم، فإن الله كره الظلم ونهى عنه، فقال: ألا لعنة الله على الظالمين، ويبشر الناس بالجنة وبعملها وينذر الناس النار وعملها، ويستألف الناس حتى يفقهوا في الدين، ويعلم الناس معالم الحج وسننه وفريضته، وما أمر الله به من الحج الأكبر، والحج الأصغر هو العمرة، وينهى الناس أن يصلي أحد في ثوب واحد صغير، إلّا أن يكون ثوبا يثني طرفيه على عاتقيه، وينهى الناس أن يحتبي أحد في ثوب واحد يفضي بفرجه إلى السماء، وينهى أن لا يعقص أحد شعر رأسه في قفاه، وينهى إذا كان بين الناس هيج عن الدعاء إلى القبائل والعشائر، وليكن دعواهم إلى الله عز وجل وحده، لا شريك له، فمن لم يدع إلى الله ودعا إلى القبائل والعشائر، فليقطعوا «1» بالسيف، حتى تكون دعواهم إلى الله وحده لا شريك له، ويأمر الناس بإسباغ الوضوء وجوههم وأيديهم إلى المرافق، وارجلهم إلى الكعبين، ويمسحون برؤوسهم كما أمرهم الله، وأمر بالصلاة لوقتها، وإتمام الركوع والسجود والخشوع، ويغلّس بالصبح ويهجّر بالظهر حين تميل الشمس، وصلاة العصر والشمس في الأرض مدبرة، والمغرب حين يقبل الليل، لا تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء، والعشاء أول الليل. وأمر بالسعي إلى الجمعة إذا نودي إليها، والغسل عند الرواح إليها، وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله، وما كتب على المؤمنين في الصدقة، في العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء، وعلى ما سقى الغرب «2» نصف العشر، وفي كل عشر من الإبل شاتان، وفي كل عشرين أربع شياه، وفي كل أربعين من البقر، بقرة وفي كل ثلاثين من البقر تبيع جذع أو جذعة. وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة. ة فإنها فريضة الله التي افترض على المؤمنين في الصدقة فمن زاد خيرا فهو له، وأنه من أسلم من يهودي أو نصراني إسلاما خالصا من نفسه ودان بدين الإسلام فإنه من المؤمنين، له مثل ما لهم وعليه   (1) في ابن هشام: يقطفوا ص 595/ 2. (2) الغرب: هو الدلو الذي يملأ بالماء من الآبار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 مثل ما عليهم، ومن كان على نصرانيته أو يهوديته فإنه لا يرد عنها، وعلى كل حالم ذكر أو أنثى حر أو عبد دينار واف أو عوضه ثيابا، فمن أدى ذلك فإن له ذمة الله وذمة رسوله، ومن منع ذلك فإنه عدو لله ولرسوله وللمؤمنين جميعا، صلوات الله على محمد والسلام عليه ورحمة الله وبركاته. تنبيه هذا المكتوب وأمثاله، هو أصل كتب الظهير للمتولي، يستظهر به لدى من ولّي عليهم ليطيعوا أمره، وكانوا في القديم يعبرون عما يكتب بذلك بالظهائر والصكوك، فالظهائر جمع ظهير، وهو المعين سمي «1» مرسوم الخليفة، أو السلطان ظهيرا لما يقع به من المعاونة لما كتب له، والصكوك جمع صك وهو الكتاب. قال الجوهري: وهو فارسي معرب والجمع: أصك، وصكاك وصكوك، ثم تحامي المتأخرون منهم لفظ الصك لما جرى به عرف العامة من غلبة الإستعمال في أحد معني الإشتراك فيه وهو الصفع، واقتصروا على استعمال لفظ الظهير هـ أنظر ص 229 من الجزء العاشر من صبح الأعشى. باب في القاضي وفيه فصول فصل في قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس «في الموطا «2» عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذن منه شيئا، فإنما أقطع له قطعة من النار، قوله: ألحن بحجته أي افطن لها» . فائدة- في الشهاب على الشفا ص 301 من الجزء الرابع عن السيوطي، أنه عليه السلام كان له حكم الباطن كالظاهر، وحكمه في الظاهر كان تارة في القضاء، وتارة بالسياسة والسلطنة، أي الإمارة العظمى، وتارة بالفتوى. كما فصله ابن السبكي في قواعده هـ من الفواكه الجنوية. وفي الأنموذج: وجمع له بين الشريعة والحقيقة، ولم يجمع للأنبياء عليهم السلام إلا أحدها، بدليل قصة موسى مع الخضر، وقوله: إني على علم لا ينبغي لك أن تعلمه، وأنت على علم لا ينبغي لي أن أعلمه هـ. قال الروضي في شرحه: المراد بالشريعة والحقيقة الحكم بالظاهر والباطن، وقد اعترض العلامة القسطلاني قول المؤلف: وجمع له بين الشريعة والحقيقة الخ. ما نصه:   (1) كذا في الأصل! قلت: في اصطلاح أهل المغرب يقال: الظهير بمعنى المرسوم في لغة أهل المشرق جمع مراسيم. (2) انظره ص 719 كتاب الأقضية. وقد صححته عن نص الموطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 هذه غفلة عظيمة، وجرأة على الأنبياء، إذ يلزم منه خلوّ بعض أهل العزم عليهم السلام من علم الحقيقة، الذي لا يجوز خلو بعض آحاد الأولياء عنه، وخلو الخضر بل بقية بعض الأنبياء عن علم الحقيقة، وأعجب من ذلك أنه بين له وجه الخطأ فأجاب بقوله: مرادي الجمع بين الحكم والقضاء هـ. وقد أجاب المؤلف الجلال عن هذا الإعتراض في مؤلف له سماه: الباهر في حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالباطن والظاهر، ثم أتى بملخص التأليف وأمثلة حكمه عليه السلام بالظاهر والباطن، وبأحدهما فقط. ذكر من دوّن في النوازل التي نزلت في حياته عليه السلام وحكم فيها أفرد النوازل التي نزلت في حياته عليه السلام، وحكم فيها جماعة من الأئمة بالتأليف أشهرها شيخ الفقهاء في عصره، الإمام محمد بن فرج، مولى ابن الطلاع الأندلسي المتوفى سنة 497، وهو ممن رحل إليه الناس من كل قطر، واستجازه الحافظ أبو علي الصدفي، وأبو الربيع الكلاعي، وترجمه ابن فرحون في الديباج ص 275. ويعرف كتاب ابن الطلاع في الموضوع: بكتاب أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو كتاب عظيم الشأن نادر الوجود، ظفرت بنسخة منه في تونس في غاية التصحيف، ثم ظفرت منه بنسخة أخرى عتيقة بفاس صحيحة، إلا أنها مخروقة وهو في مجلدة متوسطة في أوله بعد الفاتحة: هذا كتاب أذكر فيه ما انتهى إليّ من أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي قضي فيها أو أمر بالقضاء فيها، إذ لا يحل لمن تقلد الحكم بين الناس، أن يحكم إلا كما أمر الله عز وجل في كتابه، أو بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حكم به، أو بما أجمع العلماء عليه، أو بدليل من هذه الوجوه الثلاثة الخ. ورأيي في هذا الكتاب أن مطالعته متعينة على كل مسلم، وبالأسف: أن أكثر من يمكنه أن يطالعه إذا طالعه اليوم لا ليحكم بما فيه، ولكن يعتبر به كما يعتبر بسائر الماجريات القديمة، وقد ذكر في آخره؛ أن الذي حمله على جمعه أنه وجد لأبي بكر بن أبي شيبة صاحب المسند، كتابا ترجمه بكتاب: أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه، إلا أقضية قليلة وهو كتاب صغير، ثم نقل عن ابن أبي شيبة قوله: نظرت فيما قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر بالقضاء فيه، فلم نجد إلا نحو مائة حديث، فرأيت أن أتتبع أقضيته عليه السلام تبركا ومحبة فيها، وحرصا على الاقتداء بها ووقوفا عند أوامره ونواهيه، ثم عدد الكتب التي استمد منها، وهي أربعة وثلاثون مصنفا، فأنت تراه وقع له مع ابن أبي شيبة مثل ما وقع لي مع الخزاعي في التخريج، وفي النية إن شاء الله الإلتفات إلى كتابة ابن الطلاع هذه، وتقديمها للعالم الإسلامي هدية بعد تحرير القول فيها، وجمع ما يصح استدراكه عليه، كما فعلنا في هذا الموضوع نسأل الله التيسير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 ومنهم ظهير الدين علي بن عبد العزيز بن عبد الرزاق المرغيناني الحنفي، المتوفى سنة 506 له كتاب أقضية الرسول عليه الصلاة والسلام ذكره في كشف الظنون وقال: وله شروح، ومنهم الإمام أبو جعفر أحمد بن عبد الملك بن محمد بن إبراهيم الأنصاري، المعروف بابن أبي مروان الاشبيلي، المتوفى سنة 549 بلبلة شهيدا ترجمه ابن الأبّار في تكملة الصلة، فقال: تأليف مفيد وسماه المنتخب المنتقى، جمع فيه ما افترق في أمهات المسندات، من نوازل الشرع. وعليه بنى كتابه أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الاشبيلي، في الأحكام، ومنه استفاد وكان صاحبا لأبي جعفر هذا وملازما له اهـ ص 72. ومنهم العلامة أبو علي حسين بن المبارك بن يوسف الموصلي، المتوفي سنة 742 له الفتاوى النبوية في المسائل الدينية والدنيوية انتخب فيه من الفتاوى النبوية، مسائل سئل عنها المصطفى عليه السلام، فأجاب عنها بأجوبة قطعية، ورتبها على ترتيب الكتب الفقهية، وهو في مجلد توجد منه نسخة بالمكتبة الخديوية بمصر، ومنهم الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن أبي بكر الزرعي، المعروف بابن القيم الحنبلي الدمشقي، المتوفى سنة 751 استوعب ما ورد من فتاويه صلى الله عليه وسلم وأجوبته وأحكامه، ختم بها كتابه أعلام الموقعين عن رب العالمين، وقد جردها منه، وأفردها بتأليف الأمير الطيب الذكر السيد صديق حسن خان ملك بهوبال من أرض الهند المتوفى سنة 1307 سماه بلوغ السول في أقضية الرسول، وقد طبع بالهند، هو وتفسير آيات الأحكام، المسمى نيل المرام بايات الأحكام، للأمير المذكور وجمعا في مجلدة واحدة. لو لم تنشر الأمة الهندية أثرا غير هذه المجموعة المقدسة لكان كافيا، وأرى أن التأبط بها على كل مسلم متعين. باب في ذكر تراجم وأصول الأبواب التي قضى فيها عليه السلام وأفتى ترجم لهذا الفصل الحافظ الشامي في سيرته فقال: جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في أحكامه وأقضيته وقال: ليس الغرض من ذلك ذكر التشريع العام، وإن كانت أقضيته الخاصة شرعا عاما، وإنما الغرض ذكر سيرته صلى الله عليه وسلم في الأحكام الجزئية، التي فصل فيها بين الخصوم، وكيف كانت سيرته صلى الله عليه وسلم بين الناس، ولنذكر تراجم أبوابه وفصوله المتعلقة بهذا الفصل، وذلك أنه عقد أولا ترجمة جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في أحكامه وأقضيته وفتاويه، ثم الباب الأول في أحكامه عليه السلام وأقضيته في المراسلات، وما يلحق به، وفيه أبواب: الأول في تحذيره صلى الله عليه وسلم من القضاء بين الناس. الثاني في تقسيمه صلى الله عليه وسلم القضاء إلى ثلاثة أقسام. الثالث في نهيه صلى الله عليه وسلم عن الحكم في حال الغضب والجوع. الرابع في وعظه صلى الله عليه وسلم الخصمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 الخامس في حبسه صلى الله عليه وسلم في تهمة. السادس في أمره صلى الله عليه وسلم بملازمة غريمة. السابع في نفيه صلى الله عليه وسلم أهل الريب. الثامن في امتناعه صلى الله عليه وسلم من كلام المجذومين وأهل المعاصي. التاسع في سيرته صلى الله عليه وسلم في التحكيم. العاشر في حجره صلى الله عليه وسلم على المفلس. الحادي عشر في سيرته صلى الله عليه وسلم في المعاملات؟ الباب الثاني في أحكامه وأقضيته عليه السلام في الوصايا والفرائض. الباب الثالث في أحكامه صلى الله عليه وسلم في النكاح والطلاق والخلع والرجعة، والإيلاء واللعان وإلحاق الولد وغير ذلك. الباب الرابع في أحكامه، وأقضيته في الحدود وفيه أنواع: الأول في الشفاعة وفي الحدود الثاني في درء الحدود وسرها الثالث في حكمه عليه السلام في التعزير الرابع في نهيه عليه السلام عن إقامة الحدود في المسجد الخامس فيمن ذكر صلى الله عليه وسلم أنه لا حد عليه السادس في كيفية إقامته صلى الله عليه وسلم على الضعيف السابع في إشارته صلى الله عليه وسلم لمن أتى ما يوجب الحد بالرجوع عن الإقرار أو الإنكار الثامن في عدم إقامة الحد على من اعترف به ولم يذكر ما سبب الحد التاسع في حكمه عليه السلام في المرتدين والمحاربين العاشر في حكمه عليه السلام في الزاني الحادي عشر في حكمه في المكره الثاني عشر في حكمه عليه السلام في وصل السفيه الثالث عشر في حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن تزوج امرأة أبيه الرابع عشر في الذين حدهم عليه السلام الخامس عشر في حكمه عليه السلام فيمن عمل عمل قوم لوط السادس عشر في حكمه في حد القذف السابع عشر في حكمه في حد السرقة الثامن عشر في حكمه في السكران. الباب الخامس في أحكامه عليه السلام وأقضيته في الجنايات والقصاص والديات والجراحات وفيه فصول. الباب السادس في سيرته صلى الله عليه وسلم في الدعاوي والبينات والخصومات. الباب السابع في قضايا شتى غير ما سبق. الباب الثامن في فتاويه عليه السلام وفيه أنواع وذكر فيه اثني عشر بابا من أبواب الأمور الدينية. الحادي والعشرون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الكسب والمعاش. الثاني والعشرون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في البيوع والمعاملات وما يتعلق بهما. الثالث والعشرون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في اللقيط واللقطة والهبة والهدية والوصية. الرابع والعشرون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الفرائض والمواريث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 الخامس والعشرون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في العتق وما يتعلق به. السادس والعشرون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في النكاح وما يتعلق به. السابع والعشرون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الطلاق والخلع والإيلاء والظهار واللعان وإلحاق الولد وما يتعلق بذلك. الثامن والعشرون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الجنايات والحدود. التاسع والعشرون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الأيمان والنذور. الثلاثون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الصيد والذبائح. الحادي والثلاثون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الأشربة وما يحل منها وما يحرم. الثاني والثلاثون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الإمارة وما يتعلق بها. الثالث والثلاثون في بعض فتاويه عليه السلام في الجهاد والغزو وما يتعلق به. الرابع والثلاثون في بعض فتاويه عليه السلام في الحب في الله والصحبة وملاحظة الناس. الخامس والثلاثون في بعض فتاويه عليه السلام في المرض والطب وما يتعلق بهما. السادس والثلاثون في بعض فتاويه عليه السلام في الرقائق. السابع والثلاثون في بعض فتاويه عليه السلام في التفسير. فصل في قضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم «منهم عمر بن الخطاب، ففي سنن الترمذي أن عثمان قال لعبد الله بن عمر: اذهب فاقض بين الناس، قال: أو تعافني يا أمير المؤمنين قال وما تكره من ذلك وقد كان أبوك يقضي» «1» . ساقه الشامي في سيرته في باب قضاته صلى الله عليه وسلم عازيا له لأحمد وعبد بن حميد وأبي يعلى وابن حبان قال ابن العربي في العارضة: قول عثمان لعبد الله: إن أباك كان قاضيا يعني لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك روى عنه ولم يرد به عثمان قضاءه في خلافته ولا فهم ذلك عنه عمر رضي الله عنه. «ومنهم علي بن أبي طالب في الاستيعاب بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وهو شاب يقضي بينهم، وقال له: إذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضي بينهم حتى تسمع من الآخر، كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبيّن لك القضاء. قال: فما زلت قاضيا أو ما شككت في قضاء بعد. وروي أن المغيرة بن شعبة حلف بالله ما أخطأ في قضاء قط» «2» . أخرج الحاكم في المستدرك أوائل كتاب الأحكام من طريق ابن عباس قال: بعث   (1) انظره في كتاب الأحكام باب 1 ص 612/ 3. (2) راجع سنن أبي داود ج 4/ 11 كتاب الأقضية باب 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن فقال: علمهم الشرائع، واقض بينهم. فقال: لا علم لي بالقضاء، فدفع في صدره وقال: اللهم اهده للقضاء. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقصة بعثه عليه السلام عليا قاضيا لليمن خرجها أبو داود في سننه وأحمد وإسحاق بن راهواه، وأبو داود الطيالسي في مسانيدهم وغيرهم، انظر نصب الراية، وتلخيص الحبير. وبوّب عليه الحافظ محب الدين الطبري، في كتابه «ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى» باب: ذكر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له رضوان الله عليه؛ حين ولاه قضاء اليمن، ثم ساق عن علي قال: لما بعثني رسول الله إلى اليمن قاضيا، وأنا حديث السن فقلت: يا رسول الله تبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث ولا علم لي بالقضاء، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله سيهدي لسانك، ويثبت قلبك، قال فما شككت في قضاء بين اثنين. أخرجه أحمد. قال الطبري: والمراد بالأحداث: الأمور الحادثة اهـ. وفي أحكام ابن العربي: وأما ولايته القضاء؛ فقدم النبي صلى الله عليه وسلم في حياته علي بن أبي طالب، حين بعثه إلى اليمن. وقدم النبي صلى الله عليه وسلم غيره من ولاته اهـ منها. وقد قال القرافي في الفروق: يقدم في القضاء من هو أعرف بالأحكام الشرعية، وأشد تفطنا لحجج الخصوم وخدعهم، وهو معنى قوله عليه السلام: أقضاكم علي. أي هو أشد تفطنا لحجج الخصوم وخدع المتحاكمين. وبه يظهر الجمع بينه وبين قوله عليه السلام أعلمكم بالحلال والحرام معاذ، وإذا كان معاذ أعرف بالحلال والحرام كان أقضى الناس، غير أن القضاء لما كان يرجع إلى معرفة الحجج والتفطن لها كان أمرا زائدا على معرفة الحلال والحرام، فقد يكون الإنسان شديد المعرفة بالحلال والحرام، وهو يخدع بأيسر الشبهات، فالقضاء عبارة عن هذا التفطن اهـ. «ومنهم معاذ بن جبل بعثه النبي صلى الله عليه وسلم كما في الاستيعاب إلى الجند، يعلم الناس القرآن وشرائع الإسلام، ويقضي بينهم، وجعل له قبض الصدقات من العمال الذين باليمن، وذلك عام فتح مكة» . أخرج الطبراني؛ قال الشامي برجال الصحيح عن مسروق قال: كان أصحاب القضاء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستا عمر، وعليا وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبا موسى الأشعري. وأخرج أحمد «1» والحاكم عن معقل بن يسار: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقضي [بين قوم فقلت: ما أحسن أن أقضي يا رسول الله] . قال: إن الله مع القاضي ما لم يحف عمدا، وجاءه صلى الله عليه وسلم خصمان فقال لعمر: إقض بينهما، وكذا قال لعقبة في خصمين جاآه: إقض   (1) رواه في 5/ 26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 بينهما. رواه أحمد وغيره. وفي ترجمة معاذ بن جبل من الاستبصار لابن قدامة المقدسي: بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا على اليمن، وأميرا وجابيا للصدقات الخ. وقال ابن إبراهيم الوزير اليمني في الزهر الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم: النبي صلى الله عليه وسلم ولى أبا موسى الأشعري على اليمن، مصدقا أي جامعا للصدقات، وقاضيا. وكان يقضي ويفتي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمنه، وفي أيام الخلفاء الراشدين اهـ منه. وفي درّ السحابة في ترجمة المغيرة بن شعبة قال الشعبي: القضاة أربعة أبو بكر وعمر وابن مسعود وأبو موسى. وبذلك كله تعلم ما في قول الحافظ الشامي وتبعه شارح هب أنه صلى الله عليه وسلم: لم يستقض شخصا معينا للقضاء بين الناس، وإنما استقضى جماعة في أشياء خاصة اهـ وفي صبح الأعشى: القاضي عبارة عمن يتولى فصل الأمور بين المتداعيين في الأحكام الشرعية، وهي وظيفة قديمة كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر القضاعي أنه صلى الله عليه وسلم: ولّى القضاء باليمن علي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، وأبا موسى الأشعري، وأن أبا بكر ولّى القضاء عمر اهـ. وفي وفيات الأسلاف ص 366 أول من نصب القاضي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعث عليا ومعاذا إلى اليمن، وأول من دفعه إل غيره من الخلفاء عمر، فولى أبا الدرداء بالمدينة، وأبا موسى الأشعري بالكوفة، وشريحا بالبصرة، تخفيفا لنفسه في القيام بأعباء الخلافة والسياسة اهـ. وفي طبقات ابن سعد: أول من استقضى القضاة في الأمصار عمر، ولما ذكر أبو عمر بن عبد البر في ترجمة زيد بن الخطاب من الاستيعاب قول مالك: أول من استقضى معاوية، وأنه كان ينكر أن يكون أوّل من استقضى أحد من الخلفاء الأربعة. قال: وهذا عندنا محمول على حضرتهم لا على من نأى عنهم، وأمروا عليهم من أعمالهم غيرهم، لأن استقضاء عمر لشريح على الكوفة أشهر عند علمائها من كل شهرة وحجة اهـ منه، ولما وقع في العتبية عن مالك: ما استقضى أبو بكر ولا عمر ولا عثمان قاضيا وما كان ينظر في أمور الناس غيرهم؛ كتب عليها ابن رشد: هذا أصل ما تقدم أن أول من استقضى معاوية يريد أنه أول من استقضى في موضعه الذي كان فيه، لاشتغاله بما هو سوى ذلك من أمور المسلمين، كبعث البعوث وسد الثغور، وفرض العطاء، فقد ولّى عمر بن الخطاب على قضاء البصرة أبا شريح الحنفي «1» وولّى كعب بن سور اللقيطي، فلم يزل قاضيا ختى قتل عمر، وولّى شريحا قضاء الكوفة يدل على صحة ما تأولناه، إذ لا يصح أن ينظروا بأنفسهم إلا في مواضعهم، لا فيما بعد من البلاد اهـ منه. وفي فتح الباري: أن البيهقي خرج بسند قوي؛ أن أبا بكر لما ولي الخلافة ولّى عمر   (1) الصواب أبو مريم الحنفي واسمه إياس بن صبيح. انظر أخبار القضاة لمحمد بن خلف بن حيان المعروف بوكيع ص 269/ 1 المطبوع في بيروت- عالم الكتب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 القضاء، قال: وبسند آخر قوي أن عمر استعمل عبد الله بن مسعود على القضاء. وكتب عمر إلى عماله استعملوا صالحيكم على القضاء، واكفوهم. قال وبسند آخر لين أن معاوية سأل أبا الدرداء. وكان يقضي بدمشق من لهذا الأمر بعدك؟ فقال: فضالة بن عبيد. قال: وهؤلاء من أكابر الصحابة وفضلائهم اهـ انظر باب أجر من قضى بالحكمة من كتاب الأحكام. وفي المدونة قال مالك: وليس علم القضاء كغيره من العلوم، ولم يكن بهذ البلد أعلم بالقضاء من أبي بكر بن عبد الرحمن، وكان قد أخذ شيئا من علم القضاء عن أبان بن عثمان، وأخذ ذلك أبان من أبيه عثمان اهـ. هل كان عليه السلام يشترط السن المديد فيمن يوليه القضاء خرّج أبو داود عن علي بن أبي طالب قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيا، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء؟ فقال: إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان، فلا تقضينّ حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء. قال: فما زلت قاضيا أو ما شككت في قضاء من بعد «1» هذا. ونحوه أخرج أحمد والحاكم وصححه والترمذي وابن ماجه وغيرهم جاء أن يحيى بن أكثم، لما ولّي القضاء وهو ابن إحدى وعشرين سنة قيل له: كم سن القاضي؟ قال مثل عتّاب بن أسيد حين ولّاه النبي صلى الله عليه وسلم إمارة مكة وقضاءها يوم الفتح، وأنا أكبر من معاذ بن جبل، حين وجّه به رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا على اليمن، قال الحافظ العراقي في المغني: خرجه الخطيب في التاريخ بإسناد فيه نظر، وما ذكره ابن أكثم صحيح بالنسبة إلى عتّاب بن أسيد، فإنه كان حين الولاية ابن عشرين سنة. ففي منحة واهب الهبات البهية: عشرين حولا كان سن أسامة ... لما توفي خاتم الأمناء في الصفوة الجوزي يرويه كذا ... ك الواقديّ الحبر في الأنباء وأما بالنسبة إلى معاذ، فإنه لم يتم له ذلك على قول يحيى بن سعد الأنصاري ومالك وابن أبي حاتم، أنه كان حين مات ابن ثلاث وثلاثين سنة في الطاعون سنة ثمانية عشر والله أعلم، وفي باب أخذ الصدقة من الأغنياء وردّها على الفقراء من فتح الباري ما نصه: اختلف هل كان معاذ واليا أو قاضيا؟ فجزم ابن عبد البر بالثاني، والغساني بالأول اهـ منه. وفي ترجمة أسامة بن زيد من أسد الغابة: استعمله النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن 18 سنة اهـ. وقال القسطلاني في الإرشاد على قصة بعث أسامة على جيش فيه جماعة من الكبار:   (1) انظره في ج 4 ص 11 كتاب الأقضية باب 6 كيف القضاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 في الحديث جواز تولية المولى وتولية الصغير على الكبير، والمفضول على الفاضل اهـ. وقد رأيت لبعض المعتنين من أصحابنا بفاس رسالة في بعض من ورد تقديمه في الأمور الشرعية، قبل الإبّان الذي الشأن فيه أن لا توجد فيه الأهلية، وذكر فيه ما جاء في ترجمة إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وعلي، وابن عباس، وزيد بن حارثة، وابنه أسامة، وعتاب بن أسيد، ومعاذ بن جبل، وكعب بن سور، وباذان بن ساسان وابنه شهر، وعمرو بن حزم، وعبد الله بن عامر بن كريز، وزيد بن ثابت، وقيس بن سعد بن عبادة، وزيد بن قنفذ بن زيد بن جدعان. وغالب اعتماده في تراجمهم على الأسد والإصابة فقف عليه. وهاهنا غريبة: في تاريخ مصر لابن أبي إياس الحنفي المصري ص 306 من الجزء الثاني: وفيها من الحوادث أن الخليفة المتوكل على الله عبد العزيز عهد للشيخ جلال الدين السيوطي بوظيفة لم يسمع بها قط وهو أنه جعله على القضاة قاضيا كبيرا يولي منهم من يشاء ويعزل منهم من يشاء مطلقا في سائر ممالك الإسلام، وهذه الوظيفة لم يلها قط سوى القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز في دولة بني أيوب، فلما بلغ القضاة ذلك شق عليهم واستخفوا عقل الخليفة في ذلك. وقالوا: ليس للخليفة مع وجود السلطان حل ولا ربط، ولا ولاية ولا عزل، ولكن الخليفة استخف بالسلطان لكونه صغيرا، فلما قامت الدائرة والألسنة على الخليفة رجع عن ذلك، وبعث أخذ العهد الذي كان كتبه لجلال الدين السيوطي، وكادت أن تكون فتنة كبيرة بسبب ذلك. ووقعت أمور يطول شرحها. ثم سكن الحال بعد مدة اهـ. وفي قوله: لم يسمع بمثلها قط نظر؛ ففي تاريخ الخلفاء للحافظ السيوطي: كان الخلفاء يولون القاضي المقيم ببلدهم القضاء لجميع الأقاليم، والبلاد التي تحت ملكهم، ثم يستنيب القاضي من تحت أمره من شاء في كل إقليم، وفي كل بلد، ولهذا كان يلقب بقاضي القضاة، ولا يلقب به إلا من هو بهذه الصفة، ومن عداه بالقاضي فقط، أو قاضي بلد كذا اهـ. ومن خط ابن الطيب القادري نقلت، وفي ترجمة أبي يوسف صاحب أبي حنيفة من طبقات الحنفية للحافظ قاسم بن قطلوبغا ص 65: أنه ولي القضاء لثلاثة من الخلفاء: المهدي، والهادي، والرشيد، وكان إليه توليه القضاء بالمشرق والمغرب، وأنه أول من خوطب بقاضي القضاة، وذلك كله في خلافة الرشيد اهـ وعبارة غيره في حق أبي يوسف: وهو أوّل من دعي في الإسلام بقاضي القضاة. وكان أيضا يقال له: قاضي قضاة الدنيا؛ لأنه كان يستنيب في سائر الأقاليم، التي يحكم بها الخليفة، وفي منظومة الشيخ عبد الغني النابلسي في الشطرنج: ولا بأس بالشطرنج وهو رواية ... عن الحبر قاضي الشرق والغرب تؤثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 قال في شرح البيت المذكور: وهو أبو يوسف، لأن ولايته شملت المشارق والمغارب، لأنه كان قاضي الخليفة الرشيد اهـ انظر الحديقة الندية له ص 296 ج 2. وفي ترجمة أبي شجاع نجم الدين التركي؛ مولى الإمام الناصر لدين الله المهدي بعد الخمس وستمائة، من طبقات ابن قطلوبغا أيضا: أنه عرض عليه الخليفة المنتصر قضاء القضاة فامتنع اهـ. وفي وفية الأسلاف وتحية الأخلاف لعالم قازان شهاب الدين المرجاني في ص 277 لدى كلامه على قاضي القضاة: وأنه أطلق على خلق كثير، من أجلة القضاة ولم يوجد حقيقة معناه كوجوده في اثنين، وليا قضاء جميع البلاد الإسلامية من مشارقها ومغاربها، وكان جميع قضاة الدنيا في عصرهما يحكمان بحكم النيابة عنهما، أولهما أبو يوسف في خلافة الرشيد، وثانيهما أبو عبد الله أحمد بن أبي دؤاد بن مالك الايادي في خلافة المعتصم «1» . هل كان للولاة والقضاة راتب في الهداية روي عنه عليه السلام أنه بعث عتّاب بن أسيد إلى مكة وفرض له. قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية: غريب. ثم ذكر عن ابن سعد في الطبقات أن عتّاب قال: ما أصبت منذ وليت عملي هذا إلا ثوبين كسوتهما مولاي كيسان اهـ ثم قال: وذكر أصحابنا أنه عليه السلام فرض له كل سنة أربعين أوقية، والأوقية أربعون درهما، وذكر أبو الربيع بن سالم أنه عليه السلام فرض له كل يوم درهما، وفي طبقات ابن سعد أن عمر رزق عياض بن غنم حين ولاه جند حمص كل يوم دينارا وشاة ومدّا. وفي البخاري في باب رزق الحكام والعاملين عليها: وكان شريح يأخذ على القضاء أجرا، وقالت عائشة: يأكل الوصي بقدر عمالته وأكل أبو بكر وعمر اهـ. وفي مصنف عبد الرزاق؛ الحسن بن عمارة عن الحكم أن عمر بن الخطاب رزق شريحا، وسليمان بن ربيعة الباهلي على القضاء اهـ. وروى ابن سعد في الطبقات بلغني أن عليا رزق شريحا خمسمائة، وأن عمر بن الخطاب استعمل زيد بن ثابت على القضاء، وفرض له رزقا ولما تخلف أبو بكر أصبح غاديا إلى السوق، فلقيه وأبو عبيدة فقالا: انطلق حتى نفرض لك شيئا. وأن أبا بكر لما استخلف جعلوا له ألفين فقال: زيدونا فزادوه خمسمائة.   (1) يضاف إلى ذلك أن منصب قاضي القضاة كان في الدولة العثمانية معمولا به وكان يسند إلى شيخ الإسلام الذي يتولى جميع شؤون الدولة الدينية كالأوقاف والمدارس والمحاكم وعنه كانت تصدر مراسيم التعيين والعزل للقضاة والمفتيين لمختلف الولايات والمدن في دولة آل عثمان التي دامت أكثر من ستمائة سنة. والله أعلم. انظر رسالة: مؤسسة شيخ الإسلام في الدولة العثمانية ترجمة الدكتور هاشم الأيوبي. منشورات جروس برس طرابلس لبنان 1992. مصححه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 أقول: كان الحافظ الزيلعي، والحافظ ابن حجر، لم يستحضرا في هذا الموطن حديث أبي داود والحاكم عن بريدة رفعه: أيما عامل استعملناه وفرضنا له رزقا فما أصاب بعد رزقه فهو غلول «1» . عزاه لهما الحافظ في تلخيص الحبير. وقد وجدت أبا داود بوّب عليه في أبواب الخراج والإمارة: باب في أرزاق العمال، ثم أخرجه بلفظ: من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول. ثم أخرج عن المسور بن شداد رفعه: من كان لنا عاملا فليكتسب زوجة فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادما، فإن لم يكن مسكن فليكتسب مسكنا، قال: قال أبو بكر: أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اتخذ غير ذلك فهو غالّ أو سارق «2» . وفي عون الودود على الحديث الأول: سكت عنه أبو داود: والمنذري. ورجاله ثقات، وفيه بينة على جواز أخذ العامل حقه من تحت يده، فيقبض من نفسه لنفسه، ثم نقل عن الطيبي على الحديث الثاني: فيه أنه يحل له أن يأخذ مما في تصرفه من بيت المال قدر مهر زوجته ونفقتها وكسوتها، وكذا ما لا بد له منه من غير إسراف وتنعم اهـ. ثم أخرج أبو داود عن ابن الساعدي قال: استعملني عمر على الصدقة، فلما فرغت أمر لي بعمالة (ما يأخذه العامل من الأجرة) فقلت: إنما عملت لله. فقال: خذ ما أعطيت؛ فإني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمّلني أي أعطاني عمالتي «3» . قال الكنكوهي في التعليق المحمود على سنن أبي داود: عليه فيه جواز أخذ العوض من بيت المال على العمل العام، كالتدريس والقضاء وغيرهما، بل يجب على الإمام كفاية هؤلاء ومن في معناهم من بيت المال. وظاهر هذا الحديث وغيره مما يبين وجوب قبول ما أعطيه الإنسان من غير سؤال، ولا إشراف نفس، وبه قال أحمد وغيره، وحمل الجمهور على الاستحباب والإباحة اهـ انظر الباب 49 من سراج الملوك والموفي خمسين. النظر في المظالم (العدلية) قال المرجاني في وفية الأسلاف ص 366: النظر في المظالم وظيفة أوسع من وظيفة القاضي، ممتزجة من السطوة السلطانية ونصفة القضاة، بعلو بيّن وعظيم رغبة، تقمع الظالم من الخصمين. وتزجر المتعدي ويمضي ما عجز القضاة ومن دونهم عن إمضائه، ويكون نظره في البينات والتقرير واعتماد القرائن، والأمارات وتأخير الحكم في استجلاء الحق، وحمل الخصم على الصلح، واستحلاف الشهود. وكان الخلفاء يباشرونها بأنفسهم؛ إلى أيام المهتدي بالله، وربما سلموها إلى قضاتهم اهـ.   (1) رواه أبو داود في كتاب الخراج والإمارة، باب في أرزاق العمال: ج 3 ص 353، 354 وأوله: من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول. (2) رواه أبو داود في كتاب الخراج والإمارة، باب في أرزاق العمال: ج 3 ص 353، 354 وأوله: من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول. (3) انظر سنن أبي داود 3/ 353. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 هذه الوظيفة كان يليها المصطفى بنفسه، لأنه كان ينتقد أحكام قضائه وعماله ويناقشهم. لما تكلم الشهاب أحمد النويري في نهاية الارب على ولاية المظالم قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المظالم في الشرب الذي تنازعه الزبير بن العوام، ورجل من الأنصار، في شراج (جمع: شرج بالفتح وهو مسيل الماء من الحرّة إلى السهل) ، فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه اهـ انظر ص 268 ج 6، وكذلك الخلفاء من بعده، كما ذكر المرجاني وناهيك بما سبق. وفي سيرة عمر من هذا الباب كثير وناهيك بما كان يفعله كل سنة في الحج الأكبر من تقصيه البحث عن أعمال الولاة، وسؤاله الناس بنفسه عن عمالهم وحكامهم، انظر ما سبق في باب المحاسبة. وذلك أصل مجالس الاستئناف والعدلية. وفي ص 109 من الجزء الثالث من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المدائني: وقال عمر في خلافته: لئن عشت إن شاء الله لأسيرنّ في الرعية دولا، فإني أعلم أن للناس حوائج تقتطع دوني، أما عمالهم فلا يرفعونها إليّ، وأماهم فلا يصلون إليّ. أسير إلى الشام فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الجزيرة، فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى مصر، فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البحرين، فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الكوفة، فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البصرة، فأقيم بها شهرين، والله لنعم الحول هذا. وقال: وقد خطب الناس والذي بعث محمدا بالهدى: لو أن جملا هلك ضياعا بشط الفرات خشيت أن يسأل الله آل الخطاب. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يعني بال الخطاب نفسه ما يعني غيرها اهـ. وفي سيرة عمر أيضا أنه أول من عيّن شخصا مخصوصا لاقتصاص أخبار العمال، وتحقيق الشكايات التي تصل إلى الخليفة من عماله، وهو محمد بن مسلمة اهـ. وفي سراج الملوك للطرطوشي: كان عمر إذا أحب أن يؤتي بالأمر كما هو عليه بعثه اهـ. وأخرج ابن راهواه والحارث بن أبي أسامة، ومسدد، قال السيوطي: في الجمع: وصحح عن عبد الله بن بريدة في خطبة ربيع بن زياد، بين يدي عمر بن الخطاب، بمحضر الوفود، وإيثار عمر له بولايته وأنه قال في الملأ: لا يأتينّ عليكم وال إلا تعاهدت منه عمله، وكتب إليّ بسيرته في عمله، حتى كأني أنا الذي أستعمله. انظر ص 36 من ج 7 من كنز العمال. وفي سراج الملوك للطرطوشي قال إبراهيم النخعي: كان عمر إذا قدم عليه الوفد سألهم عن حالهم وأسعارهم، وعمن يعرف من أهل البلاد، وعن أميرهم هل يدخل عليه الضعيف؟ وهل يعود المرضى؟ فإن قالوا: نعم. حمد الله. وإن قالوا: لا. كتب إليه أن أقبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 وفيه أيضا: كان عمر بن الخطاب يأمر إذا قدم عليه العمال أن يدخلوا نهارا، ولا يدخلوا ليلا كي لا يحتجنوا شيئا من الأموال. وعزى العقباني في تحفة الناظر لجامع الموطأ أن عمر بن الخطاب: كان يذهب إلى العوالي كل يوم سبت، فإذا وجد العبد في عمل ثقيل، لا يطيقه. وضع عنه منه بقدر ما يظهر له. وفي العتبية قال مالك: إن عمر بن الخطاب مرّ بحمار عليه لبن فوضع عنه طوبتين، فأتت سيدته لعمر فقالت: يا عمر، ما لك ولحماري؟ ألك عليه سلطان؟ قال: فما يقعدني في هذا الموضع؟ ثم ذكر القصة في خروجه إلى الحوائط بالعوالي. قال ابن رشد: المعنى في هذا بيّن، لأن المصطفى عليه السلام قال: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته. وقد قال عمر في هذا: لو مات جمل بشاطىء الفرات ضياعا، لخشيت أن يسألني الله عنه اهـ من البيان والتحصيل. وبذلك كله تعلم ما في الخطط للمقريزي: أول من نظر في المظالم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأوّل من أفرد للظلامات يوما بتصفح قصص المتظلمين من غير مباشرة النظر عبد الملك بن مروان، ثم زاد الجور فكان عمر بن عبد العزيز أوّل من ندب نفسه للنظر في المظالم فردها، ثم جلس لها خلفاء بني العباس اهـ أيضا ما في قول النويري في نهاية الإرب: لم ينتدب أحد من الخلفاء للمظالم، وإنما كانت المنازعات تجري بين الناس فيفصلها حكم القضاة اهـ فإنهم غفلوا جميعا عن سيرة المصطفى وعمر وبذلك كله تعلم ما في نقل الخزاعي في هذه الترجمة، عن ابن العربي في الأحكام من أن هذه الولاية غريبة محدثة، فإنه غفلة منه، عما نقله بنفسه عن الكلاعي في الاكتفاء في باب محاسبة أبي بكر عماله، وكذا قول النويري في النهاية: لم ينتدب أحد للمظالم من الخلفاء، وإنما كانت المنازعات تجري بين الناس فيفصلها حكم القضاء. تنبيه: في تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية للزركشي؛ أن عمر بن الخطاب أوصى حين كتب عهده، أنه لا يولّى العامل أكثر من عامين، استشهد بذلك حين ذكر عن الشيخ أبي محمد عبد الواحد الغرياني عمن يوثق به، أن من عادة الموحدين قديما بتونس، أنهم كانوا لا يولون القضاء أكثر من عامين. وأيضا فإنهم يرون أن القاضي إذا طالت مدة قضائه أكثر الأصحاب والإخوان، وإذا كان بمظنة العزل لا يغتر، وأيضا فإن الحال إذا كان هكذا ظهرت مخايل المعرفة بين الأقران، وكثر فيهم القضاة بتدربهم على الوقائع فيبقى الحال محفوظا، بخلاف ما إذا استبد الواحد بعمل؛ فإنه لا يقع فيهم تناصف، ولا يحصل لمن يلي بعده النفوذ بوظيفة ما قدم إليه إلا بعد حين وتنطمس القلوب الطلبة كذا لا ياسهم من الولاية إلا بعد مشقة اهـ منه ص 44. وفي طبقات ابن سعد: أن عمر كان إذا بعث عاملا على مدينة كتب ماله، وقد قاسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 غير واحد منهم ماله إذا عزله، منهم سعد بن أبي وقاص وأبو هريرة. وكان يستعمل الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثل عمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، ويدع من هو أفضل منهم، مثل عثمان وعلي وطلحة والزبير، وعبد الرحمن بن عوف ونظرائهم «1» لقوة أولئك على العمل، والبصر به ولإشراف عمر عليهم، وهيبتهم له، وقيل له: مالك لا تولي الأكابر من أصحاب المصطفى عليه السلام فقال: أكره أن أدنسهم بالعمل اهـ. باب أين كان يجلس القاضي للحكم والفصل وفي الهداية من كتب الحنفية: أنه عليه السلام كان يفصل الخصومات في معتكفه، قال الحافظ بن حجر في اختصار نصب الراية: كأنه يشير إلى حديث كعب بن مالك: أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا في المسجد، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف سجوف حجرته فناداه يا كعب: أن ضع الستر وفي الباب حديث ابن عباس: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ جاء رجل فقال: أقم علي الحد وفي حديث سهل بن سعد في قصة المتلاعنين قال: فتلاعنا في المسجد، وأنا شاهد عليه، وفي الهداية أيضا روي أن الخلفاء الأربعة الراشدين كانوا يجلسون في المسجد لفصل الخصومات، قال الحافظ في تخريج أحاديثها: فيه آثار؛ منها ما ذكره البخاري قال: ولا عن عمر عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقضى مروان على زيد بن ثابت بالمنبر اهـ. وقال الجمال الزيلعي في نصب الراية عن ابن تيمية، في المنتقى على حديث كعب: فيه جواز الحكم في المسجد اهـ. وفي الصحيح: «2» باب من قضى ولا عن في المسجد ولا عن عمر عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقضى شريح والشعبي ويحيى بن يعمر في المسجد، وقضى مروان على زيد بن ثابت باليمين عند المنبر اهـ وفي الهداية أيضا؛ قال عليه السلام: إنما بنيت المساجد لذكر الله وللحكم. قال الزيلعي غريب بهذا اللفظ اهـ. وقال الحافظ ابن حجر في اختصاره: لم أجده هكذا اهـ منه وفي التيسير في أحكام التسعير: للقاضي ابن سعيد المجيلدي: وقد كان بعض أصحاب الشافعي لما قدم لها أي الحسبة ببغداد، أقام قاضيا وجده يقضي في المسجد، فقال له ألم تسمع قوله تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [النور: 36] . ولكن هذا يخالف ما روي من استحباب مالك الجلوس للقاضي في المسجد؛ ليتوصل إليه القوي والضعيف والصغير والكبير اهـ.   (1) إن أكابر الصحابة هم بمثابة رجال الشورى للخليفة، فمهمتهم أكبر ورتبتهم أعظم من رتبة العمال والولاة. والله أعلم. مصححه. (2) انظر كتاب الطلاق 6/ 179 باب 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 وقال في المدونة: القضاء في المسجد من الأمر القديم، وفي الحق والصواب. قال مالك: لأنه يرضى فيه بالدون من المجلس. وهو أقرب على الناس في شهودهم، ويصل إليه الضعيف والمرأة نقله ابن فرحون في تبصرته، وفيها أيضا عن ابن حبيب: أحب إليّ أن يجلس في رحاب المسجد اللاصقة به، من غير تضييق بالجلوس في غيرها، وما كان من مضى يجلسون إلا في رحاب المسجد، خارجا عنه. أما عند مواضع الجنائز يريد بالمدينة المنورة؛ وهو الآن الموضع المعروف بمصلى الجنائز خارج باب جبريل، وإما في رحبة دار مروان، وهي التي تسمى رحبه القضاء. وقد جعل ذلك في هذا الوقت ميضأة، وهي على باب السلام. قال ابن أبي زيد: واحتج بعض أصحابنا في قضاة المسجد بقوله تعالى: وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ [ص: 21] . فدل على أن حكم الحكومة وقعت عنده في مسجده. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في المسجد، وفيها أيضا عن تنبيه الحكام لابن المناصف: يكره للقاضي الجلوس في داره، وقد أنكره عمر بن الخطاب على أبي موسى الأشعري، وأمر بإضرام داره عليه نارا، فدعا واستقال ولم يعد إلى ذلك اهـ. وفي تاريخ ابن عساكر عن أبي صالح مولى العباس قال: أرسلني العباس إلى عثمان أدعوه فأتيته في دار القضاء، قال بعضهم: إذا صح هذا يكون عثمان هو أول من اتخذ في الإسلام دار القضاء اهـ. وفي جامع التحصيل لابن رشد: المساجد إنما وضعت لذكر الله، قال الله فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النور: 36] فوجب أن ترفع وتنزه ولا تتخذ لغير ما وضعت له، وقد اتخذ عمر بن الخطاب رحبة بناحية المسجد تسمى البطحاء، فقال: من كان يريد أن يلغط أو ينشد شعرا أو يرفع صوتا فليخرج إلى هذه الرحبة. باب في الشهادة وكتابة الشروط «أمر الله تعالى بالكتاب والإشهاد في بيوع الآجال فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ. ثم قال: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ؛ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى [البقرة: 282] وكذلك أمر سبحانه بالإشهاد في الطلاق والرجعة وعلى الزنى» . ومع ذلك قال اللسان ابن الخطيب في رسالته «مثلى الطريقة في ذم الوثيقة» : أن الصحابة لم ينقل عنهم أن شاهدا اتخذ حانوتا وطلب على الشهادة أجرا، إنما كان الناس يشهدون بينهم، ويستوثقون بخيارهم وفضلائهم. وفي قوله عز وجل: فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ [البقرة: 282] في آية الدين وكتابته دليل على أن المقصود غير متخذي الدكاكين؛ لبعد ذلك وامتناعه في حق المرأة اهـ منها. وقد أخرج الترمذي «1» عن عبد الحميد بن وهب قال: قال لي العداء بن خالد بن هوذة: ألا أقرئك كتابا كتبه لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: بلى. فأخرج لي كتابا: هذا ما اشترى العداء بن خالد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، اشترى منه عبدا أو أمة لاداء ولا غائلة. يعني خديعة ولا خبثة (وما كان طيب الأصل وكل حرام خبيث) بيع المسلم للمسلم قال الترمذي حديث حسن غريب. وفي الصحيح هذا ما اشترى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من العداء بن خالد بيع المسلم المسلم، لاداء ولا خبثة، ولا غائلة. قال قتادة: الغائلة الزنى والسرقة والإباق «2» . قال عياض في المشارق: وهو مقلوب إذ العداء هو المشتري، ولا يبعد أن يكون من باب: شرى واشترى، وباع وابتاع، بمعنى يستعملان جميعا ونحوه للزركشي نقلا عن المطرزي وغيره، قال: وهو عكس ما ذكره البخاري هنا. وزاد الدماميني: أو يحمل على تعدد الواقعة فلا معارضة اهـ. وقال ابن زكريا: الظاهر أن هذا لفظ الوثيقة المكتوبة، المشتملة على بيان الثمن والمثمن اهـ وشرح ابن العربي على ما وقع في الترمذي فقال: فيه البداءة باسم المفضول في الشروط إذا كان هو المشتري. قال: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وهو ممن لا يجوز عليه نقض عهده لتعليم الخلق قال: ثم ذلك على سبيل الإستحباب؛ لأنه قد يتعاطى صفقات كثيرة بغير عهدة، وفيه كتاب الإسم واسم الأب والجد، إلا أن يكون مشهورا بصفة تخصه ولذلك قال: محمد رسول الله فاستغنى بصفته عن نسبه، ونسب العداء بن خالد. «وعبارة الخزاعي هنا: وإذا ثبت هذا كان حجة لمن يرى من الموثقين تقديم الأشرف بائعا كان أو مشتريا» . سبقه إلى ذلك ابن الفخار، ففي ابن التلمساني على الشفا قال ابن العطار في وثائقه: من حق كاتب الوثيقة أن يقدم الشريف على المشروف، لمزيته بائعا كان أو مبتاعا. ورده ابن الفخار بنص الحديث؛ فإنه قدم فيه اسم المشروف على الشريف فتأمله اهـ من المنهل الأصفى. باب في شهادة الصبيان وكتابة أسمائهم في الكتب النبوية والعقود المصطفوية ذكر السهيلي كتابه عليه السلام لثقيف، وقد ساقه أبو عبيد في كتاب الأموال، وذكر فيه أي أبو عبيد شهادة على وابنيه الحسن والحسين، قال أبو عبيد: فيه من الفقه شهادة   (1) انظر كتاب البيوع ص 520/ 3 دون عبارة: وما كان طيب الأصل، وكان حرام خبيث. (2) رواه البخاري في كتاب البيوع باب 19 ص 10 ج 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 الصبيان وكتابة أسمائهم قبل البلوغ، وإنما تقبل شهادتهم إذا أدّوها بعد البلوغ. وفيها أيضا شهادة الابن أيضا مع شهادة أبيه في عقد واحد اهـ نقله في نور النبراس. باب في سياق عقد من عقود ذلك العصر الطاهر وهو عقد عتق أبي رافع مولاه عليه السلام قال القاضي ابن باديس، في شرح مختصر ابن فارس، نقلا عن العمدة لابي عبد الله التلمساني: الصحيح في اسمه أسلم لأجل عقد عتقه. ونصه بخط الحكم المنتصر بالله أمير المؤمنين بن عبد الرحمن الناصر المرواني: بسم الله الرحمن الرحيم كتاب من محمد رسول الله لفتاه أسلم إني أعتقك لله عتقا مبتولا الله أعتقك وله المن علي وعليك، فأنت حر لا سبيل لأحد عليك إلا سبيل الإسلام، وعصمة الإيمان شهد بذلك أبو بكر وشهد عثمان وشهد عليّ وكتب معاوية بن أبي سفيان كان في الكتاب معاوية اهـ ما كان بخط الحكم. قال الشيخ أبو عبد الله كتبته من منقول نقل من خط الحكم اهـ. فهذا عقد في عتق نبوي بنصه من الذخائر المكنونة، والكنوز الثمينة فتلقه شاكرا وللمغاربة ذاكرا، حيث إن كلا من الحكم المنتصر وصاحب العمدة وفوائد الدرر مغاربة، وكأنه لم يقف عليه أحد من أعلام المشرق فلذلك لا تراه في مدوناتهم الأثرية. وسيأتي في باب الوقف ما يقتضي أن الصحابة كانوا يكتبون أوقافهم وسياق بعض نصوصها فانتظره في محله. باب فيمن كان يكتب بين الناس في قبائلهم ومياههم في الزمن النبوي وفي العقد الفريد لابن عبد ربه: وكان زيد بن أرقم والعلاء بن عقبة، يكتبان بين القوم في قبائلهم ومياههم، وفي دور الأنصار بين الرجال والنساء اهـ ص 144/ 2. باب في ذكر من كان يكتب العقود والمعاملات زيادة على ما سبق «قال القاضي القضاعي في كتاب الأنباء: كان المغيرة بن شعبة والحصين بن نمير، وقيل: ابن بشر يكتبان المداينات والمعاملات. وقاله ابن حزم أيضا في كتاب: جوامع السيرة» . وذكر ذلك أيضا الحافظ في ترجمة حصين انظر ما سبق عنه. وفي ترجمة العلاء بن عقبة من الإصابة أيضا: قرأت في التاريخ المصنف للمعتصم بن صمادح أن العلاء بن عقبة، والأرقم كانا يكتبان بين الناس المداينات والعهود والمعاملات اهـ ص 25 ج 3. ومن عجيب الإتفاق أن ما كان يبحث عن جمعه وتدوينه الخزاعي في القرن الثامن وفق له أيضا أبو زيد العراقي الفاسي في أول القرن الثالث عشر فإنه في اختصاره للإصابة؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 يشير للإيقاف على أمثال هذه التراجم، فإنه في ترجمة العلاء، المذكور وقف بقلم غليظ ما نصه: من كان يكتب المداينات والمعاملات والعهود بين الناس. وفي شرح الشيخ الطيب بن كيران على ألفية العراقي في ترجمة الكاتب التاسع والثلاثين حصين بن نمير (مصغرين) هو والمغيرة كانا يكتبان المعاملات والمداينات ذكره القرطبي والقضاعي اهـ. فزاد العزو للقرطبي، وفي زمن التابعين قال مصعب: كما في طبقات الفقهاء للشيرازي: كان خارجة بن زيد وطلحة بن عبد الله في زمانهما، يستفتيان وينتهى إلى قولهما. ويقسمان المواريث بين أهلها من الدور والنخيل والأموال، ويكتبان الوثائق للناس. وبذلك كله وما سبق في التراجم قبل؛ تعلم ما في قول الإمام الرافعي في شرح الوجيز: كان النبي عليه السلام ومن بعده من الأئمة يحكمون ولا يكتبون المحاضر والسجلات اهـ. والعجب أن الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديثه المسمى بتلخيص الحبير، لم يتعقبه بأكثر من قوله؛ هو مستفاد من الأحاديث السابقة في هذا الكتاب، لكن قد كتب النبي صلى الله عليه وسلم لجماعة وأقطع لهم. وفي البخاري «1» من حديث أنس: أنه دعا الأنصار ليقطع لهم، وأراد أن يكتب لهم كتابا اهـ منه. وقد ألف الإمام لسان الدين والدنيا ابن الخطيب السلماني كتابه «مثلى الطريقة في ذم الوثيقة» مدّ فيه القلم في ذم الموثقين، وذكر مثالبهم بما لا يخلو عن مبالغة. وقد كتب الإمام حافظ المذهب أبو العباس الونشريسي صاحب المفيد على أوله بخطه: جامع هذا الكلام قد كدّ نفسه في شيء لا يعني الأفاضل، ولا يعود عليه في القيامة ولا في الدنيا بطائل، وأفنى طائفة من نفيس عمره في التماس مساوى طائفة بهم تستباح الفروج والبروج، وجعلهم أضحوكة لذوي الفتك والمجانة، وانتزع عنهم جلباب الصدق والديانة، سامحه الله وغفر له. قاله وخطه بيمنى يده عبد ربه أحمد بن يحيى بن محمد بن علي الونشريسي، خار سبحانه له اهـ بواسطة أزهار الرياض. وقد وقعت إليّ نسخة من رسالة ابن الخطيب بخط العلامة أبي عبد الله محمد بن الطيب القادري الفاسي: وهي في نحو كراسين تتبعها الكاتب المذكور مرة بالنقد ومرة بذكر النظائر والمماثلات وذكر أنه نقلها من خط الونشريسي. تنبيه لشريح بن يونس كتاب القضاء ولابي عبيد كتاب القضاء وآداب الحكام، ولأبي   (1) انظر كتاب مناقب الأنصار باب 8 ج 4/ 225. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 بكر النقاش كتاب القضاة والشهود، ذكر هذه الكتب وأسانيدها الشيخ عابد السندي في حصر الشارد. انظر حرف القاف وصلة الرداني. باب في فارض الموارث ذكر من كان فارضا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم «في جامع الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفرضكم زيد، قال الترمذي: حسن صحيح. وفي الإستيعاب: كان زيد أحد فقهاء الصحابة الجلة الفرّاض» . وفي الإصابة أن ابن سعد يروي من طريق قبيصة قال: كان زيد رئيسا بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض اهـ. وفي مسند الدارمي «1» عن ابن شهاب: لو هلك عثمان وزيد في بعض الزمان لهلك علم الفرائض، لقد أتى على الناس زمان وما يعلمه غيرهما. وخرج أيضا عن مسلم: سألنا مسروقا: كانت عائشة تحسن الفرائض؟ قال: والذي لا إله غيره، لقد رأيت الأكابر من أصحاب محمد يسألونها عن الفرائض. وقال أبو يوسف الستاني في شرح التلمسانية: الإختيار أن يؤخذ في الفرائض بمذهب زيد بن ثابت، فإنه أفرض هذه الأمة، بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال السهيلي: وكان عمر أيام كان بالشام يكتب إلى زيد بن ثابت وهو بالمدينة، فيبدأ باسمه قبل اسمه. وحين أشكلت عليه مسألة الجد مشى بنفسه إلى منزل زيد يستفهمه فيها اهـ. وروى عاصم الأحوال عن الشعبي قال: غلب زيد الناس على اثنين؛ الفرائض والقرآن. ذكره الذهبي في التذكرة. ونقل فيها أيضا عن سليمان بن يسار قال: ما كان عمر وعثمان يقدمان على زيد أحدا في الفتوى والفرائض والقراءة اهـ. وانظر ما يأتي في القسم العاشر في فصوله. وفي كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام؛ أن عمر بن الخطاب خطب في الناس بالجابية فقال: من أراد أن يسأل عن المال فليأتني، فإن الله قد جعلني له خازنا وقاسما، إني بادىء بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فمعطيهن. وترجم في القسم الثالث من الإصابة للأكيدر بن حمام اللخمي: وذكر أن له إدراكا ثم نقل عن أبي عمر الكندي في كتاب الخندق؛ أنه كان ذا دين وفضل وفقه في الدين وجالس الصحابة. وروى عنهم وهو صاحب الفريضة التي تسمى الأكدرية. ثم ذكر عن ابن أبي شيبة أنه قيل للأعمش: لم سميت الفريضة الأكدرية فقال: طرحها عبد الملك بن مروان على رجل يقال له الأكدر، وكان ينظر في الفرائض فأخطأ فيها. قال وكيع: وكنا نسمع قبل ذلك أن قول زيد بن ثابت تكدر فيها. قال الحافظ: فلعلّ عبد الملك طرحها على الأكدر   (1) انظر مسند الدارمي ج 2 ص 645 أو كتاب الفرائض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 قديما وعبد الملك يطلب العلم بالمدينة. وترجم فيها أيضا عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي فذكر أن مسلما خرج عن علي؛ أن عمر قال لنافع بن عبد الحارث الخزاعي: من استعملت على مكة؟ قال: عبد الرحمن بن أبزى. قال استعملت عليهم مولى؟ كما في الإصابة قال إنه قارىء لكتاب الله عالم بالفرائض. وترجم فيه أيضا لعقبة بن عامر الجهني فنقل عن ابن يونس: كان قارئا للقرآن عالما بالفرائض والفقه، فصيح اللسان شاعرا كاتبا. وفيها في ترجمة عائشة قال أبو الضحى عن مسروق: رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر بسألونها عن الفرائض. باب في الوكيل في غير الأمور المالية ذكر من وكله رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذكر ابن العربي في الأحكام له أن النبي صلى الله عليه وسلم، وكّل عمرو بن أمية الضمري، على عقد نكاح أم حبيبة بنت أبي سفيان عند النجاشي، ووكّل أبا رافع على نكاح ميمونة في إحدى الروايتين. وقصة توكيل عليّ رضي الله عنه عبد الله بن جعفر، على طلحة بن عبيد الله في شأن ضفير بين ضيعتهما فتنازعا في الخصومة أمام عثمان قصة عجيبة، ذكرها ابن رشد في البيان والتحصيل» . وجدتها لابن رشد في جامع البيان والتحصيل أيضا، في كتاب الجامع الرابع تحت عنوان: إن الإمام لا ينظر في أمر قد قضى فيه من قبله من الأيمة العدول، وعنه سقتها في باب الزراعة في القسم التاسع، إذ رأيت القصة هناك أنسب فارجع إليها هناك. باب في ذكر البصير بالبناء وهو الرجل يكون له البصر بالبناء يبعثه الإمام يحكم بين المتنازعين فيؤخذ بقوله ذكر من كان كذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذكر أبو عمر في الأستيعاب، في ص 97 من الجزء الأول عن جارية بن ظفر اليمامي؛ أن دارا كانت بين أخوين فحظرا في ذلك حظارا، والحظار كل شيء مانع بين شيئين فهو حظار، ثم هلكا وتركا عقبا فأدعى عقب كل منهما أن الحظار له من دون صاحبه، فاختصم عقباهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل حذيفة بن اليمان يقضي بينهما، فقضى بالحظار لمن وجد معاقد القمط تليه، ثم رجع فأخبر مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أصبت أو أحسنت. وأصله في تاريخ البخاري» . القصة مخرجة أيضا في طبقات ابن سعد في ترجمة جارية المذكور بلفظ: إن قوما اختصموا في خص، فارتفعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث معهم حذيفة، فقضى به حذيفة للذين يليهم القمط، فرجع إلى النبي فذكر ذلك له فأجازه انظر ص 403 من الجزء الخامس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 والخص كما في القاموس بالضم، البيت من القصب، أو البيت يسقف بخشبة كالأزج جمع خصاص وخصوص. وفي ترجمة العلاء بن عقبة من الإصابة ذكره المرزباني فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعثه هو والأرقم في دور الأنصار اهـ. وقد وقع لأبي زيد العراقي إجحاف في اختصار هذا المحل من الإصابة فإنه قال ما نصه: العلاء بن عقبة ممن كان في عهد عمرو بن حزم، وبعثه مع الأرقم لدور الأنصار اهـ وعبارة الأصل تفيد ما لم يفده الإختصار فتأمله. وفي ترجمة تميم بن أسد الخزاعي من طبقات ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه عام الفتح فجدّد أنصاب الحرم. وفي ترجمة الصحابي مخرمة بن نوفل؛ من تهذيب النووي: كان له سن وعلم بأيام الناس وبقريش خاصة، وهو أحد من أقام أنصاب الحرم في خلافة عمر بن الخطاب، أرسله عمر وأزهر بن عبد عوف وسعيد بن يربوع، وحويطب بن عبد العزي فجددوها اهـ منه. ونحوه في ترجمة المسور بن مخرمة من التهذيب أيضا. وفي الخطط للمقريزي: قال القضاعي: ولما رجع عمرو من الأسكندرية، ونزل موضع فسطاطه انضمت القبائل بعضها إلى بعض فتنافسوا في المواضع فولى عمرو على الخطط معاوية بن خديج التجيبي، وشريك بن سمي الغطيفي، وعمر وقحزم الخولاني وحيويل بن ناشرة المعافري «1» ، وكانوا هم الذين أنزلوا الناس، وفصلوا بين القبائل. وذلك في سنة أحدى وعشرين اهـ. وإن تعجب فاعجب لقول «بطلر» أحد المشتغلين بتاريخ الإسلام من الأوروبيين: الظاهر أن الذي قام بتنفيذ هذا الأمر إنما هم القبط لدرايتهم بفن العمارة التي كان يجهلها العرب اهـ وما ذلك إلا من التعصب على العرب وإرادة طمس معلوماتهم وحب القضاء على آثارهم، وأي حاجة بقيت للتعقل بعد تصريح المقريزي بأسمائهم وأنسابهم، وفيما سيأتي في باب البناآت كفاية في الدلالة على علم العرب بالبناء الصحي الهندسي وأساليبه. معرفته عليه السلام وأهل الصدر الأول بأمور الهندسة والبناء وإصلاح الطرقات في طبقات ابن سعد: لما أقطع عليه السلام الدور بالمدينة، خطّ لعثمان بن عفان داره اليوم، ويقال: إن الخوخة التي في دار عثمان اليوم وجاه باب النبي عليه السلام، الذي كان المصطفى عليه السلام يخرج منه إذا دخل دار عثمان.   (1) انظر الجزء الأول من خطط المقريزي ص 297 طبعة دار صادر المصورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وفي أزهار الرياض للإمام أبي العباس المقري، نقلا عن خط أبي زيد عبد الرحمن الغرناطي؛ على هامش الشفا عند ذكر عياض أنه عليه السلام قال وهو بموضع: نعم موضع الحمام هذا. ما نصه: هو داخل في معرفته صلى الله عليه وسلم بالهندسة والبناء، ذكره أبو نعيم في رياضة المتعلمين. ورواه عن أبي رافع قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على موضع فقال: نعم: الحديث قال: فبني فيه الحمام اهـ. وقال الخفاجي في نسيم الرياض على هذا المحل: فيه الأخبار بحال البناء ومهابّ الأهوية اهـ وسيأتي في باب المنادي: عن سنن أبي داود «1» أن النبي صلى الله عليه وسلم: بعث أن ينادى في معسكره: أنّ من ضيّق منزلا أو قطع طريقا فلا جهاد له، وذلك لما ضيق الناس المنازل وقطعوا الطرق. فيؤخذ منه أنه عليه السلام كان يحب النظام حتى في نصب الأخبية في السفر، فكيف لا يحب ذلك في محل الأستيطان والبناء المشيد؟ قال شارح السنن: فيه أنه لا يجوز لأحد تضييق الطريق التي يمر منها الناس، ونفي جهاد من فعل ذلك على طريق المبالغة في الزجر والتنفير، وكذلك لا يجوز تضييق المنازل لما في ذلك من الأضرار اهـ. وفي سيرة عمر أنه لما أذن ببناء البصرة والكوفة؛ خطوا الشوارع على عرض عشرين ذراعا، وطول أربعين ذراعا، والأزقة تسعة أذرع، والقطائع ستين ذراعا. وبنوا المسجد الجامع بالوسط بحيث تتفرع الشوارع، وذلك بأمر عمر رضي الله عنه، وهذا يدل على نفاق سوق الهندسة حتى في البناء في الزمن الأول سفرا وحضرا وتخطيطا، وفي سيرة عمر أيضا: أنه لما جاء الشام سنة 17 رتب الشواتي والصوائف؛ أي الجنود التي تغزو في الصيف والجنود التي تغزو في الشياء، وسد فروج الشام ومساكنها وهي: النقط العسكرية وخطوط الدفاع. وفي فتوح البلدان: أن معاوية كتب إلى عمر بعد موت أخيه يزيد يصف له سوء حال الشام، فكتب إليه في حرمة حصونها وترتيب المقاتلة فيها، وإقامة الحرس على مناظيرها، واتخاذ المواقيد لها (والمناظير قباب مبنية على رؤوس الجبال العالية، وبين كل بلد وآخر بحيث يتقارب بعضها، ويشرف بعضها على بعض، ويقام فيها حراس يوقدون النيران عند ما يرون إقبال العدو من جهتهم، فيوقد حراس المناظير الذين يلونهم كذلك، وهكذا حتى يصل الخبر إلى المدينة، أو الثغر أو المسلحة في زمن قليل، فيسرعون لإمداد الجهة التي أقبل منها العدو، وهذا كذلك يدل على نفاق أسواق الهندسة في البناآت الحربية، والمراكز العسكرية) . وفي فتوح البلدان أيضا: أن عمر كان يشترط على أهل الذمة إصلاح الجسور والطرق.   (1) انظر ج 3/ 95 من كتاب الجهاد باب 88. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وفي باب المفعول فيه من حاشية ابن غازي على الألفية «لطيفة» ذكر أبو حيان عن السهيلي عن قاسم بن ثابت قال: سمي الميل ميلا لأنهم كانوا ينصبون على الطرق أميالا كانوا يعرفون بها الخطى التي مشوها، فيجعلون على رأس كل ثلاث آلاف ذراع بناء كهيئة الميل، يكتبون فيه العدد الذي مشوه. وقال هشام لأعرابي كان يسير معه: أنظر في الميل كم مشينا، وكان الأعرابي أميا لا يقرأ فنظر ثم جاء فقال: فيه مخطف وحلقة وثلاثة كأطباء الكلبة، وهامة كهامة القطا، فضحك هشام. وعلم أن في الميل خمسة اهـ وهذا يدل على عبرهم للطرق وضبطهم المسافات للذاهب والجائي ومعقول أنهم ما عرفوا وعبروا بالفرسخ والميل، حتى كتبوا الأعداد ورسموها خشية الغلط. وانظر المصباح المنير للفيومي. وفي الخطط للمقريزي ص 339 الجزء الأول أن عبد العزيز بن مروان، كانت له وهو على مصر ألف جفنة كل يوم تنصب حول داره، وكانت له مائة جفنة يطاف بها على القبائل على العجل اهـ وهذا يدل على نجر الطرق وترصيفها، لتجري فيها العجل. باب في القسام «قال ابن إسحاق: كانت المقاسم على أموال خيبر، وكانت عدة الذين قسمت عليهم أموال خيبر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألفي سهم وثمانمائة سهم برجالهم وخيلهم، الرجال أربع عشرة مائة، والخيل مائتا فرس، فكان لكل فرس سهمان ولفارسه سهم، ولكل رأس سهم جمع إليه مائة رجل فكانت ثمانية عشر سهما» . باب في المحتسب في المحكم: أحتسب فلان؛ أنكر عليه قبيح عمله، وأنه يحسن الأمر (أي جيد التدبير والنظر) وفيه فصول: فصل فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحسبة «خرج الترمذي عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على صبرة من طعام؛ (الصبرة واحدة صبر الطعام، يقال: اشتريت صبرة أي بلا وزن ولا كيل) فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال: يا صاحب الطعام ما هذا؟ قال أصابته السماء يا رسول الله. قال: أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟ ثم قال: من غش فليس منا قال الترمذي حسن صحيح [ج 3/ 606 من كتاب البيوع باب 74] . فصل فيمن ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر السوق وكيف كان يضرب من يعمل بالرّبا في الأسواق على عهده صلى الله عليه وسلم «في الصحيح عن ابن عمر أنهم كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه حتى ينقلوه حيث يباع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الطعام «1» ، وفيه أيضا عن سالم عن أبيه: رأينا الذين يبيعون الطعام مجازفة (والمجازفة بيع الشيء بغير كيل ولا وزن ولا عدد) يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه، حتى يذهبوا به إلى رحالهم. قال ابن عبد البر في الإستيعاب: إستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم سعيد بن سعيد بن العاص بعد الفتح على سوق مكة» . قلت: ترجمه في الإصابة وذكر أن ابن شاهين ذكر عن بعض شيوخه: أن إسلامه كان قبل الفتح بيسير، فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على سوق مكة، وفي الإستيعاب: سمراء بنت نهيك الأسدية أدركت النبي صلى الله عليه وسلم، وعمرت، وكانت تمر في الأسواق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتنهى الناس عن ذلك بسوط معها. وفي التيسير في أحكام التسعير للقاضي أبي العباس أحمد بن سعيد: من شرط المحتسب أن يكون ذكرا إذ الداعي للذكورة أسباب لا تحصى وأمور لا تستقصى، ولا يرد ما ذكر ابن هارون: أن عمر ولى الحسبة في سوق من الأسواق امرأة تسمى الشفاء، وهي أم سليمان بن أبي حثمة الأنصارية، لأن الحكم للغالب والنادر لا حكم له. وتلك القضية من الندور بمكان، ولعله في أمر خاص يتعلق بأمور النسوة اهـ. عبارة ابن عبد البر: وكانت تمر في الأسواق، وتنهى عن المنكر، وتنهى الناس. صريحة في خلاف تأويله؛ نعم: عبارته كالصريحة في أنها لم تولّ ذلك في زمنه عليه السلام، ويؤيده ما في جمهرة ابن حزم: كان عمر إستعملها على السوق. وفي أحكام القرآن لابن العربي على قوله تعالى: إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ [النمل: 23] وقد روي أن عمر قدم امرأة على حسبة السوق ولم يصح، قلا تلتفتوا إليه. وإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث اهـ منها. ومما سبق عن ابن عبد البر من الجزم بما ذكر في ترجمة سمراء. وعن القاضي ابن سعيد من توجيه أن ولايتها كانت في أمر خاص يتعلق بأمر النساء ما ينحلّ به إيراد ابن العربي، وإلا فهو وجيه؛ لأن المرأة كما قال هو أيضا في الأحكام لا يتأتى لها أن تبرز إلى المجالس، وتخالط الرجال وتفاوضهم مفاوضة النظير للنظير، لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها، وإن كانت متجألة برزة لم يجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم ولم يعلم قط من تصور هذا ولا أعتقده اهـ منها. وفي التيسير لابن سعيد أيضا: إعلم أن الحسبة من أعظم الخطط الدينية، فلعموم مصلحتها وعظيم منفعتها، تولى أمرها الخلفاء الراشدون. لم يكلوا أمرها إلى غيرهم، مع ما كانوا فيه من شغل الجهاد، وتجهيز الجيوش للمكافحة والجلاد اهـ منه.   (1) انظر كتاب البيوع باب 49 ص 20/ 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وفي السيرة الحلبية ص 354 من الجزء الثالث في ذكر من ولي السوق في زمنه صلى الله عليه وسلم؛ أن هذه الولاية تعرف بالحسبة ومولّاها بالمحتسب، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إستعمل سعيد بن العاص بعد الفتح على سوق مكة، واستعمل عمر على سوق المدينة اهـ وبذلك تعلم ما في قول القلقشندي في صبح الأعشي: أول من قام بهذا الأمر يعني الحسبة وصنع الدرة عمر بن الخطاب في خلافته اهـ من ص 452 من الجزء الخامس فإن كان مراده الأولية في كل منهما مع التقييد بمدة خلافة عمر فلا إشكال أنه تقصير، لأن عمر كان يحمل الدرة في العهد النبوي، كما أن تكليفه بالسوق كان في زمنه عليه السلام. كما كلف غيره بذلك إذ ذاك. وفي كشف الظنون: علم الإحتساب علم باحث عن الأمور الجارية بين أهل البلد من معاملاتهم، اللاتي لا يتم التمدن بدونها، من حيث إجراؤها على القانون المعدل، بحيث يتم التراضي بين المتعاملين، وعن سياسة العباد بنهي المنكر وأمر المعروف، بحيث لا يؤدي إلى مشاجرات وتفاخر بين العباد بحسب ما رآه الخليفة من الزجر والمنع، ومباديه بعضها فقهي، وبعضها أمور استحسانية، ناشئة من رأي الخليفة. والغرض منه تحصيل الملكة في تلك الأمور، وفائدته: إجراء أمور المدن في المجاري على الوجه الأتم وهذا أدق العلوم، ولا يدركه إلا من له فهم ثاقب، وحدس صائب، إذ الأشخاص والأزمان والأحوال ليست على وتيرة واحدة، بل لا بد لكل واحد من الأزمان والأحوال سياسة خاصة، وذلك من أصعب الأمور. فلذلك لا يليق بمنصبها إلا من له قوة قدسية مجردة عن الهوى، كعمر بن الخطاب. كان عالما في هذا الشأن. كذا في موضوع لطف الله اهـ وفيه عدة تاليف، ذكرت في حروفها من كشف الظنون فانظره. «مهمة» يعوز كثيرا من العلماء تحرير القول في الدرة، التي كان سيدنا عمر يحملها ويضرب المستحق بها في مدة حسبته وخلافته. ولم أر من حرر القول فيها كشيخنا الأستاذ الوالد في كتابه المسمى «التوفيق من الرب القريب. في عدد شيب وخضاب النبي الحبيب» وهذا ملخص ما له فيها: ما اشتهر من أن سيدنا عمر كانت له درة صحيح وقع ذلك في كتاب العتق، وكتاب الديات من صحيح البخاري، وفي الأخير. وأقاد عمر من ضربه بالدرة، ولم يبين حقيقة هذه الدرة عياض في المشارق، وابن الأثير في النهاية، ولا شروح البخاري كالحافظ، والزركشي، والسيوطي وغيرهم. واقتصر في القاموس والصحاح والمصباح ولسان العرب والمخصص لابن سيدة على ما لا يفيد، وعبارة الصحاح: الدرة التي يضرب بها اهـ وفي القاموس: قوله ممزوجا بشرحه درة السلطان التي يضرب بها. وقال الخفاجي في شرح الشفا: الدرة بكسر الدال وتشديد الراء المهملتين: وهي سوط عريض يضرب به اهـ وقال أبو عبد الله جسوس على تصوف ابن عاشر: ذكر بعض شرّاح الرسالة أن عمر كان إذا جنّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 عليه الليل حاسب نفسه، وربما ضرب نفسه بالدرة قال: ولعلها عود في رأسه سوط اهـ؛ وكلام الفقهاء في باب الشرب صريح في المغايرة بينها وبين السوط: ففي المواق لدى قول خليل: والحدود بسوط من المدونة. ولا يجزي الضرب في الحدود بقضيب وشراك ولا درة، ولكن السوط، وإنما كانت درة عمر للأدب اهـ ونحوه للحطاب وغيره. وأغرب صاحب الفتح الرباني في عنق المعترض على القطب الجيلاني حيث قال: كان عمر كثيرا ما يؤدب الناس بالسوط المشهور بالدرة، وهو بكسر الدال: جلد مركب بعضه على بعض اهـ ومثله في الغرابة ما وجدته بخط الشيخ مصطفى بن محمد البناني المصري على هامش تأليفه: روضة الطالبين لأسماء الصحابة البدريين، ونصه: الدرة بكسر الدال وتشديد الراء؛ كانت من نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل أنه ما ضرب بها أحد على ذنب وعاد له فاعله اهـ. وقال الدسوقي في حواشيه على شرح الدردير على المختصر: الدرة سوط رفيع مجدول أي معتدل من الجلد اهـ ونحوه للصاوي في حواشيه على أقرب المسالك، وفيه أيضا أنها كانت من جلد مركب بعضه فوق بعض اهـ وهو بعيد عندي؛ لأنها تدخل إذ ذاك فيما في صحيح مسلم، ومسند أحمد عن أبي هريرة، رفعه: «صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس» . «1» وفي حديث آخر لمسلم: «إن طالت بك مدة يوشك أن ترى قوما يغدون في سخط الله، ويروحون في لعنة الله، في أيديهم مثل أذناب البقر» . «2» قال المناوي قوله: كأذناب البقر تسمى في ديار العرب بالمقاريع، جمع مقرعة وهو جلدة طرفها مشدودة وعرضها كالأصبع يضربون بها الناس اهـ ونحوه في روح البيان. أقول: اتخاذ عمر لها للإذن له في حملها، والضرب على حسب ما حدّ له، فلم يكن يصل في الضرب بها إلى حد ما أنذر به الشارع، وكما كانت الدرة لعمر كانت لعثمان أيضا، إلا أنها أشد من الدرة العمرية كما في أوائل السيوطي وغيره. وفي سراج الملوك للطرطوشي قال الحسن: رأيت عثمان بن عفان وقد جمع الحصباء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رأسه، وقد وضع أحد جانبي ردائه عليه، وهو يومئذ أمير المؤمنين، ما عنده أحد من الناس ودرته بين يديه اهـ وكان لسيدنا علي أيضا درة فقد أخرج عبد بن حميد في مسنده عن مطرف قال: خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي من خلفي: إرفع إزارك فإنه أنقى لثوبك، وأبقى له فمشيت خلفه، وهو بين يدي مؤتزر بإزار مرتد برداء، ومعه الدرة كأنه أعرابي بدوي فقلت من هذا؟ فقال لي رجل: هذا علي بن أبي   (1) انظر مسلم: كتاب اللباس باب 34 ص 1680/ 2. (2) انظر كتاب الجنة ونعيمها باب 13 ج 3/ 2193. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 طالب أمير المؤمنين حتى انتهى إلى الإبل، فقال: بيعوا ولا تحلفوا، فإن اليمين تنفق السلعة وتمحق البركة، ثم أتى إلى أصحاب التمر، فإذا خادم يبكي فقال: ما يبكيك قال: باعني هذا الرجل تمرا بدرهم فرده على مولاي، فقال له علي: خذ تمرك وأعطه درهمه فإنه ليس له من الأمر شيء، فدفعه ... الحديث بطوله، فعلى هذا كانت الدرة للخلفاء الثلاثة، وقد رأيت من يطلق عليها درة السلطان يضرب بها. انظر ما سبق عن القاموس وشروحه. ثم وجدت في ابن سلطان على مسند أبي حنيفة: وصف السوط الذي ضرب به عمر في الحد أنه أتى بسوط فيه شدة فقال: أريد ألين من هذا، فأتي بسوط فيه لين، فقال: أريد أشدّ من هذا فأتى بسوط بين سوطين، وفي رواية فدعا بسوط، ثم أمر به فدقت تمرته بين حجرين حتى صارت درة، ثم نقل القاري المذكور عن القاموس تعريف الدرة بما سبق عنه وقال عقبه: لا يخفي أنه تعريف قاصر اهـ وهو كذلك. باب في المنادي وهو الذي يقال لصوته البريح «في الصحيح عن عبد الله بن عمر قال: لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي: إن الصلاة جامعة، وفي الصحيح أيضا عن أنس: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي ألا إن الخمر قد حرمت قال فجرت في سكك المدينة، وفي الصحيح أيضا عن زاهر الأسلمي قال إني لأوقد تحت القدور بلحوم الحمر إذ نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاكم عن لحوم الحمر. وفي سنن أبي داود عن معاذ الجهني قال غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم فضيق الناس المنازل وقطعوا الطريق فبعث المصطفى مناديا ينادي في الناس: إن من ضيق منزلا أو قطع طريقا فلا جهاد له «1» . وفي الإصابة روى ابن منده من طريق الوازع بن نافع عن أبي سلمة عن رفاعة قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أطوف في الناس. لا ينبذنّ أحد في المقيّر. وإسناده ضعيف. وترجم فيها أيضا لأوس بن الحدثان فذكر أن مسلما خرّج من طريق أبي الزبير، عن كعب بن مالك عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان يناديان أيام التشريق: إن أيام منى أيام أكل وشرب «2» . قال ابن منده هذا حديث صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وترجم فيها أيضا لبديل بن ورقاء الخزاعي فذكر أن أبا نعيم خرج عن أم الحارث بنت عياش بن أبي ربيعة أنها رأت بديل بن ورقاء يطوف على جمل أورق بمنى يقول: إن   (1) أخرجه في ج 395 في كتاب الجهاد باب 88. (2) رواه مسلم في كتاب الصيام باب 23 رقم الحديث 145 ص 800. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينهاكم أن تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب. ورواه البغوي أيضا. وفي رواية لإبن السكن أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بديلا فذكر نحوه. وترجم فيها أيضا لربيعة بن أمية بن خلف القرشي في القسم الرابع، فذكر عن ابن شاهين عن ربيعة المذكور قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أقف تحت صدر راحلته، وهو واقف بالموقف بعرفة، وكان رجلا حييا فقال: يا ربيعة قل: يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لكم: تدرون أي بلد هذا؟ الحديث. ولغيره أن المصطفى أمر أمية وهو الصواب. وقد وقع هكذا في الكلام على حجة الوداع من الفرائد قائلا بعد ذكر الخطبة: وكان الذي يصرخ في الناس بقوله صلى الله عليه وسلم، وهو على عرفة حينئذ ربيعة بن أمية بن خلف لكن قال بعد ذلك: وذكر أن الذي كان يصرخ بخطتبه عليه السلام ربيعة بن أمية بن خلف لم أقف على ترجمته في كتاب الصحابة لأبي عمر اهـ. وترجم فيها أيضا لسجيج فذكر عن ابن شاهين: أنه عليه السلام قال لعلي ومعاذ بن جبل وبديل بن ورقاء وسجيج أن: نادوا في الناس فانهوهم أن يصوموا أيام التشريق فإنها أيام أكل وشرب. باب في صاحب العسس بالمدينة وكان يسمى في المغرب قديما بالحاكم، وفي الأندلس بصاحب المدينة وفي تونس والقيروان بالعريف. واليوم بمقدمي الحارات، وفي خطط المقريزي: السلف كانوا يسمونها: الشرطة وبعضهم يقول: صاحب العسس. والعسس: الطواف بالليل لتتبع أهل الريب، يقول: عسّ يعس عسّا وعسسا اهـ. ذكر من ولي ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم «خرّج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة فقال: ليت رجلا يحرسنا الليلة، فبينما نحن كذلك إذ سمعنا خشخشة السلاح فقال: من هذا؟ قال: سعد بن أبي وقاص فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جاء بك قال سعد: وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال الترمذي: حسن صحيح، وكان المولّي ذلك في زمن أبي بكر عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وفي زمن عمر كان يتولى العسس بنفسه ويستصحب معه أسلم مولاه، وربما استصحب معه عبد الرحمن بن عوف» . وقد ذكر الخزاعي هنا أنه لم يجد نصا في متولى حراسة أبواب المدينة زمن الهرج في زمنه عليه السلام. «قال: لكنها نستخرج من حديث حراسة سعد. ثم نقل عن كشف مشكل الصحيحين لابن الجوزي في قصة ادّعاء طليحة بن خويلد للنبوة، وتواثب الناس فأمر أبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 بكر عليا بالقيام على نقب من أنقاب المدينة، وأمر الزبير بالقيام على نقب آخر، وأمر طلحة بالقيام على نقب آخر، وأمر عبد الله بن مسعود يعس ما وراء ذلك بالليل، ثم ترجم الخزاعي في الباب الخامس عشر في الرجل يكون ربيئة القوم (طليعة فوق شرف) في زمن الهرج وقال: هذا العمل كالعمل قبله في عدم النص في كونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه استخرج من حديث سعد الذي تقدم، ونقل أيضا أن أبا بكر أمر ابن مسعود في العسس بالليل والإرتباء بالنهار، والإرتباء الإرتفاع» . وغاب عن الخزاعي رحمه الله ما جاء في الإصابة (ج 1، ص 82) ففيها عن ذيل ابن فتحون، أنه عليه السلام خلف بديل بن ورقاء في حرس المدينة هو وأوس بن ثابت وأوس بن عرابة ورافع بن خديج انظر الكلام على الحارس من القسم الخامس. وفي درر الفوائد المنظمة، في أخبار الحج ومكة المعظمة، للشمس محمد بن عبد القادر الأنصاري الحنبلي، لما تكلم على وظائف أمير المحمل الشريف: وذكر منها اتخاذ العسس الذين يطوفون ليلا مع الحجيج، يتعرفون الأخبار، ويمنعون ما عسى يقع من الشجار. قال: وأول من عسّ ليلا عبد الله بن مسعود، أمره على ذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه اهـ. وفي الخطط للمقريزي: أول من عسّ ليلا عبد الله بن مسعود أمره أبو بكر الصديق بعس المدينة. خرّج أبو داود عن الأعمش عن زيد قال: أتي عبد الله بن مسعود فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمرا فقال عبد الله: إنا نهينا عن التجسس، لكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به، وكان عمر في خلافته يتولى العسس بنفسه، ومعه مولاه أسلم. وكان ربما استصحب معه عبد الرحمن بن عوف اهـ. [انظر كتاب الأدب باب 88 ج 5/ 200] . وفي طبقات ابن سعد: عمر أول من اشتد على أهل الرّيب والتهم، وأحرق بيت رويشد الثقفي، وكان حانوتا وغرّب ربيعة بن أمية بن خلف إلى خيبر، وكان صاحب شراب. وهو أول من عس في عمله بالمدينة، وحمل الدرة وأدّب بها، ولقد قيل بعد: لدرة عمر أهيب من سيفكم اهـ (ج 3 ص 202 القسم 1) . [ باب في السجن ] في سجن الرجال «خرج أبو داود «1» عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة: وفي جامع الترمذي مثله، وقال حديث حسن، وفي الصحيح «2» أنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد، الحديث. وذكر ابن إسحاق خبر بني قريظة حين   (1) انظر كتاب الأقضية باب 29 ص 46/ 4. (2) انظر البخاري كتاب الصلاة 118/ 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبسهم بالمدينة في دار بنت الحرث، امرأة من الأنصار، ثم خرج رسول الله إلى سوق المدينة التي هي سوقها اليوم فخندق بها خنادق، ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق يخرج بهم أرسالا» [انظر سيرة ابن هشام ج 2/ 240] . قال الماوردي في الأحكام السلطانية؛ الحبس الشرعي ليس هو السجن في مكان ضيق، وإنما هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه، سواء كان في بيت أو مسجد أو كان يتولى نفس الخصم أو وكيله عليه ملازمته له، ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم أسيرا، كما روى أبو داود وابن ماجه عن الهرماس بن حبيب عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بغريم لي فقال لي: إلزمه ثم قال لي: يا أخا بني تميم ما تريده أن تفعل بأسيرك؟ وفي رواية ابن ماجه: ثم مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر النهار فقال ما فعل أسيرك يا أخا بني تميم؟ وهذا كان هو الحبس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر الصديق. ولم يكن له محبس معد ليحبس الخصوم. وتنازع العلماء هل يتخذ الإمام حبسا على قولين: فمن قال لا يتخذ حبسا احتج بأنه لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لخليفته بعده حبس، ولكن يعوضه «1» بمكان من الأمكنة أو يقيم عليه حافظا وهو الذي يسمى الترسيم، أو يأمر غريمه بملازمته، ومن قال: له أن يتخذ حبسا احتج بفعل عمر. وأما الحبس الذي هو الآن فإنه لا يجوز عند أحد من المسلمين، وذلك أنه يجمع الجمع الكثير، في موضع يضيق عنهم غير متمكنين، من الوضوء والصلاة وقد يرى بعضهم عورة بعض، ويؤذيهم الحر والصيف. وقال الإمام أبو عبد الله بن فرج مولى ابن الطلاع في كتاب الأقضية: اختلف أهل العلم هل سجن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أحدا قط أم لا؟ فذكر بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له سجن ولا سجن أحدا قط، وذكر بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجن في المدينة في تهمة. رواه عبد الرزاق والنسائي في مصنفيهما من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وذكر أبو داود عنه في مصنفه قال: حبس رسول الله ناسا من قومي في تهمة بدم، وبهز بن حكيم مجهول عند بعض أهل العلم، وأدخله البخاري في كتاب الوضوء فدل على أنه معروف. وفي غير المصنف عن عبد الرزاق بهذا السند أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة ساعة من نهار ثم خلّى عنه. ووقع في أحكام ابن زياد عن الفقيه أبي صالح أيوب بن سليمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم   (1) هكذا في الأصل! وينبغي وضع كلمة بمعنى: يلزمه. أو يعوقه. فلتحرر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 سجن رجلا أعتق شريكا له في عبد، فأوجب عليه استتمام عتقه، وقال في الحديث: حتى باع غنما كانت له. وقال ابن شعبان في كتابه: وقد رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حكم بالسجن والضرب. واحتج بعض العلماء ممن يرى السجن بقول الله تعالى: فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء: 15] وبقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي أمسك رجلا لآخر حتى قتله: أقتلوا القاتل واصبروا الصابر. قال أبو عبيد قوله: واصبروا الصابر يعني: احبسوا الذي حبسه الموت حتى يموت اهـ وفي بدائع السلك للقاضي ابن الأزرق؛ نقلا عن ابن فرحون، عن ابن قيم الجوزية: إن الحبس الشرعي ليس هو السجن في مكان ضيق، وإنما هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف، كان في بيت أو مسجد أو ملازمة الغريم له، ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم أسيرا. وفي سنن أبي داود عن الهرماس بن حبيب عن أبيه عن جده قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بغريم لي فقال لي: إلزمه ثم قال لي: يا أخا بني تميم ما تريد أن تفعل بأسيرك «1» ؟ قال: وكان هذا هو السجن في زمنه عليه السلام، وزمن أبي بكر رضي الله عنه اهـ. وفي اتحاف الرواة بمسلسل القضاة للإمام أحمد بن الشلبي الحنفي لدى ذكره أوليات علي: وأول من بني السجن في الإسلام، وكانت الخلفاء قبله يحبسون في الآبار اهـ. وفي شفاء الغليل للخفاجي: السجن لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر وعثمان سجن، وكان يحبس في المسجد أو في الدهاليز حيث أمكن. فلما كان زمن علي أحدث السجن وكان أول من أحدثه في الإسلام وسماه نافعا، ولم يكن حصينا فانفلت الناس منه، فبنى آخر وسماه مخيسا بالخاء المعجمة والياء المشددة فتحا وكسرا وإنما ذكرته هنا لأن هذه الأسماء حدثت بعد العصر الأول اهـ. فالمحصل من كلامهم أن السجن بمعنى حبس الغريم غريمه مثلا، كان موجودا وأما اتخاذ محل معين بني لذلك خصيصا فلم يكن إلا في زمن عمر. تنبيه- ذكر الخزاعي هنا سجن عمر للحطيئة عن بهجة المجالس، لأبي عمر بن عبد البر، أن عليا بني سجنا بالكوفة ولم يستوعب ما يجب أن يذكر في الباب، فقد أخرج قصة سجن عمر للحطيئة الزبير بن بكار في الموفقيات وأبو الفرج الأصبهاني في الأغاني انظر الإمتاع للأدفوي ووقع في شرح الشواهد الكبرى للبدر محمود العيني: أن الزبرقان كان استعدى عليه عمر الخطاب وزعم أنه هجاه فلما أنشد عمر رضي الله عنه. واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي   (1) انظر كتاب الأقضية ج 4/ 46. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 قال: ما أراه قال لك بأسا قال الزبرقان: سل ابن الفريعة يعني حسان بن ثابت الأنصاري، فإن لم يكن هجاني فلا سبيل عليه، فأرسل إلى حسان فسأله هل هجاه بقوله: واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي قال قد هجاه فحبسه فقال: الحطيئة وهو محبوس: ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ ... زغب الحواصل لا ماء ولا شجر ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ... فاغفر عليك سلام الله يا عمر أنت الأمير الذي من بعد صاحبه ... ألقى إليك مقاليد النهى البشر لم يؤثروك بها إذ قدموك لها ... لكن لأنفسهم كانت بها الخير قال العيني: وكانت السجون آبارا فأول من بنى السجن علي بن أبي طالب. ثم قال على قوله: في قعر مظلمة أي: بير مظلمة، وقد قلنا: إن السجون كانت آبارا اهـ منه ص 525 من الجزء الرابع الذي بهامش خزانة الأدب. ولعل عمر كان يحبس في الآبار، قبل شراء الدار التي أعدها للسجن، فقد أخرج البيهقي من حديث نافع بن عبد الحارث، أنه اشترى من صفوان بن أمية دار السجن عمر بن الخطاب بأربعة آلاف، وعلقه البخاري. انظر تلخيص الحبير للحافظ ابن حجر، ونحوه في ترجمة نافع بن الحارث الخزاعي من تهذيب النووي، نقلا عن المهذب ونحوه للمقريزي في الخطط. وفي بدائع السلك لابن فرحون عن ابن القيم: بعد ما سبق عنه أنه لما اشتدت الرعية في زمن عمر، ابتاع بمكة دارا وجعلها سجنا وفيه دليل على جواز اتخاذه اهـ ملخصا. وقد كان السلطان أبو الأملاك المولى اسماعيل بن الشريف العلوي دفين مكناس سأل علماء فاس؛ القاضي بردلة والمسناوي وابن رحال وغيرهم من أول من أحدث السجن؟ وكيف كان الناس يسجنون في الآبار؟ وكيف الجمع بين ما ذكره السيوطي من أن أول من أحدث السجن علي وبين ما ذكره ابن فرحون، من أنه عمر لما اتسعت مملكته فأجاب الشيخ المسناوي بأن التعارض يدفع ما بين ابن فرحون والسيوطي بحمل كلام السيوطي على أن عليا أول من أحدث له مكانا مخصوصا، واتخذه بقصده في ابتداء «1» ، وما كان من عمر فإنه كان في تأني حال، وعارضا للدار المتخذة بالقصد الأول لغيره من السكنى ونحوها، وأما استكشال السجن في الآبار فإن المراد بها السراديب والمطامير، المتخذة تحت الأرض. وقد تكون من الإتساع بحيث تحمل المئين من الناس، لا سيما مصانع ملوك الأمم السالفة، فإنها كانت على قدر قواهم التي لا نسبة بينها وبين من جاء بعدهم. وتسمية ذلك بالآبار للشبه الصوري بالكون   (1) فراغ ويتم المعنى بوضع كلمة: (الأمر) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 تحت الأرض مع ضيق أبوابها ومداخلها، وقد تكون مع هذا متعددة ومتكثرة على قدر الحاجة إلخ انظر نوازل الشيخ المسناوي. تنبيه- قال القاضي ابن سعيد في التيسير في أحكام التسعير: من عرّض من الكتاب والشعراء بسبّ أحد أو هجوه سجن وأدّب. وقد فعل ذلك عمر بالحطيئة سجنه حين عرّض بالزبرقان بن بدر التميمي بقوله: اقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي اهـ. سجن النساء «في كتب السيرة من خبر إسلام عدي بن حاتم، وفراره إلى الشام حين سمع بجيش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطىء بلادهم فخرج يتبعه خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصابت بنت حاتم ممن أصابه فقدم بها في سبايا طيء، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه هرب إلى الشام، فجعلت بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد، وكانت النساء تحتبس فيها» . هل كانوا يجرون على المساجين أرزاقا قال الإمام أبو يوسف في كتاب الخراج: لم تزل الخلفاء تجري على أهل السجون ما يقوتهم في طعامهم وإدامهم، وكسوتهم الشتاء والصيف، وأول من فعل ذلك علي بن أبي طالب بالعراق، ثم فعله معاوية بالشام، ثم فعله الخلفاء بعده اهـ. وانظر ترجمة عمر بن عبد العزيز من طبقات ابن سعد، وفي خطط المقريزي قيل: أول من وضع السجن والحرس معاوية اهـ. [ باب في التأديب ] في التأديب بالضرب في كتاب الأقضية لابن الطلاع عن كتاب لابن شعبان عن الأوزاعي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه أن رجلا قتل عبده متعمدا. فجلده النبي صلى الله عليه وسلم مائة جلدة. ونفاه سنة وأمره أن يعتق رقبة، وقال ابن شعبان في كتابه: وقد رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حكم بالسجن والضرب اهـ. وفي نور النبراس على قصة الإفك: اختلف في جلدهم على قولين، والذي يظهر أنه عليه السلام جلدهم، وقد جزم البخاري في آخر تاريخه بذلك في باب: قوله الله تعالى وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ [الشورى: 38] وقد روى أصحاب السنن الأربعة، من حديث عمرة عن عائشة: أنها لما نزل فيها أمر برجلين وامرأة فضربوا حدّهم «1» . قال الترمذي: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن إسحاق. وقد جزم ابن عبد البر في الإستيعاب، في ترجمة مسطح بأنه جلد الحد. وفي ترجمة حمنة بأنها جلدت مع من جلد عند من   (1) انظر مسند أحمد 6/ 61 ونقطة؛ لما نزلت براءتي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فدعاهم وحدّهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 صحح جلدهم. وفي الطبراني عن عائشة عن عبد الله بن أبي جلد مائة وستين، قال عبد الله بن عمر: وهكذا يفعل في كل من قذف زوجة نبي اه. التأديب بالنفي نفي عليه السلام الحكم بن أبي العاص إلى الطائف، لكونه حاكاه في مشيته، وفي بعض حركاته فسبه وطرده وقال له: كذلك فلتكن، فكان الحكم متخلجا يرتعش. وقد عير عبد الرحمن بن ثابت مروان بن الحكم بذلك فقال يهجوه: إن اللعين أبوه فارم عظامه ... إن ترم ترم مخلجا مجنونا يمشي خميص البطن من عمل التقى ... ويظل من عمل الخبيث بطينا قال ابن إبراهيم الوزير في الروض الباسم: ولم يخبر عليه السلام أهل الطائف أنه يحرم عليهم مجاورة الحكم، ويجب عليهم نفيه. وهم مسلمون ممتثلون لأوامره اهـ وفي زمان سيدنا عثمان رده إلى المدينة قيل: بنص عنده في ذلك، وقيل: لأجل القرابة وبلوغ العقوبة حدّها. الأدب بالهجران في الصحيح أن في غزوة تبوك تخلف عنه صلى الله عليه وسلم عن غير شك في الدين ولا ارتياب: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، لا يتهمون في إسلامهم، ثم لحقوا به عليه السلام يعتذرون ويحلفون فصفح عنهم، ولم يعذرهم. وقال للصحابة: لا تكلمنّ أحدا من هؤلاء الثلاثة، يعني كعبا وصاحبيه. فبقوا خمسين ليلة، على ما هو مبسوط في السيرة، والصحيحين من حديث كعب «1» بطوله حتى تاب الله عليهم، وقد قاسوا من هجر المصطفى وأصحابه لهم ما أخبر عنه القرآن بقوله: ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة: 18] قوله تعالى: بما رحبت أي مع رحبها، أي سعتها فلا يجدون مكانا يطمئنون إليه قلقا وجزعا تمثل لحيرتهم في أمرهم، وضاقت عليهم أنفسهم، قلوبهم للغم والوحشة بتأخير توبتهم، فلا يسعها سرور ولا أنس. وفي حديث كعب: حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف وفي رواية: وتنكرت لنا الحيطان، حتى ما هي بالحيطان التي نعرف. وهذا يجده الحزين والمهموم في كل شيء، حتى قد يجده في نفسه. وعند ابن عائد: حتى وجلوا أشد الوجل، وصاروا مثل الرهبان. وللبيهقي في الدلائل قال: كانوا عشرة رهط، تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فلما رجع صلى الله عليه وسلم أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري   (1) انظر صحيح البخاري ج 5 ص 130 من كتاب المغازي باب 79. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 المسجد، وكان عليه السلام ممره إذا رجع في المسجد عليهم فقال: من هؤلاء؟ قال: هذا أبو لبابة وأصحاب له، تخلفوا عنك يا رسول الله حتى تطلقهم وتعذرهم، قال: أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله هو الذي يطلقهم، رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو، فأنزل الله وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ [التوبة: 102] فلما نزلت أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأطلقهم، وعذرهم إلا أبا لبابة لم يرض أن يطلقه إلا النبي صلى الله عليه وسلم بيده ففعل، ولما نزلت توبتهم نادى البشير كعبا فخر ساجدا لله، وقام إليه طلحة بن عبيد الله فحياه وما شاه ولم يقم إليه أحد ممن كان في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره، فقال له صلى الله عليه وسلم أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك قال النووي: أي سوى يوم إسلامك، وإنما لم ينبه لأنه معلوم لا بد منه. وفي ترجمة حمزة بن عمر الأسلمي من طبقات ابن سعد، أن حمزة بن عمر هو الذي بشر كعب بن مالك بتوبته وما نزل فيه من القرآن، فنزع كعب ثوبين كانا عليه فكساهما إيّاه قال كعب: والله ما كان لي غيرهما قال فاستعرت ثوبين من أبي قتادة. يؤخذ من هذه القصة الخلع على المبشر والمنشد، إذا أثر بإنشاده، قال القاضي ابن باديس: كنت بمكة في موسم سنة 755 وكان هناك قاضي قضاة الديار المصرية، عز الدين بن عبد العزيز بن القاضي بدر الدين أبي عبد الله محمد بن جماعة، وشيخ القدس الشريف الحافظ صلاح الدين العلائي وجماعة من الفضلاء، فوقعت مسألة لبعض الشيوخ الساكنين بالحرم من المتصوفة نقل عنه قصيد يقول فيه: فيا ليلة فيها السعادة والمنى ... لقد صغرت في جنبها ليلة القدر فعقدوا عليه بذلك الشهادة، وأفتى بعض أهل الثغر ممن كان هناك بالتشديد عليه، حتى تجاوز بعضهم إلى ما هو أشد، فأراد قاضي القضاة الإيقاع بالقائل. قال لي الشيخ صلاح الدين: فلم أزل أخفض منه وألتمس وجوه السلامة وأقول للقاضي: لا أحب منك التعرض للمتصوفة، ولا المبادرة فيما لم يتحقق الأمر فيه، واستشهد بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أبشر بخير يوم مر عليك، ومعلوم أنه مرت عليه ليلة القدر، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم أنها خير ليلة مرت عليه، لأن الله تاب عليه فيها، فهذه إنما هي بالنسبة لكل شخص وهو مراد القائل اهـ. إنما استطردت هذه الفائدة هنا ليعلم مقدار تسامح المحدثين والحفاظ في القديم مع الصوفية، ونزوعهم إلى تدعيم شطحاتهم ومبالغتهم من السنة، قال ابن باديس: نهي النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن كلام كعب وصاحبيه دليل وجوب هجران من ظهرت معصيته، أو بدعته ومقاطعتهم، وعدم السلام عليهم إلى أن يقلعوا وتظهر توبتهم تحقيرا لهم وزجرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 وقال الطبراني: حديث كعب أصل في هجران أهل المعاصي والفسوق والبدع، ألا ترى نهيه عن كلامهم لتخلفهم، ولم يكن ذلك كفرا ولا ارتدادا، وإنما كان معصية ارتكبوها فهجروا حتى تاب الله عليهم، ثم أمر بمراجعتهم فكذا كل من أذنب ذنبا خالف به أمر الله ورسوله مما لا تأويل له، وركب معصية علم منه أنها معصية أن يهجر غضبا لله ورسوله، ولا يكلم حتى يتوب توبة ظاهرة معلومة ولا يلزم هذا في المشركين فإن الإجماع منعقد على جواز مبايعتهم ومعاملتهم. ولا يهجرون. وذلك وقع من الرسول في هؤلاء وإن كانوا مقرين بالتوحيد والرسالة مع ارتكابهم معصية. وفي تشنيف المسامع على حديث: لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث «1» قال ابن زرقون في شرح الموطأ: هذا مخصوص بحديث كعب بن مالك، وهو أصل في هجر أهل البدع، ومن أحدث في الدين ما لا يرضى، ومن خشي من مجالسته الضرر في الدين، أو في الدنيا، والزيادة في العداوة والبغضاء، فهجرته والبعد عنه خير من قربه، لأنه يحفظ عليك زلاتك ويماريك في صوابك، وربما صرم جميل خير من مخالطة مؤذية. وانظر الإحياء في كتاب العزلة فقد ذكر حديث: لا يحل لأحد أن يهجر أخاه فوق ثلاث، قال: إلا أن يكون ممن لا تؤمن بوائقه وعليه ينزل قول الحسن: هجران الأحمق قربة إلى الله تعالى، فإن ذلك يدوم إلى الموت، إذ الحماقة لا ينتظر علاجها. وقال ابن فرحون في التبصرة: قد عزّر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجر، وذلك في حق الثلاثة الذين خلفوا، وأمر عمر بن الخطاب بهجر صبيغ، الذي كان يسأل عن مشكلات القرآن، فكان لا يكلمه أحد اهـ. ولما ذكر أبو داود حديث تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس، فيغفر الله في ذلك اليوم، لكل امرىء لا يشرك بالله شيئا إلا امرآ كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا قال: وإذا كانت الهجرة لله فليس شيء من هذا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هجر بعض نسائه أربعين صباحا. وهجر ابن عمر ابنا له حتى مات اهـ. وقال النووي وردت الأحاديث بهجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة اهـ وقال الزرقاني على الموطأ وأصله للسيوطي: وما زالت الصحابة والتابعون ومن بعدهم يهجرون من خالف السنة أو من دخل عليهم من كلامه مفسدة اه.   (1) حديث: لا يحل لرجل. رواه الإمام مالك في الموطأ في كتاب حسن الخلق ص 906 عن أبي أيوب الأنصاري ونصه: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 وفي الحطّاب عن التادلي أنه قال: ويجب أن لا يواصل من لم ترج مودته وائتلافه، وإن طلبك في المواصلة لأن فائدة المواصلة إنما هو تطييب القلوب، وأما من يظهر الود ويكتم البغض فيجب هجرانه اهـ وفي ألغاز ابن فرحون عن أبي بكر الوراق في جامع مختصره الكبير: أن الرجل إذا علم من إنسان أنه يستثقل سلامه فإنه يجوز له ترك السلام عليه، ولا يدخل في الهجرة المنهي عنها اهـ انظر كتاب الجامع من درة الغواص. عندي في مجموعة رسالة للحافظ السيوطي سماها: الزجر في الهجر، نحو كراسة ملأها نقلا وإسنادا فيما يرجع للتهاجر في الله، وفي هجر أهل البدع في الأعمال، أو الأقوال أو الإعتقاد من الصحابة، والتابعين فمن بعدهم، صدّرها بقصة كعب وأصحابه وقال فيها؛ جمع بعضهم أسماء من كان يزجر بالهجر من الصحابة فذكر منهم: عائشة وحفصة وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم. انظرها وقف على صدر جواهر العقدين في فضل الشرفين للسيد السمهودي ترعجبا لكن قال الشيخ جسوس لدى كلامه على هجران المبتدع: إذا كان لا يصل إلى عقوبته ولا يقدر على موعظته لكن يخاف منه إذا هجره وترك مخالطته كان له مخالطته. باب في معاملته صلى الله عليه وسلم للمستحق بالتعبيس ونحوه في الموطأ وغيرها عن هشام بن عروة عن أبيه موقوفا، ووصله الترمذي من طريق سعد بن يحيى الأموي، عن أبيه عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت أنزلت «عبس وتولّى» في عبد الله بن أم مكتوم، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا محمد أرشدني وعنده رجل من عظاماء المشركين، في مسند أبي يعلى، أنه أبي بن خلف، وفي تفسير ابن جرير أنه كان يناجي عتبة بن ربيعة، وأبا جهل بن هشام، والعباس بن عبد المطلب، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول يا أبا فلان هل ترى بما أقول بأسا فيقول: لا والدماء لا أرى بما تقول بأسا فأنزلت: (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) «1» . قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره في سورة عبس: الظاهر أنه كان صلى الله عليه وسلم مأذونا له أن يعامل أصحابه على حسب ما يراه مصلحة، وكيف لا يكون ذلك، وهو إنما بعث ليؤدبهم ويعلمهم محاسن الآداب، وإذا كان ذلك كذلك، كان التعبيس داخلا في تأديب أصحابه فكيف وقعت المعاتبة؟ أي في قوله تعالى: (عبس وتولى أن جاءه   (1) انظر الموطأ، كتاب القرآن ص 203 ج 1 رقم الحديث 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 الأعمى) قال: والجواب: أنه صلى الله عليه وسلم كان مأذونا له في تأديب أصحابه، لكن هاهنا لما أوهم تقديم الأغنياء على الفقراء، وكان ذلك يوهم ترجيح الدنيا على الدين فلهذا السبب جاءت هذه المعاتبة اهـ. «لطيفة» قال الصلاح الصفدي إثره في نكت الهميان: ليس هذا مما فيه إيهام تقديم الدنيا على الدين لأن أولئك الكفار؛ لو أسلموا لأسلم بإسلامهم جمع عظيم من أشياعهم وأزواجهم ومن يقول بقولهم، ولهذا المعنى رغب صلى الله عليه وسلم في إسلامهم، وطمع فيها وذلك غاية في الدين اهـ «1» . وقد أخرج أبو يعلى عن أنس: فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرم ابن أم مكتوم بعد نزول هذه الآية زاد غيره كما في نكت الهميان للصلاح الصفدي، ويقول صلى الله عليه وسلم إذا رآه: مرحبا بمن عاتبني فيه ربي، ويقول: هل لك من حاجة؟ واستخلفه على المدينة مرتين. قلت: بل في شرح منظومة الآداب للسفاريني نقلا عن الخطابي في باب: الضرير يولى في كتاب الإمارة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم لإبن أم مكتوم كلما أقبل، ويقول: مرحبا بمن عاتبني فيه ربي. قال وذكره جماعة من غير الخطابي بغير لفظ القيام؛ انظر ص 279 من الجزء الأول. «نكتة» أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: كان يقال لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم من الوحي شيئا كتم هذا عن نفسه. «نكتة أخرى» في كتاب السماع من الإحياء، لدى الكلام على قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لقمان: 6] لو قرىء القرآن ليضل به عن سبيل الله كان حراما، كما حكي عن بعض المنافقين، أنه كان يؤم الناس ولا يقرأ إلا سورة عبس؛ لما فيها من العتاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهمّ عمر بقتله، ورأى فعله حراما لما فيه من الإضلال اهـ منها ص 517 ج 6 من شرحها طبع مصر. وفي المجاجي على مختصر ابن أبي جمرة نقلا عن ابن فرحون: لا يجوز للإمام أن يداوم على قراءة سورة معينة، ويقصد بذلك إضلال الناس كقراءة سورة عبس، وآية الجهاد ونحوها اهـ منه وانظر ألغاز ابن فرحون. «نكتة» وقد كان الشيخ الوالد رحمه الله عاتب مرة بعض مريديه في وجهه فعرض له بأن المصطفى كان لا يواجه أحدا بما يكره في وجهه، ولكن كان يقول: ما بال أقوام فأجبته بقول المصطفى لأبي ذر، كما في الصحيح: فيك خصلة من خصال الجاهلية، وتعبيسه عليه السلام في وجه ابن أم مكتوم، هذا وجماع القول في الباب أنه عليه السلام كان   (1) انظر نكت الهميان في مقدمته الرابعة ص 27 الطبعة الأولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 يختلف حاله باختلاف الناس بين راسخ الود ثابت الإعتقاد، وبين غيره من المذبذبين فكان يخاطب كل واحد على حسب منزلته وإيمانه والله أعلم. باب في قتله عليه السلام بيده قتل عليه السلام بيده الكريمة أبي بن خلف، في غزوة أحد. وذلك أنه عليه السلام، تناول الحربة من يد الحرث بن الصمة فأخذها عليه السلام وانتفض بها انتفاضة، تطاير منها من حضر تطاير الشّعراء (ذباب صغير له لدغ) عن ظهر البعير إذا انتفض، ثم استقبله عليه السلام فطعنه طعنة في عنقه، وقع بها عن فرسه، فكسر ضلعا من إضلاعه فمات بسرف. وذكر الحافظ البابلي في سيرته: أنه عليه السلام لم يقتل بيده إلا هذا، وأصله لابن تيمية، كما نقله الزرقاني على المواهب في مواضع. انظر ص 56 من الجزء الأول، وص 54 من الجزء الثاني أيضا وص 304 من ج 4. وفي مفاتيح العلوم، للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف، الكاتب الخوارزمي، لما تكلم على الحربة التي أهدى النجاشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: وكانت تقدم بين يديه إذا خرج إلى المصلى يوم العيد. قال: وهي الحربة التي قتل بها النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف بيده يوم أحد، وتسمى العنزة أيضا، فأفاد أن الحربة الحبشية هي التي قتل بها عليه السلام. باب في تعذيبه عليه السلام بالإحراق والهدم ومن بعثه لذلك روى ابن هشام «1» عن عبد الله بن حاتم عن أبيه قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي، يثبطون الناس عن تبوك، فبعث صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله، في نفر وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم، ففعل، واقتحم الضحاك بن خليفة من ظهر البيت، فانكسرت رجله، واقتحم أصحابه فأفلتوا. وفي غزوة تبوك جاءه عليه السلام خبر مسجد الضرار من السماء، فدعا مالك بن الدخشم، ومعن بن عدي العجلاني، فقال: انطلق إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدمه وأحرقه، فخرجا فحرقاه وهدماه، وفي رواية: فدعا مالكا ومعنا وأخاه، زاد البغوي: وعامر بن السكن ووحشيا قاتل حمزة، وزاد في التجريد: سويد بن عباس الأنصاري، فقال: انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه. قال الزرقاني في شرح المواهب: فيحتمل أنه أرسلهما أولا وخاطبهما بلفظ التثنية، وعززهما بالأربعة، وخاطبهم بالجمع،   (1) انظر سيرة ابن هشام ج 2 ص 517 تحت عنوان: تحريق بيت سويلم وشعر الضحاك في ذلك طبعة البابي الحلبي 1955. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر، فخرجا قال ابن إسحاق: أتيا بني سالم بن عوف رهط مالك بن الدخشم، فقال مالك لمعن: أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي، فدخل إلى أهله، فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا، ثم خرجا يشتدّان حتى دخلاه، وفيه أهله فحرقاه وهدماه، وفي رواية: فخرجوا مسرعين حتى أتوا بني سالم فأخذ مالك سعفا وأشعله، ثم خرجوا يشتدون حتى أتوه بين المغرب والعشاء، وفيه أهله فحرقوه وهدموه حتى وضعوه في الأرض. وتفرق عنه أصحابه. وراجع ما سيأتي في القسم التاسع لدى الكلام على البناء وصناعته. وفي الصحيح «1» أن المصطفى عليه السلام أمر بقطع نخل بني النضير، وقال الإمام أبو عبد الله بن غازي، في تكميل التقييد على قول المدونة، وقد قطع النبي صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير، وأحرق قراهم. روى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وهي البويرة (اسم موضع) وفيها يقول حسان: وهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير وليس في الأمهات شعر إلا هذا البيت، ولهذا قال الشيخ أبو الفضل ابن النحوي. أصحبت فيمن له دين بلا أدب ... ومن له أدب عار عن الدين أصبحت فيهم غريب الشكل منفردا ... كبيت حسان في ديوان سحنون باب في معاملته عليه السلام المستحق بسمل الأعين والإلقاء في الحرة وقطع الأيدي والأرجل ونحو ذلك قصة العرنيين مشهورة خرجها البخاري في مواضع، ولنسقها من باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها عن أنس قال: قدم أناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة، أي استوخموها فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم، وساقوا الغنم. فجاء الخبر في أول النهار، فقمنا في آثارهم فلما ارتفع النهار، جيء بهم فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم، وسملت أعينهم، وألقوا في الحرّة (أرض ذات حجاة سود) يستسقون فلا يسقون زاد فيه الأوزاعي: حتى ماتوا. وعند ابن أبي عوانة من رواية عقيل عن أنس فيه: فصلب اثنين، وقطع اثنين، وسمل اثنين، فإن كان محفوظا فعقوبتهم كانت موزعة، وقال جماعة منهم ابن الجوزي: إن ذلك وقع عليهم على سبيل القصاص، وفي الصحيح قال: أبو قلابة فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله.   (1) انظر كتاب الجهاد ج 4/ 23 باب 154. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وخرج مسلم «1» عن أنس قال: إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين لأنهم سملوا أعين الرعاء، وإلى هذه الرواية أشار البخاري في كتاب الجهاد بتبويبه باب: إذا أحرق المشرك المسلم هل يحرق، وقيل: السبب في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقي ألبان الإبل التي حصل لهم بها الشفاء، من الجوع والوخم، لأن المصطفى دعا بالعطش على من عطّش آل بيته، في قصة رواها النسائي فيحتمل أن يكون في تلك الليلة منعوا إرسال ما جرت به العادة من اللبن الذي كان يراح به إلى النبي صلى الله عليه وسلم من لقاحه، في كل ليلة كما ذكر ذلك ابن سعد، قاله الحافظ ابن حجر في فتح الباري. وروى الطبراني والبارودي وابن عدي وغيرهم، من طريق زيد بن الحريش عن عبيد الله بن عمر عن أيوب وعن نافع عن ابن عمر قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعه، وكان غريبا في شدة البرد، فقام رجل يقال له فاتك، فضرب عليه خيمة، وأوقد له نويرة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر بذلك فقال: اللهم اغفر لفاتك كما اوى عبدك هذا المصاب. تنبيه: في شرحي الشفا للخفاجي وابن عبد السلام بناني الفاسي: سئل العتبي عن قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ [المائدة: 44] وقوله: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [الحديد: 25] أي مناسبة بين ذلك وبين الحديد، وما هو إلا كما يجمع بين الضب والنون، فأجاب بأن ملك الملوك سبحانه أرسل رسوله لإجراء أوامره ونواهيه بين عباده، وهما قسمان عقلاء ذوو بصيرة، وإرشادهم بالكتب الإلهية وما حوته من الأدلة القطعية، وجهلة وتسخيرهم بالقهر والإرهاب بالسيف والسنان، فصار المعنى أرسلناهم لضبط العامة والخاصة وأي مناسبة أتم من هذه اهـ. باب في الرجل يجعل على الأساري ترجم في الإصابة أسلم بن بجرة «2» الأنصاري، فذكر أنه خرج الطبراني في الصغير من طريق الزبير بن بكار عن عبد الله بن عمرو الفهري عن محمد بن إبراهيم بن محمد بن أسلم عن أبيه عن جده أسلم الأنصاري قال: جعلني النبي صلى الله عليه وسلم على أسارى بني قريظة الحديث. وترجم فيها أيضا لبديل بن ورقاء «3» فذكر أن البخاري خرج في تاريخه، عن ابن بديل بن ورقاء عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم: أمره بحبس السبايا والأموال بالجعرانة، حتى يقدم عليه ففعل وقال إنه حديث حسن انظر ص 141 من الجزء الأول. وترجم فيها أيضا لمسلم بن أسلم بن بجرة الأنصاري الخزرجي فذكر أن ابن أبي عاصم خرج عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله   (1) انظر كتاب الجهاد للبخاري ج 4/ 22 باب 152 ومسلم كتاب القسامة ص 1296/ 2. (2) انظر ج 1 ص 37 من الطبعة الأولى سنة 1328 هـ في مصر. (3) انظر ج 1 ص 141 من الطبعة الأولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 على أسارى بني قريظة، ينظر إلى فرج الغلام فإذا رآه أنبت ضرب عنقه. وقد أخرجه الطبراني عن أحمد بن المعلى عن هشام. وفي طبقات ابن سعد أن المصطفى عليه السلام أمر بأسارى المريسيع فكتفوا وجعلوا ناحية واستعمل بريدة بن الخصيب عليهم، وفيها في ترجمة شقران مولى رسول الله أنه عليه السلام استعمله على جميع ما وجد في رحال أهل المريسيع من رثة المتاع والسلاح والنعم والشاء وجيمع الذرية ناحية. باب في المقيمين للحدود ومن كان يتولى ذلك (في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) «قال ابن العربي في الأحكام: الحدود على قسمين الأول إيجابها وذلك للقضاة، وتناول إستيفائها: وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم لقوم منهم علي بن أبي طالب، ومحمد بن مسلمة» . باب في الرجل يجعل لقطع الأشجار في الغزو في ترجمة عبد الغني بن كعب المزني من الإصابة، أنه عليه السلام استعمل أبا ليلى المزني، وعبد الله بن سلام على قطع نخل بني النضير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 القسم الخامس في ذكر العمليات الحربية وما يتشعب عنها وما يتصل بها وفيها أبواب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 العمليات الحربية باب في الإمارة على الجهاد وفيه فصول فصل في مخرج النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وكم غزوة غزاها «قال في الإستيعاب: أكثر ما قيل في ذلك أن غزواته بنفسه كانت ستة وعشرين غزوة، وكانت أشرف غزواته وأعظمها حرمة عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين غزوة بدر الكبرى، حيث قتل صناديد قريش، وظهر دينه من يومئذ» . قلت: هاهنا نكتة لطيفة: لشاعر مصر أحمد بك شوقي في سيرته: قالوا غزوت ورسل الله ما بعثت ... لقتل نفس ولا جاءت لسفك دم جهل وتضليل أحلام وسفسفة ... فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم لما أتى لك عفوا كل ذي حسب ... تكفل السيف بالجهال والعمم والشر إن تلقه بالخير ضقت به ... والشران تلقه بالسيف ينحسم علمتهم كل شيء يجهلون به ... حتى القتال وما فيه من الذمم فصل في بعثه صلى الله عليه وسلم عليه وسلم الأمراء للغزو وفيه عدد بعوثه صلى الله عليه وسلم وسراياه «قال أبو عمر بن عبد البر في الإستيعاب: كانت بعوثه صلى الله عليه وسلم وسراياه خمسا وثلاثين من بين بعث وسرية اهـ وقال غيره: بلغت ستا وخمسين كما ذكر الحافظ الدمياطي، وقيل ثمانية وأربعين، وقيل سبعا وأربعين. وقيل: ستا وثلاثين» .! باب في الرجل يستخلفه الإمام على حضرته إذا خرج عنها للغزو أو غيره «كان يستخلف المصطفى صلى الله عليه وسلم في كل غزواته، وآخرها غزوة تبوك استخلف محمد بن مسلمة الأنصاري» . وفي الإصابة نقلا عن ابن عبد البر، وجماعة من أهل العلم بالنسب والسير: أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم ثلاث عشرة مرة، حتى في تبوك وخروجه لحجة الوداع وفي خروجه إلى بدر، ثم استخلف أبا لبابة لما رده من الطريق اهـ وفيها أيضا في ترجمة جعال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 ابن سراقة الضمري «1» نقلا عن ابن إسحاق: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق، في شعبان سنة ست استعمل على المدينة جعالا الضمري. وفيها لما ترجم لسباع بن عرفطة الغفاري ذكر أنه عليه السلام استخلفه على المدينة لما ذهب لغزوة خيبر. وفيها في ترجمة أبي رهم الغفاري استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في غزوة الفتح. وفي المواهب وشرحها واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في غزوة تبوك على ما قال ابن هشام: محمد بن مسلمة الأنصاري قال الدمياطي تبعا للواقدي: وهو عنده أثبت ممن قال استخلف عليا أو سالما أو ابن أم مكتوم. ولكن قال الحافظ زين الدين العراقي: في ترجمة علي من شرح التقريب، لم يتخلف علي عن المشاهد إلا تبوك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم خلّفه على المدينة، كما رواه عبد الرزاق في مصنفه بسند صحيح، عن سعد بن أبي وقاص. ولفظه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى تبوك استخلف على المدينة علي بن أبي طالب. وفي الإستيعاب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة يستخلف عليا في أكثر غزواته. وفي محاضرات الأبرار للشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي: نوابه صلى الله عليه وسلم الذين استعملهم على المدينة في وقت خروجه لغزوة أو عمرة أبو لبابة، وبشير بن المنذر، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن أم مكتوم، وأبوذر وعبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول، وسباع بن عرفطة، ونميلة بن عبد الله الليثي، وعريف بن اضبط الديلمي، وأبو رهم ومحمد ابن مسلمة الأنصاري، وزيد بن حارثة، والسائب بن عثمان بن مظعون، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وسعد بن عبادة، وأبو دجانة الساعدي، ثم فصل ولاية كل واحد من هؤلاء انظر ص 28 منها ولا بد. باب في الرجل يستخلفه الإمام على أهله إذا سافر «خلف المصطفى في غزوة تبوك علي بن أبي طالب على أهله وأمره بالإقامة فيهم» . وفي المواهب نقلا عن شرح التقريب. أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف عليا على المدينة وخلفه على عياله اهـ قال الزرقاني: خلّفه على عياله فقال: يا علي اخلفني في أهلي، واضرب وخذ وأعط، ثم دعا نساءه فقال: اسمعن لعلي وأطعن. رواه الحاكم في الأكليل من مرسل عطاء بن أبي رباح. وأخرج ابن إسحاق عن سعد بن أبي وقاص: خلّف صلى الله عليه وسلم عليا على أمر أهله وأمره بالإقامة فيهم اهـ وفي طبقات ابن سعد، لدى ترجمة صفية بنت عبد المطلب: أن النبي   (1) انظر الإصابة ج 1 ص 235 من الطبعة الأولى 1328. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 عليه السلام كان إذا خرج لقتال عدوه من المدينة رفع أزواجه ونساءه في أطم حسان بن ثابت، لأنه كان من أحصن آطام المدينة، وتخلف حسان يوم أحد فجاء يهودي، فلصق بالأطم يستمع ويختبر، فقالت: صفية بنت عبد المطلب لحسان: إنزل إلى هذا اليهودي فاقتله فكأنه هاب ذلك، فأخذت عمودا فنزلت فختلته حتى فتحت الباب قليلا قليلا، ثم حملت عليه فضربته بالعمود فقتلته. باب في الرجل يستخلفه الإمام في طريق يظن أن العدو يستعمل له فيها مكيدة ترجم في الإصابة «1» لأوس بن خولي الأنصاري، فذكر عن المدائني وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم: خلفه في عمرة القضاء بذي طوى، ليقطع كيدا إن كادته به قريش، وخلف بشر بن سعد بممر الظهران. باب في المستنفر «بعث النبي صلى الله عليه وسلم بسر بن سفيان الخزاعي، مع بديل بن أم اصرم، إلى خزاعة يستنفرهم إلى قتال أهل مكة عام الفتح، ذكره في الإستيعاب وفيه أيضا، أن بديل بن أم أصرم الخزاعي هو الذي بعثه صلى الله عليه وسلم إلى بني كعب يستنفرهم لغزو مكة، هو وبسر بن سفيان الخزاعي ونحوه» . ونقله عنه في الإصابة انظر ص 149 وفي ترجمة أبي رهم الغفاري منها عن ابن سعد: كان بعثه صلى الله عليه وسلم يستنفر قومه إلى تبوك. وفي طبقات ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بريدة بن الحصيب حين أراد غزوة تبوك إلى أسلم يستنفرهم إلى عدوهم. باب في صاحب اللواء وفيه فصول فصل في ذكر أول لواء رفع بين يديه صلى الله عليه وسلم «في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لابن حيان الأصبهاني في ذكر قصة الهجرة، ولحاق بريدة به وإسلامه فقال- النبي صلى الله عليه وسلم: لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء، قال: فحلّ عمامته ثم شدها في رمح ثم مشى بين يديه ثم دخل المدينة» . قلت: اللواء بكسر اللام والمد روى أبو يعلى عن انس: إن الله أكرم أمتي في الألوية وسنده ضعيف، كما في فتح الباري. وهو العلم الذي يحمل في الحرب، ليعرف به موضع صاحب الجيش، وقد يحمله أمير الجيش، وقد يدفعه لمقدم العسكر، وفي الفتح أيضا في كتاب الجهاد: اللواء: الراية ويسمى أيضا العلم، وكان الأصل أن يمسكها رئيس الجيش ثم   (1) انظر الإصابة ج 1 ص 84. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 صارت تحمل على رأسه، وقد صرح جماعة من أهل اللغة بترادف الراية واللواء فقالوا: في كل منهما علم الجيش ويقال: أصل الراية الهمزة وآثر العرب تركه تخفيفا. ومنهم من ينكر هذا القول ويقول: لم يسمع الهمز، لكن رواه أحمد والترمذي عن بن عباس: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء، ولواؤه أبيض. ومثله عند الطبراني عن بريدة، ومثله عند ابن عدي عن أبي هريرة، وهو ظاهر في التغاير بين اللواء والراية. وبه جزم ابن العربي فقال: اللواء غير الراية فاللواء: ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه، والراية: ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح. وقيل: اللواء دون الراية. وقيل: اللواء العلم الضخم، والعلم علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار. والراية يتولاها صاحب الحرب، فلعل التفرقة فيه عرفية فلا يخالف ما صرح به الجماعة من الترادف. فصل في ذكر من حمل رايته ولواءه صلى الله عليه وسلم بين يديه (ومن حملها ليقاتل بها) «فمنهم أبو بكر وعمر، وعلي والزبير بن العوام، وسعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وقيس بن سعد بن عبادة، ومصعب بن عمير، وذلك مفرق في غزواته صلى الله عليه وسلم» . أنظر سيرة ابن هشام والروض وغيره. فصل في جواز القبائل على راياتهم وانفراد كل قبيلة برايتها «في الصحيح: لما ساق قصة الفتح وقول النبي صلى الله عليه وسلم للعباس: إحبس أبا سفيان عند الوادي، ليرى جيوش الله، فجعلت القبائل تمر مع النبي صلى الله عليه وسلم كتيبة كتيبة، على أبي سفيان فمرت كتيبة فقال: من هذه فقال: هذه غفار، ثم مرت جهينة، ثم مرت سليم، حتى مرت كتيبة لم ير مثلها فقال من هذه؟ قال: هذه الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية، حتى جاءت كتيبة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه وراية النبي صلى الله عليه وسلم مع الزبير» . فصل في عقده صلى الله عليه وسلم الرايات لأمراء البعوث والسرايا (وذكر أول راية عقدها صلى الله عليه وسلم في الإسلام ولمن عقدت) «في السنة الثانية من الهجرة، بعث صلى الله عليه وسلم عبيدة بن الحرث بن المطلب بن عبد مناف، على سرية وعقد له راية قال ابن إسحاق: فكانت فيما بلغنا أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين، وبعث في تلك المدة أيضا حمزة بن عبد المطلب، إلى جهة أخرى فقال بعض الناس أيضا: إنها أول راية عقدت ويحتمل التوفيق بأن بعثهما متوافق متقارب» . وروى السراج من طربق زر بن حبيش قال: أول راية عقدت في الإسلام لعبد الله بن جحش. أقول: وبذلك تعلم ما في قول السيوطي في أوائله: أول ما عقدت الرايات يوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 خيبر، وكانت قبل ذلك الألوية، وعزا ذلك الحافظ في الفتح لإبن إسحاق، وأبي الأسود عن عروة قال الزرقاني في شرح المواهب: وهذا ظاهر في التغاير بينهما انظر ص 453 من الجزء الأول. (فصل في مقدار الراية) خرج إسحاق بن إبراهيم الرملي في الأفراد من أحاديث بادية الشام من طريق حرام بن عبد الرحمن الخثعمي عن أبي زرعة الفزعى «1» ثم الثمالي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد له راية رقعة بيضاء ذراعا في ذراع هذا لفظ ابن منده، وفي رواية الدولابي راية بيضاء وقال: اذهب يا أبا زرعة إلى قومك فناد فيهم: من دخل تحت راية أبي زرعة فهو آمن. ففعلت» «2» . فصل في رسم الهلال فيها ترجم في الإصابة لسعد بن مالك الأزدي فنقل عن ابن يونس: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وعقد له راية على قومه سوداء، وفيها هلال أبيض. وشهد فتح مصر وله بها عقب. فيؤخذ من هذا أصل رسم صورة الهلال في الراية الإسلامية، وبذلك تعلم ما وقع لصاحب وفيات الأسلاف فإنه قال في ص 380: إن وضع رسم صورة الهلال على رؤوس منارات المساجد بدعة، وإنما يتداول ملوك الدولة العثمانية رسم الهلال علامة رسمية أخذا من القياصرة. وأصله أن فيلبس المقدوني والد الإسكند الأكبر لما هجم بعسكره على بزنطية وهي القسطنطية في بعض الليالي دافعه أهلها وغلبوا عليه، وطردوه عن البلد، وصادف ذلك وقت السحر. فتفاءلوا به واتخذوا رسم الهلال في علمهم الرسمي تذكيرا للحادثة. وورث ذلك منهم القياصرة، ثم العثمانية لما غلبوا عليها، ثم حدث ذلك في بلاد قازان اهـ. فصل في ألوان ألويته وراياته صلى الله عليه وسلم واسم رايته وما كتب على لوائه الأبيض «قال ابن إسحاق: دفع صلى الله عليه وسلم اللواء يوم غزوة بدر الكبرى إلى مصعب بن عمير، وكان أبيض. وفي سنن النسائي وأبي داود عن جابر: أنه كان لواؤه صلى الله عليه وسلم يوم دخول مكة أبيض: وفي سنن أبي داود «3» عن سماك بن حرب، عن رجال من قومه، عن واحد منهم قال: رأيت راية النبي صلى الله عليه وسلم صفراء. الأغبر: ذكر ابن جماعة في مختصر السير في باب سلاح رسول الله أنه كان له لواء أغبر. الأسود: قال ابن إسحاق في أخبار غزوة بدر وكان أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوان؛ إحدا هما مع علي بن أبي طالب والآخرى مع بعض الأنصار.   (1) ذكره في الإصابة ثم قال والصواب: أيو رويحة واسمه عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي. 4/ 72. (2) لم أعثر على هذا النص في كتاب التخريج للخزاعي. (3) انظر كتاب الجهاد ج 3/ 72 والنسائي 5/ 200. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 وذكر عبد الله بن حيان الأصبهاني في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن كانت راية النبي صلى الله عليه وسلم سوداء تسمى العقاب. وفي تاريخ البخاري عن الحرث بن حسان قال: دخلت المسجد فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قائما على المنبر يخطب وفلان قائم متقلد السيف وإذا رايات سود تخفق قلت: ما هذا؟ قالوا عمرو بن العاص قدم من جيش ذات السلاسل» . راية الصوف «قال القضاعي في كتاب «الأنباء» كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم راية تدعى العقاب من صوف أسود» . قلت: جمع الحفاظ بين هذه الروايات باختلاف الأوقات. الراية من النمرة «وهي شملة مخططة من صوف وقيل فيها مثال الأهلة، وفي المحكم النمرة: النكتة من أي لون كان، والأنمر الذي فيه نمرة بيضاء وأخرى سوداء، والنمرة شملة فيها خطوط بيض وسود. قال ابن جماعة في مختصر السير له: وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم راية سوداء مربعة من نمرة مخملة يقال لها العقاب» . ما كان مكتوبا فيها «ذكر أبو عبد الله بن محمد بن حيان الأصبهاني في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم عن بريدة أن راية النبي صلى الله عليه وسلم كانت سوداء ولواؤه أبيض زاد ابن عباس مكتوب على لوائه لا إله إلا الله محمد رسول الله» . قلت: هذا من تقصير الخزاعي في العزو، وإلا فالحديث في مسند أحمد، والترمذي عن ابن عباس، ومثله عند الطبراني عن بريدة الأسلمي وعند ابن عدي عن أبي هريرة أيضا. اسم رايته صلى الله عليه وسلم «قال قاسم بن ثابت السرقسطي في الدلائل كان اسم راية النبي صلى الله عليه وسلم العقاب» . وفي فتح الباري وقيل: كانت له راية تسمى العقاب سوداء مربعة، وراية تسمى الريبة بيضاء، وربما جعل فيها شيئا أسود اهـ. باب في لون راية الأنصار ترجم في الإصابة «1» لمزيدة العصري فقال ذكرها أبو نعيم وأخرج عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد رايات الأنصار وجعلها صفراء.   (1) انظر ص 406 ج 3. وهو مزيدة بن جابر العبدي العصري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 وفي طبقات ابن سعد أن وفد سليم لما وردوا على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له: اجعل لواءنا أحمر وشعارنا مقدم ففعل ذلك بهم. تنبيه- في تاريخ الوزير جودت باشا التركي الشهير نقلا عن تاريخ واصف افندي مقالة يبين فيها ما كان للألوية من الإعتبار في الدول، صدّرها بقوله: إن السر في أحداث السنجق واللواء: هو أنه إذا اجتمع قوم تحت لواء واحد يجعل بينهم الإتحاد، بمعنى أن هذا اللواء يكون علامة على اجتماع كلمتهم ودلالة على اتحاد قلوبهم، فيكونون كالجسم الواحد، ويألف بعضهم بعضا أشد من ائتلاف ذوي الأرحام، وإذا كانوا في معركة القتال لا ييأسون من الظفر، ما دام لواؤهم، منشورا بل تقوى همتهم ويشتد عزمهم، فإذا سقط لواؤهم أخذوا من جانب العدو، وباتوا موضوعا للخوف والرهبة فيهزم بعضهم ويتبدد البعض الآخر، بخلاف ما إذا كان علمهم مرفوعا خافقا مزدهيا تبتهج به نفوسهم فتأخذهم شدة الفرح والبسالة، وتتسلط على أعدائهم هزمة الرعب، فتأخذ بمجامع قلوبهم، وكما أن الموسيقى العسكرية تنعش أرواحهم، وتحثهم على الإقدام والشجاعة، كذلك مناظر الألوية وتموجها فإنها تحدث فيهم دواعي العزة، وتجلب لأعدائهم الدهشة والفتور، وكان لجميع الأمم السالفة والدول الماضية آلات موسيقية، وأعلام عديدة ولم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم موسيقى بل أعلام فقط الخ انظر بقيته في ص 35 من مقدمة التاريخ المذكور. باب في تعميم الإمام للصبي ترجم في الإصابة لقرط ويقال له قريط بن أبي رمثة البلوي، فذكر عن أبي موسى في ذيله عن ابن منده أنه هاجر مع أبيه فلما دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي رمثة ابنك هذا قال نعم أشهد به قال إنه لا يجني عليك ولا تجني ودعا بقرط فأجلسه في حجره ودعا له بالبركة ومسح رأسه وعممه بعمامة سوداء، وهو والد لاهز بن قريط أحد الرؤساء الذين كانوا مع أبي مسلم الخراساني. أقول: إن صحت هذه القصة كان فيها الدليل لما كنا نرى الشيخ الوالد يعتني به من تعميم من في سن البلوغ أو قريب منه مع إرخاء العذبات، وبذلك تعلم ما في توقف بعضهم في ذلك قائلا: لم أقف على شيء من الأحاديث، ولا من نصوص الفقهاء على الوقت الذي يطلب فيه التعميم. هل هو من بلوغ السبع أو العشر أو حين البلوغ أو حين بدء طلوع اللحية لخ انظر إلى ص 29 من الدعامة في أحكام العمامة. وأهل الحجاز إلى الآن يعتنون بتعميم الصغار، وكأنه عمل قديم متوارث، بدليل ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه عن مالك قال: لا ينبغي أن تترك العمامة، ولقد أعتميت وما في وجهي شعرة. وفي المدارك قال أبو مصعب: سمعت مالكا يقول: إني لأذكر وما في وجهي شعر، وما منا أحد يدخل المسجد إلا متعمما إجلالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 باب في انقسام الجيش إلى خمسة أقسام المقدمة والمجنبتين والقلب والساقة وكون الرئيس في القلب منها «كان العرب يسمون الجيش خميسا لقسمه على خمسة أقسام قلب وميمنة وميسرة ومقدمة وساقة قال ابن إسحاق في السير في أخبار يوم فتح مكة حدثني عبد الله بن أبي نجيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرق جيشه من ذي طوي أمر الزبير بن العوام أن يدخل في بعض الناس من كدى وكان الزبير على المجنبة اليسرى وأمر سعد بن عبادة الأنصاري أن يدخل في بعض الناس من كدى وكان خالد على المجنبة اليمنى وفيها أسلم وسليم وغفار ومزينة وجهينة وقبائل من العرب وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل صلى الله عليه وسلم حتى نزل بأعلى مكة وضربت له هناك قبة» . باب في أمير الرماة ترجم في الإصابة لعبد الله بن جبير الأنصاري فقال: كان أمير الرماة في أحد، ثبت ذكره في حديث البراء بن عازب في الصحيح «1» ، وفيه أن المشركين لما انهزموا ذهبت الرماة ليأخذوا من الغنيمة، فنهاهم عبد الله بن جبير فمضوا وتركوه. باب في الرجل يقيمه الإمام يوم لقاء العدو بمكانه من قلب الجيش ويلبس الإمام لأمته، ويلبس هو لأمة الإمام حياطة للإمام حتى لا يعرف فيقصد. «في الإستيعاب: كان كعب بن مالك يوم أحد لبس لأمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت صفراء. ولبس النبي صلى الله عليه وسلم لأمته فجرح كعب بن مالك أحد عشر جرحا» . وينبغي أن يذكر هنا أيضا ما وقع في قصة الهجرة، فإن عليا نام على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان قريش يظنونه عليه السلام، فلما أصبح الصباح خرج عليهم علي وذلك ليطمئن بال كفار قريش حتى لا يتبعوه عليه السلام، والقصة شهيرة. وفيها نزل قوله تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنفال: 30] الآية حتى قال الإمام أبو عثمان عمرو بن بحر المشهور بالجاحظ في كتابه العجيب: التاج في أخلاق الملوك ص 124: يجب على ملوكنا حفظ مقامهم، وصيانته عن كل عين تطرف، وأذن تسمع. ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وهو من الله بمكانه المخصوص من كلاءته إياه وحراسة الروح الأمين له، لقد كان يحق عليهم أن يقتدوا به ويمتثلوا فعله، وقد كان المشركون هموا بقتله، فأخبره جبريل بذلك فدعا علي بن أبي طالب فأنامه على فراشه، ونام هو صلى الله عليه وسلم بمكان آخر. فلما جاء المشركون إلى فراشه فنهض منه علي انصرفوا عنه. ففي هذا أكبر الأدلة وأوضح الحجة على ما ذكرنا؛ إذ كانت   (1) انظر كتاب المغازي باب 10 ص 11/ 5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 أنفس الملوك هي الأنفس الخطيرة الرفيعة التي تزن كل من أظلت الخضراء وأقلت الغبراء وكانت الأعاجم تقول: لا ينبغي للملك أن يطّلع على موضع منامه إلا الوالدان فقط، أما من دونهما فالوحشة منه وترك الثقة به أبلغ في باب الحزم، وأوكد في سياسة الملك، وأوجب في الشريعة وأوقع في الهوينا اهـ منه. باب فيمن كان على مواقف الجيش ميمنة وميسرة وقلبا وفي المقدمة «قال ابن إسحاق في السير: وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين في يوم الفتح، وفي الإستيعاب في ذكر خالد بن الوليد أنه كان على مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين في بني سليم، وكان خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى يوم الفتح، والزبير على المجنبة اليسرى، وجعل أبا عبيدة بن الجراح على البيادقة، وهم الرجالة وهم أيضا أصحاب الملك والمتصرفون له وبطن الوادي. وفي غزوة بدر الكبرى وكان على الساقة قيس بن أبي صعصعة أخو بني مازن بن النجار، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف» . باب في شعار المحاربين والعلامة التي يتعارفون بها في الحرب خرج أبو يعلى بسند جيد عن علي قال: كان شعار رسول الله صلى الله عليه وسلم يا كل خير، وروى الطبراني عن عقبة بن فرقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه متأخرا فقال يا أصحاب سورة البقرة. وخرج الإمام أحمد وأبو داود عن سلمة بن الأكوع قال: غزوت مع أبي بكر زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان شعارنا: أمت أمت مرتين. [3/ 74 كتاب الجهاد] . وروى أبو الحسن بن الضحاك عن رجل من مزينة أو جهينة سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يقولون في شعارهم: يا حرام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حلال. وترجم في الإصابة لسنان بن وبرة الجهني فذكر أن الطبراني روى من طريق خارجة بن الحرث بن رافع الجهني عن أبيه سمعت سنان بن وبرة الجهني يقول: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة بني المصطلق وكان شعارنا: يا منصور أمت. وقال في الأوسط: لا يروى عن سنان إلا بهذا الإسناد، تفرد به محمد بن جهضم. قال البرهان الحلبي في نور النبراس: أمت. أمر من الموت، والمراد به التفاؤل بالنصر مع الأمر بالإماته مع حصول الغرض بالشعار، فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها لأجل ظلمة الليل اهـ. وفي الغريبين على حديث إذا بيتتم فقولوا حم لا ينصرون عن أبي عبيد أنه قال: كان المعنى اللهم لا ينصرون اهـ. وذكر في الإصابة أيضا: المهلب رجل غير منسوب فقال: ذكر ابن شاهين من طريق ذكوان مولى لنا قال: كان شعار المهلب: حم لا يُنْصَرُونَ. وقال المهلب: وكان شعاره صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وأخرج النسائي عن البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنكم تلقون عدوكم غدا فليكن شعاركم: حم لا ينصرون دعوة بينهم «1» . وأخرج أبو داود «2» والترمذي: إن بيّتكم العدو فقولوا: حم لا ينصرون. قال بعض الفضلاء من المشارقة قيل: إن معناه إن السور السبع التي فيها حم سورة لها شأن فتنبه صلوات الله وسلامه عليه أن ذكرها لشرف منزلها وفخامة شأنها، يستظهر به على إنزال رحمة الله في نصرة المسلمين، وقوله: لا ينصرون مستأنف كأنه حين قال: حم. قال له قائل: ماذا يكون إذا قلت هذه الكلمة؟ فقال: لا ينصرون. قال ابن حبيب: ولم يزل الشعار من أمر الناس. قال ابن عباس: كان الشعار يوم بدر: يا منصور. ويوم حنين: حم لا ينصرون. وشعارهم حين انهزموا: يا أصحاب سورة البقرة تخصيصا، حكاه ابن يونس عنه. قال بعض الشافعية وقد ذكر الحقوق المرتبة على أمير الجيش لهم فعدّ منها: أن يجعل لكل طائفة شعارا يتداعون به، ليصيروا به متميزين، وبالإجتماع به متظافرين. قال: وروى عروة بن الزبير عن أبيه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بني عبد الرحمن شعار الخزرج يا بني عبد الله، وشعار الأوس يا بني عبيد الله، وسمّى خيله خيل الله. قال: وجاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: تسوّموا فإن الملائكة قد تسومت وقد علّم أبو دجانة بعصابة حمراء يوم بدر حين أخذ السيف الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: من يأخذه بحقه. الحديث انظر فوائد الدرر. وفي ترجمة أبي دجانة سماك بن حرشة من الإستبصار: أنه كان يعلم في الحرب بعصابة حمراء وكان إذا علم بعصابة حمراء يعصبها على رأسه علم الناس أنه سيقاتل. وفي ظل الغمامة لأبي عبد الله بن أبي الخصال الغافقي، في ترجمة سيدنا حمزة الذاهب بصيت الملاحم، وعلاء الأيام المعلم بريش النعامة، ووطيس الحرب في احتماء واحتدام، لتتراآه الأبطال علما من الأعلام يصادم الخميس العرمرم فردا ويبيد الأبطال الممنعين بدا. باب في الوازع الذي يتقدم إلى الصف فيصلحه ويقدم ويؤخر يقال: وزعت الجيش، إذا حبست أولهم على آخرهم. «في الإكتفاء في قصة الفتح: ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذي طوى وقف على راحلته معتجرا بشقة برد حبرة، ولما وقف هنالك قال أبو قحافة وقد كفّ بصره لابنة له من   (1) ورد في أبي داود ج 3 ص 74 عن المهلب بن أبي صفرة عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم: إن بيّتم فليكن شعاركم: حم لا ينصرون. ورواه الترمذي في كتاب الجهاد ص 197 ج 3 حسب النص الوارد أعلاه: إن بيتكم العدو فقولوا: (حم لا ينصرون) . (2) عثرت عليه في أحمد 4/ 289. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 أصغر ولده: أي بنية إظهري على أبي قبيس فأشرفت به عليه فقال: أي بنية ماذا ترين؟ قالت: أرى سوادا مجتمعا قال تلك الخيل. قالت: وأرى رجلا يسعر بين ذلك السواد مقبلا ومدبرا. قال: أي بنية ذلك الوازع يعني الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها ثم قالت: قد والله انتشر ذلك السواد قال: إذا دفعت الخيل فأسرعي بي إلى بيتي الخ القصة» . وترجم في الإصابة «1» جندب بن الأعجم الأسلمي فذكر عن الواقدي في غزاة حنين قال: وعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ووضع الرايات والألوية الخ انظر ص 256. وفي سيرة ابن إسحاق حدثني حبان بن واسع عن أشياخ له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدّل أصحابه يوم بدر وفي يده قدح يعدل الصفوف به فمر سواد بن غزية حليف بني عدي بن النجار وهو متنقل في الصف قال ابن هشام ويقال: مستنصل من الصف، فطعن في بطنه. وقال: استو يا سواد القصة انظرها فيه «2» وفي ابن التلمساني على الشفا. باب في اتخاذ الخيل «في جامع الترمذي «3» عن علي: كانت أموال بني النضير مما أفاه الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزل نفقة أهله سنة، ثم يجعل ما بقي في الكراع: الخيل والسلاح عدة في سبيل الله. قال الترمذي: حسن صحيح. وذكر ابن إسحاق في غزوة بني قريظة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبد الأشهل بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد فابتاع له بها خيلا وسلاحا» . حديث «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» رواه البخاري «4» ومسلم من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر. قال الخطابي: فيه الإشارة إلى أن المال المكتسب بالخيل من خير وجوه الأموال وأطيبها، والعرب تسمي المال خيرا كما في قوله: إِنْ تَرَكَ خَيْراً [البقرة: 180] وقال ابن عبد البر: فيه إشارة إلى تفضيل الخيل على غيرها من الدواب، لأنه لم يأت عنه صلى الله عليه وسلم في شيء غيرها مثل هذا القول. وفي النسائي لم يكن شيء أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل، وانظر كتاب الخيل للحسن بن عرفة، وللحافظ أبي محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي، وللحافظ السيوطي كتاب جر الذيل من علم الخيل، وللشمس محمد بن الأمير عبد القادر الجزائري كتاب الصافنات الجياد وهو مطبوع أيضا. واختصر وهو مطبوع أيضا. وللشمس   (1) انظر ص 247 ج 1 من الإصابة الطبعة الأولى. (2) انظر سيرة ابن هشام ص 626 المجلد الأول. (3) انظر الترمذي ج 4 ص 216 من كتاب الجهاد رقم الحديث 1719. (4) انظر صحيح البخاري ج 3 ص 215 من كتاب الجهاد رقم الباب 43- 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 محمد بن محمد البخشي الخلوتي رشحات المداد فيما يتعلق بالصافنات الجياد وهو موجود بالمكتبة الخديوية بمصر، وللحافظ ولي الدين أبي زرعة العراقي المصري «فضل الخيل» وما جاء فيها من الفضل والنيل. وللحافظ سراج الدين محمد بن رسلان البلقيني «قطر السيل في أمر الخيل» لخصه من تأليف الخافظ الدمياطي، وزاد عليه أشياء و «حلية الفرسان وشعار الشجعان» لأبي الحسن علي بن عبد الرحمن المعروف بابن هذيل الأندلسي. وتحفة الأنفس وشعار سكان الأندلس، له أيضا وهو ينقسم إلى قسمين: الأول في الجهاد والثاني: في الخيل والسلاح، وكتاب يقظة الناعس في تدريب المجاهد الفارس، وتهذيب الإمعان في الشجاعة والشجعان، وراحة القلوب والأرواح في الخيل والسلاح. ذكر خيله صلى الله عليه وسلم «ذكر ابن جماعة في مختصر السير: خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: منها السكب، وهو أول فرس ملكه، اشتراه صلى الله عليه وسلم من أعرابي وكان أغر محجلا طلق اليمين كميت، وقال ابن الأثير: كان أدهم، ثم عدّد أسماء أفراس سبعة متفق عليها، وقيل: كانت له صلى الله عليه وسلم أفراس أخر 15 مختلف فيها، وكان عليه السلام يسابق عليها ويجلس لذلك في الملأ العام، ويفرح للسابق وراكبه. وفي الأكتفاء كان عمر رضي الله عنه قد اتخذ في كل مصر خيولا على قدره من فضول أموال المسلمين عدة لما يعرض فكان من ذلك بالكوفة أربعة آلاف فرس يشتّيها في قبلة قصر الكوفة وميسرته في مكان لأجل ذلك يسمى الآري ويربعها فيما بين الفرات من الكوفة مما يلي العاقول فسمته الأعاجم آخور الشاهجان يعنون معلف الأمراء وكان قيّمه عليها سلمان بن ربيعة الباهلي في نفر من أهل الكوفة يجريها كل يوم وبالبصرة نحو منها وقيمه عليها جزء بن معاوية وفي كل مصر من الأمصار على قدره. وفي الأستيعاب: معاوية أول من قيدت بين يديه النجائب» . وفي التهذيب للنووي كان له عليه السلام أفراس فأول فرس ملكه السكب، بفتح السين المهملة وإسكان الكاف وبالباء الموحدة، وكان أغرّ محجلا طلق اليمنى، وهو أول فرس غزا عليه وفرس آخر يقال له سبقة، وهو الذي سابق عليه فسبق وفرس آخر يقال له المرتجز وهو الذي اشتراه من الأعرابي الذي شهد له خزيمة بن ثابت، وقال سهل بن سعد: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أفراس: لزاز بكسر اللام وبزاءين والظرب بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء، واللحيف بضم اللام وفتح الحاء المهملة، وقيل: بالمعجمة فأما لزاز فأهداه له المقوقس، واللحيف أهداه له ربيعة بن أبي البراء، فأثابه عليه فرائض، والظرب أهداه له فروة بن عمر الجذامي، وكان له فرس يقال له الورد أهداه له تميم الداري، وهبه لعمر. وكان له صلى الله عليه وسلم دلدل يركبها في الأسفار، وعاشت بعده حتى كبرت وذهبت أسنانها، وكان يحش لها الشعير وماتت بينبع، وكان له صلى الله عليه وسلم ناقته العضباء، ويقال لها الجدعاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 والقصواء، وقيل هي ثلاث. وكان له حمار يقال له عفير، وكان له في وقت عشرون لقحة، ومائة شاة، وثلاثة أرماح وثلاثة أقواس وستة أسياف ودرعان وترس، وانظر كتاب أمتاع الإسماع بما للرسول من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع للتقي المقريزي وهو في ست مجلدات. فائدة في حواشي ابن غازي على الصحيح نقلا عن ابن بطال على قول الراوي: كان السلف يستحبون الفحولة ما نصه: لم ينقل عن السلف ركوب الإناث، إلا عن سعد بن أبي وقاص فإنه كانت له فرس أنثى بلقاء. أعجوبة ترجم الحافظ في الإصابة للزبرقان بن بدر بن امرىء القيس التميمي السعدي الصحابي الجليل ذكر الكوكبي أنه وفد على عبد الملك، وقاد إليه خمسة عشرين فرسا ونسب كل فرس إلى آبائه وأمهاته، وحلف على كل فرس منها يمينا غير التي حلف بها على غيرها. فقال عبد الملك: عجبي من اختلاف أيمانه أشدّ من عجبي بمعرفته بأنساب الخيل. باب في المسرج «في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لابن حيان الإصبهاني، عن أبي عبد الرحمن الفهري قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين في يوم صائف شديد الحر فقال: يا بلال أسرج لي فرسي فأخرج سرجا رقيقا من لبد ما فيه بطر ولا أشر؛ وفي مسند أبي داود الطيالسي من حديث أبي عبد الرحمن الفهري قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين، وذكر قصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال فثار من تحت الشجرة كأن ظله ظل طائر قال: لبيك وسعديك، وأنا قدامك قال: أسرج لي فرسي، فأتاه بدفتين من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر» . باب من أي شيء كان سرج رسول الله صلى الله عليه وسلم «في كتاب ابن حيان أنه من لبد وعن الطيالسي والسجستاني أنه من ليف، ولم يجىء في أشعار العرب في سروجها إلا أنها من لبد» . باب في ذكر من أخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ركوبه «خرج النسائي عن عبد الله بن بشر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عليه فذكر قصة قال: ثم قام يركب بغلة له بيضاء فقمت لآخذ بركابه» . ما جاء في ضم ثياب الفارس في سرجه عند ركوبه «ذكر الثعالبي في فقه اللغة، والمطرزي في اليواقيت، عن ابن عباس قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا في سرية فرأيته قد ألبسه ثيابه وعممه. فركب علي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له ويوصيه وصفن ثيابه في سرجها أي جمعها» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 باب في الرجل يركب خيل الإمام يسابق عليه وفيه فصول فصل في أنه صلى الله عليه وسلم كان يسابق بين الخيل «في البخاري عن ابن عمر قال: سابق رسول الله بين الخيل التي أضمرت فأرسلها، وكان ابن عمر ممن سابق عليها. سابق بين الخيل أجراها ليرى أيها اسبق» . فصل في ذكر مسابقة النبي صلى الله عليه وسلم بخليه وذكر من ركبها من الصحابة للمسابقة بها «ذكر أبو عبيد البكري عن الزهري قال: سبق سهل بن سعد الساعدي على فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له الظرب، فكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم بردا يمانيا. وسبق أبو أسيد الساعدي على فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما طلع الفرس جثا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه، وأطلع من الصف وقال: كأنه بحر، وكسا أبا أسيد حلة يمانية» . وقد ترجم البخاري في الصحيح باب السبق بين الخيل «1» وباب إضمار الخيل للسبق وباب السباق للخيل المضمرة وترجم الترمذي باب المراهنة على الخيل. انظر فتح الباري. باب في صاحب الراحلة الناقة «ذكر ابن جماعة والقسطلاني في ذكر خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم بن شريك بن عوف قال: وكان صاحب راحلة صلى الله عليه وسلم» قال الزرقاني: أي الذي كان ينزل الرحل عنها ويضعه عليها. وفي معجم الطبراني من طريق الهيثم بن رزين، عن أبيه عن الأسلع بن شريك الأشجعي، عن الربيع بن بدر، حدثني أبي عن أبيه، عن رجل يقال له الأسلع قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم، وأرحّل له فقال لي ذات يوم: يا أسلع قم فارحل فقلت: يا رسول الله أصابتني جنابة، ثم خرج عنه أيضا قال: كنت أرحل ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، فأصابتني جنابة في ليلة باردة، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحلة، فكرهت أن أرحل ناقته وأنا على جنابة، فأسخنت ماء فاغتسلت، ثم لحقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال: يا أسلع مالي أرى راحلتك تغيرت، فقلت: يا رسول الله لم أرحلها، رحّلها رجل من الأنصار قال: ولم؟ قلت: أصابتني جنابة فأمرته يرحلها. قال الحافظ في الإصابة: وقع للشيخ مغلطاي في شرح البخاري أول التيمم نسبة قصة الأسلع إلى الجاحظ في كتاب البرهان «2» ، وهذا تقصير شديد منه مع كثرة إطلاعه. وأخرج الحاكم أن البراء بن مالك أخا أنس بن مالك كان يرحل له صلى الله عليه وسلم في بعض اسفاره، وفي   (1) انظر كتاب الصلاة باب 41 ج 1/ 108. (2) انظر الإصابة ج 1 ص 37 في ترجمة الأسلع الأعرجي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 ترجمة كلثوم بن الهدم من الإستبصار: صاحب رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعرف بذلك. باب في صحاب البغلة «ذكر ابن جماعة في مختصر السير له في ذكر خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم: عقبة بن عامر الجهني، كان صاحب بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقود به في الأسفار» . وقال الزرقاني في شرح المواهب: رفقا به صلى الله عليه وسلم في صعود الدابة لمرتفع، وهبوطها منه أو خروجها عن الطريق، وأنه كان في سيره مشغولا بالعبادة كصلاة نافلة، واشتغاله بالدابة يشغله عن ذلك اهـ ص 341 من الجزء الثالث وأصله للشبراملسي قلت: وقع ذكر عقبة بذلك في مسند أحمد وأبي داود والنسائي وكان عامر المذكور عالما بالفقه والفرائض شاعرا مفوّها ولي مصر لمعاوية. فائدة: في أوائل السيوطي: أول بغلة ركبت في الإسلام دلدل، بغلة النبي صلى الله عليه وسلم، أهداها إليه المقوقس، وعزا ذلك لابن سعد، عن محمد بن إبراهيم التميمي وفيها: أن أول بغلة شهباء رؤيت بالمدينة البغلة التي أهداها فروة بن عمرو الجذامي للنبي صلى الله عليه وسلم. وترجم في الإصابة لبسر بن أبي بسر المازني فذكر أن ابن السكن خرّج عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم وهو راكب على بغلة، كنا نسميها الحمارة الشامية انظر ص 153 وترجم فيها أيضا لفروه بن عامر الجذامي عامل الروم على من يليهم من العرب وكان منزله معان وما حولها من أرض الشام، فذكر إسلامه وإهداءه للمصطفى صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء انظر ص 213/ 3. وفي آخر كتاب بدء الخلق من تشنيف المسامع على الصحيح الجامع على قول الراوي: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمر. ابن العربي سؤال السائل عن الحمير لأنها لا كرّ فيها ولا فرّ كالخيل، ولأنهم لم تكن لهم بغال، ولا دخل الحجاز منها شيء، إلا بغلة النبي صلى الله عليه وسلم دلدل التي أهداها إليه المقوقس اهـ. عبارة ابن سعد في الطبقات: لما ذكر إهداء المقوقس له عليه السلام دلدل ولم يكن في العرب يومئذ غيرها، وذكر غيره بغالا كانت له عليه السلام غير هذه، فعلها دخلت بعدها. وذكر في السير أنه كان المرتجز من أفراسه عليه السلام أشهب، وكذلك كان حماره عفير أشهب أيضا، وكانت ناقته القصواء شهباء، وهي التي هاجر عليه السلام عليها، وبغلة شهباء، باب في القائد «تقدم أن عقبة كان يقود به في الأسفار، وفي سنن أبي داود عن أم الحصين قالت: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالا أحدهما آخذ بخطام النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر، حتى رمى جمرة العقبة» «1» .   (1) انظر كتاب الحج ج 2/ ص 416 ورقمه 1834. وأول الحديث: حججنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وذكر الطبري أن حسان الأسلمي وخالد بن يسار الغفاري، كانا يقودان بالنبي صلى الله عليه وسلم. انظر المواهب وشرحها ص 345 الجزء الثالث. باب فيمن كان يسوق به صلى الله عليه وسلم ذكر في الإصابة حسان الأسلمي فنقل عن الطبري أنه كان يسوق بالنبي صلى الله عليه وسلم هو وخالد بن يسار الغفاري وقال استدركه ابن فتحون انظر ص 10 الجزء الثاني «1» . وفي الإستبصار في أنساب الأنصار، أن الحارث بن الصمة، خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وكان يسوق به فقال الشاعر: يا رب إن الحارث بن الصمة ... أهل وفاء صادق وذمة أقبل في مهامه ملمة ... في ليلة ظلماء مدلهمة يسوق بالنبي هادي الأمة ... يلتمس الجنة في مؤتمة باب في سائق بدن النبي صلى الله عليه وسلم ترجم في الإصابة لخالد بن سيار بن عوف الغفاري، فنقل عن ابن الكلبي: كان سائق بدن النبي صلى الله عليه وسلم، هو وحسان الأسلمي، ذكره ابن شاهين والطبري ابن شاهين والطبري انظر ص 92 الجزء الثاني. باب في صاحب بدن النبي صلى الله عليه وسلم ترجم في الإصابة لناجية بن جندب الأسلمي فقال فيه: كان صاحب بدن النبي صلى الله عليه وسلم. باب في راعي لقاح النبي صلى الله عليه وسلم ترجم الحافظ في الإصابة لذر بن أبي ذر الغفاري، فقال: ذكر الحافظ شرف الدين الدمياطي في سيرته، أنه كان راعي لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي كانت بالغابة، وترجم في الإصابة أيضا لغريب [بوزن عظيم] المليكي فذكر عن ابن السكن فقال إنه كان راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر ص 240 من الجزء الرابع. وفي الطبعة الأولى، ص 479/ 2. باب فيمن كان يقوم بلقاحه صلى الله عليه وسلم ترجم في الإصابة لرباح مولاه عليه السلام فذكر عنه ذلك. باب فيمن كانت عنده خيل النبي صلى الله عليه وسلم ترجم في الإصابة لسعد بن مالك الساعدي، فذكر أن أبا نعيم خرّج عن أبي العباس، عن أبيه عن جده قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم عند أبي أفراس.   (1) من الطبعة الأولى ص 328 ج 1 ورقم صاحب الترجمة 1711. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 باب في جماله عليه السلام ترجم في الإصابة «1» لعبد الملك بن أبي بكر فقال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم مع تميم الداري وكنت جمّاله. استدركه ابن الأمين اهـ وهكذا في الإختصار: ونصه عبد الملك بن أبي كثير، وقد مع تميم الداري وكان جماله اهـ من خط مؤلفه ولكنه جعله ابن أبي كثير لا ابن أبي بكر كما بالنسخة المطبوعة بمصر ثم وجدته في التجريد على ما عند العراقي ابن أبي كثير ونقل نحو ما ذكر عن ابن بشكوال، إلا أن ما بعده تصحف في النسخة المطبوعة في الهند انظر ص 387 منها. باب فيمن كان يمسك دابة المصطفى في خيبر عن القتال ترجم في الإصابة لكركرة مولاه عليه السلام، فنقل عن الواقدي: كان يمسك دابة النبي صلى الله عليه وسلم عند القتال في يوم خيبر باب فيمن كان يأخذ بركابه عليه السلام وهو على الناقة ترجم في الإصابة منقع بن الحصين التميمي السعدي فذكر أن ابن السكن أخرج عنه؛ أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم على ناقة، وأسود آخذ بركابه، قد حاذى رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما رأيت من الناس أطول منه «2» . وفي مسلم في غزوة خيبر، عن العباس بن عبد المطلب، فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفار، وأنا آخذ بلجامها، وأبو سفيان بن الحرث آخذ بركابها. وقد بوّب البخاري في كتاب المغازي باب الركاب والغرز للدابة، قال في الفجر الساطع: الركاب: يكون من حديد أو من خشب، وهو للفرس. والغرز: جلد وهو للجمل بمنزلة الركاب للفرس، أي جواز اتخاذ ما ذكر. وأشار به إلى أن ما ورد عن عمر من قوله: إقطعوا الركاب، وثبوا على الخيل وثبا، ليس على منع اتخاذ الركاب أصلا وإنما أراد تدريبهم على الوثوب. قاله ابن بطال اهـ. وفي ابن التلمساني على الشفا: أول من ضرب الركاب من حديد المهلب بن أبي صفرة اهـ. باب فيمن كان يأخذ بخطام ناقته عليه السلام في ترجمة أبي كامل الأحمسي من الإصابة عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، يخطب الناس يوم عيد على ناقة، وحبشي يمسك بخطامها. وأصله في طبقات ابن سعد انظر ص 345/ 6.   (1) انظر الإصابة ج 2 ص 431 رقم الترجمة: 5262. (2) الإصابة ج 3 ص 464. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 وفي الصحيح في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ربّ مبلّغ أوعى من سامع، من كتاب العلم: عن أبي بكرة أنه عليه السلام قعد على بعيره، وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه قال في فتح الباري: الشك من الراوي، والزمام والخطام بمعنى الخيط الذي تشد فيه الحلقة، التي تسمى بالبرة بضم الموحدة وتخفيف الراء المفتوحة في أنف البعير، وهذا الممسك سماه بعض الشراح بلالا واستند إلى ما رواه النسائى من طريق أم الحصين، قالت: حججت فرأيت بلالا يقود بخطام راحلة النبي صلى الله عليه وسلم اهـ. ووقع في السنن من طريق عمرو بن خارجة قال: كنت آخذا بزمام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر بعض الخطبة، فهو أولى ما يفسر به المبهم من بلال، لكن الصواب أنه هنا أبو بكرة، فقد ثبت ذلك في رواية الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن ابن عون، ولفظه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته يوم النحر، وأمسكت إما قال بخطامها وإما قال بزمامها، واستفدنا من هذا أن الشك ممن دون أبي بكرة، لا منه وفائدة إمساك الخطام صون البعير عن الإضطراب، حتى لا يشوش على راكبه اهـ كلام الفتح. ووجدت قصة في أسد الغابة تدل على أن الصحابة كانوا لا يحبون أحدا ينازع المكلف بشؤون رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كان المصطفى «1» وهم يحبون اختصاص كل مكلف بما كلف به، وذلك أنه ترجم سعد بن الآخرم فقال: مختلف في صحبته، سكن الكوفة روى عنه ابنه المغيرة، روى عيسى بن يونس ويحيى بن عيسى عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن المغيرة بن سعد بن الآخرم عن أبيه أو عن عمه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأريد أن أسأله فقيل لي: هو بعرفة فاستقبلته فأخذت بزمام ناقته فصاح بن الناس، فقال: دعوه. ثم ذكر قصة انظرها ص 267 من الجزء الثاني وفي آخر القصة قول المصطفى له: دع الناقة ثم قال ذكره أبو أحمد العسكري. باب في الحادي (الحدو سوق الإبل والغناء لها) . «في سنن النسائي عن عبد الله بن رواحة أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له فقال له: يا ابن رواحة، إنزل فحرك الركاب، فقال: يا رسول الله قد تركت ذلك، فقال عمر، اسمع وأطع قال فرمى بنفسه فقال: اللهم لولا أنت ما اهتدينا. وفي النسائي عن عبد الله بن مسعود قال: كان معنا ليلة نام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس حاديان. وفي مسند أبي داود الطيالسي عن أنس: كان أنجشه يحدو بالنساء، وكان البراء بن مالك يحدو بالرجال، وكان أنجشة حسن الصوت، وكان إذا   (1) قوله: بل كان المصطفى جملة معترضة غير تامة! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 حدا أسرعت الإبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أنجشة رويدك (أي على مهل) بالقوارير (أواني الزجاج) الواحدة قارورة شبه النساء لضعف قلوبهن بقوارير الزجاج» . من كان على هديه عليه السلام في حجة الوداع خرج عليه السلام لحجة الوداع ومعه هدي كثير كان عليه كما قال ابن سعد ناجيه بن جندب الأسلمي، وكان على جميع الهدي الذي ساقه من المدينة. انظر الطبقات. باب في صاحب السلاح وفيه ذكر سلاحه عليه السلام «تقدم عن ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم بعث سعيد بن زيد إلى نجد ليبتاع له الخيل والسلاح، واتخذ صلى الله عليه وسلم أنواع السلاح التي كانت موجودة إذ ذاك عند الأمم. كان له من السيوف تسعة لكل واحد إسم يخصه» . قلت: قد نظمها الشيخ عبد الباسط سبط السراج البلقيني فقال: لهادينا من الأسياف تسع ... رسوب والمخذم ذو الفقار قضيب حتف والبتار عضب ... وقلعي ومأثور الفجار وحكمتها تناسب آي موسى ... وكلّ للعدا سبب البوار واستدرك بعضهم سيفا آخر سماه المعصوب، وقال البدر القرافي: هو من أسياف النبي صلى الله عليه وسلم، واستدرك غيره سيفا آخر سماه الصمصامة انظر شرح ابن الطيب الشرقي على سيرة ابن الجزري، وانظر مادة حسم وعضب وفقر ورسب من حواشي ابن الطيب على القاموس «1» . أين كان عليه السلام يجعل السيف منه والسنة في حمله عليه السلام السيف تقلده به في عنقه الكريم، كما قاله ابن الجوزي، لا شدّه في وسطه كما هو العرف الآن، ونقله الزرقان في شرح المواهب ص 335 من ج 4، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا، قد سبقهم إلى الصوت واستبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عري، والسيف في عنقه وهو يقول: لن تراعوا وهو في الصحيحين وأبي داود والترمذي. قال الزرقاني على قوله: والسيف في عنقه أي حمائله معلقة في عنقه الشريف متقلدا به، وقال الخفاجي في شرح الشفا قوله والسيف في عنقه، أي حمائله معلقة في عنقه الشريف متقلدا به عليه السلام، وعلم أن هذا هو السنة في حمل السيف، كما قال ابن الجوزي لا شدة في وسطه، كما هو المعروف الآن اهـ.   (1) في كتاب الخزاعي ص 416 تفصيل حسن لسيوف النبي صلى الله عليه وسلم واسم كل منها ومتى وقع في يد النبي صلى الله عليه وسلم. فليت المؤلف نقل كلام الخزاعي بتمامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وقال الزرقاني في غزوة أحد: وتقلد سيفه، أي جعل علاقته على كتفه الأيمن، وهو تحت ابطه الأيسر، وعند ابن سعد: أظهر الدّرع وحزم وسطها بمنطقة من أدم من حمائل سيفه، وتقلد السيف وألقى الترس في ظهره اهـ. وكان يحلي السيف وآلة الحرب بالذهب والفضة، وكان له خمس أرماح وعدة حرب وغزاة ودروع 7 وبيضة وقال ابن جماعة في سيرته: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جباب يلبسها في الحرب؛ منها جبة سندس أخضر رقيق الديباج، ولبس صلى الله عليه وسلم ضيقة الكمين، وكان لرسول الله منطقة (المنطقة ما شددت به وسطك من أديم جلد) مبشر وفيها ثلاث حلق من فضة، والأبزيم فضة والطرف من فضة، ونحوه لأبي الفتح اليعمري في سيرته وذكر ابن سعد وغيره أنه صلى الله عليه وسلم يوم أحد: حزم وسطه بمنطقة وأقره اليعمري وغيره، قال الزرقاني في شرح المواهب فقول ابن تيمية لم يبلغنا أنه شد على وسطه بمنطة تقصير، فابن سعد ثقة حافظ فهو حجة على النافي، ولا سيما أنه نفى ولم يطلق النفي فدع عنك قيل وقال اهـ ودخل صلى الله عليه وسلم عام الفتح مكة وعلى رأسه المغفر، والمغفر ما يجعل من الزرد على الرأس مثل القلنسوة والخمار، وهو حديث مشهور أفرده جماعة من الحفاظ بعدة مصنفات. لطيفة للشيخ علاء الدين علي بن محمد السعدي المتوفى عام 717 رسالة في المفاخرة بين السيف والرمح، ولأبي حفص أحمد بن محمد بن أحمد الكاتب الأندلسي، وكان حيا بعد عام 404 مفاخرة بين السيف والقلم، ولعلي بن هبة الله بن ماكولا المفاخرة أيضا بين السيف والقلم والدينار، ولإبن نباتة أيضا وغيرهم. غريبة في شرح الطريقة المحمدية للعارف النابلسي عن المرغيناني: لما استولى عمر على خزائن كسرى أمر سراقة وكان أطول أصحابه أن يلبس قباء كسرى فلبسه، ثم قال له تحزم فتحزم ثم قال تمنطق فشد المنطقة، وكانت مذهبة فيها فصوص من جواهر فدل على الجواز اهـ منه. باب في حامل الحربة بين يديه عليه السلام «ذكر أبو محمد بن حيان الأصبهاني عن ابن يزيد قال: بعثني نجدة الحروري إلى ابن عباس أسأله: هل سيّر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحربة قال: نعم مرجعه من حنين» . وتقدم أن النجاشي ملك الحبشة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حربة، وكانت تقدم بين يديه إذا خرج إلى المصلى يوم العيد، وتوارثها الخلفاء، وأنها الحربة التي قتل بها النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف بيده يوم أحد، وتسمى العنزة أيضا. باب في حامل السيف «في الإستيعاب والروض الأنف ونور النبراس، أن الضحاك بن سفيان بن كعب، كان أحد الأبطال يقوم علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفه، وكان يعد بمائة فارس وحده، وذكر ابن بدر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 أن الضحاك بن سفيان كان سياف النبي صلى الله عليه وسلم، قائما على رأسه متوشحا بسيفه» «1» . التوشح بالسيف التقلد به. وفي قصة صلح الحديبية أن عروة «2» كان يكلم المصطفى صلى الله عليه وسلم، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه السيف وعليه المغفر. قال الحافظ في الفتح؛ فيه جواز القيام على رأس الأمير بالسيف لقصد الحراسة ونحوها، من ترهيب العدو. ولا يعارضه النهي عن القيام على رأس الجالس، لأن محله إذا كان على وجه العظمة والكبر اهـ. وقال الإمام مجد الدين بن تيمية في المنتقى على قيام المغيرة المذكور: فيه استحباب الفخر والخيلاء في الحرب لإرهاب العدو، وأنه ليس بداخل في ذمّه لمن أحب أن يتمثل له الرجال قياما، وكذا قال غيره وقال الخطابي: فيه دليل عى أن إقامة الرئيس الرجال على رأسه في مقام الخوف، ومواطن الحروب جائز، وأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: من أحبّ أن يتمثل له الرجال صفوفا فليتبوأ مقعده من النار، هو لمن قصد به الكبر، وذهب مذهب النخوة والجبرية اهـ. قال الإمام ابن مفلح في الآداب الكبرى: ولعل المراد أن من فعل ذلك لمقصد شرعي لا بأس به اهـ. باب فيمن كان يضرب الأعناق بين يديه صلى الله عليه وسلم ترجم لهم في سيرة ابن سيد الناس، فذكر خمسة وهم: علي بن أبي طالب والزبير، والمقداد، ومحمد بن مسلمة، وعاصم بن ثابت، وزاد ابن القيم: الضحاك بن سفيان الكلابي. قال في نور النبراس: ولم يذكر ابن سيد الناس منهم عويمر بن ساعدة، ولا عثمان، ولا شخصا من الأنصار. وقد ذكر المصدر (ابن سيد الناس) في غزوة أحد، في قصة الحرث بن سويد بن الصلت، أنه قدمه عليه السلام فضرب عنقه، ضربه عويمر بن ساعدة، ولعل المراد من كان يتكرر ذلك منه اهـ. وفي المواهب: وكان يضرب الأعناق بين يديه صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب والزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، ومحمد بن مسلمة وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، والضحّاك بن سفيان، والأخير كان شجاعا يعد بمائة فارس. باب في الصيقل صقل السيف حلاه. «في الإستيعاب: مرزوق الصيقل، مولى الأنصار، له صحبة صقل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم» .   (1) وانظر في الإصابة ج 2 ص 206 ترجمة الضحاك بن سفيان بن عوف الكلابي رقم الترجمة 4166. (2) هو عروة بن مسعود الثقفي، انظر سيرة ابن هشام ج 2 ص 313. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 وفي الإصابة أخرجه البغوي والطبراني من طريق محمد بن حمير قال: حدثنا أبو الحكم حدثني مرزوق الصيقل: أنه صقل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار، وكان له قبيعة من فضة وحلق في قيده وبكرة في وسطه من فضة، ثم تردد في الجزم بصحبته بعد أن نقل عن العسكري وغيره فيه: له صحبة. وعن ابن حبان يقال: إن له صحبة. «تنبيه» - الآلات القتالية من نبل وسيف وحربة هي التي كانت معروفة لذلك العهد، وأما المدافع وما يرجع إليها فحادث، ولأبي إسحاق إبراهيم بن أحمد غانم الأندلسي كتاب سماه: العز الذائع في المجاهدين بالمدافع، وهو كتاب عديم الوجود توجد منه نسخة بمصر الآن، وللإمام الحافظ بدر الدين بن جماعة المقدسي كتاب سماه: مسند الأجناد في آلات الجهاد، ذكره له ابن سليمان الرداني في صلته. «تتمة» في فتح الوهاب على هداية الطلاب، للشيخ سيدي المختار بن أحمد الكنتي: مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت في صدر الإسلام، لا يضع الرجل فيها سلاحه لقلة الأمن، لأن جميع أهل الأرض أعداء لهم. قلت: ويؤيده ما ورد من الترغيب في حمل السلاح، ولو في الصلاة. وانظر المدخل وغيره. باب في الدليل في الطريق دليله صلى الله عليه وسلم في الهجرة «استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة كما في الصحيحين رجلا من بني هذيل هاديا خريتا وهو على دين كفار قريش، دليله صلى الله عليه وسلم في أحد: أبو حتمة بن الحارث، كما في ابن إسحاق، دليله في غزوة الحديبية رجل من أسلم» . ترجم في الإستيعاب سعد العرفي فقال: كان دليله عليه السلام إلى المدينة في هجرته «1» ، وترجم في الإصابة: تبيع الحميري ابن امرأة كعب الأحبار، ونقل عن أبي بكر البغدادي أنه ذكره في الطبقات العليا من أهل حمص التي تلي الصحابة، وقال كان رجلا دليلا للنبي صلى الله عليه وسلم. قال فعرض عليه الإسلام فلم يسلم حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر ص 190 من الجزء الأول، وترجم فيها أيضا لثابت بن الضحاك بن خليفة الأنصاري، فذكر ابن أبي داود وابن السكن خرّجا من طريق أبي بكر بن أبي الأسود: كان ثابت بن الضحاك رديف النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، ودليله إلى حمراء الأسد. انظر ص 201 وترجم فيها أيضا جبار الثعلبي فذكر عن الواقدي أنه كان دليل النبي صلى الله عليه وسلم إلى غطفان انظر ص 302 من الجزء   (1) ذكر في الإصابة أثناء ترجمته لأم معبد الخزاعية ص 497 ج 4 اسم عبد الله بن أريقط الذي كان دليلا للنبي صلى الله عليه وسلم في هجرته إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة مولاه. وقد نقل ذلك عن الاستيعاب المطبوع بهامش الإصابة نفس الورقة!! محققه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 الأول، وترجم فيها أيضا جميل الأشجعي، فذكر أنه عليه السلام استأجره بعشرين صاعا ليدل أصحابه على طريق خيبر ففعل ثم أسلم، وترجم أيضا [396/ 3] مذكور العذري فنقل عن الواقدي أنه كان دليل المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم نقل عن الحاكم في الإكليل راويا بسنده لما أراد عليه السلام أن يدنو من الشام ومعه دليل خريت هاد من بني عذرة الحديث انظر ص 76 من ج 6. باب في البناء في المفازات التي يسلكها الإمام إعلاما بوصول قدمه هناك (ويتخذ علما لبلوغ دعوته ثمة) في السير «1» أنه عليه السلام لما خرج في غزوة الطائف سلك على نخلة اليمانية بحرة الرّغاء فابتنى فيها مسجدا وصلى فيه قال: ابن باديس: فيه بناء المساجد في المفازات، والمواضع العامرة لتكون علما على الإسلام وبلوغ الدعوى اهـ. وفي المواهب لدى الكلام على غزوة تبوك: وبنى في طريقة مساجد. قال الزرقاني: عشرين أي كان سببا في بنائها للصلاة أي تلك الأماكن أو علّم عليها، فبنيت بعده اهـ وهو تكلف. باب في مسهل الطريق «في الإستيعاب غالب بن عبد الله الليثي هو الذي بعثه صلى الله عليه وسلم يسهل له الطرق» . وعزا ذلك في الإصابة لتخريج البخاري في التاريخ والبغوي وزاد: ولأكون له عينا. [انظر الأصابة: 3/ 183] . باب في ذكر من يطأطأ هامته للإمام ليركب ترجم في الإستيعاب مارية خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تكنى أم الرباب حديثها عند أهل البصرة أنها تطأطأت للنبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد حائطا ليلة فر من المشركين اهـ منه ص 778 وترجمها في الأصابة وزاد «2» . قلت وأخرجه ابن منده من طريق يعلى بن أسد عن عبد الله بن خبيب عن أم سليمان عن أمها عن جدتها مارية قالت: تطأطأت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره والعجب من الخزاعي كيف أهمل هذه الترجمة مع أن الإستيعاب كان بيده وهو معظم مادته والكمال لله. وينبغي أن يذكر هنا ما وقع في غزوة أحد، وهو أنه عليه السلام لما كسرت رباعيته في سبيل الله، وشج وجهه الكريم، نهض إلى صخرة من جبل ليعلوها، وقد كان بدّن وظاهر يومئذ بدرعين، فلم يستطع فجلس تحته طلحة حتى استوى، فقال: أوجب طلحة. أي فعل فعلا يوجب له دخول الجنة.   (1) انظر ابن هشام ج 2 ص 482. (2) انظر ج 4 ص 405. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 باب في صاحب المظلة «ذكر ابن إسحاق في خبر هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم،. ووصوله إلى المدينة؛ وخروج الناس إليه سرعانا فلما زال الظل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليه أبو بكر فأظله بردائه، وفي صحيح مسلم عن أم الحصين بنت إسحاق الأخمصية أو الأخمسية قالت: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة بن زيد وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة» . باب في ذكر صاحب الثقل متاع المسافر وحشمه قال الزرقاني في شرح المواهب بفتح المثلاثة وكسرها وفتح القاف اهـ وأصله في الصحاح وفي التهذيب أنه بضم القاف. «في الصحيح عن عبد الله بن عمر قال: كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة، وفي مسلم عن أبي رافع وكان على ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ولكني جئت فضربت قبته فجاء فنزل» . وترجم في الإصابة لعبد الله بن زيد بن عمرو بن مازن الأنصاري فقال: ذكره ابن منده، وأخرجه من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق، أنه كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعقبه أبو الفتح بأن الذي كان على الثقل عبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول «1» وقوله على الثقل ذكره بالمثلاثة والقاف، وإنما هو بالنون والفاء ولا مانع من تعدد القصة، والحكم عليه بالتصحيف فيه صعوبة، لأن صورة الكلمتين محتملة. وترجم لعبد الله بن كعب الأنصاري، فذكر أنه كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم. باب ذكر فسطاطه عليه السلام قال سبحانه: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ [النحل: 80] . ومن المعلوم أن البيوت التي يسكن الإنسان فيها على قسمين: أحدهما البيوت المتخذة من الخشب، والطين، والآلات التي يمكن بها تسقيف البيوت، وإليها الإشارة بقوله تعالى: «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً» وهو ما يسكن إليه الإنسان أو يسكن فيه، وهذا القسم من البيوت لا يمكن نقله، بل الإنسان ينتقل إليه القسم الثاني: الخيام والقباب والفساطيط، وإليه الإشارة بقوله «وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم» وهذا القسم من البيوت يمكن نقله وتحويله، والمراد بها الأنطاع يعني البسط المتخذة من الجلد، وما يعمّ البيوت منه، مما تستعمله العرب وغيرهم، من أهل البوادي.   (1) انظر الإصابة ج 2 ص 362. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 والمعنى: يخفف عليكم في أسفاركم وإقامتكم، لا يثقل عليكم في الحالتين ويسمّى. أي الفسطاط: الكن. قاله ابن سيد الناس اليعمري، وفي الفوائد له: الفسطاط البيت من الشعر، والكن ما يستر من الحر والبرد، قال في نور النبراس والفسطاط بضم الفاء وكسرها، وبالطاء والتاء الخباء. قاله في المطالع اهـ ويقال له في المغرب الخزانة ومجموع ما يدخله الملك بأهله آفراك بلهجة المغاربة، والمكلفون به يسمون في حاشية الملك بالمغرب قديما «الفرايكية» ، وكانت الخزائن في القديم تستعمل من جلد أو صوف أو شعر، وأول من عملها من كتان أحد أسلافنا، وهو يحيى بن عمران بن عبد الجليل بن يحيى بن يحيى بن محمد بن إدريس بن إدريس رضي الله عنه؛ لما بويع بزواوة من عمالة قسمطينة، أيام فرار الأدارسة من فاس، ومن هناك جرى على عائلتنا الكتانية اللقب بالكتاني، ونقل مؤرخ الدولة الحسنية العلوية، أبو العباس ابن الحاج في الدر المنتخب المستحسن نظما لأحد أعلام بيتنا جاء فيه. فجدنا يحيى وبالكتاني ... نسبته قائمة البرهان سببه جعل الخبا كتانا ... جرى على من بعد حتى الآنا وقت إمارة له فيما سلف ... وفي كنوز قد أتانا مؤتلف كذا تلقى ناظم اللآلي ... عن بعض أعيانهم الكمال وفي بهجة المحافل للعاملي: كانت له عليه السلام قبة يضربها في إسفاره تسع أربعين رجلا اهـ انظر ص 172 منها. وفي المقالات السنية: روى الذين رأوا قبابا واحدة ... كانت مربعة حمراء من أدم من شعر أخرى، وأخرى أربعين بها ... رأى من أصحابه في صحبة العلم حمراء من أدم أبو جحيفة ثم ... جابر مع عبد الله ذو القدم تنبيه- هذه الترجمة تعرفك أنه عليه السلام كان يحس بالحر والبرد، وهو مقتضى غير ما حديث، ولما ساق في المواهب قول البدر الزركشي: أنه عليه السلام كان معتدل الحرارة والبرودة، فلا يحس بالحر ولا بالبرد، وأنه كان في ظل غمامته، من اعتدال تبرأ منه بقوله: كذا قال رحمه الله. قال شارحها: لأنه منابذ لما تشهد به الأحاديث من أنه عليه السلام كان يحس بالحر والبرد، ففي حديث الهجرة أن الشمس أصابته وظلله أبو بكر، وفي الصحيح أيضا أنه كان بالجعرانة، وعليه ترس قد أظل به. وروى ابن منده والبيهقي مرفوعا: لا نصبر على حر ولا برد وخرّج أحمد «1» بسند جيد أنه عليه السلام وضع يده في   (1) في أحمد ج 4 ص 474 من حديث أبي رهم الغفاري: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فلما فصل سرى ليلة فسرت قريبا منه وألقي علي النعاس ... وقد دنت راحلتي من راحلته ... فأصابت رجله فلم أستيقظ إلا بقوله: حس. فرفعت رأسي فقلت: استغفر لي يا رسول الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 طعام حار فاحترقت أصابعه الشريفة فقال: حس، وحس بفتح الحاء المهملة وكسر السين بلا تنوين: كلمة تقال عند الألم من نحو إحراق كحز. قاله الحلواني في مولده الكبير. باب فيمن كان يضرب قبته عليه السلام يؤخذ من الترجمة السابقة أن أبا رافع كان يتولى ذلك. باب فيمن يكتنف الإمام إذا أراد الدخول إلى الحضرة في الصحيح «1» : عن أنس في قصة سقوط المصطفى عن راحلته هو وصفية، وفيه فركب، واكتنفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن غازي في حاشيته نقلا عن المهلب: فيه اكتناف الإمام عند دخول المدن وتلقي الناس، وفي ترجمة الورد بن خالد بن حذيفة من طبقات ابن سعد: صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان على ميمنته يوم الفتح. باب في الأمين على الحرم في ذكر أمين رسول الله صلى الله عليه وسلم على حرمه «في الإستيعاب: كان عبد الرحمن بن عوف أمين رسول الله صلى الله عليه وسلم على نسائه، وفي البهجة لابن هشام: وفي سنة 23 من الهجرة حجّ عمر واستأذنه نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الحج، فأذن لهن فخرجوا في الهوادج عليهن الطيالسة، وكان أمامهن عبد الرحمن بن عوف، ووراءهن عثمان بن عفان، وكانا لا يدعان أحدا يدنو منهن» . وأخرج علي بن حرب في فوائده عن سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح: أن المصطفى عليه السلام قال: إن الذي يحافظ على أزواجي من بعدي هو الصادق البار، فكان عبد الرحمن بن عوف يخرج بهن، ويحج معهن، ويجعل على هوادجهن الطيالسة وينزل بهن في الشعب الذي ليس له منفذ. وخرج ابن سعد في الطبقات عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده أن عمر أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الحج، فحملهن في الهوادج عليهن الأكسية الخضر، وبعث معهن عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، فكان عثمان يسير على راحلته أمامهن فلا يدع أحدا يدنو منهن، وكان عبد الرحمن يسير على راحلته من ورائهن، فلا يدع أحدا يدنو منهن، ينزلن مع عمر كل منزل. وفي رواية في الطبقات أيضا فكان عثمان يسير أمامهن فلا يترك أحدا يدنو منهن ولا يراهن إلا مدّ البصر، وعبد الرحمن كذلك. وفي رواية أخرى في طبقات ابن سعد أيضا: يسير أمامهن ابن عفان ويصيح إذا دنا   (1) انظر البخاري كتاب الجهاد ج 4/ 39 باب 197. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 منهن أحد: إليك وابن عوف من ورائهن كذلك، فنزلن بقديد واعتزلن الناس، وقد ستروا عليهن الشجر من كل ناحية انظر ص 151 من ج 8 من طبقات ابن سعد. وفي التوشيح للسيوطي: كان عمر يتوقف أولا في الإذن لأمهات المؤمنين بالحج، اعتمادا على قوله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب: 33] يرى تحريم السفر عليهن، فظهر له جوازه، فأذن لهن في آخر خلافته، فكان عثمان يحج بهن في خلافته أيضا ووقف بعضهن عند ظاهر الآية، وهي زينب وسودة فقالتا: لا تحركهما دابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ. باب من كان يقود أو يسوق نساء المصطفى صلى الله عليه وسلم في حجه قال القاضي ابن باديس، في شرح مختصر ابن فارس، نقلا عن أبي عمر: أنجشة العبد الأسود، كان يسوق أو يقود نساء النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، ويحدو الإبل لتزيد في الحركة. باب في ارتياد الموضع لنزول الجيش وتخيره لهم من ماء وكلأ وهؤلاء يعرفون في جيش السلطان بالمغرب بالمهندسين والفرايكية، في قصة الحديبية، أنه عليه السلام لما سلك ثنية المرار قال: انزلوا فقالوا ما بالوادي ماء، قال القاضي ابن باديس: فيه دليل ارتياد الموضع لنزول الجيش وتخيره لهم من الماء والكلأ. وفي البخاري عن البراء. نزلوا على بير اهـ وقصة الحباب بن المنذر في الباب مشهورة. باب في الحارس ذكر من حرسه صلى الله عليه وسلم بالمدينة «قد تقدم قول سعد بن أبي وقاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئت لأحرسك، وحرس يوم بدر سعد بن معاذ وغيره، كما في سيرة ابن إسحاق (وجزم به اليعمري تبعا لغيره) . ففيها أنه كان على باب العريش، الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، متوشحا بالسيف في نفر من الأنصار، يحرسون. وحرسه صلى الله عليه وسلم حين أعرس بصفية بخيبر، أو ببعض الطريق أبو أيوب الأنصاري. ففي ابن إسحاق أنه بات متوشحا سيفه يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويطوف بالقبة حتى أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى مكانه قال: مالك يا أبا أيوب؟ قال: يا رسول الله خفت عليك من هذه المرأة، وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها، وكانت حديثة عهد بكفر، فخفتها عليك فزعموا أن مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني وكان يحرسه عليه السلام في مكة وهو يصلي بالحجر عمر بن الخطاب، كما في علل الدارقطني أنه كان يقوم بالسيف على رأسه حتى يصلي» . وترجم في الإصابة للأدرع السلمي فخرّج من طريق ابن ماجه عنه قال: جئت ليلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 أحرس النبي صلى الله عليه وسلم الخ القصة. وترجم أيضا لخشرم بن الحباب الأنصاري فنقل عن الطبري: كان حارس المصطفى عليه السلام (الأصابة: 1/ 428) . فصل في الإمام يخرج للغزو فيترك الحرس خلفه في عاصمته أخرج ابن فتحون، من طريق عبدان عن إسحاق بن الصيف، عن عبد بن يوسف عن إسماعيل بن عياش، عن نافع عن ابن عمر قال: كانت غزوة بدر وأنا ابن ثلاث عشرة، فلم أخرج وكانت غزو أحد وأنا ابن أربع عشرة فخرجت، فلما رآني النبي صلى الله عليه وسلم استصغرني وردني وخلفني في حرس المدينة في نفر منهم أوس بن ثابت، وأوس بن عرابة، ورافع بن خديج، قال الحافظ في ترجمة أوس من الإصابة: هكذا أورده وقد أورده ابن أبي خيثمة عن عبد الوهاب بن نجدة عن إسماعيل بن عياش عن أبي بكر الهذلي عن نافع فقال: فيه زيد بن ثابت وعرابة بن أوس ويحتمل أن يكون محفوظا اهـ انظر ص 22. وبذلك تعلم تقصير أبي الحسن الخزاعي في قوله: من باب حراسة أبواب المدينة في زمن الهرج، لم أجد فيهما نصا، أنهما كانتا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهما يستخرجان مما ذكرنا فتأمله. حراس عسكره صلى الله عليه وسلم «في الكلام على غزوة ذات الرقاع، في سيرة ابن إسحاق: فنزل صلى الله عليه وسلم منزلا وقال: من يكلأنا الليلة؟ فانتدب رجل من المهاجرين، ورجل من الأنصار فقالا: نحن يا رسول الله. قال: فكونوا عند الشعب. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه قد نزلوا إلى شعب من الوادي وهما عمار بن ياسر، وعبّاد بن بشر، وذكر قصة عجيبة. وذكر أيضا عند الكلام على غزوة بني قريظة: خرج من تلك يعني الليلة التي نزل في صبيحتها بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو القرظي فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه محمد بن مسلمة تلك الليلة. غزوة الفتح في الصحيح: عن عروة أن أبا سفيان لما خرج يتجسس عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجد النيران فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوهم فأخذوهم فأتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم» . في ترجمة عباد بن بشر من طبقات ابن سعد: واستعمله عليه السلام على حرسه بتبوك من يوم قدم إلى أن رحل، وكان أقام بها عشرين يوما اهـ وحرسه صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين: أنس بن أبي مرثد الغنوي خرج أبو داود والنسائي والبغوي والطبراني وابن منده من طريق أبي توبة عن معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثنا السلولي يعني أبا كبشة أنه حدثه سهل بن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فأطنبوا السير حتى كان عشية فحضرت صلاة الظهر، فذكر الحديث. وفيه فقال رسول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 صلى الله عليه وسلم: من يحرسنا الليلة؟ فقال ابن أبي مرثد الغنوي: أنا يا رسول الله وفي آخر الحديث فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل نزلت الليلة؟ فقال: لا إلا مصليا أو قاضي حاجة فقال: قد أوجبت فلا عليك أن لا تعمل بعدها. إسناده على شرط الصحيح. قاله الحافظ في الإصابة في ترجمة أنس المذكور. وحرسه صلى الله عليه وسلم جماعة سماهم الشامي في سيرته. وقال البرهان الحلبي: إن الباب قابل للزيادة فاكشف عنه اهـ. وفي سيرة ابن إسحاق في قصة قدوم ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع: فلما دنوا من المدينة، ألفوا المغيرة بن شعبة يحرس في نوبته ركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت رعيتها نوبا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآهم ترك الركاب عند الثقفيين، وذهب يشتد ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم عليه. (والركاب دواب السفر التي تحمل الأثقال عليها من الإبل وغيرها) . تنبيه: كان الصحابة يحرسونه عليه السلام في أسفاره قبل أن ينزل عليه: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: 67] فلما نزلت منعهم من الحراسة، والآية لا تنافي ما أصابه عليه السلام في غزوة أحد، لأن الآية نزلت بعدها أو المراد حفظه من القتل، كما فصله القطب الخيضري في خصائصه، وانظر نسيم الرياض. الرجل يلازم المصطفى من خلفه ترجم في الإصابة لجبلة بن عامر البلوي، فذكر أن الرشاطي نقل عن ابن الكلبي: أنه كان صاحب خلف المصطفى صلى الله عليه وسلم أنظر ص 236. الرجل يتقدم أمام المصطفى صلى الله عليه وسلم ينشد شعرا ترجم النسائي «1» في السنن إنشاد الشعر في الحرم، والمشي بين يدي الإمام، ثم خرّج أنه عليه السلام دخل مكة يوم الفتح، وعبد الله بن رواحة بين يديه ينشده: خلّوا بني الكفار عن سبيله وهو في الترمذي أيضا وذكر فيه دخل في عمرة القضاء قال الترمذي: وروي في غير هذا الحديث وكعب بن مالك بين يديه، وهذا أصح لأن عبد الله بن رواحة قتل يوم مؤته، وإنما كانت عمرة القضاء بعد ذلك اهـ قال في نور النبراس: وهذا الذي قاله الترمذي فيه نظر، لأن عمرة القضاء كانت في السنة السابعة من ذي القعدة، ومؤته في جمادي الأول سنة ثمان اهـ.   (1) كتاب المناسك ج 5/ 202. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 باب في طلائع الجيش ترجم الحافظ في الإصابة لسليط بن سفيان الأسلمي، فنقل عن أبي عمر: هو أحد الثلاثة الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع في آثار المشركين يوم أحد. باب في المتجسس ذكر من بعثه صلى الله عليه وسلم متجسسا «خرّج مسلم عن أنس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبسة عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان» . بيبس المذكور روي بسيبسة مصغرا أو بسبس وبسبسة وجوه ثلاثة انظر الإصابة في ترجمته ج 1 ص 147، وفيها في ترجمة عدي بن أبي الزغباء الجهني أرسله عليه السلام مع بسبسة بن عمرو يتجسسان خبر أبي سفيان في وقعة بدر، فسارا حتى أتيا قريبا من ساحل البحر. ذكره ابن عقبة عن ابن شهاب انظر ص 130 من ج 4 ونحوه في الاستبصار: إلا أنه قال مع بسبس بن عمرو الجهني، وفي البخاري في قصة الهجرة عن عائشة قالت: وكان عبد الله بن أبي بكر يأتيهما بأخبار قريش وهو غلام شاب فطن، فكان يبيت عندهما ويخرج من السحر فيبيت مع قريش اهـ. وفي سيرة ابن إسحاق أنه عليه السلام لما خرج إلى بدر، وبلغ قريبا من الصفراء بعث بسبسة بن عمرو الجهني حليف بني ساعدة، وعدي بن أبي الزغباء الجهني حليف بني النجار، إلى بدر يتجسسان له الأخبار عن أبي سفيان بن حرب وغيره. وفي ابن إسحاق أيضا في غزوة بدر أنه عليه السلام ركب بنفسه هو ورجل من أصحابه، (أبو بكر) حتى وقفا على شيخ من العرب، فسأله عن قريش، وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم، فأخبره. فلما فرغ من خبره قال لهما: ممن أنتما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ماء. ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فبعث عليا والزبير وسعد بن أبي وقاص وغيرهم إلى بدر يلتمسون له الخبر الخ انظر ص 65 من ج 2. وبعث صلى الله عليه وسلم كما في الاستيعاب، قبل أن يخرج من المدينة إلى بدر، طلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد، إلى طريق الشام يتجسسان الأخبار ثم رجعا إلى المدينة، فقدماها يوم وقعة بدر فضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهميهما وبأجرهما. وفي ترجمة أبي تميم الأسلمي من طبقات ابن سعد هو أرسل غلامه مسعود بن هنيدة من العرج على قدميه، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخبره بقدوم قريش عليه، وما معهم من العدد والعدد والخيل والسلام ليوم أحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وفي الاستيعاب لدى ترجمة حذيفة بن اليمان قال: هو الذي بعثه عليه السلام يوم الخندق، ينظر إلى قريش فجاء بخبر رحيلهم اهـ ص 105. وفي سيرة ابن إسحاق أيضا في قصة هوازن ما اجتمعوا لينظروا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبد الله بن أبي حدرد وأمره أن يدخل في الناس، فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم، ويأتيه بخبرهم. فانطلق ابن أبي حدرد حتى دخل فيهم فأقام بينهم، حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا عليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر ونحوه في المواهب وشرحها ص 2 من ج 3. وترجم في الإصابة لأمية بن خويلد، فذكر أن المصطفى بعثه عينا وحده إلى قريش قال: فجئت إلى خشبة خبيب وأنا أتخوف العيون، فرقيت فيها فحللت خبيبا. وترجم فيها أيضا لبشر بن سفيان العتكي، فذكر فيها أنه أرسله صلى الله عليه وسلم إلى مكة؛ يتجسس له أخبار قريش. وترجم فيها أيضا لجبلة بن عامر البلوي، فذكر أنه كان عين المصطفى يوم الأحزاب، وترجم فيها أيضا لخبيب بن عدي الأنصاري، فذكر عن البخاري: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط عينا وأمّر عليهم عاصم بن ثابت، ثم نقل أيضا عن تخريج ابن أبي شيبة أنه عليه السلام بعثه وحده عينا لقريش. باب في الرجل يتخذ في بلد العدو عينا يكتب بأخبارهم إلى الإمام «في الاستيعاب في ص 426، في أخبار العباس بن عبد المطلب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلم العباس قبل فتح خيبر، وكان يكتم إسلامه، وكان يكتب بأخبار المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه إن مقامك بمكة خير» . وترجم في الإصابة لأنس بن أبي مرثد الغنوي، فنقل عن ابن سعد: هو كان عين النبي صلى الله عليه وسلم بأوطاس. باب في جعل الإمام العين على الناس في بلده في شمائل الترمذي من حديث ابن أبي هالة الطويل: كان صلى الله عليه وسلم يسأل الناس عما في الناس قال ابن التلمساني في شرح الشفا: ليس من باب التجسس المنهي عنه، وإنما هو ليعرف به الفاضل من المفضول، فيكونون عنده في طبقاتهم، وليس هو من الغيبة المنهي عنها، وإنما هو من باب النصيحة المأمور بها هـ. وقال المناوي على الشمائل: وهذا إرشاد للحكام إلى أن يكشفوا ويتفحصوا، بل ولغيرهم ممن كثر أتباعه كالفقهاء والصالحين والأكابر، فلا يغافلوا عن ذلك لئلا يترتب عليه ما هو معروف من الضرر، الذي قد لا يمكن تدارك رفعه اهـ، وقال الحافظ في باب الصبر على الأذى، من الفتح على القصة التي قال فيها عليه السلام: رحم الله موسى، لقد أوذي بأكثر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 هذا فصبر: في هذا الحديث «1» جواز إخبار الإمام وأهل الفضل بما يقال فيهم، ليحذروا القائل اهـ. وأخرج أسيد بن موسى في كتاب: فضائل الشيخين عن الحر قال: كان لعمر عيون على الناس. عجيبة في فوائد المناصحة في فعل المصافحة، للعلامة الصالح أبي العباس أحمد بن علي البوسعيدي: أخبرني سيدي علي بن بلقاسم البطيوي قال: بلغنا بأن الشيخ ابن غازي قد عيّن بعض أصحابه أن يكتب له كل ما جرى في البلد، وما قال وقيل من خميس إلى خميس، فيطالع ذلك. ويكون ذلك يوم الخميس الذي تفرّغ فيه من التدريس، فحمل هذا من الشيخ ابن غازي على معرفة الزمان وأهله المأذون فيه، أو المكلف به، لما تقرر أن من لم يعرف الزمان الخ كلامه، ومن خط مؤلفها نقلت. وفي المحاضرات للشيخ أبي علي اليوسي أن الأمير محمد الحاج الدلائي حدثه عن الحافظ أبي العباس المقري، أنه كان يوم مقامه بمصر، قد اتخذ رجلا بنفقته وكسوته، وما يحتاج على أن يكون كلما أصبح ذهب يخترق البلد، أسواقا ومساجد ورحابا وأزقة، وكلما رأى من أمر وقع أو سمع يقصه عليه في الليل اهـ. لا شك أن ابن غازي والمقري، لو ظهرت الجرائد في أيامهما لكانا أول المشتركين فيها، وكان الاشتراك عليهما في عشرة من الجرائد يومية مثلا أهون من نفقة الرجل المذكور وتوابعه والله أعلم. وفي الدرر المرصعة في صلحاء درعة، لأبي عبد الله محمد المكي بن موسى الناصري، في ترجمة الإمام السني القدوة أبي العباس أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي، عن بعض تلاميذه قال: كان الشيخ كثير السؤال والفحص عن أحوال الناس ومجرياتهم في الأقطار والمدائن، وكان يسألني عن ذلك كثيرا قال فقلت مرة في نفسي: ما للشيخ وما للأخبار؟ لو اشتغل بصلاته وصيامه وسبحته كان أحسن له من هذا. قال فلقيني بعد ذلك بقريب وقال لي: المؤمن يسأل عن إخوانه المسلمين وعن أحوالهم، فمن كان في خير دعا له بالزيادة والهناء، ومن كان في شر وفقر دعا له بخير ورحمة. قال صاحب الدرر: وكان على هذا القدم العارف الشعراني. وفي ترجمة عثمان من طبقات ابن سعد عن موسى بن طلحة قال: رأيت عثمان بن عفان والمؤذن يؤذن وهو يحدث الناس يسألهم ويستخبرهم عن الأسعار والأخبار، وأخرج أيضا عن موسى قال: رأيت عثمان يخرج يوم الجمعة فيجلس على المنبر، فيؤذن المؤذن وهو يتحدث يسأل الناس عن أسعارهم وعن قوامهم وعن مرضاهم، ثم إذا سكت المؤذن   (1) انظره في البخاري ج 7/ 87 من كتاب الأدب والاستئذان 143. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 قام يتوكأ على عصا فيخطب، ثم يجلس جلسة فيبتدىء كلام الناس فيسائلهم كمسألته الأولى ثم يقوم فيخطب ثم ينزل ويقيم المؤذن. باب في المخذل (خذّل [عنه] أصحابه تخذيلا، أي حملهم على خذلانه، والخذلان ضد النصر. والمراد به من يشتت الجموع بدهائه وسياسته) . «ذكر ابن حزم في الجمهرة نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي فقال فيه: هو الذي شتت جموع الأحزاب. وفي الاستيعاب: أسلم في الخندق، وهو الذي خذّل المشركين ببني قريظة، حتى صرف الله كيدهم، وخبره في تخذيل المشركين وبني قريظة عجيب في السيرة» . وقصة نعيم مبسوطة في ترجمته من طبقات ابن سعد؛ انظر ص 19 ج 4. وفي الإصابة هو الذي أوقع الخلف بين الجيشين قريظة وغطفان في وقعة الخندق، فخالف بعضهم بعضا، ورحلوا من المدينة. وفي مبحث فصاحته صلى الله عليه وسلم من المواهب، وقوله عليه السلام: الحرب خدعة. رواه البخاري «1» ومسلم، عن أبي هريرة قال سمى النبي صلى الله عليه وسلم: الحرب خدعة وليس عند مسلم سمى. وقوله خدعة مثلث الخاء أشهرها فتح الخاء وإسكان الدال. قال ثعلب وغيره: وهي لغة النبي صلى الله عليه وسلم، والثانية ضم الخاء وإسكان الدال، والثالثة ضم الخاء وفتح الدال. وقد قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب؛ لما بعث نعيم بن مسعود، وأمره أن يخذل بين قريش وغطفان واليهود، وأشار بذلك إلى أن المماكرة أنفع من المكاثرة اهـ. وقصة نعيم الأشجعي المذكور أنه أتى بني قريظة، وكان نديما لهم فقال: قد عرفتم ودي لكم، قالوا: صدقت قال: إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم، به أموالكم ونساؤكم، لا تقدرون على أن تحولوا منه إلى غيره، وإن قريشا وغطفان، جاؤا إلى حرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليهم، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فليسوا كأنتم، لأنهم إن رأوا ثمرة أصابوها، وإلا لحقوا ببلادهم، وخلّوا بينكم وبين محمد، ولا طاقة لكم به إن خلابكم، فلا تقاتلوا حتى تأخذوا رهنا من أشرافهم، فقالوا: أشرت بالرأي، ثم أتي قريشا فقال: قد عرفتم ودي وفراقي محمدا، وقد بلغني أمر، رأيت حقا علي أن أبلغكموه نصحا لكم. إن يهود ندموا على ما صنعوا، وأرسلوا بذلك إلى محمد وقالوا: يرضيك أن نأخذ لك من أشراف قريش وغطفان رجالا تضرب أعناقهم، ثم نكون معك حتى تستأصل باقيهم، ثم أتى غطفان فقال لهم مثل ذلك. فأرسلوا إلى بني قريظة   (1) في كتاب الجهاد 4/ 24 رقم الباب 157 من حديث أبي هريرة. ورواه مسلم في كتاب الجهاد ج 2 ص 1361، عن جابر وأبي هريرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 عكرمة في نفر من القبيلتين، فقالوا: لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا. فقالت القبيلتان: إن الذي حدّثكم به نعيم لحق، وأرسلوا إليهم: لا ندفع إليكم رجلا واحدا. فقالت قريظة: إن الذي ذكر لكم نعيم لحق. قال ابن باديس: يؤخذ منه جواز مخادعة العدو، والتحيل في دفع ضرره على المسلمين، لقوله لنعيم: خذّل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة وإذا أبيح كلام الخير في الصلح بين الاثنين من المسلمين، وإن لم يقله أحد منهما تأليفا للقلوب، فما بالك بمحق الكفار وحقن دماء أهل النصرة والدار، الباذلين أنفسهم في إظهار دين الله وسنة نبيه المختار، فهو من باب النصح للمسلمين والأمانة، لا من باب الكذب والخيانة اهـ. وخرّج ابن أبي حاتم في العلل عن النوّاس بن سمعان قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فقال: تهافتون في الكذب تهافت الفراش في النار، إن كل كذب مكتوب كذبا لا محالة، إلا أن يكذب الرجل في الحرب فإن الحرب خدعة. وفي التوشيح على قوله عليه السلام: الحرب خدعة بنقط حاء مثلث أمر باستعمال الحيلة فيه ما أمكن، وقال ابن المنير: أي الحرب الكاملة في مقصودها، البالغة إنما هي مخادعة، لا مواجهة. وذلك لخطر المواجهة، وحصول الغرض: الظفر بالمخادعة بلا خطر اهـ. زاد أبو الحسن الدمنتي في اختصاره للتوشيح: أخبرني بعض علماء القسطنطينية أنهم قالوا للنصارى: إنا غلبناكم بالسلاح، وإنما غلبتم أنتم ملوكنا بحيلكم، وتزيين الملاهي والمحرمات، فاتبعوكم بإفساد الدين. فقالوا لهم: أليس بصحيح إخبار نبييكم: الحرب خدعة قلنا نعم. قالوا إذا إنما غلبناكم بشرعكم الخدعة اهـ. باب في النمام ترجم في الإصابة لمسعود «1» فذكر أن ابن أبي شيبة، أخرج عن عروة قال: كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقال له مسعود، وكان نماما، فلما كان يوم الخندق بعثه أهل قريظة إلى أبي سفيان أن إبعث إلينا رجالا حتى نقاتل محمدا مما يلي المدينة، وتقاتله أنت مما يلي الخندق، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن يقاتل من جهتين، فقال: يا مسعود، نحن بعثنا إلى بني قريظة أن يرسلوا إلى أبي سفيان، فيرسل إليهم رجالا فإذا أتوهم، مكنوا منهم فقتلناهم، فلم يتمالك مسعود لما سمع بذلك أن أتى أبا سفيان فأخبره فقال: صدق والله محمد ما كذب قط، فلم يرسل إلى بني قريظة أحدا. قال الحافظ: وفي هذه القصة شبه بقصة نعيم بن مسعود الأشجعي والله أعلم اهـ.   (1) انظر الإصابة ج 3/ 413. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 باب في استعمال السفن البحرية وفيه فصول ذكر من استعمل فيها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم «وقع في السيرة ذكر عدة سفن استعملها الصحابة في العهد النبوي، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري، سنة ست إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام، فأسلم وأرسل إليه كل من أقام بأرض الحبشة من الصحابة، حين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي وجعلهم في سفينتين، فقدم بهم عليه وهو في خيبر، منهم جعفر بن أبي طالب، وحمل معه في السفينة نساء من هلك هناك من المسلمين، وركب أبو موسى الأشعري وإخوانه وقومهم في هجرتهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألقتهم سفينتهم إلى النجاشي بالحبشة، فوافوا جعفر بن أبي طالب، وأصحابه عنده، فأقاموا معه حتى قدموا جميعا والقصة في الصحيح «1» . وفي الموطأ «2» عن أبي هريرة: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر، ونحمل معنا الماء القليل، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر قال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته، وهو في جامع الترمذي وغيره أيضا. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ناسا من أمتي يركبون البحر غزاة في سبيل الله، ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة، قال ذلك في بيت أم حرام بنت ملحان كما في الموطأ «3» ، فقالت أدع الله إن يجعلني منهم فقال أنت من الأولين، فركبت البحر في زمن معاوية، ونزلت في جزيرة قبرس ودفنت هناك» . الحديث الأخير بوّب عليه البخاري في كتاب الجهاد «4» : باب غزو المرأة في البحر، وساقه بلفظ: ناس من أمتي يركبون البحر الأخضر في سبيل الله، مثلهم مثل الملوك على الأسرة، فقالت ابنة ملحان يا رسول الله أدع الله أن يجعلني منهم فال: أنت مع الأولين ولست من الآخرين قال أنس فتزوجت عبادة بن الصامت فركبت البحر مع بنت قرظة، فلما قفلت ركبت دابتها فوقصت بها، فسقطت عنها فماتت. نقل الحافظ عن موطأ ابن وهب عن ابن لهيعة: أن معاوية أول من ركب البحر للغزاة اهـ ونحوه للحافظ أيضا على باب ركوب البحر من كتاب الجهاد أيضا، انظره وفي جامع العتبية قال مالك: استأذن معاوية بن أبي سفيان عمر بن الخطاب في ركوب البحر فأبى أن يأذن له، فلما ولي عثمان كتب إليه يستأذنه فأبى، ثم رد عليه فكتب إليه عثمان: إن كنت   (1) رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة ص 1946/ 2. (2) رواه في كتاب الطهارة ورقمه 12 ص 22/ 1. (3) رواه في كتاب الجهاد ورقمه 39 ص 464. (4) رواه في كتاب الجهاد باب 3 ص 201/ 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 تركب بأهلك وولدك فاركب فقد أذنت لك، فركب معاوية ومعه امرأته بنت قرظة [بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف] ، وفيها أيضا قال مالك: أمّر عثمان بن عفان عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان: «عمرا على البر، ومعاوية على البحر وإذا اجتمعا فمعاوية الأمير، فلما بلغا رأس مغزا هما أرسل معاوية إلى عمرو أن يأتيه فأبى، فأرسل يعزم عليه فقال عمرو: أنا أعزم على نفسي أن لا آتيك. فقال معاوية: أدن مني على شاطىء البحر فأتى عمرو على قوس فكلمه ما شاء الله، فقال له معاوية: أفشات أنت فقال: قافلون. قال ابن رشد في البيان والتحصيل: وقع هذا في موطأ ابن وهب، وإنما لم يأت عمرو ومعاوية إذ عزم عليه في الإتيان إليه، من أجل أنه من حيث لم يجعل له عليه عثمان أمرا، ولعله قد كانت له في الإتيان إليه مشقة، ولما سأله أن يدنو منه أجابه لذلك لخفة الأمر اهـ وفي الخطط للمقريزي، لم يكن البحر يركب للغزو في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر وعمر، وأول من ركب البحر للغزو العلاء بن الحضرمي، وكان على البحرين من قبل أبي بكر وعمر، فأحب أن يؤثر في الأعاجم أثرا يعز الله به الإسلام على يديه، فندب أهل البحرين إلى فارس فبادروا إلى ذلك، وفرقهم أجنادا على أحدهم الجارود بن المعلّى، وعلى الثاني سوار بن همّام، وعلى الثالث خليد بن المنذر بن ساوى، وجعل على عامة الناس خليدا فحملهم في البحر إلى فارس، بغير إذن عمر بن الخطاب، وكان عمر لا يأذن لأحد في ركوب البحر غازيا كراهية للتغرير بجنده، فلما فتح الله الشام ألحّ معاوية بن أبي سفيان، وهو يومئذ على جند دمشق والأردن- على عمر في ركوب البحر، ثم لما كانت خلافة عثمان غزا المسلمون في البحر. وكان أول من غزا فيه معاوية بن أبي سفيان، واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الحارثي حليف «1» بني فزارة، فغزا خمسين غزوة من بين شاتية وصائفة في البر والبحر، ولم ينكب فيه. وغزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح في البحر، لما أتاه قسطنطين بن هرقل عام 34، في ألف مركب يريد الإسكندرية، فسار عبد الله في مائتي مركب أو يزيدون شيئا، وحاربه فكانت وقعة ذات الصواري فهزم قسطنطين وقتل جنده. وأغزى معاوية عقبة بن عامر الجهني في البحر، وأمره أن يتوجه إلى رودس فأتى إليها. وقد ذكر شيخنا ولي الدين ابن خالدون تعليل امتناع المسلمين من ركوب البحر للغزو في أول الأمر: أن العرب لم يكونوا أول الأمر مهرة في ثقافته وركوبه، فلما استقر الملك للعرب وشمخ سلطانهم، وصارت أمم العجم خولا لهم، وتحت أيديهم وتقرّب كل ذي صنعة إليهم، تاقت أنفسهم إلى الجهاد فيه، وانشأوا السفن وشحنوا الأساطيل بالرجال والسلاح، وأمدوها بالعساكر والمقاتلة لمن وراء البحر من أمم الكفر، واختصوا لذلك من   (1) ذكره في الإصابة ج 933. وذكره أيضا الطبري ج 3/ 317 من الطبعة 19309 مطبعة الاستقامة والمكتبة التجارية لمصطفى محمد من حوادث سنة 28 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 ممالكهم وثغورهم، ما كان أقرب إلى هذا البحر، وعلى ضفته مثل: الشام وأفريقية والمغرب والأندلس الخ. وقال الشيخ أبو راس المعسكري في الحلل السندسية: على قوله عليه السلام لأم حرام: أنت من الأولين أي وهم من الآخرين، وهم الذين ركبوا لغزو الأندلس مثل: طريف، وطارق بن زياد، ويوسف بن تاشفين وابنه علي، وعبد المؤمن بن علي، وابنه وابن ابنه ويعقوب بن عبد الحق. فقد أعطي عليه السلام جوامع الكلم اهـ. وقال الحافظ أبو محمد بن حزم في رسالته التي ذكر فيها فضائل علماء الأندلس: لو لم يكن لأندلسنا إلا ما رسول الله صلى الله عليه وسلم بشّر به ووصف أسلافنا المجاهدين فيه بصفات الملوك على الأسرة في الحديث، الذي رويناه من طريق أنس بن مالك أن خالته أم حرام حدثته عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أخبرها بذلك، لكفى شرفا بذلك، يسرّ عاجلة ويغبط آجله، فإن قال قائل: لعله صلى الله عليه وسلم إنما عنى بذلك أهل صقلية واقريطش [كريت] وما الدليل على ما ادعيته من أنه صلى الله عليه وسلم عنى الأندلس حتما، ومثل هذا من التأويل لا يتساهل فيه ذو ورع؟ فالجواب أنه صلى الله عليه وسلم: قد أوتي جوامع الكلم، وفصل الخطاب، وأمر بالبيان لما أوحي إليه، وقد أخبر في ذلك الحديث المتصل سنده بالعدول عن العدول بطائفتين من أمته يركبون ثبج البحر، غزاة واحدة بعد واحدة، فسألته أم حرام أن يدعو ربه أن يجعلها منهم، فأخبرنا صلى الله عليه وسلم، وخبره الحق أنها من الأولين. وهذا من إعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، وهو إخباره بالشي قبل كونه، وصح البرهان على رسالته بذلك، وكانت من الغزاة إلى قبرس، وخرّت عن بغلتها فتوفيت هناك. وهي أول غزاة ركب فيها المسلمون البحر، فثبت يقينا الغزاة إلى قبرس هم الأولون الذين بشر بهم صلى الله عليه وسلم، وكانت أم حرام منهم، كما أخبر صلوات الله عليه، ولا سبيل أن يظن به، وقد أوتي من البلاغة والبيان أن يذكر طائفتين قد سمى إحدا هما أولي إلّا والتالية لها ثانية، فهذا من باب الإضافة وتركيب العدد وهذا مقتضى طبيعة صناعة المنطق، إذ لا تكون الأولى أولى إلا لثانية، ولا الثانية ثانية إلا لأولى، فلا سبيل لذكر ثالث، إلا بعد ثان ضرورة الخ. كلامه. وانظر بقيته في الرسالة المذكورة، وهي مثبوته في نفح الطيب أول المجلد الثاني. وفي تاريخ الخميس للديار بكري: لما تكلم على ما نقم الناس على سيدنا عثمان قال: السادس زعموا أنه حمى البحر؛ أن لا تخرج منه سفينة إلا في تجارته. جوابه: أما حمى البحر فعلى تقدير صحته يحمل على أنها كانت ملكا له، لأنه كان منبسطا في التجارات متسع الحال في الجاهلية والإسلام، فما حمى البحر وإنما حمى سفنه أن يحمل فيها متاع غير متاعه هـ ففيه أن عثمان كانت له سفن بحرية للتجارة. وترجم في الإصابة لبسر بن أرطاة فذكر أنه ولي البحر لمعاوية، فأخذ من ذلك أن إمارة البحر في زمن معاوية ضبطت وتوسع أمرها. وفي صناجة الطرب في تقدمات العرب: لما كان عهد معاوية بن أبي سفيان أذن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 للمسلمين في ركوب البحر، والجهاد على أعدائه، فاستخدموا حينئذ من النوتية، في حاجاتهم البحرية أمما تكررت ممارستهم للبحر، وأنشأوا السفن والشواني، جمع شونة، وهي مركب البحر إلى أن بلغت في أيامه ألفا وسبمعمائة مشحونة بالرجال والسلاح، اهـ ص 327. وفي تسريح الأبصار فيما يحتوي لبنان من الآثار، للقس هنري لامنس اليسوعي، ص 184 ذكر تاوفانوس المؤرخ أن معاوية أول خلفاء بني أمية، ابتنى 1700 سفينة شراعية، واتخذ أعوادها من جبل لبنان، ولم تمض سنوات قليلة بعد ذلك حتى جهز أيضا أسطولا ثانيا أكثر عددا وأشد هولا من الأول اهـ منه «1» . تنبيه: لعلي بن حرب العراقي كتاب البحار، نقل عنه الحافظ في الإصابة؛ انظر سلامه العذري ص 60 ج 2 ولبعض المعاصرين المصريين كتاب: سفن الأسطول الإسلامي، وتاريخها وأنواعها وأوصافها. وهو مطبوع. باب في صانع المنجنيق التي ترمى بها الحجارة معربة قال الخفاجي في نسيم الرياض: وهو بفتح الميم وكسرها آلة لرمي العدو بحجارة كبيرة بأن يشد سوار مرتفعة جدا من الخشب يوضع عليها ما يراد رميه، ثم تضرب سارية توصله لمكان بعيد جدا، وكانت هذه الآلة قديما قبل اختراع المدافع والبارود اهـ. «في السير أنه صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف، ورماهم بالمنجنيق. قال ابن هشام: وحدثني من أثق به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من رمى في الإسلام بالمنجنيق أهل الطائف» . قلت: وبذلك جزم أيضا السيوطي في أوائله فقال: أول من رمى بالمنجنيق في الإسلام في غزوة الطائف وفي الكامل لابن الأثير أشار به سلمان الفارسي، وفي نور النبراس؛ حديث نصب المنجنيق على أهل الطائف هو مرسل، وهو في الترمذي كذلك، وقال: ضعيف ولكن هو في البيهقي من رواية أبي عبيدة. وفي الميزان في ترجمة عبد الله بن خراش أن له عن العوام عن إبراهيم التيمي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف «2» . أقول: صنع المنجنيق وحفر الخندق وإيجاد الدبابات، من علم الآلات الحربية التي عرفها العرب، ودوّنوا فيها. وقال ابن الأكفاني في إرشاد القاصد: علم الآلات الحربية علم يتبين منه كيفية إيجاد   (1) بمراجعة الكتاب المذكور ص 184 قال: وكان إذا ذهبت الأنواء بقسم منها أسرع فجهز غيرها بدلا منها لأنه لم يشأ أن يكون أسطوله أقل من 500 مركب. مصححه. (2) وجدت ترجمته برقم 248 ص 33 في ميزان الاعتدال الطبعة الأولى 1325/ هـ محمد أمين الخانجي الكتبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 الآلات الحربية، كالمجانيق وغيرها ومنفعته شديدة الغناء في حماية المدن، ودفع الأعداء ولموسى بن شاكر فيه كتاب مفيد اهـ. وذكر الجاحظ في البيان والتبيين أن جذيمة الأبرش التنوخي آخر ملوك قضاعة بالحيرة هو أول من اتخذ المنجنيق ووضعه على الحصون. باب في الدبابات (الدبابة بفتح الدال المهملة مخففة عن تاء التأنيث، آلة من آلات الحرب يدخل فيها الرجال فيدبون إلى الأسوار ينقبون) قال في القاموس: الدبابة تتخذ للحروب فيدفع في أصل الحصن فيشنون وهم في جوفها اهـ وهي بيت صغير تعمل للحصون، يدخلها الرجال فينقبون من داخلها، ويكون سقفها حرزا لهم من الرمي اهـ. «في كتاب نفحة الحدائق والخمائل في الابتداع والاختراع للأوائل: أول دبابة صنعت في الإسلام دبابة صنعت على الطائف حين حاصرها رسول الله صلى الله عليه وسلم» . وفي طبقات ابن سعد لدى الكلام على وفد ثقيف: ولم يحضر عروة بن مسعود ولا غيلان بن سلمة حصار الطائف كانا بجرش يتعلمان صنعة العرّادات والمنجنيق والدبابات، فقدما وقد انصرف رسول الله عن الطائف فنصبا المنجنيق والعرّادات والدبابات الخ. قلت: جرش: كما في القاموس بلد بالأردن قرب عمان، وكزمر: مخلاف باليمن منه الأديم، والعرّادات قال فيه أيضا: شيء أصغر من المنجنيق، وفي كتاب أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن الطلاع، في السير: أول من رمى بالمنجنيق رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف، دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة، ثم رجعوا بها إلى جدار الطائف ليحرقوه اهـ منه. باب في القوم يحرقون الأشجار ويقطعونها «في صحيح مسلم «1» عن عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم حرّق نخل بني النضير، فأنزل الله عز وجل: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ [الحشر: 6] » . باب في حفر الخندق الحفير « (وخندق ما حوله حفر خندقا) ذكر ابن إسحاق في السيرة خبر اليهود الذين حزّبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع بهم، وما أجمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة، فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ترغيبا للمسلمين في الأجر وعمل معه المسلمون. وذكر ابن الجوزي في صفوة الصفوة عن كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ خط الخندق وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا فاحتج المهاجرون والأنصار   (1) ج 2 ص 1365 من كتاب الجهاد والسير رقم الحديث 1746. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 في سلمان رضي الله عنه وكان رجلا قويا فقال المهاجرون: منا وقال الأنصار: منا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منا أهل البيت. «وفي سيرة ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم ضرب معهم، وحفر بنفسه الكريمة، وأقبل فوارس من قريش حتى وقفوا على الخندق، فلما رأوه قالوا: والله إن هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها. «وفي ترجمة سلمان من الاستيعاب ص 572 من ج 2 أن سلمان هو الذي أشار به، وأن أبا سفيان هو الذي قال: هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها. وفي نفحة الحدائق: أول من ضرب الخندق في الإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة» . وقال: السهيلي أيضا: اتخاذ الخندق من مكايد الفرس في الحروب، ولذلك تفطن سلمان وأشار به، والفرس أول من خندق «1» وبختنصّر أول من اتخذ الكمائن. ويدل ذلك على جواز مثل هذا في التحرز من العدو، والأصل فيه قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال: 61] اهـ نقله ابن باديس. وفي ذلك أعظم دلالة، على أن المماليك والدول التي لا تنسج على منوال مجاوريها، فيما يتخذونه من الآلات الحربية، والتراتيب العسكرية والأنظمة العلمية والعملية الصناعية والزراعية، يوشك أن تكون غنيمة لهم ولو بعد حين، فحال نبينا الكريم كان يقضي بأخذه بالأحسن والأنفع في كل باب، سواء كان قومه يعلمونه ويعملون عليه أم لا، ولذلك ثببت أنه قال لعاصم بن ثابت: من قاتل فليقاتل كما يقاتل. وقال الحافظ ابن تيمية في رسالة عموم بعثته عليه السلام: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتال الترك، وأن أمته ستقاتلهم، ومعلوم أن قتالهم النافع إنما هو بالقسي الفارسية ولكن قوتلوا بالقسي العربية التي تشبه قوس القطر فلم تغن شيئا؛ بل استطالوا على المسلمين بقوة رميهم، فلا بد من قتالهم بما يقهرهم، وقد قال بعض المسلمين لعمر بن الخطاب: إن العدو إذا رأيناهم لبسوا الحرير وجدنا في قلوبنا روعة فقال: وأنتم فالبسوا كما لبسوا، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في عمرة القضاء بالرّمل والاضطباع، ليرى المشركون قوتهم، وإن لم يكن هذا مشروعا قبل هذا، ففعل لأجل الجهاد ما لم يكن مشروعا اهـ. ويوضح هذا ما تضمنته وصية الصديق، لخالد بن الوليد حين بعثه لقتال المرتدين فقال: يا خالد، عليك بتقوى الله، والرفق بمن معك، إلى أن قال: ثم إذا لاقيت القوم فقاتلهم بالسلاح الذي يقاتلونك به، السهم للسهم، والرمح للرمح، والسيف للسيف، قال في أقوم المسالك: ولو أدرك هذا الزمان لأبدل ذلك بذكر المدفع، والقنابل والسفينة المدرعة ونحو ذلك من المخترعات، التي تتوقف عليها المقاومة، ولا يتحصل بدونها الاستعداد الواجب شرعا الذي يلزم معرفة قوة المستعد له، والسعي في تهيئة مثلها أو خير منها، ومعرفة الأسباب المحصلة له اهـ.   (1) خندق كلمة معربة عن كندك. بمعنى حفرة واليوم يقال في الفارسية: كنده. مصححه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 ولأبي عبد الله محمد بن عبد القادر الكردودي الفاسي كتاب: «كشف الغمة في أن حرب النظام واجب على هذه الأمة» وهو مطبوع بفاس. وقد قال الزرقاني في شرح المختصر لدى قوله ونلتم نقلا عن العز بن عبد السلام: ليس كل ما فعلته الجاهلية منهيا عن ملابسته، بل ما خالف فيه شرعنا، وقد حفر صلى الله عليه وسلم الخندق ولم تكن العرب تعرفه، ومدح قسيّ العجم وقال: هم أقوى منكم رميا اهـ. وقال المواق في سنن المهتدين: كنت أبحث لأهل الفحص في لبسهم الرندين، كما قال مالك في المظال: ليست من لباس السلف وأباحها لأنها تقي من البرد، يعني فأفتيت بإباحتها، فشنّع عليّ في ذلك فكان من جوابي أن قلت: الرندين ثوب رومي يضمحل التشبه فيه بالعجم في جنب منفعته، إذ هو ثوب مقتصد ينتفع به ويقي من البرد، ونص من أثق به من الأيمة إنه: ليس كل ما فعلته الأعاجم نهينا عن ملابسته، إلا إذا نهت عنه الشريعة، ودلت القواعد على تركه، والمراد بالأعاجم الذين نهينا عن التشبه بهم أتباع الأكاسرة في ذلك الزمن، ويختص النهي بما يفعلونه على خلاف مقتضى شرعنا وأما ما فعلوه على وفق الندب أو الإيجاب أو الإباحة في شرعنا فلا نترك ذلك لأجل تعاطيهم إياه، لأن الشرع لا ينهى عن التشبه بفعل ما أذن الله فيه، فقد حفر صلى الله عليه وسلم الخندق على المدينة، تشبها بالأعاجم حتى تعجب الأحزاب منه، ثم علموا أنه بدلالة سلمان الفارسي الخ كلامه. وانظر تحديد الأسنة في الذب عن السنة لشيخنا الأستاذ الوالد رضي الله عنه. وفي حواشي الشمس بن عابدين على الدر المختار نقلا عن الذخيرة من كبار كتب الحنفية قال هشام: رأيت على أبي يوسف نعلين مخصوفين بمسامير، فقلت أترى بهذا الحديد بأسا قال: لا. قلت: سفيان وثور بن يزيد كرها ذلك لأن فيه تشبها بالرهبان، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس لها شعر، وإنها من لباس الرهبان، قال: فقد أشار إلى أن صورة المشابهة فيما تعلق به صلاح العباد لا يضر، فإن الأرض مما لا يمكن قطع المسافة البعيدة فيها إلا بهذا النوع اهـ منه ص 438 الجزء الأول. وفي الزرقاني على المختصر لدى قوله: ونلتم عن بعضهم نهى النبي صلى الله عليه وسلم العرب عن التشبه بالعجم، ولم يأت أنه نهى وافدا عليه من العجم عن زيهم وندبهم إلى زي العرب قال بعضهم: ومن هذا المعنى أن ما وافق الجاهلية ولم يرد نهي شرعنا عنه «1» ، وصلة الناس أرحامهم في المباحات في النيروز والمهرجان، وقال مالك: لا بأس بلباس البرانس، وليست من لباس السلف. أبو عمر: الأصل في الأشياء الإباحة، حتى يثبت النهي اهـ منه. وجعل الشيخ بناني قولة مالك في البرانس التي ذكر ز محرفة، وأن مالكا قال: إنها من لباس السلف، ولعل الموضوع مختلف.   (1) ثمة نقص في الجملة وتكملته: فلا بأس به. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 تنبيه قال الشيخ أبو سالم العياشي في كتابه الحكم بالعدل والإنصاف أن المواق في كتابه سنن المهتدين كسر شوكة من يرى أن كل ما لم يكن في الصدر الأول بدعة، وأن كل ما خالف المشهور ضلالة، ولم نزل نسمع من شيخنا أبي محمد عبد القادر الفاسي، أن المواق قصد تسهيل الأمر على الناس فيما ذكره ابن الحاج في مدخله من التشديد، وادخال كثير مما عملت به الأمة من القرب في حيز البدعة، حيث لم يكن في الصدر الأول مع أنها قد قال بها بعض الأيمة، وربما كان لها أصل في السنة، ولو ضعيفا. وأخذ من حديث أو فعل من أفعاله عليه السلام أو حال من أحواله ولو من وجه بعيد، وكل ذلك يصدق عليه أنه مأخوذ منه عليه السلام. والنسبة تقع بأدنى شيء، والناس أطوار، وكلهم مستمد منه عليه السلام فالقوي من قوته وصريح مقاله، والضعيف من مفهوم مقاله وإشارات بعيدة تؤخذ من بعض كلماته أو فعلاته عليه السلام، ولا يضل كل الضلال في جميع المسائل إلا من قطعت بينه وبينه عليه السلام كل العرى والوسائل اهـ منه. باب في صاحب المغانم وفيه ذكر من ولي جمعها وحفظها حتى قسمت يوم بدر «قال ابن إسحاق في أخبار يوم بدر: وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على النفل عبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف. وقال ابن حزم في الجماهر 411- 312 محمية بن جزء الزبيدي وقال: ولّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم بدر. وقال القضاعي في كتاب الأنباء: كان في يوم حنين من السبايا ستة آلف، ومن الأبل والغنم ما لا يدرك عدده، وروى ابن فارس «1» في كتابه مسند الزهري عن سعيد بن المسيب، أن النبي صلى الله عليه وسلم: سبى يومئذ ستة آلاف بين امرأة وغلام، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم أبا سفيان بن حرب» . وقد سبق لنا استدراك أن بديل بن ورقاء أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يحبس السبايا والأموال بالجعرانة حتى يقدم عليه. باب في ذكر من كان يكتب غنائم المصطفى عليه السلام في العقد الفريد لابن عبد ربه: وكان معيقيب بن أبي فاطمة يكتب مغانم النبي صلى الله عليه وسلم اهـ انظر ص 144 من الجزء الثاني. ذكر من تولى بيع ما احتيج إلى بيعه من المغانم «ذكر أبو القاسم خلف بن بشكوال، في كتابه الذي ألفه في تفسير ما استعجم، من غوامض الأسماء المبهمة الواقعة في متون الأحاديث المسندة عن مالك قال: أمر رسول الله   (1) هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي الحافظ النيسابوري، روى عنه البخاري. نقلا عن حاشية التخريج ص 501. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 صلى الله عليه وسلم السعدين يوم خيبر أن يبيعا آنية من المغانم بذهب أو فضة فباعا كل ثلاثة بأربعة عينا أو كل أربعة بثلاثة عينا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربيتما فردا، قال ابن بشكوال السعدان المذكوران أولى ما قيل فيهما سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة» . باب في هبة الإمام جنس حيوان من غزاهم ترجم الحافظ للقيم الدجاج فقال: ذكر الجاحظ في كتاب الحيوان وقال: إنه مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم في غزاة خيبر بشعر، فوهب له النبي صلى الله عليه وسلم دجاج خيبر عن آخرها، فمن حينئذ قيل له: لقيم الدجاج «1» ذكر ذلك أبو عمرو الشيباني، والمدائني عن صالح بن كيسان، قال الحافظ: قلت: قصته مذكورة في السيرة لابن إسحاق لكنه قال ابن لقيم فيحتمل أن يكون وافق اسمه اسم أبيه. باب في صاحب الخمس قال ابن عبد البر: كان على غنائم النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر عبد الله بن كعب بن عمرو الأنصاري، وكان على خمس رسول الله صلى الله عليه وسلم في غيرها. وفي صحيح مسلم من كتاب الزكاة؛ في ترك استعمال آل النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة فقال: عن محمية بن جزء استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأخماس. انظر ترجمته من الإصابة. [ج 3، ص 388] . باب في الرجل يبعثه الإمام مبشرا بالفتح وفيه تلقي القوم المبعوث إليهم بالبشارة للإمام في الطريق يهنئونه به «قال ابن إسحاق في أخبار بدر: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الفتح عبد الله بن رواحة مبشرا إلى أهل العالية (ما كان من جهة نجد من المدينة) . وفي طبقات ابن سعد: والعالية بنو عمرو بن عوف وخطمة ووائل بما فتح الله على رسوله وعلى المسلمين، وبعث زيد بن حارثة إلى أهل السافلة (السافلة ما كان من جهة تهامة) . قال ابن إسحاق: ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة، حتى إذا كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بما فتح الله عليه وما معه من المسلمين» . ترجم البخاري في كتاب الجهاد: باب البشارة في الفتوح «2» ثم خرّج أن المصطفى عليه السلام وجه جرير بن عبد الله البجلي لهدم صنم ذي الخلصة المسمى كعبة اليمانية، وفيه أنه لما هدمه أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره، ثم ترجم باب ما يعطى للبشير، فذكر أن كعب بن مالك أعطى ثوبين حين بشر بالتوبة. باب الطعام عند القدوم هكذا بّوب البخاري آخر كتاب الجهاد، فذكر فيها عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة نحر جزورا أو بقرة، ثم ذكر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى منه بعيرا بأوقيتين   (1) انظر ترجمته في الإصابة ج 3/ 331 ورقمها 7560. (2) نظر ج 4 ص 37 باب 192. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 ودرهم، أو درهمين فلما قدم صرارا (موضع بظاهر المدينة على ثلاثة أميال منها من جهة المشرق) أمر ببقرة فذبحت، فأكلوا منها. قال ابن بطال: فيه إطعام الإمام والرئيس أصحابه عند القدوم من السفر، وهو مستحب عند السلف، ويسمى النقيعة وزن عظيمة، ونقل عن المهلب: أن ابن عمر كان إذا قدم من سفر أطعم من يأتيه اهـ. باب في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع من سفره في الموطأ عن ابن عمر: كان النبي عليه السلام إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون (أي راجعون) تائبون عابدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده. باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم عند كل قرية أراد أن يدخلها في كتب السير أنه عليه السلام لما أشرف على خيبر قال: قفوا؛ اللهم رب السماوات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها، أقدموا بسم الله. وكان يقولها لكل قرية دخلها خرّجه النسائي «1» من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه قال: قال كعب الأحبار: والذي فلق البحر لموسى أن صهيبا حدثني أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لم يرقرية يريد دخولها إلا قال حين يراها اللهم رب الخ الحديث. إلا أنه قال والأرضين السبع، ولم يذكر ابن إسحاق السبع إلا في السماوات قال كعب: والذي فلق البحر لموسى: أنها كانت دعوته حين يرى العدو، وذكر ابن عاث من طريق آخر زيادة في آخره: أسألك مودة خيارهم، وأن تحميني من شرارهم، وانظر أذكار النووي وشرحها لابن علّان المكي، وتخريج أحاديثها للحافظ ابن حجر. كيف كان حال كفار جزيرة العرب معه عليه السلام كان الكفار بعد الهجرة كما أفاده الحافظ في غزوة بني النضير وغيرها على ثلاثة أقسام. قسم وادعهم عليه السلام على أن لا يحاربوه، ولا يؤلبوا عليه عدوا، وقيل على أن لا يكونوا معه ولا عليه، وقيل: على أن ينصروه ممن دهمه من عدوه، وهم طوائف اليهود الثلاثة قريظة والنضير وبنو قينقاع فنقض الثلاثة العهد، فمكن الله رسوله منهم فقاتل قريظة من أجل الآخرين. وقسم حاربوه صلى الله عليه وسلم، ونصبوا له العداوة، كقريش فنصره الله عليهم وفتح مكة فصار   (1) لم أعثر على الحديث في النسائي ووجدته في الأذكار للنووي ص 238 وقد عزاه للنسائي وابن السني. وروى الترمذي حديث يقاربه لفظا ومعنى: ج 5/ 539 كتاب الدعوات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 أعظمهم عليه أحوجهم إليه، ثم في حجة الوداع لم يبق أحد من قريش إلا أسلم وصاروا كلهم أتباعه. وقسم تركوه وانتظروا ما يؤول إليه أمره كطوائف العرب، منهم من كان يحب ظهوره في الباطن كخزاعة، وبالعكس كبني بكر، ومنهم من كان معه ظاهرا ومع عدوه باطنا، ومنهم المنافقون فكانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، وكان أول من نقض العهد من اليهود بنو قينقاع، ثم النضير ثم قريظة، فحاربهم المصطفى بعد وقعة بدر بشهر. وقال الحافظ ابن تيمية في كتابه: الصارم المسلول على شاتم الرسول ص 98: لا خلاف بين أهل السير أن جميع قبائل الأوس والخزرج لم يكن فيهم من يقاتل المصطفى بيد ولا لسان، ولا كان أحد بالمدينة يتمكن من إظهار ذلك، وإنما غاية الكافر أو المنافق منهم أن يثبط الناس عن اتباعه، أو يعين على رجوعه من المدينة إلى مكة ونحو ذلك مما فيه تخذيل عنه وحض على الكفر به، لا على قتاله. ومن المعلوم من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، الظاهر علمه عند كل من له علم بالسيرة، أنه عليه السلام لما قدم المدينة لم يحارب أحدا من أهل المدينة، بل وادعهم حتى اليهود خصوصا بطون الأوس والخزرج، فإنه كان يسالمهم ويتألفهم بكل وجه، وكان الناس إذ قدمها على طبقات: منهم المؤمن وهم الأكثرون ومنهم الباقي على دينه، وهو متروك لا يحارب ولا يحارب، وهو والمؤمنون من قبيلته وحلفائهم أهل سلم لا أهل حرب، حتى حلفاء الأنصار أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على حلفهم. قال موسى بن عقبة: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس فيها دار من دور الأنصار، إلا فيها رهط من المسلمين، إلا بني خطمة، وبني واقف، وبني وائل، كانوا آخر الأنصار إسلاما. وحول المدينة حلفاء للأنصار كانوا يتظاهرون بهم في حربهم، فأمر المصطفى أن يخلوا حلف حلفائهم، للحرب التي كانت بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم وبين من عادوا الإسلام، وكان صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط فيهم المسلمون، الذين تجمعهم دعوة الإسلام، وفيهم أهل الحلقة والحصون، وفيهم حلفاء للحيين جميعا الأوس والخزرج، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم وموادعتهم. كان الرجل يكون مسلما وأبوه مشركا. ومن المعلوم أن قبائل الأوس كانوا حلفاء بعضهم لبعض، وكان فيهم المظهر للإسلام المبطن لخلافه، وكان الإسلام يفشو في بطون الأنصار بطنا بعد بطن، حتى لم يبق فيهم مظهر الكفر، بل صاروا إما مؤمنين أو منافقين. وكان من لم يسلم منهم بمنزلة اليهود موادع لهذين، أو هم أحسن حالا من اليهود، لما يعرف فيه من العصبية لقومه، وأن يهوى هواهم ولا يرى أن يخرج عن جماعتهم، وكان صلى الله عليه وسلم يعاملهم بالكف عنهم، واحتمال أذاهم بأكثر مما يعامل به اليهود، لما كان يرجو منهم، ويخاف من تغير قلوب من أظهر الإسلام من قبائلهم لو أوقع بهم، وهو في ذلك متبع قوله تعالى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمران: 186] اهـ منه. كيفية معاملته صلى الله عليه وسلم مع كفار زمانه من استعمال الشدة في وقتها والعطف والمجاملة في إبانها ومناسبتها زيادة على ما سبق. عن ابن تيمية: كان عليه السلام في أول أمره يتحمل أذاهم، ويصبر على بلواهم حتى أذن الله له بالقتال، لاثني عشر ليلة مضت من صفر في السنة الثالة من الهجرة، قال الزهري: أول آية نزلت في الأذن بالقتال أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج: 39] خرّجه النسائي بإسناد صحيح، قال أبو حيان في البحر: والمأذون فيه في الآية محذوف؛ أي في القتال لدلالة الذين يقاتلون عليه، وعلل بأنهم: ظلموا. كانوا يأتون من بين مضروب ومشجوج فيقول لهم: إصبروا، فإني لم أومر بقتال، حتى هاجر فأذن له بالقتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية، وقال غيره: وإنما شرع الله الجهاد في الوقت الأليق، لأنهم كانوا بمكة، وكان المشركون أكثر عددا فلو أمر المسلمين وهم قليل بقتال الباغين لشق عليهم، فلما نفر المشركون وأخرجوه عليه السلام من بين أظهرهم، وهموا بقتله واستقر عليه السلام بالمدينة، واجتمع عليه أصحابه وقاموا بنصره، وصارت المدينة دار إسلام، ومعقلا يلجأون إليه، شرع الله الجهاد فبعث عليه السلام البعوث والسرايا وغزا بنفسه وقاتل هو وأصحابه، وكان عدد مغازيه التي خرج فيها بنفسه عليه السلام سبعا وعشرين، كما قاله أئمة المغازي، وجزم به ابن الجوزي والدمياطي والعراقي وغيرهم، وقيل غير ذلك. قال ابن تيمية: ولا يعلم أنه عليه السلام قاتل في غزاة إلا في أحد، ولم يقتل أحدا إلا أبي بن خلف فيها، فلا يفهم من قولهم: قاتل كذا أنه بنفسه، كما فهمه بعض الطلبة ممن لا إطلاع له على أحواله عليه السلام اهـ. قال في النور: قد يرد على ابن تيمية حديث: كنا إذا التقينا كتيبة أو جيشا أول من يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمكن تأويله، وكانت سراياه عليه السلام التي بعث فيها سبعا وأربعين سرية. قال الشامي: الذي وقفت عليه في السرايا والبعوث يزيد على السبعين، وقال الحافظ: قرأت بخط مغلطاي: أن مجموع الغزوات والسرايا مائة، وهو كما قال اهـ. وقد جرت عادة المحدثين وأرباب السير أن يسموا كل عسكر حضره عليه السلام بنفسه الكريمة غزوة، وما لم يحضره بل أرسل بعضا من أصحابه إلى العدو سرية وبعثا، وفي حال جريان الأعمال الحربية مجراها أو السلم والصلح أو الهدنة، كان عليه السلام يتألف كبار المشركين والكفار، ويلين لهم القول ويظهر لهم إذا قدموا عليه مزيد الإعتبار استيلافا لهم وليعرفوا خلقه، وناهيك بقصة (عبس وتولّى) المتقدمة، وفي بدائع الفوائد للحافظ ابن القيم: أن الإمام أحمد سئل هل يكني الرجل أهل الذمة فقال: قد كنى النبي صلى الله عليه وسلم أسقف نجران، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وعمر فقال: يا أبا حسان لا بأس به انظر ص 122 الجزء الرابع، وكان يأمر الصحابة بذلك أيضا. قال المناوي في شرحه الكبير على الجامع الصغير لدى حديث: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه، المخرج من ابن ماجه والبزار والطبراني، وابن عدي والبيهقي والحاكم عن عدة من الصحابة ما نصه: إذا أتاكم كريم قوم أي رئيسهم المعظم فيهم المعود منهم بإكبار الإعظام، وإكثار الإحترام فأكرموه، برفع مجلسه وإجزال عطيته ونحو ذلك، مما يليق به؛ لأن الله عوّده ذلك منه إبتلاء له، فمن استعمل معه غيره فقد إستهان به وجفاه، وأفسد عليه دينه؛ فإن ذلك يورث في قلبه الغل والحقد والبغضاء والعداوة، وذلك يجر إلى سفك الدماء. وفي إكرامه إتقاء شره، وإبقاء دينه، فإنه قد تعزز بدنياه وتكبروتاه وعظم في نفسه، فإذا أحقرته فقد أهلكته من حيث الدين والدنيا، وبه عرف أنه ليس المراد كريم القوم عالمهم أو صالحهم، كما وهم البعض، ألا ترى أنه لم ينسبه في الحديث إلى علم ولا دين. ومن هذا السياق انكشف أن إستثناء الكافر والفاسق كما وقع لبعضهم منشؤه الغافلة عما تقرر، من أن الإكرام منوط بخوف محذور ديني أو دنيوي، أو تكون ضررا للفاعل أو المفعول معه، فمتى خيف شيء من ذلك شرع إكرامه بل يجب، فمن قدم عليه بعض الولاة الظلمة الفسقة فأقصر مجلسه وعامله معاملة الرغبة، فقد عرض نفسه وماله للبلاء، فإن أوذي ولم يصبر فقد خسر الدنيا والآخرة وقد قيل: دارهم ما دمت في دارهم، وحيهم ما دمت في حيهم. اهـ. وقال عليه السلام: بعثت نبيا مداريا «1» . ولهذا كان كثير من أكابر السلف المعروفين بمزيد الورع يقبلون جوائز الإمراء المظهرين للجور ويظهرون لهم البشاشة حفظا للدين ورفقا بالمسلمين، ورحمة بذلك الظالم المبتلي المتكبر، وهكذا كان أسلوب المصطفى عليه السلام مع المؤلفة قلوبهم، وقد غلط في هذا الباب كثير غفلة عن معرفة تدبير الله ورسوله، والجمود على ظاهر: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [الحج: 18] وما دروا أن السنة شرحت ذلك وبينته أحسن البيان بموضع طلب إهانة الفاسق والكافر للأمن من حصول مفسدة، والحاصل أن الكامل إنما يكرم لله أو يهين لله. ولهذا قال بعض العارفين: ينبغي للفقير أن يكرم كل وارد عليه من الولاة، فإن أحدهم لم يزر الفقير حتى خلع عنه كبرياءه ورأى نفسه دونه، وإلا لما أتاه مع كونه من رعاياه، قال: فمن أتانا فقيرا حقيرا أكرمناه، كائنا من كان وإن كان ظالما فنحن ظالمون أنفسنا بالمعاصي وغيرها، ولو بسوء الظن فظالم قام لظالم، وأكرمه. وقد كان المصطفى يتواضع لأكابر كفار قريش ويكرمهم، ويرفع منزلتهم لأنهم مظاهر العزة الالهية ورؤي بعض الأولياء في النوم، وعليه حلة خضراء والأنبياء واقفون بين يديه فاستشكل ذلك الرائي فقصه على بعضهم فقال: لا تنكره فإن   (1) ذكر في كشف الخفاء حديثا بمعناه: بعثت بمداراة الناس وعزاه للبيهقي عن جابر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 تأدبهم مع من ألبسه الخلعة لامعه، ألا ترى أن السلطان إذا خلع على بعض غلمانه ركب أكابر الدولة في خدمته اهـ منه ص 37. وفي الأكليل على قوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً [طه: 44] أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب وغيره قال: كنّياه قولا له: يا أبا مرة، ففيه جواز كنية الكافر، وإستحباب إلانة القول للظالم عند وعظه لعله يرجع. وفيه أيضا على قوله في سورة مريم (سلام عليك) إستدل به من أجاز إبتداء الكافر بالسلام. وفي سيرة عمر: أنه بعد إتمام فتح الشام، جرت بينه وبين ملك الروم المكاتبات الودادية، وأن أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وزوج عمر بن الخطاب، أرسلت مع رسول جاء إلى المدينة من قبل ملك الروم هدية من ألطاف المدينة إلى إمبراطورة الروم امرأة هرقل، وأرسلت هذه في نظيرها عقدا نفيسا من الجواهر، فأخذه منها عمر ورده إلى بيت المال، هذا على ما في رواية ساقها أين الهندي في كنز العمال. وفي تاريخ ابن جرير الطبري أن أم كلثوم أرسلت تلك الهدية مع بريد عمر، وأن امرأة هرقل جمعت نساءها وقالت: هذه هدية امرأة ملك العرب وبنت نبيهم، وكاتبتها وكافأتها وأهدته لها. انظر أخبار سنة 28 من تاريخ ابن جرير، وسيرة سيدنا عمر للحافظ ابن الجوزي. وفي الخطط المقريزية: أن أسامة بن زيد التنوخي من رجال مصر في القرن الأول، وكان صاحب خراج مصر، إبتاع من موسى بن وردان فلفلا بعشرين ألف دينار. كان كتب فيه الوليد بن عبد الملك ليهديه إلى صاحب الروم، وضرب الفلفل بدار بمصر كانت تعرف بدار الفلفل انظر ص 304 الجزء الثالث. وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن علقمة الخزاعي عن أبيه قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم بمال لأبي سفيان بن حرب يفرقه في فقراء قريش وهم مشركون يتألفهم، فقدمت مكة ودفعت المال إلى أبي سفيان فجعل أبو سفيان يقول: من رأى أبر من هذا، ولا أوصل يعني النبي صلى الله عليه وسلم إنا نجاهد ونطلب دمه وهو يبعث إلينا بالصلات يبرنا بها. أورده الحافظ السيوطي في الجمع، وابن الهندي في الكنز انظر ص 42 من الجزء الخامس. وفي الهداية من كتب الحنفية: صح أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد يهوديا بجواره قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديثها: محمد بن الحسن في الآثار، أخبرنا أبو حنيفة عن علقمة بن مرثد، عن أبي بريدة عن أبيه قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لنا: قوموا بنا نعود جارنا اليهودي فأتيناه فقال له: كيف أنت يا فلان؟ ثم عرض عليه الشهادتين ثلاث مرات فقال له أبوه: يا بني إشهد فشهد، فقال الحمد لله الذي أعتق به نسمة من النار، ومن هذا الوجه أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة، وروى عبد الرزاق من مرسل ابن أبي حسين نحوه، وزاد فيه وغسله النبي صلى الله عليه وسلم وكفّنه وحنّطه وصلّى عليه اهـ. وقعت لسيدنا الجد قصة تشبه هذه مع يهودي أيضا من يهود ملاح فاس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 القسم السادس في العمالات الجبائية ويشتمل على أبواب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 العمالات الجبائية قال القاضي عياض في الشفا: فتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته بلاد الحجاز واليمن وجميع جزيرة العرب، وما دانى ذلك من الشام والعراق، وجبي إليه من أخماسها وجزيتها وصدقاتها ما لا يجبى للملوك إلا بعضه، وهادنه جماعة من ملوك الأقاليم، فما استأثر بشيء منه ولا أمسك منه درهما بل صرفه في مصارفه وأغنى به غيره وقوى به المسلمين اهـ وفيه عدة أبواب: باب في صاحب الجزية الجزية: الخراج المجعول على رأس الذمي، كأنه جزاء للمنّ عليه بالإعفاء من القتل، أو إكراهه على الإسلام. كيفية أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الجزية وممن أخذها «قال الحافظ ابن المندر في الأشراف: قال الشافعي: صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم نصارى نجران على الجزية، وفيهم عرب وعجم، وصالح أهل اليمن على الجزية، وفيهم عرب وعجم، وقال ابن عبد البر في التمهيد عن ابن شهاب: أول من أعطى الجزية من أهل الكتاب أهل نجران في عملنا، وكانوا نصارى. ثم قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من أهل البحرين وكانوا مجوسا، وممن تولّى قبض الجزية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أبو عبيدة بن الجراح، كما في البخاري، ومعاذ بن جبل كما في سنن أبي داود» . باب في صاحب الأعشار ما جاء في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «في سنن أبي داود «1» عن حرب بن عبيد الله بن عمير الثقفي عن جده قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت، وعلّمني الإسلام وعلمني كيف آخذ الصدقة من قومي ممن أسلم، ثم رجعت إليه فقلت يا رسول الله كلما علمتني خفظت إلا الصدقة أفأعشرهم قال لا» .   (1) ذكره في كتاب الخرّاج والإمارة والفيء باب 31 ص 435 ج 3 ورقم الحديث 3049. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 باب في متولي خراج الأرضين «في صحيح مسلم «1» عن عمر: قال كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله، مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم، مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وكان ينفق على أهله نفقة سنة. وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدّة في سبيل الله قال عياض في الإكمال: قال الطبرى: كل ما أفاء الله على رسوله طعمة له من الله على أن يأكل منه هو وأهله إن احتاجوا، ويصرفوا ما فضل عن ذلك في تقوية المسلمين» . «وعن عمر بن عبد العزيز: كان ينفق منها على فقراء بني هاشم، ويزوج أيمهم. وقال المازري: ما أجلي عنه أهله من غير قتال فعندنا أنه لا يخمّس ويصرف في مصالح المسلمين «2» ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصرف ما يؤخذ من بني النضير، وفي الموطأ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاء بتمر جنيب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكلّ تمر خيبر هكذا؟ فقال: لا يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل، بع الجميع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا. حرّر بن بشكوال أن المذكور هو سواد بن غزية الأنصاري [من بني عدي] . وفي مدة عمر كان ولي عثمان بن حنيف الأنصاري مساحة الأرض وجبايتها وضرب الخراج والجزاية على أهلها وولاه عليّ البصرة» . وفي المجلد السابع من تصنيف أبي علي أحمد بن عمر بن رسته ص 104 وروي عن إسماعيل بن مجالد بن سعيد عن أبيه عن الشعبي؛ إن عمر بن الخطاب بعث عثمان بن حنيفة فمسح السواد فوجده ستة وثلاثين ألف ألف جريب فوضع على كل جريب درهما وفقيزا، قال أبو عبيد: إن حد السواد الذي مسح عثمان بن حنيف هو من لدن تخوم الموصل. مادا إلى ساحل البحر من بلاد عبّادان، من شرق دجلة طولا وعرضا، من منقطع الجبل من أرض حلوان إلى منتهى طرف القادسية، مما يلي العذيب من أرض العرب. وحدث غيره أن عمر بن الخطاب أمر بمساحة السواد كله، وطوله من القلب إلى عبادان، وهو مائة وخمسة وعشرون فرسخا وعرضه من عقبة حلوان إلى العذيب ثمانون فرسخا، فبلغ جربانه ستة وثلاثين ألف ألف جريب، جعل على كل جريب من أرض الشعر درهمين، وعل كل جريب من أرض الكرة والرطاب   (1) انظر كتاب الجهاد والسير حديث رقم 48 باب حكم الفيء ص 1376/ 2. (2) كذا ورد في كتاب التخريج: لا يخمس. ص 528 نقلا عن الإمام المازري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 ستة دراهم، وعلى كل جريب من أرض النخل ثمانية دراهم، وختم على خمسمائة ألف إنسان للجزية على الطبقات، فجبى عمر السواد من الورق مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم اهـ. وفي روض الأعلام لابن الأزرق أن عمر لما وجّه إلى الكوفة عمّار بن ياسر على صلاتهم وجيوشهم وابن مسعود على قضائهم وبيت مالهم، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض، وقد فرض لهم في كل يوم شاة شطرها وسواقطها لعمار، والشطر الآخر بين الآخرين، ثم قال: لا أرى قرية يؤخذ منها شاة كل يوم إلا سريعا في خرابها. وأصل ذلك في طبقات ابن سعد من عدة طرق إلا قوله: لا أرى قرية، فلم أره فيها، وقد أخذ من ذلك الأئمة إجراء الأرزاق على من يقوم بما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين؛ من تعليم أو حكم أو غير ذلك. ومنه قول الإمام الغزالي في الإحياء في: كتاب الحلال والحرام؛ كل من يتولى أمرا تتقوى به مصلحة المسلمين، ولو اشتغل بالكسب لتعطل عليه ما هو فيه، فله في بيت المال حق الكفاية، قال: ويدخل فيه العلوم كلها، أعني التي تتعلق بمصالح الدين، كعلم الفقه والحديث والتفسير والقراءة حتى يدخل فيه المعلمون وطلبة هذه العلوم يدخلون فيه، فإنهم إن لم يكفوا لم يتمكنوا من الطلب اهـ. وقد حكى البرزالي عن القفصي أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله: أجروا على طلبة العلم الرزق وفرغوهم، قال: والمصلحة إما أن تتعلق بالدين أو بالدنيا، فبالعلماء حراسة الدين، وبالأجناد حراسة الدنيا، والدين والملك توأمان، فلا يستغني أحدهما عن الآخر، قال: وليس شرط في هؤلاء الحاجة، بل يجوز أن يعطوا مع الغنى، فإن الخلفاء الراشدين كانوا يعطون المهاجرين والأنصار، ولو لم يعرفوا بالحاجة اهـ. انظر ابن الأزرق فقد أطال وأطاب في المسألة. وقال الباجي في المنتقى على قوله عليه السلام: ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة: المراد بعامله كل عامل يعمل للمسلمين، من خليفة أو غيره، فإن كل من قام بأمر المسلمين وبشريعته فهو عامل له عليه السلام، فلا بد أن يكفى مؤونته وإلا لضاع اهـ بواسطة تنوير الحوالك للسيوطي. ونقل الفاكهي في المناهج عن الغزالي: أنه يجب لحافظ القرآن في كل سنة من بيت مال المسلمين مائة دينار. ونقل صاحب الأجوبة المهمة عن الحافظ السيوطي: أن لمعلم الصبيان من بيت مال المسلمين مائة دينار، فإن لم يكن من بيت المال فعلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 جماعة المسلمين، فإن لم تكن جماعة فعلى أهل الحسبة، لأن تعليم الصبيان فرض كفاية يحمله من قام به اهـ. وانظر ما سبق في ترجمة [هل كان للقضاة والولاة راتب في زمنه عليه السلام] . وقال الحافظ السخاوي: من السلف الصالح من كان يتجر يقصد القيام بمؤونة من قصر نفسه على بث العلم والحديث، ولم يتفرغ من أجل ذلك للتكسب لعياله؛ فعن ابن المبارك أنه كان يقول للفضيل بن عياض: لولا أنت وأصحابك وعنى بهم السفيانين وابن علية وابن السماك ما اتجرت اهـ. باب في العامل على الزكاة «ذكر ابن إسحاق في السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان بعث عماله وامراءه على الصدقات، إلى كل ما وطىء الإسلام من البلدان، وعدّ منهم جملة، وذكر الكلاعي في السيرة أنه عليه السلام لما صدر من الحج سنة عشر، وقدم المدينة حتى رأى هلال المحرم سنة 11 بعث المصدقين في العرب، وذكر منهم جماعة من أشهرهم عمر بن الخطاب، وخالد بن سعيد بن العاصي، ومعاذ بن جبل، وعدي بن حاتم الطائي، والزبرقان بن بدر التميمي وغيرهم» . وترجم في الإصابة للأرقم بن أبي الأرقم الزهري، فذكر أن الطبراني خرّج أنه عليه السلام إستعمله على السعاية. وترجم فيها أيضا كافية بن سبع الأسدي فنقل عن الواقدي؛ أن المصطفى عليه السلام استعمله على صدقات قومه. وترجم أيضا لحذيفة بن اليمان الأزدي فنقل عن ابن سعد أنه عليه السلام بعثه مصدقا على الأزد (مصدقا بتشديد الدال وكسرها أي عاملا يستوفي الزكاة من أربابها) وفي معالم السنن للخطابي، أن المصدق بتخفيف الصاد: العامل. قاله ابن الأثير مطولا. وفي المطالع: والمصدق بتخفيف الصاد آخذ الصدقة. قال ثابت ويقال أيضا للذي يعطيها من ماله، فإذا شددت الصاد فهو المتصدق لا غير اهـ من نور النبراس. وترجم في الإصابة أيضا لكهل بن مالك الهذلي فذكر أن المصطفى عليه السلام استعمله على صدقات هذيل، وترجم فيها أيضا لخالد بن البرصاء فذكر أن أبا داود والنسائي خرجا من طريق معمر عن الزهري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقا الحديث. وترجم لخالد بن سعيد بن العاص الأموي، فذكر أن المصطفى عليه السلام استعمله على صدقات مذجح. وترجم أيضا لخزيمة بن عاصم العكلي، فذكر أن ابن قانع روى من طريق سيف بن عمر عن المستنير بن عبد الله بن عدس، أن عدسا وخزيمة وفدا على النبي صلى الله عليه وسلم، فولّى خزيمة على الأحلاف: وكتب له بسم الله الرحمن الرحيم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 من محمد رسول الله لخزيمة بن عاصم إني بعثتك ساعيا على قومك فلا يضاموا ولا يظلموا، ذكره الرشاطي وقال: أهمله أبو عمر. وترجم أيضا لرافع بن مكيث الجهني قال: استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات قومه. وترجم أيضا لسهل بن منجاب التميمي فنقل عن الطبري أنه كان من عمّال النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات بني تميم، فمات المصطفى عليه السلام وهو على ذلك. وترجم لعكرمة بن أبي جهل فنقل عن الطبري أن النبي عليه السلام استعمله على صدقات هوازن عام وفاته. وترجم لمالك بن نويرة فذكر أنه كان من أرداف الملوك، وأنه صلى الله عليه وسلم استعمله على صدقات قومه. وترجم لمتمم بن نويرة التميمي فقال: بعثه عليه السلام على صدقات بني تميم. وفي ترجمة مرداس بن مالك الغنوي أنه عليه السلام ولاه صدقة قومه. وفي الهيثم والد قيس أنه عليه السلام استعمله على صدقات قومه. (موعظة تبرهن عن عدل المصدقين في ذلك الزمن الطاهر) . قد أخرج ابن سعد في الطبقات [6/ 68] عن سويد بن غفلة قال أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بيده فقرأت في عهده، فإذا فيه: أنه لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق، فأتاه رجل بناقة عظيمة فأبى أن يأخذها ثم أتاه آخر بناقة دونها فأبي أن يأخذها، ثم قال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخذت خيار إبل امرىء مسلم. وانظر ترجمة قرة بن دعموص النميري من الطبقات ص 31 ج 7. باب في ذكر من كان يكتب الصدقات لرسول الله صلى الله عليه وسلم «قال ابن حزم في كتابه جوامع السيرة: كان كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقات الزبير بن العوام، فإن غاب أو اعتذر كتب جهم بن الصلت، وحذيفة بن اليمان» . ونقل الحافظ في تلخيص الحبير عن القضاعي: كان الزبير وجهم يكتبان أموال الصدقات اهـ. وترجم الحافظ في الإصابة جهم بن سعد فقال: ذكره القضاعي في كتّاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه هو والزبير كانا يكتبان أموال الصدقة، وكذا ذكره القرطبي في المولد النبوي من تأليفه اهـ. منها ص 266 من الجزء الأول. وفي اختصار الإصابة لأبي زيد العراقي: جهم بن سعد من كتبته، قيل: كان يكتب أموال الصدقات مع الزبير. وأقول: يأتي في جهيم مثل هذا وانظر لم لم يقل الحافظ: يأتي في جهيم اهـ وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 ظاهر، فإن الحافظ في ترجمة جهيم بن الصلت، ذكر نحو ما في ترجمة هذا، نقلا عن صاحب التاريخ الصمادحي، والظاهر أنهما اثنان. وفي صبح الأعشى ص 11 من ج 1 نقلا عن عيون المعارف وفنون أخبار الخلائف للقضاعي: أن الزبير بن العوام وجهم بن الصلت كانا يكتبان للنبي صلى الله عليه وسلم أموال الصدقات، وأن حذيفة بن اليمان كان يكتب له خرص النخل، فإن صح ذلك فتكون هذه الدواوين قد وضعت في زمانه عليه السلام اهـ. باب في الخارص «والخرص حزز ما على النخل من الرطب تمرا. في صحيح مسلم «1» عن عن أبي حميد قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فأتينا وادي القرى، على حديقة لإمرأة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرصوها فخرصناها، وخرصها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق (الوسق ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم) وقال: أحصاها حتى نرجع إليك، إن شاء الله وانطلقنا حتى قدمنا تبوك: الحديث. وفي البخاري «2» عن ابن عمر: عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع وتمر فكان يعطي أزواجه مائة وسق ثمانون وسقا تمرا وعشرون وسقا شعيرا. وفي الموطأ «3» أنه عليه السلام كان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه وبينهم، ثم يقول: إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي، فكانوا يأخذونه، وعن سلمان بن يسار قال: فجمعوا له حليا من حلي نسائهم فقالوا: هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم، فقال عبد الله بن رواحة: يا معشر يهود والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي، وما ذلك بحاملي على أن أحيف عليكم، فأما ما عرضتم من الرشوة فإنها سحت، وإنا لا نأكلها. فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض. وكان الخرص في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من النخل والعنب والحبوب. خرّج أبو داود في سننه عن عتّاب بن أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه وأمره أن يخرص العنب، كما يخرص النخل، وأن يأخذ زكاة العنب زبيبا كما يأخذ زكاة النخل تمرا» . ترجم في الإصابة لزياد بن عبد الله الأنصاري، فذكر أن ابن منده روى عن زياد قال؛ لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة يخرص على أهل خيبر لم يجده أخطأ بحشفة «4» ، قال ابن منده: تفرد به عبيد بن إسحاق عن قيس.   (1) انظر كتاب الفضائل باب 3 ج 2/ 1785. (2) انظر كتاب الحرث والمزارعة ج 3/ 68. (3) انظر أول كتاب المساقاة ص 703. (4) الحشف: هو أردأ أنواع التمر. مصححه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 وترجم أيضا لسهل بن أبي حثمة فقال: هو الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم خارصا. وترجم أيضا للصلت بن معديكرب الكندي، فذكر أن المصطفى عليه السلام استعمله على الخرص، وترجم أيضا لفروة بن عمرو بن ودقة الأنصاري البياضي، فذكر أن عبد الرزاق روى في الزكاة من مصنفه، عن معمر عن حسن بن عثمان عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يبعث رجلا من الأنصار من بني بياضة يقال له: فروة بن عمرو فيخرص تمر أهل المدينة. ومن طريق أخرى: فإذا دخل الحائط حسب ما فيه من الأقناء، ثم ضرب بعضها على بعض على ما يرى فيها فلا يخطىء. وترجم في الإستبصار لأبي خيثمة، عامر بن ساعدة والد سهيل بن أبي خيثمة فقال: بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم خارصا إلى خيبر. باب في الوقف قال في التنبيه: الوقف مصدر: وقفت الأرض وغيرها أقفها، هذه اللغة الفصحى الشهيرة اهـ ويعبر عنه بالحبس فيسمى: وقفا، لأن العين موقوفة وحبسا كما يفيده التنبيه: وهو جعل منفعة مملوك ولو بأجرة أو غلة لمتحقق بصيغة دالة عليه: كحبست ووقفت مدة ما يراه المحبّس فلا يشترط فيه التأبيد، وهو مندوب لأنه من البر وفعل الخير، قال تعالى: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج: 77] . وقد حبس النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون بعده، حتى صار الحبس في الإسلام من أعظم مصادر المال لنفع أهله، وموارده اليوم في سائر بلاده من أوسع دوائر الجبايات، قال الإمام الشافعي في الأم: حفظنا الصدقات عن عدد كبير من المهاجرين والأنصار، لقد حكى لي عدد كثير من أولادهم وأهليهم، أنهم لم يزالوا يلون صدقاتهم حتى ماتوا، ينقل ذلك العامة منهم عن العامة، لا يختلفون فيه وإن أكثر ما عندنا بالمدينة ومكة من الصدقات، فكما وصفت يتصدق بها المسلمون من السلف، وإن نقل الحديث بها كالمتكلف اهـ من الأم ص 276 ج 3. «وفي جامع ابن يونس أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس تسع حوائط (الحائط حديقة النخل) أوصى له بها مخيريق لما قتل يوم أحد بأن يضعها حيث أراه الله، فحبسها من أموال بني النضير. قال السهيلي: هي أول حبس في الإسلام، وكل ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدق به.» وقال عمر بن شبة في أخبار المدينة، عن ابن سهل: كانت صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم أموالا لمخيريق وصى بها لرسول الله صلى الله عليه وسلم. أنظر ترجمته من الإصابة، وقد عقد السيد السمهودي في الوفا بابا في ص 152 لصدقاته عليه السلام، فتكلم فيها على أموال مخيريق المذكور، نقل فيها عن الواقدي: وقف النبي صلى الله عليه وسلم الأعراف، وبرقة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 وميت، والدلال، وحس، والصافية، ومشربة أم إبراهيم، سنة سبع من الهجرة. وروى الواقدي بسنده عن بعد الله بن كعب بن مالك قال: قال مخيريق يوم أحد: إن أصبت فأموالي لمحمد، يضعها حيث أراه الله، فهي عامة صدقاته عليه السلام. فانظر الوفا. وفي الصحيح «1» : أن عمر دفع إلى العباس وعلي صدقته عليه السلام بالمدينة، وهي حوائط مخيريق، ونخل بني النضير، وما أعطاه له الأنصار، وأما خيبر وفدك فبقيت بيد عمر، كما في حديث عائشة في الصحيح أيضا، ولم يدفعها لغيره، وهي بيد عثمان إلى أن أقطعها لمروان فبقيت بيد ولده. قال القرطبي: دفعها إليهما على أن لا ينفرد أحدهما بالآخر بعمل، حتى يكون الآخر معه فيه، فشق عليهما ذلك، وطلبا قسمها بينهما حتى يستقل كل واحد بالنظر فيما يكون في يده، فأبى عمر عليهما ذلك، وخاف إن فعل ذلك أن يظن ظان أن ذلك قسمة ميراث بينهما، وهو موافق لنسبة القسمة بينهما فمنعهما حسما للمادة اهـ. وقال عياض في الإكمال: خرج أبو بكر البرقاني في صحيحه، قصة نزاعهما ثم قال: فغلب علي عليها العباس فكانت بيد علي، ثم بيد الحسن ثم بيد الحسين، ثم بيد علي بن الحسين، ثم بيد الحسن بن الحسن، ثم بيد زيد بن الحسن، ثم بيد عبد الله بن الحسن، ثم تولاها بنو العباس اهـ. وروينا في صحيح البخاري عن أنس قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها فيشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا ممّا تحبّون [آل عمران: 92] قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله أن الله يقول: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحبّ أموالي إلى بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ ذلك مالك رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين قال أبو طلحة أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه «2» ، وفي رواية فجعلها لأبي وحسان كان أقرب إليه مني. وفي رواية له أيضا عقب قوله: وإن أحب أموالي بيرحاء، وكانت حديقة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويتظلل فيها، ويشرب من مائها، قال: فهي إلى الله ورسوله، أرجو برها   (1) انظر البخاري كتاب النفقات باب 3 ج 6/ 190. (2) روى البخاري هذا الحديث في أكثر من موضع في كتاب الزكاة: ج 2 ص 126 والوكالة والتفسير والأشربة والوصايا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وذخرها، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ يا أبا طلحة. ذلك مال رابح قد قبلناه منك، ورددناه عليك، فاجعله في الأقربين فتصدق به أبو طلحة على ذوي قربى رحمه قال: كان منهم أبي وحسان قال: فباع حسّان حصته منه من معاوية، فقيل له تبيع صدقة أبي طلحة، فقال ألا أبيع صاعا من تمر بصاع من دراهم، وكانت الحديقة في موضع قصر بني جديلة الذي بناه معاوية. قال الحافظ ابن حجر: وبيع حسان لحصته من معاوية دليل على أن أبا طلحة ملّكهم الحديقة المذكورة، ولم يوقفها عليهم، ويحتمل أنه أوقفها، واشترط أن من احتاج إلى بيع حصته جاز له. كما قال بجوازه علي وغيره اهـ. وفي ضبط بيرحاء اختلاف بين المحدثين، حتى أفرده بعضهم بمصنف لخصه المجد ثم السمهودي في تاريخ المدينة. وقال ابن رشد في المقدمات: حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمر بن الخطاب، وعثمان، وابن عوف، وعلي، وطلحة والزبير، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وعمرو بن العاص. وقيل لمالك: إن شريحا كان لا يرى الحبس. فقال: تكلم شريح ببلاده ولم ير المدينة، فيرى آثار الأكابر من أزواجه صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين، وهذه صدقات النبي صلى الله عليه وسلم سبعة حوائط، وينبغي للمرء أن لا يتكلم إلا فيما أحاط به خبرا. وبهذا احتج مالك حين ناظره أبو يوسف بحضرة الرشيد فقال: هذه أحباس رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقاته، ينقلها الخلف عن السلف قرنا بعد قرن اهـ. وترجم أبو داود في سننه باب: في الرجل يوقف الوقف «1» ، ثم أخرج عن نافع عن ابن عمر قال: أصاب عمر أيضا بخيبر فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: أصبت أرضا لم أصب قط مالا أنفس عندي منه، فكيف تأمرني به؟ قال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث، للفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل، وزاد عن بشر: والضيف، ثم اتفقوا على أن لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقا غير متمول فيه. زاد عن بشر قال: وقال محمد: غير متأثل مالا. ثم أخرج أبو داود من طريق الليث عن يحيى بن سعيد عن صدقة عمر بن الخطاب قال نسخها لي عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. (بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما كتب عبد الله بن عمر في تمغ) فقص من خبره نحو حديث نافع قال (غير متأثل مالا فما عفا عنه من تمره فهو للسائل والمحروم) قال وساق   (1) انظر ج 3/ ص 298 من كتاب الوصايا رقم الباب 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 القصة قال وإن شاء ولي ثمغ اشترى من ثمره رقيقا لعمله وكتب معيقيب وشهد عبد الله بن الأرقم. بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به عبد الله بن عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إن حدث به حدث أن ثمغا وصرمة بن الأكوع والعبد الذي فيه والمائة سهم التي بخيبر ورقيقه الذي فيه والمائة التي أطعمه محمد صلى الله عليه وسلم بالوادي تليه حفصة ما عاشت ثم ذوي الرأي من أهلها، أن لا يباع ولا يشترى، ينفقه حيث رأى من السائل والمحروم وذوي القربى ولا حرج على من وليه إن أكل أو اشترى رقيقا منه. فذكر أبو داود كما ترى لعمر وثيقة الوقف، وهما وثيقتان ذكرهما أيضا عمر بن شبة، فنسخ عبد الحميد ليحيى بن سعد كلا الكتابين، وقد بين ذلك عمر بن شبة عن أبي عثمان المدني قال: هذه نسخة صدقة عمر أخذتها من كتابه الذي عند آل عمر، فنسختها حرفا حرفا. ونصها الثاني يقتضي أن عمر كتب الوقفية في خلافته، لأن معيقيب كان كاتبه في زمن خلافته، وقد وصفه فيه بأنه أمير المؤمنين، فيحتمل أن يكون وقف أولا في زمنه عليه السلام باللفظ، وتولى هو النظر عليه ألى أن حضره الموت فكتب حينئذ. وثمغ بفتح المثلاثة وسكون الميم والعين المعجمة، وحكى النووي فتح الميم قال أبو عبيد البكري: هي أرض تلقاء المدينة كانت لعمر، وفي مراصد الإطلاع ثمغ بالفتح ثم السكون والغين معجمة، موضع مال لعمر بن الخطاب وقفه وقيده بعض المغاربة بالتحريك اهـ. وفي النهاية ثمغ وصرمة بن الأكوع مالان معروفان بالمدينة، كانا لعمر بن الخطاب فوقفهما اهـ. وقيل: المراد في حديث عمر بالصرمة: القطعة الخفيفة من النخل والإبل اهـ وفي نص الحبس المذكور، وهو من وهو إيصاء عمر بالنظر في حبسه إلى امرأة وهي بنته حفصه، وعند عمر بن شبة عن يزيد بن هارون عن ابن عون في آخر الوقف وأوصى به عمر إلى حفصة أم المؤمنين، ثم إلى الأكابر من آل عمر ونحوه، في رواية عبيد الله بن عمر في رواية الدارقطني، وفي رواية أيوب عن نافع عند أحمد: يليه ذو الرأي من آل عمر، فكأنه كان أولا شرط أن النظر فيه لذوي الرأي من أهله، ثم عين عند وصيته لحفصة، وقد بين ذلك عمر بن شبة عن أبي غسان المدني قال: هذه نسخة صدقة عمر أخذتها من كتابه الذي عند آل عمر، فنسختها حرفا حرفا. (وهذا ما كتب عبد الله عمر أمير المؤمنين في ثمغ أنه لحفصة ما عاشت، تنفق ثمره حيث أراها الله، فإن توفيت فإلى ذوي الرأي من أهلها) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 أقول: وقد أذكرتني وصية عمر رضي الله عنه، وجعله النظر في وقفه إلى الأقرب فالأقرب من أهله وصية عالم الدنيا الإمام أبي عبد الله، محمد بن مرزوق التلمساني، شارح البردة فقد رأيت بخط الحافظ أبي العباس أحمد الونشريسي ناقلا بعض فصول وصية ابن مرزوق المذكور، في تحبيس كتبه على أولاده ونص بذلك: إن جميع ما احتوت عليه غرفتي التي لم أفارقها إلا منذ ثلاثة أيام وما احتوى عليه مسكني الآن، من دواوين الكتب والمفردات والكراريس وسائر التاليف، وما هو معار عند الناس حسبما ذلك مقيد في أزمتي محبّس على من يتعاطى العلم وعرف بالإشتغال به من ذريتي، من أي جهة كانوا فينتفعون بمطالعة ما يحتاجون إليه منها، إلا أن أولادي الذكور وأولادهم أولى بالتقديم عند ازدحام حاجتهم إلى ما يطالع منها، كما إن الأولى فالأولى الأعلى فالأعلى من أولادي الذكور أولى عند ذلك أيضا، وإن متولي النظر في كتبي المذكورة الأقرب فالأقرب والأعلم الأدين، فإن لم يجتمع الوصفان فالأدين ثم الأعلم، ثم الأقرب مع أمانتهما عليها، فإن لم يؤمنا فالأمين كيف كان اهـ. ومن خط الونشريسي نقلت واستفدت. وممن ثبت عنه الوقف من الصحابة سيدنا علي كرم الله وجهه، ففي مسند أحمد وغيره أن عليا قال: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإن صدقتي اليوم لتبلغ أربعين ألفا. وفي رواية أربعين ألف دينار «1» . وفي تهذيب الأسماء للنووي: قال العلماء لم يرد به زكاة مال يملكه، وإنما أراد الوقوف التي تصدق بها وجعلها صدقة جارية، وكان الحاصل من غلتها يبلغ هذا القدر اهـ. وفي الأم للشافعي أخرج إليّ والي المدينة صدقة علي بن أبي طالب، وأخبرني أنه أخذها من آل أبي رافع، وإنها كانت عندهم فأمرهم فقرئت علي اهـ أنظر الأم وممن ثبت عنه الوقف من كبار الصحابة، سيدنا عثمان بن عفان، ففي طبقات ابن سعد، أنه ترك صدقات كان يتصدق بها ببراديس وخيبر ووادي القرى قيمة مائتي ألف دينار. وممن ثبت عنه الوقف من كبار الصحابة سيدنا الزبير بن العوام، فقد خرج ابن سعد في ترجمته من الطبقات: أنه جعل دارا له حبسا على كل مردودة من بناته، وأنه أوصى بالثلث. وممن أوقف من كبار الصحابة سيدنا العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، ة فقد ترجم الحافظ محب الدين الطبري في ذخائر العقبى، في ترجمة العباس بن عبد المطلب: فذكر صدقته رضي الله عنه بداره على المسجد الشريف النبوي ليوسعه، عن كعب قال: كان للعباس دار، فلما أراد عمر توسعة المسجد قال العباس: قد جعلتها صدقة على مسجد المسلمين، قال الحافظ الطبري: حديث صحيح. وانظر ترجمته من طبقات ابن سعد.   (1) انظر المسند الجزء الأول 1/ 159 وفي طبعة المكتب الإسلامي 1/ 196. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 ومنهم أبو الدحداح الأنصاري في الإستبصار: لما نزلت من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا [البقرة: 245] كان أبو الدحداح نازلا في حائط له هو وأهله، فجاء لامرأته فقال: أخرجي، فقد أقرضته ربي، فتصدق بحائطه على الفقراء. ومنهم الأرقم بن أبي الأرقم وهو السابع ممن أسلم في طبقات ابن سعد: أن داره كانت بمكة على الصفا، وهي الدار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون فيها أول الإسلام، وفيها دعا الناس إلى الإسلام، ودعيت دار الإسلام تصدق بها الأرقم على ولده، وهذا نص الصدقة. بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما قضى الأرقم في ريعه ما حاز الصفا أنها محرمة بمكانها، من الحرم، لا تباع ولا تورث، شهد هشام ابن العاص وفلان مولى هشام بن العاص به ولم تزل بيد ولده صدقة قائمة فيها ولده يسكنون ويؤاجرون ويأخذون عليها، حتى كان زمن أبي جعفر المنصور فأخذها منهم، وابتاعها عليهم قهرا وظلما لأجل ميلانهم لمحمد النفس الزكية لما قام عليه. وممن ثبت عنه الوقف من كبار الصحابة وسادات آل البيت فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ففي الأم للشافعي: أخبرني محمد بن علي بن شافع قال: أخبرني عبد الله بن حسن بن حسين عن غير واحد من أهل بيته وأحسبه قال: زيد بن علي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقت بمالها على بني هاشم والمطلب، وإن عليا تصدق عليهم وأدخل معهم غيرهم. تنبيهان: الأول: في التوشيح للسيوطي فائدة: أخرج أحمد عن ابن عمر قال: أول صدقة أي موقوفة في الإسلام صدقة عمر، وأخرج عمر بن شبة عن عمر بن سعيد بن معاذ قال: سألنا عن أول حبس في الإسلام؟ فقال المهاجرون: صدقة عمر. وقال الأنصار صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ. والثاني: قال بعضهم: الوقف من خصائص الإسلام فلا يعرف وقوعه في الجاهلية اهـ. قلت: أصل ذلك للإمام الشافعي، قال: الوقف من الأمور التي اختص بها الإسلام، ولم يبلغني أن الجاهلية وقفوا دارا أو أرضا، ولا يرد بناء الكعبة وحفر زمزم لأنه كان على وجه التفاخر، لا التبرر. ذكره النووي قاله الأمير: في ضوء الشموع. ونقل عن شيخه البليدي في حواشيه على الزرقاني على قول خ أو على بنيه دون بناته، أن المنوي «1» على الخصائص بحث في قول الشافعي هذا بأن وقف الخصائص بحث في قول هذا بأن وقف   (1) كذا في الأصل فلعل الصواب: النووي. فليحرر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 الخليل باق إلى الآن. وكانت مصر وإقطاعها وقفا على كنيسة الروم، قال الشيخ الأمير عقبه: أقول إنما ادعى الشافعي أنه لم يثبت عن الجاهلية ولم ينفه عن الأنبياء، ولا عن أهل الكتاب المتقدمين فهو تخصيص نسبي اهـ. فائدة: في حواشي العلامة الشمس محمد بن عرفة الدسوقي المالكي المصري، على شرح الشهاب الدردير، على مختصر خليل ص 69 ج 4 نقلا عن حاشية شيخ مشايخه العلامة المعمر الشمس محمد البليدي المصري على ز على مختصر خ أنه كان في قيسارية فاس ألف أوقية من الذهب، موقوفة للسلف، فكانوا يردونها نحاسا فاضمحلت اهـ وممن ذكر ذلك من فقهاء فاس الشيخ أبو عبد الله التاودي بن سودة في شرح التحفة، لدى قولها: الحبس في الأصول جائز وفي الخ ونصه: وقد كان بقيسارية فاس دراهم موقوفة للسلف «1» . فلم يزالوا يتسلفونها ويردون فيها النحاس، والنقص حتى اندرست اهـ منه وهذا من أعظم ما يدلنا على الرقي في الزمن القديم، وعملهم على تنشيط الزارع والتاجر، ومدّيد المساعدة للفقير والصانع، فهذا مما سبقنا به أروبا بقرون، ولله في خلقه ما أراد من الشؤون. باب في المستوفي (وهو الرجل يبعثه الإمام ليقبض المال من العمال ويتخلصه منهم) (ويقدم به عليه) «في الصحيح «2» عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا إلى خالد ليقبض الخمس، قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب إلى أهل نجران يجمع صدقتهم، ويقدم عليه بجزيتهم، وذلك سنة عشر «3» كما في الكامل ففعل وعاد ولقي النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع» . وترجم في الإصابة لحاجب بن زرارة الدارمي التميمي فذكر أنه عليه السلام بعثه على صدقات بني تميم انظر ص 288 من ج 1. تنبيه وقع في قصة حجة الوداع من صحيح مسلم، مقدم علي من سعايته، قال القاضي: أي من عمله في السعي في الصدقات، وقال بعضهم في غير مسلم: إنه بعثه أميرا لا عاملا، إذ لا يجوز استعمال بني هاشم على الصدقات. وفي النسائي عن البراء: كنت مع علي حين أمره النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقات، فصرّح بأنه أمره ولم يقل   (1) للسلف: الظاهر أن معناها القرض. أي يستقرضونها ثم يعيدونها. (2) رواه البخاري في ج 5/ ص 110 من كتاب المغازي رقم الباب 61 چ (3) انظر السيرة لابن هشام ج 2/ 600. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 استعمله، قال القاضي ويحتمل أنه ولي الصدقات احتسابا أو أعطي عمالته عليها من غير الصدقة. قال بعضهم: السعاية تستعمل في مطلق الولاية فلا تدل على الصدقات خصوصا. باب خروجه عليه السلام بنفسه إلى البادية في إبل الصدقة في ص 112 من ج 6 من مسند أحمد عن عائشة قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البادية إلى إبل الصدقة، فأعطى نساءه بعيرا بعيرا غيري، فقلت يا رسول الله أعطيتهن بعيرا بعيرا غيري، فأعطاني بعيرا آدد صعبا لم يركب عليه، فقال: يا عائشة أرفقي به، فإن الرفق لا يخالط شيئا إلا زانه، ولا يفارق شيئا إلا شأنه «1» . باب ذكر من وكله عليه السلام لحفظ زكاة رمضان في سمط الجوهر الفاخر أنه عليه السلام وكل ذلك لأبي هريرة. باب ذكر من جعله عليه السلام على قبض مغانمه كان عليها خزاعة بن عبد نهم المزني ذكر ذلك في سمط الجوهر الفاخر «2» . باب من كان على خمسه عليه السلام كان عليه عبد الله بن كعب الأنصاري من بني مازن ابن النجار، كما في سمط الجوهر الفاخر أيضا، وفي ترجمته من الإستبصار: شهد بدرا وكان على الغنائم يومئذ، وشهد سائر المشاهد، وكان على خمس النبي صلى الله عليه وسلم فيها اهـ.   (1) هو في ص 129/ 6 من طبعة المكتب الإسلامي في بيروت. (2) وترجمته في الإصابة 1/ 424. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 القسم السابع في العمالات الإختزانية وما أضيف إليها وفيه فصول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 العمالات الاختزانية « (الموازين) في صحيح «1» مسلم عن جابر قال: اشترى مني النبي عليه السلام بعيرا بأوقيتين وبدرهم، أو درهمين، فلما قدم المدينة وزن لي ثمن البعير فأرجح، وفي سنن النسائي فدعا بميزان فوزن لي وزادني، وفي أبي داود قوله عليه السلام للوزان: زن وأرجح، وفي الإستيعاب: أن أبا سفيان بن حرب أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين وكان شهدها معه مائة بعير وأربعين أوقية وزنها له بلال» . خازن الطعام «في الصحيح «2» أنه عليه السلام كان يبيع نخل بني النضير، ويحبس لأهله قوت سنة، وفي جامع الترمذي أنه عليه السلام كان يعزل نفقة أهله سنتهم. ومن المعروف عن الحسن عليه السلام أنه قال: اذكر أنه عليه السلام حملني على عاتقه فأدخلني في غرفة الصدقة فأخذت تمرة فجعلتها في فيّ فقال: ألقها أما علمت أن الصدقة لا تحل لمحمد، ولا لآل محمد، فأخرجتها من فمي» انظر مسلم كتاب الزكاة باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ج 1/ 751. الكيال «في الصحيح عن المقدام بن معديكرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه «3» . وفي صحيح مسلم عن ابن عمر قال: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع، فكان يعطي أزواجه كل سنة مائة وسق ثمانين وسقا من تمر وعشرون وسقا من شعير. [كتاب المساقاة، ج 2/ 1186] . وفي مسلم عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله «4» . وبوّب البخاري في كتاب البيوع باب ما يستحب من الكيل، ثم ذكر الحديث السابق قال في الفجر الساطع: أي الطعام المكيل، ويقاس عليه وزن الموزون وعدّ المعدود. وقال   (1) انظر كتاب المساقاة ج 2/ 1223 ورقمه 115. (2) انظر البخاري كتاب النفقات 190/ 6. (3) انظر كتاب البيوع ج 3 ص 22. (4) انظر كتاب البيوع ج 2 ص 1160. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 على قوله: يبارك لكم أي فيه كما عند غيره، قال الحافظ: الذي يظهر أن الحديث محمول على الطعام الذي يشترى، والبركة تتحصل فيه بالكيل لإمتثال أمر الشارع. فالبركة الحاصلة فيه أما لسلامته من الجزاف، أو للتسمية عليه أو لإمتثال أمر الشارع، وحديث عائشة الآتي المتضمن أنها لما كالت طعامها فني، محمول على أنها كالت الباقي من المخرج للنفقة واختباره واستكثار ما خرج منه، فانتزعت منه البركة قاله ابن المنير اهـ. ذكر أسماء الأوزان والأكيال الشرعية المستعملة على عهده عليه السلام وهي عشرة: الدرهم، والدينار، والمثقال، والدانق، والقيراط، والأوقية، والنش، والنواة، والرطل، والقنطار. ذكر الدرهم واستعماله «قال أبو محمد عبد الحق بن عطية في جواب سئله في سنة 616 قال أبو عبيد القاسم بن سلام عن بعض شيوخه أن الدراهم كانت على عهده عليه السلام على نوعين السوداء الوافية ووزن الدرهم منها ثمانية دوانق والطبرية وزن الدرهم منها أربعة دوانق قال: وكان الناس يزكون بشطرين من الكبار والصغار. قال أبو العباس العزفي: قال أبو جعفر الداودي: وذكر قول من قال: إن الدرهم لم يكن معلوما في زمن النبي صلى الله عليه وسلم هذا قول فاسد، لم يكن القوم ليجهلوا أصلا من أصول الدين، فلا يعلمون فيه نصّا. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج السعاة، فلا يجوز أن يظن بهم جهل مثل هذا، ولم يأت ما قاله من طريق صحيح. وقال أبو عمر بن عبد البر وعياض؛ لا يجوز أن تكون الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجهولة المبلغ من الدراهم في الوزون ثم يوجب الزكاة عليها وهي لا يعلم مبلغ وزنها، وتقع بها البيوعات والأنكحة، وهذا يبين أن قول من قال: إن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمن عبد الملك، حتى جمعها برأي الفقهاء وهم، وإنما معنى ذلك أنها لم تكن من ضرب أهل الإسلام، وعلى صفات لا تختلف، وإنما كانت مجموعات من ضرب فارس والروم وصغار وكبار أو قطع فضة غير مضروبة ولا منقوشة ويمنية ومغربية وبعد ذلك في أيام عبد الملك كرهوا الضرب الجاري من ضرب الروم فردوها إلى ضرب الإسلام» . قال النووي في شرح المهذب: الصحيح الذي يتعين اعتماده واعتقاده أن الدراهم المطلقة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت معروفة الوزن معلومة المقدار، وهي السابقة إلى الأفهام وبها تتعلق الزكاة وغيرها من الحقوق والمقادير الشرعية، ولا يمنع من هذا كونه كان هناك دراهم أخر أقل أو أكثر من هذا المقدار، فإطلاق النبي صلى الله عليه وسلم الدراهم محمول على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 المفهوم من الإطلاق، وهو كل درهم ستة دوانق وكل عشرة سبعة مثاقيل، وأجمع أهل العصر الأول فمن بعدهم إلى يومنا على هذا. ولا يجوز أن يجمع على خلاف ما كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. وأما مقدار الدرهم والدينار فقال الحافظ أبو محمد عبد الحق بن عطية في كتاب الأحكام. قال ابن حزم: بحثت غاية البحث عند كل من وثقت بتمييزه، فكل اتفق على أن دينار الذهب بمكة وزنه مائتان وثمانية وعشرون درهما بالدراهم المذكورة، هذا كلام ابن حزم. وقال النووي بعد إيراده في شرح المهذب، وقال غير هؤلاء: وزن الرطل البغدادي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع الدرهم، وهو تسعون مثقالا اهـ بواسطة سبل الرشاد للشامي. وقال أبو السعود الفاسي في إملآته على الصحيح، على قوله في كتاب النكاح: وزن نواة من ذهب، المراد بالنواة قيل نواة التمر، وقيل إسم لمقدار من الوزن كان عندهم، كما هو عند غيرهم. ولم تكن سكة عند النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر ولا عمر، ولم يضربوا سكة في الإسلام حتى ضربها عبد الملك بن مروان، إلا إنهم كانوا يتعاملون بسكة فارس والروم، وكان لهم من ذلك درهمان، فجمع عبد الملك نصف هذا مع نصف هذا، وجعله درهما واحدا اهـ. وقال الحافظ السيوطي في رسالته: قطع المجادلة في تغير المعاملة، قال الخطابي: كان أهل المدينة يتعاملون بالدارهم وقت قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل عليه قول عائشة في قصة شرائها بريرة: إن شاء أهلك أن أعدّها لهم عدة واحدة فعدت الدراهم، فأرشدهم النبي عليه السلام إلى الوزن وجعل الوزن عيار أهل مكة، وكان الوزن الجاري بينهم في الدرهم ستة دوانق، وكانوا يتعاملون بها وهو درهم الإسلام في جميع البلدان، وأما الدنانير فكانت تحمل إليهم من بلاد الروم، وقال ابن عبد البر في التمهيد: كانت الدنانير في الجاهلية وأول الإسلام بالشام، وعند عرب الحجاز كلها رومية، تضرب ببلاد الروم عليها صورة الملك، واسم الذي ضربت في أيامه مكتوبة بالرومية، وكانت الدراهم بأرض العراق، وأرض المشرق كلها كسروية، عليها صورة كسرى، واسمه فيها مكتوب بالفارسية اهـ. قال العزفي: قال الخطابي: كانت الدنانير تحمل إليهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من بلاد الروم، فكانت العرب تسميها الهرقلية. وهذه الدراهم مع إثبات صور ملوك الروم عليها كانوا في صدر الإسلام يصلون بها ويحملونها معهم، ولا يتنزهون عن ذلك، وقد كنت رأيت في سفري لتطوان عام 1341 درهما من هذه الدراهم الهرقلية منقوش عليها صورة هرقل، ثم اشتريت بعد ذلك درهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 رسم عليه اسم قيصر وصورته، ولعله أحد القياصر المعاصرين لأول الإسلام، وفي فتاوي الشهاب الفقيه أحمد بن حجر الهيثمي جماعة ذكروا جواز حمل الدنانير التي تجلب من أرض الأفرنج، وعليها صورة حيوان حقيقة يقينا، واستدلوا على ذلك بأنها كانت تجلب من عندهم في زمن السلف، ولم ينهوا عن حملها في العمامة وغيرها لأن القصد منها النقد، لا تلك الصور ولتعذر إزالتها أو تعسره. فإذا جاز هذا في تلك الدنانير فجواز الكتابة في الورق الإفرنجي أولى، وإن تحقق أنه فيه صورة حيوان اهـ. وفي فتاوي الشهاب أحمد الرملي الشافعي المصري أنه سئل عن دنانير عليها صورة حيوان تامة، أيحرم حملها كحرمة الثياب المصورة؟ فأجاب بأنه لا يحرم حملها فقد قال ابن العراقي: عندي أن الدراهم الرومية التي عليها الصور من القسم الذي لا ينكر لإمتهانها بالإنفاق والمعاملة، وقد كان السلف يتعاملون بها من غير نكير، فلم تحدث الدراهم الإسلامية إلا في زمن عبد الملك بن مروان كما هو معروف اهـ منها. تنبيه: سبق أنه لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكة ولا زمن أبي بكر ولا عمر، والمعروف أن أول من ضرب السكة عبد الملك بن مروان، قال ابن سعد في الطبقات: حدثنا محمد بن عمر الواقدي حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: ضرب عبد الملك بن مروان الدنانير والدراهم سنة خمسة وسبعين، وهو أول من أحدث ضربها ونقش عليها، وفي أوائل العسكري: أنه نقش عليها اسمه، وأخرج ابن عساكر عن المغيرة: أول من ضرب الدراهم الزيوف عبيد الله بن زياد، ونقله السيوطي في أوائله والشامي في سيرته. وربما يعكر عليه وعلى ما سبق من أن الدراهم في الزمن النبوي لم تكن من ضرب أهل الإسلام ما وقع في سنن أبي داود. وابن ماجه من حديث علقمة بن عبد الله عن أبيه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس بوّب عليه ابن ماجه بقوله: باب النهي عن كسر الدراهم والدنانير، وأبو داود بقوله: باب كسر الدراهم. وأخرجه أيضا أحمد والحاكم في المستدرك. قال الحافظ الشوكاني في نيل الأوطار: قوله سكة بكسر السين المهملة أي الدراهم المضروبة على سكة الحديد المنقوشة التي تطبع عليها الدراهم والدنانير، وقوله الجائزة بينهم يعني: النافقة في معاملتهم، وقوله: إلا من بأس، كأن تكون زيوفا وفي معنى كسر الدراهم كسر الدنانير والفلوس التي عليها سكة الإمام، لا سيما إذا كان التعامل بذلك جاريا بين المسلمين كثيرا اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 وقال شيخ كثير من شيوخنا محدث المدينة المنورة مسندها، الشيخ عبد الغني بن أبي سعيد الدهلوي، في حاشيته على سنن ابن ماجه، المسماة انجاح الحاجة: في الحديث النهي عن الكسر بثلاثة شرائط الأول أن تكون سكة الإسلام، الثاني أن تكون رائجة، والثالث أن لا يكون فيها بأس وضرر على المسلمين، فلو أزال سكة الكفار لم يكن موردا للنهي، وكذا لو أزال السكة الغير الرائجة أو المزيفة اهـ ونقله عنه الكنكوهي في التعليق المحمود على سنن أبي داود وأقرّه. وهذا كما ترى كالصريح في أنه كان للمسلمين في الزمن النبيوي سكة مضروبة كانوا يتعاملون بها، ولله درّ صاحبنا العلامة السيد أحمد بن محمد الحسيني الشافعي المصري حيث قال: في ص 181 من نهاية الإحكام فيما للنية من الأحكام، بعد أن ذكر حديث أبي داود هذا ونحوه: مقتضى هذا أن سكة المسلمين كانت معروفة ومستعملة في زمنه عليه السلام، وليس ما يخالفه من الأقوال الدالة على أن سكة المسلمين لم تضرب إلا في عهد عمر، أو في عهد من بعده أولى بالقبول منه إلا بمرجح وأين هو؟ اهـ بلفظه. وفي تاريخ مصر الحديث لجرجي زيدان ص 138: أما النقود التي ضربت في عهد الخلفاء الراشدين فكانت نحاسية، وفي غاية البساطة مما جرى في الشكل، وليس عليها من الكتابة إلا صورة الشهادة بالحرف الكوفي، ولم تضرب النقود القضية في الإسلام حتى أيام الخليفة عبد الملك ثم صور نقوده. وقد انتقده الرحالة الشيخ محمد أمين بن الشيخ حسن الحلواتي المدني في رسالته: نشر الهذيان من تاريخ جرجي زيدان بقوله: لم يثبت في الرواية الصحيحة أن أحدا من الخلفاء الأربعة ضرب سكة أصلا إلا علي بن أبي طالب، فإنه ضرب الدراهم على ما نقله صبحي باشا الموره لي في رسالة له: رسم فيها صورة ذلك الدرهم وعزا ذلك إلى لسان الدين بن الخطيب في الإحاطة، وأما هذه الثلاثة المسكوكات التي رسمها جرجي زيدان فلا تثبت علي فرض وجودها، لأنه لم تكن عليها تواريخ دالة على زمانها، وأكبر شيء فيها دال على كذبها على الخلفاء كون أحدها فيه صورة شخص، وهذا مما تحرمه الديانة الإسلامية فكيف يفعل ذلك الخلفاء؟ وكون هذه المسكوكات مزورة غير بدع عن الإفرنج وبياعي الإنتيكات اهـ انظر ص 5 منه طبع لكنو بالهند، فكان غاية جواب جرجي زيدان عن ذلك بأنه أخذ تلك الرسوم عن مؤلف إفرنسي وأحال على ص 26 من تاريخ مصر لمارسا، أنظر ردّ رينان على نشر الهذيان. وكأنهم لم يروه في المواهب الفتحية في علوم اللغة العربية للشيخ حمزة فتح الله المصري ص 152 ج 1 نقلا عن شرح العيني على البخاري أنه نقل عن المرغيناني: أن الدراهم كانت شبه النواة ودورت على عهد عمر، لما بعث معقل بن يسار وحفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 نهره الذي قيل فيه: إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، ضرب حينئذ عمر الدراهم على نقش الكسروية وشكلها بأعيانها، غير أنه زاد في بعضها، الحمد لله وفي بعضها محمد رسول الله، وفي بعضها: لا إله إلا الله وحده، على وجه، وعلى الآخر عمر. فلما بويع لعثمان ضرب دراهم نقشها: الله أكبر، فلما اجتمع الأمر لمعاوية ضرب دنانير عليها تمثاله متقلدا سيفا، فلما قام عبد الله بن الزبير بمكة ضرب دراهم مدوّرة ثم غيّرها الحجاج. ولما استقر الأمر لعبد الملك بعد ابن الزبير، ضرب الدنانير والدراهم في سنة 76 من الهجرة اهـ ولا ما في رسالة النقود الإسلامية للمؤرخ الشهير التقي المقريزي فإن فيها نحو ما ذكر عن المواهب باللفظ وزاد: إن معاوية ضرب دنانير عليها تمثال متقلدا سيفا. وذكر أن عبد الملك بن مروان لما أمر الحجاج بضرب السكة ضربها، وقدمت مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبها بقايا الصحابة فلم ينكروا منها شيئا سوى نقشها، فإن فيها صورة وكان سعيد بن المسيب يبيع بها ويشتري ولا يعيب من أمرها شيئا اهـ انظر ص 5 منها، ونحوه في خطط مصر لوزير المعارف بمصر الشيخ علي بن مبارك باشا انظر ص 6 من ج 20 منها، وقد ساق كل كلام المقريزي المذكور محتجا به الشيخ عبد الغني النابلسي، في شرحه على الطريقة المحمدية انظر ص 499 ج 2، ووقع في وفيات الأسلاف ص 361 ما نصه: وأقدم سكة في الإسلام فيما وجد، ما ضرب في خلافه عثمان سنة ثمان وعشرين من الهجرة بقصبة هرتك من بلاد طبرستان، وكتب فيها بالخط الكوفي بسم الله ربي، وفي خلافة علي سنة 37 وكتب فيها: ولي الله. وفي سنة 38 و 39 بسم الله ربي. وفي درهم بالخط الكوفي في جانب منها: الله أحد الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. وفي دورته: محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وفي الجانب الآخر: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وفي دورته: ضرب هذا الدرهم بالبصرة سنة أربعين، وفيها ضرب بدارابجرد سنة سبعين. وفي يزد سنة إحدى وسبعين بالخط الكوفي: بسم الله، وفي الطرف الآخر: بالخط البهلوي عبد الله بن الزبير أمير المؤمنين، وقيل: أول من ضرب النقود مصعب بن الزبير سنة سبعين بأمر أخيه عبد الله، ونقل سعيد بن المسيب وأبو الزناد أنّ عبد الملك أمر الحجاج بضرب الدراهم، وتمييز المغشوش من الخالص سنة 74. وقال المدائني: سنة 75، ثم أمر بضربها في النواحي سنة 76. وهذه الدراهم ما وقع نظري عليها، وإنما نقلته عما نقله الثقات في هذا الشأن اهـ. ثم وجدته أخذ ذلك من تاريخ الوزير جودت باشا التركي الشهير، فإنه نقل كل ما ذكر عن تاريخ واصف أفندي، وفيه أيضا ذكر واصف أفندي أنه نقل عن التواريخ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 الموضوعة في أخبار سلاطين العرب، أن عمر بن الخطاب ضرب سكة في عام 18 على النقش الكبير، وكتب على بعضها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وعلى بعضها لا إله إلا الله، واسم عمر. ثم قال: إلا أنه ثبت نقلا أن حضرة عمر لم يضرب سكة باسمه والرواية المذكورة يحتمل أن تكون غلطا حصل من السكة التي ضربها أحد الأتراك بطبرستان، المسمى عمر على المنوال السابق، فالظاهر أن تاريخها المكتوب بالخط البهلوي لم يتمكنوا من قراءته، وأسندت إلى حضرة عمر عند ما قرىء اسم عمر. وكذلك السكة المنسوبة إل عبد الله بن الزبير، لم يطلع عليها أحد من أهل العلم. ومن المسلم عند أهل العلم أن الذي أحدث ابتداء ضرب السكة العربية هو الحجاج. ولكن ظهر خلاف ذلك عند وجود الكشف الجديد في هذا الفن سنة 1276، وذلك أن رجلا إيرانيا اسمه جواد أتى إلى دار السعادة بسكة فضية عربية، ضربت في البصرة سنة أربعين هجرية، وأنا الفقير رأيتها بين المسكوكات القديمة الإسلامية، عند صبحي باشا أفندي، مكتوب على أحد وجهيها بالخط الكوفي: اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، وفي دورتها محمد رسول الله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهر على الدين كله، ولو كره المشركون. وعلى الوجه الآخر: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وفي دورتها: ضرب هذا الدرهم بالبصرة سنة أربعين. ونقل عن بعض المؤرخين أنه ضرب على السكة صورة معاوية وخالد بن الوليد مقلدين سيفهما، وتابعهما واصف أفندي فأدرج ذلك في تاريخه، ولكن هذه الرواية المذكورة لم يصل نقلها إلى درجة الثبوت والصحة، ولكن أنا الفقير رأيت على وجه الترتيب، جميع المسكوكات الأموية المخلفة التي ضربت عندهم، في دور الضرب من الذهب والفضة، في كل سنة على الترتيب السابق؛ من سنة 72 إلى تاريخ انقراض دولتهم سنة مائة واثنين وثلاثين هجرية، فلم يكن على أحدها اسم الخليفة اهـ راجع مقدمة التاريخ المذكور ص 274. ووقع في رسالة لصديقنا الكاتب الكبير الأصيل السيد توفيق البكري الصديقي المصري، في الموافقة بين الأعراف الأوروبية والأعراف العربية منقولة في شرح كتابه: صهاريج اللؤلؤ ص 290 أن عمر بن الخطاب كان يستعمل الورق والجلود، مكان النقود للحاجة وأنشد لأبي تمام: لم ينتدب عمر للإبل يجعل من ... جلودها النقد حين عزه الذهب وبمكتبتنا في قسم النقود دراهم مكتوبة بالكوفي عليها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفي آخر الكتابة إسم علي، يقطع الناظر المتأمل فيها، وفي كتابتها ونقشها القديم إنها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 «تتمات» الأولى في أوائل الحافظ السيوطي: أول من ضرب الدراهم في بلاد المغرب عبد الرحمن بن الحكم الأموي، القائم بالأندلس في القرن الثالث وإنما كانوا يتعاملون بما يحمل إليهم من الدراهم الزيوف ذكره الذهبي في تاريخه اهـ ونحوه نقل عن الذهبي الشامي في سيرته سبل الرشاد. وعبد الرحمن بن الحكم هذا: هو عبد الرحمن الثاني بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الأموي الداخل إلى الأندلس سنة 138. وعلى كل حال فإن كان عنى بالمغرب الأندلس فقط فذاك، وإن كان يعني المغرب الأقصى أو القطر الإفريقي ففيه نظر، لأن الإمام إدريس بن إدريس رضي الله عنهما، قد كان ضرب السكة أيام خلافته، آخر القرن الثاني من الهجرة، قبل ولاية عبد الرحمن بن الحكم، وقد عقد لذلك جدنا من قبل الأم الإمام أحمد بن عبد الحي الحلبي، ثم الفاسي فصلا في كتابه «الدر النفيس» وهو الفصل 34 قال عنها: أما درهم الإمام إدريس بن إدريس، فمكتوب على دائرته: «محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون وتحت محمد رسول الله، في الدائرة، إدريس في الوسط، ومحمد في سطر، رسول الله في سطر، وذلك بالخط الكوفي. وفي الوجه الأخير مكتوب على دائرته: بسم الله، ضرب هذا الدرهم سنة 198. انظر ص 221 من الدر النفيس، طبعة فاس سنة 1314. ثم وجدت الحافظ السيوطي قال في تاريخ الخلفاء: له عند الكلام على عبد الرحمن المذكور، المتوفي سنة 239، أول من فخّم الملك بالأندلس من الأموية، وكساه أبهة الخلافة والجلالة، وفي أيامه أحدث بالأندلس ضرب الدراهم، ولم يكن بها دار ضرب منذ فتحها العرب، وإنما كانوا يتعاملون بما يحمل إليهم من دراهم أهل المشرق اهـ. فظهر أن كلامهم في الأندلس، ومولاي إدريس كان في العدوة. الثانية: قال الشيخ أبو سالم العياشي: في شرح على نظمه لبيوع ابن جماعة، المسمى إرشاد المتسبب إلى فهم معونة المكتسب، وأما الدرهم السني، فقد وجدت عند شيخنا سيدي عبد الواهب الفاسي أسماه الله درهما ورثه عن والده مكتوب عليه بالخط الكوفي، أنه ضرب بواسط سنة تسع ومائة، وذلك في خلافة هشام بن عبد الملك، وقد نص المؤرخون على أن أول من ضرب السكة في الإسلام عبد الملك بن مروان، وأنه بولغ في تحريرها وتحقيقها في خلافة ابنه هشام، فيكون هذا الدرهم من المضروب في أيام تجويد السكة. وقد ذكر سيدي العربي الفاسي، وهو ممن يوثق به في مثل ذلك، ويعتمد عليه أنه اختبر الدرهم المذكور، بما قاله الفقهاء فوجده: خمسين وخمسي حبة. بتحقيق كما قالوا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وقد وزنت عليه درهما عندي صنعته من صفر بمعاينة العدول، واستخرج لي شيخنا سيدي عبد الوهاب، من الدرهم وزن الدينار الشرعي، وهو ممن يرجع إليه في ذلك، وقد ذكر أبو الحسن بن باق الأندلسي في تأليف له، ما يتحقق به المكيال الشرعي على وجه سهل، لا يكاد أن يقع فيه شيء، مع مراعاته اختلاف «1» . الرابعة في مكتبتنا كتاب نادر الوجود اسمه: الدوحة المشتبكة في ضوابط دار السكة، لم أكن أعرف مؤلفه، حتى ظفرت به في مجموعة «بأبي الجعد» «2» في دخولي لها الثاني عام 1337، بخط ابن أبي القاسم الرباطي شارح العمل، فإذا هو الإمام أبو الحسن علي بن يوسف الحكيم، ورتبه على أبواب. الباب الثالث: في المعادن وكيفية توليدها [التنقيب عنها] واستخراجها وتحصيلها ومنفعة كل منهم. الباب الرابع: في مقدار ما ينظم فيها من نفيس الأحجار، مع بقاء بهجة الصنعة من غير نقص لذلك. الباب الخامس: في أول من ضرب الدينار والدرهم، وأماكن طبعها وضوابط سكتها. الباب السادس: في مقدار الدينار والدرهم الخاصين بنا (المغرب) . الباب السابع: في التعامل بها صرفا ومراطلة. الباب الثامن: فيما يجوز استعماله منها للحمل وغيره. الباب التاسع: فيما وعد به سبحانه من الثواب لمنافقها. الباب العاشر: في تسمية ما يحدثه المفسدون من غش السكة، ويستفاد من آخر فصل من الباب السادس أن جد مؤلفه علي بن محمد الكومي الحكيم المديوني، كان أمين وناظر دار السكة بفاس، على عهد السلطان أبي يعقوب يوسف بن عبد الحق المريني، وتكلم في الفصل الثاني من الباب الخامس، على أول من ضرب الدراهم وأول من أقام دار الضرب بفاس، وذلك صاحب الدرهم هو أبو عبد الله المهدي القائم بأمر الموحدين. ثم قال: وكان لمدينة فاس (عدوة) القرويين و (عدوة) الأندلس دارا سكة، فنقلها الخليفة أبو عبد الله الناصر بن منصور الموحدي، لدار أعدها بقصبتها، جربناها سنة ستمائة، وأعد بها مودعا للأموال المندفعة بها، ولطوابع سكتها. فانظره فإنه مهم. الخامسة: كما ألف في الباب أيضا الحافظ السيوطي رسالة سماها قطع المجادلة في تغيير المعاملة وهي رسالة نفيسة، في نحو كراسة ذكر في أولها أن ابن أبي شيبة أخرج في   (1) الكلام هنا ناقص، ولا سبيل إلى إصلاحه بالظن. ولم أجد فيه التتمة الثالثة. (2) أبي الجعد: يبدو أنها اسم مكان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 مصنفه عن كعب أن أول من ضرب الدينار والدرهم آدم عليه السلام، وذكر في آخرها أثرا يرمي إلى قطع المسكوكات النقدية وهو قوله: أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال: قرض الدرهم والدينار من الفساد في الأرض اهـ. قلت: وهو تقصير من الحافظ السيوطي رحمه الله فإن الأثر في موطأ محمد بن الحسن، بوّب عليه بقوله: باب ما يكره من قطع الدرهم والدينار، ثم قال: أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: قطع الورق والذهب من الفساد في الأرض. قال محمد: قطع الدراهم والدنانير لغير منفعة اهـ منها. وعزا التقي المقريزي في رسالته في النقود الإسلامية، قول ابن المسيب هذا إلى تخريج مسدد، قال: حدثنا خالد بن عبد الله قال: حدثنا مالك عن ابن سعيد به، فذكره وهو في طبقات ابن سعد بلفظ: أنه سئل عن قطع الدراهم فقال: هو من الفساد في الأرض انظر ص 100 ج 5. وقد اختلف في معنى كلام سعيد فقيل: كما في حاشية أبي الحسنات اللكنوي: مراد محمد من قطعها كسرها وإبطال صورها، وجعلها مصوغا معروف وهو ما مال إليه القاري في شرح الموطأ وقال التقي المقريزي عقب الأثر المذكور: يعني كسرهما اهـ. وقال بيري زاده في شرح الموطأ عن ابن الأثير: كانت المعاملات بها في صدر الإسلام عدّا لا وزنا، فكان بعضهم يقصّ أطرافها فنهوا عنه اهـ انظر اللكنوي. وما نقله عن ابن الأثير هو له في النهاية على حديث أبي داود نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسر السكة الجائزة بين المسلمين، إلا من بأس يعني الدنانير والدراهم المضروبة، أي لا تكسر أي من أمر يقتضي كسرها، إما لرداءتها أو شك في صحة نقدها، وكره ذلك لما فيه إسم الله، وقيل لأن فيه إضاعة المال، وقيل إنما نهى عن كسرها على أن تعاد تبرا، فأما للنفقة فلا وقيل: كانت المعاملة بها في صدر الإسلام عدّا لا وزنا، فكان بعضهم يقص أطرافها فنهوا عنه اهـ من النهاية واختصارها. وربما يكون المراد من قطعها استئصالها وعدم المصارفة بها وبأصلها رأسا، كما هو الحال في زماننا هذا في كثير من جهات الكرة الأرضية، بعد الحرب الطاحنة الكبرى، التي عمت العالم والله أعلم. السادسة: ما ذكره السيوطي في أول من ضرب الدرهم والدينار نحوه في المواهب الفتحية، عن شرح الإمام النابلسي، على الطريقة المحمدية: أول من ضرب الدرهم والدينار آدم عليه السلام، وقال: لا تصح المعيشة إلا بهما اهـ وهو في الحلية لأبي نعيم عن معاوية بن عبد الله الجعبري، عن كعب الأحبار، عزاه لها الحلبي في الدر النفيس، ثم وجدت في مسند أبي حنيفة رواية الحصكفي، أن أبا حنيفة روى عن أبي سلمان قال: أول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 من ضرب الدنانير على الذهب تبّع، وأول من ضرب الدراهم تبّع الأصغر، وأول من ضرب الفلوس وأدارها في أيدي الناس نمروذ بن كنعان. وفي القاموس: التبابعة ملوك اليمن، الواحد ككسرى، ولا يسمى به إلا إذا كانت له حمير وحضرموت، ودار التبابعة بمكة، ولد فيها النبي صلى الله عليه وسلم. وانظر شرح المسند المذكور لابن سلطان ص 278. وقد أفرد الأوزان والمكاييل والنقود الشرعية بالتأليف جماعة من الأعلام، منهم: أبو محمد الحسن بن أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن القطان، له مقالة أملاها سنة 647. وأبو محمد عبد الحق بن عطية، وأبو بكر بن خلف الأنصاري، شهر بابن المواق، وأبو العباس بن البنا، وأبو العباس العزفي، له كتاب إثبات ما لابد لمريد الوقوف على حقيقة الدينار والدرهم والصاع والمد، والتقي المقريزي «1» المصري، ورسالته مطبوعة والشيخ عبد الرؤوف المناوي، والشيخ مصطفى الذهبي المصري شيخ بعض شيوخنا المصريين، والشيخ عبد القادر الخطيب الطرابلسي المدني، ورسالة الأخيرين أيضا مطبوعة. ذكر أسماء الأكيال المستعملة في عهده عليه السلام «وهي المدّ والصاع والفرق والعرق والوسق. أما المدّ فقد بوّب البخاري عليه بقوله: باب صاع المدينة، ومدّ النبي صلى الله عليه وسلم، وبركته، وما توارثه أهل المدينة من ذلك، قرنا بعد قرن. وأما الصاع ففي الموطأ «2» عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فرض زكاة الفطر في رمضان صاعا من تمر، وصاعا من شعير، على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين. قال في المشارق: الصاع مكيال لأهل المدينة معلوم، فيه أربعة أمداد بمده عليه السلام» . وفي القاموس: نقلا عن الداودي معيارها الذي لا يختلف: أربع حفنات بكفيّي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين، ولا صغيرهما، إذ ليس كل مكان يوجد فيه صاع النبي صلى الله عليه وسلم اهـ. قال الفيروز آبادي: وجربت ذلك فوجدته صحيحا اهـ وفي لسان العرب: صاع النبي صلى الله عليه وسلم الذي في المدينة أربعة أمداد بمدهم المعروف عندهم اهـ. فيؤخذ من كلامهم أن الصاع النبوي، كان موجودا إلى زمانهم إن لم يكن بعينه فالمقيس عليه المحقق.   (1) أصله من مدينة بعلبك في الشام. (2) انظر كتاب الزكاة 28 ص 284. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 وفي تنبيه الغافل لأبي محمد عبد الله بن محمد بن مسعود التفجزوتي وهو: أي صاع النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أمداد بمده عليه السلام. القباب الصاع: هو كيل مدينة فاس في وقتنا هذا، ورأيت للشيخ أبي القاسم الشاطبي: الصاع مد ممسوح من أمداد غرناطة، ويغرف الإنسان أربع حفنات بكلتي يديه. وعن الرجراجي شارح المدونة قال أبو محمد بن أبي زيد: وأحسن ما أخذنا عن المشايخ أن قدر مدّ «1» النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يختلف فيه، ولا يعدم في سائر الأمصار أربع حفنات بحفنة الرجل الأوسط، لا بالطويل جدا ولا بالقصير جدا، ليست بمبسوطة الأصابع ولا بمقبوضها «2» . كما أن أهل الحديث ببلاد الهند يتداولون أيضا أمدادا وصيعانا يرجع عيارهم للأمداد المرينية المغربية منها. وقد أشار إلى القصد الديني من هذه الإمداد من قال في أبيات وجدتها في كناشة أبي العباس أحمد بن عاشر السلوي الحافي وهي: فضائل ما حوى مدّ النبي ... فلا تخفى على فهم الذكي نبي وجهه بدر منير ... بدا للناس في ظلم وغي فأهدانا وأرشدنا سبيلا ... سبيل الفضل والدين الرضي فأول ما استفدنا منه علما ... رويناه عن الهادي السري وذلك أن هذا المدّ أعني ... به مد النبي الزمزمي فأربعة به في الفطر تجزي ... بحكم الشرع في نص جلي وعن كفارة الأيمان عشرا ... إذا أقسمت بالله العلي فهذا مستفاد العلم منه ... عظيم القدر مكيال النبي كما أن كلمة الأنصاف أن مباحث المكاييل والأوزان والدرهم والدينار من كتاب الخزاعي هنا لم أر أوعب منها ولا أجمع فيما رأيت ممن كتب في المسألة من أهل المشرق والمغرب بحيث لو لم يشتمل كتابه إلا عليها لكان جديرا بالإعتبار، وذلك أنه عقد تحت باب ذكر أسماء الأكيال والأوزان الشرعية عدة فصول أولها في قوله عليه السلام: الوزن وزن أهل مكة، والمكيال مكيال أهل المدينة. الثاني في معرفة الأوزان في عهده عليه السلام، معرفة أقدارها وهي عشرة، ثم ترجم للدرهم بسبع مسائل الأولى في ذكر استعماله الثانية هل كان معلوم القدر أم لا؟ الثالثة في معرفة مقداره، الرابعة في الترجيح بين هذين القولين في عدة حبوب الدرهم الخامسة في الدليل على   (1) هنا خطأ في النقل فقد ذكر المد والصواب: الصاع. (2) استطرد المؤلف هنا أكثر من ثلاث صفحات مما لا داعي للإطالة فيه فحذفته. مصححه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 استعمالهم حب الشعير في أوزانهم في الجاهلية والإسلام السادسة في معنى تسمية الدرهم بالشرعي، ثم ترجم لذكر الدرهم والمثقال ومعرفة مقداره وللقيراط واستعماله ومقداره والأوقية واستعمالها ومقدارها والنش واستعماله وقدره والنواة واستعمالها ومقدارها والرطل واستعماله ومقداره والقنطار واستعماله ومقداره ثم ترجم لأسماء الأكيال المستعملة في عهده عليه السلام وهي المد والصاع والفرق والعرق والوسق وأوسع أيضا في استعمال كل ومقداره فقف عليه أو على اختصاره لكاتبه فإذا ضم ما زدناه عليه هنا لما عنده صح أفراده بمؤلف مستقل لا يكون أفيد منه في الموضوع «1» . باب في اتخاذ الإبل والغنم «ذكر ابن جماعة في مختصر السيرة له أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من النعم: الناقة التي هاجر عليها من مكة، اشتراها من أبي بكر بأربعمائة درهم، وكان له جمل يقال له الثعلب، وغنم يوم بدر جملا مهريا لأبي جهل وكانت له عشرون لقحة بالغابة على بريد من المدينة، من طريق الشام، يراح إليه صلى الله عليه وسلم كل ليلة بقربتين من ألبانها، وكانت له خمس عشرة لقحة غزارا، كان يرعاها يسار مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان له سبع لقاح، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شياه عديدة منها سبعة أعنز ترعاهن أم أيمن وغيرها عند غيرها. وفي العتبية قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب اتخذ إبلا من مال الله يعطيها الناس يحجون عليها، فإذا رجعوا ردوها إليه، قال ابن رشد في البيان والتحصيل: هذا من النظر الصحيح في مال الله لأن أولى ما صرف فيه مال الله ما يستعان به على أداء فرائض الله، فينبغي للأيمة أن يتأسوا به في ذلك اهـ منه. ذكر الوسّام «ترجم البخاري «2» باب وسم الإمام إبل الصدقة بيده وخرج فيه عن أنس بن مالك قال: غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أبي طلحة ليحنكه فوافيته في يده الميسم، يسم به إبل الصدقة، وفي مسلم «3» عن أنس يحدث أن أمه حين ولدت، انطلقت بالصبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحنكه قال: فإذا النبي صلى الله عليه وسلم في مربد يسم غنما. قال سبعة أو أكثر، علمي أنه قال في آذانها» . قلت: وفي ترجمة عكراش بن ذؤيب التميمي من طبقات ابن سعد قال: قدمت على   (1) أطال المؤلف رحمه الله في موضوع المد والمكيال إطالة بالغة فرأيت اختصارها إلى بضع صفحات فقط وليته نقل كلام العلامة الخزاعي لاختصاره وضبطه وإتقانه لكان أصوب. (2) انظر كتاب الزكاة باب 69 ص 138/ 2. (3) انظر كتاب اللباس والزينة باب 30 ص/ 1674/ 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 النبي صلى الله عليه وسلم بإبل الصدقة فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توسم بميسم إبل الصدقة وتضم إليها انظر ص 52 من ج 7 «1» . في الحمى يحميه الإمام «في الصحيح «2» ، أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى البقيع، زاد أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال: لخيل المسلمين. قال عياض: على عشرين فرسخا من المدينة، وهو صدر وادي العقيق، وهو أخصب واد هناك، وهو ميل في بريد، وفيه شجر ويستجم حتى يغيب فيه الراكب، ومتى ذكر البقيع بالباء دون إضافة فهو هذا، ومن المحدثين من جعله بالنون، والنقيع موضع كان ينقع فيه الماء وبه سمي هذا» . وترجم في الإصابة لعياض بن عبد الله الثقفي، فذكر أن البخاري وابن منده أخرجا عن عبد الله بن عياض عن أبيه قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل من بهز بعسل فقال: ما هذا؟ قال: أهديته لك. فقبله فقال: احم لي بقيعي. قال فحماه له وكتب له كتابا، وفي تاريخ الخميس للديار بكري لما ذكر ما انتقد الطاعنون على سيدنا عثمان قال: الخامس: قالوا إنه حمى سوق المدينة في بعض ما كان يباع ويشترى، فقال: لا يشتري منه أحد النوبة حتى يشترى وكيله ويفرغ من شراء ما يحتاج إليه عثمان لعلف أبله، فهذا مما اختلق عليه، وعلى تقدير صحة ذلك يحمل على أنه فعله لإبل الصدقة وألحقه بحمى المرعى لها اهـ.   (1) وهنا ينقل المؤلف فتوى غريبة عن البزازية بوسم الخيل في أفخاذها بجملة طويلة فحذفتها. (2) انظر البخاري كتاب المساقاة باب 11 ص 78/ 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 القسم الثامن في سائر العمالات وفيه عشر أبواب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 سائر العمالات باب في المنفق على رسول الله صلى الله عليه وسلم «في مختصر السيرة لابن جماعة: كان بلال المؤذن على نفقات رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ وفي سنن أبي داود «1» والبيهقي عن عبد الله الهوزني قال لقيت بلالا بحلب فقلت يا بلال حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما كان له شيء وكنت أنا الذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله حتى توفي، وكان عليه السلام إذا أتاه الإنسان مسلما يراه عاريا يأمرني فانطلق فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه، وروى ابن المنذر في الأشراف في كتاب النفقات بسنده عن مسروق عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا» . وفي ترجمة مروان بن قيس الدوسي، وتقصيره في أمر الغلامين، وأنهما شكيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بلالا أن يقوم بنفقتهما. وفي ترجمة العباس بن مرداس من طبقات ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: لأقطعنّ لسانك. وقال لبلال: إذا أمرتك أن تقطع لسانه فاعطه حلة، ثم قال: يا بلال إذهب به فاقطع لسانه، فأخذ بلال بيده ليذهب به، فقال: يا رسول الله أيقطع لساني يا معشر المهاجرين؟ أيقطع لساني يا للمهاجرين؟ أيقطع لساني وبلال يجره، فلما أكثر قال: إنما أمرني أن أكسوك حلة أقطع بها لسانك، فذهب به فأعطاه حلة. وفي السيرة الشامية كان بلال يلي أمر النفقة على العيال ومعه حاصل ما يكون من المال اهـ ونحوه في حاشية الشبراملسي على المواهب. وترجم في الإصابة لأبي نيزرولد النجاشي فقال: جاء وأسلم وكان مع النبي عليه السلام في مؤونته ثم كان مع فاطمة ثم كان مع ولدها. باب في الوكيل يوكله الإمام في الأمور المالية في سنن أبي داود عن جابر بن عبد الله قال: أردت الخروج إلى خيبر، فأتيت رسول   (1) انظر كتاب الخراج والإمارة باب 35 ص 439/ 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 الله صلى الله عليه وسلم فقال: إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا، فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته [4/ 48 كتاب الأقضية] . «وترجم ابن فتحون في الذيل مروان بن الجذع الأنصاري فقال: كان أمين رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهمان خيبر (السهمان جمع سهم) وهو النصيب» . وقد ترجمه في الإصابة وذكره بذلك ناقلا عن ابن الكلبي. باب في أمر المصطفى الرجل أن يحبس السبايا والأموال في الغزو ترجم في الإصابة لمسعود القارّي (بالتشديد من غير همز من القارة) فقال: كان على المغانم يوم خيبر، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحبس السبايا والأموال بالجعرانة وقال: كذا أورده أبو عمر مختصرا، والذي في جمهرة ابن الكلبي: عمر بن القاري استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على المغانم يوم حنين. باب في الرجل يبعثه الإمام بالمال لينفذه فيما يأمره به (من وجوه مصارفه في غير الحضرة) «في سيرة ابن إسحاق «1» قصة بعثه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة، وما أزهق من النفوس هناك، وتألمه عليه السلام من ذلك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فقال: يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم، واجعل الجاهلية تحت قدميك، فخرج علي رضي الله عنه حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فودى لهم الدماء، وما أصيب لهم من الأموال، حتى إذا لم يبق شيء من درهم ولا مال إلا وداه بقيت معه بقية من المال فقال لهم: علي حين فرغ منهم: هل بقي لكم دم أو مال لم يؤد لكم؟ قالوا: لا فقال: إني أعطيكم هذه البقية من المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا نعلم، ولا تعلمون ففعل، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فقال: أحسنت وأصبت، وفي سنن أبي داود «2» عن عبد الله بن عمرو الخزاعي عن أبيه قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أراد أن يبعثني بمال إلى أبي سفيان بمكة قبل الفتح فقال: التمس صاحبا الحديث» . قلت: ترجم في الإصابة لسعد بن زيد بن مالك الأنصاري، فذكر أنه هو الذي بعثه المصطفى عليه السلام بسبايا من بني قريظة، فاشترى بها من نجد خيلا وسلاحا. باب في انزال الوفد وفيه فصول ولها مقدمة قال ابن هشام في سيرته: قال ابن إسحاق: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وفرغ من تبوك، وأسلمت ثقيف وبايعت، ضربت إليه وفود العرب من كل وجه.   (1) انظر سيرة ابن هشام ص 430/ 2. (2) كتاب الأدب ج 5/ 184. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 حدثني أبو عبيدة أن ذلك في سنة تسع وإنها كانت تسمى سنة الوفود قال ابن إسحاق: وإنما كانت العرب تربّص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش، وذلك أن قريشا كانوا إمام الناس، وهاديهم، وأهل البيت والحرم، وصريح ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وقادة العرب لا ينكرون ذلك، وكانت قريش هي التي نصبت الحرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافه، فلما افتتحت مكة ودانت له قريش ودوّخها الإسلام عرف العرب أنهم لا طاقه لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلوا في دين الله أفواجا يضربون إليه من كل وجه اهـ. فصل في اتخاذ الدار لنزول الوفد في زمانه عليه السلام (وبنائه صلى الله عليه وسلم فيها بنفسه) في الوفاء للسيد السمهودي ص 555 من ج 1 ذكر ابن شبة في دور بني زهرة: أن من دور عبد الرحمن بن عوف التي اتخذها الدار التي يقال لها الدار الكبرى، دار حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وإنما سميت بالدار الكبرى، لأنها أول دار بناها أحد المهاجرين بالمدينة، وكان عبد الرحمن ينزل فيها ضيوف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت تسمى أيضا دار الضيفان، فسرق فيها بعض الضيفان، فشكى ذلك عبد الرحمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بنى عليه السلام فيها بيده فيما زعم الأعرج اهـ منها واختصر ذلك السمهودي في خلاصة الوفا راجع ص 187 منها. «ذكر أبو الربيع الكلاعي في الاكتفاء عن الواقدي، أن حبيب بن عمرو كان يحدث قال: قدمت وفد سلامان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن سبعة نفر، فانتهينا إلى باب المسجد، فصادفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا منه، إلى جنازة دعي لها، فلما رأيناه قلنا: يا رسول الله السلام. فقال رسول الله: وعليكم السلام من أنتم؟ قلنا: قوم من سلامان قدمنا عليك لنبايعك على الإسلام، ونحن على من وراءنا من قومنا فالتفت إلى ثوبان غلامه فقال: أنزل هؤلاء حيث ينزل الوفد، فخرج ثوبان حتى انتهى بنا إلى دار واسعة وفيها نخل، وفيها وفود من العرب، وإذا هي دار رملة بنت الحارث النجارية. وساق الحديث» . وقد ترجم في الإصابة لحبيب بن عمرو المذكور، وأورد قصته هذه وساق سند الواقدي فيها، وأفاد أن قدومه كان في شوال سنة عشر من الهجرة، وذكر ابن إسحاق أيضا في خبر بني قريظة، أنه لما حكم فيهم سعد بن معاذ حبسوا في دار رملة بنت الحارث النجارية، وذكر ابن فتحون أنه نزل فيها وفد تميم عيينة بن حصن ومن معه. وذكر الطبري أنه نزل عندها أيضا وفد بني كلاب وهم ثلاثة عشر رجلا. وترجم في الإصابة للحارث بن عوف المزني المشهور من فرسان الجاهلية، فذكر عن الواقدي، عن أشياخه قالوا: قدم وفد بني مرة ثلاثة عشر رجلا رئيسهم الحارث بن عوف، وذلك منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك، فنزلوا بدار بنت الحارث الخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وذكر في طبقات ابن سعد لدى كلامه على وفد بني حنيفة، فأنزلوا دار رملة بنت الحارث، وأجريت عليهم ضيافة فكانوا يؤتون بغداء وعشاء. مرة خبزا ولحما ومرة خبزا ولبنا ومرة خبزا وسمنا. وفي المواهب: وقدوم الوفد المذكور، وفد بني حنيفة وفيهم مسيلمة الكذاب، فكان منزلهم في دار امرأة من الأنصار، من بني النجار. قال الزرقاني: منزلهم بفتح الميم والزاي مصدر ميمي أي نزولهم مضاف لفاعله، ويجوز ضم الميم مع فتح الزاي أيضا من إضافة المصدر لمفعوله فيفيد أن النبي أو أحد أصحابه أمر بإنزالهم. وقد ضبط البرهان الزاي بالفتح وسكت عن الميم فيشمل الضبطين، وإن كسر الزاي مع فتح الميم اسم للموضع، فكأنه ليس مرادا هنا لإيهامه موضعا معينا من الدار مع أن المراد مجرد النزول دون تعيين محل، وقوله: في دار امرأة من الأنصار من بني النجار، هي كما قال الحافظ رملة بنت الحدث بدال بعد الحاء المهملة لابراء قبلها ألف كما عند ابن سعيد وغيره، والحدث هو ابن ثعلبة بن الحدث بن زيد الأنصارية، كانت دارها دار الوفود، وهي صحابية زوجة معاذ بن عفراء. انظر الفتح ومقدمته، والرد على السهيلي في زعمه خلاف ذلك وما سبق عن الزرقاني من أنها رملة بنت الحدث بالدال ربما ينافي ما سبق مكررا من أنها بنت الحارث بالراء وقد ذكر في الإصابة والدها بالوجهين راجع ترجمتها في ص 84 من جزء النساء. وقد جرى على ذلك سيدنا عمر فإنه أقام في خلافته دور الضيافة، وأدار عليها الأرزاق وجعل فيها الدقيق والسويق والتمر، وما يحتاج إليه، يعين به المنقطع. ووضع فيما بين مكة والمدينة في الطريق ما يصلح من ينقطع به، وفعل مثل ذلك بين الشام والحجاز انظر سيرته رضي الله عنه. فصل في انزال الوفد في قبة ضربت لهم في زمانه عليه السلام «قال ابن إسحاق في السيرة: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك في رمضان، وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف، وذكر حديث قدومهم، وفيه: ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عليهم قبة في ناحية مسجده، كما يزعمون، فكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. ساق قصة هؤلاء في الإصابة في ترجمة سعيد بن رفاعة الثقفي، وعزاها لابن منده، وفيها أيضا في ترجمة علقمة بن سفيان عن تخريج يونس بن بكير في زيادات المغازي عن علقمة قال: كنت في الوفد من ثقيف، فضربت لنا قبة فكان بلال يأتينا بفطرنا من عند النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: أخرجه البغوي والطبراني من طريق يونس. قال الزرقاني في باب الوفود من شرح المواهب، على قوله: ضرب عليهم قبة، أي خيمة في ناحية المسجد، لكي يسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 فصل في انزال الوفد عند بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم «روى قاسم [بن ثابت السرقسطي] في الدلائل عن أوس بن حذيفة قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، فنزل الأحلاف على المغيرة بن شعبة وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني مالك في قبة، فكان يأتينا كل ليلة ونحوه في سنن أبي داود «1» . وعزاه الحافظ الشامي في سيرته لابن أبي خيثمة عن يحيى بن عبد الله بن أوس عن جده. وفي طبقات ابن سعد أن وفد ثقيف نزل من كان منهم من الأحلاف على المغيرة بن شبعة فأكرمهم، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم لمن كان فيهم من بني مالك قبة في المسجد، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهم كل ليلة بعد العشاء، فيقف عليهم ويحدثهم، حتى يراوح بين قدميه ويشكو قريشا، ويذكر الحرب التي كانت بينه وبينهم. وذكر في الطبقات أيضا في ترجمة عبد القيس أن وفد عبد القيس أناخوا رحالهم على باب رملة بنت الحدث، وكذلك كان الوفد يصنعون، فكانت ضيافة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم تجري عشرة أيام، وذكر في الإصابة قصة قدوم وفد نجران وهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم نصارى، فأنزلهم عليه السلام دار أبي أيوب الأنصاري. وترجم فيها أيضا لعبد الرحمن بن أبي مالك الهمذاني، فذكر أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزله على يزيد بن أبي سفيان. وترجم فيها أيضا لقيس بن عاصم أحد دهاة العرب فذكر قصة وروده على النبي صلى الله عليه وسلم وإسلامه، فسأله النعمان بن مقرن فقال: يا رسول الله إيذن لي أن يكون منزله على أمي. قال: نعم. وفي ترجمة يزيد بن عبيد السلمي من الإصابة أن ابن شاهين خرّج في الصحابة: لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أتاه وفد بني فزارة، فيهم خارجة بن حصين، والحارث بن قيس، وهو أصغرهم فنزلوا في دار رملة بنت الحرث، وهذا مرسل. وفي ترجمة أبي صفرة الأزدي من الإصابة ما يدل على أن أبا بكر في أيام خلافته، كان ينزل الوفود في هذه الدار أيضا. وترجم فيها أيضا لأم شريك فذكر أنه وقع في صحيح مسلم، وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله تعالى، ينزل عليها الضيفان. وفي طبقات ابن سعد أن يحنه بن رؤبة ملك أيلة لما أقبل مع أهل الشام واليمن والبحر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر بإنزاله عند بلال.   (1) انظر كتاب شهر رمضان باب 9 ص 114/ 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وفي در السحابة حين ترجم لعثمان بن قيس بن أبي العاص التميمي فقال عنه: هو أول قاض بمصر، وكان شريفا سريا قال في: مرآة الزمان هو أول من بني بمصر دارا للضيافة للناس. فصل في ذكر من ولي النظر في أمر الوفود في زمنه عليه السلام «قد تقدم قبل أن خالد بن سعيد بن العاص كان يمشي بين وفد ثقيف وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم» . قلت: وكانوا لا يطعمون طعاما يأتيهم من عنده صلى الله عليه وسلم، حتى يأكل منه خالد. نقله الزرقاني في شرحه على المواهب. وفيه أيضا نقلا عن ابن إسحاق: أن بلالا كان يأتيهم بفطرهم وسحورهم، في الأيام التي صاموها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رمضان، وأن النبي عليه السلام أمر ثوبان غلامه بإنزال وفد بني سلامان في الدار التي ينزلها الوفود. وفي طبقات بن سعد لدى كلامه على وفد تجيب؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم رحّب بهم وأكرم منزلهم وحباهم، وأمر بلالا أن يحسن ضيافتهم وجوائزهم، وأعطاهم أكثر مما كان يجيز به الوفد. وفيها أيضا أن وائل بن حجر القيل أحد ملوك اليمن «1» ، لما ورد على النبي صلى الله عليه وسلم مسلما أمر صلى الله عليه وسلم معاوية أن ينزله فأنزله منزلا بالحيرة «2» ووقعت له معه قصة عجيبة، انظرها في الطبقات. أمره عليه السلام بالزاد للوفود روى البيهقي عن النعمان بن مقرن المزني قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة رجل، فلما أردنا أن ننصرف قال: يا عمر زوّد القوم قال: ما عندي إلا شيء من تمر، ما أظنه يقع من القوم موقعا. قال: انطلق فزوّدهم، فانطلق بهم فأدخلهم منزله ثم أصعدهم إلى علية (بكسر العين وضمها غرفة) فلما دخلنا إذا فيها من التمر مثل الجمل الأورق (ما في لونه بياض إلى سواد وهو أطيب الإبل) فأخذ القوم منه حاجتهم، قال النعمان: وكنت في آخر من خرج، فنظرت وما أفقد موضع تمرة من مكانها، معجزة نبوية انظر ص 43 من شرح المواهب في سفر الوفود. جوائزه عليه السلام للوفود بوّب البخاري «3» في كتاب الجهاد باب: جوائز الوفود، وخرّج عن ابن عباس: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم عند موته بثلاث: منها؛ وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم اهـ. وفي طبقات ابن سعد أجاز رسول فروة بن عمرو الجذامي عامل قيصر على عمان باثني عشر أوقية ونش، قال: وذلك خمسمائة درهم انظر ص 18 ج 1 من القسم الثان.   (1) ترجمه في الإصابة ص 628/ 3. (2) كذا في الأصل. (3) كتاب الجهاد باب 175 ج 4/ 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 وفيها أيضا أن وفد تميم لما وردوا على رسول الله أمر لهم بالجوائز، كما كان يجيز الوفد، وذكر أن امرأة من بني النجار قالت: أنا أنظر إلى الوفد يومئذ يأخذون جوائزهم عند بلال ثنتي عشرة أوقية ونشا، قلت: وقد رأيت غلاما أعطاه يومئذ، وهو أصغرهم خمس أواق يعني عمرو بن الأهتم. وفيها أيضا: أن وفد عبد القيس لما قدموا عليه عليه السلام، أمر لهم بجوائز وفضل عليهم عبد الله الأشج، فأعطاه اثنتي عشرة أوقية ونشا. وفي المواهب: أن وفد بهراء وهم قبيلة من قضاعة، وكانوا ثلاثة عشر رجلا أقاموا أياما، ثم ودعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر لهم بجوائز، قال الزرقاني: لم يبين قدرها اهـ. وفي المواهب أيضا أن وفد غسان وكانوا ثلاثة عشر نفرا فأسلموا، وأجازهم عليه السلام بجوائز، وانصرفوا وذكر فيها أيضا وفد سلامان بطن من قضاعة، كانوا سبعة نفر، فأمر لهم بالجوائز. ذكر الزرقاني، فأعطيت خمس أواقي فضة لكل رجل منها، واعتذر إلينا بلال وقال: ليس عنده مال اليوم، فقلنا: ما أكثر هذا وأطيبه. وترجم فيها أيضا لوفد عامر بطن من الأزد باليمن، وكانوا عشرة، فأقروا بالإسلام وكتب لهم كتابا فيه شرائع الإسلام، وأمر أبيّ بن كعب أن يعلمهم القرآن، وأجازهم عليه السلام، قال الزرقاني: كما كان يجيز الوفود، وهو تشبيه في أصل الجائزة، لأنه لم يكن له جائزة مخصوصة، وإنما يدفع ما اتفق وجوده وهو يتفاوت قلة وكثرة، فقد أجاز بخمس أواق وبعشر وباثني عشر، وبأزيد هـ. وفي طبقات ابن سعد لدى الكلام على وفد بني حنيفة: فلما أرادوا الرجوع إلى بلادهم أمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بجوائزهم، خمس أواق لكل رجل، فقالوا: يا رسول الله إنا خلفنا صاحبا لنا في رحالنا يبصرها لنا، وفي ركابنا يحفظها علينا، فأمر له بمثل ما أمر به لأصحابه، وقال: ليس بشركم مكانا لحفظه ركابكم ورحالكم، وكان الرجل المذكور مسيلمة الكذاب. وفي الطبقات أيضا لدى ترجمة أشجّ عبد القيس وأمره عليه السلام للوفد بالجوائز، وفضل عليهم عبد الله الأشج، فأعطاه اثنتي عشرة أوقية ونشا وكان ذلك أكثر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيز به الوفد، وانظر السبل للحافظ الشامي رحمه الله. باب تجمله عليه السلام للوفود وأجازتهم أخرج أبو نعيم والواقدي عن جندب بن مكيث الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا قدم عليه الوفد لبس أحسن ثيابه وأمر أصحابه بذلك، فرأيته وفد عليه وفد كندة وعليه حلة يمانية، وعلى أبي بكر وعمر مثله ساقه ابن الهندي في الكنز في الوفود، وهو في طبقات ابن سعد في ترجمة: جندب بن مكيث، ولمحمد بن عمر الأسلمي شيخ ابن سعد كتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 الوفود قال الحافظ الشامي في سيرته: وفيه فوائد لم يلم بها ابن سعد اهـ وانظر ترجمة علقمة بن سفيان من الإصابة. باب في الخانات (الفنادق) لنزول المسافرين قد استنبط بعضهم ذكر الخانات من قوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ [النور: 29] ذكره غير واحد منهم الروضي في شرح الأنموذج. وفي طبقات ابن سعد: واتخذ عمر دار الرقيق، وقال بعضهم: الدقيق، فجعل فيها الدقيق والسويق، والتمر والزبيب، وما يحتاج إليه يعين به المنقطع والضيف ينزل بعمر، ووضع عمر في طريق السبل ما بين مكة والمدينة ما يصلح من يقطع به، ويحمل من ماء إلى ماء اهـ ص 203 ج 3. وفيها أيضا أن عمر استأذنه أهل الطريق يبنون ما بين مكة والمدينة فأذن لهم وقال: ابن السبيل أحق بالماء والظل اهـ ص 220 ج 3. باب في المارستان (دار المرضى والمستشفى اليوم) وقيام النساء (الصحابيات به في زمنه عليه السلام) قال الجوهري في الصحاح: المارستان «1» بيت المرضى معرب عن ابن السكيت. قال زاهد العلماء أبو سعيد نصر بن عيسى: أول من اخترع المارستان وأوجده بقراط، وذلك أنه عمل بالقرب من داره من بستان كان له موضعا مفردا للمرضى وجعل فيه خدما يقومون بمداواتهم. «في صحيح مسلم عن عائشة «2» أصيب سعد يوم الخندق، رماه رجل من قريش فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد خيمة يعوده من قريب، وقال ابن إسحاق في السيرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم يقال لها: رفيدة في مسجده عليه السلام، كانت تداوي الجرحى، وتحبس نفسها على خدمة من كان فيه ضيعة من المسلمين» . فهذا أوسع ما علمنا عن المستشفيات في حياته عليه السلام. «وأول من بني المارستان من ملوك الإسلام الوليد بن عبد الملك سنة 88 هـ وجعل فيه الأطباء، وأجرى فيها الإنفاق «3» ، وأمر بحبس المجذومين لئلا يخرجوا وأجرى عليهم الأرزاق وعلى العميان. قلت: ولا شك أن معنى ذلك أن الوليد هو أول من اجتهد في توسعته وزخرفته،   (1) الصحيح هو البيمارستان. معرب عن الفارسية. (2) رواه البخاري في كتاب الصلاة باب 77/ ج 1/ 119؛ ومسلم في كتاب الجهاد باب 22 ص 1389/ 2. (3) الأنفاق هكذا وجدتها في كتاب التخريج للخزاعي ص 664 ومعناها: النفقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 والقيام بما يلزم له على حسب سعة الحال والمال في زمنه، وإلا ففي الإصابة: رفيدة الأنصارية أو الأسلمية ذكرها ابن إسحاق في قصة سعد بن معاذ، لما أصابه السهم بالخندق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوه في خيمة رفيدة التي في المسجد، حتى أعوده من قريب، وكانت أمرأة تداوي الجرحى، وتحتسب بنفسها على من كانت به ضيغة من المسلمين. وقال البخاري في الأدب المفرد: حدثنا أبو نعيم حدثنا ابن الغسيل، عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد قال: ولما أصيب أكحل سعد يوم الخندق فقيل: حولوه عند امرأة يقال لها رفيدة، وكانت تداوي الجرحى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر به يقول: كيف أصبحت كيف أمسيت فيخبره. وأورده في التاريخ في قصة وفاة سعد وسنده صحيح، وأورده المستغفري من طريق البخاري، وأبو موسى من طريق المستغفري اهـ. وفي الإصابة أيضا في حرف الكاف كعيبة بنت سعيد الأسلمية فذكرها بنحو ذلك، وكانت أخت رفيدة. باب في الطبيب «ذكر ابن الجوزي في صفوة الصفوة عن هشام بن عروة قال عروة لعائشة: يا أمتاه لا أعجب من علمك بالشعر، وأنت ابنة أبي بكر، وكان أعلم الناس ولكن أعجب من علمك بالطب، فضربته على منكبه وقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره، فكانت تقدم إليه وفود العرب من كل وجه، فينعت لهم الإنعات فكنت أعالجه فمن ثمّ» . وفي ترجمتها من الإصابة قال هشام بن عروة عن أبيه: ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة. (وفي الأحكام النبوية لأبي الحسن بن طرخان الحموي، أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يديم التطبب في حال صحته ومرضه، أما في صحته فباستعمال التدبير الحافظ لها من الرياضة وقلة المتناول، وأكله الرطب بالقثاء، والرطب بالبطيخ ويقول: يدفع حرّ هذا برد هذا وبرد هذا حرّ هذا. وإكحال عينيه بالأثمد كل ليلة عند النوم، وتأخير صلاة الظهر في زمن الحر القوي، ويقول: أبردوا بها. وأما تداويه في حال مرضه فثابت بما روي من ذلك في الأخبار الصحيحة منها من عروة عن عائشة قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرت أسقامه، وكان يقدم عليه أطباء العرب والعجم، فيصفون له فنعالجه. وعنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره، أو في آخر عمره، وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه، فتنعت له الأنعات فكنت أعالجه بها. فثبت حينئذ ما ذكرناه من تداوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومداومة تطببه في حال صحته ومرضه، وأمر بالمداواة في عدة أحاديث صحيحة اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 وفي المواهب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراعى صفات الأطعمة وطبائعها، ويراعي استعمالها على قاعدة الطب، فإذا كان في أحد الطعامين ما يحتاج إلى تحسين وتعديل لحرارته كسره وعدله، وهذا أصل كبير في المركبات والأدوية، وإن لم يجد ذلك تناوله على حاجة وداعية من غير إسراف اهـ. وفي آخر الجيش العرمرم الخماسي لأبي عبد الله أكنسوس المراكشي: شرع سيد المتوكلين التداوي، وكان يستعمله في نفسه ويأمر به غيره، حتى قيل: إن القدر التي تطبخ فيها أدويته عليه السلام لا تكاد تنزل عن النار اهـ منه. وفي سنن أبي داود «1» عن سعد وهو ابن أبي وقاص قال: مرضت فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني، فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها في فؤادي، فقال إنك مفؤود أي مريض بفؤادك، ائت الحرث بن كلدة أخا ثقيف، فإنه رجل يتطبب أي يعرف الطب مطلقا، أو هذا النوع من المرض، فيكون مخصوصا بالمهارة والحذاقة. قاله شارح السنن. قال الحافظ الذهبي في التجريد، لما ترجم للحرث: قيل إنه عالج سعدا في حجة الوداع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكره ابن سعد بلا سند يأمر من كانت به علة أن يأتيه فيسأله عن علته اهـ وقع ذلك في طبقات ابن سعد ص 372 ج 5. وقال ابن طرخان بعد أن ذكر قصة أكل الحارث بن كلدة مع أبي بكر، وقوله له: أكلنا سم سنة وإنهما ماتا في يوم واحد. وكان الحارث بن كلدة طبيبا من أفاضل أطباء العرب من أهل الطائف، رحل إلى أرض فارس وأخذ الطب عن أهل تلك الديار، ومن أهل جندي سابور وغيرها في الجاهلية، وأجاد في هذه الصناعة، وطبّ بأرض فارس وحصل له بذلك مال كثير، وشهد من رآه ببلد فارس بعلمه وشاع اسمه بينهم، ثم رجع إلى بلاده واشتهر طبه بين العرب، وأدرك الإسلام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر من كانت به علة أن يأتيه فيستوصفه اهـ. وقال ابن القيم في الهدى النبوي: عن الحارث المذكور أنه طبيب العرب. بل أطبهم. وكان فيهم كإبقراط في قومه اهـ. وأخرج ابن منده من طريق اسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه قال: مرض سعد فعاده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأرجو أن يشفيك الله، ثم قال للحارث بن كلدة: عالج سعدا. قال ابن سعد: لا يصح إسلام الحرث قال ابن عبد البر في الاستيعاب: فدل ذلك على أنه جائز أن يشاور أهل الكفر في الطب إذا كانوا من أهله اهـ. ونقله الحافظ المنذري في اختصار السنن، والوزير أبو الحسن بن يوسف القفطي في   (1) كتاب الطب 4/ 207 باب في تمرة العجوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 أخبار الحكماء، وابن خلكان في وفيات الأعيان، وابن باديس في شرح المختصر، والخزاعي هنا وجماعة من الأيمة وأقروه. قال الحافظ في الإصابة: وهذا يدل على جواز الاستعانة بأهل الذمة في الطب اهـ. وقد نقل عبارة الإصابة هذه النور على الشبراملسي في حواشي المواهب، بواسطة شيخه الشمس الشوبري الشافعي، ولكن عقبها بما نصه: أقول وفيه أنه مناف لما نص عليه الأئمة أنه لا يجوز التطبب بأهل الذمة إلا أن يقال: المنهي عنه تقليدهم في ذكر الدواء والعمل به، وهاهنا وقع الوصف من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما طلب الاستعانة به في تركيبه اهـ. وفي مسند أحمد ما هو كالصريح في الباب؛ وهو ما خرجه عن عروة بن الزبير عن خالته عائشة الصديقة قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم كثرت أسقامه، فكان يقدم عليه أطباء العرب والعجم، فيصفون له فنعالجه، هكذا عزاه إليه الشمس السفاريني في غذاء الألباب ص 392 من ج 1. وفي طبقات ابن سعد عن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا مسقاما، وكانت العرب تنعت له فيتداوى بما تنعت له العرب، وكانت العجم تنعت له فيتداوى اهـ ص 116 ج 1 من القسم 2. وتقدم عن الأحكام النبوية لابن طرخان أن قول عائشة هذا روي بأسانيد صحيحة، وقال في محل آخر بعد أن كرره: فيدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يديم الطب. ولا شك أن العجم إذ ذاك أو أغلبهم كفار، ومع ذلك كان يستوصفهم عليه السلام بعد حصول الثقة بمن يثق به منهم إذ ذاك، واستفدنا من الحديث المذكور أن الأطباء من العجم كانوا يقدمون عليه عليه السلام. وانظر هل كانوا يردون عليه من قبل أنفسهم أو بطلب أو لغرض كسفارة مثلا والعبارة واسعة. ولما عرف عياض في المدارك بالشيخ أبي إسحاق الجنبياني قال: قال أبو يحيى القابسي: لما خرجنا من عنده هربت من يد صبي دابة كان يمسكها لنا، فقلت أعطيتموها لصبي لا يقوم بها فضاعت، فقال لي أبو إسحاق: اغتبته فقلت له وصفته بحاله. وفي السنة ما يبيح ذلك وهو قوله عليه السلام للتي شاورته في النكاح: أما أبوجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فرجل صعلوك لا مال له فقال لي: لا حجة فيها لأن المستشار مؤتمن، وأيضا إنما شاورته في أنه يدخلها في النكاح أو يصرفها عنه، ومسألتنا ليست كذلك بل في السنة وإن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه طبيبان، وكانا نصرانيين فلما خرجا قال: لولا أن تكون غيبة لأخبرتكم أيهما أطب. قال أبو الحسن: ولم أكن أعرف أنهما نصرانيان قبل ذلك اهـ. قال ابن عرفة في تفسيره لدى قوله تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا إثر هذه القصة: يحتمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 أن يكون معنى الحديث في الطبيبين أنهما استويا في القدر المجزي منهما المحصل للغرض، وزاد أحدهما بأمور تكميلية لا يضر تركها، ولا ينقص من معرفة العلاج والمعاناة، فزاد بمعرفة الطبيعيات فحينئذ يكون تفضيل أحدهما على الآخر غيبة، وأما حيث يكون المرجوح منهما لا يحصل المقصود منه في التطبب؛ فالظاهر أن التعريف بذلك ليس غيبة اهـ منه. فاستفيد من القصة ذكر عياض عن القابسي قصة الطبيبين النصرانيين وحضور المصطفى عليه السلام معهما. وقد أخرج ابن سعد في ترجمة معيقيب الدوسي من الطبقات: عن محمود بن لبيد في قصة الأكل مع المجذوم. وفيها: وكان عمر يطلب الطب من كل من سمع له تطبب، والقصة مبسوطة في كنز العمال ص 191 من ج 5. وخرّج مالك وابن أبي شيبة وابن جرير، والخرائطي في مكارم الأخلاق، والبيهقي عن عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي، ويهودية ترقيها. فقال أبو بكر أرقيها بكتاب الله عز وجل. وأخرج ابن جرير عن عمرة أن عائشة كانت ترقيها يهودية، فدخل عليها أبو بكر رضي الله عنه وكان يكره الرقي فقال: ارقيها بكتاب الله. وقد عقد فصلا للتطبب بالكافر والذمي الإمام ابن مفلح الحنبلي في كتابه المسمى «الآداب الشرعية الكبرى» فنقل فيه عن الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا كان اليهودي أو النصراني خبيرا بالطب ثقة عدلا جاز له أن يتطبب، كما يجوز له أن يودعه المال، وأن يعامله كما قال تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [آل عمران: 75] وفي الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر استأجر رجلا يهوديا خريتا، والخرّيت الماهر بالهداية واستأمنه وأتمنه على نفسه وماله، وكانت خزاعة عيبة [أي وفية] لرسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمهم وكافرهم وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستطب الحارث بن كلدة، وكان كافرا وإذا أمكنه أن يستطب مسلما فهو كما لو أمكنه أن يودعه أو يعامله فلا ينبغي أن يعدل، وأما إذا احتاج إلى ائتمان الكيل أو استطبابه فله ذلك، ولم يكن من ولاية اليهودي والنصراني المنهي عنها، وإذا جاز طبه ومخاطبته بالتي هي أحسن كان حسنا قال تعالى: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت: 46] اهـ كلامه. وقال الخطابي على حديث صلح الحديبية، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم عينا له من خزاعة وقبوله خبره، فيه دليل على جواز قبول المتطبب الكافر فيما يخبر به عن صفة العلة، ووجه العلاج إذا كان غير متهم بما يصفه، وكان غير مظنون به الريبة اهـ. وفي بدائع الفوائد للحافظ ابن القيم، في استيئجار النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أريقط الدؤلي هاديا في وقت الهجرة وهو كافر، دليل على جواز الرجوع إلى الكافر في الطب والكحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 والأدوية والكتابة والحساب والعيوب ونحوها، ما لم يكن ولايته تتضمن عدالة ولا يلزم من مجرد كونه كافرا أن لا يوثق به في شيء أصلا، فإنه لا شيء أخطر من الدلالة في الطريق، ولا سيما في مثل طريق الهجرة اهـ. وذكر ابن مفلح مثال ما ذكر عن المروزي: أدخلت على أبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل نصرانيا فجعل يصف، وأمر عبد الله بكتب ما وصفه ثم أمرني فاشتريته له اهـ من كتاب الآداب الكبرى وما أجمعه وأوسعه من كتاب. وقد ترجم ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء جماعة من أطباء النصارى من أهل القرن الأول الهجري؛ كان معاوية ومن بعده من ملوك الإسلام يتطببون بهم، فترجم لطبيب اسمه أبو الحكم فقال فيه: كان طبيبا نصرانيا عالما بأنواع العلاج، وله أعمال مذكورة. وكان يستطبه معاوية بن أبي سفيان، ويعتمد عليه في تركيب الأدوية لأغراض قصدها منه. وترجم فيها أيضا لابن أثال فقال: كان طبيبا متقدما من الأطباء الممتازين في دمشق نصراني المذهب. ولما ملك معاوية دمشق اصطفاه لنفسه وأحسن إليه، وكان كثير الاعتناء به والاعتقاد فيه، والمحادثة معه ليلا ونهارا. وكان ابن أثال خبيرا بالأدوية المفردة والمركبة وقواها، وما فيها من مسموم قاتل، وكان معاوية يقربه لذلك كثيرا. انظر عيون الأنباء وإلى هذه المسألة أشار أيضا الإمام محمد بن عبد القوي المرداوي الحنبلي في منظومته في الآداب فقال: ومكروه استئماننا أهل ذمة ... لاحراز مال أو لقسمته اشهد ومكروه استطبابهم لا ضرورة ... وما ركّبوه من دواء موصد قال السفاريني في شرحها على قوله: لا ضرورة لا يكره إستطباب أهل الذمة ضرورة أي لاجل الضرورة، لأن الحاجة داعية إليه ولأن إدخال الضرر من إستطبابهم متوهم، والعلة معلومة فلا يمنع من إتخاذ ما يزيل المعلوم من الضرر بخوف إدخال ضرر متوهم اهـ ثم نقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية السابق بواسطة ابن مفلح، وانظر شرح العارف النابلسي على الطريقة المحمدية ص 236 الجزء الأول. «وفي الطبقات لابن جلجل وذكر أبا رمثة رفاعة فقال كان طبيبا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، عالما بصناعة اليد وفي سنن أبي داود «1» عن جابر قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبيّ بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا اهـ وتقدم قول ابن إسحاق في رفيدة الأسلمية وأنها كانت تداوي الجرحي، وتحتسب نفسها على خدمة من كانت فيه ضيعة من المسلمين» . وترجم في الإصابة للشمردل بن قباب الكعبي النجراني فذكر عن الخطيب في المتفق أنه كان يتطبب، وأن المصطفى عليه السلام ذاكره في مسائل طبية. وأخيرا قبّل الشمردل   (1) كتاب الطب باب 6 ج 4/ 197. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 المذكور ركبة النبي صلى الله عليه وسلم وقال: والذي بعثك بالحق أنت أعلم بالطب مني. قال الخطيب: في إسناده نظر، وقال ابن الجوزي: في روايته مجاهيل. وترجم فيها لضماد بن ثعلبة الأزدي فقال: كان ضماد صديقا للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان عاقلا يتطبب ويرقي، وذكره بذلك أيضا ابن عبد البر في الإستيعاب. وقد عقد ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء بابا فقال: الباب السابع: في طبقات الأطباء الذين كانوا في أول ظهور الإسلام من أطباء العرب وغيرهم، فترجم فيها للحرث بن كلدة، وولده النضر بن الحرث، وابن أبي رمثة التميمي، فقال في الأخير: كان طبيبا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مزاولا أعمال اليد أبي رمثة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت بين كتفيه الخاتم وذكر قصة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت رفيق والطبيب الله. قال سلمان بن حسان: علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رفيق اليد ولم يكن فائقا في العلم، فبان ذلك من قوله الطبيب الله اهـ. فائدة: عرفت الحقنة في الصدر الأول، فقد أخرج أبو نعيم عن سعيد بن أيمن أن رجلا كان به وجع، فنعت له الناس الحقنة. فسأل عمر بن الخطاب عنه فزجره، فلما غلبه الوجع احتقن فبرىء من وجعه ذلك، فرآه عمر فسأله عن برئه فقال: احتقنت فقال عمر: إن عاد لك فعد لها، يعني احتقن. ساقه ابن الهندي في الكنز في كتاب الطب؛ فبوّب عليه الحقنة فأفاد ما يدل على أن العرب عوفوا الحقنة. وفي طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة: أن كسرى سأل الحارث بن كلدة طبيب العرب قال له: أتأمر لي بالحقنة. قال: نعم، قرأت في بعض كتب الحكماء أن الحقنة تنقي الجوف وتكسح الأدواء عنه، والعجب ممن احتقن كيف يهرم اهـ انظر ص 111 من الجزء الأول. وبذلك تعلم ما ذكره الحطّاب ونقله عنه الشيخ عليش في فتاويه ص 246 الجزء الأول؛ من أن العرب كانت لا تعرف الحقنة وأنها من فعل العجم. وسئل مالك في مختصر ابن عبد الحكم عن الحقنة فقال: لا بأس بها «1» . الإبهري إنما قال ذلك لأنها ضرب من الدواء وفيها منفعة للناس، وقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم التداوي الخ انظر التوضيح. وفي تاريخ الخميس للديار بكري إن أول من لبس التبان تحت ثيابه لأجل الفتق عمار بن ياسر لما ضرب، فيؤخذ منه أن حمل الفتق على ما يقرب من الحال الآن عرفه الصحابة. ومما يدل على أهتمام الصحابة بالطب والعلاج ما أخرجه ابن جرير عن أم جميلة أنها دخلت على عائشة فقالت لها: إنّي امرأة أداوي من الكلف من الوجه، وقد تألمت منه فأردت تركه فما تأمرين فقالت لها عائشة: لقد كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لو أن إحدانا كانت إحدى عينيها أحسن من الآخرى فقيل لها: إنزعيها وحوّليها مكان الآخرى، وانزعي   (1) في الكلام نقص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 الآخرى فحوليها مكانها ثم ظنت أن ذلك يسوغ لها ما رأينا به بأسا، فإذا زاولت فزاوليها، وهي لا تصلح ساقه ابن الهندي أول كتاب الطب من الكنز. باب في قاطع العروق «تقدم عن جابر قوله: بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا، وعن ابن جلجل إن أبا رمثة كان عالما بصناعة اليد» العرق بكسر العين وسكون الراء من الحيوان الأجوف الذي يكون فيه الدم والعصب غير الأجوف قاله في النهاية، وقد استدل بحديث جابر هذا أن الطبيب يداوي بما ترجح عنده. باب في الكي «في صحيح مسلم «1» عن جابر قال: بعث البني صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه» . ترجم في الإصابة أسعد بن زرارة فذكر عن عبد الرزاق أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أسعد ابن زرارة، وكان أحد النقباء ليلته، وقد أخذته الشوكة فكواه. وفي سنن أبي داود عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ من رميته، والمعنى أن الجراحة التي أصابت سعدا من أجل العدو الرامي له في أكحله كواها له النبي صلى الله عليه وسلم، وفي مسلم: رمي سعد بن معاذ في أكحله قال: فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص، ثم ورمت فحسمه الثانية، وأخرج ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ في أكحله مرتين وأخرج ابن سعد في الطبقات عن أنس أن أبا طلحة اكتوى وكوى أنسا من اللقوة. وأخرج الحاكم وصححه والطحاوي عن أنس قال: كواني أبو طلحة في زمنه عليه السلام، وأصله في البخاري. وأنه كوى من ذوات الجنب. وعند الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة. قال الحافظ ابن حجر: ولم أر في أثر صحيح أنه صلى الله عليه وسلم إكتوى إلا القرطبي نسب إلى الطبري أنه صلى الله عليه وسلم إكتوى، وذكره الحليمي بلفظ: روي أنه إكتوى للجرح الذي أصابه، والثابت في الصحيح كما تقدم في غزوة أحد أن فاطمة أحرقت حصيرا فحشت به جرحه، وليس هذا الكي المعهود. وجزم ابن التين أنه أكتوى. وعكس ابن القيم في الهدي اهـ. وقال الخطابي إنما كوى صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ ليرقأ الدم عن جرحه، وخاف عليه أن ينزف فيهلك، والكي يستعمل في هذا الباب وهو من العلاج الذي تعرفه الخاصة وأكثر العامة، والعرب تستعمل الكي كثيرا فيما يعرض لها من الأدواء ويقال في أمثالها: آخر الدواء الكي. والكي داخل في جمله العلاج.   (1) انظر ج 2 كتاب السلام ص 1730 رقم الحديث 73. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 باب في أمر الرجل بذكر اسم الله على الجرح ثم التفل فيه ترجم في الإصابة لكهيل الأزدي فقال: كانت له صحبة، قال: أصيب الناس يوم أحد، وكثرت فيهم الجراحات، فأتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: إنطلق فقم على الطريق، فلا يمر بك جريح إلا قلت: بسم الله ثم تفلت في جرحه. الحديث أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده من رواية علقمة بن عبد الله عن القاسم بن محمد عنه. باب كون من لا يعرف بالطب لم يكن يباح له أن يعالج الناس خرج أبو داود «1» والنسائي والدارقطني عن عمرو بن شبة عن أبيه عن جده رفعه: من تطبب ولم يعلم منه الطب فهو ضامن، وفي رواية لأبي نعيم: من تطبب ولم يكن بالطب معروفا فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن، قال ابن طرخان: هذا الحديث فيه إحتياط وتحرز على الناس، وحكم سياسي مع ما فيه من الحكم الشرعي، وقوله: تطبب أي تعاطى علم الطب، ولم يكن من أهله، ومعناه: من تعاطى علم الطب ولم يتقدم له به استعمال ومزاولة وتدرب مع الفضلاء فقتل بطبه فهو ضامن اهـ. باب في أصل ما يعرف الآن في الإدارات الصحية بالكرنتينة في الصحيحين «2» وغيرهما عن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كان الوباء بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه، وإذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليها، وقد رجع عمر بن الخطاب بسبب هذا الحديث لما خرج إلى الشام، وأخبر أن الوباء قد وقع بها وأن عمر حمد الله وانصرف. قال ابن طرخان في نهيه صلى الله عليه وسلم عن الدخول للأرض التي حلها الطاعون، فائدتان: أحداهما لئلا يستنشقوا الهواء الذي قد عفا وفسد فيمرضون. والثانية لئلا يجاوروا المرضى الذين قد مرضوا بذلك، فتتضاعف عليهم البلية، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من القرف التلف. وفسر بأنه ملابسة الداء ومداناة المرضى. وبالجملة قوله: لا نقدموا عليه إثبات للحذر والنهي عن التعرض للتلف، وحديث أبي داود «3» المذكور من حديث فروة بن مسيك قال: قلت يا رسول الله أرض عندنا يقال لها: أرض أبين (قرية إلى جانب البحر من ناحية اليمن) هي أرض ريفنا (كل أرض فيها زرع ونخل) وميرتنا (الطعام المجلوب من بلد إلى بلد) وإنها وبئة (كثيرة الوباء) أو قال: وباؤها شديد. فقال عليه السلام: دعها عنك فإن من القرف (ملابسة الداء ومداناة المرضى) التلف (الهلاك) قال الخطابي وابن الأثير: ليس   (1) كتاب الديات باب 23 ج 4/ 710 ورقمه 4586. (2) في البخاري كتاب الحيل 13 ج 8/ 64 وفي مسلم كتاب السلام باب 32 ص 1740/ ج 2. (3) كتاب الطب ج 4/ 238 ورقمه 3923. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 هذا من باب الطيرة والعدوى، وإنما هذا من باب الطب؛ لأن استصلاح الهواء من أعون الأشياء على صحة الأبدان، وفساد الهواء من أضرها وأسرعها إلى إسقام البدن عند الأطباء، وكل ذلك بإذن الله ومشيئته اهـ. ومن هذا الباب ما أخرجه أبو نعيم في الطب النبوي: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرمدت عين امرأة من نسائه لم يأتها حتى تبرأ عينها. ومن العجب ما وقفت عليه في مكتوب السلطان أبي العباس المنصور؛ كتب لولده أبي فارس وهو خليفته على مراكش بتاريخ 1011 في أمر وباء حدث إذ ذاك بسوس قال فيه ما نصه [والبطاقة التي ترد عليكم من سوس من عند الحاكم أو ولد خالكم وغيرهما لا تقرأ ولا تدخل دارا بل تعطى لكاتبكم، هو يتولى قراءتها ويعرفكم مضمونها ولأجل أن كاتبكم يدخل مجلسكم ويلابس مقامكم حتى هو لا يفتحها إلا بعد أن تغمس في خل ثقيف وتنشر حتى تيبس، وحينئذ يقرؤها ويعرفكم بمضمونها إذ ليس يأتيكم من سوس ما يوجب الكتمان عن مثل كاتبكم] اهـ. وهذا هو عمل الأفرنج اليوم في تحفّظهم من الوباء المسمى عندهم ب [الكرنتينة] المعروفة في باب الوقاية ودوائر الصحة، وقد كانت وقعت المحاورة بين عالمي تونس أبي عبد الله محمد المناعي المالكي والشيخ أبي عبد الله محمد بيرم الحنفي في إباحتها وحصرها، فألف الأول في الحرمة وألف الثاني في الجواز مستدلا على ذلك بنصوص من الكتاب والسنة. انظر رحلة الشيخ رفاعة الطهطاوي لباريز. وفي إرشاد الساري في تفسير سورة النساء لدى قوله تعالى (وخذوا حذركم) دل ذلك على وجوب الحذر من جميع المضار المظنونة. ومن ثمّ علم أن العلاج بالدواء والإحتراز عن الوباء والتحرز عن الجلوس تحت الجدار المائل واجب اهـ وانظر كلاما لصاحب الإستقصاء في النازلة جعل ذلك مقيدا بالوجه الذي ليس فيه مفسدة شرعية والله أعلم. النسوة الممرضات انظر آخر القسم الثامن ترعجبا (باب في الحكيم) ترجم في الإصابة لأبرهة بن شرحبيل بن أبرهة بن الصباح الأصبحي الحميري، فنقل عن الرشاطي في الأنساب أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم ففرش له رداءه، وأنه كان بالشام، وكان يعد من الحكماء. حكاه الهمذاني في النسب قال: وكان يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث اهـ. وترجمه أيضا كذلك الحافظ الذهبي في التجريد وقال: أفاده الحافظ قطب الدين وزاد أنه قتل مع علي في صفين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 وترجم الحافظ أيضا فيها أكثم بن صيفي التميمي الحكيم المشهور ورد على ابن عبد البر إنكاره ذكره وذكر من خرّج أن قوله تعالى وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [النساء: 99] ومكاتبة المصطفى له ونقل عن الخطيب فيه: كانت له حكمة وبلاغة، وفي ترجمة الحكم بن سعيد بن العاص من الإصابة نقلا عن السراج في مسنده: كان الحكم يعلم الحكمة. وانظر في الإصابة أيضا ترجمة حكيم العرب غيلان بن سلمة الثقفي. وفي ابن التلمساني على الشفا هو ممن وفد على كسرى، وخبره معه عجيب. قال له كسرى يوما: أي ولدك أحب إليك؟ فقال له غيلان: الصغير حتى يكبر والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يؤوب [يقدم] فقال له كسرى: مالك ولهذا الكلام، وهذا كلام الحكماء وأنت من قوم جفاة لا حكمه بينهم، فما غذاؤك قال: خبز البر. قال: هذا العقل من البر، لا من اللبن والتمر، وكان شاعرا أسلم يوم الطائف، وتوفي في خلافة عمر رضي الله عنهم. وفي نور النبراس للحافظ برهان الدين الحلبي عن تخريج الخطيب رفعه: يقدم عليكم الليلة رجل حكيم، فقدم عمرو بن العاص. وهو في مسند أحمد اهـ. وذكر أبو نعيم في كتاب معوفة الصحابة، وأبو موسى المديني من حديث أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني قال: حدثني علقمة بن يزيد بن سويد الأزدي قال: حدثني أبي عن جدي قال: وفدت سابع سبعة من قومي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخلنا عليه وكلمناه أعجب ما رأى من سمتنا وزيّنا فقال: من أنتم قلنا: مؤمنون، فتبسم النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقال: إن لكل قول حقيقة، فما حقيقة قولكم وإيمانكم؟ قلنا: خمس عشرة خصلة؛ خمس منها أمرتنا رسلك أن نؤمن بها، وخمس أمرتنا أن نعمل بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية، فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئا، فقال لهم صلى الله عليه وسلم ما الخمس التي أمرتكم بها رسلي؟ فذكروا له قواعد الإيمان والإسلام. قال: فما الخمس التي تخلقتم بها في الجاهلية؟ قلنا: الشكر عند الرخاء، والصبر عند البلاء، والرضى عن القضاء، والصدق في مواطن اللقاء، وترك الشماتة بالأعداء. فقال صلى الله عليه وسلم: حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء، ثم قال: وأنا أزيدكم خمسا فتتم لكم عشرون خصلة: إن كنتم كما تقولون فلا تجمعوا ما لا تأكلون، ولا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تنافسوا في شيء أنتم عنه غدا زائلون، واتقوا الله الذي إليه ترجعون، وعليه تعرضون، وارغبوا فيما عليه تقدمون، وفيه تخالدون فانصرفوا وقد حافظوا وصيته، وعملوا بها. وقال العراقي في المغني: أخرجه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الزهد، والخطيب في التاريخ، من حديث سويد بن الحارث بإسناد ضيعف اهـ. وفي مشيخة الأنصاري فقال عليه السلام: أدباء حكماء علماء كادوا من صدقهم أن يكونوا أنبياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 وقال الحافظ ابن حجر: هو في كتاب المعرفة لابي نعيم من رواية أبي سليمان الداراني عن زاهد بالشام سماه عن أبيه عن جده سويد اهـ. وقال الذهبي في الميزان: علقمة بن يزيد بن سويد عن أبيه عن جده لا يعرف أتى بخبر منكر لا يخبر به اهـ. قلت: وإن أقره شارح الأحياء ففيه إفراط والصواب: قول العراقي في المغني، والحديث في الحلية في ترجمة أبي سليمان الداراني انظره قال الزرقاني في شرح المواهب على قوله: حكماء علماء، وقدم الحكمة على العلم، لأنها الصفة القائمة بهم الدال علي كمال عقلهم، والعلم طريق إلى معرفة الحسن من القبيح اهـ. وأخرج الطبراني في الأوسط عن شريح بن عبيد الحضرمي مرسلا رفعه: حكيم أمتى عويمر، وهو أبو الدرداء، الوارد فيه أيضا: لكل أمة حكيم وحكيم هذه الأمة أبو الدرداء. ومعناه عالم الحكمة قاله القاوقجي في الذهب الأبريز. وفي الإستبصار في أنساب الأنصار؛ لما ترجم لابي الدرداء: وله حكم مشهورة منها قوله: الدنيا كدر وليس ينجو منها إلا أهل الحذر، ولله فيها علامات يتبعها الجاهلون، ويعتبر بها العالمون، ومن علاماتها فيها أن حفت بالشبهات، وارتطم فيها أهل الشهوات، ثم أعقبها بالآفات، فانتفع بذلك أهل العظات. ومزج حلالها بالمؤبات، وحرامها بالتبعات، فالمثري فيها تعب والمقل فيها نصب. قال ابن قدامة: وبلغنا عن أبي الدرداء أنه كان يقول: مساكين أهل الدنيا يأكلون ونأكل، ويشربون ونشرب، ولهم فضول أموال ينظرون إليها وننظر معهم، فإذا كان يوم القيامة كان حسابها عليهم، ونحن منها براء اهـ. وفي المواهب الفتحية في علوم اللغة العربية: من تبصر في أحوال العرب وأخلاقهم صح له من طريق العقل أن لا بدع في أن سيد الأنبياء لم يبعث من سواهم، كما يتضح له بطلان القول بأنهم لم يكن لجاهليتهم حظ في الفلسفة، فإن في تتبع أقوالهم وأحوالهم، ما يذهل عقول الحكماء، في جميع ضروب الحكمة اهـ منها ص 192 الجزء الأول. وقد حقق الصدر الشيرازي وغيره من المحققين أن ما جاءت به الفلسفة الصحيحة من العلوم العقلية أو السياسية عمرانية كانت أو كونية لا يخالف ما جاء به الكتاب والسنة، وأن ما كان يبدو من المخالفة في العصور الأولى إنما كان منشؤه الغلط، والخطأ في الترجمة فقط، وبعد أن ترجم الترجمة الصحيحة تبين الوفاق. باب في المنجم ترجم في الإصابة للربيع بن زياد الحارثي الذي كان الحسن البصري كاتبا له فقال: لم يكن في عصره عربي ولا عجمي أعلم بالنجوم منه، وكان يتحرج أن يقضي، فكان يبصر حكم ما دله عليه النجوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 وفي الذيل لكتاب بشائر الإيمان في فتوحات آل عثمان، للشيخ حسين خوجه رئيس ديوان الإنشاء بتونس في ترجمة علامة تونس الشيخ قويسم بن علي صاحب سمط اللآلي أن له رسالة سماها: إصابة الغرض في الرد على من اعترض. موضوعها في مباحثة متعلقة بالوقت والنجوم، وبين أن له أصلا من السنة وذكر ما ورد في ذلك من الآثار اهـ انظر ص 103 من الذيل المذكور. باب في القافي ترجم في الإصابة مجززا المدلجي الكناني، وهو مذكور في الصحيحين من طريق عائشة قالت: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال: ألم تري أن مجززا المدلجي نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: إن بعض هذه الأقدام من بعض، وفي رواية لابن قتيبة: مر على زيد وأسامة وقد غطيا رؤوسهما، وبدت أقدامهما، قال الحافظ: لو كان كافرا لما اعتمده في حكم شرعي اهـ. وقد كان علم القيافة عند العرب ينقسم إلى نوعين: الإستدلال بأثر الماشي عليه، والإستدلال بتقاطيع الجسم على صحة النسب وبطلانه، وكان فيهم قبائل شهرت بذلك حتى كان قول الفرد منها حكما في الآثار والإنسان، كبني مدلج الذي منهم مجزز المذكورة قصته في الترجمة، وكان لهم في الفرع الثاني ما لا يقل عن الأول؛ يجيئون بالرجل والولد ويغطون جميع بدنهما ما عدا الأقدام كما في القصة المذكورة، والشريعة لم تلغ حكم القائفين، بل رضيه النبي صلى الله عليه وسلم كما رأيت وسر به كما يراه من اعتبره. باب في المكان يتخذ للفقراء الذين لا يأوون على أهل ولا مال ويتخرج منه الأصل لهذه الزوايا التي تتخذ للفقراء والمنقطعين والزوايا جمع زاوية مأخوذ إما من الانزواء، أي الإنقباض لانقباضهم عن الناس، أو من زاوية البيت الناحية لميلهم عن البعد عن الناس والخفاء، وهي حادثة بظهور طائفة التصوف في القرن الثالث واختصاصهم بهذا الإسم، وكانوا في زمن التابعين يسمون العباد، فكأنهم منسوبون إلى أهل الصفة. هؤلاء الذين كانوا في زمنه عليه السلام قصروا أنفسهم على الطاعات، ولا يرجعون إلى أهل أو مال فيهم كما قيل: ضيوف الله والإسلام يسكنون فيها ليرتزقوا من أوقافها. قاله صاحب بذل الكرامة لقراء المقامة. وقال التقي المقريزي في الخطط: ولاتخاذ الربط والزوايا أصل من السنة وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ لفقراء الصحابة الذين لا يأوون إلى أهل ولا مال مكانا من مسجده، كانوا يقيمون به عرفوا بأهل الصفة اهـ منه ص 293 الجزء الرابع. «في صحيح البخاري عن أبي هريرة واصفا ما لاقى في صدر إسلامه من الشدة، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلحق أهل الصفة فأدعهم لي. قال وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 على أهل ولا على مال، ولا على أحد إذا أتته الصدقة، بعث إليهم بها. ولم يتناول منها شيئا وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها» . أردت أن أبسط القول هنا على أهل الصفة وأحوالهم وعددهم ومن كان على طعامهم لتقصير الخزاعي هنا فأقول؛ قال عياض: الصفة بضم الصاد وتشديد الفاء ظلة في مؤخر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يأوي إليها المساكين وإليها تنسب أهل الصفة على أشهر الأقاويل. وقال الحافظ الذهبي: إن القبلة قبل أن تتحول كانت في شمال المسجد فلما حولت القبلة بقي حائط القبلة الأعلى مكان أهل الصفة، وقال الحافظ ابن حجر: الصفة مكان في آخر المسجد النبوي مظلل أعد لنزول الغرباء فيه، ممن لا مأوى له ولا أهل وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب من يتزوج منهم أو يسافر، وقال المجد نقلا عن الدارقطني: الصفة هي ظلة كان المسجد في مؤخرها، وفي التوشيح للسيوطي: الصفة بصاد وفاء محل وراء الحجرة النبوية مظلل معد لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل في مؤخر المسجد إلا أنه يحسب الآن في مؤخرهما معا، محاذيا للحجرة، فالكل داخل فيه في وقتنا اهـ. ثم قال المجد وذكر ابن جبير في رحلته عند ذكر قباء قال: وفي آخر الغرفة تل مشرف يعرف بعرفات يدخل إليه دار الصفة، حيث كان عمار وسلمان وأصحابهما المعروفون بأهل الصفة، وكأن هذا وهم والله أعلم، قال السيد السمهودي في الوفا: يظهر لي من قول عياض فيما قدمناه عنه على أشهر الأقوال أن في ذلك خوفا، فيكون ما ذكر ابن جبير أحد الأقوال لكنه مرجوح أو مؤول بأن من ذكر من أهل الصفة اتخذوا تلك الدار بعد فاشتهرت بذلك. وفي تلبيس إبليس لابن الجوزي: أهل الصفة كانوا فقراء يقدمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما لهم أهل ولا مال فبنيت لهم صفة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل أهل الصفة. وأخرج أبو نعيم في الحلية من طريق أبي هريرة: كنت من أهل الصفة، وكنا إذا أمسينا حضرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر كل رجل فينصرف برجلين أو أكثر، فيبقى من بقي عشرة أو أكثر أو أقل فيؤتي النبي صلى الله عليه وسلم بعشائه فيتعشى معهم، فإذا فرغنا قال ناموا في المسجد. وروى ابن شبة قال: كان من قدم المدينة فكان من له بها عريف (رئيس) نزل على عريفه، ومن لم يكن له بها عريف نزل الصفة، فكنت ممن نزل الصفة، فرافقت رجلين كانا يجريان عليهما كل يوم مدّين من تمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن النجار: روى أهل السير أن محمد بن مسلمة رأى أضيافا عند النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال: نفرق هذا الأضياف في دور الأنصار، ونجعل لك في كل حائط قنوا ليكون لمن يأتيك من هؤلاء الأقوام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ بلى فلما وجد ماله أتى بقنو، فجعله من المسجد بين ساريتين، ويجعل الإقناء على الحبل، ويجمع العشرين أو أكثر فيأكلون وينصرفون، ويأتي غيرهم فيفعل بهم مثل ذلك فإذا كان الليل فعل بهم مثل ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وقد بّوب البخاري في القسمة وتعليق القنو في المسجد، ولم يذكر في الباب صريحا فأشار بذلك إلى ما رواه النسائي عن عوف بن مالك الأشجعي قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده عصا، وقد علق قنو حشف فجعل يطعم من ذلك القنو، ويقول: لو شاء ربّ هذه الصدقة تصدق بأطيب من هذا. وأخرج ثابت في الدلائل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل حائط بقنو يعلق في المسجد، يعني للمساكين. وفي رواية له: وكان عليها معاذ بن جبل، أي على حفظها أو قسمتها راجع الوفاء ص 323. وفي ترجمة والد واثلة بن الأسقع من الإصابة أن أبا نعيم خرّج في الدلائل قال: كنا في الصفة وهم عشرون رجلا، فأصابنا جوع وكنت من أحدث أصحابي سنا فبعثوا بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أشكو جوعهم، وفي المواهب: أنه كان عليه السلام يدعوهم بالليل فيفرقهم على أصحابه ويبقى طائفة معه، قال الزرقاني: مواساة وتكرما. وفي حديث: أن فاطمة طلبت منه خادما فقال: لا أعطيك وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم. وفي تحفة الناظر للعقباني قال عز الدين: إنما يرخص في المبيت في المسجد لمن لا ينتهك حرمته من الضعفاء، فقد كان أصحاب الصفة يبيتون فيه مع القيام بحرمته اهـ. ونقل ابن التلمساني على الشفا عن الكشاف: أصحاب الصفة كانوا نحو أربعمائة رجل من مهاجري قريش، لم يكن لهم مسكن في المدينة ولا عشائر، فكانوا في صفة المسجد يتعلمون القرآن بالليل، ويرضخون النوى بالنهار، وكانوا يخرجون في كل سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن كان عنده فضل أتاهم به إذا أمسى اهـ. وقال الحافظ ابن الجوزي في تلبيس إبليس: هؤلاء القوم إنما قعدوا في المسجد ضرورة وإنما أكلوا من الصدقة ضرورة، فلما فتح الله على المسلمين استغنوا عن تلك الحال وخرجوا. اهـ. ولما تكلم الإمام أحمد بن قاسم الصومعي التادلي في كتاب «اللباب في معاملة الملك الوهاب» على أهل الصفة نقل عن قتادة: أنهم لزموه عليه السلام لا يرجعون إلى تجارة، ولا إلى زرع ولا إلى ضرع، يصلون صلاة وينتظرون أخرى اهـ منه. وفي طبقات ابن سعد أن القراء في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يقرأون القرآن ويتدارسون بالليل، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة، والفقراء. انظر ص 71 الجزء الثالث. وقال الأستاذ الصالح أبو عثمان سعيد بن أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن ليون التجيبي في رسالته الأنالة العلمية! إن الفقراء المتجردين من الصوفية، هم الذين ورثوا أهل الصفة في الجلوس في المساجد، والرباط والتجرد وقلة التسبب، والناس ينكرون على الفقراء هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 الصفة وهي السنة لأن السنة في عرف الشرع ما أقره عليه السلام أو عمله أو علّمه. وكان عليه السلام يحسن إليهم ويؤنسهم، ولم يأمرهم بتكسب. وفي صحيح مسلم عن أنس قال: جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه أن يبعث معهم رجالا يعلمونهم القرآن والسنة، فبعث معهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم القرّاء منهم خالي حرام- بحاء مهملة وراء- يقرأون القرآن ويتدارسونه، وبالليل يتعلمون وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة، والفقراء. فبعثهم إليهم فقتلوهم، قبل أن يبلغوا المكان، فهؤلاء لم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم ولا نهى القراء عن خدمتهم، ثم ذكر حديث البخاري السابق وقال إثره: فصح أنهم كانوا فقراء متجردين يقرأون في المسجد غير متسببين، وهذه الصفة هي صفة الفقراء المتجردين اليوم. قال أبو طلحة: كنا نأتي المدينة فمن كان له بها عريف نزل عليه وإلا نزل بالصفة. وكان الراتبون بالصفة نحو أربعمائة رجل منهم أبو هريرة وابن أم مكتوم وصهيب وسلمان وخباب وبلال، والمؤمنون به عليه السلام ومنهم من قام بالقراءة ومنهم من ركن للعبادة، وهم أهل الصفة والكل في عبادة وسنة، ولما كان المهاجرون والأنصار لهم قبائل وعشائر انضاف بعضهم إلى بعض، فجعلهم النبي صلى الله عليه وسلم في الصفة وضمهم إليه إذ كانوا لا يملكون شيئا ولا لهم بيوت يسكنون فيها، ولا قبائل ينضافون إليها، فصاروا كالقبيلة الواحدة وكذلك الفقرا اليوم، ومنهم الذين قال تعالى فيهم: تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ [التوبة: 93] كانوا ضعفاء عن الجهاد قال تعالى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ [الأنعام: 52] ونزل في حق ابن أم مكتوم عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى فقد ظهرت صفة أهل الصفة الذين يقتدي بهم الفقراء المتجردون. يا طالبا من الإله الزلفة ... لا تنتحي لغير أهل الصفة وليّن القول لهم برأفة ... فإنهم أهل التقى والألفة وفي تكملة السيوطي لتفسير المحلي على قوله تعالى: الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة: 272] إنها نزلت في أهل الصفة وهم أربعمائة من المهاجرين أرصدوا لتعلم القرآن والخروج مع السرايا، ومعنى الذين أحصروا في سبيل الله: أي حبسوا أنفسهم على الجهاد وقوله: لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ [البقرة: 273] أي للتجارة والمعاش لشغلهم بالجهاد اهـ. وقال ابن ليون التجيبي في محل آخر من رسالته: وفي الصحيح: أن أهل الصفة لم يتسببوا ولا اشتغلوا بغير الذكر والفكر والقعود في المسجد، وكان القرّاء يخدمونهم، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يطعمونهم وقال لهم: أبشروا يا أهل الصفة، فترك التسبب طريقة أقرها النبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 صلى الله عليه وسلم ولم يصح أنه أمرهم بالتسبب، وإنما أمرهم بالتوكل «1» اهـ وقال ابن حجر الهيثمي في شرح الهمزية على قولها في حق الصحابة: زهدوا في الدنيا فما عرف المي ... ل إليها منهم ولا الرغباء الصحابة في الزهد فيها على قسمين: فأكثرهم ترك السعي في تحصيلها بالكلية واشتغل بالعلوم والمعارف ونشرها، وبالعبادات حتى لم يبق من أوقاته شيء إلا وهو مشغول بشيء من ذلك، وكثير منهم حصلوها لكن كانوا فيها خزانا لله تعالى كما مر اهـ ونقله عنه بنيس ونحوه لأبي عبد الله زنيبر السلوي عليها والصاوي في تقاريره عليها، ولو كان تعبيرهم في تاركي السعي من الصحابة قاصرا على أهل الصفة لكان أقوم وإلا فالصحابة كانوا أكثرهم أهل تكسب وسعي على ما سيأتي إلا أهل الضفة والله أعلم. ثم وجدت الشيخ سليمان الجمل أتى في حاشيته على الهمزية بتعبير لطيف: وذلك أنه قال في هذا الموضع: وكان الصحابة فيها على قسمين فأكثرهم كأهل الصفة ترك السعي في تحصيلها بالكلية واشتغل بالعلوم والمعارف والعبادات وكثير منهم حصلها اهـ ووجدت الشيخ محمد ابن عبد الرحمن الصومعي التادلي عبر في شرحه على الهمزية بما هو أسلم فقال: فمنهم من أعرض عنها بالكلية وأشتغل بالعلوم والمعارف، ومنهم من سعى في تحصيلها وحصلها بقدر نفع الغير بها اهـ وإنما جلبت النقول هنا في انقطاع أصحاب الصفة عن التكسب لتهجم متهور عليهم رضي الله عنهم، فنسب لهم أيضا الجري وراء الدنيا معه وهو غالط أو متغافل عن نص القرآن في الواقعة وذلك قوله تعالى في حقهم: (لا يستطيعون ضربا في الأرض) وفي حواشي الشمس ابن عابدين الحنفي الدمشقي على الدر المختار، نقلا عن المصفي: الجلوس في المسجد للحديث مأذون فيه شرعا لأن أهل الصفة كانوا يلازمون المسجد، وكانوا ينامون ويتحدثون ولهذا لا يحل لأحد منعه، كذا قي الجامع البرهاني. فيؤخذ منه أن الأمر الممنوع منه إذا وجد بعد الدخول مقصدا لعبادة لا يتناوله اهـ. وفي أس المقاصد في تعظيم المساجد للشيخ علوان بن عطية الحموي: إن بعضهم تعلل عليه في نهيه عن الكلام في المسجد بأحوال أهل الصفة في زمانه عليه السلام فقال؛ انظر أيها الأخ وتعجب ممن يقيس على أولئك الصحابة الأخيار هؤلاء الحثالة الأشرار! أترى كان إجتماع أهل الصفة على الحظوظ النفسانية، والأخلاق الشيطانية، واللهو واللعب والضحك والمزاح، وحديث الدنيا؟ اهـ. وقد اعتنى بجمع أسامي أصحاب الصفة ومناقبهم وأحوالهم ابن الأعرابي، والسلمي في كتاب تاريخ أهل الصفة، والحاكم والإكليل، وأبو نعيم في الحلية، فزادوا عنده على   (1) أقول: في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم كانت وسائل العمل ضيقة فلم يأمرهم بالتسبب وأما إذا تغيرت الأحوال فالتسبب أولى من انتظار الصدقات بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: اليد العليّا خير من اليد السفلى، وبقية النصوص التي تحص على السعي والكسب. مصححه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 مائة وعند كل ما ليس عند الآخر، وقال الحافظ ابن تيمية: جملة من آوى إلى أهل الصفة مع تفرقهم قيل أربعمائة. وقيل أكثر اهـ وعدّهم أربعمائة السيوطي كما سبق، ونحوه في تفسيره وسبقهم إلى ذلك السهروردي في العوارف، والزمخشري في الكشاف، قال الشهاب في شرح الشفا عقبه: ولا ينافي ما روي أنه رأى منهم نحو ثلاثين رجلا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم بلا أردية اهـ. وفي لب اللباب في معاملة الملك الوهاب للإمام أبي العباس أحمد بن قاسم الصومعي التادلي لدى كلامه على أهل الصفة: كانوا أربعين فبلغوا أربعمائة. وقال قتادة بلغوا تسعمائة رجل اهـ وانظر سمط الجوهر الفاخر فقد عدّ منهم أزيد من المائة مسميا لمن عند أبي نعيم في الحلية، وزاد عليه نحو الثلاثة، قال الخفاجي عقب ما سبق عنه: وهؤلاء يعني أهل الصفة هم صفوة الله. هنيئا لهم وإنا نتوسل بهم إلى الله أن يجعلنا في بركاتهم اهـ وإن فسح الله في الأجل أفردتهم بمؤلف وليس ذلك على الله بعظيم. إختصاص أبي بكر برسول الله صلى الله عليه وسلم للمداولة في الأمر يعرض خرج النسائي والترمذي «1» قال الحافظ ورجاله ثقات عن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمور المسلمين.   (1) انظر كتاب الصلاة باب 12 رقم الحديث 169 ج 1/ 315. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 فهرس المحتويات مقدمة المحقق 7 إهداء الكتاب 9 اسم مؤلف كتاب التخريج ونسبه وبلده 34 بلده ووفاته ومدفنه 39 نسخ كتاب التخريج الموجودة في المكاتب ومن نقل منه 41 أول خطبة كتاب التخريج 42 مقصده من تدوينه 42 تاريخ اشتغاله بتدوينه وكلمة جامعة في أبي الحسن الخزاعي 42 السلطان الذي قدمه إليه 43 خطته في الدولة المرينية 44 اصطلاح الخزاعي في كتابه التخريج وصنيعه 44 الأصول التي استمد منها في كتابه ونقل عنها 47 المقدمة الثانية 49 برنامج القسم الأول 49 ذكر مواليه الذين أعتقهم في مرض موته 50 برنامج القسم الثاني من كتاب الخزاعي 50 (ومما استدركت عليه في هذا القسم خلال تراجمه من الأبواب) 51 القسم الثالث من كتاب الخزاعي 52 برنامج القسم الرابع من كتاب الخزاعي 53 برنامج القسم الخامس من كتاب الخزاعي 55 برنامج القسم السادس من كتاب الخزاعي 58 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 برنامج القسم السابع من كتاب الخزاعي 58 برنامج القسم الثامن عند الخزاعي 59 برنامج القسم التاسع من كتاب الخزاعي 60 القسم العاشر من كتاب الخزاعي 64 المقصد الأول 65 المقصد الثاني 70 القسم الأول في الخلافة والوزارة (الصدارة) وما يضاف إلى ذلك من الخدمات النبوية الشخصية التي كان يقوم بها أفراد من الصحابة 77 الخلافة 79 ذكر الفرق بين الخليفة والملك والسلطان من حيث الشرع والاصطلاح 85 الوزير 88 ذكر صاحب السر 90 في ذكر الآذن [الحاجب] 90 ذكر حبس بعض الوافدين عن الآذن 90 الحاجب 91 البواب 91 ذكر من تولى خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحرار والموالي 94 ذكر من كان يخدمه عليه السلام من مواليه 94 ذكر الموالي الذين أعتقهم عليه السلام في مرضه 94 ذكر من كان يوقظه عليه السلام إذا نام ويستره إذا اغتسل 95 ذكر من كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد حاجته داخل منزله 95 ذكر من كان يبيت على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال 95 استخدامه عليه السلام في ذلك امرأة 95 استخدامه عليه السلام غلاما يهوديا 96 الأشياء التي كان عليه السلام لا يكلها إلى أحد من خدمه 96 ذكر الذين قام بخدمتهم المصطفى بنفسه 96 ذكر صاحب الوساد [المخدة] 97 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 في إدناء النبي صلى الله عليه وسلم الوساد للداخل 97 ذكر صاحب النعلين 98 مضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم 100 ملاعبة الإمام أقاربه الصغار 100 الرجل يعلم الوفد كيف يحيّون المصطفى صلى الله عليه وسلم 100 القسم الثاني في العمليات الفقهية وأعمال العبادات وما يضاف إليها من عمالات المسجد وعمالات الطهارة وما يقرب منها، وفي الإمارة على الحج وما يتصل بها وفيه وظائف 101 في العمليات الفقهية وأعمال العبادات 103 ذكر معلم القرآن وفيه فصول 103 ذكر من نقل عنه وجوه القراءة من الصحابة 107 ذكر معلم الناس الكتابة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر المعلم من الرجال- المعلم المسلم 108 المعلم الكافر 108 ذكر المعلمة من النساء 109 اتخاذ الدار ينزلها القراء ويستخرج منه اتخاذ المدارس 112 ذكر المفتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم 112 ذكر من كان يتوسط بين المصطفى وبين الصحابة إذا أرادوا أن يسألوه عن شيء 114 ذكر من كان يعبر الرؤيا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم 114 الإمام في صلاة الفريضة 117 ذكر استخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق على الصلاة وكم من صلاة صلّاها 118 استخلاف المصطفى على الحج 119 اتخاذ المنبر 119 خطبته عليه السلام في حجة الوداع على الدواب 121 اتخاذه صلى الله عليه وسلم عليا يعبر عنه 121 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 أمره عليه السلام باستنصات الناس رجلا أطول الناس قامة وأبلغهم وأنداهم صوتا 122 تكليف الإمام عظيما من أصحابه يحشر له قومه 122 ارساله عليه السلام عليا يبلّغ عنه نزول أول سورة القتال 122 الإمام في صلاة رمضان 123 ذكر مؤذّن النبي صلى الله عليه وسلم 124 ذكر الموقت 126 فصل في اقتداء المساجد في صلاتهم بمؤذّن المسجد الجامع 126 على أي شيء كانوا يؤذّنون 127 ذكر صاحب الخمرة 128 الذي يحمل العنزة 129 الذي كان يحمل العصا بين يديه عليه السلام ويتقدم إذا أراد أن يدخل منزله الكريم 129 المسرج وهو الموقد 130 هل أوقدت الشموع في المدينة على عهده عليه السلام 131 المجمر 132 الذي يقمّ المسجد ويلتقط الخرق والقذي والعيدان منه 132 الرجل يأخذ الناس بالصلاة في الجماعة ويشتد عليهم في تركها 134 الرجل يتقدم إلى المصلين يرتب صفوفهم ويضربهم على ذلك 134 الرجل يمنع الناس عن المنازعة واللغط في المسجد 134 صاحب الطهور 135 ذكر من كان يتولى ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم 135 هل كان صلى الله عليه وسلم يستعمل الماء السخن أو دخل الحمام 136 وضوؤه عليه السلام في آنية زجاج 137 وضوؤه صلى الله عليه وسلم في الطست من صفر وغيره 137 صاحب السواك 138 اتخاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرسي 138 ذكر جلوس النبي صلى الله عليه وسلم على الكرسي 138 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 في السقّاء وفيه فصول 139 فصل في سقي الماء له عليه السلام من الآبار الطيبة بالمدينة 140 فصل فيما جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان يبرّد له الماء 140 فصل في طلبه عليه السلام ماء زمزم من مكة إلى المدينة وتحريضه على التعجيل بأصرح عبارة 140 فصل في الروايا تسافر مع المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن كان يذهب يملأها 141 فصل في ساقي النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين 141 فصل في ساقيه عليه السلام من اليهود 141 فصل في سقي الماء 141 الانتباذ في الاواني الخضر 142 دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن أزال شعرة من مائه 142 الخادم يخدم عند الأكل 142 أوانيه عليه السلام 142 هل كانوا يهنئون الشارب في الزمن النبوي 142 الامارة على الحج 145 صاحب البدن 145 حجابة البيت وهي العمارة والسدانة فصل في ذكر من وليها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم 146 السقاية 147 مباشرته عليه السلام لنحر الهدي بيده الكريمة في حجة الوداع واذنه لعلي في إتمام البقية 148 القسم الثالث في العمليات الكتابية وما يشبهها وما يضاف إليها وفيه أبواب 149 الباب الأول في كتّاب الوحي وفيه فصول: 149 العمليات الكتابية 151 باب كتابه عليه السلام مطلقا 151 باب في خليفة كل كاتب من كتّابه عليه السلام 153 باب في كتاب السر 154 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 فصل في ذكر كتاب الرسائل والإقطاع 154 باب فيمن كان يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم للبوادي 155 فصل في كتابته عليه السلام في الجلد ومقداره 155 فصل في كتّاب العهود والصلح 156 فصل فيمن كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أموره الخصوصية 156 نظرة إجمالية في الكتّاب 156 باب في تعليم المصطفى لكتّابه أدب وضع القلم ومحل وضعه ورسم الحروف وتقويمها نحو ذلك 157 باب في ندب المصطفى عليه السلام الكتبة إلى تتريب الكتابة 158 فصل في اصطلاح المكاتيب النبوية 159 فصل في كيفية مخاطبة الملوك وغيرهم من المعاصرين له (عليه السلام في زمانه) 160 فصل في عنوان المكاتب إليه عليه السلام في ذلك الزمن 160 فصل في عنوان كتبه عليه السلام 161 فصل بما كان يفتتح كتبه عليه السلام 161 فصل في التزامه عليه السلام أما بعد في صدور كتبه وخطبه 161 احتياطه عليه السلام في مكاتيبه الرسمية 162 باب اتخاذه عليه السلام أما بعد لفصل من فصول الكتاب ورؤوس المسائل 162 فصل في أصح كتاب حفظ لنا التاريخ عينه من كتبه عليه السلام 163 آخر مكتوب نبوي حفظ التاريخ عينه لنا من كتبه عليه السلام لأهل الإسلام وتحافظهم عليه 163 فصل في آخر كتاب حفظ التاريخ لنا عينه من كتبه عليه السلام (لأهل الكفر ومحافظتهم عليه) 165 فصل في أجمع وأطول كتاب حفظ التاريخ نصه من كتبه (عليه السلام الأحكامية) كتاب ابن حزم 165 ما كتبه عليه السلام ولم يخرجه 167 فصل هل كتب عليه السلام بنفسه شيئا وامضى بعض كتبه (بيمينه الشريفة أم لا) 168 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 فصل في ذكر صاحب الخاتم ومن أي شيء كان وما كان نقشه 170 فصل فيمن كان صاحب خاتمه صلى الله عليه وسلم 170 باب في عمله عليه السلام إذا لم يحضره الخاتم 171 باب في مسائل تتعلق بالخاتم النبوي 171 باب في وضع التاريخ وأصله 172 باب في الرسول (السفير) وفيه فصول فصل في صفات رسله عليه السلام من وفور العقل وطلاقة اللسان وقوة الحجة المقنعة للخصم 173 اختياره عليه السلام لرسله أن يكونوا أحسن الناس وجها 178 وصايته عليه السلام لكل من بعثه لجهة من الجهات من سفرائه وأمرائه ورسله 178 اتّخاذ البريد في زمن الخلفاء الراشدين 179 فصل في الرسول يبعث يدعو إلى الإسلام 180 فصل في بعث الرسول في الصلح 181 فصل في بعث الرسول بالأمان ذكر من بعثه المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك من الرجال 181 ذكر من توجه في ذلك من النساء 181 فصل في الرسول يبعث إلى الملوك (ليبعث من عنده في بلاده من المسلمين) 182 في الرسول يبعث إلى الملك ليزوج الإمام المرأة من المسلمين (تكون ببلاده ويبعثها) 182 في الرسول يبعث بالهدية 183 باب في جائزة المصطفى لرسول غيره له 184 باب في الرسول يتوجه إلى الملك منذرا له بالحرب إن هو لم يؤمن 184 باب في الترجمان الذي كان يترجم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر من كان يترجم له باللسان العجمي 185 ذكر من كان يترجم له صلى الله عليه وسلم بالكتاب كتاب السريانية 185 كتاب اليهود 186 باب في تعليم السريانية 186 باب في الشاعر وفيه فصول فصل في ذكر شعراء النبي صلى الله عليه وسلم 190 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 باب في استنشاده صلى الله عليه وسلم شعر الهالكين في غير موضع 192 سماعه عليه السلام الشعر المتضمن التشبيب والغزل 192 الشعراء من الصحابة والصحابيات الذين رثوه عليه السلام بعد موته 193 باب تكرمه عليه السلام بأعظم سبي سبي له بسبب أبيات شعرية قدمت له عليه السلام 193 باب في ذكر الخطيب في غير الصلوات ذكر من كان خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم 195 هل خطب عليه السلام أو خطب الصحابة بغير اللغة العربية 195 باب في كتاب الجيش وفيه فصول 197 فصل في البيعة ومعناها المعاقدة والمعاهدة 197 فصل فيمن تولى ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم 199 فصل في ثبوت العطاء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم 199 فصل في وضع عمر الديوان والسبب في ذلك 200 تسامح المسلمين في صدر الإسلام 202 فصل في أي سن يجيز الإمام من يرسم في الديوان 203 فصل في عرض الناس كل سنة 204 باب في رده عليه السلام في الإستعراض من لم يستأذن أبويه 204 فصل في العريش يا بنى للرئيس يشرف منه على عسكره 204 باب في تكليف الإمام من يجلس برئيس ليرى جنود الإسلام (وهو الإستعراض الذي يراد منه اليوم إظهار القوة) 205 باب في ذكر العرفاء وهم رؤساء الأجناد وقوادهم 205 باب في النقباء 206 باب في المحاسب 207 باب في الأوصياء والوصاية 207 القسم الرابع في العمليات الأحكامية وما ينضاف إليها وفيه عدة أبواب 209 العمليات الإحكامية 211 باب في الإمارة العامة على النواحي ذكر من ولاه النبي صلى الله عليه وسلم على النواحي 211 باب كيف كان يوصي عليه السلام (عماله في صفة البريد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 الذي يبردون إليه) 215 باب في اشتراطه عليه السلام مثل ذلك في عماله 215 باب في كيفية عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمرائه 215 باب في القاضي وفيه فصول فصل في قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس 217 ذكر من دوّن في النوازل 218 التي نزلت في حياته عليه السلام وحكم فيها 218 باب في ذكر تراجم وأصول الأبواب التي قضى فيها عليه السلام وأفتى 219 فصل في قضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم 221 هل كان عليه السلام يشترط السن المديد فيمن يوليه القضاء 224 هل كان للولاة والقضاة راتب 226 النظر في المظالم (العدلية) 227 باب أين كان يجلس القاضي للحكم والفصل 230 باب في الشهادة وكتابة الشروط 231 باب في الشهادة الصبيان وكتابة أسمائهم في الكتب النبوية والعقود المصطفوية 232 باب في سياق عقد من عقود ذلك العصر الطاهر وهو عقد عتق أبي رافع مولاه عليه السلام 233 باب فيمن كان يكتب بين الناس في قبائلهم ومياههم في الزمن النبوي 233 باب في ذكر من كان يكتب العقود والمعاملات زيادة على ما سبق 233 باب في فارض المواريث ذكر من كان فارضا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم 235 باب في الوكيل في غير الأمور المالية ذكر من وكله رسول الله صلى الله عليه وسلم 236 باب في ذكر البصير بالبناء وهو الرجل يكون له البصر بالبناء يبعثه الإمام يحكم بين المتنازعين فيؤخذ بقوله ذكر من كان كذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم 236 معرفته عليه السلام وأهل الصدر الأول بأمور الهندسة والبناء وإصلاح الطرقات 237 باب في القسام 239 باب في المحتسب 239 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 فصل فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحسبة 239 فصل فيمن ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر السوق 239 وكيف كان يضرب من يعمل بالرّبا في الأسواق على عهده صلى الله عليه وسلم 239 باب في المنادي وهو الذي يقال لصوته البريح 243 باب في صاحب العسس بالمدينة 244 ذكر من ولي ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم 244 باب في السجن للرجال 245 سجن النساء 249 هل كانوا يجرون على المساجين أرزاقا 249 باب في التأديب بالضرب 249 التأديب بالنفي 250 الأدب بالهجران 250 باب في معاملته صلى الله عليه وسلم للمستحق بالتعبيس ونحوه 253 باب في قتله عليه السلام بيده 255 باب في تعذيبه عليه السلام بالإحراق والهدم ومن بعثه لذلك 255 باب في معاملته عليه السلام المستحق بسمل الأعين والإلقاء في الحرة وقطع الأيدي والأرجل ونحو ذلك 256 باب في الرجل يجعل على الأساري 257 باب في المقيمين للحدود ومن كان يتولى ذلك (في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) 258 باب في الرجل يجعل لقطع الأشجار في الغزو 258 القسم الخامس في ذكر العمليات الحربية وما يتشعب عنها وما يتصل بها وفيها أبواب 259 العمليات الحربية 261 باب في الإمارة على الجهاد وفيه فصول 261 فصل في مخرج النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وكم غزوة غزاها 261 فصل في بعثه صلى الله عليه وسلم عليه وسلم الأمراء للغزو وفيه عدد بعوثه صلى الله عليه وسلم وسراياه 261 باب في الرجل يستخلفه الإمام على حضرته إذا خرج عنها للغزو أو غيره 261 باب في الرجل يستخلفه الإمام على أهله إذا سافر 262 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 باب في الرجل يستخلفه الإمام في طريق يظن أن العدو يستعمل له فيها مكيدة 263 باب في المستنفر 263 باب في صاحب اللواء وفيه فصول 263 فصل في ذكر أول لواء رفع بين يديه صلى الله عليه وسلم 263 فصل في ذكر من حمل رايته ولواءه صلى الله عليه وسلم بين يديه (ومن حملها ليقاتل بها) 264 فصل في جواز القبائل على راياتهم وانفراد كل قبيلة برايتها 264 فصل في جواز القبائل على راياتهم وانفراد كل قبيلة برايتها 264 فصل في عقده صلى الله عليه وسلم الرايات لأمراء البعوث والسرايا (وذكر أول راية عقدها صلى الله عليه وسلم في الإسلام ولمن عقدت) 264 (فصل في مقدار الراية) 265 فصل في رسم الهلال فيها 265 فصل في ألوان ألويته وراياته صلى الله عليه وسلم واسم رايته وما كتب على لوائه الأبيض 265 راية الصوف 266 الراية من النمرة 266 ما كان مكتوبا فيها 266 اسم رايته صلى الله عليه وسلم 266 باب في لون راية الأنصار 266 باب في تعميم الإمام للصبي 267 باب في انقسام الجيش إلى خمسة أقسام المقدمة والمجنبتين والقلب والساقة وكون الرئيس في القلب منها 268 باب في أمير الرماة 268 باب في الرجل يقيمه الإمام يوم لقاء العدو بمكانه من قلب الجيش 268 باب فيمن كان على مواقف الجيش ميمنة وميسرة وقلبا وفي المقدمة 269 باب في شعار المحاربين والعلامة التي يتعارفون بها في الحرب 269 باب في الوازع الذي يتقدم إلى الصف فيصلحه ويقدم ويؤخر 270 باب في اتخاذ الخيل 271 ذكر خيله صلى الله عليه وسلم 272 باب في المسرج 273 باب من أي شيء كان سرج رسول الله صلى الله عليه وسلم 273 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 باب في ذكر من أخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ركوبه 273 ما جاء في ضم ثياب الفارس في سره عند ركوبه 273 باب في الرجل يركب خيل الإمام يسابق عليه وفيه فصول فصل في أنه صلى الله عليه وسلم كان يسابق بين الخيل 274 فصل في ذكر مسابقة النبي صلى الله عليه وسلم بخليه وذكر من ركبها من الصحابة للمسابقة بها 274 باب في صاحب الراحلة الناقة 274 باب في صاحب البغلة 275 باب في القائد 275 باب فيمن كان يسوق به صلى الله عليه وسلم 276 باب في سائق بدن النبي صلى الله عليه وسلم 276 باب في صاحب بدن النبي صلى الله عليه وسلم 276 باب في راعي لقاح النبي صلى الله عليه وسلم 276 باب فيمن كان يقوم بلقاحه صلى الله عليه وسلم 276 باب فيمن كانت عنده خيل النبي صلى الله عليه وسلم 276 باب في جماله عليه السلام 277 باب فيمن كان يمسك دابة المصطفى في خيبر عن القتال 277 باب فيمن كان يأخذ بركابه عليه السلام وهو على الناقة 277 باب فيمن كان يأخذ بخطام ناقته عليه السلام 277 باب في الحادي 278 من كان على هديه عليه السلام في حجة الوداع 279 باب في صاحب السلاح وفيه ذكر سلاحه عليه السلام 279 أين كان عليه السلام يجعل السيف منه 279 باب في حامل الحربة بين يديه عليه السلام 280 باب في حامل السيف 280 باب فيمن كان يضرب الأعناق بين يديه صلى الله عليه وسلم 281 باب في الصيقل 281 باب في الدليل في الطريق دليله صلى الله عليه وسلم في الهجرة 282 باب في البناء في المفازات التي يسلكها الإمام إعلاما بوصول قدمه هناك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 (ويتخذ علما لبلوغ دعوته ثمة) 283 باب في مسهل الطريق 283 باب في ذكر من يطأطأ هامته للإمام ليركب 283 باب في صاحب المظلة 284 باب في ذكر صاحب الثقل متاع المسافر وحشمه 284 باب ذكر فسطاطه عليه السلام 284 باب فيمن كان يضرب قبته عليه السلام 286 باب فيمن يكتنف الإمام إذا أراد الدخول إلى الحضرة 286 باب في الأمين على الحرم في ذكر أمين رسول الله صلى الله عليه وسلم على حرمه 286 باب من كان يقود أو يسوق نساء المصطفى صلى الله عليه وسلم في حجه 287 باب في ارتياد الموضع لنزول الجيش وتخيره لهم من ماء وكلأ 287 باب في الحارس ذكر من حرسه صلى الله عليه وسلم بالمدينة 287 فصل في الإمام يخرج للغزو فيترك الحرس خلفه في عاصمته 288 حراس عسكره صلى الله عليه وسلم 288 الرجل يلازم المصطفى من خلفه 289 الرجل يتقدم أمام المصطفى صلى الله عليه وسلم ينشد شعرا 289 باب في طلائع الجيش 290 باب في المتجسس ذكر من بعثه صلى الله عليه وسلم متجسسا 290 باب في الرجل يتخذ في بلد العدو عينا يكتب بأخبارهم إلى الإمام 291 باب في جعل الإمام العين على الناس في بلده 291 باب في المخذل 293 باب في النمام 294 باب في استعمال السفن البحرية وفيه فصول ذكر من استعمل فيها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم 295 باب في صانع المنجنيق التي ترمى بها الحجارة معربة 298 باب في الدبابات 299 باب في القوم يحرقون الأشجار ويقطعونها 299 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 باب في حفر الخندق الحفير 299 باب في صاحب المغانم وفيه ذكر من ولي جمعها وحفظها حتى قسمت يوم بدر 302 باب في ذكر من كان يكتب غنائم المصطفى عليه السلام 302 ذكر من تولى بيع ما احتيج إلى بيعه من المغانم 302 باب في هبة الإمام جنس حيوان من غزاهم 303 باب في صاحب الخمس 303 باب في الرجل يبعثه الإمام مبشرا بالفتح وفيه تلقي القوم المبعوث إليهم بالبشارة للإمام في الطريق يهنئونه به 303 باب الطعام عند القدوم 303 باب في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع من سفره 304 باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم عند كل قرية أراد أن يدخلها 304 كيف كان حال كفار جزيرة العرب معه عليه السلام 304 كيفية معاملته صلى الله عليه وسلم مع كفار زمانه 306 القسم السادس في العمالات الجبائية ويشتمل على أبواب 309 العمالات الجبائية 311 باب في صاحب الجزية 311 كيفية أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الجزية وممن أخذها 311 باب في صاحب الأعشار ما جاء في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 311 باب في متولي خراج الأرضين 312 باب في العامل على الزكاة 314 باب في ذكر من كان يكتب الصدقات لرسول الله صلى الله عليه وسلم 315 باب في الخارص 316 باب في الوقف 317 باب في المستوفي (وهو الرجل يبعثه الإمام ليقبض المال من العمال ويتخلصه منهم) (ويقدم به عليه) 323 باب خروجه عليه السلام بنفسه إلى البادية في إبل الصدقة 324 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 باب ذكر من وكله عليه السلام لحفظ زكاة رمضان 324 باب ذكر من جعله عليه السلام على قبض مغانمه 324 باب من كان على خمسه عليه السلام 324 القسم السابع في العمالات الإختزانية وما أضيف إليها وفيه فصول 325 العمالات الاختزالية 327 خازن الطعام 327 الكيال 327 ذكر أسماء الأوزان والأكيال الشرعية المستعملة على عهده عليه السلام 328 ذكر الدرهم واستعماله 328 ذكر أسماء الأكيال المستعملة في عهده عليه السلام 337 باب في اتخاذ الإبل والغنم 339 ذكر الوسّام 339 في الحمى يحميه الإمام 340 القسم الثامن في سائر العمالات وفيه عشر أبواب 341 العمالات 343 باب في المنفق على رسول الله صلى الله عليه وسلم 343 باب في الوكيل يوكله الإمام في الأمور المالية 343 باب في أمر المصطفى الرجل أن يحبس السبايا والأموال في الغزو 344 باب في الرجل يبعثه الإمام بالمال لينفذه فيما يأمره به (من وجوه مصارفه في غير الحضرة) 344 باب في انزال الوفد وفيه فصول ولها مقدمة 344 فصل في اتخاذ الدار لنزول الوفد في زمانه عليه السلام 345 (وبنائه صلى الله عليه وسلم فيها بنفسه) 345 فصل في انزال الوفد في قبة ضربت لهم في زمانه عليه السلام 346 فصل في انزال الوفد عند بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 347 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 فصل في ذكر من ولي النظر في أمر الوفود في زمنه عليه السلام 348 أمره عليه السلام بالزاد للوفود 348 جوائزه عليه السلام للوفود 348 باب تجمله عليه السلام للوفود وأجازتهم 349 باب في الخانات (الفنادق) لنزول المسافرين 350 باب في المارستان (دار المرضى والمستشفى اليوم) وقيام النساء (الصحابيات به في زمنه عليه السلام) 350 باب في الطبيب 351 باب في قاطع العروق 357 باب في الكي 357 باب في أمر الرجل بذكر اسم الله على الجرح ثم التفل فيه 358 باب كون من لا يعرف بالطب لم يكن يباح له أن يعالج الناس 358 باب في أصل ما يعرف الآن في الإدارات الصحية بالكرنتينة [الحجر الصحي] 358 النسوة الممرضات (باب في الحكيم) 359 باب في المنجم 361 باب في القافي 362 باب في المكان يتخذ للفقراء الذين لا يأوون على أهل ولا مال ويتخرج منه الأصل لهذه الزوايا التي تتخذ للفقراء والمنقطعين 362 إختصاص أبي بكر برسول الله صلى الله عليه وسلم للمداولة في الأمر يعرض 367 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 [ نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية ] القسم التاسع في ذكر حرف وصناعات كانت في عهد رسول الله ص وذكر من عملها من الصحابة رضوان الله عليهم زيادة على ما تقدم وفيه عدة أبواب ومقدمات وهي ثمان في ست لم يأت عليها الإمام الخزاعي فاستدركتها عليه فأقول: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 المقدمات (المقدمة الأولى) قال الحافظ ابن القيم في الهدي النبوي إن النبي صلى الله عليه وسلم باع واشترى وشراؤه أكثر، وآجر واستأجر وإيجاره أكثر، وضارب وشارك ووكّل وتوكّل وتوكيله أكثر وأهدى وأهدي له ووهب واستوهب واستدان واستعار وضمن عاما وخاصا ووقف وشفع فقبل تارة وردّ أخرى فلم يغضب ولا عتب، وحلف واستحلف ومضى في يمينه عدة، وكفّر أخرى ومازح وورّى ولم يقل إلا حقا وهو صلى الله عليه وسلم القدوة والأسوة الخ. (المقدمة الثانية) قال المواق في سنن المهتدين: الذي يتبين من الفقه أن الصناعات والتجارات والاشتغال بالعلم الزائد على فرض العين وعلى الطب كل ذلك أسباب شرعية فعلى هذا؛ فمن اشتغل بشيء من ذلك بلا نية فهو ظالم لنفسه وإن كان لا درك عليه، لكن فاته الأجر وإن قصد بذلك فرض الكفاية فهو سابق بالخيرات، وإن قصد بذلك الاستعفاف عن المسألة كان بذلك مقتصدا، وقال في موضع آخر: الذي هو من المقتصدين هو من جعله أي العلم سببا للدنيا المحتاج إليها من وجه حلال فمن قائل يقول: هو من خير الأسباب ومن قائل: طلب الدنيا بالدف والمزمار أحب إليّ من طلبها بالعلم والدين اهـ بواسطة مختصر الرهوني لدى قول خليل في الاذان: وكره عليها. وفي عمدة الطالب: طلب التكسب واجب فريضة، كما أن طلب العلم فريضة، ثم التكسب أنواع: كسب مفروض وهو الكسب بقدر الكفاية لنفسه ولعياله وقضائه دينه. وكسب مستحب: وهو كسب الزيادة على أدنى الكفاية ليواسي به فقيرا أو يجازي به قريبا ثم قال: إنه أفضل حتى من التخلي لنفل العبادة، ثم قال: فافضل مكسوب التجارة، ثم الصناعة، ثم طلب العلم، ثم قال: فلو كان العلماء يتعلمون الحرف ما افتقروا حتى يطمعون في أموال الناس اهـ بواسطة هداية الضال المشتغل بالقيل والقال. وفي شرح الزرقاني على الموطأ على حديث: إن أحدا لن يموت حتى يستكمل رزقه فأجملوا في الطلب، فيه إن الطلب لا ينافي التوكل، وإن حديث الترمذي «1» والحاكم   (1) رواه في كتاب الزهد باب 33 ص 573/ 4 وأوله: لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير الخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 وصححاه عن عمر رفعه: لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما ترزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا. قال الإمام أحمد: فيه ما يدل على الطلب لا القعود. وعن أحمد أيضا في القائل: أجلس لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي: هذا رجل جهل العلم، أما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي «1» . وقوله: تغدو خماصا وتروح بطانا. وكان الصحابة يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم وبهم القدوة اهـ الخ انظر جامع ما جاء في القدر من كتاب الجامع. (المقدمة الثالثة) قال العضد في صدر المواقف: قال بعض أكابر الأمة وأخبار الأئمة في معنى الخبر المشهور: اختلاف أمتي رحمة. يعني: اختلاف همتهم في العلوم، فهمة واحد في الفقه، والآخر في الكلام، كما اختلفت همم أصحاب الحرف، ليقوم كل واحد بحرفة فيتم النظام اهـ زاد السيد في شرحها: وهذا الاختلاف أيضا رحمة كما لا يخفى، لكن ذكر هنا تبعا ونظيرا اهـ. (المقدمة الرابعة) وترجم البخاري في كتاب البيوع من صحيحه: باب ما ذكر في الأسواق «2» وفي فتح الباري أيضا قال ابن بطال: أراد بذكر الأسواق إباحة المتاجر ودخول الاشراف والفضلاء إلى الأسواق، وكأنه أشار إلى ما لم يثبت على شرطه، من أنها شر البقاع. وهو حديث أخرجه أحمد والبزار وصححه الحاكم من حديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أحب البقاع إلى الله المساجد، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق. وإسناده حسن. وأخرجه ابن حبان والحاكم أيضا من حديث ابن عمر قال ابن بطال: هذا خرج على الغالب، وإلّا فربّ سوق يذكر فيه اسم الله أكثر من كثير من المساجد اهـ. قلت: غفل سيدنا الحافظ رحمه الله عن كون الحديث في صحيح مسلم، عن أبي هريرة بلفظ أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها. وهو من أفراد مسلم عن البخاري فإنه لم يخرجه خلافا لمن زعمه. وأخرج البخاري في هذه الترجمة قول عبد الرحمن بن عوف لما قدم المدينة: هل من سوق فيه تجارة؟ فقيل: سوق قينقاع، وقال عمر: ألهاني الصفق بالأسواق. قال الحافظ الغرض منه ذكر السوق فقط، وكونه كان موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يتعاهده الفضلاء من الصحابة لتحصيل المعاش للكفاف   (1) رواه البخاري في كتاب الجهاد باب 88 ص 230/ 3. (2) إشارة إلى الحديث وفيه: وقال عبد الرحمن بن عوف لما قدمنا المدينة قلت: هل من سوق فيه تجارة. قال: سوق قينقاع وقال أنس: قال عبد الرحمن: دلوني على السوق. وقال عمر: ألهاني الصفق بالأسواق. ص 19 ج 3 من كتاب البيوع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 والتعفف على الناس، وقال تعالى: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: 20] اهـ. وترجم ابن رشد في جامع البيان والتحصيل، في جواز دخول أهل الفضل الأسواق ومقاربتهم في البيع والشراء، ثم ذكر عن مالك أنه سئل عن الرجل له فضل وصلاح يحضر السوق يشتري لنفسه فيقارب في ذلك لفضله ولحاله، قال: لا بأس بذلك وقد كان عمر بن الخطاب يدخل السوق، وسالم بن عبد الله إن كان ليقعد في سوق الليل، ويجلس معه رجال وإن الحرس ليمرون بجلسائه فيقولون: يا أبا عمر أمن جلسائك؟ فقيل له ما بال الحرس؟ قال: يطردون منه السفه والعبث. قال ابن رشد: وأما جواز دخول الأسواق والمشي فيها، فكفى في الحجية في ذلك قول الله عز وجل: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: 20] . ردا لقول المشركين: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: 7] . وقع في بعض الكتب: أمن جلسائك؟ والمعنى في ذلك إعلامهم إياه أنهم يحفظونهم بمجالستهم إياه فهم آمنون. والمعنى فيما داخل الكتاب الاستفهام في الرجل: هل هو من جلسائه؟ فيحفظونه من أهل السفه كما يحفظونه وجلساءه منه اهـ. ثم ترجم البخاري أيضا باب السخب في الأسواق، وهو الصياح. نقل الدماميني عليها عن ابن المنير ترجم كثيرا على إباحة السوق ثم ترجم هنا على السخب فيها قال: وكان البخاري صاحب تجارة وزرع. وقال: يروي أنه أعطي ببضاعة له خمسة آلاف فذكر في نفسه ولم يتلفظ، فأعطي فيها بعد ذلك أضعاف الأولى ألوفا مؤلفة قال: لا، قد كنت ركنت إلى الأولى، فحاسب نفسه على الهواجس التي لا تلزم اهـ. قلت: وبذلك وبغيره مما تقدم ويأتي تعلم ما في قول أبي علي اليوسي في قانونه: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ألوف من الصحابة ما كان يحسن الواحد منهم أن يشتري حاجة من السوق بقيراط، وهم فقهاء في دين الله اهـ فإن هذا الاطلاق بصيغة الشمول والاستغراق عجيب من مطلقه، وأغرب ما يذكر عن عالم مثله إلا أن يكون عنى أهل الصفة، الذين كانوا كما سبق انقطعوا للعبادة والتأله والتعلم، وهم لم يصلوا إلى الألوف، على أن اتقطاعهم لا عن جهل بالبيع والشراء، بل ايثارا لما يبقى على ما يفنى. وقد قال ابن الحاج في المدخل: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في الأسواق يتجرون وفي حوائطهم يعملون، وقد ترجم البخاري أيضا باب: كسب الرجل وعمله بيديه، فذكر فيه عن عائشة لما استخلف أبو بكر الصديق قال: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤونة أهلي، وشغلت بأمر المسلمين فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، وأحترف فيه للمسلمين، قال الحافظ: حديث أبي بكر هذا وإن كان ظاهره الوقف ولكنه بما اقتضاه من أنه قبل أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 يستخلف كان يحترف لتحصيل مؤونة أهله يصير مرفوعا، لأنه يصير كقول الصحابي: كنا نفعل كذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى ابن ماجه وغيره من حديث أم سلمة أن أبا بكر خرج تاجرا إلى بصرى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وتقدم في حديث أبي هريرة في أول البيوع: إن إخواني من المهاجرين، كان يشغلهم الصفق بالأسواق، ويأتي حديث عائشة أن الصحابة كانوا عمال أنفسهم اهـ. وترجم البخاري أيضا باب التجارة في البر وغيره، وساق قوله سبحانه: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النور: 37] ثم ذكر قول قتادة: كان القوم يتبايعون ويتجرون لكنهم إذا نابهم حق من حقوق الله لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله حتى يؤدوه إلى الله. قال العيني في العمدة: أراد بالقوم الصحابة، فإنهم في بيعهم وشرائهم إذا سمعوا إقامة الصلاة يتبادرون إليها، لإقامة حق. ويؤيد هذا ما أخرجه عبد الرزاق من كلام ابن عمر أنه كان في السوق، فأقيمت الصلاة فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد. قال ابن عمر: فيهم نزلت فذكر الآية. قال ابن بطال: ورأيت في تفسير الآية قال: كانوا حدادين وخرازين، فكان أحدهم إذا رفع المطرقة أو غرز الأشفى فسمع الأذان لم يخرج الأشفى من الغرزة، ولم يوقع المطرقة. ورمى بها وقام إلى الصلاة اهـ. وقال الحافظ على أثر كلام قتادة المذكور: لم أقف عليه موصولا عنه، وقد وقع لي موصولا من كلام ابن عمر أحرج عبد الرزاق عنه فساق ما سبق عن العيني. وقال القسطلاني في الارشاد: رواه ابن أبي حاتم وابن جرير فيما ذكر ابن كثير في تفسيره، ثم قال الحافظ: وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود نحوه. وفي الحلية عن سفيان الثوري: كانوا يتبايعون ولا يدعون الصلوات المكتوبات في الجماعة اهـ. وترجم البخاري أيضا باب الخروج في التجارة وقوله سبحانه: فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة: 11] فذكر فيها قول عمر: ألهاني الصفق بالأسواق، يعني بذلك الخروج إلى تجارة. قال القسطلاني: وكان احتياج عمر إلى السوق لأجل الكسب لعياله، والتعفف عن الناس. وفي ذلك رد على من يتنطع في التجارة فلا يحضر الأسواق، ويتحرج منها، لكن يحتمل أن يتحرج من يتحرج لغلبة المنكرات في الأسواق، في هذه الأزمنة بخلاف الصدر الأول اهـ. وترجم البخاري أيضا باب قول الله تعالى: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ [البقرة: 267] قال القسطلاني عن مجاهد: المراد به التجارة. وقد ترجم البخاري في كتاب البيوع أيضا باب ذكر الصوّاغ، وباب ذكر القين، وباب الخياط، وباب النساج، وباب النجار، وباب بيع السلاح في الفتنة وغيرها، وباب العطار، وبيع المسك، وباب ذكر الحجام، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 وباب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء، فقال ابن المنير وابن حجر والدماميني والعيني والقسطلاني وغيرهم: فائدة الترجمة على هذه الصنائع التنبيه على ما كان في زمنه عليه السلام، وأقره مع العلم به، فيكون كالنص على جواز هذه الأنواع، وما عداها إنما يؤخذ بالقياس اهـ انظر ص 267 من ج 4 من الفتح وص 441 من ج 5 من العيني وص 31 من ج 4 من القسطلاني. (المقدمة الخامسة) قد بوّب البخاري أيضا باب كسب الرجل وعمله بيده قال الحافظ: وقد اختلف العلماء في أفضل المكاسب قال الماوردي: أصول المكاسب الزراعة والتجارة والصنعة، والأشبه في مذهب الشافعي أن أطيبها التجارة، قال: والأرجح عندي أن أطيبها الزراعة، لأنها أقرب إلى التوكل، وتعقبه النووي بحديث المقدام وقد أدخله البخاري في الترجمة، وفيه: ما أكل أحد طعاما قط خيرا من إن يأكل من عمل يده، ثم خرج البخاري أيضا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن داود كان لا يأكل إلا من عمل يده، قال النووي: الصواب أن أطيب المكاسب ما كان بعمل اليد، ولما فيه من النفع العام للآدمي وللدواب، ولأنه لا بد فيه في العادة أن يأكل منه بغير عوض، ومن لم يعمل بيده فالزراعة في حقه أفضل، لما ذكرنا. قال الحافظ: والحق أن ذلك مختلف المراتب، وقد يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص اهـ. قال الحافظ: ومن فضل العمل باليد الشغل بالأمر المباح عن البطالة واللهو، وكسر النفس بذلك والتعفف عن ذلة السؤال، والحاجة إلى الغير، وفي الشرح الجلي قيل: التجارة أفضل لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم اتجر ولم يزرع اهـ وفيه نظر، يعلم مما يأتي وعن رافع بن خديج قال: قيل يا رسول الله أي الكسب أفضل؟ قال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور. وأورده التبريزي في المشكاة وعزاه لأحمد، وعزاه القاري للبزار أيضا، وقال على قوله: بيده أي من زراعة أو تجارة أو كتابة أو صناعة اهـ وقال في محل آخر: أفضل أنواع التجارة البز، ثم العطر اهـ. وقد ورد في التجارة والتجار عدة أحاديث، أخرج ابن ماجه والحاكم عن ابن عمر قال الحاكم صحيح واعترض: التاجر الأمين الصدوق المسلم مع الشهداء يوم القيامة «1» ، وأخرج الترمذي «2» والحاكم عن أبي سعيد قال الترمذي: حسن غريب. وقال الحاكم من مراسيل الحسن: التاجر الصدوق الأمين مع النبيئين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا. وأخرج الأصبهاني في ترغيبه، والديلمي في الفردوس، عن أنس رفعه: التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة، وأخرج ابن النجار عن ابن عباس رفعه: التاجر الصدوق لا يحجب من أبواب الجنة. قال المناوي في التيسير: بل يدخل من أيها شاء لنفعه   (1) رواه في كتاب التجارات ص 724/ 2. (2) رواه في كتاب البيوع باب 4 ج 3/ 515. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 لنفسه ولصاحبه، وسراية نفعه إلى عموم الخلق. وأخرج القضاعي عن أنس قال المناوي بإسناد حسن رفعه: التاجر الجبان محروم، والتاجر الجسور مرزوق، وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن نعيم بن عبد الرحمن الأزدي ويحيى بن جابر الطائي مرسلا قال المناوي: ورجاله ثقات: تسعة أعشار الرزق في التجارة، والعشر في المواشي. يعني النتاج. وقال الإمام أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في رسالته في مدح التجار وذم عمل السلطان: وقد علم المسلمون أن خيرة الله من خلقه، وصفوته من عباده، والمؤتمن على وحيه من أهل بيت التجارة، وهي معوّلهم وعليها معتمدهم، وهي صناعة سلفهم وسيرة خلفهم. وبالتجارة كانوا يعرفون. ولذلك قالت كاهنة اليمن: لله الديار ولقريش التجار، اسم اشتق لهم من التجارة. والتقريش، فهو أفخم أسمائهم وأشرف أنسابهم، وهو الاسم الذي نوّه الله به في كتابه، وخصهم به في محكم وحيه وتنزيله، ولهم سوق عكاظ وفيهم يقول أبو ذؤيب: إذا ضربوا القباب على عكاظ ... وقام البيع واجتمع الألوف وقد بقي النبي صلى الله عليه وسلم برهة من دهره تاجرا، وباع واشترى حاضرا اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الأنعام: 124] ولم يقسم الله مذهبا رضيا ولا خلقا زكيا، ولا عملا مرضيا إلا وخصه منه أوفر الحظوظ، وأقسمه فيه أجزل الأقسام، ولشهرة أمره في البيع والشراء قال المشركون: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: 7] فأوحى الله إليه: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: 20] فأخبر أن الأنبياء قبله كانت لهم صناعات وتجارات اهـ كلامه انظر بقيته فيه ضمن مجموعة من رسائل الجاحظ طبعت بمصر سنة 1324. وأخرج الديلمي عن ابن عباس: أوصيكم بالتجار خيرا فإنهم برد الآفاق، وأمناء الله في الأرض. وهذا كالصريح في تفضيل التجارة على غيرها من المكاسب، وللإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن محمد الخلال، كتاب في الحثّ على التجارة، ذكره له ابن سليمان الرداني في صلته، في حرف الجيم، وذكر إسناده له، وقد استدل كثيرون بحديث الصحيح: (ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة) «1» ، على أن الزراعة أفضل المكاسب؛ لما فيها من النفع المتعدي. والنفع المتعدي أفضل من القاصر، وقال الحافظ ابن حجر: الصواب أن ذلك يختلف باختلاف الأوقات والأشخاص اهـ. وقال بعض الأعلام: وينبغي أن يختلف التفاضل بين الثلاثة باختلاف الحال؛ فإن   (1) رواه البخاري في كتاب الحرث والمزارعة ص 66 ج 3 من حديث أنس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 احتيج إلى الأقوات أكثر تكون الزراعة أفضل، وإن احتيج إلى المتجر لانقطاع الطرق تكون التجارة أفضل، وإن احتيج إلى الصنعة تكون أفضل، وهذا الخلاف في الأفضلية وإلّا فكلها فروض كفاية؛ كما في الاحياء، وجمع الجوامع، وغيرهما. وعبارة الغزالي: أما فرض الكفاية فكل علم لا يستغني عنه في قوام أمور الدنيا كالطب والحساب وأصول الصناعات والسياسة. (المقدمة السادسة) قال أبو عمر بن عبد البر في الكافي: من المكاسب المجمع على تحريمها؛ الربا ومهور البغايا والسحت والرشى وأخذ الأجرة على النياحة، وعلى الكهانة وادعاء الغيب، وأخبار السماء وعلى الزمر واللعب والباطل كله اهـ نقله القرطبي في التفسير. (المقدمة السابعة) إلى ما غلب في تجارة الناس اليوم أشار الشهاب البربير كما في الشرح الجلي له: أرى التجار سكارى ... من سكرهم ما أفاقوا وليلنا اسودّ منهم ... واحمرت الآفاق فالخسر عدوه ربحا ... غدا إليه يساقوا للصدق فيه كساد ... وللنفاق نفاق وقال أيضا: أبناء دهري طلقوا الأخ ... رى وما ندموا عليها إذا رأوا تجارة أو ... لهوا انفضوا إليها وقال أيضا: باتاجرا لازال يرجو ... ربحا ويخسر الخسارة عبادة الله كل حين ... خير من اللهو والتجارة فاعبده ما دمت واخش نارا ... وقودها الناس والحجارة قال الشهاب البربير: ما أشعرت به آية وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها. من ذمّ التجارة محمول على تجارة تشغل عن أمور الدين، وتصرفه عن أمور الآخرة، وتحمله على الاقبال والانهماك على الدنيا، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً [الجمعة: 11] وأما إذا خلت عن ذلك فهي ممدوحة وذمها عارض، وعلى ما ذكرنا يحمل حديث البخاري: «هم الفجار» كما حمل حديث: «إذا زرعت هذه الأمة نزع منها النصر» وحديث: «الذل في اذناب البقر» المشعرين بذم الزراعة، على زراعة تحمل الناس بالاشتغال بها على ترك الغزو بالكلية، لأنها إذا فعلت ذلك هجم العدو عليها في أوطانها، وهي على غير أهبة فينالها بذلك الذل، وتحرم النصر على العدو. وأما إذا جمعت بين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 الزراعة والقدرة على دفع العدو فبالسنة أخذت، لأن خير المؤمنين من لا يترك الدنيا للآخرة، ولا الآخرى للدنيا. بل يأخذ منهما كما قال تعالى: وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا [القصص: 77] اهـ وقد أنشد الشيخ رفاعة الطهطاوي في كتابه مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية ص 51. إن حزت علا فاتخذ حرفة ... تصون ماء الوجه لا يبذل ولا تهنه أن ترى سائلا ... فشأن أهل العلم أن يسألوا ودليله قول الأحنف بن قيس كما لابن الهندي في كتاب الرحمة في الطب والحكمة: لا ينبغي للعاقل أن يترك من علم يتزوده لمعاده، وصنعة يستعين بها على أمر دينه ودنياه، وعلم طب يذهب به الداء والعلة عن نفسه وعن جسده، وانظر رسالة كشف الزور والبهتان من صناعة بني ساسان على مبالغات فيها. (المقدمة الثامنة) وربما تعلل بعض جهال المتعبدين في ترك التكسب بغلبة الحرام، قال القاري في المرقاة: واعلم أن هذا الزمان لا يوجد الحلال في كثير من الأحوال، فليكتسب السالك من غيره بما يحفظ حياته لئلا يموت جوعا، قال بعض الظرفاء: يقول لي الجهول بغير علم ... دع المال الحرام وكن قنوعا فلما لم أجد مالا حلالا ... ولم آكل حراما مت جوعا لكن يجب أن يراعي درجات الحرام والشبهة، فمهما وجد ما يكون اقرب إلى الحلال لا يتناول مما يكون بعيدا عنه، حتى قال بعض المشايخ: المضطر إذا وجد غنما ميتا فلا يأكل من الحمار الميت، وإذا وجد الحمار فلا يأكل من الكلب، وإذا وجد الكلب لا يقرب من الخنزير، ولا ينبغي أن يساوي بين الأشياء كسفهاء الفقهاء حيث يقولون: الحلال ما حل بنا والحرام ما حرّم منا اهـ. وإن أردت بسط الكلام على أنواع المكاسب فقف على كتاب البركة في فضل السعي والحركة «1» وهو في مجلد اشتمل على سبعة أبواب: الباب الأول: في فضل الحرث والزرع والثمار وغرس الأشجار وحفر الأنهار وفيه عدة فصول. الباب الثاني: في فضل الغزل وفيه فصول. الباب الرابع: فيما ورد من الآثار في الطب والمنافع. الباب الخامس: في أربعين حديثا، كل حديث متضمن لفظ البركة وفيه فصول. الباب السادس: في اذكار وأدعية.   (1) طبع الكتاب في بيروت 1398- 1978 بدار المعرفة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 الباب السابع: في الأدعية والاذكار المتكررة في الأحوال والأعصار، وفيه أيضا عدة فصول، وهو كتاب جيد، كنت شديد البحث عن ترجمة مؤلفه حتى أفادنيها بمكة زينتها ومحدثها ومسندها وبركتها، شيخنا أبو علي حسين بن محمد بن حسين الحبشي الباعلوي، وأن اسمه محمد بن عبد الرحمن بن عمر الأصابي الحبشي اليمني، المولود سنة 712 هـ المتوفي سنة 782 هـ وعدّد لنا كثيرا من مؤلفاته. انظرها في رحلتنا الحجازية. وكما أسهب الشهاب البربير في كتابه: الشرح الجلي على أنواع المتاجر والحرف والصنائع في موضعين، فتكلم على الزراعة والتجارة والخياطة والحياكة والقصارة والجزارة والطباخة والصباغة وغيرها، فقف عليه فإنه مفيد، وبسط القول فيها أيضا الشيخ رفاعة الطهطاوي في كتابه: مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية، وهو من أحسن ما كتب في هذا الباب وأفيد لأهل هذا الزمان، وكذا قف على شرح ابن عمنا العالم المؤرخ أبي محمد المأمون بن عمر الكتاني علي بيتي ابن فارس اللغوي: إذا كنت في حاجة مرسلا ... رسولا وأنت بها مغرم فدع عنك كل رسول سوى ... رسول يقال له الدرهم المسمى هداية الضال فإنه مفيد جدا. (المقدمة التاسعة) الحرف والصناعات التي عرفها أهل الإسلام، واستعملوها ألف فيها جماعة، ففي أواخر عصر الصحابة ترجم بعض الكتب المصنفة فيها باللسان القديم خالد بن يزيد بن معاوية الأموي، كما سيأتي عن ابن أبي الحديد. ومن أقدم من صنف فيها الإمام أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفي سنة 255، له كتاب: الأخطار والمراتب والصناعات، وله أيضا كتاب غش الصناعات قال عنه بعض أعدائه ما هو منقول في روضة الأعلام أفسد به على الناس أموالهم، وحثهم به على الغش والخيانة، وله أيضا رسالة في مدح التجار وذم عمل السلطان، طبعت بمصر ضمن مجموعة له. ومنهم الشيخ أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي له الاشارة إلى محاسن التجارة ومعرفة جيد الأعراض ورديئها وغش المدلسين فيها، وهو مطبوع في ص 27 بمصر. ومنهم الشيخ شهاب الدين محمد بن حسن بن الصائغ الدمشقي المتوفي سنة 720 له قصيدة ميمية في ألف بيت في الصنائع والفنون. ومنهم الشيخ أبو عبد الله محمد بن أبي الخير الأرميوني الحسني المالكي له كتاب: النجوم الشارقات في بعض الصنائع المحتاج إليها في بعض الأوقات اشتمل على خمسة وعشرين بابا في نحو خمس كراريس، وقفت عليه في زاوية الهامل ببو سعادة بصحراء الجزائر، ومنهم أبو عبد الله محمد بن إسحاق ابن سعيد بن إسماعيل السعدي الهروي، له كتاب: الصناع من الفقهاء والمحدثين. ذكره الإمام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 الحافظ أبو سعيد عبد الكريم السمعاني المروزي في حرف السين من كتابه في الأنساب وقال رأيت من تصنيفه كتابا حسنا أظنه لم يسبق إليه سماه كتاب الصناع من الفقهاء والمحدثين اهـ من كتاب الأنساب له انظر ورقة 298 من النسخة المأخوذة بالفتوغراف وتعرض لكثير من الحرف الإمام ابن الحاج في المدخل، واختصر كلامه فيها وزاد وبسط ما على المسلم في استعمالها من النيات الفقيه الصوفي أبو العباس أحمد بن عجيبة التطواني في تأليف مخصوص. باب كون الناس كانوا أول الإسلام لا يتعاطون البيع والشراء حتى يتعلموا أحكامه وآدابه وما ينجي من الربا حكى الإمام الشافعي في الرسالة، والغزالي في الأحياء الاجماع على أن المكلف لا يجوز له أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه، قال القرافي في الفروق: فمن باع وجب عليه أن يتعلم ما عينه الله وشرعه في البيع، ومن آجر وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله في الاجارة، ومن قارض وجب عليه أن يتعلم حكم الله في القراض، ومن صلى وجب عليه أن يتعلم حكم الله في تلك الصلاة، ويدل على هذه القاعدة من جهة القرآن قوله تعالى حكاية عن نوح: إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ [هود: 47] ومعناه ما ليس لي بجواز سؤاله علم، وذلك لكونه عليه السلام عوتب على سؤال الله عز وجل لابنه أن يكون معه في السفينة، لكونه سأل قبل العلم بحال الولد، وأنه مما ينبغي طلبه أم لا. فالعتب والجواب كلاهما يدل على أنه لا بد من تقديم العلم، مما يريد الإنسان أن يشرع فيه. إذا تقرر هذا فمثله قوله تعالى: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الاسراء: 36] نهى الله نبيه عن اتباع غير المعلوم، فلا يجوز الشروع في شيء حتى يعلم فيكون طلب العلم واجبا، على كل حالة ومنه قوله عليه السلام: طلب العلم فريضة على كل مسلم «1» قال الشافعي: طلب العلم قسمان؛ فرض عين، وفرض كفاية. ففرض العين علمك بحالتك التي أنت فيها، وفرض الكفاية ما عدا ذلك اهـ. وفي الدوحة المشتبكة في ضوابط دار السكة لأبي الحسن علي بن يوسف الحكيم الفاسي قال عمر: لا يدخل الأعاجم سوقنا حتى يتفقهوا في الدين. يريد والله أعلم فقه ما يلزمه في خاصة نفسه. قلت: أي من أحكام البيوع وأصل ذلك من فعله عليه السلام، فإنه كان يعلم كل من يتعاطى عملا أحكامه وتكاليفه اهـ. وقال المجاجي في شرح مختصر ابن أبي جمرة قال علماؤنا: لا يجوز أن يتولى البيع والشراء ويجلس في السوق لذلك إلا هو عالم بأحكام البيوع والشراء، وأن تعلم ذلك لمن   (1) هذا الحديث ضعيف الإسناد وهو مشهور جدا على الألسنة انظر مقالة صاحب كشف الخفاء. وهو صحيح المعنى والله أعلم وقد رواه ابن ماجه في مقدمة كتابه ص 81 عن أنس بن مالك فانظره هناك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 أراده فرض واجب متعين عليه، وحكى على هذا الاجماع. وبهذا قال مالك في كتاب القراض. وفي المدونة: ولا أحب مقارضة من يستحل الحرام، أو من لا يعرف الحلال من الحرام وإن كان مسلما. وقد روي أن عمر بعث من يقيم من الأسواق من ليس بفقيه اهـ ونحوه لابن رشد في المقدمات وفي الشبراخيتي على المختصر قال القبّاب: لا يجوز للإنسان أن يجلس في السوق حتى يعلم أحكام البيع والشراء. وبعث عمر من يقيم من الأسواق من ليس بفقيه اهـ. وفي المدخل لأبي عبد الله ابن الحاج: قد كان عمر بن الخطاب يضرب بالدرة من يقعد في السوق وهو لا يعرف الأحكام. ويقول: لا يقعد في سوقنا من لا يعرف الربا أو كما يقول. وقد أمر مالك بقيام من لا يعرف الأحكام من السوق لئلا يطعم الناس الربا. سمعت سيدي أبا محمد يذكر أنه أدرك المحتسب يمشي في الأسواق، ويقف على الدكان ويسأل صاحبه على الأحكام التي تلزمه في سلعته، من أين يدخل عليه الربا فيها؟ وكيف يحترز منها؟ فإن أجابه أبقاه في الدكان، وإن جهل شيئا من ذلك أقامه من الدكان ويقول: لا يمكنك أن تقعد في سوق المسلمين تطعم الناس الربا وما لا يجوز اهـ. وفي نهج البلاغة أن عليا عليه السلام قال: من اتجر بغير فقه فقد ارتطح (ارتبك) في الربا. قال ابن أبي الحديد في شرحه لأن مسائل الدين مشتبهة بمسائل البيع ولا يفرق بينهما إلا الفقيه اهـ منه ص 479 من المجلد الرابع. وفي قوت القلوب لأبي طالب مكي: كان عمر رضي الله عنه يطوف بالأسواق، ويضرب بعض التجار بالدرة ويقول: لا يبيع في سوقنا إلا من تفقه، وإلا أكل الربا شاء أو أبى اهـ. وعزا بعض المتأخرين إلى الترمذي مرفوعا: لا يبيع في سوقنا إلا من تفقه في الدين، ولم أجده في كتاب البيوع من الجامع، ولا في الجامعين للسيوطي، ثم وجدته في كنز العمال، معزوا له انظر ص 218 من ج 1. وفي تنبيه المغترين: كان مالك يأمر الأمراء فيجمعون التجار والسوقة ويعرضونهم عليه، فإذا وجد أحدا منهم لا يفقه أحكام المعاملات، ولا يعرف الحلال من الحرام، أقامه من السوق وقال له: تعلم أحكام البيع والشراء، ثم اجلس في السوق، فإن لم يكن فقهيا أكل الربا. وقال الزرقاني في شرح المختصر عند قوله: وتجارة لأرض حرب عن مالك أنه: لا يجوز شهادة التجار في شيء من الأشياء، إلا أن يتعلموا أحكام البيع والشراء اهـ. وفي البريقة المحمودية في شرح الطريقة المحمدية للشيخ أبي سعيد الخادمي الحنفي: على التاجر أن يتعلم أحكام البيوع صحة وفسادا وبطلانا حلا وحرمة وربا وغيرها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 قال في التتارخانية عن السراجية: لا ينبغي للرجل أن يشتغل بالتجارة ما لم يعلم أحكام البيع والشراء؛ ما يجوز وما لا يجوز. وعن البزازية: لا يحل لأحد أن يشتغل بالتجارة ما لم يحفظ كتاب البيوع، وكان التجار في القديم إذا سافروا استصحبوا معهم فقيها يرجعون إليه في أمورهم، وعن أئمة خوارزم أنه: لا بد للتاجر من فقيه صديق اهـ وانظر شرح الشيخ أبي سالم العياشي على نظمه في البيوع لدى قوله فيه: لا تجلسن في السوق حتى تعلما ... ما حلّ من بيع وما قد حرما وفي الشرا أيضا وذاك واجب ... أيضا على جميع من يسبب لنفسه أو غيره ما يعرف ... حكم الذي في فعله تصرف ودفعك المال لمن لا يعلم ... حكم البياعات قراضا يحرم وانظر أيضا قول أبي زيد التلمساني في نظمه لبيوع ابن جماعة التونسي: ولم يحل جلوسه في الشرع ... حتى يكون عارفا بالبيع أعني به في سائر الأسواق ... وذاك معلوم بالاتفاق وهكذا في كل علم يجهله ... في نفسه في كل شيء يفعله لا سيما القاضي مع الشهود ... وعممن واحذر من الوعيد ولم يجز أن تدفع الأموالا ... لرجل لا يعرف الحلالا وذاك في القراض والبيوع ... وجملة الأحكام في المشروع قلت: وهذا هو الأصل في المدنية العصرية لعلم امساك الدفاتر والتخريج في المدارس التجارية والتحصيل على اجازاتها بعد المباراة في التحصيل على درجاتها. باب تشديد عمر على الصحابة في تركهم الاتجار لغيرهم من العامة والاخلاط في العتبية قال مالك: قال عمر بن الخطاب: عليكم بالتجارة لا تفتنكم هذه الحمراء على دنياكم. قال أشهب: كانت قريش تتجر وكانت العرب تحقر التجارة، والحمراء يعني الموالي اهـ من البيان والتحصيل وفي المدخل لابن الحاج ورد أن عمر بن الخطاب دخل السوق في خلافته فلم ير فيه في الغالب إلا النبط، فاغتم لذلك فلما أن اجتمع الناس أخبرهم بذلك وعذلهم في ترك السوق فقالوا: إن الله أغنانا عن السوق بما فتح به علينا. فقال رضي الله عنه: والله لئن فعلتم ليحتاج رجالكم إلى رجالهم ونساؤكم إلى نسائهم، وقد كان بعض السلف إذا رأى بعض النبط يقرأون العلم يبكي إذ ذاك وما ذاك إلا أن العلم إذا وقع لغير أهله يدخله من المفاسد ما أنت تراه. والنبط، قال في المصباح: جيل من الناس كانوا ينزلون سواد العراق، ثم استعمل في اخلاط الناس وعوامهم اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 قلت: صدقت فراسة عمر في هذه الأمة، فإنها لما تركت التجارة بطرقها المشروعه المرغوبة، وأساليبها الناجحة تلقفها الغير فأصبحت الأمة عالة على غيرها، رجالنا على رجالهم، ونساؤنا على نسائهم في كل شيء. من الإبرة والخيط إلى أرفع شيء وأثمنه. وما ذكره ابن الحاج عن بعض السلف ولم يسمه هو سفيان. فقد أخرج الخطيب عن محمد بن عبد الوهاب البسكري قال: كان سفيان إذا رأى هؤلاء النبط يكتبون الحديث بغير وجهه يشتد عليه، فقلت له: يا أبا عبد الله نراك إذا رأيت هؤلاء يكتبون العلم يشتد عليك. قال: كان العلم في العرب وسادة الناس، فإذا خرج من هؤلاء وصار في هؤلاء يعني النبط والسفل غيّروا الدين. وأخرج أيضا عن سفيان بن حسين قال: قدم على الأعمش بعض السواد فاجتمعوا إليه فأبى أن يحدثهم، فقيل له: يا أبا محمد لو حدثتهم؟ فقال: من يعلق الدرر على الخنازير. قال السيد السمهودي في جواهر العقدين: فيه الإشارة إلى أن الحكمة لا توضع في غير أهلها. باب ايثار الصحابة التكبير في الخروج للتجارة بوّب الترمذي «1» في جامعة باب: ما جاء في التبكير بالتجارة. حدثنا يعقوب ابن إبراهيم الدورقي، حدثنا هشيم حدثنا يعلى بن عطاء عن عمارة بن حديد عن صخر الغامدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك لأمتي في بكورها، قال: وكان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم أول النهار. وكان صخر رجلا تاجرا، وكان إذا بعث تجاره بعثهم أول النهار، فأثرى وكثر ماله. وفي الباب عن علي وبريدة وابن مسعود وأنس وابن عمر وابن عباس وجابر. وحديث صخر الغامدي حديث حسن ولا نعرف لصخر الغامدي غير هذا الحديث اهـ. قلت: «حديث الّلهم بارك لأمتي في بكورها» «2» خرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان من حديث صخر وقد اعتنى الحافظ المنذري بجمع طرقه فبلغ عدد من جاء عنه من الصحابة نحو العشرين نفسا. وانظر باب الخروج بعد الظهر من فتح الباري في كتاب الجهاد. باب أمر عمر بالسعي وحضه الناس على التكسب سياتي قوله لاهل اليمن: إنما التوكل رجل ألقى حبه في الأرض وتوكل على الله، وفي كتاب مناقب عمر لابن الجوزي؛ عن محمد بن سيرين عن ابيه قال: شهدت مع عمر بن الخطاب المغرب فأتى علي ومعه رزيمة (تصغير رزمة وهي الكارة من الثياب) فقال ما هذا معك فقلت رزيمة أقوم في هذا السوق، فاشترى وأبيع فقال: يا معشر قريش لا   (1) انظر كتاب البيوع باب 6 ج 3 ص 517 من سنن الترمذي. (2) رواه أبو داود في كتاب الجهاد 3/ 80 ورقمه 2606. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 يغلبنكم هذا واشباهه على التجارة، فإنها ثلث الإمارة، وفيه أيضا عن الحسن قال: قال عمر: من اتجر في شيء ثلاث مرات فلم يصب فيه شيئا، فليتحول إلى غيره. وفيه عن الاكيدر العارضي قال: قال عمر: تعلموا المهنة فإنه يوشك أن يحتاج أحدكم إلى مهنة. وفي كنز العمّال معزوا إلى عمر: لولا هذه البيوع صرتم عالة على الناس. وفي المناقب عن بكر بن عبد الله قال: قال عمر: مكسبة فيها بعض دناءة خير من مسألة الناس. وفيه عن ذكوان قال: قال عمر: إذا اشترى أحدكم جملا فليشتره عظيما سمينا، فإن أخطأه خيره لم يخطئه سوقه. وخرج ابن الجوزي في تلبيس إبليس، ومناقب عمر عن خوّات التميمي قال: قال عمر: يا معشر الفقراء إرفعوا رؤوسكم، فقد وضح الطريق، فاستبقوا الخيرات ولا تكونوا عالة على المسلمين. وفي العقد الفريد قال عمر بن الخطاب: لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم أرزقني. وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وأن الله إنما يرزق الناس بعضهم من بعض، وتلا قوله تعالى: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة: 10] وفيه قال عمر: حسب الرجل ماله، وكرمه دينه، ومروءته خلقه. وأخرج ابن ماجه، من طريق عبد الملك بن عمير عن عمرو بن حريث، عن أخيه سعد بن حريث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من باع دارا ولم يجعل ثمنها في مثلها لم يبارك له فيها «1» . باب قول عمر إذا رأى غلاما فأعجبه أخرج ابن الجوزي في تلبيس إبليس، ومناقب عمر أيضا عن محمد بن عاصم قال: بلغني أن عمر بن الخطاب كان إذا رأى غلاما فأعجبه سأل: هل له حرفة؟ فإن قيل: لا. قال: سقط من عيني. باب قول عمر في التكسب والغزو ورأيه في التفاضل بينهما بالنسبة إلى نفسه ذكر ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس، عن عمر أنه قال: لأن أموت من سعيي على رجلي اطلب كفاف وجهي أحبّ إلي من أن أموت غازيا في سبيل الله. وهنا انتهت الأبواب والمقدمات المستدرك كلها على الخزاعي. فلنرجع إلي سياق ما في الجزء التاسع عند الخزاعي من الأبواب.   (1) رواه ابن ماجه في كتاب الرهن ص 832/ 2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 الباب الأول في ذكر من كان يتجر في زمن رسول الله ص ثم من اتجر من كبار الصحابة بعده «منهم خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ذكر ابن عبد البر في الإستيعاب، وابن قتيبة في المعارف من طريق الزهري قال: خرج أبو بكر في تجارة إلى بصرى قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بعام، ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة وكان قد شهد بدرا وكان نعيمان على الزاد الخ القصة» . وفي ترجمته من الإصابة: كان أبو بكر معروفا بالتجارة، ولقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده أربعون ألفا وكان يعتق منها ويعول المسلمين حتى قدم المدينة بخمسة آلاف، وما مات حتى ما ترك دينارا ولا درهما. أخرج ابن عساكر من أم سلمة قالت: لقد خرج أبو بكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تاجرا إلى بصرى، ولم يمنع أبا بكر الضن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وشحه على نصيبه منه من الشخوص إلى التجارة، وذلك لاعجابهم بكسب التجارة وحبهم التجارة. ولم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر من الشخوص في تجارته ومحبته وضنته بأبي بكر، وقد كان بصحابته معجبا لاستحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم التجارة وأعجابه بها. وقال ابن سعد: لما استخلف أبو بكر: أصبح غاديا إلى السوق على رأسه أثواب يتجر بها. فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فقالا: كيف تصنع هذا؟ وقد وليت أمر المسلمين. قال: فمن أين أطعم عيالي قال: نفرض لك. ففرضوا له كل يوم شطر شاه، قال ابن زكري على البخاري: وكل من شغلته مصالح المسلمين من قاض ومفت ومدرس كذلك اهـ. «ومنهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في الصحيح في قضية استئذان أبي موسى الأشعري على عمر ورجوعه، واستدلاله لرجوعه بما خفي على عمر من الأثر فقال عمر: أخفى علي هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألهانى الصفق في الأسواق يعني الخروج إلى التجارة» . وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن عمر رضي الله عنه قال: ما جاءني أجلي في مكان ما عدا الجهاد في سبيل الله أحب إلي من أن يأتيني وأنا بين شعبتي رحلي، أطلب من فضل الله وتلا: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [المزمل: 20] . ومنهم عثمان بن عفان تعاطيه للتجارة معروف في دواوين السلف، وأخرج ابن سعد في الطبقات عن عبد الله قال: كان عثمان رجلا تاجرا في الجاهلية والإسلام، وكان يدفع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 ماله قراضا. وأخرج أيضا عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه أن عثمان دفع إليه مالا مضاربة على النصف. وفي مقدمات ابن رشد: أول قراض كان في الإسلام قراض يعقوب مولى الحرقة مع عثمان بن عفان، وذلك أن عمر بن الخطاب بعث من يقيم من السوق من ليس بفقيه. فأقيم يعقوب فيمن أقيم. فجاء إلى عثمان فأخبره فأعطاه مزود تبر قراضا على النصف، وقال له: إن جاءك من يعترضك فقل: المال لعثمان فقال ذلك. فلم يقم. فجاء بمزودين؛ مزود رأس المال ومزود ربح اهـ. قلت: ومنهم خديجة بنت خويلد أم المؤمنين، فقد علم أنه كان لها مال كبير وتجارة تبعث إلى الشام، فيكون عيرها كعامة عير قريش، وكانت تستأجر الرجال وتدفع المال مضاربة. ولما خرج عليه السلام في تجارتها مع غلامها ميسرة قالت: أنا أعطيك ضعف ما أعطي قومك، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج إلى سوق بصرى، وباع سلعته التي أخرج، واشترى غيرها، وقدم بها فربحت ضعف ما كانت تربح، فأربحت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعف ما سمت له أنظر ترجمة خديجة من طبقات ابن سعد. «ومنهم الزبير بن العوام قال ابن عبد البر: كان الزبير تاجرا مجدودا «1» في التجارة. وقيل له يوما: أدركت في التجارة ما أدركت؟ فقال: لم أشتر عيبا ولم أرد ربحا والله يبارك لمن يشاء وذكر ابن عبد البر أيضا؛ كان للزبير ألف مملوك يؤدون إليه الخراج» . «ومنهم عبد الرحمن بن عوف في الصحيح: قال: لما قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع، فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالا فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها، فإذا حلّت تزوجتها. فقال له عبد الرحمن بن عوف: لا حاجة لي في ذلك. هل من سوق فيه من تجارة؟ فدله عليه قال فغدا إليه عبد الرحمن، فأتى بشيء باعه الغد واستفضل، ثم تابع الغد فما لبث أن جاء وعليه صفرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تزوجت؟ قال: نعم قال ابن عبد البركان عبد الرحمن بن عوف تاجرا مجدودا في التجارة، واكتسب مالا كثيرا فصولحت امرأته التي طلقها في مرضه، من ثلث الثمن بثلاثة وثمانين ألفا. وروى ابن عيينة أنها صولحت عن ربع الثمن من ميراثه» . ومنهم سعد بن عائذ المؤذن مولى عمار بن ياسر. ترجمه في الاصابة فقال: كان يتجر في القرظ، وهو ورق يدبغ به كقشر البلوط فقيل له سعد القرظ. وروى البغوي أنه اشتكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قلة ذات يده، فأمره بالتجارة فخرج إلى السوق، فاشترى شيئا من قرظ فباعه فربح فيه. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأمره بلزوم ذلك. ومنهم منقذ بن عمرو الأنصاري الصحابي المدني، روى ابن إسحاق عن محمد بن   (1) مجدودا أي ذا جّد، وهو الحظ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 يحيى بن حبان قال: كان جدي منقذ بن عمرو أصابته آفة في رأسه، فكسرت لسانه ونازعته عقله، وكان لا يدع التجارة ولا يزال يغبن، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إذا بعث فقل: لاخلابة وأنت في كل سلعة بعتها بالخيار ثلاث ليال، وكان في زمن عثمان حين كثر الناس يبتاع في السوق فيصير إلى أهله فيلومونه، فيرده ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم جعلني بالخيار ثلاثا. انظر ترجمته من تهذيب النووي. ومنهم أبو معلق الأنصاري كان تاجرا يتجر بمال له ولغيره ويضرب في الأفاق وكان ناسكا ورعا مجاب الدعوة انظر ترجمته من الاصابة ص 182 ج 4. ومنهم عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، في سراج الملوك للطرطوشي؛ لما دفع أبو موسى الأشعري مالا من بيت المال لعبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب بالبصرة، اشتريا منه بضاعة فزكت، فأراد عمر أن يأخذ جميع الربح، فراجعهم عبيد الله فحكم بينهم بنصف الربح فأخذا جميع نصف الربح وأخذ عمر النصف لبيت المال. وقال ابن رشد في المقدمات: يقال إن أول قراض كان في الإسلام قراضهما اهـ. وقد ذكر قضيتها في الموطأ وهي مشهورة. وفي الشبرخيتي على المختصر لدى باب القراض: عمل به النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة قبل البعث، وعمر وعثمان. فصدر الأمة وخيارها وأول من عمل به في الإسلام يعقوب مولى الحرقة لعثمان اهـ انظر ما سبق في ترجمة عثمان رضي الله عنه. ومنهم أبو هريرة، في سراج الملوك قال مالك: كان عمر بن الخطاب يشاطر العمال فيأخذ نصف أموالهم، وشاطر أبا هريرة وقال له: من أين لك هذا المال؟ فقال أبو هريرة: دواب تناتجت وتجارات تداولت الخ القصة. ومنهم حاطب بن أبي بلتعة، سفير المصطفى إلى المقوقس في ترجمته من طبقات ابن سعد: أنه ترك يوم مات أربعة آلاف دينار، ودراهم ودارا وغير ذلك، وكان تاجرا يبيع الطعام وغيره. ومنهم المتجر في غزوة خيبر «1» ذكر حديثه أبو داود في سننه في باب التجارة في الغزو؛ ثم أخرج عن عبيد الله بن سلمان أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدثه قال: لما فتحنا خيبر أخرجوا غنائمهم من المتاع والسبي، فجعل الناس يتبايعون غنائمهم، فجاء رجل حين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قد ربحت ربحا ما ربح اليوم مثله أحد من أهل هذا الوادي. قال: ويحك ما ربحت؟ قال ما زلت أبيع وأبتاع حتى ربحت ثلاثمائة أوقية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أنبئك بخير رجل ربح قال وما هو يا رسول الله؟ قال؛ ركعتين بعد الصلاة، والحديث سكت عنه المنذري.   (1) انظر ج 3 من كتاب الجهاد ص 222. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 وأخرج ابن ماجه من حديث خارجة بن زيد قال: رأيت رجلا سأل أبي عن الرجل يغزو ويشتري ويبيع ويتجر في غزوه فقال له: إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك نشتري ونبيع، وهو يرانا ولا ينهانا، وفيهما دليل على جواز التجارة في الغزو. وعلى أن الغازي مع ذلك يستحق نصيبه من المغنم، وله الثواب الكامل بلا نقص، ولو كانت التجارة في الغزو موجبة لنقصان أجر الغازي لبينه صلى الله عليه وسلم، فلما لم يبين ذلك بل قرره دل على عدم النقصان. ويؤيد ذلك جواز الاتجار في الحج لما ثبت في الحديث الصحيح: أنه لما تحرج جماعة من التجارة في سفر الحج أنزل الله عز وجل: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة: 198] قاله الشوكاني. [وانظر أبا داود كتاب المناسك ج 2/ 350 باب التجارة في الحج] . ذكر أصل تسمية البيع والشراء تجارة في أول كتاب البيوع من أوائل السيوطي أخرج ابن ماجه والطبراني عن قيس بن أبي غرزة قال: كنا نسمّى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم السماسرة، فمر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمانا باسم هو أحسن منه فقال: يا معشر التجار إن البيع يحضره الحلف واللغو فشوبوه بالصدقة «1» زاد الطبراني فكان أول من سمانا التجار. قلت: عزاه الشامي في سبل الرشاد إلى أحمد والأربعة، واقتصر في مشكاة المصابيح على عزوه للأربعة دون أحمد، وقد بوّب على الحديث الترمذي في جامعه فقال: باب التجار «2» وتسمية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ثم قال: وفي الباب عن اليمان ورفاعة ثم قال: حديث قريظة حسن صحيح. ولا نعرف له سواه. وبوّب على الحديث المذكور ابن ماجه في سننه فقال: باب التوقي في باب التجارة: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن قيس بن أبي غرزة فذكره. ثم قال: حدثنا يعقوب بن حميد بن كاتب حدثنا يحيى بن سليم الطائفي عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده رفاعة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإذا الناس يتبايعون بكثرة فناداهم: يا معشر التجار فلما رفعوا أبصارهم ومدوا أعناقهم قال: إن التجارة يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق «3» . قال صاحب اللمعات: إنما كان اسم التجار أحسن من السماسرة لأن التجارة مذكورة في مواضع عديدة من القرآن في مقام المدح، والذي يتوسط بين البائع والمشتري يكون تابعا، وقد يكون مائلا عن الأمانة والديانة. وسماهم تجارا لكونهم مصاحبين لهم، مع شمول التجار التابعين أيضا اهـ.   (1) انظره في ابن ماجه ص 726 ج 2 ورقم الحديث 2145. (2) انظر كتاب البيوع ج 3 ص 514. (3) انظره أيضا ابن ماجه ص 726 ج 2 ورقم الحديث 2146. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 وقال القاري في شرح المشكاة على قوله: كنا نسمّى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم السماسرة، وهم الآن المتوسطون بين البائع والمشتري لإمضاء البيع، جمع سمسار. وهو في الأصل: القيم على الشيء الحافظ له، ثم استعمل في المتوسط، وقد يطلق على المقوم. فسمانا رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم هو أحسن من اسمنا الأول، قيل: لأن اسم التاجر أشرف من اسم السمسار في العرف العام، ولعل وجه الحسن أن السماسرة تطلق الآن على المكاسين، أو لعل هذا إسم في عهده عليه السلام كان يطلق على من فيه نقص، والأحسن ما قاله: الطيبي وذلك أن التجارة عبارة عن التصرف في رأس المال طلبا للربح، والسمسرة كذلك لكن الله تعالى ذكر التجارة في كتابه غير مرة على سبيل المدح، كما قال تعالى: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ [الصف: 10] وقوله: تِجارَةً عَنْ تَراضٍ [النساء: 29] وقوله: تِجارَةً لَنْ تَبُورَ [فاطر: 29] اهـ ولعله أيضا أراد قوله: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ [النور: 37] تنبيها لهم بهذا الإسم، على أن يكونوا موصوفين بهذه النعوت، خصوصا وفي هذا الإسم إيماء إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة: 11] الآية اهـ وسمّى السوق سوقا لنفاق السلع فيه قاله في المدخل. باب في ذكر من كان بزازا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم البزّ نوع من الثياب، وقيل: الثياب خاصة من أمتعة البيت، قاله في المصباح وفي الصحيح: باب التجارة في البز وغيره. قال ابن العربي: إنما بوّب البخاري على التجارة في البز ردا على الذين يكرهون التوسعة في الدنيا، ويقولون: يجزي الثوب الخلق، والثوب الواحد. واخرج الخطيب عن أبي هريرة رفعه: عليكم بالبزّ فإن صاحب البز يعجبه أن يكون الناس بخير وفي خصب. واخرج الطبراني في الكبير عن ابن عمر رفعه: لو أذن الله لأهل الجنة في التجارة لا تجروا في البز والعطر. أوردها في جمع الجوامع. «فمنهم أمير المؤمنين عثمان بن عفان، قال ابن قتيبة في المعارف في صنائع الأشراف: كان عثمان بزازا وقال ابن عبد البر: جهز عثمان جيش العسرة تسعمائة وخمسين بعيرا وأتم الألف بخمسين فرسا وعن قتادة قال: حمل عثمان على ألف بعير وسبعين فرسا اهـ وكل ذلك مما اكتسب من المال بحرفة البزازة إذ لم يكن يحترف بغيرها. ومنهم طلحة بن عبيد الله ذكر ابن قتيبة في المعارف وابن الجوزي في التلبيس: أنه كان بزازا. وذكر الزبير بن بكار أنه سمع سفيان بن عيينة يقول: كانت غلة طلحة بن عبيد الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 ألفا وافية كل يوم. قال: والوافي وزن الدينار وعلى ذلك وزن دراهم فارس التي تعرف بالبغلية. ومنهم سويد بن قيس العبدي، ترجمه في الأصابة ص 100 ج 2 فذكر أن سماك بن حرب روى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم: اشترى منه رجل-[كذا] سراويل أخرجه أحمد وأصحاب السنن وفي رواية عنه: جلبت أنا ومخرمة العبدي بزا من هجر فأتيت مكة فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى فساومنا سراويل فبعناه منه فوزن ثمنه وقال للوازن: زن وأرجح. [المسند 4/ 352] . ومنهم عبد الرحمن بن عوف، عدّة من البزازين ابن الجوزي في التلقيح. باب في سوق البزازين في المدينة على عهده عليه السلام في حديث أبي يعلى الموصلي بسند ضعيف جدا عن أبي هريرة قال: دخلت السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس إلى البزازين فاشترى سراويل بأربعة دراهم، وكان لأهل السوق وزان يزن فقال له صلى الله عليه وسلم: زن وارجح.، فقال الوزان: إن هذه الكلمة ما سمعتها من أحد القصة. قال الزرقاني في شرح المواهب على قوله: إلى البزازين نسبة إلى البز، الثياب أو متاع البيت من ثياب ونحوها، وبائعه البزاز كما في القاموس. وقد أخرج حديث الترجمة أبو سعد النيسابوري، في كتاب شرف المصطفى في تجارته عليه السلام. باب في العطار «بوّب البخاري في صحيحه لدى كتاب البيوع باب العطار «1» وبيع المسك وخرّج فيه عن أبي موسى الأشعري: مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك، وكير الحداد. لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه، وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك أو تجد منه ريحا خبيثة. وذكر الثعالبي في كتاب التمثيل والمحاضرة عن عمر أنه قال: لو كنت تاجرا لما اخترت على العطر شيئا، إن فاتني ربحه لم يفتني ريحه» . قال العيني: العطار على وزن فعّال الذي يبيع العطر، وهو الطيب اهـ وقال الحافظ في الفتح ليس في حديث الباب سوى ذكر المسك، وكأنه الحق العطار به لاشتراكهما في الرائحة الطبية اهـ.   (1) ج 3/ 16 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 باب في الوزان في زمنه عليه السلام تقدم عن مسند أبي يعلى الموصلي من حديث أبي هريرة وكان لأهل السوق وزان يزن فقال له عليه السلام: زن وارجح، وهو في معجم الطبراني الأوسط أيضا. وأخرجه أحمد في مسنده وفي سنده ابن زياد هو وشيخه ضعيفان. قاله السيوطي في فتاويه. قال الخفاجي في شرح الشفا أقول: انجبر ضعفه بمتابعته اهـ. ومعنى قوله عليه السلام: له زن أي زن الثمن وأرجحه أي زد عليه حتى ترجح الميزان أي بزيادة الكفة التي فيها الدراهم يقال وزن المعطي واتزن كالآخذ. وفي تحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشعائر وتغيير المناكر لأبي عبد الله العقباني التلمساني؛ روى عن علي رضي الله عنه: أنه مر برجل يزن الزعفران وقد أرجح فقال له: أتم الوزن بالقسط، ثم أرجح بعد ذلك ما شئت، كأنه أمره بالتسوية ليعتادها ويعمل الواجب، وعن ابن عباس: إنكم معاشر الأعاجم وليتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم؛ المكيال والميزان. وخص الأعاجم لأنهم يجمعون الكيل والوزن جميعا. وكانا مفرقين في الحرمين كان أهل مكة يزنون وأهل المدينة يكيلون اهـ. وحديث أول الترجمة يدل على أنه عليه السلام كان يتكلم مع كل صاحب حرفة بما يتعلق بحرفته، ويقول له ما يزيده بها اغتباطا، وبادابها وأحكامها أرتباطا، فهو أصل ما ذكره مسند اليمن ومفتيه الوجيه الأهدل في (النفس اليماني) لدى ترجمة شيخه عبد الصمد الجاوي، أنه كان من طريقه إذا وصل إليه الطالب، يسأله عن تفصيل حاله، فإذا عرف ملازمته لخصلة خير أطال له المقال في مدحها، وشرح له من أحكامها وآدابها ليزداد ملازمة لها، ويكون على بصيرة من أمره. قال: ولما وصلت إليه لم يزل يقرر لي آداب الفتوى، وأن المفتي لا ينبغي له أن يقتصر على مجرد السؤال، بل إذا كان له إلمام بالواقعة لاحظها في جوابه، فإن في ذلك مصالح دينية يعرفها الممارس في هذا الشأن. تتمة تمام الحديث السابق عند الطبراني وأبي يعلى أنه صلى الله عليه وسلم اشترى سراويل باربعة دراهم، وكان للسوق وزان فقال له زن وارجح. وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السراويل فذهبت لأحمل عنه فقال: صاحب الشيء أحق بحمل شيئه إلا أن يكون ضعيفا فيعجز عنه، فيعينه أخوه المسلم. فقلت: يا رسول الله إنك لتلبس السراويل؟ قال: أجل في السفر والحضر، وبالليل والنهار فإني أمرت بالستر، فلا أجد شيئا أستر منه. والحديث المذكور مستند ابن القيم في الهدى في جزمه بأنه صلى الله عليه وسلم لبس السراويل. ولذا قال الخفاجي في شرح الشفا: منه يعلم أن تخطئة ابن القيم لا وجه لها، وكونه اشتراها ولم يلبسها بعيد جدا، وقد لبسها عثمان وهو محاصر، وكون الثمن أربعة دراهم هو المروي، إلا ما في الأحياء من أنه بثلاثة اهـ وانظر تأليف سيدنا الخال في المسألة وهو مطبوع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 باب في الصراف ذكر من كان يتجر في الصرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم «في الصحيح عن أبي المنهال قال: كنت أتجر في الصرف فسألت زيد بن أرقم رضي الله عنه والبراء بن عازب عن الصرف فقالا: كنا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصرف فقال: إن كان يدا بيد فلا بأس، وإن كان نسيئا فلا يصلح، والصرف بيع الذهب بالفضة والنسأ التأخير» . كتاب البيوع ج 3/ ص 6. وفي زمن سيدنا عثمان كبر هذا السوق، واحتيج إلى مراقب. ففي تاريخ الخميس للديار بكري لما تعرض لما نقم على سيدنا عثمان: وأما دعواهم أنه جعل للحارث بن الحكم سوق المدينة، ليراعي أمر المثاقيل والموازين فتسلط بعد يومين أو ثلاثة على باعة النوى، واشتراه لنفسه فلما رفع ذلك لعثمان أنكره عليه وعزله، وقد روي أنه جعله على سوق المدينة وجعل له كل يوم درهمين الخ. التجارة في العنبر والزئبق ذكر صاحب عون المعبود على سنن أبي داود أن الزعفران والعنبر والمسك والعود هذه الأربعة كانت موجودة في زمنه عليه السلام، واستعملها الصحابة في حضرته، وكذا بعده ثم ذكر أن النسائي «1» أخرج عن محمد بن علي قال: سألت عائشة أكان النبي صلى الله عليه وسلم يتطيب؟ قالت: نعم بذكارة بالكسر ما يصلح للرجال كالمسك والعنبر والعود. انظر ص 248 ج 3 وفي طبقات ابن سعد عن محمد بن علي قال قلت لعائشة يا أماه أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطيب؟ قالت: نعم بذكارة الطيب قلت وما ذكارة الطيب قالت: المسك والعنبر. وفيها أيضا عن أبي سعيد الخدري قال: ذكروا المسك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أو ليس من أطيب الطيب. وفيها عن ابن عمر كان إذا استجمر يجعل الكافور على العود ثم يستجمر به ويقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستجمر. وفيها في ترجمة أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النجاشي لما زوّجها من النبي صلى الله عليه وسلم، أمر نساءه أن يبعثن لها بكل ما عندهن من العطر، قالت: فلما كان من الغد جاءتني بعود وورس وعنبر وزباد كثير، فقدمت بذلك كله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يراه عندي، وعليّ فلا ينكره. وفي شفاء الغليل للخفاجي نقل إن الغالية وقع ذكرها في الحديث، وعن عائشة كنت: أغلل لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الجاحظ: ومعجونات العطر كلها عربية مثل الغالية،   (1) ج 8 ص 151 من كتاب الزينة رقم 31. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 والشاهرية والخلوق، واللخلخة والقطر، وهو العود المطري والدريرة اهـ وترجم في الإصابة لعمرو بن كريب الطائي فذكر أن له إدراكا، وابنه [شبيب] «1» هو الشاعر المشهور الذي أغار على الرواحي وهي ابل كانت تحمل امتعة التجار من العنبر والزئبق وغير ذلك في زمن الحجاج بالكوفة ذكر ذلك ابن الكلبي، ثم ترجم لعمرو بن كلاب فقال: له ادراك وهو الذي أنشد عمر يحرشه على عماله في أبيات: إذا التاجر الهندي جاء بفارة ... من المسك راحت في مفارقهم تجري ذكره ابراهيم بن الحسن في غريبه، من طريق ابن اسحاق عن يعقوب ابن عتبة عن الكوثر بن زفر، حدثي أبو المختار وحدثني عمرو بذلك. حفر معدن الذهب ترجم في الإصابة لأبي حصين السلمي فقال: ذكره البغوي وذكر أن الواقدي أخرج عن عبد الله بن يحيى عن عمر بن الحكم عن جابر قال: قدم أبو حصين السلمي بذهب من معدن فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا طويلا اهـ. قلت: بسطه ابن سعد في الطبقات؛ انظر ترجمة أبي حصين ص 9 من ج 4 وفي التجريد: أبو الحصين السلمي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بذهب من معدن ذكره ابن عبد البر قال ابن سعد أبو حصين اهـ. باب في بائع الرماح في الإستيعاب كان نوفل بن الحرث بن عبد المطلب يتجر في الرماح، وبها فدى نفسه لما أسر في غزوة بدر، وكانت ألف رمح. وفي طبقات ابن سعد: لما أسر نوفل بن الحارث ببدر قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أفد نفسك برماحك التي بجدة. قال: أشهد أنك رسول الله ففدى نفسه بها، وكانت ألف رمح. وفيها أنه أعان النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين بثلاثة آلاف رمح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كأني أنظر إلى رماحك يا أبا الحارث تقصف في أصلاب المشركين، انظر ترجمته في 31/ 4 من الطبقات. باب في بائع الطعام «في صحيح مسلم عن سالم بن عبد الله أن أباه قال: قد رأيت الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ابتاعوا الطعام جزافا يضربون أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم. ص 1161 ج 2. وانظر ما سبق في ترجمة حاطب بن أبي بلتعة من طبقات ابن سعد.   (1) انظر الإصابة ج 3 ص 645 في ترجمة ورد بن منظور بن سيار الطائي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 باب بيع الصبيان ترجم في الإصابة لعبد الله بن جعفر فنقل أن البغوي خرج عن عمرو بن حريث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بعبد الله بن جعفر وهو يبيع مع الصبيان. فقال: اللهم بارك له في بيعه أو صفقته، وترجم فيها أيضا للجلاح العامري فذكر أن أبا داود والنسائي في الكبرى خرجا عنه: كنا غلمانا نعمل في السوق. الحديث. باب في بيع السكر أخرج الدارقطني في الأفراد من طريق؛ هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال: جلب رجل من التجار سكرا إلى المدينة فكسد عليه، فبلغ عبد الله بن جعفر فأمر قهرمانه أن يشتريه وينتهبه الناس. ذكره في الإصابة. بيع العقاقير ذكر ابن رشد المرافعة التي وقعت بين أبي موسى الأشعري وعبد الله بن مسعود في التحريم برضاع الكبير، وان ابن مسعود قال لأبي موسى: إنما أنت مداوي. ونقله ابن أبي زمنين وفسره بأنه كان يبيع العقاقير كأنه نفاه عن العلم بشغله بذلك، انظر شرح أبي علي بن رحال علي المختصر في الرضاع. المرأة تبيع العطر ترجم في الإصابة لأسماء بنت مخربة بالباء فذكر أن ابنها عباس بن عبد الله بن ربيعة كان بعث إليها من اليمن بعطر فكانت تبيعه. وفي الإستبصار في أنساب الأنصار: وروى عن الرّبيّع بنت معوذ بن عفراء قالت: كانت أسماء بنت مخربة تبيع العطر بالمدينة، وهي أم عباس وعبد الله بن أبي ربيعة، فدخلت علي ومعها عطرها. فسألتني فانتسبت لها فقالت أسماء أنت بنت قاتل سيده يعني أبا جهل. فقلت: بل أنا ابنة قاتل عبده قالت: حرام علي أن أبيعك من عطري شيئا. قلت: وحرام علي أن اشتري منك شيئا. فما وجدت لعطر نتنا غير عطرك، وإنما قلت ذلك في عطرها لأغيظها. وقد خرّج قصتها هذه ابن سعد في ترجمتها من الطبقات، وفيها من قول الربيّع: فلما جعلت لي في قواريري وزنت لي كما وزنت لصواحبي الخ القصة. وترجم في الإصابة أيضا للحولاء العطارة، فذكر أن أبا موسى أخرج من طريق أبي الشيخ بسنده إلى أنس قال: كانت بالمدينة امرأة عطارة تسمى حولاء بنت ثويب. وفي ترجمة مليكة والدة السائب بن الأقرع كانت تبيع العطر. الزراعة والغراسة انظر لم أغفل هذه الترجمة الخزاعي مع أهمية الزراعة في نظر الإسلام وكثرة اعتناء الصحابة بها. وقد أكثر سبحانه في كثير من الآيات التذكير بما أنعم به من إخراج الزرع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 والنباتات، ووصف نفسه سبحانه بأنه هو الذي أخرج للحاجات فقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام: 99] أي بالماء نبت كل شيء فاخرجنا منه يعني الماء خضرا يعني أخضر نخرج به حبا متراكبا سنابل البر والشعير والأرز والذرة وسائر الحبوب يركب بعضه على بعض وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ [الأنعام: 141] وهو ما انبسط على الأرض وانتشر كالعنب والقرع وهو شجر الدباء والبطيخ وغيرها. وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ [الأنعام 141] ما قام على ساق كالنخل والزرع وسائر الأشجار ثم قال: وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ، أي ثمرة وطعمه الحامض والمر، والحلو، والردي، وقال تعالى: وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ [الرعد: 4] أي متقاربات متدانيات يقرب بعضها من بعض في الجوار ويختلف في التفاضل وجنات أي من بساتين من أعناب وزرع وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ والصنوان النخلات يجمعها أصل واحد تشعب منه الرؤوس فيكون نخلا وقال سبحانه: يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 11] وقال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ [السجدة: 27] وهي التي لا نبات فيها فنخرج به زرعا وقال تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا [يس: 33] وقال: وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ [ق: 9] وقال: وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ [الرحمن: 10] فيها فاكهة إلى قوله والحب يعني جميع الحبوب مما تحرث الأرض من الحنطة والشعير وغيرهما ذو العصف يعني الورق أول ما يبدو وقال نخرج به: حَبًّا وَنَباتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً [عمّ: 16] يعني بساتين ملتفة وقال: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا [عبس: 25] الآية وقال: جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً [الكهف: 32] يعني جعلنا حول الأعناب النخل ووسط الأعناب الزرع كذا ذكره الثعالبي وغيره. وفي أحكام القرآن للإمام الجصاص الحنفي على قوله تعالى: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها [هود: 61] يعني أمدكم من عمارتها بما تحتاجون إليه وفيه الدلالة على وجوب عمارة الأرض للزراعة والغراس والأبنية اهـ انظر ص 165 من ج 3. وفي صحيح مسلم «1» أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم مبشر الأنصارية في نخل لها فقال: لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة وهو في صحيح البخاري على وجه آخر، وبوب عليه بقوله: باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه وروى القرطبي وروى البزار وأبو نعيم في الحلية عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبع يجري أجرهن للعبد وهو في قبره، من علم علما أو أجرى نهرا أو   (1) انظر ج 2 ص 1188 باب فضل الغرس والزرع من كتاب المساقاة والبخاري ج 3/ 66 أول كتاب الحرث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 حفر بيرا، أو غرس نخلا أو بنى مسجدا أو ورّث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته» . قال أبو نعيم ولا يخالف الحديث الصحيح فقد قال فيه: «إلا من صدقة جارية» وهي تجمع ما ورد من الزيادة. قال المنذري: وقد رواه ابن ماجه «1» وابن خزيمة في صحيحه بنحوه من حديث أبي هريرة. [روى المؤلف هنا عن الإصابة رواية بإسناد واه عن سعد بن معاذ «2» آخر حذفتها لكونها لا أصل لها] مصححه. وأخرج الحاكم وابن أبي الدنيا في التوكل، والعسكري في الأمثال، والدينوري في المجالسة، عن معاوية بن قرّة قال: لقي عمر بن الخطاب ناسا من أهل اليمن فقال: من أنتم فقالوا: متوكلون. قال: كذبتم ما أنتم متوكلون، إنما المتوكل رجل ألقى حبه في الأرض وتوكل على الله. وفي مسند عمر بن عبد العزيز، قال ابن شهاب: أرسل إليّ عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فقال: جاء سعد بن خالد بن عمرو بن عثمان فقال: يا أمير المؤمنين أقطعني الشديد فإنه بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من رجل غرس غرسا إلا أعطاه الله من الأجر عدد الغرس والثمر وأخذ بنفسي أسمعت هذا؟ فقلت: نعم وأشهد على عطاء بن يزيد أنه سمعه من أبي أيوب، يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج أحمد والطبراني من طريق مسلم بن بديل، عن إياس بن زهير عن سويد بن هبيرة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خير مال المرء مهرة مأمورة أو سكة مأبورة «3» . قال في المختار: المهر ولد الفرس والجمع أمهار، والأنثى مهرة، والمأبورة المصلحة، وفي المختار: وأبر نخلة: لقحه وأصلحه ومنه، سكة مأبورة اهـ. وفي الصحيح «4» عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوما يحدث وعنده رجل من أهل البادية، أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع فقال الله تعالى: ألست فيما شئت؟ فقال: بلى ولكن أحب أن أزرع، قال فأسرع وبذر أي ألق البذر على أهل الجنة فتبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده وتكويره أمثال الجبال فيقول الله تعالى: دونك يا بن آدم فإنه لا يشبعك شيء. فقال الإعرابي: يا رسول الله لن تجده إلا قرشيّا أو انصاريا،   (1) انظر في المقدمة ص 88 ج 1 ورقمه ص 242 ونصه: إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علما علمه ونشره، وولدا صالحا تركه، ومصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته. يلحقه من بعد موته. (2) هو غير سعد بن معاذ الأنصاري سيد الأوس كما في الإصابة. (3) رواه أحمد ج 3 ص 610 من طبعة، المكتب الإسلامي وهو في ص 468 ج 3. (4) انظر صحيح البخاري كتاب التوحيد باب 38 ص 206 ج 8. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 فإنهم أصحاب زرع، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم. قال الحبشي في كتاب البركة: ففي هذا فوائد منها؛ دلالته على فضل الزرع، وفيه أن المهاجرين والأنصار كانوا مزارعين، لقول الإعرابي: إنك لن تجده إلا أنصاريا أو مهاجريا [ص 13] وهذا أكثر حجة ودلالة إذ المهاجرون والأنصار هم أفضل الأمة، كانوا أهل زرع لكن قال العارف الفاسي في تشنيف المسامع: المعروف بالزراعة إنما هم الأنصار، وأما قريش فإنما لهم التجارة لا الفلاحة، إذ ليست مكة بلاد زرع. قلت: ذلك صحيح بحسب الأصل، وإلا فالمهاجرون بعد الهجرة زرعوا، واتجروا. فالخبر على حاله. وأخرج أبو داود في مراسيله عن علي بن الحسين مرسلا: أحرثوا، فإن الحرث مبارك، وأكثروا فيه من الجماجم «1» وفي لفظ آخر: يا معشر قريش إنكم تحبون الماشية فأقلوا منها فإنكم بأقل الأرض مطرا، واحرثوا فإن الحرث مبارك، وأكثروا فيه من الجماجم. خرجه أبو داود أيضا والبيهقي. وأخرج الديلمي عن أبي مسعود رفعه لما خلق الله المعيشة جعل الله البركات في الحرث والغنم. وفي الصحيح عن أبي هريرة: وإن إخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم قال القسطلاني في الزراعة والغراسة. وفيه عن ابن عمر أنه عليه السلام عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر وبوّب عليه البخاري باب المزارعة مع اليهود. وفي الصحيح أيضا؛ وكان يعطي أزواجه مائة وسق ثمانون تمرا وعشرون شعيرا. وقسم عمر خيبر فخيّر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع لهن من الماء والأرض، أو يمضي لهن، فمنهن من اختارت الأرض ومنهن من اختارت الوسق، وكانت عائشة وحفصة ممن اختارت الأرض. قال القسطلاني: وفي هذا الحديث جواز الزراعة والتجارة، لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، واستمراره في عهد أبي بكر إلى أن أجلاهم عمر. وبه قال ابن خزيمة وابن المنذر. وصنف فيه ابن خزيمة جزآ بيّن فيه علل الأحاديث الواردة اهـ. وقال الحبشي: وفي هذا فوائد منها اختيار عائشة وحفصة أفضل أزواجه عليه السلام منهن الأرض، فيزدرعنها قال البخاري: وزارع عليّ وسعد وابن مسعود.   (1) ذكره صاحب التيسير ص 44 ج 1. وقال الجماجم هي البذور أو العظام التي تعلق على الزرع لدفع الطيور وغيرها عن الزرع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 قال الحبشي: وقد عدّ العلماء الزراعات من فرض الكفاية في كثير من المصنفات، لأنه لا يقوم الدين والدنيا إلّا بها فإن تركها كل الناس أثموا كلهم. انظر كتاب البركة. وقال القاري في شرح المشكاة على حديث: (لا يدخل هذا أي المحراث بيت قوم إلا دخله الذل) «1» وهو في الصحيح عن أبي أمامة قال: بعض علمائنا: ظاهر هذا الحديث أن الزراعة تورث المذلة، وليس كذلك؛ لأن الزراعة مستحبة، لأن فيها نفعا للناس ولخبر: «اطلبوا الخير من خباياها» بل إنما قال ذلك لئلا يشتغل الصحابة بالعمارات وترك الجهاد فيغلب عليهم العدو، وأي ذلك أشد من ذلك؟ وقيل: هذا في حق من يقرب العدو، ولأنه لو اشتغل بالحرث وترك الجهاد لأدى إلى الذل بغلبة العدو عليه اهـ. وفي النهاية لابن الأثير على حديث ما دخلت السكة دار قوم الّا ذلوا أي التي تحرث بها الأرض، أي أن المسلمين إذا اقبلوا على الدهقنة والزراعة شغلوا عن الغزو وأخذ السلطان بالمطالبات والجبايات وقريب من هذا الحديث قوله: «العز في نواصي الخيل والذل في أذناب البقر» اهـ منها، ونقل الفتني في مجمع بحار الأنوار عن الكرماني، على الحديث المذكور: والحاصل أن فيها ذلك الدنيا وعز الآخرة لما فيها من الثواب بانتفاع ذي كبد، وهو أفضل المكاسب على الصحيح. ونقل عن الطيبي في شرح المشكاة: وجه الذل أن اختياره لجبن في النفس، أو قصور في الهمة، وأكثرهم يلزمون بالحقوق السلطانية، ولو آثروا الجهاد لدرت عليهم الأرزاق واتسعت المواهب اهـ. كما قرر ابن خالدون في مقدمة العبر أن الفلاحة من معاش المستضعفين من البدو، وعلل ذلك بسببين قال: الثاني أن منتحلها مخصوص بالهوان والذلة، ففي الحديث: أنه عليه السلام قال وقد رأى السكة في بعض الأنصار: وما دخلت هذه دار قوم إلا دخلها الذل لكن حمله البخاري على الإستكثار منها قال وبه والله أعلم ما يتبعها من المضرة المفضي لتحكم اليد الغالبة إلى مذلة المغلوب وقهره اهـ قال ابن الأزرق إثره في بدائع السلك: ووجه آخر أن الإكثار منها مظنة لنسيان الدفاع عن البلاد، الذي به العز والحماية كما يلوح من توجيه البخاري، ويشهد له ما رواه الإمام أحمد عن ابن عمر رفعه: إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم اهـ وقال القسطلاني كان العمل في الأراضي أول ما فتحت على أهل الذمة، فكان الصحابة يكرهون تعاطي ذلك. وقال في الفتح: وقد أشار البخاري إلى الجمع بين حديث أبي أمامة والحديث السابق في فضل الغرس والزرع وذلك بأحد امرين: إما أن يحمل على ما ورد من الذم على ذلك ومحله إذا اشتغل به فضيع ما أمر بحفظه، وأما أن يحمل على ما إذا لم يضيع إلا أنه جاوز الحد فيه اهـ.   (1) هو في الصحيح للبخاري انظره ج 3 ص 66 من كتاب الحرث والمزارعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 وفي السير أنه عليه السلام كان يعجبه الجلوس في الحيطان (البساتين) والصلاة فيها. وقد روى ابن سعد وابن المنذر قال في الفتح بإسناد صحيح: عن مسروق عن عائشة قالت: لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه قال: انظروا ما زاد في مالي منذ دخلت الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة بعدي، فلما مات نظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه، وناضح كان يسقي بستانا له، ففيه أنه كان له بستان، وإنه كان يقوم عليه بالرعاية. وقال الإمام السخاوي: وقد تكون الكثرة التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم لأنس: باللهم أكثر ماله وولده هي الكثرة من المواشي، وكذا من الزرع والغرس، الذي قال صلى الله عليه وسلم فيه كما في صحيح مسلم: ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة، وذلك كان أكثر أموال الأنصار. ويستأنس له بما ورد أنه كان له بستان يحمل في السنة مرتين، وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك اهـ. وفي ترجمة ربيعة بن كعب الأسلمي من طبقات ابن سعد قصة عجيبة تدل على اهتمام كبار الصحابة بالأرض وغلتها وثمرها قال: أنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا الحارث بن عبيد، ثنا أبو عمران الجوني أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع أبا بكر وربيعة الأسلمي أرضا فيها نخلة مائلة أصلها في أرض ربيعة وفرعها في أرض أبي بكر، فقال أبو بكر: هي لي وقال ربيعة: هي لي، حتى أسرع إليه أبو بكر ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدره ربيعة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أجل فلا ترد عليه. قال فحوّل أبو بكر وجهه إلى الحائط يبكي قال: وقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالفرع لمن له الأصل انظر ترجمة ربيعة بن كعب الأسلمي ص 44 من ج 4 ويظهر أن أبا بكر بكى على عدم إصابة ظنه أولا، وتسرعه إلى طلب ما لا حقّ له فيه حتى احتاج إلى التداعي والترافع إليه عليه السلام. وفي خطط المقريزي ص 154 من ج 1 أن سيدنا عمر قال: من كانت له أرض ثم تركها ثلاث سنوات لا يعمرها، فعمرها قوم آخرون فهم أحق بها ونحوه في صناجة الطرب في تقدمات العرب، وزاد ووصل النيل لجون العرب بواسطة خليج القلزم كما كان صنع البطالسة والفراعنة، وخصص ثلث إيراد مصر لعمل الجسور والترع لإرواء الأرضي اهـ انظر ص 306 منها. قلت: يؤخذ أن عمر خصص ثلث إيراد مصر، لعمل الجسور والترع لإصلاح الري من التقرير الجغرافي الذي بعثه عمرو بن العاص لسيدنا عمر، وقد أثبتناه بنصه في القسم العاشر العلمي، وانظره ولا بد بذلك تعلم أيضا أنه كان من مبدأ عمر تقوية الزراعة وتنشيط الزراع، وأما ما جاء في ترجمته من أنه كان تقدم للعمال بأن لا يأذنوا لأحد من جنود المسلمين أن يزرع أو يزارع في البلاد المفتوحة كما في تاريخ ابن جرير وغيره وأن لا يقطعوا أرضا لأحد منهم البتة، فذلك لأمور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 أولها: كي لا يزاحم المسلمون أهل الذمة والعهد في أرضهم، ويضيقوا عليهم في معيشتهم. والأمر الثاني: كي لا يألف الجنود العمل في الأرض في إبان الفتح فتميل نفوسهم إلى الراحة من عناء الحرب، والأمة حربية لم يأن لها أطراح لأمة القتال واعتزال الحرب «1» . الثالث: كي تبقى الأرض بيد أهلها مادة تستمد منها الدولة ما يقوم بشؤونها العسكرية والإدارية، ولا يحتكرها المقتطعون من الجند. وفي العتبية؛ قال مالك عن يحيى بن سعيد: أن عمر بن الخطاب كان يقول: من كانت له أرض فليعمرها، ومن كان له مال فليصلحه فيوشك أن يأتي من لا يعطي إلا من أحب. قال ابن رشد في البيان والتحصيل: إنما أوصى بحفظ أموالهم بالقيام عليها مخافة أن يضيعوها اتكالا منهم علي أعطيات الإمام. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، وهذا من إضاعة المال اهـ. وقد وقع في المدونة والعتبية أنه كان بين رجلين من الصحابة خصومة في أرض لهما فركب عثمان أيام خلافته وركب معه رجال، فلما ساروا قال له رجل: إن عمر قد قضى فيه فقال عثمان: ما أنظر في أمر قضى فيه عمر فرجع. قال ابن رشد في البيان والتحصيل أيضا: وكانت الخصومة بين علي بن أبي طالب وطلحة في ضفير سد بفحة [كذا] من الوادي بين ضيعتهما، فوكل علي عبد الله بن جعفر فتنازعا فيه الخصومة بين يدي عثمان، فركب من الغد في المهاجرين والأنصار ثم رجع لما بلغه أن عمر كان ذلك في أيامه. فلما أخبر بذلك عبد الله بن جعفر عليا قال له قم الآن إلى طلحة فقل له: إن الضفير لك فاصنع به ما بدا لك، فأتيته فأخبرته فسر بذلك، ثم دعا بردائه ونعليه وقام معي حتى دخلنا على علي فرحب به وقال: الضفير لك فاصنع به ما بدا لك. فقال قد قبلت وبي حاجة فقال علي ما هي؟ قال طلحة: أحب أن تقبل الضيعة مني مع من فيها من الغلمان والدواب والآلة قال علي: قد قبلت قال: ففرح طلحة وتعانقا وتفرقا قال عبد الله: لا أدري أيهما أكرم أعلي إذ جاد بالضفير أم طلحة إذ جاد بالضيعة بعد ضنه بمسقاه؟ اهـ. فهذا يدل على أن الحراثة كانت شائعة وبلغ الإهتمام بها إلى درجة الخصومة فيها من مثل علي وطلحة، وتوكيل علي ابن أخيه وخروج الخليفة في المهاجرين والأنصار للفصل فيها.   (1) هذا هو السبب في كراهة الزراعة للعرب الفاتحين فمهمتهم هي الحفاظ على البلاد المفتوحة والاستعداد الدائم للجهاد، وبالزراعة يتخلون عن واجبهم الذي كانوا يتقاضون عنه العطاء والله أعلم. مصححه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 وفي الوفا للسيد السمهودي أنه كان بالمدينة وما حولها عيون كثيرة تجددت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لمعاوية اهتمام بهذا الباب، ولهذا كثرت في أيامه الغلال بأراضي المدينة. فقد نقل الواقدي في كتاب الحرة أنه كان بالمدينة في زمن معاوية صوافي كثيرة، وأن معاوية كان يحرث بالمدينة واعراضها مائة ألف وسق وخمسين ألف وسق ويحصد مائة ألف وسق حنطة اهـ منها ص 152 من ج 2. وفي الكشاف لجار الله الزمخشري على قوله تعالى: وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها [هود: 61] وأمركم بالعمارة، والعمارة متنوعة إلى واجب وندب ومباح ومكروه، وكان ملوك فارس قد أكثروا من حفر الأنهار وغرس الأشجار، وعمروا الأعمار الطوال مع ما كان فيهم من عسف الرعايا، فسأل الله نبي من أنبياء زمانهم عن سبب تعميرهم فأوحى الله إليه: إنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي. وعن معاوية بن أبي سفيان أنه أخذ في إحياء الأرض في آخر عمره فقيل له في ذلك فقال: ما حملني عليه إلا قول القائل: ليس الفتى بفتى لا يستضاء به ... ولا تكون له في الأرض آثار ولم يذكر اسم الشاعر في الكشاف، وذكره في ربيع الأبرار في موضعين قال في الروضة الثانية عشر: غرس معاوية نخلا بمكة في آخر خلافته فقال: ما غرستها طمعا في إدراكها ولكن ذكرت قول الأسدي: ليس الفتى الخ. وقال في الروضة الثالثة عشرة قال بعض الأشراف لابنه: حسن آثارك في الدنيا واسمع قول الشاعر: ليس الفتى اخ انظر الطريفة والتالدة. وفي كتاب حسن الصناعة في البحث عن الزراعة: ومن الوصايا في إصلاح المرء ضيعته ما روي أنه قيل لأبي هريرة: ما المروءة قال: تقوى الله وإصلاح الضيعة، وقال قيس ابن عاصم لبنيه: عليكم بإصلاح المال فإنه منبهة للكريم ويستغنى به عن اللئيم، وقال عتبة بن أبي سفيان لمولاه إذ ولاه أمواله: تعهد صغير مالي فيكبر، ولا تضيع كبيره فيصغر. وفي شرح الحطاب وأبي علي بن رحال على المختصر ما نصه: قال الشيخ يوسف ابن عمر: من كانت له شجرة وضيعها بترك القيام بحقها فإنه يؤمر بالقيام بها، فإن لم يفعل فإنه مأثوم. وقاله الجزولي أيضا. وزاد ويقال له: ادفعها لمن يخدمها مساقاة بجميع الثمرة اهـ انظر باب النفقات. وقال الإمام ابن حزم الأندلسي: إعلموا أن الراحة واللذة والسلامة والعز والأجر في أصحاب فلاحة الأرض، وفلاحة الأرض، أهنأ المكاسب جملة اهـ. وفي كشف الظنون عن بعض العلماء: لو علم عباد الله رضاء الله في إحياء أرضه لم يبق في وجه الأرض موضع خراب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 وإنما أطلت في هذه الترجمة للرد على من يشين الإسلام بكونه جاء ناهيا عن الزراعة حتى قال لي مرة بعض علماء الإفرنج: إن في القرآن لعن المحراث والحارث فقلت له: القرآن جاء بعكس ما تنسب له وأرشدته إلى بعض ما سبق فعجب. وقد ألف المسلمون في علم الفلاحة واستخراج المياه من الأرض عدة مصنفات؛ كالكرخي وأبي حنيفة الدينوري له كتاب النبات والشجر؛ وأبي زكرياء يحيى بن محمد بن العوام الأندلسي الأشبيلي من أهل المائة السادسة له كتاب في الفلاحة، طبع بمدريد في جزأين، استعان في كتابه هذا بنيّف وستين من كتب اليونان والرومان والعرب، وكان يطبق ما فيه على الفلاحة العملية التي أجراها بأرض بقرب أشبيلية. وللشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي علم الملاحة في علم الفلاحة طبع بدمشق. ولابن وحشية الكلداني كتاب في الفلاحة النبطية. وكان كلّف المستعين بالله العباسي في بغداد قسطا بن لوقا الطبيب البعلبكي بترجمة الكتب اليونانية، وله كتاب الفلاحة اليونانية ترجمة إلى العربية عن ترجمة سريانية وهو مطبوع بمصر. ولأهل الأندلس الكثير الطيب في هذا العلم وبمكتبتنا بعضها. الخرازة ترجم ابن سعد في الطبقات وابن حجر في الإصابة لزينب بنت جحش فذكر أنها كانت امرأة صناع اليد، فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق به في سبيل الله اهـ ونحوه في التوشيح للحافظ الأسيوطي انظر ص 150 من اختصاره. باب في الثمار «سمى ابن فتحون في كتابه في الصحابة نبهان فوصفه بالثمار وذكر قصة فيها بيعه للثمر» . وترجم في الإصابة لسمويه «1» ويقال: سيما البلقاوي كان نصرانيا قدم المدينة بالتجارة فأسلم وذكر عنه أنه حمل القمح من البلقاء إلى المدينة قال فبعنا وأردنا أن نشتري الثمر فمنعونا فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما يكفيكم رخص هذا الطعام بغلاء هذا التمر الذي تحملونهم، ذروهم. فائدة في فتح الباري أصناف تمر المدينة كثيرة جدا فقد ذكر الشيخ أبو محمد الجويني في الفروق أنه كان بالمدينة فبلغه أنهم عدوا عند أميرها صنوف التمر الأسود خاصة فزاد على الستين قال والتمر الأحمر أكثر من الأسود عندهم. المسافة التي كان يأتي منها الزرع وغيره كان يأتي من البلقاء وهي من أرض الشام إلى المدينة. يؤخذ ذلك من القصة   (1) ترجمه في ج 2 ص 104 برقم 3635. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 المذكورة عن الإصابة، وأخرج البخاري «1» في البيوع قال: بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبلت من الشام عير تحمل طعاما فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا فنزلت: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها [الجمعة: 10] . وانظر أيضا ترجمة جلب دقيق الحواري والسمن والعسل من الشام إلى المدينة فيما سيأتي وذلك يدل على أن المدينة صارت سوق العرب، تقصد بالبضائع من الأطراف البعيدة، وانظر ترجمة نبهان الأنصاري من الإصابة. وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي أن عمر أول من حمل الطعام من مصر في بحر أيلة (البحر الأحمر) إلى المدينة. قلت: وذلك في الخليج الذي فتح بعد فتح مصر وكان يمتد من الفسطاط إلى السويس والذي تولى حفره عمرو بن العاص في خلافة سيدنا عمر فعرف بخليج أمير المؤمنين، وصار الصلة العظمى بين مصر والبحر الأحمر والهند وسبب حفره على ما في الخطط للمقريزي أن الناس في المدينة قحطوا، فأعانهم عمرو بن العاص بعير أوّلها كان بالمدينة وآخرها بمصر فأمر معمر بفتح هذا الخليج، ليتيسر النقل في البحر بدل الظهر فلم يأت الحول حتى سارت فيه السفن، فصار يحمل فيه ما يراد للحرمين الشريفين ثم غلب عليه الرمل فانقطع آخر الدولة الأموية، انظر الخطط المقريزية والخطط التوفيقية ففيهما كلام مشبع عن هذا الخليج ونقل الثاني ص 120 من ج 19 عن الكندي في كتاب الجند العربي؛ أن عمرو بن العاص حفره في سنة 23 وفرغ منه في ستة أشهر، وجرت فيه السفن ووصلت إلى الحجاز في الشهر السابع، ثم نقل عن ابن الطوير أن مسافته خمسة أيام وكانت المراكب النيلية تفرغ وتحمل منه من ديار مصر بالقلزم، فإذا فرغت حملت من القلزم ما وصل من الحجاز وغيره إلى مصر. وكان مسلك التجار وغيرهم. وذكر أيضا أنه بقي مفتوحا إلى زمن أبي جعفر المنصور ولما ظهر محمد النفس الزكية بالحجاز أمر عامله على مصر بردم خليج مصر، لقطع الميرة عن البلاد الحجازية، فردم وصار نسيا منسيا وبقي كذلك ألف سنة، إلى أن حفرت الترعة أخيرا «2» وذكر أيضا أن عمر ربما توقف في فتح هذا الخليج قائلا: إن هذا الاتصال ربما أوجب اغارة الروم وهجومهم على الحجاز ولذا قال علي مبارك في ص 124 من ج 19 أن فتح ترعة البرزخ في زمانه آخر القرن المنصرم فتح على مصر أبوابا لم يكن من قدرتها إقفالها اهـ وقال غيره من الكتاب المعاصرين: إن فتح خليج السويس كان من أشد الآفات على ممالك الشرق اهـ فرضي الله عن عمر ما أصدق حدسه.   (1) كتاب البيوع ج 3/ 6. (2) في أيام الخديو إسماعيل 1869. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 فائدة: بتأملك لهذه الترجمة تفهم أن سيدنا عمر رضي الله عنه أذن أخيرا للمسلمين بعد إتقانهم للعلوم البحرية في ركوب البحر والجلب فيه، فما نقل عنه من نهيه الناس عن ركوب البحر، واستعماله كان وقت جهل المسلمين بعلومه، ولما كملت علومه لدى العرب، اتخذ معاوية الأسطول، كما سبق في محله عن ابن خالدون والمقريزي. وفي بدائع السلك للقاضي ابن الأزرق، أن ابن المناصف اعتذر عن عمر في منعه ركوب البحر، بأن العرب لم يكن لها إذ ذاك علم بأحواله، وبعد تبحرهم في علوم البحر حفر الخلجان والترع، واتخذها واستعملها كما في هذه الترجمة. وبعد هذا وجدت في ترجمة علقمة بن مجزز المدلجي، من الإصابة «1» ، نقلا عن الطبري؛ أن في سنة 20 بعث عمر علقمة في جيش إلى الحبشة في البحر فأصيبوا فجعل عمر على نفسه أن لا يحمل في البحر أحدا فأخذ من هذا السياق سبب منعه كأنه حداد على الغرقي. وبعده أصدر حفيده ومحيي أثره أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز منشوره العام إلى الأمة، الذي هو كالقانون الأساسي لدولته، ومن جملة ما جاء فيه وأما البحر فإننا نرى سبيله سبيل البر. قال: اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [الجاثية: 12] فاذن أن يتجر فيه من شاء، وأرى أن لا تحول بين أحد من الناس وبينه، فإن البحر والبر لله جميعا، سخرهما لعباده يبتغون فيهما من فضله، فكيف تحول بين عباد الله وبين مكاسبهم؟ اهـ من فضائل عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم. بائع الدباغ ترجم ابن عبد البر لسعد بن عائذ المؤذن مولى عمّار بن ياسر المعروف بسعد القرظ، وإنما قيل له سعد القرظ لأنه كان كلما اتجر في شيء وضع فيه، فاتجر في القرظ فربح فيه فلزم التجارة فيه. قلت: القرظ شجر يدبغ به، وفي مختار الصحاح: القرظ ورق السّلم يدبغ به، وقيل: قشر البلوط. وفي مادة سلم منه أيضا. والسلم: شجر من الغضاة، الواحدة: سلمة قال القاضي في المشارق: إن سعدا سمي به لأنه كان يتجر فيه. قلت: زاد في الإصابة أن البغوي روى عن القاسم بن الحسن بن محمد بن عمر بن حفص بن عمرو بن سعد القرظ عن آبائه أن سعدا اشتكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قلة ذات يده، فأمره بالتجارة فخرج إلى السوق فاشترى شيئا من قرظ فباعه، فربح فيه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمره بلزوم ذلك، قال الشيخ الطيب بن كيران في شرح ألفية العراقي في السير: ففيه أن من رزق من باب فليلزمه اهـ.   (1) ج 2 ص 505/ 506. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 وقد سبق أن أم المؤمنين زينب بنت جحش كانت امرأة صناع اليد، فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق. وفي طبقات ابن سعد عن أسماء بنت عميس قالت: أصبحت في اليوم الذي أصيب فيه جعفر وأصحابه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد هنأت يعني دبغت أربعين إهابا من أدم، وعجنت عجيني فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم القصة. باب في الأديم [الجلد الطائفي] ترجم في الإصابة خليسة جارية أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب فذكر فيها أن سودة إحدى أمهات المؤمنين كانت تعمل الأديم الطائفي. الحطاب «ذكر ابن رشد في البيان والتحصيل قصة أصلها في جامع الترمذي ج 3 ص 522 وسنن النسائي وهي أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكي إليه الفاقة ثم عاد فقال يا رسول الله لقد جئت من أهل بيت ما أرى أن أرجع إليهم حتى يموت بعضهم قال انطلق هل تجد من شيء فانطلق فجاء بحلس [حلس البيت ما يفرش تحت القتب ونحوه] فقدم فقال: يا رسول الله هذا الحلس كانوا يفرشون بعضه ويلتفون ببعضه وهذا القدح كانوا يشربون فيه فقال: من يأخذهما مني بدرهم فقال رجل: أنا فقال من يزيد على درهم فقال رجل: أنا آخذهما بدرهمين فقال: هما لك فدعا بالرجل فقال اشتر بدرهم طعاما لأهلك وبدرهم فأسا ثم ائتني ففعل ثم جاء فقال: انطلق إلى هذا الوادي فلا تدعن شوكا ولا حطبا ولا تأتيني إلا بعد عشر ففعل، ثم أتاه فقال: بورك فيما أمرتني به فقال: هذا خير لك من أن تأتي يوم القيامة في وجهك نكتة من المسألة أو خموش من المسألة «1» . (الخموش الخدش في الوجه) » . الدلال وهو السمسار «في الصحيحين طاوس عن ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلقى الركبان وأن يبيع حاضر لباد وفي البخاري عن طاوس عن أبيه سألت ابن عباس ما معنى قوله: لا يبيعن حاضر لباد قال: لا يكون له سمسارا» «2» . قلت: قال شيخنا في الفجر الساطع: المراد بالسمسار هنا هو المتولي العقد بين البائع والمشتري بأجر، كالسماسرة القاعدين بالحوانيت وليس المراد به كما سبق اهـ. وفي فتح الباري: السماسرة بمهملتين هو في الأصل القيّم بالأمر والحافظ له، ثم استعمل في متولي البيع والشراء لغيره اهـ.   (1) روى أبو داود هذه القصة في كتاب الزكاة ج 2 ص 292 بألفاظ مقاربة. عن أنس بن مالك. (2) انظر كتاب البيوع ج 3 ص 28 من صحيح البخاري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 وفي القاموس؛ السمسار: بالكسر المتوسط بين البائع والمشتري. قال الشمس ابن الطيب الفاسي في حواشيه: قلت هو الذي يسميه الناس الدلال، فإنه يدل المشتري على البائع. وهو لفظ أعجمي كما قاله الخطابي في معالم السنن وغيره واغفل المصنف ذلك اهـ وقد ألف في مسألة السماسرة وأحكامهم أبو العباس الأبياني التونسي. النساج قال العيني: بفتح النون وتشديد السين المهملة وفي آخره جيم ويلتبس بالنساخ بالخاء المعجمة «في الصحيح «1» عن سهل بن سعد قال جاءت امرأة ببردة منسوجة قال: أتدرون ما البردة؟ كساء مخطط. وقيل: كساء مربع أسود، فقيل: نعم هي الشملة منسوج في حاشيتها فقالت: يا رسول الله إني نسجت هذه بيدي فجئت أكسوكها فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم. الحديث» . قلت: ترجم على الحديث أيضا البخاري فقال في كتاب البيوع: باب النساج ثم ذكره. قال العيني: قولها منسوجة وقولها إني نسجت لا يدل على النساج ضرورة اهـ وأخرج الحديث المذكور أيضا البخاري في أبواب من استعد للكفن من أبواب الجنائز فانظره فيهما. وفي الأحياء في أواخر كتاب الفقر والزهد من ربع المنجيات، عن سنان بن سعد قال: حكت للنبي صلى الله عليه وسلم جبة من صوف، وجعلت حاشيتها سوداء فلما لبسها قال: انظروا ما أحسنها وما أبهجها. فقام إليه أعرابي فقال يا رسول الله هبها لي. قال فكان إذا سئل شيئا لم يبخل به فدفعها إليه، وأمر أن تحاك له جبة أخرى، فمات وهي في المحاكة الخ قال العراقي في تخريج أحاديث الأحياء: أخرجه الطيالسي والطبراني من حديث سهل بن سعد وهو عند الطبراني في القضية الأخيرة، ووقع في كثير من نسخ الإحياء سنان بن سعد وهو غلط اهـ ونقله الحافظ في الإصابة عنه وأقره. قلت: وبذلك تعلم ما في قول الحافظ ابن القيم في الطرق الحكمية: لم يكن في المدينة حائك بل كان يقدم عليهم بالثياب من اليمن والشام وغيرهما، فيشترونها ويلبسونها اهـ منه. قلت: خصوصا وفي القصة السابقة أن المصطفى عليه السلام لما خرج بالبردة التي صنعت له المرأة فاستحسنها فلان، فكساه إياها قال الحافظ في الفتح: في الجنائز، وأفاد الطبراني في رواية زمعة بن صالح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يصنع له غيرها فمات قبل أن تفرغ اهـ انظره. وأخرج أبو داود الطيالسي عن سعد بن سهل قال: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وله جبة صوف في   (1) انظر في البخاري كتاب الجنائز ج 2 ص 78. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 الحياكة، وروى أبو الشيخ عنه قال خيطت للنبي صلى الله عليه وسلم جبة من صوف أنمار فلبسها الحديث كما سبق الخ. وفي تلبيس إبليس للحافظ ابن الجوزي: كان الزبير بن العوام وعمرو بن العاص وعامر بن كريز خزازين، أي يعملون الخز وهي نساجة تنسج من صوف وإبريسم. الخياط قلت: هو بفتح الخاء المعجمة وتشديد الياء قال العيني في العمدة: ويلتبس هذا بالحناط بفتح الحاء المهملة وتشديد النون وهو بياع الحنطة، وبالخباط بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء وهو بياع الخبط، ومنهم عيسى ابن أبي عيسى كان خياطا ثم صار خباطا. وفي طبقات ابن سعد عن عائشة قالت: كان صلى الله عليه وسلم يعمل عمل البيت، وكثيرا ما يعمل الخياطة. في المعارف لابن قتيبة: كان عثمان بن طلحة الذي دفع إليه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة خياطا وذكره ابن دريد في الوشاح. قلت: ونحوه لابن الجوزي في تلبيس ابليس. وأخرج ابن عساكر والخطيب عن سهل بن سعد رفعه: عمل الأبرار من الرجال الخياطة، وعمل الأبرار من النساء المغزل. وفي الصحيح أن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه له. قال فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام. وعليه بوّب البخاري في كتاب البيوع فقال: باب الخياط. وذكر الحديث المذكور. قال العيني في العمدة: قال الخطابي وفيه جواز الأجرة على الخياطة ردا على من أبطلها بعلة أنها ليست بأعيان مرئية ولا صفات معلومة، وفي صنعة الخياطة معنى ليس في سائر ما ذكره البخاري، من ذكر القين والصائغ و النجار ؛ لأن هؤلاء الصناع إنما يكون منهم الصنعة المحضة فيما يستصنعه صاحب الحديد والخشب والفضة والذهب وهي أمور من صنعة يوقف على حدها، ولا يختلط بها غيرها. والخياط إنما يخيط الثوب في الأغلب بخيوط من عنده، فجمع إلى الصنعة الآلة وإحداهما معناها التجارة والآخرى الإجارة، وحصة أحدها لا تتميز من الآخرى، وكذلك هذا في الخراز والصباغ إذا كان يغرز بخيوطه، ويصبغ هذا بصبغه على العادة المعتادة فيما بين الصناع، وجميع ذلك فاسد في القياس إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم وجدهم على هذه الحالة أول زمن الشريعة فلم يغيرها؛ إذ لو طولبوا بتغييرها لشق عليهم فصار بمعزل من موضع القياس والعمل به ماض صحيح لما فيه من الأرفاق اهـ. النجار تقدم في ذكر المنبر النبوي الخلاف في اسم صانعه، وهنالك ما يدل على استظهار أن سبعة من المحترفين بهذه الصنعة اجتمعوا على صنعه، كما سبق قول العباس في غلام له نجار: إعمل للناس وكما سبق أنه صلى الله عليه وسلم رمى أهل الطائف بالمنجنيق. وأن جماعة من الصحابة زحفوا إلى جدار الطائف ليحرقوه تحت دبابة، وأن نار هذه الدبابة أول دبابة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 صنعت في الإسلام، مما يدل على أن هذه الصناعة كانت نافقة في الزمن النبوي. المهد للصبيان وجدت في الإصابة في ترجمة إبراهيم بن المصطفى عليه السلام إن إسماعيل السدي روى عن أنس قال: كان إبراهيم قد ملأ المهد فدل على وجوده في ذلك الزمن وعلى صانعه. وفي كتب السير والموالد ذكر المهد له عليه السلام، قال الشهاب الحلواني في مولده الكبير: المهد سرير المولود الذي يربى فيه ويحرك به لينام، ويطلق على الفراش أيضا مجازا مرسلا على زمن الطفولية. وفي الرقائق أن ابن أبي ذيب كلم المنصور فأغلظ له القول وقال: والله يا أمير المؤمنين إني أنصح لك من ابنك المهدي، ثم لقي سفيان فقال له: يا أبا الحرث لقد سرنا ما خاطبت به هذا الجبار، لكني ساءني قولك له: ابنك المهدي فقال: يغفر الله لك يا أبا عبد الله، كلنا مهدي كلنا كان في المهد اهـ. وفي الخصائص الكبرى للحافظ السيوطي قال ابن الطراح: رأيت في كتاب الترقيص لأبي عبد الله محمد بن المعلى الأزدي أن من شعر حليمة لما كانت ترقص لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ربّ إذ أعطيته فابقه ... وأعله إلى العلا وارقه وادحض أباطيل العدا بحقه وفي ترجمة عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب من الإصابة يقال: إن الزبير بن عبد المطلب كان يرقص النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير ويقول: محمد بن عبدم: عشت بعيش أنعم ... في عزّ فرع أسنم وفي ترجمة الشيماء بنت الحارث من الإصابة ذكر محمد بن المعلى الأزدي في كتابه الترقيص قال: وقالت الشماء ترقص النبي صلى الله عليه وسلم: يا ربنا ابق لنا محمدا ... حتى أراه يافعا وأمردا ثم أراه سيّدا مسوّدّا ... واكبت أعاديه معا والحسّدا وأعطه عزا يدوم أبدا قال فكان أبو عروة الأزدي إذا أنشد هذا يقول: ما أحسن ما أجاب الله دعاها. صانع الأقداح من الخشب للشرب في سيرة ابن إسحاق من قصة لأبي رافع: وكنت أعمل الأقداح أنحتها في حفرة زمزم، ونحوه في ترجمته من طبقات ابن سعد. الصوّاغ صاغ الشيء: صوغا وصياغة سبكه. وقال العيني في العمدة: الصوّاغ بفتح الصاد على وزن فعّال بالتشديد؛ هو الذي يعمل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 الصياغة، وبضم الصاد جمع صائغ اهـ وقال القسطلاني الصوّاغ صائغ الحلي. بوّب البخاري باب ما قيل في الصوّاغ ثم خرج عن علي أنه لما أراد أن يا بني بفاطمة عليها السلام قال: وعدت رجلا صواغا من بني قينقاع (شعب من يهود المدينة) أن يرتحل معي فنأتي باذخر أردت أن أبيعه من الصواغين وأستعين به في وليمة عرسي وفي الصحيح أيضا قول العباس رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه لنبات مكة إلا الأذخر لصاغتنا وسقفا لبيوتنا. قلت: قال الحافظ في الفتح على حديث الترجمة: يؤخذ منه جواز معاملة الصائغ ولو كان غير مسلم، ويؤخذ منه أنه يلزم من دخول الفساد في صنعة أن تترك معاملة صاحبها، ولو تعاطاها أراذل الناس مثلا. ولعل المصنف أومأ إلى حديث «أكذب الناس الصواغون، وهو حديث مضطرب الإسناد أخرجه أحمد وغيره اهـ «1» . ثم قال: وغرض الترجمة ذكر الصياغة وتقرير المصطفى على ذلك. وقد ترجم في الإصابة لأبي رافع الصوّاغ، فذكر أن إبراهيم الحربي خرج في غريب الحديث بسند جيد عن أبي رافع قال: كان عمر يمازحني يقول: أكذب الناس الصائغ يقول اليوم: غدا. وقال البدر الدماميني على الصحيح، على باب الصواغ عن ابن المنير: وفي معاملة الصواغ تنبيه على أنها صنعة جيدة لا تجتنب معاملة صاحبها، لا من حيث الدين ولا من حيث المروءة، وربما كثر الفساد في صنعته، ويتعاطاها أراذل الناس كاليهود. فما ذلك يقدح فيمن يتناولها، ولا يحط من درجته في العدالة إلى أن قال: الظاهر أن الصناعة التي يصير تعاطيها عند أهل العرب علما على دناءة الهمة وسقوط المروءة قادحة فيمن يتعاطاها، في زمن يقرر ذلك العرف ومكانه. وقد قال ابن محرز من أصحابنا المالكية: لا ترد شهادة ذوي الحرف الدنية؛ كالكناس والدبّاغ والحجّام والحائك إلا من رضيها اختيارا ممن لا يليق به، لأنها تدل على شيء في عقله اهـ من المصابيح له. النقاش خرّج ابن أبي حاتم في العلل، من طريق العقيلي عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أمه قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقيل فوهب له خاتما أهداه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي، مثل الفلكة، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: قل هو الله أحد والمعوذتين وقال: قال أبي: حديث منكر، والعقيلي هو ابن عبد الله بن محمد بن عقيل. وحديثه ليس بشيء. وفي العلل أيضا وسألت أبي عن حديث رواه القاسم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر أن النجاشي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم خاتم فضة، فيه   (1) انظره في الجزء الثاني من المسند ص 292 وفي طبعة المكاتب الإسلامي 385 ونصه: أكذب الناس أو من أكذب الناس الصواغون والصباغون من حديث أبي هريرة. وهو في سنن ابن ماجه ج 2 ص 728 ورقمه 2152. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 تمثال فكتب النبي صلى الله عليه وسلم حوله قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس قال أبي: حديث منكر والقاسم متروك الحديث اهـ. قلت: المنكر قد يطلق عندهم على الحديث الفرد، وإن كان أراد النكارة بمعناها فيغني في الباب أحاديث نقشه صلى الله عليه وسلم اسمه الكريم على خاتمه للختم به، على مكاتيب الملوك ونحوهم. ففيه أن النقش وقع بالمدينة، ولا يكون إلا من نقاش وفي الاكتفاء للكلاعي في حق أبي لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة أنه كان نقاشا حدادا نجارا الخ. صنع الأنف من ذهب ترجم في الإصابة للضحاك بن عرفجة السعدي، فذكر أن ابن منده روى عنه أنه أصيب أنفه يوم الكلاب، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفا من ذهب قال الحافظ هكذا أوردوا والمشهور أن الذي أصيب أنفه عرفجة وانظر ترجمة طرفة بن عرفجة أيضا من الإصابة من ص 284 من ج 3 وحديث عرفجة هذا في جامع الترمذي «1» . وقال وقد روي عن غير واحد من أهل العلم أنهم شدوا أسنانهم بالذهب فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الذهب خاصيته أن لا ينتن. قلت: بوّب على حديثه أبو داود في السنن باب ما جاء في ربط الأسنان بالذهب، ثم خرج أن عرفجة بن أسعد قطع أنفه يوم الكلاب «2» فاتخذ أنفا من ورق، فأنتن عليه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفا من ذهب. قلت: وهذا أعظم ما يدل على تقدم في دقة الصنعة والاتقان، لأن صنع الأنف من ذهب وتركبيه في محله ليس مما يستطيعه كل عامل أو صانع، وأخرج ابن سعد في الطبقات: أن عثمان كان يشد أسنانه بالذهب. وبذلك تعلم ما في عدّ بعضهم علم جراحة الأسنان وتركيبها من الاكتشافات الحديثة، كما حكاه البستاني في حرف السين من دائرة المعارف ص 125 ج 10. وهو مردود بما ذكر بأنه ورد في قصائد شعراء اليونان واللاتين ذكر الأسنان الاصطناعية. إحداث الرحى الهوائية في آخر خلافة عثمان والصحابة متوافرون في وفيات الأسلاف للشهاب المرجاني ص 335 أن العرب أحدثوا الرحى الهوائية بالرياح المحدثة المترددة في الصناديق المتعددة، وكان ذلك سنة 29 بعد الهجرة في خلافة عثمان.   (1) عثرت عليه في مسند أحمد ج 5 ص 23 والمكتب الإسلامي ص 461 ج 4 ونصه: عن عبد الرحمن بن طرفة أن جده عرفجة أصيب أنفه يوم الكلاب في الجاهلية فاتخذ أنفا من ورق (فضة) فانتن عليه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفا من ذهب. وفي الترمذي كتاب اللباس ج 4/ 240. (2) انظر أيام العرب في كتاب بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب للآلوسي ج 2/ 72. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 المصور ترجم البخاري «1» في الصحيح باب: بيع التصاوير التي ليس فيها روح وما يكره من ذلك، ثم أخرج عن سعيد بن أبي الحسن قال كنت عند ابن عباس إذ أتاه رجل فقال: يا ابن عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي، وأني أصنع هذه التصاوير. فقال ابن عباس بعد تحديثه بحديث النهي: إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر، كل شيء ليس فيه روح. وفي كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام ملك العلماء علاء الدين ابن مسعود الكاساني الحنفي ص 117 من ج 1 عن ابن عباس أنه نهى مصورا عن التصوير. فقال: كيف أصنع وهو كسبي؟ فقال إن لم يكن بد فعليك بتمثال الأشجار. وذكر فيه أن الصورة إذا كانت صغيرة لا تبدو للناظر من بعيد، فلا بأس بها لأن من يعبد الأصنام لا يعبد الصغير منها جدا. ونص على أن الصورة إذا كانت في البساط في مؤخر القبلة، أو تحت قدم المصلي قال: لا تكره الصلاة عليه. بل لا بأس. وقد روي أنه كان على خاتم لأبي موسى ذبابتان، وروي أنه لما وجد خاتم دانيال في عهد عمر كان على فصه أسدان بينهما رجل يلحسانه اهـ من البدائع. وفي مواكب ربيع أنه كان نقش خاتم دانيال عليه السلام صورة أسدين يلحسانه لئلا ينسى نعمة ربه، وبه ظفر أبو موسى الأشعري حين وجد قبره بنهر السوس، كورة من كور الأهواز بين البصرة وفارس، أيام عمر. فأخرجه وكفنه وصلى عليه ثم أقبره في نهر السوس. وكان ذلك الخاتم في يد أبي بردة بن أبي موسى اهـ ص 192. وفي شرح الطريقة المحمدية للعارف النابلسي ص 308 من ج 2 نقلا عن الكافي: كان على خاتم أبي هريرة ذبابتان، وعلى خاتم دانيال صورة أسد ولبوة وبينهما صبي يلحسانه، فلما نظر إليه عمر أغرورقت عيناه، وذلك أنه ألقي في غيضة وهو رضيع، فقيض الله له أسدا يحفظه ولبوة ترضعه وهما يلحسانه، فأراد بهذا النقش أن يحفظ منّه الله عليه. وكان لابن عباس كانون [موقد] محفوف بصور صغار، وقد وجد خاتم دانيال المذكور في عهد عمر فدفعه لأبي موسى، وذلك أن بختنصر قيل له: يولد مولود يكون هلاكك على يده، فجعل يقتل من يولد فلما ولدت أم دانيال ألقته في غيضة رجاء أن يسلم من القتل، فقيض الله له الأسد واللبوة كما ذكر في النهاية والفتح. ثم ذكر عن البحر واختلفوا فيما إذا كانت الصورة على الدراهم والدنانير. هل تمتنع الملائكة من دخول البيت بسببها؟ فذهب القاضي عياض إلى أنهم لا يمنعون، وأن الأحاديث مخصصة: وذهب الثوري إلى القول بالعموم. وفي الصميربي: إذا كانت التصاوير مستورة لا بأس بها ونحوه في الخلاصة،   (1) انظر ج 3 ص 40 باب 104. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 وجامع الفتاوي. ولو كانت في يده تصاوير وأمّ لا تكره إمامته كما في خزائن الفتاوي. ولو هدم بيتا مصورا بالإصباغ ضمن قيمة البيت وأصباغ غير مصوريها، كما في التفاريق اهـ. ونقل المناوي في شرح الشمائل؛ في باب الخاتم عن ابن جماعة: أخطأ في هذا المقام؛ من زعم أن خاتم المصطفى كان فيه صورة شخص، قال المناوي: وإطلاق الخطأ لا ينبغي. فقد قال الزين العراقي: قد ورد من حديث مرسل أو معضل وآثار موقوفة نقش الصورة على الخاتم، فأما الحديث المعضل أو المرسل فرواه عبد الرزاق عن معمر أن عبد الله بن محمد بن عقيل أخرج خاتما وزعم أن المصطفى كان يختم به فيه تمثال أسد. قال: فرأيت بعض أصحابنا غسله بالماء ثم شربه. وهذا مرسل أو معضل لا تقوم به حجة. وأما الموقوفات فخرّج ابن أبي شيبة في مصنفه عن حذيفة أنه كان في خاتمه كركيان متقابلان بينهما مكتوب: الحمد لله. وأخرج أيضا أنه كان نقش خاتم أنس أسدا وأنه أيضا كان خاتم عمران بن حصين نقشه: تمثال رجل متقلدا سيفا قال الزين العراقي: وهذه موقوفات لا حجة فيها، وبعضها لا يصح وليس فيها شيء بغير علة إلا أثر أنس، وهو معارض بالأحاديث الصحيحة في منع التصوير اهـ. قلت: قصة خاتم عمران هذه وما نقش فيه من تمثال رجل خرجه أيضا ابن سعد في الطبقات في ترجمته انظر ص 5 ج 6 وأثر أنس فيها أيضا بلفظ: كان في خاتم أنس ذيب أو ثعلب أنظر ص 11 ج 7. وفي ترجمة القاضي شريح منها كان نقش خاتم شريح أسدان بينهما شجرة، وفيها أيضا لدى ترجمة أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أنه كان في خاتمه رأس كركي أو نقش كركي بين أحبل انظر ص 146 ج 6 وفيها أيضا في ترجمة الضحاك بن مزاحم الإمام العظيم الشأن أن خاتمه كان من فضة فيه فص شبه القوارير وكان نقشه صورة طائر انظر ص 210 من ج 6. وفي المواهب الفتحية في علوم اللغة العربية، للشيخ حمزة فتح الله المصري ص 253 من ج 1 أن معاوية بن أبي سفيان ضرب دنانير عليها تمثاله متقلدا بسيفه اهـ ولكن قال العلامة الوزير جودت باشا التركي في مقدمة تاريخه أنه نقل بعض المؤرخين أنه ضرب على السكة صورة معاوية، وخالد بن الوليد متقلدين سيفهما وتابعهم واصف أفندي في ذلك. فأدرج في تاريخه أن معاوية كتب صورته على السكة متقلدا سيفه ولكن هذه الرواية المذكورة لم يصل نقلها إلى درجة الثبوت اهـ من تعريبه ص 270 وانظر ما سبق في الوسادة لدى القسم الأول. وفي رحلة الحافظ أبي القاسم التجيبي أخبرنا المسند المعمر، الصدوق ناصر الدين أبو حفص بن عبد المنعم الدمشقي بقراءتي عليه، عن الشيخ الفقيه الإمام الفاضل موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، قال: روينا أن عمر بن الخطاب لما قدم الشام صنع أهل الكتاب له طعاما فدعوه فقال: أين هو فقالوا في الكنيسة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 فكره دخولها وقال لعلي: اذهب بالناس، فذهب علي بالمسلمين فدخلوا وأكلوا «1» ، وجعل علي ينظر إلى الصور وقال: ما على أمير المؤمنين لو دخل وأكل منها، وقد رأيت هذه القصة بعنيها في كتاب ذمّ الموسوسين وذم الوسوسة للإمام موفق الدين بن قدامة المذكور، انظر ص 19 منه طبعة مصر. وفي شرح كشف القناع على متن الإقناع للشيخ منصور بن إدريس الحنبلي، من كبار كتب الحنابلة، لما ذكر متنه أن المدعو للوليمة إن شاهد ستورا معلقة فيها صور حيوانات وأمكنه حطها أو قطع رأسها فعل، وإن لم يمكنه ذلك كره له الجلوس، إلا أن تزال، ما نصه: قال في الإنصاف: والمذهب لا يحرم اهـ لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فرأى فيها صورة إبراهيم واسماعيل يستقسمان الأزلام، فقال: قاتلهم الله لقد علموا أنهما ما استقسما بها قط رواه أبو داود «2» ولأن دخول الكتاتيب والبيع غير محرم، وهي لا تخلو منها وكون الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة لا يوجب تحريم دخوله، كما لو كان فيه كلب ولا يحرم علينا صحبة رفقة فيها جرس، مع أن الملائكة لا تصحبهم، ويباح ترك الإجابة إذن عقوبة للفاعل وزجرا له عن فعله اهـ منه. ووقع في كلام لبعض المصريين: اشتهر العرب في العصر العباسي بالتصوير على الجدران، وعلى صفحات الكتب بحروف تخطيطية كانت ذات اتقان زائد، وقد اطلعنا على كتاب قديم يرجع تاريخه إلى القرن الثالث الهجري، رسم فيه مؤلفه جماعة من النوابغ الإعلام، واطلعنا أخيرا على عدة كتب مصورة يرجع عهدها إلى القرن الرابع والخامس والسادس. ومن قرأ تاريخ الأندلس وجد أن الخليفة عبد الرحمن الناصر بني قصر الزهراء، الذي يضرب به المثل، وجعله مسكنا للزهراء جاريته، وسماه باسمها الزهراء. ونقش صورتها على بابه رمزا للرسم التخطيطي. وقال الشريف أبو عبد الله الجواني في كتاب النقط على الخطط أن الخليفة الآمر بأحكام الله، قد بنى قنطرة من الخشب مدهونة بالألوان، وصور فيها الشعراء كل شاعر وبلده، واستدعى من كل واحد منهم قطعة من الشعر في المدح، وكتب ذلك عند رأس كل شاعر، وبجانب صورة كل واحد منهم رف لطيف مذهّب. فلما دخل الآمر هذه القنطرة وقرأ الأشعار ابتهجت نفسه، وأمر أن يوضع على كل رف صرّة مختومة، تحتوي على خمسين دينارا، وأن يدخل كل شاعر يأخذ صرته بيده، وكانوا عدة شعراء. وعثر في أطلال   (1) ما قرأت في مكان آخر خبر دخول علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الشام. فهل كان بصحبة عمر حينما قدم إلى القدس. مأظن أن هذا الخبر إمدسوس. والله أعلم. مصححه. (2) راجع البخاري كتاب الأنبياء ج 4 ص 111 ونصه: عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمحيت، ورأى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بأيديهما الأزلام فقال: قاتلهم الله، والله إن استقسما بالأزلام قطّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 الحمراء بغرناطة في الأندلس، على صورة تمثل قضاة على طراز عربي، يظهر أنها من آثار القرن الثامن الهجري اهـ. قلت: صورة القضاة الأندلسيين التى ذكر، وقفت عليها منقولة عن الأصل المذكور بالفوتو غراف. وأخبرني بعض من دخل مكتبة باريز أنه رأى كتابا لبعض فلكيي القرن السادس والسابع في التاريخ اشتمل على صورة كثير من أعلام الإسلام؛ منها الصورة النبوية «1» والظاهر أنها صورة خيالية لا حقيقية. ورأيت المقريزي ينقل في الخطط عن كتاب سماه ضوء النبراس وأنس الجلاس في أخبار المزوقين من الناس قال: وأنه ألف في طبقات المصورين. وللزهراوي الطبيب كتاب في الجراحة يرجع تاريخه لسنة 584 فيه صور الآلات الجراحية بالإتقان التام، ويستدل منها على أن بعضها كان مثل الآلات الجراحية التي يظن حدوثها منذ عهد قريب انظر مادة كتب من دائرة المعارف الوجدية. وكنت رأيت في دمشق صورة يدوية للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، وولي الدين ابن خالدون، والأخيرة ظفرت بها وهي عندي منقولة عن صورة وجدت بالأسكوريال من بلاد اسبانية والله أعلم. اتخاذ الشحم للإستصباح ودهن السفن وغيرها في الصحيح «2» عن جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة، فإنها تطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا هو حرام، ثم قال عند ذلك: قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها أجملوه أي أذابوه ثم باعوه ثم أكلوا ثمنه. قال القاري في شرح المشكاة على قوله: تطلى بها السفن بضمتين جميع سفينة، أخشابها وقال النووي: الضمير في هو يعود إلى البيع، لا الإنتفاع وهذا هو الصحيح عند الشافعي وأصحابه، وعند الجمهور: لا يجوز الإنتفاع به أصلا لعموم النهي إلا ما خص وهو الجلد المدبوغ، فالصحيح من مذهبنا جواز الإنتفاع بالإدهان النجسة من الخارج كالزيت والسمن وغيرهما بالإستصباح وغيره، بأن يجعل الزيت صابونا، أو يطعم النحل العسل المتنجس وأجاز أبو حنيفة وأصحابه بيع الزيت النجس إذا بينه اهـ. بيع اللبن عن أبي بكر بن أبي مريم قال كانت للمقدام بن معدي كرب جارية تبيع اللبن ويقبض   (1) في بلاد العجم يهتمون بالصور كثيرا، وخاصة على السجاد النفيس الذي يعلق على الجدران وقد صوروا الإمام علي وأبناءه كما أنهم رسموا للنبي صلى الله عليه وسلم صورة في غاية البعد عما هو معروف من كتب الشمائل. والعجيب أن المؤلف يستشهد على إباحة الصور بما فعله الملوك وبعض المؤلفين، مع أن النصوص قاطعة بتحريمها. مصححه. (2) انظر الجزء 3 ص 43 من كتاب البيوع باب 112. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 المقدام ثمنه، فقيل له: سبحان الله أتبيع اللبن وتقبض الثمن؟ قال: نعم. وما بأس بذلك. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليأتين على الناس زمان لا ينفع إلا الدينار والدرهم، أورده التبريزي في المشكاة وعزاه لأحمد «1» قال القاري: عليها نقل عن الطيبي معناه: لا ينفع الناس إلا التكسب إذ لو تركوه لوقعوا في الحرام. كما روي عن بعضهم أنه قيل له: إن التكسب يدنيك من الدنيا فقال: لئن أدناني من الدنيا فقد صانني عنها، وكان السلف يقولون: اتجروا واكتسبوا فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه، وروي عن سفيان وكانت له بضاعة يقلبها ويقول: لولا هذه [الدنانير] لتمندل بي بنو العباس، أي جعلوني كالمنديل يمسحون بي أوساخهم اهـ. الحداد «في الصحيح عن أنس بن مالك قال دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم (والدا له من الرضاعة) لأن زوجته أم بردة أرضعته بلبنه، وفي الإستيعاب، قال أنس في قصة موت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق عليه السلام وانطلقت معا فصادفنا أبا سيف ينفخ في كيره، وقد امتلأ البيت دخانا فأسرعت المشي أمام النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتهيت إلى أبي سيف فقلت: يا أبا سيف أمسك، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك القصة» . ترجم البخاري في الصحيح باب ذكر القين والحداد «2» قال الحافظ بفتح القاف، وقال ابن دريد: أصل القين الحداد ثم صار كل صانع عند العرب قينا، وقال الزجّاج: القين الذي يصلح الأسنة، والقين أيضا الحداد. وكان البخاري اعتمد القول الصائر إلى التغاير بينهما، وليس في الحديث الذي أورده في الباب إلا ذكر القين، وكأنه ألحق الحداد به في الترجمة لاشتراكهما في الحكم اهـ. والحديث الذي ذكره البخاري عن خبّاب قال؛ كنت قينا في الجاهلية وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد فقلت: لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث «3» القصة. وقال العيني في العمدة: قال مقاتل: صاغ خبّاب للعاص شيئا من الحلي، فلما طلب منه الأجر قال: أنتم تزعمون أن في الجنة الحرير والذهب والفضة والولدان. قال خباب: نعم قال: العاصي فميعاد ما بيننا الجنة. وقال الواحدي وقال الكلبي ومقاتل: كان خباب قينا اهـ ثم قال العيني وفي الحديث: أن الحداد لا يضره مهنة صناعته إذا كان عدلا. قال أبو العتاهية: ألا إنما التقوى هو العز والكرم ... وحبّك للدنيا هو الذل والعدم   (1) انظره في المسند ج 4 ص 183 من طبعة المكتب الإسلامي وص 133 ج 4 من الطبعة الأولى. (2) انظر كتاب البيوع ج 3 ص 13 باب 29. (3) انظر كتاب البيوع ج 3 ص 13 باب 29. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 وليس على حر تقي نقيصة ... إذا أسس التقوى وإن حاك أو حجم وترجم في الإصابة للأزرق بن عقبة الثقفي، مولى الحرث بن كلدة وأنه أسلم لما حاصر عليه السلام الطائف وقال: ثم كان حدادا وقينا اهـ انظر ص 27. وفي الأجوبة المهمة للشيخ الكنتي: أصل صناع الحديد والورق في الدولة الإسلامية أنه عليه السلام لما افتتح خيبر سبى فيما سبى ثلاثين قينا وكانوا صناعا سماسر وحدادين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اتركوهم بين المسلمين ينتفعون بصناعتهم، ويتقوون بها على جهاد عدوهم، فتركوا لذلك فمن تعلم عليهم الصناعة سمي صانعا أو معلما، ومن كان من أصلهم سمي قينا. فصاروا من يومئذ يلتجئون وينضوون إلى أكابر الناس أخرجه الخطيب القسطلاني اهـ منها. وترجم في الإصابة لبشر بن قيس التميمي فذكر أن ابن شاهي خرج عن بشر بن قيس أنه قدم على المصطفى صلى الله عليه وسلم ومعه ابنه رجيح، وهما مقرونان في سلسلة كانت عليه، فقال: يا بشر إقطعها فليست عليك يمين فقطعها وأسلم. قلت: وقد غفل الحافظ في الفتح، لدى ترجمة باب الأسارى في السلاسل، من كتاب الجهاد عما عزاه لابن شاهين في الإصابة، فإنه نقل عن إبراهيم الحربي ما ينفي وجود السلسلة الحقيقية. وقد خرج البخاري في سورة آل عمران، من كتاب التفسير، عن أبي هريرة في قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران: 110] قال: خير الناس للناس يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم، حتى يدخلوا في الإسلام. البناء البناآت النبوية «بنى صلى الله عليه وسلم مسجد قباء أول ما ورد المدينة، ووقف على أساسه قال السهيلي في الروض: ذكر ابن أبي خيثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أسس مسجد قباء، كان هو أول من وضع حجرا في قبلته، ثم جاء أبو بكر بحجر فوضعه، ثم جاء عمر بحجر فوضعه إلى حجر أبي بكر ثم أخذ الناس في البنيان فيستخرج هذا أول من بنى مسجدا في الإسلام» . الأصل في وضع الرؤساء والملوك أول حجر للمعاهد العلمية والدينية والقومية يؤخذ مما قبله. تعيين الإمام موضع المسجد وتعيين محل القبلة ترجم في الإصابة أسامة الحنفي فذكر أن البارودي في الصحابة أخرج من طريق معاذ بن عبد الله بن خبيب عن رجل عن أسامة الحنفي قال لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 السوق فقلت لهم: أين يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: يريد أن يخط لقوم مسجدا. الحديث انظر ص 32 ج 1. وترجم فيها أيضا جابر بن أسامة الجهني فذكر أن البخاري في تاريخه، وابن أبي عاصم والطبراني وغيرهم، خرّجوا من طريق أسامة بن زيد عن معاذ بن عبد الله بن خبيب، عن جابر بن أسامة الجهني قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسوق في أصحابه، فسألتهم أين يريد؟ قالوا: اتخذ لقومك مسجدا، فرجعت فإذا قومي فقالوا: خط لنا مسجدا وغرز في القبلة خشبة انظر ص 211 ج 1. أمر الإمام من ينوب عنه في تسمية البقعة مسجدا ذكر في الإصابة في ترجمة عبد الله بن عمير السدوسي، أن جده جاء بإداوة من عند النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قال له: إذا أتيت بلادك رش به تلك البقعة، واتخذها مسجدا أخرجه الطبراني في الأوسط. مسجد المدينة «قال عليه السلام كما في الصحيح «1» ، وغيره إلى بني النجار بعد أن ارسل إليهم وكان موضع المسجد لهم: ثامنوني بحائطكم هذا. فقالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، فصفوا النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضاديته حجارة وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون قال ابن اسحاق: فعمل فيه النبي صلى الله عليه وسلم ليرغب المسلمين في العمل وذكر ابن جماعة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المسجد فبنى باللبن، وجعلت عضادتاه بالحجارة، وسواريه جذوع النخل وسقفه الجريد، وجعل طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائة ذراع، وفي الجانبين الآخرين مثل ذلك، فهو مربع، وجعل الأساس قريبا من ثلاثة أذرع على الأرض بالحجارة، ثم بنوه باللبن» . بناؤه صلى الله عليه وسلم المسجد ثلاث مرات منها ما لبنه بالأنثى والذكر في الفجر الساطع في باب بناء المسجد عن تفسير ابن عطية: بنى صلى الله عليه وسلم مسجده ثلاث مرات، الأولى بالسميط وهو لبنة أمام لبنة، والثانية بالضفرة وهي لبنة ونصف في عرض الحائط، والثالثة بالأنثى والذكر، وهي لبنتان تعرض عليهما لبنتان اهـ. مساكنه عليه السلام ثم بنى صلى الله عليه وسلم مساكنه إلى جنب المسجد باللبن، وسقفهما بجذوع النخل والجريد،   (1) ورد هذا الحديث في أكثر من موضع في صحيح البخاري انظره في كتاب الصلاة ج 1 ص 111 وفي كتاب البيوع ج 3 ص 117 في كتاب الوصايا ج 3 ص 196 وفي كتاب مناقب الأنصار ج 4 ص 266. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 وكان محيطها مبنيا باللبن، وقواطعها الداخلة من الحديد المكسو بالطين والمسوح الصوفية، وجعل لها أبواب منافذ متقنة الهواء، داعية إلى السهولة في الدخول والخروج وخفة الحركة، مع وفر الزمن والسرعة إلى المقصد وان منزل السيدة عائشة صفة إلى منزل السيدة فاطمة، وكان به فتحة إلى القبلة. يؤيد ذلك قول ابن زبالة: كان بين بيت حفصة ومنزل عائشة طريق، وكانتا تتهاديان الكلام، وهما في منزلهما من قرب ما بينهما، وكان بيت حفصة على يمين خوخة آل عمر، في جنوب بيت عائشة إلى الشرق، وكان من دونهما منازل بقية الأزواج الطاهرات. وكان بمنزل فاطمة شباك يطل على منزل أبيها وكان صلى الله عليه وسلم يستطلع أمرها منه. «قال السهيلي في الروض: إن بيوت النبي صلى الله عليه وسلم كانت تسعة بعضها من جريد مطين بالطين، وسقفها جريد وبعضها من حجارة موضوعة بعضها على بعض مسقفة بالجريد أيضا، وكان لكل بيت حجرة وهي أكسية من شعر مربوطة بخشب العرعر اهـ» . أقول: إذا علمت أنها تسعة وأن كل بيت لا بد له من محل لقضاء الحاجة، ومحل لمئونة السنة والطبخ ومحل للقاء الناس، ومحل لمبيت النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجته الطاهرة، وإن زدتها محل خزائن السلاح وأدوات النقل، ومحل الدواب والخيل والنعم والحمير، وغير ذلك من الممتلكات النبوية، وممتلكات بيت المال مع دار الضيوف، والسجن ومحل المرضى، ومحل أهل الصفة وغير ذلك من الضروريات ظهر لك عظم تلك المباني، وسعة تلك المرافق، وهذه الضروريات التي الإتساع في البناء ضروري لها يجهلها أكثر الناس اليوم. ويظنون أن مساكن النبي صلى الله عليه وسلم كانت في نهاية الضيق والقلة. ولعمري إذا أمكنه صلى الله عليه وسلم ذلك في المبادي، فكيف لا يتسع أكثر من ذلك في آخر امره ولو عاش في المدينة بعد الهجرة أكثر من عشر سنوات؟ وكان يشتغل فيها بغير الحروب وتوجيه البعوث وإرسال السرايا إلى الجهات فانظر ماذا كان يصنع. الدكة لجلوسه عليه السلام «ذكر أبو محمد ابن حيّان في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة وأبي ذر: كان صلى الله عليه وسلم يجلس بين ظهراني أصحابه، فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل، فطلبنا منه أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه، فبنينا له دكانا من طين يجلس عليه ونجلس بجانبيه» «1» . الحديث بذلك في صحيح مسلم في كتاب الإيمان في قصة مجيء جبريل، فاقتصار الخزاعي في العزو لمن ذكر ذهول وغفلة، وكان محل هذه الدكة هو الذي يعرف الآن في   (1) عثرت على هذا الحديث في سنن أبي داود ج 5 ص 74 ورقمه 4698 وألفاظه قريبة جدا من النص أعلاه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 المسجد النبوي باسطوانة الوفود. ففي تواريخ المسجد النبوي: أنها عرفت بذلك لأنه عليه السلام كان يجلس إليها لوفود العرب إذا جاءته، وقد تكلم عليها السمهودي في الوفا، والسيد جعفر البرزنجي في النزهة. أول بنّاء كان في الإسلام «في نفحة الحدائق والخمائل في ذكر الإبتداع والإختراع للأوائل أول بنّاء كان في الإسلام عمار بن ياسر» . امره عليه السلام في البناآت أن تكون على مقتضى القواعد الصحية قال البيهقي في شعب الإيمان: أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو محمد بن جعفر بن درستويه الفارسي حدثنا عتبة الحمصي ثنا اسماعيل هو ابن عياش عن أبي بكر الهذلي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله ما حق جاري علي؟ قال؛ إن مرض عدته، وإن مات شيعته، وإن استقرضك أقرضته، وإن عري سترته، وإن أصابه خير هنيته، وإن أصابته مصيبة عزيته، ولا ترفع بناءك فوق بنائه، فتسد عليه الريح، ولا توذّه بريح قدرك إلا أن تغرف له منها. قال البيهقي: إسناده ضعيف وله شواهد. خرّج ابن عدي في الكامل من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، رفعه نحوه وفيه: ولا تطيل عليه البناء، وتحجب عنه الريح إلا بإذنه. انظر آخر كتاب كوكب الروضة للحافظ السيوطي. وانظر ما سبق في معرفته عليه السلام بهندسة البناء تر عجبا. هدمه عليه السلام مسجد الضرار سمي مسجد الضرار لمحاولة الضرر ببنائه وكان الذين اتخذوه اثني عشر رجلا من المنافقين، وكان وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي لهم فيه، فنزل عليه الوحي بما أضمروه من التفريق بين المؤمنين، وإرادتهم به الطعن على الرسول، لتختلف الكلمة وذلك قوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة: 107] الآية فأمر عليه السلام بتحريقه وأن يجعل محله كناسة يلقى فيها الجيف والأزبال، ودعا مالك بن الدخشم ومعن بن عدي العجلاني وقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه واحرقاه. وفي رواية فدعا مالكا ومعنا وأخاه زاد البغوي وعامر بن السكن، ووحشيا قاتل حمزة فأحرق حتى وضع إلى الأرض، وتفرق عنه أصحابه فلما قدم عليه السلام المدينة عرضه على عاصم بن عدي ليتخذه دارا فقال: ما كنت اتخذه وقد أنزل الله فيه ما أنزل ولكن أعطه ثابت بن أقرن، فإنه لا منزل له فأعطاه فلم يولد في ذلك البيت مولود قط ولا حمام ولا دجاج. وروى ابن المنذر عن ابن جبير وابن جريج وقتادة قالوا: ذكر لنا أنه حفر في موضعه بقعة فأبصر الدخان يخرج منها وفي تفسير الواحدي قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وعامة أهل التفسير: الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكانوا اثني عشر رجلا، سرد ابن إسحاق وتبعه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 السهيلي والعمري وغيرهم أسماءهم انظر شرح المواهب، وراجع ما سبق في الكلام على الحدود، وفي أحكام القرآن لابن خويز منداد علي آية مسجد الضرار، وتضمنت الآية المنع من الضرر في المساجد، وفي بنيانها كذلك، قال أصحابنا: لا يجوز أن يا بنى مسجد إلى جنب مسجد لئلا يضر بأهل المسجد الأول، ويجب هدمه والمنع من بنائة، إلا أن تكون المحلة كبيرة ولا يكتفي أهلها بمسجد واحد فيا بنى الثاني. قالوا: ولا جامعان في المصر، ويجب منع الثاني ومن صلى فيه الجمعة لم تجزه، وفي البيان والتحصيل للقاضي أبي الوليد ابن رشد: سئل مالك عن العشرة يكون لهم مسجد يصلون فيه، فيريد رجل أن يا بني قريبا مسجدا أيكون ذلك؟ فقال؛ لا خير في الضرار ولا سيما في المساجد خاصة، فأما مسجد بني لخير وصلاح فلا بأس به. وأما ضرار فلا خير فيه، قال تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً لا خير في الضرار في شيء من الأشياء، وإنما القول في الآخر من المسجدين، قال ابن رشد: وهذا كما قال مالك أن من بنى مسجدا قرب آخر ليضرّ به أهل المسجد الأول، ويفرق به جماعتهم، فهو من أعظم الضرر، لأن الأضرار فيما يتعلق بالدين أشد فيما يتعلق بالنفس والمال، لا سيما في المسجد الذي يتخذ للصلاة التي هي عماد الدين، وقد أنزل الله تعالى في ذلك ما أنزل وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً إلى قوله: لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وقوله: إنما القول أبدا في الأخير من المسجدين صحيح، لأنه هو الذي يجب أن ينظر فيه، فإن ثبت على بانيه أنه قصد به الإضرار وتفريق الجماعة لا وجها من أوجه البر، وجب أن يحرق ويهدم، ويترك مطروحا للأزبال، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسجد الضرار. فإن ثبت أن إقراره مضر بأهل المسجد الأول ولم يثبت على بانيه أنه قصد ذلك، وادعى أنه أراد القربة لم يهدم وترك مصلاه ولا يصلى فيه، إلا أن يحتاج إلى الصلاة فيه بأن يكثر أهل الموضع أو يهدم المسجد الأول. قلت: وعلى هذه النصوص اعتمدت في الأمر بالإحراق لزاوية بناها مضر يريد تفريق كلمة الفقراء الكتانيين، المجموعة في قبيلة أمزاب بالشاوية فأحرقت، وفقنا الله لصالح الأعمال آمين. في الرجل يحسن الشيء من عمل البناء فيوكل لعمله «قال أبو بكر بن فتحون في كتابه ذيل الإستيعاب: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم قيس بن طلق الحنفي، وهو صلى الله عليه وسلم يا بني مسجده فشهده معه، فوكله صلى الله عليه وسلم بعمل الطين، لأنه رآه محسنا فيه» . قلت: ترجم في الإصابة لطلق بن علي التميمي فقال حديثه في السنن أنه بنى معهم في المسجد، فقال صلى الله عليه وسلم: قربوا له الطين فإنه أعرف به وكذا ترجمه ابن سعد في الطبقات: وهذا سياقه عن طلق قال؛ قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يا بني مسجده، والمسلمون يعملون فيه معه، وكنت صاحب علاج وخلط طين، فأخذت المسحاة أخلط الطين ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 إلي ويقول: إن هذا الحنفي لصاحب طين. وحديثه الذي عزاه الخزاعي لابن فتحون خرّجه ابن حبان في صحيحه: عن طلق بن علي الحنفي قال: بنيت المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأخذت المسحاة بمخلطة الطين فكأنه اعجبه فقال: دعوا الحنفي والطين، فإنه اضبطكم للطين، وفي البيان والتحصيل لابن رشد، عن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقف على قبر فكأنه رأى باللبنة خلطا فأمر بأن يصلح وقال: إن الله يحب إذا عمل العبد عملا أن يحسنه ويتقنه «1» . قلت: هاهنا تتمات لتراجم البناء. (الأولى) وهنا نسوق قول الشيخ أبي محمد عبد القادر الفاسي، كما في التعليق الذي قيد عنه على الصحيح على قول الراوي: ما أكل عليه السلام شاة مسموطة، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يترك هذا ومثله، مع وجوده إنما كان يأكل ما تيسر فلو سيق إليه المسموط وغيره لأكله، أو السكرجة وهي الأواني الرفيعة، أو الخوان وهي المائدة اهـ وكذا القول في بناآته صلى الله عليه وسلم وهيئة مساكنه. (الثانية) في ذكر خريطة مسكن مارية بالعوالي، ترجم الحافظ ابن الأبار دفين تونس، في تكميل الصلة البشكوالية لمحمد بن حزم بن بكر التنوخي الطلمنكي، المعروف بابن المديني فقال: صحب محمد بن مسرة قديما واختص بمرافقته في طريق الحج، ولازمه بعد انصرافه وحكى عن ابن مسرة أنه كان في سكناه بالمدينة يتتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم، قال ودله بعض أهل المدينة على دار مارية أم إبراهيم سرية النبي صلى الله عليه وسلم، فقصد إليها فإذا دويرة لطيفة بين البساتين بشرق المدينة عرضها وطولها واحد قد شق في وسطها بحائط وفرش على حائطها خشب غليظ يرتقي إلى ذلك الفرش على خارج لطيف وفي أعلى ذلك بيتان وسقيفة كانت مقعد النبي صلى الله عليه وسلم في الصيف، قال: فرأيت أبا عبد الله بعد ما صلى في البيتين والسقيفة، وفي كل ناحية من نواحي تلك الدار أخذ البيتين بشبره فكشفته بعد انصرافي، وهو ساكن في الجبل عن ذلك فقال: هذا البيت الذي تراه فيه بنيته على تلك الحكاية في العرض والطول بلا زيادة ولا نقصان اهـ من نسختي من التكملة العتيقة المنسوخة سنة نيف وثلاثين وستمائة وعليه جرى طبع الجزء الأول منها بباريز. (الثالثة) اذكر فيها توسع الحال عليه صلى الله عليه وسلم، وما جاد به وأعطى لسائليه، مما لا يقدر عليه ملك كريم. قال الحافظ السخاوي، نقلا عن القاضي عياض في الشفا، أوتي صلى الله عليه وسلم خزائن الأرض، ومفاتيح البلاد، وأحلت له الغنائم، ولم تحل لأحد قبله، وفتح عليه في حياته بلاد الحجاز، واليمن وجميع بلاد العرب وما دانى ذلك من الشام والعراق. وجلب إليه من أخماسه، وجزياتها، وصدقاتها، ما لا يجبى للملوك إلا بعضه، وهادنه جماعة من ملوك الأقاليم، فما استأثر بشيء ولا أمسك منه درهما، بل صرفه مصارفه، وأغنى به غيره   (1) قال المناوي في التيسير: رواه البيهقي في شعب الإيمان وإسناده ضعيف عن عائشة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 وقوّى به المسلمين. وقال «1» : ما يسرني أن لي أحدا ذهبا ما يبيت عندي منه دينار إلا دينارا أرصده لدين. وكان يدخر مما أفاء الله عليه، في صفاياه وغيرها قوت سنة لعياله ونفسه، ويجعل الباقي في الكراع والسلاح في سبيل الله اهـ. وثبت أنه عليه السلام قسم بين أربعة أنفس من أصحابه ألف بعير مما أفاء الله عليه، وأنه ساق في عمرته مائة ناقة فنحرها وأطعمها المساكين، وأنه أمر لأعرابي بقطيع من الغنم وغير ذلك، كإعطائه جماعة كثيرة من خيبر. وقد فتح الله بها عليه، وفدك وقريظة والنضير وكانت خالصة له، وكان معه جماعة من أصحاب الأموال، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وطلحة بن عبيد الله والزبير، وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن عبادة، مع بذلهم أنفسهم وأموالهم بين يديه، وقد أمر بالصدقة، فجاء أبو بكر بجميع ماله وعمر بنصفه وحضّ على تجهيز جيش العسرة، فجهزهم عثمان بألف بعير وجاء بعشرة الاف درهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ووضعها بين يديه وروى أبو الشيخ وابن سعد من طريق علي بن زيد عن إسحاق بن عبد الله بن الحرث بن نوفل عن أبيه قال؛ اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة بسبع وعشرين ناقة، فلبسها ولفظ ابن سعد أوقيه ورجاله ثقات لكن لعلي واسحاق فيها كلام. وفي طبقات ابن سعد من طريق ابن سيرين، أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى حلة وأما قال ثوبا بتسع وعشرين ناقة انظر ص 155 ج 1 من القسم الثاني. وفيها لدى ترجمة أسامة بن زيد، أن حكيم بن حزام أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة، كانت لذي يزن، وهو يومئذ مشرك اشتراها بخمسين دينارا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نأخذ هدية من مشرك، ولكن إذ بعثت بها فنحن نأخذها بالثمن. بكم أخذتها؟ قال بخمسين دينارا قال فقبضها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلس على المنبر للجمعة ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فكسا الحلة أسامة بن زيد. وفي شرح الطريقة المحمدية للعارف النابلسي، نقلا عن والده الشيخ اسماعيل في شرحه على الدرر: خرج صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعليه رادء قيمته ألف درهم، وربما قام عليه السلام إلى الصلاة وعليه رداء قيمته أربعة آلاف درهم اهـ منه ص 364 من ج 2 ونقل نحوه الخادمي في شرحها عن التتارخانية من كتب الفقه الحنفي انظر ص 36 من ج 3 منه. واخرج ابن منده والمستغفري أن عبد العزيز بن سيف بن ذي يزن الحميري قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بهدية فدفع إليه حللا، فدفع منها النبي صلى الله عليه وسلم حلة إلى عمر فقومت بعشرين بعيرا. انظر ترجمة عبد العزيز من الإصابة. وفيها في ترجمة هاني بن حبيب الداري، نقلا عن   (1) ونصه في مسلم كتاب الزكاة ص 687 عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يسرني أن لي أحدا ذهبا تأتي على ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين علي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 الرشاطي قدم في وفد الداريين مع تميم الداري، واهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم قباء مخوصا بالذهب، فاعطاه العباس فباعه من رجل يهودي بثمانية الاف. وفي باب مناقب أبي بكر من ارشاد الساري عن ابن عباس عن عائشة أن أبا بكر انفق على النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألف درهم، وكان صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وأعطى غير واحد مائة من الإبل، والذين أعطاهم مائة ناس كثير منهم أبو سفيان وابنه معاوية، والحارث بن هشام وقد عدهم البرهان الحلبي وقال: إنهم يبلغون الستين من المؤلفة قلوبهم، وكذا ذكر الشيخ قاسم بن قطلوبغا في تخريج أحاديث الشفا، وأعطى صفوان بن أمية مائة ثم مائة، وذكر ابن فارس في كتاب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم أنه في يوم خيبر جاءت امرأة فانشدت شعرا تذكر أيام رضاعه في هوازن، فرد عليهم ما أخذه وأعطاهم عطاء كثيرا، حتى قوّم ما أعطاهم ذلك اليوم فكان خمسمائة ألف ألف، قال ابن دحية: وهذا نهاية الجود الذي لم يسمع بمثله في الوجود. وفي الشفا وشرحها للشهاب: وردّ على هوازن سباياها، وكانوا ستة الاف نفس، من النساء والذرية، غير الأموال التي غنمها لما غزاهم، وكانت أربعة وعشرين ألفا من الإبل، وأكثر من أربعين ألف شاة من الغنم، وأربعة الاف أوقية من الفضة. الأوقية أربعون درهما. وقوّم ابن فارس ما وهبه لهوازن فكان خمسمائة ألف ألف، وقيل: ستمائة ألف ألف. وقال ابن حجر المكي في المنح المكية: كان السبي وهو النساء، والذراري ستة آلاف رأس، والإبل أربعة وعشرين ألفا، والغنم فوق الأربعين ألفا، وأربعة الاف أوقية فضة، وفي المقالات السنية. وردّ سبيا عظيما من هوازن إذ ... وافى إلى جوده جود مع الكرم يبغون اصغ لهم إذ قال قائلهم: ... امنن علينا رسول الله في كرم أنا لنشكر للنعماء إذ جحدت ... وعندنا الشكر ينمو غير منهضم يا خير من مرحت كمت الجياد به ... عند الهياج إذا حر الوطيس حم إنا نؤمل عفوا منك تلبسه ... هذي البرية يا ذا المنهل الشبم فاصفح عفا الله عما أنت واهبه ... يوم القيامة والإنسان في ندم وامنن على نسوة قد كنت ترضعها ... طفلا يزينك أوفى الخلق بالذمم فكم هنالك من منّ ومن نعم ... وكم هنالك من إحسانه العمم خمس مئين الوف الف عطيته ... كانت لهم يومها من واسع العمم هذا نهاية جود في الوجود ولم ... يسمح به غير من قد خصّ بالكرم يعطي عطاء تقاصر عنه قيصر مع ... كسرى ولم يخش إقلالا من الحكم يعطي الكواعب والجرد السّلاهب وا ... البيض القواضب والآلاف من نعم الخ وفي البخاري من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم، أتي بمال من البحرين (بلدة بين البصرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 وعمان) فقال: انزوه يعني صبوه في المسجد، وكان أكثر مال أتي به صلى الله عليه وسلم من الدراهم، أو من الخارج فلا ينافي أنه غنم في خيبر ما هو أكثر منه، وقسمه وخرج إلى المسجد ولم يلتفت إليه فلما قضى الصلاة جاء إليه فجلس فما كان يرى أحدا إلا أعطاه إذ جاء العباس فقال: يا رسول الله أعطني فإني فديت نفسي وفديت عقيلا فقال له: خذ فحثى في ثوبه فلم يستطع، فقال: يا رسول الله مر بعضهم يرفعه علي، قال: لا. قال: فارفعه أنت علي فقال: لا فنثر العباس منه، ثم ذهب يقله فلم يستطع، فقال: يا رسول الله مر بعضهم يرفعه علي قال. قال: فارفعه أنت علي قال لا فنثر منه ثم احتمله فالقاه على كاهله. قال ابن كثير: كان العباس شديدا طويلا نبيلا فاحتمل ما يقارب أربعين ألفا، فانطلق فما زال صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره حتى خفي عليه عجبا من حرصه فما قام صلى الله عليه وسلم وثمّ منها درهم. وفي رواية ابن أبي شبية: كان مائة ألف درهم، وأنه أرسله له العلاء بن الحضرمي من خراج البحرين، قال: وهو أول مال حمل له صلى الله عليه وسلم، وكان يبذل المال مرة للفقير، أو المحتاج. ومرة ينفقه في سبيل الله، وتارة يتألف به، فيعطي عطاء يعجز عنه الملوك مثل كسرى وقيصر، ويعيش في نفسه عيشة الفقراء. وربما ربط الحجر على بطنه، فلا تنافي بين أحواله من السعة والضيق، وبين ما ذكر أولا وأخيرا. قال الطبري كما في الفتح: إن ذلك كان في حالة دون حالة لا لعذر وضيق، قال الحليمي كما في شعب الإيمان، من تعظيمه عليه السلام أن لا يوصف بما هو عند الناس من أوصاف الضعة فلا يقال كان فقيرا، وأنكر بعضهم إطلاق الزهد عليه. وقد ذكر القاضي عياض في الشفا، وعنه التقي السبكي: أن فقهاء الأندلس أفتوا بقتل صالح الطليطلي وصلبه، لتسميته النبي صلى الله عليه وسلم يتيما، وزعمه أن زهده لم يكن قصدا، ولو قدر على الطيبات أكلها اهـ. وذكر الشيخ بدر الدين الزركشي عن الشيخ تقي الدين السبكي، وحكاه عنه أيضا وله في التوشيح أنه كان يقول: لم يكن صلى الله عليه وسلم فقيرا من المال قط، ولا حاله حال فقير، بل كان أغنى الناس فقد كفي أمر دنياه في نفسه وعياله، وكان يقول في قوله. عليه السلام: اللهم أحيني مسكينا أن المراد به استكانة القلب، لا المسكنة التي هي أن لا يجد ما يقع موقعا من كفايته، وكان يشدد النكير على من يعتقد خلاف ذلك اهـ. ولما نقله القسطلاني في المواهب قال الزرقاني في شرحها: وهو حسن نفيس. وأما اللفظ الشائع وهو: الفقر فخري وبه أفتخر. فقال الحافظ ابن تيمية والعراقي وابن حجر باطل موضوع اهـ. قال بعض العصريين: وعلى فرض وجود أصل له فمعناه الافتخار بالفقر وإيثاره على الغنى حالة نشأ الإسلام وتكوينه، فإن عقب الهجرة النبوية لم يكن في الإمكان تربية وإنشاء الثروة إذا ذاك، ولا ريب أن الفقر في سبيل الله غاية وفي سبيل الدولة والدين والوطن مزية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 شريفة توجب الفخر والشرف فشظف العيش والإقتصاد فخر المؤسسين اهـ أما بعد أن عظمت الفتوح، فكثرت مداخيل المال على الخلفاء الراشدين، وخصوصا في زمن عمر بن الخطاب حتى إنه دهش أخيرا حينما أبلغه أبو هريرة عند قدومه من البحرين أنه أتى بخمسمائة ألف درهم، ثم كثر الدخل على بيت المال حتى إن عمر كان يحمل في العام علي أربعين ألف بعير، كما في طبقات ابن سعد انظر ص 218 ج 3 فأربعون ألف بعير باقتابها ومتعلقاتها وخدمتها شيء كبير، وملك عريض، وغنى واسع. وفي طبقات ابن سعد أيضا أن عمر بن الخطاب كان ينحر كل يوم على مائدته عشرين جزورا انظر ص 227 ج 3 والجزور كما في القاموس: البعير أو خاص بالناقة المجزورة جمع جزر وجزرات اهـ فهذا توسع كبير، وبساط عريض لا يمكن لأكبر ملك اليوم في الأرض أن يؤكل كل يوم على مائدته هذا العدد من اللحوم، والله الملك القيوم الفتاح ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها [فاطر: 2] . ولننقلب لتميم الكلام على بقية الحرف في الزمن النبوي فنقول: الصباغ في سنن ابن ماجه في باب الصناعات من أبواب التجارات، حدثنا عمرو بن رافع حدثنا عمرو بن هارون عن همام عن فرقد السنجي عن يزيد بن عبد الله بن الشخّير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكذب الناس الصباغون والصواغون «1» قال في النهاية: هم صباغو الثياب وصاغة الحلي، لأنهم يمطلون بالمواعيد، وقيل أراد الذين يصبغون الكلام ويصوغونه فيغيرونه لخ. الجلاب في سنن ابن ماجه «2» باب الحكرة والجلب: حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا أبو أحمد حدثنا إسرائيل عن علي بن سالم بن ثوبان عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجالب مرزوق والمحتكر ملعون، وفي الطرق الحكمية لابن قيم الجوزية؛ وكان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة من قدم بالحب لا يتلقاه أحد بل يشتريه الناس من الجلابين. ولهذا جاء في الحديث الجالب مرزوق والمحتكر ملعون اهـ. ذكر من كان من الصحابة يتجر في بحر الشام ترجم البخاري «3» في كتاب البيوع قال: باب التجارة في البحر وقال مطر: لا بأس   (1) سبق تخريجه وهو في مسند أحمد ج 2 ص 292 وطبعة المكتب الإسلامي ص 385 ج 2 وهو في سنن ابن ماجه ص 728 ج 2 ورقمه 2152. (2) هو في ج 2 ص 728 ورقمه 2153. (3) انظر ج 3/ ص 7 كتاب البيوع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 به، وما ذكره الله في القرآن إلا بحق ثم تلا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [النحل: 14] الفلك السفن وقال مجاهد: تمخر السفن الريح ولا تمخر الريح من السفن إلا الفلك العظام، خرج ابن الجوزي في التلبيس عن سعيد بن المسيب قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرون في بحر الشام، منهم طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد اهـ ونحوه ذكر ابن القيم في بدائع الفوائد عن تخريج الإمام أحمد انظر ص 74 ج 4 وانظر ما سبق في الكلام على السفن البحرية. الدباغ «ذكر ابن دريد في الوشاح في باب الصناعات في باب من كان دباغا: الحرث بن حبيرة وقال في الإستيعاب: أبو وداعة الحارث بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن نهم: أسلم يوم الفتح هو وابنه» . الخواص «صنع القفاف ونحوها من الخوص وهو ورق النخل» . كانت حرفة «سلمان الفارسي حتى وهو أمير في المدائن فيعيش بها وكان يقول: أحب أن أعيش من عمل يدي؛ رغما عن راتبه. ذكره في الإستيعاب» . وفي ترجمته من الإصابة: كان سلمان إذا خرج عطاؤه تصدق به وينسج الخوص ويأكل من كسب يده. العوام ترجم في الإصابة أحمد مولى أم سلمة فقال: روى ابن منده من طريق عمران النخلي عن أحمد مولى أم سلمة قال: كنا غزاة فجعلت أعبر الناس في واد أو نهر. فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ما كنت في هذا اليوم إلا سفينة. وأخرجه الماليني في ترجمة النخلي بالنون والخاء المعجمة. وروى الإمام الحافظ أبو مهدي عيسى بن سليمان الرّعيني الأندلس المالقي، نزيل دمشق في كتابه الجامع لما في المصنفات الجوامع، من أسماء الصحابة الأعلام أولي الفضل والأقدام بسنده عن سفينة مولاه عليه السلام أنه قال: كنت معه عليه السلام في غزوة فمررنا بواد أو نهر فكنت أعبر الناس فقال: - يعني النبي صلى الله عليه وسلم- ما كنت منذ اليوم إلا سفينة. وترجم في الإصابة أيضا لسعد بن عبادة الأنصاري فنقل عن ابن سعد: كان في الجاهلية يكتب بالعربية ويحسن العوم والرمي، فكان يقال له الكامل. وترجم فيها أيضا لعبد الله بن الزبير، فذكر أنه جاء سيل بالبيت فطاف عبد الله بن الزبير سباحة. فائدة وفي حديث ابن عباس في السيرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: في المدينة أحسنت العوم في بير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 بني عدي بن النجار، قال الزرقاني في شرح المواهب: استدل به السيوطي على أنه عليه السلام عام، رادا على القائل من معاصريه: الظاهر أنه لم يعمّ؛ لأنه لم يثبت أنه عليه السلام سافر في بحر، ولا بالحرمين بحر. قال السيوطي: وروى ابن القاسم البغوي وابن عساكر مرسلا وابن شاهين موصولا عن ابن عباس: سبح صلى الله عليه وسلم فقال: يسبح كل رجل إلى صاحبه فسبح صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر حتى عانقه، وقال أنا وصاحبي أنا وصاحبي. انظر ص 192 ج 1 من السيرة الحلبية، مع الرسالة العلمية للتجيبي. واخرج ابن منده من طريق إسماعيل بن عياش عن سلمان بن عمرو الأنصاري عن بكر بن عبد الله بن ربيع الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علموا أولادكم السباحة والرماية. الحديث قال الحافظ في الإصابة في ترجمة بكر بن عبد الله وإسماعيل: يضعف في غير أهل بلده وهذا منه وشيخه غير معروف انظر ص 180 ج 1. وقد أورد الحديث المذكور في الجامع الصغير بلفظ: علموا أولادكم السباحة والرماية، ونعم لهو المرأة المغزل، وإذا دعاك أبواك أجب أمّك. وعزاه لابن منده في المعرفة، وأبي موسى في الذيل والديلمي في مسند الفردوس، عن بكر بن عبد الله بن ربيع الأنصاري قال المناوي في التيسير: بإسناد ضعيف لكن له شواهد. وأورده في الجامع أيضا بلفظ: «علموا أولادكم السباحة والرماية والمرأة المغزل» وعزاه للبيهقي عن ابن عمرو قال في التيسير على قوله: السباحة بالكسر العوم؛ لأنه منجاة من الهلك، زاد في فتح القدير: قيل لأبي هاشم العوفي: فيما كنت؟ قال: في تعليمي ما لا ينسى، وليس لشيء من الحيوان عنه غنى، فقيل؛ ما هو؟ قال: السباحة فإنهم يجدون من يكتب عنهم ولا يجدون من يسبح عنهم اهـ. واخرج النسائي والبزار والبغوي والبارودي والطبراني وأبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم القراب في كتابه «فضل الرمي» وأبو نعيم، والبيهقي، والضياء عن عطاء بن رباح قال: جابر بن عبد الله، وجابر بن عمير الأنصارى يرتميان، فملّ أحمدهما فجلس. فقال الآخر: كسلت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء ليس من ذكر الله فهو لغو وسهو، إلا أربع خصال مشى الرجل بين الغرضين، وتأدبيه فرسه وملاعبته أهله وتعليم السباحة. وأخرج القراب من طريق مكحول أن عمر بن الخطاب كتب إلى أهل الشام أن علموا أولادكم السباحة والفروسية. وأخرج القراب عن سليمان التيمي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يكون الرجل سابحا راميا. انظر الدر المنثور لدى قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال: 60] وللحافظ السيوطي رسالة سماها الباحة في فضل السباحة، وفي الاكليل له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 على قوله تعالى في قصة يوسف: إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ [يوسف: 17] ونلعب فيه مشروعية المسابقة ورياضة النفس والدواب وتمرين الأعضاء على التصرف اهـ. بيع الماء ترجم في الإصابة «1» رومة الغفاري صاحب بير رومة فذكر أنه روى عبد الله بن عمر وابن ابان أنه لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكان لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة فكان يبيع القربة منها بالمد فقال له المصطفى عليه السلام بعنيها بعين في الجنة فقال يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها، فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم وجعلها للمسلمين. باب في الصيد وهو على أنواع ذكر من كان يتصيد بالكلاب «في الصحيح «2» عن عدي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إنا قوم نتصيد بهذه الكلاب فقال: إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت الله فكل مما أمسكن عليك إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه، وإن خالطها كلب من غيرها فلا تأكل» . ذكر من كان يتصبد بالبزاة «في جامع الترمذي عن عدي بن حاتم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال: ما أمسك عليك فكل» . [كتاب الصيد باب 3 ج 4/ 66] . ذكر من صاد بالرمح «في صحيح مسلم «3» عن أبي قتادة كان مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف عن أصحاب له محرمين وهو غير محرم، فرأى حمارا وحشيا فاستوى على فرسه، وسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا فسألهم رمحه فأبوا عليه، فأخذه ثم شد على الحمار فقتله، فأكل منه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأبى بعضهم فأدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عنه فقال: إنما هي طعمة أطعمكموها الله. في مسلم أيضا أنه عليه السلام قال: فهل معكم منه شيء؟ فقالوا: معنا رجله فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلها» . الصيد بالسهام «في صحيح مسلم «4» عن عدي بن حاتم قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيد فقال: إذا   (1) انظر ج 1 ص 540. (2) انظر البخاري ج 6 رقم الباب 10 ص 221. (3) انظر مسلم ج 1 ص 851 وما بعدها من كتاب الحج رقم الحديث 57. (4) انظر مسلم ج 2 ص 1534 من كتاب الصيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 رميت سهمك فاذكر اسم الله، فإن وجدته قد قتل فكل إلا أن تجده وقع في ماء. فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك» . الصيد بالمعراض «خشبة محددة الطرف وقيل: في طرفها حديدة يرمى بها الصيد» . في صحيح مسلم «1» عن عدى أيضا سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المعراض قال: إذا أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل» . (أي هو ميتة قتل دون ذكاة) الصيد باليد «في مسلم عن أنس مررنا فاستنفجنا (أثرنا) أرنبا فسعيت حتى أدركتها، فأتيت بها أبا طلحة فذبحها فجئت بوركها وفخذها للنبي صلى الله عليه وسلم فقبلها» . [كتاب الصيد باب 9 ص 1547/ 2] . الصيد بالآلات «قال ابن عطية في تفسيره عند قوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ [المائدة: 94] الظاهر أنه سبحانه خص الأيدي بالذكر، لأنها معظم التصرف في الإصطياد، وفيها يدخل ما عمل باليد من فخاج وشباك اهـ وقد عقد أبو الفتح كشاجم في كتاب الصائد والطرائد باب المصائد التي يتوصل بها إلى الصيد والآلات المتخذة لذلك الصيد على ضروب من الحيل وبالات مختلفة» . منع الصيد في جهة معينة أو وقت مخصوص كما يقع اليوم ترجم في الإصابة لضرار بن الأزور الأسدي فقال: يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله إلى منع الصيد من بني أسد اهـ منها ص 208 ج 2. الصياد في البحر قال الله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [المائدة: 96] وقال تعالى: وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها [فاطر: 12] «في صحيح مسلم «2» عن جابر قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمّر علينا أبا عبيدة نتلقى عيرا لقريش، وزودنا جرابا من تمر. قال. انطلقنا على ساحل البحر فرفع لنا كهيئه الكثيب الضخم فأتيناه فإذا هي دابة تدعى العنبر ميتة قال فأقمنا عليها شهرا ونحن ثلاثمائة حتى ولقد رأيتنا نغترف من وقبة عينه بالقلال الدهن (زيت السمك) فلقد أخذ أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في عينه وأخذ   (1) انظر كتاب الصيد ج 2 ص 1530. (2) من كتاب الصيد والذبائح ج 2 ص 1535 باب إباحة ميتات البحر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 ضلعا من إضلاعه فأمالها ثم رحّل أعظم بعير معنا فمر من تحتها وتزودنا من لحمه فلما قدمنا المدينة أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال: هو رزق فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله» . قلت: وفي طبقات ابن سعد أن المصطفى عليه السلام، كتب إلى بني جنبه وهم يهود بمقنا وإلى أهل مقنا، ومقنا قريب من إيلة كتابا جاء فيها: وإن عليكم ربع ما أخرجت نخلكم، وربع ما صادت عروككم. (والعروك خشب تلقى في البحر يركبون عليها فيلقون شباكهم يصيدون السمك) . [انظر الطبقات ج 1 ص 276 طبعة دار صادر بيروت] . باب لم يتصيد عليه السلام بنفسه الكريمة ولا اشترى صيدا قال الشعراني في كتابه منح المنة في التلبس بالسنة ص 33: وكان عليه السلام يأكل لحم الدجاج والطير الذي يصاد ولا يشتريه، ولا يصيده ويحب أن يصاد له فيؤتى به فيأكله اهـ. تنبيه من أجمع ما كتبه المتاخرون في الصيد واحكامه منظومة الإمام البارع أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الجبار بن أحمد الفجيجي المترجم في دوحة الناشر وغيرها التي أولها: يلومونني في الصيد والصيد جامع ... لاشياء للإنسان فيها منافع فأولها أكل الحلال به ... نصوص كتاب الله وهي مواضع «1» فصحة جسم ثم صحة ناظر ... وأحكام اجراء السوابق رابع وبعد عن الرذال مع صدق همة ... واغلاق باب القول والقال سابع وأيضا لعرض المرء فيه سلامة ... وخفظ لدينه «2» وذلك تاسع وفيه لأهل الفضل والدين عبرة ... وتذكرة لها لديهم مواقع ويورث طيب النفس والجود والسخا ... ويألف منه الصبر من هو جازع ويشفي الهموم المهرمات عن الفتى ... ويقمع وجد الشيب كي لا يسارع ويورث عند الإلتحام شجاعة ... وفيه من السر الخفي بدائع كرعي انتظام وافتقاد رعية ... وحفظ جناب من عدو ينازع وتدبير أمر الجيش والفتك بالعدا ... وصيد أسود الأنس والأمر ضارع ويصفو دماغ المرء والجسم جملة ... من أخلاق سوء أو فضول تطاوع ويغني عن الطب الضعيف علاجه ... وما مثله للحزن والسقم دافع وقد جاء سافروا تصحّوا وتغنموا ... وذلك من قول النبوة شائع وما ريىء مفلوجا مريعا طريده ... حكى من ذوي التجريد قوم بلائع وأيضا يزيد في الذكاء وفي الدها ... وذلك كلّ إلى العقل راجع   (1) في الشطرة الأولى نقص اختل به الوزن. (2) كلمة: لدينه هنا تخل بالوزن. ولو قال: بدنياه لاستقام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 وفيه خظوظ النفس من كل بغية ... وكل سرور بالمباح فواسع وهي قصيدة نفيسة «1» سماها مؤلفها روضة السلوان وقد شرحها بشرح ممتع في مجلد وسط العلامة الجامع أبو محمد القاسم بن محمد بن عبد الجبار الفجيجي وهو من أعيان أهل المائة الحادية عشرة رحمهما الله. اعتناء البدوي بطرف بلاده يهديها له عليه السلام والعكس كان له عليه السلام رجل من البادية يسمى زاهرا، كان يهادي النبي صلى الله عليه وسلم بموجود البادية، أي بما يوجد حسنا من ثمارها وزهورها. وكان عليه السلام يهاديه ويكافيه بموجود الحاضرة، وبما يستظرف منها فكان عليه السلام يقول كما في الشمائل وغيرها: زاهر باديتنا «2» ونحن حاضرته. أي ساكنها. وإذا تذكرناها سكن قلبنا برؤيتها، ونستفيد ما يستفيده الرجل من باديته من أنواع الثمار وصنوف النباتات، فكأنه صار باديتنا. وإذا احتجنا متاع البادية جاء به لنا فأغنانا عن السفر لها، وقوله: ونحن حاضرته أي يصل إليه منا ما يحتاج إليه من الحاضرة، وتوقف بعض فيه فإن المنعم لا يليق به ذكر انعامه، منع بأنه ليس من ذكر المن بالأنعام في شيء، بل أرشاد إلى مقابلة الهدية بمثلها أو أفضل. قال ابن سلطان في شرح الشمائل: وإنما ذكره مع ما فيه من الإيهام بذكر المنعم بإنعامه، لكونه مقتضى المقابلة الدالة على حسن المعاملة، تعليما لأمته في متابعة هذه المجاملة اهـ. وأخرج أبو يعلى عن زيد بن أسلم أن رجلا كان يهدي النبي صلى الله عليه وسلم العكة من السمن والعسل، فإذا جاء صاحبه يتقاضاه جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعط هذا متاعه فما يزيد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبسم ويأمر به فيعطى؟ ووقع في حديث محمد بن عمرو بن حزم: وكان لا يدخل المدينة طرفة إلا اشترى منها ثم جاء فقال: يا رسول الله هذا أهديته لك فإذا جاء صاحبه يطلب ثمنه جاء به فيقول: أعط هذا الثمن. فيقول ألم تهده لي فيقول: ليس عندي، فيضحك ويأمر لصاحبه بثمنه، وقال ابن سلطان: كان هذا الصحابي من كمال محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كلما رأى طرفة أعجبته أشتراها وآثره بها، وأهداها إليه على نية أداء ثمنها إذا حصل لديه، فلما عجز صار كالمكاتب فرجع إلى مولاه، فالمكاتب عبد ما بقي عليه درهم فرجع بالمطالبة إلى سيدة ففعل هذا جد حق ممزوج بمزاح صدق، وانظر ترجمة نعيمان من الإصابة وأسد الغابة. العمال في الحوائط «في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة أنه كان يقول «3» : ويقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون بمثل حديثي فسأخبركم إن إخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل   (1) رغم نفاستها فثمة أخطاء في الوزن، مصححه. (2) ذكر في الإصابة ج 1 ص 542 وسماه زاهر بن حزام الأشجعي. (3) أول الحديث: يقولون: إن أبا هريرة قد أكثر، والله الموعد، التخريج/ 736. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 أراضيهم وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالاسواق» . [مسلم ج 2 ص 1940 من كتاب فضائل الصحابة رقم الحديث: 160] . قلت: وذكر السيد السمهودي في جواهر العقدين عازيا للدار قطني قال: من طريق ابن أبي عمر؛ سمعت عبد الرحمن ابن أبي إسحاق المديني يحدث أن عمر بن الخطاب فقد عليا فقال: أين أبو الحسن؟ فقيل ذهب إلى أرض له فقال: إذهبوا بنا إليه فوجدوه يعمل فعملوا ساعة معه، ثم جلسوا يتحدثون فقال علي لعمر: يا أمير المؤمنين؛ أرأيت لو جاءك قوم من بني إسرائيل وقال لك أحدهم: أنا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أكانت له أثرة عندك؟ قال. نعم قال: فأنا أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه. قال: فنزع عمر رداء فبسطه فقال: لا والله لا يكون لك مجلس غيره حتى نفترق، فلم يزل جالسا عليه حتى تفرقوا. قال السيد السمهودي: إنما أراد علي بذلك الإعلام بما فعله عمر من التفقد له، ومجيئه إليه وعمله معه في أرضه، وهو أمير المؤمنين لقرابته من نبينا صلى الله عليه وسلم، وإن الواحد من بني عم الأنبياء الماضي وإن بعد يستحق الأثرة على غيره، فكيف بمن كان له هذا القرب من نبينا صلى الله عليه وسلم؟ اهـ. وفي إرشاد الساري عن محيي السنة: أن رجلا مر بأبي الدرداء وهو يغرس جوزة فقال: أتغرس هذه وأنت شيخ كبير، وهي لا تطعم إلا في كذا كذا عاما؟ فقال: ما علي أن يكون لي أجرها، ويأكل منها غيري؟ من كان من الصحابة يعطي أرضه بالربع والثلث ترجم في الإصابة لجبر بن عتيك الأنصاري، فذكر أن ابن منده روى في ترجمته؛ من طريق حجاج ابن أرطأة عن إبراهيم بن مهاجر عن موسى بن طلحة قال: رأيت جبرا وسعدا وابن مسعود يعطون أرضهم بالربع والثلث. المستدل على محل الماء من تحت الأرض وإستخراجه ترجم في الإصابة لعبد الله بن عامر بن كريز القرشي، فذكر أنه أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يتفل عليه ويعوده فجعل يتبلع ريق النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: إنه لمسقي وكان لا يعالج أرضا إلا ظهر له الماء، حكاه ابن عبد البر. وذكر الحافظ أنه: أول من اتخذ الحياض بعرفة وأجرى إليها الماء. قلت: يسمى هذا العلم علم الريافة، وعلم إنباط المياه وبالأخير عنون عنه ابن الأكفاني في إرشاد القاصد قال: هو علم يتعرف منه كيفية استخراج المياه الكامنة في الأرض وإظهارها، ومنفعة إحياء الأرض الميتة وفلاحتها. وللكرخي فيه كتاب مختصر، وفي خلال كتابه الفلاحة النبطيه مهمات هذا العلم اهـ. وقال من سماه علم الريافة: هو معرفة استنباط الماء من الأرض، بواسطة بعض الإمارات الدالة على وجوده فيعرف بعده وقربه بشم التراب، أو برائحة بعض النباتات فيه، أو بحركة حيوان مخصوص وهو من فروع الفراسه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 السقاء الذي يحمل الماء على ظهره «أبو عقيل صاحب الصاع، ذكره أبو عمر بن عبد البر في الإستيعاب بذلك» . الحمل على الظهر «في سنن النسائي «1» عن ابن مسعود: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالصدقة فما يجد أحدنا ما يتصدق به، حتى ينطلق إلى السوق فيحمل على ظهره فيجيء الحديث» . الحجام والحلاق «أبو هند الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: إنما أبو هند «2» أمرؤ من الأنصار فانكحوه وانكحوا إليه، وكان حجام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكره ابن إسحاق ص 77 ج 2 في غزوة بدر منصرفه صلى الله عليه وسلم منها. وأبو طيبة «3» حجّام النبي صلى الله عليه وسلم وحديثه في الموطأ» . قلت: وقال السهيلي في الروض: وأما أبو طيبة الحجام فهو مولى بني حارثة، واسمه نافع وقيل: ميسرة ولم يشهد بدرا اهـ. وترجم في الإصابة خراش بن أمية فذكر أنه الذي حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وفي العمرة التي تليها، ثم ترجم أيضا لخراش بن مالك فذكر أن علي بن سعد العسكري قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم فلما فرغ، قال: لقد عظمت أمانة رجل قام عن أوداج رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديدة قال في التجريد ولعله تابعي، ثم ترجم أيضا لسالم الحجام فنقل عن أبي عمر أنه حجم المصطفى صلى الله عليه وسلم، وشرب دم المحجم. وترجم أيضا لمعمر بن نضلة، فذكر عنه أنه قال: قمت على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي موسى لأحلق رأسه فقال: يا معمر مكّنك رسول الله صلى الله عليه وسلم من شحمة أذنيه. قلت: ذاك من منن الله علي. قال: أجل. فحلقت رأسه، وترجم أيضا لأبي رحيمة بالحاء أو الخاء فقال: ذكره أبو نعيم وأخرج من طريق روح بن جناح عن عطاء بن نافع عن أبي رحمة قال: حجمت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاني درهما وفي سنده ضعيف. وقد ترجم البخاري في كتاب البيوع، باب: ذكر الحجام وأدرج فيها حديث أبي طيبة. وفي فتح الباري قال ابن المنير: ليست هذه الترجمة تصويبا لصنعة الحجامة، فإنه ورد فيها حديث يخصها. وإن كان الحجام لا يظلم أجره، فالنهي على الصانع لا على المستعمل، والفرق بينهما ضرورة المحتجم للحجامة، وعدم ضرورة الحجام لكثرة الصنائع سواها. قال الحافظ إثره: إن أراد بالتصويب التحسين والندب إليها فهو كما قال، وإن أراد التجويز فلا، فإنه يجوز تعاطيها للضرورة، ومن لازم تعاطيها للمستعمل تعاطيها للصانع لها   (1) انظر كتاب الزكاة باب 49 ج 5 ص 59. (2) ترجمة في الإصابة ج 4 ص 211 جهد المقل ورقمه 1193. (3) ترجمة في الإصابة ج 4 ص 114 ورقمه 682. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 فلا فرق، إلا بما اشرت إليه؛ إذ لا يلزم من كونها من المكاسب الدنية أن لا تشرع ولو تواطأ الناس على تركه لأضرّ بهم اهـ. اللحام وهو الجزار والقصاب «في الصحيح «1» عن ابن مسعود قال: جاء رجل من الأنصار يكنى أبا شعيب فقال لغلام له قصاب: إجعل لي طعاما يكفي خمسة، فإني أريد أن أدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة الحديث» . قلت: وهو في جامع الترمذي بلفظ لحام، قال محشيه: لحام بصيغة المبالغة بائع اللحم، وألفاظ الحرف واقعة بصيغة المبالغة، بناء على كثرة عملهم ومزاولتهم اهـ. وترجم في الإصابة لخالد بن أسيد بن أبي العيص الأموي فنقل عن ابن دريد: كان جزارا وترجم فيها أيضا لكرام فقال: الجزار صاحب الزقاق المعروقة بالمدينة، ذكره عمرو بن شبة. وفي التلقيح للحافظ ابن الجوزي: كان الزبير وعمرو بن العاص وعامر بن كريز جزارين اهـ وفي الصحيح أيضا أن عليا أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم على بدنه وأن يقسم بدنه كلها لحومها والجلود. [كتاب الحج باب 120 ص 186/ 2] . الحرف الممتهنة في نظره عليه السلام أخرج الطبراني من طريق عبد الرحمن بن عثمان الوقاصي، عن ابن المنكدر عن جابر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وهبت خالتي فاختة بنت عمرو غلاما وأمرتها أن لا تجعله جازرا ولا صائغا ولا حجاما. والوقاصي ضعيف. قاله الحافظ في ترجمتها من الإصابة. ولكن قال الذهبي في التجريد: فاختة وهبها عليه السلام غلاما جاء في حديث واه. وفي سنن أبي داود: «إني وهبت لخالتي غلاما وإني أرجو أن يبارك لها فيه، فقلت لها: لا تسلميه حجاما ولا صائغا ولا قصابا» «2» وقال أبو الحسن السندي في حواشي مسند أحمد قيل: إنما كره الحجام والقصاب لأجل النجاسة التي يباشرانها مع تعذر الإحتراز، وأما الصائغ فلما يدخل في صياغته من الغش، ولأنه يصوغ الذهب والفضة، وربما كان منه آنية أو حليّ للرجال، وهذا حرام أو لكثرة الوعد والكذب في كلامه اهـ وفي الذهب الإبريز للقاوقجي: وفيه إشعار بخسة هذه الصنائع اهـ. الطباخ «في الشمائل عن أبي عبيدة طبخت للنبي صلى الله عليه وسلم قدرا وفي الإستيعاب: أبو عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يطبخ لرسول الله صلى الله عليه وسلم» .   (1) انظر كتاب البيوع ج 3 ص 10 باب 21. (2) انظره في ج 3 ص 712 من كتاب البيوع والإجارات باب في الصائع 41. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 وقد وقع حديثه بذلك في شمائل الترمذي وجامع الدارمي وفي الإصابة بريل مصغر أخرج ابن شاهين عن بريل السهالي قال اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة رجل يعالج لأصحابه طعاما فاذاه وهج النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يصيبك حر من جهنم بعدها انظر ص 146 ج 1. صنيعة الخزيرة بخاء وزاي معجمتين فياء فراء فتاء تأنيث، ترجم في الإصابة لخولة بنت قيس الأنصارية الخزرجية، فذكر عن تخريج ابن منده عن خولة بنت قيس قالت: دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم فصنعت له خزيرة، فلما قدمت له وضع يده فيها فوجد حرها فقبضها، ثم قال: يا خولة لا نصبر على حر ولا نصبر على برد، وعن عائشة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخزيرة طبختها له وقلت لسودة والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها: كلي فأبت فقلت لها كلي فأبت فقلت لها إما كلي أو لألطخن بها وجهك فأبت فوضعت يدي في الخزيرة فلطخت بها وجهها فضحك رسول صلى الله عليه وسلم، فوضع فخذه لها وقال لسودة: الطخي وجهها فلطخت بها وجهي فضحك عليه السلام. الحديث رواه ابن غيلان من حديث الهاشمي «1» ، وأخرجه الملا في سيرته. قال في المواهب: والخزيرة اللحم يقطع صغارا أو يصب عليه ماء كثير فإذا نضج ذرّ عليه الدقيق، هو في القاموس: الحريرة يعني بالإهمال: الدقيق يطبخ بلبن أو دسم. وفي مناهج الأخلاق السنية للفاكهي المكي: وأكل صلى الله عليه وسلم الخزيرة بخاء معجمة ثم راء مكسورة وبعد التحتانية راء، وهي لحم تقطع صغارا ويصب عليه ماء كثير فإذا نضج ذرّ عليه الدقيق، وهو الذي صنعته عائشة وقدمته وعنده بعض نسائه، التي مزحت معها وقيل: هي شيء على هيئة العصيدة لكنها أرق. وفي جوهرة الغواص: هي بخاء معجمة إذا صنعت من نخالة، وبالمهملة إذا صنعت من اللبن، وفي موجبات الرحمة للرداد ترجيح الأول اهـ. الشواء في سنن النسائي عن أبي رافع قال: كنت أشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم «2» . صاحب الخبز ترجم في الإصابة مرداس المعلم فقال: ذكره أبو زيد الدبوسي في كتاب الأسرار بغير سند فقال: مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بمرداس المعلم فقال: إياك والخبز المرقق، والشرط على كتاب الله قال: وهذا لم اقف له على سند. قلت: إن ثبت هذا الخبر يرد به قول الحافظ ابن القيم في الطرق الحكمية: إنما لم   (1) لا أدري مدى صحة هذه القصة وليت المؤلف أبدى رأيه في سندها. (2) عثرت عليه في صحيح مسلم ج 1 ص 274 من كتاب الحيض ورقمه 94: عن أبي رافع قال: أشهد لكنت أشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بطن الشاة ثم صلى ولم يتوضأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 يقع التسعير في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، لأنه لم يكن عندهم من يطحن ويخبز بكراء ولا من يبيع طحينا وخبزا بل كانوا يشترون الحب ويطحنونه ويخبزونه في بيوتهم اهـ. منه 233. هل كانت الأقراص النبوية صغارا في المواهب وشرحها وقد تتبعت، هل كانت أقراص خبز النبي صلى الله عليه وسلم صغارا أم كبارا، فلم أجد شيئا في ذلك بعد التفتيش، نعم: روي أمره بتصغيرها في حديث عند الديلمي عن عائشة رفعته بلفظ: صغروا الخبز وأكثروا عدده يبارك لكم فيه، وهو واه بحيث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات. وقال: إن المتهم به جابر بن سليم. وروي عن ابن عمر رفعه: البركة في صغر القرص. ونقل عن النسائي أنه كذب. لكن روى البزار والطبراني في الكبير بسند ضعيف، كما قال الحافظ ابن حجر. وقال شيخه النور الهيثمي: فيه أبو بكر بن مريم، وقد اختلط وبقية رجاله ثقات عن أبي الدرداء مرفوع: قوتوا طعامكم يبارك لكم فيه. قال في النهاية وحكى عن الأوزاعي أنه تصغير الأرغفة، وكذا حكى البزار عن إبراهيم بن عبد الله، عن بعض أهل العلم، أنه تصغير الأرغفة أشار إلى ذلك السخاوي في المقاصد. وفي باب ما يستحب من الكيل من فتح الباري على قوله عليه السلام: كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه. قيل: في مسند البزار أن المراد بكيل الطعام تصغير الأرغفة، ولم أتحقق ذلك ولا خلافه اهـ. وفي موضوعات علي القاري؛ نقلا عن الزركشي حديث: الأمر بتصغير اللقمة، وتدقيق اللقمة، قال النووي لا يصح اهـ وفي منظومة إبن العماد في آداب الأكل والطعام: قالوا وما صح في طحن الطعام ولا ... تصغير لقمته شيء لذي أكل اهـ وأنت تعلم أن نفي الصحة لا يستلزم ما عداها. ثم قال في المواهب: ولعل هذا مستند أبي إسحاق إبراهيم المتبولي في تصغيره أرغفة سماطه كالشيخ أبي العباس البدوي والسادات الوفائية اهـ. وفي شرح المنتهى من كتب الفقه الحنبلي للشيخ منصور البهوتي الحنبلي، وعن أحمد: الخبز الكبار ليس فيه بركة، وذكر معمر أن أبا أسامة قدم لهم طعاما، فكسر الخبز قال أحمد لئلا يعرفوا كم يأكلون اهـ منه وإلى مضمون كلام القسطلاني في المواهب أشار صاحب المقالات السنية فإنه بعد أن ذكر حديث «صغروا طعامكم يبارك لكم فيه» «1» قال: روى الحديث بإسناد به ضعف ... عزا الرواية للأوزاعي ذي الرسم   (1) قال في كشف الخفاء بعد ما ذكر حديث: صغروا الخبز وأكثروا عدده يبارك لكم فيه بأنه رواه الديلمي عن عائشة مرفوعا بسند واه. وعدّه ابن الجوزي في الموضوعات. ونقل أقوال العلماء في بطلان أصل الحديث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 أن المراد به تصغير أرغفة ... البزار أيضا عن إبراهيم ذي النعم يدعى أبو الندب عبد الله والده ... الجنيد عن بعض أهل العلم والحكم أن المراد به تصغير أرغفة ... ولعل ذا سند للعارف الفهم شيخ الطريقة في تصغير أرغفة ... سماطه كأبي العباس ذي القدم والاصطفا أحمد البدوي ثم أولي ... المواهب والسادات ذو القدم بنو الوفا والصفا أهل المعارف ... اكسير السعادات والسادات في الأزم وقد تتبع بعض الحافظين بأن ... يحيط علما بخبر خبز ذي النعم هل كانت أقراص خبز المجتبى صغرا ... أم كبارا فلم يوجد بكتبهم شيئا سوى صغروا الخبز الحديث عن ... رمتة صاحب المصطفى الرضى الفهم الديلمي رواه عن بعض وروي ... حديث أصدق الخلق في الرمم تنبيه: في ترجمة تملك التابعية الكوفية من طبقات ابن سعد أنها سألت أم سلمة قالت: إذا وضعت السكين في الخبز فاذكري اسم الله وكلي. النظر ص 362 ج 8 ففيه أنهم كانوا يقطعون الخبز بالسكين. الماشطة «قال ابن فتحون أم زفر ماشطة خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، ويكرمها ويقول: إنها كانت تأتينا أيام خديجة. وقال ابن إسحاق في السيرة: لما أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حييّ بن أخطب بخيبر أو ببعض الطريق كانت التي جمّلتها ومشطتها وأصلحت من أمرها أم سليم بنت ملحان» . قلت: في طبقات ابن سعد؛ أن المصطفى عليه السلام لما اشترى صفية من دحية الكلبي دفعها إلى أم سليم حتى تهيئها وتصنعها وتعتد عندها. وترجم في الإصابة لآمنة بنت عفان بن أبي العاص أخت أمير المؤمنين عثمان، فذكر عن ابن الكلبي أنها كانت في الجاهلية ماشطة، وذكر فيها أيضا لشبرة بنت صفوان القرشية، فذكر عن ابن الكلبي أنها كانت ماشطة، تقني النساء بمكة. وترجم فيها أيضا لأم رعلة القشيرية فذكر عن المستغفري أنها كانت امرأة ذات لسان وفصاحة فقالت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، إنا ذوات الجدود ومحل أزهار البعول، ومن بنات الأولاد، ولا حظ لنا في الجيش فعلمنا شيئا يقربنا إلى الله وفيه فقالت: إني امرأة مقنية أقين النساء وأزينهن لأزواجهن. فهل هو حوب فاثبط عنه؟ فقال لها يا أم رعلة قينيهن وزينيهن الخ القصة. وفي رواية أخرى: فكان المصطفى بها متعجبا. وفي التجريد أم رعلة القشيرية، لها وفادة في حديث واه اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 وفي باب ذكر القن والحداد من فتح الباري: وأما قول أم أيمن: قنيت عائشة فمعناه: زينتها. قال الخليل: التقيين التزيين، ومنه سميت المغنية قينة، لأن من شأنها الزينة اهـ منه. تتمة خرج أبو داود في سننه عن عائشة قالت: أرادت أمي أن تسمنني لدخولي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أقبل عليها بشيء مما تريد، حتى أطعمتني القثاء بالرطب، فسمنت عليه أحسن السمن. ترجم عليه أبو داود باب السمنة «1» . المحرشة بين النساء ترجم في الإصابة لحميدة بالتصغير، مولاة أسماء بنت أبي بكر الصديق، وهي والدة أشعب الطامع فقال: قيل: كانت تدخل بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتحرّش بينهن، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتعزيرها، وقيل: دعا عليها فماتت. وهذا لا يصح، لأن أشعب ولد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة، فلعلها أصابها بدعائه مرض اتصل بها إلى أن ماتت بعده بمدة وفي محل آخر من الإصابة أن ولدها أشعب افتخر بذلك. فقيل له: ويحك أو يفتخر بهذا أحد فقال: لو لم يكن موثوقا بها عندهن ما قبلن منها. المرأة تذهب لجس نبض الرجل هل له بزواج فلانة أرب؟ في ترجمة خديجة من الإصابة عن نفيسة بنت أمية أخت يعلى قالت: كانت خديجة امرأة شريفة، كثيرة المال ولما تأيمت كان كل شريف من قريش يتمنى أن يتزوجها، فلما سافر النبي صلى الله عليه وسلم في تجارتها ورجع بربح وافر، رغبت فيه فأرسلتني دسيسا إليه فقلت: ما يمنعك أن تتزوج؟ قال: ما بيدي شيء. فقلت: فإن كفيت ودعيت إلى المال والجمال والكفاءة؟ قال: ومن؟ قلت: خديجة فأجاب. وانظر ترجمتها من طبقات ابن سعد. النساء الممرضات اللائي كن يرافقن المصطفى عليه السلام في الغزو وما كان الصحابيات يظهرن من ضروب الشجاعة وخفة الحركة ومساعدة الغزاة ترجم في الإصابة للربيّع بنت معوّذ بن عفراء فنقل عن أبي عمر: كانت ربما غزت مع النبي عليه السلام. وأخرج البخاري «2» والنسائي وأبو مسلم الكجي عن الربيّع قالت: كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكنا نسقي القوم ونخدمهم. ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة. وترجم في الإصابة لرفيدة الأنصارية أو الأسلمية، فذكر عن ابن إسحاق في قصة سعد بن معاذ لما أصيب يوم الخندق فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: اجعلوه في خيمة رفيدة التي في   (1) انظره في كتاب الطب باب 20 ص 224 ج 4. (2) انظر كتاب الجهاد ج 3/ 222. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 المسجد حتى أعوده من قريب. وكانت امرأة تداوي الجرحى، وتحبس نفسها على خدمة من كان ضيعة من المسلمين. ونحوه للبخاري في الأدب المفرد، وفي ترجمة كعيبة بنت سعد الأسلمية نقلا عن ابن سعد: هي التي كانت تكون في المسجد لها خيمة تداوي المرضى والجرحى وكان سعد بن معاذ حين رمى يوم الخندق عندها تداوي جرحه حتى مات وشهدت خيبر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأسهم لها بسهم رجل. وفي ترجمة ليلى الغفارية كانت تخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في مغازيه، تداوي الجرحى وتقوم على المرضى، وأخرج ابن مردويه في تفسيره عن معاذة الغفارية قالت: كنت أنيسا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج معه في الأسفار أقوم على المرضى وأداوي الجرحى ولكن في التجريد: ليلى الغفارية كانت تداوي في المغازي الجرحى في خبر باطل اهـ «1» . قلت: الخبر الباطل مبسوط في الإصابة، وفيها أيضا في ترجمة أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وحاضنته، عن الواقدي: حضرت أم أيمن أحدا، وكانت تسقي الماء وتداوي الجرحى، وشهدت خيبر وترجم لأم زيادة الأشجعية «2» . فذكر أنها خرجت مع المصطفى صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر سادسة ست نسوة. قال: فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إلينا قال: بإذن من خرجتن؟ ورأينا في وجهه الغضب. فقلن: خرجنا ومعنا دواء نداوي به الجرحى، ونناول السهام، ونسقي السويق. الحديث. وفيه أنه قسم لهن من التمر. أخرجه أبو داود والنسائي وابن أبي عاصم. [انظر كتاب الجهاد ج 3 ص 170 لأبي داود] . وفي طبقات ابن سعد، في ترجمة أم سنان الأسلمية قالت: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج إلى خيبر جئته قلت: يا رسول الله أخرج معك أخرز السقاء، وأداوي المريض والجريح إن كانت جراح، وأبصر الرحل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرجي على بركة الله، فإن لك صواحب قد كلمنني وأذنت لهن من قومك، ومن غيرهم. فإن شئت فمع قومك، وإن شئت فمعنا قلت معك قال: فكوني مع أم سلمة زوجتي قالت فكنت معها. وانظر ترجمة أم كبشة القضاعية من الإصابة، وأم ورقة بنت عبد الله الأنصارية. وقد ترجم الشامي في سيرته استصحابه عليه السلام بعض النساء لمصلحة المرضى والجرحى، ومنعه من ذلك في بعض الأوقات، فذكر قصة حديث ليلى الغفارية وعزاها للطبراني، ثم ذكر أن الطبراني خرّج برجال الصحيح عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بنا نسوة من الأنصار نسقي الماء ونداوي الجرحى، ثم ذكر أن الطبراني خرّج في الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح، عن أم كبشة امرأة من بني عذرة قضاعة قالت: يا رسول الله إيذن لي أخرج في كذا جيش كذا وكذا قال: لا. قلت يا رسول الله إنه ليس أريد أن أقاتل، إنما أريد أن أداوي الجرحى والمرضى. قال: لولا أن يقال: فلانة خرجت   (1) انظر الخبر في ص 402 ج 4. (2) انظر الخبر في ص 453 ج 4. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 لأذنت لك، ولكن اجلسي فاقتصر على ما ذكر، فكأن ما ذكرناه لم يتيسر له والحمد لله. وقد بوّب البخاري في كتاب الجهاد «1» : جهاد النساء وباب غزو المراة في البحر وباب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه وباب غزو النساء وقتالهن مع الرجال وباب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو وباب مداواة النساء الجرحى في الغزو وباب رد النساء الجرحى والقتلى. وخرّج فيها عن أنس: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ولقد رأيت عائشة وأم سليم مشمرتان أرى خدم سوقهما تنغزان القرب وقال غيره: تنقلان القرب على متونهما، ثم ترجعان فتملآنهما ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: كانت النساء تشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد ويسقين المقاتلة ويداوين الجرحى. ولأبي داود «2» من طريق حشرج بن زياد عن جدته أنهن خرجن مع النبي صلى الله عليه وسلم في حنين، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهن عن ذلك فقلن: خرجنا نغزل الشعر ونعين في سبيل الله ونداوي الجرحى، ونناول السهام، ونسقي السويق. ووقع عند مسلم عن أنس أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين وقالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه. وذكر في ترجمة أم عمارة الأنصارية عن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما التفت يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا وأنا أراها تقاتل دوني. وفي العتبية قال مالك: كان النساء يخرجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوه؛ يسقين الماء ويداوين الجرحى. قال ابن رشد في البيان والتحصيل. لا خلاف في خروج النساء في الغزو، مع الجيش المأمون ليخدمن الغزاة اهـ. وقال شيخنا الشبيهي في الفجر الساطع، على قوله في هذه الترجمة: وتداوي الجرحى قال القرطبي: معناه أنهن يهيئن الأدوية للجراح ويصلحنها، ولا يلمسن من الرجال ما لا يحل. ثم أولئك النساء إما متجالات فيجوز لهن كشف وجههن، وأما الشواب فيحتجبن، وهذا كله على عادة نساء العرب في الانتهاض والنجدة، والجرأة والعفة، وخصوصا نساء الصحابة. فإن اضطر لمباشرتهن بأنفسهن جاز. والضرورات تبيح المحظورات. وقال ابن زكري: فيه معالجة الأجنبية للرجل للضرورة اهـ. ونقل الشيخ عبد الغني النابلسي في شرح الطريقة المحمدية عن والده أنّ ابن   (1) انظر صحيح البخاري ج 3 ص 221 وما بعدها. (2) انظر كتاب الجهاد ج 3 ص 170 رقم الحديث 2729 وأوله: مع من خرجتن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 الزبير لما مرض بمكة استأجر عجوزا لتمرضه فكانت تغمز رجله وتفلي رأسه اهـ منه. النسوة التاجرات زيادة على ما سبق تقدم منهن، ويأتي جماعات وفي ترجمة قيلة الأنمارية من الإصابة عنها من تخريج ابن ماجه قلت: يا رسول الله إني امرأة أشتري وأبيع. الحديث «1» . وفي ترجمتها من طبقات ابن سعد اهـ ص 238 من ج 8 عن قيلة أم بني أنمار قالت: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المروة ليحل في عمرة من عمره، فجئت أتوكأ على عصاه حتى جلست إليه فقلت يا رسول الله إني امرأة أبيع وأشتري، فربما أردت أن أشتري السلعة، فأعطي بها أقل مما أريد أن آخذها به ثم زدت ثم زدت حتى آخذها بالذي أريد أن آخذها به، وربما أردت أن أبيع السلعة فأستمت بها أكثر مما أريد أن أبيعها به ثم نقصت ثم نقصت حتى أبيعها بالذي أريد أن أبيعها به. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلي هكذا يا قيلة ولكن إذا أردت أن تشتري شيئا فأعطي به الذي تريدين أن تأخذيه به أعطيت أو منعت، وإذا أردت أن تبيعي شيئا فاستامي الذي تريدين أن تبيعيه به أعطيت أو منعت. وفي تحفة الناظر للقاضي العقباني: استشكال ما قيل من تأكد الأبعاد بين السماسرة والنساء، ولما يخشى من الفتنة مع ما جاء في المذهب من إباحة التجر للمرأة، وأن الزوج ليس له منعها من الخروج لذلك، وليس التجر وتعاطي أسبابه بمقصور على المأمون عليها إذ لها اقتناء الربح من أي رجل كان، وإلا لما كان تجرأ. ثم أجاب عنه بأنه لا يلزم من إباحة التجر لها أن تليه بنفسها، ولعلها توكل من يقوم به عنها من الأمناء؛ محرما أو غيره. قال: وما ذكرناه من أنه لا يمنعها من الخروج للتجارة نقله في الحادي عن المجموعة. قال بعض الشيوخ: يفهم من قوله: ليس له منعها من التجارة أنه لا يغلق عليها. وهو منصوص في الوثائق المجموعة في كتاب الوصايا اهـ. وفي شرح أبي يحيى التازي على الرسالة: وأما البيع والشراء فيمنعها من ذلك في الأسواق، ويجوز لها ذلك في الدار ويدخل إليها الرجال، لكن تبايعهم من وراء حجاب، ولا تفتقر فيه إلى إذن زوجها اهـ منه. القابلة «قال في الاستيعاب عند ذكر إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم: إن قابلته سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أبي رافع فبشر به أبو رافع النبي صلى الله عليه وسلم، فوهب له عبدا وهي قابلة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي غسلت فاطمة عليها السلام مع زوجها» . وفي ترجمة خديجة من الإصابة؛ وكانت قابلتها سلمى مولاة صفية، وكانت تسترضع   (1) انظر كتاب التجارات في ابن ماجه ص 743/ 2 باب السوم/ 29. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 لولدها، وتعد ذلك قبل أن تلد. وفي ترجمة سوداء من الإصابة: أنه جاء بإسناد فيه مجهول، أنها كانت قابلة لفاطمة حين وضعت الحسن. الخافضة «قال عليه الصلاة والسلام لأم عطية، وكانت تخفض النساء: أشمّي (لا تستقصي) ولا تنهكي (لا تبالغي) فإنه أسرى للوجه، وأحظى عند الزوج (أكثر لماء الوجه ودمه وأحسن في جماعها) » . المرضعة «ذكر في الاستيعاب أم بردة بنت المنذر بن زيد من بني عدي بن النجار فقالت: هي التي أرضعت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم دفعه لها صلى الله عليه وسلم ساعة وضعته أمه فلم تزل ترضعه حتى مات عندها» [وهي زوج البراء بن أوس بن خالد] . قلت: ونحوه في الإصابة وعقبه بقوله: وقال أبو موسى: المشهور أن التي أرضعته أم سفيان ولعلهما جميعا أرضعتاه «1» . المرأة تمثل النسوة في المجلس النبوي في ترجمة أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية، من الاستبصار روي عنها أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين، يقلن بقولي، وعلى مثل رأيي، إن الله بعثك إلى الرجال والنساء، فامنا بك واتبعناك، ونحن معشر النساء مقصورات مخدرات، قواعد بيوت وموضع شهوات الرجال، وحاملات أولادكم، وأن الرجال فضلوا بالجماعات، وشهود الجنائز، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم، وربينا أولادهم، أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه إلى أصحابه وقال لهم: هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالا عن دينها من هذه؟ فقالوا: لا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. انصرفي يا أسماء. وأعلمي من ورائك من النساء، أن حسن تبعّل إحداكم لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتباعها لموافقته، تعدل كلّ ما ذكرت. فانصرفت أسماء. وهي تهلل وتكبر، استبشارا بما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ. المغزل أخرج أبو نعيم في المعرفة عن عبد الله بن ربيع الأنصاري، رفعه: علموا أبناءكم السباحة والرماية، ونعم لهو المؤمنة في بيتها المغزل.   (1) وروى البخاري في كتاب الجنائز 44 ص 85 ج 2 عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 وأخرج ابن عدي عن ابن عباس رفعه: لا تعلموا نساءكم الكتابة ولا تسكنوهن الغرف، وقال خير لهو المؤمن السباحة، وخير لهو المؤمنة الغزل. وخرّج الديلمي عن أنس رفعه: نعم لهو المرأة مغزلها. وتقدم حديث: عمل الأبرار من الرجال الخياطة وعمل الأبرار من النساء المغزل «1» ، وأخرج الخطيب في تاريخه عن ابن عباس رفعه: زينوا نساءكم بالمغزل. وأخرج ابن عساكر من طريق محمد بن بكار السكسكي، حدثنا موسى ابن عوف، حدثنا النفيلي حدثنا زياد بن السكن قال: دخلت على أم سلمة وبيدها مغزل تغزل به فقلت: كلما أتيتك وجدت في يدك مغزلا، فقالت: إنه يطرد الشيطان ويذهب بحديث النفس، وأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أعظمكن أجرا أطولكن طاقة. وأخرج ابن عساكر من طريق محمد بن يزيد بن مروان، عن زياد بن عبد الله القرشي قال: دخلت على هند بنت المهلب بن أبي صفرة، وهي امرأة الحجاج بن يوسف، فرأيت في يدها مغزلا تغزل به، فقلت: أتغزلين وأنت ابنة أمير؟ قالت: سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطولكن طاقة أعظمكن أجرا، وهو يطرد الشيطان ويذهب بحديث النفس. وأخرج الحاكم في المستدرك عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. لا تسكنوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن المغزل قال الحاكم: صحيح الإسناد، وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق الحاكم. وأخرج ابن سعد عن أم صفية خولة قالت: كنا نكون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر في المسجد نسوة قد تخاللن، وربما غزلت بعضنا فيه الخوص، فأخرجنا منه عمر. وقد أفرد هذه الترجمة الحافظ السيوطي بجزء سماه الأجر الجزل في الغزل، وهو عندي ومنه لخصت ما سقته هنا «2» في المغنين (ذكر المغنين في الأعياد) . «في الصحيحين عن عائشة: جاء حبش يزفنون في يوم عيد في المسجد فدعاني صلى الله عليه وسلم فوضعت رأسي على منكبه فجعلت أنظر إلى لعبهم حتى كنت أنا الذي انصرف عن النظر إليهم وفيهما أيضا أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تغنيان وتضربان بالدف ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه وقال دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد» «3» .   (1) حديث موضوع ذكره صاحب التيسير وعزاه للخطيب وابن لال وابن عساكر وفي إسناده كذاب وقال الذهبي: فقبح الله من وضعه. (2) لا شك بأن عمل المرأة بشكل عام في مهنة شريفة كالخياطة أو الغزل هو مما يناسب حال المرأة، ولكن الزمان تغير كثيرا فمن يقنع النساء بملازمة البيت وعدم الخروج إلا لضرورة. مصححه. (3) البخاري ج 2 ص 11 من كتاب العيدين باب 25. وكذلك في مسلم ج 3 ص 608 كتاب العيدين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 وخرج الإمام أحمد وابن ماجه عن قيس بن سعد بن عبادة قال: ما من شيء كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قدر رأيته إلا شيئا واحدا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغلس له يوم الفطر وقال جابر: هو اللعب. وروى ابن ماجه عن عياض الأشعري أنه شهد عيدا بالأنبار فقال: ما لي لا أراكم تغلسون كما كان يغلس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. وروى الطبراني عن أم سلمة قالت: دخلت على جارية لحسان بن ثابت يوم فطر، ناشرة شعرها معها دف، فزجرتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعيها يا أم سلمة فإن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا. «وخرّج مسلم عن عائشة قالت: دخل علي أبو بكر وجاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث يوم معلوم بين الأوس والخزرج- فقالت وليستا بمغنيتين- قال أبو بكر أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا وخرجه البخاري فقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم» . قال الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن حبيب العامري البغدادي في مؤلفه في السماع: من تمسك بتسمية أبي بكر مزمار الشيطان فقد أخطأ وأساء الفهم من وجوه؛ منها: تمسكه بقول أبي بكر مع رد النبي صلى الله عليه وسلم له قوله، وزجره عن عنفه لهن ورجوع أبي بكر إلى إشارة المصطفى، ومنها إعراض هذا القائل عن إقراره صلى الله عليه وسلم، واستماعه الذي لا احتمال فيه، أنه يقتضي الحل، والإطلاق إلى لفظ أبي بكر. ومحال أن يعتقد أبو بكر تحريم أمر حضره المصطفى وأقر عليه، مع علم الصديق أنه عليه السلام لا يقر على باطل. والصحيح أن يفهم من قول أبي بكر ما يليق به. وهو أنه رأى ضرب الدف وإنشاد الشعر لعبا من جملة المباح الذي ليس فيه عبادة، فخشي باطنه الكريم من تعظيم حضرة النبوة واحترام منصب الرسالة وشدة الاحتشام ما حمله على تنزيه حضرته عليه السلام عن صورة اللعب، ورأى أن الاشتغال بالذكر والعبادة في ذلك الموطن الكريم أولى، فزجر عنه احتراما لا تحريما فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم إنكاره لأمرين، أحدهما: أن لا يعتقد تحريم ما أبيح في شرعه توسعه لأمته ورفقا بها، وتفسحا في بعض الأوقات. والثاني: إظهار الشارع مكارم الأخلاق وسعة الصدر لأهله وأمته، فتستريح قلوبهم ببعض المباح، فيكون أنشط لهم في العود إلى وظائف العبادة، كما قال لما قال أبو بكر: أقرآن وشعر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ساعة من هذا وساعة من هذا اهـ. هل كانت الدفوف في الزمن النبوي بالجلاجل (وهل سمع الصحابة العود والوتر) قال الخزاعي هنا: «لم أقف في شيء مما طالعته من الكتب ما استدل به على الدفوف، التي كانت الجواري يضربن بها في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، هل كان فيها جلاجل أم لا؟ ولكن يحتمل إجازة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 أبي حامد «1» استعمال ما فيه الجلاجل من الدفوف ثبوت استعمالها في عهده عليه السلام، ولذلك أباح استعمالها اهـ» . قلت: قد وجدت التلمساني في شرح الشفا المسمى المنهل الأصفى قال: كانت العرب تعمل في دفوفها الجلاجل، وانظر قوله في الحديث «2» : وجويريات يلعبن بالدف. هل هو المدور أو ذو الجلاجل؟ اهـ وقال العلامة الكمال الأدفوي في الإمتاع: ما ادّعوه أن الدفوف التي كانت في زمنه عليه السلام لم يكن لها جلاجل نفي يحتاج إلى الإثبات، ولو ثبت لم يكن فيه حجة، إنما الحجة أن لو كان ثم منع اهـ. وذكر الشيخ أبو المواهب التونسي في تأليف له في إباحة سماع الآلات أن جمعا من الصحابة والتابعين سمعوا نقر العود، فمن الصحابة ابن عمرو وعبد الله بن جعفر، وعبد الله ابن الزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم اهـ نقله عنه القاضي ابن الحاج في حواشي شرح المرشد. وفي رسالة إبطال دعوى الإجماع، على تحريم مطلق السماع، للحافظ الشوكاني؛ ذكر الأستاذ أبو منصور البغدادي الشافعي في مؤلفه في السماع؛ أن عبد الله بن جعفر كان لا يرى بالغناء بأسا، ويسوغ الألحان لجواريه ويسمعها منهن على أوتاره. وكان ذلك في زمن أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه وقال إمام الحرمين في النهاية، وابن أبي الدم: نقل الأثبات من المؤرخين أن عبد الله بن الزبير كان له جوار عوّادات وأن ابن عمر دخل عليه وإلى جنبه عود فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فناوله إياه فتأمله ابن عمر وقال: هذا ميزان شامي. فقال ابن الزبير: توزن به العقول. ذكر أسماء المغنيات في المدينة في العهد النبوي تقدم في الحديث قبله: وجاريتان تغنيان من جواري الأنصار، قال في الفجر الساطع: جاريتان دون بلوغ لعبد الله بن أبي اسم إحداهما حمامة. قلت: سمى منهما حمامة في رواية ابن فليح عن ابن أبي الدنيا، عن هشام عن أبيه عن عائشة. انظر ترجمة حمامة من الإصابة، وترجم فيها لأرنب المغنية المدنية وقال: روينا في الجزء الثالث من أمالي المحاملي من طريق ابن جريج. أخبرنا أبو الأصبغ أن جميلة المغنية أخبرته؛ أنها سألت جابر بن عبد الله عن الغناء فقال: نكح بعض الأنصار بعض أهل عائشة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهديت عروسك؟ قالت: نعم. قال: فأرسلت معها بغناء، فإن الأنصار يحبونه قالت: لا. قال فأدركيها بأرنب امرأة كانت تغني بالمدينة، وترجم أيضا لزينب الأنصارية فقال: جاء أنها كانت تغني بالمدينة. فأخرج الحافظ محمد بن طاهر المقدسي في   (1) هو الإمام الغزالي رحمه الله وانظر رأيه في السماع في إحياء علوم الدين ج 2 ص 282. (2) انظر البخاري كتاب النكاح باب 48 ص 37/ 6. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 كتاب الصفوة من طريق المحاملي أن جميلة أخبرته؛ أنها سألت جابر بن عبد الله عن الغناء. فقال: نكح بعض الأنصار بعض أهل عائشة، فذكر قصة تشبه التي قبلها وفيها قول المصطفى عليه السلام: فأدركيها بأرنب امرأة؛ كانت تغني بالمدينة وانظر ترجمة فريعة بنت معوذ بن عفراء. وقال الحافظ في كتاب النكاح، من الفتح على حديث النسوة اللاتي يهدين المرأة إلى زوجها؛ ودعائهن بالبركة وفيه: فإن الأنصار يعجبهم اللهو. وفي حديث ابن عباس وجابر: قوم فيهم غزل وفي حديث جابر عند المحاملي: أدركيها بزينب. امرأة كانت تغني بالمدينة. ويستفاد منه تسمية المغنية الثانية في القصة التي وقعت في حديث عائشة الماضي في العيدين حيث جاء فيه: دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان. وكنت ذكرت هناك أن اسم إحداهما حمامة كما ذكره ابن أبي الدنيا في العيدين له بإسناد حسن. وإني لم أقف على اسم الآخرى، وقد جوّزت الآن أن تكون هي زينب هذه اهـ. قلت: انظر هذا مع ما نقله الخزاعي هنا عن المشارق على قوله جاريتان تغنيان. قال وليستا بمغنيتين الغناء الأول من الإنشاد، والثاني من الصفة اللازمة أي ليستا ممن اتصف بهذا واتخذه صناعة إلا كما ينشد الجواري وغيرهن من الرجال في خلواتهن ويترنمن به من الأشعار في شؤونهن. ويحتمل أن يكون ليستا بمغنيتين هذا الغناء المصنوع العجمي الخارج عن إنشاد العرب اهـ. قال الحافظ ابن الجوزي في تلبيس إبليس: الظاهر من هاتين الجاريتين صغر السن، لأن عائشة كانت صغيرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير إليها الجواري يلعبن معها. ثم ذكر بعض طريق القصة وفيها ما كانوا يغنون به فقال: فبان بما ذكرناه ما كانوا يغنون به وليس مما يطرب، ولا كانت دفوفهن على ما يعرف اليوم اهـ منه ص 240. وقال النووي في شرح مسلم وقوله: وليستا بمغنيتين معناه ليس الغناء عادة لهما، ولا هما معروفتان به قال القاضي: وإنما كان غناؤهما بما هو من أشعار الحرب، والمفاخرة بالشجاعة والظهور، وهذا لا يهيج الجواري على شر ولا انشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه، وإنما هو رفع الصوت بالإنشاد، ولا ممن اتخذ ذلك صنعة وكسبا اهـ ونحوه للقسطلاني في الإرشاد وغيره. ذكر ما كانوا يغنون به سبق أن جواري الأنصار كانوا يغنون بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، وبعاث بضم الباء وآخره مثلاثة والعين مهملة وإعجامها تصحيف، وهو اسم حصن وقع الحرب عنده بين الأوس والخزرج، قال الأستاذ المعمر أبو النجاة سالم بو حاجب المالكي أحد الأعلام من مشايخنا التونسيين في تعاليقه على الصحيح: لله درّ البخاري في إيراد خصوص اللعب المذكور يوم العيد، حيث يؤخذ منه أن اللهو الذي يرتكب لإظهار المسرة العيدية ينبغي أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 لا يكون خاليا عن نحو مصلحة شرعية، حتى يخرج ذلك اللعب عن دائرة اللهو والباطل. وفي هذا إشارة إلى أصل عظيم من أصول تمدن الأمة، وهو أن تجعل الألعاب مشحونة بتربيات تمكن القلوب من حب الدين والوطن، وترتوي بمكارم الأخلاق حتى يكون الإنسان في مباشرة تلك الألعاب ومشاهدتها يتنزل عليه المثل المشهور «يسرّ حسوا في ارتغاء» «1» وهذا الذي لمح له البخاري هنا، يؤخذ من قوله عليه السلام: كل لهو ابن آدم باطل، إلا في ثلاث: تأديب الفرس، والرمي بالقوس، وملاعبة الزوجة. ولله در الصديقة حيث جمعت بين حديث الجاريتين وحديث الحبشة، فإن غناء بعاث يحرك الحماسة القلبية، ولعب الحبشة يعلم سرعة الحركات البدنية. والأمران هما ملاك التقدم في الحرب. فإن قيل: التدريب الحربي هو تعليم العلوم، والتعليم جدّ لا لعب، فكيف سماه البخاري لعبا؟ فالجواب كما أشار إليه ابن حجر: أنه شبّه اللعب من حيث الصورة، فإنك ترى أحد المتناضلين يظهر أنه يقصد طعن صاحبه ولا يفعل ويتهدده ولو كان أباه أو ابنه اهـ. ذكر من غنّى في وليمة النكاح «في الصحيح «2» عن عائشة أنها زفّت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة ما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو» . قلت: وفي حديث عبد الله بن الزبير عند أحمد وصححه الحاكم وابن حبان: أعلنوا النكاح زاد الترمذي وابن ماجه من حديث عائشة: واضربوا عليه بالدف. قال الحافظ في الفتح: واستدل بقوله: واضربوا على أن ذلك لا يختص بالنساء، لكن إسناده ضعيف، والأحاديث القوية فيها الإذن بذلك للنساء، فلا يلحق بهن الرجال؛ لعموم النهي عن التشبه بهن اهـ وحديث ابن حاطب المذكور قال عبد الحق في الأحكام: وغير الترمذي يقول: صحيح. وخرج النسائي عن عامر بن سعد قال: دخلت على قرظة بنت كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس وإذا جوار يتغنين فقلت: أنتما صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل بدر يفعل هذا عندكم؟ فقال اجلس إن شئت فاسمع معنا وإن شئت اذهب، قد رخص لنا في اللهو عند العرس. وترجم في الإصابة لثابت بن يزيد الأنصاري فذكر أن البارودي وأبا نعيم خرّجا من طريق شريك عن ابن إسحاق عن عامر بن سعد قال: دخلت على قرظة بنت كعب وثابت بن يزيد وأبي مسعود وعندهم جوار وأشياء فقلت: تفعلون هذا وأنتم من الصحابة قالوا رخّص لنا في اللهو عند العرس انظر ص 217. وانظر ترجمة علي بن هبار الأسدي فيها أيضا. وترجم فيها أيضا لمعبد بن قيس فذكر   (1) ومعناه: يحسو اللبن وهو يظهر أنه يأخذ الرغوة فقط. (2) ج 6/ 140 كتاب النكاح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 أن ابن السكن خرج قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تزوجت، فقال: هل من لهو؟. وترجم البخاري «1» في الصحيح: باب ضرب الدف في النكاح والوليمة ثم خرج عن الربيّع بن معوذ بن عفراء قالت: جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بني عليّ فجلس على فراشي فجعلت جويريات يضربن في الدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن: وفينا نبيّ يعلم ما في غد. فقال: دعي هذه وقولي الذي كنت تقولين. قال الحافظ في الفتح على قوله: جويريات لم أقف على أسمائهن، ووقع في رواية حماد بن سلمة بلفظ: جاريتان تغنيان، فيحتمل أن تكون اثنتان هما المغنيتان، ومعهما من يتبعهما، أو يساعدهما في ضرب الدف من غير غناء. وقال: قوله: ويندبن من الندبة، وهي ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه، وتعديد محاسنه من الكرم والشجاعة ونحوها. وقال: قوله: وقولي بالتي كنت تقولين فيه إشارة إلى جواز سماع المدح، والمرثية مما ليس فيه مبالغة، تفضي إلى الغلو. وأخرج الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بنساء من الأنصار في عرس لهن وهنّ يغنين: وأهدى لها كبشا تنحنح في المربد ... وزوجك في البادي ويعلم ما في غد فقال: لا يعلم ما في غد إلا الله. قال المهلب: في هذا الحديث اعلان النكاح بالدف وبالغناء المباح. وفيه إقبال الإمام إلى العرس، وإن كان فيه لهو ما لم يخرج عن حد المباح، وفيه جواز مدح الرجل في وجهه، ما لم يخرج إلى ما ليس فيه. وأغرب ابن التين فقال: إنما نهاها لأن مدحه حق والمطلوب في النكاح اللهو، فلما أدخلت الجد في اللهو منعها. كذا قال. وتمام الخبر الذي أشرت إليه يرد عليه. وسياق القصة يدل على أنها لو استمرت على المراثي لم ينهها. وإنما أنكر عليها ما ذكر من الأطراء حيث أطلق علم الغيب عليه، وهو صفة تختص بالله كما قال تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل: 65] وقوله: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ [الأعراف: 188] وقوله: وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ [الأعراف: 188] وسائر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر به من الغيوب بإعلام الله تعالى له، لا أنه يستقل بعلم ذلك، كما قال تعالى: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ [الجن: 26، 27] .   (1) الحديث في البخاري ص 127 ج 6 باب النكاح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 ذكر تلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إيابه معروف خبر انشاد غلمان الأنصار بالدف والألحان عند قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلع البدر علينا ... من ثنيّات الوداع وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع قلت هذا الشعر أنشد عند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة، رواه البيهقي في الدلائل، وأبو بكر المقري في كتاب الشمائل، له عن ابن عائشة. وذكر الطبري في الرياض عن أبي الفضل الجمحي قال: سمعت ابن عائشة يقول أراه عن أبيه فذكره. وقال: خرّجه الحلواني على شرط الشيخين. وراجع المواهب وشرحها ص 417 من ج 1. وفي الكلام على غزوة تبوك من المواهب: ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة خرج الناس لتلقيه، وخرج النساء والصبيان والولائد يقلن: طلع البدر علينا. وقد وهم بعض الرواة فقال: إنما كان هذا عند مقدمه المدينة، وهو وهم ظاهر؛ لأن ثنيات الوداع إنما هي من ناحية الشام، لا يراها القادم من مكة إلى المدينة ولا يراها إلا إذا توجه إلى الشام كما قدمت ذلك اهـ. قال الزرقاني: وقد تقدم أن الولي العراقي قال: يحتمل أن الثنية التي من كل جهة يصل إليها المشيعون يسمونها ثنية الوداع. وقدمت أن هذا يؤيده جمع الثنيات، إذ لو كان المراد التي من جهة الشام لم يجمع. ولا مانع من تعدد وقوع هذا الشعر، مرة عند الهجرة ومرة عند قدومه من تبوك، فلا يحكم بغلط ابن عائشة لأنه ثقة. وانظر فتح الباري في الهجرة وغزوة تبوك. وزاد المعاد. وذكر المطرزي في اليواقيت عن ابن عباس قال: لما قدم المدينة النبي صلى الله عليه وسلم استقبلته بنات الأنصار بأيديهن الدفوف يضربن بها ويقلن: نحن جوار من بني النجار ... يا حبذا محمد من جار وخرّج الترمذي عن عبد الله بن بريدة قال: سمعت بريدة يقول: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله صالحا أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا. فجعلت تضرب» . قال الترمذي: حسن صحيح «1» . قال التوربشتى كما في قوت المغتذي على جامع الترمذي: إنما مكّنها من ضربه بين يديه إذ نذرت. فدل نذرها على أنها عدّت انصرافه على حال السلامة نعمة من نعم الله عليها؛ فانقلب الأمر فيه من صفة اللهو إلى صفة الحق ومن المكروه إلى المستحب اهـ.   (1) انظر كتاب المناقب ج 5 ص 620 رقم الحديث 3690. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 ذكر من غنى قوما اجتمعوا عند صاحب لهم وسمع النبي صلى الله عليه وسلم فأقرهم ولم ينكره «روى أبو الفرج الأصبهاني في كتاب آداب السماع فقال: حدثنا عبد الله بن شبيب قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني أبي عن حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسان بن ثابت وهو بفناء أطمه ومعه سماطان من أصحابه وجاريته تغنيهم فانتهى إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: هل عليّ ويحكما ... إن لهوت من حرج «فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لا حرج وقد ذكر القصة ابن عبد ربه في العقد الفريد» . قلت: في ترجمة حسان من الإصابة أخرج أبو نعيم من طريق بشر بن محمد المؤدب عن أبي أويس عن حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس قال: مرّ رسول عليه وسلم بحسان ومعه أصحابه سماطين وجارية له يقال لها سيرين، وهي تغنيهم فلم يأمرهم ولم ينههم رواه ابن وهب عن أبي أويس مثله لكن قال: وجارية طربة تغنيهم. وقد ألف في السماع والغناء جماعة منهم. (1) الإمام ابن قتيبة له كتاب الرخصة في السماع. (2) الإمام أبو منصور التميمي البغدادي. (3) الحافظ أبو محمد بن حزم الأندلسي. (4) الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد ابن أحمد بن حبيب العامري البغدادي. وفي المنن الكبرى للشعراني بعد كلام: صنف الإمام الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي كتابا نقض فيها أقوال من قال بتحريم السماع، وجرح النقلة للحديث الذي أوهم التحريم، وذكر من جرّحهم من الحفاظ واستدل على إباحة السماع واليراع والدف والأوتار بالأحاديث الصحيحة، وجعل الدف سنة. قال الشيخ القوصي بن عبد الغفار القوصي: وقد قرأت ذلك على الحافظ شرف الدين الدمياطي وأجازني به عن الحافظ أبي طاهر السلفي الإصبهاني بسماعه من المصنف وقال: لا فرق بين سماع الأوتار وسماع صوت الهزار والبلبل، وكل طير حسن الصوت، فكما أن صوت الطير مباح سماعه فكذلك الأوتار اهـ. وكتاب المقدسي المذكور تأليف عجيب نادر الوجود واسع البحث، وقفت على نسخة منه بزاوية الهامل ببو سعادة من القطر الجزائري. (6) لمحمد بن عمر بن محمد البستى المعروف بالدراج كتاب سماه الكفاية والغناء في أحكام الغناء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 (7) للإمام المؤرخ المطلع أبي الفضل كمال الدين جعفر الأدفوي الشافعي كتاب سماه الإمتاع بأحكام السماع وهو عندي في مجلد وهو كتاب لا نظير له في الباب، ونسب فيه: (8) للشيخ أبي القاسم القشيري. (9) الشيخ تاج الدين الفزاري. (10) الشيخ عز الدين بن عبد السلام. (11) الشيخ تقي الدين ابن دقيق تأليف في الجواز مسميا كتاب الأخير باقتناء السوانح انظر وقد قال عن كتاب الأدفوي هذا الإمام الأسنوي في طبقات الشافعية: إنه كتاب نفيس أنبأ فيه عن اطلاع كثير اهـ وقال عنه الحافظ الشوكاني لم يؤلف مثله في بابه اهـ. قلت: لم أر له نظيرا فيما ألّف في المسألة ولا أعلى نقلا وأجود بحثا. (12) للأستاذ أبي المواهب التونسي «فرح الإسماع برخص السماع» . (13) للإمام أبي الفتوح أحمد الغزالي: بوارق الإلماع في تكفير من يحرم مطلق السماع. (14) للحافظ أبي عبد الله محمد بن علي تحريم مطلق السماع. (15) للقاضي أبي عيسى عبد الرحيم الكجراتي أحد شارحي خطبة القاموس رسالة أخرى وهذه الرسائل الأربعة مطبوعة بالهند. (16) للأستاذ عبد الغني النابلسي إيضاح الدلالات في سماع الآلات وقد طبع مرارا. (17) للعلامة العارف أبي زيد عبد الرحمن بن مصطفى العيدروس اليمني المصري تشنيف الإسماع ببعض أسرار السماع. (18) للحافظ ابن رجب الحنبلي نزهة الإسماع في مسألة السماع. وانظر كتاب مواهب الأرب المبرأة من الجرب في السماع وآلات الطرب لخالنا أبي المواهب: (19) جعفر بن ادريس الكتاني وهو في مجلد واختصاره لأبي العباس. (20) أحمد بن الخياط الزكاري الفاسي. وقد طبع بفاس. وقال الحافظ الشوكاني في رسالته «بطلان الإجماع على تحريم مطلق السماع» : روى الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة عمر كما رواه ابن عبد البر وغيره، وعثمان كما نقله الماوردي وصاحب البيان وحكاه الرافعي، وعبد الرحمن بن عوف، كما رواه ابن أبي شيبة وأبو عبيدة بن الجراح، كما أخرجه البيهقي وسعد بن أبي وقاص، كما أخرجه ابن قتيبة وأبو مسعود الأنصاري، كما أخرجه البيهقي وبلال وعبد الله بن الأرقم، وأسامة بن زيد كما أخرجه البيهقي وضمرة كما في الصحيح، وابن عمر كما أخرجه ابن طاهر، والبراء بن مالك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 كما أخرجه أبو نعيم وعبد الله بن جعفر، كما رواه ابن عبد البر وغيره وعبد الله بن الزبير كما نقله أبو طالب المكي. وحسان كما رواه أبو الفرج الأصبهاني، وعبد الله بن عمرو كما رواه الزبير بن بكار وغرضة بن كعب كذا كما رواه ابن قتيبة وخوّات بن جبير كما أخرجه صاحب الأغاني والمغيرة بن شعبة كما حكاه أبو طالب المكي وعمرو بن العاص كما حكاه الماوردي، وعائشة والرّبيع كما في الصحيح. هل كان لبعض السلف اعتناء بعلم الموسيقى نقل صاحب الأنيس المطرب فيمن لقيته من أدباء المغرب، في ترجمة الأديب أبي عبد الله محمد البوعصامي، أنه أخبره أن علم الموسيقى كان في الصدر الأول عند من يعلم مقداره من أجل العلوم، ولم يكن يتناوله سوى أعيان العلماء واشرافهم. وذكر عنه أيضا أن إسحاق بن إبراهيم الموصلي كان له اليد الطولى في العلوم، إلا أنه غلبت عليه شهرة الموسيقى، وأن الرشيد خرج يوما للعلماء وأمر بإحضارهم، وإدخال كل طبقة وحدها، وجعلوا يدخلون زمرا فكان إسحاق بن إبراهيم الموصلي، كلما دخلت طائفة دخل معها فكان يقبض نصيبه مع كل طائفة حتى تردد إلى سفرة العطاء 24 مرة انظر ص 163 منه. قلت: ونحوه في ترجمة أبي الأسود الدؤلي من الإصابة قال: كان يعدّ في التابعين والشعراء، والفقهاء والمحدثين والأشراف والفرسان والأمراء والنحاة، والحاضري الجواب والشيعة والصلع والبخر والبخلاء اهـ. ذكر قينة غنت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إذنه لتسمع أم المؤمنين عائشة روى النسائي عن السائب بن يزيد أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عائشة تعرفين هذه؛ قلت لا يا نبي الله قال: هذه قينة بني فلان تحبين أن تغنيك فغنتها «1» . قلت: ترجم النسائي على هذا الحديث في سننه باب: إطلاق الرجل لزوجته سماع الغناء والضرب بالدف قال الأدفوي في الإمتاع: وسنده صحيح، وكذا قال الحافظ الشوكاني قال الأدفوي؛ وروينا هذا الحديث في معجم الطبراني الكبير، وهذا الحديث قوي الدلالة على إباحة الغناء من الرجال والنساء، وقوله: قينة يدل على أن هذه كانت صنعتها الغناء، فإن لفظة قينة مشهورة في ذلك، واستدعاء النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة محبة أن تغنيها، ولم تسأله هي ذلك، وإنما ابتدأها به. وغناؤها لعائشة بحضرته عليه السلام كل ذلك صريح في الإباحة اهـ.   (1) عثرت عليه في مسند أحمد ج 3 ص 449 من حديث السائب بن يزيد وبقية الحديث: فأعطاها طبقا فغنتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد نفخ الشيطان في منخريها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 قلت: ولكن تمام الحديث عند النسائي أنها لما غنت لعائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم: قد نفخ الشيطان في منخريها فانظر لم لم يتمم سياقه عن النسائي الخزاعي هنا والله اعلم. ذكر الغناء والإنشاد ذكر أبو عمر بن عبد البر في الإستيعاب، وابن قدامة في الإستبصار، في ترجمة خوّات بن جبير الصحابي المعروف قال: خرجنا حجّاجا مع عمر فسرنا في ركب فيهم أبو عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف فقال القوم: غننا من شعر ضرار. فقال عمر: دعونا من شعر ضرار، فليغن من بنيات فؤاده، يعني من شعره قال: فما زلت أغنيهم حتى كان السحر. فقال عمر: إرفع لسانك يا خوات فقد سحرنا، وساق هذه القصة في الإصابة من طريق السراج في تاريخه، وفي الصحيح: عن بلال أنه رفع عقيرته ينشد شعرا قال ابن بطال كما في ءرشاد ابن غازي: هذا النوع من الغناء هو نشيد الأعراب للشعر بصوت رفيع. قال الطبري: هذا النوع من الغناء هو المطلق المباح بإجماع، وهو الذي غنت به الجاريتان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينه عنه. وقال عروة بن الزبير: نعم زاد الراكب الغناء نصبا. وقال عمر: الغناء من زاد الراكب ورأى أسامة بن زيد واضعا إحدى رجليه على الآخرى يغني النصب، قال الطبري: وهو الإنشاد بصوت رفيع، وفعل هذا اليوم هو المسمى بالسماع، وصاحبه بالمسمع وكان يقال له في القديم: المغني. قال ابن غازي وهو القوّال المسمع اهـ وفي القاموس: والمغبرة قوم يغبرون لذكر الله أي يهللون ويرددون الصوت بالقراءة وغيرها، سموا بذلك لأنهم يرغبون الناس في المغابرة إلى الباقية اهـ. وفي كشف القناع على متن الإقناع من كبار كتب الحنابلة إثر ما ذكر: وفي المستوعب منع من اطلاق اسم البدعة عليه ومن تحريمه، لأنه شعر ملحن كالحداء والحدو للإبل ونحوه. ونقل إبراهيم بن عبد الله القلانسي أن أحمد قال عن الصوفية: لا أعلم قوما أفضل منهم، قيل: إنهم يسمعون ويتواجدون. قال: دعوهم يفرحون مع الله ساعة قيل: فمنهم من يموت ومنهم من يغشى عليه؟ قال: وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر: 47] اهـ منه. ما كان يقوله الذين يذهبون بالعروس لدار زوجها ترجم في الإصابة لفارعة بنت أبي أمامة الأنصارية، فذكر أنه لما كانت الليلة التي زفت فيها قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم قولوا: أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحييكم وأخرجه ابن الأثير من طريق المعافى بن عمران: أنه روى في تاريخه عن عائشة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 قالت: أهديناا يتيمة من الأنصار، فلما رجعنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما قلتم: قلنا: سلمنا وانصرفنا. قال إن الأنصار قوم يعجبهم الغزل ألا قلت يا عائشة: أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحييكم وترجم في الإصابة لأم نبيط فرفع فيها إسناده لقصة لطيفة، أردت أن أربط سندي به، ثم أسوقها عنه موصولة فأقول: أخبرنا مسند الشام عبد الله بن درويش السكري الدمشقي شفاها عام 1324 عن مسند الدنيا عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الكزبري، عن مصطفى الرحمتي أنا الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي، أخبرنا نجم الدين محمد بن بدر الدين الغزي العامري، عن أبيه عن شيخ الإسلام زكرياء الأنصاري أخبرنا شيخ الحفاظ ابن حجر قال: قرأت على فاطمة بنت المنجا عن سليمان بن حمزة وأبي نصر الشيرازي وإسماعيل بن يوسف بن مكتوم قالوا: أخبرنا أبو يعمر حمزة بن علي بن الحسن أخبرنا القاسم ابن أبي العلاء حدثنا يزيد بن محمد بن عبد الصمد، حدثنا عتبة بن الزبير من ولد كعب بن مالك، أنا محمد بن عبد الخالق حدثنا عبد الرحمن بن نبيط عن أبيه هو نبيط عن جابر عن جدته أم نبيط قالت: أهديناا جارية لنا من بني النجار إلى زوجها؛ فكنت مع نسوة من بني النجار ومعي دف أضرب به وأنا أقول. أتيناكم أتيناكم ... فحيّونا نحيّيكم ولولا الذهب الأحمر ... ما حلت بواديكم قالت: فوقف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا يا أم نبيط فقلت بأبي أنت وأمي يا نبي الله جارية منا من بني النجار نهديها إلى زوجها قال: فتقولين ماذا؟ قالت فأعدت عليه قولي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولي: ولولا الحنطة السمراء ... ما سمنت عذاراكم قال الحافظ هذا حديث غريب، أخرجه ابن منده وأخرجه ابن الأثير عن أبي البركات ابن عساكر، عن محمد بن الجليل بن فارس عن أبي القاسم بن أبي العلاء، فكان شيخنا سمعه منه. وقال أبو نعيم: تقدم ذكره يعني في ترجمته وذكر أبو نعيم أن اسمها نائلة بنت الحسحاس، وقد ذكرتها في حرف النون وأهملها وهي على شرطه اهـ. ذكر لعب الحبشة بحرابهم فرحا بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم أخرج أبو داود عن أنس لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة لعبت الحبشة بحرابهم فرحا بقدومه عليه السلام. [انظر كتاب الأدب باب 51 ص 221/ 5] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 لعب البنات مع عائشة في المواهب كان عليه السلام يرسل إلى عائشة بنات الأنصار يلعبن معها رواه الشيخان اهـ. [البخاري كتاب الأدب ج 7/ 102 لعبها بالتماثيل مع البنات في الصحيح «1» : عن عائشة قالت كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه، فيسربهن إلي فيلعبن معي. قال في المشارق: البنات هي اللعب والصور شبه الجواري التي يلعب بها الصبيان اهـ. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: استدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات من اللعب، لأجل لعب البنات بهن، وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم عياض. ونقله عن الجمهور. وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهن في صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن، وذهب بعضهم إلى أنه منسوخ اهـ. وروى أحمد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تلعب بالبنات ومعها جوار فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: هذا خيل سليمان. قالت: فجعل يضحك من قولها. قال الإمام أحمد غريب. وفي الصحيح أنها كانت في متاع عائشة لما تزوجها صلى الله عليه وسلم. قال ابن حزم كما نقله السفاريني: وجائز للصبيان خاصة اللعب بالصور، ولا يجوز لغيرهم، والصور محرمة إلا هذه وإلا ما كان رقما في ثوب. ونقل أيضا عن الأحكام السلطانية في فصل والي الحسبة: وأما اللعب فليس يقصد به المعاصي، وإنما يقصد به إلف البنات لتربية الأولاد، ففيها وجه من وجوه التدبير يقاربه معصية بتصوير ذوات الأرواح ومشابهة الأصنام فلا تمكن منها، وبحسب ما تقتضيه شواهد الحال يكون إقراره أو انكاره؛ يعني إن كانت قرينة الحال تقتضي المصلحة أقره وإلا أنكره انظر شرح قول المرداوي: وحلّ شراء لليتيمة لعبة ... بلا راس أن تطلب وبالراس فاصدد ولا تشتري ما كان من ذاك صورة ... ومن ماله لا مالها في المجرد وأما مذهبنا فالتوسعة؛ ففي الفجر الساطع على باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح، وما يكره من ذلك واستثنى العلماء من ذلك لعب الجواري، فأجازوا اتخاذها وبيعها، ولم يغيروا سوقها لأن المصطفى عليه السلام أقر عائشة على اتخاذها لما فيه من تدريب الصبيان على تربية الأولاد ولكن كره الإمام مالك للرجل أن يشتري ذلك لابنه أي أنه ليس من أخلاق ذوي المروءة لا أنه كره اللعب بها هذا معناه قاله عياض وأقره الآبي اهـ.   (1) انظر كتاب الأدب ج 7 باب 81 ص 102. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 وفي الآبي قال عياض في قول عائشة: كنت ألعب بالبنات. الحديث: فيه جواز اللعب بها وتخصيص النهي عن اتخاذ الصور، لما فيها من تدريب النساء في صغرهن على النظر في بيوتهن وأولادهن، وقد أجاز العلماء بيعها وشراءها. رقص الحبشة في المسجد النبوي إمامه عليه السلام جاء الحبشة بحرابهم يلعبون في المسجد، فكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يريهم لعائشة، وهي متكئة على منكبه. خرّجه البخاري «1» في مواضع منها: باب نظر المرأة إلى الحبشة ونحوهم من غير ريبة من كتاب النكاح، وفي ترجمة انس من مسند أحمد: كانت الحبشة يزفنون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرقصون ويقولون: محمد عبد صالح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقولون؟ قالوا: يقولون: محمد عبد صالح اهـ انظر ص 152 من ج 3. وفي جامع الترمذي «2» بلفظ: قام صلى الله عليه وسلم فإذا حبشية تزفن بفتح الفوقية وسكون الزاي وكسر الفاء وبالنون ترقص والصبيان حولها، فقال: يا عائشة تعالي فانظري فجئت فوضعت لحيي على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أنظر إليها [أي إلى الحبشية] ما بين المنكب إلى رأسه فقال لي: أما شبعت أما شبعت؟ فجعلت أقول: لا لا وقال حسن صحيح غريب. قال الزرقاني في شرح المواهب ص 311 من ج 4 لعله أراها لعبهم لتضبطه وتعلمه فتنقله بعد للناس اهـ واصله لابن بطال قال: يمكن أن يكون تركها لتنظر اللعب بالحراب لتضبط السنة في ذلك، وتنقل الحركات المحكمة إلى بعض من يأتي من ابناء المسلمين، وتعرفهم بذلك اهـ نقله عنه شارح الإحياء. وقال القاضي عياض: فيه أقوى دليل على إباحة الرقص إذ زاد النبي صلى الله عليه وسلم على إقراراهم أن أغراهم اهـ. نقله المواق في سنن المهتدين والونشريسي في المعيار، وأقراه وإذا علمت كما سبق عن مسند أحمد أنهم كانوا يرقصون ويقولون: محمد عبد صالح ظهر لك أن تسميته لعبا تجوّز، وإلا فذكر المصطفى لا يكون معه اللعب، وإنما يكون في الجد. وانظر لقول الغزالي في كتاب السماع من الأحياء: واجب أن يصان القرآن عن الضرب بالدف ونحوه، لأن صورة هذه الأمور صورة اللهو واللعب، والقرآن جدّ كله، فلا يجوز أن يمزج بالحق المحض ما هو لهو عند العامة، وصورته صورة اللهو عند الخاصة، وإن كانوا لا ينظرون إليها من حيث إنها لهو؛ ولذلك لا يجوز الضرب بالدف مع قراءة القرآن ليلة العرس، ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت الربيّع بنت معوّذ بن عفراء وعندها جوار يغنين، فسمع احداهين تقول: وفينا نبي يعلم ما في غد، على وجه الغناء فقال عليه السلام: دعي هذا وقولي ما كنت تقولين. وهذه شهادة بالنبوة،   (1) انظر ج 6 ص 159 من كتاب النكاح باب 114. (2) انظر ج 5 ص 621 من كتاب المناقب باب 17 ورقم الحديث 3691. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 فزجرها عنها، وردها إلى الغناء الذي هو لهو. ولأن هذا جدّ محض فلا يقرن بصورة اللهو. فواجب في الإحترام العدول إلى الغناء عن القرآن، كما وجب على تلك الجارية العدول عن شهادة النبوة إلى الغناء اهـ منها ونحوه لابن التين السفاقسي في شرحه على الصحيح. ونظيره ما سبق في باب ذكر ما كانوا يغنون به فانظره، وفي الإرشاد للقسطلاني على قصة الربيع هذه: وقوله دعي هذه وقولي الخ ما نصه: فإن مفاتيح الغيب عند الله لا يعلمها إلا هو، وأيضا يحتمل أن يكون الممنوع أن يوصف عليه السلام أثناء اللعب واللهو، إذ منصبه أجلّ واشرف من أن يذكر إلا في مجالس الجد اهـ. وكذلك نقول هنا: لو كان فعل الحبشة مجرد لعب لنهاهم عليه السلام أن يقولوا وهم يلعبون: محمد عبد صالح. وحيث لم ينههم، بل أقرهم وأغراهم فهو ذكر قصد به التعبد وطاعة، وإظهار الفرح بالله وبرسوله، فلذلك أقرّهم عليه السلام وعجب من فعلهم ونالوا غاية الرضى منه. وفي الشفا: كان السلف الصالح تظهر عليهم حالات شديدة عند مجرد ذكره عليه السلام اهـ. ومن جواب للشيخ أبي السعود الفاسي أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل أن يذكر إلا على قصد الثواب، ومواضع الفرجة فيجل ذكره عن ذلك كله اهـ. وأما قول الحافظ ابن حجر في الفتح: استدل قوم من الصوفية بحديث الباب على جواز الرقص وسماع آلات اللهو، وطعن فيه الجمهور لاختلاف المقصدين، فإن لعب الحبشة بحرابهم كان للتمرين على الحرب، فلا يحتج به للرقص في اللهو. ففيه نظر لأن رقص القوم ليس من اللهو واللعب ولذا قال شيخنا أبو عبد الله محمد الفضيل الشبيهي في الفجر الساطع إثره: وفيه نظر، فإن الرقص الذي أثبته الصوفية ليس قصدهم منه اللهو، وحاشاهم من قصد ذلك، وانما قصدهم به الإجتماع على الذكر، والإقبال عليه بالقلب والقالب، واستغراق الجوارح كلها فيه وهو قصد صحيح، لما جاء من الترغيب في الإكثار من الذكر على أي حال كان الذاكر، فلا طعن في الإستدلال عليه برقص واقع لمقصد صحيح أيضا اهـ منه. أقول: غاية الرقص عند القوم ذكر من قيام، وهو مشروع بنص القرآن: اذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم، وتمايل واهتزاز وهو منقول عن الصحابة، فقد خرّج أبو نعيم في الحلية عن الفضيل بن عياض: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكروا الله تمايلوا يمينا وشمالا كما تتمايل الشجرة بالريح العاصف إلى أمام، ثم ترجع إلى وراء انظر تأليف الرقص لشيخنا الأستاذ الوالد، وهو مطبوع واختصاره لشيخنا أبي العباس ابن الخياط الزكاري، وذيلنا على الأصل، ورسالة الحافظ أبي العباس أحمد بن يوسف الفاسي في المسألة وهي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 مطبوعة بفاس أيضا. وللحافظ أبي بكر ابن أبي الدنيا الشهير كتاب: الوجد ذكره له ابن سليمان الرداني في حرف الواو من صلته. وانظر باب الحجل فيما سيأتي. قوله عليه السلام اقدروا قدر الجارية الحديثة السن خرّج أحمد «1» في مسنده عن عائشة قالت: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بالحراب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه؛ لأنظر إلى لعبهم من بين أذنه وعاتقه، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو. وفيه عن عائشة أيضا قالت: كنت ألعب باللعب فيأتي صواحبي فإذا دخل رسول الله فررن منه، فيأخذهن رسول الله فيردهن إلي. قال الإمام أبو حامد الغزالي في كتاب السماع من الإحياء، بعد ذكر بعض هذه الأحاديث: وهو نص صريح في أن الغناء واللعب ليس بحرام، وفيها دلالة على أنواع من الرخص: الأول اللعب ولا يخفى عادة الحبشة في الرقص واللعب. والثاني فعل ذلك في المسجد. الثالث قوله عليه السلام: دونكم يا بني أرفدة، وهذا أمر باللعب والتماس له فكيف يقرر كونه حراما؟ والرابع: منعه لأبي بكر وعمر من الإنكار والتغيير، وتعليله بأنه يوم عيد أو وقت سرور. والخامس وقوفه طويلا في مشاهدة ذلك، وسماعه لموافقة عائشة وفيه دليل على أن حسن الخلق في تطييب قلوب النساء والصبيان بمشاهدة اللعب أحسن من خشونة الزهد والتقشف في الإمتناع. السادس قوله عليه السلام: أتشتهين أن تنظري، ولم يكن ذلك عن اضطرار إلى مساعدة الأهل خوفا من غضب أو وحشة. والسابع الرخصة في الغناء والضرب بالدف من الجاريتين، مع أنه شبه ذلك بمزمار الشيطان، وفيه بيان إن المزمار المحرم غير ذلك. الثامن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرع سمعه صوت الجاريتين، وهو مضطجع فيدل هذا على أن صوت النساء إنما يحرم عند خوف الفتنة. فهذه المقاييس والنصوص تدل على إباحة الغناء والرقص والضرب بالدف، واللعب بالدرق والحراب، والنظر إلى رقص الحبشة والزنوج في أوقات السرور كلها قياسا على يوم العيد اهـ.   (1) انظره ج 6/ 247 والإسلامي 281/ 6 دون الجملة الأخيرة (فاقدروا..) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 باب مرور أحد الصحابة على الحبشة يلعبون في الطريق واعطائهم ترجم البخاري في الأدب المفرد: باب لعب الصبيان، حدثنا موسى حدثنا عبد العزيز قال؛ حدثني شيخ من أهل الخير يكنى أبا عقبة قال: مررت مع ابن عمر مرة في الطريق، فمر بالحبش فرآهم يلعبون، فأخرج درهمين فأعطاهم. وفي الحسام المسنون في نصرة أهل السر المكنون لأبي عبد الله بن سودة، عن عكرمة لما ختن ابن عباس بنيه أرسلت الدعوة لللعابين، فلعبوا فأعطاهم ابن عباس أربعة دراهم. المسابقة تقدم السباق في الخيل، وفي المواهب روي أنه صلى الله عليه وسلم سابق زوجته عائشة في سفر فسبقته لخفة جسمها، ثم سابقها بعد ذلك في سفر آخر وقد سمنت فسبقها فقال عليه السلام مطيبا لخاطرها: هذه بتلك، وخرج أحمد «1» عنها قالت: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض اسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: تقدموا فتقدموا ثم قال: حتى أسابقك فسابقته فسبقته، فسكت عني، حتى حملت اللحم وبدنت وسمنت وخرجت معهه في بعض أسفاره فقال للناس: تقدموا فقال أسابقك فسبقني فجعل يضحك ويقول: هذه بتلك. ورواه أبو داود «2» والنّسائي وابن ماجه من حديث عائشة، قاله في المغني. قال ابن الجوزي في تلبيس إبليس: أترى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان ينبسط مع عياله ويسابق عائشة أكان خارجا عن الأنس بالله؟ اهـ. وفي ترجمة واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب من طبقات ابن سعد عن نافع قال: مات واقد بن عبد الله بالسقيا فصلى عليه ابن عمر ودفنه، ثم دعا الأعراب فجعل يسبق بينهم فقلت: دفنت واقدا الساعة وأنت تسبق بين الأعراب؟ قال: ويحك يا نافع، إذا رأيت الله قد غلب على أمر فاله عنه. المصارعة ذكر ابن اسحاق في سيرته وغيره أنه كان بمكة رجل شديد القوة يحسن الصراع، وكان الناس يأتونه من البلاد للمصارعة فيصرعهم، بينما هو ذات يوم في شعب من شعاب مكة، إذا لقيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا ركانة ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه؟ فقال له: يا محمد هل لك من شاهد على صدقك؟ قال: نعم، أرأيت إن صرعتك أتؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم يا محمد. فقال له تهيأ للمصارعة، فقال: تهيأت فدنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرعه.   (1) انظر ج 6 ص 264. (2) انظر كتاب الجهاد باب 61 ص 66 ج 3. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 قال؛ فتعجب ركانة، ثم سأله الإقالة والعودة، ففعل به ذلك ثانيا وثالثا فوقف ركانة متعجبا وقال: إن شأنك لعجيب رواه أبو نعيم والبيهقي، عن أبي أمامة من طريقين: مرفوعا ومرسلا. وركانة المذكور هو ابن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف، القرشي المكي الصحابي الذي أسلم عام الفتح. وتوفي في المدينة في خلافة معاوية عام 42. وكان شديد البأس قويا جسيما معروفا بالقوة في المصارعة بحيث إنه لم يصرعه أحد قط ولم يمس جلده الأرض مغلوبا قط، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم صارعه فصرعه، قاله الخفاجي في النسيم. وفي حواشي ابن الطيب الفاسي على القاموس في ركانة: قصته مشهورة وصرع النبي صلى الله عليه وسلم إياه من اعظم معجزاته، وكان ركانة أصرع أهل زمانه، وكان من شدته أنه يقف على جلد بعير لين جيد حين سلخه، فيجذبه من تحته عشرة فيتمزق الجلد ولا يتزحزح هو عن مكانه، كما في شروح الشفا والمواهب وغيرهما اهـ. قلت: قصة ركانة المذكورة رواها الحاكم في مستدركه، عن أبي جعفر بن محمد بن ركانة المصارع عن أبيه محمد لكن قال الحافظ ابن حجر في التقريب أبو جعفر بن محمد بن ركانة مجهول ومحمد بن ركانة قال عنه أيضا فيه مجهول، ووهم من ذكره من الصحابة، وروى المصارعة أبو داود والترمذي «1» : من طريق أبي الحسن العسقلاني عن أبي جعفر بن محمد ابن ركانة عن أبيه، أن ركانة صارع النبي صلى الله عليه وسلم قال الترمذي: غريب وليس إسناده بالقائم. وقال ابن حبان في إسناد خبره في المصارعة نظر لا أعتمد على إسناد خبره قاله في الإصابة. وقد صارع صلى الله عليه وسلم كما في المواهب جماعة غير ركانة منهم ابنه يزيد بن ركانة ومنهم أبو الأسود الجمحي كما قال السهيلي. ورواه البيهقي وكان شديدا بلغ من شدته أنه كان يقف على جلد البقرة ويتجاذب أطرافه عشرة لينزعوه من تحت قدميه فيتفرك الجلد ويتقطع ولا يتزحزح عنه، فدعا المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى المصارعة، وقال: إن صرعتني آمنت بك فصرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ. وقال الحفني في حواشي شرح ابن حجر علي الهمزية قيل: وصارع أبا جهل ولكن لم يصح اهـ واصله للبرهان الحلبي في المقتفى، كما نقله عنه الخفاجي في نسيم الرياض في موضع. وفي محل آخر نقله عن المقدسي. وعندي رسالة لطيفة للحافظ السيوطي سماها المسارعة إلى المصارعة، ذكر فيها مصارعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ركانة من طرق، ومصارعة صغار الصحابة فيما بينهم لينجحوا في الأذن لهم في شهود الغزو، وأن أهل مكة كانوا لا يصارعون أحدا إلّا صرعوه، حتى رغبوا عن ماء زمزم. ومن طرق: مصارعة الحسن للحسين عليهما السلام، بمرأى منه صلى الله عليه وسلم. وقال   (1) انظر كتاب اللباس في سنن أبي داود ج 4/ 341 والترمذي أيضا ج 4/ 247. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 في نسيم الرياض على حديث ركانة: يقتضي جواز المصارعة إلا أنهم قالوا: بالمال حرام، كالمسابقة عليه أو أنه من خصائصه عليه السلام. تتمة وكان لركانة المذكور ابنه يزيد وابن ابنه علي، وكانت لهما قوة زائدة كأبيهما ركانة، وقد صارع يوما يزيد بن معاوية عليا هذا فصرعه عليّ صرعة لم يسمع بمثلها، وكان يزيد من أشد العرب، ثم حمل معاوية بعد ذلك عليا على فرس جموح لا يطاق، فعلم علي ما يراد به فلما جمح الفرس به ضم عليه فخذه ضمة انفتق به الفرس فمات. وذكر عنه أيضا أنه تأبط رجلين باليدين، ثم جرى بهما وهما تحت إبطه حتى صاحا: الموت الموت فأطلقهما. كذا في ابن التلمساني على الشفا. حجل بعض كبار الصحابة بين يديه صلى الله عليه وسلم في الصحيح «1» أنه عليه السلام قال لعلي: أنت مني وأنا منك. وقال لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي. وفي التوشيح زاد ابن سعد من مراسيل الباقر فقال جعفر: فحجل حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي دار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قال: شيء رأيت الحبشة يفعلونه لملوكهم. وفي طريق آخر: أن الثلاثة فعلوا ذلك والحجل بحاء فجيم فلام كسبب رقص على هيئة مخصوصة اهـ. وفي تخريج أحاديث الإحياء للحافظ العراقي: اختصم علي وجعفر وزيد بن حارثة في ابنة حمزة فقال لعلي: أنت مني وأنا منك فحجل، وقال لجعفر أشبهت خلقي فحجل، وقال لزيد أنت أخونا ومولانا فحجل الحديث. أخرجه أبو داود من حديث علي بإسناد حسن وهو عند البخاري «2» دون ذكر الحجل. [ورواه أحمد ج/ 1 ص 108] . قال الحافظ السيوطي في الحاوي، لما تكلم على مسألة الرقص، بعد أن ذكر حجل من ذكر، عن مسند أحمد وذلك من لذة هذا الخطاب، ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم، فكان هذا أصلا في رقص الصوفية، يدركونه من لذة المواجيد اهـ. حبس الطير للعب الصبيان به قال أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له عمير، وكان له نغر يلعب به فمات، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم حزينا فقال: ما شأنه؟ قال: مات نغزه. فقال له يا أبا عمير ما فعل النغير؟ خرّجه البخاري «3» ومسلم والترمذي. قال الجوهري: النغير تصغير نغر، بوزن رطب. وهو طائر صغير كالعصفور. وقيل   (1) انظر البخاري كتاب الصلح ج 3 ص 168. (2) انظر البخاري كتاب الصلح ج 3 ص 168. (3) انظر في البخاري ج 7 ص 102 من كتاب الأدب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 فراخ العصافير. قال عياض: والراجح أنه طائر أحمر المنقار، وأهل المدينة يسمونه البلبل. وقد أكثر الناس من استنباط الأحكام من هذا الحديث، وزاد أبو العباس بن القاص من الشافعية على مائة، وأفردها في جزء وقال ابن غازي: حدثني أبو الحسن ابن منون أنه بلغه أنه أي ابن الصباغ أملى في درسه بمكناس على حديث أبي عمير ما فعل النغير أربعمائة فائدة. وكان آخر ما أقرأ بها. قال وكنت تأملت هذا الحديث فانقدح لي زهاء مائتين وخمسين من الفوائد، فقيّدت رسومها ولم أجد فراغا لبسطها: ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها اهـ وانظر ج 4 من نفح الطيب، وترجمة أبي عبد الله بن الصباغ المكناسي من كفاية المحتاج لأبي العباس السوداني. وقال ابن غازي أيضا في حواشيه على الصحيح: مرّ بنا أن بعض العلماء استنبط منها زهاء ثلاثمائة فائدة، وسمعت من يذكر عن أبي الفضل ابن الصباغ المكناسي بلديّنا أكثر من ذلك، وكنت أعملت فيه الفكر فرسمت في مبيضة فوائد ما يزيد على المائتين، إلا أنها لا يخلو بعضها من تداخل والله أعلم اهـ. وفي حواشي ابن الشاط على مسلم لدى حديث الترجمة عن عياض فيه جواز لعب الصغير بالطيّر، ومعنى هذا اللعب عند العلماء إمساكه وتلهيته بمسكه لا بتعذيبه وعبثه. وقال الشيخ أبو علي بن رحال في باب الغصب، بعد أن ذكر أنه أخذ من المدونة جواز حبس الطير في القفص ما نصه: وما ذكر من حبس الطير إنما هو إذا لم يكن فيه تعذيب أو تجويع أو تعطيش، ولو بمظنة الغافلة عنه، أو بحبسه مع طير آخر ينقب رأسه، كما تفعله الديوك في الأقفاص، ينقب بعضها رأس بعض، حتى إن الديك يقتل آخر وهذا كله حرام بإجماع؛ لأن تعذيب الحيوان لغير فائدة لا يختلف في تحريمه. والفائدة يتأتى وجودها بلا تعذيب، وهذا إن كان يحبسه وحده أو مع لا ينقبه، أو يعمل بينهما حائلا، بحيث لا يصل بعضه إلى بعض، ويتفقده بالأكل والشرب، كما يتفقد أولاده ويضع للطير ما يركب عليه كخشبة. وأما أن يضعه على الأرض بلا شيء فذلك يضر به غاية في البرد. وهذه الأمور لا تحتاج إلى جلب نص فيها لوضوحها، وكم رأينا من يعذب الدجاج في الأقفاص على وجوه مختلفة من أنواع العذاب، وكذا حبس الكبش بلا أكل ولا شرب أو بغل، يربطه في موضع ويغلق عليه حتى يكاد يموت جوعا. ومن لا رحمة فيه لا يعتبر في الدفع عن الدواب إلا ما يقتلها أو يضعف بدنها. وأما عذابها في نفسها إذا سلمت مما ذكر فلا يبالي به. وذلك كله حرام وعقوبة في الدنيا والآخرة إن لم يعف الله، فإن هذه الحيوانات غير الإنسان لا تتكلم، فلا تنادي أنها في الحاجة في كذا إن لم تكن رحمة من مالكها. ومن مازج الناس وأمعن النظر بقلبه وتفكر ورأى من عذابه الحيوانات من هذه الجهة من لا يسامح فيه، إلا من له مائة رحمة ثم قال: فالحاصل أن هذا باب من العقاب ترك كثير الهروب منه، فينبغي لمن فيه رحمة أن ينبه على هذا كل من لا يعرفه، ثم قال: وكثير من الناس يسمع مثلا أن الطير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 يجوز حبسه وأن العصفور يجوز أن يلعب به ويستدل بحديث أبي عمير ما فعل النغير، ويعتمد على ذلك بلا شرط عدم تعذيبه وهذه مسألة عظيمة الأجر والعقاب، وكذا تحميل الدواب أكثر مما تقدر عليه بحسب العادة وغير ذلك، وذلك كله من نزع الرحمة من القلوب ولكن إنما يرحم الله من عباده الرحماء اهـ. وفي طبقات ابن سعد عن المسيب بن دارم قال: رأيت عمر بن الخطاب ضرب جمّالا وقال: لم تحمل بعيرك ما لا يطيق. ووجدت في فضائل عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم: أن عمر كتب إلى صاحب السكك أن لا يحملوا أحدا بلجام ثقيل من هذه الرستية، ولا ينخس بمقرعة في أسفلها حديدة، وكتب عمر إلى حيان بمصر: أنه بلغني أن بمصر إبلا نقالات يحمل على البعير منها ألف رطل فإذا أتاك كتابي هذا فلا أعرفن أنه يحمل على البعير أكثر من ستمائة رطل. وفي عون الودود على سنن أبي داود على حديث: (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) «1» الراحمون أي لمن في الأرض؛ من آدمي وحيوان لم يؤمر بقتله في الشفقة عليهم والاحسان إليهم اهـ. وفي طبقات ابن سعد أن المصطفى عليه السلام قال لنقاده ابن عبد الله بن خلف الأسدي: يا نقادة ابغ لي ناقة حلبانة ركبانة، ولا تولّها على ولد «2» . وفيها أيضا في ترجمة سوادة بن الربيع الجرمي عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بأمي، فأمر لي بشياه وقال لها: مري بنيك أن يقلموا أظفارهم خشية أن يوجعوا أو يعبطوا ضروع الغنم، ومري بنيك أن يحسنوا غذاء رباعهم. وفي طبقات ابن سعد أن عمر بن الخطاب؛ كان يدخل يده في دبرة البعير ويقول: إني لخائف أن أسأل عما بك. ولما قال ابن رشد: يقضى للعبد على سيده إن قصّر عما يجب له عليه بالمعروف؛ في مطعمه وملبسه خلاف ما يملكه من الدواب، فإنه يؤمر بتقوى الله في إجاعتها ولا يقضى عليه بعلفها، ردّه مستعظما له حطاب المغرب الشيخ أبو علي بن رحال في باب النفقات، من شرح المختصر. بنص ابن عبد البر في الكافي، والرفق بالدواب في ركوبها، والحمل عليها، واجب سنة فإنها عجم لا تشكو وفي كل ذي كبد رطب أجر. هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا كان في الأحسان إليها أجر، فكذلك في الإساءة إليها وزر. ولا يحمل على الدواب أكثر من طاقتها، ولا تضرب وجوهها، ولا تتخذ ظهورها كراسي، ولا تقلد الأجراس، ولا تستعمل ليلا إلا أن يروح عنها نهارا، ولا يحل حبس بهيمة مربوطة عن السرح والانتشار بغير علف ولا طعام. قال ابن رحال: فإن قول ابن رشد: الدابة لا يقضى   (1) رواه أبو داود في كتاب الأدب باب 58 ص 231 ج 5 ورقمه 4941. (2) روى أحمد في مسنده ج 5 ص 77 حديثا يقرب معناه من هذا الحديث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 الخ يلزم ابن رشد أن الدابة إذا حمّلها مالكها ما لا تطيقه من الحمل أو اشتغل يعذبها عذابا شديدا، فلا فائدة أنه لا يقضى على المالك بترك ذلك، وأنه يترك هو واياها ويؤمر بتقوى الله فيها فقط. وذلك لا يحل أصلا مع مخالفة ذلك لكلام الناس، وحديث: (في كل ذي كبد رطبة أجر) رأيت أبا عمر قال: يلزم عليه أن الاساءة إليه فيها وزر، والوزر منكر، والمنكر يجب تغييره كما أشار إليه ابن عرفة، ولو كان الناس يزجرون بقول الإمام لهم: اتقوا الله في كذا ما شرعت الزواجر والقتل والسجون والتعزيرات الخ. كلام أبي علي بن رحال انظره لدى قول خ: إنما تجب نفقة رقيقة ودابته ما لم يكن مرعى، وإلا بيع كتكليفه من العمل ما لا يطيق، ويجوز من لبنها ما لا يضر نتاجها. فإن أبا علي جلب وحطب من الأنقال في المسألة ما يسوغ لنا أن نجعله في طليعة جمعيات الرفق بالحيوان العجم يتخذونه قدوة ونعم الأسوة، وإنما أطلت القول هنا لتعلم أن أهل الإسلام قبل بقرون تفطنوا لما تظاهرت به الآن، جميعات الرفق بالحيوان في أوروبا فخذه شاكرا. (لطيفة) كانت بالمدينة على عهد مالك رضي الله عنه دار تعرف بدار قدامة، كان الناس يلعبون فيها بالحمام، وهي التي أشار إليها مالك حيث عاب على تلميذه ابن الماجشون سؤاله عن مسألة واضحة فقال له: أتعرف دار قدامة. قال ابن حارثة: كانت لابن الماجشون نفس أبية؛ كلّمه مالك يوما بكلمة خشنة فهجره عاما كاملا، استبعد عليه الفرق بين مسألتين فقال له: أتعرف دار قدامة؟ وكانت دارا يلعب فيها الأحداث بالحمام. وقال البرزلي قيل: إن مالكا رمى عبد الملك بدار قدامة، لأنه نسبه للصغر واللعب انظر تحرير الكلام في مسائل الالتزام للحطّاب وفتاوي الشيخ عليش ص 267 ج 1. اتخاذ الوحش في المسكن في مسند أحمد ص 112 من ج 6 عن عائشة قالت: كان لآل النبي صلى الله عليه وسلم وحش، فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب واشتد، وأقبل وأدبر، فإذا أحسّ برسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل ربض، فلم يرمرم ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت كراهية أن يؤذيه. وروى ابن عدي عن جابر رفعه: إذا كان أحدكم في بيته وحده خاليا فليتخذ فيه زوج حمام. وروى الطبراني بسند جيد عن عبادة بن الصامت قال: اشتكى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحشة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتخذ زوجا من حمام. وروى ابن السني وابن عساكر عن معاذ بن جبل؛ أن عليا كرم الله وجهه شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الوحشة، فأمره أن يتخذ زوج حمام. ويذكر الله في هديره. وروى وكيع في الغرر وابن عدي عن علي أنه شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الوحشة فقال له: ألا اتخذت زوجا من حمام، فانسك وأكلت من فراخه، أو اتخذت ديكا فانسك وأيقظك للصلاة. مهمة في طبقات ابن سعد عن جابر بن عبد الله: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل كلاب المدينة، فأتاه ابن أم مكتوم فقال: يا رسول الله إن منزلي شاسع، وأنا مكفوف البصر ولي كلب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 قال: فرخص لي أياما، ثم أمره بقتل كلبه. انظر ص 153 من ج 4. وهذه المهمة أشبه بادخالها في باب الحسبة أو أبواب الصحة ولكن هاهنا كتبت وأثبتت. نهب اللوز والسكر ونثره في العرس أخرج أبو جعفر الطحاوي، والبيهقي في سننه «1» من حديث، لمازة بن المغيرة عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل أن المصطفى عليه السلام حضر إملاك رجل من الأنصار لم يسم، زاد في رواية العقيلي فخطب صلى الله عليه وسلم، وأنكح الأنصاري. وقال: على الألفة والخير والطائر الميمون. دففوا على رأسه فدفف عليه، فجاءت الجواري معهن الأطباق فيها اللوز والسكر، فنثر عليهم فأمسك القوم أيديهم فلم يمدوها إلى الأطباق فقال عليه السلام: ألا تنهبون؟ قالوا: أنت نهيت عن النهبة قال: إنما نهيت عن نهبة العساكر. أما العرسات فلا. وفي رواية العقيلي فأمسك القوم ولم ينتهبوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أزين الحلم؟ ألا تنتهبوا قالوا: نهيتنا عن نهبة يوم كذا وكذا. فقال إنما نهيتكم عن نبهة العساكر. ولا أنهاكم عن نهبة الولائم. ثم قال معاذ: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاذبهم ويجاذبونه في الانتهاب، واحتج به الطحاوي على أن النثار بنحو اللوز والسكر غير مكروه، كما ذهب إليه أبو حنيفة. وقضى به على الأحاديث الصحيحة التي فيها النهي. قال البيهقي بعد هذا الحديث وهذا لا يثبت. ثم قال: وروى من حديث عائشة عنه صلى الله عليه وسلم نحوه ولا يثبت في هذا المعنى شيء. وشنّع على الطحاوي القول في ذلك جدا في كتاب المعرفة وقال: إنما يروي عن عون بن عمارة وعصمة بن سليمان وكلاهما لا يحتج به، وشيخهما لمازة بن المغيرة مجهول، فهاتان علتان كل منهما منفرة توجب ضعف الحديث، فكيف بهما مجتمعتان هذا وخالد بن معدان منقطع، ولا حجة في منقطع. وقد أخرج العقيلي من طريق عائشة قالت: حدثني معاذ بن جبل قال: شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إملاك رجل من الأنصار الحديث. لكن قال عبد الحق: في إسناده بشر بن إبراهيم الأنصاري البصري وهو ضعيف، وذكر الحديث ابن عرفة في مختصره قائلا: ذكره العتبي ثم نقل عن عبد الحق ما ذكر، وعقبه بقوله: وفي ذكر ابن عبد السلام له دون ذكر قول عبد الحق إيهام بصحته. ولم يتعقبه ابن القطان بحال اهـ. وفي المواق على المختصر: هذا قيل من أبي عمر لاجازة النهبة، وقد قال عليه السلام: لم أنهكم عن نهبة الولائم. وانظر ابن حجر والمناوي على الشمائل، والمواهب وشرحها، وحواشي الرهوني على المختصر. وترجمة خطف الفاكهة ونهبها من رسالة ابن ليون التجيبي.   (1) انظر الجزء السابع من الطبعة الهندية ص 288 من كتاب الصداق. باب ما جاء في النثار في الفرح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 اللهو واللعب المأذون فيه خرّج البيهقي عن المطلب بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الهوا والعبوا فإني أكره أن أرى في دينكم غلظة. وخرّج الحاكم عن عائشة رفعته: هل كان معكم من لهو؟ فإن الأنصار يحبون اللهو. وخّرج أحمد عن روح بنت أبي لهب قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل من لهو؟ قال الشهاب أحمد بن حجر الهيثمي في كتابه «كف الرعاع» قوله عليه السلام: الهوا والعبوا، دليل لطلب ترويح النفس إذا سئمت، وجلاها إذا صدأت باللهو واللعب المباح. الخ كلامه. وانظر إيضاح الدلالات في سماع الآلات للشيخ عبد الغني النابلسي الشامي، ومنه اللعب بالأرجوحة وهي حبل يعلق ويركبه الصبيان. قاله ابن درستويه. وتبعه الفيروز آبادي في القاموس، والجمهور. وقال صاحب العين والمصباح: هي خشبة توضع من وسطها على تل ويعلق غلامان على طرفيها، وتترجح أي تميل تارة بهذا وتارة بهذا. وهذا الذي قاله ثعلب عن ابن الأعرابي، وقاله أهل الغريب في حديث عائشة: وأنا على أرجوحة. قال ابن الطيب في حواشي القاموس: وزاد لا بأس بنصب الأرجوحة واللعب بها، كما قاله في كتاب البركة ونقله شراح المختصر، وأيده الزرقاني بنقل القرافي عن غيره، أنها نافعة من وجع الظهر اهـ. وقد ترجم أبو داود في سننه باب في الأرجوحة «1» ، وذكر حديث عائشة قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجني وأنا بنت سبع أو ست فلما قدم المدينة أتتني نسوة. وقال بشر «2» فأتتني أم رومان وأنا على أرجوحة فذهبن بي وهيأنني وصنعنني فأتي بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فبنى بي وأنا ابنة تسع. ذكر جعل الوليمة في العرس سبعا بوّب البخاري «3» في كتاب النكاح من الصحيح، باب حق اجابة الوليمة والدعوة، ومن أولم سبعة أيام ونحوه. ولم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم يوما ولا يومين. قال الحافظ: يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين قالت: لما تزوج أبي دعا الصحابة سبعة أيام، فلما كان يوم الأنصار، دعا أبي بن كعب وزيد بن ثابت وغيرهما فكان أبي صائما فلما طعموا دعا أبي وانتثر. وأخرجه البيهقي من وجه آخر أتم سياقا منه وأخرج عبد الرزاق من وجه آخر إلى حفصة وقال: فيه ثمانية أيام وإليه أشار المصنف بقوله ونحوه، لأن القصة واحدة وهذا وإن لم يذكره المصنف ولكن جنح إلى ترجيحه لإطلاق الأمر بإجابة الدعوة بغير تقييد وقد نبه على ذلك ابن المنير. وأفصح البخاري بمراده في تاريخه؛   (1) انظر ج 5 ص 228 من كتاب الأدب رقم الحديث 4933. (2) هو بشر بن خالد أحد رواة هذا الحديث. (3) انظر ج 6/ 143 باب/ 71. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 فإنه أورد في ترجمة زهير بن عثمان الحديث الذي أخرجه أبو داود «1» والنسائي من طريق قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الوليمة حق. أول يوم حق، والثاني معروف، والثالث سمعة ورياء. قال البخاري: لا يصح إسناده. وقال ابن عمر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليجب. ولم يخص أياما ولا غيرها. وهذا أصح. وقال ابن سيرين عن أبيه أنه بنى بأهله أو لم سبعة أيام، فدعا في ذلك أبي بن كعب فأجابه اهـ. وأخرج أبو يعلى بإسناد حسن عن أنس قال: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية وجعل عتقها صداقها، وجعل الوليمة ثلاثة أيام. وإلى ما جنح إليه البخاري ذهب المالكية؛ قال عياض: استحب أصحابنا لأهل السعة كونها أسبوعا وقال غيره: إذا دعا في كل يوم من لم يدع قبله، ولم يكرر عليهم وعند الأمن من الرياء والسمعة اهـ ملخصا من فتح الباري. جلب دقيق الحواري الأبيض الناصع النقي سمي به لنقائه من النخالة فهو خلاصة الدقيق ولبابه. والسمن والعسل من الشام إلى المدينة وأكل المصطفى عليه السلام منه عن الليث بن أبي سالم قال: أول من خبص في الإسلام عثمان بن عفان؛ قدمت عليه عير تحمل الدقيق والعسل فخلط بينهما، وبعث به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأكل فاستطابه. قال المحب الطبري في الرياض النضرة: أخرجه خيثمة في فضائل عثمان، وعن عبد الله بن سلام قال: قدمت عير فيها جمل لعثمان دقيق وسمن وعسل، فأتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية الحاكم وغيره، عن ابن سلام: خرج صلى الله عليه وسلم إلى المربد فرأى عثمان يقود ناقة تحمل دقيقا حواريا وسمنا وعسلا، فقال له: أنخ فأناخ فدعا فيها بالبركة، ثم دعا صلى الله عليه وسلم ببرمة فنصبت على النار، وجعل فيها من الدقيق والعسل والسمن، ثم عصد حتى نضج أو كاد أن ينضج. ثم أنزله فقال صلى الله عليه وسلم: كلوا هذا شيء تسميه فارس الخبيص. قال الطبري: خرّجه تمام في فوائده، والطبراني في معجمه. قال الحافظ ابن حجر، وتبعه الحافظ الشامي. رجال الأوسط والصغير ثقات. وقد أخرجه الحاكم وصححه بقيّ بن مخلد «2» اهـ. وقال الزرقاني في شرح المواهب: ومقتضاه أن أول من خبص في الإسلام النبي صلى الله عليه وسلم، فخالف قوله أولا: أول من خبص في الإسلام عثمان، ويحتمل أن نسبته إليه لكونه كان سببا في فعله بإهدائه إليه، لكن روى الحرث بسند منقطع: صنع عثمان خبيصا بالعسل والسمن والبر، وأتى به في قصعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ قال: هذا شيء تصنعه الأعاجم تسميه الخبيص. فأكل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويمكن الجمع أيضا بتكرار ذلك فيكون عثمان فعله بنفسه، ثم عرضه على النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر أن يصنع له منه ففعل اهـ.   (1) الحديث في كتاب الأطعمة ج 4 ص 126. (2) أحد كبار علماء الأندلس الثقات أهل الورع. ت 276 هـ نقلا عن جذوة المقتبس للحميدي ص 274/ 1. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 قال شيخنا الأستاذ الوالد في تحديد الأسنة، عقب حديث أكله عليه السلام خالص الدقيق المذكور: فإن قلت خرّج الترمذي في الشمائل عن سهل بن سعد «1» ، أنه قيل: أأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي؟ يعني الحوار. قال سهل: ما رأى صلى الله عليه وسلم النقي حتى لقي الله عز وجل. قلت: أخبر رضي الله عنه بحسب إطلاعه ومنتهى علمه، وإلا فالمثبت مقدم على النافي. ومن أثبت حجة على من نفى. ولم يحط أحد بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم اهـ. وفي طبقات ابن سعد أن ابن عمر كان يستحب أن يطيّب زاده، وأنه قيل لنافع: أكان ابن عمر يصيب من هذا الطعام؟ فقال: كان ابن عمر يأكل الدجاج والفراخ، والخبيص في البرمة. وفي أوائل السيوطي: أول من خبص الخبيص عثمان، خلط العسل والنقي من الدقيق ثم بعث به إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزل أم سلمة، وفيها أيضا: أول من أدخل الفالوذج ديار العرب أمية ابن أبي الصلت، أطعمه بعض الناس ذلك بالشام، فبلغ ذلك عبد الله بن جدعان فوجه إلى اليمن من جاء له بمن يعمل له الفالوذج بالعسل، وفي مناهج الأخلاق السنية للفاكهي: وفي رواية جمع وصححها الحاكم، كما نبه عليه الشيخ محمد الشافعي في سيرته: أهدى ملك الهند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدايا منها جرة فيها زنجبيل، فأطعم كل إنسان قطعة قطعة. قال أبو سعيد الخدري وأطعمني رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعتين اهـ. وقد قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه صيد الخواطر: بلغني عن بعض زهاد زماننا أنه قدم له طعام فقال: لا آكل. قيل له: لم؟ فقال لأن نفسي تشتهيه وأنا منذ سنين ما بلغت نفسي ما تشتهي. فقلت لقد خفيت طرق الصواب عن هذا من وجهين: وسبب خفائها عدم العلم. أما الوجه الأول فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على هذا ولا أصحابه، وقد كان عليه السلام يأكل لحم الدجاج ويحب الحلوى والعسل. ودخل فرقد السنجي على الحسن وهو يأكل الفالوذج فقال: يا فرقد ما تقول في هذا؟ فقال: لا آكله ولا أحب من يأكله فقال الحسن: لعاب النحل، بلباب البر، بسمن البقر هل يعيبه مسلم؟ وجاء رجل إلى الحسن فقال: إن لي جارا لا يأكل الفالوذج فقال: ولم؟ قال: يقول لا أؤدي شكره فقال: إن جارك جاهل، وهل يؤدي شكر الماء البارد؟ وكان سفيان الثوري يحمل في سفره الفالوذج واللحم المشوي ويقول: إن الدابة إذا أحسن إليها عملت، وجيء إلى علي بفالوذج فأكل منه، وقال: ما هذا قالوا: نور النيروز. فقال: نورزونا في كل يوم. فينبغي للإنسان أن يتبع الدليل، لا أن يتبع طريقا ويطلب دليلها، وقد قالت رابعة: إن كان صلاح قلبك في الفالوذج فكل منه، ولا تكن ممن يرى صور الزهد، فرب مشبع لا يريد الشبع وإنما يريد المصلحة، وليس كل بدن يقوى على الخشونة؛ خصوصا من قد لاقى الكل [الكلل] وأجهده الفكر.   (1) انظر باب صفة خبز رسول صلى الله عليه وسلم ص 93 من الطبعة الأولى 1344 هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 جلب الجبن الرومي وأكله عليه السلام منه وقطعه بالسكين في حديث أبي داود «1» من حديث ابن عمر قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في تبوك. قال الزرقاني في شرح المواهب من عمل النصارى فقيل: هذا تصنعه المجوس، فدعا بسكين فسمى وقطع، وعبارة الشبراملسي عليها أيضا فسمى وقطع، أي ولم ينظر لكونه من عمل النصاري. وروى الطيالسي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة رأى جبنة فقال: ما هذا قالوا: طعام يصنع بأرض العجم. فقال ضعوا فيه السكين وكلوا. وروى أحمد والبيهقي عنه: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في غزوة تبوك فقال: أين صنعت هذه؟ قالوا: بفارس ونحن نرى أنه يجعل فيها ميتة. فقال صلى الله عليه وسلم: إطعنوا فيها بالسكين، واذكروا اسم الله تعالى وكلوا «2» . قال الخطابي: أباحه صلى الله عليه وسلم على ظاهر الحال، ولم يمتنع من أكله لأجل مشاركة المسلمين في عمله، وتعقبه المقريزي بتوقفه على نقل، إذ لم يكن بفارس والشام حينئذ أحد «3» من المسلمين، قال الحافظ الشامي وهو ظاهر لا شك فيه. اختياره عليه السلام محل السوق روى الطبراني من طريق الحسن بن علي بن الحسن ابن أبي الحسن أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت موضعا للسوق أفلا تنظر إليه؟ قال: بلى، فقام معه حتى جاء موضع السوق، فلما رآه أعجبه وركض برجله وقال: نعم سوقكم هذا، فلا ينقص ولا يضربن عليكم خراج. ورواه ابن ماجه بلفظ: ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق النبيط فنظر إليه فقال: ليس هذا لكم بسوق، ثم رجع إلى هذا السوق فطاف فيه ثم قال: هذا سوقكم، فلا ينتقصن ولا يضرب عليه خراج «4» . باب الأسواق التي كانت في الجاهلية فتبايع الناس بها في الإسلام هكذا ترجم البخاري «5» في كتاب البيوع من الصحيح، ثم أخرج فيها عن ابن عباس قال: كانت عكاظ ومجنّة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فلما كان الإسلام تأثموا من التجارة فيها، فأنزل الله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ [البقرة: 198] في مواسم الحج أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ قرأ ابن عباس كذا أي بزيادة مواسم الحج. وفي الإرشاد قال ابن   (1) انظر كتاب الأطعمة باب 38 ج 4/ 169. (2) في المسند ج 1 ص 302 عن ابن عباس وهو في الصفحة 376 من طبعة المكتب الإسلامي. (3) كذا في الأصل. والسياق يقتضي أن يكون المعنى: والشام أقرب إلى المدينة من فارس. (4) ابن ماجه ص 751/ 2. (5) انظر كتاب البيوع ج 3/ 15. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 كثير: وكذا فسره مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة ومنصور بن المعتمر وقتادة وإبراهيم النخعي والربيع بن أنس وغيرهم. وأخرجه أيضا في كتاب الحج «1» ، وبوّب عليه باب التجارة أيام المواسم والبيع في أسواق الجاهلية. قال البدر الدماميني في المصابيح: يتساءل عن الفرق بين حجر ثمود وبين أسواق الجاهلية. حيث أسرع عليه السلام لما دخل الحجر، وأمرهم أن لا ينتفعوا بشيء منه، لا يؤكل العجين الذي عجنوه بالماء، وأسواق الجاهلية طال مكثه فيها. والانتفاع بها. والجواب أن أهل الأسواق لم يتعاطوا فيها إلا البيع المعتاد، وأما ثمود فإنهم تعاطوا عقر الناقة والكفر بالله ورسوله، ونزلت النقمة هناك. فهذا فرق ما بينهما اهـ. وقد تكلم الحافظ في كتاب الحج على هذه الأسواق وعيّن مواضعها من أرض الحجاز، وذكر أسواقا أخرى دونها، ثم نقل عن الفاكهي: لم تزل هذه الأسواق قائمة في الإسلام، إلى أن كان أول ما ترك منها سوق عكاظ في زمن الخوارج سنة 129، وآخر ما ترك منها سوق جامة في زمن داود بن عيسى بن موسى العباسي في سنة 197. ثم ذكر عن ابن الكلبي؛ أن كل شريف كان إنما يحضر سوق بلده، إلا سوق عكاظ، فإنهم كانوا يتوافون لها من كل جهة، فكانت أعظم تلك الأسواق. وقد وقع ذكرها في أحاديث أخرى منها حديث ابن عباس: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ. وروى الزبير بن بكار في كتاب النسب من طريق حكيم بن حزام. أنها كانت تقام صبح هلال ذي القعدة؛ إلى أن يمضي عشرون يوما. قال: ثم يقام سوق مجنة عشرة أيام إلى هلال ذي الحجة ثم يقوم سوق ذي المجاز ثمانية أيام، ثم يتوجهون إلى الحج. وفي حديث ابن الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في الموسم بمجنة وعكاظ يبلغ رسالة ربه الحديث أخرجه أحمد وغيره. صانع السيوف ترجم في الاصابة خبّاب بن الأرت فذكر أنه كان يعمل السيوف في الجاهلية. باب ذكر من كان يبري النبل في تلبيس إبليس لابن الجوزي: أن سعد بن أبي وقاص كان يبري النبل اهـ. في الحفار للقبور في سيرة ابن إسحاق في قصة الحفر لقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبا عبيدة بن الجراح كان يضرح لحفر مكة وأبا طلحة زيد بن سهل هو الذي كان يحفر لأهل المدينة فكان يلحد. وفي صيد الخواطر لابن الجوزي: كان أبو عبيدة بن الجراح وأبو طلحة يحفران   (1) انظر كتاب الحج ص 197/ 2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 القبور. وترجم في الاصابة لأبي سعيد المقبري واسمه كيسان فقال له: أدرك وكان على عهد عمر فجعله على حفر القبور بالمدينة. اتفاق القوم على من يمثلهم في محفل رسمي أو مأتم ديني ترجم الموفق بن قدامة في الاستبصار لأوس بن خولي الانصاري فقال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرادوا غسله حضرت الأنصار فنادت على الباب: الله الله فإنا أخواله فليحضره بعضنا، فقيل لهم: اجتمعوا على رجل منكم، فاجتمعوا على أوس بن خولي فحضر على غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه مع أهل بيته اهـ وقصته هذه في ترجمة أوس من طبقات ابن سعد أيضا انظر ص 61 من ج 3. باب أخذ ستر المرأة في نعشها وهي ميتة عن الحبشة ومن حبّذ ذلك خرج ابن سعد في الطبقات عن ابن عباس قال: فاطمة أول من جعل لها النعش عملته لها أسماء بنت عميس، وكانت قد رأته يصنع بأرض الحبشة. وقال الوزير الأكتب أبو عبد الله بن أبي الخصال الغافقي في كتابه «ظل الغمامة» في حق فاطمة الزهراء وموتها. استشعرت من وفاتها اليقين بما أنبأها به خاتم النبيئين، فانتظرت الوقت والحين، وأشفقت لمرأة توضع في نعشها وضع الرجال، فتصف الأكفان ما استترت به ربّات الحجال، وأخجلها ذلك لفرط الحياء أبرح الأخجال، وتشكت إلى أسماء بنت عميس ما تجده لذلك من عوارض الأوجال، فنفست عنها شغل البال، بما رأته في الحبشة من حسن التأني، برفع ما يهجس في البال ووضع ما ألهم الله به من محكم الأشكال، فدعت بجرائد رطبة، فعطفتها عطف قسي الضال وألبستها الثياب سابغة الأذيال، فصار خدرا للظعينة وحجابا للحرة الستيرة، فرضيت رضي الله عنها عن تلك الحالة الحسنى والسيرة. فكانت أول من خصه الله بتلك الكرامة، وأول من زف بتلك الصيانة إلى دار المقامة، وما عند الله لها من الحجة البالغة، والنعمة السابغة أتقى وأنقى يوم القيامة، فعند ذلك طابت نفسها العلية عن المنية. المرأة الكبيرة السن تلازم القبر ترجم في الاصابة لرقية مولاة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عمرت حتى جعلها الحسين بن علي مقيمة عند قبر سيدتها فاطمة، لأنه لم يكن بقي من يعرف القبر غيرها. قاله عمر بن شبة في أخبار المدينة. عجيبة: في ترجمة شبث بن ربعي التميمي أحد الراوين عن عثمان وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وطبقتهم من طبقات ابن سعد، أخبرنا الفضل ابن دكين حدثنا حفص بن غياث قال: سمعت الأعمش قال شهدت جنازة شبث فأقاموا العبيد على حدة والجواري على حدة، والخيل على حدة، والبخت على حدة، والنوق على حدة، وذكر الأصناف قال: ورأيتهم ينوحون عليه يلتدمون انظر ص 150 من ج 6. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 غريبة: ترجم ابن سعد في الطبقات، في ذكر التابعين من أهل المدينة، الحارث بن عبد الله أبي ربيعة، والي البصرة لعبد الله بن الزبير أيام خلافته فقال: كان خطيبا عفيفا، وكان فيه سواد لأن أمه كانت حبشية نصرانية فماتت، فشهدها الحرث بن عبد الله وشهدها معه الناس، فكانوا ناحية وجاء أهل دينها بولدها وشهدها منهم جماعة كثيرة، وكانوا على حدة وترجم في الاصابة لحجار بن أبجر العجلي وقال: له ادراك فقال: ذكر المرزباني في الشعراء أن أبجر والده مات على نصرانيته، في زمن علي. وروى الطبراني من طريق إسماعيل بن راشد قال مرت جنازة أبجر بن جابر على عبد الرحمن بن ملجم وحجار بن أبجر يمشي في جانب مع أناس من المسلمين، ومع الجنازة نصارى يشيعونها. قلت: يجب أن تكتب هذه القضية والتي قبلها بهامش فتوى للشيخ عليش في باب الجنائز من نوازله انظر ص 133 من الجزء الأول. والمحفوظ عن تراجم السلف في جنائزهم؛ كالإمام أحمد بن حنبل أن الناس كانوا يحضرون جنائزهم، على اختلاف المذاهب والأديان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 القسم العاشر من كتاب الخزاعي ويتضمن أربعة أبواب «1» الباب الثالث في ما جاء في أرزاق الخلفاء والأمراء والعمال وفيه خمسة فصول   (1) رأيت ضرورة تضمين الباب الثالث والرابع منه في هذا المكان لأهميته ولكونه لم يكن في النسخة التونسية التي اعتمدها المؤلف رحمه الله أما الباب الأول فبحث لغوي حول معنى الحرفة والصناعة والعمالة وما في معناها. والباب الثاني في النهي عن استعمال غير المسلمين والاستعانة بهم فلم أر ضرورة إضافتهما هاهنا والكتاب مطبوع فليرجع إليه من شاء في الصفحات 775- 782- مصححه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 الفصل الأول في أن لكلّ من شغل بشيء من أعمال المسلمين أخذ الرزق على شغله ذلك روى البخاري (9: 84- 85) «1» رحمه الله تعالى عن عبد الله بن السعدي أنه قدم على عمر في خلافته فقال له عمر: ألم أحدّث أنك تلي من أعمال الناس أعمالا، فإذا أعطيت العمالة كرهتها؟ فقلت: بلى. فقال عمر: فما تريد إلى ذلك؟ فقلت: إن لي أفراسا وأعبدا وأنا بخير وأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين، قال عمر: لا تفعل فإني كنت أردت الذي أردت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول: أعطه أفقر إليه منّي، حتى أعطاني مرّة ثانية فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خذه فتموّله وتصدق به. فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وإلا فلا تتبعه نفسك. انتهى. قال ابن بطال، قال الطبري: في هذا الحديث الدليل الواضح على أن لمن شغل بشيء من أعمال المسلمين أخذ الرزق على عمله ذلك، وذلك كالولاة والقضاة وجباة الفيء وعمال الصدقة وشبههم، لإعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر العمالة على عمله الذي استعمله عليه. فكذلك سبيل كلّ مشغول بشيء من أعمالهم له من الرزق على قدر استحقاقه عليه سبيل عمر رضي الله تعالى عنه في ذلك. انتهى. وفي «التهذيب» : ولا بأس بإرزاق القضاة والعمال إذا عملوا على حق، وكل عامل للمسلمين على حقّ، وما بعث فيه الإمام من أمور المسلمين فالرزق فيه من بيت المال، وأكره لقسّام القاضي والمغنم أن يأخذوا على أنفسهم أجرا، لأنه إنما يعرض لهم من أموال اليتامى وسائر الناس، كما أكره ارتزاق صاحب السوق من أموال الناس، فإن كانت أرزاق القسّام من بيت المال جاز. انتهى. قلت: والإستعمال: تولية العمل أيضا كالتعميل. فائدة 1- قوله صلى الله عليه وسلم: «فرزقناه رزقا» الرزق هنا: ما يعطاه العامل من أجرة على عمله، وهو العمالة أيضا. قال الفارابي في «ديوان الأدب» (1: 450) العمالة: رزق العامل بضم العين.   (1) الحديث في كتاب الأحكام باب 17 ج 8/ 111. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 فائدة 2- قوله في حديث عمر الذي خرّجه البخاري: «غير مشرف ولا سائل» ترجم البخاري لهذا الحديث: باب من أعطاه الله شيئا من غير مسألة ولا إشراف نفس، وقال القاضي في «المشارق» من أخذه بإشراف نفس، قال الحربي: بطلب لذلك وارتفاع له وتعرّض إليه. الفصل الثاني في أن ما يأخذه العامل زيادة على ما يرزقه الإمام فهو غلول روى أبو داود رحمه الله تعالى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذه بعد ذلك فهو غلول «1» . الفصل الثالث كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل في نفقته ونفقة أهله قال البخاري (4: 49) رحمه الله تعالى: ويذكر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: جعل رزقي تحت ظلّ رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري. [من كتاب الجهاد والسير ج 3 ص 230 عن ابن عمر] . وروى البخاري رحمه الله تعالى عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله، مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، فكانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة، فكان ينفق على أهله نفقة سنة وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل. ج 3 ص 228. وخرجه البخاري رحمه الله تعالى مختصرا عن عمر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم. ج 6 ص 190. وقال القاضي عياض في «الإكمال» ، قال الطبري: كان مما أفاء الله على رسوله طعمة من الله له صلى الله عليه وسلم على أن يأكل منه وأهله ما احتاجوا، ويصرف ما فضل عن ذلك في تقوية المسلمين. الفصل الرابع في أرزاق الخلفاء بعده صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم 1- أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: اختلف في ذلك: فذكر أبو الفرج ابن الجوزي في «صفوة الصفوة» (1: 97) عن عطاء بن السائب قال: لما استخلف أبو بكر أصبح غاديا إلى السوق، وعلى رقبته أثواب يتّجر بها، فلقيه عمر وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنهم فقالا: أنّي تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السوق، قالا: أتصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم   (1) انظر ج 3 ص 353 من كتاب الخراج والإمارة والفيء باب: 9. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 عيالي؟ قالا: انطلق حتى نفرض لك شيئا، فانطلق معهما، ففرضا له كلّ يوم شطر شاة وماكسوه في الرأس والبطن. وذكر عن حميد بن هلال قال: لما ولي أبو بكر قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: افرضوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يغنيه، قالوا: نعم، بردان إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما، وظهره إذا سافر، ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف، قال أبو بكر: رضيت. وذكر ابن هشام في «البهجة» وابن الأثير في «تاريخه» (2: 424) : أن الذي فرض له رضي الله تعالى عنه ستة آلاف درهم في السنة، قال ابن هشام: ولما حضرته الوفاة قال: ردّوا ما عندنا من مال المسلمين، فدفع إلى عمر بن الخطاب لقوح وعبد وقطيفة ما تساوي خمسة دراهم، فقال عمر رضي الله تعالى عنهما: لقد أتعبت من بعدك، وقال ابن الأثير: (2: 242) ولما حضرته الوفاة أوصى أن تباع أرض له ويصرف ثمنها عوض ما أخذه من مال المسلمين. 2- عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: ذكر ابن الأثير في «تاريخه» أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال للمسلمين: إني كنت امرآ تاجرا يغني الله عيالي بتجارتي، وقد شغلتموني بأمركم هذا، فما ترون أنه يحلّ لي في هذا المال؟ وعلي رضي الله تعالى عنه ساكت، فأكثر القوم، فقال: ما تقول يا علي؟ قال: ما أصلحك وأصلح عيالك بالمعروف ليس لك غيره، فقال القوم: القول ما قاله علي، فأخذ قوته. 3- معاوية بن أبي سفيان: ذكر أبو عمر ابن عبد البر في «الإستيعاب» (1416) عن سليمان بن موسى عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رزق معاوية على عمله بالشام عشرة آلاف دينار في كلّ سنة. وذكر أيضا في الكتاب المذكور، عن صالح بن الوجيه قال: في سنة تسع عشرة كتب عمر رضي الله تعالى عنه إلى يزيد بن أبي سفيان يأمره بغزو قيسارية، فغزاها وبها بطارقة الروم فحاصرهم أياما، وكان بها معاوية أخوه فتخلّفه عليها، وسار يزيد يريد دمشق، فأقام معاوية على قيسارية حتى فتحها في شوال سنة تسع عشرة، وتوفي يزيد في ذي الحجة من ذلك العام في دمشق، واستخلف أخاه معاوية على ما كان يزيد يلي من عمل الشام، ورزقه ألف دينار في كل شهر، كذا قال صالح بن الوجيه. انتهى. الفصل الخامس في الأموال التي يرزق منها ولاة الناس روى أبو داود (2: 123) رحمه الله تعالى عن عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا أتاه الفيء قسمه في يومه فأعطى الآهل «1» حظين، وأعطى العزب   (1) الآهل: من كان له عيال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 حظا، فدعينا، وكنت أدعى قبل عمار، فدعيت فأعطاني حظين وكان لي أهل، ثم دعي بعدي عمار بن ياسر فأعطي حظا واحدا «1» . قال القاضي أبو الفضل عياض رحمه الله تعالى في «المشارق» (2: 165) : فيء المسلمين: ما أفاء الله عليهم، أي رد عليهم من مال عدوهم. وفي «الجواهر» لابن شاس: الفيء هو كل ما فاء للمسلمين من الكفار من خمس وجزية أهل العقدة وأهل الصلح، وخراج أرضهم، وما صولح عليه الحربيون من هدنة، وما يؤخذ من تجار الحربيين وتجار أهل الذمة، وخمس الركاز، وخمس الغنائم. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في «كتاب الأموال» (24) : وهو الذي يعم المسلمين غنيهم وفقيرهم، فيكون في أعطية المقاتلة وأرزاق الذرية وما ينوب الإمام من أمور [الناس] بحسن النظر للإسلام [وأهله] . الباب الرابع في ذكر أسماء التواليف المخرج منها ما تضمنه هذا الكتاب وهي مائة ونيف وستون تأليفا: فمن ذلك من كتب تفسير كتاب الله العزيز، شرفه الله تعالى: 1- تفسير أبي محمد عبد الحق بن عطية الأشبيلي. 2- وتفسير فخر الدين محمد بن عمر الرازي بن الخطيب. 3- وتفسير منذر بن سعيد البلّوطي. 4- وتفسير أبي إسحاق أحمد بن محمد الثّعلبي. 5- وتفسير أبي القاسم محمود بن عمر الزّمخشري. 6- وكتاب معاني القرآن لأبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء رحمه الله تعالى. ومن كتب أحكام القرآن شرفه الله تعالى: 7- أحكام أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي. ومن كتب الحديث: 8- موطأ الإمام أبي عبد الله مالك بن أنس. 9- وصحيح أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. 10- وصحيح أبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري. 11- وسنن أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة التّرمذي. 12- وكتاب شمائل النبي صلى الله عليه وسلم للترمذي أيضا. 13- وسنن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني. 14- وسنن أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النّسائي.   (1) انظر كتاب الخراج والإمارة والفيء ج 3 ورقمه: 2953. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 15- وسنن أبي عبد الله محمد بن مسلم بن شهاب الزّهري، صنعة محمد بن يحيى بن فارس الذّهلي. 16- ومسند أبي داود سليمان بن داود الطّيالسي. 17- ومختصر أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد من كتاب أبي جعفر الطحاوي. 18- وكتاب الأحكام الصغرى لأبي محمد عبد الحق الإشبيلي. 19- وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لأبي محمد عبد الله بن حيان الأصبهاني. 20- ومسند محمد بن مخلد بن حفص العطار الدوري. 21- وكتاب الشهاب للقاضي محمد بن سلامة القضاعي. ومن كتب الأغربة: 22- غريب القرآن شرفه الله تعالى لأبي بكر محمد بن عزيز السّجستاني. 23- والغريبان لأبي عبيد أحمد بن محمد الهروي. 24- والمشرع الروي في منزع كتاب الهروي لمحمد بن علي المعروف بابن عسكر المالقي. 25- وكتاب الدلائل لأبي محمد قاسم بن ثابت بن عبد العزيز السرقسطي. 26- وغريب الحديث للخطابي. ومن كتب شرح الحديث: 27- المنتقى لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي على الموطأ. 28- والتمهيد لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر على الموطأ. 29- والاستذكار لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر على الموطأ. 30- وكتاب أبي الحسن علي بن بطّال على البخاري. 31- وأعلام الحديث لأبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي على البخاري أيضا. 32- ومعالم السنن له أيضا على كتاب أبي داود. 33- والمعلم لأبي عبد الله محمد بن علي المازري على مسلم. 34- والإكمال للقاضي عياض بن موسى بن عياض عليه أيضا. 35- ومشارق الأنوار على الموطأ وصحيح البخاري وصحيح مسلم له أيضا. 36- وعارضة الأحوذي على كتاب الترمذي لأبي بكر ابن العربي. 37- وشرح العمدة لمحمد بن علي بن وهب بن مطيع، شهر بابن دقيق العيد. 38- وكشف مشكل الصحيحين لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي الجوزي. 39- وعلل الحديث لأبي الحسن علي بن عمر بن مهدي الدارقطني. 40- وتفسير ما استعجم من غوامض الأسماء في الأحاديث لأبي القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن بشكوال الأنصاري القرطبي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 ومن كتب ضبط الأسماء : 41- الاشتقاق لأبي بكر محمد بن أبان بن سيد. [وفيه اختصر كتاب ابن دريد وقطرب وابن النحاس وابن قتيبة في الأدب] . 42- وجامع كتب الاشتقاق، لا أعلم من ألفه. 43- والمؤتلف والمختلف للحافظ عبد الغني بن سعيد بن علي بن مروان. ومن كتب الأنساب: 44- جماهر أبي عبيد القاسم بن سلّام. 45- وجماهر أبي محمد بن أحمد بن حزم. [وهو مطبوع باسم جمهرة أنساب العرب] . 46- واقتباس الأنوار لأبي محمد عبد الله بن علي بن عبيد الله الرّشاطي. 47- والموالي والعرب لعمرو بن بحر الجاحظ. ومن كتب الفقه: 48- التهذيب لأبي سعيد خلف بن أبي القاسم الأزدي البراذعي. 49- وكتاب أبي بكر محمد بن عبد الله بن يونس. 50- والتبصرة لأبي الحسن علي بن محمد الربعي المعروف باللّخمي. 51- وكتاب التنبيهات للقاضي أبي الفضل عياض. 52- والبيان والتحصيل للقاضي أبي الوليد ابن رشد. 53- وكتاب المقدمات له. 54- والكافي لأبي عمر ابن عبد البر. 55- والجواهر لعبد الله بن محمد بن شاس. 56- والشهاب الثاقب في شرح كتاب ابن الحاجب لأبي عبد الله محمد بن عبد الله راشد. 57- وشرح الكتاب المذكور للقاضي أبي عبد الله محمد بن عبد السلام التونسي. 58- وشرح الرسالة لموسى بن علي الزناتي. 59- والتبصرة للتّلمساني في شرح كتاب ابن الحاجب. 60- والأموال لأبي القاسم بن سلام. 61- والأموال لأبي جعفر أحمد بن نصر الداودي. 62- وأقضية النبي صلى الله عليه وسلم، لمحمد بن فرج الطّلاع. 63- والفرائض لأبي القاسم محمد بن خلف الحوفي. 64- وكتاب الإشراف لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر. 65- والأحكام السلطانية لأبي الحسن بن محمد حبيب الماوردي. 66- والمحلّى لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 67- وحجة الوداع له. 68- وجوامع السيرة له. ومن كتب أصول الفقه: 69- تنقيح الفصول في علم الأصول لشهاب الدين أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي. ومن كتب الأوزان والأكيال الشرعية: 70- جواب أبي محمد ابن عطية على سؤال في ذلك. 71- وإثبات ما ليس منه بدّ لأبي العباس أحمد بن محمد بن أحمد العزفي. 72- ومقالة لأبي يحيى أبي بكر بن خلف بن المواق. 73- ومقالة لأبي الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن القطان. 74- ومقالة لولده حسن بن علي بن محمد. 75- ومقالة لأبي العباس أحمد بن عثمان بن البنّاء الأزديّ المراكشي. ومن كتب التصوف والوعظ: 76- كتاب إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزالي رحمه الله تعالى. 77- وسراج المريدين لأبي بكر ابن العربي. 78- والمدهش لأبي الفرح الجوزي. 79- ورسالة القشيري. ومن كتب السير والتواريخ: 80- السير لأبي عبد الله محمد بن إسحاق. 81- وشرحه لأبي القاسم عبد الرحمن بن أبي الحسن السّهيلي المسمّى بالروض الأنف. 82- وغريبه لأبي ذرّ محمد بن مسعود الخشني. 83- وخلاصة السير لأحمد بن عبد الله الشريف الطبري. 84- ومختصر السير لعز الدين بن عبد العزيز بن جماعة. 85- والدرّ المنظم في مولد النبي المعظم لأبي العباس العزفي. 86- والاكتفاء لأبي الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي. 87- والاستيعاب في ذكر أسماء الأصحاب لأبي عمر ابن عبد البر. 88- وذيل الاستيعاب لأبي بكر محمد بن خلف بن سليمان بن فتحون. 89- والتاريخ الكبير للبخاري. 90- وكتاب الصفوة لأبي الفرج الجوزي. 91- وطبقات الفقهاء لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشّيرازي. 92- والكامل لأبي الحسن علي بن محمد بن الأثير. 93- وأنباء الأنبياء وتواريخ الخلفاء للقاضي محمد بن سلامة القضاعي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 94- والعمدة لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن موسى التلمساني. 95- وبهجة النفس لهشام بن عبد الله بن هشام الأزديّ. 96- وبلغة الظرفاء في تاريخ الخلفاء لأبي الحسن علي بن محمد بن أبي السرور. 97- وتاريخ بغداد لأبي بكر أحمد بن ثابت الخطيب. 98- وكتاب معرفة مصر ومن دخلها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليف أبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي. 99- وطبقات الفلاسفة لسليمان بن جلجل. 100- وطبقات الفلاسفة لصاعد بن أحمد بن صاعد الأندلسيّ. 101- ونفحة الحدائق والخمائل، لا أعلم مؤلفه. ومن كتب اللغة: 102- الصحاح لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري. 103- والمحكم لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده. 104- والمخصص له. 105- وديوان الأدب لأبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي. 106- وجامع اللغات لأبي عبد الله محمد بن جعفر التميمي القزّاز. 107- ومختصر العين لأبي بكر محمد بن الحسن الزّبيدي. 108- والغريب المصنف لأبي عبيد القاسم بن سلام. 109- وإصلاح المنطق لأبي يوسف يعقوب بن إسحاق السكيت. 110- وأدب الكتاب لأبي محمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة. 111- والاقتضاب في شرح أدب الكتاب لأبي محمد عبد الله بن السيد. 112- وفقه اللغة لأبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثّعالبي. 113- والتأنيث والتذكير لأبي زكريا يحيى بن زكرياء الفراء. 114- والفصيح لأبي العباس أحمد بن يحيى «ثعلب» . 115- واليواقيت لأبي عمر محمد بن عبد الواحد المطرز. 116- وخلق الإنسان لعبد الملك بن قريب الأصمعي. 117- ونوادر ابن الأعرابي. 118- وخلق الأنساب لقطرب محمد بن المستنير. 119- ولحن العامة لأبي حاتم سهل بن محمد السجستاني. 120- ولحن العامة لأبي بكر الزّبيدي. 121- والمقصور والممدود لأبي علي إسماعيل بن القاسم البغدادي. 122- والمقصور والممدود لأبي بكر محمد بن عمر بن عبد العزيز ابن القوطية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 123- وكتاب الأفعال لابن القوطية المذكور. 124- والأفعال لأبي مروان عبد الملك بن طريف. 125- والأفعال لأبي عثمان سعيد بن محمد السرقسطي المعروف بالحمار. 126- ومختصر زاهر ابن الأنباري، صنعة أبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجّاجي. 127- وكتاب الزينة لأبي حاتم أحمد بن حمدان الرازي في منزع كتاب الزاهر. 128- والمنتظم لأبي الحسن علي بن الحسن المعروف بالكراع. 129- ومعجم ما استعجم لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري. 130- والمستوعب لأسماء خيل العرب لأبي عبيد البكري أيضا. 131- ومجمل اللغة لابن فارس. 132- والفرق بين الحروف الخمس المشتبهة لأبي محمد ابن السيد. 133- وكتاب المثلث له أيضا. 134- وكتاب الجمل المعقبة لأبي عبد الله محمد بن عيسى بن المناصف. 135- وكفاية المتحفظ لإبراهيم بن إسماعيل الطرابلسي عرف بابن الأجدابي. ومن كتب العربية: 136- المفصل للزمخشري. 137- والتسهيل لأبي عبد الله محمد بن مالك. 138- وشرحه لأبي عبد الله محمد بن علي بن هانىء اللخمي. 139- والبسيط في شرح كتاب الجمل لأبي الحسن بن أبي الربيع. 140- وشرح الجزولية للأبذي. ومن كتب الأدب: 141- الكامل لأبي العباس محمد بن يزيد المبرّد. 142- والبيان والتبيين للجاحظ. 143- والمراتب والأخطار له. 144- والعقد الفريد لأبي عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه. 145- وعيون الأخبار لابن قتيبة. 146- والمعارف له. 147- وكتاب زهر الآداب للحصري. 148- وكتاب الوشاح لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد. 149- وبهجة المجالس لأبي عمر ابن عبد البر. 150- والكتاب المنسوب للمظفر أبي بكر محمد بن عبد الله بن مسلمة المعروف بابن الأفطس صاحب بطليوس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 151- وحلية المحاضرة للحاتمي. 152- والخريدة لأبي حامد محمد بن محمد العماد الأصبهاني. 153- وصناعة الكتابة لأبي جعفر أحمد بن محمد بن النّحّاس. 154- وصناعة الكتابة لابن قتيبة. ومن كتب الأشعار: 155- شعر حاتم الطائي شرح ابن السكيت. 156- وشعر الأعشى ميمون بن جندل. 157- والحماسة لحبيب بن أوس الطائي، ترتيب الأعلم. 158- والحماسة ليوسف بن إبراهيم البيّاسي. 159- والورقة في أشعار الخلفاء لأبي بكر محمد بن يحيى الصولي. 160- وأشعار الستة ليوسف بن سليمان الأعلم. 161- وكتاب العمدة في محاسن الشعر وآدابه، لأبي علي حسن بن رشيق القيرواني. 162- وشرح ابن السيد لسقط الزند من شعر المعري. 163- ترتيب الأعمال السلطانية في الدول الأندلسية لأبي الحسن علي بن خيرة السموري الميورقي. 164- والتحفة الفارسية في الآلات الفارسية، التي ألفت في سنة أربع وخمسين وسبعمائة. 165- وتفسير الألفاظ الطبية لابن الحشا. 166- وكتاب الكفاية والغناء في أحكام الغناء تأليف محمد بن عمر بن محمد السبتي المعروف بالدرّاج. كمل والحمد لله حمدا كثيرا. أكملته ولله الحمد والمنة والشكر على ما أولى، وأستزيده من فضله وكرمه كل خير من الدنيا والآخرة، فهو الجواد الذي لا يبخل، والغني الذي لا يفتقر، والمعطي الذي لا ينقضي عطاؤه، والمنعم الذي ينعم بغير حساب، جلّ وتعالى، وبه الاستعانة، وأستجير به في خطوب الدنيا والآخرة، وأستودعه نفسي وعقلي وديني ونعمته لديّ ورحمته بي ولطفه بي، إنه لا تجب [كذا] ودائعه. والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا ومولانا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته، وأسأله متوسلا بهذا الرسول الكريم عليه أن يصلي عليه في كل وقت ويسلم عليه وعلى آله وأصحابه، وأن يهب لنا العفو والرضى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وكان الفراغ من نسخه في أواخر ربيع الثاني من عام ستة وسبعين وثماني ماية رزقنا الله خيره وخير ما بعده، لا ربّ غيره ولا معبود سواه «1» .   (1) هذه الخاتمة وردت في آخر النسخة م. من كتاب تخرإيج الدلالات السمعية للخزاعي ص 789. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 المستدرك على كتاب الخزاعي رحمه الله «1» (في تشخيص الحالة العلمية على عهده عليه السلام) (وما كان عليه أصحابه في ذلك الزمان من السبق لكل فضيلة وسعة) (المدارك والأخلاق وجميل العوائد والأزياء ويتركب هذا القسم من مقصدين) (المقصد الأول) في تشخيص الحالة العلمية على عهده عليه السلام تعلما وتعليما وكتابة وأدواتها ونحو ذلك. (المقصد الثاني) في تشخيص الحالة الإجتماعية، من حيث ما حازه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، من السبقيات في أنواع النبوغ وسعة المدارك والكيفيات وغير ذلك وتحت كل مقصد أبواب. الباب الأول من المقصد الأول في ذكر أن أوسع دائرة للمعارف تناولها البشر هي القرآن الكريم الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: 42] ذلك الديوان العظيم، أول من قرأ في مدرسته وتربى بهديه واتخذه هجّيرا واهتدى بتربيته الصحابة الكرام، وكيف يرى أهل الإسلام استخراج جمع العلوم منه. عقد الحافظ السيوطي في كتاب الإتقان فصلا شائقا لهذا المعنى، وهو وإن كان مسهبا. ولكن نأت به لفرائده، قال رحمه الله: النوع الحادي والستون في العلوم المستنبطة من القرآن. قال تعالى: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل: 89] وقال صلى الله عليه وسلم: ستكون فتن. قيل: وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله، فيه نبأ ما بعدكم، وخبر ما قبلكم، وحكم ما بينكم، أخرجه الترمذي وغيره. [كتاب فضائل القرآن باب 14 ص 172/ 5] . وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود قال: من أراد العلم فعليه بالقرآن، فإن فيه خبر الأولين والآخرين. قال البيهقي: يعني أصول العلم.   (1) نظرا لأن المؤلف لم ير القسم العاشر من كتاب الخزاعي لنقص النسخة التي اعتمد عليها، لذلك أضاف هذا القسم استدراكا لذلك النقص- مصححه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 وأخرج البيهقي عن الحسن قال: أنزل الله مائة وأربعة كتب، أودع علومها أربعة منها: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان. ثم أودع علوم الثلاثة الفرقان وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة وجميع ما تقوله السنة شرح للقرآن، وقال أيضا: جميع ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن. ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: إني لا أحل إلا ما أحل الله ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه، أخرجه بهذا اللفظ الشافعي في الأم. وقال الشافعي أيضا: ليست تنزل بأحد في الدين نازلة إلا في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها، وقليل من الأحكام ما تثبت بالسنة ابتداء. قلت: ذلك مأخوذ من كتاب الله في الحقيقة، لأن كتاب الله أوجب علينا اتباع الرسول. وفرض علينا الأخذ بقوله. وقال الشافعي مرة بمكة: سلوني عماشئتم أخبركم عنه من كتاب الله. فقيل له: ما تقول في المحرم يقتل الزنبور؟ فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7] وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اقتدوا باللذين من بعدي أبو بكر وعمر. وحدثنا سفيان عن مسعر بن كدام عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب أنه أمر بقتل المحرم الزنبور. وأخرج البخاري عن ابن مسعود قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتفلجات للحسن، المغيّرات لخلق الله تعالى. فبلغ ذلك لامرأة من بني أسد فقالت له: بلغني عنك أنك لعنت كيت وكيت. فقال: وما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في كتاب الله. فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول! قال لئن كنت قرأته، لقد وجدته، أما قرأت وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7] قالت: بلى فقال: إنه نهى عنه. وحكى ابن سراقه في كتاب الإعجاز عن أبي بكر بن مجاهد أنه قال يوما: ما من شيء في العالم إلا وهو في كتاب الله. فقيل له: فإن ذكر الخانات فيه؟ فقال في قوله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ [النور: 29] فهي الخانات. وقال بعضهم ما من شيء إلا ويمكن استخراجه من القرآن لمن فهّمه الله تعالى، حتى إن بعضهم استنبط عمر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين سنة، من قوله: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها [المنافقين: 11] فإنّها رأس ثلاث وستين سورة. وعقبها التغابن ليظهر التغابن في فقده. وقال ابن أبي الفضل المرسي في تفسيره: جمع القرآن علوم الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علما حقيقة إلا المتكلم بها حقيقة، ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم، خلا ما أستاثر به الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 سبحانه، ثم ورث عنه معظم ذلك سادات الصحابة وأعلامهم؛ مثل الخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس حتى قال: لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله تعالى، ثم ورث عنهم التابعون بإحسان، ثم تقاصرت الهمم وفترت العزائم، وتضاءل أهل العلم وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون، من علوم وسائر فنونه، فنوعوا علومه وقامت كل طائفة بفن من فنونه. فاعتنى قوم بضبط لغاته وتحرير كلماته، ومعرفة مخارج حروفه، وعددها وعد كلماته وآياته وسوره وأحزابه وأنصافه وأرباعه، وعدد سجداته والتعليم عند كل عشر آيات إلى غير ذلك، من حصر كلمات متشابهة، وآيات متماثلة من غير تعرض لمعانيه، ولا تدبر لما أودع فيه فسمّوا القراء، واعتنى النحاة بالمعرب منه من الأسماء والأفعال والحروف القابلة وغيرها، وأوسعوا الكلام في الأسماء وتوابعها، وضروب الأفعال واللازم والمتعدي، ورسوم خط الكلمات، وجميع ما يتعلق به حتى أن بعضهم أعرب مشكله وبعضهم كلمة كلمة. واعتنى المفسرون بألفاظه فوجدوا لفظا يدل على معنى واحد ولفظا يدل على معنيين، ولفظا على أكثر. فأجروا الأول حكمه وأوضحوا المعنى الخفي منه، وخاضوا في ترجيح أحد محتملات ذي المعنيين والمعاني، وأعمل المعنيين كل فكره، وقال ما اقتضاه نظره. واعتنى الأصوليون بما فيه من الأدلة العقلية، والشواهد الأصلية والنظرية، مثل قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: 22] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، واستنبطوا منه أدلة على وحدانيته تعالى، ووجوده، وبقائه، وقدمه، وقدرته، وعلمه، وتنزيهه عما لا يليق به، وسمّوا هذا العلم بأصول الدين، فتأملت طائفة منهم معاني خطابه، فرأت منها ما يقتضي الخصوص، ومنها ما يقتضي العموم، وتكلموا في التخصيص، والأخبار، والنص، والظاهر، والمجمل، والمحكم والمتشابه، والأمر والنهي، والنسخ إلى غير ذلك من أنواع الأقيسة، واستصحاب الحال والإستقراء. وسموا هذا الفن بأصول الفقه. وأحكمت طائفة صحيح النظر وصادق الفكر، فيما فيه من الحلال والحرام، وسائر الأحكام؛ فأسسوا أصوله وفرّعوا فروعه، وبسطوا القول في ذلك بسطا حسنا، وسموه بعلم الفروع والفقه أيضا. وتلمحت طائفة ما فيه من قصص القرون السابقة، والأمم الخالية ونقلوا أخبارهم، ودونوا آثارهم ووقائعهم، حتى دوّنوا بدء الدنيا وأول الأشياء، وسموا ذلك بالتاريخ والقصص. وتنبه آخرون لما فيه من الحكم والأمثال والمواعظ التي تغلغل قلوب الرجال، وتكاد تدك الجبال فاستنبطوا مما فيه من الوعد والوعيد، والتحذير والتبشير، وذكر الموت والنشر، والمعاد والمحشر، والحساب والعقاب، والجنة والنار، فصولا من المواعظ، وأصولا من الزواجر، فسمّوا بذلك الخطباء والوعاظ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 واستنبط قوم مما فيه من أصول التعبير، مثل ما ورد في قصة يوسف في البقرات السمان، وفي منامي صاحبي السجن، وفي رؤياه الشمس والقمر والنجوم ساجدة، وسموه تعبير الرؤيا واستنبطوا تعبير كل رؤيا من الكتاب، وإن عزّ عليهم إخراجها منه فمن السنة، وهي شارحة للكتاب، فإن عسر فمن الحكم والأمثال، ثم نظروا إلى اصطلاح الحكم والعوام في مخاطباتهم، وعرّف عادتهم، الذي أشار إليه القرآن بقوله: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ. وأخذ قوم لما في آيات المواريث، من ذكر السهام وأربابها، وغير ذلك وسمي علم الفرائض، واستنبطوا منها من ذكر النصف والثلث والربع والسدس والثمن حساب الفرائض، ومسائل العدل. واستخرجوا منه أحكام الوصايا. ونظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالة على الحكم الباهرة في الليل والنهار، والشمس والقمر، والنجوم والبروج وعير ذلك، فاستخرجوا منه المواقيت. ونظر الكتاب والشعراء، إلى ما فيه من جزالة اللفظ وبديع النظم وحسن السياق، والمبادي والمقاطع، والمخالص، والتلوين في الخطاب، والإطناب والإيجاز، وغير ذلك، واستنبطوا منه: المعاني والبيان والبديع. ونظر فيه أرباب الإشارات وأصحاب الحقيقة؛ فلاح لهم من ألفاظه معان ودقائق وجعلوا لها أعلاما اصطلحوا عليها، مثل: الفناء والبقاء، والحضور والخوف، والهيبة، والإنس والوحشه، والقبض والبسط، وما أشبه ذلك. هذه الفنون التي أخذتها الملة الإسلامية منه وقد احتوى على علوم أخر من علوم الأوائل مثل الطب، والجدل، والهيئة، والهندسة، والجبر والمقابلة، والنجامة، وغير ذلك. أما الطب فمداره علي حفظ الصحة، واستحكام القوة، وذلك إنما يكون باعتدال المزاج، بتفاعل الكيفيات المتضادة، وقد جمع ذلك في آية واحدة؛ وهي قوله: وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً [الفرقان: 67] وعرفنا فيه بما يعيد نظام الصحة بعد اختلاله، وحدوث الصفاء للبدن بعد اعتلاله، في قوله تعالى: شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ [النحل: 69] ثم زاد على طب الأجسام بطب القلوب، وشفاء الصدور. وأما الهيئة ففي تضاعيف سوره من الآيات التي ذكر ملكوت السماوات والأرض، وما بث في العالم العلوي والسفلي، من البراهين والمقدمات ونتائج المخلوقات. وأما الهندسة ففي قوله: انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ [المرسلات: 30] الآية. وأما الجدل فقد حوت آياتة من البراهن والمقدمات والنتائج، والقول بالموجب والمعارضة، وغير ذلك شيئا كثيرا. ومناظرة إبراهيم نمرود ومحاجته قومه أصل في ذلك عظيم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 وأما الجبر والمقابلة فقد قيل: إن أوائل السور فيها عدد وأعوام وأيام لتواريخ أمم سابقة، وإن فيها تاريخ بقاء هذه الأمة، وتاريخ مدة أيام الدنيا، وما مضى وما بقى مضروب بعضها في بعض. وأما النجامة ففي قوله: أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ [الأحقاف: 4] وقد فسره ابن عباس بذلك. وفيه أصول الصنائع التي تدعو الضرورة إليها كالخياطة في قوله: وَطَفِقا يَخْصِفانِ [الأعراف: 22] والحدادة آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ [الكهف: 96] وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ [سبأ: 10] الآية والبناء في آيات والنجارة وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا [هود: 37] والغزل نَقَضَتْ غَزْلَها [النحل: 92] والنسج كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً العنكبوت: 41] والفلاحة أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ [الواقعة: 63] الآية والصيد في آيات والغوص كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ [ص: 37] وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها [فاطر: 12] والصياغة وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً [الأعراف: 148] والزجاجةرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ [النمل: 44] الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ [النور: 35] والفخارة فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ [القصص: 38] والملاحة أما السفينة الآية والكتاب علّم بالقلم والخبز أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً [يوسف: 36] والطبخ بعجل حنيذ والغسل والقصارة وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر: 4] قال الحواريون وهم القصارون [والجزارة] إلا ما ذكيتم [والبيع والشراء] في آيات [والصبغ] صِبْغَةَ اللَّهِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ [والحجارة] وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً [الأعراف: 74] [والكيالة والوزن] في آيات [والرمي] وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال: 60] وفيه من أسماء الأثاث وضروب المأكولات والمشروبات والمنكوحات، وجميع ما وقع أو يقع في الكائنات، ما يحقق معنى قوله تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: 38] اهـ. كلام المرسي ملخصا. وقال ابن سراقة: من بعض وجوه اعجاز القرآن، ما ذكره الله فيه من أعداد الحساب، والجمع والقسمة والضرب، والموافقة والتأليف والمناسبة، والتنصيف والمضاعفة، ليعلم بذلك أهل العلم بالحساب، أنه صلى الله عليه وسلم صادق، وأن القرآن ليس من عنده، إذ لم يكن ممن خالط الفلاسفة، وأهل الهندسة ولا تلقى الحساب. وقال الراغب: إن الله لما جعل نبوة النبيين بنبينا عليه السلام مختتمة، وشرائعهم منتسخة بشريعته من وجه، ومن وجه مكملة متممة؛ جعل كتابه المنزل عليه متضمنا لثمرة كتبه التي أولاها أولئك. كما نبه بقوله: يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً، فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ [البينة: 4] وجعل من معجزات هذا الكتاب، أنه مع قلة الحجم يتضمن المعنى الجم، بحيت تقصر الألباب والبشرية عن احصائه، والآلات الدنيوية عن استيفائه، كما نبه عليه بقوله: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ [لقمان: 27] فهو وإن كان لا يخلو الناظر فيه من نور ما يريه ونفح ما يوليه: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 كالنور من حيث التفت رأيته ... يهدي إلى عينيك نورا باقيا «1» كالشمس في كبد السماء وضوؤها ... يغشى البلاد مشارقا ومغاربا وأخرج أبو نعيم وغيره عن عبد الرحمن بن زياد بن انعم قال: قيل لموسى عليه السلام: يا موسى إنما مثل كتاب أحمد في الكتب بمنزلة وعاء فيه لبن، كلما مخضته أخرجت زبدته. وقال القاضي أبو بكر بن العربي، في قانون التاويل في علوم القرآن: خمسون علما وأربعمائة علم وسبعة آلاف وسبعون ألف علم، على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة، إذ لكل كلمة ظهر وبطن وحدّ ومطلع. وهذا مطلق دون اعتبار تركيبه، وما ينهي من روابط وهذا ما لا يحصى ولا يعلمه إلا الله. قال وأما علوم القرآن ثلاثة: توحيد، وتذكير، وأحكام. فالتوحيد يدخل فيه معرفة المخلوقات ومعرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله، والتذكير منه: الوعد، والوعيد، والجنة، والنار، وتصفية الظاهر، والباطن، والأحكام منها: التكاليف كلها، والمنافع، والمضار، والأمر والنهي، والندب. ولذلك كانت الفاتحة أم القرآن. فيها الأقسام الثلاثة. وسورة الإخلاص ثلثه لإشتمالها على أحد الأقسام الثلاثة، وهو التوحيد. وقال ابن جرير: القرآن يشتمل على ثلاثة أشياء التوحيد والأخبار والديانات. ولهذا كانت سورة الإخلاص ثلثه؛ لأنها تشمل التوحيد كله. وقال علي بن عيسى: القرآن يشتمل على ثلاثين شيئا؛ الأعلام والتنبيه والأمر والنهي والوعيد، ووصف الجنة والنار، وتعليم الأقرار بسم الله وبصفاته وأفعاله، وتعليم الإعتراف بإنعامه، والإحتجاج على المخالفين، والرد على الملحدين، والبيان عن الرغبة والرهبة، والخير والشر، والحسن والقبيح، ونعت الحكمة وفضل المعرفة، ومدح الأبرار وذم الفجار، والتسليم والتحسر، والتوكيد والتفريع. والبيان عن ذم الإخلاق، وشرف الآداب، وعلى التحقيق أن تلك الثلاثة التي قالها ابن جرير. تشمل هذه كلها بل أضعافها فإن القرآن لا يدرك ولا تحصى عجائبه. وأنا أقول: قد اشتمل كتاب الله على كل شيء، أما أنواع العلوم، فليس فيها باب ولا مسألة هي أصل إلّا وهي في القرآن الكريم، وفيه ما يدل عليها، وفيه عجائب المخلوقات، وملكوت السموات والأرض، وما في الأفق الأعلى، وتحت الثرى، وبدء الخلق، وأسماء مشاهير الرسل، والملائكة، وعيون أخبار الأمم، كالأخبار بقصة آدم مع إبليس في إخراجه. من الجنة، ورفع إدريس وإغراق قوم نوح، وقصة عاد الأولى والثانية، وثمود، والناقة وقوم يونس، وقوم شعيب، والأولين والآخرين، وقوم لوط، وقوم تبع، وأصحاب الرس، وقصة إبراهيم في مجادلته قومه، ومناظرته نمروذ. ووضعه ابنه إسماعيل مع أمه   (1) كذا في الأصل، وبما أن البيت الثاني قافيته بائية فالصواب أن يقال: ثاقبا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 بمكة، ومنامه وقصة الذبيح، وقصة يوسف وما أبسطها «1» ، وقصة موسى في ولادته، وإلقائه في اليم، وقتل القبطي ومسيره إلى مدين، وتزوجه بنت شعيب، وكلامه تعالى بجانب الطور، ومجيئه إلى فرعون، وخروجه وإغراق عدوه، وقصة العجل، والقوم الذين خرجوا معه وأخذتهم الصاعقة، وقصة القتيل وذبح البقرة، وقصته مع الخضر، وقصته مع الجبارين، وقصة القوم الذين ساروا في سرب من الأرض، وإلى الصين، وقصة طالوت وداود مع جالوت، وفتنته وقصة سليمان وخبره مع ملكة سبأ وفتنته، وقصة القوم الذين خرجوا فرارا من الطاعون فأماتهم الله ثم أحياهم، وقصة ذي القرنين، ومسيره إلى مغرب الشمس ومطلعها، وبنائه السد. وقصة أيوب، وذا الكفل، والياس، وقصة مريم وولادتها عيسى، وإرساله ورفعه، وقصة زكرياء وابنه يحيى، وقصة أصحاب الكهف، وقصة أصحاب الرقيم، وقصة بختنصر، وقصة الرجلين اللذين لأحدهما الجنة، وقصة أصحاب الجنة، وقصة أصحاب مؤمن آل ياسين، وقصة أصحاب الفيل، وفيه من شأن النبي صلى الله عليه وسلم دعوة إبراهيم به، وبشارة عيسى، وبعثه وهجرته، ومن غزواته سرية ابن الحضرمي في البقرة، وغزوة بدر في الأنفال، وأحد في آل عمران، وبدر الصغرى فيها، والخندق في الأحزاب، والحديبية في الفتح، والنضير في الحشر، وتبوك وحنين في براءة، وحجة الوداع في المائدة، ونكاحه زينب بنت جحش وتحريم سريته، وتظاهر أزواجه عليه وقصة الافك، وقصة الإسراء وانشقاق القمر، وسحر اليهود إياه. وفيه بدء خلق الإنسان إلى موته، وكيفية الموت وما يفعل بالروح بعد، وصعودها إلى السماء وفتح الباب للمؤمنة، والغاء الكافرة. وعذاب القبر والسؤال فيه، ومقر الأرواح، واشراط الساعة الكبرى، وهي نزول عيسى وخروج الدجال ويأجوج ومأجوج، والدابة والدخان، ورفع القرآن والخسف، وطلوع الشمس من مغربها، وغلق باب التوبة. وأحوال البعث من النفخات الثلاث، نفخة الفزع ونفخة الصعق، ونفخة القيام والحشر والنشر، وأهوال الموقف، وشدة حر الشمس وظل العرش والميزان والخوض والصراط والحساب لقوم، ونجاة آخرين وشهادة الأعضاء وإتيان الكتب بالإيمان وبالشمائل وخلف الظهر، والشفاعة والمقام المحمود، والجنة وأبوابها وما فيها؛ من الأنهار والأشجار، والثمار والحلي، والأواني والدرجات، ورؤيته تعالى والنار وأبوابها وما فيها، من الأودية وأنواع العقاب، وألوان العذاب. والزقوم والحميم، وفيه جميع أسمائه الحسنى كما ورد في حديث: ومن أسمائه مطلقا ألف اسم. ومن أسماء النبي صلى الله عليه وسلم جملة، وفيه شعب الإيمان البضع والسبعون، وشرائع الإسلام والثلاثمائة والخمسة عشر، وفيه أنواع الكبائر، وكثير من الصغائر. وفيه تصديق كل حديث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك. مما يحتاج شرحه إلى مجلدات. وقد افرد الناس ما تضمنه القرآن من الأحكام كتبا كالقاضي إسماعيل، وأبي بكر بن   (1) من البسط، أي ما أوسعها وليس من البساطة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 العلاء، وأبي بكر الرازي، والكيا الهراسي، وأبي بكر بن العربي، وعبد المنعم بن الفرس، وابن خويز منداد، وأفرد آخرون كتبا فيما تضمنه من علم الباطن، وأفرد ابن برجان كتابا فيما تضمنه من معاضدة الأحاديث، وقد ألفت كتابا سميته الإكليل في استنباط التنزيل، ذكرت فيه كل ما استنبط منه من مسألة فقهية، أو أصلية أو اعتقادية، وبعضا مما سوى ذلك، كثير الفائدة، جمّ العائدة، فمن أراد الشرح لما أجملته في هذا الباب فليراجعه من أراد الوقوف عليه. (فصل) قال الغزالي وغيره: آيات الأحكام خمسمائة آية. وقال بعضهم: مائة وخمسون. قيل: ولعل مرادهم المصرح به، فإن آيات القصص والأمثال وغيرها يستنبط منها كثير من الأحكام. قال عز الدين ابن عبد السلام في كتاب «الإمام في أدلة الأحكام» : معظم آي القرآن لا تخلو عن أحكام مشتملة على آداب واخلاق جميلة حسنة، ثم في الآيات ما صرح فيها بالأحكام، ومنها ما يؤخذ بطريق الإستنباط إما بلاضم لآية أخرى؛ كاستنباط صحة نكاح الكفار في قوله: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ وصحة صوم الجنب في وقوله: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ إلى قوله: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ [البقرة: 187] الآية وإما كاستنباط أقل الحمل ستة أشهر في قوله: وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ [لقمان: 14] قال ويستدل على الأحكام تارة بالصيغة وهو ظاهر، وتارة بإخبار مثل قوله: أحل لكم، حرمت عليكم الميتة كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ وتارة لما رتب عليها في العاجل أو الآجل من خير أو شر، أو نفع أو ضر، وقد نوّع الشارع في ذلك أنواعا كثيرة ترغيبا إلى أذهانهم. فكان فعل عظّمه الشرع أو مدحه أو مدح فاعله لأجله، أو أحبه أو أحب فاعله، أو رضي به أو رضي عن فاعله، أو وصفه بالإستقامة أو بالبركة أو الطيب، أو أقسم به أو بفاعله كالأقسام بالشفع والوتر، وبخيل المجاهدين وبالنفس اللوامة، أو نصبه سببا لذكره لعبده أو لمحبته أو لثواب عاجل أو آجل، أو شكره له، أو لهدايته أياه، أو لإرضاء فاعله، أو لمغفرة ذنبه وتكفير سيئاته، أو لقبوله أو لنصرة فاعله، أو وعده بالأمر أو نصب سببا للولاية، أو أخبر عن دعاء الرسول بحصوله، أو وصفه أو بكونه قربة أو بصفة مدح كالحياة والنور والشفاء، فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب. وكل فعل طلب الشارع تركه، وذمه أو ذم فاعله، أو عتب عليه أو مقت فاعله أو لعنه أو نفى محبة فاعله، أو الرضى به، أو عن فاعله أو شبه فاعله بالبهائم، أو بالشياطين، أو جعله مانعا من الهدى، أو من القبول، أو وصفه بسوء، أو كراهة، أو استعاذة الأنبياء منه، أو أبغضوه، أو جعل سببا لنفي الفلاح، أو لعذاب عاجل، أو آجل أو لوم أو ضلالة، أو معصية أو وصف لخبث، أو رجس أو نجس، أو بكونه فسقا، أو ضلالة أو سببا لإثم، أو رجس، أو لعن، أو غضب أو زوال نعمة، أو حلول نقمة، أو حد من الحدود، أو قسوة أو خزي، أو ارتهان نفس، أو لعداوة الله، أو لمحاربته، أو لاستهزائه، أو سخريته أو جعله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 سببا لنسيان فاعله، أو وصفه نفسه بالصبر عليه، أو بالحلم أو بالصفح عنه أو دعا إلى التوبة منه، أو وصف فاعله بخبث، أو احتقار أو نسبه إلى عمل الشيطان، أو تزيين الشيطان لفاعله، أو وصفه بصفة ذم ككونه ظلما، أو عدوانا، أو بغيا أو إثما أو مرضا، أو تبرأ الأنبياء منه، أو من فاعله أو شكوا إلى الله من فاعله أو جاهروا فاعله بالعداوة، أو نهوا عن الأسف والحزن عليه، أو نصب سببا لخيبة فاعله، عاجلا أو آجلا، أو رتب عليه حرمان الجنة، وما فيها أو وصف فاعله بأنه عدو لله، أو أعلن فاعله بحرب من الله ورسوله، أو حمل فاعله إثم غيره، أو قيل فيه: لا ينبغي هذا أو لا تكون أو أمره بالتقوى عند السؤال عنه، أو أمر بفعل مضاد له أو هجر فاعله، أو لعن فاعلوه في الآخرة، أو تبرأ بعضهم من بعض، أو دعاء بعضهم على بعض، أو وصف فاعله بالضلالة أو أنه ليس من الله في شيء، أو ليس من الرسول وأصحابه، أو جعل إجتنابه سببا للفلاح، أو جعل سببا لإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين أو قيل: هل أنت منته؟ أو نهي الأنبياء عن الدعاء لفاعله، أو رتب عليه إبعاد أو طرد أو لفظة قتل من فاعله، أو قاتله الله أو أخبر أن فاعله لا يكلمه الله، ولا ينظر إليه ولا يزكيه يوم القيامة، ولا يصلح عمله ولا يهدي كيده، ولا يفلح أو قيض له الشيطان، أو جعل سببا لازاغة قلب فاعله، أو صرفه عن آيات الله، وسؤاله عن علة الفعل، فهو دليل على المنع من الفعل، ودلالته على التحريم أظهر من دلالته على مجرد الكراهة. وتستفاد الإباحة من لفظ الإحلال، ونفي الجناح، والحرج والإثم، والمؤاخذة من الاذن، والعفو عنه، ومن الإمتنان بما في الأعيان من المنافع، ومن السكوت عن التحريم، بالإنكار على من حرم الشيء، من الأخبار بأنه خلق أو جعل لنا، والأخبار عن فعل من قبلنا غير ذام لهم عليه، فإن اقترن باخباره مدح دل على مشروعيته، وجوبا أو استحبابا اهـ كلام الشيخ عز الدين. وقال غيره: قد يستنبط من السكوت، وقد استدل جماعة بأن القرآن غير مخلوق، أن الله ذكر الإنسان في ثمانية عشر موضعا وقال: إنه مخلوق. وذكر القرآن في أربعة وخمسين موضعا ولم يقل: إنه مخلوق. ولما جمع بينهما غاير فقال: الرحمن علم القرآن خلق الإنسان اهـ من الإتقان وما أتمه وأوسعه ونحوه، في مقدمة الإكليل في استنباط التنزيل راجعه أيضا. وفي ترجمة أبي يوسف عبد السلام بن محمد بن بندار القزويني، المفسر المتوفى سنة 488، أنه أهدى إلى نظام الملك «1» أربعة أشياء، لم يكن لأحد مثلها: منها؛ مصحف بخط بعض الكتاب المجودين بالخط الواضح، وقد كتب كاتبه اختلاف القراء بين سطوره   (1) هو الوزير العالم خواجه نظام الملك السلجوقي مؤسس المدارس النظامية العشرة وأشهرها نظامية بغداد 457 هـ وكان عالما فاضلا استشهد رحمه الله عام 484 هـ في صحنة على يد أحد الحشاشين قرب همدان من بلاد الجبل في إيران وكان الإمام الغزالي من أصدقائه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 بالحمرة، وتفسير غريبه بالخضرة، وإعرابه بالزرقة، وكتب بالذهب العلامات على الآيات الوعد والوعيد وما يكتب في التعازي والتهاني اهـ. تتمة قدمنا أن أوسع موسوعات عرفها البشر القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والموسوعات وإصطلاح اليوم الكتب المجموع فيها الكلام على عدة علوم، وأنواع فهوم كدوائر المعارف، التي قصد فيها تدوين كل ما يخطر بالبال في الماضي والحال والإستقبال، وقد علمت مما ذكرناه عن القرآن وما بين طواياه أنه يجب أن يكون أول موسوعة ودائرة معارف عرفها البشر، وقد اعترف بذلك حتى فطاحلة الفرنج الدكتور (موريس) الفرنسي: القرآن بمثابة ندوة علمية للعلماء ومعجم لغة لللغويين وآجرومية لمن أراد تقويم لسانه، وكتاب عروض لمحب الشعر وتهذيب العواطف و (انسكلوبيديا) دائرة معارف عامة للشرائع والقوانين اهـ. وقال الدكتور (بوسورت سميت) في كتابه (حياة محمد) من حسن الحظ الوحيد في التاريخ دون غيره، أن محمدا أسس في وقت واحد ثلاثة أشياء: من عظائم الأمور وجلائل الأعمال، فإنه مؤسس لأمة وإمبراطورية وديانة، مع أنه أمي. وقلما كان يقدر أن يقرأ أو يكتب، ومع ذلك أتى بكتاب هو آية في البلاغة، ودستور للشرائع وللصلاة وللدين في آن واحد الخ كلامه. وقد قال الإمام فخر الدين الرازي طالعة [في مقدمة] تفسيره الكبير مفاتيح الغيب: إعلم أنه مر على لساني في بعض الأوقات أن سورة الفاتحة يمكن أن يستنبط من فوائدها عشرة آلاف عشرة آلاف مسألة، فاستبعد ذلك الحساد، فشرعت في تصنيف هذا الكتاب، وقدمت له مقدمة لتصير له كالبينة، على أن ما ذكرناه أمر ممكن الحصول. وفي مناهج الأخلاق السنية للفاكهي المكي: حكى ابن عادل في تفسيره عن القاضي أبي بكر ابن العربي المالكي: أنه استنبط منه بضع وسبعون ألف علم. قال: ولا يعزب عن علمك قول الأمام علي كرم الله وجهه: لو أردت أن أوقر على الفاتحة سبعين بعيرا لفعلت. أو كما قال بل سمعت عن شيخنا البكري، أنه تكلم على بعض علوم البسملة بكرة كل يوم في سنين في الأشهر الثلاثة منها، وأنه قال في بعض مجالسه: لو أردت التكلم على ذلك العمر كله لم يف أو كما قال اهـ. وفي ترجمة أبي الإكرام زين العابدين البكري، من مسالك الهداية لأبي سالم العياشي: نقلت من خط شيخ والدي سيدي أحمد إذ قال: إن العارف محمد البكري تكلم على نقطة البسملة في ألفي مجلس ومائتي مجلس اهـ. ولأبي الحسن علي بن إبراهيم الحوفي كتاب في علوم القرآن، ذكره له ابن سليمان الردائي في صلته وقال: هو في مائة سفر. انظر حرف العين منها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 وبعد القرآن أول من اعترف التاريخ لهم بتدوين الموسوعات علماء الإسلام، لكن ابتداء التدوين فيها كان موضوعه والغرض منه عندهم إحصاء العلوم المستعملة، ثم وقع التوسع في الموسوعات شأن كل مرمى جديد. وأول ما ظهر ذلك فيهم في القرن الرابع، ألّف الإمام أبو الرجاء محمد بن أحمد بن الربيع الأسواني الشافعي، المتوفي سنة 335 المترجم في يتيمة الدهر للثعالبي وغيره، قصيدة في أخبار العالم، وقصص الأنبياء، والحديث والفلسفة والطب والفقه ومختصر المزني، وغير ذلك. ذكرها له في كشف الظنون المطبوع. وفيه: أنه سئل قبل موته كم بلغت قصيدتك إلى الآن؟ فقال: ثلاثين ألفا ومائة ألف بيت، وبقي علي أشياء تحتاج إلى زيادة. انظر كشف الظنون، والطالع السعيد، للكمال الأدفوي ص 267. ولا تستغرب هذا العدد من النظم، عن أهل القرن الرابع، فقد جاء عن أهل القرن الثالث ما هو أعجب. ذكر أحمد بن يحيى ابن المرتضى: في باب ذكر المعتزلة من كتاب «المنية والأمل» في شرح كتاب الملل والنحل، في ترجمة بشر بن المعتمر الهلالي البغدادي، أن له قصيدة في أربعين ألف بيت، ردّ فيها على جميع المخالفين. وبشر هذا توفي سنة 310 كما أرخه بذلك الذهبي، وابن البخاري، وكيفما ظننا أن مادة الأعداد مبالغ فيها، فلا تكون كل واحدة من هذه القصائد إلا أكثر من عدد أبيات الإلياذة، التي عدد أبياتها زهاء 16 ألف بيت. وألف الإمام أبو نصر الفارابي المتوفي سنة 339 كتابه في إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها، ووجوه الانتفاع بها، وفيه قال القاضي صاعد في طبقات الأمم: هو كتاب شريف في إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها، لم يسبق إليه ولا ذهب أحد مذهبه، ولا يستغني طلاب العلوم كلها عن الاهتداء به وتقديم النظر فيه اهـ ص 62. وقال عنه القاضي ابن الأزرق في روضة الأعلام: أحصى فيه العلوم القديمة وذكر فيه بعض علوم الإسلام اهـ وهو كتاب نادر الوجود توجد منه الآن نسخة خطية في إسبانيا، وهو مترجم إلى اللغة اللاتينية والعبرانية، ثم سمعت أنه طبع، ثم كتاب مفاتيح العلوم، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف الخوارزمي المتوفي سنة 387 ألفه لأبي الحسن عبيد الله بن أحمد العتبي، وقد قسمه إلى مقالتين: الأولى تشتمل على اثنين وخمسين فصلا، تجتمع في ستة أبواب، وهي الفقه، الكلام، النحو، الكتابة، الشعر، العروض، الأخبار. والمقالة الثانية اشتملت على اثنين وأربعين فصلا في أبواب: الفلسفة، المنطق، الطب، علم العدد، الهندسة، النجوم، الموسيقى، الخيال، الكيمياء. وقد طبع الكتاب المذكور في ليدن سنة 1895 مسيحية، ثم في مصر وقد نقل عن هذا الكتاب المقريزي في الخطط؛ في تعريفه علم التاريخ فقال: قال محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف البلخي: في كتاب مفاتيح العلوم: وهو كتاب جليل القدر اهـ انظر ص 15 من ج 2 ولهم خوارزمي آخر له كتاب اسمه «مفيد العلوم ومبيد الهموم» ينقل عنه أبو سالم العياشي في كتابه «الحكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 بالعدل والأنصاف» تحت عنوان قال: أبو بكر الخوارزمي الشافعي رضي الله عنه في مفيد العلوم، وهو مطبوع أيضا بمصر وأكبر جرما من الذي قبله، وكثير من القاصرين لا يفهمون؛ أن أهل القرن الرابع دونوا مدخلا للعلوم والفنون، يشتمل على الموضوعات والمصطلحات العلمية الموجودة لذلك العهد. ثم قاضي طليطلة صاعد بن أحمد الأندلسي المتوفى سنة 462 ألف كتابه طبقات الأمم وقد طبع أخيرا ومن وقف عليه يندهش لأسلوب وضعه، وواسع اطلاعه وبحثه، وجمعه باعتبار أنه بقلم أهل المائة الخامسة. ثم الإمام أبو حامد الغزالي عدّد أنواع العلوم وفوائدها، وموضوعاتها في كثير من كتبه، وخصوصا في كتابه فاتحة العلوم والجواهر، ولما ذكر في كتابه الجواهر وكتاب الأربعين؛ أنواع العلوم المتعلقة بالكتاب العزيز، واعتذر بعد ذلك عن إعراضه عن عدّها بأن القصد إنما هو ذكر ما يتعلق بالقرآن الكريم، ويتوقف على معرفته صلاح العباد والمعاش، قال بعد ذلك فيما يرجع لجنس تلك العلوم: ظهر لنا بالبصيرة الواضحة التي لا يتمارى فيها، أن في الإمكان والقوة أصنافا من العلوم لم تخرج إلى الوجود، وإن كان في قوة الآدمي الوصول إليها، وعلوما قد خرجت إلى الوجود، واندرست الآن، فلم يوجد في هذه الأعصار على بسيط الأرض من يعرفها. وعلوما أخر ليس في قوة البشر أصلا إدراكها والإحاطة بها. وكانت وفاته رحمه الله سنة 505. ثم كتاب الفنون للإمام فخر العراق والحنابلة؛ أبي الوفاء علي بن عقيل الحنبلي البغدادي، المتوفي سنة 513. قال سبط ابن الجوزي في ترجمته من مراة الزمان، وهو مائتا مجلد، جمعه طول عمره قال: واختصر منه جدي عشر مجلدات: فرّقها في تصانيفه، وقد طالعت منه في بغداد في وقف المأمونية نحو سبعين. وفيها حكايات ومناظرات وغرائب وعجائب. ثم كتاب قيد الأوابد لمحمد بن حسين الزاغوكي الشافعي المتوفي سنة 559 عن 79، وهو كما في كشف الظنون المطبوع: مجموع ذكر فيه العلوم كالتفسير وعلوم الحديث والفقه واللغة الخ الخ. ورتبها ولعلها بلغت أربعمائة مجلد، وفي رحلة الزيادي نقلا عن القاموس الجزم بأنه في أربعمائة مجلد. ثم جامع الفنون وقامع الظنون للوادياشي البرار المتوفي سنة 596 منه الجزء التاسع في النجوم. وكتاب جامع العلوم لابن نسيب الحراني الحنبلي، المتوفي سنة 695. ذكره في كشف الظنون. وكتاب جامع العلوم للفخر الرازي المتوفي سنة 606. قال في كشف الظنون: وهو مجلد متوسط اشتمل على أربعين علما ألفه للسلطان علاء الدين تكش الخوارزمي، وهو كتاب مفيد جدا وفي ص 571 من ج 2 من كشف الظنون: أن للفخر الرازي كتاب «حدائق الأنوار في حدائق الأسرار» أورد فيه ستين علما. ومن أعظم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 الموسوعات العربية التي جادت بها أقلام المسلمين في هذا التاريخ: الفتوحات المكية للشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي، وهي في 8 مجلدات ضخمة. وأود لو وفق معتن لجعل برنامج عام لمسائلها، وعلومها الكونية وفلسفتها الدينية، ليظهر للعالم العجب العجاب المنطوي في طيات هذا الكتاب العظيم. وللسيد جلال الدين البخاري كتاب جامع العلوم ذكره صاحب الكشف أيضا. ثم جاء بعد هؤلاء شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب البكري النويري الكندي الشافعي المتوفي سنة 732 له نهاية الارب في فنون الأدب قال في كشف الظنون في نيف وثلاثين مجلدا، قسمها إلى خمسة فنون، وكل فن إلى أبواب: الفن الأول في السماء، والآثار العلوية والأرض والعالم السفلي، ويشتمل على خمسة أقسام. الثاني في الإنسان وما يتعلق به، الثالث في الحيوان الصامت. الرابع في النبات. والقسم الخامس في أنواع الطب وفي التاريخ، والقسم التاريخي ينتهي إلى سنة 731 وهو موجود كاملا في بعض مكاتب الاستانة، والمكتبة الخديوية بمصر وقد شرع في طبعه الآن بمصر «1» . ثم جاء المؤرخ النقاد النسابة ابن فضل الله العمري، الكاتب الدمشقي المتوفي سنة 748 له (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) في بضع وعشرين مجلدا، في الأدب والتاريخ والجغرافية والتاريخ الطبيعي، قسمه إلى قسمين: الأول في الأرض وما اشتملت عليه برا وبحرا، وهو نوعان الأول في ذكر المسالك، والثاني في ذكر الممالك. والقسم الثاني في سكان الأرض من طوائف الأمم، وتحت كل قسم أبواب. وتحت كل باب فصول. قال في كشف الظنون: هو في عشرين مجلدا كبارا، وذيله شمس الدين محمد بن يوسف الكرماني، ذكره السيوطي في طبقات النحاة. ثم جاء الإمام شمس الدين محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري المتوفي سنة 749 فألف كتابه المسمى: ارشاد القاصد إلى أسنى المقاصد، ذكر فيه أصناف العلوم وأنواعها، وجملة ما فيه ستون علما منها عشرة أصلية: سبعة نظرية وهي المنطق والإلهي والطبيعي والرياضي بأقسامها. وثلاثة عملية وهي السياسة والأخلاق وتدبير المنزل. قال في كشف الظنون: وهو مأخذ مفتاح السعادة لطاشكبري زاده وقد ذكر في جملة العلوم أربعمائة تصنيف اهـ وقد طبع بمصر أيضا في جزء عام 1318 وعندي منه نسخة خطية سمعت في القرن الحادي عشر، على أبي مهدي عيسى الثعالبي المكي رحمه الله بمكة. ثم الإمام عبد الرحمن بن محمد البسطامي، ألف كتابا أورد فيه غرائب وعجائب حتى أورد فيه مقدار مائة علم، وذكر فيها أقسام العلوم الشرعية والعربية.   (1) وصل الطبع إلى الجزء 18 فقط. مصححه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 ثم المولى لطف الله بن حسن التوقادي المقتول سنة 900 ألف وللسلطان بايزيد كتابا جمع فيه نبذا من العلوم، ثم شرحه وسماه المطالب الإلهية. ثم جاء الحافظ الأسيوطي فألف النقاية في أربعة عشر علما وهي مشروحة بقلم السيوطي وغيره، ومنظومة قديما وحديثا. ومن أشهر من نظمها الشهاب أحمد بن عبد الحق السنباطي المصري، من أهل القرن العاشر. وشرح هو النظم في مجلدين. ثم جاء العلامة الأرتقي وهو في المائة العاشرة فألف مدينة العلوم، في تعريفات العلوم، وتراجم المؤلفين وهو كتاب مفيد يبحث في العلوم وأقسامها، وأشهر من ألف فيها بدأ بالخط فالكتابة وفروعها وعلومها، وتاريخ نشوئها، والشعر والأدب والعلوم الطبيعية والميكانيكية والسياسة والدين، وهو موجود بالمكتبة الخديوية بمصر. ووقفت على نسخة من كتاب مدينة العلوم بالمغرب، وهي في مجلد وسط ولكنها منسوبة لعصام الدين أبي الخير أحمد بن الإمام مصلح الدين، وهو والله أعلم أبو الخير عصام الدين أحمد بن مصلح الدين مصطفى المعروف بطاشكبري زاده المتوفى سنة 967، والمعروف للمذكور كتابه المسمى، مفتاح السعادة ومصباح السيادة تكلم فيه على العلوم وأقسامها وتفرعها، وجعله على طرفين: الأول في خلاصة العلم؛ والثاني في تعداد العلوم وضمنه ثلاثة أقسام الهية واعتقادية وعملية، وجعل علم الأخلاق ثمرة كل العلوم. قال في كشف الظنون: ذكر فيه مائة وخمسين فنا اهـ. قلت: وقعت لي منه نسخة خطية عتيقة فعددت العلوم المذكروة فيها فإذا هي مائة وخمسة وهذا برنامج ما فيه من العلوم لتستفاد: الدوحة الأولى: في العلوم الآلية ولها شعبتان: الشعبة الأولى في العلوم الآلية اللفظية العربية، وهي تنقسم إلى القسم اللفظي، وإلى القسم الخطي. القسم الأول في اللفظي: فمنها على مخارج الحروف، علم اللغة، علم الاشتقاق علم الصرف، علم التمييز، علم النحو، علم المعاني، علم المحاضرة، علم التواريخ، علم السير والمغازي، علم البيان، علم البديع، علم التصحيف، علم العروض، علم القوافي، علم قرض الشعر، علم مبادي الشعر، علم الإنشاء، علم الأمثال، علم وقائع الأمم ورسومهم على مسامرة الملوك، علم استعمالات الألفاظ، علم الأحاجي والأغلوطات، علم الترسل، علم السجلات. القسم الثاني: من علم الأدب فيما يتعلق بالخط العربي من العلوم: علم قوانين الكتابة، علم ترتيب حروف التهجي في الكتاب، علم تحسين الحروف، علم كيفية تولد الخطوط عن أصولها، علم تراكيب الأشكال، بسائط الحروف، علم إملاء الألفاظ العربية. الشعبة الثانية في العلوم الآلية المعنوية: علم المنطق، علم النظر والمناظرة، علم الجدل، علم الخلاف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 الدوحة الثانية في العلوم الإعتقادية: وفيها شعبتان: الشعبة الأولى في العلوم الشرعية. الاعتقادية: علم النواميس، علم القراءة، علم التجويد، علم الوقوف على رسم المصحف، علم الناسخ والمنسوخ، علم أسباب النزول، علم غرائب القرآن، علم دفع مطاعن القرآن، علم التفسير، علم التأويل، علم إشارات القرآن، علم دلائل الإعجاز مع خواص القرآن، علم أدب الدعاء وأوقاته، علم الخواص الروحانية، علم التصرف بالحروف والأسماء، علم متن الحديث، علم رجال الحديث، علم ناسخ الحديث ومنسوخه، علم أسباب ورود الأحاديث، علم شرح الحديث علم تأويل الحديث، علم رموز الحديث وإشاراته، علم غرائب لغات الحديث، علم مطاعن الحديث، علم تلفيق الأحاديث، علم طب النبي صلى الله عليه وسلم، علم المواعظ، علم الأدعية والأوراد، علم الآثار، علم أصول الدين، علم أصول الفقه. الشعبة الثانية في العلوم الاعتقادية الحكمية والعلوم الفلسفية العلم الإلهي، علم التصوف، علم السير، علم الطير، علم الفناء والبقاء، علم الزهد والورع، علم البرزخ، علم الآخرة، علم الجفر والقضاء، علم الطبيعي، علم الطب، علم الباه، علم البيطرة والبيزرة، علم نوع النبات، علم الحيوان، علم الصيدلة، علم التشريح، علم الكحالة، علم الأطعمة والمزورات، علم الفراسة، علم الاختلاج، علم النظر في الكف، علم تعبير الرؤيا، علم قوس فزح، علم أحكام النجوم، علم الأدوار والأكوار، علم القرآآت، علم السّحر، علم الكهانة، علم كشف المدك كذا وإيضاح الشك، علم الحيل الساسانية علم الطلسمات، علم التبارج، علم استنزال الأرواح في قوالب الأشباح، علم العزائم، علم الكيميا، علم المعادن، علم معرفة الجواهر، علم الفلاحة، علم الرمل، علم الفال والقرعة. العلوم الرياضية علم الهندسة، علم عقود الأبنية، علم المناظر، علم المرايا المحرقة، علم المراكز، علم الأثقال، علم المساحة، علم انبساط المياه، علم جر الأثقال، علم البنكامات، علم التعديل، علم الآلات الحرثية، علم الآلات الروحانية. القسم الثاني في الهيئة علم الزيجات، والتقاويم، علم الجغرافية، علم المواقيت، علم كيفية الارصاد، علم تنظيم الارصاد، علم تسطيح الكرة، علم الآلات الظلية. القسم الثالث العلم العددي ويسمى الارتماطيقي، علم الحساب، علم حساب التحت والميل، علم الجبر والمقابلة علم حساب الحظائر علم حساب الدور والوصايا علم حساب الدرهم والدينار علم خواص الأعداد علم التعابي العددية في الحروف، علم الحروف النورانية والظلمانية، علم التصريف بالإسم الأعظم، القسم الرابع علم الموسيقى، علم الرقص، علم الغنج. (العلوم العلمية) وهي على قسمين: الأول: علم الفقه، علم الفرائض، علم الشروط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 والسجلات، علم معرفة الساعات، علم معرفة قسم التركة، علم الموعظة، علم الأدعية والأوراد، علم الآثار. القسم الثاني: علم الاحتساب، علم كيفية تحصيل ما لا يفي، علم كيفية ترتيب العساكر، علم الملاحة، علم الآلات الحربية. النوع الثاني في الحكمة العملية: علم الأخلاق، علم تدبير المنزل، علم السياسة، وبها تم الكتاب فمجموع العلوم التي ذكر كما علمت 165. وقد وقع في تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان ج 3 ص 316 إن عدد علومه نحو 30، وكذا جاء، في ص 316 من الجزء الثاني انظره وكأنه اشتبه عليه كتاب طاشكبري، بكتاب ولده ففي كشف الظنون: بعد أن ذكر كتاب مفتاح العلوم، ثم ترجمه ولده المولى كمال الدين محمد المتوفي سنة 1032 بإلحاقات كثيرة في مجلد كبير؛ فبلغ فيه من العلوم خمسمائة فن ولم يعرج جرجي زيدان على الذيل المذكور في التاريخ المذكور، وهو عجيب منه. ولعل الأصل والفرع؛ كل منهما يعرف بمفتاح العلوم؛ فقد يشيرون إلى الأصل، ويريدون الفرع والعكس. ولذلك وجدت صاحب كشف الظنون في فصل تقسيم العلوم؛ ذكر أيضا برنامج علوم كتاب طاشكبري، فأوصلها إلى ثلاثمائة وخمسة علوم، فلعله عنى به الذيل المذكور، أو غير ذلك. وقد وقفت على الذيل المذكور بمراكش سنة 1331، فإذا جرمه ضعف النسخة التي عندي، وقد طبع في الهند قريبا. رأيت ذلك في بعض الإعلانات والله أعلم. وممن فرّق بين ما للوالد والإبن الشيخ حمزة فتح الله المصري في كتاب المواهب الفتحية في علوم اللغة العربية فإنه ذكر أن أحمد بن مصطفى الشهير بطاشكبري زاده له مفتاح السعادة الذي جمع فيه مائة وخمسين فنا، وزاده ابنه كمال الدين محمد المتوفي سنة 1032 حتى بلغ خمسمائة فن. انظر ص 22 من الجزء الأول وفيه أيضا: أحسن تقسيمات العلوم ما ذكره الإمام طاشكبري في مفتاح السعادة، وذكر أنه سرد من علوم النظر ثلاثمائة وخمسة، واعترض بأن في ذكره تكثيرا كذكره في فروع التفسير الأنواع المذكورة في إتقان السيوطي وأجيب بأن الإعتراض على المؤلفات سهل بالنسبة إلى تأليفها ووضعها وترصيفها، كما يشاهد في المباني الضخمة إذ يعترض على بانيها كل سخيف الفكر، لا يقدر أن يضع حجرا منها على حجر، ثم وجدت في ص 571 من كشف الظنون أن ابن طاشكبري المولى كمال الدين محمد؛ نقل مفتاح السعادة لوالده إلى التركية ببعض إلحاقات وتصرف في مجلد كبير، وإنه توفي سنة 1032 فانظره والله أعلم. وذكر أيضا أن المولى محمد أمين بن صدر الدين الشرواني المتوفي سنة 1036، جمع كتابا للسلطان أحمد العثماني أورد فيه 53 علما من أنواع العلوم العقلية والنقلية، وسماه الفوائد الخاقانية لأحمد خانية، ورتبه على ميمنة وميسرة، وساقة وقلب، على نحو ترتيب جيش السلطان، المقدمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 في ماهية العلم وتقسيمه، والقلب في العلوم الشرعية، والميمنة في العلوم الأدبية، والميسرة في العلوم العقلية، وأورد فيها ثلاثين علما، والساقة في علم آداب العلوم. وإنما اقتصر على ذلك العدد، ليكون موافقا لعدد اسم أحمد على حساب أبجد، ثم ألف بعد طاشكبري؛ الشيخ عبد القادر الطبري المكي كتابه: عيون المسائل من أعيان الرسائل، جمع فيه 40 علما، ولكن الموجود من نسخته المطبوعة أقل منها، ثم ألف بعد ذلك مصطفى حاجي خليفة المتوفي في سنة 1067 كتابه كشف الظنون في أسامي الكتب والفنون، واستوعب فيه الكلام، على الفنون التي ذكرها طاشكبري زاده، في المفتاح الكبير والصغير، وما ألف فيها وكتاب الكشف هذا في مجلدين وله ذيول طبعت معه ولكن الطابعين لم يميزوا بين الأصل والفرع، فأوقعوا المطالع والناقل في الإشتباه، وسبب ذلك جهل المصححين والطابعين، أو قل المطالعين. ثم ألف بعده أبو علي الحسن بن مسعود اليوسي المغربي المتوفي سنة 1101 القانون، وهو في مجلد وسط، ألفه في أحكام العلم، وأحكام العالم، وأحكام المتعلم، فهذه ثلاثة أبواب. وفي الفصل العاشر من الباب الأول: عرّف العلم وتكلم على تقسيم العلوم، فذكر أولا أنها تقسم على الجملة إلى قديمة وحديثة، وفلسفية، أو جلية أو إما قديمة أو إسلامية. قال: وهو اضبط، ثم ساق العلوم، فقسمها إلى ما رآه وهو تقسيمها إلى: فلسفية أو إسلامية، فبدأ بالفلسفيات، ثم الشرعيات، وهو كتاب مفيد جدا، فيه كثير من الأبحاث والفرائد. وألف أيضا عصريّه أبو زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي بلدا ولقبا المتوفي سنة 1096؛ كتابه الأقنوم في مبادي العلوم، وهو نظم رجزي، في نحو السبعة عشر ألف بيت. وفي ترجمة مؤلفه من نشر المثاني للقادري: أنه اشتمل على مائة وخمسين علما أو أزيد. وفي الصفوة للأفراني: اشتمل على أزيد من ثلاثمائة علم: ولكن ناظمه لم يكمله. وهذا بيان ما في نظم الأقنوم من الفنون، مع بيان عدد أبيات كل فن: علم العقائد 29 بيتا، علم التفسير 107، علم اصطلاح الحديث 49، علم أصول الفقه 52، علم فقه الفرائض 30، علم النحو 56، علم التصريف 44، علم الخط 26، علم المعاني 73، علم البيان 31، علم البديع 52، علم التشريح 36، علم الطب 124، علم التصوف 50، علم الكلام 62، علم القرآات 303، علم السير 196، علم الجدل، 118 علم عمل الفرايض 98، علم الجمل 46، علم الرسم 112، علم الضبط 45، علم العروض 78، علم القوافي 24، علم الأدب 245، علم الجراحات 116، علم العلاج 146، علم آداب الدين 151، علم المنطق 61، علم التجويد 132، علم الشمائل 89، علم الخلافيات 80، علم الفرائض بالكسور 36، علم صنعة الإعراب 94، علم اللغة 171، علم الكتابة 55، علم ميزان الشعر 91، علم أصول القوافي 77، علم الموسيقى 72، علم البيطرة 115، علم طب الحيوان 74، علم الأذكار النبوية 59، علم المكونات 174، علم الوقف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 والابتداء 120، علم الحديث 113، علم السفسطة 121، علم الحساب 118، علم أصول النحو 335، علم نظائر النحو 67، علم أسرار الرسم 155، علم كتابة الشعر 33، علم أصول اللغة 51، علم قانون اللغة 84، علم البيزرة 69، علم طب الطير 86، علم التربية بالإصطلاح 44، علم الفلسفة 121، علم آداب القراءة 11، علم التاريخ 178، علم الفقه 474، علم العدد 129، علم الجبر والمقابلة 170، علم التكسير 50، علم الإرتماطيقي 138، علم الهندسة 184، علم الجغرافيا 159، علم الاختلاج 80، علم الفراسة 79، علم السياسة 72، علم الرياسة 180، علم الإلهيات 151، علم العشر 87، علم الأحكام 445، علم القضاء 151، علم الفتيا 48، علم التعبير 88، علم الإسطرلاب 58، علم الربع المجيب 81، علم الصفيحة الزرقالية 69، علم الصفيحة الشكارية 63، علم الربع المقنطر 117، علم الاسطرلاب الجنوبي 32، علم السيميا 289، علم الحكمة 113، علم الهيميا «1» 170، علم الطبيعيات 190، علم العاديات 118، علم خط الرمل 240، علم الكتف 81، علم الأوفاق 84، علم الوثائق 47، علم فرض النفقات 480، علم البرهان 29، علم الحسبة 533، علم النظارة 70، علم نظر المواريث 64، علم الهيئة 344، علم الفلك 147، علم المجسطي 31، علم جومطريقا 24، علم الكلام العرفاني 142، علم أسرار الدين 104، علم الشهادة 172، علم النواميس 176، علم المناظر 56، علم الأنساب 361، علم المساحة 26، علم التوقيت 59، علم الأرصاد 43، علم التعديل 54، علم أحكام النجوم 62، علم أنساب الشرفاء 65، علم العشر 18، علم الجمع الكبير 17، علم جمع الجمع 19، علم السبع الصغير 16، علم أصول الدين 26، علم العقائد الحاتمية 32، علم الأصول الوسطى 37، علم الهيئة الحاتمية 5، علم المولدات 78، علم الدول 20، علم عروض المولدين 18، علم التوقيت المأثور 44، علم الرواية 27، علم الطب النبوي 39، علم الفقه الشافعي 527، علم الفقه 264، علم الفقه الحنبلي 426، علم الهيئة السنية 16، علم النجوم 17، علم الطلسمات 19، علم الغراسة 16، علم الأسماء 190، علم الأزياج 15، علم الفلاحة 14، علم فلاحة النحل 15، علم فلاحة الدجاج 16، علم فلاحة الحمام 15، علم فلاحة الأوز والبرك 140، علم الحروف 16، علم الديميا 15، علم الكهانة 29، علم ميزان الماء 16، علم الأمثال 17، علم القيافة 15، علم الإشارة 16، علم أسرار الخليقة 18، علم تشريح الطير 7، علم تشريح الدواب 20، علم فراسة الحيوان 15، علم أحكام الأهلّة 21، علم آل دشمان «2» 20، علم المسامتات 7، علم طب النبات 17، علم أسرار الحروف 33، علم الاستخدامات 38، علم الطب بالألحان 8، علم مساحة الأرض 15، علم إعراب المعجم   (1) كذا في الأصل ولعل المقصود بها: الكيمياء. مصححه. (2) دشمان لها بالفارسية معنى هو: العدو. ويحتمل: آل عثمان. مصححه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 8، علم حساب التحت والميل 21، علم عقود الأبنية 1، علم المطابقة 10، علم الموازنات 9، علم المعاملات السكية 22، علم المعاملات الطبية 17، علم المخارجات 17، علم أسرار العدد 16، علم الاقتباسات 6، علم السياسة العقلية 4، علم تدبير الطبيعة 38، علم أرض الحقيقة 1، علم الرياضة 1، علم صور المعاني 1، علم اختلاف الصور 1، علم أسرار الطبيعة 1، علم التاريخ النجومي 6، علم الاستعدادات 37، علم الزجر 18، علم التفاؤل 17، علم الوفيات 8، علم المناسبات 15، علم البنكمات 1، علم السيرة النجومية 1، علم الماديات 1، علم هيئة الأرض 1، علم التدريس 8، علم الفراسة الروحانية 4، علم التأليف 6، علم هندسة الأشجار 18، علم التواريخ القرآنية 19، علم هندسة المخروطات 1، علم التشكيك 1، علم الطواعية 5، علم التفاوت 1، علم السياسة الشرعية 5، علم إعمار العقاقير 74، علم إبدال العقاقير 79، علم قوى العقاقير 11، علم الأقرباذين 14، علم الشعوذة 14، علم نوريك 17، علم الشطارة 178، علم الشمعنة 15، علم النجامة 39، علم أصول الطب 17، علم المساحة بالإسطرلاب 16، علم التعبير من الفلك 13، علم المساحة بالربع 15، علم الطب من الحروف 18، علم المساحة الفلكية 17، علم الهيئة التوقيتية 23، علم استنباط المياه 27 علم الضروريات 17، علم الاستحضار 20، علم المساحة بالخطابين 7، علم المساحة بالجبر 7، علم الطب بالخيل 17، علم الهيئة الريحية 4، علم حساب الجملة 20، علم حساب التعديل 19، علم الاستنزالات 38، علم الجليان 18، علم حساب العام 53، علم الروحانيات 32، علم الامتزاجات 20، علم الاختبارات 18، علم حساب الخطأين 8، علم الجدول 18، علم حساب الربع 16، علم العرافة 18، علم الاختبارات السنية 7، علم المناظرة 36، علم تضاد النبات 1، علم الخط المنصف 1، علم طب الخط 10، علم الخط المجرور 1، علم التقويمات 17، علم الاختيارات الطبية 43، علم الطب النجومي 17، علم وضع الإسطرلاب 14، علم تخطيط الرخام 14، علم الإطريمونا 16، علم فلاحة الدواب 18، علم الخنقرطات 18، علم يداقبا 18، علم الزيرجة 19، علم السرجعة 17، علم السحر 19، مراكز الأثقال 1، علم المرايا المحرقة 1، علم جر الأثقال 1، علم المجسطي الحاتمية 1، علم الزجر 38، علم ميزان الملحون 8، علم الوجهتين 1، علم الإرتباطات 1، علم تدبير المنزل 1، علم الأخبار 56، علم أخبار المكاشفة 10، علم رسم الرخام 20، علم المرائي 71، علم الفروسية 19، علم تزبير الأشجار 18، علم الزراعة 19، علم وضع الجدول 17، علم التداخل 1، علم أنولوطيقا 1، علم طوريقا 1، علم الفراسة النبوية 1، علم حيل الشريعة 1، علم فراسة المسكي 1، علم المتقابلات 1، علم الاختيارات التجربية 18، علم التوسم 8، علم الأخلاق 11، علم الرقي 1، علم المخمس الخالي 27، فجميع ما فيه 278 فنا عدد أبياتها بعد ضم 62 بيتا في الخطبة 17383 بيتا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 كما ألف العلامة الشيخ علي الموصلي: طوالع النجوم في مفاخرة العلوم، ضمنه المفاضلة بين ثلاثة وسبعين علما من العلوم. ثم جاء بعدهم فاضي فاس، الشيخ الطالب بن حمدون بن الحاج المتوفي سنة 1274 فألف كتابه الأزهار الطيبة النشر، فيما يتعلق ببعض العلوم من المبادي العشر، وهو مفيد جدا وقد طبع بفاس، وألف بعده نادرة علماء مصر الشيخ عبد الهادي الأبياري المتوفي سنة 1306، كتابه سعود المطالع وشرحه في مجلدين مطبوعين بمصر، جمع فيه نحو الأربعين علما وهو مفيد جدا توسع فيه ما شاء، وأفاض وأطاب. ثم دائرة المعارف لمحمد فريد وجدي المصري وهي في عدة مجلدات طبعت مرارا وكتابه كنز العلوم واللغة أيضا وهما من أفيد ما ألف في عصرنا هذا، مما يناسب روح العصر، وتقريب الأقصى، بلفظ موجز مع حسن الترتيب والتبويب والتقسيم والتسهيل جزاهم الله خيرا آمين. باب في أن السنة بنت القرآن وأن الحديث الصحيح يتطلب لفظه أو بعضه أو معناه في القرآن قال سعيد بن جبير: ما بلغني حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وجدت مصداقه في كتاب الله، وقال ابن مسعود: إذا حدثتكم بحديث أنبأتكم بتصديقه من كتاب الله، أخرجها ابن أبي حاتم وقال ابن برهان: ما قال النبي صلى الله عليه وسلم من شيء إلا وهو في القرآن، أو فيه أصله، قرب أو بعد، فهمه من فهمه، وعمي عنه من عمي. وكذا كل ما حكم به أو قضى به، وإنما يدرك الطالب من ذلك بمقدار اجتهاده، وبذل وسعه ومقدار فهمه. وفي أزهار الرياض لأبي العباس المقري، ناقلا عن خط أبي زيد عبد الرحمن بن القصير الغرناطي، على هامش الشفا، لشيخه عياض على قوله فيها: هو أي القرآن الفصل ليس بالهزل، قال عبد الرحمن: قال بعض من أدركنا من أهل العلم المتبحرين في العلوم: الحديث الصحيح اطلبوا لفظه أو بعض لفظه أو معناه في القرآن، تجدوه، هذا من ذلك القبيل اهـ. وذكر الإمام ابن مرزوق عن بعض شيوخه أنه كان كثيرا ما يشرح مضمون الأحاديث من الآيات. وقال رحمه الله، حين ذكر: الصبر عند الصدمة الأولى «1» . الحديث أن نظيره من القرآن قوله تعالى: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ [البقرة: 176] اهـ كلام ابن مرزوق بمعناه. قلت: قد سلك هذه الطريقة من خيار عصرنا، الفقيه الصالح البركة العلامة العارف الصوفي، سيدي عبد الرحمن الفاسي حفظه الله، ذكر عنده حديث فاطمة في طلب الخادم من   (1) رواه البخاري في كتاب الجنائز باب 43 ص 84/ 2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 النبي صلى الله عليه وسلم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لها ولعلي: فذاك خير لكما من خادم، قال حفظه الله مصداق ذلك قوله تعالى: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً [الكهف: 46] الآية اهـ. وفي نفحة المسك الداري، لجد جدنا من قبل الأم أبي الفيض حمدون بن الحاج على قوله في نظمه لمقدمة ابن حجر: كأن كتاب الله منسوج سندس ... ولفظ رسول الله طرز معلّم كأن كتاب الله من قوم عسجد ... ولفظ رسول الله غنج متمم «1» فكتب على شرحها بقلمه عن نفسه؛ أنه كان يدرس الصحيح، ويبين في كل باب أصله من الكتاب. وفي رياض الورد لولده خاتمة المحققين المطلعين بفاس، أبي عبد الله محمد، الطالب بن حمدون بن الحاج، الذي ألفه في ترجمة والده المذكور؛ أنه كان كثيرا ما يشرح مضمون أحاديث الصحيح من الآية، ويبين في كل ترجمة أصلها من الكتاب. قال: وهذه طريقة أهل العلم المتبحرين في العلوم اهـ منه. وقد سبق عن السيوطي أن ابن برهان وهو الإمام العارف أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن بن برجان المعروف بأبي الرجال، دفين مراكش بعد الثلاثين وخمسمائة، أفرد كتابا فيما تضمنه القرآن من معاضدة الأحاديث. قلت: وهذا الكتاب لابن برجان خاص بأحاديث صحيح مسلم وقفت على تسميته في ذيل على صلة ابن بشكوال عندي، بخط اندلسي لم أقف على اسم مؤلفه، وهذا سياقه في ترجمة ابن برجان، وألف كتاب الإرشاد، قصد به استخراج أحاديث صحيح مسلم بن الحجاج، من كتاب الله تعالى، فتارة يريك الحديث من نص آية، وتارة من فحواها، وتارة من إشارتها، ومن مجموع آيتين متوافقتين أو مفترقتين، ومن عدة آيات إلى أشباه هذه الماخذ، حتى وفي كتابه بالمقصد المذكور، بما عليه احتوى، وأراك عيان قوله تعالى: في نبيه صلى الله عليه وسلم: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى [النجم: 3] اهـ منه وهذا الكتاب من أنفس ما ألفه المسلمون وأغربه، وهو يلي كتاب الخزاعي عندي في الأهمية ولو ظفرت به لسموت. باب مقدار الأحاديث الواردة عنه صلى الله عليه وسلم لا يخفى أن الإحصاء لها غير ممكن، ضرورة أن عدد الصحابة لم يحص إلا على وجه التقريب، لأن الناس في القرن الأول لم يعتنوا كلّ الإعتناء بالتدوين، كيف وفي الصحيح أن كعب بن مالك قال في قصة تخلفه عن تبوك، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير، لا يجمعهم كتاب حافظ يعني ديوان، وفي الفية العراقي:   (1) هكذا ورد البيت في الأصل، والمعنى غير واضح فلعل فيه تصحيفا. مصححه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 والعد لا يحصرهم فقد ظهر ... سبعون ألفا بتبوك وحضر أربعون ألفا وقبض ... عن دين مع أربع آلاف تنض ومع ذلك لم يبلغ مجموع ما في تصانيف من صنف عشرة آلاف، وسبب ذلك أن الناس في القرون الأولى، لم يعتنوا بالتدوين في عددهم وضبطهم، ولكن بعلمك مقدار ما كان الأئمة يحفظونه تعلم مقدار السنة على وجه التقريب، ففي شرح بديعية البيان للحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي: أول محفوظ المحدثين من المتقدمين، كما قال أبو بكر عبد الله بن أبي شيبة: من لم يكتب عشرين ألف حديث إملاء لم يعد صاحب حديث اهـ. وفي القوت للإمام أبي طالب المكي قيل للإمام أحمد بن حنبل: إذا كتب الرجل مائة ألف حديث له أن يفتي؟ قال: لا. قيل فمائتي ألف حديث؟ قال: لا. قيل فثلاثمائة ألف حديث؟ قال: أرجو اهـ انظر اهـ 147 من ج 1. وفي ثمار مشتهى العقول في منتهى النقول، للأسيوطي كان أبو زرعة يحفظ ألف ألف حديث، والبخاري حفظ عشرها مائة ألف حديث، والكل من بعض محفوظ الإمام أحمد بن حنبل اهـ. وقال عبد الوهاب الوراق؛ كما في غذاء الألباب: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل. قالوا: وأي شيء بان لك من فضله وعلمه، على سائر من رأيت؟ قال: رجل سئل عن ستين ألف مسألة. فأجاب فيها بأن قال: حدثنا وأخبرنا، وروينا، وإلى هذا أشار الإمام الصرصري في لاميته بقوله: حوى الف ألف من أحاديث أسندت ... وأثبتها حفظا بقلب موصّل أجاب على ستين ألف قضية ... بأخبرنا لا من صحائف نقل قال السفاريني في ص 359 من ج 2 وهذه لا يعلم أحد من أيمة الدنيا فعلها ونقل في ص 369 من ج 2 عن صيد الخاطر لابن الجوزي؛ أن الإمام أحمد دار الدنيا مرتين حتى جمع المسند اهـ وذكر في محل آخر؛ أن مسنده ثلاثون ألف حديث غير المكرر، والتفسير مائة وعشرون ألفا. وذكر في محل آخر أنه ذكر غير واحد من الحفاظ منهم ابن حجر العسقلاني أنه لم يحط أحد بسنة المصطفى عليه السلام غير الأمام أحمد بن حنبل. قال السفاريني: وهذه منقبة امتاز بها عن سائر هذه الأمة، وعمن مضى، وعمن بقي من الأيمة اهـ من ص 258 من ج 1 من شرح منظومة الآداب قلت: وانظره مع ما نصّوا عليه؛ من أن الحاكم الذي هو لقب المحيط بالسنة، لم يوجد ولا يوجد. وانظر أبن نص على ذلك الحافظ فهو في عهدته ولكن الناقل أمين، وفي كشف الظنون لدى كلامه على جمع الجوامع: لا مجال إلى دعوى الإحاطة والاستيعاب، لتعذر الوصول إلى جميع الروايات والمسموعات اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 وقد قال الحافظ الأسيوطي أول تدريب الراوي له ص 8: ومما روي في قدر حفظ الحفاظ قال أحمد بن حنبل: انتقيت المسند من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث. وقال أبو زرعة الرازي: كان أحمد يحفظ ألف ألف حديث قيل له وما يدريك؟ قال: ذاكرته، فأخذت عليه الأبواب وقال يحيى بن معين: كتبت بيدي ألف ألف حديث. وقال البخاري: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح. وقال مسلم: صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته كتاب السنن. وقال الحاكم في المدخل: كان الواحد من الحفاظ يحفظ خمسمائة ألف حديث. سمعت أبا جعفر الرازي يقول: سمعت أبا عبد الله بن وارة يقول: كنت عند إسحاق بن إبراهيم بنيسابور، فقال رجل من أهل العراق: سمعت أحمد بن حنبل يقول: صح من الحديث سبعمائة ألف. وهذا الفتى يعني أبا زرعة قد حفظ سبعمائة. قال البيهقي: أراد ما صح من الأحاديث وأقاويل الصحابة والتابعين اهـ. قلت: رحم الله الحافظ البيهقي فقد أزال عن القلب غمة، ورفع عن الدين أكبر وصمة بهذه الإفادة التي شرح فيها هذه المقالة، فإن كثيرا من المتفقهين الآن يقولون: مع تكفل الله بالدين، أين هذا المقدار من السنة الآن؟ فهل لم يدون؟ فبيّن البيهقي أن مرادهم بهذه الأعداد العظيمة ما يشمل السنة وآثار الصحابة والتابعين، أو أنهم كانوا يريدون طرق الحديث المتنوعة، فيجعلون كل طريق حديثا، وكل حديث له طرق وروايات، فمرادهم بهذا العدد العديد طرق الحديث الواحد العديدة، ورواياته المتنوعة، وقد يكون الحديث واحدا ولكن باعتبار طرقه، واختلاف الفاظه وتعدد من رواه؛ يعدّ الحديث الواحد بالمائة؛ لأنهم كانوا يقولون: لو لم نكتب الحديث من عشرين وجها ما عرفناه. وفي صدي الخواطر للحافظ ابن الجوزي في فصل 175: جرى بيني وبين أصحاب الحديث كلام في قول الإمام أحمد: صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعمائة ألف حديث، فقلت له: إنما يعني به الطرق. فقال: لا المتون. فقلت: هذا بعيد التصور، ثم رأيت لأبي عبد الله الحاكم في كتاب المدخل إلى كتاب الإكليل كلاما فعجبت كيف خفي هذا على الحاكم، وهو يعلم أن أجمع المسانيد الظاهرة مسند أحمد وقد طاف الدنيا مرتين حتى حصله، وهو أربعون ألف حديث منها: عشرة آلالف مكررة قال أحمد: جمعته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث. أفترى يخفى على متيقظ أنه أراد غير الطرق؟ فإن السبعمائة ألف إن كانت كلام النبي صلى الله عليه وسلم فكيف ضاعت ولم أهملت؟ وقد وصلت كلها إلى زمن أحمد، فانتقى منها ورمى الباقي، وأصحاب الحديث قد كتبوا كل شيء من الموضوع والكذب، ولا يحسن أن يقال: إن الصحابة الذين رووها ماتوا، ولم يحدثوا بها التابعين. فإن الأمر قد وصل إلى أحمد وما كان الأمر ليذهب هكذا عاجلا. ومعلوم أنه لو جمع الصحيح والمحال الموضوع وكل منقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 بلغ خمسين ألفا فأين الباقي؟ ولا يجوز أن يقال: تلك الأحاديث كلام التابعين فإن الفقهاء نقلوا مذاهب القوم ودوّنوها وأخذوا بها، ولا وجه لتركها ففهم كل ذي لب أي الإشارة إلى الطرق وما توهمه الحاكم فاسد، ولو عرض هذا عليه وقيل له: فأين الباقي؟ لم يكن له جواب. لكن الفهم عزيز اهـ كلام ابن الجوزي باختصار. ولما نقل الإمام أبو الحسن السندي المدني في حواشيه، على مسند أحمد عن الطيبي في شرح المشكاة أن أحمد قال: صح من الأحاديث سبعمائة ألف وكسر، عقّبه بقوله: والمراد بهذه الأعداد الطرق لا المتون اهـ وأصله للسيد الجرجاني كما نقله عنه صاحب الحطة ص 26. وفي كشف الظنون بعد ذكره بعض هذه الأعداد: هي ليست على الحقيقة وإنما المراد منها معنى الكثرة فقط اهـ. وقال المقبلي اليمنى في العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ، ص 392 في ترجمة السيوطي «أنه قال: إنه يحفظ مائتي ألف حديث، ثم قال: ولا أظنه يوجد اليوم أكثر من هذا، فينتج مع ما مضى أن أحاديثه مائتا ألف، ولا يستشكل بما ذكره جماعة عن جماعة من المحدثين: أنه يحفظ ستمائة ألف حديث ونحو ذلك؛ لأن المحدثين على تسمية الحديث الواحد بحسب الصحابي، فقد يكون الواحد في كتاب السيوطي أربعة أو عشرة أو ستين حديثا باعتبارهم، وكذلك الموقوف عندهم. فليتنبه لما ذكرنا لئلا يتوهّم الناظر اهـ. ولما عرّف المناوي أول شرحه على الشمائل الحافظ في اصطلاح المحدثين قال: هو من حفظ مائة ألف حديث متنا وإسنادا. ولو بتعدد الطرق والأسانيد اهـ. وبهذا تفهم مجمل محفوظ السلف وقياسه بالموجود الآن، والمدون أو يكون مرادهم بذلك العدد الكثير المروي، سواء صح أو لا، فإنه قد كذب الكثير عليه عليه السلام في حياته وبعد موته، أو ما صحبه عمل، ومالا. وفي رحلة أبي عبد الله محمد بن عبد السلام الناصري الدرعي الكبرى: أحمد بن حنبل حافظ الدنيا على الإطلاق، يشهد لذلك مسنده، وقد سئل كم عدد المروي من الأحاديث؟ فقال: اثنا عشر مائة ألف حديث فيما بين صحيح وسقيم، فقيل: من يحفظها؟ فقال: أنا وهذا الفتى لأبي زرعة الرازي يحفظ الثلثين اهـ ولما نقله الفقيه الواعظ النحوي سليل المحدثين أبو محمد عبد القادر بن أبي القاسم العراقي، فيما وجدته بخطه على أول نسخة بخط أحد سلفه عندي، من مسند الإمام أحمد قال: وإلى كون أبي زرعة الرازي يحفظ ثمانمائة ألف حديث إذ ذك، ثلثا ما كان يحفظ أحمد بن حنبل أشار صاحبنا الحوضي بقوله: للرازي جاء مائة ألف ألفا ... وعشر أحمد الإمام تلفى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 أو ألف ألف لابن خلكان ... ربّ ارحم الأيمة الأركان لكن اقتصر على أن أحمد كان يحفظ مائة ألف حديث، وأفاد يعني الحوضي في شرح نظمه أن مسنده فيه أربعون ألف حديث، ولم يلتزم الصحة فيه وإنما أخرج فيه من لم يجتمع الناس على تركه، وليس كل ما فيه صحيحا خلافا لمن زعمه اهـ وفي حواشي الإمام أبي الحسن السندي على مسند أحمد نقلا عن ابن عساكر في عدد أحاديثه أنها تبلغ ثلاثين ألفا سوى المعاد، وغير ما ألحق به ابنه عبد الله، ثم نقل عن أحمد قال أنه قال فيه: هذا الكتاب جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه، فإن وجدتموه فيه وإلا فليس بحجة اهـ. وفي الحطة لصديق حسن الهندي؛ قال أبو المكارم علي بن شهاب الصديقي: الظاهر أن هذا القول موضوع على الإمام أحمد، لأن في الكتاب الصحيح من الأحاديث ما لم يوجد في المسند مع الإجماع على حجّتيها اهـ وفيه أن الصحيح عند قوم غير محتج به عند آخرين لاختلاف الاجتهاد والمدارك، وقد وقفت على بعض التقاييد المنقولة من إملاء حافط فاس والمغرب أبي العلاء العراقي الحسيني، أن أحمد بن حنبل قال: جملة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: اثنا عشر مائة ألف، وهذا الرجل وأشار إلى أبي زرعة الرازي يحفظ منها ثمانمائة ألف، والباقي متكلم فيه. قال المناوي عن البيضاوي: وليس كل ما نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق، أو الاستدلال به جائز، فإنه روي عن أحمد وشعبة والبخاري ومسلم أن نصف الحديث كذب اهـ. والوضاعون للحديث هم نيف وثلاثمائة ووجدوا لخمسة منهم من الحديث الموضوع خمسة وثلاثون ألفا اهـ. وقد أنشد محدث فاس أبو عبد الله محمد بن قاسم القصار لغيره في عدد الأحاديث الموضوعة التي أخبر بها حماد بن زيد: وقال حماد بن الورع ... جملة ما من الأحاديث وضع على نبينا الكريم اثني عشر ... ألف حديث كلها لا تعتبر وقال الحافظ العراقي: روى العقيلي بسنده إلى حماد بن زيد قال: وضع الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث. قلت: على أن الإمام فخر المغرب القاضي أبا بكر ابن العربي المعافري قال: ما ضمن الله الحفظ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ضمن القرآن؛ على اختلاف أيضا بين العلماء في تأويل قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9] اهـ من كتاب القواصم والعواصم له بلفظه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 باب هل تصدى أحد من المتأخرين إلى جمع جميع السنة قال الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي طالعة [في مقدمة] كتابه الجامع الصغير المشتمل على عشرة آلاف وتسعمائة وأربعة وثلاثين حديثا: هذا كتاب أودعت فيه من الكلم النبوية ألوفا، ومن الحكم المصطفوية صنوفا، اقتصرت فيه على الأحاديث الوجيزة، ولخصت فيه من معادن الأثر إبريزه، وبالغت في تحرير التخريج، وصنته عما تفرد به كذاب أو وضاع، ففاق بذلك الكتب المؤلفة في هذا النوع، كالفائق والشهاب وحوى من نفائس الصناعة الحديثية، ما لم يودع قبله في كتاب، وسميته الجامع الصغير لأنه مقتضب من الكتاب الكبير، الذي سميته بجمع الجامع، وقصدت فيه جمع الأحاديث النبوية بأسرها اهـ. قال المناوي في شرحه الكبير على قوله بأسرها: أي لجميعها، وهذا بحسب ما اطلع عليه المؤلف لا باعتبار ما في نفس الأمر، لتعذر الإحاطة بها وإنافتها على ما جمعه الجامع المذكور لو تم، وقد اخترمته المنية قبل إكماله اهـ. قلت: وكتاب جمع الجوامع المذكور؛ كتاب عظيم الشأن، ولم يؤلف في الملة مثله، اشتمل على نحو ثمان مجلدات ضخمة، سبر ألفاظ النبوة سبرا ويسر للناس الوقوف على كلام نبيهم الكريم، وعرفهم بمخرجيها، ومظان أسانيدها، ورواتها، فمنته على جميع من تأخر بعده من المسلمين عظيمة، وشكره والاعتراف له بذلك من خلوص الإيمان. وقد قال العالم النظار الشيخ صالح المقبلي اليمنى في العلم الشامخ. ما زال الله يكرم كل متأخر بفضيلة يتضح نفعها في الدين، ويرتفق بها من وفق من المهتدين، وكنت أتمنى وأستغرب أنه لم يتصد لجمع الحديث النبوي على هذا الوجه المغرب أحد، وأقول لعلها كرامة ادخرها الله لبعض المتأخرين، وإذا الله أكرم بذلك وأهل له من لم يكد ير مثله في مثل ذلك الإمام السيوطي في كتابه المسمى بالجامع الكبير، صرح بهذا المقصد في أوله وفي أول الجامع الصغير اهـ منه ص 392. وقال الإمام ابن الهندي طالعة كنزه: أنه وقف على كثير مما دونه الأئمة من كتب الحديث، فلم ير فيها أكبر جمعا منه بين أصول السنة، وأجاد مع كثرة الجدوى وحسن الألفاظ اهـ. قلت: وهذا سياق خطبة جمع الجوامع المذكور: هذا كتاب شريف حافل، ولباب منيف رافل، بجمع الأحاديث النبوية الشريفة كافل، قصدت فيه إلى استيعاب الأحاديث النبوية، وأرصدته مفتاحا لأبواب المسانيد العلية، وقسمته قسمين: الأول أسوق فيه لفظ المصطفى بنصه، وأطوق كل خاتم منه بفصه، وأتبع متن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 الحديث بذكر من خرّجه من الأئمة أصحاب الكتب المعتبرة ومن رواه من الصحابة من واحد إلى عشرة، أو أكثر من عشرة، سالكا طريقة يعرف منها: صحة الحديث، وحسنه، وضعفه. الثاني الأحاديث الفعلية المحضة أو المشتملة على قول أو فعل أو سبب أو مراجعة أو نحو ذلك مرتبا على مسانيد الصحابة، وسميته جمع الجوامع اهـ مختصرا. وفي التحفة القادرية للفقيه المؤرخ الجمّاع أبي محمد عبد السلام بن الخياط القادري الفاسي أن شيخ الإسلام بالمغرب أبا عبد الله القصار كان يقول في حقه: ما جمع أحد كجمعه فيه مع حسن الترتيب والتبويب اهـ. وفي محل آخر منها: ما جمع أحد كجمعه في هذا المصنف، ولا تفحص كتفحصه فيه، وقد أورد عدة من حفاظ المحدثين متون أحاديث مرسلة، ومعلقة من غير ذكر إسناد لها، فلما جاء السيوطي خرّجها بإسانيدها من طرق أخرى ومتابعات، وأوردها وبين الحكم في مراتبها اهـ. وعدد الأحاديث الموجودة في الجامع الكبير على ما في صدر الدرر اللوامع، على أحاديث جمع الجوامع، للحافظ أبي العلاء العراقي مائة ألف حديث اهـ. ووجدت طرة على هامش رسالة للسيوطي في عدد مؤلفاته بخط بعض المشارقة على اسم جمع الجوامع هذا فيها ما نصه: مات رحمه الله ولم يتمه، جمع فيه مائة ألف حديث، مع الحكم على كل حديث منها. وكان في غرضه أن يجمع فيه جميع الأحاديث النبوية بأسرها، فاخترمته المنية قبل ذلك اهـ. ووجدت في بعض مجامعي منقولا عن بعض تلاميذ السيوطي ما نصه: عدد أحاديث الجامع الكبير ثمانون ألف حديث، وعددها في الدر المنثور له فيها ثلاثة وثلاثون ألفا اهـ. وقرأت في ثبت العلامة المسند المكثر أبي العباس أحمد بن قاسم بن محمد ساسي البوني التميمي حين ذكر السيوطي ما نصه: الذي حفظ ثلاثمائة ألف حديث قال: ولو وجدت أكثر لحفظته، وكان مراده أن يجمعها كلها في كتاب واحد، فجمع ثمانين ألف حديث في جامعه الكبير ومات، فلم يرد الله بجمع الأحاديث كلها في كتاب واحد اهـ منه. وقد وقع في أول نسختنا من الجامع الكبير تسمية الكتب التي أنهى السيوطي مطالعتها حال جمعه للجامع قال: خشيت أن تهجم المنية قبل تمامه على الوجه الذي قصدته فيقيض الله من يذيل عليه فإذا عرف ما أنهيت مطالعته استغنى عن مراجعته ونظر ما سواه من الكتب فسمى ثمانين مصنفا. ثم عقد فصلا آخر لبيان كتب وقع ذكرها في الجامع، ولم تذكر في هذه الترجمة، فسمّى ستا وسبعين مصنفا ولا أستحضر الآن أحدا اعتنى بالتذييل على جمع الجوامع من أهل المشرق والمغرب، لتراجع الأمة الإسلامية وتأخرها في القوة والعلم إلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 ما كان من مفخرة فاس أبي العلاء العراقي الحسيني الفاسي المتوفي سنة 1183، فإنه اهتم بالجامع المذكور اهتماما عظيما، فألف في التعريف بالرجال المخرج لهم في الجامع الكبير، وهو عندي في مبيضته وألف أيضا الدرر اللوامع في الكلام على أحاديث جمع الجوامع لم يتممه، وعندي بعضه بخطه أيضا. واهتم بالتذييل عليه كما ذكر ذلك شيخ شيوخنا العلامة أبو محمد الوليد بن العربي العراقي في ترجمته من الدر النفيس، والقاضي ابن الحاج في الأشراف لما ترجماه، ولم يذكرا عدد المزيد ولا كيفيته ووقع في ترجمة الحافظ المذكور من سلوة الأنفاس أنه استدرك أحاديث كثيرة على الجامع الكبير للسيوطي تنيف على الخمسة آلاف اهـ. وأهمل صاحب السلوة «1» ذكر الذيل المذكور في رسالته المستطرفة، وكأنه بناه على ما كنت شافهته به، من أن الذيل المذكور لم يدونه العراقي ويفرده، إنما ألحق الحاقات بهامش نسخته. ثم وجدت خاتمة الحفاظ بالمشرق الشيخ مرتضى الزبيدي المصري ترجم في معجمه لأبي العلاء العراقي المذكور قائلا بعد أن وصفه بحافظ العصر: حكى لي صاحبنا محمد بن عبد السلام بن ناصر، وهو أحد طلبته الملازمين له من رسوخه في الفن، وحسن ضبطه وحفظه ما يقضي به العجب، ولما أقرأ الجامع الكبير للحافظ السيوطي استدرك عليه نحو عشرة آلاف حديث، كان يقيدها في طرة نسخته بحيث لو نقل ذلك في كتاب لجاء مجلدا اهـ وابن عبد السلام الناصري أعرف الناس بأبي العلاء العراقي، لأنه أخذ عنه وعرف حاله فوصفه ووصف مصنفاته وصف السابرين. ثم وقفت على كناشة ابن عبد السلام الناصري المذكور، المتضمنة لاجازته من مشائخه بخطوطهم، عقب استدعائه منهم فمنه استدعاؤه الإجازة من شيخه الحافظ العراقي المذكور وإجازته له عقبه بخطه فإذا فيه: واصفا ومحليا لشيخه العراقي بما نصه: ادعى صاحب جمع الجوامع أنه جمع الحديث كله، ثم استدرك عليه الشيخ المذكور أحاديث جمة فها هي مفرقة على هوامش أصله تبلغ عشرة آلاف من حفظه اهـ كلام ابن عبد السلام الناصري في استدعائه. وكان فيه بخطه استطرد فأصلحها شيخه العراقي بخطه استدرك، وأثر الاستدعاء المشتمل على ما ذكره وغيره إجازة شيخه العراقي بخطه ولعلها آخر ما كتب وقد اعتنى الشيخ علي المتقي المعروف بابن الهندي المكي بترتيب جمع الجوامع، والجامع الصغير على الأبواب الفقهية في عدة كتب: أكبرها كنز العمال، وقد اشتمل على خمسة وأربعين ألفا، وتسعمائة وتسعة وخمسين على عدّ مصححه، مع أن ابن الهندي يقول في صدره فمن ظفر بهذا التأليف فقد ظفر بجمع الجوامع مبويا مع أحاديث كثيرة ليست في   (1) هو ابن خال المؤلف الحافظ السيد محمد بن جعفر الكتاني رحمه الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 جمع الجوامع؛ لأن المؤلف رحمه الله زاد في الجامع الصغير وذيّله أحاديث لم تكن في جمع الجوامع اهـ. ومن علم أن جمع الجوامع اشتمل علي ثمانين ألف حديث أو أكثر كما سبق وأن ابن الهندي غاية ما في كنزه نحو ستة وأربعين ألفا يظهر له إما أن جمع الجوامع الموجود بين أيدينا لم يشتمل على المقدار المذكور بل على قدر نصفه، أو أن ابن الهندي حذف منه المكرر ونحوه، وهذا أقرب على أن من تتبعه وجد فيه التكرار الكثير زيادة على كون الفائدة منه قليلة، ولعله زاد الأصل إغماضا وإيهاما، بحيث ربما تتيسر المراجعة في أصله ولا تسهل فيه، ولهذا الكنز مختصر اسمه منتخب كنز العمال وهو مطبوع بهامش مسند أحمد بمصر، وقد اشتمل المنتخب المذكور على نحو اثنين وثلاثين ألفا حديث، خالية عن التكرار، كما نقل عن العلامة الشمس الشوبري المصري. تنبيه: إسم الجامع الكبير جمع الجوامع، كما سبق لنا خطبته، وفي أول الدرر اللوامع لأبي العلاء العراقي أنه جمع الجوامع، ومعروف عند العامة بالجامع الكبير، وكتب بهامش الدرر بخطه أيضا: انظر هذا، وإنما هذه التسمية لابن حجر، وأما السيوطي فسماه جمع الجوامع اهـ. وكأنه اشتهر بذلك فرقا بينه وبين الجامع الصغير، والله أعلم. والجامع الكبير الذي ذكر لابن حجر هو؛ الجامع الكبير في سنن البشير النذير نسبه له ضمن مصنفاته المناوي، في: شرح توضيح النخبة المسمى باليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر، ولم يذكره صاحب كشف الظنون، وكان على أبي العلاء العراقي أن يقول: إنما هذه التسمية أصلية للبخاري؛ ففي كشف الظنون: الجامع الكبير في الحديث للبخاري؛ ذكره ابن طاهر اهـ. تنبيه آخر: تقدم عن فهرس الشيخ أبي العباس البوني، أن الحافظ السيوطي بلغ محفوظه من الأحاديث ثلاثمائة ألف حديث، والذي سبق عنه بواسطة العلم الشامخ دون هذا. ووجدت بخط العلامة النحرير أبي عبد الله محمد بن عبد القادر الفاسي ناقلا له عن طبقات الشعراني الوسطى هو ما نصه: قال أي السيوطي: كان الحافظ ابن حجر يحفظ ما يزيد على مائتي ألف حديث. وكان الشيخ عثمان الديمي يحفظ عشرين ألف حديث، قال وأنا أحفظ مائتي ألف حديث، ولو وجدت أكثر لحفظته، ولعله لا يوجد على وجه الأرض أكثر من ذلك. قال الشعراني: وكان السيوطي أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه، حافظا متقنا، ويعرف غريب ألفاظه واستنباط الأحكام منه، وقد بيّض ابن حجر لعدة أحاديث، لم يعرف من خرّجها ولا مرتبتها، فخرجها الشيخ وبين مرتبتها من حسن وضعف وغير ذلك اهـ. تنبيه ثالث: لا أعلم في الإسلام من اهتم بجمع الأحاديث فوصل جمعه إلى العدد الذي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 بلغه السيوطي، إلا ما رأيته في كشف الظنون، المطبوع بالاستانة ص 1185 من الجزء الأول؛ ففيه بحر الأسانيد للإمام الحافظ الحسن بن أحمد بن محمد السمرقندي المتوفى سنة 491 قال: وهو كتاب جمع فيه مائة ألف حديث، ورتبه وهذبه ولم يقع في الإسلام مثله. وذكره الذهبي في تاريخ الإسلام، ولم أجد اسم الكتاب المذكور الآن في نسخة كشف الظنون الخطية عندي التي تم نسخها سنة 1220، فلعله في أحد ذيوله الثلاثة التي جمع، وألحقت بالأصل، وطبع الجميع وعنون عنه بكشف الظنون، ونسب لحاجي خليفة تدليسا من أصحاب الطبع، وكان يجب عليهم أن ينبهوا لئلا يقع الناس في اللبس، وقد تأملت النسخة الخطية التي بيدي من الكشف، فإذا هي نحو ثلث المطبوع أو تزيد قليلا، وبهذا يزاح عنك إشكال وجود عدة مؤلفات في النسخة المطبوعة، لمن وجد في القرن الثاني عشر وأواخر الحادي عشر، مع أن مؤلف كشف الظنون مات سنة 1067. كما في آكام المرجان في آثار هندستان. وقد رأيت بعضهم قال: لكشف الظنون ثلاثة ذيول، مزجت به فانحل الإشكال، وقد بحثت عن ترجمة أبي محمد الحسن السمرقندي المذكور في وفيات الأعيان، وذيلها فوات الوفيات للصلاح الكتبي، وطبقات الشافعية لابن السبكي فلم أجدها، ثم وجدته مترجما في شرح بديعية البيان للحافظ بن ناصر الدمشقي، قال فيه: الحسن بن أحمد بن محمد بن القاسم بن جعفر القاسمي أبو محمد المسرقندي الكوفيخني قوام السنة، نزيل نيسابور، تخرّج بجعفر المستغفري، أحد الأعيان وحدث عنه وعن خلق، وعنه خلق منهم: إسماعيل التميمي ووجيه الشحالي، وهو إمام حافظ، جليل رحال، ثقة نبيل. سمع وجمع وصنف وألف ومن مصنفاته: بحر الأسانيد في صحاح المسانيد يشتمل على مائة ألف من الأخبار، وهو في ثمانمائة جزء كبار وهي آثار الصحابة، وغيرها من الموقوفات، فأصبح مقصود السيوطي أسمى وأجمع. وترجم ابن عساكر في تاريخه: للحسين بن أحمد بن محمد بن الحسين بن ما سرجس النسيابوي الحافظ الماسرجسي المتوفي سنة 365 فقال: صنف المسند الكبير في ألف وثمانمائة جزء مهذبا مبينا للعلل، ورأيت أنا مقدار مائة وخمسين جزآ منه، وعندي أنه لم يصنف في الإسلام مسند أكبر منه، فإنه وقع في خطه في ألف وثلاثمائة جزء. قلت: على التحقيق أنه يقع في خطوط الوراقين في أكثر من ثلاثة آلاف جزء، وكان مسند أبي بكر بخطه في بضعة عشر جزء، بعلله وشواهده فكتبه الوراقون في نيف وستين جزآ اهـ من اختصاره. وفي الزهر الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم للإمام محمد بن إبراهيم الوزير اليمني ص 88 من الجزء الأول أن الحافظ الماسرجسي جمع المسند الكبير الذي فرغ في قدر ثلاثمائة مجلد كبار اهـ. تنبيه آخر: في شرح بديعية البيان؛ للحافظ ابن ناصر الدمشقي، لما ترجم ليعقوب بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 شيبة السدوسي البصري، نزيل بغداد فقال فيه: صنف المسند ولم يكمله على منوال لم يصنف مثله، ولا رأى في العلل والكثرة شكله، فمسند، على ما قيل خمس مجلدات كبار لزمه على تخريجه عشرة آلاف دينار، وكان في بيته أربعون لحافا مرصدة لمبيت الوراقين الذين يبيّضون مسنده اهـ. واصل ذلك في طبقات الحفاظ للذهبي، وزاد في حق المسند المذكور أنه: ما صنف مسند أحسن منه. وقيل: إن نسخة من مسند أبي هريرة منه شوهدت بمصر فكان مائتي جزء. قال: والذي ظهر له من المسند مسند العشرة، وابن مسعود وبعض الموالي، وأرخ وفاته سنة 262 ثم قال الذهبي: كان وقع لي في مسنده جزء. اهـ فانظر لهذه الهمم السامية والماثر الهامية فرحم الله السلف وألهم الخلف. باب في كيفية تلقي الصحابة للعلم وأنه كان حلقا حلقا في المسجد النبوي أخرج أبو نعيم في آداب العالم والمتعلم، والديلمي عن أبي هريرة رفعه: إذا جلستم إلى العالم أو [المعلم] فادنوا، وليجلس بعضكم خلف بعض ولا تجلسوا متفرقين، كما يجلس أهل الجاهلية. ذكره الحافظ السيوطي في الجمع. وبوّب الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: باب الجلوس عند العالم ثم قال: عن قرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا جلس جلس إليه أصحابه حلقا حلقا. رواه البزار، وفيه سعيد بن سلام، وكذبه أحمد وعن يزيد الرقاشي قال: كان أنس مما يقول لنا إذا حدثنا هذا الحديث: إنه والله ما هو بالذي تصنع يعني أنت وأصحابك، يقعد أحدكم فتجتمعون حوله، فيخطب. إنما كانوا إذا صلوا الغداة قعدوا حلقا يقرؤون القرآن، ويتعلمون الفرائض والسنن، ويزيد الرقاشي ضعيف اهـ. وقد بوّب البخاري «1» في الصحيح باب الحلق والجلوس في المسجد. أي جواز ذلك فيه لتعلم العلم، وقراءة القرآن، والذكر ونحو ذلك، وإن استلزم ذلك استدبار بعضهم القبلة، وأما التحلق فيه في أمور الدنيا فغير جائز، وهو المراد بحديث ابن مسعود: سيكون في آخر الزمام قوم يجلسون في المساجد حلقا حلقا، أمانيهم الدنيا فلا تجالسوهم، فإنه ليس لله فيهم حاجة. ذكره الحافظ العراقي في شرح الترمذي وقال: إسناده ضعيف، وعليه أيضا يحمل حديث مسلم «2» عن جابر: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهم حلق فقال: ما لي أراكم عزين؟ قال ابن حجر: إنما أنكر تحلقهم على ما لا فائدة فيه، ولا منفعة بخلاف تحلقهم حوله فإنما كان لسماع العلم اهـ. وقد عقد الإمام اليوسي فصلا في قانونه ذكر فيه أصول طرق نشر العلم، فقال: أما التعليم بصورة التدريس فأصله ما كان صلى الله عليه وسلم يفعله في مجالسه مع أصحابه، من تبيين الأحكام   (1) انظر كتاب الصلاة باب 84 ج 1/ 121. (2) انظر كتاب الصلاة باب 27 ج 1/ 322. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 والحكم والحقائق، وتفسير الآيات القرآنية، وذكر فضائلها وخواصها، وغير ذلك. وهم في ذلك مجتمعون عليه، فهذا تقرير وتبيين. قال تعالى: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44] وهذه حلقة العلم، ولم تزل حلق العلم على العلماء كذلك، وهلم جرا اهـ منه. وأخرج المروزي وابن أبي شيبة عن أبي معاوية الكندي قال: قدمت على عمر بالشام فسألني عن الناس فقال: لعل الرجل يدخل المسجد كالبعير النافر، فإن رأى مجلس قومه ورأى من يعرفهم جلس إليهم فقلت: لا ولكنها مجالس شتى يجلسون فيتعلمون الخير ويذكرونه. قال: لن تزالوا بخير ما دمتم كذلك. باب في وقوفه عليه السلام على حلق العلم لأصحابه وجلوسه فيها معهم وإيثارها على حلق الذكر اتصل بنا في ذلك حديث مسلسل، بحرف العين في اسم كل راو أرويه، وأنا عبد الحي، عن والدنا الشيخ عبد الكبير الكتاني، سماعا عليه غير مرة، والشيخ عبد الجليل برادة المدني، والشيخ عبد الحق الإلهابادي الهندي ثم المكي، شفاها منهما بمكة ومسند المدينة المنورة أبي الحسن علي بن طاهر الوتري المدني كتابة منها وغيرهم، قالوا: حدثنا الشيخ عبد الغني ابن أبي سعيد الدهلوي المدني بها، قال أنا عابد السندي الأنصاري المدني، قال: إني الشيخ علي بن عبد الخالق المزجاجي قال: أخبرنا والدي قال أنبأنا عبد الخالق بن أبي بكر المزجاجي، عن علاء الدين بن محمد باقي المزجاجي عن عبد الله بن سالم البصري، عن عيسى بن محمد الثعالبي، عن علي الاجهوري، عن عمر بن ألجاي، عن الحافظ عبد الرحمن الأسيوطي، أنا أبو هريرة عبد الرحمن بن الملقن، أنا علي بن أبي المجد، أنا عيسى بن عبد الرحمن بن مطعم، قال: أنا عبد الله بن عمر اللتي، أنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي، أنا عبد الرحمن بن محمد الداودي، أنا عبد بن أحمد السرخسي، أنا عيسى بن عمر السمرقندي، أنا الإمام عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، أنا عبد الله بن يزيد أنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بمجلسين في مسجده فقال: كلاهما خير، وأحدهما أفضل من صاحبه؛ أما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه، فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وأما هؤلاء فيتعلمون الفقه والعلم، ويعلمون الجاهل فهم أفضل، وإنما بعثت معلما. قال: ثم جلس فيهم. قلت هكذا أورده الحافظ الدارمي في مقدمة مسنده تحت باب فضل العلم والعالم انظر ص 84 من المطبعة الهندية الأولى «1» .   (1) انظر ص 83 من المقدمة باب (17) . طبعة استانبول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 وقد أخرجه ابن ماجه في سننه تحت باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، وهذا سياقه: حدثنا بشر بن هلال الصواف حدثنا داود بن الزبرقان عن بكر بن خنيس، عن عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من بعض حجره، فدخل المسجد فإذا هو بحلقتين إحداهما يقرأون القرآن ويدعون الله، والآخرى يتعلمون ويعلمون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلّ على خير، هؤلاء يقرؤون القرآن ويدعون الله، فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وهؤلاء يتعلمون ويعلمون، وإنما بعثت معلما فجلس معهم. قال الحافظ السخاوي كما في حصر الشارد قوله: هذا حديث غريب وابن أنعم الأفريقي ضعيف لسوء حفظه، ولكن للمتن شواهد، قال السيوطي: وأخرجه ابن ماجه من حديث بكر بن خنيس عن ابن زياد بن أنعم، عن عبد الله بن يزيد أبي عبد الرحمن الحبلي، فكان الحديث عن ابن أنعم عنهما معا عن ابن عمرو اهـ. قال ابن حجر الهيثمي في حواشي المشكاة، على قوله: مر بمجلسين؛ أي حلقتين اهـ. وفي ترجمة جابر بن عبد الله من در السحابة للسيوطي نقلا عن مصنف وكيع: كان لجابر بن عبد الله حلقة في المسجد النبوي، يؤخذ عنه العلم اهـ. باب فيمن كان يخلف المصطفى بعد قيامه من مجلسه للتذكير والفقه في شرح الإحياء نقلا عن القوت: وكان عبد الله بن رواحة يقول لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعالوا حتى نؤمن من ساعة فيجلسون إليه، فيذكرهم العلم بالله، والتوحيد في الآخرة، وكان يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قيامه، فيجمع الناس ويذكرهم الله، ويفقههم فيما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فربما خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم مجتمعون عنده، فيسكتون، فيقعد إليهم ويأمرهم أن يأخذوا فيما كانوا فيه. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: بهذا أمرت ويروى نحو هذا عن معاذ بن جبل: وكان يتكلم في هذا العلم. وقد روينا هذا مفسرا في حديث جندب: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن اهـ. باب في تدارسهم القرآن وتفسير المصطفى لهم آية في صحيح مسلم «1» وغيره من حديث طويل عن أبي هريرة: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتعلمون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. قال القاري في شرح المشكاة: «التدارس قراءة بعضهم على بعض؛ تصحيحا لألفاظه، أو كشفا لمعانيه، كذا قال ابن الملك. ويمكن أن يكون المراد بالتدارس: المدارس: المدارسة المتعارفة؛ بأن يقرأ   (1) انظر كتاب الذكر ج 3 ص 2074 رقم 38. وأوله: عن أبي هريرة: من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 بعضهم عشرا مثلا، وبعضهم عشرا آخر. وهكذا. فيكون أخصّ من التلاوة، أو مقابلا لها، والأظهر أنه شامل لجميع ما يناط بالقرآن، من التعلم والعلم» . فانظر أصل التدريس وتعاطي علوم القرآن، فإنه قديم. وقد ذكر السيوطي في الإتقان: أنه عليه السلام بيّن لأصحابه جميع تفسير القرآن، أو غالبه. ويؤيد هذا ما أخرجه أحمد وابن ماجه «1» عن عمر قال: من آخر ما نزل آية الربا، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يفسرها. فدل فحوى الكلام على أنه كان عليه السلام يفسر لهم كل ما نزل، وأنه إنما لم يفسر لهم هذه الآية لسرعة موته بعد نزولها، وإلا لم يكن لتخصيصها وجه. وأما ما أخرجه البزار عن عائشة قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن، إلا آيات بعد أن علمه إياهن جبريل، فهو حديث منكر. كما قال الحافظ ابن كثير، وأوّله ابن جرير وغيره على أنها إشارات إلى آيات مشكلات، أشكلن عليه، فسأل الله عنهنّ، فأنزل إليه على لسان جبريل، وانظر الحديقة الندية. باب في أن الصحابة كانوا يعتنون بما يبلغهم من العلم بالحفظ والمذاكرة فيه خرّج أبو نعيم عن علي قال؛ تزاوروا وتذاكروا هذا الحديث؛ إن لا تفعلوا يدرس. وذكر أبو عمر بن عبد البر عن ابن مسعود قال: تذاكروا الحديث، فإنه يفهم بعضهم بعضا، وذكر أيضا عن عون بن عبد الله قال: لقد أتينا أم الدرداء فتحدثنا عندها فقلنا: أمللناك يا أم الدرداء فقالت: ما أمللتموني، لقد طلبت العبادة بالمدينة، فما وجدت أشهى لنفسي من مذاكرة العلم، أو قالت من مذاكرة الفقه. وروي عن عمر بن الخطاب قال: لولا أن أسير في سبيل الله، أو أضع جبهتي في التراب، أو أجالس قوما يلتقطون أطيب القول، كما يلتقط طيب الثمر، لأحببت أن أكون قد لحقت بالله. وحكى ابن قتيبة أن معاوية قال لعمر: ما بقي من لذة الدنيا إلا محادثة الرجال أهل العلم، أو خبر صالح يأتيني من ضيعتي. وخرج ابن سعد في الطبقات عن أبي سعيد الخدري قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعدوا يتحدثون، وكان حديثهم الفقه، إلا أن يأمروا رجلا فيقرأ عليهم سورة، أو يقرأ رجل سورة من القرآن. وفي القاموس: الفقه بالكسر: العلم بالشيء والفهم له والفطنة، وغلب على علم الدين لشرفه اهـ.   (1) انظر ابن ماجه كتاب التجارات ج 2 ج 764 ورقمه 2276 ونصه عن عمر بن الخطاب قال؛ إن آخر ما نزلت آية الربا، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض ولم يفسرها لنا. فدعوا الربا والريبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 وقال الشمس ابن الطيب في حواشيه: قيده جماعة بأنه العلم بالشيء الخفي، فلا يقال مثلا: فقهت السماء والأرض. وقيل: الفقه شدة الفهم والفطنة، وقيل: الفقه أنزل من العلم اهـ. باب في الأمر بالاعتناء بالسند في نقل السنة أسند الديلمي عن علي مرفوعا: إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسناده. قال السيوطي في تدريب الراوي: وفي الباب أحاديث غير ذلك اهـ. وقال ابن حجر الهيثمي في شرح المشكاة على حديث الصحيحين وغيرهما: بلغوا عني ولو آية «1» ، ولكون الإسناد يعرف به الموضوع من غيره، كانت معرفته من فروض الكفاية، وقيل: بلغوا عني؛ يحتمل وجهين أحدهما: اتصال السند بنقل الثقة إلى مثله إلى منتهاه، لأن التبليغ من البلوغ. وهو انتهاء الشيء على غايته. والثاني: أداء اللفظ كما سمع من غير تغيير، والمطلوب في الحديث كلا الوجهين، لوقوع بلغوا: مقابلا لقوله: حدثوا عن بني إسرائيل اهـ بنقل من سلطان في المرقاة. باب إباحته عليه السلام التحديث بالأخبار الإسرائيلية وعجائب الأمم الماضية حديث الصحيحين عن أبي هريرة وابن عمر مشهور وفيه: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» ، قال ابن رشد في البيان والتحصيل: الظاهر منه أنه عليه السلام أباح التحدث عنهم بما يذكر فيهم من العجائب، وإن لم يأت ذلك بنقل العدل عن العدل، إذا كان من الكلام الحسن الذي لا يدفعه العقل، وأنه ليس تحته حكم فيلزم التثبت في روايته اهـ منه. وقال العلقمي: أي لا ضيق عليكم في التحديث عنهم؛ لأنهم كان تقدم منه صلى الله عليه وسلم الزجر عن الأخذ عنهم والنظر إلى كتبهم، ثم حصل التوسع في ذلك، وكان النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية والقواعد الدنيوية، خشية الفتنة ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار اهـ نقله القاوقجي في الذهب الأبريز، وهو حسن. وقال المناوي في التيسير: أي بلغوا عنهم القصص والمواعظ ونحو ذلك، ولا حرج عليكم في التحديث عنهم ولو بلا سند، لتعذره بطول الأمد، فيكفي غلبة الظن بأنه عنهم اهـ. وقال السيد جمال الدين كما في القاري على المشكاة: المراد بالتحديث هنا التحديث بالقصص من الآيات العجيبة، وكحكاية عوج بن عنق، وقتل بني إسرائيل أنفسهم، في   (1) انظر صحيح البخاري كتاب الأنبياء باب 50 ص 145 ج 4. وبقية الحديث: وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 توبتهم من عبادة العجل، وتفصيل القصص المذكورة في القرآن، لأن في ذلك عبرة وموعظة لأولي الألباب. ولكن أخبار عوج بن عنق موضوعة، أفرد الحافظ الأسيوطي الكلام عليها بمؤلف، انظره وفي تثقيف اللسان، وتلقيح الجنان؛ لأبي حفص عمر بن خلف بن مكي الحميري المازري، قاضي تونس في باب: ما تأول على غير تأويله وهو الباب 41 منه. ومن ذلك توهمهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، أن معناه: حدثوا عن بني إسرائيل بما يصح عندكم وما لا يصح، وليس كذلك: قال لنا الشيخ أبو محمد عبد الحق أيده الله: إنما المعنى لا حرج عليكم أن لا تحدثوا عن بني إسرائيل، لأن أول واجب هو قوله: بلّغوا عني ولو آية وليس بواجب عليكم أن تحدتوا بما صح عندكم من حديث بني إسرائيل، إن شئتم حدثوا وإن شئتم فلا حرج عليكم، كما عليكم الحرج أن لا تبلغوا عني اهـ منه. وذكر الخطيب البغدادي؛ كما نقله عنه السخاوي في فتح المغيث: إن اطّراح أحاديث بني إسرائيل المأثورة عن أهل الكتاب، وما نقل عن أهل الكتاب واجب، والصدود عنه واجب قال: وأما ما حفظ من أخبار بني إسرائيل وغيرهم، من المتقدمين عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعلماء السلف، فإن روايته تجوز ونقله غير محظور. ثم روى عن الشافعي أن معنى: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج أي؛ لا بأس أن تحدثوا عنهم بما سمعتم، وإن استحال أن يكون في هذه الأمة. قال السخاوي: لكن قال بعض العلماء: إن قوله: ولا حرج في موضع الحال، أي حدثوا عنهم، حال كونه: لا حرج في التحديث بما حفظ من أخبارهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني وعن أصحابه والعلماء. كما قاله الخطيب فإن روايته تجوز اهـ. وقد بينت ذلك واضحا في كتابي (الأصل الأصيل في تحريم النقل من التوراة والإنجيل) اهـ. قلت: انظر ما سيأتي ممن كان من الصحابة يقرأ الكتب القديمة، وفي الدر المختار في شرح تنوير الأبصار، للعلامة الحصكفي الدمشقي من كتب فقه الحنفية حديث حدثوا عن بني إسرائيل يفيد حل سماع العجائب والغرائب من كل ما لا يتيقن كذبه، بقصد الفرجة لا الحجة بل وما يتيقن كذبه، لكن بقصد ضرب الأمثال والمواعظ، وتعليم نحو الشجاعة على لسان آدميين أو حيوانات ذكره ابن حجر اهـ. قال الشمس ابن عابدين في حواشيه عليه، المسماة رد المحتار على قوله: لكن بقصد ضرب الأمثال، وذلك كمقامات الحريري، فإن الظاهر أن الحكايات التي فيها عن الحرث ابن همام والسروجي لا أصل لها. وإنما أتى بها على هذا السياق العجيب لما لا يخفى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 على من طالعها، وهل يدخل في ذلك مثلا قصة عنترة والملك الظاهر، إذا قصد به ضرب الأمثال ونحوها فيحرر اهـ. قلت: ومنه قصص ألف ليلة وليلة، وألف يوم ويوم، فكل ذلك من معنى ما ذكر وأمثاله، مما يقصد به زيادة على تنشيط النفس العلم بما جريات من سبق، لأن القصص وإن كانت خرافية، فلا تخلو من إفادة عن حال واضعيها ومدونيها، أو من دوّنت على لسانهم والله أعلم. وفي فتاوى ابن حجر الهيثمي: مقامات الحريري على صورة الكذب ظاهرا ولكنها في الحقيقة ليست كذلك، وإنما هي ضرب الأمثال، وإبراز الطرق الغريبة والأسرار العجيبة، والبديع الذي لم ينسج على منواله، ولا خطر بفكر أديب فشكر الله سعي واضعها، ومن أطلق عليها الكذب استهزاء بما فيها من العلوم كفر: فقد قال الأيمة من قال: قصعة من ثريد خير من العلم إنه يكفر، فإذا كفر بهذا سواء قصد استهزاء أم لا. فما ظنك بمن يستهزىء بالعلم ويجعله كذبا اهـ وانظر شرح النابلسي على الطريقة المحمدية ص 250 من ج 2. باب في إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى ما تميز بفضيلة من أصحابه ليؤخذ عنه قال الحافظ أبو نعيم: وإذا ظهر للعالم البلاغ والكمال في العلم من بعض أصحابه، دله على مكانه ومنزلته من العلم ليفزع الناس إليه بعده، إذا فقدوه ونزلت بهم الحوادث والمعضلات. واحتج لذلك بحديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي «1» ، وأشار إلى أبي بكر، واهتدوا بهدي عمر، وإذا حدثكم ابن أم عبد فصدقوا، ومنه حديث: استقرئوا القرآن من أبي وابن مسعود، فدل على من فيه الأهلية. وهي شهادة منه عليه السلام لهم. ومنه أخذ الشمس محمد بن مسعود الطرنباطي الفاسي الأصل للشهادات التي يعطيها الشيوخ لتلاميذهم، تعريفا بمعلوماتهم وتقديرا لمزاياهم. انظر بلوغ أقصى المرام في شرف العلم وما يتعلق به من الأحكام له. خرّج أحمد «2» والترمذي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح. وأخرجه أبو يعلى من حديث ابن عمر وزاد فيه: وأقضاهم علي، وأخرجه الديلمي   (1) أخرجه الترمذي في كتاب المناقب باب 16 ج 5/ 609. (2) رواه أحمد ج 3/ 281 والإسلامي 356/ 3 ورقمه فيه: 13974. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 في مسند الفردوس، من حديث شدّاد بن أوس. وزاد: أبوذر أزهد أمتي وأصدقها، وأبو الدرداء أعبد أمتي وأتقاها، ومعاوية بن أبي سفيان أحكم أمتي. وقد ذكر هذا الحديث أبو عمر بن عبد البر؛ في الاستيعاب من طرق مسندا ومرسلا وقال: روينا عن عمر من وجوه أنه قال: أقضانا علي، وأقرؤنا أبي اهـ. قال السيوطي عقبه في تاريخ الخلفاء: وقد سئل شيخنا الكافيجي عن هذه التفصيلات: هل تنافي تفضيل أبي بكر فأجاب بأنه لا منافاة اهـ. وقال الشافعي، كما في جمع الجوامع وشرحه للمحلي: أن الخبرين المتعارضين في مسألة الفرائض يرّجح منهما الموافق لزيد فإن لم يكن له فيها قول فالموافق لمعاذ، فإن لم يكن له فيها قول فالموافق لعلي، والمتعارضين في مسألة في غير الفرائض يرجح منهما الموافق لمعاذ، فإن لم يكن له فيها قول فالموافق لعلي، قال المحلي: وذكر الموافق للثلاثة على هذا الترتيب لترتيبهم، كذلك المأخوذ من الحديث السابق، فقول الصادق عليه السلام فيه: أفرضكم زيد على عمومه، وقوله أعلمكم بالحلال والحرام معاذ، يعني في غير الفرائض، وكذا قوله: أقضاكم علي يعني في غير الفرائض، واللفظ. في معاذ أصرح منه في علي، فقدم عليه في الفرائض وغيرها اهـ. قال العطار في حواشيه: توضيح ما ذكره أن الحلال والحرام علم، وعلم القضاء المستفاد من قوله: أقضاكم علي عام، والفرائض المستفاد من قوله أفرضكم خاص، والخاص مقدم على العام فيخص العام به، جمعا بين الدليلين. وقوله: أصرح منه يعني أن الحلال والحرام عام مصرح به، وعلم القضاء، غير مصرح به، بل مستفاد من قوله: أقضاكم علي. كما أوضح ذلك الناصر اهـ. وعن ابن عباس قال خطب عمر بن الخطاب الناس بالجابية وقال: أيها الناس من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت إلى أبي بن كعب، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت، ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني، فإن الله جعلني واليا قاسما. رواه الطبراني في الأوسط وفيه سليمان بن داود بن الحصين لم أر من ذكره قاله النور الهيثمي في مجمع الزوائد. قلت: وفي مرآة المحاسن، عن والد مؤلفها الشيخ أبي المحاسن، في وجه ذكر كل واحد من الخلفاء بوصف خاص، كما في حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها أن هذا كالطبائع الأربع، وإنما يحكم على الإنسان بالغالب، وعليه الخلفاء لم يخل أحد منهم بما يحكم به على الآخر اهـ. وفي المقتصر على المختصر للباجي على حديث: أقرؤكم أبي، وأفرضكم زيد، ليس في هذا الحديث ما يوجب كونه فوق الخلفاء الراشدين، وفوق أجلاء الصحابة فيما ذكروا به، وإنما المعنى أن من جلّت رتبته في معنى من المعاني، جاز أن يقال: إنه أفضل الناس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 في ذلك المعنى، وإن كان فيهم مثله، أو من هو فوقه، وكذا يجوز أن يقال عمن برع في العلم: إنه أعلم الناس، وإن كان لا يعرف الناس جميعا ولا مقدار علومهم اهـ منه ص 394. وفي الوسيلة الأحمدية والذريعة السرمدية. في شرح الطريقة المحمدية للشيخ رجب بن أحمد التركي: الأولى في تفضيل الخلفاء الأربعة، أن كلّ واحد منهم أفضل من الآخر، باعتبار الوصف الذي اشتهر به، لأن فضيلة الإنسان ليست من حيث ذاته، بل باعتبار أوصافه. وعلى هذا نقول: إن أبا بكر أفضل من الصحابة، باعتبار كثرة صدقه واشتهاره فيما بينهم، وعمر أفضلهم من جهة العدل، وعثمان أفضلهم من جهة الحياء، وعلي أفضلهم من جهة العلم واشتهاره به، ويؤيده ما ذكره البزازي في كتاب أدب القاضي: بأن سيف الهدى كان بيد محمد عليه السلام، وسيف [القضاء على] الردة كان بيد أبي بكر الصديق، وسيف الفتح كان بيد عمر الفاروق، حيث نصب في عهده اثنا عشر ألف منبر، وسيف البغي كان بيد علي المرتضى اهـ. على أنه يمكن أن تكون فضيلة واحدة أرجح من فضائل كثيرة، إما بشرفها في نفسها، أو لزيادة كيفية. أنظر بقيته فيه. باب في إطلاق العلّامة في العصر النبوي على أعلم الناس بأنساب العرب والشعر في الإحياء لدى كتاب العلم: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل والناس مجتمعون عليه، فقال: ما هذا قالوا: رجل علامة، فقال: بماذا؟ قالوا: بالشعر وأنساب العرب. قال: علم لا ينفع، وجهل لا يضر. قال الحافظ العراقي في المغني أخرجه ابن عبد البر من حديث أبي هريرة، وضعفه. وفي آخر الحديث: إنما العلم آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة اهـ «1» . وفي التخريج الكبير للعراقي رواه أبو نعيم في رياض المتعلمين من رواية بقية عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فرأى جمعا من الناس على رجل فقال: ما هذا؟ قالوا: يا رسول الله رجل علامة؟ قال: وما العلامة؟ قالوا أعلم الناس بأنساب العرب، وأعلم الناس بالشعر، وما اختلفت فيه العرب. فقال: هذا علم لا   (1) قال في تخريج أحاديث الأحياء ص 30 ج 1: وهذه القطعة من الحديث في سنن أبي داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو ونصها في ابن ماجه ص 21 ج 1 من المقدمة باب 8 والقلم ثلاثة فما وراء فلك فهو فضل؛ آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة. ورواها أبو داود في أول كتاب الفرائض ص 306 ج 3. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 ينفع وجهل لا يضر. ثم قال: العلم ثلاثة ما خلاهن فهو فضل آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة اهـ. قلت: وقد قدمنا عن شارح الإحياء: الإيماء، إلى الجمع بين الحديث المذكور، والحديث السابق الذي فيه: تعلموا من أنسابكم ما تصلونه به أرحامكم، بأن محل النهي، إنما هو في التوغل فيه، والاسترسال بحيث يشغل به عما هو أهم، وكأني به عليه السلام أراد بخبر هذه الترجمة لمن يجعل الوسائل مقاصد، ويخلط بين المقامات. وكم من عالم يريد أن يشوّف الناس إلى علم ما يعلم، كعلمه فخرج ذلك منه عليه السلام مخرج الحض على ذلك، وإلا فعلم أيام العرب وأشعارهم من أجل العلوم قدرا، وبه نهتدي إلى مواضع غوامض القرآن والسنة، والله أعلم. وفي القاموس ممزوجا بكلام التاج: ورجل عالم وعليم، جمع: علماء وعلّام. كجهال. وعلمه العلم تعليما وعلاما، ككذاب. والعلامة مشددة وكشدّاد وزنّار والتعلامة العالم جدا، والعلامة والعلّام النسابة وهو من العلم اهـ. وفي ترجمة عقبة بن عامر الجهني من التذكرة: كان فقيها علامة قارئا لكتاب الله بصيرا بالفرائض كبير القدر اهـ «1» . باب في ذكر اختبار المصطفى قوابل أصحابه ومبلغهم من الذكاء والفهم في العلم ترجم البخاري «2» على هذا القدر في كتاب العلم بقوله: باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم وذكر فيه قصة لغز المصطفى صلى الله عليه وسلم في النخلة، وكان ابن عمر أصغر الحاضرين قال: فوقع في نفسي أنها النخلة، ثم قال: حدثنا ما هي يا رسول الله قال: هي النخلة وكان ابن عمر على ما في الفتح هو عاشر عشرة. قال الحافظ: فكان منهم أبو بكر وعمر وابن عمر وأبو هريرة وأنس. وفي الموطأ من رواية ابن القاسم قال عبد الله: حدثت بالذي وقع في نفسي من ذلك عمر بن الخطاب فقال عمر: أن تكن قلتها أحبّ إليّ من حمر النعم اهـ. قال البدر الزركشي في كتابه: عمل من طب لمن حب، أن النخلة لا يطلق عليها شجرة، وتأويل قوله عليه السلام: أن من الشجرة شجرة لا يسقط ورقها، أنه استعمله للألغاز اهـ وقد رده ابن الطيب الشركي في حواشيه على إرشاد القسطلاني وغيره: بأن الزجّاج وغيره نصّوا على أن العرب سموا النخل شجرا فانظره.   (1) من العجيب كيف لم يشر المؤلف هنا وهو بحر إلى مكانة الصديق في معرفة أنساب العرب، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر حسان ثابت أن يأخذ عنه مثالب قريش حين أراد الرد على هجائهم. (2) انظر كتاب العلم للبخاري ج 1 ج 26 باب 14. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 وقال أبو عبد الله ابن زكري على هذه الترجمة: ينبغي أن لا يبالغ في التعمية لئلا يوقعهم في الحيرة، وقد سألهم المصطفى وفي يده جمّار ففيه إشارة إلى وجه المخرج. وأما نهيه عن الأغلوطات فهي صعاب المسائل المعماة، أو ذلك محمول على ما لا يوقع فيه، أو خرج مخرج تعنيت المسؤول وتعجيزه اهـ. وفي ألغاز ابن فرحون المسماة درة الغواص في محاضرة الخواص قال العلماء: وفي هذا الحديث دليل على أنه ينبغي للعالم أن يميز أصحابه بألغاز المسائل العويصات عليهم، ليختبر أذهانهم في كشف المعضلات، وإيضاح المشكلات، وهذا النوع سمّته الفقهاء الألغاز، وأهل الفرائض سموه المعايات، والنحاة يسمونه الأحاجي، وقد ألف العلماء في ذلك تصانيف عديدة اهـ. باب في تخصيصه صلى الله عليه وسلم لأهل العلم أياما معلومة ترجم البخاري لهذا القدر أولا بقوله: ما كان صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم، كي لا ينفروا. فأخرج عن ابن مسعود: كأن صلى الله عليه وسلم يتخّولنا بالموعظة في الأيام، كراهة السامة علينا «1» ، ثم أخرج عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا «2» ثم ترجم أيضا بقوله باب من حفظ لأهل العلم أياما معلومة فاسند إلى أبي وائل قال: كان عبد الله بن مسعود يذكر الناس في كل خميس. فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لوددت أنك تذكرنا في كل يوم. قال: أما أنه يمنعني من ذلك إني أكره أن أملّكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السامة علينا «3» . قال الحافظ في الفتح: يستفاد من الحديث استحباب ترك المداومة في العمل أيضا، خشية الملل. وإن كانت المواظبة مطلوبة لكن على قسمين: إن كان يوم مع عدم التكلف، وإما يوما بعد يوم، الترك لأجل الراحة، ليقبل على الثاني بنشاط. وإما يوما في الجمعة ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، والضابط: الحاجة مع مراعاة وجود النشاط اهـ. باب في أن العلم كانوا يحملونه تدريجيا وأنه يؤخذ الأوكد والأسهل، فالأصعب، والمبادي قبل غيرها ذكر البخاري «4» عن ابن عباس: كونوا ربانيين علماء فقهاء علماء قال البخاري: والمراد بصغار العلم: ما وضح من مسائله، وبكباره: ما دق منها. وقيل: يعلمهم جزئياته قبل كلياته، أو فروعه قبل أصوله، أو مقدماته قبل مقاصده اهـ.   (1) انظر كتاب العلم ج 1/ ص 25 باب 11. (2) كتاب العلم ج 1 ص 25 من الصحيح. (3) كتاب العلم ج 1 ص 25 من الصحيح. (4) كتاب العلم ج 1 ص 25 من الصحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 باب في حرص الصحابة على التعلم وهم كبار قال البخاري في باب: الأغتباط بالعلم والحكمة: وقد تعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كبر سنهم «1» . قلت: والشأن كان عندهم في طلب العلم صغر السن؛ للأثر المشهور التعلم في الصغر كالنقش في الحجر قيل: من كلام علي، وقيل: من كلام الحسن، وما تعلم ابن عباس وعلي إلا في صغرهما. وقال بعض الشيوخ كما في روضة الأعلام لابن الأزرق الغرناطي: تعليم الكبير آكد من تعليم الصغير، ولا يقول الكبير: لا أتعلم لأني لا أحفظ، لأن الصحابة تعلموا وهم كبار شيوخ، وكهال، واشتغلوا بالعلم فكانوا بحورا اهـ. وفي سراج الملوك للطوطوشي: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسلمون شيوخا وكهولا وأحداثا. وكانوا يتعلمون العلم والقرآن والسنن، وهم بحور العلم، وأطواد الحكمة والفقه، غير أن العلم في الصغر أرسخ أصولا وأبسق فروعا اهـ. باب في أمرهم بطلب العلم قبل التزوج ذكر البخاري عن عمر رضي الله عنه أنه قال: تعلموا قبل أن تسودوا «2» . ونقل عياض عن بعض العلماء: أي أن تتزوجوا، لئلا تشغلكم أزواجكم وبيوتكم عن ذلك. باب في ذكر أن التاجر منهم كان يتعلم والمتعلم منهم كان يتجر بوّب البخاري «3» في صحيحه: باب التناوب في العلم، فذكر فيها قول عمر: كنت أنا وجار لي من الأنصار، نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينزل يوما وأنزل يوما. فإذا نزلت يوما جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي. وإذا نزل فعل مثل ذلك. قال الحافظ: وفيه أن الطالب لا يغافل في أمر معاشه ليستعين على طلب العلم، مع أخذه بالحزم في السؤال عما يقوله يوم غيبته، لما علم من حال عمر أنه كان يتعانى التجارة إذ ذلك اهـ. باب في كون الصحابة كانوا يعلمون نساءهم وإماءهم وأن المصطفى كان يجعل للنساء يوما على حدة بوّب البخاري «4» على هذا القدر بقوله: باب تعليم الرجل أمته وأهله، فذكر فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: في الثلاثة الذين يؤتون أجرهم مرتين، ومنهم رجل كانت عنده أمة فأدبها   (1) كتاب العلم ج 1 ص 26 من الصحيح. (2) كتاب العلم ص 25/ 1. (3) كتاب العلم ص 31/ 1. (4) كتاب العلم ص 32 ج 1 باب 31. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 وأحسن تأديبها وعلّمها فأحسن تعليمها. ثم بوب البخاري «1» أيضا باب عظة الأمام النساء وتعليمهن، فذكر فيه خروج المصطفى، ومعه بلال فظن أنه لم يسمع النساء فوعظهن وأمرهن بالصدقة. قال الحافظ: نبه بهذه الترجمة على أن ما سبق من الندب إلى تعليم الأهل ليس مختصا بأهلهن، بل ذلك مندوب إلى الإمام الأعظم، ومن ينوب عنه اهـ. ثم بوّب البخاري «2» أيضا باب: هل يجعل للنساء يوما على حدة؟ فذكر قول النساء لرسول الله صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن يوما لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن اهـ. ومن اللطائف أن الإمام أبا إسحاق الأسفرايني، ذهب إلى أن الأحكام والأحاديث التي يرويها الرجال والنساء إذا تعارضت، فالمقدم مروي المرأة. قال: وأضبطية جنس الذكر إنما تراعى حيث ظهرت في الآحاد، وإلا فكثير من النساء أضبط من كثير من الرجال، وصوّبه الزركشي، ونقله عنه العراقي وأقره. وعكس السبكي في جمع الجوامع؛ فجعل من المرجّحات كون الراوي ذكرا. قال المحلي: لأنه أضبط منها في الجملة، قال العبادي: ظاهر تقديم خبر الذكر حتى على خبر الأنثى التي علمت أضبطيتها. وفيه نظر ولا يبعد تخصيص هذا إذا جهل الحال. أما لو علمت اضبطية تلك الأنثى فيقدم خبرها اهـ. وثالثها: يرجحّ الذكر في غير أحكام النساء؛ بخلاف أحكامهن؛ لأنهن اضبط فيها. ومن الأئمة من فصّل: فجعل محل تقديم الذكر على الأنثى إن لم تكن الأنثى صاحبة الواقعة المروية، وذكر التاج السبكي في ترشيح التوشيح عن والده: أن السر في نكاح أكثر من أربع نسوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله أراد نقل بواطن الشريعة وظواهرها، وما يستحيا من ذكره وما لا يستحيا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدّ الناس حياء، فجعل الله له نسوة؛ ينقلن من الشرع ما يرينه من أفعاله، ويسمعنه من أقواله، التي قد يستحيا من الأفصاح بها بحضرة الرجال، فيتكمل نقل الشريعة. وكثر عدد النساء لتكثير الناقلين لهذا النوع. ومنهن عرف غالب مسائل الغسل والحيض والعدة وغيرها، وأيضا فقد نقلن ما لم ينقله غيرهن مما رأينه في منامه، وحالة خلوته من الآيات البينات على نبوته، ومن جده واجتهاده في العبادة، ومن أمور يشهد كل ذي لب بأنها لا تكون إلا لنبي. وما كان يشاهدها غيرهن، فحصل بذلك خير عظيم. ثم نقل نحوه عن صاحب التعجيز. انظر حواشي العطار على المحلى. باب في اعتناء الصحابة بحفظ وضبط ما كانوا يسمعون منه عليه السلام وكيفية ذلك أخرج أبو نعيم عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه عند صلاة العشاء فقال:   (1) كتاب العلم ص 33 ج 1 باب 32. (2) كتاب العلم ص 34 ج 1 باب 36. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 احتشدوا للصلاة غدا فإن لي إليكم حاجة. فقال رفقة منهم: دونك أول كلمة يتكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت التي تليها وأنت التي تليها؛ لئلا يفوتكم شيء من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: هذه أصول علم الإختزال اليوم. باب في كون الصحابة كانوا إذا سمعوا ما لم يفهموا من العلم استعادوه حتى يفهموه بوّب البخاري «1» على ذلك بقوله: باب من سمع شيئا فراجع فيه حتى يعرفه، فذكر فيه أن عائشة كانت لا تسمع شيئا إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وذكر الحافظ أبو نعيم من آداب طلبة العلم: أن يراجع بعضهم بعضا، ويفيد بعضهم بعضا، لما في ذلك من الإستعانة على الحفظ، ورسوخ التحصيل. ثم استظهر على ذلك بما أخرجه من طريق ابن كيسان بسنده إلى أنس بن مالك قال: كنا قعودا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعسى أن يكون ستين رجلا فيحدثنا الحديث، ثم نريد الحاجة فنراجعه شيئا ثم هذا ثم هذا فنقوم كأنما زرع في قلوبنا. باب في بناء أمرهم على تبليغ الشاهد الغائب ترجم البخاري «2» على ذلك بقوله: باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، ولولا حرصهم على التبليغ ما وصل الدين إلينا الآن في القرن الرابع عشر غضا طريا. باب تعاطيهم العلم ليلا ونهارا ترجم البخاري «3» على ذلك بقوله: باب العلم والموعظة بالليل، ثم ترجم باب السمر في العلم بالليل «4» قال الحافظ: ويدخل في هذا الباب حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم بعد العشاء، وحديث عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمور المسلمين، أخرجه الترمذي «5» والنسائي، ورجاله ثقات. وحديث عبد الله بن عمر: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح، لا يقوم إلا إلى عظيم صلاة. رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة. وأما حديث لا سمر إلا لمصل أو مسافر، فهو حديث عند أحمد فيه راو مجهول، وعلى تقدير ثبوته، فالسمر في العلم يلحق بالسمر في صلاة النافلة، وقد سمر عمر مع أبي موسى الأشعري في مذاكرة الفقه، فقال أبو موسى: الصلاة فقال عمر: إنا في صلاة اهـ.   (1) كتاب العلم ص 33 ج 1 باب 35. (2) كتاب العلم ص 34 ج 1 باب 37. (3) كتاب العلم ص 37 ج 1 باب 40. (4) كتاب العلم ص 37 ج 1 باب 41. (5) انظر كتاب الصلاة ج 1 ص 315 باب 12 وبقية الحديث وأنا معهما. وثمة تعليق نفيس لمصحح سنن الترمذي فانظره ص 316 ج 1. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 وقال الدماميني على الترجمة الأولى: أراد الإحتجاج على صحة تصرف الناس في الدروس بالليل والتذكير، ولا يدخل ذلك في النهي عن الحديث بعد العشاء اهـ. باب في احتفاظ المصطفى على قلوب المبتدئين فكان لا يعلمهم ما يعلم المنتهين ترجم البخاري «1» على ذلك بقوله باب من خص بالعلم قوما دون آخرين كراهية أن لا يفهموا وقال حدثوا الناس بما يعرفون اتحبون أن يكذب الله ورسوله ثم ذكر قول معاذ للمصطفى صلى الله عليه وسلم حين أخبره ببشارة دينية أفلا أخبر به الناس فيستبشروا قال: إذا يتكلوا، وأخبر بها معاذ عند موته تأثما. وترجم البخاري أيضا بقوله باب في ترك بعض الإختبار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه، فذكر فيه قول المصطفى لعائشة «2» : لولا أن قومك حديث عهدهم بكفر، لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين: باب يدخل الناس باب يخرجون. قال الحافظ: يستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة، وإن الإمام يسوس رعيته بما فيه صلاحهم، ولو كان مفضولا ما لم يكن محرما اهـ. باب من حق الأبناء على الآباء تعليمهم الكتابة في الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي لدى قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ [الأنفال: 60] الآية. أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الرمي، والبيهقي في شعب الإيمان، عن أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي. وفي أحكام القرآن للجصاص على قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً [التحريم: 6] هذا يدل على أن علينا أن نعلم أولادنا وأهلينا الدين والخير، وما لا يستغنى عنه من الآداب، وهو مثل قوله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها [طه: 132] ونحو قوله: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: 214] ويدل على أن للأقرب فالأقرب مزية، في لزومنا تعليمهم، وأمرهم بطاعة الله، ويشهد له قوله عليه السلام: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) «3» .   (1) انظر كتاب العلم ج 1 ص 40 باب 48. (2) انظر البخاري كتاب الحج ج 2 ص 156 وكتاب الأنبياء 4/ 118 والتفسير 5/ 150. وقد رواه مسلم بتفصيل واف مع ما جرى لابن الزبير والحجاج في كتاب الحج باب 15 ص 970 فانظره. (3) رواه البخاري في عدة أبواب الجمعة ص 215 ج 1 والنكاح ص 146 ج 6 والجنائز ص 79 ج 2 والعتق والاستعراض والوصايا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 ومعلوم أن الراعي كما عليه حفظ من استرعي وحمايته والتماس مصالحه، فكذلك عليه تهذيبه وتعليمه. ثم خرّج بسنده عن عبد الله بن عمر رفعه: ما نحل والد ولده خيرا من أدب حسن «1» أخرجه من طرق. وأخرجه البيهقي عن عائشة رفعته: حق الولد على والده أن يحسن اسمه ويحسن موضعه ويحسن أدبه «2» وفي حديث أبي هريرة عند أبي نعيم والديلمي رفعه: حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويزوجه إذا أدرك، ويعلمه الكتاب. قال الشمس القاوقجي في الذهب الابريز: يعني القرآن ويؤيده ما في رواية الديلمي: ويعلمه الصلاة إذا عقل، ويحتمل إرادة الخط؛ ويؤيده ما رواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وأبو الشيخ في ثواب الأعمال، والبيهقي في شعب الإيمان، عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قلت: يا رسول الله للولد حق علينا كحقنا عليهم؟ قال حق الولد على الوالد، أن يعلمه الكتابة والسباحة والرماية، وأن لا يرزقه إلا طيبا. والمراد بالكتابة الخط، لقوي نفعه وجموع فضله، والسباحة العوم في الماء، والرماية بالقسي، وفي هذا الزمان بطل حكمه «3» فيبدل بتعلم الرمي بالرصاص والبارود فتنبه اهـ منه. باب في القلم والدواة في العصر النبوي بوّب النور الهيثمي في المجمع بقوله: باب فيمن كتب بقلمه أو غيره. ثم ذكر عن عطاء قال: كنت عند ابن عباس فأتاه رجل فقال: يا ابن عباس ما تقول في؟ قال: وما عسى أن أقول فيك؟ فقال: إني عامل بقلم، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يؤتى بصاحب القلم في تابوت من نار، قفل عليه باقفال من نار، فإن أجراه في طاعة الله ورضوانه، فكّ عنه التابوت، وإن أجراه في معصية الله هوى به التابوت سبعين خريفا حتى باري القلم ومصلحه، ولائق الدواة. رواه الطبراني في الأوسط والكبير. وفيه أبو أيوب الحيري عن إسماعيل بن عياش. والظاهر أن آفة هذا الحديث الحيري؛ لأن الطبراني في الأوسط قال: تفرّد به الحيري اهـ. وقوله: لائق الدواة؛ في مجمع بحار الأنوار: ألق الدواة بفتح الهمزة وكسر لام أمر من ألاق يليق إلاقة وهي لغة، والفصيح لقة الدواة، فهي ليقة كمبيعة إذا أصلحت مدادها اهـ والمحبرة في اللغة الدواة، يوضع فيها الحبر وفيها لغات منها؛ كسر الميم وفتح الباء كمعلقة اقتصر عليها الجوهري، وانكرها الفيروز آبادي وغلطه وهي صحيحة قياسا وسماعا،   (1) رواه الترمذي في كتاب البر، 33 ص 338 ج 4 وقال عنه: مرسل. (2) قال المناوي: وفي رواية: مرضعه بدل موضعه. وسنده ضعيف جدا. (3) الأولى أن يقال: لكل عصر وسائله، فيعلمه ما يمكنه من الدفاع عن نفسه حسب السلاح المستعمل في أي وقت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 نص عليها جماعة كالفارابي في ديوان الأدب، والفيومي في المصباح، ونشوان في شمس العلوم، والنووي في التهذيب، قال: والمحبرة وعاء أكبر، وكعب الحبر. قال الفرّاء: إنما قيل له كعب الحبر لمكان هذا الحبر، والذي يكتب به؛ لأنه كان صاحب كتب. انظر الجاسوس على القاموس. وفي الخفاجي على الشفا في ترجمة كعب: وجه اطلاقه أنه من الحبر وهو المداد الذي يكتب به، وإليه نسب كعب المذكور، فقيل: كعب الحبر لكثرة كتابته بالحبر حكاه الأزهري اهـ. باب الأقلام القصبية في زمن الصحابة وجدت في مسند الدارمي في باب: من رخص في كتابه العلم أثرا هذا سياقه: حدثنا محمد بن سعيد أنا وكيع، عن عبد الله بن حنش قال رأيتهم يكتبون عند البراء بأطراف القصب على أكفهم اهـ من ص 69 «1» . وقد ترجم البخاري في كتاب العلم «2» من الصحيح باب: كتابة العلم ثم ذكر فيه قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في مرض موته: إيتوني بكتاب أكتب لكم كتابا. قال في الفجر الساطع: أي بأدواته من قلم ودواة وكتف، ففيه مجاز الحذف اهـ. وخرّج أبو داود في سننه في باب السواك «3» من طريق أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن زيد بن خالد الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، قال أبو سلمة فرأيت زيدّا يجلس في المسجد، وأن السواك من أذنه موضع القلم من أذن الكاتب [وبقية كلامه: فكلما قام إلى الصلاة استاك] ، فلولا أن الكتّاب في ذلك الزمن الطاهر كان شأنهم وضع أقلامهم فوق آذانهم، ما شبّه بهم. وفيه احالتهم على معروفين بعلامة وميزة يتميزون بها، وتقدم في الجزء الأول في قسم الكتابة أن المصطفى؛ أمر معاوية أن يضع القلم على أذنه فإنه أذكر لخ. باب في اتخاذ الكاغد من القطن في أواخر أيام الصحابة بجزيرة العرب في وفيات الأسلاف للشهاب المرجاني ص 337 شيوع صنعة الكاغد وتوفيرها، واتخاذها من الأبريسم والقطن والقنب. اخترع يوسف بن عمرو المكّي اتخاذ الكاغد من القطن، في حدود ثمانين في الهجرة بالحجاز، وموسى بن نصير اتخذه من الكتان والقنب   (1) وهو في الطبعة الجديدة في المقدمة ص 106 باب 43 ورقمه 509. (2) انظر ص 37 ج 1 باب 39. من حديث ابن عباس. (3) رواه أبو داود في كتاب الطهارة ص 40 ج 1 ورقم الحديث 47. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 في بلاد المغرب، وبالجملة وإن كان ابتداء هذه الصناعة في أهل الصين ولكن الأسلاميين إهتموا في إصلاحها، وبلغوها إلى غاية كمالها، ونشروها في الأقطار، وكثّروها في الأمصار، ومنهم انتقل إلى أوروبا. وكان قبل ظهور الإسلام يكتب في القضيم «1» ، ولا يتيسر للأكثر لندرته وغلاء قيمته، فظهرت صناعة اتخاذ الكاغد في الإسلام، واعتنى أهله حتى جاؤوا من وراء الغاية، بحيث يظهر في الصفحة صورة الناظر، وتكون على ألوان مختلفة ونقوش مستحسنة اهـ. وفي المطالع النصرية للشيخ نصر الهوريني: وكان الصحابة ومن تبعهم قبل أن يكثر الكاغد أي الورق الذي كان يجلب من الهند، يكتبون آيات القرآن وغيرها على عسيب السعف، وهو الأصل العريض من جريدة النخل، وعلى الألواح من اكتاف الغنم وغيرها، من العظام الطاهرة، والخرق والأدم أي الجلود مثل رق الغزال، فقد جمعت بعض آيات قرآنية، وفي البخاري «2» لما نزلت آية لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء: 95] قال عليه السلام للبراء بن معرور: أدع لي زيدا ليجيء باللوح والدواة والكتف لخ. وروي أن عثمان بعث إلى أبي بن كعب بكتف شاة مكتوب عليها بعض قرآن ليصلح بعض حروفه، وفي بعض روايات البخاري «3» : أن المصطفى قال قبل موته بأربعة أيام: ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي. ويروى أن الشافعي كان كثيرا ما يكتب المسائل على العظام، لقلة الورق حتى ملأ منها الخبايا، ورأيت بعض مصاحف مكتوبة على رق الغزال. نعم المصاحف التي أمر عثمان بنسخها وإرسالها إلى الأمصار؛ كانت على الكاغد ما عدا المصحف الذي كان عنده بالمدينة، فإنه على رق الغزال كما شوهد بمصر اهـ منه على ما فيه. وفي فضائل عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم المصري أن عمر كتب إلى أبي بكر بن عمرو بن حزم: أما بعد فقد قرأت كتابك إلى سليمان تذكر أنه كان يجري على من قبلك من أمراء المدينة من القراطيس لحوائج المسلمين كذا وكذا، فأبليت بحوائجك فيه فإذا جاءك كتابي هذا، فارق القلم وأجمع الخط، واجمع الحوائج الكثيرة في الصحيفة الواحدة، فإنه لا حاجة للمسلمين في فضل أضر بيت مالهم والسلام عليك اهـ. هذا يدل على ما كان يفرق على أمراء العمالات والجهات في زمن سليمان بن عبد الملك من القراطيس للكتابة وذلك أواخر القرن الأول من الهجرة.   (1) أي الجلد الأبيض كما في القاموس ويقال له أيضا رق الغزال. (2) انظر كتاب فضائل القرآن ص 99 ج 6 باب 4. (3) انظر كتاب الجزية والموادعة ص 66 ج 4. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 باب في كتابة الصحابة للحديث وأمر المصطفى لهم بالتقييد خرّج الترمذي عن أبي هريرة قال: كان رجل يجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمع منه الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: استعن بيمينك، وأومأ بيده إلى الخط «1» . قال الترمذي: وفي الباب عن ابن عمر ثم قال: هذا حديث ليس اسناده بذلك القائم. وأسند الرامهرمزي عن رافع بن خديج قال: قلت يا رسول الله إنا نسمع منك أشياء فنكتبها، قال: أكتبوا ذلك ولا حرج. وعن عبد الله بن عمرو قال: كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من أصحابه وأنا معهم، وأنا أصغر القوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. فلما خرج القوم قلت: كيف تحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سمعتم ما قال؟ وأنتم تنهمكون في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضحكوا وقالوا: يا ابن أخينا إن كل ما سمعنا منه عندنا في كتاب. رواه الطبراني في الكبير. قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. وعن أنس قال: شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم سوء الحفظ فقال: استعن بيمينك، وفيه إسماعيل بن يوسف وهو ضعيف. وعن أبي هريرة أن رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم سوء الحفظ فقال: استعن بيمينك على حفظك، رواه البزار وفيه الخطيب بن مجدر وهو كذاب. وفي ترجمة أنس من طبقات ابن سعد أنه قال لبنيه: يا بني قيّدوا العلم بالكتاب انظر ص 14 من ج 7. وأخرج أبو نعيم عن عبد الله بن عمر قال: قلت يا رسول الله إني أسمع منك أحاديث، أفتاذن لي أن أكتبها؟ قال: نعم فكان أول كتاب كتبته بيدي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة. وأخرج ابن قانع من طريق عاصم بن مهاجر الكلاعي عن أبيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخط الحسن يزيد الحق وضوحا. وساقه الحافظ في الإصابة في ترجمة مهاجر الكلاعي. وأخرج الحكيم والطبراني في الكبير وسمويه والخطيب في تقييد العلم عن رافع بن خديج قال: قلت يا رسول الله إنا نسمع منك أشياء فنكتبها قال فذكره. وأخرج ابن الجوزي في العلل عن ابن عمر رفعه: من كتب عني أربعين حديثا رجاء أن يغفر الله له غفر له، وأعطاه ثواب الشهداء. وفي مسند عبد الله بن عمرو بن العاص، من مسند الإمام أحمد ص 176 ج 2 ثنا   (1) رواه في كتاب العلم باب 12 ص 39 ج 5. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 يحيى بن إسحاق قال: ثنا يحيى بن أيوب قال: حدثني أبو قبيل قال: كنا عند عبد الله عمرو بن العاصي، وسئل أي المدينتين تفتح أولا قسطنطينية أو رومية، فدعا عبد الله بن عمرو بصندوق له حلق، فأخرج منه كتابا قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب، إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولا؟ أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدينة هرقل تفتح أولا يعني قسطنطينية قال الشيخ أبو الحسن السندي في حواشيه: قوله: له حلق بحاء مهملة مكسورة جمع حلقة أو بخاء معجمة مفتوحة ولام مفتوحة صفة صندوق أي عتيق. وفي المجمع رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. غير أبي قبيل وهو ثقة اهـ. وأخرج ابن سعد في الطبقات عن عبد الله بن عمرو قال: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب ما سمعت منه فأذن لي فكتبته، فكان عبد الله يسمي صحيفته تلك الصادقة. وأخرج ابن سعد أيضا عن مجاهد قال: رأيت عند عبد الله بن عمرو بن العاص صحيفة فسألت عنها فقال: هذه الصادقة، فيها ما سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بيني وبينه فيها أحد ص 125 ج 2 من القسم 3. وعن أبي هريرة قال: ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، قال: كان يكتب بيده ويعيه بقلبه، وكنت أعيه بقلبي ولا أكتب بيدي، واستاذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتابة فأذن له، رواه أحمد والترمذي. وقال حديث حسن صحيح، وأصله في الصحيح. وبوّب عليه الترمذي في كتاب العلم. من الجامع تحت باب: الرخصة في كتابة العلم ولفظ البخاري «1» : فإنه كان يكتب ولا أكتب قال الحافظ في الفتح على قوله: ولا أكتب: قد يعارضه ما أخرجه ابن وهب من طريق الحسن بن عمرو بن أمية قال تحدث عند أبي هريرة بحديث، فأخذ بيدي إلى بيته فأراني كتبا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذا هو مكتوب عندي قال ابن عبد البر: ويمكن الجمع بأنه لم يكتب في العهد النبوي، ثم كتب بعده وأقوى من ذلك أنه لا يلزم من وجود الحديث مكتوبا عنده أن يكون بخطه وقد ثبت أنه لم يكن يكتب فتعين أن المكتوب عنده بغير خطه اهـ منه. وقال الحافظ السيوطي في تدريب الراوي: وأباح كتابة الحديث طائفة وفعلوها منهم: عمر وعلي، وابنه الحسن، وابن عمرو، وأنس، وجابر، وابن عباس، وعمرو، وحكاه عياض عن أكثر الصحابة والتابعين اهـ. وأخرج البيهقي في المدخل وابن عساكر عن الحسن بن علي قال لبنيه وبني أخيه: إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين: فتعلموا العلم فمن لم يحسن منكم أن يؤديه أو يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته.   (1) كتاب العلم باب 39 ص 36/ 1. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 وأخرج البغوي في معجمه عن يزيد الرقاشي قال: كنا إذا أكثرنا على أنس بن مالك أتانا بمجال له فألقاها إلينا، وقال: هذه أحاديث سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتبتها وعرضتها. أورده الحافظ السيوطي في التدريب انظر ص 143 منه. وقال محمد بن هارون الروياني في مسنده: حدثنا محمد بن زياد ثنا فضيل بن عياض عن عائد عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع قال: كان ابن عباس يأتي ابن رافع فيقول: ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم يوم كذا؟ ومع ابن عباس من يكتب ما يقول. وأخرج ابن سعد في الطبقات عن سلمى قالت: رأيت ابن عباس معه ألواح يكتب عليها عن أبي رافع شيئا من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الإمام أبو محمد ابن قتيبة في كتابه مشكل الحديث، بعد أن ذكر أحاديث النهي عن كتابة شيء دون القرآن، وقوله عليه السلام: قيّدوا العلم بالكتابة فقال: إن في هذا معنيين أحدهما: أن يكون من منسوخ السنة بالسنة؛ كأنه نهى في أول الأمر أن يكتب قوله، ثم رأى بعد لما علم أن السنن تكثر وتفوت الحفظ أن تكتب وتقيد، والمعنى الآخر أن يكون خصّ بهذا عبد الله بن عمرو بن العاص، لأنه كان قارئا للكتب المتقدمة، ويكتب بالسريانية والعربية، وكان غيره من الصحابة أميين لا يكتب منهم إلا الواحد والإثنان. وإذا كتب لم يتقن ولم يصب التهجي، فلما خشي الغلط فيما يكتبون نهاهم، ولما أمن على عبد الله بن عمرو ذلك أذن له. ثم أسند مرفوعا أن من أشراط الساعة أن يفيض المال، ويظهر القلم ويفشو التجار قال عمر: وإن كنا لنلتمس في الحواء العظيم (البيوت المجتمعة من الناس على ماء) الكاتب، ويبيع الرجل البيع فيقول: حتى استأمر تاجر بني فلان اهـ «1» . وفي الأكليل على قوله تعالى: عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي [طه: 52] أخرج ابن أبي حاتم عن أبي المليح قال: الناس يعيبون علينا الكتابة، وقد قال تعالى: عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى قال البلقيني: هذا أحسن استنباط لكتابة الحديث والعلم اهـ. وقال ابن الجوزي في تلبيس إبليس: لما علم الشارع أن حفظ القرآن والسنة يصعب أمر بكتابة المصحف، وكتابة الحديث، فأما القرآن فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزلت عليه الآية دعا بالكاتب فأثبتها، وكانوا يكتبونها في العسب، والحجارة وعظم الكتف، ثم جمع القرآن بعده في المصحف أبو بكر صونا عليه ثم نسخ من ذلك عثمان وبقية الصحابة، وكل ذلك لحفظ القرآن لئلا يشذ منه شيء. وأما السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قصر الناس في بداية الإسلام على القرآن، وقال: لا تكتبوا عني سوى القرآن، فلما كثرت الأحاديث ورأى قلة ضبطهم أذن لهم في الكتابة، ثم ذكر قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة في رواية: لما شكا إليه قلة الحفظ: استعن على حفظك بيمينك يعني الكتابة. ثم ذكر حديث قيّدوا العلم بالكتابة انظر بقيته فيه.   (1) انظر كتاب تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 286 المطبوع 1966 بمصر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 وفي العتبية قال مالك: كان عمر قد أراد أن يكتب الأحاديث وكتب منها ثم قال: لا كتاب مع كتاب الله. قال ابن رشد في البيان والتحصيل: المعنى في هذا أن عمر كان أراد أن يكتب الأحاديث المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجعلها أصلا يحمل الناس عليها، كما يفعل بالقرآن فتوقف عن ذلك، إذ لا يقطع على صحة نقل الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما يقطع على صحة نقل القرآن الذي قد نقل بالتواتر، فرأى أن يكل أمر الأحاديث إلى الاجتهاد والنظر في صحتها، ووجوب العمل بها. وأما أن يكتب الرجل الحديث قد رواه ليتذكره ولا ينساه فلا كراهية في ذلك، وقد حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث فجاء رجل من أهل اليمن فقال: أكتب لي يا رسول الله فقال: أكتبوا لأبي فلان. وقال أبو هريرة: ما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب. ولولا أن العلماء قيدوا الحديث، ودوّنوه وضبطوه وميزوا الصحيح منه من السقيم لدرس العلم، وعمي أثر الدين فالله يجازيهم عن اجتهادهم في ذلك بافضل الجزاء اهـ منه وهو حسن. باب هل كانوا يدونون في صدر الإسلام شيئا أو جمع للصحابة شيء في أبواب العلم أو نسب للصحابة واتباعهم التدوين والتصنيف؟ قال الهروي في ذم الكلام: لم تكن الصحابة ولا التابعون يكتبون الأحاديث، إنما كانوا يدونونها حفظا ويأخدونها لفظا إلا كتاب الصدقات والشيء اليسير الذي يقف عليه الباحث بعد الإستقصاء اهـ بنقل صاحب الحطة ص 27. وقال الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات: الصحابة كانت همتهم مصروفة إلى الجهاد، وإلى مجاهدة النفوس والعبادة، فلم يتفرغوا للتصنيف، وكذلك التابعون لم يصنفوا اهـ منه. وقال الإمام أبو علي اليوسي في قانونه: لما تكلم على أصول طرق نشر العلم، وأنها مأثورة قديمة قال: وأما التأليف فأصله ما كان صلى الله عليه وسلم يفعله من كتب الوحي إذا نزل، وكتب الرسائل إلى الملوك وغيرهم، وكتاب الصدقات وقد جمع فيه مسائل، فهو علم مدون. وذلك هو التأليف. ولئن كان صلى الله عليه وسلم لا يكتب بيده لما أغناه الله عن ذلك، لقد كان يأمر بالكتب. والمقصود: إنما هو وضع العلم وتدوينه وتخليده، سواء كتب العالم بيده أم لا وكم من عالم يملي ولا يكتب، ويكون ذلك تأليفا اهـ منه، وهو جيد. وفي سمط الجوهر الفاخر: كتب صلى الله عليه وسلم بيده كتبا لأهل الإسلام في الشرائع والأحكام، منها كتابه صلى الله عليه وسلم في الصدقات، كان عند أبي بكر، وكتابه صلى الله عليه وسلم في نصاب الزكاة وغيرها الذي كان عند عمر، وكتابه صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن في أنواع من الفقه وأبواب مختلفة، هو كتاب جليل واحتج الفقهاء كلهم بما فيه من مقادير الديات اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 قلت: كتابه صلى الله عليه وسلم في الصدقات، الذي ذكر أنه كان عند أبي بكر؛ خرّجه أحمد وأبو داود والترمذي [40/ 3] وحسنه، والحاكم من طريق سفيان بن حسين عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقات، فلم يخرجه إلى عماله وقرنه بسيفه حتى قبض، فعمل به أبو بكر حتى قبض، ثم عمل به عمر حتى قبض، فكان فيه: في كل خمس من الإبل شاة، فذكره قال الترمذي: وقد روى يونس وغير واحد عن الزهري عن سالم هذا الحديث، ولم يرفعوه وإنما رفعه سفيان بن حسين، وعند البخاري وأبي داود والنسائي وابن ماجه من حديث أنس، أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجّهه إلى البحرين، فذكره بنحوه، وفي رواية لأبي داود أن أبا بكر كتب لأنس وعليه خاتم النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقد ساقه مالك في الموطأ «1» في باب صدقة الماشية من كتاب الزكاة قائلا: حدثني يحي عن مالك أنه قرأ كتاب عمر بن الخطاب في الصدقة قال فوجدت فيه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب الصدقة فساقه. قال القاضي عياض: اعتمد مالك والعلماء والخلفاء قبلهم، على ما في هذا الكتاب، ولم يرد عن الصحابة إنكار شيء منه اهـ قال في الإستبصار في أنساب الأنصار، لدى ترجمة عمرو بن حزم الأنصاري: استعمله عليه السلام على نجران، ليفقههم في الدين ويعلمهم، وكتب له كتابا في الفرائض والسنن والصدقات، وكتاب عمرو بن حزم مشهور، يحتج به العلماء قال أبو عمر: شهرته أقوى من الإسناد أو كما قال اهـ. قلت: وقد غاب عن علم الجميع في هذا الباب، وعن كل من تكلم على أول من دون في الإسلام ديوان العطاء الذي دوّن في زمن عمر رضي الله عنه وبإذنه وانتدابه لكتبه عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل، وجبير بن مطعم، وقال: اكتبوا الناس على منازلهم، يعني في العطاء فإنه ينبغي أن يكون هذا الديوان العمري، من أول ما دون في الإسلام. وإن اعتبرنا كتابة أول من أسلم قبل ذلك، في مدته عليه السلام، كما ذكر لك في موضعه، وهو الذي بوّب عليه البخاري بقوله في كتاب المغازي: باب كتابة الإمام الناس. وذكر فيه قوله عليه السلام: اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام. قال الدماميني: قيل: كان هذا عام الحديبية يمكننا الجزم بأن أول تدوين وقع هو ما ذكر ولا شك أن كتابة الناس على مراتبهم، في السبقية للإسلام والهجرة والنصرة هو المادة الأولى، لكتب تراجم الصحابة وتراجم زعماء الإسلام وابنائهم، فلذلك أرى أن يكون هذا أول ما دوّن، لأنه مادة كبرى وضعها من سبق لمن سيلحق. ألا ترى أن حوالات الأحباس [حجج الأوقاف] (سجلاته   (1) انظر الموطأ ص 257 ج 1 من طبعة استانبول الجديدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 الآن) نأخذ منها فائدة عظمى في معرفة زمن وجود المحبسين [الواقفين] مع ذكر الحدود والمجاورات، وحلا [وصف] البيوت ورجالاتها، فتدوين من أسلم، مع ديوان عمر هذا لو وجدا اليوم، لكانا أعظم مادة لرجال الإسلام، وقد ظفر ببقاياهما من سبق، فدونوا ما بأيدينا من ذلك انظر إلى قول ابن سعد في طبقاته، لما ترجم للنعمان بن مالك، وسبب تسمية آله قواقله؛ كذلك هم في الديوان يدعون بني قوقل، وكذلك قال لدى كلامه على بني جشم، وزيد بني الحارث بن الخزرج، ودعوتهما واحدة في الديوان الخ. وقد وجدت عبارة كتبها عن غير قصد صاحب اكتفاء القنوع بما هو مطبوع ص 47 نصها: بعد الفتح الإسلامي بوقت وجيز اضطرت شؤون الإدارة والأحكام إلى تكليف العمال والموظفين بالتقارير الجغرافية عن الأمصار والأقاليم، التي قد كان فتحها المسلمون. هذه هي مبادي الجغرافية عند العرب، وتوسعوا أيضا في معرفة جزيرة العرب، وأرض إيران أي العجم وهي بلاد فارس، وأرض بر الشام، وأتوا ببعض إيضاحات عن أقاليم التتار، وجنوبي روسيا، والصين، والهند، ومن هذه المبادي الصغيرة التي أنشأتها دواعي الإدارة السياسية، تولدت شيئا فشيئا آداب عربية جغرافية مسطرة واسعة وجامعة، نتمتع نحن أبناء هذا الجيل بمطالعتها مطبوعة اهـ فانتظره. ومن أمثلة التقارير الجغرافية، التي كانوا يرفعونها للخلفاء، المكتوب الذي كتبه عمرو بن العاص لعمر بعد فتح مصر في وصفها: انظره في التواريخ المصرية، وسيأتي لنا سياقه بنصه، فانتظره قريبا. وفي تاريخ آداب العرب للرافعي المصري: أول ما عرف يعني في باب التدوين، أن ابن عباس كان يكتب الفتاوى التي يسأل عنها انظر ص 287. وفي بلوغ اقصى المرام للعلامة الطرنباطي: لما علم مهرة الصحابة والتابعين، أن ليس كل أحد يقدر يفهم معاني القرآن، اشتغلوا بتفسيره ودوّنوا التفاسير، نصحا لمن بعدهم. ودونوا الأحاديث النبوية، لأن ذلك وسيلة إلى معرفة ما وقع به التكليف، وهو وسيلة إلى امتثال المقصود اهـ منه. ومثله في الأزهار الطيبة النشر للقاضي أبي الفتح ابن الحاج فانظرها. وفي أوائل الحافظ السيوطي: أول من صنف غريب القرآن أبو عبيدة معمر بن المثنى، أخذ ذلك من أسئلة ابن الأزرق لابن عباس اهـ. وفي آخر «نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية» للحافظ الزيلعي: أن الواقدي أسند عن عكرمة قال: وجدت هذا الكتاب في كتب ابن عباس بعد موته، فنسخته فإذا فيه: وأتى بنص كتاب المصطفى عليه السلام للمنذر بن ساوى، وجواب المصطفى عليه السلام له انظر ص 381 من المجلد 2. فيؤخذ منه: أنه كان لابن عباس الكتب إما من تصنيفه، أو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 من جمعه فيفيد على كل حال ما قبله، ويفيد أيضا على الأقل أنهم كانوا يعددون النسخ، من مكاتيبه ويدخرونها وهو عين التدوين، ثم وجدته في ترجمة ابن سيرين من طبقات ابن سعد عنه أنه قال: لو كنت متخذا كتابا لا تخذت رسائل النبي صلى الله عليه وسلم، انظر ص 141 من ج 2 من خطط المقريزي عن زيد بن أسلم قال: كان تابوت لعمر بن الخطاب فيه كل عهد كان بينه وبين أحد ممن عاهده، فهذا يدل على أنهم كانوا يعتنون بجمع المكاتيب الرسمية، أو نظائرها. ثم وجدته في طبقات ابن سعد ص 216 من ج 5 عن موسى ابن عقبة قال: وضع عندنا كريب بن أبي مسلم، مولى عبد الله بن عباس المتوفي بالمدينة سنة 98 من الهجرة حمل بعير أو عدل بعير من كتب ابن عباس. قال: فكان علي بن عبد الله بن عباس إذا أراد الكتاب كتب إليه أن ابعث لي بصحيفة كذا وكذا قال: فينسخها فيبعث إليه بإحدهما. انظر ترجمة كريب مولى ابن عباس من الطبقات. وفي ترجمة سعيد بن جبير من الطبقات أيضا عنه قال: ربما أتيت ابن عباس فكتب في صحيفتي حتى أملأها، وكتبت في نعلي حتى أملأها، وكتبت في كفي، وربما أتيته فلم أكتب حديثا حتى أرجع لا سأله أخذ شيء. وفيها أيضا: كنت آتي ابن عباس فأكتب عنه، فيها أيضا عنه قال: كنا إذا اختلفنا بالكوفة في شيء كتبت عندي حتى ألقى ابن عمر فأسأله عنه، وفيها أيضا عن وفاء بن أياس قال: رأيت عزرة يختلف إلى سعيد بن جبير معه التفسير في كتاب، ومعه الدواة انظر ص 186 من ج 6. قلت: ويتداول الناس تفسيرا ينسبونه لعبد الله بن عباس، ولكن لم يدونه هو، وإنما جمع فيه ما نقل عنه، ومنه ما لا يصح. وممن جمع ما روي عن ابن عباس الإمام مجد الدين الفيروزابادي صاحب القاموس بكتاب سماه تنوير المقياس من تفسير ابن عباس، وقد طبع مرارا بمصر والهند. وقد وقع في المعيار للونشريسي من جواب في فصل البدع ص 377 من المجلد الثاني: وتكلم أهل النقل في صحة نسبة التفسير المنسوب لابن عباس اهـ منه. وفي إيثار الحق على الخلق للإمام محمد بن إبراهيم الوزير اليمني: قد جمع عنه تفسير كامل، ولم يتفق ذلك لغيره من الصدر الأول، الذين عليهم في مثل ذلك المعول، ومتى صح الإسناد إليه كان تفسيره من أصح التفاسير اهـ. وأخرج ابن سعد في الطبقات عن الشعبي قال: كتب عمر بن الخطاب إلى المغيرة بن شعبة، وهو عامله على الكوفة أن: ادع من قبلك من الشعراء، فاستنشدهم ما قالوا من الشعر في الجاهلية والإسلام، ثم اكتب بذلك إلي. انظر القصة في جمع الجوامع للحافظ الأسيوطي، ثم كنز العمال ص 176. وفي الخطط للتقي المقريزي ص 143 من الجزء الرابع طبع مصر سنة 1326، قال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 أبو سعيد بن يونس، في تاريخ مصر، عن حياة بن شريح قال: دخلت على حسين بن شفي وهو يقول: فعل الله بفلان، فقلت ماله؟ قال: عمد إلى كتابين كان شفي سمعهما من عبد الله بن عمرو بن العاص أحدهما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كذا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا والآخر، ما يكون من الأحداث إلى يوم القيامة، فأخذهما فرمى بهما بين الخولة والرباب، يعني بالخولة والرباب: مركبين كبيرين من سفن الجسر، كانا يكونان عند رئيس الجسر مما يلي الفسطاط اهـ. وقال الحافظ الذهبي في ترجمة جابر بن عبد الله من تذكرة الحفاظ: الفقيه مفتي المدينة في زمانه، حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علما كثيرا نافعا، وله منسك صغير أخرجه مسلم اهـ منها ص 37 من ج 1. قلت: منسك جابر الذي أشار له الذهبي، خرجه مسلم في صحيحه مطولا في كتاب الحج، وهو عنده في نحو أربع ورقات، وعنون عليه فبّوب صحيح مسلم بقوله: حديث جابر الطويل. [وفي طبعة استانبول: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم ص 886/ 1] . وفي حواشي الأبي على مسلم عن عياض عليه: قد أكثر الناس الكلام على ما فيه من الفقه، وألف فيه ابن المنذر جزآ كبيرا، ذكر فيه مائة ونيفا وخمسين نوعا من الفقه، ولو استقصى لزاد على هذا العدد قريبا منه اهـ ونحوه للسيوطي في الديباج أيضا ولجابر صحيفة معروفة، وقع ذكرها في ترجمة مجاهد من طبقات ابن سعد قال: كانوا يرون أن مجاهدا يحدث عن صحيفة جابر. ومات مجاهد سنة 102، انظر ص 344 من ج 5. وذكر صديقنا البحاثة النادرة الشيخ طاهر الجزائري الدمشقي في كتابه توجيه النظر إلى أصول الأثر ص 8 قال: توهم أناس أنه لم يقيد في عصر الصحابة وأوائل عصر التابعين بالكتابة شيء غير الكتاب العزيز، وليس الأمر كذلك فقد ذكر بعض الحفاظ أن زيد بن ثابت ألف كتابا في علم الفرائض، وذكر البخاري في صحيحه أن عبد الله بن عمرو كان يكتب الحديث، وذكر مسلم في صحيحه كتابا ألف في عهد ابن عباس في قضاء علي، فقال: حدثنا داود. بن عمرو الضبي، حدثنا نافع عن ابن أبي مليكة قال: كتبت إلى ابن عباس أسأله أن يكتب لي كتابا ويخفي عني «1» ، فقال: ولد ناصح أنا اختار له الأمور اختيارا وأخفي عنه. قال: فدعا بقضاء علي فجعل يكتب منه أشياء، ويمر به الشيء فيقول ما قضى بهذا علي إلا أن يكون ضلّ. وحدثنا عمرو الناقد قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن هشام بن حجر عن طاوس قال: أتى ابن عباس بكتاب فيه قضاء علي فمحاه إلا قدر- وأشار سفيان بن عيينة- بذراعه، والظاهر أن الكتاب الذي محاه إلا قدر ذراع على هيئة درج مستطيل اهـ انظره وهو مفيد.   (1) لعل الصواب: ولا يخفي عني. مصححه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 وما استظهره في الكتاب الذي محاه ابن عباس، أنه كان على هيئة درج أصله للنووي، كما نقله السنوسي عنه في إكمال الإكمال، وكأنه رحمه الله لم يستحضر ما في الصحيح في باب: كتابة العلم عن أبي جحيفة قال: قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟ قال: لا إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة. قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال العقل وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر اهـ. قال الحافظ في الفتح: وقوله الصحيفة أي الورقة المكتوبة، وللنسائي من طريق الأشتر: فأخرج كتابا من قراب سيفه قوله: العقل، أي الدية، والمراد أحكامها، ومقادريرها، وأصنافها، ووقع للبخاري «1» ومسلم: من طريق يزيد التيمي عن علي قال: ما عندنا شيء نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة، فإذا فيها: المدينة حرام الحديث ولمسلم عن أبي طفيل عن علي: ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء، لم يعم به الناس كافة، إلا ما في قراب سيفي هذا وأخرج صحيفة مكتوب فيها. لعن الله من ذبح لغير الله. الحديث. [ج 2/ 1567 كتاب الأضاحي] . وللنسائي [كتاب القسامة 10 ص 19/ 8] من طريق الأشتر وغيره عن علي، فيها: المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم. الحديث، ولأحمد من طريق طارق بن شهاب: فيها فرائض الصدقة، والجمع بين هذه الأحاديث، أن الصحيفة كانت واحدة، وكان جميع ذلك مكتوبا فيها، فنقل كل واحد من الرواة ما حفظه انتهى ملخصا. قال البدر الدماميني، في المصباح: على قوله: أو فهم أعطيه رجل قال ابن المنير: يعني بالفهم: التفقه والإستنباط والتأويل، وانظر هل يقتضي لفظه أن الفقه كان مكتوبا أولا؟ والظاهر أنه كان مكتوبا عندهم، لأن السائل قال لهم: هل عندكم كتاب؟ قال: لا إلا كتاب الله، أو فهم أو هذه الصحيفة. وكانت فيها أحاديث وأشياء من الفقه، والكتاب يدل على أن الفهم الذي هو الفقه كان حينئذ كتابا، وإلا كان استثناء من غير الجنس قطعا فالمعطوف منها مثلها أيضا وهو مرفوع. والإستثناء من غير الجنس لا يكون إلا فيه منصوبا، فيكون ذلك أصلا في كتابة الفقه اهـ. وانظر ما يأتي عن ابن ليون في كون أبي الأسود الدؤلي: أمره علي أن يضع علم النحو. وفي ترجمة الحسن البصري من طبقات ابن سعد ص 115 من ج 7 قال يحيى بن سعيد القطان في أحاديث سمرة يعني ابن جندب التي يرويها الحسن عنه: سمعنا أنها من كتاب، وفيها أيضا عن حميد قال: كان علم الحسن في صحيفة مثل هذه، وعقد عفان، بالإبهامين والسبابتين. وفي ترجمة منها أيضا أخبرني موسى بن اسماعيل ثنا سهل بن حصين عن مسلم الباهلي قال: بعثت إلى عبد الله بن الحسن بن أبي الحسن ابعث إلي   (1) انظر في البخاري كتاب العلم ج 1 ص 36 باب 39. وكتاب الجزية والموادعة ج 4 ص 67 باب 10، و 17 ص 69. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 بكتب أبيك فبعث إلي إنما لها ثقل قال: اجمعها لي. فجمعتها له، وما ندري ما يصنع بها، فأتيته بها فقال للخادم: اسجري التنور. ثم أمر بها فأحرقت غير صحيفة واحدة فبعث بها إلي ثم لقيته بعد ذلك فاخبرني مشافهة، بمثل الذي أخبرني الرسول. وفي ترجمة أبي قلابة منها أيضا أخبرنا عارم بن الفضل، ثنا حماد بن زيد قال: أوصى أبو قلابة قال: ادفعوا كتبي إلى أيوب إن كان حيا وإلا فاحرقوها، ومات أبو قلابة سنة أربع أو خمس ومائة. وفي ترجمة الحارث الأعور من طبقات ابن سعد، من طريق علباء بن أحمد أن علي بن أبي طالب خطب الناس فقال: من يشتري علما بدرهم، فاشترى الحارث الأعور صحفا بدرهم، ثم جاء بها عليّا فكتب له علما كثيرا، ثم إن عليا خطب الناس بعد فقال: يا أهل الكوفة: غلبكم نصف رجل، انظر ص 116 من ج 6 وفي ترجمة حجر بن عدي الكندي أحد كبار أصحاب علي منها أيضا عن غلام لحجر قال: قلت لحجر: إني رأيت ابنك دخل الخلاء ولم يتوضأ قال ناولني الصحيفة من الكوة فقرأ. بسم الله الرحمن الرحيم وهذا ما سمعت علي بن أبي طالب يذكر أن الطهور شطر الإيمان، قال. وكان ثقة معروفا. انظر ص 154 من ج 6 أيضا. وفي عقيدة السلف لشيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني: أن صبيغ التميمي الذي كان يسأل عن المتشابه في أيام عمر، لما قدم المدينة كانت عنده كتب، ولما ترجم ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء للحارث بن كلدة الثقفي الطائفي قال فيه: وللحارث بن كلدة من الكتب كتاب المحاورة في الطب بينه وبين كسرى أنوشروان اهـ منه ص 118 من ج 1 وذكر قبل ذلك، حين ذكر محاورته مع كسرى أحسن صلته وأمره بتدوين ما نطق به اهـ. قلت: والحارث المذكور ترجمه ابن سعد في الطبقات في ترجمة من نزل بالطائف من الصحابة، وترجمه الذهبي في الصحابة وقال فيه: اختلف في صحبة الحارث، ثم قال: وقيل: إن الحارث سافر إلى فارس وتعلم الطب وحذق فيه، واشتهر أمره ونال بالطب مالا وأدرك الإسلام اهـ. ولكن لما ترجمه في الإصابة، نقل عن ابن أبي حاتم فيه؛ لا يصح إسلامه. ثم قال: ووجدت له رواية في الجزء التاسع من الأمالي المحاملية، وفي التصحيف للعسكري فذكر بعض كلامه اهـ ولذا قال أبو زيد العراقي في اختصار الإصابة عقب ذلك: أقول ذكر المصنف في ولده أن ابن عبد البر قال: لا يصح إسلامه ثم قال؛ وهو قول ابن أبي حاتم، ويأتي الرد عليه فلم يذكر شيئا. ونقل العراقي حسبما هو بخط شيخنا عن ن وغيره إسلامه، فعلى إسلامه وصحبته ينتج أن صحابيا ألّف في الطب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 وفي طبقات ابن أبي أصيبعة أيضا، لدى ترجمة تيادون الطبيب الفاضل المشهور، الذي كان في دولة بني أمية، المتوفى بواسط في نحو تسعين من الهجرة، له من الكتب كناش كبير، ألّفه لابنه، كتاب ابدال الأدوية وكيفية دقها، وانقاعها واذابتها، وشيء من تفسير أسماء الأدوية اهـ من عيون الأنباء ص 123 من ج 1. ونقل صاحب الجاسوس على القاموس في ص 501 عن الفرّاء في كعب الحبر «1» ، وهو كعب بن ماتع الحميري، كان يهوديا، وأدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما قيل له كعب الحبر، لمكان هذا الحبر الذي يكتب به لأنه كان صاحب كتب اهـ وكانت وفاة كعب في خلافة عثمان، وفي ترجمة عبيدة بن قيس السلماني: ممن أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين ولكنه لم يلقه، ومات سنة 72 من الهجرة، من طبقات ابن سعد بسنده إلى النعمان بن قيس قال: دعا عبيدة بكتبه عند موته فمحاها وقال: أخشى أن يليها أحد بعدي، فيضعونها في غير موضعها اهـ وعنه أيضا قال: لا تخلدن علي كتابا انظر ص 63 من ج 6. وفي ترجمة عروة بن الزبير، من طبقات ابن سعد أيضا، أخبرنا إسحاق بن أبي إسرائيل، أنا عبد الرزاق بن همام، أنا معمر عن هشام بن عروة قال: أحرق أبي يوم الحرة كتب فقه كانت له، فكان يقول بعد ذلك: لأن تكون عندي أحب إليّ من أن يكون لي مثل أهلي ومالي اهـ انظر ص 133 من ج 5 ووقعة الحرة كانت سنة 63 من الهجرة وكثير من الصحابة كانوا في الأحياء قال بعضهم: هل احترقت كتب عروة في اليوم الذي كتبت فيه، بل كتبت هي وغيرها من الكتب في غضون القرن الأول، فهل بقي شك في أن العرب دوّنوا علومهم في الصحف من ابتداء القرن الأول الهجري؟ اهـ. ويؤيد هذا الظن القاضي بأن الكتب كثرت أول القرن الثاني، وآخر الأول: ما في ترجمة أبي عمرو بن العلاء، من ابن خلكان؛ أن كتبه التي كتبت عن العرب الفصحاء، قد ملأت بيتا غرفة إلى قريب من السقف، وولد المذكور سنة 65، ومات وسط القرن الثاني. وفي ترجمة ابن شهاب الزهري، من تهذيب التهذيب، للحافظ ابن حجر: قال معمر عن صالح بن كيسان: كنت أطلب العلم أنا والزهري، فقال: تعال نكتب السنن قال: فكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: تعال نكتب ما جاء عن الصحابة قال: فكتب ولم أكتب فنجح وضيعت. ونقل أيضا عن أبي الزناد: كنا نكتب الحلال والحرام، وكان ابن شهاب يكتب كل ما سمع، فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس، هذا مع أن ابن شهاب ولد سنة خمسين أو بعدها بيسير، ومات سنة 123، وأدرك جماعة من الصحابة أخذ عنهم، كعبد الله بن عمر، وسهل بن سعد، وأنس، وجابر، وأبي الطفيل، والسائب بن يزيد، ومحمود بن الربيع، وأبي أمامة وغيرهم، أوصلهم أبو نعيم في الحلية لأزيد من العشرين.   (1) قلت: وهو المشهور بكعب الأحبار. مصححه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 فعلى هذا كتب السنن المرفوعة مجردة، ثم لما أفردها، كتب ما جاء عن الصحابة. وأخرج ابن سعد في ترجمة ابن شهاب، من طبقاته عنه قال: كنا نكره كتب العلم، حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء، فرأينا أن لا يمنعه أحد من المسلمين. وفي الطبقات عنه أيضا؛ عن معمر: كنا نرى أنا أكثرنا عن الزهري، حتى قتل الوليد. فإذا الدفاتر قد حملت على الدواب من خزائنه. يقول: من علم الزهري. وفي طبقات ابن سعد أيضا عند ترجمة المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: كان ثقة قليل الحديث إلا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخذها من أبان بن عثمان، فكان كثيرا ما تقرأ ويأمرنا بتعلمها اهـ. وهذا يؤذن بأنها كانت عنده مدونة مجموعة. وفي ترجمة ابن شهاب من وفيات الأعيان لابن خلكان: أنه كان إذا جلس في بيته وضع كتبه حوله، فيشتغل بها عن كل شيء من أمور الدنيا، فقالت له امرأته يوما، والله لهذه الكتب اشد علي من ثلاث ضرائر اهـ. وفي كشف الظنون، أن لابن شهاب المذكور كتب المغازي. انظر ص 301 من ج 2، وأعاد ذلك أيضا في ص 471 من ج 2 أيضا. وفيه أيضا يقال: أول من صنف فيها يعني المغازي والسير، عروة بن الزبير، وجمعها أيضا وهب بن منبه، ولوهب بن منبه صاحب الأخبار والقصص، المتوفى سنة 110 أو بعدها، كتاب في الملوك المتوجين من حمير وأخبارهم، وأشعارهم وقصصهم، قال ابن خلكان: إنه شاهده بنفسه، وأنه في مجلد واحد، وهو من الكتب المفيدة اهـ انظر ترجمة وهب بن منبه من وفيات الأعيان. وقال ابن خلكان في وفيات الأعيان حين ترجم لأبي هاشم خالد بن يزيد بن معاوية الأموي، المتوفى سنة 85 من الهجرة بعد أن وصفه بأنه كان من أعلم قريش بفنون العلم ما نصه: له كلام في صنعة الكيمياء والطب، وكان بصيرا بهذين العالمين، متقنا لهما. وله رسائل دالة على معرفته، وأخذ الصنعة عن رجل من الرهبان يقال له: مريانس الرومي. وله فيها ثلاث رسائل، تضمنت إحدا هن ما جرى له مع مريانس المذكور، وصورة تعلمه منه، والرموز التي أشار إليها، وله فيها أشعار كثيرة مطولات، ومقاطع دالة على حسن تصرفه، وسعة علمه اهـ كلام ابن خلكان ص 168 من ج 1. وقد ذكر ابن النديم في فهرسته ص 89، والسجستاني في كتاب المعمرين، أن عبيد بن شرية الجرهمي النسابة الأخباري، المعمر المتوفى سنة 67، ألّف كتاب الملوك وأخبار الماضين، لمعاوية ابن أبي سفيان، وذلك أن معاوية استحضره من صنعاء اليمن، فسأله عن الأخبار المتقدمة، وملوك العرب والعجم، وسبب تبلبل الألسنة، وافتراق الناس في البلدان، ونحو ذلك، فلما أجابه أمر معاوية أن يدون قوله. ونسب إلى عبيد هذا. فكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 ذلك أوّل ما دون في الأخبار. وسمى كتابه هذا كتاب الملوك وأخبار الماضين وألف كتابا آخر سمّوه أيضا كتاب الأمثال. وقد ترجم لعبيد المذكور الحافظ في الإصابة، ونقل عن الرشاطي عن الهمذاني: أن معاوية كان مستشرفا لأخبار حمير. فقال عمرو بن العاص: أين أنت عن عبيد بن شرية، فإنه أعلم من بقي بأخبارهم وأنسابهم، فكتب إليه فأخذ عنه الأخبار فألفها كتابا، وقد زيد فيه ونقص، فلا يوجد منه نسختان مستويتان اهـ. وذكر ابن النديم كتبا في مواضع مختلفة، ألفها أبو مخنف الأزدي من أصحاب علي، فيها تراجم المشاهير وغيرهم، وكان أبو مخنف هذا صاحب أخبار وأنساب والأخبار أغلب عليه، وكتاب ألفه عوانة بن الحكم الكلبي في التاريخ، وذكر ابن النديم أيضا أن زياد بن أبيه الداهية المشهور الذي استلحقه معاوية بنسبه، ليستعين به على أعدائه عمل في نسبه كتابا دفعه إلى ابنه. وفي شرح الشفا للقاضي الخفاجي ص 175 من ج 1: حين ترجم أبا العالية وهو رفيع بن مهران التابعي- أسلم في زمن أبي بكر ومات سنة 90- ما نصه: وله تفسير. اهـ من نسيم الرياض. ونسب صاحب كشف الظنون لمجاهد بن جبر المكي المتوفي سنة 104 تفسيرا، ولقتادة بن دعامة السدوسي تفسيرا أيضا، وزاد فيه خارجة بن مصعب: مقدار ألف حديث اهـ انظر ص 13 وصفحة 14 منه. وفي كشف الظنون أيضا لدى الكلام على الوجوه والنظائر في القرآن، نقلا عن الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي، وقد نسب كتاب فيه إلي عكرمة عن ابن عباس، وكتاب آخر إلى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس. وألف فيه مقاتل بن سليمان اهـ انظر حرف الواو من الكشف ص 628. وفيه أيضا في حرف الكاف كتاب الإخلاص للحسن البصري، ذكر الخطيب في ترجمة الحلاج من تاريخ بغداد أن القاضي أبا عمر المالكي توقف في أمره، أي الحلاج، حتى قرأ في كتاب له فوقف على أمر له فقال: له من كتاب الإخلاص للحسن فقال: كذبت يا حلال الدم، قد سمعنا كتاب الإخلاص للحسن بمكة، ولم يكن فيه شيء من هذا، ثم حكم بقتله. كذا في النكت الوفية، فهذا إقرار من القاضي أبي عمر أن كتاب الإخلاص للحسن فهو أول من صنف مطلقا اهـ من كشف الظنون ص 259 من ج 2. وفي ترجمة حميد الطويل، من طبقات ابن سعد: أخبرت عن حمّاد بن سلمة عن حميد أنه أخذ كتب الحسن فنسخها وردها عليه اهـ انظر ص 7 من ج 7 من القسم 2. وفي طبقات ابن سعد، لما ترجم للحسن بن محمد بن الحنفية، المتوفي في أيام عمر بن عبد العزيز: عن زاذان وميسرة أنهما دخلا على الحسن بن محمد، فلاماه على الكتاب الذي وضع في الإرجاء فقال لزاذان: يا أبا عمر، لوددت أني كنت ميتا ولم أكتبه انظر ص 241 من ج 5. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 وقد ذكر شيخ بعض شيوخنا حافظ الحجاز الشيخ محمد عابد الأنصاري السندي في ثبته حصر الشارد: إسناده لكتاب التفسير عن مجاهد واسناده لكتاب التفسير عن الضحاك وإسناده لكتاب التفسير عن روح بن عبادة. انظر حرف التاء. وبكل ذلك تعلم ما نقله الحافظ السيوطي في تنوير الحوالك على موطأ مالك عن الشيخ أبي طالب المكي في القوت: هذه المصنفات من الكتب حادثة بعد سنة عشرين أو ثلاثين ومائة، فانظره ونص عبارة القوت ص 109 من ج 1: هذه المصنفات من الكتب حادثة بعد سنة عشرين ومائة من التاريخ، وبعد وفاة كل الصحابة. وعلية التابعين، ثم قال بعد سنة عشرين أو أكثر من التاريخ. باب في اعتناء قوّاد الصحابة برفع التقارير الجغرافية للخلفاء الراشدين عن البلاد التي يفتحونها في صناجة الطرب في تقدمات العرب ص 419، أن الخلفاء صدر الإسلام أمروا أمراء جيوشهم وعمالهم، أن يرسم كل منهم خطط البلاد التي افتتحها واستولى عليها اهـ. قلت: ومن أمثلة تلك التقارير، أن عمرو بن العاص لما أتم فتح مصر أرسل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كتابا يصف له فيه مصر، وشرح له السياسة التي سيتخذها فيها ونصه: مصر تربة غبراء (سهلة الإنبات) وشجرة خضراء (كثيرة الشجر الأخضر) طولها شهر، وعرضها عشر (لعله يريد أن الماشي يقطعها طولا في شهر، وعرضا في عشرة أيام) يكتنفها جبل أغبر (يحيط بها جبل ضارب إلى السواد) ورمل أعفر (أبيض مائل إلى الحمرة أو الصفرة) يخط وسطها نهر ميمون الغدّوات مبارك الروحات (محمود الذهاب والإياب) يجري بالزيادة والنقصان، كجري الشمس والقمر. له أوان (يزيد وينقص في أزمنة معينة) تظهر به عيون الأرض وينابيعها حتى إذا عجّ عجيجه (معظم مائه) وتعظمت أمواجه (انقطعت وتسربت في الأرض) لم يكن وصول بعض أهل القرى إلى بعض إلا في خفاف القوارب وصغار المراكب، فإذا تكامل في زيادة نكص (رجع وذهب) على عقبه، كأول ما بدا في شدته، وطمى في حدّته (ونقص في شدة كما زاد بقوة) فعند ذلك يخرج القوم ليحرثوا بطون أوديته وروابيه (أعالي الأرض وأسافلها) يبذرون الحبّ ويرجون الثمار من الرب، حتى إذا أشرق وأشرف (ظهر وبان) سقاه من فوقه النّدى وغذاه من تحته الثرّى، فعند ذلك يدرّ حلابه ويغنّي ذبابه (يعظم محصوله) فبينما هي يا أمير المؤمنين درّة بيضاء إذا هي عنبرة سوداء، وإذا هي زبرجدة خضراء فتعالى الله الفعال لما يشاء، الذي يصلح هذه البلاد وينميها ويقر قاطنها فيها أن لا يقبل قول خسيسها في رئيسها، وأن لا يستأدى خراج ثمرة إلا في أوانها، وأن يصرف ثلث ارتفاعها في عمل جسورها وترعها، فإذا تقرر الحال مع العمال في هذه الأحوال، تضاعف ارتفاع المال، والله تعالى يوفق في المبتدأ والمال اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 قال أبو المحاسن في النجوم الزاهرة: في ملوك مصر والقاهرة المطبوع بليدن سنة 1850 م فلما ورد هذا الكتاب على عمر بن الخطاب قال: لله درك يا ابن العاص، لقد وصفت لي خبرا كأني أشاهده اهـ. وقد ترجم هذا التقرير ونشره إلى عدة لغات أجنبية الكاتب الفرنسوي الشهير (أو كتاف أوزان) في جريدة (الفيجارو) الفرنسوية ووصفه بقوله، إنه من أكبر آيات البلاغة، في كل لغات العالم، وقال عنه: إنه من الفرائد في إيجازه وإعجازه، واقترح وجوب تدريسه في جميع مدارس المعمورة، حتى يتعلموا منه مع قوة الوصف ومتانة التعبير، صحة الحكم على الأشياء وكيفية تنظيم الممالك وسياسة الإستعمار اهـ. وقد ترجم هذا الوصف من مؤرخي الإنجليز المؤرخ جيبون والدكتور بطلر انظر ص 130 من تاريخ عمرو بن العاص. باب في أن ترجمة الكتب القديم العلوم العمرانية من طب وكيمياء وصناعات ونحوها وقع الاعتناء به أواخر أيام الصحابة قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفى سنة 255 في كتابه البيان والتبيين: وكان خالد بن يزيد بن معاوية خطيبا شاعرا، وفصيحا جامعا، وكان أول من ترجم كتب النجوم والطب والكيمياء اهـ منه ص 126 من ج 1 ط مصر سنة 1313. وذكر ابن أبي الحديد المدائني، في شرح نهج البلاغة، ص 476 من ج 3 طبعة مصر أن خالد بن يزيد بن معاوية كان أول من أعطى التراجمة والفلاسفة، وقرّب أهل الحكمة، ورؤساء أهل كل صناعة، وترجم كتب النجوم والطب، والكيمياء والحروب، والأداب والصناعات اهـ. ولا شك أن خالدا المذكور مات سنة 85 من القرن الأول، وقد عاش بعد هذا التاريخ كثير من الصحابة. وفي شرح الشمس محمد السفاريني على عقيدته؛ نقلا عن الصلاح الصفدي: لم يبتكر المأمون العباسي النقل والتعريب، بل فعل ذلك قبله كثير؛ فإن يحيى بن خالد عرّب من كتب الفرس كليلة ودمنة، وعرّب لأجله كتاب المجسطي، من كتب اليونان، والمشهور أن أول من عرّب كتب اليونان: خالد بن يزيد بن معاوية، لما ولع بكتب الكيمياء. ثم قال السفاريني بعد ص 10 أما خالد بن يزيد فعربت له كتب الطب والنجوم. وقيل: الذي عربت له كتب الطب والنجوم المنصور. وأما خالد فإنما ولهه في صنعة الكيمياء. وله في ذلك رسائل، وكان قد أخذ ذلك عن رجل من الرهبان يقال له: مريان الرومي اهـ منه. وفي كشف الظنون المطبوع: كان خالد بن يزيد بن معاوية يسمى حاكم «1» آل   (1) كذا ولعل الصواب: حكيم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 مروان، خطر بباله الصنعة. فأحضر جماعة من الفلاسفة، فأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اليوناني إلى العربي، وهذا أول نقل كان في الإسلام اهـ منه ص 447 من ج 1. وفي أوائل السيوطي: أول من ترجمت له كتب الطب والنجوم خالد بن يزيد بن معاوية. وقيل: المنصور اهـ. وذكر ابن النديم في فهرسته: أن صناعة الكيمياء كانت رائجة في أيام خالد بن يزيد بن معاوية في مدرسة الاسكندرية، فاستقدم جماعة منهم راهب رومي اسمه اسطفان القديم انظر ص 242 وص 244 منها. وبكلام ابن أبي الحديد السابق تعلم ما في قول جرجي زيدان في تاريخ آداب اللغة العربية: لعلهم ترجموا لخالد بن يزيد شيئا في علم النجوم لم يصلنا خبره، وفي أخبار الحكماء لابن القفطي ص 440 في ترجمة ابن السنبدي؛ أنه شاهد في خزائن الكتب بالقاهرة كرة نحاس، وعليها مكتوب: حملت هذه الكرة من الأمير خالد بن يزيد بن معاوية. [تاريخ الحكماء وهو مختصر الزوزني من أخبار العلماء طبعة 1903 لينبريغ] . قلت: وبكل ما سبق عن الجاحظ، وابن النديم، وابن خلكان، وابن القفطي، وابن أبي الحديد، والصفدي، والسيوطي، وغيرهم تعلم ما في تعقل ابن خالدون البارد، وذلك في قوله: من المعلوم البيّين أن خالدا من الجيل العربي والبداوة إليه أقرب، فهو بعيد عن العلوم والصنائع بالجملة، فكيف له بصناعة غريبة المنحى مبنية على طبائع المركبات وأمزجتها، وكتب الناظرين في ذلك من الطبيعيات والطب لم تترجم بعد اهـ. ويكفي في رد تهجمه قول ابن النديم: وهو من هو من القرب إلى ذلك الزمن والاطلاع العظيم أن صناعة الكيمياء كانت رائجة في زمن خالد. وبذلك يهوي تعقل ابن خالدون في الدرك الأسفل من الفساد والله أعلم. وفي تاريخ آداب اللغة العربية المذكور أن طبيبا كان معاصرا لمروان بن الحكم اسمه ماسرجوية سرياني الجنس يهودي المذهب، كان يقيم في البصرة، وظهر في أيامه، كتاب في الطب هو كناش (حاوي) من أفضل الكنانيش ألفّه القس أهرون بن أعين في اللغة السريانية، فنقله ماسرجوية إلى العربية. فلما تولى عمر بن عبد العزيز، وجد هذا الكتاب في خزائن الكتب في الشام، فحرضه بعضهم على إخراجه إلى المسلمين للانتفاع به، فاستخار الله في ذلك أربعين يوما ثم أخرجه إلى الناس، وبثه في أيديهم انظر ص 233 من ج 1. وفي شفاء الغليل: الكنّاش بضم الكاف العربية وتخفيف النون وآخره شين معجمة بوزن غراب لفظ سرياني: المجموعة والتذكرة وقد وقع هذا اللفظ كثيرا في كلام الحكماء، وسموا به بعض كتبهم كما يعرفه من طالع كتب الحكمة اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 باب في أن أول من تكلم في علوم القوم الصحابة قال ابن ليون التجيبي في الأنالة العلمية: أول من تكلم في علوم التصوف علي اهـ. وقال العالم الصالح أبو القاسم علي بن محمد بن خجو: في ضياء النهار: الصحابة كان علمهم بالله وبالآخرة، وكانوا أهل خوف وحزن، ومجاهدة، ومراقبة، وقناعة، وصبر، وتوكل، ورضى، وانقطاع إلى الله، واخلاص عميم، وكانوا مشغولين بتحصيل العبادة، من جهاد ومجاهدة النفوس، والايثار والبحث عن مكارم الأخلاق، والتوحيد والاخلاص، واليقين والذكر وهذا هو علم التصوف. ولم ترد جل خطب النبي صلى الله عليه وسلم وجل وصاياه إلا بما اشتمل عليه علم التصوف، وكانت تتعاطاه الصحابة من الذكور والاناث. فالعلم الواجب على كل مكلف: هو ما كانت تتعاطاه الصحابة في وقته، وذلك علم التوحيد، والاخلاص، وسائر مقامات التصوف، من التوبة إلى انقضاء غايته اهـ. وبذلك تعلم أن ما وقع في المدخل من أن الحسن البصري أولّ من فتح الكلام في طريق القوم، وهو رضيع إحدى زوجاته عليه السلام، وهي أم سلمة يعني بعد علي، ثم وجدت القاضي ابن الحاج نقل في حواشيه على الدر الثمين عن التستري في رسالته العلمية أن الحسن البصري قال: أول من تكلم في التصوف والفقر علي. قال: ومن ثم جعله الوالد في نظمه للحكم واضعا لعلم التصوف فقال: وله علي واضع ... هو ذو العلم وذو الحكم اهـ ونحوه له في الأزهار الطيبة النشر، لدى كلامه على واضع علم التصوف، وفي الذهب الأبريز للقاوقجي: أبو ذر الغفاري هو أول من تكلم في علم البقا والفنا اهـ. وفي القوت للإمام أبي طالب المكي: كان الحسن البصري أول من نهج سبيل هذا العلم، وفتق الألسنة به، ونطق بمعانيه، وأظهر أنواره وكشف قناعه، وكان يتكلم فيه بكلام لم يسمعوه من أحد من اخوانه. فقيل له: يا أبا سعيد، أنت تتكلم في هذا العلم بكلام لم نسمعه من أحد غيرك فممن أخذت هذا؟ فقال من حذيفة بن اليمان. وقيل لحذيفة بن اليمان: نراك تتكلم في هذا العلم لا نسمعه من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فممن أخذته قال: خصني به رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ منه. وقال: قيل: الحسن هو إمامنا في هذا العلم، الذي نتكلم فيه، أثره نقفو، وسبيله نقتفي ومن مشكاته نستضيء، أخذنا ذلك بإذن الله، وإمامنا عن إمام، إلى أن ينتهي ذلك إليه. وقد لقي سبعين بدريا، ورأى ثلاثمائة صحابي. ورأى عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب الخ وذكر قبل أنّ علي بن أبي طالب انتهى. في مسجد البصرة إلى حلقة الحسن البصري، وهو يتكلم في هذا العلم، فاستمع إليه ثم انصرف ولم يخرجه. انظر ص 148 و 149 و 150 من ج 1 من القوت. وبذلك تعلم كذب من زعم أن سيدنا عليا أخرجه من المسجد، ونهاه عن التكلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 باب في أن أول من وضع علم النحو في الإسلام الصحابة أخرج أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي النحوي في أماليه قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن رستم الطبري؛ حدثنا أبو حاتم السجستاني، حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، حدثنا سعيد بن سالم الباهلي، حدثنا أبي عن جدي، عن أبي الأسود الدؤلي قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فرأيته مطرقا مفكرا فقلت: فيم تفكر يا أمير المؤمنين؟ قال: إني سمعت ببلدكم هذا لحنا، فأردت أن أضع كتابا في أصول العربية، ثم أتيته بعد ثلاث، فألقى إليّ صحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم الكلام كله اسم وفعل وحرف، فالاسم ما انبنى على المسمى، والفعل ما انبنى على معنى؛ والحرف ليس باسم ولا فعل، ثم قال لي: تتبعه وزد فيه ما وقع لك، واعلم يا أبا الأسود؛ أن الأشياء ثلاثة، ظاهر، ومضمر، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر، وإنما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر ولا مضمر. قال أبو الأسود: فجمعت منه أشياء عرضتها عليه، فكان من ذلك حروف النصب، فذكرت منها إن وأن وليت ولعلّ وكأن، ولم أذكر لكن فقال لي لم تركتها؟ فقلت: لم أحسبها منها. قال: بلى هي منها، فزادني فيها «1» . هكذا ساق هذا الأثر الحافظ السيوطي في أوائله، وجمع الجوامع، وابن الهندي في الكنز؛ عن الزجاجي. كما ذكر. ولم أجده في أمالي الزجاجي المطبوعة، فلعله في غيرها، إذ له الأمالي الكبرى، والصغرى، والوسطى، والصغرى هي المطبوعة بمصر، أو لزجاجي آخر، لعله أبو إسحاق. وفي ترجمة أبي الأسود من الاصابة؛ نقلا عن أمالي أبي علي القالي: أول من وضع العربية، ونقط المصحف أبو الأسود. وقد سئل أبو الأسود عمن نهج له الطريق فقال: تلقيته من علي. وأخرج الأصبهاني في الأغاني، من طريق جعفر ابن أبي حرب ابن أبي الأسود الدؤلي، عن أبيه قال: قيل لأبي الأسود الدؤلي: من أين لك هذا العلم؟ يعني النحو. قال: أخذت حدوده عن علي. وأخرج البيهقي في الشعب، وابن عساكر، وابن النجار، عن صعصعة بن صوحان أن عليا قال لأبي الأسود: ضع للناس شيئا يستدلون به على صلاح ألسنتهم، فرسم له الرفع والنصب والخفض. انظر كتاب العلم من كنز العمال. ولما رفع الشيخ أبو محمد عبد القادر بن أحمد الكوهن الفاسي، في فهرسته إسناده   (1) انظر كنز العمال ج 10 ص 283 وصححت منه بعض الأخطاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 في علم النحو إلى أبي الأسود، عن علي كرم الله وجهه قال: وهو أي علي واضعه؛ كما أخرجه الزجاجي في أماليه، والبيهقي في شعب الإيمان، وأبو الفرج في الأغاني، من طرق متعددة. وهذا مظهر قوله عليه السلام: أنا مدينة العلم وعلي بابها أخرجه الترمذي «1» ، والحاكم، عن علي، وأخرجه الحاكم أيضا والطبراني عن ابن عباس اهـ ومن نسخة عليها خطه نقلت. وفي الأزهار الطيبة النشر، للقاضي أبي الفتح ابن الحاج: لما جاء الأسلام واختلطت الأمم، وخيف على العربية الضياع، تكلم فيها علي بن أبي طالب ورسم أصولها، ومن ثم جعله والدنا في ميميته في السيرة تبعا لغيره، واضعا لهذا الفن فقال بعد أبيات: هو الذي كان واضعا لنحو أتى ... في اسم وفعل وحرف غير ملتئم ثم تصدى بعد ذلك لتحرير قواعدها، ودفع الشكوك عنها، والشبه أبو الأسود الدؤلي، ومن ثم جعله الشريشي في شرح المقامات، والأزهري في التصريح؛ تبعا لغيرهما واضعا لهذا الفن. وهو تابعي مات بالبصرة سنة 69 عن 85. وإلى هذا أشار ابن شعبان في ألفيته بقوله: أول من أفادنا النحو علي وحكى الفخر الرازي: أن عليا رسم لأبي الأسود باب الاضافة، وباب الإمالة، ثم صنف أبو الأسود باب العطف، وباب النعت، ثم باب التعجب، وباب الاستفهام اهـ الخ. وفي سعود المطالع للأبياري: واشتهر أن أول من وضعه أبو الأسود الدؤلي من الصحابة، بأمر من الإمام علي، أو عمر لأسباب مختلفة يمكن الجمع بينها بتعدد الوقائع اهـ واستظهر الشيخ الأبياري المذكور؛ في أول كتابه القصر المبني في حواشي المغني أن قواعد هذا العلم وأصوله التي بها يعرف وجوه الكلام؛ كانت معروفة بين الصحابة، أو بين أفراد منهم، وأن أمر علي لأبي الأسود بوضع النحو؛ يدل على أن هذا العلم معروف معلوم، لدى الآمر والناهي. انظر الحاشية المذكورة. وذكر ابن الأنباري في ترجمة أبي الأسود من نزهة الألباء في طبقات الأدباء أنه وضع مختصرا في النحو، منسوبا له. وأن سببه أن زياد بن أبيه قال له: لو وضعت للناس شيئا. أنظر ص 11 منه. وقد ذكر ابن النديم في فهرسته، مما شاهده بعينه، في عرض كلامه، عن خزانة كتب أطلعه عليها أحد جمّاعي الكتب، فكان من جملة ما فيها: قمطر كبير فيه نحو 300 رطل جلود فلجاب وصكوك وقرطاس مصري وورق صيني وورق خراساني وبينهما أربع أوراق قال: أحسبها من ورق الصين؛ ترجمتها هذه: فيها كلام في الفاعل والمفعول من أبي   (1) جاء في الترمذي في كتاب المناقب ج 5 ص 637 قوله: أنا دار الحكمة وعليّ بابها. ثم قال: هذا حديث غريب منكر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 الأسود، بخط يحيى بن يعمر. وتحت هذا الخط بخظ عتيق هذا خط علّان النحوي، وتحته هذا خط النضر بن شميل، ثم لما مات هذا الرجل، فقدنا القمطر انظر ص 40 من الفهرست. وبعد أن قرر القاضي ابن الأزرق في عروض الأعلام في منزلة العربية من علوم الإسلام، أن السلف تسارعوا إلى وضع العربية، لما علموا في ذلك من المصلحة، قال: هذا إن سلّم أن وضع هذا العلم لم يتقدم إليه الخلفاء الراشدون، وأما إن كانوا هم الذين أمروا به، وأرشدوا إلى تأصيل أوضاعه، كما يدل عليه ما تقدم، فهو بلا شك من جملة ما سنّوا من الخير الذي سبقوا إليه، ودليله هو بعينه دليل جمع المصحف وغير ذلك، مما تقتضيه قاعدة المصالح المرسلة اهـ منه. وذكر قبل ذلك بعد أن نقل من عدة وجوه: أن أول من وضع النحو علي. وأن عنه اقتفى أبو الأسود وضعه على مقتضى ما علمه، وقد ضمن بعضهم هذا المعنى في عرض الفخر به والمدح، لابن عصفور، لما وافق اسمه اسم أمير المؤمنين، فاتح باب الوضع لهذا العلم المنسوب إليه فقال: نقل النحو إلينا الدؤلي ... عن أمير المؤمنين البطل بدأ النحو عليّ وكذا ... ختم النحو ابن عصفور علي وانظر رسالة الأخبار المروية في سبب وضع العربية، للحافظ السيوطي. باب في أن عليا كرم الله وجهه هو أول من نطق بالتصحيف أحد أنواع البديع وهو أن تأتي بلفظ واحد تحتمل قراءته بوجهين، وتسمية بقية ما استنبطه من العلوم. من ألطفه قول سيدنا علي كرم الله وجهه: كل عنب الكرم تعطيه، فإنه يصحف بقولك: كل عيب الكرم يغطيه، قال جد جدنا لأمه العلامة أبو الفيض حمدون ابن الحاج في شرحه: النوافح العالية في المدائح السليمانية: علي هو أول من نطق بالتصحيف في كلامه، انظره. ثم وجدت من سبقه إلى ذلك، وهو صاحب مدينة العلوم؛ نقل عن الشيخ عبد الرحمن البسطامي: أول من تكلم بعلم التصحيف الإمام علي بن أبي طالب، ومن كلامه في ذلك: خراب أهل البصرة بالريح، بالراء والحاء. المهملتين بينهما ياء. قال الحافظ الذهبي: ما علم تصحيف هذه الكلمة إلا بعد المائتين من الهجرة: يعني خراب البصرة بالزنج بالزاي والنون والجيم. قال: وللإمام في هذا العلم صنائع بديعة اهـ. وفي إتحاف الرواة بمسلسل القضاة، للشهاب أحمد بن الشلبي الحنفي المصري؛ تعرضه لأوليات سيدنا علي قيل: إنه أول من تكلم في التصحيفات اللوذعية فقال: كل عنب الكرم الخ الخ ونحوه لابن هشام، في الفصل الرابع من كتابه موقد الأدهان وموقظ الوسنان، وفي الجرعة الصافية والنفحة الكافية، للشيخ المختار بن أحمد الكنتي الوافي: علي هو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 الذي استنبط علم النحو، والكيمياء، والاسطرلاب، وأسرار الحروف، وأسرار الحساب، والتنجيم، والأوفاق، والتعبير، والفرائض، ودقائق القسمة، إلى غير ذلك اهـ. وفي بهجة الآفاق في علم الحروف والأوفاق لجوّاب الكرة الأرضية، الشمس محمد بن الغلاني الدانكوري السوداني، دفين مصر: صنف علي في الجفر، والجامعة في أسرار الحروف الكونية، وهو ألف وسبعمائة مصدر من مفاتيح الأسرار، وهو أول من وضع مربع مائة في مائة من الصحابة، كما قال صاحب الكنز الباهر في شرح حروف الملك الظاهر. باب في أن الصحابة تكلموا في علم الكلام قبل أن يتكلم فيه ويدوّن الإمام الأشعري نقل الشيخ الأمير، في حواشي الجوهرة عن الإمام أبي علي اليوسي: أنه اشتهر عن أبي الحسن الأشعري أنه واضع علم الكلام، وليس كذلك. بل تكلم فيه عمر بن الخطاب، وأنس، وألف فيه مالك رسالة قبل أن يولد الأشعري اهـ نقله الشيخ عليش في فتاويه أثناء جواب له: في واضع علم الكلام قائلا: الأولى أنه علم قرآني، لأنه مبسوط في كلام الله، بذكر العقائد، والنبوات، والسمعيات، انظر ص 13 من ج 1 ونقل الحافظ السيوطي في شرح نظمه لجمع الجوامع، عن أبي الوليد الباجي: ناظر ابن عمر منكري القدر، واحتج عليهم بالحديث، وناظر ابن عباس الخوارج اهـ منه. قلت: من طالع كتاب الأسماء والصفات للبيهقي لم يبق له شك في أنه علم قديم خاض فيه المصطفى والصحابة وصدور التابعين. باب املاء الصحابة على من يكتب عنهم روى ابن عدي والبيهقي في المدخل عن أبي الخطاب معروف الخياط قال: رأيت واثلة بن الأسقع يملي على الناس الأحاديث، وهم يكتبونها عنه. باب وقت بروزه عليه السلام للجواب عن أسئلة السائلين وأغلب ما كانوا يسألونه عنه عن أبي موسى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر انحرفنا إليه فمنا من يسأله عن القرآن، ومنا من يسأله عن الفرائض، ومنا من يسأله عن الرؤيا، رواه الطبراني في الكبير. قال الهيثمي: وفيه محمد بن عمر الرومي ضعفه أبو داود وأبو زرعة، ووثقه ابن حبان. فائدة: في طبقات ابن سعد عن الزهري؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأذن بعد الظهر. وهي السنة وكان يأذن عليه أنس مولاه انظر ص 33 من ج 3. فعلى هذا: كان عليه السلام إذا دخل إلى منزله بعد صلاة الزوال، إنما يأذن الناس في الدخول عليه ولقائه بعد الظهر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 باب في مراجعتهم الحديث فيما بينهم إذا فارقهم المصطفى عليه السلام ترجم الهيثمي في المجمع: باب في مدارسة العلم ومذاكرته، عن أنس قال: كنا قعودا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فعسى أن يكون قال ستين رجلا فيحدثنا الحديث، ثم يدخل لحاجته، فنراجعه بيننا هذا، ثم هذا، فنقوم كأنما درّ [فتح] في قلوبنا. رواه أبو يعلى، وفيه يزيد الرقاشي، وهو ضعيف. باب في أنهم كانوا إذا اجتمعوا تذاكروا العلم وقرأوا سورة من القرآن خرّج الحاكم في المستدرك، عن أبي سعيد قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا تذاكروا العلم وقرأوا سورة. باب في أن العالم منهم قد يأمر تلميذه بالتحديث بمحضره روى البيهقي في المدخل؛ بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال لسعيد بن جبير: حدث. قال: أحدث وأنت شاهد؟ قال: أو ليس من نعم الله عليك أن تحدث وأنا شاهد، فإن أخطأت علمتك. وفي ترجمة سعيد من طبقات ابن سعد أن ابن عباس قال لسعيد: حدث قال أحدث وأنت هاهنا؟ قال: أوليس من نعمة الله عليك أن تحدث وأنا شاهد، فإن أصبت فذاك، وإن أخطأت علمتك. باب في أخذهم القرآن مع التفقه في معانيه تدريجيا عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنهم كانوا يأخذون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الآخرى؛ حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل. قال: فتعلمنا العلم والعمل رواه أحمد، وابن سعد في الطبقات. وفيه عطاء ابن السائب، اختلط في آخر عمره، وعن ابن عمر قال: لقد عشت برهة من دهري، وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد، فيتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يقف عنده منها، كما تعلمون أنتم القرآن. فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته، ما يدري ما آمره ولا زاجره، وما ينبغي أن يقف عنده فيه، وينثره نثر الدقل. رواه الطبراني في الأوسط. قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. وفي ذيل مجمع بحار الأنوار؛ على حديث. من تعلّم القرآن وعلمه، لا يلزم منه فضله على الفقيه، لأن المخاطبين الصحابة. وكانوا فقهاء يعرفون الفقه من معانيه أكثر مما يعرفه من بعدهم اهـ منه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 وأورد في الجامع الكبير حديث: تعلموا القرآن والتمسوا غرائبه، وغرائبه فرائضه، وفرائضه حدوده، وحدوده حلال وحرام، ومحكم ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، واعتبروا بأمثاله. وعزاه للديلمي عن أبي هريرة. وفي الموطأ «1» أن ابن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها. قال الباجي في المنتقى: ليس ذلك لبطء حفظه، معاذ الله، بل؛ لأنه كان يتعلم فرائضها وأحكامها، وما يتعلق بها. وأخرج الخطيب في رواة مالك عن ابن عمر قال: تعلم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلما ختمها نحر جزورا. نقله السيوطي في تنوير الحوالك وقد عدّ الونشريسي في فصل البدع من المعيار: من البدع اقتصار الناس على حفظ حروف القرآن دون التفقه فيه، ثم إنه ذكر عن ابن عمر ما سقناه. قال: قال العلماء معناه: أنه كان يتعلم فرائضها وأحكامها اهـ منه. ونقل ابن عبد السلام في محاذيه عن الحافظ الذهبي في حق مجاهد: أنه صح عنه أنه قال: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، أقفه فيها عند كل آية، أسأله فيم نزلت؟ وكيف كانت؟ اهـ. وفي جامع البيان والتحصيل لأبي الوليد بن رشد: أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر أنه قد حفظ القرآن في البصرة في هذه السنة خلق كثير، فكتب له أن يفرض لهم ثم كتب له في السنة بعدها أنه قد حفظ القرآن أضعاف ذلك، فقال له أتركهم، فإني أخشى أن يشتغل الناس بحفظ القرآن، ويتركوا التفقه فيه اهـ. قلت: قصة أبي موسى أوردها في الكنز فانظره، وفي شرح الملا علي القاري على مسند أبي حنيفة: كان من يقرأ القرآن في الصدر الأول عالما بالسنة والفقه المتعلق بالصلاة ونحوها، ولذا ورد: يؤمهم اقرأهم اهـ منه. ومن أقرب ما يمثل لنا تفقه من سبق في القرآن حالة حفظه، ما في بذل المناصحة لأبي العباس أحمد بن علي البوسعيدي السوسى، دفين فاس في ترجمة أستاذ درعة أبي القاسم الوحلاني الدرعى قال: حدثني عنه بعض الأصحاب: أنهم سمعوا منه: أنه لا يمحى اللوح حتى يقرأها، بكل ما يتعلق بها من الأحكام، من التجويد بالقراآت والرسم، والأعراب والتفسير. ولكل فن شيخ قال: وربما يبقى في ثمن الجمعة حتى يجتاز بها على جميع شيوخ مطالبها اهـ ومن خط البوسعيدي نقلت.   (1) انظر الموطأ كتاب القرآن باب 4 رقم الحديث 11 ص 205 ج 1. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 باب في أول من أطلق على سفر القرآن المصحف أخرج ابن أشته في كتاب المصاحف، من طريق كهمس بسند منقطع عن بريدة قال: إن أول من جمع القرآن في مصحف؛ سالم مولى أبي حذيفة، ثم ائتمروا على أن يسموه باسم فقال البعض منهم: سموه السفر. فقال: إن ذلك من تسمية اليهود لكتبهم، فكرهوا ذلك. فقال: إني رأيت مثله في الحبشة يسمى المصحف، فأجمع رأيهم على أن يسموه المصحف، فسمى به أنظر أزهار العروش في أخبار الحبوش. وفي باب العلم من سمى المصحف مصحفا أبو بكر. أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب المصاحف. وفي شرح الطريقة المحمدية للعارف النابلسي؛ أن المصحف بضم الميم وقد تكسر وقد تفتح، مأخوذ من أصحف أي جعل فيه الصحف، ثم جعل علما على القرآن الكريم. وأول من سماه به: أبو بكر الصديق. ذكره الوالد في شرحه على الدرر اهـ منه ص 269 من ج 2، ونحوه للزرقاني على المختصر لدى قول الشيخ خ في باب الركوة والقرآن والمصحف. انظره. باب فتوى الصحابة في حكم أجرة نسخ المصاحف عن ابن عباس أنه سئل عن أجرة كتابة المصاحف فقال: لا بأس؛ إنما هم مصورون، وإنما يأكلون من عمل أيديهم. ذكره التبريزي في المشكاة وعزاه لرزين السرقسطى. قال القاري في المفاتيح: فإنما هم مصورون أي ينقشون صور الحروف، وقال: لا بأس، لأن القرآن كما يطلق على صفة الله القديمة، يطلق على ما بين الدفتين من النقوش، فهم إنما يأخذون الأجرة في مقابلة تلك النقوش، الدالة على تلك الصفة. ولذا قال: إنما هم مصورون أي ينقشون صور الحروف. ثم نقل عن الطيبي: الصورة الهيئة والنقش، والمراد هنا: النقش إشعار بالمجموع، لأنه أثبت النقش والمنقوش، والقرآن كان عبارة عن المجموع من القرآن والمقروء، والكتابة والمكتوب، والمقروء هو القديم والكتابة والقراءة ليستا من القديم، لأنها من أفعال القارئي والكاتب، فلما نظر المسؤول إلى تمييز معنى المقروء والمكتوب، وأنهما من صفات الإنسان جوزها اهـ. باب في اعتناء الصحابة ومن كان في زمنهم بنسخ المصاحف وتلاوتهم القرآن فيها ترجم في الاصابة؛ لناجية الطفاوي الصحابي فقال: كان يكتب المصاحف، وترجم لنافع بن ظريب النوفلي فقال: هو الذي كتب المصحف لعمر. وقال هشام الكلبي: كان يكتب المصاحف لعمر، وقال البلاذري: كتب المصاحف لعثمان، وقيل لعمر، وذكر خالنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 أبو المواهب جعفر بن ادريس الكتاني في فهرسته، وتلميذه المطلع المحدث، أبو عبد الله محمد المدني ابن جلون، في كناشته أنه نقل من خط شيخ الأول قاضي الجماعة بفاس شارح تيسير ابن الدّيبع أبي محمد عبد الهادي بن عبد الله العلوي المدغري، أن جده العلامة مولاي التهامي، نظم تركة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في قوله: قد خلف الرسول تسعا تعرف ... سجادة وسبحة ومصحف وقفتان، وسواك وحصير ... مشط ونعلان وابريق منير واضعها مكتوبة في منزله ... يدوم أمن أهله ونزله فعد منها المصحف والسبحة، وربما يستغرب ذلك، ويستنكر أما المصحف فلما اشتهر، وتقرر أن أبا بكر أول من جمع القرآن، فلعله أراد بالمصحف المعدود من المتخلفات النبوية؛ تلك الصحف التي كان يكتب فيها القرآن، وقت نزوله من عظم ونحوه، وقد قال ابن سعد في الطبقات: إن عمر أول من جمع القرآن في المصحف اهـ ص 202 من ج 3 من القسم 1. وقال الخزاعي في فصل: إن عمر أول من دوّن الدواوين، وقد كان أبو بكر جمع القرآن في صحف، وبقيت تلك الصحف عند حفصة أم المؤمنين، إلى زمن عثمان ذكر ذلك أبو محمد بن عطية وغيره، وكان جماعة من الصحابة قد جمعوه أيضا قبل ذلك، ومن أشهرهم عبد الله بن مسعود. قال أبو عمر ابن عبد البر: إن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب وهو بعرفات فقال: جئتك من الكوفة وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلب، فغضب لذلك عمر غضبا شديدا، وقال: ويحك من هو؟ قال: عبد الله بن مسعود. فذهب عنه ذلك الغضب، وسكن إلى حاله. وقال: والله ما أعلم من الناس أحدا هو أحقّ بذلك منه اهـ. وقالوا: إن عثمان حين أكمل كتب المصحف أمر بانتزاع ما عند الصحابة من المصاحف، فانتزعت إلا مصحف عبد الله بن مسعود اهـ. فهذا يدل على أنه كانت مصاحف جمعت قبل مصحف عثمان، وإنما نسبوا ذلك له، لأنه المصحف الذي بعث نسخه إلى الأمصار، وابتهج المسلمون به في جميع الأقطار اهـ. ثم بعد كتبي هذا بمدة وجدت بخط سيدنا الخال رحمه الله إثر الأبيات السابقة ما نصه: والمراد بالمصحف ما جمعه الصحابة، مما بين الدفتين أي اللوحين من القرآن، وفي البخاري: باب من قال: لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما بين الدفتين، ثم ذكر بسنده إلى ابن عباس، وابن الحنفية، أنه لم يترك إلا ذلك، لأنه جمع في الصحف ثم جمعت تلك الصحف في المصحف بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان التأليف في الزمن النبوي والجمع في الصحف في زمن الصديق، والنسخ في المصاحف في زمن عثمان. وقد كان القرآن كله مكتوبا في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 عهده صلى الله عليه وسلم، لكنه غير مجموع في موضع واحد، ولا مرتب السور. قاله القسطلاني. قلت: قد ظفرت بما يدل على أن ما كان نزل من القرآن؛ كان الصحابة يعددون منه النسخ في زمنه عليه السلام. وبوّب عليه البخاري في كتاب الجهاد «1» من الصحيح بقوله: باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو، ثم خرّج عن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو. وفي لفظ لإسحاق بن راهواه في مسنده: كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو. وخرجه أحمد بلفظ: نهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض العدو. وقال البخاري في الترجمة المذكورة؛ وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى أرض العدو، وهم يعلمون القرآن. قال الحافظ: أشار البخاري بذلك إلى أن المراد بالنهي عن السفر بالمصحف، خشية أن يناله العدو، لا السفر بالقرآن نفسه اهـ فلولا أن ما كان نزل من القرآن يجمع في الصحف ونحوها، ويتداوله الناس بالنسخ والملك، ما صح ورود النهي المذكور فتأمله. وأخرج أحمد «2» والطبراني والدارمي عن أبي أمامة قال: لما كان في حجة الوداع: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس، خذوا من العلم قبل أن يقبض العلم، وقبل أن يرفع العلم، الحديث. فسأله اعرابي يا نبي الله كيف يرفع العلم منا وبين أظهرنا المصاحف، وقد تعلمنا ما فيها وعلمناها نساءنا وذرارينا وخدمنا، فرفع النبي رأسه إليه وهو مغضب وقال: هذه اليهود والنصارى بين أيديهم المصاحف، لم يتعلقوا منها بشيء مما جاءتهم به أنبياؤهم، ألا وإن من ذهاب العلم أن يذهب حملته. ولهذه الزيادة شواهد من حديث عوف بن مالك، وابن عمر، وصفوان وهي عند أحمد والترمذي والطبراني والدارمي. والبزار بالفاظ مختلفة وفي جميعها هذا المعني. وفي مسند عبد الله بن عمرو بن العاص من مسند أحمد «3» عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بابن له فقال يا رسول الله إن ابني هذا يقرأ المصحف في النهار ويبيت بالليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تنقم أن ابنك يظل ذاكرا ويبيت سالما. وفي أحكام القرآن لابن العربي على قوله تعالى: وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الأحزاب: 53] في المتاع أربعة أقوال الرابع: صحف القرآن اهـ. وفي المسلسل 41 من مسلسلات المنح البادية في الأسانيد العالية؛ بإسناد مؤلفها إلى القاضي أبي بكر ابن العربي المعافري قال: اشتكت عيني فشكيت إلى الشريف نسيب الدولة   (1) انظره ص 15 ج 4 باب 129. (2) رواه أحمد في الجزء الخامس من مسنده ج 5 ص 266 وفي طبعة المكتب الإسلامي ص 334/ 5. (3) رواه أحمد في ج 2 ج 173، وفي طبعة المكتب الإسلامي ص 230. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 فقال لي: انظر المصحف وهكذا تسلسل إلى علقمة فقال: اشتكت عيني. فقال لي عبد الله بن مسعود: انظر في المصحف، فإن عيني اشتكت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظر في المصحف، زاد غيره في هذا الحديث بقوله: فإن عيني اشتكت، فقال لي جبريل: انظر في المصحف. ثم نقل عن كتاب سلوة الأحزان في فضائل القرآن للزناتي عن أنس رفعه: من قرأ في المصحف لم ير سوآ في بصره ما عاش. انظر المنح. وأما السبحة فقال الشيخ الأمير في فهرسته: لم يصح ما اشتهر من عدها أي السبحة من مخلفاته عليه السلام اهـ وسبقه إلى نحوه ابن سلطان في شرح المشكاة قائلا: إن السبحة المعروفة لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم اهـ ونقل كلام الأمير والقاري، وأقره أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي الهندي في رسالة: نزهة العطر في سبحة الذكر، واقتصر على كلام الأمير في كتابه ظفر الأماني في شرح مختصر الجرجاني، ص 151 ونحوه لابن الطيب، في حواشي القاموس. والصواب أن اتخاذ السبحة ونحوه لعد الذكر ثبت عن الصحابة في حياته عليه السلام وبعده، والذي حدث هو خرز، ونظم تلك الحبوب في الخيط ونحوه، كما قاله الشيخ عبد الغني الدهلوي المدني، على أن مخلفات النبي صلى الله عليه وسلم من خيل ودواب وإبل وغنم وفراش وأجنة «1» وأثاث وغيرها، أكثر من ذلك بكثير، والعلم عند العلي الكبير. وقد نظمها غيره على غير هذا الوجه. انظر رحلتنا (الدرنية) . باب في اعتناء الصحابة بمصاحبة المصاحف لهم في أسفارهم يستفاد ذلك من الترجمة قبله، وذكر المسعودي في مروج الذهب في عرض كلامه على واقعة صفين بين على ومعاوية، وما كان من ظهور علي، وما أشار به عمرو بن العاص، من رفع المصاحف؛ ورفع من معسكر معاوية نحو من خمسمائة مصحف اهـ. وليست هذه كل المصاحف إذ ذاك، مع أن بين جمع القرآن وواقعة صفين سبع سنين، فانظر إلى هذا العدد الذي وجد في ذلك الجيش فكيف بغيره من مصاحف من لم يحضر. وفي ترجمة أبي بردة ابن أبي موسى الأشعري من طبقات ابن سعد، عن يزيد بن مردانيه قال: رأيت أبا بردة راكبا على راحلة، ومصحف معلق مقدم الراحلة. لطيفة: وقع في حواشي الشيخ الأمير الكبير، على الزرقاني على المختصر، عن شيخه الشمس البليدي المالكي. فرع: يكره جعل القرآن أجزاء. قال مالك: إنه تعالى يجمعه وهم يفرقونه اهـ ثم وجدت في العتبية: وأن مالك كره ذلك كراهة شديدة. قال ابن رشد في البيان   (1) كذا ولعلها مصحفة عن: أمتعة. مصححه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 والتحصيل: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا، ثم أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم شيئا بعد شيء حتى كمل الدين واجتمع القرآن في الأرض، فوجب أن يحافظ على كونه مجموعا. تنبيه: المصاحف القديمة الموجودة في المكاتب العظيمة، التي يظن إنها كتبت في القرون الأولى، لا تجدها إلا بأرفع الخطوط وأوضحها في أغلى الصحف ثمنا وأجملها وأغلظها. وما ذلك إلا لأنهم كانوا يرون ذلك من رفع المصحف وإكباره. وفي مدينة العلوم، لما تكلم على آداب كتابة المصاحف، أن عمر بن الخطاب كان إذا رأى مصحفا كتب بقلم دقيق ضرب كاتبه، وكان إذا رأى مصحفا عظيما سرّ به. وكان علي يكره أن تتخذ المصاحف صغارا اهـ. وقد أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن انظر الاتقان. وقد عد في الطريقة المحمدية من الآفات تصغير المصحف. قال العارف النابلسي في شرحها: أي كتابته في أوراق صغار، ثم نقل عن أبي حنيفة: أنه يكره أن يصغر المصحف، وأن يكتب بقلم دقيق، ثم قال: ينبغي لمن أراد كتابة القرآن أن يكتبه بأحسن خط وأثبته، على أحسن ورق وأبيض قرطاس، بأفخم قلم وأبرق مداد، ويفرّج السطور، ويفخم الحروف، ويجرده عما سواه من التفاسير، وذكر الآي وعلامات الوقف وصونا لنظم الكلمات كما هو مصحف الإمام عثمان رضي الله عنه اهـ منه. باب هل كانوا يحلّون المصاحف ترجم ابن رشد في جامع البيان والتحصيل؛ لصفة مصحف جد الإمام مالك المكتوب على عهد عثمان، قال ابن القاسم: وأخرج إلينا أي مالك مصحفا لجده (أبي عامر الأصبحي المختلف في صحبته) فحدثنا أنه كتب على عهد عثمان بن عفان، فوجدنا حليته فضة، وأغشيته من كسوة الكعبة، وأعاد ذلك في العتبية مرة أخرى، وزاد فيها: ما زدت أنا فيه شيئا قال ابن رشد: أحفظه في إجازة تحلية المصحف بالفضة، أما تحليته بالذهب فأجيز وكره، وظاهر ما في الموطأ إجازته اهـ. باب في أن حفظ المصاحف كان له ولاة مختصون به في زمن أبي بكر رضي الله عنه في التعريف برجال مختصر ابن الحاجب، لابن عبد السلام، في ترجمة أبي بكر أن عمر كان قاضيه، وعثمان كاتبه. وسعد مولى مصاحفه، وسعد القرظ مؤذنه. باب هل كانوا يقبلون المصاحف؟ في شرح الأحاديث الأربعين للشمس محمد بن مصطفى الكرماني الحنفي: المصحف قبّله عمر وعثمان في كل غداة، وقيل: إنه بدعة في المنية اهـ منه ص 106. وفي الدر المختار شرح تنوير الأبصار، للعلامة الحصكفي الدمشقي، من كبار كتب الحنفية: روي أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 ابن عمر كان يأخذ المصحف كل غداة ويقبله ويقول: عهد ربي ومنشور ربي عز وجل، وكان عثمان يقبل المصحف ويمسحه على وجهه اهـ انظر ص 254 من ج 5 من هامش رد المختار لابن عابدين. ونقل الشمس السفاريني الحنبلي في شرح منظومة الآداب عن الرعاية: إنه يستحب تقبيل المصحف، لأن عكرمة بن أبي جهل «1» كان يفعل ذلك. رواه جماعة منهم الدارمي بإسناد صحيح. قال: كان يضع المصحف على وجهه ويقول: كتاب ربي كتاب ربي. وممن صحح إسناد الدارمي عن عكرمة النووي في التبيان، وفي مناسك العلامة شيخ الجماعة بفاس أبي عبد الله محمد بن عبد السلام البناني، ورد أن الحجر الأسعد يمين الله في أرضه، والعادة تقبيل يمين من يقصد إكرامه. فجعل إشارة إلى ذلك تعالى الله عن التشبيه، وهذا معنى لطيف في تقبيله، ولا يخفى أن القرآن العظيم صفة الله فهو بالتقبيل أولى، ومنه يؤخذ تقبيل المصحف، ويد العالم والولي والرجل الصالح، وآثار الصالحين ونحو ذلك مما يعظم. ذكر معناه السبكي في طبقاته اهـ. باب كون الصحابة كانوا يستحبون أن لا يخرج الرجل من منزله صباحا إلا وقد نظر في المصحف ذكر الحافظ أبو القاسم الغافقي الملاحي، في فضائل القرآن، له نقلا عن القوت؛ لأبي طالب المكي: كان كثير من الصحابة يقرؤون في المصحف ويستحبون أن لا يخرج يوم إلا وقد نظروا فيه، وخرق عثمان مصحفين من كثرة درسه فيهما اهـ. وفي المنح البادية للفاسي: كان الأيمة والصالحون من السلف أول ما يبدؤون به إذا أصبحوا النظر في المصحف، وكان يأمرون من اشتكى ببصره أن ينظر في المصحف. وفي ترجمة أبي العالية من طبقات ابن سعد ص 75 ج 6 عن مجاهد: كان لعبد الرحمن ابن أبي ليلى بيت فيه مصاحف، يجتمع إليه فيه القراء قلما تفرقوا إلا عن طعام وبذلك كله تعلم ما في تحفة الأكابر عن مختصر ابن أبي زيد: لم تكن القراءة في المصحف من أمر الناس القديم، وأول من أحدثه الحجاج، وأكره أن يقرأ في المصحف في المسجد اهـ وانظر التحفة أيضا على حديث من استظهر القرآن خفف الله عن أبويه العذاب. باب في أن معاوية كان له غلمان وكلوا بحفظ دفاتر التاريخ في ترجمته من مروج الذهب للمسعودي أنه كان في السمر يحضر الدفاتر فيها سير الملوك وأخبارهم، والحروب والمكايد، فيقرأ ذلك عليه غلمان مرتبون، وقد وكلوا بقراءتها وحفظها انظر ص 52 من ج 2 المطبعة المصرية لسنة 1304.   (1) انظر سنن الدارمي كتاب فضائل القرآن باب 4 ص 714. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 باب في تعلمهم القرآن في زمنه عليه السلام وتسويغه أخذ الأجرة عليه خرّج البخاري «1» في الصحيح، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله: قال ابن بطال: هذا عام في التعليم وغيره. وقد أجاز الإجارة على تعليمه والرقية به مالك والشافعي وأحمد اهـ. وقال المجاجي هذا الحديث يدل دلالة واضحة لما ذهب إليه مالك ومن قال بقوله: إنه يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وذهب آخرون إلى المنع من ذلك؛ مستدلين بحديث يروى في ذلك أيضا، ظاهره يقتضي تحريم أخذ الأجرة، وهو عند المالكية ومن قال بقولهم مؤول اهـ. وفي البخاري: إذهب فقد زوّجتكها بما معك من القرآن «2» . وفي حديث عبادة: كنت أعلم إنسانا من أهل الصفة القرآن، وفي مسند أحمد عن عائشة قالت: ذكر رجل عنذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، فقال: أو لم تروه يتعلم القرآن؟ انظر ص 66 من مسند عائشة ج/ 6. وفي الأجوبة المهمة عن الحافظ السيوطي: تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام، فينشأون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة، قبل تمكن الأهواء منها. وسوادها بأكدار المعصية والضلال، وكان صلى الله عليه وسلم يشترط على وفود الأعراب بعد إسلامهم إقراء القرآن بينهم، وتعليمهم أمر الدين وإقامة المؤذنين اهـ. وسبق في القسم الأول دلائل صريحة في هذا؛ من حضه عليه السلام الناس على تعلم القرآن، وإرسال المعلمين إلى الجهات، ومما أغفلناه هناك حديث: «تعلموا القرآن فاقرأوه وأقرئوه فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه وقام به؛ كمثل جراب محشو مسكا يفوح ريحه كل مكان ومثل من يتعلمه فيرقد وهو في جوفه كمثل جراب وكىء على مسك، خرّجه الترمذي «3» ، والنسائي وابن ماجه، وابن حبان عن أبي هريرة. قال الترمذي: حسن غريب. وحديث: تعلموا كتاب الله وتغنوا به فإنه أشدّ تفلتا من المخاض في عقلها أي النوق الحوامل المحبوسة في العقل جمع عقال خرجه أحمد «4» عن عقبة بن عامر- والأحاديث في هذا الباب كثيرة.   (1) انظر كتاب الإجارة ج 3 ص 53 باب 16. (2) انظر كتاب النكاح ج 6 ص 134 رقم الباب 37. (3) أخرجه الترمذي في حديث طويل في فضائل القرآن من حديث أبي هريرة في فضل سورة البقرة ج 5 ص 156 باب 2. (4) وانظر الجزء الرابع من المسند ص 153 والإسلامي ص 210 ج 5. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 وفي نجوم المهتدين في دلائل نبوة سيد المرسلين؛ لأبي المحاسن النبهاني: الصحابة كان بعضهم يحفظ القرآن كله، والبعض يحفظ أكثره، والبعض يحفظ أقله، ويحفظ أحدهم ما لا يحفظه الآخر، وقلما رجل منهم لا يحفظ منه شيئا، حتى كان عمر رضى الله عنه؛ يأمر بقسمة الغنائم على مقادير الحفظ للقرآن؛ وبذلك تزداد الرغبة في الدين والدنيا اهـ ص 401. وقال الولي ابن خالدون في مقدمة العبر في فصل تعليم الولدان: إعلم أن تعليم الولدان القرآن شعار من شعار الدين، أخذ به أهل الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، بما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان، وعقائده من آيات القرآن، وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه، ما يحصل بعد من الملكات. ثم قال: اختصت العوائد الإسلامية بتقدم دراسة القرآن إيثارا للتبرك، وخشية ما يعرض للولد في جنون الصبا من الآفات، والقواطع عن العلم، فيفوته القرآن اهـ. وعلى ذلك جرى حال أهل ملة الإسلام في كل عصر وزمان، حتى قال الأئمة: إن تعليم القرآن وتعلمه فرض. وكذا معرفة معانيه، لأنها المقصود الأهم، والمطلوب الأعظم. وفي المجاجي نقلا عن الغبريني، أنه سئل عن أهل قرية امتنع بعضهم من بناء مسجد للصلاة، وأخذ المؤدب لقراءة أولادهم. هل يجبرون على ذلك. فقال: جبرهم على بناء المسجد واجب، وكذا جبرهم على تعليم أولادهم ونحوه للعقباني أيضا. تنبيه: في ابن غازي على الصحيح نقلا عن ابن بطال: أجاز أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه تعليم الحربي والذمي القرآن والعلم والفقه رجاء إسلامهما اهـ. باب هل كانت المصاحف تباع في زمنهم نقل الشيخ أبو علي ابن رحال في شرحه على خ: بيعت المصاحف أيام عثمان فلم ينكروا ذلك اهـ منه لدى قول خ ولو مصحفا في باب الإجارة. انظر بكم بيع أول مصحف نسخ، وعرض للبيع وهل ثمنه كان على مقدار قيمة الناسخ والخطاط؟ أو على نسبة المنسوخ فيه من جلد ونحوه مما كانوا يكتبون فيه؟ لا بد أن يكشف المستقبل للباحث القول الفصل في هذه المسألة أيضا والله أعلم. باب في المكاتب لقراءة الصبيان في كتاب الديات من صحيح البخاري «1» : أن أم سلمة بعثت إلى معلم الكتاب أن   (1) ج 8/ 46 باب 27: من استعان عبدا أو صبيا، ويذكر أن أم سليم بعثت إلى معلم الكتاب: ابعث إلى غلمانا ينفشون صوفا، ولا تبعث إليّ حرا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 أبعث إلي غلمانا. وترجم البخاري في الأدب المفرد باب: السلام على الصبيان، فأسند إلى ابن عمر، أنه كان يسلم على الصبيان في المكتب. وسئل الأستاذ الكبير الشيخ المختار الكتبي عن الأصل في ترك المعلم للصبي قراءة الخميس والأربعاء والجمعة فأجاب: بأن الصحابة كانوا قبل ولاية عمر إنما يقريء الرجل ابنته وأخاه الصغير ويأخذ الكبير عن الكبير مفاهمة لسيلان أذهانهم، فلما كثرت الفتوحات، وأسلمت الأعاجم وأهل البوادي، وكثر الولدان أمر عمر ببناء بيوت المكاتب، ونصب الرجال لتعليم الصبيان وتأديبهم، وكانوا يسردون القراءة في الأسبوع كله. فلما فتح عمر الشام ورجع قافلا للمدينة تلقاه أهلها ومعهم الصبيان، وكان اليوم الذي لاقوه فيه يوم الأربعاء، فظلوا معه عشية الأربعاء ويوم الخميس وصدر يوم الجمعة، فجعل ذلك لصبيان المكاتب وأوجب لهم سنة للاستراحة، ودعا على من عطل هذه السنة. ثم اقتدى به السلف في الاستراحات المشروعة إلى يومنا هذا، وهي يوم النحر وثلاثة بعده ويوم الاثنين سرورا بمولد المصطفى عليه السلام، وثلاثة قبل المولد وثلاثة أيام بعده، ويوم المولد كانوا يسمونها التجميمات اهـ. عجيبة في سماع أشهب وابن نافع عن مالك، أن عامر بن عبد الله سجن ابنا له كان ماجنا، حتى جمع كتاب الله فأتي فقيل له: قد جمع كتاب الله فخله. فقال له: ما من موضع خير له من موضع جمع فيه كتاب الله، فأبى أن يخليه. انظر تحفة الناظر للعقباني. باب أين كانوا يصبون الماء الذي يغسل الصبيان به ألواحهم في شرح المجاجي على مختصر ابن أبي جمرة قال أنس بن مالك: إذا لم يتحفظ معلم الأولاد على ماء الألواح، ولم يسأل أين يطرحونه فلينظر على أي دين يموت. دين اليهود أو دين النصارى. قيل له: كيف كانوا يفعلون يا أنس؟ قال: كان المؤدب في زمن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي يجعل إناء كبيرا معدا لمحو الألواح. فيأتي كل يوم صبي من أولئك بماء، ثم يجعل الماء في حفرة. قال ابن عرفة: وكان من عادتنا أن نجعله في حفرة عند القبور، ثم وجدت البرزالي في نوازله، ذكر عن أنس نقلا عن آداب المتعلمين لابن سحنون بلفظ: إذا محت صبية المكاتب تنزيل رب العالمين بأرجلهم نبذ المعلم إسلامه خلف ظهره ثم لا يبالي، حين يلقى الله على ما يلقاه قيل لأنس: كيف كان المؤدبون على عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؟ قال أنس: كان المؤدب له إجانة إناء يغسل فيها الثياب، وكل صبي يجيء في نوبته بماء طاهر فيصبه فيها، فيمحون به ألواحهم. قال أنس ثم يحفرون له حفرة في الأرض فيصبون ذلك الماء فيها فينشف اهـ. ونقل القرطبي في مقدمة تفسيره أن السلف كانوا يستشفون بغسالة الألواح، وفي المدخل لابن الحاج أن هذه الغسالة إما أن تصب في بحر أو بئر أو حفرة طاهرة لا توطأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 باب هل هناك ما يدل على السن الذي كانوا يبتدئون فيه تعليم الصبي عن السلف قال الشيخ المحدث محمد طاهر الفتني، في خاتمة كتابه الجامع في مجمع بحار الأنوار ص 513 من ج 2؛ كتبنا إلى شيخنا الشيخ علي المتقي أي الشهير بابن الهندي المكي مبوب الجامعين، فيما جرت عليه عادة أكثر هذه البلاد أنهم يبتدئون تعليم الصغار القرآن، حين يمضي عليهم أربعة سنين وأربعة أشهر وأربعة أيام. هل له أثر في الحديث أو السلف؟ فكتب رضي الله عنه: إنه لم يوجد شيء يعتمد عليه إلا ما سمع عن بعض أنه شق صدره صلى الله عليه وسلم وأمر بإقرأ حينئذ فهذا مع اختلاف فيه لو صح استنبط ما ذكر منه اهـ. زاد الزركشي: لكنه يخالف المشاهير اهـ وقد قال الدماميني، في كتاب الزكاة، من حواشيه على الصحيح، على قصة إزالة المصطفى عليه السلام، لتمر الصدقة من في الحسن عليه السلام: وفي الحديث أن الأطفال إذا نهوا عن شيء عرفوا لأي شيء نهوا عنه، ليكبروا فيأتي عليهم وقت التكليف، وهم على علم من الشريعة، على أن مالكا كره أن يعجل بتعليم الطفل القرآن، وأنكر لما قيل له، عن طفل جمع القرآن ابن سبع سنين ونحوها. قاله ابن المنبر. وما أراه والله أعلم كره ذلك إلا خشية أن ينطق به على خلاف ما ينبغي له، من إقامة الحروف وإخراجها من مخارجها، أو أن في إعجاله منعا من الذي ينبغي أن يفسح له فيه، من اللهو المقيم لبنية الأطفال، المروح لأنفسهم، ومقصود البخاري من ترجمة الباب: التنبيه على الاعتدال في تأديب الأطفال اهـ. ونقل كلام ابن المنبر هذا في تحفة الأكابر، واقره وانظره مع ما ذكره الشعراني في كشف الغمة، أنه عليه السلام، كان يرخص في إمامة الصبي المميز لا سيما إن كان أكثر القوم قرآنا، وكان عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه، يؤم قومه ابن ست أو سبع أو ثمان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان ابن عباس يقول: كانوا يقدمون الغلمان الذين لم يبلغوا الحنث فيصلون بهم ويقولون: ليس لهم ذنوب فأنزل الله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ [النساء: 49] أي أمثالهم كما قال تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ [النجم: 32] أي أمثالكم دونكم. قلت: وقصة عمر بن سلمة بكسر اللام الجرمي التي ذكر الشعراني أشار لها الحافظ في الإصابة في ترجمته وهذا سياقه: إنهم قدموا عمرو بن سلمة إماما مع صغره، لأنه كان أكثرهم قرآنا أخرجه البخاري اهـ ولا شك أن ذلك يدل دلالة صريحة على أنهم كانوا يبتدئون بتعليم الصبيان، وهم صغار. وبذلك تعلم ما نقله المجاجي في شرحه على مختصر ابن أبي جمرة، عن ابن الحاج في المدخل: أن السلف إنما كانوا يقرئون أولادهم إذا بلغوا سبع سنين. قال: وكثير من الناس يقرئون أولادهم في حالة الصغر، وذلك تعب بلا فائدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 وذكر القسطلاني عند باب تعليم الصبيان القرآن: إن سفيان بن عيينة حفظ القرآن وهو ابن أربع سنين اهـ. وفي فواتح الرحموت شرح مسلّم الثبوت أن الشافعي حفظ الموطأ وهو ابن خمس، ولعل القول الفصل أن ذلك يختلف باختلاف القوابل، والمقابلين والجهات أو أن ما في كشف الغمة ليس بصريح في حفظ أولئك في ذلك السن جميع القرآن، بل بعضه. وهذا ليس هو الذي كرهه مالك والله أعلم. ومن الغريب ما رأيته في حاشية الصبان على شرح الملوي على السلم: أن ابن مرزوق نظم جمل الخونجي وهو ابن ست سنين، كما صرح بذلك في نظمه اهـ وبعضهم ذكر ذلك عن ابن الحاجب، ومن خالط أهل صحراء شنجيط «1» لم يستغرب مثل هذا كل الإستغراب، وانظر آخر رسالتنا كشف اللباس عن حديث وضع اليد على الرأس، وهي مطبوعة، وجماع القول في هذا الباب ما في العتبية: أن مالكا سئل عن صبي ابن سبع سنين جمع القرآن قال: ما أرى هذا ينبغي. قال ابن رشد في البيان والتحصيل: قال: مالك لا ينبغي ذلك من أجل أن ذلك لا يكون إلا مع الحمل عليه في التأديب والتعليم، وهو صغير جدا. ونرى الرفق به في ذلك وأن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله اهـ. باب من كان يعلم القرآن في المدينة ومن كان يبعثه عليه السلام إلى الجهات لذلك وحفاظ القرآن من الصحابة ومعلم الناس الكتابة من الرجال والنساء مؤمنين وكافرين والمفتين على عهده عليه السلام ومعبري الرؤيا واتخاذ الدار في ذلك الزمن ينزلها القراء كالمدارس اليوم وغير ذلك تقدمت هذه الأبواب أول القسم الثاني؛ وهي بهذا القسم أنسب، لكن سقتها هناك تبعا لترتيب الخزاعي رحمه الله، وأحلت عليها هنا جمعا للنظائر، وليكون القسم العلمي واسع الأطراف، تام الوصف لعلم ذلك الزمن الكريم. باب في تعاطي علم الخط عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد كان نبي من الأنبياء يخط «2» ، فمن وافق خطه ذلك الخط علم رواه البزار عن شيخه أبي الصباح محمد بن الليث، وأبو الصباح محمد بن الليث. ذكره ابن حبان في الثقات. وقال: يخطىء ويخالف وبقية رجاله رجال   (1) وتعرف اليوم بدولة موريتانيا في ساحل غرب افريقيا شمال السنغال. (2) في مسلم كتاب السلام ج 2/ 1749 عن معاوية بن الحكم السلمي. قال: كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك. وفي كتاب المساجد أيضا ص 382/ 1 باب 7. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 الصحيح، وعن ابن عباس قال سفيان: لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أثاره من علم. قال: الخط، رواه أحمد والطبراني في الأوسط، إلا أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخط فقال: هو أثارة من علم. قال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الأوسط أيضا عن ابن عباس موقوفا قال في قوله تعالى: أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ [الأحقاف: 4] قال: جودة الخط. وفي المواهب الفتحية في علوم العربية نقلا عن الحافظ ابن الجوزي: أن كتابة الصحابة للمصحف الكريم مما يدل على عظيم فضلهم في علم الهجاء خاصة، وثقوب فهمهم في تحقيق كل علم اهـ ص 17. وقد استدل الحافظ السيوطي على قدم علم النحو بما منه كتابة المصحف، على الوجه الذي يعلله النحاة في ذوات الواو والياء والهمز والمد والقصر، فكتبوا ذوات الياء بالياء وذوات الواو بالألف اهـ واستفسره الأبياري في «القصر المبني على حواشي المغني» بأن الرسم القرآني توقيفي، كما ذكره الشيخ الدباغ في الإبريز، وهو كما ترى غير داحض معرفة الصحابة بذلك، إذ كانوا تعلموه منه عليه السلام. وأخرج ابن عبد الحكم عن الليث بن سعد قال: قدم عمرو بن العاص على عمر بن الخطاب فسأله عمر: من استخلفت على مصر؟ قال مجاهد بن جبر. فقال له عمر: مولى ابنة غزوان؟ قال: نعم. إنه كاتب فقال عمر إن العلم ليرفع بصاحبه. باب في حضهم على تعاطي الشعر قال الإمام النووي صدر كتابه تهذيب الأسماء واللغات؛ بعد أن ذكر أن لغة العرب لما كانت في المحل الأعلى اجتهد أولوا البصائر في الاعتناء بها، والتمكن من اتقانها، بحفظ أشعار العرب وخطبهم، ونثرهم حال كان هذا الاعتناء في زمن الصحابة، مع فصاحتهم نسبا ودارا، ومعرفتهم باللغة استظهارا. وكان ابن عباس وعائشة وغيرهما يحفظون من الأشعار واللغات ما هو من المعروفات الشائعات، وأما ضرب عمر وابنه أولادهما لتفريطهم في حفظ العربية فمن المنقولات الواضحات الجلية اهـ وذكر أبو نعيم في رياض المتعلمين بعد أن ذكر تعلم العربية لغة ونحوا، ثم ليعرف طرفا من الشعر فإنه ديوان العرب، وموروث في الأعقاب والأخلاف باق مدحه وذمه لازم خيره وشره قال: وفيه الشاهد والحاضر، والمثل السائر، والشرح والإيضاح، وبيان غريب القرآن، ومعاني سنن الرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أسند عن عائشة قالت: عليكم بالشعر فإنه يعرب ألسنتكم اهـ. وفيها ذكره ابن الأنباري عن ابن عباس قال: الشعر ديوان العرب، فإذا خفي عليكم الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب إرجعوا إلى ديوانها، فالتمسوا معرفة ذلك منه. وفي شرح الشفا لأبي الحسن علي الحريشي: البحث عن الشعر مسنون كغيره من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 العلوم، وقد عدّ من فروض الكفاية، حتى شعر المولدين. ذكره السيوطي في شرح منظومة المعاني. وقد ترجم البخاري «1» في صحيحه على جواز إنشاد الشعر في المسجد. وفي الموطأ أواخر أبواب الصلاة؛ مالك إنه بلغه أن عمر بن الخطاب بني رحبة في ناحية المسجد تسمى البطيحاء، وقال: من كان يريد أن يلغط أو ينشد شعرا أو يرفع صوته فليخرج إلى هذه الرحبة. كتاب قصر الصلاة في السفر باب 24/ ص 175 ج 1. قلت: هذا يصح أن يكون أصلا لبناء المدارس والربط متصلة بالمسجد، لسكنى المتعلمين والذاكرين والمنقطعين والمعتكفين، وقد أفرد شعر الصحابة بالتدوين جماعة، منهم: تركي في عصرنا رأيت المجلد الأول منه مطبوعا، وسبق أن الحافظ ابن سيد الناس أفرد الصحابة الذين مدحوه عليه السلام بمؤلف في مجلد عدد فيه نحو المائتين «2» . باب في علم الأنساب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم «3» . رواه الطبراني في الأوسط. قال الهيثمي: وفيه أبو الأسباط بشر بن رافع، وقد أجمعوا على ضعفه. وعن العلاء بن خارجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم. فذكر الحديث وهو بتمامه في صلة الرحم، رواه الطبراني في الكبير قال الهيثمي: ورجاله موثقون اهـ. وأورده في الجامع الصغير بلفظ: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال أي؛ سبب لكثرته، منسأة في الأجل، أي مظنة لتأخيره. وعزاه لأحمد «4» والترمذي والحاكم عن أبي هريرة، وفي التيسير: قال الحاكم: صحيح وأقروه اهـ وممن أقره الذهبي. وقال الهيثمي: رجال أحمد وثقوا. وقال الحافظ ابن حجر: هذا الحديث له طرق؛ أقواها ما أخرجه الطبراني من حديث العلاء بن خارجة. وجاء هذا عن عمر أيضا، وساقه ابن حزم بإسناد رجاله موثقون؛ إلا أن فيه انقطاعا اهـ. وأخرج ابن زنجوية من حديث أبي هريرة: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ثم انتهوا، وتعلموا من العربية ما تعرفون به كتاب الله تعالى ثم انتهوا، قال الزبيدي في الاتحاف: وهذا يظهر الجمع بين الحديثين، وأن محل النهي إنما هو في التوغل فيه والاسترسال، بحيث يشغل به عما هو أهم اهـ أي في إبانه اهـ.   (1) انظر كتاب الصلاة ج 1 ص 116 باب 68 الشعر في المسجد. (2) وقد طبع في دمشق وصدر عن دار الفكر 1987 تحت عنوان: منح المدح. (3) عزاه في جمهرة ابن حزم لأحمد ج 2/ 374. (4) من حديث أبي هريرة ج 2 ص 374 والإسلامي ص 492 ج 2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 وترجم في الإصابة لتمام بن أوس فقال: له إدراك، وكان علّامة في الأنساب، حتى قال ابن الكلبي: كان أنسب العرب. وهو الذي قال لمعاوية: إن العباءة لا تكلمك، وإنما يكلمك من فيها اهـ. وأما خبر: علم النسب علم لا ينفع، وجهالة لا تضر، فقال الحافظ في الفتح: روي مرفوعا ولا يثبت، وروي عن عمر أيضا ولا يثبت اهـ وقد أقام البرهان على بطلانه الحافظ ابن حزم، أول جمهرته، وجعله من العلوم النافعة التي جهلها يضر، لأن من علم النسب ما هو فرض على الأعيان، وأسند إلى عمر قوله: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم. قال ابن حزم: وكان أبو بكر الصديق وأبو الجهم بن حذيفة العدوى، وجبير بن مطعم بن عوف بن نوفل بن عبد مناف، من أعلم الناس بالأنساب. وكان عمر وعلي وعثمان فيه علماء. وإنما ذكرنا أبا بكر وأبا الجهم وجبيرا قبلهم، لشدة رسوخهم في العلم بأنساب العرب. وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت أن يأخذ ما يحتاج إليه من علم أنساب قريش عن أبي بكر. وهذا يكذب قول من نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النسب علم لا ينفع وجهل لا يضر؛ لأن هذا القول لا يصح، وكل ما ذكرنا صحيح مشهور منقول في الأسانيد الثابتة، يعلمها من له أقل علم بالحديث، وما فرض عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب الديوان إذ فرض إلا على القبائل، ولولا علمه بالنسب ما أمكنهم ذلك، فبطل قول كل مخالف اهـ كلام الجمهرة من نسخة عندي بخط نسّابة المغرب، ونقيب الأشراف به أبي الربيع الحّوات رحمه الله. وفي ترجمة أبي بكر من تاريخ الخلفاء: كان الصديق أعلم بأنساب العرب، لا سيما قريش. أخرج ابن إسحاق عن يعقوب بن عنبسة عن شيخ من الأنصار قال: كان جبير بن مطعم من أنسب قريش لقريش، والعرب قاطبة. وكان يقول: إنما أخذت النسب من أبي بكر الصديق، وكان أبو بكر الصديق من أنسب العرب اهـ منه. وأخرج ابن عبد البر في الاستيعاب، بسنده عن عبد الله بن بريدة، أن معاوية بن أبي سفيان دعا دغفلا فسأله عن العربية، وسأله عن أنساب الناس، وسأله عن النجوم، فإذا رجل عالم قال: يا دغفل من أين حفظت هذا؟ قال: حفظت هذا بقلب عقول، ولسان سئول، وإن غائلة العلم النسيان. فقال معاوية: انطلق إلى يزيد فعلمه أنساب الناس، وعلمه النجوم وعلمه العربية اهـ. ودغفل هذا هو ابن حنظلة السدوسي الشيباني النسابة العلامة، قاله ابن عبد البر. قال بعض الكاتبين: علم النسب في الحقيقة ليس عبارة عن نسب الأشخاص والقبائل، فإن هذه معرفة بسيطة لا تستحق أن تسمى علما، وإنما كان النسابون يعرفون أخبار أولئك الأشخاص، وأخبار تلك القبائل. وهذا هو التاريخ، وربما كان السبب في اشتهار هذه المعرفة بعلم الأنساب، أن عارفي الأخبار، كما إليهم المرجع في معرفة الأنساب، التي من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 أهم فوائدها معرفة تفريع القبائل، وإلحاق الفروع بأصولها، على شدة البعد بين تلك الأصول والفروع. وقد كان منهم اختصاصيون بهذا العلم يلقونه على من يتحلقون حولهم اهـ. باب في رواج علم الفرائض في الزمن النبوي وحضه عليه السلام الناس على تعلمه وتعليمه قال حافظ المذهب المالكي حطاب المغرب أبو علي بن رحال، في شرحه العظيم على المختصر: علم الفرائض علم قرآني، حيث بين فيه السدس وغيره، ولمن هو، وبيّن فيه الحجب من حال لحال، وغير ذلك واجتهاد الصحابة فيه، واختلافهم فيه لقوة اعتنائهم به، وحضّ الرسول صلى الله عليه وسلم كاف في ذلك، وهو فرض كفاية إجماعا، ذكره ابن العربي والستاني اهـ. قلت وأخرج ابن ماجه «1» والحاكم عن أبي هريرة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلموا الفرائض وعلموها فإنه نصف العلم، وهو ينسى وهو أول شيء ينزع من أمتي» وفيه حفص بن عمر متروك. وعن أبي هريرة «2» إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعلموا الفرائض والقرآن وعلموا الناس، فإني مقبوض، وإن العلم سيقبض. أي يموت أهله، وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة، فلا يجدان من يفصل بينهما. خرّجه الترمذي عن أبي هريرة. وقال فيه اضطراب. وورد نحوه في مسند أحمد والحاكم عن ابن مسعود، وعند الدارمي: في أوائل الجامع في باب الاقتداء بالعلماء والواحد في آية فريضة من الله. وخرج الشيرازي في الألقاب وغيره نحوه أيضا، انظر الجامع الكبير. وفي مسند الدارمي عن عمر قال: تعلموا الفرائض واللحن (الأعراب) والسنن، كما تعلمون القرآن. وخرج عنه أيضا قال: تعلموا الفرائض فإنها من دينكم، وخرج أيضا عن عبد الله قال: تعلموا القرآن والفرائض، فإنه يوشك أن يفتقر الرجل إلى علم كان يعلمه أو يبقى قوم لا يعلمون. ثم خرّج عن أبي موسى: من علم القرآن ولم يعلم الفرائض فإن مثله مثل الرأس لا وجه له، أو ليس له وجه. وخرج أيضا عن الحسن. قال: كانوا يرغبون في تعلم القرآن والفرائض، والمناسك. وعن عبد الله أيضا: من قرأ القرآن فليتعلم الفرائض؛ فإن لقيه إعرابي قال: يا مهاجر اتقرأ القرآن؟ فإن: قال: نعم. قال: تفرض. فإن قال: نعم، فهو زيادة وخير، وإن قال: لا قال ما فضلك عليّ يا مهاجر؟.   (1) ونصه في ابن ماجه أول كتاب الفرائض ص 908 ج 2 ورقمه 2719 وأوله يا أبا هريرة. (2) خرّجه الترمذي في كتاب الفرائض ج 4 ص 414 باب 2 بدون: وإن العلم سيقبض الخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 وفي تحفة الناظر للعقباني، نقلا عن جامع المستخرجة قال؛ وحدثني أنه بلغه أن ابن مسعود كان يقول: إذا لم يحكم أحدكم الفرائض، وسنة الحج والطلاق، فما فضله على أهل البادية؟. قال ابن رشد: المعنى في هذا بيّن. لأن أهل البادية أهل جهالة، فإنما فضلهم أهل الحاضرة بمعرفتهم بأمور الدين، قال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ [المجادلة: 11] اهـ. وقال ابن العربي في الأحكام: كان علم الفرائض جل علم الصحابة، وعظيم مناظرتهم، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف العلم. مبالغة في الثناء على عظيم فائدته، وتحريكا للنفوس على المبادرة إلى تحصيله، حتى كأنه بشرفه نصف جميع ما يتعلم من العلوم، وروى أصحاب مالك عنه أنه قال: لا يكون الرجل عالما مفتيا حتى يحكم الفرائض والنكاح، والطلاق والإيمان، قال ابن العربي: إشارة إلى عظم منازل هذه الأصول في الدين، وعموم وقوعها بين المسلمين. وقال المتيطي [كذا] في نهايته بعد ذكر بعض الأحاديث: وقد حض على تعليم الفرائض جماعة من الصحابة والتابعين اهـ. وقال أبو إسحاق إبراهيم بن أبي بكر التلمساني: الرسقي نزيل سبتة، في رجزه في الفرائض المشهور رحمه الله: وخصّنا بالمصطفى محمد ... هادي الأنام للطريق الأرشد فبيّن الحلال والحراما ... وفصّل الحدود والأحكاما وحضّ في تعليم علم الفرض ... صلّى عليه الله أيّ حضّ وقال في ذاك: تعلموه ... ثم جميع الناس علّموه جعله من العلوم شطرا ... فهو أجل كل علم قدرا وهو الضروري بلا محالة ... أرى عليّ فرضا انتحاله إذ ليس يخلو الدهر بالحدوث ... من وارث في الناس أو موروث قال الإمام أبو يوسف يعقوب بن موسى السيتاني في شرحها: وقوله عليه السلام: نصف العلم؛ مما يدل على تأكيدها على غيرها، من سائر العلوم سواها وتشريفها عليها، ولأجل أنها بهذه المنزلة الشريفة أمر الإنسان ببذل المجهود في تحصيلها، وأمر أيضا بعد تحصيلها ببذلها لجميع الناس. ثم قال: أورد على قوله عليه السلام: نصف العلم سؤالان. أنه قال في الفرائض: إنها نصف العلم، وقال حسن السؤال نصف العلم، «1» والشيء لا يكون له أكثر من نصفين؟ والذي بقي أضعاف ما اندرج بكثير. وثانيهما: أن مسائل   (1) ورد في كشف الخفاء هذا الحديث هكذا: (الاقتصاد في النفقة نصغ المعيشة والتودد إلى الناس نصف العقل، وحسن السؤال نصف العلم) وعزاه للبيهقي والعسكري وغيرهما عن ابن عمرو مرفوعا وضعفه البيهقي. الخ ما علق عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 الفرائض بالنسبة إلى مسائل الفقه لا تفي بعشرها؛ فضلا عن مسائل غير الفقه من سائر العلوم الشرعية. وأجيب عن الأولين بوجهين: أحدهما: أن قوله عليه السلام: حسن السؤال نصف العلم، جاء باعتبار السائل والمسؤول، وهذا الحديث باعتبار الفرائض مع غيرها، فلم يتواردا على محل واحد الوجه الثاني: إن هذا مجاز على جهة التشريف والمبالغة في الحث عليها، كقوله عليه السلام: الحج عرفة، وقوله: الهم نصف الهرم، والتدبير نصف العيش، والقود نصف العقل، تنبيها على عظم هذه الأشياء، وموقعها مما نسبت إليه. قال القرافي: وقد أورد هذا السؤال على فرضي قليل التصرف، فلم يجد ما يجاوب به. وأجيب عن الثاني بوجهين: أحدهما إن علم الفرائض لما كان عظيم المنفعة، تمس الحاجة إليه أكثر مما تمس إلى غيره، وإن كان صغير الجرم فهو يساوي ما عداه، مما هو أكثر مسائل. وهذا من المحسوسات كثير. وثانيها: أن ما أمر به الإنسان شيئان؛ شيء في الحياة وشيء بعد الممات. فهو نصف بهذا الاعتبار، وأورد عليه أن الذي يتوجه عليه الخطاب بعد الموت ليس الفرائض وحدها، بل مع الوصايا النظرية والمالية ومسائل الجنازة، وأجيب بأنا نلتزم بأنها من حق الفرض أن يتكلم فيها، وإنها من جملة الفرائض، أو يقال: الوصية ليست مما يتوجه [يتوجب] بعد الموت. وإنما يتوجه بعد الموت انفاذها. وأما إنشاؤها فقبل الموت، وأيضا فليست بلازمة في كل حال؛ بخلاف الميراث. وما في كتاب الجنائز إنما يتعلق بالأحياء وردّ بأن تعلّم الفرائض إنما يتوجه إلى الحيّ وما يفعل بالميت وماله، إنما يخاطب به الحق. وهذا كله تكلف، والأولى أن يقال: هذا على وجه المبالغة؛ كالحج عرفة، ونظائره. وقال بعض المتأخرين: وأظنه لم ير كلام القرافي: يحتج الأكثر من أهل هذا الفن على فضله بالحديث عن أبي هريرة، بناء على أن الفرائض فرض الوارث، والذي يظهر أن هذا الحمل بعيد. وأن المراد إنما هو الفروض التكليفية في العبادات والعادات وغيرهما، وبهذا المعنى تصح النصفية والثلثية، ثم الاعتراض الثاني، ثم قال: ويتعين المراد أن حمله على هذا الفن المخصوص، وتخصيصه بفروض الوراثة إنما هو إصطلاح ناشىء عند حدوث الفنون والاصطلاحات، ولم يكن صدر الإسلام يطلق إلا على كونه مشتقا من الفرض، الذي هو لغة التقدير. أو القطع. وما كان المراد إلا جميع الفروض كما قلناه، وهي حقيقته الشرعية، فلا ينبغي أن يحمل إلا على ما كان يحمل عليه في عصرهم. فهو الأليق بمرادهم. هذا نص كلامه. وظاهره أن أهل الفرائض بل بعضهم اختصوا بجلب هذا الحديث، وليس كما قاله بل جلبه ابن ماجه، وكثير من المحدثين والفقهاء والمفسرين والموثقين، وكلهم جلبوه في مقدمة كتاب الفرائض بلفظه أو معناه، وأتوا بعد ذلك باثار عن الصحابة والتابعين، تدل على هذا. وفيها لفظ الفرائض، وكلهم أطلقها على فرض الوراثة وهم أعلم منه بالإطلاق اللغوي والشرعي اهـ كلام أبي يوسف السيتاني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 قلت: مراده ببعض المتأخرين الولي ابن خالدون؛ فإنه الذي بحث بما ذكر في مقدمة العبر، وبحث السيتاني معه بمن ذكر الحديث في أبواب المواريث من أئمة السلف وجيه، وناهيك بالإمام الترمذي فقد ترجم أبواب الفرائض، ثم ترجم بقوله: باب ما جاء فيمن ترك مالا فلورثته، ثم ترجم ثانيا بقوله: باب ما جاء في تعليم الفرائض، وذكر حديث الترجمة. وكذا ابن ماجه وغيره. وناهيك بقرين البخاري أبي محمد الدارمي فإنه بوّب في مسنده كتاب الفرائض، وذكر عدة آثار عن الصحابة في ذلك، وقد قدمناها أول الترجمة. وذلك أعظم دليل على أن اطلاق علم المواريث على علم الفرائض قديم الإستعمال. وفي نهاية ابن الأثير على حديث ابن عمر: العلم ثلاثة منها فريضة عادلة، يريد العدل في القسمة بحيث تكون على السهام والأنصباء المذكورة في الكتاب والسنة، وقيل: إنه أراد أن تكون مستنبطة من الكتاب والسنة، وإن لم يرد بها نص فيهما. فتكون عادلة للنص، وقيل: الفريضة العادلة ما اتفق عليه المسلمون اهـ. وقال بعض شيوخنا- رادا على ابن خالدون- قوله في آخر الحديث في رواية النسائي: حتى يختلف الاثنان في الفرائض فلا يجدان من يفصل بينهما، وقوله تعالى: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [النساء: 11] وقوله في الحديث الآخر: وأعلمكم بالفرائض زيد بن ثابت، يبعد ما قاله ابن خالدون ويرجح ما لغيره وقوله: إنما هو اصطلاح ناشىء للفقهاء في محل المنع اهـ. أما المناوي في التيسير؛ فإنه ذكر الحديث على الإحتمالين قائلا: قيل: المراد بالفرائض هنا علم المواريث، وقيل: ما افترض الله على عباده بقرينة ذكر القرآن اهـ وكذا فعل صاحب مجمع بحار الأنوار، مع ميلانه لكلام ابن خالدون والله أعلم، بل وجدت الشيخ أبا علي ابن رحال، قال في شرحه على المختصر، إثر كلام السيتاني: ما قاله ابن خالدون هو الحق، والعلم عند الله. قال: ويكون المراد بالحديث الحض على الإعتناء بالواجبات، والواجبات نصف العلم؛ باعتبار المندوب وترك المحرم واجب وترك المكروه مندوب والجائز قد علمت ما ذكر فيه أهل الأصول، وهاته الآثار التي أشار لها السيتاني يشترط في الإحتجاج بها صحتها، ويشهد بذلك أرباب الفن من المحدثين فافهم اهـ وهو كما علمت ساقط بمن بوّب على الحديث في أبواب التركات؛ كالدارمي، وابن ماجه، والترمذي، وغيرهم. والإحتجاج قد يكون بالحسن اتفاقا. نعم. قال أبو علي ابن رحال: حديث حسن السؤال نصف العلم معناه: والعلم عند الله وإن لم يشر إليه السيتاني ولا غيره ممن وقفت عليه؛ أن المراد بالعلم، العلم الذي وقع عليه السؤال. كما إذا قال إنسان لعالم: ما حكم الوتر هل الوجوب أو الندب فيقول له العالم مثلا: هو الوجوب أو الندب فسؤال الرجل: هو نصف هذا العلم الذي أجيب به، إذ بسؤاله ظهر هذا الحكم مع إجابة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 العالم، وذلك لأنه لما أحسن السؤال أعان المجيب على إجابته. فللسائل جهة التصور وحده، وللعالم المجيب جهة التصديق، وحده. وإن شئت قلت: السائل صوّر والعالم حكم. وإن شئت قلت: السائل هيأ المحل للحكم، والعالم أنزله في ذلك المحل، هذا الذي فهمناه من هذا الحديث، ومن ابتلي بالفتوى علم قدر حسن السؤال، وأنه كما قال عليه السلام؛ لا سيما إن كان الطالب نجيبا غاية، فإنه في سؤاله يشير للأحكام إشارة إجمالية ينبه المجيب لما لم يخطر بباله اهـ وهو حسن. باب في ذكر من كان يحال عليه الأمور الحسابية في زمن الخلفاء الراشدين عقد الإمام أبو يوسف السيتاني في شرح التلمسانية، تنبيها ذكر فيه أن مما يحتاج إليه في فمن المواريث علم الحساب قال: وبحسب قوته في الحساب يكون اقتداره على إخراج الحظوظ [السهام] ، فإن كان فقيها لا حساب له لم يقدر على عملها، وغاية ما يتأتى له من الفرائض البسيطة ما يتأتى للعامي بعقله، ثم قال: وقد حكي عن [ابن] عمر: أنه سئل عن فريضة فقال: سلوا عنها سعيد ابن جبير، فإنه يعلم عنها مثل ما أعلم: ولكنه أحسب مني اهـ فأفاد أولا أن عمر كان حيسوبيا، ولكن أحال على سعيد لأن السلف كانوا إذا سئل أحدهم عن مسألة أحال فيها على غيره، وربما دارت بين جماعة يحيل فيها كل واحد على صاحبه، حتى ربما رجعت إلى المسؤول عنها أولا: وفي شرح الإمام ابن قنفذ القسمطيني على منظومة ابن أبي الرجال في الفلك: اعترض على الإمام فخر الدين حيث قال: الصحابة لم يكونوا متبحرين في دقائق علم الحساب والهندسة، قال شهاب الدين: وهو خلاف ما هو معلوم لأهل الإطلاع على أحوال الصحابة، وقد قال الشعبي: ما رأيت أحسن من علي بن أبي طالب. قال غيره: وكان يخرج وقائع صفين من قوله تعالى: حم عسق إلى غير ذلك من أحوالهم المعروفة في دقائق العلوم اهـ. وفي الفروق للقرافي: ومن نوادر المسائل الفقهية التي يدخل فيها الحساب، المسألة المحكية عن علي ابن أبي طالب، وذلك أن رجلين كان مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة فجلسا يأكلان فجلس معهما ثالث يأكل معهما، ثم بعد الفراغ من الأكل دفع لهما الذي أكل معهما ثمانية دراهم وقال: اقتسما هذه الدراهم على قدر ما أكلت لكما، فقال صاحب الثلاثة: إنه أكل نصف أكله من أرغفتي ونصف أكله من أرغفتك فأعطني النصف أربعة دراهم، فقال له الآخر: إلا ثلاثة دراهم، فحلف صاحب الثلاثة لا يأخذ إلا ما حكم به الشرع. فترافعا إلى علي، فحكم لصاحب الثلاثة بدرهم واحد، ولصاحب الخمسة سبعة دراهم، فتنكر من ذلك صاحب الثلاثة فقال له علي: الأرغفة ثمانية وأنتم ثلاثة أكل كل واحد منكم ثلاثة أرغفة إلا ثلثا، بقي لك ثلث من أرغفتك أكله صاحب الدراهم، وأكل صاحبك من أرغفته ثلاثا، إلا ثلثا وهي خمسة، يبقي له رغيفان وثلث، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 وذلك سبعة أثلاث، أكلها صاحب الدراهم. فهذه مسألة فقهية يحتاج إليها الفقيه المفتي، والقاضي الملزم، وهي لا تعلم إلا بدقيق الحساب كما ترى اهـ منها ص 240 من ج 2. وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية: اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب، وأخرج ابن النجار عن العرباض قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمعاوية: اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب. وفي مدينة العلوم لما تكلم على حساب العقود، والمراد بالعقود عقود الأصابع قال: وكان هذا العلم تستعمله الصحابة كما وقع في الحديث؛ في كيفية وضع اليد على الفخذين في التشهد أنه عقد خمسا وخمسين. وأراد بذلك هيئة وضع الأصابع، لاهيئة وضع خمس وخمسين وهي عقد ما عدا الإبهام والسبابة من الأصابع، وتخليف الإبهام مع السبابة اهـ وانظر الشرح الجلي على بيتي الموصلي. باب في أخذ أهل أوروبا الأرقام العربية عن العرب ودخولها إلى بلادهم في زمن علي كرم الله وجهه ذكر ذلك الشهاب المرجاني في الوفيات قائلا «1» : دخلت بلادهم في سنة أربعين في خلافة علي اهـ انظر ص 33 منه. باب ايثارهم في أخذ العلم القرشيّ علي غيره أورد في جمع الجوامع عن ابن أبي شيبة وابن جرير عن سهل ابن أبي حثمة رفعه: تعلموا من قريش ولا تعلموها وقدموا قريشا ولا تؤخروها فإن للقرشي قوة الرجلين من غيره وقصره المناوي في التيسير على الشجاعة أو الرأي الجزم، كذا قيد به ولا تعلموها قال: فإنها به عالمة، والظاهر في التعلم العموم فيما يوجد عندهم، فأخذه عنهم أولى فإنهم بيت الخلافة ومهبط الوحي، ومنبع الرياسة والسيادة، وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن ابن عمر رفعه: سلوا أهل الشرف عن العلم فإن كان عندهم علم فاكتبوه عنهم فأنهم لا يكذبون. باب الأمر بتعليم علم النجوم أخرج أبو نعيم في روض المتعلمين عن ابن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأهلة لذكر الله، ثم أسند عن أبي الدرداء موقوفا عليه: إنّ أحبّ عباد الله إلى الله الذين يحبون الله، ويحببون الله إلى الناس، والذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأهلة لذكر الله. ثم روى بسنده أيضا إلى ابن عمر رفعه: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، ومن النجوم ما تهتدون في الظلمة.   (1) الضمير في دخلت لا يمكن أن يعهد على المؤلف فمن هو يا ترى المسلم الداخل على بلاد أوروبا في أيام على؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 وأخرج البيهقي والمقدسي بسندهما عن ابن أبي أوفى رفعه: إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأهلة لذكر الله. ثم اسند عن أبي هريرة موقوفا عليه قال: ألا إن خيار الأمة الذين يراعون الشمس لمواقيت الصلاة، واورد السيوطي في الجامعين من حديث ابن عمر رفعه: تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم انتهوا، وعزاه لابن مردويه في تفسيره، والخطيب في كتاب النجوم، وعزاه في الكبير لأبي الشيخ، والديلمي قال المناوي: تعلموا من علم النجوم أي من علم أحكامها فإن ذلك ضروري لا بد منه وقال على قوله ثم انتهوا: أي أتركوا النظر فيما سوى ذلك، فإن النجامة تدعو إلى الكهانة، فالمأذون في تعلمه علم التيسير لا علم التأثير اهـ. وفي سعود المطالع أن علم الفلك من فروض الكفاية، وقيل: إنه من الفروض العينية لأنه به تعرف أوقات الصلوات، وقد ورد في فضله آيات وأحاديث كقوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ [يونس: 5] وقوله: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها [الأنعام: 97] وقوله عليه السلام: تعلموا الوقت ولا تكونوا كالذين يؤذنون بعضهم بعضا، وقوله: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ جمع سنة، وهي: إما عربية أو قبطية. والعربية إما هلالية أو قمرية حسابية، والقبطية هي الشمسية. لخ كلامه انظره. وقال صاحب الهداية من أئمة الحنفية في كتابه مختارات النوازل: وأما علم النجوم فهو في نفسه حسن غير مذموم، وهو قسمان حسابي، وإنه حق نطق به القرآن قال تعالى: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ [الرحمن: 5] أي سيرهما بحساب، واستدلال بسير النجوم وحركات الأفلاك على الحوادث بقضاء الله وقدره، وهو جائز كاستدلال الطبيب بالنبض على الصحة والمرض، وهو يعتقد بقضاء الله وإن ادعى علم الغيب بنفسه كفر اهـ وللحافظ الخطيب البغدادي كتاب: القول في علم النجوم المحمود منه والمذموم، ذكره له ابن سليمان الرداني في الصلة. باب أمرهم بتعلم علم الرماية والسباحة ترجم البخاري «1» في الصحيح، باب التحريض على الرمي، أي تعلمه بالسهام ونحوها، فذكر فيه قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال: 60] قال الحافظ في الفتح: جاء في تفسير القوة في هذه الآية إنها الرمي، وهو عند مسلم «2» ، في حديث عقبة بن عامر ولفظه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، إلا أن القوة الرمي، ثلاث قال البيضاوي: لعله صلى الله عليه وسلم خصه بالذكر لأنه   (1) انظر كتاب الجهاد باب 78 ص 226 ج 3. (2) رواه مسلم في كتاب الإمارة ج 2 ص 1522 ورقمه 167 (1917) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 أقواه اهـ وعند أبي داود «1» عن عقبة رفعه: إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به ومنبله أي راده على الرامي به، فأرموا وأركبوا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا. الحديث وفيه: ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنه نعمة كفرها، وفي مسلم أيضا من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو فقد عصى «2» قال الأبي: معناه ليس متصلا بنا ولا داخلا في زمرتنا. وقال النووي: هذا تشديد عظيم في نسيانه بعد تعلمه وهو مكروه كراهة شديدة اهـ وقال ابن أبي جمرة: روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر بموضع كان بعض الصحابة يتعانون فيه الرمي فنزع نعله ومشى فيه، ثم قال: روضة من رياض الجنة، ومعناه أن العمل الذي عمل فيه يوجب روضة من رياض الجنة اهـ من بهجة النفوس له. وأورد الحافظ الأسيوطي في الجامع الكبير حديث: تعلموا الرمي والقرآن وعزاه للديلمي عن أبي سعيد ثم أورد فيه أيضا: تعلموا الرمي فإن ما بين الغرضين روضة من رياض الجنة، وعزاه للديلمي عن أبي هريرة. وأخرج ابن منده من طريق إسماعيل بن عياش عن سليمان بن عمرو وقف على الدر المنثور لدى قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال: 61] ، وانظر ما سبق مما يتعلق بالرماية والسباحة في الصنائع. باب في أمرهم بتعلم العربية أورد السيوطي في الجامع الكبير حديث: تعلموا اللحن فيه، أي في القرآن كما تعلمون حفظه، وعزاه للديلمي عن أبي بن كعب. باب في أمر عمر لعماله بضرب كتابهم إذا لحنوا وتأخيرهم في روضة الأعلام، للقاضي ابن الأزرق، روى ابن الأنباري: أنّ كاتب أبي موسى الأشعري كتب إلى عمر رضي الله عنه، فكتب: من أبو موسى فكتب إليه عمر، إذا أتاك كتابي هذا فأضرب كاتبك سوطا، واعزله عن عمله، وعنه أيضا أنه كان إذا سمع رجلا يخطيء فتح عليه، وإذا أصابه يلحن ضربه بالدرة، وعن عبد الله ابنه: أنه رضي الله عنه كان يضرب ولده على اللحن في كتاب الله. باب في تعاطي الصحابة للحكمة والتنجيم والقافة والموسيقي والطب والإدارة والحرب والسياسة والترجمة والإملاء والتجارة والصناعة ونحو ذلك تقدم ذلك مفصلا في أبواب متفرقة في الأقسام السابقة.   (1) رواه أبو داود في كتاب الجهاد 23 باب في الرمي ص 28 ج 3. (2) انظره في كتاب الإمارة باب 52 ص 1523/ 2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 باب في كونهم كانوا يتجنبون في التحديث والرواية ما يضر سماعه بالعامة والمبتدئين قال على: تريدون أن يكذب الله ورسوله؟ حدثوا الناس بما يعرفون. ودعوا ما ينكرون. رواه البخاري «1» . وروى البيهقي في الشعب عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا حدثتم الناس عن ربهم فلا تحدثوهم بما يعزب أو يشق عليهم، وأخرج الديلمي عن ابن عباس رفعه: يا ابن عباس لا تحدث حديثا لا تحمله عقولهم، فيكون فتنة عليهم. وأخرج العقيلي وابن عساكر عن عثمان بن داود عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس قال: قالوا يا رسول الله ما نسمع منك نحدث به؟ قال: نعم، إلا أن تحدث قوما حديثا لا تضبطه عقولهم، فيكون على بعضهم فتنة، فكان ابن عباس يكنّ أشياء لا يفشيها إلى قوم. وقال عبد الله بن مسعود: ما أنت بمحدّث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة، رواه مسلم «2» . وفي الصحيح عن أبي هريرة أنه قال حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم «3» وانظر كتابنا أداء الحق الفرض فيما يتعلق بهذه الترجمة. باب في وصاية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشباب من طلبة العلم في رياض المتعلمين، لأبي نعيم عن شهر بن حوشب: كنا نأتي أبا سعيد الخدري ونحن غلمان نسأله، فكان يقول: مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيأتيكم قوم يتفقهون ففقهوهم، وأحسنوا إليهم. وفيه وذكره الرامهرمزي أيضا عن أبي سعيد الخدري: كان إذا رأى الشباب قال: مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرنا أن نحفظ لكم الحديث، ونوسع لكم في المجلس. وترجم الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد بقوله: باب حثّ الشباب على طلب العلم. انظر ص 50، وانظر شرح التلمسانية لدى قولها: هذا وإن لا حظها من يعدل ... فلبني العشرين عذر يقبل وترجم ابن الجوزي باب: إيثار الشباب على الأشياخ بالعلم، ثم اسند عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استودعوا العلم الأحداث. وأخرج ابن عبد البر، والبيهقي، عن الزهري. قال: كان مجلس عمر مختصا بالقراء   (1) انظر كتاب العلم باب 49 ج 1 ص 41 وعنوانه: من خص بالعلم قوما وذم قوم كراهية أن لا يفهموا. وقال علي: حدثوا الناس بما يعرفون. أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟ (2) لم أعثر عليه في مسلم ولكن رواه صاحب التيسير وعزاه لابن عساكر عن ابن عباس. (3) رواه في كتاب العلم باب 42 ص 38 ج 1. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 شبابا وكهولا، فربما استشارهم ويقول: لا يمنع أحدكم حداثة سنّه أن يشير برأيه، فإن العلم ليس على حداثة السن وقدمه، ولكن الله يضعه حيث يشاء. باب في اهتبال علماء الصحابة بالآخذين عنهم والإهتمام بوقايتهم من الأهواء وحنوّهم عليهم في روضة الأعلام للقاضي ابن الأزرق عن ابن عباس قال: أكرم الناس عليّ جليسي، الذي يتخطّى الناس حتى يجلس إلي، لو استطعت أن لا يقع الذباب على جبهته لفعلت. وفي رواية: إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني اهـ. باب في ذكر الوصف الذي كان يحمله المنقطع للعلم في ذلك الزمن تعلما وتعليما لما تكلم ولي الدين ابن خالدون في فصل: إن حملة العلم في الإسلام أكثرهم من العجم من مقدمة العبر قال: على أن الناس في الزمن الأول لم تدعهم الحاجة إلى التدوين والتأليف، قال: وجرى الأمر على ذلك في زمن الصحابة والتابعين، وكانوا يختصون بحمل ذلك. ونقله القراء أو الذين يقرؤون الكتاب، وليسوا أميين فقيل لحملة القرآن يومئذ: قرّاء إشارة إلى هذا فهم قرّاء لكتاب الله، والسنة الماثورة عن الله، لأنهم لم يعرفوا الأحكام الشرعية إلا منه، ومن الحديث الذي هو في غالب موارده تفسير له وشرح اهـ كلامه على ما وقع في كلامه رحمه الله، في هذا الفصل من المجازفات. وربما يردّ على ما ذكره ما في ترجمة سعد بن عبيد الأنصاري المعروف بسعد القاري، من طبقات ابن سعد من أنه كان يسمى بالقاري، ولم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى القاري غيره اهـ ص 30 من ج 3، مع أن حفظة القرآن من الأنصار وغيرهم كثير، سبق عدّهم من القسم الأول فانظره. ثم وجدت في ترجمة حرام بن ملحان الأنصاري، من الطبقات أيضا عن أنس قال: جاء ناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إبعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم: القراء، منهم خالي حرام. كانوا يقرؤون القرآن، ويتدارسون بالليل، ويتعلمون. القصة وأصلها في الصحيح. فلعلها مستند ما لابن خالدون وبعد ذلك صار العلماء يتميزون بالتحنك. قال القرافي في الفروق ص 130 من ج 2: ما أفتى مالك حتى أجازه أربعون محنكا لأن التحنك وهو اللثام بالعمائم تحت الحنك، كان من شعار العلماء. حتى إن مالكا سئل عن الصلاه بغير تحنك فقال: لا بأس بذلك وهو إشارة إلى تأكد التحنيك. وهذا هو شأن أهل الفتيا في الزمن القديم اهـ. باب في تسميته عليه السلام حملة الحديث ونقلته عنه خلفاء له عليه السلام عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم أرحم خلفائي قلنا: من خلفاؤك يا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 رسول الله؟ قال: الذين يروون أحاديثي ويعلمونها الناس. رواه الطبراني في الأوسط. قال الهيثمي: وفيه أحمد بن عيسى الهاشمي. قال: الدارقطني كذاب، وعزاه السيوطي في الجامع الكبير: للطبراني في الأوسط، والرامهرمزي في المحدث الفاصل، وأبي الأسعد هبة الله القشيري، وأبي الفتح الصابوني معا في الأربعين، والخطيب في شرف أصحاب الحديث، والديلمي، وابن النجار، ونظام الملك في أماليه، ونصر المقدسي في الحجة، وأبي علي بن خنيس الدينوري في حديثه، وقد أخرجه من حفاظ المغرب أبو القاسم العزفي في الدر المنظم، فانظره. قال المنّاوي في فتح القدير: وهذه منقبة لأهل الحديث أعظم بها من منقبة، فهم خلفاؤه عليه السلام على الحقيقة اهـ لهذا كان المحدث في العصر الأول يلقب بأمير المؤمنين. قال الحافظ الأسيوطي في التدريب أخذا من هذا الحديث: وممن لقب بذلك من المحدثين قديما سفيان بن راهواه والبخاري وغيرهم اهـ. وللحافظ أبي علي الحسن بن محمد البصري التبيين بمن سمّي أمير المؤمنين ذكر فيه أن أول من سمي به من المحدثين أبو الزناد، ثم بعده مالك، ومحمد بن إسحاق، وشعبة ابن الحجاج، وسفيان، وعبد الله بن المبارك، والدارقطني، انظر التعريف برجال مختصر ابن الحاجب. قلت: وممن لقب بأمير المؤمين في الحديث من المتأخرين الحافظ ابن حجر رحمه الله، ولعصرينا المحدث المقري أبي عبد الله محمد حبيب الله الجكني الشنجيطي منظومة سماها هدية المغيث في أمراء المؤمنين في الحديث «1» . باب عنوان القرآن وبرنامجه وهو الأصل في وضع المسلمين العناوين للمصنفات في الأجوبة المهمة لمن له بأمر دينه همة، للشيخ العالم العارف أبي محمد المختار ابن أبي بكر الكنتي، صاحب الطريقة الشهيرة: الأصل في البرنامج قوله تعالى: هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ [إبراهيم: 52] ولقد اتفق العلماء الراسخون في العلم أن هذه الآية برنامج القرآن، لأنها مشتملة على جميع ما فيه من الفرائض، وجميع أنواع المعاملات، والزجر عن جميع المنهيات، وجميع معارف الله، وتوحيده، وتعريفه حق انبيائه، والنص على جميع أمور المعاد؛ من الموت، وعذاب القبر، والنشر، والحشر، والميزان، والصراط، والجنة، والنار، فباعتبار هذه الآية أخذ الفقهاء بجواز البيع على البرنامج اهـ. قلت: وقد رأيت مصحفا كتب في أول ورقة منه الآية المذكورة.   (1) طبعت مؤخرا في بيروت سنة 1410 هـ 1989 عن دار البشائر الإسلامية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 باب في حضه عليه السلام طلبة العلم على السؤال عما لم يفهموا قال أبو نعيم: وليتحرضوا على مساءلة العلماء، ثم أسند عن أبي جحيفة قال: كان يقال: جالس الكبراء، وخالط الكبراء، قال: وزاد غيره: وسائل العلماء. رواه أبو ملك النخعي، عن سلمة مرفوعا. ثم أسند عن أبي سلمة عن أبي جحيفة رفعه: جالس العلماء، وسائل الكبراء، وخالط الحكماء. وبوّب عليه ابن عبد البر في كتاب العلم: باب حمد السؤال والإلحاح في طلب العلم، ولما كان الافراط فيه، أو صدوره على غير ما يحمد منه مطلوب الترك، قال ابن عبد البر متمما لذلك: ومنع ما منع منه. وخرّج في الباب جملة آثار صدّرها بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ألم يكن شفاء العي السؤال «1» ، وذكر عن عائشة «2» : رحم الله نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن اهـ وفي الحديث المشهور: حسن السؤال نصف العلم وراجع من خرّجه «3» ، صدر رسالتنا البيان المعرب عما ورد في أهل اليمن والمغرب، وقيل، لابن عباس: بم نلت هذا العلم؟ فقال: بلسان سؤول وقلب عقول. باب في اجابته عليه السلام السائلين على حسب قوابلهم وتنويعه الخطب على حسب الحال والمقام من تأمل أجوبته عليه السلام لأسئلة السائلين، وأفراد المستفتين يرى أنها كانت تتنوع بحسب الأحوال، والأشخاص، والمعاملات، والأعراف، وذلك كالذي سأله كما في الصحيحين وغيرهما: عن أفضل الأعمال؟ فأجاب كل سائل عن فضيلة قال النووي في شرح مسلم وأجاب صلى الله عليه وسلم كلّا من السائلين بما رآه أنفع له وأخص به، فقد يكون ظهر من أحدهما كبر وانقباض عن الناس، فأجابه بإطعام الطعام وإفشاء السلام، وظهر من الآخر قلة مراعاة ليده ولسانه، فأجاب بالجواب الآخر، أو يكون عليه السلام تخوّف عليهما ذلك، أو كانت الحاجة في وقت السؤال كل منهما أحسّ به فجاوب به. وقال الشيخ أبو عبد الله السنوسي، في مكمل إكمال الإكمال قال بعض الشيوخ: وفي اختلاف الأجوبة عن السؤال الواحد دليل على أن المصالح تختلف باختلاف الأشخاص، والأحوال، والأعراف، وحتى في الفتاوى، كما ذكره المتأخرون. وفي شرح أحكام عبد الحق للإمام ابن مرزوق قالوا: يؤخذ من اختلاف الأجوبة لاختلاف الأحوال وجوب تعليم الإمام، أو المذكر للناس ما جهلوه، ويذكرهم ما نسوه،   (1) رواه أحمد ص 330 ج 1 من حديث ابن عباس والإسلامي: 411. (2) بوّب البخاري في كتاب العلم باب 50: ج 1 ص 41 وقالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين. كما أخرجه مسلم وأحمد وأبي داود وابن ماجه. (3) راجع كشف الخفاء للعجلوني تحت عنوان: الاقتصاد نصف المعيشة فقد عزاه للبيهقي وغيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 وتحريضهم على فهم ما أهملوه. قالوا: ولهذا جرت عادة خطباء المشرق، وقدماء الأندلس بتنويع الخطب بحسب الحاجة الوقتية للتنبيه على ما يفعل الناس لذلك، فتحصل للسامع أعظم منفعة، وأكبر فائدة، وأهمل هذا أهل المغرب؛ بل طالما أنكره وانتقده من ينتمي إلى العلم، ولو علم هذا ما اشتملت عليه خطبه عليه السلام، وخطب خلفائه لما أنكره. وهي طريقة مشهورة عن السلف. ذكرت شواهدها في شرح خطبي التي أنشأتها اهـ منه. باب في روايته صلى الله عليه وسلم عن أصحابه وتحديثه عنهم روى عليه السلام في خطبته عن تميم الداري في قصة الجساسة وهي في آخر صحيح مسلم، وروي عن مالك بن مزود وقيل: ابن مرارة وقيل ابن مرارة الرهاوي، وفيما أخرجه ابن منده في الصحابة بسنده عن زرعة بن ذي يزن، أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه كتابا، وأن مالك بن مزود الرهاوي قد حدثني أنك أسلمت وقاتلت المشركين، فأبشر بخير. الحديث. ومنه روايته صلى الله عليه وسلم عن أمه في حديث عنها أنها أخبرته بإضاءة قصور الشام وبصرى عند ولادته، ومنه قراءته صلى الله عليه وسلم على أبيّ بن كعب، وقال: أمرني الله أن أقرأ عليك: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا [البينة: 1] قال السيد السمهودي في الجوهر من فوائده: أن لا يمتنع الفاضل من الأخذ عن المفصول اهـ. قلت وهذا الأصل في رواية الأكابر عن الأصاغر. ومنه كما في كشف الظنون: رواية الخلفاء الأربعة وغيرهم، عن عائشة في كثير من الأحكام، وهو النوع الحادي والأربعون من تقريب النووي، وهو كما قالوا: نوع لطيف. ومن فوائده معرفة الأمن من الانقلاب، فلا يظن ولا يتوهم في السند انقلاب وتنزيل أهل العلم منازلهم؛ عملا بخبر أبي داود من حديث عائشة مرفوعا: أنزلوا الناس منازلهم «1» ، وهذا النوع يحمل عليه الرغبة في الفائدة؛ لأنها ضالّة المؤمن فحيث ما وجدها من كبير أو صغير أو تلميذ أو قرين التقطها. باب في أخذ الصحابة العلم بعضهم عن بعض وهو من أنواع نقل السنة ووجوهها، وهو نوع مهم جدا ذكره البلقيني في محاسن الإصطلاح ولم يذكره ابن الصلاح ولا اتباعه في أنواع الحديث، لأن الغالب رواية الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواية التابعين عن الصحابة، ومن أمثلته حديث اجتمع فيه أربعة صحابة يروي بعضهم عن بعض؛ وهو حديث الزهري عن السائب بن يزيد عن حويطب بن عبد العزى عن عبد الله بن السعدي عن عمر بن الخطاب مرفوعا: ما جاءك الله من هذا المال من غير إشراف ولا سائل فخذه، ولا تتبعه نفسك «2» .   (1) رواه في كتاب الأدب باب 20 ص 173 ج 5. (2) رواه النسائي في كتاب الزكاة باب 94 ج 5 ص 104 ونصه: ما آتاك الله عز وجل من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف فخذه فتموله أو تصدق به ومالا فلا تتبعه نفسك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 ومنه حديث خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، عن نعيم بن هبار، عن المقدام بن معدي كرب، عن ابي أيوب عوف بن مالك، وحديث اجتمع فيه أربع نسوة صحابيات، ثنتان من أمهات المؤمنين، وربيبتان للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما رواه مسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجه، من طريق ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن حبيبة بنت أم حبيبة عن أمها أم حبيبة، عن زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوما محمرا وجهه وهو يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، قلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث «1» . وقد أفرد بعضهم هذه الأحاديث بجزء ووقع في بعض الأجزاء حديث اجتمع فيه خمس من الصحابة تضمن رواية عبد الله بن العاص عن عثمان بن عفان عن عمر بن الخطاب عن أبي بكر الصديق عن بلال قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الموت كفارة لكل مسلم. باب في أن جلالة بعضهم عند بعض كانت لا تمنع من المخالفة فيما لم يؤدهم إليه اجتهادهم نقل في روضة الإعلام، عن الشيخ أبي العباس بن زاغ التلمساني مخالفة التلميذ للشيخ في بعض المسائل، إذا كان لها وجه، وعليها دليل قائم يقبله غير الشيخ من العلماء: ليس من سوء أدب التلميذ مع الشيخ، ولكن مع ملازمة التوقير الدائم، والإجلال اللازم. فقد خالف ابن عباس عمر وعلي وزيد بن ثابت، وكان قد أخذ عنهم اهـ وقد ألف الحافظ السيوطي رسالة أثبت فيها تهاجر الصحابة فيما بينهم بسبب خلافات في مسائل سياسية ودينية. باب في أدب الصحابة مع من يتعلمون منه أيضا خرّج أبو نعيم عن ابن عباس قال: إن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فاتي بابه وهو قائل، (نائم) فأتوسد ردائي على بابه، تنسف الريح علي من التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جاء بك ألا أرسلت إلي فاتيك؟ فاقول: أنا أحق أن آتيك فاسألك عن الحديث. وذكر ابن عبد البر عنه في كتاب العلم أنه قال: وجدت علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند هذا الحي من الأنصار. إن كنت لأقيل بباب أحدهم، ولو شئت أذن لي، ولكن أبتغي بذلك طيب نفسه. وروى أبو الزناد عن أبيه قال: رأيت عمر بن عبد العزيز يأتي عبيد الله يسأله عن علم ابن عباس، فربما أذن له، وربما حجبه وأخرج الخطيب في الجامع عن علي عليه السلام قال: من حق العالم عليك، أن تسلم على القوم عامة، وتخصه دونهم بالتحية، وأن تجلس أمامه، ولا تشير عنده بيدك، ولا تسارّ في محله، ولا تأخذ بثوبه، ولا تلجّ   (1) أخرجه مسلم في أول كتاب الفتن وأشراط الساعة ص 2207 ج 3. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 عليه إذا ملّ، ولا تعرض من طول صحبته، فإنما هو بمنزلة النخلة، تنظر متى يسقط عليك منها شيء، فإن المؤمن العالم لأعظم أجرا من الصائم القائم الغازي في سبيل الله، فإذا مات العالم، انثلمت في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء إلى يوم القيامة. باب في رواية الصحابة عن التابعين وهو نوع مهم، كثير الفائدة؛ لأن الغالب رواية التابعين عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أنكر بعضهم وجود ذلك. وقال: إن رواية الصحابة عن التابعين إنما هي في الإسرائليات والموقوفات، وليس كذلك. وقد جمع الحافظ العراقي الأحاديث التي بهذه الشريطة، فبلغت إلى عشرين حديثا. ومنه؛ رواية أنس بن مالك عن ابنه غير مسمى حديثا، وقد ذكر ابن سليمان الرداني، في حرف الراء من الصلة كتاب: روايات الصحابة عن التابعين، للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب فانظرها. باب في أخذ كبار الصحابة العالم عن الموالي في ترجمة بلال «1» من الإستيعاب قال: علي بن عمر روى عن بلال جماعة من الصحابة منهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأسامة بن زيد وعبد الله بن عمر وكعب بن عجرة والبراء بن عازب وغيرهم. وفي ترجمة صهيب من طبقات ابن سعد أن عمر قال لأهل الشورى، فيما يوصيهم به عند موته، وليصلّ بكم صهيب، وإن عمر لما توفي نظر المسلمون فإذا صهيب يصلي بهم المكتوبات بأمر عمر، فقدموا صهيبا فصلى على عمر، وناهيك بمن يقدم للصلاة على مثل عمر، وفي ترجمة سالم مولى أبي حذيفة من الإستيعاب، وتهذيب النووي، أن عمر كان يثني عليه كثيرا، حتى قال حين أوصى قبل وفاته: لو كان سالم حيا ما جعلتها شورى. قال ابن عبد البر: وهذا عندي على أنه كان يصدر فيها عن رأيه والله أعلم اهـ من الإستيعاب. باب أخذ الصحابة من العرب عمن أسلم من اليهود من أول من أسلم بعد دخول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة عبد الله بن سلام هو وآله، ولازم المصطفى وأخذ عنه العلم الجم، وروى عنه أبو هريرة وعبد الله بن مغافل، وأنس، وعبد الله بن حنظلة، وقيس، وغيرهم. وفيه نزل قوله تعالى: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [الرعد: 43] وفي التاريخ الصغير للبخاري بسند جيد عن يزيد قال: لما حضرت معاذا الوفاة قيل له: أوصنا قال التمسوا العلم عند أبي الدرداء، وابن مسعود، وعبد الله بن سلام، الذي كان يهوديا فأسلم، وأخرج البغوي في المعجم بسند جيد عن عبد الله بن معقل قال: نهى عبد الله بن سلام عليا عن خروجه إلى العراق، وقال:   (1) انظر هامش ص 142 من الإصابة ج أول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 إلزم قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنك إن تركته لا تراه أبدا. فقال علي: إنك رجل صالح منا. وأخذ كثير من علية الصحابة عن كعب الحبر معروف. وانظر الفوائد المتبعة في العوائد المبتدعة لابن زكريا الفاسي. باب في رجوع الصحابة للحق إذا ظهر لهم واعترافهم به ذكر ابن عبد البر عن عبد الله بن مصعب قال: قال عمر بن الخطاب: لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية، ولو كانت بنت ذي العصبة، يعني زيد بن الحصين الحارثي فمن زاد القيت زيادته في بيت المال، فقامت امرأة من صف النساء، طويلة فيها فطس فقالت له: ليس كذلك. قال: ولم؟ قالت: لأن الله يقول: وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً [النساء: 20] فقال عمر: امرأة أصابت ورجل أخطأ. وعن محمد بن كعب القرظي قال: سأل رجل عليا عن مسألة فقال فيها. فقال الرجل: ليس كذلك يا أمير المؤمنين ولكن كذا وكذا. فقال علي رضي الله عنه: أصبت وأخطأت، وفوق كل ذي علم عليم، وحكى ابن بطال أن صاحبا لمعاذ بن جبل قدم على ابن مسعود، فقال له أصحابه: أمؤمن أنت؟ قال: نعم. قالوا: من أهل الجنة قال: لا أدري لذنوب فلو أعلم أنها غفرت لقلت لكم: إني مؤمن من أهل الجنة. فتضاحك القوم. فلما خرج ابن مسعود قالوا له: ألا تعجب هذا يزعم أنه مؤمن ولا يزعم أنه من أهل الجنة، قال ابن مسعود: لو قلت: إحداهما اتبعتها الآخرى. فقال الرجل: رحم الله معاذا حذرني زلة العالم، وهذه زلة منك، وما الإيمان إلا أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، والجنة والنار، والبعث والميزان، ولنا ذنوب لا ندري ما يصنع الله بها، فلو نعلم أنها غفرت لنا لقلنا إنا من أهل الجنة. فقال ابن مسعود: صدقت يا أخي. باب في تأديب النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة في التعليم واقتفاء الصحابة أثره في ذلك قال الحافظ أبو نعيم: فإن عاود أي التلميذ مساءلته أي الشيخ؛ فلا بأس لها بأن يناله بأدب خفيف ثم استظهر بحديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه خرج إلى الصلاة فلقيه أعرابي فسأله عن شيء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس هذه ساعة فتوى، فأعاد عليه فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، فضربه بسوط كان معه أو بشيء، وذكر أبو نعيم في محل آخر تنبيهه على استحسان الأدب الخفيف، على إساءة أخرى منها معاودة الاستفهام مرة ثانية بعد الإفهام قال: فله الانتهار واحتج له بما أخرجه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة فقال: إركبها. قال: إنها بدنة قال: إركبها قال: إنها بدنة قال؛ إركبها ويلك في الثانية أو الثالثة. ومنها إذا عاد معترضا قال: عليه أن يعظه بلسانه واستدل بما رواه عن أبي الدرداء قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. قال: قلت وإن زنى وإن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 سرق؟ قال: نعم. قلت: وإن شرب الخمر؟. قال: نعم وإن رغم أنف أبي الدرداء. قال أبو الدرداء: فإن عاوده في الرابعة. فلا بأس أن يناله بضرب خفيف. واحتج له بما رواه عن معاذ قال: قلت: يا رسول الله أو نؤاخذ بكل ما نقول؟ ويكتب علينا. فضرب النبي صلى الله عليه وسلم منكب معاذ مرارا ثم قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكبّ الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم- وفي ضمن ذلك طلب المتعلم باحتمال الصبر على تأديبه وزجره. ولطمة عالم في الخدّ مني ... ألذ إليّ من شرب الرحيق وذكر الكاساني في أصول البدائع: أن عبد لله بن عباس قيّد عبدا له يعلمه تأويل القرآن، قال: وبه جرت العادة في سائر الأمصار من غير نكير فصار إجماعاا اهـ منه. وأخرج ابن سعد في الطبقات عن عكرمة قال: كان ابن عباس يضع في رجلي الكبل، ويعلمني القرآن والسنن. انظر ص 133 من ج 2 من القسم الثاني «1» . باب مناظرة الصحابة بين يدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ذكر أبو نعيم في أدب العلم: أنه لا بأس بالمناظرة والمماراة في العلم بحضرة العالم، ثم أسند إلى أبي هريرة قال: لقد رأيتنا يكثر مراؤنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ولا بدّ مع هذا من مراعاة ما يختص بأدب الحضور بين يدي الشيخ «2» . باب في آداب طالب العلم المنصوص عليها لأهل القرون الأولى ومنها تعلم الآداب المعروفة لطالب العلم في زمن النبوة عقد لذلك بابا الإمام أبو نعيم في آداب المتعلم، ذكر فيه أمورا. أولا: ملازمة السواك، وهو أول ما ندب إليه من هذه الخصال، قال ما نصه: وليعلم أنه لا يخلو إذا غشي المجالس من مجالسة العلماء، ومخاطبة الحكماء ومذاكرة المتعلمين، ومجادلة المخالفين فليتعاهد نفسه بما يصلحه ويزينه وليبدأ بالسواك، فليلزمه. وخرّج لذلك عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يستاكون، فقال: يدخلون علي ولا يستاكون فلولا أن اشق على أمتي لفرضت عليهم السواك، كما فرضت عليهم الصلاة [روى البخاري في كتاب الجمعة باب 8 عن أبي هريرة: لولا ... الخ ص 214/ 1] . ثانيا: قص أظفاره إذا طالت، لما أخرجه عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن خبر السماء. فقال: أتسألني عن خبر السماء، وتدع أظفارك كأظفار الطير، فيها الخباثة والتفث [رواه أحمد ج 5/ 417] .   (1) تأديب المتعلمين بالضرب والزجر ليس بمحمود على إطلاقه، وإن كان مطلوبا في بعض الأحوال. مصححه. (2) كثرة المراء والجدال بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم مسألة فيها نظر، فليحرر. مصححه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 ثالثا: تنقية براجمه ورواجبه لحديث ابن عباس «1» أن جبريل ابطأ علي النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك فقال: كيف لا يبطأ علي وأنتم حولي لا تستنقون، ولا تقلمون أظفاركم، ولا تقصون شواربكم، ولا تنقون رواجبكم، قال أبو نعيم: البراجم العقد التي في مفاصل قصبات الأصابع من باطن، والرواجب: ملتقى رؤوس السلاميات إذا قبض القابض كفّ شخص. رابعا: هو اغتساله مهما أحس من نفسه ريحا أو عرقا يتأذى به، لما رواه عن عائشة قالت: كان الناس يأتون الجمعة من العوالي فيأتون في الغبار والعرق، فيخرج منهم الريح، فأتى إنسان منهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو تطهرتم لهذا اليوم [رواه البخاري في كتاب الجمعة باب 15 ص 217/ 1] . خامسا: أخذه من شاربه إذا طال، لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعفوا اللحى وخذوا من الشارب [روى مالك في الموطأ عن ابن عمر كتاب الشعر ص 947: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخفاء الشوارب وإعفاء اللحى] . سادسا: تسكينه من شعره إذا كان ذا شعر، لما رواه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا أشعث الرأس فقال: أما يجد هذا ما يسكن به شعره [رواه أحمد ج 3/ 357] . سابعا: أن لا يغافل الترجل والتدهن، لحديث جابر قال: كان لأبي قتادة وفرة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: إدهنها وأكرمها. ثامنا: اجتهاده في نظافة ثوبه، وتحرزه من الوسخ عليه، لما رواه أيضا عن جابر قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم فرأى رجلا أشعث. قال: أما كان يجد هذا ما يغسل به ثوبه، ويلم شعثه. وروي عن أبي صالح قال: ما كنت أتمنى من الدنيا إلا ثوبين أبيضين أجالس فيهما أبا هريرة [انظر مسند أحمد ج 3/ 357] . تاسعا: أن يمسّ من الطيب إذا وجد إليه سبيلا لما رواه عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يخرج إلى أصحابه ثقيل الريح، وكان إذا كان في آخر الليل مسّ طيبا. عاشرا: اجتنابه للطعام الذي فيه رائحة كريهة؛ لما رواه «2» عن عطاء قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل من هذه البقلة، فلا يقربنّ مساجدنا. إحدى عشر: غسله ليده إذا أكل زهيما لئلا يؤذي محاذيه، لما رواه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل من هذا اللحم شيئا فليغسل يده من وضره، لا يؤذي من يحاذيه [روى أحمد ج 4/ 180 حديثا بمعناه عن سهل بن الحنظلية: من أكل لحما فليتوضأ] . الثاني عشر: احترازه من اشتغال العالم أو جليسه بالجشاء بل يكظمه، لما رواه «3» عن ابن عمر أن رجلا تجشأ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كف جشاءك عنا.   (1) رواه أحمد عن ابن عباس 1/ 243. (2) مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة رقم 69 ص 394/ 1. (3) ابن ماجه في كتاب الأطعمة باب 50 ج 2/ 1111. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 الثالث عشر: أن لا يلبس من الثياب ما لا يجوز لبسه، لما رواه عن عبد الله بن عمرو: قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ ثوبين معصفرين. فقال إن هذه ثياب الكفار، فلا تلبسها [رواه مسلم في كتاب اللباس 27 ج 2/ 1647] . الرابع عشر: أن يلبس ما ابيض من الثياب فإنه مستحب لأهل العلم، لما رواه عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالبياض فإنه خير ثيابكم، فكفنوا فيها موتاكم وليلبسها أحياؤكم فإنها أطيب وأطهر. الخامس عشر: أن يعتمّ قال: لأنها زينة لأهل العلم. وخرّج عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اعتموا تزدادوا حلما «1» . السادس عشر: أن يعتني بحفظه لصحته، ليستعين بها على طلب العلم والتحصيل، وذكر أبو نعيم من ذلك أمورا: من ذلك اجتنابه لما يخل قوة الفهم والحفظ، ويعود بضعف في النفس أو البدن، وتعاهده إخراج الدم، وشرب الدواء واستعانته على تقوية بصره بالجلوس على الخضرة والماء الجاري، وتهذيب بدنه بترك ما يورث السمن، وترك التملي من الطعام والشراب لئلا يقطع عن الدرس، ثم استدل لكل أدب من هذه الآداب، فراجع كلامه الذي لخصه ابن الأزرق: في روضة الأعلام فإنه أحلى من العسل، وألذ من الماء البارد على الظمأ. وعلى قدر اطلاع المتتوّر على ما يقال الآن عن المسلم وطالب العلم من أهله، يكثر فرحه بهذه الآداب الإسلامية، التي كانت رائجة في ذلك الزمن النبوي، ويبتهج بما سقناه لأنه بذلك يعلم أن دينه وتعاليمه أسبق التعاليم إلى الحضر والنظافة، والرقي والاعتناء بحفظ الصحة، والاقتصاد النافع، وانظر كتاب آداب المتعلم لأبي نعيم الأصبهاني، وآداب المحدث للحافظ عبد الغني بن سعيد البغدادي، ومقدمة شرح تهذيب النووي، وكتاب تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم، للشيخ بدر الدين بن جماعة، وجواهر العقدين للسيد السمهودي، وروضة ابن الأزرق وشرح ألفية العراقي للسخاوي، وبلوغ أقصى المرام للطرنباطي، وممن ألف في مكارم الأخلاق من السلف الطبراني، والخرائطي، له كتاب في مكارم الأخلاق وآخر في مساوي الأخلاق. باب في أن الصحابة كانوا يعرفون حق أكابرهم في العلم والسن والآداب التي كانوا يوصون بها المتعلم ليعامل بها معلمه ذكر ذلك أبو نعيم في آداب المتعلمين، واستدل له بما هو معروف؛ من أن زيد بن ثابت، أراد أن يركب فوضع رجله في الركاب، فأمسك له ابن عباس رضي الله عنهما. فقال: تنحّ يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: إنا هكذا نصنع بالعلماء والكبراء، ولما قال البلخي في عين العلم: ويأخذ بركاب العلماء للتوقير، قال شارحه الملا على القاري، بعد ذكر قصة ابن عباس هذه: وأخذ عمر بغرز زيد أي بركابه، حتى رفعه. وقال: هكذا فافعلوا بزيد وأصحابه اهـ منه.   (1) حديث: اعتموا تزدادوا حلما ذكره في التيسير على الجامع الصغير وقال عنه: رواه البيهقي مرسلا عن خالد بن معدان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 وقد أخرج أحمد «1» والترمذي عن ابن عباس وأحمد والحاكم عن عبادة بن الصامت رفعاه: ليس منا من لم يوقر كبيرنا ولم يرحم صغيرنا ولم يعرف لعالمنا حقه. باب في إنزال النبي ص الناس ساعة التعليم منازلهم من تقديم الأكثر علما أو سنا ذكره أبو نعيم واستدل له بحديث الصحيح «2» عن ابن مسعود قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، وبحديث سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليقم الأعراب خلف المهاجرين والأنصار، ليقتدوا به وفي سيرة مالك: من أمره بالتخلق بهذا الأدب، وأخذه أصحابه بالاستعمال له في مجالس تدريسه عبرة، وقد ذكر تفاريع هذه الترجمة، وصورها ابن العربي في الأحكام: منها مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، والتفسح فيه بالهجرة والعلم، ومنها: مجلس الجمعة والتفسح فيه بالبكور إلى ما يلي الإمام، ومنها: مجلس الحرب يتقدم فيه ذو النجدة والمراس من الناس، ومنها مجلس الرأي والمشورة، يتقدم فيه من له بصر بالشؤون، وهو داخل في مجلس الذكر بوجه. قال: وكل ذلك يتضمنه قوله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ [المجادلة: 11] فيرتفع المرء بإيمانه أولا، ثم بعلمه ثانيا. وفي الصحيح «3» أن عمر بن الخطاب كان يقدم ابن عباس، فكلموه في ذلك فدعاهم ودعاه، وسألهم عن تفسير: إذا جاء نصر الله والفتح فسكتوا. فقال ابن عباس: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعلمه الله إياه، فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما يعلم. باب رحلة الصحابة في طلب العلم أو رغبة في علو السند قال القاضي ابن العربي المعافري: إن موسى عليه السلام أول من رحل في طلب العلم من أهل الشرائع، وقال الغزالي: قلّ مذكور في العلم محصّل، من زمان الصحابة إلى زماننا هذا إلا وحصل العلم بالسفر، وسافر لأجله اهـ. والأمر بالرحلة في الجملة وقع في القرآن في قوله تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة 122] وذكر ابن عبد البر عن مالك بن دينار قال: أوحى الله إلى موسى أن أتخذ نعلين من حديد، ثم اطلب العلم حتى تخرق نعليك، وتنكسر عصاك. وبوّب البخاري في صحيحه:   (1) انظره في الجزء الأول ص 257 والإسلامي ص 320 وأوله: ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من حديث ابن عباس وثمة روايات عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. (2) رواه مسلم في كتاب الصلاة باب 28 رقمه 122 ص 323 ج 1. (3) انظر كتاب تفسير القرآن، ج 6 ص 94، سورة النصر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 باب الرحلة في طلب العلم «1» ، وذكر أن جابر بن عبد الله رحل إلى عبد الله بن أنيس مسيرة شهر، في حديث واحد. وعن ابن عباس في قوله تعالى: السائحون هم طلبة العلم، وقال ابن مسعود: لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني لرحلت إليه، وقد أفرد فوائد الرحلة وذكر الرحالين الخطيب البغدادي بجزء. باب ترغيب الصحابة بعضهم بعضا وغيرهم من الناس إلى حضور الميراث النبوي يريدون العلم لأن الأنبياء لم يخلفوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم وذلك بعد انتقاله عليه السلام قال السيد السمهودي في جواهر العقدين: خرّج الطبراني في الأوسط بسند حسن عن أبي هريرة أنه مرّ بسوق المدينة فوقف عليها، فقال: يا أهل السوق ما أعجزكم؟ قالوا وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال: ذاك ميراث النبي صلى الله عليه وسلم يقسم وأنتم ها هنا؛ ألا تذهبون، فتأخذون نصيبكم منه. قالوا: وأين هو؟ قال في المسجد، فخرجوا سراعا، ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا، فقال لهم: ما لكم؟ فقالوا: يا أبا هريرة قد أتينا المسجد، فدخلنا فيه فلم نر شيئا يقسم. فقال لهم أبو هريرة. أو ما رأيتم في المسجد أحدا؟ قالوا: بلى رأينا أقواما يصلون وقوما يقرؤون القرآن، وقوما يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة: ويحكم فذاك ميراث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وذكر أبو عمر بن عبد البر، عن سلمان بن مهران قال: سمعت أحد القراء يقول: بلغني أن قوما كانوا يتناظرون بالعراق في العلم، فقال قائل: من هؤلاء؟ فقيل له: قوم يقتسمون ميراث النبي صلى الله عليه وسلم. باب في القاص في الزمن النبوي وجلوسه عليه السلام مجلسه خرّج أحمد «2» وأبو يعلى عن أبي أمامة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على جماعة وقاص يقصّ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم قصّ، فلأن أقعد هذا المقعد غدوة إلى أن تشرق الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب ولأن أقعد هذا المقعد بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب، أورده الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد وعزاه لأحمد والطبراني في الكبير. قال: ورجاله موثقون إلا أن فيه أبا الجعد عن أبي أمامة، فإن كان هو الغطفاني، فهو من رجال الصحيح، وإن كان غيره فلم أعرفه، وعن رجل من أهل بدر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لأن أقعد في مثل هذا المجلس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب. قال شعبة: فقلت أي مجلس يعني؟ قال: كان قاصا. رواه أحمد «3»   (1) انظر البخاري ص 27 ج 1 من كتاب العلم باب 19. (2) رواه أحمد في ج 5 ص 261 والإسلامي: 328. (3) ج 3/ 474 والإسلامي/ 620. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 وفيه كردوس بن قيس وثقه ابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح، وعن عبد الجبار الخولاني قال: دخل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا كعب يقص قال من هذا؟ قالوا: كعب يقص علينا. قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال، قال: فبلغ ذلك كعبا فما رئي بعد ذلك يقص. رواه أحمد. «1» قال الهيثمي: وإسناده حسن، وعن عوف بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يقص إلا أمير أو مأمور أو متكلف. رواه أبو داود «2» غير قوله أو متكلف. ورواه الطبراني في الأوسط. قال الهيثمي: وفيه أبو العباس الرازي، لم أر من ترجمه، وعن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقص إلا أمير أو مأمور أو متكلف. رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. قال الملا على القاري في شرح المشكاة: القصص التكلم بالقصص والأخبار والمواعظ وقيل المراد به الخطبة خاصة اهـ وقال غيره: القصص التحدث بالقصص، ويستعمل في الوعظ، يريد من يعظهم إما أمير أو مأمور، أو يجوز لهما الوعظ أما مختال يعظ لطلبه الرياسة والتكبر، فلا يقبل هذا في الخطبة فالأمر فيها إلى الأمراء أو إلى من يتولاها من قبلهم. قال الطيبي في شرح المشكاة: وكل من وعظ وقص داخل غمارهم، وأمره موكول إلى الولاة اهـ انظر مجمع بحار الأنوار، في الإكليل للسيوطي على قوله تعالى: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إبراهيم: 5] عن ابن العربي: هذه الآية أصل في الوعظ المرقق للقلوب اهـ. قلت: ولا ينافي أحاديث الترجمة ما جاء عن بعض السلف؛ من إنكار القصص وذم القاصين. ففي الإحياء بعد أن ذكر أن الحسن البصري كان يتكلم في قصصه في علم الآخرة، والتذكير بالموت، والتنبيه على عيوب النفس، وآفات الأعمال، وخواطر الشيطان، ووجه الحذر منها. ويذكر بالاء الله ونعمائه، وتقصير العبد في شكره، ويعرف حقارة الدنيا وتصرفها وقلة عهدها، وعظم الآخرة وأهوالها فهذا هو التذكير المحمود شرعا، ثم تكلم عل الذين نقلوا اسم التذكير إلى خرافاتهم، وذهلوا عن طريق التذكير المحمود، واشتغلوا بالقصص التي يتطرق إليها الاختلاف والزيادة، والنقصان، وتخرج عن القصص الواردة في القرآن، وتزيد عليها فقال: من القصص ما ينفع سماعه، ومنها ما يضر سماعه، وإن كان صادقا. قال: فترجع القصص المحمودة إلى ما يشتمل عليه القرآن، وإلى ما صحّ من الكتب الصحيحة، من الأخبار. قال في الإتحاف: أخرج ابن أبي شيبة والمروزي عن ابن سيرين قال: بلغ عمر أن قاصا يقص بالبصرة فكتب إليه: الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف: 5] قال فعرف الرجل فتركه، وأخرج عبد بن حميد في تفسيره، عن قيس بن سعد قال: جاء أن ابن عباس مرّ على عبيد بن عمير   (1) انظره في المسند ج 6/ 26 والإسلامي: 34 عن عوف بن مالك. (2) رواه في كتاب العلم ج 4 ص 72 ورقمه: 3665 ورواه أحمد أيضا 6/ 23 والإسلامي/ 29. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 وهو يقص فقال: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ [مريم: 54] الآية وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ [مريم: 56] الآية ذكرنا بأيام الله، وأثن على من أثنى الله عليه، وانظر كتاب القصّاص والمذكّرين للحافظ ابن الجوزي، وكتاب المذكر والتذكير والذكر، لأبي أحمد بن عمرو ابن أبي عاصم، وكتاب الحافظ العراقي المسمى بالباعث على الخلاص من حوادث القصاص، وللحافظ السيوطي أيضا فيهم رسالة. قال الزبيدي في الاتحاف: الذي تلخص مما ذكرنا أنه لا ينبغي أن يقصّ على الناس إلا العالم المتقن، الحافظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، العارف بصحيحه من سقيمه، وبسنده ومقطوعه، ومنفصله، العالم بالتواريخ وسير السلف، الحافظ لأخبار الزهاد، الفقيه في دين الله، العالم بالعربية واللغة، ومدار كل ذلك على تقوى الله، وأن يخرج الطمع في أموال الناس من قلبه. كذا حققه ابن الجوزي فانظره. تنبيه: خرج أبو نعيم والعسكري، أن تميما الداري استأذن عمر أن يقصّ على الناس قائما فأذن له فقص قائما. مهمة: ترجم ابن سعد في طبقاته لأم الحسن البصري، فأخرج بسنده عن أسامة بن زيد عن أمه قالت: رأيت أم الحسن البصري تقصّ على النساء، وأم الحسن هذه كانت في عصر كبار الصحابة، وروت عن أم سلمة وغيرها، من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. وفي طبقات ابن سعد عن الحسن قال: كان الأسود بن سويع رجلا شاعرا وكان أولّ من قص في هذا المسجد. قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات، وفيها أيضا عنه قال: كان الأسود بن سويع يذكر في مؤخر المسجد، انظر ترجمة الأسود من الطبقات ص 28 من ج 7. باب في ذكر ما بثه عليه السلام من الفرائض الطبية والعلوم الحكمية المتعلقة بالأغذية والأدوية وعلاج الأمراض حتى دونت فيه الدواوين ذكر المولى أحمد طاشكبري زاده في مفتاح العلوم: علم طبه عليه السلام من جملة العلوم التي اشتغل بها البشر، فقال ما نصه: علم طب النبي صلى الله عليه وسلم هو علم أبرز من الحديث، كإبراز الفرائض من الفقه، والكحالة من الطب، وهو علم يعرف منه ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في أمر تصحيح الأبدان الإنسانية، وموضوعه ومباديه يظهر بالقياس إلى علم الحديث، وغرضه وفائدته أظهر من أن تخفى. وقد صنف فيه الإمام المستغفري. تصنيفا فائقا ولا أجمع وأنفع من كتاب ابن طرخان يجده من يطلبه اهـ وقد ترجم لهذا العلم أيضا صاحب كشف الظنون، فذكر أن ممن ألف فيه أبو نعيم الأصبهاني، وكتب أبو الحسن علي بن موسى الرضى، للمأمون رسالة مشتملة عليه. والحبيب النيسابوري جمعه أيضا، وابن السني وعبد الملك بن حبيب، والحافظ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 السيوطي، واسم كتابه فيه (المنهج السوي والمنهل الروي في الطب النبوي) وإن أول كتابه: الحمد لله الذي أعطى كل نفس خلقها، وهو مرتب على ثلاثة فنون الأول: في قواعد الطب، الثاني في الأدوية والأغذية الثالث: في علاج الأمراض. قلت: ولعله اختصره من كتاب الطب النبوي للحافظ الذهبي أيضا، فإنه على هذا النسق، وقد طبع مرارا، ولم يذكر صاحب الكشف كتاب ابن طرخان، الذي ذكره طاشكبري، وهو كتاب نفيس في مجلد، اسمه الأحكام النبوية في الصناعة الطبية، ومؤلفه الإمام أبو الحسن علي بن مهذب الدين أبي المكارم عبد الكريم بن طرخان بن بقى الحموي، ثم الصفدي، صاحب كتاب مطلع النجوم في شرف العلماء والعلوم، رتب ابن طرخان كتابه الطبي هذا على عشرة أبواب، وبناه على أربعين حديثا في الطب مما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم. الباب الأول: في الأحاديث الواردة في ذكر الأمراض ومعالجتها، والأمر بالتداوي، ومن تطبب ولم يعلم منه طب. الباب الثاني: في الأحاديث الدالة على ما يتعلق بحفظ الصحة من صفة الأكل والشرب والنوم وغير ذلك. الباب الثالث: في شأن أصل الطب وهل هو وحي، أو تجربة أو قياس. وذكر الواضع وفضيلته، وموافقته للعقل والشرع. الباب الرابع: في بيان الصحة وفضلها، وذكر الأحاديث الواردة فيها. الباب الخامس: في بيان المرض وفضله، وذكر الأخبار الواردة فيه وفيه شيء من الرقى. الباب السادس: في فضل عيادة المريض، وما ورد في ذلك من الأحاديث النبوية. الباب السابع: في ذكر أربعين حديثا طبية فصلت عن الأربعين الأولى فنبه على أكثرها. الباب الثامن: في ذكر الخلاف هل التداوي أفضل أو تركه؟ وحجة كل واحد من الطائفتين. الباب التاسع: في ذكر الحمية وفضلها، وما يكتب للحمى وما ورد في ذلك. الباب العاشر: في ذكر أدوية مفردة وقواها، ومنافعها وما ورد فيها من الأحاديث الطبية وغيرها، وهو كتاب نادر الوجود، كندورة ترجمة مؤلفه عندي منه نسخة قديمة، بخط مشرقي كتبت بمكتبة الناصرية بالشام بقرب زمن مؤلفه، كنت ظفرت بها بالمدينة المنورة سنة زيارتي لها عام 1324. وممن أتى بقسم نافع من الطب النبوي؛ الحافظ ابن القيم في الهدى النبوي، وتبعه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 الشهاب القسطلاني في المواهب، فإنهما أتيا بزبدة ما لمن تقدم جزاهم الله خيرا، وفي الهدية المقبولة في حلل الطب المشمولة، للشهاب أحمد بن صالح الأكتاوي الدرعي: هذا النبي المصطفى من يرتضى ... سيد كل من يجيء أو مضى أرقى وعالج تداوى واحتجم ... مع التوكل الذي فيه ارتكم والأمر بالتوكل الصحيح ... عن مثلنا يفيد بالتصريح وفي العلاج سنة الرسول ... وتطييب «1» لخاطر العليل فقال النظام في شرح هديته: الأذن فيه أي الطب من الشارع يكفي فيه فعله، وما تواتر عنه نقله، كما صرحت به أحاديث كثيرة، وأخبار وافرة جديرة، يطول بنا نقلها، ويعرفها من أصولها وفروعها أهلها اه. وقد اعتنى بالتعرض لما جاء عن جانب النبوة من درر الحكمة في هذا الباب، أحد حكماء الإسلام الشيخ داود الأنطاكي في التذكرة في مواضع منها؛ لدى كلامه على داء الاستسقاء، وأفضى به الكلام إلى ذكر أن من علاجه لبن اللقاح وأبوالها فقال: إنه غاية في أنواع الاستسقاء الثلاثة؛ خصوصا إذا كانت في البادية لاقتياتها حينئذ بالعطريات المفتحة، كالشيح والقيصوم وقال: وفيها أحاديث عن صاحب الشرع عليه السلام، أخرجها ابن السني وأبو نعيم وأحمد والترمذي في حديث غريب، ثم ذكر قصة العرنيين وحاصلها: أن قوما وفدوا عليه وهو في المدينة، ففي رواية فأصابهم وعك وأخرى فاجتووها بالتخمة، أي المدينة أي أصابهم منها الاجتواء، وهو عبارة عن فساد البطن ورائحة كريهة، وفي رواية فذربت بطونهم، فأرسلهم إلى إبل الصدقة، فشربوا من ألبانها وأبوالها وقصتهم مشهورة. وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بذلك، لكون الاستسقاء من الأمور الباردة اللزجة القروية، وفيها تقطيع وتفتيح وجلاء يطابق المادة، كما في المفردات وتخصيصه في الرواية الأخيرة بالبرية إما لتعدد الواقعة وكون مرض المأمورين بذلك أشد، فنصّ على البرية لرعيتها المفتحة الفعالة في ذلك بنفسها أيضا، كالشيخ والعرفج أو غير متعددة فيكون من حمل المطلق على المقيد، ومن هنا حكم بعض المجتهدين بطهارة بول ما يؤكل لحمه، لأمره به، ومنع بعضهم لزوم ذلك، وجعله من باب الجواز الضروري إذا تعين كإساغة اللقمة بالخمر، واعلم أنه غير لازم في مداواته عليه السلام، بما من شأنه أن ينفع من ذلك المرض، بل قد يداوي بما لا يجوّز العقل استعماله، فمن عثر على شيء من ذلك فليعلم أنه خرج مخرج الإعجاز، كما في قصة ملاعب الأسنة، وقد شكى إليه صلى الله عليه وسلم الاستسقاء، فأرسل إليه بحثية من تراب تفل فيها فحين شربها برىء اهـ كلام التذكرة. وانظر ما كتبه في الجذام والحمي تر عجيبا. وفي الطرق الحكمية لابن القيم ص 264 على قوله عليه السلام: لا تديموا النظر   (1) الموزن هنا مضطرب ويستقيم لو قال: مطيب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 للمجذومين، فيه فائدة عظيمة، وهي أن الطبيعة نقالة، فإذا أدام النظر إلى المجذوم خيف عليه أن يصيبه ذلك بنقل الطبيعة، وقد جرب بين الناس أن المجامع إذا نظر إلى شيء عند الجماع، وأدام النظر إليه انتقل منه صفته إلى الولد. وذكر البيهقي وغيره أن المصطفى تزوج امرأة من غفار، فدخل عليها فأمرها فنزعت ثيابها، فرأى بياضا عند ثديها، فانحاز النبي صلى الله عليه وسلم عن الفراش، فلما أصبح قال: إلحقي بأهلك، وحمل لها صداقها اهـ. وفي الهدي النبوي لابن القيم أيضا، وسفر السعادة للمجد الفيروز آبادي: لم يجمع صلى الله عليه وسلم بين سمك ولبن، ولا بين لبن وشيء من الحوامض، ولا بين غذاءين حارين، ولا باردين لزجين، ولا بين قابضين، وقابض ومسهل، ولا مسهلين، ولا بين غليظين، ولا بين سريع الهضم وبطيئه، ولا بين مشوى ومطبوخ، ولا بين قديد ورطب، ولا بين الحليب والبيض، ولا بين اللحم والحليب، ولا أكل طعاما بائتا، ولا ما فيه عفونة من الأطعمة، ولم يثبت أنه تناول شيئا من الملوحات والمخللات، وثبت أنه شرب الحليب المشوب بالماء، وماء التمر المنقع للهضم، والعسل الممزوج بماء بارد في غاية البرودة اهـ. وانظر بسط الكلام على ماكله صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بذلك في المناهج السنية للفاكهي، وتأليف سيدنا الوالد في السنة تر عجبا عجابا. ومن المهاثرة ما ذكره الفيلسوف ابن خالدون في مقدمة تاريخه حين فصل أنواع الطب ومستنداته قال: وللبادية من أهل العمران طب بنوه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص، متوارثة عن مشايخ الحي وعجائزه، وربما يصح فيه البعض إلا أنه ليس على قانون طبيعي، ولا موافقة المزاج. وكان في العرب أطباء من هذا القبيل معروفون، كالحارث بن كلدة وغيره، والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل، وليس من الوحي في شيء، وإنما هو أمر كان عاديا عند العرب اهـ كلامه الخشن. ولله در العلامة الشيخ عبد الهادي الأبياري المصري، إذ قال إثره في سعود المطالع ص 155 ج 2 ما نصه: وأقول: هذه هفوة لا ينبغي النظر إليها، كيف وقد قال عليه السلام للمبطون الذي أمره بشرب العسل، فلم ينجح: صدق الله وكذب بطنك اهـ. وإذا قرأت كلام الشيخ داود الذي سقناه لك أولا تعلم أن عقيدته في هذه المسألة أسلم مما لابن خالدون، والجواد قد يكبو والكمال لله. ولنختم هذا المبحث بلطيفة ذكرها السيوطي في الإكليل، نقلا عن كتاب العجائب للكرماني، قال طبيب نصراني لعلي بن الحسين: ليس في كتابكم من علم الطب شيء، والعلم علمان علم الأبدان وعلم الأديان فقال له: جمع الله الطب في نصف آية، وهي قوله: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف: 31] ، فقال الطبيب: ما ترك كتابكم لجالينوس طبا اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 ولما تكلم الحافظ ابن رجب على حديث «1» : لم يخلق الله وعاء إذا ملىء شرا من بطن، فإذا كان لا بد فاجعله ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للريح: إنه أصل عظيم جامع لأصول الطب كلها، وقد روي أن ابن ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في كتاب ابن أبي خيثمة قال: لو استعمل الناس هذه الكلمات يعني قوله عليه السلام حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه إلى أخرى لسلموا من الأمراض والأسقام، ولتعطلت المارستانات [المستشفيات] ، ودكاكين الصيادلة. وقال القرطبي في شرح الأسماء: لو سمع بقراط بهذه القسمة لعجب من هذه الحكمة، وفي الأحياء: ذكر هذا الحديث يعني تقسيم البطن أثلاثا لبعض الفلاسفة فقال: ما سمعت كلاما في قلة أكل أحكم من هذا، ولا شك أن أثر الحكمة فيه واضح. وقال ابن القيم في الهدى النبوي: مراتب الغذاء ثلاثة؛ أحدها مرتبة الحاجة، والثانية مرتبة الكفاية، والثالثة مرتبة الفضيلة، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه فلا تسقط قوته، ولا يضعف فإن تجاوزها فليأكل ثلثا لبطنه، ويدع الثلث الآخر للماء، والثالث للنفس. وهذا أنفع للبدن والقلب، انظر بقيته فيه. وفي شرح منظومة الآداب للسفاريني، وفي مسند أحمد «2» عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى أحد من أهله لم تزل البرمة على النار حتى يلقى أحد طرفيه) يعني يبرأ أو يموت، وهو أصل ما سبق عن الجيش لاكنسوس في باب الطب، من القسم الثامن انظره. باب في ذكر توسعه عليه السلام مع أصحابه في ذكر الوقائع التاريخية وأخبار الأمم السالفة واتخاذه لذلك وقتا وهو أصل تعاطي الدروس اليوم في شبه ذلك بوّب البخاري «3» باب السمر في العلم، وخرج أبو داود وصححه ابن خزيمة، وهو من رواية أبي حسان عن عبد الله بن عمر، وهو ليس على شرط البخاري: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح، لا يقوم إلا لعظيم صلاة. وأخرجه أحمد والطبراني في الكبير قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح عن عمران بن حصين قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عامة ليله عن بني إسرائيل لا يقوم إلا لعظيم صلاة «4» .   (1) روى الترمذي حديثا يقاربه عن المقدام بن معدي كرب وأوله: ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن. انظر كتاب الزهد باب 47 ص 590/ 4. وأحمد 122/ 4 وابن ماجه كتاب الأطعمة ص 111/ 2. (2) ج 6/ 138. (3) انظر الجزء الأول ص 37 باب 41. (4) انظره في الجزء الرابع ص 444 والإسلامي 592. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 قلت: وذلك منه عليه السلام امتثال لأمر الله له، ففي القرآن: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إبراهيم: 5] . وقال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [النساء: 26 أ] بمعنى وذكرهم بوقائع الله التي وقعت للأمم السالفة، ويريد أن يعرفكم ما خفي عنكم من مصالحكم، ومحاسن أعمالكم ببيانها، ويهداكم مناهج من تقدمكم، من أهل الرشد والخير، لتسلكوا مسالكهم، فإن التاريخ يبحث فيه عن أحوال الأمم الخالية والأجيال الفانية، مع ضبط أشخاصهم بأسمائهم وألقابهم، وكناهم وأنسابهم واستيعاب رسومهم وأخبارهم، وبضائع علومهم وآثارهم، وصنائع الطوائف وعوائدهم، وسقوطهم ونهضتهم، وهو علم يتنافس فيه عقلاء الأمم والأجيال، ويتفاخر به الملوك والأقيال، وتسمو إلى معرفته حتى السوقة والأغفال، وتشد إلى تحصيله الركائب والرحال. وناهيك أن الله قص علينا في القرآن ما دار بين الأنبياء وأممهم، وأوضح لنا بيان مدتهم ومواطنهم، وأسماء أماكنهم كسبأ، والأحقاف، والحجر، ومكة، والمدينة، ومدين، ومصر، وأرشدنا بذلك إلى تعاقب أدوار الزمان، والتحول والنضارة والذبول، والعمار والدمار، وأمرنا بالمسير لننظر الحقائق، ونتناظر فيها، ونجانب الظنون، ولا نركن إليها، ولنطلع على عجائب صنع الله فيها، وامتن عل عباده بالجبال الشاهقة، التي يأوون إليها ويعتصمون فيها، وبالبحار الزاخرة الواسعة، التي ينتفعون بما يخرج منها، ويسافرون عليها، وبالحدائق المزينة بالأزهار، المطرزة بالثمار، وذكر لنا الجب والكهف والأخدود والغار، والقصر والبيت والدار، والقرى، والمدائن، والبروج، والحصون والمساكن، والبيع والصلوات، والمقاعد والعمد، والمحاريب، والمساجد والمجالس، والتناد والصخر والواد، وعنّف القاعدين الذين لم يركبوا متن الآمال الواسع، واستبعدوا المحل الشاسع، ولم يهجروا المضجع الوثير، لطلب المحل الأثير فقال تعالى: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها [الروم: 9] وحضّ سبحانه على النظر والتأمل والاعتبار بقوله، قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ [الروم: 42] ولا يرد على ما ذكر أول الترجمة حديث: لا سمر إلا لمصل أو مسافر، فهو عند أحمد بسند فيه راو مجهول. قال الحافظ في الفتح: وبتقدير ثبوته فالسمر في العلم يلحق بالصلاة النافلة، وقد سمر عمر مع أبي موسى في مذاكرة الفقه، فقال أبو موسى: الصلاة فقال عمر: إنا في صلاة. قلت: القصة التي أشار لها الحافظ خرّجها عبد الرزق، وابن أبي شيبة عن أبي بكر ابن أبي موسى، أن أبا موسى أتى عمر بن الخطاب بعد العشاء فقال له عمر: ما جاء بك؟ قال: جئت أتحدث إليك قال: هذه الساعة قال: إنه فقه، فجلس عمر فتحدث طويلا، ثم إن أبا موسى قال الصلاة يا أمير المؤمنين قال إني في الصلاة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 باب اتخاذ الأنصار ما بين العشاءين لتعلم الرماية ترجم البخاري في الصحيح «1» باب وقت المغرب، ثم أسند إلى رافع بن خديج قال: كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم، فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله، قال الحافظ في الفتح: بفتح النون وسكون الموحدة أي المواضع التي تصل إليها سهامه إذا رمى بها، وروى أحمد في مسنده من طريق علي بن بلال عن ناس من الأنصار قالوا: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم نرجع فنترامى حتى ناتي ديارنا، فما يخفى علينا مواقع سهامنا إسناده حسن، والنبل هي السهام العربية اهـ. [ج 4/ 36 والإسلامي 51/ 4] . باب اتخاذ معاوية رضي الله عنه وقت السمر لسماع كتب التاريخ وأخبار الأمم والأجيال ذكر المسعودي ترجمته في مروج الذهب ص 52 ج 2 أن من أخلاق معاوية أنه كان إذا صلى الفجر يجلس للقاص حتى يفرغ من قصصه، ثم كان إذا صلّى العشاء يأذن للخاصة، وخاصة الخاصة فيؤامره الوزراء فيما أرادوا صدرا من ليلتهم، ويستمر إلى ثلث الليل في أخبار العرب وأيامها، والعجم وملوكها، وسياستها لرعيتها، وسائر ملوك الأمم وحروبها، وسياستها لرعيتها، وغير ذلك من أخبار الأمم السالفة، ثم يدخل فينام ثلث الليل، ثم يقوم فيقعد، فيحضر الدفاتر فيها سير الملوك وأخبارها، والحروب والمكائد، فيقرأ ذلك عليه غلمان له مرتبون، قد وكلوا بحفظها وقراءتها، فتمر على سمعه كل ليلة جملة من الأخبار، والسير والآثار، وأنواع السياسات ثم يخرج فيصلي الصبح. باب في بناء أمرهم في التعليم على أن يتلقوا العلم ممن وجدوه عنده ولو كان صغيرا أو مشركا خرّج أبو نعيم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العلم ضالّة المؤمن حيثما وجده أخذه، قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر: وروينا عن علي رضي الله عنه أنه قال في كلام له: العلم ضالة المؤمن فخذوه ولو من المشركين، ولا يأنف أحدكم أن يأخذ الحكمة ممن سمعها منه، قال: وعنه أيضا: الحكمة ضالة المؤمن يطلبها ولو في أيدي المشركين، وانظر روضة الأعلام للقاضي ابن الأزرق، وقد سبق أن الصحابة تعلموا الكتاب من أسارى بدر، وهم كفار، ومن اليهود بالمدينة. وفي فتاوى الحافظ ابن تيمية: الحق يقبل من كل من تكلم به، كان معاذ بن جبل يقول في كلامه المشهور عنه، الذي رواه أبو داود في سننه: إقبلوا الحق من كل من جاء به   (1) من كتاب مواقيت الصلاة باب 18 ص 140 ج 1. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 وإن كان كافرا، أو قال فاجرا. وأحذروا زيغة الحكيم «1» قال: وكيف نعلم أن الكافر يقول الحق؟ قال: فإن على الحق نورا، أو كلاما هذا معناه اهـ وحديث: أطلبوا العلم ولو بالصين «2» شهير، ومن المعلوم كما قال الشيخ رفاعة الطهطاوي، أن أهل الصين، إذ ذلك وثنيون، وأن المقصود من الحديث كان السفر إلى طلب العلم اهـ. باب تحريض علي بن أبي طالب على العلم وتنبيهه على شرفه بأبلغ تعبير جاء عن علي في خطبة خطبها: واعلموا أن الناس أبناء ما يحسنون، وقدر كل امرىء ما يحسن، فتكلموا في العلم تتبين أقداركم، وفي معناه أيضا قال: المرء مخبوء تحت لسانه، وربما قال: تحت بنانه، وقال أيضا: المرء بأصغريه قلبه ولسانه، قال القرافي: ولم يقل بيديه، أي هو معتبر بهما، فإن رفعاه ارتفع، أو وضعاه اتضع، فالقلب معدن الحكم، واللسان ترجمانه وما عداهما في حكم الأعوان البعيدة، التي لا اعتداد بها وأنشد علي أيضا: الناس من جهة التمثيل أكفاء ... أبوهم آدم والأم حواء فإن أتيت بفخر من ذوي نسب ... فإن نسبتنا الطين والماء ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم ... على الهدى لمن استهدى أدلاء وقيمة المرء ما قد كان يحسنه ... والجاهلون لأهل العلم أعداء فاطلب لنفسك علما واكتسب أدبا ... فالناس موتى وأهل العلم أحياء قال الشيخ أبو عمر ابن عبد البر على قول علي الخ: كل امرىء ما يحسن، من الكلام العجيب الخطير، وقد طار الناس به كل مطير، ونظمه جماعة من الشعراء اعجابا به وكلفا بحسنه، ثم أنشد في معناه لجماعة. وانظر روض الأعلام في منزلة العربية من علوم الإسلام. فائدة: ممن أفرد فضل العلم من المتقدمين بالتأليف 1- ابن أبي خيثمة 2- وأبو يوسف بن يعقوب القاضي و 3- ابن أبي عاصم و 4- إسحاق بن راهواه و 5- أبو بكر أحمد بن علي المروزي و 6- أبو العباس أحمد بن علي المرهبي و 7- آدم ابن أبي أياس و 8- للحافظ أبي نعيم: فضل العالم العفيف علي الجاهل الشريف و 9- لأبي عبد الله محمد بن أبي الصدق العدوي؛ منتقى من كتاب العلم لابن أبي خيثمة زهير بن حرب السابق الذكر و 10- الحافظ ابن عبد البر و 11- الشمس محمد بن عبد الرحمن   (1) وردت ضمن كلام معاذ وهو في كتاب السنة ج 5 ص 17 ورقم الحديث 4611. (2) حديث اطلبوا العلم ولو بالصين ذكره العجلوني في كشف الخفاء وعزاه للبيهقي والخطيب وغيرهما عن أنس وهو ضعيف إجمالا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 الأصابي الحبيثي اليمني له: نشرطي التعريف في فضل حملة العلم الشريف، وغيرهم من المتأخرين كثير و 12- أفرد العارف البكري الأحاديث الواردة في فضل العلم فأوصلها إلى خمسمائة، وإن كان بعضهم قال: لم يصح فيه شيء وهو غلط كبير، أنظر كتاب فضل العلم لابن عبد البر، واختصاره للفاكهي، وشرح الإحياء للحافظ الزبيدي ترعجبا. باب في ترتيب العلم في الأخذ عن الصحابة ومن كانوا يقدمون ويؤخرون من المجتمعين للطلب ذكر أبو نعيم في الحلية في ترجمة ابن عباس عنه؛ أن طلاب العلوم لما ازدحموا عليه حتى ضاق بهم الطريق، رتبهم في التقديم على حسب مطالبهم، ولم يراع في ذلك سابقا؛ فنادى بالطالبين للقرآن وحروفه، وما أرادوا منه على سائر الطالبين، فإذا فرغوا دعا لمن طلب تفسير القرآن وتأويله، فجعلهم في الرتبة الثانية، فلما فرغوا دعا لمن طلب الحلال والحرام والفقه، فجعلهم في الثالثة، فلما فرغوا دعا لمن طلب الفرائض وما أشبهها، قال الشيخ أبو العباس ابن زاغ، كما في روضة الأعلام: يعني- والله أعلم- علم المواريث، فجعلهم في الرابعة، فلما فرغوا دعا لمن طلب العربية والشعر والغريب من الكلام، فجعلهم في الخامسة. باب في أن الصحابة كانوا يروحون القلوب ساعة فساعة خرّج ابن أبي شيبة عن أبي سلمة قال: لم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مخرفين، ولا متهاونين، وكانوا يتناشدون الشعر في مجالسهم، ويذكرون أمر جاهليتهم، فاذا أريد أحدهم على شيء من أمر دينه دارت حماليق عينيه، كأنه مجنون. وأخرج ابن الأنباري عن أبي بكر الثقفي رفعه: في هذا مرة، وفي هذا مرة يعني: القرآن والشعر وقال: المناوي: يشير رفعه في هذا مرة، وفي هذا مرة يعني: القرآن والشعر وقال. المناوي: يشير إلى إنه ينبغي للطالب عند وقوف ذهنه ترويحه بنحو شعر، أو حكايات. فإن الفكر إذا غلق ذهل عن تصور المعنى، وذلك لا يسلم منه أحد ولا يقدر إنسان على مكابدة ذهنة على الفهم، وغلبة قلبه على التصور. وذكر عياض في شرح حديث أم زرع عن أبي الدرداء قال: إني لأستجم نفسي بالباطل، كراهية أن أحمل عليها من الحق ما يملها، وذكر الشيخ عبد القادر الفاكهي المكي، في مناهج الأخلاق السنية في مباهج الأخلاق السنية، عن أبي رضي الله عنه: إني لأستجم ببعض الباطل ليكون أنشط للحق، وقال عقبه: مراده بالباطل نوع من اللهو المباح، كما هو ظاهر، وذكر عياض أيضا عن محمد بن إسحاق قال؛ كان ابن عباس إذا جلس مع أصحابه حدثهم ساعة وقال: حمّضونا فيأخذ في أحاديث العرب، ثم يعود. فيفعل ذلك مرارا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 وفي مناهج الفاكهي: كان ابن عباس يقول لأصحابه إذا داموا في الدرس: أحمضوا أي ميلوا إلى الفاكهة، وهاتوا من أشعاركم، فإن النفس تمل كما تمل الأبدان اهـ. ونقل عياض في معنى الأمر بالإحماض، كما في هذه الآثار أي: إذا مللتم من الحديث والفقه، وعلم القرآن، فخذوا في الأشعار وأخبار العرب، كما أن الإبل إذا ملت ما حلا من النبت، رعت الحمض وما ملح. باب في حديث خرافة روينا في الشمائل للترمذي بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نساءه حديثا فقالت امرأة منهن: كان الحديث حديث خرافة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما خرافة؟ كان رجلا من عذرة أسرته الجن في الجاهلية، فمكث دهرا فيهم ثم ردوه إلى الأنس، فكان يحدث الناس بما رأى فيهم من الأعاجيب، فقال الناس: حديث خرافة. قال ابن المعافي: عوام الناس يرون أن القائل هذا خرافة، إنما معناه أنه حديث لا حقيقة له، وإنما هو مما يجري في السمر، وينتظم في الأعاجيب وطرف الأخبار، وأنه لا أصل له، وأضيف فيه الجنس إلى بعضه كثوب خز، واشتقاقه على هذا من أخرف الثمرة إذا اجتناها، وهي خرفة، ولذا سمى الفصل خريفا لاختراف الفواكه فيه، فكأن هذه الأحاديث بمنزلة ما يتفكّه به من الثمار للتلهي به، وأرى أن قولهم: خرف إذا ثغر عقله من هذا، لأنه يتكلم بما يضحك ويتعجب منه، ومن هاهنا قيل: فكهت كذا أي تعجبت منه، وقيل للمزاح: فكاهة لما فيه من مسرة أهله، والاستمتاع به وقالوا: الغيبة فاكهة القراء، قال الزمخشري في ربيع الأبرار: سمعت العرب يشددون الراء من خرافة، ويسمون الأباطيل الخراريف اهـ. باب في حديث أم زرع «1» في الشمائل باب: ما جاء في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السمر. عن عائشة قالت: جلست إحدى عشرة امرأة تعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا. قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث، على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، اني أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره. قالت الثالثة: زوجي العشنّق، أن أنطق أطلق، وإن أسكت أعلق. قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سئامة.   (1) حديث أم زرع ورد في الصحيحين أيضا انظر كتاب النكاح في البخاري باب 82 ص 146/ 6 وفضائل الصحابة في مسلم باب 14 الحديث 92 ص 1896/ 2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 قالت السادسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف، وإن اضطجع التف، ولم يولج الكف ليعلم البث. قالت السابعة: زوجي عياياء أو غياياء، طباقاء، كل داء له داء، شجك أو فلك أو جمع كلّالك. قالت الثامنة: زوجي المسّ مس أرنب، والريح ريح زرنب. قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد كثير الرماد، قريب البيت من الناد. قالت العاشرة: زوجي مالك، وما مالك؟ مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر، أيقن أنهن هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع وما أبو زرع؟ أناس «1» من حلي أذني وملأ من شحم عضدي وبجحني فبجحت إليّ نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني من أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ، فعنده أقول: فلا أقبح وأرقد فأتصبح، وأشرب فاتقمح، أم أبي زرع، فما أم أبي زرع عكومها رداح، وبيتها فساح، ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع مضجعه كمسل شطبة، وتشبعه ذراع الجفرة، بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع طوع أبيها، وطوع أمها. وملء كسائها، وغيظ جارتها، جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع، لا تبث حديثنا تبثيثا، ولا تنقث ميرتنا تنقيثا ولا تملأ بيتنا تعشيشا. قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها، كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريا، ركب شريا وأخذ خطيا وأراح عليّ نعما ثريا، وأعطاني من كل رائحة زوجا، وقال: كلي أم زرع وميري أهلك، فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع قالت عائشة: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت لك كأبي زرع لأم زرع، غير أني لا أطلقك. أخذ الأئمة من هذا الحديث جواز التحديث عن الأمم الماضية، والأجيال البائدة، وضرب الأمثال بهم، لأن في سيرهم اعتبارا للمعتبر، واستبصارا للمستبصر، واستخراج الفائدة للباحث المستكثر، فإن في هذا الحديث، لا سيما إذا حدّث به النساء منفعة في الحض على الوفاء للبعولة، والندب لقصر الطرف، والقلب عليهم. قال القاضي عياض: وفيه من الفقه التحدث بملح الأخبار، وطرف الحكايات، تسلية للنفس، وجلاء للقلب. وهكذا ترجم أبو عيسى الترمذي عليه باب ما جاء في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السمر، وأدخل في هذا الباب هذا الحديث، وحديث خرافة، ويروي عن علي أنه قال: سلوا هذه   (1) أناس: فعل ماض متعد ولازمه: ناس ينوس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 النفوس ساعة بعد ساعة، فإنها تصدأ كما يصدأ الحديث، ويروى عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول: إذا أفاض من عنده في الحديث بعد القرآن والتفسير: حمّضوا أي إذا مللتم من الفقه والحديث وعلم القرآن، فخذوا في الأشعار وأخبار العرب. ومنه قول أبي الدرداء: إني لأستجم ببعض اللهو؛ ليكون لي عونا على الحق. وقال علي: القلب إذا أكره عمي، وهذا كله ما لم يكن دائما متصلا وأما أن يكون ذلك عادة الرجل حتى يعرف به ويتخذه ديدنا، ويضحك به الناس فهذا مذموم غير محمود. وفيه من الفقه أيضا بسط المحدث والعالم، لما أجمل من علمه لمن حوله، وبيانه عليهم من تلقاء نفسه، كما فعل عليه السلام في هذا الحديث. وقد قال عليه السلام لعائشة: كنت لك كأبي زرع قالت ثم أنشأ يحدث الحديث، وقد روي في غير حديث ابتداؤه عليه السلام أصحابه المسائل جملا وتفصيلا. قاله عياض. ولأهمية فوائد هذا الحديث وكثرة ما استنبط منه أفرده بالتصنيف إسماعيل بن أويس، من شيوخ البخاري في جزء مفرد، وثابت بن قاسم، والزبير بن بكار، وأبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث، وأبو محمد بن قتيبة، وابن الأنباري، وإسحاق الكلاباذي، وأبو القاسم عبد الحليم بن حيان المصري، ثم الزمخشري في الفائق، ثم عياض وهو أجمعها وأوسعها وهو عندي في جزء وسط، والإمام الرافعي. وساقه برمته في تاريخ قزوين. ونقله عنه بنصه الحافظ السيوطي في تعليقه على الشمائل للترمذي، سماه الرافعي ذرة الضرع بحديث أم زرع، وربع الفرع في شرح حديث أم زرع للحافظ محمد بن ناصر الدين الدمشقي، ولتاج الدين عبد الباقي بن عبد المجيد المكلي المتوفي سنة 743 مطرب السمع في شرح حديث أم زرع، ثم العارف أبو الحسن ابن وفا المصري علي لسان القوم وأهل الإشارات، والشيخ مرتضى الزبيدي وغيرهم. المضحكون والمضحكات في الزمن النبوي دون ما سبق في القسم الأول منهم: نعيمان بن عمرو بن رفاعة الأنصاري ممن شهد العقبة وبدرا والمشاهد بعدها قال ابن الأثير في ترجمته من أسد الغابة: كان كثير المزاح يضحك النبي صلى الله عليه وسلم من مزاحه، وهو صاحب سويبط بن حرملة، وكان من حديثهما أن أبا بكر خرج إلى الشام ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة، وكلاهما بدري. وكان سويبط على الزاد فجاءه نعيمان فقال: أطعمني فقال: لا حتى يجيء أبو بكر، وكان نعيمان رجلا مضحاكا فقال؛ لأغيظنك. فجاء إلى أناس جلبوا ظهرا فقال: ابتاعوا مني غلاما عربيا فارها، وهو ذو لسان. ولعله يقول: أنا حر. فإن كنتم تاركيه لذلك فدعوه لا تفسدوا عليّ غلامي، فقالوا: بلى بل نبتاعه منك بعشر قلائص، فأقبل بها يسوقها، وأقبل بالقوم حتى عقلها. ثم قال: دونكم هو هذا، فجاء القوم فقالوا: قم قد اشتريناك. فقال سويبط: هو كذاب أنا رجل حر. فقالوا: قد أخبرنا خبرك، فطرحوا الحبل في رقبته وذهبوا به، فجاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 أبو بكر فأخبر فذهب هو وأصحاب له فردوا القلائص، وأخذوه. فلما عادوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه الخبر ضحك النبي صلى الله عليه وسلم حولا هو وأصحابه. وروى عباد بن مصعب من طريق ربيعة بن عثمان قال: أتى أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل المسجد وأناخ ناقته بفنائه. فقال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لنعيمان: لو نحرتها فأكلناها، فإنا قد قرمنا إلى اللحم ويغرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمنها، قال فنحرها نعيمان، ثم خرج الأعرابي، فرأى راحلته فصاح واعقراه: يا محمد. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من فعل هذا فقالوا: نعيمان، فاتبعه يسأل عنه فوجدوه في دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب مستخفيا، فأشار إليه رجل ورفع صوته ويقول: ما رأيته يا رسول الله، وأشار بإصبعه حيث هو. فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: ما حملك على هذا؟ فقال: الذي دلوك عليّ يا رسول الله. هم الذين أمروني، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح وجهه ويضحك وغرم ثمنها، وأخباره في المزاح مشهورة اهـ «1» . وفي الاصابة قال الزبير بن بكار: وكان لا يدخل المدينة إلا اشترى منها ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: هذا أهديته لك. فإذا جاء صاحبه يطلب نعيمان بثمنه أحضره إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أعط هذا ثمن متاعه. فيقول: أو لم تهده لي فيقول: والله إنه لم يكن عندي ثمنه، ولقد أحببت أن تأكله فيضحك، ويأمر لصاحبه بثمنه. وأخرج الزبير قصة البعير بسياق آخر من طريق ربيعة بن عثمان قال: دخل أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم، وأناخ ناقته. فقال بعض الصحابة لنعيمان الأنصاري: لو عقرتها فأكلناها فإنا قد قرمنا إلى اللحم ففعل. وخرج الأعرابي وصاح: واعقراه يا محمد فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقال؛ من فعل هذا فقالوا نعيمان. فاتبعه يسأل عنه حتى وجده قد دخل دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، واستخفى تحت سرب لها فوقه جريد. فأشار رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث هو، فأخرجه فقال: له ما حملك على ما صنعت؟ فقال؛ الذين دلوك عليّ يا رسول الله. هم الذين أمروني بذلك، فجعل يمسح التراب عن وجهه ويضحك، ثم غرمها للأعرابي. وقال الزبير: حدثني علي بن صالح عن جدي عبد الله بن مصعب قال: لقي نعيمان أبا سيفان بن حرب فقال: له يا عدو الله أنت الذي تهجو سيد الأنصار نعيمان بن عمرو فاعتذر إليه، فلما ولّى قيل لأبي سفيان: إن نعيمان هو الذي قال ذلك فعجب منه وقصته مع سويبط بن حرملة تقدمت، وقال بعد الرزاق أنبأنا معمر عن أيوب عن عمر بن سيرين: إن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزلوا بماء، وكان نعيمان بن عمرو يقول لأهل الماء: يكون كذا وكذا فيأتونه باللبن والطعام، فيرسله إلى أصحابه فبلغ أبا بكر خبره قال: أراني آكل من كهانه نعيمان منذ اليوم، واستقاء ما في بطنه.   (1) هنا استطرد المؤلف رحمه الله ما لا يتناسب مع العنوان فحذفت ستة أسطر تقريبا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 ومما جاء عن المضحكات في الزمن النبوي بالمدينة المنورة، ومكة المعظمة، وما رويناه في سنن أبي داود بسنده إلى الليث عن عمرة قالت: كانت امرأة مكية بطالة تضحك النساء، وكانت بالمدينة امرأة مثلها، فقدمت المكية المدينة فتعارفتا فدخلتا على عائشة، فتعجبت من اتفاقهما فقالت عائشة للمكية: عرفت هذه؟ قالت: لا ولكنا التقينا فتعارفنا، فضحكت عائشة وقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف «1» . وعن الزبير بن بكار في كتاب المزاح والفكاهة، من حديث ابن شهاب، عن عروة عن عائشة: أن امرأة كانت بمكة تدخل على نساء قريش تضحكهن، فلما هاجرن ووسع الله دخلت المدينة قالت عائشة: فدخلت عليّ فقلت: فلانة ما أقدمك؟ قالت: اليكن. قلت: فأين نزلت؟ قالت: على فلانة امرأة كانت تضحك بالمدينة، قالت: ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فلانة المضحة عندكم قالت: عائشة نعم. قال: فعلى من نزلت؟ قالت: على فلانة المضحكة قال الحمد الله: إن الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف. انظر المقاصد الحسنة للحافظ السخاوي، وعروس الأفراح في معنى حديث: الأرواح للمحدث الشمس محمد بن عقيلة المكي. قلت: مما يصح إدراج ذكره هنا جحى المعروف، فإنه يعدّ من التابعين، ونوادره مدونة، وهي نهاية في الحلاوة، وفي القاموس: جحى كهدى لقب أبي الغصين بن ثابت، ونقل الشمس محمد بن الطيب الشركي في حواشيه على القاموس، ثم الحافظ مرتضى الزبيدي في تاج العروس، ثم الشيخ عبد الهادي الأبياري في نيل الأماني ثلاثتهم، عن المنهج المطهر للقلب والفؤاد للعارف الشعراني ما نصه: عبد الله جحى كما رأيته بخط الجلال السيوطي قال؛ وكانت أمه خادمة لأم أنس بن مالك، قال: وكان الغالب عليه السماحة وصفاء السريرة، فلا ينبغي لأحد أن يسخر به إذا سمع ما يضاف إليه من الحكايات المضحكة، بل يسأل الله أن ينفعه ببركاته. قال الجلال: وغالب ما يذكر عنه من الحكايات المضحكة لا أصل له، قال في تاج العروس، عن شيخه الشرقي: وذكره غير واحد، ونسبوا له كرامات جمة وعلوما كثيرة اهـ انظر ص 68 من المجلد العاشر من التاج و 89 من نيل الأماني على مقدمة القسطلاني. وقال العلامة السيد محمد كبريت المدني (في رحلته) : رأيت في بعض المجاميع عن جحا أنه كان فاضلا ماجنا، وقد عمل الناس على لسانه كثيرا من النكت والنوادر. ولابن أبي اليمن الغفاري مؤلف في ذلك، يشتمل على ألف ورقة. وفي كتاب نزهة الجليس أن الخواجة ناصر الدين الفزاري المكني بأبي القص، صاحب التفسير، المتوفي   (1) الحديث المذكور رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب 2 ج 4 ص 04- ومسلم وغيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 سنة 386، تزعم العامة أنه جحا الذي تضرب أمثاله في الجد والهزل، وللإمام الزبير بن بكار كتاب الفكاهة والمزاح، وللقاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي كتاب: النوادر والأخبار، وللحافظ أبي الشيخ الأصبهاني كتاب النوادر والنتف، وللحافظ تمام بن محمد الرازي كتاب، النوادر ولد علج كتاب النوادر، ذكر هذه المصنفات الشيخ عابد السندي في حصر الشارد. انظرها في حرف الفاء والنون منه. المقصد الثاني فيما حازه أصحابه عليه السلام من السبقيات وما تميز به أفرادهم من علو المدارك والكيفيات مما يعرفك أن المدينة المنورة كانت في الزمن الأول مجموعة مهولة بصنوف واختلاف الأعمال والأفكار والصفات والأشغال الحياتية التي لا بد منها في كل مصر واتخذ عاصمة لمدنية عظمى سادت على العالم في أقرب وقت وما وصل إليه ذلك العصر الزاهر والمصر الطاهر من الاختلاط والإختلاف في الأحوال والإتفاق في الآمال وإنه من أندر ما حفظه التاريخ عن الأجيال والدهور وفيه أبواب: باب [في اجتهاد الصحابة] (في أن الصحابة كانوا أهل اجتهاد في الأحكام وقدرة على استنباطها والتبصر بمواقع الخطابات التشريعية ومحاملها. قال الإمام أبو بكر أحمد بن علي الجصاص في أحكام القرآن على قوله تعالى: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: 159] في الآية ضروب من الفوائد، منها إشعاره بمنزلة الصحابة، وأنهم أهل الإجتهاد، وجائز اتباع آرائهم، إذ وفقهم الله إلى المنزلة التي يشاورهم المصطفى فيها، ويرضى اجتهادهم، وتحريهم لموافقة النصوص من أحكام الله، ومنها أن ضمائرهم مرضية عند الله، ولولا ذلك لم يأمره بمشاورتهم، فدل ذلك على يقينهم، وصحة إيمانهم، وعلى منزلتهم في العلم. اهـ. وانظر أحكام الجصاص في قوله تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء: 59] . وقال الإمام تقي الدين السبكي، في طالعة كتاب الإبتهاج في شرح المنهاج، بعد أن بيّن عظمة أصول الفقه ومنزلته، وأنه مادة الإجتهاد: فإن قلت: قد كان العلماء في الصحابة والتابعين من أكابر المجتهدين، ولم يكن هذا العلم حتى جاء الشافعي فكيف يجعله شرطا في الإجتهاد؟ قلت: الصحابة ومن بعدهم كانوا عارفين بطباعهم، كما كانوا عارفين بالنحو بطباعهم، قبل مجيء الخليل وسيبويه، وكانت ألسنتهم قوية وأذهانهم مستقيمة، وفهمهم لظاهر كلام العرب ودقيقه عتيد، لأنهم أهله الذين يؤخذ عنهم، وأما بعدهم فقد فسدت الألسن وتغيرت الفهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 واعلم أنّ كمال الإجتهاد متوقف على ثلاثة أشياء: أحدها: التكيّف بالعلوم التي تهذب الذهن، كالعربية وأصول الفقه وما تحتاج إليه العلوم العقلية في صيانة الذهن عن الخطأ، بحيث تصير هذه العلوم ملكة للشخص. وأصول الفقه كان الصحابة أعلم منا بها من غير تعليم، وغاية المتعلم منا أن يصل إلى بعض فهمهم، فقد يخطىء ويصيب. الثاني: الإحاطة بمعظم قواعد الشريعة، حتى يعرف أن الدليل الذي ينظر فيه حق أو موافق. الثالث: أن يكون له من الممارسة والتتبع لمقاصد الشريعة؛ ما يكسبه قوة يفهم منها مراد الشرع من ذلك، وما يناسب أن يكون حكما له في ذلك المحل، وأن يصرح به، فإذا وصل الشخص إلى هذه المرتبة وحصل على الأشياء الثلاثة؛ فقد حاز رتبة الكاملين في الإجتهاد، ومن المعلوم أن الصحابة كانوا أكمل الناس في هذه الأشياء الثلاثة، وأما الأول فبطباعهم، وأما الثاني والثالث فلمشاهدتهم الوحي، ومعرفتهم بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم، فأين لمن بعدهم مداناته؟ اهـ كلامه ملخصا. وقال الإمام الحافظ أبو شامة المقدسي الشافعي ص 10 من كتابه: مختصر كتاب المؤمل في الرد إلى الأمر الأول، فصل: والعلم بالأحكام واستنباطها كان أولا خاصا بالصحابة فمن بعدهم، فكانوا إذا نزلت بهم النازلة بحثوا عن حكم الله فيها من كتاب الله وسنة نبيه اهـ. وقال الإمام شرف الدين سلطان المادحين أبو عبد الله البوصيري في همزيته في حق الصحابة: كلهم في أحكامه ذو اجتهاد ... وصواب، وكلهم اكفاء رضي الله عنهم ورضوا عن ... هـ فأنى يخطو إليهم خطاء قال ابن حجر على قوله: واجتهاد صحيح: لتوفر شروط الإجتهاد كلها في جميعهم زيادة، ولذلك لم يعرف عن أحد منهم أنه قلّد غيره في مسألة من المسائل، وكان الناس يستفتون كلّ من روى منهم فيفتيه باجتهاده، ولا يعترض أحد منهم على أحد، إلا إن كان هناك نص صريح خولف فيذكر لهم، فمنهم من يرجع إليه ومنهم من يؤوله أو يعارضه بمسألة اهـ ونحوه لأبي عبد الله زنيبر السلوي وأبي عبد الله بنيس الفاسي. وقال الجوجري: أحكامهم ليست صادرة عن هوى النفس، بل هي ناشئة عن الإجتهاد التام، المستوفي لشروط الإجتهاد، المحصل للأجرين أصابوا أو أخطأوا اهـ منه ونحوه لأبي عبد الله الحضيكي، والشيخ سليمان الجمل المصري، والصومعي التادلي وغيرهم، ممن شرحها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 وقال الشريف السجلماسي في شرحها: هم علماء أئمة يقتدى بهم، لأنهم ورثوا من علمه صلى الله عليه وسلم ما تميزوا به عن جميع من جاء بعدهم، وقد أنزل القرآن بلغتهم، وعلى أسباب عرفوها، وقصص كانوا فيها، فعرفوا مسطوره ومفهومه، ومنصوصه ومعقوله، قال الشيرازي في طبقات العلماء الفقهاء: ولهذا قال أبو عبيدة في كتاب المجاز لم ينقل أن أحدا من الصحابة رجع في معرفة شيء من القرآن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغتهم، يعرفون معناه، ويفهمون منظومه وفحواه، وأفعاله هي التي فعلها من العبادات، والمعاملات في السير والسياسات، وقد شاهدوا ذلك كله، وعرفوه وتكرر عليهم وتحروه، غير أن الذي اشتهر منهم بالفتوى والأحكام جماعة مخصوصة، وأما من لم يلازمه صلى الله عليه وسلم، فإنه ليس بهذه المثابة، فقد جاء أن الحسن البصري كان يفتي الصحابة في زمنه، وهو من تصديق قوله عليه السلام: رب مبلّغ أوعى من سامع، ثم أتى بكلام ابن حجر السابق، وما أشار إليه من أنّ أكثرهم كذلك، نحوه قول ابن حجر. وهذا بالنسبة لأكثرهم، وغاية ما يقال في نحو الحسن البصري؛ أن السائل له من الصحابة قبل أن يصرف قوة اجتهاده وملكته بنفسه، فإذا أفتاه نظر فيه وبذل وسعه في النظر في الدليل، فيوافق إفتاء الحسن اجتهاده ثم استدل بقول الجوجري عقب ما سبق عنه، وكلهم في ذلك متكافئون، متساوون من حيث الإجتهاد، وعدم صدور شيء من الأحكام عن شهوة أو غرض اهـ. وقال الشهاب الهيثمي في شرح الهمزية، على قول البوصيري: كلهم في أحكامه ذو اجتهاد أي صواب، وكلهم أكفاء؛ متكافئون في أصل الصحبة، والفضلية والعلم والإجتهاد، وإبراز الأحكام لله، وإنما يتفاوتون في الزيادة في ذلك، وحينئذ فلا ينافي ذلك قول ابن عمر: أبو بكر أعلمنا، ولا سؤال عمر لعلي فيجيبه فيقول: لا قدس الله أمة لست فيهم يا أبا الحسن، ولا تقديم عمر لابن عباس علي أكابر مشيخة المهاجرين والأنصار، لأنه كان يجد عنده من العلم ما ليس عندهم، ولا سؤال معاوية لعلي بالإرسال إليه في المشكلات فيجيبه. ولقد قال له أحد أهل بيته: لم تجيب عدونا فقال: أما يكفينا أنه احتاج إلينا وسألنا اهـ. وفي حاشية الباجوري، على شرح السلم، بعد أن ذكر عن ابن حجر مستدلا بأنه لم يعرف أن واحدا من الصحابة قلّد غيره في مسألة من المسائل، قال: لكن رجح بعض أن فيهم المقلدين والمجتهدين اهـ. وفيه أنه لم يأت بما يناقض ما ذكره ابن حجر فتأمله، والله تعالى أعلم. ثم وجدت في فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت، حين تكلم على قول الصحابي فيما يمكن فيه الرأي، هل يلحق بالسنة؟ وذكر منه القول بأن ذلك خاص بقول الشيخين، ما نصه: وينبغي أن يكون النزاع في الصحابة الذين أفنوا أعمارهم في الصحبة، وتخلقوا بأخلاقه الشريفة، كالخلفاء وأزواجه الطاهرات والعبادلة وأنس، وحذيفة ومن في طبقتهم، لا مسلمة الفتح، فإن أكثرهم لم تحصل لهم معرفة الأحكام الشرعية إلا تقليدا اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 باب في تحريهم في الفتوى ومدافعتهم لها وكراهتهم الكلام في المسألة قبل نزولها قال الحافظ أبو شامة في اختصار كتاب المؤمل، إثر ما سبق عنه: وكانوا يتدافعون الفتوى، ويود كل منهم لو كفاه إياها غيره، وكان جماعة منهم يكرهون الكلام في مسألة لم تقع، ويقولون للسائل عنها: أكان ذلك؟ فإن قال: لا قالوا: دعها حتى تقع، ثم يجتهد فيها. كل ذلك يفعلونه خوفا من الهجوم على ما لا علم لهم به، واشتغالا بما هو الأهم من العبادة والجهاد. فإذا وقعت واقعة لم يكن بد من النظر فيها. وعن طاووس قال: قال عمر بن الخطاب، وهو على المنبر: أحرّج الله على كل امرىء مسلم سأل عن شيء لم يكن، فإنه قد قضى فيما هو كائن. وعن عبد الرحمن بن شريح إن عمر بن الخطاب كان يقول: إياكم وهذه العضل، فإنها إذا نزلت بعث الله من يقيمها ويفسرها. وعن معاذ بن جبل: يا أيها الناس لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله، فيذهب بكم هاهنا وهاهنا، وإن لم تعجلوا قبل نزوله لم ينفك المسلمون أن يكون فيهم من إذا سئل سدّد. وكان ابن عمر إذا سئل عن الفتوى يقول: اذهب إلى هذا الأمير الذي تقلد أمور الناس، ووضعها في عنقه. يشير إلى أن الفتوى والقضايا والأحكام من توابع الولاية والسلطنة، وقال عبد الرحمن ابن أبي ليلى: أدركت مائة وعشرين من الأنصار، من أصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ ما منهم أحد يحدث بحديث إلا ودّ أنّ أخاه كفاه إياه، لا يستفتى عن شيء، إلا ودّ أن أخاه كفاه إياه، وفي رواية يسأل أحدهم المسألة فيردها إلى هذا حتى ترجع إلى الأول اهـ. قلت: قول عبد الرحمن ابن أبي ليلى المذكور خرجه عنه من طرق وروايات ابن سعد في ترجمته من طبقاته، انظر ص 75 ج 6 وأخرج عبد الغني بن سعيد في أدب المحدث من طريق داود ابن أبي هند قلت للشعبي: كيف كنتم تصنعون إذا سئلتم؟ قال على الخبير سقطت كان إذا سئل الرجل، قال لصاحبه: أفتهم فلا يزال حتى يرجع إلى الأول، وفي مسلم عن أبي المنهال أنه سأل زيد بن أرقم عن الصرف؟ فقال: سل البراء بن عازب، فسأل البراء فقال: سل زيدا. باب من كان يوسم بأعلم الصحبة وأذكاهم هكذا عقد الحافظ السيوطي في تاريخ الخلفاء له، لما ترجم لأبي بكر فقال: فصل في علمه: وأنه أعلم الصحابة وأذكاهم؛ ثم نقل عن الذهبي في تهذيبه: استدل أصحابنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 على عظيم علمه بقوله: في الحديث الثابت في الصحيحين «1» : والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه. واستدل الشيخ أبو إسحاق بهذا وغيره في طبقاته؛ على أن أبا بكر أعلم الصحابة، لأنهم كلهم وقفوا عن فهم الحكمة في المسألة إلا هو، ثم ظهر لهم بمباحثته في المسألة أن قوله هو الصواب فرجعوا إليه. وروينا عن ابن عمر أنه سئل: من كان يفتي الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أبو بكر وعمر، ما أعلم غيرهما. وفي الصحيحين «2» في قصة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم قبيل موته في العبد الذي خيّره الله بين الدنيا وبين ما عنده، فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو المخيّر وكان أبو بكر أعلمنا. وفي حديث السقيفة قول عمر: وكان من أعلم الناس بالله، وأخوفهم لله، وقال ابن كثير: كان الصديق اقرأ الصحابة، أي أعلمهم بالقرآن، لأنه صلى الله عليه وسلم قد قدمه إماما للصلاة بالصحابة، مع قوله: يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، وكان مع ذلك أعلمهم بالسنة، كما رجع إليه الصحابة في غير موضع، يبرز عليهم بنقل من رسول الله صلى الله عليه وسلم يحفظها هو، ويستحضرها عند الحاجة إليها، ليست عندهم. وكيف لا يكون كذلك؛ وقد واظب على صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ من أول البعثة إلى الوفاة. وهو مع ذلك من أذكى عباد الله، وأعقلهم. وإنما لم يرو عنه من الأحاديث المسندة إلا القليل، لقصر مدته، وسرعة وفاته، وإلا فلو طالت مدته لكثر ذلك عنه جدا ولم يترك الناقلون عنه حديثا إلا نقلوه ولكن كان الذي في زمنه من الصحابة لا يحتاج أحد منهم أن ينقل عنه ما قد شاركه هو في روايته، فكانوا ينقلون عنه ما ليس عندهم، وكان من أعلم الناس بالأنساب والتعبير، ثم عقد السيوطي فصلا لما روي عنه من الحديث، فأوصل مرويّه إلى مائة وأربعة أحاديث. وساقها. وكان مع ذلك أسدّ الصحابة رأيا، وأكملهم عقلا انظر تاريخ الخلفاء له، وقد سبق ويأتي عن جماعة أن عليا كان أفضل الصحابة من جهة العلم، أشهر به من غيره، وعلمه وفتاويه وحكمه ووقائعه تشهد لذلك، انظر الكتب المؤلفة في تراجمه وهي كثيرة لا حصر لها. باب من كان يعرف فيهم بباب مدينة العلم خرّج الترمذي من حديث علي رفعه: أنا مدينة العلم وعلى بابها، وقال: منكر، وجزم جماعة ببطلانه، لكن قال الحافظ أبو سعيد العلائي: الصواب أنه حسن باعتبار طرقه، لا صحيح ولا ضعيف، فضلا عن أن يكون موضوعا اهـ وكذا قال الحافظ ابن حجر   (1) انظر كتاب الاعتصام في البخاري ج 8/ 141 وكتاب الإيمان في مسلم ص 52/ 1. (2) انظر في البخاري كتاب مناقب الأنصار باب 45 ص 253/ 4 وفي مسلم كتاب فضائل الصحابة ص 1854/ 2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 في فتوى له: قال الحافظ السيوطي في الدرر المنثورة: وقد بسطت كلام العلائي وابن حجر في التعقبات الذي لي على الموضوعات اهـ ومصداقه ما ظهر على سيدنا على من العلم الواسع، الذي خضعت له به الرقاب، ودانت له الفلاسفة والحكماء، من كل أمة وملة، وقد سبق عن القرافي أنه: جلس ابن عباس يتكلم في الباء من بسم الله من العشاء إلى أن طلع الفجر، وقال ابن المسيب: ما كان أحد يقول: سلوني غير علي. وقال ابن عباس: أعطي علي تسعة أعشار العلم ووالله لقد شاركهم في العشر الباقي. قال: وإذا ثبت الشيء عن علي لم نعدل إلى غيره، وسؤال كبار الصحابة له ورجوعهم إلى فتاويه وأقواله في المواطن والمعضلات مشهور، وناهيك أن انتهاء طرق علوم القوم وسلاسلهم إليه، فلست ترى من طريقة في الإسلام إلا وانتهاؤها إليه، ومنتهى سندها عنه رضي الله عنه، تصديقا لكونه باب مدينة العلم. وقد قال الشيخ مصطفى البكري في كتاب تشييد المكانة لمن حفظ الأمانة: أن عليا رضي الله عنه لما استقر له الأمر، نشر أعلام الحقائق، وكشف أسرار الدقائق، وأخذ عنه ولداه الحسن والحسين، وكميل بن زياد، والحسن البصري طريق الذكر والتلقين، وتفرعت عنه سائر الطرق حتى النقشبندية، فإن لهم سلسلتين تتصل إحداهما بسلمان والثانية بعلي، وتكلم في جفره على سر القدر، لكن برموز اصطلح عليها، فكان هو الباب الذي انفتح لقلوب العارفين، حتى دخلوا منه، وظهر عنهم ما ظهر، وتحقق العالمون بما كشف لهم من السر المصون لكنه أوصى بنيه بكتم ما أسره لهم، حفظا للأسرار عن أهل الإنكار، ولما سأله كميل بن زياد عن الحقيقة فأجابه فقال: أريد أوضح من هذا فأجابه، ثم طلب الزيادة فزاده، ثم قال: طلع الفجر فأطف المصباح، أي طلع فجر البيان عما سألته، فاطفأ السراج السؤال فقد اتضح لك وحققته اهـ. وفي حواشي الدر الثمين، للقاضي ابن الحاج عقب ما سبق عنه، في أن واضع علم التصوف سيدنا علي كرم الله وجهه، وقال فيه بعض الشيوخ، إنه أعطي العلم اللدني، ولا تصح النسبة إلى الولاية التي هي منبع الولاية الحقيقية، والمعارف الإلهية إلا من جهته، وحقيقته، فهو إمام الأولياء المحمدييين كلهم، وأصلهم ومنشأ انتسابهم إلى الحضرة المحمدية، ومظهر الولاية الأحمدية، وهو أرفع عارف في الدنيا بما خصه صلى الله عليه وسلم بقوله: أنا دار الحكمة وعلي بابها، ونحوه له في الأزهار الطيبة النشر، وزاد وعنه أخذ الحسن البصري قال: فإن قلت مرجع الطرق الصوفية الموجودة الآن إلى أربعين طريقا حسبما في الرحلة العياشية، عن الشيخ حسن العجيمي، وجلّها إنما ينتهي للحسن البصري، أجيب بأن الحسن البصري رأى عليا على ما صححه السيوطي وغيره، وحينئذ فلا مانع من أخذه عنه كما يقوله الصوفية، لأن أخذ العلم وتلقيه من الشيخ باللسان، غير مشترط في هذه الطريقة، وإنما المقصود أن يحصل على سبيل الهمة، والحال هداية المريد، وإشراق الأنوار في قلبه اهـ الخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 وانظر تعليقنا على جامع الترمذي، وقد وقع من الولي ابن خالدون كلام في هذا الفصل، أشار فيه إلى الطعن على من يرفع سند الخرقة لعلي قائلا: هو من هذا المعنى بريء، وإلا فعلي لم يختص من بين الصحابة بتحلية ولا طريقة في لباس ولا حال، بل كان أبو بكر وعمر من أزهد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثرهم عبادة ولم يختص أحد منهم في الدين بشيء يؤثر عنه بالخصوص، بل كان الصحابة كلهم أسوة في الدين والزهد، والمجاهدة اهـ ملخصا. ولله در الشيخ عبد الهادي الأبياري إذ قال إثره في سعود المطالع: وفي النفس من هذا الكلام شيء؛ إذ فيه من القدح في أجلة المشايخ وخرق الإجماع منهم، في انتهاء أسانيد طرقهم إلى الإمام علي، ما لا يخفى على المطلع على أحوالهم، المطالع لصحف طرقهم، ما تجمح من أن تقبله- وقد كان صلى الله عليه وسلم يخص من شاء من العلوم والطرائق بما شاء، كما يرشد، إلى ذلك حديث حذيفة الذي أعلمه صلى الله عليه وسلم بما كان ويكون إلى يوم القيامة، وحديث أبي هريرة: أخذت وعاءين من العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك اهـ. وقد أفرد ما رواه علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة؛ فقد ذكر ابن سليمان الرداني في صلته: الذين جمعوا المسند لعلي: أبو جعفر محمد بن عبد الله الحضرمي عرف بمطين، وأبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق القاضي، وأبو محمد عبد الرحمن بن عثمان ابن أبي نصر وغيرهم، وللخادمي في شرح الطريقة المحمدية؛ أن جميع الفرق ينتسبون لعلي في الأصول والفروع، وكذا المتصوفة في صفاء الباطن وابن عباس رئيس المفسرين تلميذه اهـ. قلت: ومن أراد أن يعرف مقدار سعة علم سيدنا علي ومصداق كونه باب مدينة العلم النبوية فليطالع بتتبع شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة ير العجب العجاب الذي يفوق أعداد الحساب. باب من كان يلقب منهم بأسد الله كان يقال لحمزة بن عبد المطلب أسد الله، لتقدم قدمه في الحرب، وشدة إقدامه على أعداء الله، وقد قال هو عن نفسه يوم بدر: أنا أسد الله وأسد رسوله، وأخرج الديلمي عن ابن عبد الصمد عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده: إنه لمكتوب في السماوات السبع: حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله. باب الملقب فيهم بشيخ الإسلام سبق عن الحافظ السخاوي أن أول من لقب في الإسلام بشيخ الإسلام أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وفي تفسير البيضاوي لدى قوله تعالى: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا [البقرة: 14] قول ابن أبيّ لأبي بكر: مرحبا بالصديق سيد بني تيم وشيخ الإسلام، والقصة خرّجها الواحدي، وقال ابن حجر: منكر وذكر إسنادها وقال: هو سلسلة الكذب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 لا سلسلة الذهب اهـ ولكن قال القاضي الخفاجي في العناية: شيخ الإسلام كان في زمن الصحابة يطلق على أبي بكر وعمر وهما الشيخان والمراد بشيخ الإسلام كما للحافظ ابن ناصر الدمشقي في الرد الوافر عند الجهابذة النقاد: المتتبع لكتاب الله، المقتفي لسنن رسول الله، المتقدم بمعرفة أحكام القرآن، ووجوه قراآته، ووجوهه وأسباب نزوله، وناسخه ومنسوخه، الآخذ بالآي المحكمات، والإيمان بالمشتبهات، أحكم من لغة العرب ما أعانه على علم ما تقدم، وعلم السنة إسنادا ونقلا وعملا، واستنباطا للأصول والفروع من الكتاب والسنة، قائما بما فرض الله عليه، متمسكا بما ساقه الله إليه، مع التواضع لله، العلي الشأن الخائف من عثرة اللسان، لا يدعي العصمة ولا يفرح بالتبجيل انظر ص 10 منه. وقال الحافظ السخاوي في كتابه الجواهر، الذي ألف في مناقب شيخه ابن حجر شيخ الإسلام: أطلقه السلف على المتبع للكتاب والسنة، مع التبحر في العلوم، من المعقول والمنقول، وربما وصف به من بلغ درجة الولاية، ولم تكن هذه اللفظة مشهورة بين القدماء بعد الشيخين الصديق والفاروق، فإنه ورد وصفهما بذلك ثم ساق أثرا عن علي من طريق الرياض النضرة للمحب للطبري أطلق فيه ذلك على الشيخين أنظر العناية. باب الملقب فيهم بسيف الله هو خالد بن الوليد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف الله، لحسن آثاره في الإسلام، وصدقه في قتال المشركين، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نظر إليه وإلى عكرمة بن أبي جهل قرأ: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [آل عمران] ، لأنهما من خيار الصحابة، وأبواهما عدوّان لله ورسوله، وكان على مقدمة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وهو الذي تولى كسر أكثر الأصنام، وهدم الأوثان التي كانت قريش تعبدها، أنظر تحليل ما سمع من جوفها حين أراد هدمها عند الجاحظ، وقد نقل ذلك الثعالبي في ثمار القلوب ص 17. ولما توفي المصطفى، وكانت أيام الردة حسن بلاء خالد فيها، وكان عميدا عند أبي بكر فبعثه إلى طليحة فهزمه، وصالح أهل اليمامة، ونكح ابنة مجّاعة ولما توفي لم تبق امرأة من بني المغيرة إلا وضعت لمتها على قبره، أو حلقت رأسها. ولما ارتفعت أصوات النساء عليه أنكرها بعض الناس فقال عمر: دع نساء بني المغيرة يبكين أبا سليمان، ويرقن من دموعهن سجلا أو سجلين. باب في الذي يضرب به المثل في العدل منهم يقال: سيرة العمرين؛ وهما أبو بكر وعمر يضرب بهما المثل، إذ لم يعهد بمثلهما بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عبد الملك بن مروان يقول: انصفونا يا معشر الرعية، تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر، ولا ترون منها، ولا في أنفسكم سيرة الحبيب أبي بكر وعمر، وقال البحتري: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 إن الرعية لم تزل في سيرة ... عمرية قد ساسها المتوكل وقال بعض البلغاء: وقد ذكر بعض الملوك: رأيت صورة قمرية وصورة عمرية، وعن عائشة رضي الله عنها: إذا ذكر عمر ذكر العدل، وإذا ذكر العدل ذكر الله. وإذا ذكر الله نزلت الحرمة. وعنها أيضا قالت: زينوا مجالسكم بذكر عمر، وقال بعض الشيوخ: من أصابه هم فليناد عمر ما سلكت فجا إلا وسلك الشيطان فجا غير فجك، لأن أكثر الهموم من مثيرات الشيطان يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ [البقرة: 268] وفي العتيبة قال مالك: كانت عائشة تقول: إذا أردتم أن يطيب لكم المجلس فاذكروا عمر رضي الله عنه، قال ابن رشد في البيان والتحصيل: قول عائشة بيّن لأن ذكر هديه، وما كان عليه من السيرة مما تشرح له الصدور، وتطيب به النفوس اهـ. ولا تزال سيرة عمر الشغل الشاغل للأمم يردد دويها الناس في كل عصر وزمان، ولو تتبعت من أفرد سيرته بالتأليف لطال الحال، وحتى الإفرنج فقف على كتاب الكساندر مازا الذي سماه أعيان الشرق في مجلدين طبع بباريز سنة 1847، وترجمة سيدنا عمر فيه من ص 106 إلى صحيفة 160 وعلى الموسوعات والمعاجم التاريخية المتنوعة في لغات الإفرنج. باب فيمن كان يضرب به المثل في الهيبة من الصحابة قال الشعبي: كانت درة عمر أهيب من سيف الحجاج، ولما جيء بالهرمزان ملك خراسان أسيرا إلى عمر وافق ذلك غيبته عن منزله، فما زال الموكل بالهرمزان يقتفي أثر عمر، حتى عثر عليه في بعض المساجد، نائما متوسدا درته، فلما رآه الهرمزان قال: هذا والله الملك الهني عدلت فنمت، والله إني قد خدمت أربعة من ملوك الأكاسرة، أصحاب التيجان فما هبت أحدا منهم هيبتي لصاحب هذه الدرّة، وقد عقد ابن الجوزي في سيرة عمر بابا هو 45 من أبواب في ذكر شدة هيبته في القلوب، فروى فيهما عن القاسم بن محمد قال: بينما عمر يمشي وخلفه عدة من الصحابة إذ بدا له فالتفت فما بقي منهم أحد إلّا خرّ لركبتيه ساقطا قال: فأرسل عينه بالبكاء، ثم قال: اللهم إنك تعلم أني أشدّ فرقا وعن عكرمة أن حجاما كان يقص شعر عمر بن الخطاب، فتنحنح عمر وكان مهيبا فأحدث، فأعطاه عمر أربعين درهما، واسم هذا الحجام سعيد بن الهبلج كذا وقصته هذه عزاها السيوطي في الجمع لابن سعيد والخطيب. وعن عبد الله بن عباس يحدث قال: مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر عن آية فلا أستطيع لهيبته. أنظره في خبر هيبته من الباب المذكور من سيرته للحافظ ابن الجوزي. وأخرج ابن عساكر عن عائشة أنه كان بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم كلام، فقال رسول الله ترضين أن يكون بيني وبينك أبو بكر؟ فقلت: لا. فقال: أترضين أن يكون بيني وبينك عمر قلت: من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 عمر؟ قال: ابن الخطاب. قلت: والله أني أفرق من عمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشيطان يفرق من عمر. وفي لفظ من حسّ عمر. باب فيمن كان يضرب به المثل في الفضائل كلها من الصحابة كان يضرب المثل بفضائل علي في الكثرة، كما قال محمد بن مكرم لأبي على البصير: فضولك والله أكثر من فضائل علي، وقال الجاحظ: لا يعلم رجل في الأرض، متى ذكر السبق في الإسلام، والتقدم فيه، ومتى ذكرت النخوة، والذب عن الإسلام، ومتى ذكر الفقه في الدين، ومتى ذكر الزهد في الأمور، التي يتناصر الناس عليها، وكان مذكورا في هذه الخلال كلها، إلا عليّ. وكان الحسن يقول: قد يكون الرجل عالما، وليس بعابد، وعابدا وليس بعالم، وعابدا عالما وليس بعاقل، وسليمان بن يسار عالم عابد عاقل. قال الثعالبي في الثمار: انظر ابن تقع خلال سليمان من خصال علي اهـ. وقال الحافظ ابن الجزري في كتابه أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب ص 59: انتهت إليه جميع الفضائل من أنواع العلوم، وجميع المحاسن، وكرم الشمائل، من القرآن والحديث، والفقه، والقضاء، والتصوف، والشجاعة، والولاية، والكرم، والزهد، والورع، وحسن الخلق، والتقوى، وإصابة الرأي. ونقل عن الإمام أحمد أنه قال: ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب. باب فيمن كان يضرب به المثل في الصدق كان يضرب المثل في الصدق بأبي ذر رضي الله عنه، وقول المصطفى: «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء بعد النبيئين أصدق لهجة من أبي ذر» «1» مشهور. قال الثعالبي في الثمار: ومن أملح ما سمع في ضرب المثل به قول الصاحب بن عبّاد في إنسان كذوب (والفاختة عنده أبو ذر) لأن الفاختة عنده يضرب بها المثل في الكذب، وأبو ذر يضرب به المثل في الصدق. باب فيمن كان يضرب به المثل في المشية من الصحابة كان يضرب المثل بسماك بن خرشة الأنصاري «2» ، وكان شجاعا بطلا قد تعوّد الإقدام حيث تزل الأقدام. وله آثار جميلة في الإسلام، وكانت له مشية عجيبة في الخيلاء، ونظر   (1) رواه أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو وأبي الدرداء ج 2 ص 175، 223، ج 5 ص 197، ج 6 ص 442. (2) هو المعروف بكنيته أيضا أبو دجانة وانظر ترجمته في الإصابة ج 4 ص 58 ورقمها 373. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم في المعركة، وهو يتبختر بين الصفين فقال: إن هذه مشية يبغضها الله إلا في هذا المكان. وكان يقال له: ذو المشهرة لأنه كان له مشهرة (درع) إذا لبسها في الحرب لا يبقى ولا يذر. انظر ثمار القلوب. باب فيمن كان يضرب به المثل في الفقه من الصحابة في مسند أبي حنيفة من جمع الحصكفي، أنه روى عن حماد عن إبراهيم قال: كان عبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى الأشعري وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، اجتمعوا في منزل فأقيمت الصلاة فجعلوا يقولون: تقدم فأبى فقال: أي صاحب المنزل لابن مسعود: تقدم أمّ بنا يا أبا عبد الرحمن، فتقدم فصلى بهم. قال ابن سلطان في شرحه: لأنه كان أفضلهم، فقد قيل: إنه أفضل الصحابة بعد الخلفاء الأربعة، ولما قال صاحب القاموس في الصحابة العبادلة، وليس منهم ابن مسعود. قال القاري عليه: لأنه أجلّ منهم، لا يعد منهم. ولهذا إذا أطلق عبد الله عند المحدثين فهو ابن مسعود اهـ. وكان يضرب المثل في الفقه بالعبادلة وهم: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، فهؤلاء من فقهاء الصحابة وثباتهم وعلمائهم، ومن أثبتهم ومن عبادلتهم أيضا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن أبي بكر الصديق، كذا في ثمار القلوب. وفي شرح الفية العراقي لمؤلفه قيل لأحمد بن حنبل: من العبادلة قال: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو، وقيل له: فابن مسعود؟ قال: لا قال البيهقي لأنه تقدم موته، وهؤلاء عاشوا حتى احتيج إلى عملهم. فإذا اجتمعوا على شيء قيل: هذا قول العبادلة. وهذا هو المشهور بين المحدثين وغيرهم، واقتصر صاحب الصحاح في اللغة على ثلاثة وأسقط ابن الزبير. ووهم صاحب القاموس حيث وقع له أن الجوهري عدّ منهم في الصحاح ابن مسعود. قال الشمس ابن الطيب الشركي في حواشيه: وليس في شيء من أصول الصحاح المقررة ذكر ولا تعرض، وقد راجعت أكثر من خمسين نسخة منه، فلم أره ذكره، وانظر بقية القول في العبادلة في الحواشي المذكورة، وفي فتح القدير «1» للكمال بن الهمام: أن اسم العبادلة غلب على من اشتهر بالفقه والفتوى من الصحابة، قال الشمس ابن عابدين الدمشقي، في حاشية نسمات الأسحار على شرح المنار، وعلى هذا يدخل تحته كل من اشتهر بالققه؛ كابن مسعود وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وعائشة، كما في ابن نجيم [صاحب البحر الرائق] . وانظر شرح الحافظ السخاوي على الألفية.   (1) من شروح كتاب الهداية في الفقه الحنفي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 باب في الحائز لقب أمين الأمة من الصحابة هو أبو عبيدة بن الجراح، كان من عظاماء الصحابة، وكان عليه السلام يقول فيه: لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح. أخرجه البخاري عن أنس «1» . والإمام أحمد عن عمر، وأحمد عن خالد بن الوليد والبيهقي، والنسائي عن أنس، وابن أبي شيبة عن قتادة، وأبو نعيم في فضائل الصحابة، وابن عساكر عن جابر بن عبد الله عن خالد بن الوليد، والخطيب، وابن عساكر، عن أم سلمة قال الطيبي: كما في قوت المغتذي: الأمين كامير: الثقة الرضي، والأمانة مشتركة بينه وبين غيره من الصحابة، ولكنه عليه السلام خصه بصفة غلبت عليه، وكان بها أخص، زيادة في معناها على غيره. مفخرة: للمترجم؛ أخرج ابن سعد عن ابن نجيح قال: قال عمر بن الخطاب لجلسائه: تمنّوا، فتمنوا. فقال عمر: لكني أتمنى بيتا ممتلئا رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح، فقال له رجل: ما ألوت الإسلام، قال ذاك الذي أردت «2» . وفي ترجمة معاذ بن جبل، من الاستبصار لابن قدامة، أن عمر قال للصحابة يوما: تمنوا فتمنى كل إنسان شيئا، فقال: عمر: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة وحذيفة بن اليمان. وقال بعض من كتب في ترجمة أبي عبيدة رضي الله عنه من المصريين: اشتهر عند الروم بحلو الشمائل وصدق المقال. وفي فتوح دمشق أمّن أهلها على نفوسهم، ورخّص لمن لم يسلم إذا أراد الخروج أن يخرج بجانب من أمواله، وأعطاهم فرصة الأمان ثلاثة أيام من حين خروج من يريد الخروج، لا تلحقهم فيها جيوش الإسلام. وقال بعض من كتب على هذه الواقعة من مؤرخي الإفرنج: لو كانت أوصاف هذا الصحابي الجليل الذي كان أمير الجيش الإسلامي، في ذلك العصر مجتمعة في أمراء جيوش الأعصر الجديدة المشهورة بالتمدن والتقدم؛ لافادتهم غاية المجد والشرف، ونفت عنهم مثالب الجور. فأجل أمراء جيوش الدول العظيمة المتمدنة في عهدنا لم تبلغ درجة ذلك الأمير الخطير، الذي هو بين الفاتحين عديم النظير فكل منقبة من مناقب عدله وحلمه ووفائه، تخجل أكابر رؤساء كل جيش من جيوش الدول المعاصرة وتزري بأمرائه اهـ. باب فيمن أولم وليمة بقي يضرب بها المثل كان الأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي، كما في الرياض المستطابة شريفا مطاعا في قومه، ثم وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في سنة عشر من الهجرة، في قومه كندة، فأسلموا   (1) رواه البخاري في أكثر من كتاب؛ في أخبار الآحاد والمغازي وفضائل الأصحاب انظر ج 8 ص 134. (2) أي لم تقصر في مصلحة الإسلام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 ورجعوا إلى اليمن، ثم ارتد الأشعث زمن الردة، فأسرته خيل أبي بكر، وجاؤوا به إليه فأسلم، وقال للصديق: استبقني لحربك وزوجني أختك، فزوّجه أخته لأبيه أم فروة اهـ. قال الثعالبيّ: فأصبح صبيحة البناء شاهرا سيفا فلم يلق ذات أربع، مما يؤكل لحمه إلا عقرها، فقال الناس: هذا الأشعث ارتدّ ثانيا، ثم إنه قال: يا أهل المدينة إنا والله لو كنا ببلادنا لأولمنا فاجتزوا من هذه اللحمان، وتصادفوا في الأثمان. فلم تبق دار من دور المدينة إلا دخلها من تلك اللحوم، ولم يمر يوم أشبه بيوم الأضحى من ذلك، فضرب أهل المدينة المثل لوليمة الأشعث، وأولم من الأشعث، وفي الأجوبة المهمة للشيخ المختار الكنتي نقلا عن الحافظ المنذري: أن أعظم وليمة بلغنا خبرها وليمة الأشعث بن قيس الكندي، حين تزوج أم فروة، فكانت وليمة ألف رأس من إبل وبقر وغنم اهـ وانظر ترجمته من الإصابة. باب في من كان يضرب به المثل في الحلم من الصحابة كان يضرب المثل في الحلم بالأحنف بن قيس التميمي السعدي، وفي الزهد لأحمد عن الحسن عن الأحنف: لست بحليم ولكني أتحلم. وترجم النووي في التهذيب؛ لقيس بن عاصم الصحابي المشهور فقال: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له لما رآه: هذا سيد أهل الوبر. وكان قيس عاقلا حليما مشهورا بالحلم، وقيل: للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم قال: من قيس بن عاصم، رأيته يوما بفناء داره محتبيا بحمائل سيفه، يحدث قومه، فأتي برجل مكتوف وآخر مقتول، فقيل: هذا ابن أخيك قتل ابنك، قال: فو الله ما حل حبوته، ولا قطع كلامه، فلما أتمه التفت إلى ابن أخيه وقال: يا ابن أخي بئس ما فعلت أثمت عند ربك فقطعت رحمك، وقتلت ابن عمك، ورميت نفسك بسهمك وفتت عضدك ثم قال لابن له آخر: قم يا بني إلى ابن عمك فحلّ كتافه، ووار أخاك، وسق إلى أمك مائة ناقة من الإبل، دية ابنها فإنها غريبة. قال الجاحظ: قد ذكروا في الإشعار حلم لقمان، وذكروا قيس بن عاصم، ومعاوية بن أبي سفيان، ورجالا كثيرين، ما رأينا هذا الإسم التزق والتحم بإنسان وظهر على الألسنة كما رأيناه تهيأ للأحنف بن قيس، ثم كان على ذلك رئيسا في أكثر الفتن، فلم ير حاله عند الخاصة والعامة، وعند النساك والفتاك، وعند الخلفاء الراشدين، والملوك المشتغلين، ولا حاله في حياته، ولا حاله بعد موته، إلا مسنونا فينبغي أن يكون قد سبقت له من النبي صلى الله عليه وسلم دعوة، ونال منه كما رووه وذكروه، أو يكون قد كان يضمر حسن النية، ومن شدة الإخلاص، ما لم يكن عليه أحد من نظرائه اهـ. قلت: دعاء المصطفى له قد ساقه الحافظ في ترجمته في القسم الثالث من الإصابة، وهو قوله عليه السلام: اللهم اغفر للأحنف وذكر إن الأحنف كان يقول: ما من شيء من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 عملي أرجى عندي من ذلك، وإن أحمد خرّج في كتاب الزهد من طريق جبير بن حبيب، أن رجلين بلّغا الأحنف بن قيس، أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فسجد. وفي شرح بديعية البيان في ترجمة أبي ذر الغفاري: كان حليم الأمة وواحد الأيمة، ومفتي أهل الشام وأول قضاة دمشق في الإسلام. باب في من كانت تستحي منهم ملائكة الرحمن من الصحابة قال الشيخ يوسف بن عمر، في شرح الرسالة، لما تكلم على عورة الفخذ: قد كشفه النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر، وستره مع عثمان اهـ قال الشيخ أبو الإرشاد على الأجهوري: وهذا يدل على أن عثمان ليس عنده عليه السلام من الخاصة، الذين يجوز كشفه بحضرتهم كالشيخين اهـ. قال الزرقاني على المختصر: وفيه نظر: لأنه غطاه لعلة، وهي استحياء الملائكة منه، فعن عائشة أنه عليه السلام كان جالسا كاشفا عن فخذه فاستأذنه أبو بكر، فأذن له وهو على حاله، فاستأذن عمر فأذن له، وهو على حاله، ثم استأذن عثمان، فأرخى عليه السلام ثيابه، فلما قاموا. قلت يا رسول الله: استأذن أبو بكر وعمر فأذنت لهما، وأنت على حالك، فلما استأذنك عثمان أرخيت عليك ثيابك؟ فقال: يا عائشة ألا أستحيي من رجل والله إن الملائكة لتستحيي منه. رواه أحمد «1» . وسئل الحافظ السخاوي عن المواطن التي استحيت فيها الملائكة من عثمان فقال: لم أقف عليها في حديث يعتمد، ولكن أفاد شيخنا البدر النسابة في بعض مجاميعه، عن الجمال الكازروني، أنه صلى الله عليه وسلم: لما آخى بين المهاجرين والأنصار بالمدينة في بيت أنس، وتقدم عثمان كذلك كان صدره مكشوفا فتأخرت الملائكة منه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتغطية صدره فعادوا إلى مكانهم، فسألهم عن سبب تأخرهم فقالوا: حياء من عثمان. قلت وروى الطبراني في الكبير، وابن عساكر في تاريخه، عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرّ بي عثمان وعندي جيل من الملائكة فقالوا: شهيد من الآدميين، يقتله قومه إنا نستحيي منه اهـ انظر شرح صحيح مسلم للسنباطي. باب في ذي الرأي من الصحابة هو الحباب بن المنذر بن الجموح، صاحب المشورة يوم بدر، أخذ المصطفى صلى الله عليه وسلم برأيه، ونزل جبريل عليه السلام فقال: الرأي ما قال حباب. وكان له في الجاهلية آراء مشهورة، حتى لقب بذي الرأي، وهو الذي قال يوم سقيفة بني ساعدة: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجّب.   (1) رواه في ج 6 ص 62 والإسلامي ص 73 ج 6. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 وأخرج ابن عساكر عن طلحة بن عبد الله رفعه: إن عمرو بن العاص لرشيد الرأي. وأخرج الطبراني وسعيد بن منصور عن طلحة رفعه: يا عمرو إنك لذو رأي رشيد في الإسلام. وفي طبقات ابن سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم استشارهم يوم قريظة والنضير، قال: فقام الحباب بن المنذر فقال: إلا أن تنزل بين القصور فتقطع خبر هؤلاء عن هؤلاء، وخبر هؤلاء عن هؤلاء، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله. باب في ذي اليدين من الصحابة هو عمير بن عبد عمرو من خزاعة، كان يعمل بيديه جميعا. فقيل له: ذو اليدين. وكان يدعى ذا الشمالين، وهو الذي ذكر في حديث سهوه عليه السلام في الصلاة، قال الحافظ: كان يقال ذو الشمالين فسماه عليه السلام ذو اليمينين اهـ. وفي القاموس: ذو اليدين: الخرباق قال الفاسي عليه: وهو بالكسر ابن سارية أو ابن عمرو، كما في شروح البخاري. وفي شرح التسهيل لأبي حيان أن اسمه خملاق وهو غريب لم يذكره المحدثون، ووقع الخلاف هل هو ذو الشمالين؟ والأصح أنه غيره. كما في التوشيح، والإرشاد، والفتح، وغيرهم، من شروح البخاري اهـ كلام ابن الطيب. وفي ترجمة ذي الشمالين من الاصابة: روى الطبراني من طريق أبي شيبة الواسطي عن الحكم قال: قال عمار: كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة كلهم أضبط ذو الشمالين، وعمر بن الخطاب، وأبو ليلى اهـ والأضبط هو الذي يعمل بيديه جميعا اهـ كلام الإصابة. وفي ترجمة عمر بن الخطاب من أسد الغابة: كان أعسر يعمل بكلتا يديه. باب في ذي العمامة هو سعيد بن العاص بن أمية، قال الثعالبي في ص 231 من ثمار القلوب؛ كان يقال له: ذو العمامة، لأنه كان في الجاهلية إذا لبس عمامته لم يلبس قرشي عمامته، حتى ينزعها. كما أن حرب بن أمية كان إذا حضر ميتا لم يبكه أهله حتى يقوم، وكما أن أبا طالب كان إذا أطعم لم يطعم غيره اهـ. قلت: في ترجمة سعيد من أسد الغابة: كان جده أحيحة إذا اعتم بمكة لا يعتم أحد بلون عمامته إعظاما له، وكان يقال له ذو التاج، ولعله هو الصواب. باب فيمن كان يضرب المثل بسيفه من الصحابة علي بن أبي طالب كان يضرب المثل بسيفه في المصاعب كما قال الصاحب: أحسن من عود ومن ضارب ... ومن فتاة طفلة كاعب قدّ غلام صيغ من فضة ... متصل الحاجب بالحاجب س لّ على الأمة من طرفه ... سيف علي بن أبي طالب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 باب من كان من الصحابة يعدّ صوته في الجيش بألف رجل أخرج الإمام أحمد، والحاكم، وأبو يعلى عن أنس وجابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لصوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة، وأخرج سمويه وابن سعد في الطبقات عن أنس رفعه: صوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل، وأخرج الحاكم عن جابر رفعه: لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل، وأخرج عبد بن حميد عن أنس: لصوت أبي طلحة أشد على المشركين من فئة، وطلحة هذا هو زيد بن سهل الأنصاري، كان من شجعان الصحابة، وأكابرهم راميا شديد الرمي، وفي الذهب الإبريز: ولا مستنكر أن يجمع هيبة ألف في واحد على طريق الحقيقة، لا المبالغة وقد وقع ذلك في أفراد من الناس اهـ. باب فيمن كان يسبق الفرس شدا على قدميه من الصحابة ترجم في در السحابة لسلمة بن الأكوع فقال: كان شجاعا راميا، ودخل مصر لغزو المغرب، وكان يسبق الفرس شدّا على قدميه. باب فيمن عرف بالدهاء من الصحابة بحيث كان يضرب به المثل في التعريف برجال مختصر ابن الحاجب، نقلا عن الذهبي، كان يقال: داهية قريش أبو بكر وأبو عبيدة. وفي ترجمة المغيرة بن شعبة من الإستيعاب؛ روى مجالد عن الشعبي قال: دهاة العرب أربعة معاوية ابن أبي سفيان وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد. فأما معاوية فللأناة والحلم، وأما عمرو فللمعضلات، وأما المغيرة فللمبادهة، وأما زياد فللصغير والكبير. وحكى الرياشي عن الأصمعي قال: كان معاوية يقول: أنا للأناة وعمرو للبديهة، وزياد للصغير والكبير، والمغيرة للأمر العظيم. قال ابن عبد البر إثر ما نقل، قال أبو عمر: يقولون إن قيس بن عبادة لم يكن في الدهاء بدون هؤلاء، مع كرم كان فيه وفضل اهـ. وفي بهجة المجالس لابن عبد البر قال عمرو بن العاص: أنا للبديهة، ومعاوية للأناة، والمغيرة للمعضلات، اهـ وفي در السحابة: كان يقال في حق المغيرة بن شعبة: مغيرة الرأي، وقال الشعبي: سمعت المغيرة يقول: ما غلبني أحد. وقال قبيصة بن جابر: صحبت المغيرة بن شعبة، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب، لا يخرج منها إلا بمكر لخرج المغيرة من أبوابها كلها اه. وفي ثمار القلوب: دهاء معاوية ذلك مما اشتهر أمره، وسار ذكره، وكثرت الروايات والحكايات فيه، ووقع الإجماع على أن الدهاة أربعة: معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد بن أبيه فأما ما كان من معاوية فحيث هو من الدهاء وبعد الغور، وانضم إليه الثلاثة الذين يريدون بأول آرائهم أواخر الأمور، فكان لا يقطع أمرا حتى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 يشهدوه، ولا يستضيء في ظلم الخطوب إلا بمصابيح آرائهم، سلم له أمر الملك، وألقت إليه الدنيا أزمّتها، وصار دهاؤه ودهاء أصحابه الثلاثة مثلا، ولم يذكر معهم في الدهاء إلا قيس بن سعد بن عبادة، وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي اهـ. باب فيمن عرف من الصحابة بالقوى المدهشة حتى باهى به العرب فارس والروم ترجم الحافظ السيوطي في در السحابة، فيمن دخل مصر من الصحابة لقيس بن عبادة فقال فيه: أبو عبد الله من زهاد الصحابة وشرفائهم، وكان شجاعا مطاعا قالت له عجوز: أشكو إليك قلة الجرذان. فقال: ما أحسن هذه الكناية املأوا بيتها خبزا ولحما وسمنا وتمرا. وكانت له صحفة يدور بها حيث دار، وينادي له مناد: هلموا إلى اللحم والثريد. وكان أبوه وجده من قبله يفعلان ذلك. وكان مديد القامة جدا. كتب ملك الروم إلى معاوية أن إبعث إليّ بسراويل أطول رجل من العرب، فأخذ سراويل قيس. فوضعت على أنف أطول رجل في الجيش فوقعت على الأرض، وفي رواية أن ملك الروم بعث برجلين من جيشه، يزعم أن أحدهما أقوى الروم، والآخر أطول الروم وقال: إن كان في جيشك من يفوقهما؛ هذا في قوته؛ وهذا في طوله بعثت إليك من الأسارى كذا وكذا، وإن لم يكن في جيشك من يشبههما فهادني ثلاث سنين؛ فدعا للقوي بمحمد بن الحنفية، فجلس وأعطى للرومي يده، فأجهد بكل ما يقدر عليه من القوى أن يزيله عن مكانه، أو يحركه ليقيمه فلم يجد إلى ذلك سبيلا. ثم جلس الرومي وأعطى لابن الحنفية يده فما لبث أن أقامه سريعا ورفعه إلى الهواء ثم ألقاه إلى الأرض، فسرّ بذلك معاوية سرورا عظيما، ودعا بسراويل قيس بن سعد بن عبادة، وأعطاها للرومي الطويل فلبسها، فبلغت إلى ثدييه وأطرافها تخط الأرض. فاعترف الرومي بالغلب. باب فيمن كان من الصحابة في نهاية الطول في ترجمة عمر من أسد الغابة: كان طويلا قد فرع الناس أي طالهم كأنه على دابة اهـ وقال في صبح الأعشى: كان عمر بن الخطاب كأنه راكب والناس يمشون لطوله، وكان عدي بن حاتم إذا ركب تكاد رجلاه تخط في الأرض، وكذلك جرير بن عبد الله البجلي اهـ. قلت: روى عبد الله بن أحمد في زوائد المسند أن نعل جرير بن عبد الله البجلي طولها ذراع. ثم قال القلقشندي: وكان عبد الله بن عباس في نهاية الطول، وكان أبوه العباس أطول منه، وجده أطول من أبيه. وفي ترجمة العباس من طبقات ابن سعد أنه حين أسر في وقعة بدر طلب له قميص فما وجدوا له قميصا يقدر عليه إلا قميص عبد الله بن أبي، ألبسه إياه فكان عليه. وفيها: كان العباس بن عبد المطلب أقرب الناس شحمة أذن إلى السماء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 قلت وفي قصة سريّة الخبط، وخروج دابة العنبر للصحابة أن أبا عبيدة أخذ ضلعا من أضلاعه فنصب، ونظر إلى أطول بعير فجاز تحته، ثم عمد إلى أطول رجل معه، وفي رواية عبادة عن ابن إسحاق: ثم أمر بأجسم بعير معنا فحمل عليه أجسم رجل منا، فخرج من تحتها، وما مست رأسه. والقصة في الصحيح للبخاري «1» . وجزم الحافظ في مقدمة الفتح أن الرجل قيس بن سعد وتبعه القسطلاني في الإرشاد، وقال الحافظ في الفتح: لم أقف على اسمه وأظنه قيسا، فإنه كان مشهورا بالطول، وقصته مع معاوية مشهورة، لما أرسل له ملك الروم أطول رجل منهم، ونزع له قيس سراويله، فكانت طول قامة الرومي، بحيث كان طرفها على أنفه وطرفها بالأرض، وعوتب قيس في نزع سراويله فأنشد: أردت لكيما يعلم الناس أنها ... سراويل قيس والوفود شهود وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه ... سراويل عادي نمته ثمود قلت: قيس هذا هو المذكور طوله في الترجمة قبله عن در السحابة، ولكن قال النووي في ترجمته من التهذيب: قال ابن عبد البر: وخبره في السراويل عند معاوية باطل لا أصل له اهـ وممن كان يعرف بالطول من الصحابة، الزبير بن العوام وفي در السحابة: كان الزبير طويلا تخط رجلاه الأرض إذا ركب، أخرجه الزبير بن بكار. وأخرج أبو نعيم وابن عساكر عن عروة قال: كان الزبير طويلا تخط رجلاه الأرض إذا ركب الدابة. وقال محمد بن الربيع: أدرك الإسلام عشرة؛ طول كل رجل منهم عشرة أشبار: عبادة بن الصامت، وسعد بن معاذ، وقيس بن سعد بن عبادة، وجرير بن عبد الله البجلي، وعدي بن حاتم الطائي وعمرو بن معدي كرب الزبيدي، والأشعث بن قيس الكندي، ولبيد بن ربيعة، وأبو زيد الطائي وعامر بن الطفيل، ويقال: طلحة بن خويلد. وقد أورد الحافظ الهيثمي في المجمع: باب أخذ الحديث من الثقات؛ عن المنقع بن الحصين قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو على ناقة له، ومعه أسود قد حاذى رأسه برأس النبي صلى الله عليه وسلم، ما رأيت أحدا من الناس أطول منه، فلما دنوت منه كأنه أهوى إليّ، فكفّه النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثا. وهذه القصة للطبراني في الكبير، وابن سعد في ترجمة المنقع من الطبقات أنظر ص 43 ج 7. باب من كان من الصحابة في غاية القصر كان عبد الله بن مسعود قصيرا يكاد الجالس يوازيه من قصره. باب من كان من الصحابة فردا في زمانه بحيث يضرب به المثل أبو بكر الصديق في معرفة الأنساب، عمر بن الخطاب في قوة الهيبة عثمان بن عفان في التلاوة [الحياء] علي بن أبي طالب في القضاء، ومعاوية في كثرة الإحتمال، وأبو عبيدة   (1) انظر كتاب الذبائح والصيد ج 6 باب 1 ص 223. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 بن الجراح في الأمانة، وأبوذر في صدق اللهجة وأبي بن كعب في القرآن، وزيد بن ثابت في الفرائض، وابن عباس في تفسير القرآن، وعمرو بن العاص في الدهاء، وأبو موسى الأشعري في سلامة الباطن. وفي نزهة الجليس للعباس بن علي الموسوي المكي، لدى ذكره الذين رزقوا السعادة في أشياء لم يأت بعدهم من نالها قال: وهم أبو بكر الصديق فإنه كان نسابة عصره، علي بن أبي طالب في القضاء، أبو عبيدة في الأمانة، أبوذر في صدق اللهجة، أبي بن كعب في القرآن الخ. باب من كان يضرب به المثل من الصحابة في الجمال جرير بن عبد الله البجلي كان كامل الجمال حتى قال فيه عمر: هو يوسف هذه الأمة. وكان المصطفى يحبه ويكرمه لذلك، قاله المناوي في فيض القدير، وقول عمر المذكور فيه أخرجه ابن سعد، والخرائطي في اعتلال القلوب، وقال فيه المصطفى لما ورد عليه: سيدخل عليكم من هذا الفخ أو من هذا الباب من خير ذي يمن، على وجهه مسحة ملك. أخرجه ابن أبي شيبة، والطبراني، وأبو نعيم، وأخرجه الطبراني عنه قال: كان إذا قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفود دعاني فباهاهم بي، وأخرج الطبراني في الكبير، والحكيم من طريق صابر بن سالم بن حميد بن يزيد بن عبد الله بن ضمرة بن مالك البجلي عن أبيه، عن سالم عن أبيه، حميد عن أبيه يزيد قال: حدثتني أختي أم القصاف عن أبيها عبد الله بن ضمرة أنه كان قاعدا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فطلع جرير فبسط له رداءه. وفي صحيح البخاري «1» وشمائل الترمذي عن جرير قال: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا ضحك. قال المناوي ما حجبني: منعني منه الدخول عليه مع خواصه وخدمه، وقال ابن سلطان: ولعل وجه التبسم له كل مرة في رؤيته أنه رآه مظهر الجمال فإنه كان له صورة حسنة على وجه الكمال اهـ. وأخرج الترمذي في الشمائل أيضا عن جرير قال: عرضت بين يدي عمر، فألقى جرير رداءه، ومشى في إزار فقال: خذ رداءك. فقال عمر للقوم: ما رأيت رجلا أحسن من جرير إلا ما بلغنا من صورة يوسف عليه السلام. ومن طريق إبراهيم بن إسماعيل الكهيلي قال: كان طول جرير ستة أذرع، وقال عبد الملك بن عمر: رأيت جرير بن عبد الله وكأنّ وجهه شقة قمر، وكان نعله ذراعا، وقال الموقري: وكان جرير طويلا يصل إلى سنام البعير، وكان نعله ذراعا فيه اهـ أنظر جميعه في حاشية العلقمي على الجامع الصغير، على حديث: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه. ونقل ابن سلطان على الشمائل: عن أبي عثمان مولى عمرو بن حريث عن عبد   (1) انظر كتاب الجهاد والسير باب 162 من لا يثبت على الخيل ص 25 ج 4. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 الملك بن عمير قال: رأيت جرير بن عبد الله، وكأنّ وجهه شقة قمر، وممن كان يضرب به المثل في حسن الصورة دحية الكلبي، وكان جبريل ينزل على صورته. وروى العجلي في التاريخ؛ عن عوانة بن الحكم، قال: أجمل الناس من كان جبريل ينزل على صورته، وقال ابن عباس: وكان دحية إذا قدم المدينة لم تبق مخدرة إلا خرجت تنظر إليه. ذكره ابن قتيبة في الغريب. وقد سبق عن الفتوحات المكية أنه بلغ من أثر جمال دحية في الخلق، أنه لما قدم المدينة واستقبله الناس، ما رأته امرأة حامل إلا ألقت ما في بطنها. وعن العمدة للعيني: أن دحية هذا كان يمشي متلثما خشية أن تفتتن به النساء، وأنظر أبواب الرسل من المجلد الأول. أخوة سبعة كلهم من الصحابة تباعدت قبورهم وإذا كانت النفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام في در السحابة عن مسلم: ما رأيت مثل بني أم واحدة أشرافا، ولدوا في دار واحدة أبعد قبورا من بني العباس: عبد الله بالطائف وعبيد الله بالمدينة، والفضل بالشام، ومعبد وعبد الرحمن بافريقية؛ وقثم بسمرقند، وكثير بالينبع. وقيل: إن الفضل بأجنادين وعبيد الله بأفريقية اهـ. قلت: قبر الفضل معروف الآن برملة فلسطين، زرته وروبت فيه. وحدثت حين مروري على الرملة لزيارة بيت المقدس، عام 1324، [1906] وأم أولاد العباس الستة وهم: الفضل وعبد لله، وعبيد الله، ومعبد، وقثم، وعبد الرحمن، وأم حبيب، أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث، وفيها عبد الله بن يزيد الهلالي: ما ولدت نجيبة من فحل ... كستة من بطن أم الفضل أكرم بهم من كهلة وكهل أنظر طبقات ابن سعد. وهنا يحق أن نتمثل بقول الشاعر: وإن لنا قبرين قبر بلنجر ... وقبر بصين يا لك من قبر فذاك الذي بالصين عمّت فتوحه ... وهذا الذي يسقي به وابل القطر باب في صحابي أصغر من أبيه بإحدى عشرة سنة في در السحابة لما ترجم لعبد الله بن عمرو بن العاص فقال عنه: أسلم قبل أبيه وكان أصغر منه بإحدى عشرة سنة، وفي كتاب الشهادات من ابن غازي على الصحيح، على قول فقرة: أسلمت وأنا ابن اثنتي عشرة سنة، نقلا عن ابن حجر. هذا فقرة الكوفي، ومثله عن عمرو بن العاص، وذكروا أنه ما كان بينه وبين ابنه عبد الله إلا اثنتا عشرة سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 باب من كان من الصحابة بيده سيف الفتح بحيث فنصب في عهده اثنا عشر ألف منبر هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقع ذلك في كلام البزازي من أئمة الحنفية في كتاب أدب القاضي، ونقل ذلك عنه العالم النحرير الحاج رجب ابن أحمد التركي في شرح الطريقة المحمدية المسمى، بالوسيلة الأحمدية أنظر ص 271 ج 1 منه وقد سبق كلامه في الاختصاصيين من الصحابة. باب من كان من الصحابة له ألف مملوك يؤدون له الخراج في درّ السحابة لدى ترجمة الزبير بن العوام: كان له ألف مملوك يؤدون له الخراج، وكان يتصدق به كله، أخرجه يعقوب بن سفيان. ولا يدخل بيته شيئا اهـ ونحوه في ترجمته من الإصابة عازيا له ليعقوب بن سفيان: أنه كان لا يدخل بيته منه شيئا، وفي ظل الغمامة، لأبي عبد الله بن أبي الخصال الغافقي، في ترجمة الزبير: المتصدق في كل يوم ما تل [كذا] جديد بخراج ألف كامل من العبيد اهـ. باب فيمن كان يحفظ مائة لغة متباينة من الصحابة وكان له مائة غلام، كل غلام منهم يتكلم لغة خاصة، تقدم ذلك عن عبد الله بن الزبير في أبواب السفراء والتراجمة، وهو شيء عجيب يدل على اتساع المعارف وثبوت قدمها عندهم، ولا أعلم مثل هذا نقل عن أمة من الأمم، أو دولة من الدول، فغاية ما جاء عن الفرس: أن ملوكهم كانوا كما في مفاتيح العلوم للخوارزمي؛ يتكلمون في مجالسهم باللغة الفهلوية، وهي من لغات الفرس، وكانوا يتكلمون في الخلاء ومواضع الإستفراغ وعند التعري في الحمام، وفي الأندية والمغسل باللغة الخوزية، وهي لغة منسوبة إلى خوزستان، وكان حاشية الملوك إذا التمسوا الحوائج وشكوى الظلامات يتكلمون باللغة النبطية، لأنها أملق الألسنة، وكان يجري كلام الموابذة وهم القضاة، ومن كان مناسبا لهم بلغة كور فارس. وعبارة ابن عابدين في حواشي الدر؛ نقلا عن ابن كمال باشا: أن الفارسية خمس لغات: فهلوية كان يتكلم بها الملوك في مجالسهم، ودرّية يتكلم بها الموابذة ومن كان مناسبا لهم، وخوزية وهي لغة خوزستان يتكلم بها الملوك والأشراف في الخلاء، وموضع الإستفراغ، وعند التعري للحمام، وسريانية منسوبة إلى السريان وهم بالعراق اهـ ص 339 ج 1 وقوله: الموابذة قال في القاموس: موبذان مفرد ومعناه: فقيه الفرس أو حاكم المجوس، وجمعه موابذة وهذه التاء تاء العجمة اهـ «1» .   (1) موبذ: هو الكاهن والقاضي لدى المجوس، وجمعه بالألف والنون موبذان. وقاضي القضاة الأكبر يسمى: موبذ موبذان. وأما موابذة فجمع تكسير عربي. مصححه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 قلت: وهذا شيء سهل يسير جدا بالنسبة لما في هذه الترجمة عن موالي عبد الله بن الزبير وسيدهم. باب فيمن مات من الصحابة فمات بموته تسعة أعشار العلم في كتاب العلم من الأحياء؛ لما مات عمر بن الخطاب قال عبد الله بن مسعود: مات تسعة أعشار العلم، قال في الإتحاف: رواه صاحب القوت بلا سند. وأخرجه ابن أبي خيثمة في كتاب العلم، فقال: حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم قال قال عبد الله: إني لأحسب أنه مات تسعة أعشار العلم بموته. ولفظ أبي خيثمة إني لأحسب عمر ذهب بتسعة أعشار العلم، قال في القوت فعرّف بالألف واللام، ثم فسره بالعلم بالله، وذلك لما قيل له: أتقول هذا وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون؟ فقال: إني لست أعنى العلم الذي تذهبون إليه، إنما أعنى العلم بالله عز وجل اهـ منه ص 235 ج 1. ونحوه؛ نقل عن ابن مسعود النووي في ترجمة عمر، من تهذيب الأسماء واللغات. باب في ذكر صحابي مات فقال فيه عمر مات سيد المسلمين في تذكرة الحفاظ لدى ترجمة أبي بن كعب: أن عمر بن الخطاب كان يهابه، ويستفتيه، ولما مات قال عمر: اليوم مات سيد المسلمين اهـ. باب في ذكر الأغنياء من الصحابة ومن توسع منهم في الأمور الدنيوية قال ابن سيد الناس في سيرته: لما تكلم على غزوة تبوك: أنفق عثمان في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها اهـ وقال ابن هشام: حدثني من أثق به أن عثمان أنفق في جيش العسرة في غزوة تبوك ألفي دينار فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم ارض عن عثمان. فإني راض عنه اهـ. قال البرهان الحلبي في نور النبراس: وجهزهم بسبعمائة بعير وخمسين بعيرا، وبخمسين فرسا،. قاله ابن عبد البر. ثم قال عن أسد بن موسى: حدثني أبو هلال الراسبي قال: حدثنا قتادة قال: حمل عثمان في جيش العسرة على ألف بعير وسبعين فرسا اهـ. وفي جامع الترمذي، والحاكم، وأخرجه أحمد والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، عن عبد الله بن حباب السلمي الصحابي قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يحثّ على جيش العسرة، قال عثمان: عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حثّ على الجيش فقال عثمان: يا رسول الله عليّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقال عثمان: يا رسول الله على ثمانمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل على المنبر، وهو يقول: ما على عثمان ما عمل بعد ذلك، قال الترمذي: إسناده جيد وفيه أيضا عن عبد الرحمن بن سمرة قال: أتى عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 بألف دينار حين جهز جيش العسرة فنثرها في حجره، قال الترمذي، بل في مسند أبي يعلى الموصلي بسنده، أن عثمان جهز جيش العسرة، وجاء بسبعمائة أوقية من الذهب، وأخرج ابن عدي عن حذيفة وأبو نعيم في مسند أبي موسى، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان يستسلفه في غزوة غزاها، فبعث إليه بعشرة آلاف دينار، فوضعها بين يديه. ذكره الذهبي في الميزان في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الثقفي. وأخرج ابن سعد في الطبقات، عن محمد بن ربيعة بن الحارث قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوسعون على نسائهم في اللباس، الذي يصان ويتجمل به، ثم يقول: رأيت على عثمان مطرف خزّ ثمنه مائتا درهم فقال: هذا لنائلة كسوتها إياه، فأنا ألبسه أسرها به، وأخرج فيها أيضا أن عثمان أجاز الزبير بن العوام بستمائة ألف، وقال سيدنا سعد بن الربيع: أنا أكثر الأنصار مالا، وكانت عند المقداد بن الأسود غرائر من المال، ببركة دعائه عليه السلام، وكذا دعا لعروة بن الجعد فقال: فلقد كنت أقوم بالكناسة، وهو موضع بالكوفة فما أرجع حتى أربح أربعين ألفا. وقال البخاري في حديثه: وكان لو اشترى التراب لربح فيه. وذكر الخفاجي وبناني في شرح الشفا أن حكيم بن حزام لما حج في الإسلام أهدى مائة، بدنة وألف شاة، ووقف بمائة وصيف في أعناقهم أطواق فضة، منقوش عليها عتقاء الله عن حكيم بن حزام، انظر ص 406 ج 1 من نسيم الرياض. وبلغ من غنى عبد الرحمن بن عوف أن قال: كما للحافظ الشامي: لو رفع حجرا لرجا أن يصيب تحته ذهبا، وفتح الله عليه. ومات فحفر الذهب من تركته بالفؤوس حتى مجلت منه الأيدي، وأوصى بخمسين ألف دينار وأعتق يوما ثلاثين عبدا، وتصدق بشطر ماله أربعة ألاف، ثم بأربعين ألف دينار، ثم بخمسمائة فرس، ثم بخمسائة راحلة. وفي الترمذي أنه أوصى لأمهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربعمائة ألف، قال: بحديث حسن. وقال عروة بن الزبير: أوصى عبد الرحمن بن عوف لمن بقي من أهل بدر لكل رجل بأربعمائة دينار، وكانوا مائة فأخذوها، وأخذ عثمان فيمن أخذ. وأوصى بألف فرس في سبيل الله، وعن أنس قال: لقد رأيته منح لكل امرأة من نسائه بعد موته مائة ألف. قال الحافظ في الفتح إثره. قلت: مات عن أربع نسوة فيكون جميع تركته ثلاثة آلاف ومائتي ألف، وهذا بالنسبة لتركه الزبير التي تقدم شرحها في الخمس قليل جدا فيحتمل أن تكون هذه دنانير، وتلك دراهم لأن كثرة مال عبد الرحمن بن عوف مشهورة جدا اهـ من باب الوليمة، من كتاب النكاح. وفي الاستيعاب: كان عبد الرحمن بن عوف تاجرا مجدودا في التجارة، وكسب مالا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 كثيرا. وخلف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة، ومائة فرس ترعى بالبقيع، وكان يزرع على الجرف بعشرين ناضحا، فكان يدخر من ذلك قوت أهله سنة. وروي أن زوجته التي طلقها صولحت عن ثلث الثمن بثلاثة وثمانين ألفا قيل: صولحت بهذا المقدار عن ربع الثمن من متروكه اهـ. وقال جعفر بن يرقان [كذا] بلغني أن عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألف نسمة. أخرجه أبو نعيم في الحلية، وأخرج ابن سعد في الطبقات أن عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة من الأنصار على ثلاثين ألفا، وصدقاته أكثر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر. وفي أيام خلافة عثمان توسع الناس في أمور الدنيا أكثر مما كانوا عليه في زمن عمر، واستعملوا النفيس من الملبس، والمسكن، والمطعم، واقتنوا الضياع والأثاث. قال المسعودي، في مروج الذهب: في أيام عثمان اقتنى الصحابة الضياع والمال، فكان له يوم قتل عند خازنه خمسون ومائة ألف دينار، وألف ألف درهم، وقيمة ضياعه بوادي القرى وخيبر وغيرهما مائتا ألف دينار، وخلف إبلا وخيلا كثيرا. وبلغ الثمن الواحد من متروك الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار وخلف ألف فرس وألف أمة. قلت: وفي طبقات ابن سعد أن الزبير خلّف أربع نسوة أصاب كل امرأة ألف ألف ومائة ألف، قال فجميع ماله خمسة وثلاثون ألف ألف ألف ومائتا ألف، وفيها عن سفيان بن عيينة قسم ميراث الزبير على أربعين ألف ألف، وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان قيمة ما ترك الزبير إحدى وخمسين أو اثنين وخمسين ألف ألف. وفيها أيضا عروة قال: كان للزبير بمصر خطط، وبالإسكندرية خطط، وبالكوفة خطط، وبالبصرة دور، وكانت له غلات تقدم عليه من أعراض المدينة، انظر ص 77 ج 3. من طبقات ابن سعد. وفي باب إدام النبي صلى الله عليه وسلم من المناوي على الشمائل، في حق ابن مسعود قال في الكشاف: روي أنه خلف تسعين ألف دينار سوى الرقيق والماشية اهـ ثم قال المسعودي في مروج الذهب: وكانت غلة طلحة من العراق ألف دينار كل يوم، ومن ناحية السراة أكثر من ذلك. قلت: وفي طبقات ابن سعد: كان طلحة يغل بالعراق ما بين أربعمائة ألف إلى خمسمائة ألف، ويغل بالسراة عشرة آلاف دينار أو أقل أو أكثر، وبالإعراض له غلات، وكان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا إلا كفاه مؤونته ومؤونة عياله وزوج أياماهم وأخدم عائلهم، وقضى دين غارمهم، ولقد كان يرسل إلى عائشة إذا جاءت غلته كل سنة بعشرة آلاف، ولقد قضى عن صبيحة التميمي ثلاثين ألف درهم. وفي طبقات ابن سعد أن طلحة كان في يده خاتم ذهب فيه ياقوتة حمراء، وفي الطبقات أيضا عن عمرو بن العاص قال: حدثت إن طلحة ترك مائة بهار، في كل بهار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 ثلاث قناطير ذهب، وسمعت أن البهار جلد ثور. ثم قال المسعودي: وكان على مربض عبد الرحمن بن عوف ألف فرس، وألف بعير، وعشرة آلاف من الغنم، وبلغ الربع من متروكة يوم وفاته أربعة وثمانين ألفا، وخلف زيد بن ثابت من الفضة والذهب ما كان يكسر بالفؤوس، غير ما خلّف من الأموال والضياع بمائة ألف دينار. وبنى الزبير داره بالبصرة، وكذلك بمصر، والإسكندرية، والكوفة، وكذلك بنى طلحة داره بالكوفة، وشيّد داره بالمدينة، وبناها بالجص والآجر، والساج. وبنى سعد بن أبي وقاص داره بالعقيق، ورفع سمكها، وأوسع فضاءها، وجعل على أعلاها شرفات. وبنى المقداد داره بالمدينة وجعلها مجصصة الظاهر والباطن، وفي تاريخ ابن عساكر: أن الثائرين على عثمان انتهبوا ماله كله يوم قتل، وكان ثلاثين ألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم اهـ. وترجم في الإصابة لحمزة بن أيفع الهمداني فذكر عن ابن الكلبي، أنه هاجر في زمن عمر إلى الشام ومعه أربعة آلاف عبد فاعتقهم كلهم، وفي مسند أحمد «1» عن أنس قال: بينما عائشة في بيتها إذ سمعت صوتا في المدينة فقالت: ما هذا؟ قالوا: عير لعبد الرحمن بن عوف، قدمت من الشام، تحمل كل شيء. قال: فكانت سبعمائة بعير. قال: فارتجت المدينة من الصوت، فذكر القصة. وفيها: فجعلها عبد الرحمن بن عوف بأقتابها وأحمالها في سبيل الله عز وجل. وممن كان يعدّ من أغنياء الصحابة عمرو بن العاص خرج ابن عساكر أن عمروا كان يلقح كروم الوهط (بستان له بالطائف بألف ألف خشبة، كل خشبة بدرهم، فالكرم الذي يحتاج إلى خشب بألف ألف. كم تكون غلته؟ وكانت له دور كثيرة بمصر، ودور بدمشق، منها دار بجيرون ودار في ناحية الجابية، ودار تعرف بدار بني أحيحة، ودار تعرف بالمارستان، أنظر تاريخ ابن عساكر، حتى قال بعض العصريين: إن ما ذكره المؤرخون من مقدار ثروة عمرو لا يقبله العقل. ومن أغنيائهم أيضا عمرو بن حريث القرشي المخزومي، ترجمه النووي في التهذيب فقال: مسح النبي صلى الله عليه وسلم رأسه، ودعا له بالبركة في صفقته وبيعته، فكسب مالا عظيما فكان من أغنى أهل الكوفة، وهو أول قرشي اتخذ بها داره، وولي بها لبني أمية اهـ. وفي ترجمة حويطب بن عبد العزى من الإصابة أن المصطفى عليه السلام استقرضه مالا فأقرضه أربعين ألفا، ونزل المدينة، وبقي بها إلى أن مات. وباع داره بمكة من معاوية بأربعين ألف دينار، فاستكثرها بعض الناس فقال حويطب: وما هذه لمن عنده خمس من العيال.   (1) ج 6 ص 115. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 قلت: هذا يدلك على مقدار ما كانوا يستهلكون من المصاريف، ونفقات عيالهم. وفي طبقات ابن سعد: عن سفيان بن الربيع قال: انطلقت في رهط في نسّاك أهل البصرة إلى مكة فقلت: لو نظرت رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدللنا على عبد الله بن عمرو بن العاص، فأتينا منزله، فإذا قريب من ثلاثمائة راحلة، فقلت: على كل هؤلاء حج عبد الله بن عمرو؟ قالوا: نعم هو ومواليه وأحباؤه الخ أنظر ص 2 ج 4. ومن أغنيائهم سيدنا أنس، خادم النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج ابن سعد في الطبقات: كان أنس بن مالك من أحرص أصحاب محمد على المال، وقال ابن حجر الهيثمي في شرح الهمزية، على قول البوصيري في الصحابة: أغنياء نزاهة فقراء ... علماء أيمة أمراء من كان بيده منهم فال كابن عوف وعثمان، فإنما كان خازنا لله يصرفه في مصارفه الشرعية، فهو مقتنيه لذلك لا لفخر، ولا لمحبة جمع الحطام الفاني، ولذلك جاء أن عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألف رقيق، وتصدق هو وعثمان في غزوة تبوك بما يبهر العقل، وكان للزبير ألف مملوك يؤدون له الخراج، وما مات إلا وعليه قدر كثير جدا من الديون، وكون المخلف عن ابن عوف في ربع ثمنه ثمانون ألف دينار، لا ينافي ما تقرر أنه إنما كان خازنا لله، فإنه ليس معناه يخرج جميع ما بيده دفعة واحدة، بل يبقيه ويخرج منه ما هو المطلوب منه في كل حال، أو زمان. وأما إخراجه صلى الله عليه وسلم لجميع ما كان بيده دفعة فهو إما لاحتياجه لذلك، لسدّ ضروريات أصحابه أو لأن حاله في الأمور الخارقة للعادة، لا يقدر غيره على التأسي به فيها، فلا يكلف بذلك اهـ ونحوه لأبي عبد الله زنيبر السلاوي، والشريف السجلماسي، وأبي عبد الله الحضيكي السوسي، ثلاثتهم في شرحها أيضا وزاد الحضيكي على قوله: زهدوا في الدنيا فما عرف الميل ... إليها منهم ولا الرغباء لا ينافي زهدهم فيها كونهم أغنياء كما تقدم، وحصولها بأيدي بعضهم بدعائه صلى الله عليه وسلم لأنس، وابن عوف، وثناؤه عليه السلام على المال بقوله: نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح، لأنهم خزان الله الخ. وانظر تحفة الأكابر على أثر عبد الرحمن بن عوف: يدخل الجنة حبوا. وسأل السلطان الملك الأشرف حافظ عصره الشمس السخاويّ عن حديث: اللهم من أحبني فارزقه الكفاف، ومن أبغضني فأكثر ماله وولده، هل هو صحيح؟ وما الجمع بينه وبين دعائه عليه السلام؛ لأنس بكثرة المال والولد، فأجابه بجواب نفيس جدا في نحو كراسين مضمونه؛ أن الحديث المذكور وارد من طرق ودعاؤه لأنس أصح منه، ومحملها أن المال الذي دعا به عليه السلام لأنس هو المطلوب من حله والمأخوذ من وجهه، أنظر الجواب المذكور فإنه مفيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 ومن اللطائف ما في فهرسة شيخ الجماعة بالمغرب؛ أبي عبد الله محمد تو بن سودة أن شيخه الوجيه العيدروس قال في قوله تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ [الشورى: 27] الضمير للرزق، لا للإسم الشريف «1» ، قال: فقد بسط سبحانه لعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهما، ولم يكن منهم بغي انظر الفهرسة المذكورة، ثم وجدت السيد العيدروس مسبوقا بذلك قاله قبله العارف ابن وفا في كتابه. باب فيمن تغالى من الصحابة في صداقه لما تزوج بعلوية ذكر الشيخ المختار الكنتي في الأجوبة المهمة، نقلا عن الحافظ الدميري: أعظم صداق بلغنا خبره صداق عمر لما تزوج زينب بنت علي، فإنه أصدقها أربعين ألف دينار، فقيل له في ذلك فقال: والله ما فيّ رغبة إلى النساء، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «2» : كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي، فأردت تأكيد النسب بيني وبينه عليه السلام، فأردت أن أتزوج ابنته، كما تزوج ابنتي. وأعطيت هذا المال العريض إكراما لمصاهرتي إياه عليه السلام اهـ منها. هذا مع كون عمر نهى عن المغالاة في المهر ولكن قاطعته امرأة احتجت عليه بقوله تعالى: وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً [النساء: 20] انظر قصتها معه في فتح الباري. باب في ذكر عدد الصحابة قال الحافظ أبو زرعة الرازي لمن قال له: أليس يقال: حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف حديث؛ قال؛ ومن قال ذا قلقل الله أنيابه. هذا قول الزنادقة، ومن يحصي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مائة ألف وعشرة آلاف ممن روى عنه وسمع منه، فقيل له: هؤلاء أين كانوا وأين سمعوا منه. قال أهل المدينة وأهل مكة، ومن بينهما من الإعراب، ومن شهد معه حجة الوداع، كل رآه وسمع منه بعرفة، قال ابن فتحون في ذيل الاستيعاب بعد إيراده لهذا: أجاب به أبو زرعة سؤال من سأله عن الرواة خاصة، فكيف بغيرهم اهـ قال السخاوي إثره في شرح الألفية: وكذا لم يدخل في ذلك من مات في حياته صلى الله عليه وسلم في الغزوات وغيرها اهـ وقال الشمس البرماوي في شرح الزهر البسام: العدد الأصح في النقل عنه أي أبي زرعة رواه ابن المديني في ذيله، على كتاب الصحابة: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ممن روى عنه، وسمع منه، واستبعده البرماوي. قال الشمس السفاريني في شرحه على عقيدته؛ قلت: قد جزم بهذا العدد الحافظ السيوطي في الخصائص الصغرى، وذكره شيخنا الشهاب المنيني في نظمها بقوله.   (1) أي لعباد الرزق: بمعنى الذين يحبون المال لدرجة العبادة؛ فالضمير يعود على الرزق مصححه. (2) عزاه صاحب التيسير للطبراني والحاكم والبيهقي عن ابن عمر وفي رواية للطبراني عن ابن عباس والمسور بن مخرمة، قلت: وفي أحمد بمعناه 4/ 323. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 وعدّهم للأنبيا يقارب. اهـ أنظر ص 47 ج 1. ومع ذلك حصر ابن فتحون عدد ما في الاستيعاب في ثلاثة آلاف وخمسمائة، واستدرك عليه هو قريبا من ذلك. وقال الذهبي في كتابه التجريد: ولعل جميع ما فيه ثمانية آلاف نفس إن لم يزيدوا لم ينقصوا اهـ. وقال الحافظ ابن حجر: إنه لم يحصل أي كل من صنف في الصحابة على العشر من أساميهم بالنسبة إلى ما مضى عن أبي زرعة، فكل حكى عن قدر تتبعه ومبلغ علمه اهـ. قال السخاوي: وسبب الخفاء أنّ أكثرهم أعراب وأكثرهم حضروا في حجة الوداع اهـ. وقد ألفّ في معرفة الصحابة جماعة من المتقدمين والمتأخرين كابن سعد كاتب الواقدي، وأبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري، وعبد الباقي بن قانع القاضي، وأبي علي ابن السكن، وأبي عبد الله محمد بن منده، وأبي حاتم محمد بن حيان، وأبي موسى المديني، والبغوي، وابن عبد البر، وهو أشهر من ألف فيهم، وابن الأثير، والذهبي، وابن حجر، كتابه الإصابة وهو أجمعها وأقربها إفادة، ولم يأت بعده إلا من خدمه بالاختصار ونحوه. ومن آخر من اختصره بفاس أبو زيد العراقي الحسيني، والموجود عندي من اختصاره بخطه إلى حرف العين. باب في ذكر عدد من كان بالمدينة من الصحابة معه عليه السلام آخر الأمر قال الغزالي في الباب الثالث من أعمال الباطن، من ربع العبادات من الأحياء: مات صلى الله عليه وسلم عن عشرين ألفا من أصحابه. قال الحافظ العراقي: لعله عنى [من] بالمدينة، وعن الشافعي، كما في مناقبه للآبري، والساجي من طريق ابن عبد الحكم عنه: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ستون ألفا بالمدينة، وثلاثون ألفا في قبائل العرب وغيرها. وعن أحمد فيما رواه البيهقي من طريق إبراهيم بن علي الطبري عنه قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم، وقد صلى خلفه ثلاثون ألف رجل. قال السخاوي في فتح المغيث: وكأنه عنى [من] بالمدينة ليلتئم مع ما قبله اهـ. باب في المكثرين الرواية عنه صلى الله عليه وسلم من الصحابة المكثرون منهم رواية كما قال أحمد فيما نقله ابن كثير وغيره الذين زاد حديثهم على ألف وهم: ستة، عبد الله بن عمر، وعائشة، وعبد الله بن عباس، وجابر، وسعد، وأبو هريرة، وهو بالإجماع أكثرهم، ويدل لذلك أن بقي بن مخلد حافظ الأندلس روى: 1- لأبي هريرة خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وستين. و2- لابن عمر ألفين وستمائة وثلاثين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 و 3- لأنس ألفين ومائتين وستة وثمانين. و4- لعائشة ألفين ومائتين وعشرة. و5- لابن عباس ألفا وستمائة وستين. و6- لجابر ألفا وخمسمائة وأربعين. ولهم سابع نّبه عليه الحافظ العراقي تبعا لابن كثير، وهو أبو سعيد الخدري، فروى له بقيّ ألفا ومائة وسبعين وقد نظمه البرهان الحلبي فقال: أبو سعيد نسبة لخدرة ... سابعهم أهمل في القصيدة وقال آخر: سبع من الصحب فوق الألف قد نقلوا ... عن النبي رسول الله خير مضر أبو هريرة سعد جابر أنس ... صديقة وابن عباس كذا ابن عمر وأدرج ابن كثير في المكثرين؛ ابن مسعود، وابن عمرو بن العاص، ولكن لم يبلغ حديث واحد منهم ألفا عند بقي، إذ حديث أولهما عنده ثمانمائة وثمانية وأربعون، وثانيهما سبعمائة. تنبيه قال ابن سعد في الطبقات: قال محمد بن عمرو الأسلمي: إنما قلّت الرواية عن الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم ماتوا قبل أن يحتاج إليهم، وإنما كثرت عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب لأنهما وليا فسئلا وقضيا بين الناس، وكل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أئمة يقتدى بهم، ويحفظ عنهم ما كانوا يفعلون، ويستفتون فيفتون، وسمعوا أحاديث فأدّوها. فكان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقلّ حديثا عنه من غيرهم؛ مثل أبي بكر وعثمان وطلحة وسعد بن عبادة، وعبادة بن الصامت، وأسيد بن حضير، ومعاذ بن جبل ونظرائهم، فلم يأت عنهم من كثرة الحديث مثل ما جاء عن الأحداث من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل: جابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عباس ورافع بن خديج وأنس بن مالك والبراء بن عازب، ونظرائهم. لأنهم بقوا وطالت أعمارهم واحتاج الناس إليهم، ومضى كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من لم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، ولعله أكثر له صحبة ومجالسة وسماعا من الذي حدث عنه، ولكن الأمر في ذلك منهم على التأني في الحديث، أو على أنه لم يحتج إليه لكثرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الإشتغال بالعبادة والاسفار في الجهاد في سبيل الله حتى مضوا ولم يحفظ عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء اهـ. فائدة أفرد مسند عبد الله بن عمرو بالتصنيف جماعة، منهم محدث بغداد أبو خيثمة زهير بن حرب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 باب في ذكر أحفظ الصحابة وأول محدث في الإسلام قدمنا أن أبا هريرة أحفظ الصحابة، وقد حكى الإجماع على ذلك النووي، وقاله سعيد ابن أبي الحسن، وابن حنبل، وتبعهما ابن الصلاح، والعراقي في الألفية، وغيره، وترجمه الذهبي في طبقات الحفاظ، فنقل عن الشافعي: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره، قال: وروى كهمس عن عبد الله بن شقيق قال: قال أبو هريرة: لا أعرف أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحفظ لحديثه مني، وذكر أن ابن عمر قال، لأبي هريرة: إن كنت لألزمنا وأعلمنا بحديثه. وذكر الذهبي أيضا عن أبي بكر بن داود قال: رأيت في النوم وأنا بسجستان أبا هريرة فقلت له: أنا أحبك فقال: أنا أول صاحب حديث في الدنيا. وقال ابن ناصر الدين الدمشقي، في شرح بديعية البيان، في ترجمة أبي هريرة: هو حافظ الصحابة في عصره ومكثرهم اهـ. وقد أفرد مسند أبي هريرة بالتصنيف، دون بقّي بن مخلد جماعة، منهم؛ الطبراني، وإسماعيل بن إسماعيل بن إسحاق القاضي، وأبو بكر أحمد بن علي المروزي، وأبو العباس أحمد بن محمد البرقي، وخلق سواهم. ونقل صاحب فواتح الرحموت على مسلّم الثبوت، عن العراقي قوله: أجمع الصحابة على أن من استفتى أبا بكر وعمر أميري المؤمنين، فله أن يستفتي أبا هريرة ومعاذ بن جبل وغيرهما، ويعمل بقولهم من غير نكير. اهـ وفي محل آخر من فواتح الرحموت أيضا: أبو هريرة فقيه مجتهد لا شك في فقاهته، فإنه كان يفتي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، وكان يعارض قول ابن عباس وفتواه، وفي بعض شروح الأصول للإمام فخر الدين: روى عنه سبعمائة نفر من أولاد المهاجرين والأنصار، وروى عنه جماعة من الصحابة اهـ. قلت: وقد وقفت في تونس على رسالة جليلة لمفتي المالكية بها الأستاذ الشيخ محمد النجار سماها: شمس الظهيرة في بيان فضل وفقه أبي هريرة، ولما ذكر الحافظ ابن القيم، في كتابه: الوابل الصيب حفظ عبد الله بن عباس وفقهه قال: وأين تقع فتاوي ابن عباس وتفسيره واستنباطه من فتاوي أبي هريرة وتفسيره، وأبو هريرة أحفظ منه بل هو حافظ الأمة على الإطلاق يؤدي الحديث كما سمعه، ويدرسه درسا، فكانت همته مصروفة إلى الحفظ، وتبليغ ما حفظه كما سمعه، وهمة ابن عباس مصروفة إلى التفقه والإستنباط، وتفجير النصوص، وشق الأنهار منها. وهكذا الناس قسمان حفاظ، ومعتنون بالإستنباط اهـ. قلت: وقع في كلام لبعض العصريين: يبدأ تاريخ الحفاظ المعدودين في الإسلام بعبد الله بن عباس، فقد كان لا يدور في مسمعيه شيء إلا وعاه وأثبته، وسمع قصيدة ابن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 أبي ربيعة «1» ولم يكن سمعها إلا تلك المرة فوعاها، فلا جرم أن كان صدره خزانة العرب، إليه مرجعهم في التفسير والحديث، والحلال والحرام، والعربية والشعر، ولو صحت نسبة ما رواه بعض الرواة عن الزهري، عن عكرمة عن ابن عباس، أنه قال: يولد في كل سبعين سنة من يحفظ كل شيء، لكان ابن عباس نفسه صاحب السبعين الأولى في الإسلام، وأما إن كان الخبر من أكاذيب عكرمة، فيكون قد وصف به أستاذه ابن عباس أصدق الوصف، على مبالغة فيه خبيثة. باب في ذكر أئمة الفتوى من الصحابة المكثرون منهم إفتاء سبعة عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وعائشة. قال ابن حزم: ويمكن أن يجمع من فتيا كل واحد من هؤلاء مجلد ضخم، ويلي هؤلاء السبعة في الفتوى عشرون: أبو بكر وعثمان وأبو موسى، ومعاذ وسعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وأنس وعبد الله بن عمرو بن العاص، وسلمان وجابر وأبو سعيد، وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف، وعمران بن حصين، وأبو بكرة، وعبادة بن الصامت، وابن الزبير، وأم سلمة، قال: ويمكن أن يجمع من فتوى كل واحد منهم جزء صغير، وفي الصحابة نحو مائة وعشرين نفسا مقلّون في الفتيا جدا، لا تروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والثلاث؛ كأبيّ ابن كعب، وأبي الدرداء، وأبي طلحة، والمقداد وسرد الباقين. قال: ويمكن أن يجمع من فتيا جميعهم بعد البحث جزء صغير. قاله السخاوي. في فتح المغيث، والسيوطي في تدريب الراوي. وفي ترجمة بقي بن مخلد حافظ الأندلس وفخرها من تاريخ ابن عساكر: أنه صنف في فتاوي الصحابة والتابعين ومن دونهم، حتى أربى فيه على مصنف عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وغيرهم. وانتظم علما عظيما لم يقع في شيء من هذه الكتب فصار هو وغيره من تاليفه قواعد في الإسلام لا نظير لها اهـ انظر اختصاره ص 279 ج 3. قلت: وبذلك مع ما سيأتي عن ابن القيم عن ابن حزم؛ من أن فتاوي ابن عباس أفردت بسبع مجلدات، تعلم ما في قول النووي في تهذيب الأسماء واللغات: لم ينقل عن الصحابة إلا مسائل معدودات إذ كانت فتاويهم مقصورة على الوقائع، بل كانوا ينهون عن السؤال عما لم يقع، وكانت همتهم مصروفة إلى جهاد الكفار، لاعلاء كلمة الإسلام، وإلى مجاهدة النفوس والعبادة، الخ لخ. فإن الصحابة في زمنه عليه السلام كانوا ينقسمون إلى من يتعلم ويعلم، وإلى من يتجر ويزرع، ولم يكونوا يحاربون على الدوام إلا إذا كان النفير العام في عام من الأعوام، ومن كان يفقه المئات والآلاف والملايين الذين أسلموا في زمنهم   (1) قصيدة عمر بن أبي ربيعة ومطلعها: أمن أم أوفى أنت غاد فمبكر ... غداة غد أو رائح فمهجّر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 رضي الله عنهم، ويبث فيهم الشرائع، لولا قيام طائفة منهم بالإفتاء والتعليم، وقصرهم أنفسهم على ذلك، والله أعلم. لطيفة في جامع البيان والتحصيل لابن رشد، روي أن أبا هريرة ترك الفتيا، فقيل له في ذلك قال: أما جسمي فقد ضعف، والقلب بضعة من الجسم، وأنا أخشى أن يكون فهمي ضعف كما ضعف جسمي. باب في ذكر من كان أكثر الصحابة فتيا ومن جمع من فتاويه سبع مجلدات والمخصوص منهم بلقب البحر وحبر القرآن ورباني الأمة والغواص ومن كان يعرف ممره من الطريق ومن وجم الناس عن تعزيته عن أبيه هيبة له وإجلالا أكثر الصحابة على الإطلاق فتوى؛ فيما قاله الإمام أحمد: عبد الله بن عباس، بحيث كان كبار الصحابة يحيلون عليه في الفتوى، كيف وقد دعا له المصطفى صلى الله عليه وسلم، بقوله: اللهم علمه الكتاب «1» وفي لفظ اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل، وفي آخر: اللهم علمه الحكمة وتاويل الكتاب، وفي آخر: اللهم بارك فيه وانشر منه وقال ابن عمر: هو أعلم من بقي بما أنزل على سيدنا محمد، وقال أبو بكرة: قدم علينا البصرة وما في العرب مثله حشما وعلما وبيانا وجمالا وقالت عائشة: هو أعلم الناس بالحج. ووصفه بالبحر ثابت في صحيح البخاري، وغيره. وإنما وصف بذلك لكثرة علمه كما قال مجاهد، وعن عطاء أنه كان يقول: قال البحر: وفعل البحر يريد ابن عباس، بل سماه غير واحد حبر الأمة وبعضهم حبر العرب وترجمان القرآن، ورباني الأمة، وانظر فتح المغيث. وفي ترجمته من الأصابة: كان يقال له حبر العرب، ويقال إن الذي لقبه بذلك جرجير ملك طرابلس الغرب، وكان قد غزا مع عبد الله ابن أبي سرح أفريقية، فتكلم مع جرجير فقال له: ما ينبغي إلا أن تكون حبر العرب، ذكر ذلك ابن دريد في الأخبار المنثورة له اهـ. وفي ترجمته من الإستيعاب: كان عمر بن الخطاب يحبه ويدنيه ويقربه، ويشاوره مع أجلة الصحابة، وكان عمر يقول فيه: فتى الكهول له لسان سؤول وقلب عقول، وقال طاوس: أدركت نحو خمسمائة من الصحابة إذا ذكروا ابن عباس فخالفوه لم يزل يقرر لهم حتى ينتهوا إلى قوله. قال يزيد بن الأصم: خرج معاوية حاجا ومعه ابن عباس، فكان لمعاوية موكب، ولابن عباس موكب ممن يطلب العلم، وكان عمر يعدّه للمعضلات مع اجتهاد عمر ونظره للمسلمين. ويروى أن معاوية نظر إلى ابن عباس يوما يتكلم، فأتبعه بصره وقال متمثلا:   (1) البخاري كتاب العلم باب 17 ج 1 ص 27. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 إذا قال لم يترك مقالا لقائل ... مصيب ولم يثن اللسان على هجر يصّرف بالقول اللسان إذا انتحى ... وينظر في أعطافه نظر الصقر وخرّج ابن عبد البر أيضا عن عطاء قال: كان ناس يأتون ابن عباس في الشعر والأنساب وناس يأتون لأيام العرب ووقائعها، وناس يأتون للعلم والفقه، ما فيهم صنف إلا يقبل عليه بما شاء اهـ. وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات: أن عمر قال لابن عباس، بعد مراجعة في قضية، رجع فيها عمر لقول ابن عباس مع صغره: يا ابن عباس من ظن أنه يرد لبحوركم فيغوص فيها معكم حتى يبلغ قعرها فقد ظن عجزا. وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال: دخلت على عمر بن الخطاب يوما فسألني عن مسألة كتب إليه بها يعلى بن أمية من اليمن، فأجبته فيها فقال عمر: أشهد أنك تنطق عن بيت نبوة. وأخرج الدينوري عن المدائني قال علي ابن أبي طالب في عبد الله بن عباس: إنه لينظر إلى الغيب [من] خلف ستر رقيق؛ لعقله وفطانته بالأمور، وفي ترجمة ابن عباس من طبقات الحفاظ عن الأعمش قال: استعمل عليّ ابن عباس على الحج، فخطب يومئذ خطبة لو سمعها الترك والروم لأسلموا، ثم قرأ سورة النور فجعل يفسرها. وقال الحافظ ابن القيم في كتابه، الوابل الصيب: هذا عبد الله بن عباس حبر الأمة، وترجمان القرآن، مقدار ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ العشرين حديثا، الذي يقول فيه سمعت ورأيت وسمع كثيرا من الصحابة، وبورك له في فهمه واستنباطه، حتى ملأ الدنيا علما وفقها. قال أبو محمد بن محمد بن حزم: وجمعت فتاويه في سبعة أسفار كبار، وهي بحسب ما بلغ جامعها، وإلا فعلم ابن عباس كالبحر، وقد سمع كما سمعوا وحفظ القرآن كما حافظوا، ولكن كانت أرضه أخصب الأراضي، وأمثلها للزرع، فبذر فيها النصوص، فأنبت من كل زوج كريم، ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الجمعة: 4] اهـ. وذكر ابن سليمان في صلته أن أبا محمد دعلج بن أحمد السجستاني أفرد مسند عبد الله بن عباس بالتصنيف، وأن الحافظ ابن رجب له نور الإقتباس في مشكاة وصية ابن عباس، وفي خلاصة الخزرجي قال موسى بن عبيدة: كان عمر يستشير ابن عباس ويقول: غواص، وقال سعد: ما رأيت أحضر فهما ولا ألبّ لبا ولا أكثر علما ولا أوسع حلما من ابن عباس. ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات، وقال عكرمة: كان ابن عباس إذا مرّ في الطريق قالت النساء: أمرّ المسك أو ابن عباس؟ وقال مسروق: كنت إذا رأيت ابن عباس قلت: أجمل الناس، وإذا نطق قلت أفصح الناس، وإذا حدّث قلت أعلم الناس اهـ. وفي كتاب رونق التحبير في حكم السياسة والتدبير لمحمد ابن أبي العلاء بن سماك، والفروق للقرافي ص 195 ج 2 روي أن العباس بن عبد المطلب لما مات عظم المصاب به الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 على ابنه عبد الله وكان عبد الله بن عباس عظيما عند الناس في نفسه، لأنه كان ترجمان القرآن، وافر العقل جميل المحاسن والجلالة والأوصاف الحميدة، فأعظمه الناس على التعزية إجلالا له ومهابة بسبب عظمته في نفسه، وعظمة من أصيب به، فإنّ العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقي بعد وفاته مثل والده، وكان يقال: من أشجع الناس؟ فيقال: العباس. ومن أعلم الناس؟ فيقال: العباس ومن أكرم الناس؟ فيقال: العباس. فلما مات عظم خطبه وجلّت رزيته في صدور الناس، وفي صدر ولده عبد الله، وأحجم الناس عن تعزيته، فأقاموا على ذلك شهرا كما ذكره المؤرخون، فبعد الشهر قدم أعرابي من البادية فسأل عن عبد الله بن عباس، فقال الناس: ما تريد؟ قال: أريد أن أعزي عبد الله بن عباس. فقام الناس معه عساه أن يفتح لهم باب التعزية، فلما رأى عبد الله بن عباس قال له: السلام عليك يا أبا الفضل فرد عليه عبد الله فأنشده: إصبر نكن بك صابرين فإنما ... صبر الرعية عند صبر الراس خير من العباس أجرك بعده ... والله خير منك للعباس فلما سمع الشعر عبد الله زال ما كان به، واسترسل الناس في تعزيته اهـ. تتمة ممن دون فقهه من أهل القرن الأول الحسن البصري، ففي رسالة الحافظ أبي محمد بن حزم في مفاخر أهل الأندلس، أن القاضي محمد بن يمن بن مفرج له سبعه أسفار في فقه الحسن البصري، وكتب كثيرة جمع فيها فقه الزهري اهـ أنظرها في نفح الطيب ص 132 ج 2. باب في ذكر من كان في الصحابة له أتباع يقلدونهم في فتواهم قال ابن المديني: انتهى علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة؛ ممن أخذ عنهم العلم وهم: عبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وابن عباس. وإلى ذلك إشار الحافظ العراقي في الألفية فقال: وهو وزيد وابن عباس لهم ... في الفقه أتباع يرون قولهم فأما ابن عباس فذكر الشمس ابن عابدين الحنفي الدمشقي: أوّل حواشيه على الدر المختار ص 40 أن ملوك الدولة العباسية؛ كانوا على مذهب جدهم عبد الله بن عباس، قال: وإن كان أكثر قضاتهم ومشايخ إسلامها حنفية. انظره. وانظر لم لم يحملوا الناس على مذهبه مع أن مذهبه وفتاويه دونت قبل ابن حزم في سبع مجلدات، كما سبق في الترجمة قبل. والله أعلم ثم وجدت ابن عابدين المذكور ذكر في باب العيدين أن مذهب ابن عباس في تكبير العيدين أن يكبر الإمام في الأولى سبعا وفي الثانية ستا قال في الهداية: عليه عمل العامة اليوم لأمر الخلفاء من بني العباس به، قال في الظهيرية: وهو تأويل ما روي عن أبي يوسف ومحمد فإنهما فعلا ذلك لأن هارون أمرهما أن يكبرا بتكبير جده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 ففعلا ذلك امتثالا لأمره، لا مذهبا واعتقادا. قال في المعراج: لأن طاعة الإمام فيما ليس بمعصية واجبة اهـ أنظر ص 583 ج 1. وأما ابن مسعود ففي الدر المختار، شرح تنوير الأبصار، للحصكفي الحنفي، قد قالوا: الفقه زرعه عبد الله بن مسعود، وسقاه علقمة وحصده إبراهيم النخعي، ودرسه حمّاد، وطحنه أبو حنيفة، وعجنه أبو يوسف، وخبزه محمد، فسائر الناس يأكلون من خبزه وقد نظم بعضهم فقال: الفقه زرع ابن مسعود، وعلقمة ... حصّاده ثم إبراهيم درّاس نعمان طاحنه يعقوب عاجنه ... محمد خابز والآكل الناس قال محشي الدر على قوله: زرعه أي أول من تكلم باستنباط مرويه عبد الله بن مسعود اهـ. باب في ذكر الذين انتهى إليهم العلم من الصحابة قال مسروق بن الأجدع: انتهى الذي كان عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ستة أنفس: زيد، وأبو الدرداء، وأبي بن كعب، وعمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وانتهى علم الأربعة الأولين لعلي وابن مسعود، وجعل الشعبي أبا موسى الأشعري بدل أبي الدرداء، وخرّج الحاكم مرفوعا: أبو هريرة وعاء العلم وأخرج الإمام أحمد عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يرحمك الله فإنك عليم معلم. وفي طبقات ابن سعد؛ أن أبا موسى الأشعري قال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فينا يعني ابن مسعود، وأخرج فيها أيضا أن عبد الله أقبل يوما وعمر جالس قال: فلما رآه مقبلا قال: كنيف ملىء علما أو قال فقها: وقال في القاموس [للفيروز آبادي] : وكنيف لقب ابن مسعود لقبه به عمر تشبيها بوعاء الراعي اهـ قال ابن الطيب في حواشي القاموس: هذا هو المعروف المشهور، خلافا لما في الظهيرية وغيرها، من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: كنيف مليء علما فإنه ليس بمعروف اهـ. وأخرج عبد الرزاق والبيهقي وابن أبي شيبة عن أبي سفيان عن أشياخ لهم في امرأة أمر عمر برجمها وهي حبلى، فأشار معاذ بن جبل بحبسها حتى تضع، فخرجت إشارة معاذ فقال عمر: عجزت النساء أن تلدن مثل معاذ، لولا معاذ لهلك عمر. وأخرج ابن سعد عن شهر بن حوشب قال: قال عمر: إن العلماء إذا حضروا يوم القيامة كان معاذ بن جبل بين أيديهم قذفة بحجر، وفي الإستبصار: أن فروة بن نوفل الأشجعي قال: كنت جالسا مع عبد الله بن مسعود فقال: إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا. ولم يكن من المشركين، فقلت: يا أبا عبد الرحمن إنما قال الله إن إبراهيم كان أمة فأعاد قوله: إن معاذا فلما رأيته أعاد عرفته أنه تعمد الأمر فسكت، فقال: أتدري ما الأمة وما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 القانت؟ قلت: الله أعلم. قال: الأمة الذي يعلم الناس الخير، ويؤتم به، ويقتدى به، والقانت المطيع لله، وكذلك كان معاذ بن جبل معلما للخير، مطيعا لله. وأخرج ابن سعد عن شهر بن حوشب قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: خرج معاذ إلى الشام، لقد أخل خروجه بالمدينة وأهلها في الفقه، وما كان يفتيهم به، ولقد كنت كلمات أبا بكر أن يحبسه لحاجة الناس إليه فأبى علي، قال كعب بن مالك: وكان معاذ بن جبل يفتي الناس بالمدينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود: وكان معاذ معلما من المعلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج الديلمي عن ابن عباس رفعه: لكل أمة عالم، وعالم هذه الأمة عبد الله بن عمر. تنبيه منتهى غالب سلاسل الفقه المالكي، والفقه الحنبلي إلى عبد الله بن عمر، ومنتهى غالب سلاسل الفقه الحنفي إلى عبد الله بن مسعود، ومنتهى غالب سلاسل الفقه الشافعي إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهم، أنظر حرف الفاء من حصر الشارد للشيخ محمد عابد السندي الحنفي، وفي غير الغالب تنتهي إلى غير هؤلاء من فقهاء الصحابة، انظر: كنز الرواية المجموع، والرحلة العياشية وغيرها. باب من عرف بالكرم والجود من الصحابة مشاهيرهم وعظاماؤهم به سادوا، وعنهم في باب الجود الحديث الغريب يساق، وناهيك بجودهم بأنفسهم وأولادهم فمالهم بالأحرى، ومجيء أبي بكر له عليه السلام بجميع ماله، وعمر بنصفه معروف، خرّجه الدارمي وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح والنسائي وابن أبي عاصم وابن شاهين في السنة، والحاكم وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي وابن الضريس وغيره، وتجهيز عثمان جيش العسرة معلوم. وممن جاء عنه العجب في هذا الباب سيدنا سعد بن عبادة سيد الخزرج، وهو الذي كان يلقب من بين الصحابة بالكامل، وقد ترجمه الدارقطني في كتاب الإستحياء قال في الأصابة: مشهورا بالجود هو وأبوه وجده، وكان لهم أطم ينادى عليه كل يوم: من أحب اللحم والشحم فليأت أطم دليم بن حارثة، وكانت جفنته تدور مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيوت أزواجه. وروى ابن أبي الدنيا من طريق ابن سيرين قال: كان أهل الصفة إذا أمسوا انطلق الرجل بالواحد، والرجل بالأثنين، والرجل بالجماعة، أما سعد فكان ينطلق بثمانين كل ليلة يعشيهم، هكذا ساقه في ترجمة فضائله ابن الهندي في الكنز، وكان سعد يقول: اللهم لا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال، اللهم لا يصلح لي القليل، ولا أصلح عليه. وأخرج أبو بكر في الغيلانيات، وابن عساكر عن جابر بن عبد الله، وجابر بن سمرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم بعثهم في بعث عليهم قيس بن سعد بن عبادة، فجهدوا فنحر لهم تسع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 ركائب، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الجود من شيمة أهل ذلك البيت. وأخرج ابن أبي الدنيا عن رافع بن خديج قال: أقبل أبو عبيدة ومعه عمر بن الخطاب فقال لقيس بن سعد: عزمت عليك لا تنحر، فلما نحروا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه في بيت جود انظر ص 84 ج 7 من كنز العمال. وفي الإستبصار في انساب الأنصار؛ يقال: لم يكن في الأنصار كله أربعة مطعمون يتوالون في بيت واحد، إلا قيس بن سعد بن عبادة بن دليم ولم يكن مثل ذلك في سائر العرب. وجاء ابن عمر على أطم سعد فقال لنافع: هذه أطم جده. لقد كان مناديه ينادي يوما: من أراد اللحم والشحم فليأت دار دليم فمات دليم فنادى عبادة بمثل ذلك ثم مات عبادة فنادى سعد بمثل ذلك ثم رأيت قيسا يفعل مثل ذلك اهـ. قال ابن قدامة: قيس بن سعد أحد الأجواد المذكورين، وأخباره في الجود والبسالة مشهورة، ومن مشهورها أنه كانت له ديون كثيرة، فمرض، فاستبطأ عوّاده فقيل له: إنهم يستحيون من أجل دينك عليهم، فأمر مناديا فنادى: من كان لقيس بن سعد عليه دين فهو له، فأتاه الناس حتى هدموا درجة كانوا يصعدون عليها إليه. وفي ترجمة سنطاس مولى سعد بن عبادة من الأصابة، وقع ذكره في الإستحياء للدار قطني، فأخرج عن محمد بن عبد العزيز قال: كان سعد بن عبادة يغزو سنة ويغزو ابنه قيس بن سعد سنة. فغزا سعد مع الناس، فنزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيوف كثير مسلمون فبلغ ذلك سعدا، وهو في ذلك الجيش فقال: إن يكن قيس ابني فسيقول: يا سنطاس هات المفاتيح، أخرج لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته، فيقول سنطاس: هات من أبيك كتابا فيدق أنفه ويأخذ المفاتيح ويخرج لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته، فكان الأمر كذلك. وأخذ قيس لرسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وسق. وعزا محدث الشام الشمس السفاريني في ص 99 ج 2 من شرحه على منظومة الآداب، لأبي بكر أحمد بن مروان المالكي الدينوري، في المجالس عن معن بن كثير عن أبيه أن سعد بن عبادة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحفة أو جفنة مملوءة مخا فقال: يا أبا ثابت ما هذا؟ قال؛ والذي بعثك بالحق، لقد نحرت أو ذبحت أربعين ذات كبد، فأحببت أن أشبعك من المخ، قال: فأكل ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بخير، قال: إبراهيم بن حبيب: سمعت أن الخيزران حدثت بهذا الحديث فقسمت قسما من مالها على ولد سعد بن عبادة، وقالت: أكافىء ولد سعد عن فعله برسول الله صلى الله عليه وسلم. قال السفاريني: الخيزران هي أم هارون الرشيد وهي أمة بربرية ولها خيرات، وقد أخرج هذه القصة ابن عساكر، فساقها الحافظ السيوطي في الجمع وابن الهندي في الكنز. أنظر ص 40 ج 7. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 قلت: هذه القصة من عظيم ما جاء عن ذلك التاريخ، مما يدل على التوسع والرفاهية، ولذيذ المطعم، وفيه قوة عمارة المدينة، وأنها كانت تحمل أن يذبح فيها مثل ذلك العدد من ذوات الكبد، ولا يعد ذلك تضييعا للمال، وما كان الصحابة يأتون من الأعمال الحامل عليها منهم التقرب إليه عليه السلام بكل غال ورخيص، وقال ابن المسيب كما في الاصابة: عن سعد كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل العباس فقال: هذا أجود قريش كفا، وأخرج أبو نعيم عن المسوّرين مخرمة قال: باع عبد الرحمن بن عوف أرضا له من عثمان بأربعين ألف دينار، فقسم ذلك المال في بني زهرة، وفقراء المسلمين، وأمهات المؤمنين. وبعث معي إلى عائشة بمال من ذلك المال، فقالت له عائشة: أما أني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لن يحنو عليكن بعدي إلا الصالحون، سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة. فهذا يدل على ارتفاع الأرضين في زمن الخلفاء الراشدين، فإن البلدة التي يكون ثمنها الآن نحو الثمانين ألف ريال بلدة عظيمة، فكيف بها هناك في ذلك الزمن، ويدل على عظيم بذل الصحابة وبرّهم وهبتهم، فبخ بخ لتلك الهمم القعساء، والخلل الشماء. وأخرج الإمام أحمد «1» وأبو نعيم قال: بينما عائشة في بيتها إذ سمعت صوتا رجت منه المدينة فقالت؛ ما هذا فقالوا عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف، من الشام، وكانت سبعمائة بعير فقالت عائشة: أما أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الحنة حبوا، فبلغ ذلك ابن عوف، فأتاها فسألها عما بلغه، فحدثته فقال: إني أشهدك أنها بأحمالها وأقتابها وأحلاسها في سبيل الله، وأخرج أبو نعيم وابن عساكر، عن الزهري قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف بشطر ماله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألفا، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله، ثم حمل على ألف وخمسمائة راحلة في سبيل الله، وكان عامة ماله من التجارة، ولما ذكر ابن حجر الهيثمي في شرح الهمزية، أن الزبير كان له ألف عبد يؤدون له الخراج، كتب عليه الشمس الحفني في حواشيه أي: في كل يوم فيتصدق في مجلسه به ولا يقوم بدرهم اهـ. وأخرج الروياني وابن عساكر، عن حبيب ابن أبي ثابت، أن أبا أيوب أتى معاوية فشكا له أن عليه دينا، فلم ير فيه ما يحبه ورأى ما يكرهه، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنكم سترون بعدي أثرة قال: فأي شيء قال لكم؟ قال: اصبروا. قال: فاصبروا. قال: فو الله لا أسألك شيئا أبدا، فقدم البصرة فنزل على ابن عباس، ففرغ له بيته وقال: لأصنعن لك كما صنعت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر أهله فخرجوا، وقال له: لك ما في البيت كله، وأعطاه أربعين ألفا وعشرين مملوكا: انظر فضائل أبي أيوب من كنز العمال. وترجم   (1) انظر ج 6 ص 115 من المسند. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 النووي في التهذيب: عياض بن غنم الصحابي الجليل فقال: كان جوادا وكان يسمى زاد الراكب، يطعم الناس من زاده، فإذا نفد نحر لهم بعيره اهـ. باب في ذكر أعلم الأمة بالفرائض من الصحابة قال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي، في ترجمة زيد بن ثابت: كاتب الوحي المعظم، وأعلم الأمة بالفرائض وأحكم وأحد القراء المذكورين والأئمة المشهورين اهـ وقد سبق أن سيدنا زيدا ألف في الفرائض، في ترجمته من الإستيعاب، لابن عبد البر: كانوا يقولون: غلب زيد بن ثابت الناس على اثنين؛ القرآن والفرائض اهـ وقال السهيلي: كما في الأزهار الطيبة النشر: كان عمر أيام كان بالشام يكتب إلى زيد بن ثابت وهو بالمدينة، فيبدأ باسمه قبل اسمه. وحين أشكلت عليه مسألة الجد، مشى بنفسه إلى منزل زيد بن ثابت، يستفهمه فيها اهـ. وأخرج ابن سعد عن سلمان بن يسار قال: ما كان عمر ولا عثمان يقدمان على زيد بن ثابت أحدا في القضاء والفتيا، والفرائض والقراءة. وأخرج ابن سعد أيضا عن سالم بن عبد الله قال: كنت مع ابن عمر يوم مات زيد بن ثابت، فقال: مات عالم الناس اليوم. فقال ابن عمر: يرحمه الله اليوم، فقد كان عالم الناس في خلافة عمر، وحبرها، فرّقهم عمر في البلدان، ونهاهم أن يفتوا برأيهم، وجلس زيد بن ثابت في المدينة يفتي أهل المدينة، وغيرهم، وحديث: أفرضكم زيد معروف «1» خرجه أحمد بسند صحيح، قال ابن الأثير في الأسد بعد أن ذكره في ترجمة سيدنا زيد، فأخذ الشافعي بقوله في الفرائض عملا بهذا الحديث اهـ. قلب: وكذلك مالك بنى مذهبه في الفرائض على قول زيد، إلا في أربعة مسائل فقط كما نبه على ذلك الإمام أبو عبد الله محمد ابن أبي القاسم، ابن القاضي في كتابه البحر الفائض، فيما تضمنه اسم زيد من الفرائض، وهو كتاب عجيب، استخرج جميع مسائل الفرائض من رسم زيد رضي الله عنه، وهو من بديع الاتفاق الغريب، والتناسب العجيب، وكأنّ القاضي ابن الحاج لم يقف على اسم مؤلف كتاب البحر هذا، فلذلك ذكر المؤلف ولم يسم صاحبه، بل عبر عنه ببعض المتأخرين والله أعلم. باب في ذكر المعروف في الصحابة بحسن الصوت وتجويد التلاوة أخرج الإمام أحمد «2» والبخاري في الأدب والنسائي عن بريدة رفعه أن عبد الله بن   (1) الحديث في مسند أحمد ج 3 ص 184 وأوله: ارحم أمتي أبو بكر. واعلمها بالفرائض زيد بن ثابت. من حديث أنس وفي الإسلامي: ص 232 ج 3. (2) انظر المسند ج 2 ص 354، 369 من حديث أبي هريرة وطبعة المكتب الإسلامي ص 466، 486 ج 2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 قيس «1» أعطي مزمارا من مزامير آل داود، وأخرج مسلم «2» عن أبي موسى رفعه: لو رأيتني وأنا أستمع قراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود. وقال الحافظ ابن حجر، في ترجمة أبي موسى الأشعري، أحد قضاة الأمة الأربعة، وجامع العلم، فما أوسعه المنفرد بحسن الصوت إذا قرأ، كأن مزمارا من مزامير آل داود معه اهـ وترجمه الذهبي في تذكرة الحفاظ فنقل عن ابن الهندي: ما سمعت طنبورا ولا صنجا ولا مزمارا أحسن من صوت أبي موسى الأشعري، حين كان يصلي بنا فنود أنه قرأ البقرة اهـ. باب فيمن قيل فيه من الصحابة أخطب أهل الدنيا في طبقات ابن سعد عن سماك بن حرب، أن معاوية استعمل النعمان بن بشير على الكوفة، وكان والله من أخطب من سمعت من أهل الدنيا يتكلم. انظر ص 35 ج 6. باب في المخصوص من الصحابة بلقب حكيم الأمة عن عبد الرحمن بن جبر، قال معاوية: ألا إن أبا الدرداء أحد الحكماء، إلا أن كعب الأحبار أحد العلماء، نقله صاحب الجاسوس ص 501. وأخرج الديلمي عن ابن عباس رفعه. لكل أمة حكيم وحكيم هذه الأمة أبو هريرة وأخرج ابن عساكر عن جبر بن نفير مرسلا رفعه: إن لكل أمة حكيما وحكيم هذه الأمة أبو الدرداء، وترجم الذهبي في تذكرة الحفاظ أبا الدرداء فقال فيه: الإمام الرباني، وكان يقال هو حكيم هذه الأمة وحفظ القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عالم أهل الشام ومقرىء أهل دمشق وفقيههم، وقاضيهم، وقال ابن أبي مليكة: سمعت يزيد بن معاوية يقول: إن أبا الدرداء من الفقهاء العلماء، الذين يشفون من الداء وروى الليث بن سعد عن فلان قال؛ رأيت أبا الدرداء دخل المسجد ومعه الأتباع، مثل ما يكون مع السلطان وهم يسألونه العلم اهـ. وانظر ترجمة الحكيم والمنجم والقافي فيما سبق. باب في ذكر من كان يقرأ الكتب القديمة من الصحابة ويعلم ما فيها أخرج ابن سعد وابن عساكر عن عبد الله بن سلام قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ القرآن ليلة، والتوراة ليلة، قال السيوطي في الجمع: فيه إبراهيم بن محمد بن يحيى المدني ضعيف اهـ. وترجم الذهبي في تذكرة الحفاظ عبد الله بن سلام هذا، فنقل عن إبراهيم بن أبي يحيى ثنا معاذ بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن أبيه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني قرأت القرآن والتوراة، فقال: اقرأ هذا ليلة وهذا ليلة. قال الذهبي: فهذا إن صح ففيه الرخصة في تكرير التوراة وتدبرها اهـ.   (1) وهو أبو موسى الأشعري رضي الله عنه. (2) انظر كتاب صلاة المسافرين ج 1/ 546. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 وفي طبقات ابن سعد: سئل علي عن سلمان الفارسي فقال: أوتي العلم الأول والعلم الآخر، أيدرك ما عنده؟ وفي رواية: قرأ الكتاب الأول وقرأ الكتاب الآخر. وكان بحرا لا ينزف. وفي طبقات الحفاظ للذهبي: عن أبي هريرة أنه لقي كعبا فجعل يحدثه ويسأله، فقال كعب: ما رأيت أحدا لم يقرأ التوراة أعلم بما فيها من أبي هريرة اهـ. وفي ترجمة عبد الله بن عمرو بن العاص منها: أصاب جملة من كتب أهل الكتاب، وأدمنت النظر فيها ورأى فيها عجائب اهـ. وفي طبقات ابن سعد؛ عن شريك بن خليفة قال: ورأيت عبد الله بن عمرو بن العاص يقرأ بالسريانية. وأخرج البخاري «1» عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال أجل. والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن، قال الشهاب الخفاجي؛ في شرح الشفا، على هذا الحديث: فإن قلت: عبد الله قرشي عربي فلا يناسب سؤاله عمّا في التوراة، والتوراة وغيرها من الكتب القديمة. قال الفقهاء: لا تجوز قراءته فما وجه هذا. قلت: إن عبد الله كان يقرأ ويكتب كما مر، وقال البرهان الحلبي في المقتفى: إنه كان يحفظ التوراة. وقد روى البزار أن عبد الله بن عمرو بن العاص رأى في المنام في إحدى يديه عسلا، وفي الآخرى سمنا وهو يلعقهما، فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: تقرأ الكتابين التوراة والقرآن، فكان يقرؤهما. وأما النهي عن قراءتها وإن صرح به الفقهاء، فليس على إطلاقه، لوقوعه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لكثير من الصحابة من غير إنكار، فهو مقيّد بمن لم يميز المنسوخ والمخرج منها، ويضيع وقته في الاشتغال بها، وأما غيره فلا يمنع منه، بل قد يطلب لإلزامهم بما أنكروه منها، كما في قصة الرجم اهـ انظر ص 189 ج 1 وما عزاه للبزار من رؤيا ابن العاص، خرّجه أحمد والبغوي من طريق واهب المعافري عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عزاه لهما أبو الحسن السندي أول مسند عبد الله بن عمرو بن العاص، من حاشيته على مسند أحمد. وصرح الحافظ ابن حجر بأن القول بجواز النظر في التوراة وكتابتها نسب لوهب بن منبه. قال: وهو من أعلم الناس بالتوراة اهـ. وفي ترجمة أبي الجلد الجوني من طبقات ابن سعد قال: كان أبو الجلد يقرأ القرآن في كل سبعة أيام، ويختم التوراة في ستة أيام يقرؤها نظرا، فإذا كان يوم ختمها حشد إلى ذلك ناس وكان يقول كان يقال: تنزل عند ختمها الرحمة انظر ص 161 ج 7.   (1) انظر كتاب البيوع باب: 50 ج 3/ 21. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 قلت: وبذلك تعلم ما حكاه الزركشي في التلقيح؛ من الإجماع على عدم جواز الاشتغال بكتابة التوراة والإنجيل ونظرها، قال: وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال: لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي، ولولا أنه معصية ما غضب منه اهـ. ونقل نحوه الشيخ زكرياء الأنصاري في شرحه على البخاري؛ عن الشمس البرماوي بلفظه: ولله در الحافظ ابن حجر فإنه اعترضه قائلا: الذي يظهر أن كراهية ذلك للتنزيه لا للتحريم، والأولى في هذه المسألة التفرقة بين من لم يتمكن ويصر من الراسخين في الإيمان، فلا يجوز له النظر في شيء من ذلك، بخلاف الراسخ؛ فيجوز له ولا سيما عند الاحتياج إلى الرد على المخالف، وقد فعل ذلك جمع من الأمة. ثم قال: وأما استدلاله للتحريم بما ورد من الغضب ودعوى أنه لو لم يكن معصية ما غضب فهو معترض بأنه يغضب من فعل المكروه، ومن فعل ما هو خلاف الأولى، إذا صدر ممن لا يليق به ذلك، كغضبه من تطويل معاذ صلاة الصبح بالقراءة، وقد يغضب ممن يقع منه تقصير في فهم الأمر الواضح، مثل الذي سأل عن لقطة الإبل اهـ. قال الشيخ زكرياء إثره: وهو أوجه اهـ بواسطة الفجر الساطع انظر آخر كتاب التوحيد، ونقل كلام الحافظ هذا أيضا الشهاب ابن حجر الهيثمي في فتاويه الفقهية ص 49 ج 1 قائلا: وما ذكره واضح لا محيد عنه، وكل ما ذكره الزركشي وغيره محمول على غير متمكن، أو متمكن لم يقصد بالنظر فيها مصلحة دينية، أو متمكن قصد ذلك فلا وجه لمنعه، ويأتي ما ذكر في التوراة والإنجيل اهـ. ومما يتفرع عن حكم قراءة الكتب القديمة النقل منها، وفي تكملة الديباج في ترجمة أبي العباس أحمد بن بقي، ومسألة النقل من التوراة والإنجيل هي إحدى المسائل الواقعة بين البرهان البقاعي والحافظ السخاوي، وألف كل منهما ردا على الآخر؛ البقاعي يجوزه والسخاوي يمنعه اهـ. قلت: سمي السخاوي كتابه الأصل الأصيل في تحريم النقل من التوراة والإنجيل انظره وفي ترجمة الإمام شرف الدين يحيى المناوي من طبقات حفيده [عبد الرؤوف المناوي] لدى ذكره نثره، ومنه ما كتبه في تقريظ على مناسبات القرآن للبقاعي، لما اعترضه جماعة من أهل عصره منهم السخاوي في نقله عن التوراة والإنجيل، وأفتى بعضهم بحرمة ذلك ووجوب غسل المناسبات لما تضمنته من ذلك، فكتب الشرف على الكتاب وكان أول من كتب بحسن صنيع البقاعي، ثم قال: ولا يقال قد استوضح في بعض المناسبات بما جاء في التوراة والإنجيل؛ لأنه اقتدى في ذلك بأئمة الإسلام أهل الأصول والتأصيل، كعبد الله بن عمرو في صفة سيد الأنام، وبعده الأئمة الأعلام، فتعين القول بالجواز على من اتّضح ذلك لديه، والمنع على من اشتبه ذلك عليه اهـ من الطبقات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 فائدة: في شرح المنهاج للشهاب ابن حجر الهيثمي صح أنه عليه السلام قام إلى التوراة اهـ ففيه القيام للكتب السماوية، وبالأخص القرآن الكريم. وانظر فتاوى ابن تيمية وشرح منظومة السفاريني في الآداب، والبرماوي على الغاية من كتب فقه الشافعية. قلت: كان هذا هو الأصل لما ذكره الشيخ عبد الغني النابلسي في كتاب الرد المتين على منتقص الشيخ محيي الدين من الأئمة الحنفية نقلوا أن الجنب يكره له قراءة التوراة، والزبور، والإنجيل، لأن الكل كلام الله، وما بدل منه بعض غير معين، وغير المبدل غالب فالاحتياط في التحرز عن المس، لأن غير المبدل واجب التعظيم، وإذا اجتمع المحرم والمباح غلبه المحرم. وفي المبتغى: لا يجوز يعني للجنب مسّ التوراة والزبور والإنجيل، والتفسير. كذا ذكره والدي في كتابه الأحكام اهـ منه ص 81 ج 1 ونحوه. نقل ابن عابدين في حواشي الدر عن شرح المنيني «1» . ومن هذا الباب في التوسعة ما في شرح الطريقة المحمدية للنابلسي أيضا ص 361 ج 2 من أن العلماء اختلفوا في رقية أهل الكتاب، فجوزها أبو بكر وكرهها مالك خوفا من أن يكون مما بدلوه، ومن جوزها قال: الظاهر أنهم لم يبدلوا الرقى فإنهم لا غرض لهم في ذلك، بخلاف غيرها مما بدلوه اهـ وفي الكافي للحافظ أبي عمر بن عبد البر ما نصه: وإذا رقى الذمي المسلم بكلمات الله وأسمائه جاز اهـ منه بلفظه. باب ذكر من قيل فيه أعلم الناس من نساء الصحابة ترجم الذهبي في تذكرة الحفاظ، عائشة فقال: من أكبر فقهاء الصحابة، كان فقهاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجعون إليها. تفقه بها جماعة. يروى عن قبيصة قال: عائشة أعلم الناس. يسألها أكابر الصحابة، وروى أبو بريدة عن أبيه: ما أشكل على أصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألوا عنه عائشة، إلا وجدوا عندها منه علما. قال الذهبي: كانت غزيرة العلم بحيث أن عروة كان يقول: ما رأيت أحدا أعلم بالطب منها، وقال علي بن مسهر، ثنا هشام عن أبيه قال: ما رأيت أحدا من الناس أعلم بالقرآن، ولا بفريضة، ولا بحلال، ولا بحرام، ولا بشعر، ولا بحديث العرب، والنسب من عائشة اهـ. وأخرج الحاكم عن عطاء قال: كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيا في العامة. وأخرج الحاكم عن الزهري قال: لو جمع علم الناس كلهم ثم علم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لكانت عائشة أوسعهم علما. وقال القاسم بن محمد: كانت عائشة استقلت بالفتيا في خلافة   (1) ينقل المؤلف كلاما غريبا حذفه أولى وهو حوالي 12 سطرا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 أبي بكر وعمر وعثمان، وهلم جرا، إلى أن ماتت وفي ظل الغمامة لأبي عبد الله الغافقي في حق عائشة: أروى الراوين وأفقه المفتين تنتجه من أبعد أرض، لعلم سنة وفرض، وتروي كل شعر للعرب محض وتقرب في تفسير وفصاحة لفظ، وتضرب في الطب بأوجه حظ، ثم نقل عن أبي الزناد: ما رأيت أحدا أروى لشعر من عروة، فقيل له: ما أرواك يا أبا عبد الله؟ فقال: ما روايته في رواية عائشة. ما كان ينزل بي شيئا إلا أنشدت فيه شعرا. وقال الزهري: لو جمع علم عائشة إلى علم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لكان علم عائشة أفضل. وأخرج ابن سعد في الطبقات: عن مسروق أنه قيل له: هل كانت عائشة تحسن الفرائض؟ فقال: أي والذي نفسي بيده، لقد رأيت مشيخة أصحاب محمد الأكابر يسألونها عن الفرائض، وقد جمع الحافظ أبو منصور عبد المحسن بن محمد بن علي البغدادي جزآ فيه استدراك عائشة على الصحابة، ذكره وساق إسناده إليه الحافظ أبو بكر بن خير الأشبيلي الأموي في معجمه ص 124. وفي مكتبتنا جزء للحافظ السيوطي في الموضوعات سماه: عين الإصابة في استدراك عائشة على الصحابة قال في طالعته [مقدمته] : هذا جزء لخصت فيه كتاب الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة، للإمام بدر الدين الزركشي، مع زيادة ما تيسر، وقد سبق الشيخ بدر الدين إلى التأليف في ذلك الأستاذ أبو منصور عبد المحسن بن محمد بن علي بن طاهر البغدادي، الفقيه المحدث المشهور فعمل في ذلك كتابا أورد فيه خمسة وعشرين حديثا بأسانيده عن شيوخه، ثم فصل السيوطي تأليفه المذكور على الأبواب هكذا: باب الطهارة، باب الصلاة، باب الجنائز، باب الصيام، باب الحج، باب النكاح، باب جامع وفي آخره قال: هذا ما أورده الزركشي، وقد حذفت فيما أورده أشياء، لأنها ليست من باب الاستدراك، وهذه زيادات لم يذكرها، ثم ساقها وقد جمع مسندات عائشة وأفردها بالتصنيف أبو بكر عبد الله بن أبي داود صاحب السنن، وأبو بكر أحمد بن علي المروزي، وأبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد وغيرهم، أنظر المسانيد من صلة الرداني. باب في ذكر من قيل فيه من نساء الصحابة: لو كان رجلا لصلح للخلافة في التعريف برجال مختصر ابن الحاجب، لابن عبد السلام: روي عن علي بن أبي طالب أنه قال: لو كانت امرأة تكون خليفة لكانت عائشة خليفة. باب ذكر أن من الصحابة مولى قال عمر: لو كان حيّا لاستخلفته في ترجمة سالم مولى أبي حذيفة، من الاستبصار، كان من فضلاء الموالي من خيار الصحابة وكبارهم، ومعدود في القرّاء. وكان عمر يفرط في الثناء عليه، وروي عنه أنه قال عند موته: لو كان سالم حيّا ما جعلتها شورى، وروي أن المهاجرين الأولين لما قدموا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 لقباء، كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة، وفيهم عمر بن الخطاب، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وكان أكثرهم قرآنا. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحمد لله الذي جعل في أمتي مثله. أنظر الاستبصار. باب من قيل فيه أفصح الناس وأفخمهم نطقا من الصحابة وأخرج الحاكم عن موسى بن طلحة قال: ما رأيت أحدا أفصح من عائشة، وأخرج الحاكم عن الأحنف قال: سمعت خطبة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والخلفاء، وهلم جرا فما سمعت الكلام من فم مخلوق أفخم ولا أحسن منه من في عائشة، ساقها السيوطي في عين الإصابة. باب ذكر من كان أعلم الناس بالمناسك من الصحابة ترجم الصلاح الصفدي في نكت الهميان، لعبد الله بن عمر فقال: كان لا يتخلف عن السرايا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كان بعد موته مولعا بالحج قبل الفتنة، وفي الفتنة يقال: إنه كان أعلم الصحابة بمناسك الحج [ص 183] . باب فيمن أفتى الناس ستين سنة من الصحابة في التعريف برجال مختصر ابن الحاجب: لما ترجم لعبد الله بن عمر بن الخطاب أنه أفتى في الإسلام ستين سنة وقال مولاه نافع: ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان. باب من كان يطلق عليه الحبر وهو العالم في الزمن النبوي تقدم إطلاق ذلك على ابن عباس، وأخرج الحاكم وتعقب عن ابن عمر رفعه: أن حبر هذه الأمة لعبد الله بن عباس، وذكر أبو علي محمد بن علي بن معلى السبتي، في منسكه؛ أنه جاء في رواية قوله عليه السلام للأنصار، لما ورد عليهم سعد، قوموا إلى حبركم اهـ ونقل السيد السمهودي في الوفا عن الواقدي: كان مخيريق أحد بني النضير حبرا عالما فامن بالنبي صلى الله عليه وسلم. وجعل ماله وهو سبع حوائط لرسول الله صلى الله عليه وسلم. باب أمره عليه السلام الصحابة بالقيام إلى العالم منهم وأخذ ركابه في منسك ابن معلى السبتي، حين تكلم على مسألة القيام للداخل، وساق حديث سعد، وقوله عليه السلام للصحابة: قوموا إلى سيدكم، أو إلى حبركم. ما نصه: فالحبر العالم، فإن كانت هذه اللفظة محفوظة فهي نص في القيام للعالم، وهكذا روينا هذه اللفظة في السنن، من طريق اللؤلؤي بالحاء غير المعجمة، اهـ. وللإمام النووي كتاب: الترخيص في الإكرام بالقيام لذوي الفضل والمزية في الإسلام، على جهة البر والتوقير والاحترام، لا على الرياء والإعظام. وقد طبع قريبا، وقد باحثه فيه ابن الحاج في المدخل، وانتصر للنووي الشهاب ابن حجر الهيثمي بمؤلف خاص. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 باب من كان من الصحابة يقبل تلاميذه يده عن جميلة أم ولد أنس بن مالك قالت: كان ثابت إذا أتى أنسا قال: (أي أنس) يا جارية: هات لي طيبا أمسح يدي، فإن ثابتا لا يرضى حتى يقبّل يدي، رواه أبو يعلى ورجاله موثقون، قاله السيد السمهودي في جواهر العقدين. باب من قبّل من الصحابة يد تلميذه لكونه من أهل البيت أخرج ابن عساكر، عن عمار بن أبي عمار أن زيد بن ثابت، ركب يوما فأخذ ابن عباس بركابه فقال، تنح يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا، فقال زيد: أرني يدك فأخرج يده فقبّلها. وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا. أورده في مناقب زيد من كنز العمال بهذا اللفظ وأورد أيضا عن ابن النجار: أنه أخرج عن ابن عباس أنه أخذ بركاب زيد بن ثابت، ثم قال: أمرنا أن نأخذ بركاب معلمينا وذوي أسناننا. قال شيخ بعض شيوخنا، محدث الحجاز ومسنده الشيخ محمد عابد السندي في رسالته، في تقبيل اليد: قول زيد هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا، يؤخذ منه أن تقبيل يد ذي الشرف مأمور به من النبي صلى الله عليه وسلم، لأن قول الصحابي أمرنا له حكم الرفع؛ إذ ليس له آمر غير النبي صلى الله عليه وسلم. كما حققه ابن الصلاح والحافظ ابن حجر، وكلما كان مأمورا به من النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يفعله كان آثما، فكل من لم يقبل يد ذي شرف، كان آثما مخالفا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: قال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [النور: 63] فإذا كانت هذه الحالة لمن لم يقبل، فما ظنك بمن أنكر التقبيل رأسا، كان إثمه أكثر، ووزره أوفر اهـ. وقد أفرد الحافظ أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقري جزآ في تقبيل اليد وما ورد فيه، ولي رسالة أفردتها فيمن قبّل يد النبي صلى الله عليه وسلم، وللشيخ محمد عابد السندي الأنصاري في الباب رسالة نفيسة وهي عندي. باب صحابي قال فيه عمر: حق على كل مسلم أن يقبل رأسه أخرج البيهقي في الشعب، وابن عساكر عن أبي رافع قال: وجّه عمر بن الخطاب جيشا إلى الروم، وفيهم رجل يقال له عبد الله بن حذافة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأسره القوم فذهبوا به إلى ملكهم فقالوا له: إن هذا من أصحاب محمد، فقال له الطاغية: هل لك أن تنتصر وأشركك في ملكي وسلطاني، فقال له عبد الله: ولو أعطيتني جميع ما تملك، وجميع ما ملكته العرب، على أن أرجع عن دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما فعلت، قال: إذا أقتلك. قال: أنت وذاك. فأمر به فصلب، وقال للرماة: ارموه قريبا من يديه، قريبا من رجليه، وهو يعرض عليه، وهو يأبى، ثم أمر به فأنزل، ثم دعا بقدر فصبّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 فيه ماء حتى احترقت، ثم أمر بأسيرين من المسلمين فأمر بأحدهما فألقي فيها وهو يعرض عليه النصرانية، وهو يأبى ثم أمر به أن يلقى فيها فلما ذهب به بكى: فقيل له إنه قد بكى، فظن أنه فزع، فقال: ردّوه فعرض عليه النصرانية فأبى. فقال: ما أبكاك إذن؟ قال: أبكاني أني قلت في نفسي: الساعة تلقى في هذه القدر فتذهب، فكنت أشتهي أن يكون بعدد كل شعرة في جسدي نفس تلقى في الله، قال له الطاغية: هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك، قال له عبد الله: وعن جميع أسارى المسلمين؟ قال: وعن جميع أسارى المسلمين. قال عبد الله: فقلت في نفسي: عدو من أعداء الله أقبل رأسه يخلي عني وعن جميع أسارى المسلمين، لا أبالي فدنا منه فقبّل رأسه، فدفع إليه الأسارى فقدم بهم عمر، فأخبر عمر بخبره فقال عمر: حقّ على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة وأنا أبدأ، قام عمر فقبّل رأسه. هكذا أورد هذه القصة ابن الهندي في مناقب عبد الله بن حذافة المذكور ص 62 ج 7 من كنز العمال وأوردها الحافظ في ترجمته من الإصابة، وذكر أن البيهقي أخرجها من طريق ضرار بن عمرو عن أبي رافع وأخرج ابن عساكر هذه القصة شاهدا من حديث ابن عباس موصولا وآخر من فوائد هشام بن عثمان، من مرسل الزهري فأنظرهما. باب صحابي قال فيه عمر: لا يستطيع أحد أن يقول أنا خير منه ترجم النووي في التهذيب سيدنا عويم بن ساعدة الأنصاري الصحابي، فقال: توفي في خلافة عمر، ووقف عمر على قبره، وقال: لا يستطيع أحد أن يقول: أنا خير من صاحب هذا القبر، ما نصبت راية لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وعويم تحت ظلها رضي الله عنه. باب صحابي قدم المدينة في خلافة عمر فأمر عمر الناس أن يخرجوا معه للقائه أخرج ابن سعد عن رجل من بني عامر، عن خالد له أن سلمان لما قدم على عمر قال للناس: أخرجوا بنا نتلقى سلمان. أورده ابن الهندي في الكنز في ترجمته، من فضائل الصحابة، وهو في طبقات ابن سعد ص 61 ج 4، وهذا يدل على أمر عظيم كانوا يرونه لسلمان رضي الله عنه. باب الصحابة الطلس ومن استخلف منهم ترجم في درّ السحابة لعبد الله بن الزبير بن العوام؛ فوصفه بأمير المؤمنين وقال عنه: كان فصيحا ذا لسانة وشجاعة، وكان أطلس لا لحية له، وذكر أبو عمر بن عبد البر، وابن قدامة في الاستبصار، عن الزبير بن بكار أنّ قيس بن سعد بن عبادة وعبد الله بن الزبير وشريحا القاضي لم يكن في وجوهم شعر، ولا شيء من اللحية اهـ ويجمعهم للحفظ هذا البيت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 قيس بن سعد ما بوجهه شعر ... كابن الزبير وشريح بن الأغز وذكر مؤلف سنن المهتدي في أوله عن الدميري وغيره: الثلاثة وزاد الأحنف بن قيس. فالسادات الطلس إذا أربعة ولكن الصحابة منهم ثلاثة. وفي الاستبصار لابن قدامة أنّ الأنصار كانت تقول: لوددنا أن نشتري لقيس بن سعد لحية بأموالنا، وكان مع ذلك جميلا رحمه الله. باب في الخصي نقل المنجور في شرح المنهج عن ابن رشد: أنّ أوّل من استخدم الخصيان في الإسلام معاوية، وجدت ذلك في البيان والتحصيل بلفظ: قيل إن معاوية هو أول من اتخذ المقاصير في الجوامع، وأول من أقام على نفسه حرسا، وأول من قيدت بين يديه النجائب، وأول من اتخذ الخصيان في الإسلام، وأول من بلغ درجات المنبر خمس عشرة مرقاة اهـ من جامعه. وفي تحفة المحبين والأحباب، فيما للمذنبين من الأنساب، لدى كلامه على الأغوات من حرف الألف: أول من استخدم الخصيان في الإسلام معاوية، وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خادما خصيا والله أعلم، أن خصاه كان خلقيا، وقد صرح الجمهور من العلماء بكراهته، وأحكامهم مذكورة في كتب الفقه، وقد حررها العلامة عبد القادر الطبري المكي، في كتابه نشأة السلافة في شأن الخلافة، وأطال فيهم المقال: أنظره، فإنه كتاب مفيد جدا، وأول من استخدمهم في المسجد النبوي، والمسجد المكي بالحرمين الشريفين صلاح الدين الأيوبي اهـ. ثم نقل الكلام على أصل استخدامهم من رسالة تحفة المحبين للمحبوب، في تنزيه مسجد الرسول من كل خصي ومحبوب للعلامة جمال الدين القطان، ومن التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة للحافظ السخاوي فانظر كلامهم في التحفة وقد وقفت على رسالة للحافظ السيوطي، سماها آكام العقيان في أحكام الخصيان، والتوصية بهم، عقد فيها فصلا قال فيه: ذكر الصحابة منهم، وترجم لمأبور، وسندر مولى زنباع الجذامي، وذكر في ترجمة الأخير أنه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: أوص بي فقال: أوصي بك كل مسلم، ثم جاء إلى أبي بكر فعاله حتى مات، ثم لقي عمر فقال إن شئت أن تقيم عندي أجريت عليك مالا فانظر إلى أي المواضع أحب إليك لأكتب لك، فاختار مصر فلما قدم على عمرو بن العاص أقطعه أرضا واسعة، ودارا. وعمّر سندر إلى زمن عبد الملك بن مروان، وذكره محمد بن الربيع الجيزي في كتاب الصحابة الذين دخلوا مصر، وأن لأهل مصر عن سندر حديثين اهـ. باب المخنث الخناثة اللين والتكسر، قال في المصباح: زاد بعضهم، ولا يشتهي النساء. وقال الحافظ: هو من يشبه خلقة النساء في حركاته وكلامه اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 وفي صحيح البخاري «1» في كتاب النكاح باب ما ينهى من دخول المشتبهين بالنساء على المرأة، ثم أخرج عن أم سلمة أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان عندها وفي البيت مخنّث فقال المخنث لأخي أم سلمة عبد الله بن أبي أميمة: إن فتح الله لكم الطائف غدا أدلك على ابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: لا يدخلن هذا عليكم. قال الحافظ في الفتح: تقدم في غزوة الطائف أن اسمه هيث وأن ابن عيينة ذكره عن ابن جريج بغير إسناد، وذكر ابن حبيب في الواضحة عن حبيب كاتب مالك قال: قلت لمالك أن سفيان بن عيينة زاد في حديث ابنة غيلان أن المخنث هيث، وليس في كتابك هيث فقال: صدق هو كذلك. وأخرج الجرجاني في تاريخه؛ من طريق الزهري، عن علي بن الحسين بن علي قال: كان مخنث يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: هيث. وأخرج أبو يعلى وأبو عوانة وابن خبان كلهم من طريق يونس عن الزهري، عن عروة عن عائشة أن هيثا كان يدخل. الحديث. ورواه المستغفري من مرسل محمد بن المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى هيثا في كلمتين تكلم بهما من أمر النساء. وذكر ابن إسحاق في حديث البائع أن اسم المخنث مانع. وهو بمثناة، وقيل: بنون. فروى عن محمد بن إبراهيم التميمي قال: كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الطائف مولى لخالته، فاختة بنت عمرو بن عابد، مخنث يقال له مانع يدخل على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون في بيته لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطن لشيء من أمر النساء، مما يفطن له الرجال، ولا أن له إربة في ذلك، فسمعه يقول لخالد بن الوليد: يا خالد إن فتحتم الطائف فلا تفلتن منك بادية بنت غيلان بن سلمة، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع ذلك منه: لا أرى هذا الخبيث يفطن لما سمع. ثم قال لنسائه: لا تدخلن هذا عليكنّ فحجب عن بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحكى أبو موسى المديني في كون مانع لقب هيث أو بالعكس، أو أنهما اثنان خلاف. وجزم الواقدي بالتعدد قال: كان هيث مولى عبد الله بن أبي أمية، وكان مانع مولى فاختة، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم نفاهما معا إلى الحمى. قال الحافظ: ويستفاد منه حجب النساء عمن يفطن لمحاسنهن، وهذا الحديث أصل في إبعاد من يستراب به في أمر من الأمور. وفي الحديث أيضا تعزير من يتشبه بالنساء، بالإخراج من البيوت والنفي، إذا تعيّن ذلك طريقا ليردعه. وظاهر الأمر وجوب ذلك؛ وتشبّه النساء بالرجال والرجال بالنساء من قاصد مختار حرام اتفاقا، وسيأتي لعن من فعل ذلك في كتاب اللباس اهـ.   (1) انظره ج 6/ 159. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 وبوّب البخاري «1» في كتاب الحدود بقوله: باب نفي أهل المعاصي والمخنثين، ثم خرّج عن ابن عباس: لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، وقال: أخرجوهم من بيوتكم: وأخرج عمر فلانا. وفي الشرح الجلي على بيتي الموصلي: كان في المدينة على عهده صلى الله عليه وسلم ثلاثة من المخنثين وهم؛ هيث وهرم، ومانع، فنفى النبي صلى الله عليه وسلم منهم هيثا إلى خاخ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يظنه أنه من غير أولي الإربة من الرجال، لما يرى فيه من التكسر ولين الكلام، فكان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصف جارية من العرب، فسمعه يقول في وصفها: أنها إذا قامت تثنت، وإذا قعدت تبثت، وبين فخديها شيء مخبوء، كأنه الإناء المكفوء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما كنت أحسب هذا الخبيث يحسن هذا الكلام أو كما قال. ونفاه إلى خاخ. وأما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فكان بالمدينة ستة من المخنثين اهـ انظر ص 231. وقال الحافظ في ترجمة أنجشة من الإصابة: وقع في حديث واثلة ابن الأسقع أن أنجشة كان من المخنثين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخرج الطبراني بسند فيه لين عن واثلة قال: لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين، وقال: أخرجوهم من بيوتكم، وأخرج النبي صلى الله عليه وسلم أنجشة، وأخرج عمر فلانا. وترجم في الإصابة أيضا لأنة فنقل عن البارودي؛ أنه أخرج من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن حفص، قال: قالت عائشة لمخنث كان بالمدينة يقال له أنة: ألا تدلنا على امرأة نخطبها على عبد الرحمن بن أبي بكر؟ قال: بلى فوصف امرأة إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان، فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أنة أخرج من المدينة إلى حمراء الأسد فليكن بها منزلك، ولا تدخلن المدينة، إلا أن يكون للناس عيد. ورمز له بالزاي. وعجبا لأبي زيد العراقي؛ فإنه اختصر هذه الترجمة بقوله: إنه المخنث ذكره اهـ إلا أنه ضبط إنة بالكسر والتشديد وهو غلط منه رحمه الله. وفي التجريد للذهبي أنه المخنث. قال السهيلي: المخنثون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: هيث وهرم ومانع اهـ. وترجم في الإصابة أيضا هيث في حرف الهاء فقال: هيث المخنث الذي كان يدخل على النساء، قيل: اسمه مانع، وأشار له بالسين وهي إشارة إلى تخريج أبي موسى المديني له، وترجم أيضا لمانع المخنث مولى فاختة بنت عمرو بن عابد، بن عمران بن مخزوم، فذكر أنه كان هو وهيث في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قال لعائشة لما سمعها تطلب امرأة تخطبها لعبد الرحمن ابن أبي بكر أخيها: عليك بفلانة فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم، فنفاه إلى حمراء الأسد فبقي إلى خلافة أبي بكر وخلافة عمر. وذكر ابن وهب في جامعه عن الحرث بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ذيب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن مخنثين كانا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يقال لأحدهما: هيث وللآخر   (1) انظر ج 8/ 28. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 مانع، فهلك مانع وبقي هيث بعده. قال ابن وهب: وحدثني من سمع أبا معشر يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به فضرب. الحديث. تنبيه: قال الحافظ أبو محمد بن حزم في الإحكام في أصول الأحكام: الصحابي كلّ من جالس النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة، وسمع منه ولو كلمة فما فوقها، أو شاهد منه عليه السلام أمرا يعيه، ولم يكن من المنافقين الذين اتصل نفاقهم، واشتهر حتى ماتوا على ذلك، ولا مثل من نفاه عليه السلام باستحقاقه؛ كهيث المخنث، ومن جرى مجراه، فمن كان كما وصفنا فهو صاحب، وكلهم عدل إمام فاضل رضى مرضي، علينا توقيرهم وتعظيمهم وأن نستغفر لهم ونحبهم، وثمرة يتصدق بها أحدهم أفضل من صدقة أحدنا بما يملك، وجلسة من الواحد منهم مع النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من عبادة أحدنا دهره كلّه. اهـ ص 19 ج 5. باب في المجبوب ترجم في الإصابة لمأبور القبطي الخصي، قريب مارية القبطية أم ولد النبي صلى الله عليه وسلم، قدم معها من مصر، فنقل عن الطبري أنه رضي لمكانته منها، أن يجب نفسه، فقطع ما بين رجليه، حتى لم يبق قليل ولا كثير. الحديث قال الشيخ الطيب في شرح الألفية: لا منافاة بين كونه أهداه خصيا وكونه جبّ نفسه لاحتمال أنه أهداه فاقد الخصيتين، مع بقاء الذكر، وهو الذي قطع. وترجم في الإصابة لأبي مريم الخصي فقال: له إدراك، ذكره ابن منده. وأخرج من طريق الأوزاعي عن سليمان بن موسى قال: قلت لطاووس: إن أبا مريم الخصي أخبرني، وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أحلني على غير خصي ونحوه في أسد الغابة، وقال أخرجه ابن منده وأبو نعيم اهـ وفي نور النبراس: لا أعلم في الصحابة خصيا إلا هذا مأبور، وآخر يقال له سندر، باب هل كان السلف يحتفظون بالآثار القديمة تغالي معاوية في بردة كعب معروف، واحتفاظ خالد وأبي زمعه وغيرهما بشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم منقول ومعروف، ومحافظة أم أنس على عرق رسول الله لا يخفى، وفي العتبية: مالك سئل عن نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رآها كيف كان حدوها؟ قال: رأيتها إلى التدوير ما هي، وبحصرها في مؤخرها، وهي معقبة من خلفها، قلت: أكان لها زمامان؟ قال: ذلك الذي أظن، وكانت عند آل أبي ربيعة المخزوميين من قبل أم كلثوم أمهم، وسمعت مالكا يذكر أن عند عبد الرحمن بن عبد العزيز فراش من شعر، وجرس لحفصة. فقلت له: ما قصة الجرس قال: لا أدري. قال ابن رشد في البيان والتحصيل الأجراس كانت تعلق في أعناق الإبل لتعرف مواضعها بأصواتها إن شذّت أو ضلت، ومعنى السؤال في هذه الحكاية عن قصة الجرس إنما هو لم كانوا يحبونه ويرفعونه، وقد جاء النهي عن استعماله فلم يجب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 على سؤاله، والجواب: فيه أن استعماله وإن كان لا يجوز ففي حبسه منفعة وهو أنه يذكر العهد القديم، ويترحم من أجله على من قد مات من السلف الكريم اهـ منه. باب [في حديث ابن أبي هالة] جعلته خاتمة الأبواب وزبدة الكتاب في حديث ابن أبي هالة الذي هو أجمع حديث عندي في صفاته عليه السلام الخلقية والخلقية. وبتتبعه لا يستغرب أحد أن يربي صاحب تلك الأحوال، والتراتيب والأخلاق رجالا يصلحون لإرشاد الخليقة، والقيام بسياسة الكون، وتأسيس دول في مشارق الأرض ومغاربها. أخبرنا عاليا القاضي المسند المعمر نصر الله بن عبد القادر الخطيب الدمشقي سماعا عليه بدمشق، عن عمر بن مصطفى الآمدي، أنا مصطفى الرحمتي الأيوبي، عن العارف عبد الغني بن إسماعيل النابلسي، أنا نجم الدين بن بدر الدين الغزي، عن أبيه قال أنا شيخ الإسلام زكرياء الأنصاري، أخبرنا العز بن الفرات، عن إبراهيم التنوخي أخبرنا الدلاصي، عن ابن تاميتت، أخبرنا ابن الصائغ، عن أبي عمرو بن التوزري، عن أبي محمد بن برطلة، عن أبي الحسين الغافقي، أخبرنا القاضي أبو الفضل عياض، قال حدثنا القاضي أبو علي الحسين بن محمد الحافظ رحمه الله، بقراءتي عليه سنة ثمان وخمسمائة قال أنا أبو القاسم عبد الله بن طاهر التميمي قرأت عليه، أخبركم الفقيه الأديب أبو بكر محمد بن عبد الله ابن الحسن النيسابوري، والشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الحسن المحمدي والقاضي أبو علي الحسن بن علي بن جعفر الوخشي، قالوا: أنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن الحسن الخزاعي، قالوا أخبرنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاسي، قال أخبرنا أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الحافظ، قال أنا سفيان بن وكيع، أنا جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي، إملاء من كتابه قال: حدثني رجل من بني تميم من ولد أبي هالة زوج خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، يكنى أبا عبد الله ابن لأبي هالة، عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سألت خالي هند بن أبي هالة، عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان وصّافا، وأنا أرجوا أن يصف لي منها شيئا أتعلق به قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر، إن إنفرقت عقيقته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه، إذا هو وفّره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزجّ الحواجب، سوابغ من غير قرن، بينهما عرق يدرّه الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، ويحسبه من لم يتأمله أشم، كثّ اللحية، أدعج سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب مفلّج الأسنان، دقيق المسربة، كأنّ عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادنا متماسكا سواء البطن والصدر بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 والسرة بشعر، يجري كالخط، عاري الثديين مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، شثن الكفين والقدمين وسائر الأطراف، سبط العصب. ورواه ابن الأنباري: سبط القصب وهو شبه خمصان الأخمصين، مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال تقلعا، ويخطو تكفؤا، ويمشي هونا، ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا إلتفت إلتفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه ويبدأ من لقيه بالسلام. قلت: صف لي منطقه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان دائم الفكرة، ليست له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم، فصلا لا فضول فيه، ولا تقصير، ليس بالجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم شيئا، لم يكن يذم ذواقا، ولا يمدحه، ولا يقام لغضبه إذا تعرض للحق بشيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجّب قلبها، وإذا تحدث إتصل بها يضرب براحته اليمنى بطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفترّ عن مثل حبّ الغمام. قال الحسن: فكتمها الحسين بن علي زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه فسأل أباه عن مدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومخرجه، ومجلسه، وشكله، فلم يدع منه شيئا. قال الحسين رضي الله عنه: سألت أبي عليه السلام عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء، جزء لله وجزؤ لأهله، وجزؤ لنفسه، ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة بالخاصة، ولا يدّخر عنهم شيئا، فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه، قسمته على قدر فضلهم في الدين، منهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته عنهم، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: ليبلغ الشاهد الغائب منكم، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنه إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره. يدخلون أو إذا قال في حديث سفيان بن وكيع ولا يفترقون إلا عن ذواق، يخرجون أذلة يعني فقهاء. قلت: فأخبرني عن مخرجه، كيف كان يصنع فيه؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا فيما يعنيهم، ويؤلفهم، ولا يفرقهم، يكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره، ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويصونه، ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر، غير مختلف، لا يغافل مخافة أن يغافلوا، أو يملوا، لكل حال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 عنده عتاد، لا يقصر عن الحق، لا يجاوز إلى غيره، الذين يلونه من الناس خيارهم، وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة، وموازرة. فسألته عن مجلسه عما كان يصنع فيه؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، ويوطيء الأماكن وينهى عن إيطائها، وإذا إنتهى إلى القوم يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك ويعطي كل جلسائه نصيبه، حتى لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قام منه لحاجة سايره حتى يكون هو المنصرف عنه، من سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق متقاربين، متفاضلين فيه بالتقوى وفي الرواية الآخرى وصاروا عنده في الحق سواء مجلسه مجلس حلم وحياء، وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا توبن [كذا] فيه الحرم، ولا تتنى [كذا] فلتاته، يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون الصغير، ويرفدون ذا الحاجة، ويرحمون الغريب. فسألته عن سيرته صلى الله عليه وسلم في جلسائه فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر سهل الخلق، ليّن الجانب، ليس بفظّ ولا غليظ، ولا سخّاب ولا فحّاش، ولا عيّاب، ولا مزّاح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤيس منه، قد ترك نفسه من ثلاث: الرياء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا، ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه، كأنما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في المنطق، ويقول: إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها، فأرفدوه، ولا يطلب الثناء إلا من مكافيء، ولا يقطع على أحد حديثه، حتى يتجاوزه فيقطعه بإنتهاء، أو قيام هنا انتهى حديث سفيان بن وكيع. وزاد الآخر: قلت: كيف كان سكوته صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان سكوته على أربع: على الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكر، فأما تقديره ففي تسوية النظر، والإستماع من الناس، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم والصبر صلى الله عليه وسلم، فكان لا يغضبه شيء يستفزه، وجمع له في الحذر أربع: أخذه بالحسن ليقتدى به، وتركه القبيح لينهي عنه، وإجتهاد الرأي بما أصلح أمته، والقيام لهم بما جمع لهم من أمر الدنيا والآخرة. قال القاضي أبو بكر ابن العربي في القواصم والعواصم ومنها نقلت: أخبرني أبو القاسم بن المنفوخ بزقاق القناديل، أنه سمع من رضوان الفيلسوف يقول: حين قرأت عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 صفة النبي صلى الله عليه وسلم في حديث هند وغيره: هذه الصفات لا تكون إلا لنبي، ولا يحتاج في الدلالة معها إلى غيرها وإن اعتدال الخلقة يدل على اعتدال الخلق، وإنها جبلة صدرت عن النور الساطع، والحق الذي ليس عنده باطل، وأنه لم يلق في طريقه ظلمة، ولا آفة، حتى خلص إلى الوجود على نهاية الكمال في الصنع، ثم استفسره خاتما كلامه بقوله: من نظر إلى كلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وما أبان من المعاني، وأوضح من المقاصد وأخبر عنه من الكائنات، ونظم من الترتيب، وقرر من التدريب، ودخول جميع المعاني من جميع الخلق أفعالا وأقوالا تحت ذلك النظام، علم قطعا أنه أمر يفوت طوق البشر، وأنه لا يحصيه فيهم إلا موجدهم، ولا يرأبه لهم إلا عالمهم وخالقهم، وهذه غاية في العصمة والحمد لله والمنة اهـ ملخصا. خاتمة وهنا عنّ لنا الإختتام وإيقاف القلم المسكين للإستراحة، موقف الإتمام معتذرا للسامع في الإقتصار على هذا القدر، من أحوال ذلك العصر النبوي الزاهر، بأن هذا ما أمكن الآن جمعه وعرضه، لا أن هذا غاية ما كان رائجا في ذلك الدور، من الصناعات والتجارات، والعمالات، والعلوم، لا، لا، فإن الواصل إلينا العلم به أدون مما كان موجودا بمراحل كثيرة، وبينهما فراغ متسع، لأن المقطوع به أنه ليس كل ما كان موجودا في ذلك الزمان في كل باب وصلنا العلم به التفصيلي التام الآن، ولا غيرنا ممن قبلنا وذلك لأسباب: الأول أن أهل القرن الأول لم يكن لهم إعتناء تام كاف بالتدوين إكتفاء بالقرآن، وخشية أن يختلط به غيره، فلما أمن الناس ذلك في القرن الثاني، أقبلوا على التدوين في بعض الأبواب، على حسب الآكد بالنسبة لأدوار وأحوال ذلك الجيل لما رأوا إذا ذاك الحاجة ماسة إلى تدوينه بحيث لم يهتبلوا بتدوين ما كان من هذا النمط، ولو دونوا فيه لكان نهاية العبر وآية الإعجاز، بحيث ما تقف عليه الآن في هذه الأبواب إنما نقيمه ونستخرجه من خلال ذكر الغزوات والقضايا والواقعات، لا أنهم كانوا يقصدون الأخبار بهذا النوع بعينه، ولله در من قال: إن المدنية الإسلامية التي طبّقت شهرتها الآفاق، كادت تكون مع قرب عهدها، وبقاء آثارها، وآثار أهلها إلى الآن أشبه في الغموض بمدنية الأمم البائدة، التي ينقب الباحثون في تاريخها، عن دفائنها الأرضية، وآثارها العافية، ليقفوا على تاريخها الغابر اهـ. وقال أيضا: أين هو لعمر أبيك التاريخ الذي يفصّل لنا أخبار السلف، التي تتعلق بمدنيتهم الغابرة، وأصول معيشتهم، وصنائعهم، وعوائدهم، وأزيائهم، وأصول حكومتهم، المتعلقة بالإدارة، والقضاء والسياسة، والجندية والتعليم، والمدارس، والمصانع، وغير ذلك مما يتعلق بترقي هذه الأمة وحالتها الإجتماعية. الثاني: أن غالب مصنفات من تقدم في الأثر والسير إنعدمت اليوم أو كادت، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 والموجود منها غير كاف لأنّ أكثر ما كان جمع وصنف أحرق أثناء الغارات، وقد ضاع من ذلك في وقعة التتر ما لم يذكر التاريخ أفظع منه، ألقي في نهر الدجلة حتى وقف عن الجريان، وأسودّ ماؤه بكثرة مداد ألقي فيه من الكتب الإسلامية، بل قد وجدت الشكاية بإندثار أكثر كتب السلف قبل وقعة التتر، وذلك من الحافظ ابن الجوزي في كتاب صيد الخاطر قال: كانت همم القدماء عالية، تدل عليها تصانيفهم، التي هي زبدة أعمارهم، إلا أنّ أكثر التصانيف إندثرت، لأنّ همم الطلاب ضعفت، فصاروا يطلبون المختصرات، ولا ينشطون للمطوّلات. ثم اقتصروا على ما يدرسون به من بعضها، فاندثرت الكتب، ولم تنسخ. ويذكر التاريخ العربي عن مدينة قرطبة بالأندلس، أنها كانت أكثر بلاد الله كتبا، وأن مسيحي إسبانيا لما استولوا على قرطبة أحرقوا كل ما طالت إليه أيديهم، من مصنفات المسلمين، وعددها مليون وخمسون ألف مجلد، وجعلوها زينة وشعلة في يوم واحد، ثم رجعوا على تسعين مكتبة في الأندلس، وصاروا يتلفون كلّ ما عثروا عليه في كل إقليم، من مؤلفات العرب ذكر ذلك (موندي) في تاريخه اهـ. وقال أحد مؤرخيهم (ويلس) : إن ما أحرقه الإسبان من كتب الأندلس، ألف ألف وخمسة آلاف مجلد، وقال في وفيات الأسلاف إن أسقف طليطلة أحرق من الكتب الإسلامية العالية ما ينيف على ثمانين ألاف كتاب، وأنّ الإفرنج لما تغلبوا على غرناطة أحرقوا من الكتب النفيسة، ما تتجاوز ألف ألف، وأنهم قبضوا على ثلاث سفن قاصدة مراكش، تقلّ ما عزّ على المسلمين أن يخلّفوه وراءهم، فألقوها في قصر الإسكوريال، ثم لعبت بها النيران، وبقيت منها بقية رتّب فهرستها أحد مسيحي سورية، وجعلوها إلى اليوم مكتبة ينتابها علماء الأرض. وكان بقي منها على عهد من رتبها 1851 سفرا. ورأيت بعض برنامجها أسماء الكتب العربي فيما قرب بقلم محمد محمود الشنقيطي، الشهير لما توجه إليها أيام السلطان عبد الحميد، فإذا هو تافه جدا بالنسبة للمظنون، أما بالنسبة لما كان بالمكاتب الأندلسية فلا نسبة. فقد ذكر صاحب الوافي في المسألة الشرقية أنه كان بمكتبة قرطبة وحدها على عهد الإسلام ستمائة ألف مجلد، من الكتب المختارة اهـ منه ص 172. قال المرجاني بعد ذكر بعض ما ذكر في وفيات الأسلاف: وبالجملة فلم يبق من آثار علماء الإسلام إلا النادر الأقل [من] القليل اهـ منه ص 325. وقال بعض المؤرخين المصريين: إن الباقي من الكتب التي ألفها المسلمون ليس إلا نقطة من بحر، مما أحرقه الصليبيون، والتتر، والأسبان، اهـ. ولذلك قلت قديما: إن آثار الأسلاف أتى عليها ناهبان قويان، جيش الإنسان وجيش الحيوان، وقد جاء في تاريخ الوافي في المسألة الشرقية ص 171 أن من مكتبة فاس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 والعراق اغتنت مكاتب أوروبا فانظر كلامه فإن جادت اليوم أوروبا علينا بنقل شيء من مكاتبها، أو نشره استفدنا، وإلا بقيت تلك الكنوز مكنوزة، وفي مكاتبهم المحاطة بدواليب الماء، والمطافي خشية الإحتراق، وبالعسس الليلية والنهارية مصونة. ولما ذكر أبو محمد عبد الله التيجاني في رحلته: أنه كان بخزانة أبي زكرياء الحفصي بتونس ثلاثون ألف مجلد، فنقصت إلى أن صارت سنة الاف، قال: حكي ذلك إلى الحسن بن معمر الهواري الطرابلسي، قاضي باحة، وكان من خواص السلطان المذكور، ومن علماء دولته، وسئل عن السبب فقال: المطر وأيدي البشر اه وعلّل ذلك بعض شيوخنا الجزائرين فقال: توالي البطالات والسكون إلى الراحات. وأين الموجود الآن من أسماء الكتب، مما ذكره الشيخ مسعود جموع في كتابه: منهاج رسم القرآن في شرح مورد الظمان، حسبما نقلته من خط تلميذه ابن عاشر الحافي السلوي في كناشه، نقلا عن شرح العقيلة قال: صنف المصنفون من هذه الأمة كتبا ما لها عدد في كل فن، ثم نقل عمن رأى بغرناطة عند بعض الطلبة كتابا كبيرا ضخما في القالب الكبير، وعلى ظهر الكتاب مكتوب السفر السادس والخمسون من أسماء الكتب، ولم يدر ما بقي معه، وليس في هذا السفر إلا إسم الكتاب وإسم مؤلفه، وبلده ووفاته، خاصة فانظر كم تضمنت هذه الأسفار من أسماء أجزاء الكتب اهـ. وقد ذكر القاضي ابن خلكان في ترجمة الصاحب بن عباد أنه كتب إليه نوح بن منصور أحد ملوك بخارى يستدعيه ليفوض إليه وزارته، فكان من اعتذاره أنه قال له: إنه يحتاج لنقل كتبه خاصة أربعمائة جمل اهـ وابن عباد المذكور من أهل المائة الرابعة توفي في صفر سنة 385، وإذا كان هذا ما يملكه رجل واحد في قطر واحد، فما بالك بمن عداه من الرجال المنتشرين في الأقطار والأمصار، وإذا كان هذا ما بلغت إليه صنعة التأليف عند المسلمين في نحو ثلاثمائة سنة في علم واحد، فانظر ما بلغوه بعد. قال الحافظ السيوطي في المزهر عقب حكاية الصاحب ابن عباد المذكور: قد ذهبت جلّ كتبه في اللغة في الفتنة الكائنة بين التتر وغيرهم، بحيث أن الكتب الموجودة الآن في اللغة، من تصانيف المتقدمين والمتأخرين، لا يجيء حمل جمل واحد اهـ بواسطة فتح القدوس، في شرح خطبة القاموس، لأبي العباس الهلالي، وجمع في الفتح المذكور بين رواية ابن خلكان في احتياج ابن عباد لأربعمائة جمل، وبين رواية غيره بإحتياجه إلى ستين جملا بأن الزائد على ما ذكر السيوطي هو من كتب غير اللغة، أنظر فتح القدوس. وفي الدر المختار شرح تنوير الأبصار للحصكفي الحنفي قيل: إنه أي محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة المتوفي سنة 189 صنّف في العلوم الدينية تسعمائة وتسعة وتسعين كتابا اهـ وقال الشافعي: حملت من علم محمد وقر بعير كتبا، فإذا كان هذا مؤلف واحد في القرن الثاني الهجري بلغت مؤلفاته الألف منها ما كتب في ستين دفترا وآخر وهو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 مالك بلغ ما أملاه في الأحكام الشرعية نحوا من مائة وخمسين مجلدا فكيف بغيره في ذلك القرن؟ فكيف بمن بعدهم؟ ونقل أبو الحسن علي الأجهوري في حواشيه على خطبة الرسالة، عن إمام الحرمين في حق مالك: أنه أملى في مذهبه نحوا من مائة وخمسين مجلدا في الأحكام الشرعية. وقد ذكر قاضي قضاة حيدر آباد الهند خدابخش في مقالة له نشرتها مجلة المقتطف، ثم دائرة المعارف الوجدية أن كتب الواقدي تملأ ستمائة صندوق، ويقتضي حملها مائة وعشرين جملا. أنظر مادة كتب من المجلد 8. وقال الحافظ السيوطي في الدوران الفلكي، على ابن الكركي: لو جمعت أسماء الكتب التي ألفها علماء الأمة في رد بعضهم على بعض لبلغت مجلدات، فإذا كانت أسماء كتب رد العلماء بعضهم على بعض إذا جمعت تبلغ مجلدات فكيف بموضوع آخر، وقد اهتممت فيما قرب بجمع أسماء الفهارس والأثبات فبلغت عندي أزيد من الألف في حين أن كشف الظنون لا يوجد فيه منها ولا عشره، وأين هذا مما تضمنه كشف الظنون في أسماء الكتب والفنون لمصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة رئيس كتبة أسرار السلطان مراد الرابع، ووزير ماليته، فإن غاية ما جمع من أسماء الكتب ثمانية عشر ألف وخمسمائة وخمسون اسما من أسماء الكتب، هذا مع كونه من المتأخرين عاش في المائة الحادية عشر، وقد سبقه إلى التأليف في هذا الباب جماعة، منهم: صاحب الكتاب الذي سبق ذكر من وقف على السفر السادس والخمسين منه، ومنهم صاحب كتاب: الدر الثمين في أسماء المصنفين، وهو عندي في مجلد ومؤلفه الإمام المؤرخ البارع، تاج الدين أبو طالب علي بن أنجب بن عثمان بن عبد الله، المعروف بابن الساعاتي البغدادي، المتوفي سنة 674، وهو مترجم في طبقات الحفاظ للذهبي، وكتابه هذا من الضنائن التي تفردت بها مكتبتنا، وقد ذكره صاحب كشف الظنون في حرف الألف تحت عنوان: أخبار المصنفين ست مجلدات، لأبي الحسين علي بن أنجب البغدادي المتوفي سنة 674. وذكر في حرف الدال إسم كتابه الدرّ الثمين، ولم يذكر مؤلفه وهذا عجيب منه رحمه الله. ومنهم جمال الدين بن القفطي الصعيدي ترجمه الأدفوي في الطالع السعيد، فذكر من مؤلفاته أخبار المصنفين وما صنفوا. ومنهم الإمام الطوفي البغدادي، ألف في تراجم المؤلفين في الإسلام ومؤلفاتهم، كتابا حافلا في ثمان مجلدات، وتوجد بعض مجلدات منه في إحدى دور الكتب بالآستانة واستانبول. ومنهم الإمام أبو البركات محمد بن إبراهيم بن الحاج البلفيقي الأندلسي، له تأليف في أسماء الكتب والتعريف بمؤلفيها، على حروف المعجم. ومنهم شرف الدين محمد بن معمر المقدسي الكاتب المتوفي سنة 712، له القصيدة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 البائية في أسامي الكتب العلمية، وهذه المنظومة هي المنقول عنها في كشف الظنون المطبوع، ما رأيت من ألف في موضوعها شيئا غيره، وقد عرفت حال النظم وضيقه عن الإستيعاب كما ينبغي اهـ وهو قصور من صاحب كشف الظنون عجيب، فكأنه لم يقف على ما ذكرناه من الكتب في موضوعه لابن الساعاتي، والطوفي، وابن الحاج، وغيرهم على أن صاحب كشف الظنون، ذكر كما علمت كتاب ابن الساعاتي في الكشف في موضعين في حرف الألف، وفي حرف الدال أنظر ما سبق. ولشيخ الإسلام محمد أبي السرور البكري الصديقي المصري المتوفي سنة 1087 كتاب في تاريخ المؤلفين على أسلوب أخبار المصنفين، لابن أنجب البغدادي وهو في مجلدات. وقد ذيّل على كشف الظنون جماعة فمنهم الفاضل، إبراهيم بن علي الحنفي الرومي المتوفي سنة 1189، له الذيل على كشف الظنون لكاتب چلبي [شلبي] الرومي، في أسماء الكتب والإلحاقات. ذكره له في ترجمته صاحب سلك الدرر المرادي، ومنهم كمال الدين محمد بن مصطفى البكري الغزي الحنفي، المتوفي سنة 1196، قال في سلك الدرر: جمع كتابا في أسماء الكتب على طريقة غريبة، سماه كشف الظنون في أسماء الشروح والمتون اهـ. ومنهم عصرينا المعمّر المعتني سعادة المير آلاي إسماعيل باشا البغدادي الأصل، الآستانة لي المولد والدار، ذيّل على كشف الظنون في مجلدين، وله أيضا مؤلف في أربع مجلدات كبار في أسماء المؤلفين، ومؤلفاتهم، كان المذكور حيا سنة 1321-[1903] م وقد جاوز السبعين كما بلغني عن عصرينا المعتني البحاثة الشيخ جميل العظم البيروتي، أن له ذيلا على كشف الظنون، في عشر مجلدات، ولصاحبنا البحاثة الأثري السيد حسن حسني عبد الوهاب التونسي كتاب سماه (دليل الباحثين عمن ألف من الإفريقين) أخبرني أنه في ثلاث مجلدات، وأنه اشتمل على آلاف من أسماء الكتب التي ألفها من على شرطه، وأن فيه التراجم نحو الثمانمائة، يصف فيه كل كتاب وصفا مدققا عن محل وجوده، وجرمه ومخطوطه ومطبوعه إن كان طبع. ولأبي المحاسن محمد بن خليل القاوقجي الطرابلسي (كواكب الترصيف فيما للحنفية من التصنيف) ذكره له من عرف به ولم أقف عليه. ولمحدث الهند وعالمه أبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي الأنصاري: (فرحة المدرسين بذكر المؤلفات والمؤلفين) وقبله ألف الحافظ قاسم بن قطلوبغا كتابه: تاج التراجم فيمن صنف من الحنفية، وهو موجود بالمكتبة الخالدية ببيت المقدس، كما ألف في أسماء المؤلفين دون من ذكر جماعة، وفي ترجمة أبي حفص عمر ابن المكي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 الشرقاوي المتوفي سنة 1260 بفاس، من سلوة الأنفاس أن له صلوات تضمنت أسماء الكتب المؤلفة في الصلاة على سبيل التوراة والتوجيه. وفي صبح الأعشي: كان للخلفاء والملوك في القديم بخزائن الكتب مزيد إهتمام، وكمال إعتناء، حتى حصلوا منها على العدد الجم، وعلى الخزائن الجليلة، ويقال: إن أعظم خزائن الكتب في الإسلام ثلاث خزائن؛ إحداها خزانة الخليفة العباسي ببغداد فكان بها من الكتب ما لا يحصى كثرة ولا يقدّم عليه نفاسة، ولم تزل على ذلك إلى أن دهمت التتار بغداد. الثانية: خزانة الفاطميين بمصر، وكانت من أعظم الخزائن وأكثرها إلى أن إنقرضت دولتهم بموت العاضد آخر ملوكهم، الثالثة: خزانة خلفاء بني أمية بالأندلس، وكانت من أجلّ خزائن الكتب، ولم تزل إلى أن إنقرضت دولتهم فذهبت كتبهم كل مذهب اهـ. قلت: في صناجة الطرب أن عبد الرحمن الناصر الأموي جمع في قرطبة على ما يقال: أربعمائة ألف مجلد، وستمائة ألف على قول البعض اهـ. قال القلقشندي في صبح الأعشي: واعلم أن الكتب المصنفة أجلّ من أن تحصى، وأكثر من أن تحصر، لا سيما الكتب المؤلفة في الملة الإسلامية، فإنه لم يصنف مثلها في ملة من الملل، ولا قام بنظيرها أمة من الأمم اهـ. أقول: يجب القول اليوم بأن أعظم مكتبة إسلامية في الكرة الأرضية المكتبة الخديوية المصرية، فإنها جمعت ما لم تجمعه الآن مكتبة في العالم الإسلامي، وبرنامجها في عشر مجلدات ولعله أضيف إليها بعد طبعه ما يقرب مما كان فيها وقت جمعه، وذكرت دائرة المعارف الوجدية أن عدد الكتب المطبوعة الموجودة بها 84000 مجلد، وعدد الكتب المخلوطة بها 19000 من ضمنها 189 مصحفا ومن هذه المصاحف 27 مصحفا بالخط الكوفي على رق غزال، وبها بردية كتبت في شهور سنة 117 هجرية، وهي أقدم ما بها وأقدم ما بها من الكتب رسالة الشافعي بخط تلميذه الربيع الجيزي، كتبها سنة 264، ويليها مكاتب الإستانة وهي كثيرة متعددة؛ فيها ما لا يوجد في غيرها غرابة وزخرفة، وأني أخاف عليها كثيرا اليوم أن تحرق أو تغرق، ويا ليت أهل أنقرة يبيعونها في أوروبا فتحفظ من مكرهم وغارتهم على الإسلام وعلومه وكتبه، ويا ليت جمعية الأمم تهتم بذلك، ثم مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت بالمدينة المنورة، ولكن بلغني أن معظم ما كان بها تفرّق شذر مذر، ثم من المكاتب الخصوصية بمصر مكتبة البحاثة المعتني الكبير أحمد تيمور المصري، فقد أخبرني السيد حسن حسني عبد الوهاب، أنها اشتملت على أربعة وعشرين ألف مجلد، فيها بخطوط المؤلفين نحو سبعة آلاف مجلد، ويليها مكتبة الكاتب الكبير أحمد زكي باشا، فيها أيضا الكثير الطيب. ومن الأسف أن المطابع المصرية وغيرها لا تعتني الآن إلا بطبع كتب المتأخرين غالبا، وربما كررت طبع الكتاب الواحد مرات، غاضة الطرف عن كتب المتقدمين التي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 ألفت في القرن الثاني والثالث والرابع والخامس، مع أنها أجدر بالإهتمام؛ لإفادتها وقلتها في الوجود، فأخاف إن دام طرف أصحاب المطابع مغضوضا عنها أن تضيع بالكلية وتنعدم، فإن أكثر الموجود منها على قلته تخرّق وكاد يضمحل وأني أندب الكتّاب وأصحاب الهمم إلى الكتابة في هذا الموضوع الهام، وهو تحريض أصحاب المطابع على نشر الكتب القديمة الإسلامية، التي كادت تضمحل، وذلك بتكوين لجنة أولية تجمع أساميها وعناوينها ومحلات وجودها، ثم السعي في نشر الأهم، والأقدم، والأندر منها، والله الموفق. ولكن وإن أحرق ما أحرق، ونهب ما نهب، وحجر ما حجر، وأخفي ما أخفي، فالأصل الأصيل لتفاصيل المدنية الإسلامية القرآن الكريم الذي جمع فأوعى، وكان حفظه الذي لا ينسى على ممر الدهور، السبب العظيم لحفظ ضوابط تلك المدنية الإسلامية، وقد حازت منه الأمة المغربية أوفر الحظوظ، حتى قالوا: إن القرآن نزل بلغة العرب ففسره العجم، وحفظه المغاربة ونطق به أهل مصر، وأحسن الإستماع له الترك، وعمل بالقسم الآخروي منه أهل اليمن. ومنذ نزل القرآن هذه مدة من أربعة عشر مائة سنة، والناس يستنبطون منه، ويستخرجون على إختلاف المدارك والغايات، والحظوظ، والفنون العلمية، والأخلاقية والقانونية والتاريخية والفلسفية، وهو إلى الآن بحر لا ينفد، ولا تنقضي عجائبه. ومن بديع أمر القرآن الدال على أنه منبع الترقي والحضر، والإستعمار بمعناه اللغوي، أنك لا تجد اليوم حادثة في باب من أبواب العلوم الكونية إلا ويمكن أن تستخرجها أو ما يدل عليها من القرآن، وقد قام بهذا القسط اليوم من أهل الإسلام من شعروا بالغاية القصوى فيه، من أهل مصر، والشام، والعراق، فتجردوا لإستخراج فرائده، وإستيعاب مضامينه على حسب حاجات هذا العصر، وما يروج فيه مما هو في الحقيقة من العلوم الإسلامية، ولكن أعطي صبغة أخرى، وشكلا آخر، فقام كاتب حكيم في دمشق الشام وهو الأستاذ محمد بن أحمد الإسكندراني يستخرج منه العلوم الطبيعية، وما في الأرض من أسرار المياه، ومجاريها والأحجار وفوائدها، والنباتات وحكمها وخواصها، وكتابه هذا في غاية الإبداع، إشتمل على ثلاث مجلدات سماه: كشف الأسرار النورانية القرآنية فيما يتعلق بالأجرام السماوية والأرضية والحيوانات والنباتات والجواهر المعدنية، طبع سنة 1299. وقام العلامة الفلكي الكبير المرحوم أحمد مختار باشا التركي فألف كتاب: «موافقة الآي القرآنية للعلوم الفلكية» جمع فيه نحو سبعين آية. وقام ضابط تركي من النابغين في الفلك والهيئة فألف كتابا في تطبيق قواعد هذا العلم على القرآن الكريم أيضا. وما ألف أجمع ولا أوسع في هذا الباب من كتاب صديقنا الاستاذ العلامة عالم مصر الشمس محمد بن بخيث المطيعي الحنفي، وهو مطبوع في مجلد. وقام كاتب في مصر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 وهو الشيخ طنطاوي جوهري جرّد وجهته إلى العلوم الفلكية، وإستخراجها منه، والشمس وشعاعها، والقمر وضيائه، والسماء ونجومها، في كتابه نظام العالم، والأمم، وكتابه نهضة الأمة، وحياتها وكتابه: ميزان الجواهر، وكتابه: جمال العالم. وقام فريد وجدي الكاتب البحاث البارع في مجلة الحياة، وكتابه كنز العلوم واللغة، وكتابه دائرة المعارف، وكتابه الإسلام والمدنية، وتفسيره ومقدمته، صفو العرفان بإستخراج العلوم النفسية والقوانين الإجتماعية والعلوم العمرانية من القرآن وجواهره. وقام عالم شيعي اسمه هبة الله الشهرستاني من أهل عصرنا، بكتابه المسمى الهيئة والإسلام إفتتحه بمقدمات هامة سدّ بها فراغا عظيما في باب العلوم الفلكية أيضا، وما أحسنه وأسهل مأخذه. وألف صاحبكم «1» هذا كتابه في إقامة أصول الكهرباء والبخار ونتائج العلم بهما من تسيير القطارات والأتوموبيلات والغواصة البحرية والمنطادات الجوية، ومن الكتاب والسنة، سميته اليواقيت الثمينة في الأحاديث القاضية بظهور سكة الحديد ووصولها إلى المدينة، وقد طبع بالجزائر سنة 1329- 1911 وبلغني أنه ترجم لللغة الفرنسية. ومن عجيب أمر القرآن والسنة أنهما لا يحجران علينا الأخذ بما لم يوجد فيهما صراحة ونصا، مما يصلح للزمن القابل، لأن الدين تكفل بتأييد مبادي الرقي، وجميع مشاريع العمران، فلم يحجر علينا إلا الأخذ بما يضر من آداب وأخلاق الأمم الآخرى، أما ما ينفع الناس، وظهرت فائدته فحاشا الدين الإسلامي أن يقوم عثرة في طريقه. وفي العتبية قال مالك بن أنس: إن عمر بن عبد العزيز قال: «سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سننا الأخذ بها إتّباع لكتاب الله، واستعمال لطاعته، وقوة على دين الله، ليس لأحد تبديلها، ولا تغييرها، ولا النظر في شيء يخالفها، من اهتدى بها مهتد، ومن إنتصر بها منصور. ومن تركها اتّبع غير سبيل المؤمنين، وتولّاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا. قال ابن رشد في البيان والتحصيل: إتباع ما سنّوه إتباع لكتاب الله اهـ. وإنما تتوهم المباينة من قصور أو تقصير الباحث المتصدي، أو قل الجمود على المبادي، والجمود ضد الإسلام، وعلى هذه الطريقة جرت الأمم الإسلامية، بالأخذ بالأحسن فالأحسن، وقت مدنيتها الزاهرة بقرطبة، وفاس، والقيروان، وبغداد، وقزوين، فلذلك، لم تكن إختراعاتهم تقف عند حدّ، وطرقهم لباب الرقي لم يكن يقف في وجوههم سدّ، فأتوا من ذلك وقت ما كانت أوروبا في نومها العميق، ما صيّرهم قدوة لغيرهم، واعترف لهم بذلك فطاحلة المؤرخين من غيرهم.   (1) يعني المؤلف نفسه رحمه الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 ولننقل لك بحثا للمؤرخ سيدليو السابق الذكر في كتابه خلاصة تاريخ العرب، الذي ترجمته إدارة المعارف المصرية وطبعته سنة 1309 هـ 1890 م قال فيه: المبحث السابع عشر في إختراعات العرب، وإستكشافاتهم بيت الإبرة، وصناعة الورق، والبارود، والأسلحة النارية. أسلفنا لك وصف الأسباب والمسببات المتعلقة بالتمدن المنتشر في الدنيا، بإنتشار العرب، من إبتداء بوغاز جبل طارق، إلى نهاية حدود آسيا. وبقي علينا التكلم على ما تغيرت به الحالة الأدبية والسياسية والعسكرية في جميع الدنيا، من إختراع العرب الورق، وبيت الإبرة وبارود المدافع، ولا عبرة ببعض الأفرنج الذي سلب عن العرب شرف إختراعها وتعليمها لأوروبا، زاعما أنّ أهل الصين عرفوا تلك الأشياء، منذ زمان قديم، عملا بما أطلع عليه من نسبته لغيرهم، في بعض متون موهومة العزو إلى من نسبت إليه، كما زعم أنّ المطبعة كانت موجودة لدى أهل الصين، منذ القرن الثامن من الميلاد، نعم، إستفاد العرب عمل الورق من الحرير من أهل الصين، الذين لو كانوا يعرفون صناعة الطبع قبل غيرهم لإستفادها العرب منهم، وكيف يظن أنهم إستعملوا بيت الإبرة، مع أنهم لم يزالوا إلى سنة 1800 ميلادية يعتقدون أنّ القطب الجنوبي من الكرة الأرضية سعير تتلظّى، وهل عرفوا إستعمال البارود وتلك الإستعمالات المتنوعة الباقي أثرها لدى العرب، المشهود لهم بإستعمالها أصنافا من القلل [الفنابل] في حصارهم مكة «1» سنة 690 ميلادية، وإستعمالهم بمصر في القرن الثالث عشر البارود المستخرج من ملح النجاة، ليرمى به نحو قلل ذات صوت كالرعد، وذكر استعماله في وصف معرض البحرية التي عقدها ملك تونس مع أمير أشبيلية في القرن الحادي عشر، كما استعمل في حصار جبل طارق سنة 1308 ميلادية، وحصار إسماعيل ملك غرناطة لمدينة بايطة سنة 1324، وحصار طريفة سنة 1340، أن الرصاص رمي بالبارود في تلك الحصارات، فابتدأ نصارى إسبانية يومئذ في استعماله، وقد استعمل العرب بيت الإبرة في ابتداء القرن الحادي عشر، في سفر البحر والبر، وضبط محاريب الصلاة، وصنع الورق من الحرير سنة 650 ميلادية في سمرقند وبخارى، ثم استبدل يوسف بن عمر سنة 706 ميلادية الحرير بالقطن الذي منه الورق الدمشقي، واستعمل ورق الغرب في الثالث عشر بقسطيلة، التي شاع منها استعماله في فرنسا وإيطالية وألمانية، وما أسلفناه هو كيفية تحكم العرب على جميع فروع تمدن أوروبا الحديث، ومنه يعلم أنه من القرن التاسع إلى الخامس عشر كان عند العرب أوسع ما سمح به الدهر من الأدبيات، وأن نتائج أفكارهم الغزيرة، وإختراعاتهم النفيسة، تشهد أنهم أساتذة أوروبا في جميع الأشياء، كالمواد المختصة بتاريخ القرون الوسطى، وأخبار السياحات والأسفار، وقواميس سير الرجال المشهورين، والصنائع العديمة المثال، والأبنية الدالة على   (1) المشهور أن المسلمين في عصر النبوة حاصروا الطائف ورموها بالمنجنيق مصححه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 عظيم أفكارهم، وإستكشافاتهم المهمة، ولذلك كله وجب الإعتراف برفعة شأن هذه الأمة المحمدية، التي تحتقرها الإفرنج منذ أزمان عديدة اهـ من ص 267 منه إرجع إليه تر عجبا، ولا نحتاج إلى زيادة الإحتجاج على ما ذكرنا أكثر مما سمعت عن مؤرخ أوروبي كبير، فغضوا الجفون عن القذى، واستروا الهفوات، وغطوا الجلابيب على الردى بحسن الفهم ومزيد الروية. اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن منك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك. لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، عملت سوآ وظلمت نفسي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. والحمد لله وكفى. وسلام على عباده الذين إصطفى. حرره بيده الفقير محمد عبد الحي الكتاني في شوال الأبرك عام 1341 بفاس، أمّنها المولى بمنه آمين. ثم أعدت النظر إليه والإلتفات مشتغلا به نحو سنتين أو أكثر فتم تنقيحا وتهذيبا وإلحاقا وتبويبا عام 1346 بفاس، حرسها المولى بمنه مطالعا عليه مراجعا لأجله ما سبقت تسميته في المقدمة من الكتب والرسائل، وزدت على ذلك أخيرا ما لم يقع لنا فيما سبق تسميته، كالزرقاني على الموطأ وعون الودود على سنن أبي داود، وفضائل عمر بن عبد العزيز لعبد الله بن الحكم المصري، والروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم، لمحمد ابن إبراهيم الوزير اليمني، وإتحاف الرواة بمسلسل القضاة لأحمد بن محمد بن يونس الشلبي الحنفي المصري، وشرح السفاريني على منظومته في التوحيد، وصيد الخاطر لابن الجوزي، ونقط العروس لابن حزم، وروض التحبير في حكم السياسة والتدبير، لابن سماك الأندلسي، وتاريخ الخميس للديار بكري، والهدية المقبولة في حلل الطب المشمولة، وشرحها لأحمد بن صالح الأكناوي الدرعي، والمنية والأمل في شرح كتاب الملل والنحل، لأحمد بن مرتضى وأنس السمير فيما وقع بين الفرزدق وجرير للياصلوتي والقانون لليوسي، والحكم بالعدل والإنصاف الرافع للخلاف، لأبي سالم العياشي، وشرح التحفة للشيخ التاودي بن سودة، وفهرسته، وكتاب وصف البريد، وشرح منظومة ابن أبي الرجال، في الفلك لابن قنفذ القسمطيني، والجرعة الكافية للشيخ المختار الكنتي، والإحكام في أصول الأحكام لابن حزم. والحمد لله وكفى. وسلام على عباده الذين اصطفى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 تم كتاب التراتيب الإدارية للعلامة أعجوبة الزمان الحافظ المرحوم محمد عبد الحيّ الكتاني الإدريسي الحسني رحمه الله تعالى وقد صححت كثيرا من أخطائه المطبعية، وتركت بعضها مما لم يتضح لي سبيل تصحيحه كما وضحت بعض العبارات حسب الاصطلاح المعمول به في المشرق بوضعها بين حاصرتين [] وحذفت ما كان فيه إطناب زائد كثيرا عن الحاجة وأشرت لذلك في الهامش، كما رأيت ضرورة حذف بعض العبارات التي لا تتناسب مع جلالة هذا الكتاب الثمين وأسأل الله لمؤلفه الجليل أفضل الجزاء فقد كان بحرا لا يدرك قعره، ولولا خوضه في مستنقع السياسة لكان علما وإماما ليس له نظير، ولكن ما شاء الله كان، وإنه لشرف كبير لي أن أقوم بتصحيح هذا الكتاب خدمة للسنة النبوية المطهرة والسيرة المحمدية العطرة في أجلّى صورها وأدّق مناحيها وتفاصيلها الحياتية، مما يعطي القارىء صورة كاملة عن تصرفات الرسول الكريم صلى الله عليه وآله في أمور لا تخطر بالبال لولا أن المؤلف بما آتاه الله من سعة العلم وقوة الحفظ وبعد النظر استطاع أن يضمنها دفتي هذا الكتاب العجيب الذي يكاد على صغر حجمه أن يكون موسوعة علمية نادرة. وقد قال المؤلف في آخر المقدمة النفيسة ص 80 من الطبعة الأولى. فإليكم معاشر الآتين وأرواح أفراد من الماضين أسوق هذه المجموعة النفيسة، التي هي كمرآة مكبرة، تتجلّى لكم منها الحالة الاجتماعية والسياسية والحربية والعلمية والأخلاقية والعائلية التي كانت في زمن مصدر النبوة، وإبّان فيضان الكمال بأتمّ معانيه في وقت الرسالة المحمدية، فخذوها شاكرين، واقرأوها بالخير ذاكرين، والله المستعان. ولا أنسى في خاتمة الكتاب من التنويه بالأخ الهمام الأستاذ أكرم الطبّاع صاحب دار الأرقم بن أبي الأرقم الذي قبل اقتراحي عليه بتجديد طباعة هذا الكتاب النفيس دون تردد، حبا منه في نشر الكتب العلمية النافعة وخدمة لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرصا منه على إخراج هذا الكتاب في حلة جديدة زاهرة، لينتفع بها الشباب المؤمن المتعطش لمعرفة التفاصيل العملية لحياة الرسول الكريم في مختلف نواحي الحياة جزاه الله خير الجزاء. وحقق آمال مؤلفه العلم الشامخ الذي قلّ نظيره في فضله وعلمه وحسبه ونسبه ولا بد من شكر العاملين الفنيين في تنضيد الحروف وهم الجنود المجهولون العامذون بصمت وعلى رأسهم الأخ حسن فتوني لصبرهم وجهدهم في تصحيح تجارب الطبع أعانهم الله. ربنا أغفر لنا وارحمنا وعافنا واهدنا لما فيه رضاك آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين مصححه خادم أهل العلم عبد الله بن محمد رشيد الخالدي بيروت في 20/ ذي القعدة 1416 هـ 8/ (اپريل) نيسان 1996 م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 فهرس الموضوعات القسم التاسع في ذكر حرف وصناعات كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر من عملها من الصحابة رضوان الله عليهم زيادة على ما تقدم وفيه عدة أبواب ومقدمات وهي ثماني ست لم يأت عليها الإمام الخزاعي فاستدركتها عليه فأقول 5 المقدمات 7 باب ما ذكر في الأسواق 8 باب كون الناس كانوا أول الإسلام لا يتعاطون البيع والشراء حتى يتعلموا أحكامه وآدابه وما ينجي من الربا 16 باب تشديد عمر على الصحابة في تركهم الاتجار لغيرهم من العامة والاخلاط 18 باب ايثار الصحابة في الخروج للتجارة التبكير 19 باب أمر عمر بالسعي وحضه الناس على التكسب 19 باب قول عمر إذا رأى غلاما فأعجبه 20 باب قول عمر في التكسب والغزو ورأيه في التفاضل بينهما بالنسبة إلى نفسه 20 الباب الأول في ذكر من كان يتجر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم 21 ثم من اتجر من كبار الصحابة بعده 21 ذكر أصل تسمية البيع والشراء تجارة 24 باب في ذكر من كان بزازا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم 25 باب في سوق البزازين في المدينة على عهده عليه السلام 26 باب في العطار 26 باب في الوزان في زمنه عليه السلام 27 باب في الصراف 28 ذكر من كان يتجر في الصرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم 28 التجارة في العنبر والزئبق 28 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 حفر معدن الذهب 29 باب في بائع الرماح 29 باب في بائع الطعام 29 باب بيع الصبيان 30 باب في بيع السكر 30 بيع العقاقير 30 المرأة تبيع العطر 30 الزراعة والغراسة 30 الخرازة 38 باب في الثمار 38 المسافة التي كان يأتي منها الزرع وغيره 38 بائع الدباغ 40 باب في الأديم [الجلد الطائفي] 41 الحطاب 41 الدلال وهو السمسار 41 النساج 42 الخياط 43 النجار 43 المهد للصبيان 44 صانع الأقداح من الخشب للشرب 44 الصوّاغ 44 النقاش 45 صنع الأنف من ذهب 46 إحداث الرحى الهوائية في آخر خلافة عثمان والصحابة متوافرون 46 المصور 47 اتخاذ الشحم للإستصباح ودهن السفن وغيرها 50 بيع اللبن 50 الحداد 51 البناء البناآت النبوية 52 الأصل في وضع الرؤساء والملوك أول حجر للمعاهد العلمية والدينية والقومية 52 تعيين الإمام موضع المسجد وتعيين محل القبلة 52 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 أمر الإمام من ينوب عنه في تسمية البقعة مسجدا 53 مسجد المدينة 53 بناؤه صلى الله عليه وسلم المسجد ثلاث مرات منها ما لبنه بالأنثى والذكر 53 مساكنه عليه السلام 53 الدكة لجلوسه عليه السلام 54 أول بنّاء كان في الإسلام 55 امره عليه السلام في البناآت أن تكون على مقتضى القواعد الصحية 55 هدمه عليه السلام مسجد الضرار 55 في الرجل يحسن الشيء من عمل البناء فيوكل لعمله 56 الصباغ 61 الجلاب 61 ذكر من كان من الصحابة يتجر في بحر الشام 61 الدباغ 62 الخواص 62 العوام 62 بيع الماء 64 باب في الصيد وهو على أنواع ذكر من كان يتصيد بالكلاب 64 ذكر من كان يتصبد بالبزاة 64 ذكر من صاد بالرمح 64 الصيد بالسهام 64 الصيد بالمعراض 65 الصيد باليد 65 الصيد بالآلات 65 منع الصيد في جهة معينة أو وقت مخصوص كما يقع اليوم 65 الصياد في البحر 65 باب لم يتصيد عليه السلام بنفسه الكريمة ولا اشترى صيدا 66 اعتناء البدوي بطرف بلاده يهديها له عليه السلام والعكس 67 العمال في الحوائط 67 من كان من الصحابة يعطي أرضه بالربع والثلث 68 المستدل على محل الماء من تحت الأرض وإستخراجه 68 السقاء الذي يحمل الماء على ظهره 69 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 الحمل على الظهر 69 الحجام والحلاق 69 اللحام وهو الجزار والقصاب 70 الحرف الممتهنة في نظره عليه السلام 70 الطباخ 70 صنيعة الخزيرة 71 الشواء 71 صاحب الخبز 71 هل كانت الأقراص النبوية صغارا 72 الماشطة 73 المحرشة بين النساء 74 المرأة تذهب لجس نبض الرجل هل له بزواج فلانة أرب 74 النساء الممرضات اللائي كن يرافقن المصطفى عليه السلام في الغزو وما كان الصحابيات يظهرن من ضروب الشجاعة وخفة الحركة ومساعدة الغزاة 74 النسوة التاجرات 77 القابلة 77 الخافضة 78 المرضعة 78 المرأة تمثل النسوة في المجلس النبوي 78 المغزل 78 في المغنين (ذكر المغنين في الأعياد) 79 هل كانت الدفوف في الزمن النبوي بالجلاجل (وهل سمع الصحابة العود والوتر) 80 ذكر أسماء المغنيات في المدينة في العهد النبوي 81 ذكر ما كانوا يغنون به 82 ذكر من غنّى في وليمة النكاح 83 ذكر تلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إيابه 85 ذكر من غنى قوما اجتمعوا عند صاحب لهم وسمع النبي صلى الله عليه وسلم فأقرهم ولم ينكره 86 هل كان لبعض السلف اعتناء بعلم الموسيقى 88 ذكر قينة غنت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إذنه لتسمع أم المؤمنين عائشة 88 ذكر الغناء والإنشاد 89 ما كان يقوله الذين يذهبون بالعروس لدار زوجها 89 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 ذكر لعب الحبشة بحرابهم فرحا بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم 90 لعب البنات مع عائشة 91 لعبها بالتماثيل مع البنات 91 رقص الحبشة في المسجد النبوي إمامه عليه السلام 92 قوله عليه السلام اقدروا قدر الجارية الحديثة السن 94 باب مرور أحد الصحابة على الحبشة يلعبون في الطريق واعطائهم 95 المسابقة 95 المصارعة 95 حجل بعض كبار الصحابة بين يديه صلى الله عليه وسلم 97 حبس الطير للعب الصبيان به 97 اتخاذ الوحش في المسكن 100 نهب اللوز والسكر ونثره في العرس 101 اللهو واللعب المأذون فيه 102 ذكر جعل الوليمة في العرس سبعا 102 جلب الدقيق الحواري 103 والسمن والعسل من الشام إلى المدينة وأكل المصطفى عليه السلام منه 103 جلب الجبن الرومي وأكله عليه السلام منه وقطعه بالسكين 105 اختياره عليه السلام محل السوق 105 باب الأسواق التي كانت في الجاهلية فتبايع الناس بها في الإسلام 105 صانع السيوف 106 باب ذكر من كان يبري النبل 106 في الحفار للقبور 106 اتفاق القوم على من يمثلهم في محفل رسمي أو مأتم ديني 107 باب أخذ ستر المرأة في نعشها وهي ميتة عن الحبشة ومن حبّذ ذلك 107 المرأة الكبيرة السن تلازم القبر 107 القسم العاشر من كتاب الخزاعي ويتضمن أربعة أبواب 109 الباب الثالث في ما جاء في أرزاق الخلفاء والأمراء والعمال 109 وفيه خمسة فصول 109 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 الفصل الأول في أن لكل من شغل بشيء من أعمال المسلمين أخذ الرزق على شغله ذلك 111 الفصل الثاني في أن ما يأخذه العامل زيادة على ما يرزقه الإمام فهو غلول 112 الفصل الثالث كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل في نفقته ونفقة أهله 112 الفصل الرابع في أرزاق الخلفاء بعده صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم 112 الفصل الخامس في الأموال التي يرزق منها ولاة الناس 113 الباب الرابع في ذكر أسماء التواليف المخرج مها ما تضمنه هذا الكتاب 114 المستدرك على كتاب الخزاعي رحمه الله (في تشخيص الحالة العلمية على عهده عليه السلام) 121 الباب الأول من المقصد الأول باب في أن السنة بنت القرآن وأن الحديث الصحيح يتطلب لفظه أو بعضه أو معناه في القرآن 140 باب مقدار الأحاديث الواردة عنه صلى الله عليه وسلم 141 باب هل تصدى أحد من المتأخرين إلى جمع جميع السنة 146 باب في كيفية تلقي الصحابة للعلم وأنه كان حلقا حلقا في المسجد النبوي 151 باب في وقوفه عليه السلام على حلق العلم لأصحابه وجلوسه فيها معهم وإيثارها على حلق الذكر 152 باب فيمن كان يخلف المصطفى بعد قيامه من مجلسه للتذكير والفقه 153 باب في تدارسهم القرآن وتفسير المصطفى لهم آية 153 باب في أن الصحابة كانوا يعتنون بما يبلغهم من العلم بالحفظ والمذاكرة فيه 154 باب في الأمر بالاعتناء بالسند في نقل السنة 155 باب إباحته عليه السلام التحديث بالأخبار الإسرائيلية وعجائب الأمم الماضية 155 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 باب في إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى من تميز بفضيلة من أصحابه ليؤخذ عنه 157 باب في إطلاق العلّامة في العصر النبوي على أعلم الناس بأنساب العرب والشعر 159 باب في ذكر اختبار المصطفى قوابل أصحابه ومبلغهم من الذكاء والفهم في العلم 160 باب في تخصيصه صلى الله عليه وسلم لأهل العلم أياما معلومة 161 باب في أن العلم كانوا يحملونه تدريجيا وأنه يؤخذ الأوكد والأسهل، فالأصعب، والمبادي قبل غيرها 161 باب في حرص الصحابة على التعلم وهم كبار 162 باب في أمرهم بطلب العلم قبل التزوج 162 باب في ذكر أن التاجر منهم كان يتعلم والمتعلم منهم كان يتجر 162 باب في كون الصحابة كانوا يعلمون نساءهم وإماءهم وأن المصطفى كان يجعل للنساء يوما على حدة 162 باب في اعتناء الصحابة بحفظ وضبط ما كانوا يسمعون منه عليه السلام وكيفية ذلك 163 باب في كون الصحابة كانوا إذا سمعوا ما لم يفهموا من العلم استعادوه حتى يفهموه 164 باب في بناء أمرهم على تبليغ الشاهد الغائب 164 باب تعاطيهم العلم ليلا ونهارا 164 باب في احتفاظ المصطفى على قلوب المبتدئين فكان لا يعلمهم ما يعلم المنتهين 165 باب من حق الأبناء على الآباء تعليمهم الكتابة 165 باب في القلم والدواة في العصر النبوي 166 باب الأقلام القصبية في زمن الصحابة 167 باب في اتخاذ الكاغد من القطن في أواخر أيام الصحابة بجزيرة العرب 167 باب في كتابة الصحابة للحديث وأمر المصطفى لهم بالتقييد 169 باب هل كانوا يدونون في صدر الإسلام شيئا أو جمع للصحابة شيء في أبواب العلم أو نسب للصحابة واتباعهم التدوين والتصنيف 172 بباب في اعتناء قوّاد الصحابة برفع التقارير الجغرافية 182 للخلفاء الراشدين عن البلاد التي يفتحونها 182 باب في أن ترجمة الكتب القديم العلوم العمرانية من طب وكيمياء وصناعات ونحوها وقع الاعتناء به أواخر أيام الصحابة 183 باب في أن أول من تكلم في علوم القوم الصحابة 185 باب في أن أول من وضع علم النحو في الإسلام الصحابة 186 باب في أن عليا كرم الله وجهه هو أول من نطق بالتصحيف أحد أنواع البديع 188 باب في أن الصحابة تكلموا في علم الكلام قبل أن يتكلم فيه ويدوّن الإمام الأشعري 189 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 باب املاء الصحابة على من يكتب عنهم 189 باب وقت بروزه عليه السلام للجواب عن أسئلة السائلين وأغلب ما كانوا يسألونه عنه 189 باب في مراجعتهم الحديث فيما بينهم إذا فارقهم المصطفى عليه السلام 190 باب في أنهم كانوا إذا اجتمعوا تذاكروا العلم وقرأوا سورة من القرآن 190 باب في أن العالم منهم قد يأمر تلميذه بالتحديث بمحضره 190 باب في أخذهم القرآن مع التفقه في معانيه تدريجيا 190 باب في أول من أطلق على سفر القرآن المصحف 192 باب فتوى الصحابة في حكم أجرة نسخ المصاحف 192 باب في اعتناء الصحابة ومن كان في زمنهم بنسخ المصاحف وتلاوتهم القرآن فيها 192 باب في اعتناء الصحابة بمصاحبة المصاحف لهم في أسفارهم 195 باب هل كانوا يحلّون المصاحف 196 باب في أن حفظ المصاحف كان له ولاة مختصون به في زمن أبي بكر رضي الله عنه 196 باب هل كانوا يقبلون المصاحف؟ 196 باب كون الصحابة كانوا يستحبون أن لا يخرج الرجل من منزله صباحا إلا وقد نظر في المصحف 197 باب في أن معاوية كان له غلمان وكلوا بحفظ دفاتر التاريخ 197 باب في تعلمهم القرآن في زمنه عليه السلام وتسويغه أخذ الأجرة عليه 198 باب هل كانت المصاحف تباع في زمنهم 199 باب في المكاتب لقراءة الصبيان 199 باب أين كانوا يصبون الماء الذي يغسل الصبيان به ألواحهم 200 باب هل هناك ما يدل على السن الذي كانوا يبتدئون فيه تعليم الصبي عن السلف 201 باب من كان يعلم القرآن في المدينة ومن كان يبعثه عليه السلام إلى الجهات لذلك وحفاظ القرآن من الصحابة ومعلم الناس الكتابة من الرجال والنساء مؤمنين وكافرين والمفتين على عهده عليه السلام ومعبري الرؤيا واتخاذ الدار في ذلك الزمن ينزلها القراء كالمدارس اليوم وغير ذلك 202 باب في تعاطي علم الخط 202 باب في حضهم على تعاطي الشعر 203 باب في علم الأنساب 204 باب في رواج علم الفرائض في الزمن النبوي وحضه عليه السلام الناس على تعلمه وتعليمه 206 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 باب في ذكر من كان يحال عليه الأمور الحسابية 210 في زمن الخلفاء الراشدين 210 باب في أخذ أهل أوروبا الأرقام العربية عن العرب ودخولها إلى بلادهم في زمن علي كرم الله وجهه 211 باب ايثارهم في أخذ العلم القرشيّ علي غيره 211 باب الأمر بتعليم علم النجوم 211 باب أمرهم بتعلم علم الرماية والسباحة 212 باب في أمرهم بتعلم العربية 213 باب في أمر عمر لعماله بضرب كتابهم إذا لحنوا وتأخيرهم 213 باب في تعاطي الصحابة للحكمة والتنجيم والقافة والموسيقي والطب والإدارة والحرب والسياسة والترجمة والإملاء والتجارة والصناعة ونحو ذلك 213 باب في كونهم كانوا يتجنبون في التحديث والرواية ما يضر سماعه بالعامة والمبتدئين 214 باب في وصاية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشباب من طلبة العلم 214 باب في اهتبال علماء الصحابة بالآخذين عنهم والإهتمام بوقايتهم من الأهواء وحنوّهم عليهم 215 باب في ذكر الوصف الذي كان يحمله المنقطع للعلم في ذلك الزمن تعلما وتعليما 215 باب في تسميته عليه السلام حملة الحديث ونقلته عنه خلفاء له عليه السلام 215 باب عنوان القرآن وبرنامجه وهو الأصل في وضع المسلمين العناوين للمصنفات 216 باب في حضه عليه السلام طلبة العلم على السؤال عما لم يفهموا 217 باب في اجابته عليه السلام السائلين على حسب قوابلهم وتنويعه الخطب على حسب الحال والمقام 217 باب في روايته صلى الله عليه وسلم عن أصحابه وتحديثه عنهم 218 باب في أخذ الصحابة العلم بعضهم عن بعض 218 باب في أن جلالة بعضهم عند بعض كانت لا تمنع من المخالفة فيما لم يؤدهم إليه اجتهادهم 219 باب في أدب الصحابة مع من يتعلمون منه أيضا 219 باب في رواية الصحابة عن التابعين 220 باب في أخذ كبار الصحابة العالم عن الموالي 220 باب أخذ الصحابة من العرب عمن أسلم من اليهود 220 باب في رجوع الصحابة للحق إذا ظهر لهم واعترافهم به 221 باب في تأديب النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة في التعليم واقتفاء الصحابة أثره في ذلك 221 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 باب مناظرة الصحابة بين يدي المصطفى صلى الله عليه وسلم 222 باب في آداب طالب العلم المنصوص عليها لأهل القرون الأولى ومنها تعلم الآداب المعروفة لطالب العلم في زمن النبوة 222 باب في أن الصحابة كانوا يعرفون حق أكابرهم في العلم والسن والآداب التي كانوا يوصون بها المتعلم ليعامل بها معلمه 224 باب في إنزال النبي صلى الله عليه وسلم الناس ساعة التعليم منازلهم من تقديم الأكثر علما أو سنا 225 باب رحلة الصحابة في طلب العلم أو رغبة في علو السند 225 باب ترغيب الصحابة بعضهم بعضا وغيرهم من الناس إلى حضور الميراث النبوي يريدون العلم لأن الأنبياء لم يخلفوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم وذلك بعد انتقاله عليه السلام 226 باب في القاص في الزمن النبوي وجلوسه عليه السلام مجلسه 226 باب في ذكر ما بثه عليه السلام من الفرائض الطبية والعلوم الحكمية المتعلقة بالأغذية والأدوية وعلاج الأمراض حتى دونت فيه الدواوين 228 باب في ذكر توسعه عليه السلام مع أصحابه في ذكر الوقائع التاريخية وأخبار الأمم السالفة واتخاذه لذلك وقتا وهو أصل تعاطي الدروس اليوم في شبه ذلك 232 باب اتخاذ الأنصار ما بين العشاءين لتعلم الرماية 234 باب اتخاذ معاوية رضي الله عنه وقت السمر لسماع كتب التاريخ وأخبار الأمم والأجيال 234 باب في بناء أمرهم في التعليم على أن يتلقوا العلم ممن وجدوه عنده ولو كان صغيرا أو مشركا 234 باب تحريض علي بن أبي طالب على العلم وتنبيهه على شرفه بأبلغ تعبير 235 باب في ترتيب العلم في الأخذ عن الصحابة ومن كانوا يقدمون ويؤخرون من المجتمعين للطلب باب في أن الصحابة كانوا يروحون القلوب ساعة فساعة 236 باب في حديث خرافة 237 باب في حديث أم زرع 237 المضحكون والمضحكات في الزمن النبوي 239 المقصد الثاني 242 باب في تحريهم في الفتوى وتدافعهم لها 245 وكراهتهم الكلام في المسألة قبل نزولها 245 باب من كان يوسم بأعلم الصحبة وأذكاهم 245 باب من كان يعرف فيهم بباب مدينة العلم 246 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 باب من كان يلقب منهم بأسد الله 248 باب الملقب فيهم بشيخ الإسلام 248 باب الملقب فيهم بسيف الله 249 باب في الذي يضرب به المثل في العدل منهم 249 باب فيمن كان يضرب به المثل في الهيبة من الصحابة 250 باب فيمن كان يضرب به المثل في الفضائل كلها من الصحابة 251 باب فيمن كان يضرب به المثل في الصدق 251 باب فيمن كان يضرب به المثل في المشية من الصحابة 251 باب فيمن كان يضرب به المثل في الفقه من الصحابة 252 باب في الحائز لقب أمين الأمة من الصحابة 253 باب فيمن أولم وليمة بقي يضرب بها المثل 253 باب في من كان يضرب به المثل في الحلم من الصحابة 254 باب في من كانت تستحي منهم ملائكة الرحمن من الصحابة 255 باب في ذي الرأي من الصحابة 255 باب في ذي اليدين من الصحابة 256 باب في ذي العمامة 256 باب فيمن كان يضرب المثل بسيفه من الصحابة 256 باب من كان من الصحابة يعدّ صوته في الجيش بألف رجل 257 باب فيمن كان يسبق الفرس شدا على قديمه من الصحابة 257 باب فيمن عرف بالدهاء من الصحابة بحيث كان يضرب به المثل 257 باب فيمن عرف من الصحابة بالقوى المدهشة حتى باهى به العرب فارس والروم 258 باب فيمن كان من الصحابة في نهاية الطول 258 باب من كان من الصحابة في غاية القصر 259 باب من كان من الصحابة فردا في زمانه بحيث يضرب به المثل 259 باب من كان يضرب به المثل من الصحابة في الجمال 260 أخوة سبعة كلهم من الصحابة تباعدت قبورهم 261 باب في صحابي أصغر من أبيه بإحدى عشرة سنة 261 باب من كان من الصحابة بيده سيف الفتح بحيث فنصب في عهده اثنا عشر ألف منبر 262 باب من كان من الصحابة له ألف مملوك يؤدون له الخراج 262 باب فيمن كان يحفظ مائة لغة متباينة من الصحابة 262 باب فيمن مات من الصحابة فمات بموته تسعة أعشار العلم 263 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 باب في ذكر صحابي مات فقال فيه عمر مات سيد المسلمين 263 باب في ذكر الأغنياء من الصحابة ومن توسع منهم في الأمور الدنيوية 263 باب فيمن تغالى من الصحابة في صداقه لما تزوج بعلوية 268 باب في ذكر عدد الصحابة 268 باب في ذكر عدد من كان بالمدينة من الصحابة معه عليه السلام آخر الأمر 269 باب في المكثرين الرواية عنه صلى الله عليه وسلم من الصحابة 269 باب في ذكر أحفظ الصحابة وأول محدث في الإسلام 271 باب في ذكر أئمة الفتوى من الصحابة 272 باب في ذكر من كان أكثر الصحابة فتيا ومن جمع من فتاويه سبع مجلدات والمخصوص منهم بلقب البحر وحبر القرآن ورباني الأمة والغواص ومن كان يعرف ممره من الطريق ومن وجم الناس عن تعزيته عن أبيه هيبة له وإجلالا 273 باب في ذكر من كان في الصحابة له أتباع يقلدونهم في فتواهم 275 باب في ذكر الذين انتهى إليهم العلم من الصحابة 276 باب من عرف بالكرم والجود من الصحابة 277 باب في ذكر أعلم الأمة بالفرائض من الصحابة 280 باب في ذكر المعروف في الصحابة بحسن الصوت وتجويد التلاوة 280 باب فيمن قيل فيه من الصحابة أخطب أهل الدنيا 281 باب في المخصوص من الصحابة بلقب حكيم الأمة 281 باب في ذكر من كان يقرأ الكتب القديمة من الصحابة ويعلم ما فيها 281 باب ذكر من قيل فيه أعلم الناس من نساء الصحابة 284 باب في ذكر من قيل فيه من نساء الصحابة لو كان رجلا لصلح للخلافة 285 باب ذكر أن من الصحابة مولى قال عمر: لو كان حيّا لاستخلفته 285 باب من قيل فيه أفصح الناس وأفخمهم نطقا من الصحابة 286 باب ذكر من كان أعلم الناس بالمناسك من الصحابة 286 باب فيمن أفتى الناس ستين سنة من الصحابة 286 باب من كان يطلق عليه الحبر وهو العالم في الزمن النبوي 286 باب أمره عليه السلام الصحابة بالقيام إلى العالم منهم وأخذ ركابه 286 باب من كان من الصحابة يقبل تلاميذه يده 287 باب من قبّل من الصحابة يد تلميذه لكونه من أهل البيت 287 باب صحابي قال فيه عمر: حق على كل مسلم أن يقبل رأسه 287 باب صحابي قال فيه عمر: لا يستطيع أحد أن يقول أنا خير منه 288 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 باب صحابي قدم المدينة في خلافة عمر فأمر عمر الناس أن يخرجوا معه للقائه 288 باب الصحابة الطلس ومن استخلف منهم 288 باب في الخصي 289 باب المخنث 289 باب في المجبوب 292 باب هل كان السلف يحتفظون بالآثار القديمة 292 باب وهو خاتمة الأبواب وزبدة الكتاب 293 خاتمة 296 فهرس الموضوعات 307 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319