الكتاب: موسوعة الطير والحيوان في الحديث النبوي المؤلف: عبد اللطيف عاشور الناشر: القاهرة الطبعة: - عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- موسوعة الطير والحيوان في الحديث النبوي عبد اللطيف عاشور الكتاب: موسوعة الطير والحيوان في الحديث النبوي المؤلف: عبد اللطيف عاشور الناشر: القاهرة الطبعة: - عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] إهداء إلى فلذة الكبد.. وقرّة العين.. وثمرة الفؤاد.. إلى الصّفىّ علاء.. إليه وقد لحق بربّه غضّا بريئا طاهرا.. إلى روحه وهى تسرح من الجنّة حيث شاءت فى جوف طير خضر.. أهدى هذا الكتاب.. سائلا الله أن يعظّم لنا الأجر.. ويلهمنا الصّبر.. ويرزقنا الشكر والدك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 مقدمة ما أكثر الأحاديث التى تدور على ألسنة الناس عن الحيوان، وفيها ما صح عن النبى صلّى الله عليه وسلم وما لا أصل له! وكان لابد من دراسة جادة لعالم الحيوان، وما ورد فيه من أحاديث شريفة! واقتضت هذه الدراسة أن نتناول كل حيوان على حدة فى اللغة، ثم نحدثك عن طبائع كل حيوان لنتوقف بك عند الأحاديث الواردة فيه، وما يؤخذ منها من الأحكام الفقهية مع تخريج الأحاديث تخريجا علميا دقيقا لا يستغنى عنه الباحثون والدارسون فى عالم الحيوان! ودعنى أقول: قبل أن يهتم العلم الحديث بالحيوان، ويخصص له الدراسات المستقلة- كان القران الكريم قد سبق بالدعوة إلى دراسته، وتوجيه النظر إلى ملاحظته، ومتابعته، ومراقبته، وتأمل حياته، للوقوف على بعض أسرار معيشته، وما يتاح للإنسان من بدائع حياته. وإلى جانب هذا دعا الرسول الكريم إلى الرفق بالحيوان وحمايته من ظلم الإنسان، والشفقة عليه، وإطعامه متوعّدا من يعذبه أو يحبسه دون إطعام بعذاب النار. ولا عجب؛ فإن الرفق- بصفة عامة- مبدأ إسلامى، وحسبنا فى هذا الصدد ما رواه البخارى ومسلم من حديث عائشة- رضى الله عنها-: «إن الله رفيق يحبّ الرفق فى الأمر كله» «1» .   (1) صحيح: البخارى فى صحيحه باب الاستئذان (22) ، ومسلم كتاب البر (47) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 وفى رواية مسلم: «إن الله رفيق يحبّ الرّفق، ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف، وما لا يعطى على سواه» . وروى مسلم بسنده: «إن الرفق لا يكون فى شىء إلّا زانه، ولا ينزع من شىء إلا شانه» «1» . والأحاديث فى ذلك كثيرة كلها تنص على أن الرفق مبدأ إسلامى، يا بنى عليه التشريع الإسلامىّ قواعده وأصوله. وإذا كانت أول «جمعية للرفق بالحيوان» قد تأسست فى انجلترا عام 1824 م، فإن الإسلام قد سبق ذلك بقرون، فضلا عن اختلاف النظرتين إلى الحيوان؛ فنظرة تلك الجمعيات تقوم على أسس أخلاقية، وقواعد إنسانية عامة، ولا تقوم على أسس تشريعية، وليس لها خلفية فقهية تنظم مسائلها، وترتب عليها الثواب لفاعلها، والعقاب لمخالفها كما فعلت الشريعة الإسلامية. وحسبك أن تفتح كتابا من كتب الفقه الإسلامى لتجد الفقهاء قد تناولوا فى «باب الطهارة» : (سؤر ما يؤكل لحمه- سؤر البغل والحمار وجوارح الطير- سؤر الهرة- سؤر الكلب والخنزير) . ونراهم بعد هذا تناولوا فى «باب النجاسة» : (الميتة- الدم- لحم الخنزير- بول وروث ما لا يؤكل لحمه- الجلّالة- الكلب- تطهير جلد الميتة) . ونراهم فى «باب الزكاة» يتحدثون عن «زكاة الحيوان» ويفردون لكل صنف بابا على حدة، ويحدّدون نصاب كلّ نوع منها سواء فى ذلك الأنعام وغيرها: فقد تضمنت كتب الفقه: (زكاة الإبل- زكاة البقر- زكاة الغنم- زكاة غير الأنعام) .   (1) صحيح: مسلم كتاب البر (2594) ، وأحمد (6/ 125) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 ونراهم فى الحج يفردون بابا للهدى يتناولون فيه: (الأفضل فيه- ما يجزئ فى الهدى- متى تجب البدنة- شروط الهدى- مكان الذبح- استحباب نحر الإبل- وذبح غيرها) . وفى «باب الحدود» نراهم يتحدثون عن: إتيان البهيمة. وفى «باب الجنايات» نراهم يتناولون: (ضمان صاحب الدابة- ضمان القائد والراكب والسائق- الدابة الموقوفة- ضمان ما أتلفته المواشى- ضمان ما أتلفته الطيور- ضمان ما أصابه الكلب أو الهر) . وفى «باب الإجارة» نراهم يتناولون: استئجار الدواب. وفى «باب الأطعمة» نراهم يتناولون: المحلل من الحيوان البحرى، والمحلل من الحيوان البرى، وما نص الشارع على حرمته، والمسكوت عنه، وإباحة كل ما حرم عند الاضطرار والزكاة الشرعية (الذبح) ، وما يجب فيها، وذبائح أهل الكتاب، وما يكره فيها. ثم يفردون بابا للصيد يتناولون فيه: (الصيد الحرام- شروط الصائد- الصيد بالسلاح الجارح وبالحيوان- شروط الصيد بالسلاح- شروط الصيد بالجوارح- إدراك الصيد حيّا- وجوده ميّتا بعد إصابته) . ويفردون بابا للأضحية يتناولون فيه: (حكمتها- مم تكون- ما لا يجوز أن يضحى به- وقت الذبح- كفاية أضحية واحدة عن البيت الواحد- توزيع لحم الأضحية) . وإلى جانب الأضحية يفردون بابا للعقيقة. وفى «باب المسابقة» نراهم يتحدثون عن: (حرمة إيذاء الحيوان- التحرش بين البهائم) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وفى «باب النفقة» نراهم يتحدثون عن نفقة الحيوان، كما تحدثوا عن نفقة الأقرباء سواء بسواء. ولا يكاد يخلو باب من أبواب الفقه الإسلامى من ذكر أحكام الحيوان لأهميته فى الحياة، ونفعه للإنسان، وتعاونه معه فى عمارة الكون، واستمرار الحياة، ومن هنا كان الحيوان ملء السمع والبصر فى كثير من مجالات التشريع الإسلامى. ومما يشير إلى اهتمام القران بعالم الحيوان أنه أطلق أسماء بعض أصنافه على بعض سوره الشريفة، فأولى سور القران بعد فاتحة القران هى «سورة البقرة» . وهناك «سورة الأنعام» و «سورة النحل» و «سورة النمل» و «سورة العنكبوت» و «سورة العاديات» و «سورة الفيل» . وقد تكرر ذكر الدابة فى ايات القران الكريم، وذكرت الحيوانات بأسماء أصنافها، وتكرر ذكر الطير عشرين مرة فى القران الكريم، وذكر بعض أنواع من الطير مثل: الغراب والهدهد. وذكر من الحشرات: النمل، والذباب، والجراد، والثعبان، والعنكبوت، والقمل، والضفادع، والحية، والنحل. ولقد ذكر القران الكريم اللحم الطرى الذى يوجد فى البحار، وهو السمك، ومن أنواعه الحوت الذى ذكره خمس مرات. وإن دلّ هذا على شىء فإنما يدل على ما للحيوان من أهمية فى حياة الإنسان الذى نزل من أجل هدايته القران!. ثناء الإسلام على بعض الحيوانات: وقد لفت الإسلام الأنظار إلى أهمية بعض الحيوانات فى حياة الناس، وأثنى عليها، وطالب المسلمين بالرفق بها؛ فمن ذلك ما روى البخارى ومسلم وغيرهما من حديث ابن عمر أنه قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 «الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة» «1» . ووقع فى رواية ابن إدريس عن حصين فى هذا الحديث قوله صلّى الله عليه وسلم: «والإبل عزّ لأهلها، والغنم بركة» [أخرجه البرقانى فى مستخرجه، ونبه عليه الحميدى، ونقله ابن حجر (فتح البارى 6/ 395) ] وروى النسائى عن زيد بن خالد الجهنى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قوله: «لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة» . [رواه أبو داود أيضا وابن حبّان فى صحيحه إلا أنه قال: «فإنه يدعو للصلاة» على ما نقله المنذرى (5/ 133) ] . الرفق بالحيوان: ولقد ضرب المسلمون أروع الأمثال فى الرفق بالحيوان، فهناك من أجار الجراد، ومنهم من كان يفت الخبز للنمل، ويقول: إنهن جارات ولهن حق، ومنهم من كان يرى أن الطريق مشترك بينه وبين الكلب، وليس من حقه أن ينحيه عنه؛ ولا عجب فقد تلقوا مبادئ الرفق بالحيوان من الرسول الكريم الذى جعل الإحسان إلى الحيوان والرفق به عبادة من العبادات تكاد تصل إلى أعلى الدرجات؛ فمن ذلك حديث أبى هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «بينما رجل يمشى بطريق اشتد عليه الحر، فوجد بئرا، فنزل فيها فشرب، ثم خرج؛ فإذا كلب يلهث؛ يأكل الثرى من العطش؛ فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذى كان بلغ منى! فنزل البئر فملأ خفّه ماء، ثم أمسكه بفيه حتى رقى، فسقى الكلب، فشكر الله له!» . فقالوا: يا رسول الله: إن لنا فى البهائم أجرا؟ فقال: «فى كل كبد رطبة أجر» . [رواه مالك والبخارى ومسلم وأبو داود وابن حبان فى صحيحه] وفى رواية: «فشكر الله له؛ فأدخله الجنة» .   (1) صحيح: أخرجه البخارى (2849) ، ومسلم (1871) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وأخرج مسلم عن أبى بكر بن أبى شيبة بسنده إلى أبى هريرة، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إن امرأة بغيّا رأت كلبا فى يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش، فنزعت له بموقها- أى: استقت له بخفها- فغفر لها» . [يطيف: يدور حولها.. أدلع لسانه: أخرجه لشدة العطش] نعم غفر الله لتلك البغىّ ذنوبها بسبب ما فعلته من سقى الكلب. وأخرج البخارى ومسلم عن عبد الله بن مسلمة من حديث أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر. فأما الذى له أجر؛ فرجل ربطها فى سبيل الله، فأطال فى مرج أو روضة، فما أصابت فى طيلها من ذلك المرج أو الروضة كانت له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها، فاستنت شرفا أو شرفين كانت أرواثها واثارها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه، ولم يرد أن يسقيها كان ذلك حسنات له ... الحديث «1» » . وعن محمود بن الربيع أن سراقة بن جعشم قال: يا رسول الله؛ إن الضالة ترد على حوضى، فهل من أجر إن سقيتها؟ قال «اسقها فإن فى كل ذات كبد حراء أجرا» . [رواه ابن حبان فى صحيحه (1/ 377) ورواه ابن ماجه والبيهقى] وعن عبد الله بن عمرو أن رجلا جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: إنى أنزع فى حوضى حتى إذا ملأته لإبلى ورد علىّ البعير لغيرى فسقيته؛ فهل لى فى ذلك من أجر؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «فى كل ذات كبد أجر» . [رواه أحمد ورواته ثقات- المسند 2/ 222، 2/ 375]   (1) حديث صحيح. رواه البخارى فى الزكاة- باب زكاة البقر (2/ 148) ، ومسلم فى كتاب الزكاة- باب إثم مانع الزكاة (3/ 70- 71) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 وكما أن الإحسان إلى الحيوان والرفق به عبادة من العبادات التى قد تصل فى بعض الأحيان إلى أعلى الدرجات وأقوى أسباب المغفرة؛ فإن الإساءة للحيوان تعد معصية تودى بصاحبها إلى أعمق دركات الإثم والعذاب! وفى ذلك يقول الرسول صلّى الله عليه وسلم فى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم: «عذبت امرأة فى هرة لم تطعمها ولم تسقها، ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض» . وروى البخارى بسنده إلى أسماء بنت أبى بكر أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: « ... ودنت منّى النار حتى قلت: أى ربّ وأنا معهم؛ فإذا امرأة حسبت أنه قال: تخدشها هرّة- قلت: ما شأن هذه؟ قالوا: حسبتها حتى ماتت جوعا» . قال النووى فى شرح هذا الحديث عن مسلم (9/ 89) «إن المرأة كانت مسلمة، وأنها دخلت النار بسببها، وهذه المعصية ليست صغيرة؛ صارت بإصرارها كبيرة» . هذا هو الإسلام، وهذه هى تعاليمه ومبادئه السمحة، حرم تعذيب الحيوان، ولعن المخالفين على مخالفتهم، ولا أدل على ذلك مما رواه مسلم بسنده إلى ابن عباس أن النبى صلّى الله عليه وسلم مر على حمار قد وسم فى وجهه فقال: «لعن الله الذى وسمه!» . وفى رواية: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن الضرب فى الوجه، وعن الوسم فى الوجه» . وروى الطبرانى بإسناد جيد مختصرا: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعن من يسم فى الوجه» . والأحاديث فى النهى عن الكىّ فى الوجه أو الضرب كثيرة تدل على أن هذا الدين دين الرحمة والشفقة، ولقد حرمت الشريعة أن تقتل الحيوانات صبرا، أى تحبس لترمى حتى تموت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 كما حرّم «المثلة» وهى قطع أطراف الحيوان، فقد أخرج البخارى ومسلم عن عبد الله بن عمر أنه قال: «لعن النبى صلّى الله عليه وسلم من مثّل بالحيوان» (8/ 284) . قال العسقلانى فى شرح هذا الحديث: واللعن من دلائل التحريم كما لا يخفى. ويقول ابن حجر بعد أن ساق كثيرا من الأحاديث: وفى هذه الأحاديث: تحريم تعذيب الحيوان، والتحريم يقتضى العقاب، والعقاب أثر من اثار الجريمة، وهذا يعنى: أن الإساءة إلى الحيوان، وتعذيبه، وعدم الرفق به يعتبر جريمة فى نظر الشريعة الإسلامية. ولا عجب إذا ما رأينا الإسلام يحرم أنواعا من التصرفات مع الحيوان ربما شاعت وانتشرت فى الدول التى تتشدق بحمل راية الرفق بالحيوان بينما تمارس فيها فنون لا تتم إلا بتعذيب الحيوان كمصارعة الثيران، وتهييج الديكة والكباش بعضها على بعض فى مباريات دموية يسعد برؤيتها أولئك الذين يؤسسون جمعيات للرفق بالحيوان! وقد اعتبرت الشريعة الإسلامية ذلك من الفعل المحرم الذى يستحق العقوبة، فقد روى ابن عباس «أن النبى صلّى الله عليه وسلم نهى عن التحريش بين البهائم» . [أخرجه أبو داود فى سننه فى كتاب الجهاد حديث رقم (2562) ورواه الترمذى متصلا ومرسلا، وقال فى المرسل: هو أصح] وروى عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه قال: «كنا مع النبى صلّى الله عليه وسلم فى سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حمّرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمّرة فجعلت تعرش، فلما جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «من فجع هذه بولدها؟ ردّوا ولدها إليها» . وعن الشريد قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «من قتل عصفورا عبثا عجّ إلى الله يوم القيامة يقول: يا ربّ إن فلانا قتلنى عبثا، ولم يقتلنى منفعة» . [رواه النسائى، وابن حبان فى صحيحه (7/ 557) ] وعن ابن عمر، أنه مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا أو دجاجة- يترامونها- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم؛ فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا! «إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا» . [رواه البخارى ومسلم] قال الصنعانى فى سبل السلام (4/ 86) بعد أن أورد هذا الحديث بلفظ مسلم: الحديث نهى عن جعل الحيوان هدفا يرمى إليه. والنهى للتحريم؛ لأنه أصله، ويؤيده قوة حديث «لعن الله من فعل هذا» ووجه حكمة النهى: أن فيه إيلاما للحيوان! بل إن هناك ما هو أبلغ فى إكرام الحيوان وتجنّب أذيته فى بدنه، ولطمه على وجهه، ففى صحيح مسلم «أن امرأة كانت على ناقة فضجرت فلعنتها؛ فسمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمر بإعراء الناقة مما عليها، وإرسالها عقوبة لصاحبتها» . حقوق الحيوان: وإذا كانت هناك حقوق للإنسان على أخيه الإنسان، فإن الإسلام جعل للحيوان حقوقا على الإنسان: 1- فمن حق الحيوان الذى أبيح لنا ذبحه والاستمتاع بطيّب لحمه- من حقه أن نحسن ذبحه، فقد وجه الرسول صلّى الله عليه وسلم المسلمين إلى هذا الحق فقال: «.. وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة، وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» «1» . وكتب الفقه الإسلامى مليئة باداب ذبح الحيوان تدل على سمو الإسلام، وأنه دين المرحمة! 2- وإذا كان الإسلام قد أذن فى قتل المؤذى من الحيوان كالكلب العقور،   (1) أخرجه مسلم فى صحيحه (كتاب الصيد رقم (57) وأبو داود فى الأضاحى (11) والترمذى فى الديات (14) والنسائى فى الضحايا (22، 26، 27) وابن ماجه فى الذبائح (3) والدارمى فى الأضاحى (10) وأحمد (4/ 123، 124، 125) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 والأفعى، والفأر، فإنه أمرنا بإحسان القتلة كما أمر بإحسان الذّبحة سواء بسواء؛ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان فى كل شىء؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة» [مسلم فى صحيحه كتاب الصيد (رقم 57) ، وأحمد (4/ 123) ] 3- وإذا كان ربنا- سبحانه- قد سخر لنا الدواب لتحمل أثقالنا، وتنقلنا من بلد إلى بلد؛ فإن لها علينا حقوقا. فمن حقها أن نتيح لها فرصة الرعى والاستراحة فى السفر الطويل، فقد أخرج البخارى ومسلم عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا سافرتم فى الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض» . [مسلم: كتاب الإجارة (رقم 178) ، وأحمد (2/ 337) ] وقد جاء فى أول هذا الحديث من رواية مالك: «إن الله رفيق يحب الرفق» . 4- ومن حق الدابة المعدة للركوب ألا يركب عليها ثلاثة فى ان واحد. فقد أخرج الطبرانى فى الأوسط عن جابر قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يركب ثلاثة على دابة» [الطبرانى كما جاء فى مجمع الزوائد 8/ 109] وهذا إذا كانت غير مطيقة، فلم يصرح أحد بالجواز مع العجز. 5- ومن المحرم فى الشريعة الإسلاميّة وقوف الراكب على الدابة وقوفا يؤلمها؛ فقد ورد فى سنن أبى داود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر، فإن الله إنما سخرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس» . [أخرجه أبو داود فى سننه. كتاب الجهاد رقم 2567] ولا يجوز الركوب على ما لم يخلق للركوب كالبقر، ولا خلاف فى أن البقر لا يجوز أن يحمل عليها، ويكفيها إثارة الأرض، وسقى الحرث، وإنتاج اللبن. 6- ولا يجوز أن يكون مقود الدابة ضارّا بها، وعلينا أن نوفر لها الجو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الهادئ، فلا نزعجها، ولا نثيرها، ولا نعرضها للتلف فى الحر الشديد، أو البرد القارس إن هى إلا أمم أمثالنا خلقها الله، وسخرها لنا، وعلينا أن نستشعر هذه النعمة، ونشكر الخالق عليها بالقول والعمل؛ فلا قيمة لقول بلا عمل. هذه بعض الأحكام المتعلقة بالحيوان بصفة عامة ... والان إلى موضوع الكتاب، وما جاء من ذكر للحيوان فى الحديث النبوى الشريف وبيان أحكام كل منها.. سائلين الله عزّ وجلّ أن نكون قد وفقنا فى عرض المادة العلمية وتصنيفها حتى تعم الفائدة المرجوة. وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود: 88] . عبد اللطيف عاشور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 [باب الهمزة] 1- الإبل (الإبل- البخت- البدن- البعير- الجمال- حمر النّعم- الراحلة- الناقة) (أ) الإبل فى اللغة: الإبل- وقد تسكّن الباء للتخفيف- الجمال. وهو اسم واحد يقع على الجمع، وليس بجمع، ولا اسم جمع، إنما هو دالّ على الجنس كما قال ابن سيده، وليس لها واحد من لفظها. وهى مؤنثة؛ لأن أسماء الجموع التى ليس لها واحد من لفظها، إذا كانت لغير الادميين، فالتأنيث لها لازم. وإذا صغّرتها أدخلت عليها الهاء فقلت: «أبيلة» و «غنيمة» ونحو ذلك. والجمع: «ابال» ، والنسبة: «إبلىّ» . ويقال للإبل: بنات الليل، ويقال للذكر والأنثى منها «بعير» إذا دخل فى الخامسة، ويجمع على «أبعرة» و «بعران» . والشارف: الناقة المسنة وجمعها: «شرف» . والعوامل: الإبل ذوات السّنامين. ومن لقب الإبل: «العيس» و «الوجناء» وهى الشديدة الصلبة. والشّملال: وهى الخفيفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 والتّعملة: وهى التى تعمل. والناجية: وهى السريعة. والعوجاء: وهى الضامرة. والشمردلة: وهى الطويلة. والهجان: وهى الإبل الكريمة. والكوماء: وهى الناقة العظيمة السّنام. وقد ضرب الرسول صلّى الله عليه وسلم بها المثل فقال: «الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة» «1» . يعنى أن المرضىّ من الناس قليل! وشبه بها القران فقال: «إنما مثل القران مثل الإبل المعقّلة إن تعاهدها صاحبها على عقلها أمسكها، وإن أغفلها ذهبت» «2» . وقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «تعاهدوا القران، فو الذى نفس محمد بيده لهو أشدّ تفلّتا من الإبل فى عقلها» . وقد جاء فى الأمثال العربية: «ما هكذا يا سعد تورد الإبل» ! يضرب لمن تكلّف أمرا لا يحسنه. وقالوا: «يا إبل عودى إلى مباركك» .   (1) الراحلة: النجيبة المختارة من الإبل للركوب وغيره، فهى كاملة الأوصاف. والحديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الرقاق- باب رفع الأمانة (8/ 130) ، ومسلم كتاب فضائل الصحابة (7/ 192) . (2) المعقّلة: المشدودة بالعقال، وهو الحبل الذى يشد فى ركبة البعير، شبه درس القران، واستمرار تلاوته بربط البعير الذى يخشى منه الشراد. والحديث صحيح أخرجه البخارى فى فضائل القران باب استذكار القران (6/ 237- 238) ومسلم كتاب الصلاة (باب الأمر بتعاهد القران) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 يضرب لمن يفرّ من الشىء الذى لا بدّ له منه. وقالوا: «أشبعهم سبّا، وراحوا بالإبل» . يضرب لمن لم يكن عنده إلا الكلام. والبخت: من الإبل معرّب، وبعضهم يقول: هو عربى والجمع بخاتى. والبدن: جمع بدنة تكون فى سن الأضحية وتشعر. وحمر النّعم: أجود الإبل وأحسنها. والعشراء: هى الناقة التى أتى عليها- من يوم أرسل عليها الفحل- عشرة أشهر، وزال عنها اسم المخاض، ثم لا يزال اسمها حتى تضع، وبعد ما تضع أيضا؛ يقال: ناقتان عشروان، ونوق عشار. وليس فى الكلام «فعلاء» يجمع على «فعال» غير عشراء جمع على عشار، ونفساء جمع على نفاس. ما جاء فى الحديث الشريف: حديث حنين الجذع: قال جابر: «سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار» . وحديث حنين العشار متواتر رواه من أصحاب النبى صلّى الله عليه وسلم العدد الكثير والجم الغفير. العائذ: الناقة التى معها ولدها، وقيل: الناقة إذا وضعت، وبعد ما تضع أياما حتى يقوى ولدها. وفى الحديث: «أن قريشا خرجت لقتال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومعها العوذ المطافيل» . وهى جمع عائذ. يريد أنهم خرجوا بذوات الألبان من الإبل ليتزودوا بألبانها، ولا يرجعوا حتى يناجزوا محمدا وأصحابه فى زعمهم. ووقع فى «نهاية الغريب» أن «العوذ المطافيل» يريد بها النساء والصبيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 وإنما قيل للناقة: عائذ، وإن كان الولد هو الذى يعوذ بها، لأنها عاطف عليه، كما قالوا: تجارة رابحة، وإن كان مربوحا فيها، لأنها فى معنى نامية وزاكية، وكذلك عيشة راضية، لأنها فى معنى صالحة. العيس: الإبل البيض يخالط بياضها شىء من الشّقرة، واحدها أعيس والأنثى عيساء، ويقال: هى كرام الإبل. وفى حديث سواد بن قارب: «وشدها العيس بأحلاسها» «1» . العتلّة: هى الناقة التى لا تلقح فهى أبدا قوية. قاله أبو نصر. القعود من الإبل: ما اتخذه الراعى للركوب وحمل الزاد، والجمع: أقعدة، وقعدان، وقعائد. وقيل: القعود: القلوص، وقيل: البكر قبل أن يثنى، ثم هو جمل، والقعود: الفصيل. القلوص: من النوق: الشابّة، وهى بمنزلة الجارية من النساء، وجمعها قلص وقلائص، مثل: قدوم وقدم وقدائم. وقال العدوى: القلوص: أول ما يركب من إناث الإبل إلى أن تثنى، فإذا أثنت فهى ناقة. وإذا كان الشىء بالشىء يذكر فإن هناك «القراد» : دويبة متطفلة ذات أرجل كثيرة تعيش على الدواب والطيور، والواحدة قرادة. ويسميها ابن الأثير «الطّبّوع» ثم ساق الأحاديث الاتية: 1- ومنه حديث ابن عباس: «لم ير بتقريد المحرم البعير بأسا» أى نزع القردان من البعير، وهو الطّبوع الذى يلصق بجسمه. 2- ومنه حديثه الاخر، قال لعكرمة- وهو محرم- قم فقرّد هذا البعير،   (1) انظر النهاية فى غريب الحديث والأثر 3/ 329- والحلس: الكساء الذى يلى ظهر الدابة تحت الرحل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 فقال: إنى محرم، فقال: قم فانحره، فنحره، فقال: كم تراك الان قتلت من قراد وحمنانة؟ «1» . (ب) طبائع الإبل: قال الدّميرى: الإبل من الحيوانات العجيبة، وإن كان عجبها سقط من أعين الناس لكثرة رؤيتهم لها، فإنها حيوان عظيم الجسم، سريع الانقياد، ينهض بالحمل الثقيل، ويبرك به، وتأخذ زمامه فأرة فتذهب إلى حيث شاءت. وربما تصبر الإبل عن الماء عشرة أيام، وإنما جعل الله أعناقها طوالا لتستعين بها على النهوض بالحمل الثقيل. وقال أصحاب الكلام فى طبائع الحيوان: ليس لشىء من الفحول مثل ما للجمل عند هيجانه؛ إذ يسوء خلقه، ويظهر زبده ورغاؤه، فلو حمل عليه ثلاثة أضعاف عادته حمل، ويقلّ أكله، ويخرج الشّقشقة، وهى الجلدة الحمراء التى يخرجها من جوفه، وينفخ فيها، فتظهر من شدقه، لا يعرف ما هى. والفحل لا ينزو إلا مرة واحدة فى السنة. والأنثى تلقح إذا مضى لها ثلاث سنين، ولذلك سميت حقّة، لأنها استحقت. والجمل أشد الحيوانات حقدا، وفى طبعه الصّبر والسّلوة وكنّى الجمل ب «أبى أيوب» . (ج) الأحكام الفقهية: يحل أكل الإبل بالنص والإجماع، ونهى النبى صلّى الله عليه وسلم عن الصلاة فى مباركها. أما أحكام زكاتها فهى مفصلة فى كتب الفقه. وقد أباح الرسول صلّى الله عليه وسلم لناس من عرينة التداوى بأبوال الإبل بالحديث الذى رواه مسلم فى كتاب القسامة.   (1) راجع النهاية فى غريب الحديث 4/ 36- والحمنان: صغار القراد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 ولكن هل يجب الوضوء من أكل لحم الإبل؟ قال صاحب فقه السنة فيما لا ينقض الوضوء: أكل لحم الإبل، وهو رأى الخلفاء الأربعة وكثير من الصحابة والتابعين، إلا أنه صح الحديث بالأمر بالوضوء منه، فعن جابر بن سمرة رضى الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت توضأ وإن شئت فلا تتوضأ» .. قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «نعم، توضأ من لحوم الإبل» . قال: أصلى فى مربض الغنم؟ قال: «نعم» . قال: أصلى فى مبارك الإبل؟ قال: «لا» [رواه أحمد ومسلم] . وعن البراء بن عازب رضى الله عنه قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: «توضئوا منها» . وسئل عن لحوم الغنم فقال: «لا تتوضئوا منها» [رواه أحمد وأبو داود] . قال ابن خزيمة: لم أر خلافا بين علماء الحديث فى أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل، لعدالة ناقليه، وقال النووى: هذا المذهب أقوى دليلا، وإن كان الجمهور على خلافه ا. هـ. وفى ركوب البدنة مذاهب للعلماء، فذهب الشافعى إلى أنه يركبها بالمعروف إذا احتاج إلى ركوبها، ولا يركبها من غير حاجة، وبهذا قال ابن المبارك وابن المنذر وجماعة. وقال مالك وأحمد: له ركوبها من غير حاجة، وبه قال عروة بن الزبير، وإسحاق بن راهواه. وقال أبو حنيفة: لا يركبها إلا ألّا يجد بدا من ذلك. وحكى القاضى عن بعض العلماء أنه يجب ركوبها لظاهر الأمر. وإليك ما جاء عن الإبل فى الحديث النبوى الشريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 (د) الأحاديث الواردة فى الإبل [1] عن أبى هريرة أنّ رجلا أتى النّبىّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، ولد لى غلام أسود، فقال: «هل لك من إبل؟» . قال: نعم. قال: «ما ألوانها؟» قال: حمر. قال: «هل فيها من أورق «1» ؟» قال: نعم. قال: «فأنّى ذلك» «2» قال: لعلّ نزعه عرق «3» . قال: «فلعل ابنك هذا نزعه» «4» . [2] عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من صاحب ذهب ولا فضّة لا يؤدّى منها حقّها إلّا كان يوم القيامة صفّحت له صفائح «5» من نار فأحمى عليها فى نار جهنّم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلّما بردت أعيدت له فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتّى يقضى بين العباد فيرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار» . قيل يا رسول الله، فالإبل؟ قال: «ولا صاحب إبل لا يؤدّى منها حقّها ومن حقّها حلبها يوم وردها إلّا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر «6» أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها   (1) أورق: الأورق الذى فيه سواد ليس بحالك، بل يميل إلى الغبرة، ومنه قيل للحمامة ورقاء. (2) أى من أين أتاها اللون الذى خالفها، هل هو بسبب فحل من غير لونها طرأ عليها؟ (3) أى لعل فى أصلها ما هو باللون المذكور فاجتذبه إليه فجاء على لونه. (4) حديث صحيح أخرجه البخارى فى كتاب الطلاق- باب إذا عرّض بنفى الولد (7/ 68- 69) ، وكتاب المحاربين من أهل الكفر والردة (8/ 215) ، وكتاب التوحيد- باب من شبه أصلا معلوما (9/ 125) . فى الحديث أن الزوج لا يجوز له التنصل من ولده بمجرد الظن، وأن الولد يلحق به ولو خالف لونه لون أمه، وفيه تقديم حكم الفراش على ما يشعر به مخالفة الشبه، وفيه الاحتياط للأنساب وإبقائها مع الإمكان والزجر عن تحقيق ظن السوء. (5) صفحت له: أى لصاحبها، والصفائح جمع صفيحة وهى العريضة من حديد وغيره. (6) (بطح لها بقاع قرقر) القاع: المستوى الواسع من الأرض يعلوه ماء السماء فيمسكه، وجمعه قيعة وقيعان. والقرقر: المستوى الواسع من الأرض أيضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 وتعضّه بأفواهها كلما مرّ عليه أولاها ردّ عليه أخراها فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتّى يقضى بين العباد فيرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار» . قيل يا رسول الله، فالبقر والغنم؟ قال: «ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدى منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء «1» تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها «2» كلما مرّ عليه أولاها رد عليه أخراها فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتّى يقضى بين العباد فيرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار» . قيل: يا رسول الله، فالخيل؟. قال: «الخيل ثلاثة: هى لرجل وزر، وهى لرجل ستر، وهى لرجل أجر، فأما التى هى له وزر فرجل ربطها رياء وفخرا ونواء على أهل الإسلام، فهى له وزر، وأما التى هى له ستر فرجل ربطها فى سبيل الله ثم لم ينس حقّ الله فى ظهورها ولا رقابها، فهى له ستر، وأما التى هى له أجر فرجل ربطها فى سبيل الله لأهل الإسلام فى مرج «3» وروضة فما أكلت من ذلك المرج أو الرّوضة من شىء إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات، وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات ولا تقطع طولها فاستنّت شرفا «4» أو شرفين إلّا كتب الله له عدد اثارها وأرواثها حسنات ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه   (1) قوله صلّى الله عليه وسلم: «ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء) العقصاء: ملتوية القرنين، والجلحاء: التى لا قرن لها، والعضباء: التى انكسر قرنها الداخل. (2) قوله صلّى الله عليه وسلم: «وتطؤه بأظلافها» الظلف للبقر والغنم كالحافر للفرس والبغل، والخف للبعير، والقدم للادمى. (3) المرج: الأرض الواسعة ذات نبات كثير، تمرج فيه الدواب، أى تسرح، والروضة أخص من المرعى. (4) الطول: الحبل الطويل الذى شد أحد طرفيه فى يد الفرس، والاخر فى وتد أو غيره. واستنت: جرت وعدت.. والشرف: العالى من الأرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 ولا يريد أن يسقيها إلّا كتب الله له عدد ما شربت حسنات» قيل: يا رسول الله، فالحمر؟ قال: «ما أنزل علىّ فى الحمر شىء إلا هذه الاية الفاذّة الجامعة «1» : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ «2» » «3» . [3] عن أبى بكرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنها ستكون فتن ألا ثمّ تكون فتنة: القاعد فيها خير من الماشى فيها، والماشى فيها خير من الساعى إليها، ألا فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه» . قال: فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت من لّم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: «يعمد إلى سيفه فيدقّ على حده بحجر «4» ثم لينج إن استطاع النّجاء، اللهمّ هل بلّغت، اللهمّ هل بلّغت، اللهم هل بلّغت» فقال رجل: يا رسول الله أرأيت إن أكرهت حتّى ينطلق بى إلى أحد الصّفين أو إحدى الفئتين فضربنى رجل بسيفه أو يجئ سهم فيقتلنى قال: «يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار» «5» . [4] عن ابن عمر قال: دخلت على حفصة فقالت: أعلمت أن أباك غير مستخلف؟ قلت: ما كان ليفعل. قالت: إنه فاعل. قال: فحلفت   (1) الفاذة: أى القليلة النظير. والجامعة: أى العامة المتناولة لكل خير ومعروف، وفيه إشارة إلى التمسك بالعموم. (2) سورة الزلزلة: 7- 8. (3) حديث صحيح: رواه البخارى فى كتاب الزكاة- زكاة البقر (2/ 148) ، ومسلم كتاب الزكاة باب إثم مانع الزكاة (3/ 70- 71) ، وابن ماجه فى الزكاة (1785) . (4) قاله (فيدق على حده بحجر) قيل: المراد كسّر السيف ليسد على نفسه باب هذا القتال، وقيل: المراد ترك القتال. (5) حديث صحيح.. أخرجه مسلم فى كتاب الفتن وأشراط الساعة (8/ 301) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 أنّى أكلّمه فى ذلك، فسكت حتّى غدوت ولم أكلّمه، وقال: فكنت كأنما أحمل بيمينى جبلا حتّى رجعت فدخلت عليه فسألنى عن حال الناس وأنا أخبره قال: ثمّ قلت له: إنى سمعت النّاس يقولون مقالة فاليت أن أقولها لك، زعموا أنك غير مستخلف، وإنه لو كان لك راعى إبل أو راعى غنم ثم جاءك وتركها رأيت أن قد ضيع، فرعاية الناس أشد قال: فوافقه قولى، فوضع رأسه ساعة ثم رفعه إلىّ فقال: «إن الله- عز وجل- يحفظ دينه وإنى لئن لّم أستخلف فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يستخلف، وإن أستخلف فإن أبا بكر قد استخلف. قال: فو الله ما هو إلا أن ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر، فعلمت أنه لم يكن ليعدل برسول الله صلّى الله عليه وسلم أحدا وأنه غير مستخلف «1» . [5] عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما مثل صاحب القران كمثل صاحب الإبل المعقّلة «2» إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت» «3» . [6] عن أبى مسعود أن النّبىّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الإيمان ههنا- وأشار بيده إلى اليمن- والجفاء وغلظ القلوب فى الفدّادين «4»   (1) حديث صحيح رواه مسلم فى كتاب الإمارة- باب الاستخلاف وتركه (6/ 5) . فائدة: فى الحديث دليل أن النبى صلّى الله عليه وسلم لم ينص على خليفة وهو إجماع أهل السنة وغيرهم، قال القاضى عياض: وخالف فى ذلك بكر بن أخت عبد الواحد فزعم أنه نص على أبى بكر، وقال ابن راوندى: نص على العباس، وقالت الشيعة والرافضة: على على، وهذه دعاوى باطلة، وجسارة على الافتراء ووقاحة فى مكابرة الإجماع. (2) المعقّلة: أى المشدودة بالعقال، وهو الحبل الذى يشد فى ركبة البعير، شبه درس القران واستمرار تلاوته بربط البعير الذى يخشى منه الشراد. (3) حديث صحيح رواه البخارى فى كتاب فضائل القران- باب استذكار القران (6/ 237- 238) ، ومسلم كتاب الصلاة- باب الأمر بتعاهد القران وكراهة قول: نسيت اية كذا (2/ 191) . (4) الفدّادين: الذين تعلو أصواتهم فى حروثهم ومواشيهم، وقيل: هم المكثرون من الإبل، وقيل: هم الجمالون والبقارون والحمارون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 عند أصول أذناب الإبل من حيث يطلع قرنا الشّيطان ربيعة ومضر» «1» . [7] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوم السّاعة حتّى تخرج نار من أرض الحجاز تضىء أعناق الإبل ببصرى» «2» . [8] عن عبد الله بن عمر- رضى الله عنهما- قال: سمعت رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- يقول: «إنّما النّاس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة» «3» . [9] عن أبى هريرة قال: سمعت رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم يقول: «نساء قريش خير نساء ركبن الإبل، أحناه «4» على طفل، وأرعاه على زوج، فى ذات يده» قال: يقول أبو هريرة على أثر ذلك: «ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط» «5» . [10] عن أنس بن مالك- رضى الله عنه- قال: غدوت إلى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- بعبد الله بن أبى طلحة ليحنّكه   (1) حديث صحيح رواه البخارى فى كتاب المغازى- باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن (5/ 219) ، ومسلم كتاب الإيمان- باب تفاضل أهل الإيمان ورجحان أهل اليمن فيه (1/ 51) . (2) حديث صحيح ... رواه البخارى فى كتاب الفتن- باب خروج النار (9/ 73) . (3) حديث صحيح ... رواه البخارى فى كتاب الرقاق- باب رفع الأمانة (8/ 130) ، ومسلم كتاب فضائل الصحابة- باب قوله صلّى الله عليه وسلم الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة (7/ 192) . قوله: (راحلة) قال ابن قتيبة: الراحلة النجيبة المختارة من الإبل للركوب وغيره، فهى كاملة الأوصاف، فإذا كانت فى إبل عرفت. ومعنى الحديث أن الناس متساوون ليس لأحد منهم فضل فى النسب. (4) أحناه: أى أشفقه، والحانية على ولدها التى تقوم عليهم بعد يتمهم فلا تتزوج. (5) حديث صحيح ... رواه مسلم فى كتاب فضائل الصحابة- باب فضائل نساء قريش (7/ 182) . فى الحديث بيان فضيلة نساء قريش، وفضل هذه الخصال، وهى الحنو على الأولاد، والشفقة عليهم، وحسن تربيتهم، والقيام عليهم، إذا كانوا يتامى ونحو ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 فوافيته فى يده الميسم يسم «1» إبل الصدقة «2» . [11] عن سهل بن أبى حثمة أن نفرا من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرّقوا فيها ووجدوا أحدهم قتيلا، وقالوا للذى وجد فيهم: قد قتلتم صاحبنا قالوا: ما قتلنا ولا علمنا قاتلا، فانطلقوا إلى النبى- صلّى الله عليه وسلّم- فقالوا: يا رسول الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلا. فقال: «الكبر الكبر» «3» فقال لهم: «تأتون بالبيّنة على من قتله؟» . قالوا: ما لنا بينة. قال: «فيحلفون» قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فكره رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- أن يطلّ «4» دمه فوداه «5» مائة من إبل الصدقة» «6» . [12] عن علىّ- رضى الله عنه-: «ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله، غير هذه الصّحيفة- قال: فأخرجها فإذا فيها أشياء من الجراحات وأسنان الإبل قال: وفيها المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا أو اوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل، وذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل» «7» .   (1) الميسم: هى الحديدة التى يكوى بها، ويسم الإبل أى يعلم عليها بالكى. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الزكاة- باب وسم الإمام إبل الصدقة بيده. (3) الكبر الكبر: أى ليبدأ الحديث أكبركم. (4) يطل دمه: أى يهدر دمه. (5) فوداه: أى أعطاه ديته، يقال: وديت القتيل دية، إذا أعطيت ديته.. (6) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الديات- باب القسامة (9/ 11) . (7) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الفرائض- باب إثم من تبرأ من مواليه (8/ 192) . فى الحديث أن انتماء المولى من أسفل إلى غير مولاه من فوق حرام لما فيه من كفر النعمة وتضييع حق الإرث بالولاء والعقل وغير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 [13] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- عن النبى- صلّى الله عليه وسلّم- قال: «والذى نفسى بيده لأذودنّ «1» رجالا عن حوضى كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض» «2» . [14] عن أبى سعيد الخدرى قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «ليس فيما دون خمس ذود «3» صدقة من الإبل، وليس فيما دون خمس أواق «4» صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» «5» . [15] عن ابن عمر قال: «بعث النّبىّ- صلّى الله عليه وسلّم- سريّة- وأنا فيهم- قبل نجد، فغنموا إبلا كثيرة، فكانت سهمانهم اثنى عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا ونفّلوا «6» بعيرا بعيرا» «7» . [16] عن أبى هريرة قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «إذا سافرتم فى الخصب «8» فأعطوا الإبل حظها من الأرض، وإذا سافرتم فى السّنة «9» فأسرعوا عليها السير، وإذا عرّستم بالليل فاجتنبوا   (1) لأذودن: أى لأطردن، والمراد أن صاحب الحوض يطرد إبل غيره عن حوضه. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب المساقاة، باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه (3/ 147) ، ومسلم كتاب الطهارة- باب إطالة الغرة والتحجيل فى الوضوء (1/ 150) . (3) الذّود من الإبل: ما بين الثّنتين إلى التّسع، وقيل: ما بين الثّلاث إلى العشر، واللفظة مؤنثة، ولا واحد لها من لفظها. (4) الأواق: جمع أوقية، وكانت قديما عبارة عن أربعين درهما. (5) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الزكاة، باب زكاة الورق (2/ 143- 144) ، وباب ليس فيما دون خمس ذود صدقة (2/ 147- 148) ، وباب ليس فيما دون خمسة أو سق صدقة (2/ 156) . (6) نفلوا: قال أهل اللغة والفقهاء: الأنفال هى العطايا من الغنيمة غير السهم المستحق بالقسمة، واحدها نفل. (7) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الجهاد والسير، باب الأنفال (5/ 146) . فى الحديث استحباب بعث السرايا، وما غنمت تشترك فيه هى والجيش إن انفردت عن الجيش فى بعض الطريق، وأما إذا خرجت من البلد، وأقام الجيش فى البلد، فتختص هى بالغنيمة ولا يشاركها الجيش. (8) الخصب: هو كثرة العشب والمرعى، وهو ضد الجدب. (9) السنة: القحط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 الطريق فإنها ماوى الهوامّ بالليل» «1» . [17] عن ابن عمر قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء، فإنها فى كتاب الله العشاء، وإنها تعتم بحلاب الإبل» «2» . [18] عن أبى موسى عن النبى- صلّى الله عليه وسلّم- قال: «تعاهدوا «3» هذا القران، فو الّذى نفس محمد بيده لهو أشدّ تفلّتا «4» من الإبل فى عقلها» «5» . [19] عن أبى هريرة أن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- قال: «لا يتلقّى الركبان لبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا «6» ، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصرّوا الإبل «7» والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النّظرين بعد أن يحلبها، فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ردّها وصاعا من تمر» «8» .   (1) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الإمارة- باب مراعاة مصلحة الدواب فى السير والنهى عن التعريس فى الطريق (6/ 54) ، والترمذى كتاب الأدب (10/ 294- 295) . فى الحديث حث على الرفق بالدواب، ومراعاة مصلحتها، فإن سافروا فى الخصب قللوا السير وتركوها ترعى فى بعض النهار وفى أثناء السير، وفيه إرشاد النبى صلّى الله عليه وسلّم لاداب السير. (2) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب المساجد- باب وقت العشاء وتأخيرها (2/ 118) . (لا تغلبنكم الأعراب) معناه: أن الأعراب يسمونها العتمة لكونهم يعتمون بحلاب الإبل، أى يؤخرونه إلى شدة الظلام، وإنما اسمها فى كتاب الله العشاء فى قوله تعالى: وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ فينبغى لكم أن تسموها العشاء. (3) تعاهدوا القران: أى جددوا عهده بملازمة تلاوته لئلا تنسوه. (4) تفلتا: التفلت والإفلات والانفلات التخلص من الشىء فجأة من غير تمكث. (5) حديث صحيح رواه مسلم كتاب الصلاة- باب الأمر بتعاهد القران (2/ 192) . (6) تناجشوا: النجش: هو أن يزيد فى ثمن السلعة لا لرغبة فيها، بل ليخدع غيره ويغره، ليزيد ويشتريها، وهذا حرام بالإجماع. (7) لا تصروا الإبل: من التصرية، ومعناه لا تجمعوا اللبن فى ضرعها عند إرادة بيعها، حتى يعظم ضرعها، فيظن المشترى أن كثرة لبنها عادة لها مستمرة. (8) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب البيوع- باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 [20] عن زيد بن خالد- رضى الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فسأله عن اللّقطة فقال: «اعرف عفاصها ووكاءها «1» ثم عرّفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها» . قال: فضالة الغنم؟ قال: «هى لك أو لأخيك أو للذّئب» . قال: فضالة الإبل؟ قال: «ما لك ولها؟ «2» معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربّها» «3» . [21] عن زهدم قال: كان بين هذا الحىّ من جرم وبين الأشعريين ودّ وإخاء، فكنّا عند أبى موسى الأشعرىّ، فقرّب إليه طعام فيه لحم دجاج، وعنده رجل من بنى تيم الله، أحمر كأنّه من الموالى، فقذزته، فحلفت ألااكله. فقال: قم فلأحدثنّك عن ذاك، إنى أتيت رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فى نفر من الأشعريين نستحمله فقال: «والله لا أحملكم، وما عندى ما أحملكم عليه» فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنهب إبل «4» ، فسأل عنا فقال: «أين النّفر   سومه، وتحريم النجش وتحريم التصرية (5/ 4) ، وتلقى الركبان هو أن يستقبل الحضرى البدوى قبل وصوله إلى البلد ويخبره بكساد وما معه كذبا، ليشترى منه سلعته بالوكس، وأقل من ثمن المثل. فى الحديث دليل على تحريم التدليس فى كل شىء، وأن التدليس بالفعل حرام كالتدليس بالقول. (1) قوله: (اعرف عفاصها ووكاءها) العفاص: هو الوعاء التى تكون فيه النفقة جلدا كان أو غيره، والوكاء: هو الخيط الذى يشد به الوعاء. والمراد أن يعرف العلامات عندما يلتقطها حتى يعلم صدق واصفها إذا وصفها له. (2) فرق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين الغنم والإبل، إذ قال: الغنم لك أن تأخذها، أما الإبل فهى مستغنية عمن يحفظها لاستقلالها بحذائها وسقائها وورودها الماء والشجر وامتناع الذئب عنها بخلاف الغنم. (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الأشربة- باب شرب الناس والدواب من الأنهار (3/ 149) وكتاب اللقطة- باب ضالة الإبل (3/ 163) ، وباب إذا جاء صاحب اللقطة بعد سنة (3/ 165) ، وكتاب الأدب باب ما يجوز من الغنم (8/ 34) ، ومسلم كتاب اللقطة (5/ 134) ، وأبو داود كتاب اللقطة (1704) . يلقاها ربها: أى صاحبها. (4) النهب: الغنيمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الأشعريون؟» فأمر لنا بخمس ذود غرّ الذّرى، فلما انطلقنا قلنا: ما صنعنا؟ حلف رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- لا يحملنا وما عنده ما يحملنا، ثم حملنا، تغفّلنا رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- يمينه، والله لا نفلح أبدا، فرجعنا إليه فقلنا له: إنا أتيناك لتحملنا فحلفت أن لا تحملنا وما عندك ما تحملنا، فقال: «إنى لست أنا حملتكم، ولكن الله حملكم، والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذى هو خير وتحللتها» «1» . [22] عن سلمة- رضى الله عنه- قال: «خفّت أزواد القوم وأملقوا «2» ، فأنوا النبى- صلّى الله عليه وسلّم- فى نحر إبلهم، فأذن لهم، فلقيهم عمر فأخبروه، فقال: ما بقاؤكم بعد إبلكم؟ فدخل على النبى- صلّى الله عليه وسلّم- فقال: يا رسول الله ما بقاؤهم بعد إبلهم؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ناد فى الناس يأتون بفضل أزوادهم «3» » فبسط لذلك نطع وجعلوه على النطع «4» فقام رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فدعا وبرّك «5» عليه، ثم دعا بأوعيتهم فاحتثى الناس «6» حتى فرغوا، ثم قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «أشهد ألاإله إلا الله وأنّى رسول الله» «7» .   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الأيمان والنذور- باب لا تحلفوا بابائكم (8/ 165) ، وكتاب الكفارات- باب الاستثناء فى الأيمان (9/ 196- 197) ، وكتاب التوحيد (9/ 196- 197) ، وكتاب الجهاد- باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين (5/ 219) ، ومسلم كتاب الأيمان- باب ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها أن يأتى الذى هو خير ويكفر عن يمينه. (2) أملقوا: افتقروا وفنى زادهم. (3) أزوادهم: أى ما يحملونه من طعام وماء وغيره. (4) النّطع: هو بساط من الجلد، كثيرا ما كان يقتل فوقه المحكوم عليه بالقتل. (5) برّك: أى دعا على الطعام بالبركة. (6) احتثوا: أى أخذوا حثية حثية والمراد اغترفوا منه غرفة غرفة. (7) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الشركة- باب الشركة فى الطعام والنهر (3/ 180) ، وكتاب الجهاد والسير- باب حمل الزاد فى الغزو (4/ 66- 67) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 [23] عن أبى هريرة حين قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «لا عدوى ولا صفر ولا هامة» «1» فقال أعرابى: يا رسول الله. فما بال الإبل تكون فى الرّمل كأنّها الظّباء فيجئ البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها كلّها؟ قال: «فمن أعدى الأوّل» «2» . [24] عن عمران بن حصين قال: كانت ثقيف حلفاء لبنى عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وأسر أصحاب رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- رجلا من عقيل وأصابوا معه العضباء «3» فأتى عليه رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وهو فى الوثاق قال: يا محمد، فأتاه فقال: «ما شأنك؟» فقال: بم أخذتنى، وبم أخذت سابقة الحاجّ «4» ؟ فقال- إعظاما لذلك- أخذتك بجريرة «5» حلفائك ثقيف. ثم انصرف عنه فناداه فقال: يا محمد، يا محمد وكان رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- رحيما رقيقا، فرجع إليه فقال: «ما شأنك؟» قال: إنى مسلم. قال: «لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح «6» ، ثم انصرف فناداه: يا محمد يا محمد..   (1) قوله صلّى الله عليه وسلّم (ولا صفر) فيه تأويلان: أحدهما: أن المراد تأخيرهم تحريم المحرم إلى صفر، وهو النسئ الذى كانوا يفعلونه. والثانى: أن الصفر دواب فى البطن وهى دود، وكانوا يعتقدون أن فى البطن دابة تهيج عند الجوع. قوله صلّى الله عليه وسلّم (ولا هامة) فيه تأويلان: أحدهما: أن العرب كانت تتشاءم بالهامة، وهى الطائر المعروف من طير الليل، وقيل: هى البومة. والثانى: أن العرب كانت تعتقد أن عظام الميت، وقيل: روحه تنقلب هامة تطير. (2) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب السلام- باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر (7/ 30 31) وأبو داود فى الطب- باب فى الطيرة ولا يورد ممرض على مصح (3911) ، وأحمد فى مسنده (2/ 267) . (3) العضباء: ناقة نجيبة كانت لرجل من بنى عقيل، ثم انتقلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (4) سابقة الحاج: هى العضباء، فإنها كانت لا تسبق أو لا تكاد تسبق، معروفة بذلك. (5) الجريرة: هى الجناية أى بما جنى حلفاؤك. (6) أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بهذه العبارة: أنك لو قلت كلمة الإسلام قبل الأسر حين كان أمرك بيدك أفلحت كل الفلاح لأنه لا يجوز أسرك لو أسلمت قبل الأسر فكنت فزت بالإسلام وبالسلامة من الأسر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 فأتاه فقال: «ما شأنك؟» قال: إنى جائع فأطعمنى، وظمان فاسقنى. قال: «هذه حاجتك» .. ففدى بالرجلين، قال: وأسرت امرأة من الأنصار وأصيبت العضباء فكانت المرأة فى الوثاق وكان القوم يريحون نعمهم بين يدى بيوتهم، فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى تنتهى إلى العضباء. فلم ترغ قال: وناقة منوّقة «1» فقعدت فى عجزها ثم زجرتها فانطلقت ونذروا بها فطلبوها فأعجزتهم. قال: ونذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنّها، فلما قدمت المدينة راها الناس فقالوا: العضباء ناقة رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فقالت: إنها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها. فأتوا رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فذكروا ذلك له فقال: «سبحان الله، بئسما جزتها «2» ، نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها!! .. لا وفاء لنذر فى معصية «3» ولا فيما لا يملك العبد» «4» . [25] عن عوف بن مالك قال: «قتل رجل من حمير رجلا من العدوّ فأراد سلبه «5» فمنعه خالد بن الوليد- وكان واليا عليهم- فأتى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- عوف بن مالك فأخبره فقال لخالد: «ما منعك أن تعطيه سلبه؟» قال: استكثرته يا رسول الله قال: «ادفعه إليه» فمرّ خالد بعوف، فجرّ بردائه ثم قال: هل أنجزت لك ما ذكرت   (1) ناقة منوقة: أى مذللة، ونذروا بها: علموا وأحسّوا بهربها. (2) أى بئس الجزاء الذى أرادته لها. (3) فى هذا دليل على أن من نذر معصية كشرب الخمر ونحو ذلك فنذره باطل لا ينعقد، ولا تلزمه كفارة يمين ولا غيرها. (4) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب النذور- باب لا وفاء لنذر فى معصية الله ولا فيما لا يملك العبد (5/ 78- 79) . (5) سلبه: سلاحه وما تركه من متاع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 لك من رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم «1» - فسمعه رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فاستغضب فقال: «لا تعطه يا خالد، لا تعطه يا خالد ... هل أنتم تاركون لى أمرائى، إنما مثلكم ومثلهم كمثل رجل استرعى إبلا أو غنما فرعاها ثمّ تحيّن سقيها فأوردها حوضا فشرعت فيه فشربت صفوه وتركت كدره، فصفوه لكم وكدره عليهم» «2» . [26] عن أنس بن مالك أن ناسا من عرينة قدموا على رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- المدينة فاجتووها «3» . فقال لهم رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها» ففعلوا فصحّوا، ثم مالوا على الرّعاء فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام وساقوا ذود رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فبلغ ذلك النبى- صلّى الله عليه وسلّم-، فبعث فى إثرهم فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل «4» أعينهم وتركهم فى الحرة حتى ماتوا «5» .   (1) أى قال عوف بن مالك: هل أنجرت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإنه كان قد قال لخالد: لابد أن أشتكى منك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (2) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الجهاد والسير- باب استحقاق سلب القتيل (5/ 149) . معنى الحديث: أن الرعية يأخذوون صفو الأمور، فتصلهم أعطياتهم بغير نكد، وتبتلى الولاة بمقاساة الأمور، وجمع الأموال على وجهها، وصرفها فى وجوهها، وحفظ الرعية، والشفقة عليهم، والذب عنهم، وإنصاف بعضهم من بعض. (3) عرينة: هم حى من قضاعة، من القحطانية. معجم القبائل (2/ 776) (اجتووها) أى لم توافقهم، وكرهوها لسقم أصابهم. (4) سمل أعينهم أى فقأها وأذهب ما فيها. (5) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب القسامة- باب حكم المحاربين والمرتدين (5/ 101- 102) . فائدة: استدل أصحاب مالك وأحمد بهذا الحديث أن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهران، وأجاب بعض الشافعية من القائلين بنجاستهما بأن شربهم الأبوال كان للتداوى وهو جائز بكل النجاسات سوى الخمر والمسكرات. قلت: ولا يجوز التداوى بالنجاسات بجميع أنواعها لحديث أبى هريرة: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الدواء الخبيث [حديث صحيح] . وإنما يستثنى أبوال الإبل لهذا الحديث، وهو من باب حمل العام على الخاص كما هو متقرر فى علم الأصول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 [27] عن رافع بن خديج قال: قلت: يا رسول الله إنا لاقو العدو غدا وليست معنا مدى قال- صلّى الله عليه وسلّم-: «أعجل أو أرنى ما أنهر الدم «1» ، وذكر اسم الله. فكل ليس السّنّ والظّفر، وسأحدثك، أما السّنّ فعظم، وأما الظّفر فمدى «2» الحبشة» قال: وأصبنا نهب إبل وغنم فندّ «3» منها بعير فرماه رجل بسهم فحبسه. فقال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «إن لهذه الإبل أوابد «4» كأوابد الوحش. فإذا غلبكم منها شىء فاصنعوا به هكذا» «5» . [28] عن جابر بن سمرة أن رجلا سأل رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت فتوضّأ، وإن شئت فلا توضّأ» قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «نعم فتوضأ من لحوم الإبل» . قال: أصلّى فى مرابض «6» الغنم؟ قال: «نعم» قال: أصلّى فى مبارك «7» الإبل؟ قال: «لا» «8» .   (1) ما أنهر الدم: معناه ما أساله وصبه بكثرة، وهو مشبه بجرى الماء فى النهر. (2) المدى جمع مدية وهى السكين. (3) فندّ: أى شرد وهرب نافرا. (4) أوابد الوحش: أى التى نفرت من الإنس وتوحشت. (5) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الأضاحى، باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا السن والظفر وسائر العظام (6/ 78) ، والنسائى فى كتاب الأضاحى (7/ 228) ، وأحمد فى المسند (4/ 140) . فى الحديث تصريح بجواز الذبح بكل محدد بقطع إلا الظفر والسن وسائر العظام، أما الظفر فيدخل فيه ظفر الادمى وغيره من كل الحيوانات الطاهر والنجس، وأما السن فيدخل فيه سن الادمى وغيره الطاهر والنجس. (6) مرابض: جمع مربض وهو موضع الغنم. (7) مبارك: موضع بروك الإبل والجثوم للطير. (8) حديث صحيح.. رواه مسلم كتاب الحيض- باب الوضوء من لحوم الإبل (1/ 189) ، وابن ماجه كتاب الطهارة- باب ما جاء فى الوضوء من لحوم الإبل حديث (497) ، وأحمد فى المسند (3/ 45) ، (4/ 67، 85) ، ومن حديث البراء بن عازب أخرجه أبو داود حديث (493) . أباح صلّى الله عليه وسلّم الصلاة فى مرابض الغنم دون مبارك الإبل، والنهى عن مبارك الإبل وهى أعطانها نهى تنزيه وسبب الكراهة ما يخاف من نفارها وتهويشها على المصلى والله أعلم [قاله النووى] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 [29] عن أنس بن مالك أن أناسا من الأنصار قالوا يوم حنين حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء، فطفق «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعطى رجلا من قريش المائة من الإبل فقالوا: يغفر الله لرسول الله، يعطى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. قال أنس بن مالك: فحدّث ذلك رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- من قولهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم فى قبّة من أدم فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فقال: «ما حديث بلغنى عنكم؟» فقال له فقهاء الأنصار: أما ذوو رأينا «2» يا رسول الله فلم يقولوا شيئا، وأما أناس منا حديثة أسنانهم «3» قالوا: يغفر الله لرسول الله يعطى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنى أعطى رجالا حديثى عهد بكفر أتألّفهم! أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله؟ فو الله لما تنقلبون به خير» فقالوا: بلى يا رسول الله، رضينا.. قال: «فإنكم ستجدون أثرة شديدة «4» فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله فإنى على الحوض» قالوا: سنصبر «5» . [30] عن جابر رضى الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- مهلّين بالحجّ معنا النّساء والولدان «6» فلمّا قدمنا مكّة طفنا بالبيت وبالصّفا والمروة فقال لنا رسول الله- صلّى الله عليه   (1) طفق: بمعنى أخذ فى الفعل وجعل يفعل، وهى من أفعال الشروع. (2) ذوو رأينا: أى أصحاب الرأى الصحيح فينا. (3) حديثة أسنانهم: أى صغار السن. (4) الأثرة: الاستئثار بالمشترك: أى يستأثر عليكم ويفضل عليكم غيركم بغير حق. (5) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الزكاة- باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام ومن يخاف على إيمانه (3/ 105) . (6) قوله: (معنا النساء والولدان) فيه دليل على صحة حج الصبى والحج به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وسلّم-: «من لم يكن معه هدى فليحلل» قال: قلنا: أىّ الحلّ؟ قال: «الحلّ كلّه» قال: فأتينا النّساء ولبسنا الثّياب ومسسنا الطّيب فلما كان يوم التّروية أهللنا بالحج، وكفانا الطّواف الأول بين الصفا والمروة فأمرنا رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- أن نشترك فى الإبل والبقر، كل سبعة منّا فى بدنة «1» «2» . [31] عن عقبة بن عامر قال: كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتى فروّحتها بعشىّ «3» فأدركت رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- قائما يحدث الناس، فأدركت من قوله: «ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلى ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة» . فقلت: ما أجود هذه؟ «4» فإذا قائل بين يدىّ يقول: التى قبلها أجود، فنظرت فإذا عمر قال: إنّى قد رأيتك جئت انفا «5» قال: «ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء «6» ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلّا فتّحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء» «7» .   (1) قوله (فأمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نشترك فى الإبل والبقر كل سبعة منا فى بدنة) البدنة: تطلق على البعير والبقرة والشاة، لكن غالب استعمالها فى البعير وهكذا قال العلماء: تجزى البدنة من الإبل والبقر كل واحدة منهما عن سبعة، ففى الحديث دلالة لإجزاء كل واحدة منهما عن سبعة أنفس، وقيامها مقام سبع شياه، وفيه دلالة لجواز الاشتراك فى الهدى والأضحية. (2) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الحج- باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتاع والقران وجواز إدخال الحج على العمرة (4/ 36) . (3) يريد بهذا الكلام أنهم كانوا يتناوبون رعى إبلهم فيجتمع الجماعة ويضمون إبلهم بعضها إلى البعض فيرعاها كل يوم واحد منهم يوما ليكون أرفق بهم، وروّحتها بعشى: رددتها إلى مراحها. (4) ما أجود هذه: يعنى هذه الكلمة أو الفائدة، أو البشارة، وجودتها من جهات منها: أنها سهلة متيسرة يقدر عليها كل أحد بلا مشقة، ومنها: أن أجرها عظيم. (5) انفا: أى قريبا. (6) يسبغ الوضوء: أى يتمه ويكمله فيوصله مواضعه على الوجه المسنون. (7) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الطهارة- باب الذكر المستحب عقب الوضوء (1/ 144) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 [32] عن أبى هريرة قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «ترد علىّ أمّتى الحوض وأنا أذود النّاس عنه «1» كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله» . قالوا: يا نبىّ الله- أتعرفنا؟ قال: «نعم، لكم سيما ليست لأحد غيركم «2» ، تردون علىّ غرّا محجّلين من اثار الوضوء، وليصدّنّ عنى طائفة منكم فلا يصلون فأقول: يا رب هؤلاء من أصحابى فيجيا بنى ملك فيقول: وهل تدرى ما أحدثوا بعدك «3» ؟!» «4» . [33] عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال النبى- صلّى الله عليه وسلّم-: «تأتى الإبل على صاحبها على خير ما كانت «5» ، إذا هو لم يعط فيها حقّها «6» تطؤه بأخفافها، وتأتى الغنم على صاحبها على خير ما كانت إذا لم يعط فيها حقّها تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها» . قال: «ومن حقها أن تحلب على الماء «7» » . قال: «ولا يأتى أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يعار «8» فيقول: يا محمد؛ فأقول: لا أملك لك شيئا، قد بلّغت، ولا يأتى ببعير يحمله على رقبته له رغاء «9»   أحكام الحديث: فيه أنه يستحب للمتوضئ أن يقول عقب وضوئه: أشهد ألاإله إلا الله واحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وهذا متفق عليه. قال النووى: قال أصحابنا: وتستحب هذه الأذكار للمغتسل أيضا. (1) وأنا أذود الناس عنه: أى أطرد وأمنع الناس عنه. (2) أى لكم علامة تعرفون بها. (3) أى هل تعرف ما بدلوا بعدك؟ (4) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الطهارة- باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل فى الوضوء (1/ 150) . (5) أى تأتى الإبل يوم القيامة على خير ما كانت من العظم والسمن ومن الكثرة لأنها تكون عنده على حالات مختلفة فتأتى على أكملها ليكون ذلك أنكى له لشدة ثقلها. (6) أى إذا هو لم يؤد زكاتها. (7) أى لمن يحضرها من المساكين. (8) يعار: اليعار هو صياح الغنم. (9) الرغاء: هو صوت الإبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 فيقول: يا محمد فأقول: لا أملك لك شيئا قد بلّغت» «1» . [34] عن ابن عباس- رضى الله عنهما- أنه دفع مع النبى- صلّى الله عليه وسلّم- يوم عرفة، فسمع النبىّ- صلّى الله عليه وسلّم- وراءه زجرا «2» شديدا وضربا وصوتا للإبل، فأشار بسوطه إليهم وقال: «أيها الناس، عليكم بالسّكينة «3» ، فإن البرّ ليس بالإيضاع «4» » «5» . [35] عن أبى هريرة قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «تكون إبل للشّياطين «6» وبيوت للشّياطين، فأمّا إبل الشّياطين فقد رأيتها يخرج أحدكم بجنيبات «7» معه قد أسمنها فلا يعلو بعيرا منها ويمرّ بأخيه قد انقطع به فلا يحمله، وأمّا بيوت الشّياطين فلم أرها» . كان سعيد يقول: لا أراها إلّا هذه الأقفاص «8» الّتى يستر النّاس بالدّيباج «9» . [36] عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت النبى- صلّى الله عليه وسلّم- يقول: «فى كلّ إبل سائمة «10» فى كلّ أربعين   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الزكاة- باب إثم مانع الزكاة (2/ 132) . (2) زجرا: أى صياحا لحثّ الإبل. (3) عليكم بالسكينة: أى فى السير، والمراد السير بالرفق وعدم المزاحمة. (4) الإيضاع: السير السريع. (5) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الحج- باب أمر النبى صلّى الله عليه وسلّم بالسكينة عند الإفاضة وإشارتهم إليهم بالسوط (2/ 201) . (6) أى توجد (إبل للشياطين) يريد بها المعدة للتكاثر والتفاخر ولم يقصد بها أمرا مشروعا، (وبيوت للشياطين) أى إذا كانت زائدة على قدر الحاجة. (7) جنيبات: جمع جنيبة وهى الدابة التى تقاد، والمراد التى ليس عليها راكب. (8) الأقفاص: المراد بها الهوادج والمحامل التى يأخذها المترفون فى الأسفار. (9) إسناده ضعيف، رواه أبو داود فى سننه، كتاب الجهاد، باب فى الجنائب: حديث (2568) من طريق سعيد بن أبى هند عن أبى هريرة، وسعيد بن أبى هند لم يلق أبا هريرة كما قال أبو حاتم، انظر عون المعبود: (7/ 2370) . (10) السائمة: هى كل إبل أو ما شبة ترسل للرعى ولا تعلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 ابنة لبون لا يفرّق إبل عن حسابها «1» من أعطاها مؤتجرا «2» فله أجرها ومن أبى فإنّا اخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا «3» لا يحلّ لال محمد- صلّى الله عليه وسلّم- منها شىء» «4» . [37] عن سراقة بن جعشم قال: سألت رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- عن ضالّة الإبل، تغشى حياضى «5» ، قد لطتّها «6» لإبلى، فهل لى من أجر إن سقيتها؟ قال: «نعم. فى كلّ ذات كبد حرّى «7» أجر» «8» . [38] عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- «قضى أنّ من قتل خطأ فديته مائة من الإبل: ثلاثون بنت مخاض «9» ، وثلاثون بنت لبون «10» ، وثلاثون حقّة «11» ، وعشرة بنى لبون ذكر» «12» . [39] عن عطاء بن أبى رباح أن رسول الله- صلّى الله عليه   (1) (لا يفرق إبل عن حسابها) أى تحاسب الكل فى الأربعين ولا يترك هزال ولا سمين ولا صغير. (2) مؤتجرا: أى طالبا للأجرة. (3) عزمة من عزمات ربنا: أى حق من حقوقه وواجب من واجباته. (4) حديث صحيح رواه أحمد (5/ 4) والنسائى فى كتاب الزكاة- باب عقوبة مانع الزكاة (5/ 15- 17) . (5) أى الإبل التى بلا مرعى تنزل حياض إبلى. (6) لطتها: من لاط حوضه أى طينه وأصلحه. (7) الحرى: فعلى من الحرّ، وهى تأنيث حران، أى أنها لشدة حرها قد عطشت ويبست من العطش. (8) حديث صحيح.. رواه أحمد فى المسند (4/ 175) ، وابن ماجه فى سننه، كتاب الأدب، باب فضل صدقة الماء: (3686) : 2/ 1215، والحاكم فى المستدرك: (3/ 619) . (9) بنت مخاض: هى التى طعنت فى الثانية، سميت بها لأن أمها صارت ذات مخاض بأخرى. (10) بنت لبون: هى التى طعنت فى الثالثة، سميت بها لأن أمها تلد أخرى وتكون ذات لبن. (11) حقّه: وهى التى طعنت فى الرابعة، وحق لها أن تركب وتحمل. (12) مرسل سنده ضعيف.. رواه أبو داود فى سننه، كتاب الديات، باب الدية كم هى (4543) عن عطاء مرسلا، وفيه محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وسلّم- «قضى فى الدّية على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتى بقرة، وعلى أهل الشّاء ألفى شاة، وعلى الحلل مائتى حلّة، وعلى أهل القمح شيئا لم يحفظه محمّد» «1» . [40] عن أبى ذر قال: سمعت رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- يقول: «فى الإبل صدقتها، وفى الغنم صدقتها، وفى البقر صدقتها، وفى البرّ صدقته» «2» . [41] عن أبى مسعود الأنصارى قال: بعثنى النبى- صلّى الله عليه وسلّم- ساعيا ثم قال: «انطلق يا أبا مسعود، ولا ألفينّك يوم القيامة يجىء على ظهرك بعير من إبل الصّدقة له رغاء قد غللته» قال: إذا لا أنطلق. قال: «إذا لا أكرهك» «3» . [42] عن عبد الله بن أبى بكرة قال: حدثنى أبى فى هذا المسجد، يعنى مسجد البصرة، قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «لتنزلن طائفة من أمتى أرضا يقال لها البصرة، يكثر بها عددهم، ويكثر بها نخلهم، ثم يجىء بنو قنطوراء، عراض الوجوه صغار العيون، حتى ينزلوا على جسر لهم يقال له دجلة، فيتفرق المسلمون ثلاث فرق؛ فأما فرقة فيأخذون بأذناب الإبل، وتلحق بالبادية   (1) حديث ضعيف.. رواه أحمد فى المسند (5/ 179) ، والحاكم فى المستدرك (1/ 388) بسند فيه موسى بن عبيد وهو ضعيف، وتابعه ابن جريج إلا أنه مدلس وقد عنعنه. وانظر ضعيف الجامع: (3996) . استدل بالحديث من قال: إن الدية من الإبل مائة، ومن البقر مائتان، ومن الشاة ألفان، ومن الحلل مائتان كل حلة إزار ورداء وقميص وسراويل. وفيه رد على من قال: إن الأصل فى الدية الإبل وبقية الأصناف مصالحة لا تقدير شرعى. انظر عون المعبود (7/ 286) . (2) رواه أبو داود فى كتاب الديات- باب الدية كم هى، حديث (4541) بسند ضعيف. (3) رواه أبو داود فى سننه، كتاب الخراج والإمارة، باب: فى غلول الصدقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وهلكت، وأما فرقة فتأخذ على أنفسها فكفرت، فهذه وتلك سواء، وأما فرقة فيجعلون عيالهم خلف ظهورهم ويقاتلون، فقتلاهم شهداء، ويفتح الله على بقيتها» «1» . [43] عن أبن عمر رضى الله عنهما قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين، ولا الصاع بالصاعين، فإنى أخاف عليكم الرماء» والرماء هو الربا. فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس، والنجيبة بالإبل؟ قال: «لا بأس إذا كان يدا بيد» «2» . [44] عن أبى سعيد الخدرى أن أعرابيا سأل رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- عن الهجرة فقال: «ويحك! إن شأنها شديد، فهل لك من إبل تؤدى صدقتها؟» قال: نعم. قال: «فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئا» «3» . [45] عن أنس أن أبا بكر رضى الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: «بسم الله الرحمن الرحيم. هذه فريضة الصدقة التى فرض رسول الله عليه وسلم على المسلمين، والتى أمر الله بها   (1) رواه أحمد فى مسنده 5/ 45. (2) رواه أحمد فى مسنده 2/ 109. قال صاحب فقه السنة: والخلاصة أن كل ما سوى الذهب والفضة والمأكول والمشروب لا يحرم فيه الربا.. فيجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا ونسيئة، ويجوز فيه التفرق قبل التقايض.. فيجوز بيع شاة بشاتين نسيئة ونقدا، وكذا شاة بشاة.. لحديث عمرو بن العاص أن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- أمره أن يأخذ فى قلائص الصدقة البعير بالبعيرين إلى الصدقة ... وثبت أن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- اشترى عبدا بعبدين أسودين، واشترى جارية بسبعة أرؤس.. ورلى هذا ذهب الشافعى ا. هـ. (3) رواه البخارى فى كتاب الزكاة، باب زكاة الإبل.. قال الحافظ: وفى الحديث فضل زكاة الإبل، ومعادلة إخراج حق الله منها لفضل الهجرة، فإن فى الحديث إشارة إلى أن استقراره بوطنه إذا أدى زكاة إبله يقوم له مقام ثواب هجرته وإقامته بالمدينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 رسوله، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط: فى أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم من كلّ خمس شاة، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض «1» أنثى، فإذا بلغت ستّا وثلاثين إلى خمس وأربعين أنثى ففيها بنت لبون «2» أنثى، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقّة طروقة الجمل «3» ، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة «4» ، فإذا بلغت- يعنى ستا وسبعين- إلى تسعين ففيها بنتا لبون. فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقّتان طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففى كلّ أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقّة. ومن لم يكن معه إلّا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلّا أن يشاء ربّها، فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة. وفى صدقة الغنم فى سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث، فإذا زادت على ثلاثمائة ففى كلّ مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلّا أن يشاء ربّها، وفى الرّقة «5» ربع العشر، فإذا لم تكن إلّا تسعين ومائة فليس فيها شىء إلّا أن يشاء ربّها» «6» .   (1) بنت المخاض: التى أتى عليها الحول ودخلت فى الثانى وحملت أمها. والماخض: التى دخل وقت حملها وإن لم تحمل. (2) ابن اللبون: الذى دخل فى ثالث سنة فصارت أمه لبونا بوضع الحمل. (3) المراد أنها بلغت أن يطرقها الفحل، وهى التى أتت عليها ثلاث سنين ودخلت فى الرابعة. (4) الجذعة: التى أتت عليها أربع ودخلت فى الخامسة. (5) الرقة: الفضة الخالصة. (6) رواه البخارى فى كتاب الزكاة، باب: زكاة الغنم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 [46] عن سلمة بن الأكوع قال: قدمنا المدينة زمن الحديبية مع رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-، فخرجنا أنا ورباح غلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- بظهر رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-، وخرجت بفرس لطلحة بن عبيد الله كنت أريد أن أبديه مع الإبل، فلما كان بغلس غار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وقتل راعيها، وخرج يطردها هو وأناس معه فى خيل. فقلت: يا رباح، اقعد على هذا الفرس فألحقه بطلحة، وأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- أنه قد أغير على سرجه. قال: وقمت على تلّ فجعلت وجهى من قبل المدينة، ثم ناديت ثلاث مرات: يا صاحباه، ثم اتبعت القوم مع سيفى ونبلى فجعلت أرميهم وأعقر بهم، وذلك حين يكثر الشجر، فإذا رجع إلىّ فارس جلست له فى أصل شجرة، ثم رميت فلا يقبل علىّ فارس إلا عقرت به، فجعلت أرميهم وأنا أقول: أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع ... الحديث «1» . [47] عن مالك أنه قرأ كتاب عمر بن الخطاب فى الصدقة، قال: فوجدت فيه: بسم الله الرحمن الرحيم- كتاب الصدقة- فى أربع وعشرين من الإبل، فدونها الغنم، فى كل خمس شاة، وفيما فوق ذلك إلى خمس وثلاثين ابنة مخاض «2» ، فإن لم تكن ابنة مخاض، فابن لبون ذكر «3» ،   (1) رواه الإمام أحمد مطولا فى مسنده 4/ 52- 53. (2) ابنة مخاض: أتى عليها الحول ودخلت فى الثانى وحملت أمها.. والمخاض: الحمل، أى دخل وقت حملها وإن لم تحمل. (3) ابن لبون: ما دخل فى الثالثة، فصارت أمه لبونا بوضع الحمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وفيما فوق ذلك، إلى خمس وأربعين، بنت لبون، وفيما فوق ذلك إلى ستّين، حقّة طروقة «1» الفحل. وفيما فوق ذلك، إلى خمس وسبعين، جذعة. وفيما فوق ذلك، إلى تسعين، ابنتا لبون. وفيما فوق ذلك، إلى عشرين ومائة، حقّتان، طروقتا الفحل. فما زاد على ذلك من الإبل، ففى كلّ أربعين، بنت لبون.، وفى كلّ خمسين حقّة. فى سائمة الغنم، إذا بلغت أربعين إلى عشرين ومائة، شاة، وفيما فوق ذلك، إلى مائتين، شاتان، وفيما فوق ذلك، إلى ثلاثمائة، ثلاث شياه، فما زاد على ذلك، ففى كلّ مائة شاة. ولا يخرج فى الصّدقة تيس «2» ، ولا هرمة، ولا ذات عوار «3» ، إلّا ما شاء المصّدّق، ولا يجمع بين مفرق، ولا يفرّق بين مجتمع خشية الصّدقة. وما كان من خليطين فإنّهما يتراجعان بينهما بالسّويّة، وفى الرّقة «4» ، إذا بلغت خمس أواق، ربع العشر «5» .   (1) الحقة من الإبل: ما دخل فى السنة الرابعة إلى اخرها.. والطروقة: أى التى يمكن للفحل أن يعلوها. (2) التيس: فحل الغنم، أو مخصوص بالمعز. (3) الهرمة: كبيرة سقطت أسنانها، وذات العوار: المعيبة. (4) الرقة: الفضة، سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة. (5) رواه مالك فى الموطأ كتاب الزكاة حديث رقم 23، وأبو داود فى كتاب الزكاة باب زكاة السائمة، والترمذى كتاب الزكاة، باب ما جاء فى الإبل والغنم، وحسّنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 2- الأرضة (الأرضة- سوسة الخشب- دابة الأرض- السّرفة) (أ) الأرضة فى اللغة: الأرضة دويبة بيضاء تشبه النملة، ودودة أو دويبّة تأكل الخشب ونحوه، وهى كنصف العدسة. وإن شئت فسمها «سوسة الخشب» أو «دابة الأرض» التى ذكرها الله سبحانه وتعالى- فى القران الكريم، وجاء ذكرها فى الحديث الشريف «1» . ولما كان فعلها فى الأرض أضيفت إليها فاشتق اسم «الأرضة» من فعل «أرض» بمعنى أكل. ويقال لها: «السّرفة» . وفى المثل: «اكل من أرضة» و «أصنع من أرضة» . (ب) طبائع الأرضة: إذا كان العرب قد وصفوها بأنها تشبه النملة فإنها تختلف عن «النمل الحقيقى» الذى يعرفه كل إنسان فى المنازل والحدائق والمصانع وغيرها. فالنمل له جسم صلب داكن اللون عادة، ولكن «الأرضة» جسمها لين، فاتح اللون. هذا ولا يوجد للأرضة خصر ضيق بين الصدر والبطن كما هو الحال فى النمل.   (1) حسن أخرجه ابن ماجه فى سننه، كتاب الإقامة (199) والدارمى فى سننه، المقدمة (6) ، وأحمد فى المسند (5/ 137- 139) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 على أنهما يختلفان- أيضا- فى العادات الغذائية: فالنمل يأكل كل شىء يعثر عليه من بقايا الحيوانات الحية أو الميّتة، والأوراق النباتية والفطريات، ورحيق الأزهار والعصارات النباتية، وما يستطيع الوصول إليه من طعام الإنسان- بينما لا تتغذى «الأرضة» إلا على الخشب والمصنوعات الخشبية، كما تتغذى على جذور الأشجار وسيقانها وفروعها المختلفة. وهى لا تعيش منفردة، بل توجد دائما فى مستعمرات تحت الأرض يبلغ تعداد كل منها عدة الاف من الأفراد. وفن مجتمع الأرضة يمكن تمييز أربعة أنواع من الأفراد وهى: الذكور، والملكات، والجنود، والشغالة، ولكل منها وظيفة محددة تؤدى لصالح هذا المجتمع. وعلى الشغالة من الذكور والإناث أن تقوم بقرض الخشب، وابتلاع أجزاء من التربة متخذة من تلك المواد طعاما لها. وبعد هضم هذا الطعام تقئ «الشغالة» جزا منه لإطعام الملكة والجنود والحوريات الصغيرة. وتستخدم الشغالة فى بناء الأعشاش والممرات مادة من جزئيات التربة تبللها بلعابها، ثم تقيئها بعد فترة من الزمن فتصبح صالحة للاستعمال كمادة لاصقة. ويقول عالم الحشرات «هويلر» : إن هذه المادة بعد جفافها فى صلابة «الأسمنت» الذى يستخدمه الإنسان فى عمليات البناء والتشييد. وربما أفسدت الأرضة على أهل القرى منازلهم، وأكلت كل شىء لهم، ولا تزال كذلك حتى يظهر النمل الأبيض فى تلك القرى، فيسلط الله ذلك النمل على تلك الأرضة حتى يأتى على اخرها!. (ج) الأحكام الفقهية: إذا استخرجت من الأرض ترابها فهل يجوز التيمم به؟ قال القاضى حسين: إن استخرجته من «مدر» جاز التيمم به، ولا يضر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 اختلاطه بلعابها؛ فإنه طاهر؛ فصار كتراب عجن بخلّ أو ماء ورد. وإن استخرجت شيئا من الخشب أو الكتب لم يجز لعدم التراب. العثّة: بضم العين وتشديد التاء- دويبة تلحس الثياب والصوف، والجمع: عث وعثث، وأكثر ما تكون فى الصوف. وقال فى «المحكم» : هى دويبة تقع فى الصوف. وقال ابن قتيبة إنها دويبة تأكل الأديم، وغاير بينها وبين الأرضة. وقال الجوهرى: العثة: السوسة التى تلحس الصوف وحكمها: تحريم الأكل. (د) ما جاء بشأن الأرضة فى الحديث النبوى الشريف: جاء فى الصحيحين وغيرهما أن قريشا لما بلغهم إكرام النجاشى لجعفر وأصحابه وكتبوا كتابا على بنى هاشم ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم. وكان الذى كتب الصحيفة بغيض بن عامر فشلّت يده! وعلّقوا الصحيفة فى جوف الكعب، وحصروا بنى هاشم فى شعب أبى طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من مبعثه صلّى الله عليه وسلّم، وانحاز إليهم بنو عبد المطلب، وقطعت عنهم قريش الميرة والمادة، فكانوا لا يخرجون إلا من موسم إلى موسم، حتى بلغوا الجهد، وأقاموا على ذلك ثلاث سنين. ثم أطلع الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم على أمر الصحيفة، وأن الأرضة قد أكلت ما كان فيها من ظلم وجور، وبقى ما كان فيها من ذكر الله تعالى، فأخبرهم أبو طالب بذلك، فارتقوا إلى الصحيفة فوجدوها، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخرجوهم من الشّعب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 [48] عن الطّفيل بن أبىّ بن كعب، عن أبيه: قال: كان رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- يصلّى إلى جذع إذ كان المسجد عريشا «1» وكان يخطب إلى ذلك الجذع. فقال رجل من أصحابه: هل لك أن نجعل لك شيئا تقوم عليه يوم الجمعة حتّى يراك النّاس وتسمعهم خطبتك؟ قال: «نعم» فصنع له ثلاث درجات. فهى الّتى أعلى المنبر. فلمّا وضع المنبر، وضعوه فى موضعه الّذى هو فيه. فلمّا أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- أن يقوم إلى المنبر، مرّ إلى الجذع الّذى كان يخطب إليه. فلمّا جاوز الجذع «2» ، خار «3» حتّى تصدّع وانشقّ. فنزل رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- لمّا سمع صوت الجذع. فمسحه بيده حتّى سكن. ثمّ رجع إلى المنبر. فكان إذا صلّى، صلّى إليه. فلمّا هدم المسجد وغيّر، أخذ ذلك الجذع أبىّ ابن كعب. وكان عنده فى بيته حتّى بلى. فأكلته الأرضة وعاد رفاتا «4» » «5» .   (1) عريشا: هو ما يستظل به كعريش الكرم. (2) أى سار بعيدا عنه. (3) خار: أى صاح وبكى. (4) رفاتا: أى كسر وصار فتاتا. (5) حديث حسن.. رواه ابن ماجه فى سننه كتاب إقامة الصلاة- باب ما جاء فى بدء شأن المنبر، حديث (1414) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 3- الأرنب (الأرنب- الخزز- عكرشة- خرنق- سخلة) (أ) الأرنب فى اللغة: الأرنب: واحدة الأرانب، وهو اسم جنس يطلق على الذكر والأنثى. وجمع أرنب أرانب وأران. وقال الجاحظ: فإذا قلت: أرنب فلا يطلق إلا على الأنثى، كما أن العقاب لا يكون إلا للأنثى. وذكر الأرنب يقال له: «الخزز» ، وجمعه «خزّان» . ويقال للأنثى: «عكرشة» . والخرنق: ولد الأرنب، فهو أولا خرنق، ثم سخلة، ثم أرنب. وقالت العرب فى أمثالهم: «أقطف من أرنب» و «أطعم أخاك كلية الأرنب» . ويضرب للمواساة. ومن أمثالهم المشهورة: «فى بيته يؤتى الحكم» وهو ما زعمته العرب على ألسنة البهائم. قالوا: إن الأرنب التقطت تمرة، فاختلسها الثعلب فأكلها، فانطلقا يختصمان إلى الضب؛ فقالت الأرنب: يا أبا حسل! قال: سميعا دعوت. قالت: أتيناك لنختصم إليك. قال: عادلا حكّمتما. قالت: فاخرج إلينا. قال: فى بيته يؤتى الحكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 قالت: إنى وجدت تمرة. قال: حلوة فكليها. قالت: فاختلسها الثعلب. قال: لنفسه بغى الخير. قالت: فلطمته. قال: بحقّك أخذت. قالت: فلطمنى!. قال: حرّ انتصر لنفسه. قالت: فاقض بيننا. قال: قد قضيت. فذهبت أقواله كلها أمثالا. (ب) طبائع الأرنب: الأرنب حيوان قصير اليدين، طويل الرجلين، يطأ الأرض على مؤخر قوائمه. والأرنب تنام مفتوحة العين، فربما جاءها القناص فوجدها كذلك فيظنها مستيقظة. ويضرب المثل بالأرنب فى كثرة التناسل؛ إذ يصل متوسط إنتاجها فى السنة إلى 48 أرنبا. وللذكر القدرة على تلقيح عشرين أنثى! ومن طباعها: الجبن والخوف! وهى- كما يقول الجاحظ- لا ترد الماء ولا تريده. وفى الأرنب جبن، وقد عوضه الله عن ذلك بأذنين طويلتين حتى يتمكن بهما من التقاط الأصوات بكفاءة عالية، وعندئذ يتمكن من الفرار عند الخطر، ويسلم من أذى الأعداء! وقد زوده الله- أيضا- بحاسة شم قوية إلى جانب أنه يتمتاع بساقين خلفيتين طويلتين تمكنانه من الاندفاع بقوة إلى الأمام فى أثناء الجرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 ولشدة خوفها وجبنها تعيش البرّية منها فى جحور تحت الأرض، ولا تهجرها إلا لضرورة ماسّة كالبحث عن الطعام! وغالبا ما يكون ذلك قبيل الفجر حتى تكون فى مأمن من العيون الراصدة! ومن أشهى الأطعمة للأرانب: البرسيم، وعرش الجزر، والبطاطا، والحشائش البرية! ومن بعض أنواع الأرانب «الأنجوراه» نصنع الأقمشة الصوفية حيث يبلغ طول شعرها حوالى 30 سنتيمترا، ويربى هذا النوع فى تركيا. ونحصل أيضا من الأرنب على نوع من «الفراء» يتميز بشعر ناعم الملمس، وموطنه فرنسا وألمانيا. ويسمى «الركس» . ولا تعجب إذا عرفت أن فراءه متعدد الألوان سميك حتى أنهم يعتبرونه من أفضل أنواع الفراء الطبيعى فى العالم. أما أنواع الأرانب الموجودة بمصر فإنها تكاد تكون مخصصة لأكل لحمها، وهى نوعان: (أ) نوع يسمى «البلدى الأحمر» . (ب) ونوع اخر يسمى «الجيزة الأبيض» . والأرنب حيوان من رتبة القوارض يغطى جسمه فرو ناعم، ومنه البرى والداجن. وتتحدث كتب الحيوان عن «أرنب بحرى» فيقول ابن سينا: إنه حيوان صغير صدفى من ذوات السموم. وللأرانب أهمية كبيرة فى زيادة الثروة الحيوانية نظرا لنموها السريع، وسرعة توالدها، ووفرة نسلها، مما يسهم فى حل أزمة اللحوم. وقد تربى الأرانب بغرض إنتاج الفراء أو للزينة- كما عرفت- وقد يصل وزن الأرنب إلى 8 كيلو جرام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 ويكمل نموها الجنسى عندما تبلغ خمسة أشهر، ولها القدرة على إنتاج: (5- 6 بطون) فى السنة بمتوسط (8 أفراد) فى البطن الواحدة. وتقوم الأرانب البرية بإنشاء مساكنها بنفسها، وذلك بحفر جحورها فى باطن الأرض لحمايتها من العوامل الجوية، والحيوانات المعتدية! والأرنب والضفادع والدّراج تعظم ولا تسمن! والناس يتقززون من الأرانب والضباع لمكان الحيض. (ج) الأحكام الفقهية: ويحل أكل الأرنب عند العلماء كافة، وسؤرها طاهر. (د) وإليك ما جاء بشأنها فى الحديث النبوى الشريف: [49] عن أنس رضى الله عنه قال: «أنفجنا أرنبا «1» بمر الظهران «2» ، فسعى القوم فلغبوا «3» ، فأدركتها فأخذتها، فأتيت بها أبا طلحة، فذبحها، فبعث بوركها وفخذيها إلى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فأتيت بها رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فقبله» «4» . [50] عن محمد بن خالد قال: سمعت أبى خالد بن الحويرث يقول: «إن عبد الله بن عمرو كان بالصّفاح- قال محمد: مكان بمكة- وإنّ رجلا جاء بأرنب قد صادها، فقال: يا عبد الله بن عمرو،   (1) أنفجنا أرنبا: أى نفرناها وأخرجناها. (2) مر الظهران: واد على بعد خمسة أميال من مكة إلى جهة المدينة. (3) لغبوا: أى تعبوا. (4) حديث صحيح ... رواه البخارى فى كتاب الهبة وفضلها- باب قبول هدية الصيد (3/ 203) ، وفى كتاب الصيد والذبائح- باب الأرنب (7/ 125) ، ومسلم فى كتاب الصيد والذبائح باب إباحة الأرانب (6/ 71) ، وأبو داود فى كتاب الأطعمة- باب فى أكل الأرنب (3791) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 ما تقول؟ قال: قد جئ بها إلى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وأنا جالس فلم يأكلها ولم ينه عن أكلها، وزعم أنّها تحيض» «1» . [51] عن أبى الزبير: «أن عمر بن الخطاب قضى فى الضّبع بكبش، وفى الغزال بعنز، وفى الأرنب بعناق «2» ، وفى اليربوع «3» بجفرة «4» » «5» . وذلك فى فدية ما أصيب من الطير والوحش. [52] وفى حديث أم زرع الذى رواه الشيخان: « ... قالت الثامنة: زوجى، الريح ريح زرنب «6» ، والمسّ مسّ أرنب «7» ... » «8» الحديث. [53] وجاء فى حديث ابن حوالة عند أحمد « ... كيف تفعل فى فتنة تخرج فى أطراف الأرض كأنها صياحى بقر؟» قلت: لا أدرى ما خار الله لى ورسوله. قال: «وكيف تفعل فى أخرى تخرج بعدها كأن الأولى فيها انتفاجة «9» أرنب؟» .   (1) حديث ضعيف ... رواه أبو داود فى كتاب الأطعمة- باب فى أكل الأرنب، حديث (3792) ، وقال المنذرى: قال عثمان بن سعيد: سألت يحيى بن معين عن خالد بن الحويرث فقال: لا أعرفه، وقال الحافظ أبو أحمد بن عدى: وخالد هذا كما قال ابن معين لا يعرف وأنا لا أعرفه أيضا. انظر عون المعبود (10/ 265) . (2) العناق: إناث الإبل قبل كمال الحول. (3) اليربوع: حيوان شبيه بالفأر ولكن ذنبه وأذنيه أطول. (4) الجفرة: الجفر من أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر. (5) رواه مالك فى كتاب الحج- باب فدية ما أصيب من الطير والوحش حديث (230) . (6) الزرنب: نوع من الطيب معروف، أرادت الثناء على زوجها، فريحه دائما طيب، وخلقه لين وعشرته حسنه. (7) والمسّ مس أرنب: تعبير صريح فى لين الجانب وكرم الخلق. (8) رواه البخارى فى صحيحه كتاب النكاح، ومسلم فى فضائل الصحابة، حديث رقم 92. (9) استنفج الأرنب: استخرجه من مجثمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 قلت: لا أدرى ما خار الله لى ورسوله. قال: «اتبعوا هذا» قال: ورجل مقفى حينئذ.. قال: فانطلقت فسعيت وأخذت بمنكبه، فأقبلت بوجهه إلى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-، فقلت: هذا؟ قال: «نعم» .. قال: وإذا هو عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه «1» .   (1) رواه أحمد فى مسنده 4/ 109. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 4- الأرويّة (الأروى- الوعل- الأيّل) (أ) اللغة: يقول الجاحظ: الأروى: إناث الأوعال، واحدتها «أرويّة» . والناس يسمون بناتهم باسم الجماعة، ولا يسمون البنت الواحدة باسم الواحدة منها: لا يسمون بأرويّة؛ وإنما يسمون بأروى. ويقول الدميرى: الأروية: تقع على الذكر والأنثى من الوعل، والهمزة مضمومة أو مكسورة، أما الياء فمشددة. والجمع: أراوى، وأروى- على غير قياس-، وبها سميت المرأة. وقيل الأروى: غنم الجبل. والأيّل: ذكر الأوعال. والأيل لغة فيه. ويقال: إنه هو الذى يسمى بالفارسية (كوزن) . ويقال فى الأمثال: «إنما فلان كبارح الأروى!» . وذلك أن مأواها الجبل؛ فلا يكاد الناس يرونها سانحة ولا بارحة إلا فى الدهر مرة! يضرب: لمن يرى منه الإحسان فى بعض الأحايين. (ب) طبائعها: يقول الجاحظ: والأيائل تأكل الحيات كما أن الحيات تطلب بيض كل طائر وفراخه. والأروى تسكن الجبال ولا تسهل كما أن النعام تسكن السهل ولا ترقى فى الجبال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 ويقول الدميرى عن الأيّل: إنه فى أكثر أحواله شبيه ببقر الوحش، وهو إذا خاف من الصياد رمى نفسه من رأس الجبل، ولا يتضرر بذلك. وعدد سنىّ عمره عدد العقد التى فى قرنه. ومن العجائب أنه إذا لسعته الحية أكل السرطان! ويصادق السمك فهو يمشى إلى الساحل ليرى السمك، والسمك يقرب منه ليراه؛ والصيادون يعرفون هذا فيلبسون جلده ليقصدهم السمك فيصيدوا منه! (ج) الأحكام الفقهية: يقول الدميرى: ويحل أكل الأيّل لأنه مستطاب كالوعل. (د) وإليك ما جاء بشأن الأروية أنثى الوعل فى الحديث الشريف: [54] عن عمرو بن عوف قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «إن الدّين ليأرز «1» إلى الحجاز كما تأرز الحيّة إلى جحرها، وليعقلنّ الدّين من الحجاز معقل الأرويّة من رأس الجبل. إنّ الدّين بدأ غريبا ويرجع غريبا، فطوبى للغرباء الّذين يصلحون ما أفسد النّاس من بعدى من سنّتى» «2» .   (1) يأرز: من أرز أى انضم بعضه إلى بعض، والمراد: أن الدين يعود إلى الحجاز وينضم إليها. يأرز: ينقبض ويتجمع، وليعقلنّ: أى ليتحصن، ويعتصم، ويلتجئ إليه. (2) حديث ضعيف جدا.. رواه الترمذى فى جامعه، أبواب الإيمان، باب ما جاء أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا (2765) ، وفيه كثير بن عمرو بن عوف، قال ابن عدى: كثير هذا عامة أحاديثه لا يتابع عليها. اهـ. وانظر ضعيف الجامع الصغير للألبانى: (1441) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 5- الأسد (لبؤة- أسدة- الشبل- الحفص- الفرهد) (أ) اللغة: الأسد من السباع معروف، وجمعه: أسود، وأسد، واسد، واساد. والأنثى أسدة، ولبؤة. وولد الأسد خاصة هو: الشبل، والحفص، والفرهد. وللأسد أسماء كثيرة؛ قال ابن خالويه: إنها خمسمائة، وزاد عليها بعضهم مائة وثلاثين، وربما وصلت إلى الألف، وأكثرها مشتق من صفاته. ومن أشهرها: أسامة، والبيهس، والحارث، وحيدرة، والرّئبال، والضّيغم، والغضنفر، والقسورة، والليث، والورد. ومن كناه: أبو الأبطال، وأبو حفص، وأبو شبل، وأبو العباس، وأبو الحارث. ومن أمثالهم فى الأسد: «أكرم من الأسد» و «أبخر من الأسد» و «أكبر من الأسد» و «أشجع من الأسد» و «أجرأ من الأسد» . ويضرب المثل بأسد الشّرى، وهو طريق بسلمى كثيرة الأسد. (ب) الطبائع: والأسد أشرف الحيوان المتوحش، فمنزلته منزلة الملك المهاب لقوته وشجاعته وقساوته وشهامته وجهامته (غلظ وجهه وسماجته) وشراسة خلقه. ويضرب به المثل فى القوة والنجدة والبسالة وشدة الإقدام، والجرأة والصولة، ومنه قيل لحمزة بن عبد المطلب «أسد الله» . وأصحاب الكلام فى طبائع الحيوان يقولون: إن أنثى السبع المعروف لا تضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 إلا جروا واحدا إذا مضت عليه ستة أشهر كلف الاكتساب لنفسه بالتعليم والتدريب. وللأسد من الصبر على الجوع وقلة الحاجة إلى الماء ما ليس لغيره من السباع. ومن شرف نفسه أنه لا يأكل من فريسة غيره؛ فإذا شبع من فريسته تركها ولم يعد إليها. وإذا جاع ساءت أخلاقه، وإذا امتلأ من الطعام ارتاض، ولا يشرب من ماء ولغ فيه كلب (شرب ما فيه بأطراف لسانه) . وإذا أكل نهس (أخذ اللحم بمقدم أسنانه) من غير مضغ، وريقه قليل جدّا؛ ولذا يوصف بالبخر (النتن فى الفم) . ومن العجيب أنه يوصف بالشجاعة والجبن معا، فمن جبنه أنه يفزع من صوت الديك، ونقر الطشت، ومن السّنّور، ويتحير عند رؤية النار. وهو شديد البطش، ولا يألف شيئا من السباع، لأنه لا يرى فيها ما يكافئه. ويعمّر كثيرا، وعلامة كبره سقوط أسنانه. والأسد أشد فصيلته قوة لا يضارعه فى ذلك إلا الببر ولا يعرض للناس إلا بعد أن يهرم فيعجز عن صيد الوحش، ولا يطلب فريسته إلا إذا جاع، فإذا شبع انصرف عنها، ولذا قيل عنه: إنه من الحيوانات الشريفة ذوات الرياسة. وزعم محمد بن الجهم- كما يقول الجاحظ- أن العيون التى تضئ بالليل كأنها مصابيح هى عيون الأسد، والنمور، والسنانير، والأفاعى. وزئيره يرهب كثيرا من الحيوان الذى هو أعظم منه جسما وقوة، وللأسد ثلاث طبائع: الأولى: أنه إذا مشى فشم ريح الصيادين عفّى على اثاره بذنبه لكيلا يتبعه الصيادون، ويصلوا إلى عرينه فيتصيدوه. والثانية: أن اللبؤة تلد شبلها- أشبه بالميت- فلا تزال تحرسه حتى يأتى أبوه فى اليوم الثالث فينفخ فى منخره فيتحرك! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 والثالثة: أنه يفتح عينيه إذا نام وهما يقظتان. إنه أكبر حيوان سنّورى بعد النمر، ولهذا يطلق عليه: «ملك الغابة» وهو من اكلات اللحوم. ويعيش الأسد فى أفريقيا واسيا فى الغابات حيث تكثر الغزلان والظباء. وليس من عادة الأسد أن يتسلق الأشجار، واللبؤة هى التى تقوم بمهمة الصيد غالبا، وتلد بعد حمل يدوم ثلاثة أشهر ونصف، وتضع اثنين أو ثلاثة من الأشبال. ويكون حجم الشبل عند الولادة فى حجم الهرة. وفى الشهر السادس أو الثامن تقريبا يرافق أمه فى تجوالها وصيدها ليأخذ درسا فى كيفية الصيد على يديها! ويعيش الأسد من عشرين إلى خمس وعشرين سنة. وعدوه الوحيد هو الإنسان، ويبلغ طول الأسد حوالى 12 قدما، وقد يصل وزنه إلى حوالى 600 رطلا. وإذا جاع يأكل حوالى سبعة أرطال من اللحم خلال الوجبة الواحدة، وتميل الأسود للعيش فى قطعان، فنادرا ما نراها تعيش كحيوانات مستقلة بذاتها، ويتكون قطيع الأسود المعتاد من 6 إلى 30 حيوانا. (ج) الأحكام الفقهية: قال أكثر الأئمة والجمهور: يحرم أكل الأسد لما روى مسلم فى صحيحه أن النبى صلّى الله عليه وسلّم قال: «كل ذى ناب من السباع فأكله حرام» «1» والمراد بذى الناب: ما يتقوى بنابه ويصطاد. وقال الشافعى: إنه ممّا قويت أنيابه فعدا على الحيوان طالبا غير مطلوب فكان عدوه بأنيابه علة تحريمه!   (1) صحيح: أخرجه مسلم (1933) ، ومالك (2/ 496) ، وأحمد (2/ 236) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وقال المروزىّ: هو ما كان عيشه بأنيابه. وقال أبو حنيفة: هو ما افترس بأنيابه، وإن لم يبتدئ بالعدو، وإن عاش بغير أنيابه. وقال مالك: يكره أكل كل ذى ناب من السباع، ولا يحرم، واحتج بقوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ .... [سورة الأنعام الاية: 145] قال الشافعى- رضى الله عنه-: ولأن العرب لم تأكل أسدا ولا ذئبا ولا كلبا ولا نمرا ولا دبّا، ولا كانت تأكل الفأر ولا العقارب، ولا الحيات ولا الحدأ، ولا الغربان، ولا الرّخم، ولا البغاث، ولا الصّقور، ولا الصوائد من الطير، ولا الحشرات! وأما بيع الأسد فلا يصح؛ لأنه لا ينتفع به، وحرم الله أكل فريسته. (د) وإليك ما جاء فى السنة النبوية بشأن الأسد: [55] عن أبى قتادة- رضى الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلا من المشركين علا رجلا من المسلمين، فاستدرت حتى أتيته من ورائه حتى ضربته بالسيف على حبل عاتقه، فأقبل علىّ فضمنى ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلنى، فلحقت عمر بن الخطاب فقال: ما للناس؟ فقلت: أمر الله، ثم إن الناس رجعوا وجلس النبى- صلّى الله عليه وسلّم- فقال: «من قتل قتيلا له عليه بيّنة «1» ، فله سلبه» «2» فقمت فقلت: من يشهد لى؟ ثم جلست، ثم قال: «من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه» ، فقلت: من يشهد لى؟ ثم جلست، ثم قال الثالثة مثله. فقمت، فقال رسول الله-   (1) أى: شاهد. (2) السّلب: ما على القتيل ومعه من ثياب وسلاح وغيرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 صلّى الله عليه وسلّم- «ما لك يا أبا قتادة؟» فقصصت عليه القصة فقال رجل: صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندى فأرضه من حقه. فقال أبو بكر الصديق- رضى الله عنه-: لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله، يعطيك سلبه فقال النبى- صلّى الله عليه وسلّم- «صدق فأعطه إياه» فأعطانى، قال: فبعث الدرع، فابتعت به مخرفا فى بنى سلمة فإنه لأول مال تأثلته فى الإسلام» «1» . [56] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفرّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد» «2» . [57] عن حرملة مولى أسامة قال: أرسلنى أسامة إلى على وقال: إنه سيسألك الان فيقول: ما خلف صاحبك؟ فقل له: يقول لك: لو كنت فى شدق الأسد لأحببت أن أكون معك فيه، ولكن هذا أمر لم أره، فلم يعطنى شيئا، فذهبت إلى حسن وحسين وابن جعفر فأوقروا «3» لى راحلتى «4» . [58] عن علىّ- رضى الله عنه- قال: بعثنى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- إلى اليمن فانتهينا إلى قوم قد بنوا زبية «5» للأسد، فبينما هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل فتعلّق باخر ثم تعلق رجل باخر   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الجهاد والسير، ومسلم أيضا فى الجهاد والسير، حديث رقم 41، والمخرف: البستان.. وتأثلته: اقتنيته. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الطب- باب الجذام (7/ 164) ، ومسلم فى كتاب السلام حديث رقم 109. (3) فأوقروا لى راحلتى: أى حملوا له راحلته من الخيرات وملئوها. (4) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الفتن- باب قول النبى صلّى الله عليه وسلّم للحسن بن على: إن ابنى هذا لسيد (9/ 71- 72) . (5) زبية للأسد: أى حفرة للأسد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 حتّى صاروا فيها أربعة فجرحهم الأسد فانتدب له «1» رجل بحربة فقتله، وماتوا من جراحتهم كلهم فقام أولياء الأول إلى أولياء الاخر فأخرجوا السلاح ليقتتلوا فأتاهم على- رضى الله عنه- على تفيئة ذلك، فقال: تريدون أن تقاتلوا ورسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- حىّ؟! إنى أقضى بينكم قضاء إن رضيتم فهو القضاء وإلّا حجز بعضكم عن بعض حتى تأتوا النبى- صلّى الله عليه وسلّم- فيكون هو الذى يقضى بينكم فمن عدا بعد ذلك فلا حق له. اجمعوا من قبائل الذين حفروا البئر ربع الدية، وثلث الدية، ونصف الدية، والدية كاملة، فللأول الربع؛ لأنه هلك من فوقه، وللثانى ثلث الدية، وللثالث نصف الدية، فأبوا أن يرضوا، فأتوا النبى- صلّى الله عليه وسلّم- وهو عند مقام إبراهيم فقصوا عليه القصة، فقال: «أنا أقضى بينكم واحتبى، فقال رجل من القوم: إن عليّا قضى فينا فقصوا عليه القصة فأجازه رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-» «2» . [59] روى الحاكم أن النبى- صلّى الله عليه وسلّم- دعا على عتبة ابن أبى لهب فقال: «اللهم سلط عليه كلبا من كلابك» . فافترسه الأسد بالزرقاء من أرض الشام «3» .   (1) انتدب له: أى أجابه رجل بحربة. (2) حديث حسن.. رواه الإمام أحمد فى المسند (1/ 77، 128، 152) ، وقال الهيثمى فى المجمع: (6/ 287) رواه أحمد وفيه حنش بن المعتمر وثقه أبو داود وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح. (3) حديث صحيح.. أخرجه الحاكم (2/ 539) من حديث أبى عقرب، وصححه، ووافقه الإمام الذهبى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 [باب الباء] 1- البخت البخت من الإبل، معرب، وبعضهم يقول: هو عربى. الواحد الذكر بختىّ، والأنثى بختية، وجمعه بخاتى. وهو غير مصروف، لأنه بزنة جمع الجمع. ولك أن تخفف وكذا ما أشبهها مما واحده مشدد، فإنه يجوز فى جمعه التشديد والتخفيف كالأوانى والكراسى والمهارى. والبخاتى: جمال طوال الأعناق (انظر الإبل) . وإليك ما جاء بشأنها فى الحديث النبوى الشريف: [60] روى أبو داود والترمذىّ والنسائى وأحمد، من حديث جنادة بن أمية قال: كنّا مع بسر بن أرطاة فى البحر، فأتى بسارق قد سرق بختيّة، فقال: سمعت رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- يقول: «لا تقطع الأيدى فى السفر ولولا ذلك لقطعته» «1» . [61] وفى صحيح مسلم من حديث زهير عن جرير بن سهيل عن أبيه عن أبى هريرة- رضى الله عنه- أن النبى- صلّى الله عليه وسلّم- قال فى صفة النساء اللاتى يأتين فى اخر الزمان: «رؤسهن كأسنمة البخت لا يجدن ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمس مئة عام» «2» . [62] وفى «المستدرك» من حديث عبد الله بن عمرو أن النبى- صلّى الله عليه وسلّم- قال: «سيكون فى اخر هذه الأمة رجال يركبون على المياثر حتى يأتوا أبواب مساجدهم، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤسهنّ كأسنمة   (1) حديث حسن. أخرجه أبو داود (4408) ، والترمذى (1474) ، والنسائى (8/ 91) ، والدارمى (2495) ، والبيهقى (9/ 104) . (2) حديث صحيح. أخرجه مسلم برقم (2128) . والمراد بالتشبيه بأسنمة البخت إنما هو لارتفاع الغدائر فوق رؤسهن، وجمع عقائصها هناك، وتكثرها بما يضفرنه حتى تميل إلى ناحية من جوانب الرأس كما يميل السنام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 البخت العجاف. العنوهن فإنهن ملعونات» «1» . [63] وفى الكامل فى ترجمة فضل بن مختار البصرى عن عبد الله بن موهب، عن عصمة بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ فى الجنة طيرا أمثال البخاتىّ» . قال أبو بكر- رضى الله تعالى عنه- إنها لناعمة يا رسول الله؟ فقال النبى صلّى الله عليه وسلّم: «أنعم منها من يأكلها، وأنت ممن يأكلها يا أبا بكر» «2» .   (1) حديث ضعيف. أخرجه الحاكم (4/ 436) ، وفى سنده عبد الله بن عياش، ضعيف الحديث. والمياثر: السروج العظام. (2) حديث ضعيف جدّا: فضل بن المختار، ضعيف جدّا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 2- البدنة جمعها بدن (بضم الدال وإسكانها) وبالإسكان جاء القران. وممن ذكر الضمّ الجوهرى رحمه الله. والبدن: ما أشعر من ناقة أو بقرة. سميت بذلك لأنها تبدن: أى تسمّن. وقال النووى: هى البعير ذكرا كان أو أنثى. وشرطها: أن تكون فى سن الأضحية عند الفقهاء، وعند اللغويين أو أكثرهم. تطلق على الإبل والبقر. وقال الأزهرى: تكون فى الإبل والبقر والغنم. سميت بذلك لعظم أبدانها. ما جاء بشأنها فى الحديث النبوى الشريف [64] روى مسلم عن أبى هريرة- رضى الله عنه- أن النبى صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اغتسل يوم الجمعة ثمّ راح فى الساعة الأولى، فكأنّما قرّب بدنة، ومن راح فى الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح فى الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح فى الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح فى الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة» «1» . وفى مسند الإمام أحمد رضى الله عنه: «فى الساعة الرابعة دجاجة، وفى الخامسة بيضة» «2» . [65] وروى مسلم عن موسى بن سلمة الهذلىّ قال: انطلقت أنا وسنان بن سلمة معتمرين قال: وانطلق سنان ومعه بدنة يسوقها فأزحفت «3» عليه بالطريق، فيعى بشأنها إن هى أبدعت (أى كلت) كيف يأتى بها   (1) حديث صحيح. أخرجه مسلم فى صحيحه، كتاب الجمعة، حديث (850) . (2) حديث صحيح. أخرجه أحمد فى المسند (2/ 460) . (3) أزحف: وقف من الكلال والإعياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 . قال: لئن قدمت البلد لأستحفين عن ذلك «1» .. قال: فأضحيت «2» ، فلما نزلنا بالبطحاء قال: انطلق إلى ابن عباس نتحدث إليه ... قال: فذكر له شأن بدنته، فقال: على الخبير سقطت. بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بست عشرة بدنة مع رجل وأمّره فيها «3» ، فقال: يا رسول الله، كيف أصنع بما أبدع علىّ منها؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «انحرها، ثم اصبغ نعليها «4» فى دمها، ثم اجعله على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك» «5» . [66] وروى البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى عن أبى هريرة- رضى الله عنه- أن النبى صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلا يسوق بدنة فقال له: «اركبها» . قال: يا رسول الله، إنها بدنة. قال: «اركبها» قال: إنها بدنة! قال: «اركبها ويلك» .. (فى الثانية أو فى الثالثة) وفى رواية: «ويلك اركبها. ويلك اركبها» «6» . [67] وروى الحاكم عن ابن عباس- رضى الله تعالى عنهما- أنه قال: «إذا أردت أن تنحر البدنة فأقمها ثم قل: الله أكبر، اللهم منك وإليك، ثم سمّ وانحرها، وكذلك فى الأضحية» «7» . [68] وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن قرط، أن النبى   (1) أى لأسألن عن ذلك سؤالا بليغا. (2) أضحيت: صرت فى وقت الضحى. (3) أى جعله أميرا فيها ووكيلا لينحرها بمكة. (4) ما علّق بعنقها علامة كونها هديا. (5) حديث صحيح رواه مسلم فى صحيحه، كتاب الحج، حديث (377) . (6) حديث صحيح رواه البخارى فى صحيحه، كتاب الحج (103) ، ومسلم فى صحيحه، كتاب الحج (371، 373) وأبو داود فى سننه، كتاب المناسك (17) . (7) حديث صحيح أخرجه الحاكم فى المستدرك (2/ 389) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 صلّى الله عليه وسلّم قال: «أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القرب» وقرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمس بدنات أو ستّا ينحرهن فطفقن يزدلفن إليه أيتهن يبدأ بها «1» . [69] عن على- رضى الله عنه- قال: «بعثنى النبى صلّى الله عليه وسلّم فقمت على البدن فقسمت لحومها، ثم أمرنى فقسمت جلالها «2» وجلودها» «3» . [وفى رواية عنه: أمرنى النبى صلّى الله عليه وسلّم أن أقوم على البدن ولا أعطى عليها شيئا فى جزارتها] . [70] عن زياد بن جبير قال: «رأيت ابن عمر، رضى الله عنهما أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها قال: ابعثها قياما مقيدة «4» سنة محمد «5» صلّى الله عليه وسلّم» «6» . [71] عن عبد الله بن عمر- رضى الله عنهما- قال: «خرجنا مع النبى صلّى الله عليه وسلّم معتمرين فحال كفار قريش دون البيت، فنحر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدنه «7» وحلق رأسه» «8» .   (1) أخرجه أحمد فى المسند (4/ 350) . (2) الجلالة من الحيوانات: التى تأكل العذرة، والجلّة البعر، وجلال البدن هو ما يطرح على ظهر البعير من كساء وغيره. (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الحج- باب لا يعطى الجزار من الهدى شيئا (2/ 210) ، وفى أول كتاب الوكالة (3/ 128) . (4) مقيدة: قال ابن حجر فى الفتح (3/ 647) : أى معقولة الرجل قائمة على ما بقى من قوائمها. (5) أى متبعا سنة محمد صلّى الله عليه وسلّم. (6) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الحج- باب نحر الإبل مقيدة (2/ 210) . (7) البدنة: ناقة تنحر بمكة والجمع بدن. (8) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب العمرة- باب النحر قبل الحلق فى الحصر (3/ 12) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 3- البراق (أ) البراق فى اللغة: الدابة التى ركبها سيد المرسلين صلّى الله عليه وسلّم ليلة الإسراء، مشتقة من البرق الذى يلمع فى الغيم، كما روى فى حديث المرور على الصراط: « ... فمنهم من يمرّ كالبرق الخاطف، ومنهم من يمرّ كالريح العاصف، ومنهم من يمرّ كالفرس الجواد» «1» . (ب) طباع البراق: قال الدّميرى: وفى الصحيح: «أنه دون البغل، وفوق الحمار، أبيض، يضع خطوه عند أقصى طرفه» «2» . وقال صاحب المقتفى: وكان البراق أبيض، وكانت بغلته شهباء إشارة إلى تخصيصه صلّى الله عليه وسلّم بأشرف الألوان. والشهباء: هى التى أكثرها بياض. والحكمة فى كونه على هيئة بغل، ولم يكن على هيئة فرس: التنبيه على أن الركوب كان فى سلم وأمن، لا فى حرب وخوف، أو لإظهار الاية فى الإسراع العجيب فى دابة لا يوصف شكلها بالإسراع! فإن قيل: ركب النبى صلّى الله عليه وسلّم البغلة فى الحرب، فالجواب أن ذلك كان لتحقيق نبوته وشجاعته صلّى الله عليه وسلّم. ثم إن البراق يركبه النبى صلّى الله عليه وسلّم يوم القيامة دون سائر الأنبياء، يدل لذلك ما رواه الحاكم، وما رواه أبو الربيع بن سبع السبتى فى «شفاء الصدور» عن سويد ابن عمرو: أن النبى صلّى الله عليه وسلّم قال:   (1) إسناده ضعيف: أخرجه البيهقى فى البعث والنشور (ص 336- 368) ، وسنده ضعيف لجهالة أحد رواته. (2) انظر الحديث الأول من الأحاديث الواردة فى البراق كما رواه البخارى فى مناقب الأنصار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 «حوضى أشرب منه يوم القيامة أنا ومن استسقانى من الأنبياء عليهم السلام- ويبعث الله تعالى لصالح ناقته يحلبها، ويشرب هو والذين آمنوا معه، ثم يركبها حتى يوافى بها الموقف، ولها رغاء» . فقال رجل: يا رسول الله، وأنت يومئذ على العضباء؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تلك تحشر عليها ابنتى فاطمة، وأنا أحشر على البراق، أخصّ به دون سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام» «1» . (ج) وإليك ما جاء فى شأنه من الأحاديث: [72] عن مالك بن صعصعة، عن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «بينما أنا عند البيت بين النّائم واليقظان إذ سمعت قائلا يقول: أحد الثلاثة بين الرجلين قال: فأتيت فانطلق بى فأتيت بطست من ذهب فيها من ماء زمزم فشرح صدرى إلى كذا، وكذا- قال قتادة: قلت لصاحبى ما تعنى، قال: إلى أسفل بطنى. فاستخرج قلبى فغسل بماء زمزم، ثم أعيد مكانه، قال: وحشى إيمانا وحكمة أو قال: وكنز إيمانا وحكمة- الشك من سعيد قال- ثم أتيت بدابّة أبيض يقال له: البراق، فوق الحمار ودون البغل، يقع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه ومعى صاحبى لا يفارقنى، فانطلقنا حتى أتينا السّماء الدّنيا فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ فقال جبريل. فقيل: ومن معك؟ قال: محمد قالوا: أو قد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: ففتح لنا قالوا: مرحبا به ولنعم المجىء جاء فأتيت على ادم- عليه السلام- فقلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أبوك ادم، فسلّمت عليه، فقال:   (1) حديث ضعيف أخرجه ابن زنجويه وابن عساكر، كما فى كنز العمال حديث (39179) وأورده ابن الجوزى فى الموضوعات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 مرحبا بالابن الصالح والنبىّ الصالح، ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الثانية، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: ففتح لنا، وقالوا مرحبا به ولنعم المجىء جاء، فأتيت على يحيى وعيسى. قال سعيد أحسبه قال: ابنى الخالة. فسلمت عليهما، فقالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح، ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الثالثة فاستفتح جبريل- عليه الصلاة والسلام فقيل: من هذا؟ قال جبريل، قيل: ومن معك؟ قال محمد قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبا به ولنعم المجىء جاء، فأتيت على يوسف، فقلت: يا جبريل! من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف، فسلّمت عليه، فقال: مرحبا بالأخ الصّالح والنبىّ الصّالح، ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الرابعة، فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبا به ولنعم المجىء جاء، فأتيت على إدريس- عليه السلام- فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك إدريس، فسلّمت عليه، فقال: مرحبا بالأخ الصّالح والنبىّ الصالح [قال عبد الوهاب: قال سعيد وكان قتادة يقول عندها- قال الله وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا «1» ] ، ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الخامسة فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبا به ولنعم المجىء جاء، قال: فأتيت على هارون فقلت: يا جبريل! من هذا؟ قال هذا   (1) سورة مريم الاية: 57. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 أخوك هارون، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بالأخ الصالح والنبىّ الصالح، ثم انطلقنا حتى أتينا السماء السادسة، فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبا به ولنعم المجىء جاء، قال فأتيت على موسى- عليه السلام- فقال: مرحبا بالأخ الصالح، والنبىّ الصالح، فلما جاوزته بكى فنودى ما يبكيك؟ قال: يا رب هذا غلام بعثته بعدى يدخل من أمته الجنّة أكثر مما يدخل من أمتى، ثم انطلقنا حتى أتينا السماء السابعة فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبا به، ولنعم المجئ جاء، فأتيت على إبراهيم- عليه السلام- فقلت: يا جبريل: من هذا؟ قال: هذا أبوك إبراهيم، فسلّمت عليه، فقال: مرحبا بالابن الصالح والنبىّ الصالح، ورفع لنا البيت المعمور فقلت: يا جبريل: ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك حتى إذا خرجوا منه لم يعودوا إليه اخر ما عليهم، ثم رفعت لنا سدرة المنتهى، فحدّث نبىّ الله صلّى الله عليه وسلّم أن ورقها مثل اذان الفيلة، وأن نبقها «1» مثل قلال «2» هجر، وحدّث النبى صلّى الله عليه وسلّم أنه رأى أربعة أنهار: يخرج من أصلها نهران باطنان، ونهران ظاهران، فقلت: ما هذه الأنهار يا جبريل؟ فقال: أما الباطنان: فنهران فى الجنة، وأما الظاهران: فالنيل والفرات، قال: وأتيت بإناءين: أحدهما خمر، والاخر لبن فعرضا علىّ، فاخترت اللبن.   (1) جمع نبقة وهو حمل السّدر. (2) القلال: الجرار، أراد أن ثمرها فى الكبر مثل الجرار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 فقيل لى: أصبت أصاب الله بك أمّتك «1» على الفطرة، وفرضت علىّ خمسون صلاة كلّ يوم، أو قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم- الشك من سعيد- فجئت حتى أتيت على موسى، فقال لى: بم أمرت؟ فقلت: أمرت بخمسين صلاة كلّ يوم، قال: إنى قد بلوت النّاس قبلك، وعالجت بنى إسرائيل أشدّ المعالجة، وإن أمّتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربّك فسله التخفيف لأمّتك، فرجعت، فحطّ عنى خمس صلوات، فما زلت أختلف بين ربّى وبين موسى كلما أتيت عليه قال لى: مثل مقالته حتى رجعت بخمس صلوات كلّ يوم، فلما أتيت على موسى قال لى: بم أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال: إنى قد بلوت النّاس قبلك وعالجت بنى إسرائيل أشدّ المعالجة، وإن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربّك فسله التخفيف لأمتك، قلت: لقد رجعت إلى ربّى حتى استحييت، ولكن أرضى وأسلّم، قال: فنوديت أو نادانى مناد- الشك من سعيد- أن قد أمضيت فريضتى، وخفّفت عن عبادى، وجعلت بكل حسنة عشر أمثالها» «2» . [73] عن أنس بن مالك، قال: «لما جاء جبريل- عليه السلام- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالبراق فكأنها أمرّت ذنبها، فقال لها جبريل: مه يا براق «3» ! فو الله إن ركبك «4» مثله، وسار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هو   (1) أى أحسنت الاختيار. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب مناقب الأنصار- باب المعراج، حديث (3887) ، ومسلم فى كتاب الإيمان- باب الإسراء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حديث (264) . (3) مه يا براق: اسم فعل أمر، والمراد به طلب الهدوء والسكينة. (4) إن بمعنى ما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 بعجوز على جانب الطريق فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: سر يا محمد؛ فسار ما شاء الله أن يسير، فإذا شىء يدعوه متنحّيا عن الطريق يقول: هلمّ يا محمد، فقال له جبريل: سر يا محمد، فسار ما شاء الله أن يسير، قال: فلقيه خلق من الخلق، فقالوا: السلام عليك يا أول، السلام عليك يا اخر، السلام عليك يا حاشر، فقال له جبريل: اردد السلام، يا محمد، فردّ السلام، ثم لقيه الثانية فقال له مثل مقالته الأولى، ثم الثالثة كذلك حتى انتهى إلى بيت المقدس، فعرض عليه الماء والخمر واللبن فتناول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللبن فقال له جبريل: أصبت الفطرة، ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك، ولو شربت الخمر لغويت وغويت أمّتك، ثم بعث له ادم فمن دونه من الأنبياء عليهم السلام فأمّهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلك الليلة، ثم قال له جبريل: أمّا العجوز التى رأيت على جانب الطريق فلم يبق من الدنيا إلا ما بقى من عمر تلك العجوز، وأما الذى أراد أن تميل إليه فذلك عدوّ الله إبليس أراد أن تميل إليه. وأما الذين سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام» «1» . [74] عن أنس بن مالك، قال: «أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالبراق ليلة أسرى به مسرجا ملجما «2» فاستصعب عليه، فقال له جبريل: ما حملك على هذا والله ما ركبك خلق قطّ أكرم على الله- عز وجل- منه قال: منه فارفضّ عرقا «3» » «4» .   (1) حديث أخرجه البيهقى فى» دلائل النبوة (2/ 362) بسند ضعيف. (2) مسرجا ملجما: السراج هو السرج والمراد به البرذعة التى توضع على ظهر الدواب والخيول، واللجام: هو ما يكبح به جماح الحيوان. (3) فارفض عرقا: أى تصبّب منه العرق. (4) حديث صحيح.. رواه الترمذى فى سننه كتاب التفسير- تفسير سورة الإسراء، حديث (3146) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 [75] عن حذيفة «أن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم أتى بالبراق وهو دابّة، أبيض فوق الحمار ودون البغل فلم يزايلا ظهره هو وجبريل- عليه السلام- حتى انتهيا به إلى بيت المقدس، فصعد به جبريل إلى السماء فاستفتح جبريل فأراه الجنّة والنّار» . ثم قال لى: هل صلّى فى بيت المقدس؟ قلت: نعم. قال اسمع يا أصيلع إنى لأعرف وجهك ولا أدرى ما اسمك؟ قال: قلت: أنا زرّ بن حبيش. قال: فأين تجده صلاها؟ فتأوّلت الاية: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ إلى اخر الاية «1» قال: فإنه لو صلى لصلّيتم كما يصلون فى المسجد الحرام قال: قلت لحذيفة: أربط الدابة بالحلقة التى كانت تربط بها الأنبياء، قال: أكان يخاف أن يذهب منه وقد أتاه الله بها» «2» قلت وبمعناه رواه حماد بن زيد عن عاصم إلا أنه لم يحفظ صفة البراق وكان حذيفة لم يسمع صلاته فى بيت المقدس.   (1) الاية الأولى من سورة الإسراء. (2) حديث صحيح.. رواه الترمذى فى كتاب التفسير- تفسير سورة الإسراء، حديث (3147) ، والبيهقى فى «دلائل النبوة» (2/ 364- 365) ، وقال الترمذى عقب الحديث: هذا حديث حسن صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 4- البرذون (أ) البرذون فى اللغة: يطلق على غير العربى من الخيل والبغال، من الفصيلة الخيلية، والجمع براذين. والأنثى برذونة، وكنيته أبو الأخطل لخطل أذنيه وهو استرخاؤهما. (ب) طبائع هذا الحيوان: عظيم الخلقة، غليظ الأعضاء، قوى الأرجل، عظيم الحوافر، وأذناه- كما سبق مسترخيتان؛ بخلاف أذن الفرس العربى. قال الجاحظ: سألت بعض الأعراب: أىّ الدوابّ اكل؟ قال: برذونة رغوث. (مرضع) . ومن طبيعته الخيلاء. جاء فى الكامل: لما افتتح عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- بيت المقدس قدم إلى الشام أربع مرات: الأولى على فرس، والثانية على بعير، والثالثة رجع لأجل الطاعون. والرابعة على حمار. وكتب إلى أمراء الأجناد أن يوافوه بالجابية، فركب فرسه، فرأى به عرجا، فنزل عنه، وأتى ببرذون فركبه، فجعل يتجلجل به؛ أى يزهو فى مشيته، فنزل عنه، وصرف عنه وجهه، وقال: لا علّم الله من علّمك هذه الخيلاء! ثم ركب ناقته، ولم يركب برذونا بعده ولا قبله. (ج) الأحكام الفقهية: ما دام من الفصيلة الخيلية فيسرى عليه ما يسرى على الخيل من أحكام سنفصلها إن شاء الله فى الخيل. (د) وإليك ما جاء فى البراذين من أحاديث ... [76] عن جابر- رضى الله عنه- قال: «جاءنى النّبىّ صلّى الله عليه وسلّم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 يعودنى ليس براكب بغلا ولا برذونا» «1» . [77] عن عائشة: «أنّ جبريل- عليه السّلام- أتى النّبىّ- صلّى الله عليه وسلّم على برذون وعليه عمامة طرفها بين كتفيه، فسألت النّبىّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: رأيته؟ ذاك جبريل عليه السّلام» «2» . [78] عن عبد الله بن بريدة قال: شكّ عبيد الله بن زيادة فى الحوض فقال له أبو سبرة- رجل من صحابة عبيد الله بن زياد- فإن أباك حين انطلق وافدا إلى معاوية انطلقت معه فلقيت عبد الله بن عمرو فحدثنى من فيه إلى فىّ حديثا سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأملاه علىّ وكتبته قال: فإنى أقسمت عليك لما أعرقت هذا البرذون حتى تأتينى بالكتاب قال: فركبت البرذون فركضته حتى عرق فأتيته بالكتاب، فإذا فيه: حدثنى عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله يبغض الفحش والتفحّش، والذى نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى يخون الأمين ويؤتمن الخائن حتى يظهر الفحش والتفحّش وقطيعة الأرحام وسوء الجوار، والذى نفس محمد بيده إنّ مثل المؤمن لكمثل القطعة من الذهب نفخ عليها صاحبها فلم تغير ولم تنقص، والذى نفس محمد بيده إن مثل المؤمن لكمثل النحلة أكلت طيّبا ووضعت طيّبا ووقعت فلم تكسر، ولم تفسد، قال: وقال: ألا إن لى حوضا ما بين ناحيتيه كما بين أيلة إلى مكّة أو قال: صنعاء إلى المدينة   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب المرضى- باب عيادة المريض راكبا، وماشيا، وردفا على حمار (10/ 127) ، وأحمد فى مسنده (3/ 373) . (2) حديث ضعيف.. رواه أحمد فى مسنده (6/ 148، 152) . وفى إسناده عبد الله بن عمر العمرى، وهو ضعيف كما فى التقريب: 1/ 435. وقال الدميرى: مذكور فى اخر الجزء الخامس من الغيلانيات، وفى المستدرك فى كتاب اللباس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وإن فيه من الأباريق مثل الكواكب هو أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا. قال أبو سبرة فأخذ عبيد الله بن زياد الكتاب فجزعت عليه فلقينى يحيى بن يعمر فشكوت ذلك إليه فقال: والله لأنا أحفظ له منى لسورة من القران فحدثنى به كما كان فى الكتاب سواء» «1» .   (1) حديث صحيح.. رواه أحمد فى مسنده: (2/ 199) بسند جيد، وانظر شرح المسند للشيخ أحمد شاكر (11/ 101) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 5- البعير [يرجع إلى الإبل] البعير: هو ذكر الإبل وأنثاه عند دخول السنة الخامسة، ويجمع على أبعرة، وبعران. والبعير من الإبل بمنزلة الإنسان من الناس. وسمى بعيرا لأنه يبعر: يقال بعر البعير يبعر (بفتح العين فيهما) بعرا (بإسكان العين) . قال ابن السّكيت: وهو اسم يقع على الذكر والأنثى وهو من الإبل بمنزلة الإنسان من الناس، فالجمل بمنزلة الرجل والناقة بمنزلة المرأة، والقعود بمنزلة الفتى والقلوص بمنزلة الجارية. وإليك ما جاء بشأنه فى الحديث النبوى الشريف: [79] عن ابن عمر- رضى الله عنهما- قال: «بعث النّبىّ صلّى الله عليه وسلّم سرية قبل نجد، فكنت فيها فبلغت سهامنا اثنى عشر بعيرا، ونفّلنا بعيرا «1» بعيرا فرجعنا بثلاثة عشر بعيرا» «2» . [80] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- عن النبى صلّى الله عليه وسلّم قال: «يحشر النّاس على ثلاث طرائق، راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير، ويحشر بقيّتهم النّار تقيل معهم «3» حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسى معهم حيث أمسوا» «4» .   (1) أى زادهم على سهامهم بعيرا. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب المغازى- باب السرية التى قبل نجد (5/ 203) . (3) تقيل معهم: من القيلولة: وهى نومة نصف النهار، أو الاستراحة فيه وإن لم يكن نوم. (4) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الدعوات- باب كيف يحشر الناس (8/ 135) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 [81] عن رافع بن خديج- رضى الله عنه- قال: «كنّا نصلّى مع النّبىّ- صلّى الله عليه وسلّم- العصر فننحر جزورا، فتقسم عشر قسم، فنأكل لحما نضيجا قبل أن تغرب الشّمس» «1» . [82] عن حكيم بن حزام- رضى الله عنه- «أنّه أعتق فى الجاهلية مائة رقبة، وحمل على مائة بعير فلمّا أسلم حمل على مائة بعير وأعتق مائة رقبة قال: فسألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أرأيت أشياء كنت أصنعها فى الجاهليّة، كنت أتحنّث بها «2» - يعنى أتبرّر بها- قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أسلمت على ما سلف لك من خير» «3» . [83] عن أنس- رضى الله عنه- قال: «قدم النبىّ صلّى الله عليه وسلّم خيبر، فلما فتح الله عليه الحصن، ذكر له جمال صفية بنت حيىّ بن أخطب، وقد قتل زوجها وكانت عروسا، فاصطفاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لنفسه، فخرج بها حتى بلغنا سدّ الروحاء حلّت «4» فبنى بها، ثم صنع حيسا «5» فى نطع صغير، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اذن من حولك، فكانت تلك وليمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على صفية، ثم خرجنا إلى المدينة. قال: فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحوّى لها وراءه «6» بعباءة ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب» «7» .   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الشركة فى الطعام (3/ 180) . (2) أتحنث بها: أى أتقرب بها إلى الله. (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى أبواب العتق وفضله- باب عتق المشرك (3/ 193) . (4) حلت: أى طهرت من حيضها. (5) الحيس: هو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن، وقد يجعل عوض الأقط الدقيق. (6) يحوى لها وراءه: التحوية: أن يدير كساء حول سنام البعير ثم يركبه. (7) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب البيوع- باب هل يسافر بالجارية قبل أن يستبرئها (3/ 110) ، وفى كتاب الجهاد والسير- من غزا بصبى للخدمة (4/ 43) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 [84] عن أم الفضل بنت الحارث «أن ناسا اختلفوا عندها يوم عرفة فى صوم النبى صلّى الله عليه وسلّم فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه» «1» . [85] عن ابن عبّاس- رضى الله عنهما- قال: «طاف النّبىّ صلّى الله عليه وسلّم فى حجة الوداع على بعير يستلم الرّكن بمحجن «2» » «3» . [86] عن عبّاد بن تميم: «أن أبا بشير الأنصارى- رضى الله عنه أخبره أنه كان مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فى بعض أسفاره والناس فى مبيتهم فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رسولا ألايبقينّ فى رقبة بعير قلادة من وتر «4» أو قلادة إلا قطعت» «5» . [87] عن أبى موسى- رضى الله عنه- قال: «خرجنا مع النبى صلّى الله عليه وسلّم فى غزاة ونحن ستّة نفر بيننا بعير نعتقبه «6» ، فنقبت أقدامنا «7» ونقبت قدماى وسقطت أظفارى، وكنا نلف على أرجلنا الخرق فسمّيت غزوة ذات الرّقاع لما كنّا نعصب من الخرق على أرجلنا» «8» . [88] عن أبى حميد الساعدى قال: «غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الحج- باب الوقوف على الدابة بعرفة (2/ 198- 199) ، وفى كتاب الصوم- باب صوم يوم عرفة (3/ 55) ، وفى كتاب المغازى- باب غزوة الفتح فى رمضان (5/ 185- 186) ، ومسلم فى كتاب الصيام باب استحباب الفطر للحاج بعرفات يوم عرفة (3/ 145- 146) . (2) المحجن: عصا محنية الرأس، والحجن الاعوجاج، والمراد أنه يومئ بعصاه إلى الركن حتى يصيبه. (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الحج- باب استلام الركن بالمحجن (2/ 185) ، وباب التكبير عند الركن (2/ 186) ، وباب المريض يطوف راكبا (2/ 190) . (4) قال ابن حجر فى الفتح: وتر هى كذلك فى جميع الروايات، وقال ابن الجوزى: ربما صحف من لا علم له بالحديث فقال: وبر، ولكن الداودى جزم بذلك، وقال: وهو ما ينزع عن الجمال يشبه الصوف. (5) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الجهاد والسير- باب ما قيل فى الجرس ونحوه فى أعناق الإبل (4/ 71) . (6) نعتقبه: أى نتعاقب فى الركوب عليه واحدا بعد الاخر بالتناوب. (7) نقبت أقدمنا: أى قرحت وجرحت من الحفاء. (8) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب المغازى- باب غزوة ذات الرقاع (5/ 145) ، ومسلم فى كتاب الجهاد والسير- باب غزوة ذات الرقاع (5/ 200) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 غزوة تبوك فلما جاء وادى القرى إذا امرأة فى حديقة لها، فقال النبى صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: اخرصوا «1» ، وخرص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشرة أوسق، فقال لها: أحصى ما يخرج منها، فلما أتينا تبوك قال: أما إنها ستهب الليلة ريح شديدة فلا يقومنّ أحد، ومن كان معه بعير فليعقله، فعقلناها، وهبت الريح شديدة، فقام رجل فألقته بجبل طيّئ، وأهدى ملك أيلة «2» للنبى صلّى الله عليه وسلّم بغلة بيضاء، وكساه بردا، وكتب له ببحرهم، فلما أتى وادى القرى قال للمرأة: كم جاء حديقتك؟ قالت: عشرة أوسق خرص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال النبى صلّى الله عليه وسلّم: إنى متعجل إلى المدينة فمن أرد منكم أن يتعجل معى فليتعجل- فلما قال ابن بكار كلمة معناها أشرف على المدينة- قال: هذه طابة، فلما رأى أحدا قال: هذا جبيل يحبّنا ونحبه، ألا أخبركم بخير دور الأنصار؟ قالوا: بلى قال: دور بنى النجار، ثم دور بنى عبد الأشهل، ثم دور بنى ساعدة، أو دور بنى الحارث بن الخزرج وفى كل دور الأنصار يعنى خير» «3» . [89] عن عمران قال: «كنّا فى سفر مع النّبىّ صلّى الله عليه وسلّم وإنّا أسرينا «4» حتى كنّا فى اخر اللّيل وقعنا وقعة ولا وقعة أحلى عند المسافر منها، فما أيقظنا إلا حرّ الشّمس، وكان أوّل من استيقظ فلان، ثم فلان، ثم فلان يسميهم أبو رجاء فنسى عوف- ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان   (1) أى احرزوها، كم يجىء من ثمرها. (2) طيئ: مكان كانت تعيش به قبيلة من اليمن، وطيئ هو أبو هذه القبيلة. أيلة: بلدة قديمة بساحل البحر. (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الزكاة- باب خرص التمر (2/ 155) ، ومسلم فى كتاب الفضائل- باب معجزات النبى صلّى الله عليه وسلّم (7/ 61) . فى الحديث بيان المعجزة الظاهرة من إخباره صلّى الله عليه وسلّم بالمغيب، وخوف الضرر من القيام وقت الريح. (4) أسرينا: أى سرنا ليلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 النبى صلّى الله عليه وسلّم إذا نام لم يوقظ حتى يكون هو يستيقظ، لأنّا لا ندرى ما يحدث له فى نومه، فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب النّاس وكان- رجلا جليدا «1» - فكبّر ورفع صوته بالتّكبير فما زال يكبّر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته النبى صلّى الله عليه وسلم فلما استيقظ شكوا إليه الّذى أصابهم قال: «لا ضير «2» - أو لا يضير- ارتحلوا» ، فارتحل فسار غير بعيد، ثم نزل فدعا بالوضوء، فتوضأ، ونودى بالصّلاة فصلى بالنّاس، فلما انفتل من صلاته إذ هو برجل معتزل لم يصل مع القوم قال: ما منعك يا فلان أن تصلى مع القوم؟ قال: أصابتنى جنابة ولا ماء ... قال: عليك بالصّعيد فإنه يكفيك، ثم سار النبى صلّى الله عليه وسلّم فاشتكى إليه الناس من العطش فنزل فدعا فلانا- كان يسميه أبو رجاء نسيه عوف- ودعا عليّا فقال: اذهبا فابتغيا الماء، فانطلقا فتلقيا امرأة بين مزادتين «3» أو سطيحتين من ماء على بعير لها فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدى بالماء أمس هذه الساعة ونفرنا «4» خلوفا «5» قالا لها: انطلقى إذا. قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قالت: الذى يقال له: الصّابئ. قالا: هو الذى تعنين فانطلقى. فجاا بها إلى النبى صلّى الله عليه وسلّم وحدثاه الحديث قال: فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا النّبىّ صلّى الله عليه وسلّم بإناء ففرغ فيه من أفواه المزادتين أو السطيحتين، وأوكأ أفواههما وأطلق العزالى ونودى فى الناس: اسقوا واستقوا، فسقى من شاء، واستقى من شاء وكان اخر ذاك أن أعطى الذى أصابته الجنابة إناء من ماء قال: اذهب فأفرغه عليك، وهى قائمة تنظر   (1) رجلا جليدا: هو من الجلادة بمعنى الصلابة. (2) لا ضير: أى لا ضرر. (3) مزادتين: المزادة قربة كبيرة وتسمى السطيحة. (4) النفر: هو ما دون العشرة. (5) خلوف: جمع خالف، وقال ابن فارس: الخالف المستقى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 ما يفعل بمائها، وايم الله لقد أقلع عنها وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملأة منها حين ابتدأ فيها. فقال النبى صلّى الله عليه وسلّم اجمعوا لها.. فجمعوا لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة حتى جمعوا لها طعاما فجعلوها فى ثوب وحملوها على بعيرها ووضعوا الثوب بين يديها، قال لها: تعلمين ما رزئنا من مائك شيئا ولكن الله هو الذى أسقانا، فأتت أهلها وقد احتبست عنهم قالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب لقينى، رجلان فذهبا بى إلى هذا الذى يقال له: الصّابئ ففعل كذا وكذا، فو الله إنه لأسحر النّاس من بين هذه وهذه- وقالت بإصبعها الوسطى والسبابة- فرفعتهما إلى السماء- تعنى السماء والأرض- أو إنه لرسول الله حقا، فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على من حولها من المشركين ولا يصيبون الصّرم «1» الذى هى منه، فقالت يوما لقومها. ما أرى أن هؤلاء القوم يدعونكم عمدا فهل لكم فى الإسلام، فأطاعوها فدخلوا فى الإسلام» «2» . [90] عن عائشة زوج النبى صلّى الله عليه وسلّم قالت: «خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فى بعض أسفاره «3» ، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لى، فأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على التماسه «4» ، وأقام النّاس معه وليسوا على ماء، فأتى النّاس إلى أبى بكر الصديق فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة، أقامت برسول الله صلّى الله عليه وسلّم والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء. فجاء أبو بكر ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم واضع رأسه على فخذى قد نام،   (1) الصّرم: الجماعة ينزلون بإبلهم ناحية على الماء. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب التيمم- باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء (1/ 93- 95) ، وفى كتاب الأنبياء- باب علامات النبوة فى الإسلام (4/ 232- 233) . (3) قيل: كان ذلك فى غزوة بنى المصطلق. (4) أى لأجل طلبه والبحث عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 فقال: حبست رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والناس وليسوا على ماء، وليس معهم ماء. فقالت عائشة: فعاتبنى أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول.. وجعل يطعننى «1» بيده فى خاصرتى فلا يمنعنى من التحرك إلا مكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فخذى، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله اية التيمم، فتيمموا فقال أسيد بن الحضير: ما هى بأول بركتكم يا ال أبى بكر. قالت: فبعثنا البعير الذى كنت عليه فأصبنا العقد تحته» «2» . [91] عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة على عائشة وحفصة فخرجتا معه جميعا، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا كان اللّيل سار مع عائشة يتحدث معها، فقالت حفصة لعائشة: ألا تركبين الليلة بعيرى وأركب بعيرك، فتنظرين وأنظر؟ قالت: بلى، فركبت عائشة على بعير حفصة وركبت حفصة على بعير عائشة، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى جمل عائشة وعليه حفصة فسلم ثم سار معها حتى نزلوا فافتقدته عائشة فغارت، فلما نزلوا. جعلت تجعل رجلها بين الإذخر وتقول: يا رب سلط علىّ عقربا أو حية تلدغنى، رسولك لا أستطيع أن أقول له شيئا» «3» . [92] عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لامرأة من الأنصار [سماها ابن عباس] «ما منعك أن تحجى معنا؟ قالت: لم يكن لنا إلا   (1) يطعننى: أى يضربنى. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب التيمم (92، 1) ، وفى أبواب فضائل أصحاب النبى صلّى الله عليه وسلّم باب مناقب المهاجرين (5/ 9) ، وفى كتاب التفسير- باب تفسير سورة المائدة (6/ 63- 64) ، ومسلم فى كتاب الحج- باب تقليد الهدى وإشعاره عند الإحرام (4/ 57- 58) . (3) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب فضائل الصحابة- باب فضل عائشة رضى الله عنها (7/ 138) . فى الحديث ما يدل على صحة الإقراع فى القسم بين الزوجات، وفى الأموال، وفى العتق ونحو ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 ناضحان «1» فحج أبو ولدها وابنها على ناضح، وترك لنا ناضحا ننضح عليه، قال: فإذا جاء رمضان فاعتمرى فإن عمرة فيه تعدل حجة «2» » «3» . [93] عن ابن عباس- رضى الله عنهما- عن النبى صلّى الله عليه وسلّم «خر رجل من بعيره فوقص «4» فمات- فقال: اغسلوه بماء وسدر «5» وكفنوه فى ثوبيه ولا تخمروا رأسه «6» فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا» «7» . [94] عن عقبة بن سالم قال: «كان ابن عمر- رضى الله عنهما- إذا قيل له: الإحرام من البيداء قال: البيداء «8» التى تكذبون فيها على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أهلّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا من عند الشّجر حين قام به بعيره» «9» . [95] عن أبى أمامة الباهلىّ، قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكان أكبر خطبته حديثا حدّثناه عن الدّجّال، وحذّرناه فكان من قوله أن قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وإنّ أيّامه أربعون سنة. السّنة كنصف السّنة، والسّنة كالشّهر، والشّهر كالجمعة، واخر أيّامه كالشّررة «10» ، يصبح أحدكم على باب المدينة، فلا يبلغ بابها الاخر حتّى يمسى» فقيل له:   (1) أى بعيران نستقى بهما. (2) قوله (فإن عمرة فيه تعدل حجة) أى تقوم مقامها فى الثواب، لأنها لا تعدلها فى كل شىء فإنه لو كان عليه حجة فاعتمر فى رمضان لا تجزئه عن الحجة. (3) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الحج- باب فضل العمرة فى رمضان (4/ 61) . (4) فوقص: الوقص كسر العنق. (5) السّدر: شجر النبق وأوراقه تقوم مقام الصابون. (6) لا تخمروا رأسه: أى لا تغطوا رأسه. (7) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الحج- باب ما يفعل بالمحرم إذا مات (4/ 23) . (8) قال العلماء: البيداء هى الشرف الذى قدام ذى الحليفة إلى جهة مكة، وهى بقرب ذى الحليفة، وسميت بيداء لأنه ليس فيها بناء ولا أثر، وكل مفازة تسمى بيداء، ومن أسمائها الصحراء. (9) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الحج- باب أمر أهل المدينة بالإحرام من عند مسجد ذى الحليفة (4/ 8- 9) . (10) الشررة: واحدة الشرر وهو ما يتطاير من النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 يا رسول الله! كيف نصلّى فى تلك الأيّام القصار؟ قال: «تقدرون فيها الصّلاة، كما تقدرونها فى هذه الأيّام الطّوال ثمّ صلّوا» ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فيكون عيسى ابن مريم- عليه السّلام- فى أمّتى حكما «1» عدلا، وإماما مقسطا. يدقّ الصّليب «2» ، ويذبح الخنزير «3» ، ويضع الجزية «4» ، ويترك الصّدقة «5» ، فلا يسعى على شاة ولا بعير، وترفع الشّحناء والتّباغض، وتنزع حمة كلّ ذات حمة، حتّى يدخل الوليد يده فى فى الحيّة، فلا تضرّه، وتفرّ الوليدة الأسد، فلا يضرّها، ويكون الذّئب فى الغنم كأنّه كلبها، وتملأ الأرض من السّلم كما يملأ الإناء من الماء وتكون الكلمة واحدة، فلا يعبد إلّا الله وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثور «6» الفضّة، تنبت نباتها بعهد ادم، حتّى يجتمع النّفر على القطف «7» من العنب فيشبعهم، ويجتمع النّفر على الرّمّانة فتشبعهم، ويكون الثّور بكذا وكذا من الّمال، وتكون الفرس بالدّريهمات، قالوا: يا رسول الله، وما يرخص الفرس؟ قال: لا تركب لحرب أبدا، قيل له فما يغلى الثّور؟ قال: تحرث الأرض كلّها، وإنّ قبل خروج الدّجّال ثلاث سنوات شداد، يصيب النّاس فيها جوع شديد، يأمر الله السّماء فى السّنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها، ثمّ يأمر السّماء   (1) أى حاكما بين الناس. (2) يدق الصليب: أى يكسره بحيث لا يبقى من جنس الصليب شىء. (3) أى يحرم أكل الخنزير. (4) ويضع الجزية: أى لا يقبلها من أحد من الكفرة، بل يدعوهم إلى الإسلام. (5) ويترك الصدقة: أى الزكاة، لكثرة الأموال. (6) كفاثور: الفاثور الخوان، وقيل هو طست من ذهب أو فضة. (7) القطف: العنقود، وهو اسم لكل ما يقطف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 فى الثّانية فتحبس ثلثى مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثى نباتها، ثمّ يأمر الله السّماء فى السّنة الثّالثة فتحبس مطرها والأرض، فتحبس نباتها كلّه، فلا تنبت خضراء فلا تبقى ذات ظلف إلّا هلكت إلّا ما شاء الله. قيل: فما يعيش النّاس فى ذلك الزّمان؟ قال: التّهليل والتّكبير والتّسبيح والتّحميد، ويجرى ذلك عليهم مجرى الطّعام» «1» . [96] عن أبى وائل قال: قال الصّبىّ بن معبد: «كنت رجلا أعرابيّا، نصرانيّا، فأسلمت، فأتيت رجلا من عشيرتى يقال له: هذيم ابن ثرملة فقلت له: يا هناه، إنّى حريص على الجهاد، وإنّى وجدت الحجّ والعمرة مكتوبين علىّ، فكيف لى بأن أجمعهما؟ قال: اجمعهما واذبح ما استيسر من الهدى، فأهللت بهما معا، فلمّا أتيت العذيب لقينى سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان وأنا أهلّ بهما جميعا، فقال أحدهما للاخر: ما هذا بأفقه من بعيره، قال: فكأنّما ألقى علىّ جبل حتّى أتيت عمر بن الخطّاب، فقلت له: يا أمير المؤمنين إنّى كنت رجلا أعرابيا نصرانيّا، وإنّى أسلمت، وأنا حريص على الجهاد وإنّى وجدت الحجّ والعمرة مكتوبين علىّ، فأتيت رجلا من قومى فقال لى: اجمعهما واذبح ما استيسر من الهدى، وإنّى أهللت بهما معا، فقال لى عمر- رضى الله عنه- هديت لسنّة نبيّك صلّى الله عليه وسلّم» «2» . [97] عن جابر قال: أرسلنى نبىّ الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بنى المصطلق،   (1) حديث ضعيف.. رواه ابن ماجه، كتاب الفتن، باب فتنة الدجال وخروج عيسى عليه السلام: (4077) وفيه إسماعيل بن رافع، قال الحافظ فى التقريب (1/ 69) ضعيف الحفظ. (2) حديث صحيح أخرجه أبو داود فى كتاب المناسك- باب فى الإقران، حديث (1799) ، وابن ماجه فى كتاب المناسك- باب من قرن الحج والعمرة، حديث (2970) ، وأحمد فى مسنده (4/ 196) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 فأتيته وهو يصلّى على بعيره، فكلّمته فقال لى بيده هكذا، ثمّ كلّمته فقال لى بيده هكذا، وأنا أسمعه يقرأ، ويومئ برأسه، فلمّا فرغ قال: «ما فعلت فى الّذى أرسلتك؟ فإنّه لم يمنعنى أن أكلّمك إلّا أنّى كنت أصلّى» «1» . [98] عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جدّه قال: «فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ردّوا عليهم نساءهم وأبناءهم فمن مسك بشىء من هذا الفئ فإنّ له به علينا ستّ فرائض من أوّل شىء، يفيئه الله علينا» ثمّ دنا- يعنى النّبى صلّى الله عليه وسلّم- من بعير، فأخذ وبرة من سنامه، ثمّ قال: «يا أيّها النّاس إنّه ليس لى من هذا الفىء «2» شيء، ولا هذا-» ورفع أصبعيه- إلّا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدّوا الخياط والمخيط» فقام رجل فى يده كبّة من شعر، فقال: أخذت هذه لأصلح بها برذعة لى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أمّا ما كان لى ولبنى عبد المطّلب فهو لك» فقال: أمّا إذ بلغت ما أرى فلا أرب لى فيها «3» ، ونبذها «4» . [99] عن عائشة- رضى الله عنها- قالت: «ما ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا، ولا أوصى بشىء» «5» . [100] عن جابر بن عبد الله قال: أقفلنا مع النبى صلّى الله عليه وسلّم من غزوة   (1) حديث صحيح.. رواه أبو داود فى كتاب الصلاة- باب رد السلام فى الصلاة، حديث [926] . فائدة: فى الحديث جواز رد السلام بالإشارة وأنه لا تبطل الصلاة بالإشارة ونحوها من الحركات اليسيرة، وأنه ينبغى لمن سلم عليه ومنعه من رد السلام مانع أن يتعذر إلى المسلم ويذكر له ذلك المانع. (2) الفىء: ما أخذ من الكفار بغير الحرب كالجزية والخراج. (3) فلا أرب: أى فلا حاجة، ونبذها: أى ألقاها. (4) حديث حسن ... رواه أبو داود فى كتاب الجهاد- باب فى فداء الأسير بالمال، حديث (2694) ، والنسائى فى كتاب الهبة- باب هبة المشاع (1/ 264) ، وأحمد فى مسنده (2/ 184) ، (4/ 51) . (5) حديث صحيح.. رواه مسلم، كتاب الوصية- باب ترك الوصية لمن ليس له شىء يوصى فيه (5/ 75) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 فتعجلت على بعير لى قطوف «1» فلحقنى راكب من خلفى، فنخس بعيرى بعنزة «2» كانت معه فانطلق بعيرى كأجود ما أنت راء من الإبل فالتفت فإذا النبى صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ما يعجلك؟» قلت: كنت حديث عهد بعرس. قال: «بكرا أم ثيبا؟» قلت: ثيب. قال: «فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك؟» قال: فلما ذهبنا لندخل قال: «أمهلوا حتى تدخلوا ليلا- أى عشاء- لكى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة «3» » «4» . [101] عن سعيد بن يسار أنه قال: «كنت أسير مع ابن عمر بطريق مكة، قال سعيد فلما خشيت الصّبح نزلت فأوترت ثم أدركته فقال لى ابن عمر: أين كنت؟ فقلت له: خشيت الفجر فنزلت فأوترت، فقال عبد الله: أليس لك فى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أسوة؟ فقلت: بلى والله، قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يوتر على البعير» «5» . [102] فى سنن أبى داود والنّسائى وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو رضى الله تعالى عنهما-: أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا تزوج أحدكم امرأة، أو اشترى جارية، أو غلاما أو دابة فليأخذ بناصيتها وليقل:   (1) قطوف: أى بطىء المشى. (2) عنزة: هى عصا نحو نصف الرّمح فى أسفلها سن مدبب. (3) الاستحداد: استعمال الحديدة فى شعر العانة، وهو إزالته بالموسى، والمغيبة: هى التى غاب عنها زوجها. (4) حديث صحيح ... رواه البخارى فى النكاح- باب الثيبات (7/ 6) ، ومسلم فى الرضاع- باب استحباب نكاح البكر (6/ 654) . فى الحديث استعمال مكارم الأخلاق، والشفقة على المسلمين، والاحتراز من تتبع العورات، واجتلاب ما يقتضى دوام الصحبة. (5) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الصلاة- باب جواز صلاة النافلة على الدابة فى السفر حيث توجهت (2/ 149) . فائدة: فى الحديث جواز التنفل على الراحلة فى السفر حيث توجهت، وهذا جائز بإجماع المسلمين، وشرطه ألا يكون سفر معصية، وفيه دليل على أن المكتوبة لا تجوز إلى غير القبلة ولا على الدابة، وهذا مجمع عليه إلا فى شدة الخوف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 اللهم إنى أسألك خيره وخير ما جبل عليه، وأعوذ بك من شره وشر ما جبل عليه، وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه، وليدع بالبركة وليقل مثل ذلك» «1» . [103] قال ابن الأثير: خرج خلاد بن رافع وأخوه- رضى الله تعالى عنهما- إلى بدر على بعير أعجف، فلما انتهيا إلى قرب الروحاء برك البعير. قال: فقلنا: اللهمّ لك علينا إن انتهينا إلى بدر أن ننحره. فرانا النبى صلّى الله عليه وسلم فقال: «ما بالكما؟» فأخبرناه فنزل النبى صلّى الله عليه وسلم، فتوضأ، ثم بزق فى وضوئه، ثم أمرها ففتحا فم البعير، فصبّ فى جوفه، ثم على رأسه، ثم على عنقه، ثم على غاربه، ثم على سنامه، ثم على عجزه، ثم على ذنبه. ثم قال النبى صلّى الله عليه وسلم: «اللهم احمل رفاعة وخلّادا» فقمنا نرحل، فأدركنا أول الركب، فلما انتهينا إلى بدر نحرناه، وتصدقنا بلحمه «2» . [104] روى أبو القاسم الطبرانى فى «كتاب الدعوات» عن زيد بن ثابت- رضى الله تعالى عنه- قال: غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى إذا كنا فى مجمع طرق المدينة، فبصرنا بأعرابى اخذ بخطام بعير حتى وقف على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ونحن حوله، فقال: السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته، فرد النبى صلّى الله عليه وسلم السلام، وقال: «كيف أصبحت؟» فجاء رجل كأنه حرسىّ فقال: يا رسول الله: هذا الأعرابى سرق بعيرى هنا، فرغا البعير وحنّ ساعة، فأنصت له النبى صلّى الله عليه وسلم يسمع رغاءه وحنينه!   (1) حديث صحيح.. أخرجه أبو داود (2160) ، والنسائى فى اليوم والليلة (240، 263) ، وابن ماجه (1918، 2252) . (2) حديث ضعيف.. أخرجه أبو نعيم فى «معرفة الصحابة» ، وأبو موسى المدينى، وابن منده فى «الصحابة» كما فى «أسد الغابة» لابن الأثير (2/ 141) ، ومظان هذه الكتب الأحاديث الضعيفة، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 فلما هدأ البعير أقبل النبى صلّى الله عليه وسلم على الحرسىّ وقال: «انصرف عنه؛ فإن البعير يشهد أنك كاذب» فانصرف الحرسىّ، وأقبل النبى صلّى الله عليه وسلم على الأعرابى وقال: «أى شىء قلت حين جئتنى؟» فقال: بأبى أنت وأمى يا رسول الله، قلت: اللهم صلّ على محمد حتى لا تبقى صلاة! اللهم وبارك على محمد حتى لا تبقى بركة! اللهم وسلم على محمد حتى لا يبقى سلام! اللهم وارحم محمدا حتى لا تبقى رحمة! فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى أبداها لى، والبعير ينطق بقدرته، وإن الملائكة قد سدوا أفق السماء» «1» . [105] عن أبى حميد الساعدى أن النبى صلّى الله عليه وسلم استعمل رجلا من الأزد يقال له ابن اللّتبيّة، قال ابن السراج: ابن الأتبيّة، على الصدقة، فجاء فقال: هذا لكم وهذا أهدى لى.. فقام النبى صلّى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: «ما بال العامل نبعثه فيجىء فيقول: هذا لكم وهذا أهدى لى، ألا جلس فى بيت أمّه، أو أبيه، فينظر أيهدى له أم لا؟ لا يأتى أحدكم بشىء من ذلك إلا جاء يوم القيامة إن كان بعيرا فله رغاء، أو بقرة فلها خوار، أو شاة تيعر» .. ثم رفع يديه حتى رأينا غفرة إبطيه، ثم قال: «اللهم هل بلّغت، اللهم هل بلّغت» «2» . [106] وعن تميم الدارى- رضى الله تعالى عنه- قال: كنا   (1) حديث ضعيف.. أخرجه الطبرانى فى «الدعاء» برقم (1054) ، وفى سنده هارون بن يحيى الحاطبى، قال العقيلى: «مدنى، لا يتابع على حديثه» ، انظر: «لسان الميزان» (6/ 183) . (2) رواه أبو داود فى سننه، كتاب الخراج والإمارة، باب: فى هدايا العمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 جلوسا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذ أقبل علينا بعير يعدو حتى وقف على هامة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ورغا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أيها البعير اسكن. فإن تك صادقا فلك صدقك، وإن تك كاذبا فعليك كذبك، مع أن الله قد أمن عائذنا، وليس بخائف لائذنا» . فقلنا: يا رسول الله؛ ما يقول هذا البعير؟ فقال صلّى الله عليه وسلم: «هذا بعير قد هم أهله بنحره وأكل لحمه، فهرب منهم واستغاث بنبيكم» . فبينما نحن كذلك إذا أقبل أصحابه يتعادون، فلما نظر إليهم البعير عاد إلى هامة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلاذ بها. فقالوا: يا رسول الله؟ هذا بعيرنا هرب منذ ثلاثة أيام فلم نلقه إلا بين يديك. فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «أما إنه يشكو إلىّ ويبث الشكاية» . فقالوا: يا رسول الله، ما يقول؟ قال: يقول: «إنه ربّى فى أمنكم أحوالا، وكنتم تحملون عليه فى الصيف إلى موضع الكلأ، فإذا كان الشتاء حملتم عليه إلى موضع الدفء. فلما كبر استفحلتموه، فرزقكم الله تعالى منه إبلا سائمة، فلما أدركته هذه السنة الخصبة هممتم بنحره وأكل لحمه» فقالوا: يا رسول الله؛ قد والله كان ذلك! فقال عليه الصلاة والسلام: «ما هذا جزاء المملوك الصالح من مواليه» فقالوا: يا رسول الله، فإنا لا نبيعه ولا ننحره، فقال النبى: «كذبتم، فقد استغاث بكم فلم تغيثوه وأنا أولى بالرحمة منكم، فإن الله تعالى قد نزع الرحمة من قلوب المنافقين وأسكنها فى قلوب المؤمنين» . فاشتراه عليه الصلاة والسلام منهم بمئة درهم وقال: «أيها البعير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 انطلق فأنت حر لوجه الله» . قال: فرغا البعير على هامة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام «امين» ثم رغا الثانية، فقال: «امين» ، ثم رغا الثالثة، فقال: «امين» ، ثم رغا الرابعة، فبكى عليه الصلاة والسلام، فقلنا: يا رسول الله: ما يقول هذا البعير؟ قال النبى صلّى الله عليه وسلم: «قال: جزاك الله أيها النبى عن الإسلام والقران خيرا، فقلت: امين، ثم قال: سكن الله رعب أمتك إلى يوم القيامة كما سكنت رعبى، فقلت: امين، ثم قال: حقن الله دماء أمتك من أعدائها كما حقنت دمى، فقلت: امين، ثم قال: لا جعل الله بأسها بينها فبكيت، فإن هذه الخصال سألتها ربى فأعطانيها، ومنعنى هذه، وأخبرنى جبريل عليه السلام عن الله عز وجل أن فناء أمتى بالسيف جرى القلم بما هو كائن» «1» . [107] عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قلت: يا أبا محمد، إنا بأرض لسنا نجد بها الدينار والدرهم، وإنما أموالنا المواشى، فنحن نتبايعها بيننا، فنبتاع البقرة بالشاة نظرة إلى أجل، والبعير بالبقرات، والفرس بالأباعر كل ذلك إلى أجل فهل علينا فى ذلك من بأس؟ فقال: على الخبير سقطت.. أمرنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن أبعث جيشا على إبل كانت عندى، قال: فحملت الناس عليها حتى نفدت الإبل، وبقيت بقية من الناس، قال: فقلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: يا رسول الله، الإبل قد نفدت، وقد بقيت بقية من الناس لا ظهر لهم، فقال لى رسول   (1) حديث ضعيف جدّا: أخرجه أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه فى «دلائل النبوة» وأبو طاهر السلفى كما قال الناجى فى «عجالة الإملاء» (ق 180) . وفى سنده سعيد بن زياد، متروك، وابنه سلامة مجهول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 الله صلّى الله عليه وسلم: «ابتع علينا إبلا بقلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى ننفذ هذا البعث» . قال: فكنت أبتاع البعير بالقلوصين والثلاث من إبل الصدقة إلى محلها حتى نفذت ذلك البعث. قال: فلما حلت الصدقة أدّاها رسول الله صلّى الله عليه وسلم «1» .   (1) رواه أحمد فى مسنده (2/ 216) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 6- البعوض (أ) البعوض فى اللغة: البعوض: جنس حشرة مضرة من ذوات الجناحين، وهو (الناموس) . ويقال: «كلّفه مخ البعوض» ؛ أى: ما لا يكون. و «هو أعز من مخّ البعوض» ، وقالوا: «أضعف من بعوضة» . (ب) طبائع هذا الحيوان: والبعوض على خلقة الفيل- كما ذكر الدّميرى- إلا أنه أكثر منه أعضاء، فإن للفيل أربع أرجل وخرطوما، وذنبا، وله مع هذه الأعضاء رجلان زائدتان، وأربعة أجنحة. وخرطوم الفيل مصمت، وخرطومه مجوّف نافذ للجوف، فإذا طعن به جسد الإنسان استقى الدم وقذف به إلى جوفه، فهو له كالبلعوم والحلقوم؛ ولذلك اشتد عضّها وقويت على خرق الجلود الغلاظ، قال الراجز: مثل السّفاة «1» دائما طنينها ... ركّب فى خرطومها سكينها ومما ألهمه الله تعالى أنه إذا جلس على عضو من أعضاء الإنسان لا يزال يتوخى بخرطومه المسامّ التى يخرج منها العرق لأنها أرق بشرة من جلد الإنسان؛ فإذا وجدها وضع خرطومه فيها. وفيه من الشّره أن يمصّ الدم إلى أن ينشق ويموت، أو إلى أن يعجز عن الطيران، فيكون ذلك سبب هلاكه. ومن عجيب أمره أنه ربما قتل البعير، وغيره من ذوات الأربع؛ فيبقى طريحا فى الصحراء. وكان بعض الجبابرة من الملوك بالعراق يعذّب بالبعوض، فيأخذ من يريد قتله فيخرجه مجردا إلى مكان تحيط به الأشجار الكثيفة الملتفة ويتركه فيها مكتوفا فيقتل فى أسرع وقت، وأقرب زمان! وما ألطف ما قال بعضهم:   (1) السّفاة: التراب يذهب مع الريح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 لا تحقرنّ صغيرا فى عداوته ... إن البعوضة تدمى مقلة «1» الأسد ويقول العلم: إن البعوض من الحشرات صغيرة الحجم، جهازها الفموى يضم قناتين أولاهما- لمص دم ضحاياها، والثانية: لكى تحقنها فى الوقت ذاته بسائل مهيج تفرزه الغدد اللعابية. ويعيش البعوض فى الماء الراكد، وينقل الأمراض للإنسان كالحمى الصفراء، والملاريا، وحمى الأيام الثلاثة. وصغاره «دعاميص» وواحدها: «دعموص» . وبعض أنواع البعوض يمتص دم الطيور، وبعضها يمص دم الضفيدعات، وأما ألد أعدائها فهو الإنسان والعصافير والأسماك. وقد عجب الكفار والمنافقون عندما ضرب الله مثلا مّا بعوضة فما فوقها. وفاتهم أن الله رب الصغير والكبير، وخالق البعوضة والفيل، والمعجزة فى البعوضة هى ذاتها المعجزة فى الفيل! إنها معجزة الحياة.. معجزة السر المغلق. فها هى ذى ألوان من الحشرات منتشرة فى الأرض! وها هو ذا الإنسان ينتشر فى الأرض! وكلاهما يجتمع على طعام واحد، وإذن لا بد من تعارض منافع، ومن صراع! ومن الحشرات ما يتخذ الإنسان طعاما! أليست البعوضة تستقى من دمه؟! ألا يشاركها فى التطفل القمل والبق والبرغوث؟! ويجود الإنسان بدمه- على طهارة وبراءة- ولكن هذه الحشرات قد تحمل إليه الأمراض بما تحمل من مكروبات! فسبحان الله الخالق المصور. (ج) وإليك ما جاء فى السنة الشريفة من أحاديث فى شأن البعوض: [108] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إنّه ليأتى الرّجل العظيم السّمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح   (1) المقلة: شحمة العين التى تجمع السواد والبياض، أو الحدقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 بعوضة. وقال: اقرؤا: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً «1» » «2» . [109] عن ابن أبى نعم قال: كنت شاهدا لابن عمر، وسأله رجل عن دم البعوض فقال: ممّن أنت؟ فقال: من أهل العراق.. قال: انظروا إلى هذا يسألنى عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن النّبى صلّى الله عليه وسلم وسمعت النبى صلّى الله عليه وسلم يقول: «هما ريحانتاى فى الدنيا» «3» . [110] عن أبى ذرّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّ الله تبارك وتعالى يقول: يا عبادى: كلّكم مذنب إلّا من عافيت، فسلونى المغفرة فأغفر لكم، ومن علم منكم أنّى ذو قدرة على المغفرة فاستغفرنى بقدرتى غفرت له. وكلّكم ضالّ «4» إلّا من هديت، فسلونى الهدى أهدكم، وكلّكم فقير إلّا من أغنيت، فسلونى أرزقكم، ولو أنّ حيّكم وميّتكم وأوّلكم واخركم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا فكانوا على قلب أتقى عبد من عبادى لم يزد فى ملكى جناح بعوضة، ولو اجتمعوا فكانوا على قلب أشقى عبد من عبادى، لم ينقص من ملكى جناح بعوضة، ولو أنّ حيّكم وميّتكم وأوّلكم واخركم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا، فسأل كلّ سائل منهم ما بلغت أمنيّته ما نقص من ملكى إلّا كما لو أنّ أحدكم مرّ بشفة البحر «5» فغمس فيها إبرة ثمّ نزعها، ذلك بأنّى جواد ماجد، عطائى كلام، إذا أردت شيئا فإنّما أقول له: كن فيكون» «6» .   (1) سورة الكهف. الاية: 105. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب التفسير- باب تفسير سورة الكهف (6/ 117) ، ومسلم فى كتاب المنافقين، حديث (18) ، وأحمد فى المسند (2/ 93، 114) . (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الأدب- باب رحمة الولد وتقبيله (8/ 8) . (4) «وكلكم ضال» أى عار من الهداية، ليس له هداية من ذاته، بل هى من عناية ربه ولطفه. (5) بشفة البحر: شفة الشىء جانبه وحرفه. أى شاطئه. (6) حديث ضعيف.. رواه ابن ماجه فى سننه- كتاب الزهد- باب ذكر التوبة (4257) بسند ضعيف، وانظر ضعيف الجامع الصغير وزياداته للألبانى (6454) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 [111] عن النبى صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «لو كانت الدّنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء» «1» . [112] عن سهل بن سعد قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بذى الحليفة، فإذا هو بشاة ميتة شائلة برجلها، فقال: «أترون هذه هينة على صاحبها؟ فو الذى نفسى بيده للدنيا أهون عند الله من هذه على صاحبها ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها قطرة أبدا» «2» .   (1) حديث صحيح.. أخرجه الترمذى فى سننه (2320) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه فى سننه (4110) ، والحاكم (4/ 306) ، وصححه الحاكم، وأبو نعيم فى الحلية (3/ 253) ، والديلمى (5034) ، والخطيب البغدادى (4/ 92) . وانظر: السلسلة الصحيحة (686) ومجمع الزوائد (10/ 288) . (2) رواه ابن ماجه فى سننه كتاب الزهد، حديث رقم 4110.. وشائلة برجلها أى رافعة برجلها من الانتفاخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 7- البغال (أ) البغل فى اللغة: البغل: - كما جاء فى المعجم الوسيط- ابن الفرس من الحمار وجمعه أبغال، وبغال. والواحدة بغلة، وجمعها بغال أيضا. وكنيته: أبو الأشحج، وأبو الحرون، وأبو الصفر، وأبو قضاعة، وأبو قموص، وأبو كعب، وأبو مختار، وأبو ملعون. ويقال له: ابن ناهق. وفى الأمثال: قيل للبغل: من أبوك؟ قال: الفرس خالى. يضرب للمخلط فى أمره، وقالوا: «أعقر من بغل» و «أعقم من بغلة» و «أعيب من بغلة أبى دلامة» . (ب) طبائع هذا الحيوان: وهو مركب من الفرس والحمار، ولذلك صار له صلابة الحمار، وعظم الات الخيل. وشحيجه (أى: صوته) مولّد من صهيل الفرس، ونهيق الحمار. وهو عقيم لا يولد له. وشر الطباع ما تجاذبته الأعراق المتضادة، فإذا كان الذكر حمارا كان شديد الشبه بالفرس، وإذا كان الذكر حصانا كان شديد الشبه بالحمار. ومن العجب أن كل عضو منه يكون بين الفرس والحمار، وكذلك أخلاقه: ليس له ذكاء الفرس، ولا بلادة الحمار، وله صبر الحمار، وقوة الفرس، ويوصف برداءة الأخلاق والتلون! لكنه مع ذلك يوصف بالهداية فى كل طريق يسلكه مرة واحدة. وهو مركب الملوك فى أسفارها، وقعيد الصعاليك فى قضاء أوطارها، مع احتماله للأثقال، وصبره على طول الإيغال. وقد ذكر الله- سبحانه وتعالى - البغال، وامتن علينا بها، كالخيل والحمير، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 واستعمل الرسول صلّى الله عليه وسلم هذا الحيوان واقتناه وركبه حضرا وسفرا وكانت بغلة الرسول صلّى الله عليه وسلم التى يركبها فى الأسفار أنثى واسمها «الدلدل» . (ج) الأحكام الفقهية: البغل حيوان عقيم ليس له نسل ولا نماء، ولا يذكّى، ولا يزكّى. ويحرم أكل المتولد منها بين الحمار الأهلى والفرس. وإذا أوصى لفلان ببغلة لا تتناول الذكر- على الأصح- كما لا تتناول البقرة الثور. فى أحد رأيين. والثانى تتناوله، والهاء للواحدة كتمرة وزبيبة. (د) وإليك ما جاء بشأنها: [113] عن أبى إسحاق، أنّه سمع البراء بن عازب، وقد سأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم حنين؟ فقال: لكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يفرّ «1» . كانت هوازن رماة، وإنّا لمّا حملنا عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم، فاستقبلنا بالسهام «2» . ولقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، على بغلته البيضاء، وإنّ أبا سفيان بن الحارث «3» ، اخذ بزمامها «4» ، وهو يقول: «أنا النبىّ لا كذب» «5» . [114] عن العباس بن عبد المطلب قال: «شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم حنينا «6» ، قال: فلقد رأيت النبىّ صلّى الله عليه وسلم وما معه إلّا أنا، وأبو سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب، فلزمنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلم نفارقه وهو على   (1) لما كان السؤال يوهم أنهم فروا جميعا وفر معهم رسول الله عليه السلام؛ أجاب البراء، بإثبات الفرار لهم، وثبات الرسول عليه السلام، وعدم فراره. (2) بين بذلك سببا من أسباب الهزيمة فى أول الأمر؛ وهو أن المسلمين شغلوا بجمع الغنائم. (3) هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، وهو ابن عم الرسول عليه السلام. (4) فى بعض الروايات: أنه نزل من على البغلة، وطلب من الله النصر، وأمر بنداء الأنصار والمهاجرين، فاجتمعوا إليه، وتم النصر للمسلمين. (5) حديث صحيح.. رواه البخارى (5/ 153) فى صحيحه، وابن سعد فى الطبقات (1/ 24) . (6) حنين: واد إلى جنب ذى المجاز، قريب من الطائف، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا، من جهة عرفات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 بغلة شهباء، وربّما قال معمر: بيضاء، أهداها له فروة بن نعامة الجذامىّ، فلمّا التقى المسلمون والكفار، ولّى المسلمون مدبرين، وطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلم، يركض بغلته قبل الكفار) . قال العبّاس: وأنا اخذ بلجام بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أكفّها، وهو لا يألو ما أسرع «1» نحو المشركين، وأبو سفيان بن الحارث، اخذ بغرز «2» رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يا عباس، ناد: يا أصحاب الشّجرة «3» » ، قال: وكنت رجلا صيّتا «4» ، فقلت بأعلى صوتى: أين أصحاب الشّجرة؟ قال: فو الله لكأنّ عطفتهم حين سمعوا صوتى، عطفة البقر على أولادها!! فقالوا: يا لبّيك، يا لبيك، وأقبل المسلمون، فاقتتلوا هم والكفار، فنادت الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار، ثم قصرت الدعوة على بنى «5» الحارث بن الخزرج. قال: فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وهو على بغلته، كالمتطاول «6» عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «هذا حين حمى الوطيس» «7» ، قال: ثمّ أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهنّ وجوه الكفّار، ثمّ قال: «انهزموا، وربّ الكعبة. انهزموا، وربّ الكعبة» . قال: فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فو الله، ما هو إلّا أن رماهم   (1) أى: لا يقصر فى الإسراع نحو المشركين. (2) أى: بركابه، والغرز الركاب. (3) هى الشجرة التى بايع النبى صلّى الله عليه وسلم تحتها بيعة الرضوان، عام الحديبية. (4) الصيّت: هو الشديد الصوت العاليه. (5) ومعناه: أنهم أولا نادوا الأنصار عموما، ثم خصصوا بالنداء بنى الحارث بن الخزرج. (6) من الطول: بالفتح، وهو الفضل والعلو على الأعداء. (7) قيل: هو الضراب فى الحرب، وقيل: هو الوطاس الذى يطس الناس: أى يدقهم، ونقل عن الأصمعى: هو حجارة مدورة، إذا حميت لم يعد أحد يطؤها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 رسول الله صلّى الله عليه وسلم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلا «1» وأمرهم مدبرا؛ حتّى هزمهم الله!! قال: وكأنّى أنظر إلى النبىّ صلّى الله عليه وسلم، يركض خلفهم على بغلته» «2» . [115] روى أبو داود والنّسائى، عن عبد الله بن زرير الغافقى المصرى، عن على- رضى الله عنه- قال: «أهديت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم بغلة فركبها. فقالوا: لو حملنا الحمير على الخيل لكان لنا مثل هذه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون» «3» . قال ابن حبان معناه: الذين لا يعلمون النهى عنه*. [116] عن عبد الله بن أبى أوفى، وكان من أصحاب الشجرة، فماتت ابنة له، وكان يتبع جنازتها على بغلة، فجعل النساء يبكين، فقال: لا ترثين، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى عن المراثى، فتفيض إحداكن من عبراتها ما شاءت، ثم كبّر عليها أربعا، ثم قام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يدعو، ثم قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يصنع فى الجنازة هكذا «4» .   (1) كلّ السيف يكلّ كلالا فهو كليل إذا لم يقطع، وهذا كناية عن ضعف قوتهم ومقاومتهم. (2) حديث صحيح رواه مسلم فى صحيحه، كتاب الجهاد (76) ، وأحمد فى المسند (1/ 207) ، وانظر «الفتح الربانى» (1/ 169) للساعاتى. (3) رواه أبو داود فى سننه- كتاب الجهاد حديث (2565) ، وأحمد (1/ 78) . * قال الخطابى: يشبه أن يكون المعنى فى ذلك- والله أعلم- أن الحمير إذا حملت على الخيل تعطلت منافع الخيل، وقل عددها، وانقطع نماؤها. والخيل يحتاج إليها للركوب والعدو والطلب والركض، وعليها يجاهد العدو، وبها تحرز الغنائم، ولحمها مأكول، ويسهم للفرس كما يسهم للرجل. وليس للبغل شىء من هذه الفضائل، فأحب النبى صلّى الله عليه وسلم أن ينمو عدد الخيل، ويكثر نسلها لما فيها من النفع والصلاح. فإذا كانت الفحول خيلا والأمهات حميرا، فيحتمل ألا يكون داخلا فى النهى، إلا أن يتأول متأول أن المراد بالحديث صيانة الخيل عن مزاوجة الحمير، وكراهة اختلاط مائها بمائها؛ لئلا يكون منها الحيوان المركب من نوعين مختلفين، فإن أكثر الحيوانات المركبة من نوعين من الحيوان أخبث طبعا من أصولها التى تتولد منها، وأشد شراسة. (4) رراه أحمد فى مسنده 4/ 356. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 [117] قال السهيلى: ومما يذكر فى غزوة حنين: أن النبى صلّى الله عليه وسلم أخذ وهو على بغلته، حفنة من البطحاء فرمى بها فى وجوه الكفار وقال: «شاهت الوجوه» «1» . فانهزموا «2» . وكانت البغلة ضربت ببطنها الأرض حتى أخذ الحفنة، ثم قامت، وهى التى تسمى البيضاء. [118] وفى معجم الطبرانى الأوسط من حديث أنس- رضى الله عنه- قال: لما انهزم المسلمون يوم حنين، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم على بغلته الشهباء التى يقال لها: الدّلدل، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «دلدل أسدى» فألصقت بطنها بالأرض، حتى أخذ النبى صلّى الله عليه وسلم حفنة من تراب فرمى بها وجوههم وقال: «حم ... لا ينصرون» «3» . قال: فانهزم القوم، وما رميناهم بسهم، ولا طعناهم برمح، ولا ضربناهم بسيف.   (1) شاهت الوجوه: أى قبحت. (2) حديث صحيح رواه مسلم فى صحيحه، كتاب الجهاد، حديث (81) . (3) حديث ضعيف رواه الطبرانى كما فى مجمع الزوائد (6/ 183) ، وفيه أحمد بن محمد بن القاسم ضعيف الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 8- البقر والثور والبهائم (أ) البقر والثور فى اللغة: البقر: جنس من فصيلة البقريات، يشمل الثور والجاموس، ويطلق على الذكر والأنثى. والبقير والبقران، والباقر: جماعة البقر مع رعاتها. والبيقور الجماعة، وأهل اليمن يسمون البقرة باقورة. ومنه المستأنس الذى يتخذ للبن والحرث، ومنه الوحشىّ. وبقر الماء: حوت بحرىّ يشبه البقرة. والبقّار: القيّم على البقر. والثّور: الذكر من البقر، وجمعه ثيران وثيرة، وثيرة. وولد البقرة عجل، والجمع عجول وعجاجيل. والبهيمة كل ذات أربع قوائم من دواب البر والبحر ما عدا السباع، والجمع: بهائم. وقد ضرب بالبقر المثل فى الغباء وعدم الفهم فقيل: * وما علينا إذا لم تفهم البقر* وقد شغل البقر النّاس جميعا فى مشارق الأرض ومغاربها حتى النحويين، فإنهم عندما تحدثوا عن عدم جواز الابتداء بالنكرة، قالوا: إلا إذا كان المبتدأ عجيبا غريبا مثل: بقرة تكلمات! فإنه يجوز الابتداء بالنكرة! (ب) طبائع البقر: منذ الاف السنين والبقر صديق الإنسان، يشرب لبنه، ويصنع منه الزّبد والجبن، ويساعده فى حرث الأرض وريها حتى بعد الميكنة الزراعية. و «البقرة الحلوب» أصبحت أشهر من نار على علم، و «بقرة بنى إسرائيل» دار حوالها فى القران حديث ممتاع وحوار بديع! ولا يستغنى الفلاح عن روث البقر ليكون سمادا لأرضه ووقودا لخبزه! وما زالت لحوم البقر وشحومها تسهم فى القضاء على المجاعات وتنقذ البشرية مما تعانيه من نقص فى الغذاء بعد اللحوم البيضاء لولا جنونها! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 أما جلودها فتقوم عليها صناعة من أهم الصناعات للإنسان هى: «صناعة الجلود» ، ويكفى ما يتخذه الإنسان منها من أحذية، وأحزمة، وحقائب. وللبقر سلالات عالية منها الحلوب التى تعطى أكثر من 4000 لتر من الحليب سنويا. ومنها سلالة لا قرون لها، تتميز بأرجلها القصيرة، وتربى لما تعطيه من لحم أفضل. وتربية الأبقار على رأس ما تهتم به الدول، سواء فى ذلك الثيران للتكاثر، والأبقار للحلاب والدّرّ واللحم والشحم. وتضع البقرة حملها بعد تسعة أشهر تقريبا كالإنسان؛ فإن مدة الحمل فى الثدييات ذات المشيمة قدرت فى المرأة بأربعين أسبوعا، أما فى البقرة فقد قدرت بواحد وأربعين أسبوعا. ولكن طفولة العجل لا تطول؛ فإنه يولد على حال من الاكتمال والقوة تمكنه من أن يمشى بعد ساعات قليلة من ولادته، ويرى ما أمامه بوضوح فى لحظة ولادته. ولا تستمر فترة رضاعته إلا ستة أشهر على الأكثر، ثم يشارك أمه طعامها مدة حياتها التى قد تصل إلى خمسة وعشرين عاما. ومن العجيب الغريب أن البقر ليس له أنياب أو أسنان عليا، وإنما زوده الله فى اللثة العليا بوسادة خشنة تقوم بالضغط على الحشائش التى تتناولها بأسنانها السفلية الأمامية لتمر فى الأنبوب الهضمى حيث يتم اختزانها فى الكرش، ومنها ينتقل إلى المنفحة حيت يتحول هذا الطعام إلى كرات تعيدها البقرة إلى فمها لكى تمضغها بعناية وعلى مهل. وتسمى هذه العملية «عملية الاجترار» ونلاحظها أيضا فى الإبل والغنم، ثم يأخذ الطعام طريقه ثانية إلى المعدة، فالأمعاء التى يصل طولها إلى 50 مترا. ومن يتأمل عينى البقرة الواسعتين يجد فيها رضا واستسلاما وهدوا عجيبا. وللبقر فى الهند منزلة هامة؛ فهم لا يذبحون البقر ويا ويل من يذبح البقر أمامهم! والبقر حيوان شديد القوة، كثير المنفعة، خلقه الله ذلولا، ولم يخلق له سلاحا شديدا كما للسّبع، لأنه فى رعاية الإنسان؛ فلو كان له سلاح لصعب على الإنسان قيادته. وقد تدخل العلم الحديث فى تربية البقر فراح العلماء فى الدول المتقدمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 يجرون تجاربهم للوصول إلى أفضل السلالات التى تنتج كميات كبيرة من اللبن للإسهام فى تخفيف المجاعات التى تهدد أطفال العالم. وقد نجحت جهودهم فى تحقيق هذا الأمل، فبينما البقرة فى دول العالم الثالث لا تعطى إلا لترا واحدا من الحليب فى اليوم، إذا بها تعطى 47 لترا يوميا فى الدول المتقدمة مما ساعد على تجفيف اللبن وتقديمه إلى دول العالم الثالث ليشرب عند الطلب، وفى جميع الأوقات، وينتفع به الكبار والصغار على السواء. (ج) الأحكام الفقهية: يحل أكل البقر وشرب ألبانها إجماعا. لقوله تعالى فى سورة غافر: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ [الاية: 79] . فقد أباح الله سبحانه فى هذه الاية وغيرها الانتفاع ببهيمة الأنعام بأكل لحومها وشرب ألبانها، وأباح أيضا ركوبها والانتفاع بجلودها وأصوافها وأوبارها، وأشعارها. وفى البقر زكاة يخرجها مالكه عندما يكتمل النصاب، وقد ورد النهى عن أكل لحم الجلالة، وتحريم أكل ما قطع من الحى. وسؤر البقر طاهر، فقد أجمع العلماء على أن سؤر ما يؤكل لحمه يجوز شربه والوضوء به. وأما بول وروث ما يؤكل لحمه، كالبقر، فقد ذهب إلى القول بطهارته مالك وأحمد وجماعة من الشافعية، وقال ابن تيمية: لم يذهب أحد من الصحابة إلى القول بنجاسته.. بل القول بنجاسته قول محدث لا سلف له من الصحابة. (د) وإليك ما جاء فى السنة النبوية: بشأن البقر والثور والبهائم وما يتعلق بها من أحكام. [118] عن عائشة- رضى الله عنها- أنّ النّبىّ صلّى الله عليه وسلم دخل عليها، وحاضت بسرف، قبل أن تدخل مكّة وهى تبكى، فقال: مالك؟ أنفست؟ قالت: نعم. قال: «إنّ هذا أمر كتبه الله على بنات ادم، فاقضى ما يقضى الحاجّ غير ألّا تطوفى بالبيت» ، فلمّا كنّا بمنى- أتيت بلحم بقر، فقلت: ما هذا؟ قالوا: ضحّى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن أزواجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 بالبقر» «1» . [120] عن أبى موسى عن النّبىّ صلّى الله عليه وسلم قال: «رأيت فى المنام أنّى أهاجر من مكّة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلى «2» إلى أنّها اليمامة أو هجر، فإذا هى المدينة يثرب ورأيت فيها بقرا «3» والله خير، فإذا هم المؤمنون يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله من الخير وثواب الصّدق الّذى اتانا الله به بعد يوم بدر» «4» . [121] عن حذيفة بن اليمان أنه قال: يا رسول الله، إنّا كنا فى شرّ فذهب الله بذلك الشر، وجاء بالخير على يديك، فهل بعد الخير من شر؟ قال: «نعم» قال: ما هو؟ قال: «فتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا تأتيكم مشتبهة كوجوه البقر لا تدرون أيا من أى» «5» . [122] عن أبى هريرة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النّار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها النّاس ونساء كاسيات عاريات «6» مميلات مائلات «7» ، رؤسهنّ كأسنمة البخت   (1) حديث صحيح: رواه البخارى فى كتاب الحيض، باب كيف كان بدء الحيض وقول النبى صلّى الله عليه وسلم هذا شىء كتبه الله على بنات ادم (1/ 81) ، وفى كتاب الحج باب ما يأكل الحاج من البدن وما يتصدق به (2/ 212) ، وفى كتاب الأضاحى- باب الأضحية للمسافر والنساء (7/ 129) . (2) الوهل: الوهم. يقال: وهل إلى الشىء: ذهب وهمه إليه وهو يريد غيره. (3) قيل: إن رؤية البقر فى المنام يدل على السنين، فالبقرة السوداء والصفراء سنة فيها سرور، والبقر السّمان سنون ذات خصب، وقيل: البقرة فى المنام رفعة وشرف، ومن رأى أنه أهدى إليه لبن بقرة فإنه ينال امرأة صالحة. (4) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب التعبير- باب إذا رأى بقرا تنحر (9/ 52) . (5) رواه أحمد فى مسنده 5/ 391. (6) كاسيات عاريات: قال النووى: فيه أوجه أحدها: كاسيات من نعمة الله، عاريات من شكرها، والثانى: كاسيات من الثياب، عاريات من فعل الخير والاعتناء بالطاعات، والثالث تكشف شيئا من بدنها إظهارا لجمالها، فهن كاسيات عاريات. (7) مائلات مميلات: قيل: زائغات عن طاعة الله تعالى، وما يلزمهن من حفظ الفروج وغيرها، ومميلات يعلمن غيرهن مثل فعلهن، وقيل: مائلات متبخترات فى مشيتهن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 المائلة «1» ، لا يدخلن الجنّة ولا يجدن ريحها، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» «2» . [123] عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يوشك إن طالت بك مدّة أن ترى قوما فى أيديهم مثل أذناب البقر يغدون فى غضب الله ويروحون فى سخط الله» «3» . [124] عن ابن عمر- رضى الله عنهما- عن النّبىّ صلّى الله عليه وسلم قال: «خرج ثلاثة يمشون فأصابهم المطر، فدخلوا فى غار فى جبل، فانحطّت عليهم صخرة. قال: فقال بعضهم لبعض: ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه، فقال أحدهم: اللهمّ إنّى كان لى أبوان شيخان كبيران، فكنت أخرج فأرعى ثمّ أجئ فأحلب فأجئ بالحلاب، فاتى به أبوىّ فيشربان، ثمّ أسقى الصّبية وأهلى وامرأتى، فاحتبست ليلة، فجئت فإذا هما نائمان، قال: فكرهت أن أوقظهما والصّبية يتضاغون «4» عند رجلى، فلم يزل ذلك دأبى ودأبهما حتّى طلع الفجر.. اللهمّ إن كنت تعلم أنّى فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنّا فرجة نرى منها السّماء. قال: ففرج عنهم، وقال الاخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّى كنت أحبّ امرأة من بنات عمّى كأشدّ ما يحبّ الرّجل النّساء، فطلبت إليها فأبت حتّى اتيها بمائة دينار، فسعيت فيها حتّى جمعتها «5» فلمّا قعدت بين رجليها قالت: اتّق الله ولا تفضّ الخاتم إلّا   (1) انظر الإبل وما جاء فى البخت من أحاديث. (2) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب صفة الجنة- باب النار يدخلها الجبارون (8/ 155) . قال النووى: هذا الحديث من معجزات النبوة فقد وقع ما أخبر به النبى صلّى الله عليه وسلم. (3) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب صفة الجنة- باب النار يدخلها الجبارون (8/ 155) . (4) يتضاغون: أى يتصايحون ويبكون. يقال: ضغا يضغو ضغوا وضغاء إذا صاح وضجّ. (5) سعيت فيها حتى جمعتها: سعيت فى جمعها لأنال منها ما أريد وجئت بها إليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 بحقّه فقمت وتركتها، فإن كنت تعلم أنّى فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنّا فرجة. قال: ففرج عنهم الثّلثين. وقال الاخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّى استأجرت أجيرا بفرق «1» من ذرة فأعطيته، وأبى ذاك أن يأخذ فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته حتّى اشتريت منه بقرا وراعيها، ثمّ جاء فقال: يا عبد الله أعطنى حقّى فقلت: انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنّها لك. فقال: أتستهزئ بى! قال: فقلت ما أستهزئ بك، ولكنّها لك، اللهمّ إن كنت تعلم أنّى فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج فكشف عنهم» «2» . [125] عن جابر قال: «حججنا مع رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فنحرنا البعير عن سبعة والبقرة عن سبعة» «3» . [126] عن جابر قال: «ذبح رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- عن عائشة بقرة يوم النّحر» «4» . [127] عن معاذ بن جبل قال: «بعثنى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- إلى اليمن وأمرنى أن اخذ من البقر، من كلّ أربعين مسنّة، ومن كلّ ثلاثين تبيعا أو تبيعة «5» » «6» .   (1) الفرق: مكيال بالمدينة يسع ثلاثة اصع ويحرّك- وهو أفصح- أو يسع ستة عشر رطلا أو أربعة أرباع. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب البيوع- باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضى (3/ 102) ، وفى أبواب الإجارة- باب من استأجر أجيرا فترك أجره (3/ 119- 120) ، وأبواب المزارعة- باب إذا زرع بمال قوم بغير إذنهم (3/ 138- 139) ، وفى كتاب الأنبياء- باب ما ذكر فى بنى إسرائيل (4/ 209- 210) ، وفى كتاب الأدب- باب إصابة دعاء من برّ والديه (8/ 3- 4) . (3) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الحج- باب الاشتراك فى الهدى وإجزاء البقرة عن سبعة (4/ 88) . (4) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الحج- باب الأشتراك فى الهدى (4/ 88) . (5) التبيع: ولد البقرة فى الأولى، وهى بهاء. (6) رواه ابن ماجه فى كتاب الزكاة- باب صدقة البقر حديث (1803) ، وأحمد فى المسند (1/ 411) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 [128] عن ابن عمر عن النّبىّ صلّى الله عليه وسلم قال: «لئن تركتم الجهاد، وأخذتم بأذناب البقر، وتبايعتم بالعينة «1» ، ليلزمنّكم الله مذلّة فى رقابكم، لا تنفكّ عنكم حتّى تتوبوا إلى الله، وترجعوا على ما كنتم عليه» «2» . [129] عن أنس قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «لا عقر «3» فى الإسلام» قال عبد الرّزّاق: كانوا يعقرون عند القبر بقرة «4» أو شاة «5» . (د) ما ورد فى البهائم: [130] عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما- فى حديث له- أنّ النّبىّ صلّى الله عليه وسلم قال: «لم ينقص قوم المكيال والميزان، إلّا أخذوا بالسّنين وشدّة المئونة وجور السّلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلّا منعوا القطر من السّماء، ولولا البهائم لم يمطروا» «6» . [131] وعن ابن عمر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أمر أن تحدّ الشّفار، وأن توارى عن البهائم، وقال: إذا ذبح أحدكم فليجهز» «7» . [132] عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «بينما رجل   (1) أى بالسلف. باع السلعة بثمن إلى أجل، ثم اشتراها منه بأقل من ذلك الثمن. (2) رواه أحمد فى مسنده (2/ 42) بسند جيد. (3) عقر نحر، وكانوا يقولون إن صاحب القبر كان يعقر للأضياف أيام حياته فنكافئه بمثل صنيعه بعد وفاته. (4) حديث صحيح.. رواه أبو داود فى كتاب الجنائز- باب كراهية الذبح عند القبر حديث (3222) ، وأحمد فى المسند (3/ 197) بنسد صحيح. (5) ارجع إلى ما جاء فى الأحاديث عن الشاة فى الغنم. (6) إسناده حسن.. ورواه ابن ماجه فى سننه كتاب الفتن حديث (4019) . وقال فى الزوائد: حديث صالح للعمل به. (7) حديث ضعيف.. أخرجه ابن ماجه فى سننه، كتاب الذبائح، وأحمد فى المسند (2/ 108) وفيه قرة بن حيوئيل، وابن لهيعة فيهما ضعف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 يسوق بقرة له قد حمل عليها، فالتفتت إليه البقرة فقالت: إنى لم أخلق لهذا، ولكنّى إنما خلقت للحرث!» . فقال الناس: سبحان الله تعجبا وفزعا! أبقرة تكلّم؟! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «فإنى أومن به وأبو بكر وعمر» «1» . [133] عن أبى واقد اللّيثى- رضى الله عنه- قال: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة، وبها ناس: يعمدون إلى أليات «2» الغنم، وأسنمة الإبل: يجبّونها «3» ، فقال: «ما قطع من البهيمة- وهى حيّة- فهو ميتة) «4» . [134] حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس، فيما قرئ عليه، عن سمىّ مولى أبى بكر، عن أبى صالح السّمّان، عن أبى هريرة؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «بينما رجل يمشى بطريق، اشتدّ عليه العطش. فوجد بئرا فنزل فيها فشرب. ثمّ خرج، فإذا كلب يلهث «5» يأكل الثّرى «6» من العطش. فقال الرّجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الّذى كان بلغ منّى، فنزل البئر فملأ خفّه ماء، ثمّ أمسكه بفيه «7» حتّى رقى. فسقى الكلب فشكر الله له، فغفر له» قالوا: يا رسول   (1) تكلّم: أى تتكلم فحذفت إحدى التاءين، وإنما خص أبا بكر وعمر بذلك لثقته بهما، ولعلمه بصدق إيمانهما، وقوة يقينهما، وكمال معرفتهما لعظيم سلطان الله، وكمال قدرته ففى ذلك فضيلة ظاهرة لأبى بكر وعمر رضى الله عنهما. والحديث رواه مسلم فى صحيحه [كتاب فضائل الصحابة 2388] . (2) أليات: جمع ألية: بفتح الهمزة، وسكون اللام (وأسمنة) : جمع سنام، وهو ما ارتفع من ظهر الجمل (الإبل) : الجمال. (3) يجبونها: من الجب وهو القطع. والحديث صريح فى أن ما قطع من البهيمة- وهى حية- يكون ميتة، فيحرم أكله. (4) حديث صحيح: رواه أحمد (5/ 218) فى المسند والترمذى (1480) فى سننه. (5) يلهث: اللهث ارتفاع النفس من الإعياء والتعب، ولهث الكلب أخرج لسانه من العطش. (6) يأكل الثرى: الثرى التراب، ويأكل الثرى: يعض بفيه الأرض الندية لعلها تخفف عطشه. (7) أى أمسك الخف بفيه حتى يتمكن من الصعود. ورقى: صعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 الله! وإنّ لنا فى هذه البهائم لأجرا؟ فقال: «فى كلّ كبد رطبة أجر» «1» . [135] عن ميمونة قالت: «كانت النبى- صلّى الله عليه وسلّم- إذا سجد لو شاءت بهمة أن تمرّ بين يديه لمرّت» «2» . [136] عن عاصم بن لقيط عن أبيه وافد بنى المنفق- وقال عبد الرّزّاق: المنتفق- أنّه انطلق هو وصاحب له إلى النّبىّ صلّى الله عليه وسلم فلم يجداه فأطعمتهما عائشة تمرا وعصيدة «3» ، فلم نلبث أن جاء النّبىّ صلّى الله عليه وسلم يتقلّع «4» يتكفّأ فقال: «أطعمتهما؟» قلنا: نعم، قلت: يا رسول الله أسألك عن الصّلاة، قال: «أسبغ الوضوء، وخلّل الأصابع، وإذا استنشقت فأبلغ إلّا أن تكون صائما» قلت: يا رسول الله إنّ لى امرأة، فذكر من بذائها، قال: «طلّقها» قلت: إنّ لها صحبة وولدا، قال: «مرها أو قل لها فإن يكن فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك ضربك أميّتك» فبينا هو كذلك إذ دفع الرّاعى الغنم فى المراح على يده سخلة فقال: «أولدت؟» قال: نعم، قال: «ماذا؟» قال: بهمة. قال: «اذبح مكانها شاة ثمّ أقبل علىّ» «5» .   (1) حديث صحيح أخرجه البخارى فى صحيحه كتاب الأشربة (9) ، ومسلم فى صحيحه، كتاب السلام (153) ، وأحمد (2/ 517) . (2) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الصلاة- باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به (1/ 356) ، والنسائى فى سننه كتاب التطبيق- باب التجافى فى والسجود (2/ 213) ، وابن ماجه فى كتاب الإقامة- باب السجود، حديث (880) ، وأحمد فى مسنده (6/ 331) . (3) العصيدة: هى دقيق يلتّ بالسمن ويطبخ. (4) يتقلّع: أراد قوة مشيه، كأنه يرفع رجليه من الأرض رفعا قويا. (5) حديث صحيح.. رواه أحمد فى مسنده (4/ 33، 211) وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه، والحاكم فى المستدرك بسند صحيح.. وانظر صحيح الجامع الصغير للألبانى (927) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 باب التاء أولا: التبيع. (ولد البقرة) . (مع البقر) . ثانيا: التّتفل. (ولد الثعلب) . (مع الثعلب) . ثالثا: التّنّين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 [ باب التاء ] 1- التنين (أ) التنين فى اللغة: التنين: حيوان أسطورى يجمع بين الزواحف والطير يقال: له مخالب أسد ونسر، وذنب أفعى. ويعد التنين من أشهر الحيوانات الأسطورية، والتى تتخذ منها الأساطير الشعبية مادة خصبة للإثارة. (ب) طبائع التنين: والتنين فى الأصل: الأفعى العظيمة، وتتميز مناطق الشرق بوجود الأفاعى المميتة الكبيرة، فى بلاد الكلدان واشور والفينيقيين، والتى تعتبر مصدرا للشر، ولذلك اقترن التنين بالشر أيضا، ويلاحظ ذلك بصفة خاصة فى مصر.. ويرتبط التنين فى مصر بالأسطورة اليونانية عن «أوديب» ملك طيبة، وتقول الرواية: إنه عندما وصل «أوديب» إلى طيبة وجد الناس يتحدثون عن وحش خرافى يقطع الطريق على المارة، وهناك من يقول بأن هذا الوحش هو التنين، فصمم «أوديب» على قتله ليخلص الناس من شره ... إلخ. أما فى الصين، فيعتبرون التنين مصدرا للخير والبركة، وكان رسم التنين- إلى وقت قريب- شعارا للعائلة المالكة فى الصين، ولقد لعب دورا هاما فى الفنون والزخارف الصينية.. وللتنين ذكر فى العديد من المصادر العربية، فذكره الدميرى فى «حياة الحيوان الكبرى» وذكر أن كنيته (أبو مرداس) ، وذكر أيضا أن النبى موسى عليه السلام كان قد حارب التنين بعصا عندما ظهر فى طريقه.. وقال الجاحظ فى «الحيوان» «1» : «ولم يزل أهل البقاع يتدافعون أمر التنين، ومن العجب أنك تكون فى مجلس وفيه   (1) الحيوان للجاحظ: 4/ 155. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 عشرون رجلا، فيجرى ذكر التنين، فينكره بعضهم، وأصحاب التثبت يدعون العيان» «1» اهـ ... وذكره أيضا القزوينى والمسعودى وغيرهم.. حقيقة التنين: ولكن.. ما هى حقيقة التنين؟! إن وجود ذكر له فى الأساطير والحكايات القديمة عند المصريين والأشوريين والبابليين والهنود وغيرهم، بل والعرب أيضا، يدل على أن له أصلا!! .. قال الدكتور صباح محمود محمد «2» : «فى الواقع إن التنين ظاهرة مناخية، أى تدخل ضمن ما يسمى بعلم المناخ أو الأرصاد الجوية، باعتبار أن التنين ما هو إلا تلك الرياح المدمرة والتى تسمى بالأعاصير أو العواصف الدوارة.. ويمكن أن نلتمس حقيقة ما ذكرناه من أن التنين نوع من أنواع الأعاصير المدمرة، مما ذكره بعض الرحالة والمؤرخين، فقد أشار المسعودى إلى ذلك فقال: «وقد اختلف الناس فى التنين: فمنهم من رأى أنه ريح سوداء تكون فى قعر البحر، فتظهر إلى النسيم وهو الجو- فتحلق السحب كالزوبعة فى الهواء ذاهبة الصعداء، توهم الناس أنها حيات سود، وقد ظهرت من البحر، لسواد السحاب، وذهاب الضوء وقد أوردت كلام المسعودى بالنص لأن تفسيره أقرب إلى الحقيقة» اهـ. وإليك ما جاء فى الحديث الشريف عن التنين: [137] عن أبى سعيد قال دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم مصلّاه فرأى ناسا كأنّهم يكتشرون قال: «أما إنّكم لو أكثرتم ذكر هادم اللّذّات لشغلكم عمّا أرى الموت، فأكثروا، من ذكر هادم اللّذّات الموت، فإنّه لم يأت على القبر يوم إلّا تكلّم فيه، فيقول: أنا بيت الغربة، وأنا بيت الواحدة، وأنا بيت التّراب، وأنا بيت الدّود، فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر: مرحبا وأهلا أما إن كنت لأحبّ من يمشى على   (1) أى يدعون أنهم رأوا التنين بأعينهم. (2) انظر: دراسات فى التراث الجغرافى العربى للدكتور صباح محمود محمد: 85- 101. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 ظهرى إلىّ فإذ ولّيتك اليوم وصرت إلىّ فسترى صنيعى بك، قال: فيتّسع له مدّ بصره، ويفتح له باب إلى الجنّة، وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال القبر: لا مرحبا ولا أهلا، أما إن كنت لأبغض من يمشى على ظهرى إلىّ فإذ ولّيتك اليوم وصرت إلىّ فسترى صنيعى بك، قال: فيلتئم عليه حتّى تلتقى عليه وتختلف أضلاعه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأصابعه فأدخل بعضها فى جوف بعض قال ويقيّض الله له سبعين تنّينا لو أنّ واحدا منها نفخ فى الأرض ما أنبتت شيئا ما بقيت الدّنيا، فينهشنه ويخدشنه حتّى يفضى به الحساب. قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّما القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النّار» «1» . [138] عن أبى سعيد الخدرى قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ليسلّط على الكافر فى قبره تسعة وتسعون تنّينا تنهشه وتلدغه حتى تقوم الساعة، ولو أن تنينا منها نفخ فى الأرض ما نبتت خضراء» «2» .   (1) ضعيف. رواه الترمذى فى سننه، كتاب صفة القيامة (9/ 283، 284) ، وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأحمد فى المسند (3/ 38) مختصرا. (2) حديث ضعيف.. رواه أحمد فى مسنده (3/ 38) والدارمى فى السنن (2815) (2/ 426) من طريق دراج أبى السمح عن أبى الهيثم عن أبى سعيد الخدرى به، ودراج ضعيف.. ورواه أبو يعلى من هذا الطريق موقوفا على أبى سعيد الخدرى. ورواه الترمذى فى جامعه، كتاب صفة الجنة، ضمن حديث طويل (2578) (7/ 157- 160) من طريق عطية العوفى عن أبى سعيد، وعطية ضعيف أيضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 2- التّيس التيس: الذكر من المعز، والظّباء، والوعول إذا أتى عليه حول، والجمع: تيوس، وأتيس، وأتياس. وانظره مع الأغنام، والمعاعز. ما ورد فيه من الحديث الشريف: [139] عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بالتّيس المستعار؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال: هو المحلّل لعن الله المحلّل والمحلّل له» «1» . [140] عن عكرمة مولى ابن عباس، زعم أن ابن عباس أخبره أن النبى صلّى الله عليه وسلم قسّم غنما يوم النحر فى أصحابه، وقال: «اذبحوها لعمرتكم فإنها تجزئ عنكم» ، فأصاب سعد بن أبى وقاص تيس «2» . [141] عن جابر بن سمرة قال: رأيت ماعز بن مالك حين جىء به إلى النبى صلّى الله عليه وسلم، رجل قصر أعضل «3» ، ليس عليه رداء فشهد على نفسه أربع مرات أنه زنى. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «فلعلّك؟!» قال: لا «4» .. والله إنه قد زنى الاخر «5» . قال: فرجمه.. ثم خطب فقال: «ألا كلما   (1) حديث ضعيف.. رواه ابن ماجه فى كتاب النكاح- باب المحلل والمحلل له، حديث (1936) ، وقال البوصيرى فى الزوائد: فى إسناده مشرح بن هاعان، ذكره ابن حبان فى الثقات، وقال: يخطئ ويخالف، وذكره فى الضعفاء وقال: يروى عن عقبة بن عامر مناكير لا يتابع عليها، والصواب ترك ما انفرد به، وقال ابن يوس: كان فى جيش الحجاج الذين رموا الكعبة بالمنجنيق. (2) رواه أحمد فى مسنده 1/ 307. (3) أعضل: مشتد الخلقة. (4) معنى ذلك: الإشارة إلى تلقينه الرجوع عن الإقرار بالزنى واعتذاره بشبهة، كما جاء فى الرواية الثانية: «لعلك قبّلت أو غمزت» . (5) الاخر: الأرزل والأبعد واللئيم.. والمراد أن ماعزا حقّر نفسه وعابها بعد فعل هذه الفاحشة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 نفرنا غازين «1» فى سبيل الله، خلف أحدهم «2» له نبيب كنبيب التيس «3» ، يمنح أحدهم الكثبة «4» .. أما والله إن يمكنّى من أحدهم لأنكّلنّه عنه «5» » «6» .   (1) نفرنا غازين: ذهبنا للقتال. (2) خلف أحدهم: تخلّف أحد هؤلاء عن الغزو معنا. (3) النبيب: صوت التيس عند السفاد. (4) يمنح أحدهم الكثبة: الكثبة القليل من اللبن وغيره: ومفعول يمنح محذوف، أى إحداهن، والمراد إحدى النساء المغيبات اللاتى غاب عنهن أزواجهن. (5) أى إن مكننى الله تعالى منه وأقدرنى عليه لأمنعنه عن ذلك بعقوبة. (6) رواه مسلم فى صحيحة، كتاب الحدود، حديث رقم 1692، وأحمد فى مسنده 5/ 86، 87، 102. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 [باب الثّاء] 1- الثعلب الثعلب فى اللغة: الثعلب من الفصيلة الكلبية، ورتبته اللواحم. والأنثى ثعلبة، والجمع ثعالب وأثعل، والثّعلبان: الثعلب الذكر. وكنية الثعلب: أبو الحصين. وثعالة: اسم للثعلب، ويقال: أرض مثعلة: أى كثيرة الثعالب. ويقال فى الأمثال: «أروغ من ثعالة» ، قال الشاعر: والدهر يلعب بالفتى ... والدهر أروغ من ثعالة كما قيل: كلّهم أروغ من ثعلب ... ما أشبه الليلة بالبارحة! وقالوا: «أذلّ ممّن بالت عليه الثعالب!» . (ب) طبائع هذا الحيوان: الثعلب سبع جبان مستضعف، ذو مكر وخديعة، ولكنه لفرط الخبث والخديعة يجرى مع كبار السباع! ومن حيلته فى طلب الرزق أنه يتماوت، وينفخ بطنه، ويرفع قوائمه حتى يظن أنه قد مات! فإذا قرب منه حيوان وثب عليه وصاده، ولكن حيلته هذه يعرفها كلب الصيد ويكشف أمره فلا يتركه يفلت من يديه! قيل للثعلب: ما لك تعدو أكثر من الكلب؟ قال: لأنّنى أعدو لنفسى، والكلب يعدو لغيره. قال الجاحظ: ومن أشد سلاح الثعلب عندهم الرّوغان، والتماوت؛ وسلاحه سلحه (فضلاته) فإن سلاحه أنتن وألزج وأكثر من سلاح الحبارى! قالت العرب: «أدهى وأنتن من سلاح الثعلب!!» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وقال الجاحظ أيضا: ومن العجب فى قسمة الأرزاق أن الذئب يصيد الثعلب فيأكله، والثعلب يصيد القنفذ فيأكله، والقنفذ يصيد الأفعى فيأكلها، والأفعى تصيد العصفور فتأكله، والعصفور يصيد الجراد فيأكله، والجراد يلتمس فراخ الزنابير فيأكلها، والزنبور يصيد النحلة فيأكلها، والنحلة تصيد الذبابة فتأكلها، والذبابة تصيد البعوضة فتأكلها! ومن طريف ما يحكى عنه أن البراغيث إذا كثرت فى صوفه، تناول صوفة منه بفيه، ثم يدخل النهر قليلا قليلا، والبراغيث تصعد فرارا من الماء حتى تجتمع فى الصوفة التى فى فيه، فيلقيها فى الماء ثم يهرب! وفروه أفضل الفراء، ومنه الأبيض والأسود. (ج) الأحكام الفقهية: اختلف الفقهاء فى حل أكله على قولين: القول الأول: وهو للشافعية، وبعض المالكية، ورواية عن الحنابلة، قالوا: إن أكله مباح، لأنه لا يتقوى بنابه، ولأنه من الطيبات، كما أنه يفدى فى الحرم والإحرام لمن صاده والفدية لا تكون إلا عن حيوان برى مأكول. ويضيف بعض المالكية إلى ذلك أنه ليس داخلا فى المحرمات المذكورة فى اية الأنعام قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ... [الأنعام الاية: 145] . القول الثانى: وهو للأحناف، وفريق اخر من المالكية والرواية المشهورة عن الحنابلة قالوا: «إن أكل لحم الثعلب حرام؛ لأنه من السباع حيث إن له نابا يتقوى به، فيدخل فى عموم أدلة النهى عن أكل السباع» . (د) ما جاء فى الحديث النبوى عن الثعلب: [142] عن أبى هريرة قال: «كنّا قعودا حول رسول الله صلّى الله عليه وسلم معنا أبو بكر وعمر، فى نفر، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بين أظهرنا فأبطأ علينا، وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا، فقمنا، فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتّى أتيت حائطا للأنصار، لبنى النّجار، فدرت به هل أجد له بابا، فلم أجد، فإذا ربيع يدخل فى جوف حائط من بئر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 خارجة- والربيع الجدول- «1» فاحتفزت «2» كما يحتفز الثعلب فدخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: «أبو هريرة؟» فقلت: نعم يا رسول الله، فقال: ما شأنك؟ فقمت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا، فكنت أوّل من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، وهؤلاء الناس ورائى!! فقال: يا أبا هريرة- وأعطانى نعليه، وقال: اذهب بنعلى هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط «3» يشهد ألاإله إلا الله مستيقنا بها قلبه- فبشره بالجنّة» . فكان أوّل من لقيت عمر فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟ فقلت: هاتان نعلا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعثنى بهما من لقيت يشهد ألاإله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشرته بالجنة. قال: فضرب عمر بيده بين ثديىّ «4» فخررت لاستى «5» فقال: ارجع يا أبا هريرة فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأجهشت «6» بكاء وركبنى عمر «7» فإذا هو على أثرى فقال لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «مالك يا أبا هريرة؟» قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذى بعثتنى به، فضرب بين ثديىّ ضربة خررت لاستى فقال: ارجع. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يا عمر ما حملك على ما فعلت؟ قال: يا رسول الله بأبى أنت وأمى «8» ، أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقى يشهد ألاإله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشّره بالجنة؟ قال: نعم. قال:   (1) الجدول: هو النهر الصغير. (2) احتفز: تحفز فى جلسته: انتصب فيها غير مطمئن وتضامّ وتجمع. واحتفز فى مشيه: جد وأسرع، وللأمر تهيأ للمضى فيه واستعد، والمراد: تضاممت ليسعنى المدخل. (3) الحائط: البستان. (4) أى فى منتصف صدرى. (5) فخررت لاستى: وقعت على ظهرى من شدة الضربة، والاست الدبر. (6) أجهشت. يقال: أجهش: هم بالبكاء. (7) ركبنى عمر: أى تبعنى ومشى خلفى. (8) أى أفديك بأبى وأمى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 فلا تفعل فإنى أخشى أن يتكل النّاس عليها؛ فخلّهم يعملون. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «فخلّهم» «1» . [143] عنّ حبّان بن جزء، عن أخيه خزيمة بن جزء قال: قلت: يا رسول الله جئتك لأسألك عن أحناش الأرض «2» ، ما تقول فى الثّعلب؟ قال: «ومن يأكل الثّعلب» «3» ؟ قلت: يا رسول الله! ما تقول فى الذّئب؟ قال: «ويأكل الذّئب أحد فيه خير؟» «4» . [144] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- نهانا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الصلاة عن ثلاثة: «نقرة كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب» «5» . [145] عن الحسن عن سمرة عن النبى صلّى الله عليه وسلم «مثل الذى يفر من الموت كالثعلب تطلبه الأرض بدين، فجعل يسعى حتى إذا أعيا، وانبهر دخل جحره، فقالت له الأرض: يا ثعلب دينى دينى! فخرج فلم يزل كذلك حتى انقطعت عنقه فمات!» «6» .   (1) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الإيمان- حديث رقم 52. (2) أحناش الأرض: قيل: الحنش ما أشبه رأسه رأس الحيّات، وقيل: الأحناش هوام الأرض. (3) إشارة إلى أنه منهى عن أكله فلا حاجة لهذا السؤال. (4) حديث ضعيف.. رواه ابن ماجه فى كتاب الصيد- باب الذئب والثعلب، حديث (3235) ، وقال البوصيرى فى الزوائد: قلت: ليس لخزيمة بن جزء عند ابن ماجه سوى هذا الحديث، وإسناد حديثه ضعيف، ورواه الترمذى فى كتاب الأطعمة مختصرا حديث (1852) ، وقال: هذا حديث ليس إسناده بالقوى لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن مسلم عن عبد الكريم أبى أمية. وانظر ما جاء بشأن ضعف سنده فتح البارى ج 9 ص 658، وبدائع الصنائع ج 5 ص 39، وحاشية الباجورى ج 2 ص 301، والمغنى ج 8 ص 588. (5) حديث حسن رواه أحمد فى المسند (3/ 428) ، وأبو داود (862) ، والنسائى (2/ 214) . وابن ماجه (9/ 14) ، من حديث عبد الرحمن بن شبل بلفظ اخر، وهذا اللفظ رواه أحمد، وأبو يعلى (2619) ، وسنده ضعيف جدّا، فيه محمد بن عبيد الله العزرمى، متروك الحديث. (6) حديث ضعيف رواه الطبرانى فى الأوسط و «الكبير» ، كما فى مجمع الزوائد (2/ 320) وفيه معاذ ابن محمد الهذلى قال العقيلى: لا يتابع على رفع حديثه والحسن مدلس وقد عنعنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 2- الثّور هو الذكر من البقر، وانظر البقر. ما ورد فى الثور من الحديث الشريف: [146] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: «أرسل ملك الموت إلى موسى- عليهما السّلام- فلمّا جاءه صكّه «1» ، فرجع إلى ربّه فقال: أرسلتنى إلى عبد لا يريد الموت، فردّ الله عليه عينه وقال: ارجع فقل له يضع يده على متن «2» ثور فله بكلّ ما غطّت به يده بكلّ شعرة سنة، قال: أى ربّ ثمّ ماذا؟ قال: ثمّ الموت، قال: فالان، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدّسة رمية بحجر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلو كنت ثمّ لأريتكم قبره إلى جانب الطّريق عند الكثيب الأحمر» «3» . [147] عن عبد الله قال: «كنّا مع النّبىّ فى قبّة فقال: أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنّة؟ قلنا: نعم. قال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنّة؟ قلنا: نعم. قال: أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنّة؟ قلنا نعم. قال: والّذى نفس محمّد بيده إنّى لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنّة؛ وذلك أنّ الجنّة لا يدخلها إلّا نفس مسلمة، وما أنتم فى أهل الجنة؛ وذلك أن الجنّة لا يدخلها إلّا نفس مسلمة، وما أنتم فى أهل   (1) صكه: أى ضربه فى عينه. (2) متن ثور: أى ظهر الثور. (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى أبواب الجنائز- باب من أحب الدفن فى الأرض المقدسة أو نحوها (2/ 113) ، وفى كتاب الأنبياء- باب وفاة موسى (4/ 191) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 الشّرك إلّا كالشّعرة البيضاء فى جلد الثّور الأسود أو كالشعرة السّوداء فى جلد الثّور الأحمر» «1» . [148] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- أنّ النّبىّ صلّى الله عليه وسلم قال: «أوّل من يدعى يوم القيامة ادم، فتراءى ذرّيّته. فيقال: هذا أبوكم ادم، فيقول لبّيك وسعديك فيقول: أخرج بعث جهنّم من ذرّيّتك فيقول: يا ربّ كم أخرج؟ فيقول: أخرج من كلّ مائة تسعة وتسعين. فقالوا: يا رسول الله إذا أخذ من كلّ مائة تسعة وتسعون فماذا يبقى منا؟ .. قال: إنّ أمّتى فى الأمم كالشّعرة البيضاء فى الثّور الأسود» «2» . [149] عن أبى أسماء أنّ ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حدّثه قال: كنت قائما عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم فجاء حبر «3» من أحبار اليهود فقال: السّلام عليك يا محمّد! فدفعته دفعة كاد يصرع منها. فقال: لم تدفعنى؟ فقلت: ألا تقول يا رسول الله! فقال اليهودىّ: إنّما ندعوه باسمه الّذى سمّاه به أهله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن اسمى محمّد الّذى سمّانى به أهلى» فقال اليهودىّ: جئت أسألك. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أينفعك شىء إن حدّثتك؟» قال: أسمع بأذنى. فنكت رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعود معه «4» . فقال: «سل» فقال اليهودىّ: أين يكون النّاس يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّماوات؟ فقال رسول الله   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الدعوات- باب كيف الحشر (8/ 137) ، ومسلم فى كتاب الإيمان- باب كون هذه الأمة نصف أهل الجنة حديث (377) ، وأحمد فى المسند (1/ 386، 438) (2/ 378) ، (6/ 441) . (2) حديث صحيح.. رواه البخارى (8/ 137) كتاب الدعوات- باب كيف الحشر، (6/ 123) كتاب التفسير- سورة الحج. (3) الحبر: العالم. بفتح الحاء وكسرها. (4) أى خط بالعود فى الأرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 صلّى الله عليه وسلم: «هم فى الظّلمة دون الجسر «1» » قال: فمن أوّل النّاس إجازة «2» ؟ قال: «فقراء المهاجرين» قال اليهودىّ: فما تحفتهم حين يدخلون الجنّة؟ قال: «زيادة كبد النّون» «3» قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال: «ينحر لهم ثور الجنّة الّذى كان يأكل من أطرافها» قال: فما شرابهم عليه؟ قال: «من عين فيها تسمّى سلسبيلا «4» » قال: صدقت. قال: وجئت أسألك عن شىء لا يعلمه أحد من أهل الأرض. إلّا نبى أو رجل أو رجلان. قال: «ينفعك إن حدّثتك؟» قال أسمع بأذنىّ. قال جئت أسألك عن الولد؟ قال: «ماء الرّجل أبيض وماء المرأة أصفر. فإذا اجتمعا، فعلا منىّ الرّجل منىّ المرأة، أذكرا بإذن الله. وإذا علا منىّ المرأة منىّ الرّجل، انثا بإذن الله» قال اليهودىّ: لقد صدقت. وإنّك لنبىّ. ثمّ انصرف فذهب. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لقد سألنى هذا عن الّذى سألنى عنه. وما لى علم بشىء منه. حتّى أتانى الله به» «5» .   (1) الجسر: وهو بفتح الجيم وكسرها. (2) إجازة: أى عبورا. (3) النون: الحوت. وزيادة الكبد: زائدتها. (4) السلسبيل: اسم لعين فى الجنة. (5) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الحيض- باب بيان صفة منى الرجل والمرأة حديث (34) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 [باب الجيم] 1- الجراد (أ) الجراد فى اللغة: الجراد: فصيلة من الحشرات المستقيمات الأجنحة، واحده جرادة للذكر والأنثى. وفى المثل: «ما أدرى أى الجراد عاره» . يضرب للشىء يذهب ولا يوقف له على أثر! والدّبى: الجراد قبل أن يطير، أو أصغر ما يكون من الجراد. والجراد مشتق من الجرد، قال تعالى: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ [سورة القمر اية: 7] والجراد إذا خرج من بيضه يقال له: الدّبى، فإذا طلعت أجنحته فهو الغوغاء، الواحدة غوغاة، وذلك حين يموج بعضه فى بعض، فإذا بدت فيه الألوان، واصفرت الذكور، واسودت الإناث سمى جرادا حينئذ. (ب) طبائع الجراد: قالوا فى الجراد: «خلقة عشرة من جبابرة الحيوان مع ضعفه: وجه فرس، وعينا فيل، وعنق ثور، وقرنا أيّل، وصدر أسد، وبطن عقرب، وجناحا نسر، وفخذا جمل، ورجلا نعامة، وذنب حية» . وللجرادة ستة أرجل: يدان فى صدرها، وقائمتان فى وسطها، ورجلان فى مؤخرها، وطرفا رجليها منشاران كما يقول الدميرى. والجراد من الحيوان الذى ينقاد لرئيسه فيجتمع كالعسكر، إذا ظعن أوله (سار وطار) تتابع جميعه ظاعنا، وإذا نزل أوله نزل جميعه، ولعابه سم ناقع للنبات لا يقع على شىء منه إلا أهلكه! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 (ج) الأحكام الفقهية: أجمع المسلمون على إباحة أكله سواء مات بالاصطياد أو مات حتف أنفه. وقال الجمهور: يحل أكل الجراد بدون تذكيته وهو الراجح لأن ما تحل ميتته لا تشترط تزكيته. عود على بدء: قالت العرب فى أمثالهم: «تمرة خير من جرادة» . و «أطيب من جرادة» . و «جاء القوم كالجراد المنتشر» . و «أجرد من الجراد» . و «أغوى من غوغاء الجراد» . وقالوا: «كالجراد لا يبقى ولا يذر» . وقالوا: «أحمق من مجير الجراد» . وهو مدلج بن سويد الطائى، وكان من حديثه فيما ذكر ابن الأعرابى عن الكلبى أنه خلا ذات يوم فى خيمته، فإذا هو بقوم من طيئ ومعهم أوعيتهم فقال: ما خطبكم؟ قالوا: جراد وقع بفنائك، فجئنا لنأخذه، فركب فرسه، وأخذ رمحه، وقال: والله لا يتعرض له أحد منكم إلا قتلته! أيكون فى جوارى، ثم تريدون أخذه؟ ولم يزل يحرسه حتى حميت عليه الشمس فطار، فقال: شأنكم الان به، فقد تحول عن جوارى!. (د) وإليك ما جاء بشأنه فى الحديث الشريف: [150] عن ابن أبى أوفى. رضى الله عنهما- قال: «غزونا مع النّبىّ صلّى الله عليه وسلم سبع غزوات- أو ستّا: كنّا نأكل معه الجراد» «1» . [151] عن سلمان قال: «سئل رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى صحيحه كتاب «الذبائح والصيد» «أكل الجراد» ، ومسلم كتاب: «الصيد والذبائح» حديث رقم 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 عن الجراد «1» فقال: «أكثر جنود الله. لا اكله ولا أحرّمه» «2» . [152] عن أنس بن مالك أن النّبىّ صلّى الله عليه وسلم كان إذا دعا على الجراد قال: «اللهمّ أهلك كباره، واقتل صغاره، وأفسد بيضه، واقطع دابره، وخذ بأفواهها عن معايشنا وأرزاقنا إنّك سميع الدّعاء» فقال رجل: يا رسول الله كيف تدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره؟ قال: «إن الجراد نثرة الحوت «3» فى البحر» «4» . [153] عن أبى هريرة عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «بينا أيّوب يغتسل عريانا، فخر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحتثى «5» فى ثوبه، فناداه ربّه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عمّا ترى؟ قال: بلى وعزتك ولكن لا غنى بى عن بركتك» «6» . [154] عن زيد بن أسلم أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب، فقال:   (1) قال الحافظ فى الفتح: وقد أجمع العلماء على جواز أكل الجراد بغير تذكية، إلا ان المشهور عند المالكية اشتراط تذكيته.. ونقل عن النووى الإجماع على حل أكل الجراد، لكن فصل بعضهم بين جراد الحجاز وجراد الأندلس، فقال ابن العربى لا يؤكل جراد الأندلس لأنه ضرر محض، وقد يكون ذلك لسمية فيه دون غيره من جراد البلاد اهـ. (2) حديث ضعيف.. رواه أبو داود، كتاب الأطعمة، باب فى أكل الجراد (3795) (10/ 288) ، وابن ماجه فى سننه، كتاب الصيد، باب صيد الحيتان والجراد (3219) (2/ 1073) ، والبيهقى فى السنن: (9/ 257) ، وروى مرسلا، وهو الصواب، وانظر ضعيف الجامع الصغير: (1195) . (3) نثرة الحوت: أى عطسته. (4) حديث ضعيف جدّا.. رواه ابن ماجه فى سننه، كتاب الصيد، باب صيد الحيتان والجراد (3211) (2/ 1073- 1074) ، وفيه موسى بن محمد بن إبراهيم، أبو محمد المدنى، قال الحافظ فى التقريب: (1/ 287) «منكر الحديث» . (5) يحتثى: أى يأخذ بيده. وفى رواية لأحمد فى المسند: فجعل يقبضها فى ثوبه. (6) حديث صحيح.. رواه البخارى، كتاب الغسل، باب من اغتسل عريانا (1/ 78) ، وفى الأنبياء، باب قول الله تعالى وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ (4/ 184) ، وأحمد فى المسند (2/ 243، 314) ، والنسائى فى سننه، كتاب الغسل، باب الاستتار (1/ 200- 201) ، وابن حبان فى صحيحه (6196) (9/ 42) ، والحاكم فى المستدرك: (2/ 582) ، والبغوى فى شرح السنة (2027) (8/ 7) ، كلهم من طرق عن أبى هريرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 يا أمير، إنّى أصبت جرادات بسوطى وأنا محرم.. فقال له عمر: أطعم قبضة من طعام «1» . [155] عن يحيى بن سعيد أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فسأله عن جرادات قتلها وهو محرم، فقال عمر لكعب: تعال حتى تحكم ... فقال كعب: درهم. فقال عمر لكعب: إنك لتجد الدراهم، لثمرة خير من جرادة «2» . [156] عن عطاء بن يسار أن كعب الأحبار أقبل من الشام فى ركب، حتى إذا كانوا ببعض الطريق وجدوا لحم صيد، فأفتاهم كعب بأكله.. فلما قدموا على عمر بالمدينة، وذكروا ذلك له، فقال: من أفتاكم بهذا؟ قالوا: كعب. قال: إنّى قد أمّرته عليكم حتى ترجعوا.. ثم لما كانوا ببعض طريق مكة مرّت بهم رجل «3» من جراد، فأفتاهم كعب أن يأخذوه فيأكلوه.. فلما قدموا على عمر بن الخطاب ذكر له ذلك. فقال: ما حملك على أن تفتيهم بهذا؟ قال: هو من صيد البحر. قال: وما يدريك؟ قال: يا أمير المؤمنين، والذى نفسى بيده إن هى إلا نثرة حوت ينثره فى كل عام مرتين «4» .   (1) رواه مالك فى الموطأ، كتاب الحج، حديث رقم 235. (2) رواه مالك فى الموطأ، كتاب الحج، حديث رقم 236. (3) رجل: قطيع. (4) رواه مالك فى الموطأ، كتاب الحج، حديث رقم 82. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 2- الجمال (يرجع إلى الإبل) الجمال جمع جمل، والجمل: الذكر من الإبل، أو زوج الناقة، وجمعه أيضا أجمال، وجمائل، وجمالات. (د) وإليك ما جاء بشأن الجمال فى الحديث النبوى الشريف. [157] قال ابن عمر- رضى الله عنهما- «اشترى النّبىّ- صلّى الله عليه وسلّم- جملا من عمر» «1» . [158] وقال عبد الرحمن بن أبى بكر- رضى الله عنهما-: «جاء مشرك بغنم فاشترى النّبىّ- صلّى الله عليه وسلّم- منه شاة واشترى من جابر جملا» «2» . [159] عن جرير قال: قال لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ألا تريحنى من ذى الخلصة- وهو نصب كانوا يعبدونه يسمى الكعبة اليمانية» قلت: يا رسول الله إنى رجل لا أثبت على الخيل، فصكّ فى صدرى فقال: «اللهم ثبّته واجعله هاديا مهديا» . قال: فخرجت عن خمسين من أحمس من قومى، فانطلقت فى عصبة من قومى فأتيتها فأحرقتها ثم أتيت النبى صلّى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، والله ما أتيتك حتى تركتها مثل   (1) حديث رواه البخارى فى «البيوع» (4/ 374) معلقا، وبرقم (2097) . (2) حديث صحيح.. رواه البخارى، كتاب البيوع، باب شراء الإمام الحوائج بنفسه. فى الحديث بيان تواضع النبى صلّى الله عليه وسلم وقيامه بشراء حوائجه بنفسه، مع وجود من يكفيه عن هذا العمل، ولكنه صلّى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك تعليما وتشريعا للاقتداء به صلّى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 الجمل الأجرب، فدعا لأحمس وخيلها «1» » «2» . [160] عن جابر بن عبد الله- رضى الله عنهما- قال: كنت مع النّبىّ صلّى الله عليه وسلم فى غزاة فأبطأ جملى وأعيا «3» فأتى علىّ النبى صلّى الله عليه وسلم فقال: «جابر» فقلت: نعم.. قال: «ما شأنك؟» قلت: أبطأ علىّ جملى وأعيا فتخلفت، فنزل يحجنه بمحجنه، ثم قال: «اركب» فركبت فلقد رأيته أكفّه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «تزوجت؟» .. قلت: نعم. قال: «بكرا أم ثيبا؟» قلت: بل ثيبا. قال: «أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟» قلت: إن لى أخوات فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن وتمشطهن وتقوم عليهن. قال: «أما إنك قادم، فإذا قدمت فالكيس الكيس» ثم قال: «أتبيع جملك؟» قلت: نعم، فاشتراه منى بأوقية، ثم قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبلى وقدمت بالغداة، فجئنا إلى المسجد، فوجدته على باب المسجد قال: «الان قدمت؟» قلت: نعم. قال: «فدع جملك فادخل فصلّ ركعتين» فدخلت فصليت، فأمر بلالا أن يزن له أوقية فوزن لى بلال فأرجح فى الميزان، فانطلقت حتى ولّيت فقال: «ادع لى جابرا» قلت: الان يردّ علىّ الجمل ولم يكن شىء أبغض إلىّ منه. قال: «خذ جملك ولك ثمنه» «4» .   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى (3/ 91) كتاب الدعوات- باب قول الله تعالى وَصَلِّ عَلَيْهِمْ.. ومن خص أخاه بالدعاء دون نفسه، (4/ 76) كتاب الجهاد- باب حرق الدور والنخيل، (4/ 91- 92) باب البشارة فى الفتح، ومسلم فى فضائل الصحابة- باب فضائل جرير بن عبد الله البجلى. (2) فى الحديث مشروعية إزالة ما يفتتن به الناس من بناء وغيره سواء كان إنسانا أو حيوانا أو جمادا، وإظهار لفضل ركوب الخيل فى الحرب والمبالغة فى نكاية العدو. (3) أعيا: من الإعياء وهو الإجهاد والتعب. (4) حديث صحيح.. رواه البخارى (3/ 81) كتاب البيوع- باب شراء الدواب والحمير (3/ 131- 132) كتاب الوكالة- باب إذا وكل رجل أن يعطى شيئا ولم يبيّن كم يعطى فأعطى على ما يتعارفه الناس (3/ 151) باب فى الاستقراض أداء الديون مختصرا (3/ 156) باب الشفاعة فى وضع الدين (4/ 62- 63) كتاب الجهاد والسير باب استئذان الرجال الإمام، ومسلم مختصرا (5/ 54) المساقاة- باب بيع البعير واستثناء ركوبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 [161] عن أبى نضرة عن قيس قال: قلت لعمار: أرأيتم صنيعكم هذا الذى صنعتم فى أمر علىّ أرأيا رأيتموه أو شيئا عهده إليكم رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ فقال: ما عهد إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس كافة، ولكن حذيفة أخبرنى عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: قال النبى صلّى الله عليه وسلم: «فى أصحابى اثنا عشر منافقا، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل فى سمّ «1» الخياط، ثمانية منهم تكفيكهم الدّبيلة «2» ، وأربعة» لم أحفظ ما قال شعبة فيهم. «3» . [162] عن جابر بن عبد الله أنه كان يسير على جمل له قد أعيا فأراد أن يسيّبه قال: فلحقنى النبى صلّى الله عليه وسلم فدعا لى وضربه فسار سيرا لم يسر مثله، قال: «بعنيه بوقيّة» قلت: لا، ثم قال: «بعنيه» فبعته بوقية واستثنيت عليه حملانه إلى أهلى، فلما بلغت أتيته بالجمل، فنقدنى ثمنه، ثم رجعت فأرسل فى أثرى فقال: «أترانى ماكستك لاخذ جملك، خذ جملك ودراهمك فهو لك» «4» . [163] عن عائشة- رضى الله عنها- قالت: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج حتى جئنا سرف «5» فطمثت فدخل علىّ   (1) سمّ الخياط: بفتح السين وضمها وكسرها، وهى ثقب الإبرة، ومعناه لا يدخلون الجنة أبدا كما لا يدخل الجمل فى سم الإبرة أبدا. (2) الدبيلة: هى خراج ودمّل كبير تظهر فى الجوف فتقتل صاحبها غالبا. وفى أصحابى: معناه الذين ينسبون إلى صحبتى.. كما فى رواية ثانية: فى أمتى. (3) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب صفات المنافقين (8/ 122) . (4) حديث صحيح.. رواه مسلم كتاب المساقة، باب ركوب البعير واستثناء ركوبه، (5/ 75) ، واحتج به الإمام أحمد ومن وافقه فى جواز بيع الدابة، ويشترط البائع لنفسه ركوبها، وقال مالك: يجوز إذا كانت مسافة الركوب قريبة، وحمل هذا الحديث على هذا، وقد قال الشافعى وأبو حنيفة وغيره: لا يجوز ذلك سواء قلّت المسافة أو كثرت، ولا ينعقد البيع، قالوا: ولأن النبى صلّى الله عليه وسلم أراد أن يعطيه الثمن، ولم يرد حقيقة البيع. وفى الحديث دليل على أنه لا بأس من طلب البيع من مالك السلعة وإن لم يعرضها للبيع. (5) سرف: موضع ما بين مكة والمدينة، تزوج به رسول الله صلّى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث، وهناك بنى بها، وهناك توفيت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنا أبكى فقال: «ما يبكيك؟» فقلت: والله لوددت أنّى لم أكن خرجت العام.. قال: «مالك، لعلك نفست» قلت: نعم. قال: «هذا شىء كتبه الله على بنات ادم، افعلى ما يفعل الحاج غير ألاتطوفى بالبيت حتّى تطهرى» قالت: فلما قدمت مكة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأصحابه: «اجعلوها عمرة» فأحلّ النّاس إلا من كان معه الهدى، قالت: فكان الهدى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وذوى اليسارة ثم أهلّوا حين راحوا. قالت: فلما كان يوم النحر طهرت فأمرنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأفضت. قالت: فأتينا بلحم بقر، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: أهدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن نسائه البقر، فلما كانت ليلة الحصبة قلت: يا رسول الله، يرجع الناس بحجة وعمرة، وأرجع بحجة؟ قالت: فأمر عبد الرحمن بن أبى بكر فأردفنى على جمله. قالت: فإنى لأذكر وأنا جارية حديثة السن أنعس فتصيب وجهى مؤخرة الرحل، حتى جئنا إلى التّنعيم فأهللت فيها بعمرة جزاء بعمرة الناس التى اعتمروا» «1» . [164] عن بريدة أن رجلا نشد فى المسجد فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر «2» فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «لا وجدت.. إنّما بنيت المساجد لما بنيت له» «3» .   (1) حديث صحيح.. رواه مسلم كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتاع والقران، وجواز إدخال الحج فى العمرة (4/ 30- 31) . قوله صلّى الله عليه وسلم: «اجعلوها عمرة» : أى اجعلوا حجتكم المنوية لديكم، عمرة، وحين راحوا: حين راحوا إلى منى، وذلك يوم التروية. فى الحديث دليل على ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن، كما أن فيه دلالة على جواز الاشتراك فى الهدى والأضحية، وفيه جواز الأكل من الهدى والأضحية. (2) من دعا إلى الجمل الأحمر: من وجد ضالتى، وهو الجمل الأحمر، فدعانى إليه. (3) حديث صحيح.. رواه مسلم كتاب الصلاة- باب النهى عن نشد الضالة فى المسجد وما يقول من سمع الناشد. فى الحديث حث على استخدام المساجد فى ذكر الله تعالى فقط، وعدم ذكر غير الله فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 [165] عن جابر بن عبد الله قال: أقبلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى دفعنا إلى حائط فى بنى النجار فإذا فيه جمل لا يدخل الحائط «1» أحد إلا شد عليه، فذكروا ذلك للنبى صلّى الله عليه وسلم فأتاه فدعاه فجاء واضعا مشفره «2» على الأرض حتى برك بين يديه، فقال: «هاتوا خطاما» «3» فخطمه ودفعه إلى صاحبه، ثم التفت، فقال: «ما بين السماء إلى الأرض أحد إلا يعلم أنى رسول الله إلا عاصى الجن والإنس» «4» . [166] عن جابر قال: خرجت مع النبى صلّى الله عليه وسلم فى سفر وكان لا يأتى البراز حتى يتغيب فلا يرى، فنزلنا بفلاة من الأرض ليس فيها شجر ولا علم «5» ، فقال: «يا جابر اجعل فى إداوتك ماء، ثم انطلق بنا» . قال: فانطلقنا حتى لا نرى، فإذا هو بشجرتين بينهما أربع أذرع، فقال: «يا جابر انطلق إلى هذه الشجرة فقل: يقل لك رسول الله الحقى بصاحبتك حتى أجلس خلفكما» فرجعت إليها، فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم خلفهما، ثم رجعتا إلى مكانهما، فركبنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ورسول الله بيننا كأنما علينا الطير تظلنا، فعرضت له امرأة معها صبى لها، فقالت: يا رسول الله: إن ابنى هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات، قال: فتناول الصبى فجعله بينه وبين مقدم الرحل، ثم قال: «اخسأ عدو الله أنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم» ثلاثا ثم دفعه إليها، فلما قضينا   (1) حائط: أى حديقة أو بستان. (2) المشفر: هو الشفة العليا للجمل. (3) الخطام: الزمام الذى يوضع فى أنف البعير لينقاد به. (4) حديث ضعيف.. رواه أحمد فى مسنده (3/ 310) ، والدارمى فى مقدمة السنن (18) (1/ 24) وفيه أجلح بن عبد الله بن حجبة، قال أحمد: روى غير حديث منكر، وقال أبو حاتم: ليس بالقوى، يكتب حديثه ولا يحتج به. اهـ. أى إذا انفرد، وقد انفرد بهذا الحديث، ولذا قال الهيثمى فى المجمع: (9/ 7) «رواه أحمد ورجاله ثقات، وفى بعضهم ضعف» اهـ. (5) علم: أى جبل، ومنه قوله تعالى: وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ [الرحمن: 24] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 سفرنا مررنا بذلك المكان فعرضت لنا المرأة معها صبيها، ومعها كبشان تسوقهما، فقالت: يا رسول الله: اقبل منى هديته فو الذى بعثك بالحق ما عاد إليه بعد، فقال: «خذوا منها واحدا وردوا عليها الاخر» قال: ثم سرنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلم بيننا كأنما علينا الطير تظلنا، فإذا جمل نادّ حتى إذا كان بين سماطين «1» خر ساجدا، فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال على الناس: «من صاحب الجمل؟» فإذا فتية من الأنصار قالوا: هو لنا يا رسول الله. قال: «فما شأنه؟» قالوا: استنينا عليه «2» منذ عشرين سنة، وكانت به شحيمة، فأردنا أن ننحره فنقسمه بين غلماننا، فانفلت منا. قال: «بيعونيه» ، قالوا: بل هو لك يا رسول الله. قال: «أما لى فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله» . قال المسلمون عند ذلك: يا رسول الله نحن أحق بالسجود لك من البهائم، قال: «لا ينبغى لشىء أن يسجد لشىء، ولو كان ذلك كان النساء لأزواجهن» «3» . [167] عن عبد الله بن جعفر قال: أردفنى «4» رسول الله صلّى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم، فأسرّ إلىّ حديثا لا أحدث به أحدا من الناس، وكان أحب ما استتر به رسول الله صلّى الله عليه وسلم لحاجته هدفا أو حائش نخل، قال: فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل فلما رأى النبى صلّى الله عليه وسلم حنّ   (1) السماط: أى النخل، أى أن الجمل قد سجد بين نخلتين. (2) استنينا عليه: أى استعملناه مدة عشرين عاما لسقية الماء، وعندما سمن وملأه الشحم وعجز عن السقاية أردنا ذبحه. (3) حديث ضعيف.. رواه الدارمى فى مقدمة السنن (17) 1/ 22- 23 من طريق أبى الزبير عن جابر، وذكره الهيثمى فى المجمع 9/ 8- 9 وقال: «رواه الطبرانى فى الأوسط والبزار باختصار، وفيه عبد الحميد بن سفيان، ذكره ابن أبى حاتم ولم يجرحه أحد وبقية رجاله ثقات» اهـ. (قلت) : نعم رجاله ثقات، ولكن أبا الزبير كثير التدليس عن جابر، وقد عنعنه، فهو علته. فائدة: فى الحديث دلالة على نبوته صلّى الله عليه وسلم وإيمان الحيوانات به وسجودها له، ودلالة على عدم جواز سجود الإنسان لغير الله تعالى، وكذا عظم حق الرجال على النساء. (4) أردفنى خلفه: أى أركبنى خلفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وذرفت عيناه فأتاه النبى صلّى الله عليه وسلم فمسح ذفراه «1» فسكت، فقال: «من ربّ «2» هذا الجمل، لمن هذا الجمل؟» فجاء فتى من الأنصار، فقال: لى يا رسول الله، فقال: «أفلا تتقى الله فى هذه البهيمة التى ملّكك الله إياها فإنه شكا إلىّ أنك تجيعه وتدئبه «3» » «4» . [168] عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يعمد أحدكم فى صلاته فيبرك كما يبرك الجمل» «5» . [169] عن يحيى «سمعت مالكا يقول: الأمر عندنا فيمن أصاب شيئا من البهائم أن على الذى أصابها قدر ما نقص من ثمنها. قال يحيى: وسمعت مالكا يقول فى الجمل يصول على الرّجل «6» فيخافه على نفسه فيقتله أو يعقره «7» ؛ فإنه إن كانت له بينه، على أنه أراده وصال عليه فلا غرم عليه «8» ، وإن لم تقم له بينة إلا مقالته، فهو ضامن للجمل» «9» . [170] عن عدى بن زيد قال: «حمى رسول الله صلّى الله عليه وسلم كلّ ناحية من المدينة بريدا بريدا: لا يخبط شجره ولا يعضد، إلا ما يساق به الجمل» «10» .   (1) الذفرى: العظم الشاخص خلف الأذن. (2) رب هذا الجمل: صاحبه. (3) تدئبه: أى تتعبه من كثرة العمل واستمراره. (4) حديث صحيح.. رواه أحمد فى المسند (1/ 204) ، وأبو داود فى سننه، كتاب الجهاد، باب ما يكره من الخيل (2549) بسند جيد. (5) حديث صحيح.. رواه أبو داود كتاب الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه حديث (841) ، والترمذى فى سننه (2/ 69) . (6) يصول على الرّجل: أى يثب عليه ليقتله. (7) يعقره: أصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم. (8) فلا غرم عليه: أى لا ضمان عليه بما فعل. (9) ذكره الإمام مالك فى الموطأ، كتاب الأقضية، باب فيمن أصاب شيئا من البهائم (2/ 748) . (10) حديث ضعيف.. رواه أبو داود فى سننه، كتاب المناسك، باب فى تحريم المدينة (2021) (6/ 22) وفيه سليمان بن كنانة الأموى مولى عثمان، قال الحافظ فى التقريب: (1/ 329) : «مجهول الحال» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 [171] عن سلمة بن الأكوع قال: غزوت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم هوازن، قال فبينما نحن نتضحى، وعامتنا مشاة فينا ضعفة، إذ جاء رجل على جمل أحمر فانتزع طلقا عن حقبه فقيّد به جمله رجل شاب، ثم جاء يتغدى مع القوم فلما رأى ضعفهم ورقة ظهرهم خرج إلى جمله فأطلقه ثم أناخه فقعد عليه، فخرج يركض وتبعه رجل من أسلم من صحابة النبى صلّى الله عليه وسلم على ناقة ورقاء، هى أمثل ظهر القوم فاتبعه، قال: وخرجت أعدو فأدركته ورأس الناقة عند ورك الجمل، وكنت عند ورك الناقة، ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته إلى الأرض اخترطت سيفى فأضرب به رأسه فندر فجئت براحلته وما عليها أقوده فاستقبلنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم مقبلا، قال: «من قتل الرجل؟» قالوا: ابن الأكوع، قال: «له سلبه أجمع» «1» .   وفيه أيضا عبد الله بن أبى سفيان، قال الحافظ (1/ 420) «مقبول» . أى عند المتابعة، وهو لم يتابع. وقوله: «لا يخبط شجره» الخبط ضرب الشجر ليسقط ورقه، و «لا يعضد» أى لا يقطع، والعضد القطع، و «إلا ما يساق به» من السوق، يقال: سقت الدابة أسوقها سوقا، أى ما يكون علفا للجمل على قدر الضرورة فيساق به الجمل للرعى. انظر عون المعبود: (6/ 22- 23) . (1) حديث حسن.. رواه أحمد فى المسند: (4/ 49- 50) بسند جيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 3- الجندب والجندب: نوع من الجراد يصرّ ويقفز ويطير وجمعه جنادب. ومن أمثال العرب: «صر ّ الجندب» : اشتد الأمر حتى يقلق صاحبه. و «أم جندب» الداهية والغدر والظلم. ويقال: «ركب أمّ جندب» : غدر أو ظلم. و «وقع بأمّ جندب» : ظلم وقتل غير قاتل. وقيل هو ذكر الجراد. مثلث الدال. قال الجاحظ: إنه يحفر بذراعيه، ويغوص فى الطين وفى الأرض إذا اشتد الحر أيضا. وقد جاء ذكر الجنادب فى السنة النبوية الشريفة. [172] عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «مثلى ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبّهنّ عنها «1» ، وأنا اخذ بحجزكم «2» عن النّار، وأنتم تفلّتون «3» من يدى» «4» .   (1) يذبهن عنها: من ذب الشىء، أى دفعه ومنعه. (2) وأنا اخذ بحجزكم: أى ممسكا بأماكن أزركم من الإزار وهو ما يشد به الرجل على وسطه. (3) تفلتون: أى تفرون. (4) رواه مسلم فى صحيحه كتاب الفضائل- حديث رقم 2285. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 [باب الحاء] 1: الحدأة (أ) الحدأة فى اللغة: كنيتها: «أبو الخطّاف» و «أبو الصّلت» . طائر من الجوارح ينقضّ على الجرذان والدواجن والأطعمة ونحوها. وفى الأمثال يقال: «هو أخطف من الحدأة» . ولا تقل «حدأة» - بفتح الحاء- لأنها الفأس التى له رأسان. وقد جاء فى الحديث: «الحديّا و «الحديّاة» و «الحديئة» . وقال الأصمعىّ: جمع الحدأة حدأ، وزاد ابن قتيبة: حدان. (ب) طبعها: أخسّ الطير، ومن طبعها أن تقف فى الطيران وليس ذلك لغيرها من الكواسر. ويقال: إنها أحسن الطير مجاورة لما جاورها من الطير!، فلو ماتت جوعا لا تعدو على فراخ جارها. ولو كانت مما يصاد بها لما كان من الكواسر أحسن صيدا منها ولا أجل ثمنا. ومن طبعها أنها لا تخطف إلا من يمين من تخطف منه دون شماله! والحدأة تتمتاع بنظرها الثاقب، وسرعة طيرانها مما يتيح لها سرعة الانقضاض على الفريسة. وللحدأة سمع مرهف، وعيون كبيرة مستديرة تكون فى مقدمة الرأس مما يتيح لها أيضا مجالا أوسع فى الرؤية. والحدأة تبيض بيضتين، وربما باضت ثلاثا، وخرج منها ثلاثة أفرخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وتحضن البيض عشرين يوما، وهى لا تصيد وإنما تخطف. (ج) الأحكام الفقهية: ويحرم أكلها؛ لأنها من الفواسق الخمس المأمور بقتلها وفى الصحيحين: أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «خمس فواسق يقتلن فى الحلّ والحرم- وفى رواية-: ليس على المحرم فى قتلهن جناح- الحدأة، والغراب الأبقع، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» . وقد نبه النبى صلّى الله عليه وسلم بذكر هذه الخمسة على جواز قتل كل مضرّ. (د) ما جاء فى الحديث الشريف عن الحدأة: [173] عن عائشة: «أن وليدة «1» كانت سوداء لحىّ من العرب، فأعتقوها فكانت معهم. قالت: فخرجت صبيّة لهم عليها وشاح «2» أحمر من سيور. قالت: فوضعته- أو وقع منها- فمرّت به حديّاة وهو ملقى، فحسبته لحما فخطفته. قالت: فالتمسوه فلم يجدوه. قالت: فاتّهمونى به. قالت: فطفقوا يفتّشون حتى فتّشوا قبلها. قالت: والله إنى لقائمة معهم إذ مرّت الحديّاة فألقته. قالت: فوقع بينهم، قالت: فقلت: هذا الذى اتّهمتمونى به. زعمتم، وأنا منه بريئة وهو ذا هو! قالت: فجاءت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأسلمت. قالت عائشة: «فكان لها خباء «3» فى المسجد أو حفش «4» .   (1) وليدة: أى أمة، وهى فى الأصل المولودة ساعة تولد، ثم أطلق على الأمة. (2) الوشاح: هى خيطان من لؤلؤ يخالف بينهما وتتوشح به المرأة، وقيل: ينسج من أديم عريض ويرصع باللؤلؤ وتشده المرأة بين عاتقها وكشحها. (3) الخباء: الخيمة من وبر. (4) الحفش: البيت الصغير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 قالت: فكانت تأتينى فتحدّث عندى. قالت: فلا تجلس عندى مجلسا إلا قالت: ويوم الوشاح من تعاجيب ربّنا ... ألا إنه من ظلمة الكفر أنجانى قالت عائشة: فقلت لها: ما شأنك لا تقعدين معى مقعدا إلا قلت هذا؟! قالت: فحدثتنى بهذا الحديث» » . [174] فى الصحيحين أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «خمس فواسق يقتلن فى الحلّ والحرم» . وفى رواية- ليس على المحرم فى قتلهن جناح- «الحدأة، والغراب الأبقع، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» «2» . [175] عن وبرة قال: سمعت ابن عمر يقول: أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقتل الذئب، للمحرم يعنى، والفأرة والغراب والحدأة. فقيل له: فالحية والعقرب؟ فقال: قد كان يقال ذلك «3» .   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الصلاة- باب نوم المرأة فى المسجد (1/ 119) . (2) قال النووى: اتفق جماهير العلماء على جواز قتلهن فى الحل والحرم والإحرام، واتفقوا على أنه يجوز للمحرم أن يقتل ما فى معناهن. وقال جمهور العلماء: ليس المراد بالكلب العقور تخصيص هذا الكلب المعروف بل المراد هو كل عاد مفترس غالبا كالسبع والنمر والذئب والفهد ونحوها. ومعنى العقور: الجارح. وقد تعددت روايات الحديث فقد رواه البخارى بلفظ: «خمس من الدواب كلهن فاسق.. إلخ» فى كتاب العمرة- باب ما يقتل المحرم من الدواب، ورواه البخارى فى صحيحه أيضا كتاب «جزاء الصيد» باب ما يقتل المحرم من الدواب، ومسلم فى كتاب الحج- باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب فى الحل والحرم (4/ 18) من حديث عائشة بلفظ خمس فواسق يقتلن فى الحرم» وكذا ابن ماجه فى كتاب المناسك- باب ما يقتل المحرم حديث (3087) . (3) رواه أحمد 2/ 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 2- الحمام (أ) الحمام فى اللغة: الحمام جنس طير من الفصيلة الحمامية، وهو أنواع. قال الجوهرى: هو عند العرب ذوات الأطواق نحو: الفواخت والقمارىّ وساق حرّ، والقطا، والوراشين، وأشباه ذلك. يقع على الذكر والأنثى؛ لأن الهاء إنّما دخلته على أنه واحد من جنس لا للتأنيث. وعند العامة أنها الدواجن فقط، الواحدة حمامة. وجمع الحمامة: حمام، وحمائم، وحمامات، وربما قالوا: حمام للمفرد. ونقل الأزهرى عن الشافعى أن الحمام كل ما عبّ وهدر، وإن تفرقت أسماؤه (والعبّ: شدة جرع الماء من غير تنفس) . قال ابن سيده: يقال فى الطائر عبّ ولا يقال: شرب. والهدير: (ترجيع الصوت ومواصلته من غير تقطيع له) . وجاء فى أمثالهم: «امن من حمام الحرم» و «الف من حمام مكة» . وقالوا: «تقلّدها طوق الحمامة» : كناية عن الخصلة القبيحة، أى تقلّدها كطوق الجمامة، لأنه لا يزايلها ولا يفارقها كما لا يفارق الطوق الحمامة. ويقال: «طوّق فلان عمله طوق الحمامة» أى: ألزم جزاء عمله. والمراد بالطوق: الحمرة أو الخضرة، أو السواد المحيط بعنق الحمامة فهو طوقها. وقالوا: «أخرق من حمامة» ؛ لأنها لا تحكم عشّها، وذلك لأنها ربما جاءت إلى الغصن من الشجرة، فتبنى عليه عشّها فى الموضع الذى تذهب به الريح فينكسر من بيضها أكثر مما سلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 (ب) طبائع الحمام: ومن طبائع الحمام أنه يطلب عشه ولو أرسل من ألف فرسخ فى يوم واحد. وسباع الطير تطلب الحمام أشد الطّلب. ومن عجيب الطبيعة فيه ما حكاه ابن قتيبة فى عيون الأخبار عن المثنى بن زهير أنه قال: لم أر شيئا قط من رجل وامرأة إلا وقد رأيته فى الحمام: رأيت حمامة لا تريد إلا ذكرها، وذكرا لا يريد إلا أنثاه إلا أن يهلك أحدهما أو يفقد. وأيت حمامة تتزيّن للذكر ساعة يريدها! ورأيت حمامة لها زوج وهى تمكن اخر ما تعدوه! وليس من الحيوان ما يستعمل التقبيل إلا الإنسان والحمام! وتبيض الأنثى بيضتين: إحداهما ذكر والاخرى أنثى! كما يقول الدميرى، وبين الأولى والثانية يوم وليلة. والذكر يجلس على البيض ويسخنه جزا من النهار، والأنثى بقية النهار، وكذلك فى الليل. ولحم الحمام جيد للكلى، ويزيد فى الدم. والحمام فى المنام رسول أمين، أو حبيب أنيس. (ج) الأحكام الفقهية: يحل أكله بجميع أنواعه. (د) وإليك ما جاء فى السنة عن الحمام: [176] عن جابر بن سمرة قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد شمط «1» مقدّم رأسه ولحيته، وكان إذا ادّهن لم يتبيّن، وإذا شعث «2» رأسه تبين، وكان كثير شعر اللحية، فقال رجل: وجهه مثل السّيف:   (1) الشّمط: هو الشيب، وهو الشعر الأبيض الذى كان فى شعر رأسه. (2) شعث: أى فرّق شعر رأسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 قال: لا بل كان مثل الشّمس والقمر وكان مستديرا، ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده» «1» . [177] عن ابن عباس قال: «مرّ النّبىّ صلّى الله عليه وسلم برهط من الأنصار وقد نصبوا «2» حمامة يرمونها. فقال: «لا تتّخذوا شيئا فيه الرّوح غرضا» «3» . [178] عن عثمان بن عفّان أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم «رأى رجلا وراء حمامة فقال: شيطان يتبع شيطانة» «4» . [179] عن سعيد بن المسيب: «أنّه كان يقول فى حمام مكّة إذا قتل، شاة» «5» . [180] كان النبى صلّى الله عليه وسلم يعجبه النظر إلى الأترجّ والحمام الأحمر، وكان فى منزله حمام أحمر يقال له: وردان» «6» . [181] شكا علىّ بن أبى طالب- كرم الله وجهه- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الوحشة؛ فقال له: «اتخذ زوجا من حمام تؤنسك، وتصيب من   (1) حديث صحيح رواه ... مسلم فى كتاب الفضائل- باب إثبات خاتم النبوة وصفته ومحله من جسده صلّى الله عليه وسلم (7/ 86) . (2) نصبوا حمامة: أى رفعوها واتخذوها غرضا لهم وهدفا لسهامهم. (3) حديث صحيح.. رواه أحمد فى مسنده (1/ 216، 273، 274، 280، 285) ، ومسلم فى صحيحه، كتاب الصيد، باب النهى عن صبر الدواب (6/ 73) ، وابن ماجه فى سننه (3187) 2/ 1063، والترمذى فى الصيد (1502) 5/ 48، والنسائى فى السنن (7/ 238- 239) ، والبغوى فى شرح السنة (2784) 11/ 222. (4) حديث حسن بمجموع طرقه.. رواه ابن ماجه فى سننه، كتاب الاداب، باب اللعب بالحمام (3766) 2/ 1238 من طريق الحسن البصرى عن عثمان بن عفان، والحسن البصرى لقى عثمان بن عفان ولم يسمع منه، ذكره ابن أبى حاتم فى المراسيل (36) ، والبوصيرى فى مصباح الزجاجة (3/ 185) ، إلا أن للحديث شواهد عن عائشة وأبى هريرة وأنس يرتقى بها إلى رتبة الحسن. (5) ذكره الإمام مالك فى الموطأ كتاب الحج، باب فدية ما أصيب من الطير والوحش (233) . (6) حديث ضعيف أخرجه أبو نعيم فى الطب النبوى وأورده السيوطى فى طوق الحمامة (ص 37) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 فراخها، وتوقظك للصلاة بتغريدها، أو اتخذ ديكا يؤنسك، ويوقظك للصلاة» «1» . [182] وروى البزار فى مسنده أن الله تعالى أمر العنكبوت فنسجت على وجه الغار، وأرسل حمامتين وحشيتين؛ فوقفتا على فم الغار، وأن ذلك مما صد المشركين عنه صلّى الله عليه وسلم، وأن حمام الحرم من نسل تيناك الحمامتين «2» .   (1) ذكر نحوه السيوطى فى طوق الحمامة (37) . (2) حديث ضعيف أخرجه أبو سعد (1/ 288) ، وابن نعيم فى «دلائل النبوة» (229) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 3- حمر النّعم (ارجع إلى الإبل) حمر النّعم: المال السائم، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل. وهو أجود من السود عند العرب. وحمر النعم: أجود الإبل، وأحسنها. ما ورد فى الحديث عن حمر النّعم: [183] عن عمرو بن تغلب «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتى بمال- أو سبى- فقسمه فأعطى رجالا وترك رجالا. فبلغه أن الذين ترك عتبوا، فحمد الله، ثم أثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فو الله إنى لأعطى الرجل، والذى أدع أحب إلىّ من الذى أعطى، ولكن أعطى أقواما لما أرى فى قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواما إلى ما جعل الله فى قلوبهم من الغنى والخير- فيهم عمرو بن تغلب- فو الله ما أحب أن لى بكلمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم حمر النّعم «1» » «2» . [184] عن سهل بن سعد: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لاعطينّ هذه الرّاية رجلا يفتح الله على يديه. يحبّ الله ورسوله. ويحبّه الله ورسوله» قال فيات النّاس يدوكون «3» ليلتهم أيّهم يعطاها. قال فلمّا أصبح النّاس غدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم. كلّهم يرجون أن   (1) أى ما أحب أن لى بدل كلمته حمر النّعم لأن الصفة المذكورة تدل على قوة إيمانه المفضى به لدخول الجنة وثواب الآخرة خير وأبقى. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الجمعة- باب من قال فى الخطبة بعد الثناء أما بعد (2/ 13) . (3) يدوكون: يخوضون ويتحدثون فى ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 يعطاها. فقال: «أين علىّ بن أبى طالب؟» فقالوا: هو، يا رسول الله! يشتكى عينيه. قال: فأرسلوا إليه. فأتى به، فبصق رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى عينيه. ودعا له فبرأ. حتّى كأن لم يكن به وجع. فأعطاه الرّاية. فقال علىّ: يا رسول الله! أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا. فقال صلّى الله عليه وسلم: «انفذ على رسلك. حتّى تنزل بساحتهم. ثمّ ادعهم إلى الإسلام. وأخبرهم بما يحب عليهم من حقّ الله فيه فو الله! لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النّعم» «1» .   (1) رواه مسلم فى كتاب فضائل الصحابة، حديث رقم 2406. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 4- الحمير (أ) الحمار فى اللغة: الحمار: حيوان داجن من الفصيلة الخيلية يستخدم للركوب، والحمل. والأتان: الحمارة، ولا تقل (أتانة) وجمع القلة اتن، والكثرة أتن، وأتن، واستأتن الرجل اشترى أتانا، واتخذها لنفسه. وحمار الزّرد أو الوحش: جنس حيوان من ذوات الحوافر، وفصيلة الخيل، معروف بألوانه المخططة. وجمعه حمير، وحمر، وأحمرة. وربما قالوا للأتان: حمارة، وتصغيره حمير. وكنية الحمار: أبو صابر، وأبو زياد. قال الشاعر: زياد لست أدرى من أبوه؟ ... ولكنّ الحمار أبو زياد ويقال للحمارة: أم محمول وأم تولب، وأم جحش، وأم نافع، وأم وهب. وقالوا: «اتخذ فلان حمار حاجات» يضرب لمن يمتهن فى الأمور و «تركته جوف حمار» أى: لا خير فيه، وقالوا: «أصبر من حمار» ، وقالوا: «شر المال ما لا يذكى ولا يزكىّ» وقالوا: «أذل من حمار مقيد» . قال الشاعر: وما يقيم بدار الذّلّ يعرفها ... إلا الأذلان: عير الحىّ والوتد هذا على الخسف مربوط برمّيه ... وذا يشجّ فلا يرثى له أحد «1» وقالت العرب: أكفر من حمار! (ب) طبائع هذا الحيوان: وليس فى الحيوان ما ينزو على غير جنسه، ويلقح إلا الحمار والفرس. وهو ينزو إذا تم له ثلاثون شهرا، ومنه نوع يصلح لحمل الأثقال، ونوع لين الأعطاف، سريع العدو، يسبق براذين الخيل.   (1) الرّمة: الحبل يربط به. ويشج: يشق رأسه أو جلده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 ومن عجيب أمره أنه إذا شم رائحة الأسد رمى نفسه عليه من شدة الخوف؛ يريد الفرار بذلك. ويوصف بالهداية إلى سلوك الطرقات التى مشى فيها ولو مرة واحدة، وبحدة السمع، وللناس فى مدحه وذمه أقوال متباينة بحسب الأغراض. سئل عنه الفضل فقال: إنه من أقل الدواب مئونة، وأكثرها معونة، وأخفضها مهوى، وأقربها مرتقى، فسمع أعرابى كلامه فقال: الحمار شنار، والعير عار، منكر الصوت، لا ترقأ به الدماء، ولا تمهر به النساء، وصوته أنكر الأصوات. أما الحمار الوحشى فيسمى الفراء، ويقال: حمار وحش، وحمار وحشىّ، وهو العير، وربما أطلق العير على الأهلى أيضا: والحمار الوحشى شديد الغيرة، ولذلك يحمى أنثاه (عانته) الدهر كله. وألوان حمر الوحش مختلفة والأخدرية أطولها عمرا وأحسنها شكلا. وقال الجاحظ: أعمار حمر الوحش تزيد على أعمار الحمر الأهلية. (ج) الأحكام الشرعية: يحل أكل الحمار الوحشى بالإجماع، أما الإنسىّ فقد نهى الرسول صلّى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس أو نجس، ويحرم أكل لحمها فى القول الراجح من أقوال ثلاثة: الأول: وهو لجمهور الأحناف والشافعية والحنابلة وفريق من المالكية قالوا: إن أكلها حرام، سواء بقى على أهليته أو توحش بعد ذلك. الثانى: أنه يؤكل مع الكراهة التنزيهية. الثالث: أن لحوم الحمر الأهلية مباحة بدون كراهة وهو لجماعة من الفقهاء. وقول أكثر أهل العلم أن ألبانها محرمة، ورخص فيها عطاء وطاوس والزهرى لكن التحريم أرجح لأن حكم الألبان كحكم اللحوم فى التحريم. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 (د) وإليك ما جاء بشأنها: [185] عن ابن عباس قال: «أقبلت راكبا على حمار أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام «1» ، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يصلّى بالناس بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدى بعض الصّفّ فنزلت وأرسلت الأتان ترتع «2» ودخلت فى الصفّ، فلم ينكر ذلك علىّ أحد «3» » «4» . [186] عن أبى جحيفة أن النبى صلّى الله عليه وسلم صلّى بهم بالبطحاء- وبين يديه عنزة «5» - الظّهر ركعتين، والعصر ركعتين، تمر بين يديه المرأة والحمار» «6» . [187] عن عائشة قالت: «أعدلتمونا «7» بالكلب والحمار؟! لقد رأيتنى مضطجعة على السّرير فيجئ النّبىّ صلّى الله عليه وسلم فيتوسّط السرير فيصلّى فأكره أن أسنحه «8» ، فأنسلّ من قبل رجلى السّرير حتى أنسلّ «9» من لحافى» «10» .   (1) أى قاربته. (2) ترتع: أى تطوف وتدور فى المكان. (3) قال ابن حجر فى الفتح (1/ 681) : استدل ابن عباس بترك الإنكار على الجواز، ولم يستدل بترك إعادتهم للصلاة لأن ترك الإنكار أكثر فائدة. (4) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الصلاة- باب سترة الإمام سترة من خلفه (1/ 132) ، وباب وضوء الصبيان، ومتى يجب عليهم الغسل والطهور (1/ 218) ، ومسلم كتاب الصلاة- باب سترة المصلّى (1/ 361) . (5) العنزة: أطول من العصا، وأقصر من الرمح، فى أسفلها زجّ كزجّ الرمح يتوكأ عليها الشيخ الكبير. (6) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الصلاة- باب سترة الإمام سترة لمن خلفه (1/ 133) ، وفى كتاب الأنبياء- باب صفة النبى صلّى الله عليه وسلم (4/ 231) ، ومسلم فى كتاب الصلاة- باب سترة المصلّى (1/ 361) . (7) أعدلتمونا: استفهام إنكار من عائشة- رضى الله عنها- قالته لمن بحضرتها. (8) أسنحه: أى أظهر له من قدامه. وأسنح له. أو أسنحه: أى أصرفه وأرده. (9) فأنسل: أى أخرج بخفة ورفق. (10) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الصلاة- باب الصلاة إلى السرير (1/ 135) ، وباب ستقبال الرجل صاحبه فى صلاته (1/ 136) ، وباب من قال: لا يقطع الصلاة شىء (1/ 137) ، وباب هل يغمز الرجل امرأته عند السجود لكى يسجد (1/ 138) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 [188] عن أبى هريرة عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «أما يخشى أحدكم- أو لا يخشى أحدكم- إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار» «1» . [189] عن أنس بن سيرين قال: «استقبلنا أنسا حين قدم من الشام، فلقيناه بعين التمر «2» ، فرأيته يصلّى على حمار ووجهه من ذا الجانب- يعنى عن يسار القبلة- فقلت: رأيتك تصلّى لغير القبلة؟ «3» فقال: لولا أنّى رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فعله لم أفعله» «4» . [190] عن ابن عباس عن الصّعب بن جثامة اللّيثىّ «أنه أهدى لرسول الله صلّى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء- أو بودّان» - فردّه عليه، فلما رأى ما فى وجهه قال: إنّا لم نردّه عليك إلّا أنّا حرم» «6» . [191] عن سلمة بن الأكوع- رضى الله عنه- قال: لمّا أمسى اليوم الّذى فتحت عليهم فيه خيبر، أوقدوا نيرانا كثيرة، فقال رسول الله   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الأذان- باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام (1/ 177) ، ومسلم فى كتاب الصلاة- باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما (1/ 72) ، وأحمد فى مسنده (2/ 260، 271) . قال ابن حجر فى الفتح (2/ 215) : ظاهر الحديث يقتضى تحريم الرفع قبل الإمام لكونه توعد عليه بالمسخ وهو أشد العقوبات، واختلف فى معنى الوعيد فقيل يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنوى فإن الحمار موصوف بالبلادة فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الإمام. (2) عين التمر موضع بطريق العراق مما يلى الشام. (3) قوله (رأيتك تصلّى لغير القبلة) فيه إشعار بأنه لم ينكر الصلاة على الحمار ولا غير ذلك من هيئة أنسى فى ذلك وإنما أنكر عدم استقبال القبلة فقط. (4) حديث صحيح رواه البخارى فى كتاب أبواب تقصير الصلاة- باب صلاة التطوع على حمار (2/ 56) . (5) الأبواء وودّان: موضعان بالقرب من الجحفة. (6) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب جزاء الصيد- باب إذا أهدى للمحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل (3/ 16) ، ومسلم فى كتاب الحج- باب تحريم الصيد للمحرم (1/ 321) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 صلّى الله عليه وسلم: «ما هذه النّيران؟ على أىّ شىء توقدون؟» ، قالوا: على لحم، قال: «على أىّ لحم» قالوا: على لحم الحمر الإنسيّة «1» قال: «أهريقوها واكسروها» فقال رجل: يا رسول الله، أولا نهريقها ونغسلها؟ فقال: «أو ذاك» (رواه البخارى، ومسلم، وأحمد) «2» . [192] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- أن النّبىّ صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتم صياح الدّيكة «3» فاسألوا الله من فضله فإنّها رأت ملكا «4» ، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان «5» فإنه رأى شيطانا» «6» . [193] عن أسامة بن زيد- رضى الله عنهما- «أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ركب على حمار على إكاف عليه قطيفة فدكيّة وأردف «7» أسامة وراءه» «8» .   (1) الحمر الإنسية: يعنى أنها نسبت إلى الإنس، وهى ضد الوحشية. وقيل: «الحمر الإنسية» : الإنسىّ من الحيوان هو جانبه الأيسر، الذى يركب من جهته الراكب، ويحلب منه الحالب. والوحشى جانبه الأيمن، لأن الحيوان ينفر إذا ركب، أو حلب من جهته. والمقصود بالحمر الإنسية فى الحديث: الحمر التى لا تنفر، وهى المستأنسة لا الوحشية. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب المظالم- باب هل تكسر الدنان التى فيها حمر، أو تخرق الزقاق (3/ 178) ، وفى كتاب الجهاد والسير- باب التكبير عند الحرب (4/ 69) وباب ما يصيب من الطعام فى أرض الحرب (4/ 116) . (3) الدّيكة: جمع ديك وهو ذكر الدجاج، وللديك خصيصة ليست لغيره من معرفة الوقت الليلى، ويوالى صياحه قبل الفجر وبعده لا يكاد يخطئ (ارجع إليه مع الدجاج والديكة) . (4) قال القاضى عياض: سببه رجاء تأمين الملائكة على دعائه، واستغفارهم له وشهادتهم له بالإخلاص. (5) قال ابن حجر فى الفتح (6/ 406) : فائدة الأمر بالتعوذ لما يخشى من شر الشيطان وشر وسوسته، فيلجأ إلى الله فى دفع ذلك. (6) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب بدء الخلق- باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال (4/ 155) ، ومسلم فى كتاب الذكر والدعاء- باب استحباب الدعاء عند صياح الديك (5/ 574) ، وأحمد فى مسنده (2/ 307، 312) . (7) أردفه: جعله خلفه، ورديفا له. (8) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب اللباس- باب الارتداف على الدابة (7/ 217) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 [194] عن معاذ رضى الله عنه قال: كنت ردف النبى صلّى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير، فقال: «يا معاذ، هل تدرى حقّ الله على عباده، وما حقّ العباد على الله؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. وحقّ العباد على الله ألايعذّب من لا يشرك به شيئا» فقلت: يا رسول الله، أفلا أبشّر به الناس؟ قال: «لا تبشرهم فيتّكلوا» «1» . [195] عن البراء بن عازب رضى الله عنهما قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم رهطا من الأنصار إلى أبى رافع «2» ليقتلوه، فانطلق رجل منهم فدخل حصنهم، قال: فدخلت فى مربط دواب لهم.. قال: وأغلقوا باب الحصن، ثم إنهم فقدوا حمارا لهم فخرجوا يطلبونه، فخرجت فيمن خرج أريهم أننى أطلبه معهم، فوجدوا الحمار، فدخلوا ودخلت، وأغلقوا باب الحصن ليلا، فوضعوا المفاتيح فى كوّة حيث أراها، فلما ناموا أخذت المفاتيح ففتحت باب الحصن ثم دخلت عليه، فقلت: يا أبا رافع، فأجابنى، فتعمدت الصوت فضربته، فصاح، فخرجت، ثم جئت ثم رجعت كأنى مغيث، فقلت: يا أبا رافع، وغيّرت صوتى، فقال: ما لك لأمّك الويل، قلت: ما شأنك؟ قال: لا أدرى من دخل علىّ فضربنى، قال: فوضعت سيفى فى بطنه، ثم تحاملت عليه حتى قرع العظم، ثم خرجت وأنا دهش، فأتيت سلّما لأنزل منه، فوقعت فوثئت رجلى، فخرجت إلى أصحابى، فقلت: ما أنا ببارح حتى أسمع الناعية، فما برحت حتى سمعت نعايا أبى رافع تاجر أهل الحجاز. قال:   (1) رواه البخارى فى صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب اسم الفرس والحمار. (2) هو أبو رافع اليهودى، وكان يعادى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويؤلب عليه الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 فقمت وما بى قلبة، حتى أتينا النبى صلّى الله عليه وسلم فأخبرناه» «1» . [196] عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد، وهو سعد بن معاذ، بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وكان قريبا منه، فجاء على حمار، فلما دنا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «قوموا إلى سيّدكم» فجاء فجلس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال له: «إن هؤلاء نزلوا على حكمك» . قال: فإنّى أحكم أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى الذرّية. قال: «لقد حكمت فيهم بحكم الملك» «2» . [197] عن أبى قتادة أنه كان مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة، تخلّف مع أصحاب له محرمين، وهو غير محرم، فرأى حمارا وحشيّا، فاستوى على فرسه، فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه، فأبوا عليه، فسألهم رمحه، فأبوا، فأخذه، ثم شدّ على الحمار فقتله، فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأبى بعضهم؛ فلما أدركوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك، فقال: «إنما هى طعمة أطعمكموها الله» «3» . [198] عن عبد الرحمن بن غنم أنه زار أبا الدرداء بحمص، فمكث عنده ليالى، وأمر بحماره فأوكف «4» ، فقال أبو الدرداء: ما أرانى إلا متبعك.. فأمر بحماره فأسرج، فسارا جميعا على حماريهما، فلقيا رجلا شهد الجمعة بالأمس عند معاوية بالجابية، فعرفهما الرجل ولم يعرفاه، فأخبرهما خبر الناس، ثم إن الرجل قال: وخبر اخر كرهت أن أخبركما، أراكما تكرهانه.. فقال أبو الدرداء: فلعل أبا ذر نفى.. قال:   (1) رواه البخارى فى صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب قتل الناثم المشرك. (2) رواه البخارى فى صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب إذا نزل العدو على حكم رجل. (3) رواه البخارى فى صحيحه، كتاب الجهاد، باب: ما قيل فى الرماح.. ومسلم كتاب: الحج حديث 57.. ومالك فى الموطأ كتاب الحج، حديث رقم 76. (4) أو كف الحمار: وضع عليه الوكاف، وهو البرذعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 نعم والله.. فاسترجع أبو الدرداء وصاحبه قريبا من عشر مرات، ثم قال أبو الدرداء: ارتقبهم واصطبر كما قيل لأصحاب الناقة، اللهم إن كذبوا أبا ذر فإنّى لا أكذبه، اللهم وإن اتهموه فإنى لا أتهمه، اللهم وإن استغشوه فإنى لا أستغشه، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يأتمنه حين لا يأتمن أحدا، ويسرّ إليه حين لا يسر إلى أحد. أما الذى نفس أبى الدرداء بيده لو أن أبا ذر قطع يمينى ما أبغضته بعد الذى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من ذى لهجة أصدق من أبى ذر» «1» . [199] عن عائشة رضى الله عنها: أتى رجل النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى المسجد فقال: احترقت. قال: «مم ذاك؟» قال: وقعت بامرأتى فى رمضان. قال له: «تصدق» قال: ما عندى شىء.. فجلس وأتاه إنسان يسوق حمارا ومعه طعام إلى النبى صلّى الله عليه وسلم، فقال: «أين المحترق؟» فقال: ها أنا ذا.. قال: «خذ هذا فتصدّق به» قال: على أحوج منى؟! ما لأهلى طعام!! قال: «فكلوه» «2» . [200] عن جابر بن عبد الله- رضى الله عنه- قال: «نهى النبىّ صلّى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخّص فى لحوم الخيل» «3» . [201] عن أنس بن مالك- رضى الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم جاءه جاء، فقال: أكلت الحمر، ثمّ جاءه جاء فقال: أكلت الحمر، ثم جاءه جاء فقال أفنيت «4» الحمر، فأمر مناديا، فنادى فى النّاس: «إنّ الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهليّة فإنّها رجس فأكفئت   (1) رواه أحمد فى مسنده 5/ 197. (2) رواه البخارى فى صحيحه، كتاب الحدود، باب: من أصاب ذنبا دون الحد. (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الصيد والذبائح- باب لحوم الخيل، وباب لحوم الحمر الإنسية (7/ 123) . (4) أفنيت الحمر: أى انتهت وذلك لكثرة ما ذبح منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 القدور «1» وإنّها لتفور باللّحم» «2» . [202] عن عائشة: «أتى رجل النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى المسجد قال: احترقت. قال: مم ذاك؟ قال: وقعت بامرأتى فى رمضان «3» . قال له: تصدق. قال: ما عندى شىء، فجلس، وأتاه إنسان يسوق حمارا ومعه طعام إلى النبى صلّى الله عليه وسلم فقال: أين المحترق؟. فقال: ها أنذا. قال: خذ هذا فتصدق به، قال: على أحوج منى؟ ما لأهلى طعام. قال: فكلوه» «4» . [203] عن أنس- رضى الله عنه- قال: «قيل للنبى صلّى الله عليه وسلم: لو أتيت عبد الله بن أبىّ. فانطلق إليه النبىّ صلّى الله عليه وسلم وركب حمارا، فانطلق المسلمون يمشون معه- وهى أرض سبخة «5» - فلما أتاه النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال: إليك عنّى، والله لقد اذانى نتن حمارك!. فقال رجل من الأنصار منهم: والله لحمار رسول الله صلّى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك. فغضب لعبد الله رجل من قومه، فشتما «6» ، فغضب لكلّ واحد منهما أصحابه، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدى والنّعال، فبلغنا أنها أنزلت: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما «7» (الحجرات: 9) . [204] عن أبى سعيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يقول الله:   (1) فأكفئت القدور: من كفأه أى قلبت القدور، وهى الإناء الذى يطبخ فيه. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الصيد والذبائح- باب لحوم الحمر الإنسية (7/ 124) ، ومسلم فى كتاب الصيد- باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية (4/ 606) . أفاد الحديث تحريم الأكل للحوم الحمر الأهلية لنجاستها. (3) قوله وقعت بامرأتى فى رمضان أى جامع زوجته فى نهار رمضان وهو صائم. (4) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الحدود- باب من أصاب ذنبا دون الحد فأخبر الإمام فلا عقوبة عليه بعد التوبة (8/ 206) ، وأبو داود فى الصيام- باب كفارة من أتى أهله فى رمضان حديث (2394) . (5) أرض سبخة: أى ذات سباخ، وهى الأرض التى لا تنبت، وكانت هذه هى صفة الأرض التى مر بها النبى صلّى الله عليه وسلم. (6) فشتما: أى شتم كل رجل منهما الاخر. (7) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الصلح- باب ما جاء فى الإصلاح بين الناس (3/ 240) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 يا ادم، فيقول: لبّيك وسعديك، والخير فى يديك. قال: يقول: أخرج بعث النّار «1» ، قال: وما بعث النّار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين. فذاك حين يشيب الصغير، وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها، وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ فاشتدّ ذلك عليهم فقالوا: يا رسول الله، أيّنا ذلك الرجل؟ قال: أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألفا، ومنكم رجل. ثم قال: والذى نفسى بيده، إنى لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة. قال: فحمدنا الله وكبرنا. ثم قال: والذى نفسى بيده، إنى لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة. إن مثلكم فى الأمم كمثل الشعرة البيضاء فى جلد الثور الأسود، أو الرّقمة «2» فى ذراع الحمار» «3» . [205] عن أبى سعيد الخدرىّ قال: «لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد- هو ابن معاذ- بعث إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم- وكان قريبا منه- فجاء على حمار، فلما دنا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيّدكم، فجاء فجلس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: إن هؤلاء نزلوا على حكمك. قال: فإنى أحكم أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى الذّرّيّة قال: لقد حكمت فيهم بحكم الملك» «4» .   فى الحديث بيان ما كان النبى صلّى الله عليه وسلم من الصفح والحلم والصبر على الأذى فى الله والدعاء إلى الله، وتأليف القلوب على ذلك، وفيه أن ركوب الحمار لا نقص فيه على الكبار. (1) خص الله تعالى ادم- عليه السلام- بإخراج بعث النار، لأنه والد الجميع، ولكونه كان قد عرف أهل السعادة من أهل الشقاء. (2) الرقمة: قال ابن الأثير فى النهاية: الرقمة هنا الهنة الناتئة فى ذراع الدابة من داخل، وهما رقمتان فى ذراعيها. (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الرقاق- باب قوله عز وجل: إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (8/ 137- 138) . (4) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الجهاد والسير- باب إذا نزل العدو على حكم رجل (4/ 81- 82) ، وفى أبواب فضائل النبى صلّى الله عليه وسلم- باب مناقب سعد بن معاذ (5/ 143) ، وباب مرجع النبى صلّى الله عليه وسلم من الأحزاب (5/ 143) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 5- الحوت (أ) الحوت فى اللغة: الحوت: السمكة صغيرة كانت أو كبيرة. وجنس من الحيوانات الثديية من رتبة الحيتان، وجمعها حوتة، وحيتان وأحوات. ويكفى الحوت شرفا أن كان نعم الوعاء والمسكن لنبى الله يونس بن متى. ومن أسمائه: «النّون» وجمعه نينان، وأنوان. وذو النون: أى صاحبه: لقب سيدنا يونس بن متى عليه السلام. (ب) طبائع الحيتان: وتختلف الحيتان فى طبائعها اختلافا واضحا: فمنها الوديع، ومنها المشاكس، ومنها المسالم، ومنها المقاتل، ولكنها تمتاز عن المخلوقات جميعا بأنها قد بلغت درجة من الضخامة لم يصل إليها أى حيوان فى الماضى أو الحاضر، ويبدو الإنسان أمام تلك الحيتان العملاقة وكأنه دمية صغيرة، فقد يصل طول الحوت إلى ما يقرب من ثلاثين مترا أو يزيد. وهناك حيتان ضخمة لا تهاجم أحدا إلا إذا هو جمت، وهى غير قادرة على الافتراس، لأن فمها خال من الأسنان. وهناك من الحيتان ذوات الأسنان مثل: «حوت العنبر» و «الحوت المقاتل» إنها تستخدم أسنانها الحادة فى افتراس الحيوانات البحرية الكبيرة، كما أنها لا تتوانى عن مهاجمة الإنسان إذا وجدت إلى ذلك سبيلا. والحيتان من الحيوانات الولود؛ وتحمل الأنثى جنينا واحدا فى معظم الأحيان، وتتراوح مدة الحمل من 11- 16 شهرا حسب الأنواع! هذا وتتناقص الحيتان تناقصا يوحى بالانقراض بسبب الإقبال على صيدها المربح لما يستخرج منها من الشحوم التى تستخدم فى كثير من الأغراض الصناعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 والحوت شره بطبعه، قال الشاعر: كالحوت لا يلهيه شىء يلهمه ... يصبح ظمان وفى البحر فمه يضرب لمن عاش بخيلا شرها! (ج) حكمه الشرعى: وحكمه كعموم السمك، ودم الحوت كسائر الدماء، وقيل: طاهر، لأنه إذا يبس ابيض. وإليك ما جاء فى الفقه من اراء الفقهاء. قالوا: إن الحيوان الذى يعيش فى البحر نوعان: الأول: ما لا يعيش إلا فى الماء، وإذا خرج منه كان عيشه عيشة المذبوح. الثانى: ما يعيش فى البر والبحر مثل: كلب الماء والسلحفاة وطير الماء. وقد اختلف الفقهاء فيما يحل أكله من حيوان البحر وميتته على أقوال: القول الأول: حل جميع حيوانات البحر وميتته سواء ما يعيش منها فى البحر فقط، أو ما يعيش فيه وفى البر. وهذا قول المالكية. القول الثانى: حل جميع حيوانات البحر وميتته عدا الضفدع والتمساح والحية وهو قول الحنابلة. القول الثالث: حل جميع حيوانات البحر وميتته إلا الضفدع وهو القول المشهور عن الشافعية، وأضاف بعضهم تحريم التمساح. (د) وإليك ما جاء فى الحديث الشريف بشأنه: [206] عن أبى الدرداء قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له طريقا إلى الجنّة، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها «1» رضا لطالب العلم، وإنّ طالب العلم، يستغفر له من فى السّماء والأرض حتّى الحيتان فى الماء. وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر   (1) مجازا عن التواضع، وتعظيما للعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء. إن الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما، إنّما ورّثوا العلم، فمن أخذه، أخذ بحظّ وافر» «1» . [207] عن جابر بن عبد الله- رضى الله عنهما- أنه قال: «بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعثا قبل السّاحل «2» ، فأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجرّاح، وهم ثلاثمائة وأنا فيهم، فخرجنا حتى إذا كنّا ببعض الطريق فنى الزّاد فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش فجمع ذلك كلّه فكان مزودى تمر، فكان يقوتناه كل يوم قليلا قليلا حتى فنى، فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة «3» فقلت: وما تغنى تمرة؟ فقال: لقد وجدنا فقدها حين فنيت. قال: ثم انتهينا إلى البحر؛ فإذا حوت مثل الظّرب «4» ، فأكل منه ذلك الجيش ثمانى عشرة ليلة. ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا، ثم أمر براحلة فرحلت، ثم مرت تحتهما فلم تصبهما» «5» . [208] وروى البخارى عن جابر بن عبد الله- رضى الله عنهما- يقول: (بعثنا النّبىّ صلّى الله عليه وسلّم ثلاثمائة راكب، وأميرنا:   (1) حديث صحيح.. رواه أبو داود فى سننه، كتاب العلم، باب فضل العلم (3624) (10/ 72- 74) ، وأحمد فى المسند (5/ 196) وابن ماجه فى مقدمة السنن (223) (1/ 81) وابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله: (1/ 41 43) ، والترمذى فى جامعه، كتاب العلم، باب فضل الفقه على العبادة (2822) (7/ 450- 452) ، وابن حبان فى صحيحه (88) 1/ 151- 152 من الإحسان. (2) أى جهة الساحل. (3) قال ابن حجر فى الفتح (7/ 679) : ظاهر هذا السياق أنهم كان لهم زاد بطريق العموم وأزواد بطريق الخصوص، فلما فنى الذى بطريق العموم اقتضى رأى أبى عبيدة أن يجمع الذى بطريق الخصوص لقصد المساواة بينهم فى ذلك ففعل، فكان جميعا مزودا واحدا. (4) الظرب: هو الجبل الصغير. (5) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب المظالم- باب الشركة فى الطعام (3/ 180) ، وفى كتاب الجهاد والسير- باب حمل الزاد على الرقاب (4/ 67) ، وكتاب المغازى- باب غزوة سيف البحر (5/ 211) ، وكتاب الذبائح والصيد- باب قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ (7/ 116) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 أبو عبيدة نرصد عيرا لقريش فأصابنا جوع شديد، حتّى أكلنا الخبط، فسمّى جيش الخبط، وألقى البحر حوتا يقال له: العنبر، فأكلنا نصف شهر، وادّهنّا بودكه، حتّى صلحت أجسامنا. قال: فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه، فنصبه، فمرّ الرّاكب تحته، وكان فينا رجل، فلمّا اشتدّ الجوع نحر ثلاث جزائر، ثمّ ثلاث جزائر، ثمّ نهاه أبو عبيدة) «1» . [209] عن ابن عباس- رضى الله عنهما- أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «علماء هذه الأمة رجلان: رجل اتاه الله علما فبذله للناس ولم يأخذ عليه طعما، ولم يشتر به ثمنا قليلا، فلذلك يصلّى عليه طير السماء، وحيتان الماء، ودوابّ الأرض، والكرام الكاتبون، يقدم على الله سيدا شريفا حتى يرافق المرسلين. ورجل اتاه الله علما فى الدنيا فضن به على عباد الله وأخذ عليه طعما، واشترى به ثمنا قليلا، فذاك يأتى يوم القيامة ملجما، بلجام من نار، وينادى مناد على رؤس الأشهاد: هذا فلان بن فلان اتاه الله علما فى الدنيا فضن به على عباد الله، وأخذ عليه طعما، واشترى به ثمنا قليلا، ثم يعذّب حتى يفرغ من الحساب» «2» . [210] عن أنس رضى الله عنه قال: «بلغ عبد الله بن سلام مقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة، فأتاه فقال: إنى سائلك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلّا نبى، ما أوّل أشراط السّاعة؟ وما أوّل طعام يأكله أهل الجنّة؟ ومن أىّ شىء ينزع الولد إلى أبيه؟ ومن أى شىء ينزع إلى أخواله؟ فقال رسول   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى صحيحه، كتاب الجهاد (124) ، وأحمد فى المسند (3/ 303) . (2) حديث ضعيف.. رواه الطبرانى فى الأوسط، كما فى المجمع (1/ 124) وفيه عبد الله بن خراش، ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 الله صلّى الله عليه وسلم: «خبّرنى بهنّ انفا جبريل. قال: فقال عبد الله: ذاك عدو اليهود من الملائكة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنّة فزيادة كبد حوت «1» ، وأما الشّبه فى الولد فإن الرجل إذا غشى «2» المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها. قال: أشهد أنك رسول الله ثم قال: يا رسول الله، إنّ اليهود قوم بهت «3» ، إن علموا بإسلامى قبل أن تسألهم بهتونى عندك فجاءت اليهود، ودخل عبد الله البيت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أىّ رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا: أعلمنا وابن أعلمنا، وأخبرنا وابن أخبرنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أفرأيتم إن أسلم عبد الله؟! قالوا: أعاذه الله من ذلك. فخرج عبد الله إليهم فقال: أشهد ألاإله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، فقالوا: شرّنا وابن شرّنا.. ووقعوا فيه «4» » «5» .   (1) الزيادة هى القطعة المنفردة المعلقة فى الكبد، وهى فى المطعم فى غاية اللذة، ويقال: إنها أهنأ طعام وأمرؤه. (2) غشى: أى عاشرها معاشرة الأزواج وجامعها. (3) بهت: جمع بهيت، وهو الذى يبهت السامع بما يفتريه عليه من الكذب. (4) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الأنبياء- باب قول الله تعالى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (4/ 160- 161) ، وكتاب التفسير- باب وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ.. (6/ 23) . (5) ووقعوا فيه: أى قالوا فيه ما قاله مالك فى الخمر، وتناولوه بسوء! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 6- حجلة الحجلة: طائر فى حجم الحمام، أحمر المنقار والرجلين، طيب اللحم. ما جاء فى الحديث الشريف: [211] عن إسحاق بن عبد الله بن الحرث عن أبيه، وكان الحرث خليفة عثمان على اللطائف، فصنع لعثمان طعاما فيه من الحجل واليعاقيب ولحم الوحش، قال: فبعث إلى علىّ بن أبى طالب، فجاءه الرسول وهو يخبط لأباعر «1» له، فجاءه وهو ينفض الخبط عن يده، فقالوا له: كل.. فقال: أطعموه قوما حلالا فأنا حرم. فقال علىّ رضى الله عنه: انشد الله من كان ههنا من أشجع، أتعلمون أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أهدى إليه رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله؟ قالوا: نعم «2» . 7- حبارى الحبارى: طائر طويل العنق، رمادىّ اللون، على شكل الإوزّة،.. فى منقاره طول، الذكر والأنثى والجمع فيه سواء. الحكم الفقهى: أكله حلال، وهو طيب اللحم. ما جاء عن الحبارى فى الأحاديث النبوية: [212] عن بريه بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده قال: أكلت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم لحم حبارى «3» . 8- الحية تأتى فى الزواحف إن شاء الله.   (1) خبط البعير: وسمه بالخياط. (2) رواه أبو داود فى سننه، كتاب المناسك، باب لحم الصيد للمحرم. (3) رواه أبو داود فى سننه، كتاب الأطعمة، باب: فى أكل لحم الحبارى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 باب الخاء 1- الخداريّة: وهى العقاب. (انظر العقاب) . 2- الخرنق: ولد الأرنب. (انظر الأرنب) . 3- الخروف: وهو الحمل. (انظر الغنم والماعز) . 4- الخزز: (ذكر الأرانب) . (انظر الأرنب) . 5- الخشاش (أ) الخشاش فى اللغة: الخشاش: هو امّ الأرض وحشراتها، وقيل: صغار الطير. وحكى القاضى عياض فتح الخاء وضمها وكسرها. وواحد الخشاش: خشاشة. وقيل: الخشاش: دابة تكون فى جحر الأفاعى والحيات، منقطة ببياض وسواد. وقيل: الخشاش: الثعبان العظيم. وقيل: حية مثل الأرقم. وقيل: حية خفيفة صغيرة الرأس. (ب) طبائع الخشاش: قال الحسن العسكرى: الخشاش: النّذل من كل شىء مثل الرّخم من الطّير، وكل ما لا يصيد، وأنشد: خشاش الطّير أكثرها فراخا ... وأمّ الصقر مقلات نزور والمعروف فى هذا البيت: بغاث الطّير أكثرها فراخا. (ج) الحكم الفقهى: ما دام الخشاش يراد به هوام الأرض وحشراتها فإنه يعتبر من الخبائث المحرمة علينا لا من الطيبات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 (د) وإليك ما جاء بشأن الخشاش فى الحديث النبوى الشريف: [213] فى الحديث الصحيح: «إن امرأة دخلت النار فى هرة حبستها، فلم تطعمها شيئا، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض» أى هوامّها وحشراتها. [214] وفى رواية: «عذّبت امرأة فى هرّة سجنتها حتّى ماتت فدخلت «1» فيها النار. لا هى أطعمتها وسقتها، ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض» «2» .   (1) فدخلت فيها النار؛ أى بسببها. (2) حديث صحيح. رواه البخارى فى صحيحه كتاب الصلاة (745) ، ومسلم فى صحيحه- كتاب السلام (2242) . وهناك روايات متعددة قال ابن الأثير فى مادة «خشش» نقلا عن الهروى: فى الحديث: «إن امرأة ربطت هرة فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض» أى هوامّها وحشراتها، الواحدة: خشاشة، وفى رواية: «من خشيشها» ، وهى بمعناه. ثم قال: ويروى (بالحاء المهملة) : وهو يابس النبات وهو وهم. وقيل: إنما هو خشيّش بضم الخاء تصغير خشاش على الحذف أو خشيش من غير حذف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 6- الخنزير والخنّوص (أ) الخنزير فى اللغة: حيوان دجون من الفصيلة الخنزيرية، ورتبة مزدوجات الأصابع الجسئيات، والجمع خنازير. وكنية الخنزير: أبو جهم، وأبو زرعة، وأدو دلف، وأبو عتبة، وأبو علية، وأبو قادم. وولد الخنزير: خنّوص. (ب) طبائع هذا الحيوان: يشترك بين البهيمية والسبعية فالذى فيه من السّبع الناب، وأكل الجيف، والذى فيه من البهيمة الظلف، وأكل العشب والعلف. ومن العجيب أن الذكر من الخنزير البرى يطرد الذكور عن الإناث، وربما قتل أحدهما صاحبه، وربما هلكا جميعا. وإذا كان زمن هيجان الخنازير طأطأت رؤسها، وحركت أذنابها، وتغيرت أصواتها. وتضع الخنزيرة عشرين خنّوصا إذا مضى لها ستة أشهر وإذا بلغت الأنثى خمس عشرة سنة لا تلد، ومع هذا فإن الخنزير يعد أنسل الحيوانات. ويقال: إنه ليس لشىء من ذوات الأنياب والأذناب ما للخنزير من القوة فى نابه! وهو أروغ من الثعلب. وفيه من الشبه بالإنسان أنه ليس له جلد يسلخ، إلا أنه يقطع بما تحته من اللحم. (ج) الأحكام الفقهية: الخنزير البرى نجس، ولا يطهر جلده بالدباغ، وشحمه لا يحل الانتفاع به، ولحمه حرام بالإجماع ونص القران: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ إلخ الاية رقم 3 من سورة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 المائدة. ويحرم اقتناؤه، ولعابه نجس، ويحرم الاتجار فيه بيعا وشراء. أما الخنزير البحرى وهو الدلفين فقد سئل عنه الشافعى- رضى الله عنه- فقال: يؤكل. (د) وإليك ما جاء بشأن الخنزير البرى فى الحديث النبوى الشريف: [215] عن جابر بن عبد الله سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: «إن الله ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السّفن ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس فقال: لا. هو حرام. ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود، إن الله- عز وجل- لما حرم عليهم شحومها أجملوه «1» ثم باعوه فأكلوا ثمنه» «2» . [216] عن أبى مالك الأشعرى أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: ليكونن من أمتى أقوام يستحلّون الحر «3» ، والحرير، والخمر، والمعازف «4» ، ولينزلنّ أقوام إلى جنب علم «5» يروح عليهم بسارحة «6» لهم يأتيهم- يعنى الفقير- لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غدا، فيبيّتهم الله ويضع العلم ويمسخ اخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة» «7» . [217] عن بريدة أنّ النّبىّ صلّى الله عليه وسلم قال: «من لعب بالنّردشير «8»   (1) أجملوه: أى أذابوه. (2) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب البيوع- باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام (5/ 41) . (3) الحر: هو الفرج، والمراد يستحلون الزنا. (4) المعازف: هى كل ما يدخل ضمن الات اللهو، وقيل: هى أصوات الملاهى. (5) علم: العلم هو الجبل العالى، وقيل: رأس الجبل. (6) السارحة: هى الماشية التى تسرح بالغداة. (7) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الأشربة- باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه (7/ 138) . (8) النردشير: هو النرد، وهى كلمة أعجمية معربة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 فكأنّما صبغ يده فى لحم خنزير ودمه» «1» . [218] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «والّذى نفسى بيده ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد» «2» . [219] عن محمد بن كعب- وهو يسأل عبد الرحمن- يقول: أخبرنى ما سمعت أباك يقول عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ فقال عبد الرحمن: سمعت أبى يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «مثل الذى يلعب بالنّرد، ثم يقوم فيصلّى مثل الذّى يتوضأ بقيح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلّى» «3» . [220] عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «ستكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم ويبقى فى الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم، تقذرهم نفس الله، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير» «4» . [221] عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم، وواضع العلم عند غير أهله كمقلّد   (1) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الشعر- باب تحريم اللعب بالنردشير (7/ 50) . (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب البيوع- باب قتل الخنزير (3/ 107) . (3) حديث ضعيف.. رواه أحمد فى مسنده (5/ 370) ، وأبو يعلى فى مسنده (1104) 2/ 356 وفيه موسى بن عبد الرحمن الخطمى، قال الحسينى فى الإكمال: مجهول، وقال الهيثمى فى المجمع (8/ 113) لم أعرفه. (4) حديث ضعيف رواه أحمد فى مسنده (2/ 198- 199) ، وأبو داود، كتاب الجهاد، باب فى سكنى الشام (2465) 7/ 158 بسند فيه شهر بن حوشب، وفيه كلام، وضعفه الألبانى، انظر ضعيف الجامع (3259) وتقذرهم: تكرههم لو ساختهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب» «1» . [222] عن يحيى بن سعيد؛ أن عيسى ابن مريم لقى خنزيرا بالطريق، فقال له: انفذ بسلام. فقيل له: تقول هذا لخنزير؟! فقال عيسى: إنى أخاف أن أعوّد لسانى النطق بالسّوء «2» .   (1) حديث ضعيف جدا.. رواه ابن ماجه (254) 1/ 81، والقزوينى فى أخبار قزوين (3/ 175) ، وفيه حفص بن سليمان، قال الحافظ فى التقريب (1/ 186) : «متروك الحديث مع إمامته فى القراءة» اهـ. وفيه أيضا كثير بن شنظير، صدوق يخطئ. والصحيح منه قوله: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» . (2) ذكره أبو داود فى سننه، كتاب الأطعمة، باب الأكل فى انية أهل الكتاب- حديث (3839) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 7- الخيل (أ) الخيل فى اللغة: الخيل: جماعة الأفراس، لا واحد له من لفظه، كالقوم، والرهط، والنفر، وقيل: مفرده «خائل» . وهى مؤنثة، والجمع خيول. وسميت الخيل خيلا لاختيالها فى المشية، ويكفى فى شرفها أن الله- سبحانه وتعالى- أقسم بها فقال: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (الاية الأولى من سورة العاديات) . والفرس واحد الخيل، والجمع أفراس، والذكر والأنثى فى ذلك سواء. ولا يقال للأنثى: فرسة؛ لكن تصغير الفرس فريس، أما الأنثى فلا تقل إلا فريسة. والحصان: الذكر من الخيل. وراكب الفرس فارس، والجمع فوارس وفرسان. والخيل نوعان: عتيق، وهجين، والفرق بينهما: أن عظم «البرذون» أعظم من عظم «الفرس» ، ولكن عظم الفرس أصلب وأثقل. والبرذون أحمل من الفرس، والفرس أسرع منه، كما يقول الدّميرى. والعتيق بمنزلة الغزال، والبرذون بمنزلة الشاة، فالعتيق من الخيل ماله أبوان عربيان، ويقال فى الأمثال: «الخيل ميامين» ، وقالوا: «الخيل أعلم بفرسانها» يضرب للرجل يظن أن عنده غناء ولا غناء عنده. ويقال: «هما كفرسى رهان» . (ب) طبائع الخيل: والفرس أشبه الحيوان بالإنسان، لما يوجد فيه من الكرم، وشرف النفس، وعلو الهمة. ويقول الدميرى فى موسوعته: وتزعم العرب أنه كان وحشيا، وأن أول من ذلّله وركبه إسماعيل عليه السلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وأنشد ابن عبد البر: أحبّوا الخيل واصطبروا عليها ... فإن العزّ فيها والجمالا وذكر الرافعى وغيره: أن خيل السباق عشرة: المجلّى، والمصلّى، والتّالى، والبارع، والمرتاح، والحظىّ، والعاطف، والمؤمّل، والسّكيت، والفسكل. وكانت خيل الرسول صلّى الله عليه وسلم هى: السّكب، والمرتجز، واللّحيف، والّلزاز، وملاوح، والضّرس، والورد وهبه لعمر بن الخطاب- رضى الله عنه-. والخيل فى المنام قوة وزينة وعز. وهى أشرف ما ركب من الدواب. وفى طبع الفرس: الزّهو والخيلاء، والسرور بنفسه، والمحبة لصاحبه. ومن أخلاقه الدالة على شرف نفسه وكرمه أنه لا يأكل بقية علف غيره. ومن أخلاقه الدالة على شرف نفسه وعلو همته أن أشقر مروان كان سائسه لا يدخل عليه إلا بإذن، وهو أن يحرك له المخلاة فإن حمحم دخل، وإن دخل ولم يحمحم شدّ عليه! فرس البحر: حيوان يوجد فى نيل مصر له ناصية كناصية الفرس، ورجلاه مشقوقتان كالبقر، وهو أفطس الوجه، له ذنب قصير، وصورته تشبه الفرس إلا أن وجهه أوسع، وجلده غليظ جدا، وهو يصعد إلى البر فيرعى الزرع فسبحان الخالق المصور! هذا وتنجب الفرس من الخيل صغيرا واحدا بعد أحد عشر شهرا من الحمل، وتعيش إلى ثلاثين سنة. وتتغذى على التبن والشعير. وقد كانت الخيول تستخدم فى جر المركبات، وحمل الأثقال، وفى الركوب، وتجدر الإشارة إلى أن خيول السباق تنحدر من الحصان العربى الأهيف، كما ينحدر من الحصان العربى الجواد الإنجليزى، وهو المفضل فى مباريات الفروسية. (ج) الأحكام الفقهية: لقد اختلف الفقهاء فى حكم لحم الخيل على ثلاثة أقوال ولكل أدلته: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 القول الأول: (وهو المشهور عن أبى حنيفة) : التحريم، وهو رأى لبعض المالكية. القول الثانى: وهو إباحة لحوم الخيل، وهو قول الشافعية والحنابلة وأبى يوسف ومحمد وهو رأى لبعض المالكية. القول الثالث: هو جواز أكل لحوم الخيل مع الكراهة التنزيهية، وبذلك قال فريق من الأحناف، وقال به بعض المالكية. ونعود فنقول: إن الرأى القائل بحل أكل لحوم الخيل مطلقا بلا كراهة هو الراجح وذلك بعد مناقشة كل الأدلة. أما فرس النهر فيحل أكله لعموم حل السمك إلا ما استثنى منه وليس هذا من المستثنيات. (د) وإليك ما جاء بشأنها من الحديث النبوى الشريف: [223] عن عبد الله بن عمر «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التى أضمرت «1» من الحفياء، وأمدها ثنيّة الوداع، وسابق بين الخيل الّتى لم تضمر من الثّنيّة إلى مسجد بنى زريق وأن عبد الله بن عمر كان فيمن سابق بها» «2» . [224] عن عبد الله بن عمر- رضى الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «الخيل معقود فى نواصيها الخير إلى يوم القيامة» «3» وفى رواية عن أنس: «البركة فى نواصى الخيل» .   (1) الخيل التى أضمرت: إضمار الخيل: قيل: هو أن يظاهر عليها بالعلف حتى تسمن، وقيل: تشد عليها سروجها وتجلل بالأجلّة حتى تعرق تحتها فيذهب رهلها ويشتد لحمها. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الصلاة- باب هل يقال مسجد بنى فلان (1/ 114) ، وفى كتاب الجهاد والسير- باب السبق فى الخيل، وباب إضمار الخيل للسبق، وباب غاية السبق للخيل (4/ 38) ، ومسلم فى كتاب الإمارة- باب الخيل فى نواصيها الخير إلى يوم القيامة (6/ 31) . (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الجهاد والسير- باب الخيل معقود فى نواصيها الخير إلى يوم القيامة (4/ 34) ، وفى كتاب الأنبياء- باب علامات النبوة فى الإسلام (4/ 252) ، ومسلم فى كتاب الإمارة- باب الخيل فى نواصيها الخير إلى يوم القيامة (6/ 31) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 [225] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «الخيل لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأمّا الّذى له أجر فرجل ربطها فى سبيل الله فأطال بها فى مرج أو روضة، فما أصابت فى طيلها «1» ذلك من المرج أو الرّوضة كانت له حسنات، ولو أنّه انقطع طيلها فاستنّت شرفا أو شرفين «2» كانت اثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنّها مرّت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقى كان ذلك حسنات له فهى لذلك أجر. ورجلّ ربطها تغنّيا «3» وتعفّفا ثمّ لم ينس حقّ الله فى رقابها ولا ظهورها فهى لذلك ستر، ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء «4» لأهل الإسلام فهى على ذلك وزر» «5» . [226] عن أبى هريرة قال: «بعث النّبىّ صلّى الله عليه وسلم- خيلا- قبل نجد، فجاءت برجل من بنى حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية «6» من سوارى المسجد فخرج إليه النّبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثمّ دخل المسجد فقال: أشهد ألاإله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله» «7» .   (1) الطول والطيل: الحبل الطويل يشدّ أحد طرفيه فى وتد، والطرف الاخر فى يد الفرس ليدور فيه ويرعى ولا يذهب لوجهه. (2) استن الفرس يستن استنانا: أى عدا لمرحه ونشاطه شوطا أو شوطين ولا راكب عليه. (3) أى غنى ليس محتاجا إلى ثمنها ويخرج زكاتها فهى له ستر. (4) نواء: أى معاداة ومناوأة لأهل الإسلام. (5) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الشرب- باب شرب الناس والدواب من الأنهار (3/ 148) ، وفى كتاب الجهاد والسير- باب الخيل لثلاثة (4/ 35) ، وفى كتاب الأنبياء- باب علامات النبوة فى الإسلام (4/ 252) . (6) السارية: العمود، والجمع سوارى. (7) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الصلاة- باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير (1/ 125) ، وباب دخول المشرك المسجد (1/ 127) ، وفى كتاب المغازى- باب وفد بنى حنيفة وحديث ثمامة بن أثال (5/ 214- 215) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 [227] عن ابن عبّاس- رضى الله عنهما قال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ «1» قال: «كان الرّجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلاما وتنتج خيله قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال هذا دين سوء» «2» . [228] عن البراء قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين «3» ، فتغشّته سحابة، فجعلت تدنو، وتدنو وجعل الفرس ينفر، فلمّا أصبح أتى النّبىّ صلّى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: تلك السّكينة تنزّلت بالقران» «4» . [229] عن الصّعب بن جثامة: أن النّبىّ صلّى الله عليه وسلم قيل له: لو أنّ خيلا أغارت من اللّيل فأصابت من أبناء المشركين قال: «هم من ابائهم» «5» . [230] عن ابن عمر: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قسّم للفرس سهمين وللرّجل سهما» «6» . [231] عن عائشة قالت: «قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت على بابى درنوكا «7» فيه الخيل ذوات الأجنحة فأمرنى فنزعته» «8» .   (1) سورة الحج الاية: 11. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب التفسير- باب تفسير سورة الحج (6/ 123) . (3) الشطنين: حبلين مثنى شطن وهو الحبل الطويل تشد به الدابة. (4) حديث صحيح.. رواه البخارى فى فضائل القران- بال فضل سورة الكهف (6/ 32) . (5) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الجهاد والسير- باب جواز قتل النساء والصبيان من غير تعمد (5/ 144- 145) . وقوله (هم من ابائهم) أى فى الحكم وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد والله أعلم. (6) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الجهاد والسير- باب كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين (5/ 156) . (7) الدّرنوك: ستر له خمل، وجمعه درانك. والخمل: هدب القطيفة ونحوها مما ينسج، وتفضل له فضول. (8) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب اللباس والزينة- باب تحريم صورة الحيوان (6/ 158) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 [232] عن أبى موسى قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّى لأعرف أصوات رفقة الأشعريّين بالقران حين يدخلون بالّليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقران بالّليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنّهار، ومنهم حكيم إذا لقى الخيل- أو قال العدوّ- قال لهم: إنّ أصحابى يأمرونكم أن تنظروهم» «1» . [233] عن أبى هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: «السّلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنّا- إن شاء الله- بكم لاحقون وددت أنّا قد رأينا إخواننا. قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابى وإخواننا الذين لم يأتوا بعد.. فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمّتك يا رسول الله؟ فقال: أرأيت لو أنّ رجلا له خيل غرّ محجّلة بين ظهرى خيل دهم بهم «2» ، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنهم يأتون غرّا محجّلين من الوضوء، وأنا فرطهم «3» على الحوض ألا ليذادنّ رجال عن حوضى كما يذاد البعير الضّالّ أناديهم: ألا هلمّ. فيقال: إنهم قد بدّلوا بعدك! فأقول: سحقا سحقا!» «4» . [234] عن جابر بن سمرة قال: «خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: «ما لى أراكم رافعى أيديكم كأنّها أذناب خيل شمس «5» ؟! اسكنوا فى الصّلاة. قال: ثمّ خرج علينا فرانا حلقا فقال: ما لى أراكم   (1) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب فضائل الصحابة- باب من فضائل الأشعريين (7/ 171) . وقوله: أن تنظروهم أى تنتظروهم ومنه قوله تعالى: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ (الحديد: 12) . (2) دهم بهم: أى سود لم يخالط لونهما لون اخر. (3) أى متقدمهم وسابقهم إلى الحوض. (4) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الطهارة- باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل فى الوضوء (1/ 150- 151) . (5) جمع شموس وهى التى لا تستقر بل تضرب وتتحرك بأذنابها وأرجلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 عزين «1» ؟ قال: ثم خرج علينا فقال: ألا تصفّون كما تصفّ الملائكة عند ربّها؟ فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصفّ الملائكة عند ربها؟ قال: يتمّون الصّفوف الأول ويتراصّون فى الصّفّ» «2» . [235] عن أنس بن مالك قال: سقط النبى صلّى الله عليه وسلم عن فرس فجحش «3» شقّه الأيمن، فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصّلاة، فصلّى بنا قاعدا فصلينا وراءه قعودا، فلما قضى الصّلاة قال: «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به، فإذا كبّر فكبّروا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد، وإذا صلّى قاعدا فصلّوا قعودا أجمعون» «4» . [236] عن يحيى بن سعيد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم رئى وهو يمسح وجه فرسه بردائه. فسئل عن ذلك، فقال: «إنّى عوتبت الليلة فى الخيل» «5» . [237] عن يسير بن جابر قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة، فجاء رجل ليس له هجّيرى «6» إلّا: يا عبد الله بن مسعود! جاءت السّاعة، قال فقعد وكان متّكئا. فقال: إنّ السّاعة لا تقوم، حتّى يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة. ثمّ قال بيده هكذا (ونحّاها نحو الشّأم) فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام «7» ويجمع لهم أهل الإسلام. قلت: الرّوم   (1) عزين: أى جماعات متفرقة. (2) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الصلاة- باب الأمر بالسكون فى الصلاة والنهى عن الإشارة باليد ورفعها عند السلام وإتمام الصفوف الأول (2/ 92) . (3) فجحش: أى خدش. (4) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الصلاة- باب ائتمام المأموم بالإمام (2/ 18) . (5) رواه مالك فى الموطأ، كتاب الجهاد، حديث رقم 47. (6) ليس له هجيرى: أى شأنه ودأبه ذلك. والهجيرى بمعنى الهجير. (7) لأهل الإسلام: أى لقتالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 تعنى؟ قال: نعم. وتكون عند ذاكم القتال ردّة شديدة «1» ، فيشترط «2» المسلمون شرطة «3» للموت لا ترجع إلّا غالبة فيقتتلون حتّى يحجز بينهم اللّيل، فيفىء «4» هؤلاء وهؤلاء. كلّ غير غالب. وتفنى الشّرطة. ثمّ يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلّا غالبة. فيقتتلون. حتّى يحجز بينهم اللّيل. فيفىء هؤلاء وهؤلاء. كلّ غير غالب وتفنى الشّرطة. ثمّ يشترط المسلمون شرطة للموت. لا ترجع إلّا غالبة. فيقتتلون حتّى يمسوا. فيفىء هؤلاء هؤلاء. كلّ غير غالب. وتفنى الشّرطة. فإذا كان يوم الرّابع، نهد «5» إليهم بقيّة أهل الإسلام. فيجعل الله الدّبرة عليهم «6» . فيقتلون مقتلة- إمّا قال لا يرى مثلها، وإمّا قال لم ير مثلها- حتّى إنّ الطّائر ليمرّ بجنباتهم «7» ، فما يخلّفهم «8» حتّى يخرّ ميتا. فيتعادّ بنو الأب «9» ، كانوا مائة. فالا يجدونه بقى منهم إلّا الرّجل الواحد. فبأىّ غنيمة يفرح؟ أو أىّ ميراث يقاسم؟ فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببأس، هو أكبر من ذلك. فجاءهم الصّريخ؛ إنّه الدّجّال قد خلفهم فى ذراريّهم. فيرفضون ما فى أيديهم. ويقبلون. فيبعثون عشرة فوارس طليعة. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّى لأعرف أسماءهم، وأسماء ابائهم، وألوان خيولهم، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ، أو من خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ» «10» .   (1) ردة شديدة: أى عطفة قوية. (2) فيشترط: ضبطوه بوجهين: أحدهما فيشترط، والثانى فيتشرط. (3) شرطة: طائفة من الجيش تقدم للقتال. (4) فيفىء: أى يرجع. (5) نهد: أى نهض وتقدم. (6) فيجعل الله الدبرة عليهم: أى الهزيمة. (7) جنباتهم: نواحيهم. (8) يخلفهم: يجاوزهم. (9) يتعاد بنو الأب: يعد بعضهم بعضا. (10) رواه مسلم فى صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة، حديث رقم 2899. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 [باب الدال] 1- الدابّة (أ) الدابّة فى اللغة: كل ما يدبّ على الأرض من الحيوان كله فهو دابة، وقد غلب على ما يركب من الحيوان (للمذكر والمؤنث) والجمع: دواب، وتصغيره: (دويبّة) وقد أخرج بعض الناس منها الطير لقوله تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ (الأنعام: 38) (ب) طبائع الدواب: وفى هذا الباب نجد ألوانا من الدواب تختلف فى طباعها، وقد تناولناها بالتفصيل على الترتيب الاتى؛ لتتجلى لنا طبيعة كل منها: (أ) البراق. (ب) البرذون. (ج) البغلة. (د) الحمار. (هـ) الخيل. (ج) الأحكام الفقهية: يجب على مالك الدابة علفها، ورعيها، وسقيها لحرمة الروح كما فى الصحيح: «عذبت امرأة فى هرة ... إلخ» . فإن لم تكن ترعى لزمه أن يعلفها، ويسقيها، وإن كانت ترعى لزمه إرسالها حتى تشبع، وتروى، وإن احتاجت البهيمة إلى السقى، ومعه ماء يحتاج إليه لطهارته سقاها وتيمم، فإن امتنع من العلف أجبر على البيع أو العلف، أو الذبح إن كانت مأكولة، فإن لم يفعل فعل الحاكم ما فيه المصلحة. هذا وقد علمنا الإسلام اداب ركوبها: فيستحب أن يقول عند ركوب الدابة ما روى عن على بن أبى طالب- كرم الله وجهه- وقد أتى بدابة ليركبها، فلما وضع رجله فى الرّكاب، قال: باسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 الحمد لله الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (الزّخرف: 13، 14) ويجوز الوقوف على ظهر الدابة للحاجة ريثما تقضى. وإذا كان الشىء بالشىء يذكر فقد وردت أحاديث عن العافية و «العوافى» . والعافية: كل طالب رزق من إنسان أو بهيمة أو طائر. مأخوذ من عفوته؛ إذا أتيته تطلب معروفه. (د) وإليك ما جاء بشأنها فى الحديث الشريف: [238] «من أحيا أرضا ميتة فهى له، وما أكلت العافية منها فهو له صدقة» وفى رواية: «العوافى» وهى جمع عافية. رواه الدارمى والبيهقى وصححه ابن حبان من رواية جابر بن عبد الله «1» . [239] وفى صحيح مسلم من رواية الزهرى عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة- رضى الله عنه- أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «تتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافى» (يريد عوافى السباع والطير) ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة. إلخ الحديث. [240] عن الحسن عن عمران بن حصين قال: لمّا نزلت يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ- إلى قوله- وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ «2» قال: أنزلت عليه الاية وهو فى سفر   (1) حديث صحيح.. أخرجه الدارمى (2/ 267) ، وابن حبان (1138) ، وأحمد (3/ 313، 326- 327، 381) . (2) سورة الحج الايتان 1- 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 قال: «أتدرون أىّ يوم ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذلك يوم يقول الله لادم: ابعث بعث النّار، قال: يا ربّ وما بعث النّار؟ قال تسعمائة وتسعة وتسعون فى النّار وواحد إلى الجنّة، فأنشأ المسلمون يبكون «1» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: قاربوا وسدّدوا «2» فإنّها لم تكن نبوّة قطّ إلّا كان بين يديها جاهليّة. قال فيؤخذ العدد من الجاهليّة فإن تمّت وإلّا كملت من المنافقين. وما مثلكم والأمم إلّا كمثل الرّقمة فى ذراع الدّابّة أو كالشّامة فى جنب البعير ثمّ قال: إنّى لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنّة فكبّروا ثمّ قال: إنّى لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنّة فكبّروا، ثمّ قال: إنّى لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنّة فكبّروا، قال ولا أدرى قال الثلثين أم لا» «3» . [241] عن أبى هريرة، عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «إياكم أن تتّخذوا ظهور دوابّكم منابر، فإن الله إنما سخرها لكم لتبلّغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلّا بشقّ الأنفس، وجعل لكم فى الأرض مستقرّا؛ فعليها فاقضوا حاجاتكم» «4» .   (1) أى أخذوا يتصايحون ويبكون. (2) أى اطلبوا بأعمالكم السداد والاستقامة، وهو القصد فى الأمر والعدل فيه. (3) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الإيمان- باب قوله: يقول الله لادم أخرج بعث النار (1/ 402) ، والترمذى فى كتاب التفسير- تفسير سورة الحج، حديث (3217) . (4) حديث صحيح.. رواه أبو داود فى سننه، كتاب الجهاد، باب فى الوقوف على الدابة (2550) 7/ 235، والبيهقى فى السنن الكبرى (5/ 255) ، وفى الاداب: (795) : 261. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 2- الدّبى* [242] عن عائشة قالت: دخل علىّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يقول: «يا عائشة قومك أسرع أمتى بى لحاقا، قالت: فلمّا جلس قلت: يا رسول الله، جعلنى الله فداءك، لقد دخلت وأنت تقول كلاما ذعرنى! فقال: وما هو؟ قالت: تزعم أن قومى أسرع أمتك بك لحاقا، قال: نعم. قلت: وممّ ذاك؟ قال: تستحليهم المنايا وتنفس عليهم أمتهم. قالت: فقلت: فكيف الناس بعد ذلك أو عند ذلك؟ قال: دبى يأكل شداده ضعافه حتى تقوم عليهم السّاعة» «1» . [والدّبى: الجنادب التى لم تنبت أجنحتها] .   * يرجع إلى «باب الجيم» : الجراد، والدّابى. (1) حديث حسن.. رواه الإمام أحمد فى مسنده (6/ 81، 90) ، بسند رجاله ثقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 3- الدجاج والدّيكة (أ) الدجاج فى اللغة: الدجاجة طير من الدواجن (للذكر والأنثى) ، والجمع دجاج ودجج. والدّيك: ذكر الدجاج والجمع ديوك وأدياك وديكة. ويسمى الأنيس والمؤانس. وتصغيره: دويك، وكنيته: أبو حسان، وأبو حماد، وأبو سليمان، وأبو عقبة، وأبو مدلج، وأبو المنذر، وأبو نبهان، وأبو يقظان، وأبو برائل، والعترفان: الديك. والدّجاج: مثلث الدال. قال ابن سيده: سميت الدجاجة دجاجة لإقبالها وإدبارها. يقال: دجّ القوم يدجّون دجّا ودجيجا إذا مشوا رويدا فى تقارب خطو، وقيل: هو أن يقبلوا ويدبروا. وكنية الدجاجة: أم الوليد، وأم حفصة، وأم جعفر، وأم عقبة، وأم إحدى وعشرين وأم قوب، وأما نافع. والدجاجة الحبشية: نوع مما تقدم، قال بعضهم: هى شبيهة بالدّرّاج، وتسمّى بالعراق: الدجاجة السّندية. والدجاج الحبشى هو الدجاج البرّى، وهو فى الشكل واللون قريب من الدجاج. (ب) طبائع الدجاج والديكة: من شأن الدجاجة أنها إذا هرمت لم يكن لبيضها محّ، وإذا كانت كذلك لم يخلق منها فرخ. ومن عجيب أمرها أنه يمر بها سائر السباع فلا تخشاها، فإذا مر بها ابن اوى، وهى على سطح أو جدار أو شجرة رمت بنفسها إليه! وتوصف الدجاجة بقلة النوم وسرعة الانتباه، يقال: إنها تفعل ذلك من شدة الجبن، وأكثر ما عندها من الحيلة أنها لا تنام على الأرض، بل ترتفع على رفّ، أو على جذع، أو جدار، أو ما قارب ذلك، وإذا غربت الشمس فزعت إلى تلك العادة وبادرت إليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 ومن شأن الديك أنه لا يحنو على ولده ولا يألف زوجة واحدة، وهو أبله الطبيعة، وذلك أنه إذا سقط من حائط لم تكن له هداية ترشده إلى دار أهله. وفيه من الخصال الحميدة أنه يسوى بين دجاجه، ولا يؤثر واحدة على أخرى إلا نادرا. وأعظم ما فيه من العجائب معرفة الأوقات الليلة فيقسّط أصواته عليها تقسيطا لا يكاد يغادر منه شيئا سواء طال أو قصر. ويوالى صياحه قبل الفجر وبعده. ويضرب المثل بعين الديك فى الصفاء. ويقال فى الأمثال: «أشجع من ديك» و «أفسد من ديك» . (ج) الأحكام الفقهية: يحل أكل الدجاج؛ لأنه من الطيبات، وكذا بيضه. ويحرم أكل الجلالة، وهى التى تأكل العذرة من الإبل والبقر والغنم والدجاج وغيرها.. حتى يتغير ريحها.. وبالنسبة للبقر والغنم منها يحرم كذلك شرب لبنها، وكذا ركوبها فى حالة الإبل.. فإذا حبست بعيدة عن العذرة زمنا وعلفت طاهرا فطاب لحمها وذهب سم الجلالة عنها، حلت، لأن علة النهى التغيير، وقد زالت. وتحرم المنافرة بالديكة. ويحرم اتخاذ الدجاج غرضا كما ورد فى الأحاديث التى جاءت فى شأن الدجاج. (د) وإليك ما جاء عن الدجاج فى السنة الشريفة: [243] عن إسحاق بن سعيد عن أبيه قال: دخل ابن عمر على يحيى بن سعيد وغلام من بنيه رابط دجاجة يرميها، فمشى إلى الدجاجة، فحلّها، ثم أقبل بها وبالغلام، وقال ليحيى: ازجر غلامك هذا من أن يصبر هذا الطير على القتل، فإنّى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم ينهى أن تصبر بهيمة أو غيرها لقتل، وأن أردتم ذبحها فاذبحوها «1» . [244] عن أبى موسى الأشعرى- رضى الله عنه- قال: رأيت   (1) رواه أحمد فى سنده 2/ 94. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 النبى صلّى الله عليه وسلم يأكل دجاجا «1» . [245] عن عائشة سأل أناس رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن الكهّان فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ليسوا بشىء! قالوا: يا رسول الله فإنهم يحدّثون أحيانا بالشىء يكون حقّا! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنّى فيقرّها فى أذن وليّه قرّ الدجاجة «2» فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة» «3» . [246] عن هشام بن زيد قال: «دخلت مع أنس بن مالك على الحكم بن أيوب فرأى غلمانا أو فتيانا نصبوا دجاجة يرمونها. فقال أنس: نهى النبى صلّى الله عليه وسلم أن تصبر «4» البهائم» «5» . [247] عن معدان بن أبى طلحة أن عمر بن الخطّاب خطب يوم الجمعة فذكر نبىّ الله صلّى الله عليه وسلم وذكر أبا بكر قال: إنى رأيت كأنّ ديكا نقرنى ثلاث نقرات وإنّى لا أراه إلّا حضور أجلى! وإنّ أقواما يأمروننى أن أستخلف، وإنّ الله لم يكن ليضيّع دينه ولا خلافته، ولا الذى بعث به نبيّه صلّى الله عليه وسلم فإن عجل بى أمر؛ فالخلافة شورى بين هؤلاء السّتّة الذين توفّى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو عنهم راض «6» ، وإنى قد علمت أن أقواما يطعنون   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الذبائح والصيد- باب الدجاج (7/ 122) . وفى الحديث دليل على جواز أكل الدجاج إنسيه ووحشيه، وهو ما اتفق عليه العلماء، وإن كان بعضهم استثنى الجلالة وهى ما تأكل الأقذار. (2) قر الدجاجة: أى الصوت الذى تحدثه الدجاجة. والقرير: الصوت المكرر المتماثل. (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الأدب- باب قول الرجل للشىء ليس بشىء وهو ينوى أنه ليس بحق (8/ 58) ، وفى كتاب التوحيد- باب قراءة الفاجر والمنافق (9/ 198) . (4) تصبر: أى تحبس وتجعل هدفا لتضرب. (5) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الذبائح والصيد- باب ما يكره من المثلة والمصبورة والمجثمة (7/ 121) ، ومسلم فى كتاب السلام- باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان (7/ 36) . (6) وهؤلاء الستة هم: عثمان، وعلى، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبى وقاص، وعبد الرحمن بن عوف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 فى هذا الأمر. أنا ضربتهم بيدى هذه على الإسلام، فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضّلّال، ثمّ إنى لا أدع بعدى شيئا أهمّ عندى من الكلالة، ما راجعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى شىء ما راجعته فى الكلالة، وما أغلظ لى فى شىء ما أغلظ لى فيه حتّى طعن بإصبعه فى صدرى! فقال: «يا عمر ألا تكفيك اية الصّيف «1» التى فى اخر سورة النّساء؟» ، وإنى إن أعش أقض فيها بقضية يقضى بها من يقرأ القران ومن لا يقرأ القران ثمّ قال: اللهمّ إنى أشهدك على أمراء الأمصار وإنى إنما بعثتهم عليهم ليعدلوا عليهم وليعلّموا النّاس دينهم وسنة نبيّهم صلّى الله عليه وسلم ويقسموا فيهم فيئهم، ويرفعوا إلىّ ما أشكل عليهم من أمرهم، ثم إنكم أيّها النّاس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين: هذا البصل والثّوم «2» ، لقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرّجل فى المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخا» «3» . [248] عن زيد بن خالد، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لا تسبّوا الديك فإنّه يوقظ للصّلاة» «4» . [249] عن أبى سلمة بن عبد الرّحمن بن عوف أنّه قال: سألت عائشة زوج النّبىّ صلّى الله عليه وسلم ما يوجب الغسل؟ فقالت: هل تدرى ما مثلك يا أبا سلمة؟ مثل الفرّوج «5» ، يسمع الدّيكة تصرخ، فيصرخ معها، إذا   (1) المراد بذلك قوله تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ (النساء: 176) . (2) نهى النبى صلّى الله عليه وسلم عن أكل الثوم والبصل للمصلين فى المسجد، وذلك لأنهما مصدران للرائحة الكريهة التى تؤذى المصلين فى المسجد. وتؤذى الملائكة أيضا لقوله صلّى الله عليه وسلم: «إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو ادم» . (3) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الصلاة- باب نهى من أكل ثوما أو بصلا.. (2/ 81) . (4) حديث صحيح.. رواه أبو داود فى كتاب الأدب- باب ما جاء فى الديك والبهائم (5101) ، وأحمد فى المسند (4/ 115) ، والبغوى فى شرح السنة (3269، 3270) 12/ 199 بسند صحيح. (5) الفروج: فرخ الدجاج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل «1» . [250] عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بصلاة المنافق يدع العصر حتّى إذا كانت بين قرنى الشّيطان أو على قرنى الشّيطان قام فنقرها نقرات الدّيك لا يذكر الله فيها إلّا قليلا» «2» .   (1) حديث صحيح.. رواه مالك فى كتاب الطهارة- باب وجوب الغسل إذا التقى الختانان حديث (72) . (2) حديث حسن.. رواه أحمد فى مسنده (3/ 247) ، وأبو يعلى فى مسنده (4642) 8/ 105- 106، وابن حبان فى صحيحه (260) ، وأصل الحديث فى مسلم، باب استحباب التبكير بالعصر، وأبو داود، بدون ذكر الديك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 4- الدّعموص (مع البعوض) (أ) الدّعموص فى اللغة: الدّعموص دويبة تغوص فى الماء، والجمع دعاميص. وقال الحافظ المنذرى، عند الكلام على «دعاميص الجنة» : الدّعاميص: بفتح الدال جمع دعموص، وهى دويبة صغيرة يضرب لونها إلى السواد، تكون فى الغدران. شبه الطفل بها فى الجنة لصغره وسرعة حركته! ويقال فى المثل: «أهدى من دعيميص الرمل» . (ب) طبيعة الدعاميص: قال الجاحظ: إذا كبر الناموس صار دعاميص، وهو يتولد فى الماء الراكد، وإذا كبر صار فراشا، ولعل هذا عمدة من جعل الجراد بحريا. والدّعموص من الخلق الذى لا يعيش إلا فى الماء فى ابتداء أمره، ثم يستحيل بعوضا وناموسا. (ج) الحكم الفقهى: الدعاميص من الخبائث التى لا يحل أكلها. (د) وإليك ما ورد من أحاديث فى الدعموص. [251] روى مسلم عن أبى حسّان قال: قلت لأبى هريرة- رضى الله عنه-: إنه قد مات لى اثنان من الولد، فهل أنت محدثى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا؟ قال: نعم، «صغاركم دعاميص الجنة» «1» .   (1) حديث صحيح.. رواه مسلم فى البر والصلاة حديث (154) ، وأحمد فى مسنده (2/ 477) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 [باب الذال] 1- الذئب والجرو (أ) الذئب فى اللغة: الذئب: حيوان من الفصيلة الكلبية، ورتبته اللواحم، ويسمى: كلب البرّ وجمعه: أذؤب، وذئاب، وذؤبان. وفى المثل: «الذّئب خاليا أسد» . يضرب لكل مستواحد برأيه، أو بدينه، أو بسفره. وفى المثل أيضا: «من استرعى الذئب فقد ظلم» أى ظلم الغنم، أو ظلم الذئب حيث كلفه ما ليس فى طبعه. يضرب لمن يولّى الأمر غير الأمين. ويقال: «أكلهم الذئب» : السنة الشديدة. و «فلان من ذؤبان العرب» : صعاليكهم ولصوصهم. (ب) طبائع الذئب: والذئب من أكثر الحيوانات عواء إذا كان مرسلا، فإذا أخذ وضرب بالعصىّ أو السيوف لم يسمع له صوت حتى يموت. وله صبر على الجوع ما ليس لغيره، اللهم إلا الأسد. ومن عجيب أمره أنه ينام بإحدى مقلتيه، والاخرى يقظى؛ حتى تكتفى العين النائمة من النوم فيفتحها وينام بالاخرى ليحترس باليقظى، ويستريح بالنائمة. وجرو الذئب كأبيه فى طباعه حتى لو ربى مع الشاة، وغذى بلبانها! حكى الأصمعىّ عن عجوز أخذت جرو ذئب وأدخلته بيتها وربته حتى كبر، فما كان منه إلا أن قتل الشاة فى غفلة منها؟ فقالت شعرا: بقرت شويهتى وفجعت قلبى ... وأنت لشاتنا ولد ربيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 غذيت بدرّها وربيت فينا ... فمن أنباك أن أباك ذيب؟!! إذا كان الطّباع طباع سوء ... فليس بنافع فيها الأديب ويقال: «من لّم يتذأّب أكلته الذئاب» . ومن أمثال الروس: (عاشر الذئاب على أن تكون فأسك فى يدك) . وبعد أن صار الناس كلهم ذئابا وجدنا من يجد فى عواء الذئب ما يؤنسه فيتمثل بقول القائل: عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى ... وصوّت إنسان فكدت أطير!! والذئب حيوان ضار، مفترس قاس، وهو ذكىّ صبور شجاع، يظهر المهارة فى القتال، ويبحث عن فريسته نهارا، وينام ليلا. ويرتاد الأماكن المنعزلة، ويمكن أن يعيش وحيدا، وهو صياد ماهر يعمل منفردا عندما تكون الفريسة صغيرة، وقد تهاجم مجموعة ذئاب فريسة واحدة، إذا كانت كبيرة الحجم. ومن سلوك الذئاب الملفت للنظر أنها تتبادل حك الأنوف! وتسير الذئاب فى خط طويل كل منها يتبع الاخر، فإذا صادفها عائق تعاون الجميع على إزالته! ويعيش الذئب فى غابات سيبريا، وغابات كندا، وفى المناطق الجبلية والوعرة، وبين المقابر فى القرى. ومعدل سرعة الذئب بين 40- 44 كم/ ساعة. وله نفس طويل فى الجرى ففى استطاعته أن يجرى طول النهار دون راحة. ومنه القائب: وهو الذئب العواء. والعاسل: الذئب، والجمع العسل والعواسل، والأنثى عسلى. (ج) الأحكام الفقهية: كل ذى ناب من السباع ومخلب من الطيور يحرم أكل لحمه. (د) وإليك ما جاء فى شأن الذئب: [252] عن خبّاب بن الأرتّ قال: شكونا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو متوسّد بردة له فى ظلّ الكعبة قلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا! قال: «كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له فى الأرض فيجعل فيه، فيجاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 بالمنشار فيوضع على رأسه فيشقّ باثنتين وما يصدّه ذلك عن دينه، ويمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصدّه ذلك عن دينه، والله ليتمّنّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلّا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون» «1» . [253] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت لصاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الاخرى: إنما ذهب بابنك فتحاكما إلى داود- عليه السلام- فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود- عليهما السلام- فأخبرتاه فقال: ائتونى بالسكّين أشقّه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل- يرحمك الله هو ابنها، فقضى للصغرى» . قال أبو هريرة: «والله إن «2» سمعت بالسكين قط إلا يومئذ، وما كنا نقول إلا المدية» «3» . [254] روى الإمام أحمد والطبرانى بإسناد جيد أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «الشيطان ذئب الإنسان، كذئب الغنم يأخذ القاصية؛ إياكم والشّعاب، وعليكم بالعامة، والجماعة، والمساجد» «4» . [255] قال أبو هريرة: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «بينما راع فى غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعى حتى استنقذها منه   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الأنبياء- باب علامات النبوة فى الإسلام (4/ 244) ، وفى أبواب الفضائل- باب ما لقى النبى صلّى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة (5/ 65) ، وفى كتاب الإكراه- باب من اختار القتل والهوان على الكفر (9/ 26) . (2) إن: بمعنى ما، أى ما سمعت. (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الفرائض- باب إذا ادّعت المرأة ابنا (8/ 194) . (4) حديث صحيح رواه أحمد فى المسند (5/ 232- 233) من حديث معاذ بن جبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 فالتفت إليه الذئب فقال له: من لها يوم السّبع «1» يوم ليس لها راع غيرى فقال الناس: سبحان الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: فإنى أومن بذلك أنا وأبو بكر وعمر» «2» . [256] عن ابن كعب بن مالك الأنصارى عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ما ذئبان جائعان أرسلا فى غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشّرف لدينه» «3» . [257] عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يخرج فى اخر الزّمان رجال يختلون الدّنيا بالدّين؛ يلبسون للناس جلود الضّأن من الدّين، ألسنتهم أحلى من السّكّر وقلوبهم قلوب الذّئاب. يقول الله عزّ وجلّ- أبى يغترون أم علىّ يجترئون؟! فبى حلفت لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيرانا» «4» . [258] عن ابن عمر قال: أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بقتل الفأرة والغراب والذئب. قيل لابن عمر: الحية والعقرب؟ قال: قد كان يقال ذلك «5» .   (1) قوله: «من لها يوم السبع ... » قال ابن الأعرابى: السبع- بسكون الباء- الموضع الذى إليه يكون المحشر يوم القيامة، والسبع أيضا: الذّعر، يقال: سبع الذئب الغنم إذا فرسها، أى: من لها يوم الفزع، وقيل: هذا التفسير يفسد لقول الذئب فى تمام الحديث: يوم لا راعى لها غيرى، والذئب لا يكون راعيا يوم القيامة. وقيل: أراد من لها عند الفتن حين يتركها الناس هملا لا راعى لها نهبة للذئاب والسباع فجعل السبع لها راعيا إذ هو منفرد بها، ويكون حينئذ بضم الباء النهاية: (2/ 336) . (2) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب فضائل الصحابة- باب فضل أبو بكر (7/ 111) ، والترمذى فى كتاب الفتن (9/ 29) ، وأحمد فى مسنده (3/ 84) . (3) حديث صحيح.. رواه ابن المبارك فى الزهد (181) : 50- زوائد نعيم، وأحمد فى المسند (3/ 456، 460) ، والدارمى فى سننه (2730) 2/ 394، والترمذى فى جامعه، كتاب الزهد: (2482) 7/ 46، والبغوى فى شرح السنة (4054) 14/ 257، 258. (4) حديث ضعيف جدّا رواه الترمذى فى جامعه، كتاب الزهد، باب فى ذهاب البصر (2515) 7/ 84- 85 وفيه يحيى بن عبد الله بن موهب، قال الحافظ فى التقريب: «متروك» اهـ. (5) رواه أحمد فى مسنده 2/ 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 3- الذباب (أ) الذباب فى اللغة: الذباب: اسم يطلق على كثير من الحشرات المجنحة، منها: الذبابة المنزلية، وذبابة الخيل، وذبابة الفاكهة، وذبابة اللحم. والحمع أذبّة، وذبّان. ويقال: «فلان ذباب» إذا كثر التأذى به، و «أصابه ذباب هذا الأمر» «شره» . وذباب العين: إنسانها، يقال: «هو أعزّ من ذباب العين» وذباب السيف: حد طرفيه. والذّبابة واحدة الذباب. وذبابة الإبل: بعوضة تنقل نوعا من الحمى المتقطعة. ويقال: أرض مذبة: ذات ذباب، ويقال أيضا: مذبوبة. وسمى الذباب ذبابا لكثرة حركته، واضطرابه، وقيل: لأنه كلما ذبّ اب! وكنيته: «أبو حفص» و «أبو حكيم» ، و «أبو الحدرس» . (ب) طبائع الذباب: قال الجاحظ: هو من ذوات الخراطيم كالبعوض، وهو من الحيوانات الشمسية؛ لأنه يختفى شتاء ويظهر صيفا. حدث يحيى بن معاذ أن أبا جعفر المنصور كان جالسا، فألحّ على وجهه ذباب فأضجره! فقال: انظروا من بالباب؟ قالوا: مقاتل بن سليمان. فقال: علىّ به، فلما دخل عليه، قال له: هل تعلم لماذا خلق الله الذباب؟ قال: «نعم؛ ليذلّ به الجبابرة!» فسكت المنصور. والذباب عدو لا يستهان به وقد أجاد بعضهم فى التحذير من احتقار العدو بقوله: لا تحقرنّ عدوّا ألان جانبه ... وإن تراه ضعيف البطن والجلد فللذبابة فى الجرح الممدّ يد ... تنال ما قصرت عنه يد الأسد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 والذباب أجهل خلق الله؛ لأنه يلقى بنفسه فى التهلكة، وهو من الحشرات التى تنتمى إلى فئات قصار القرون، وهى تعيش فى كل بيئات الأرض، ولقد أحصى العلماء منه مائة ألف نوع! وتمتلك الذبابة جناحين أحدهما لازج، وفمها لادغ ماص، وتجويفها الصدرى كبير جدا مما يسهل لها الطيران لمسافات طويلة! ومن الغريب أن حركة أجنحة الذباب سريعة جدا لدرجة أنها تبلغ مئتين إلى ثلثمائة حركة فى الثانية الواحدة، وأقدام الذباب مجهزة عند أطرافها بأعضاء لاصقة، ولذا يتنقل الذباب بسهولة فائقة على الأشياء الملساء مثل الزجاج وغيره! وتبيض الذبابة ما بين 60- 150 بيضة فى وقت واحد، وبيضها أبيض ومائل إلى الطول. وقد ورد ذكر الذباب فى القران الكريم فى سورة الحج الاية رقم (73) . (ج) الحكم الشرعى: هو من الخبائث التى لا يحل أكلها وقد وردت أحاديث فى شأن ما يقع فيه الذباب من الطعام والشراب. (د) وإليك ما جاء فى الحديث الشريف فى شأن الذباب: [259] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: قال النبى صلّى الله عليه وسلم: «إذا وقع الذّباب فى شراب أحدكم فليغمسه ثمّ لينزعه فإنّ فى إحدى جناحيه داء والاخرى شفاء» «1» . [260] عن قتادة قال: جاءنا جابر بن عبد الله فى أهلنا ورجل يشتكى فقال: ما تشتكى؟ قال: خرّاج بى قد شقّ علىّ، فقال: يا غلام   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب بدء الخلق- باب إذا وقع الذباب فى شراب أحدكم (4/ 158) ، وفى كتاب الطب- باب إذا وقع الذباب فى الإناء (7/ 181) ، وأبو داود فى كتاب الأطعمة- باب فى الذباب يقع فى الطعام حديث (3844) ، والدارمى فى كتاب الأطعمة باب الذباب يقع فى الطعام (2/ 99) ، وأحمد فى مسنده (2/ 230) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 ائتنى بحجّام فقال له: ما تصنع بالحجام، يا أبا عبد الله؟ قال: أريد أن أعلق فيه محجما «1» قال: والله إنّ الذّباب ليصيا بنى أو يصيا بنى الثوب فيؤذينى ويشقّ علىّ، فلما رأى تبرّمه «2» من ذلك قال: إنى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «إن كان فى شىء من أدويتكم خير ففى شرطة محجم، أو شربة من عسل، أو لذعة بنار» قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «وما أحبّ أن أكتوى» قال: فجاء بحجّام فشرطه فذهب عنه ما يجد» «3» . [261] عن أبى هريرة عن النّبىّ صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا وقع الذّباب فى إناء أحدكم فليغمسه فإنّ فى أحد جناحيه داء وفى الاخر شفاء، وإنّه يتّقى بجناحه الّذى فيه الدّاء، فليغمسه كله» «4» . [262] عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول صلّى الله عليه وسلم: «ما من عبد مؤمن يخرج من عينيه دموع، وإن كان مثل رأس الذّباب من خشية الله ثمّ تصيب شيئا من حرّ وجهه إلّا حرّمه الله على النّار» «5» . [263] عن وائل بن جحر، قال: رانى النّبىّ صلّى الله عليه وسلم ولى شعر طويل. فقال: ذباب، ذباب، فانطلقت فأخذته. فرانى النّبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال: «إنّى لم أعنك وهذا أحسن» «6» .   (1) محجما: المحجم هى الالة التى يستخدمها الحجّام. (والقارورة التى يجمع فيها دم الحجامة) . (2) تبرمه: أى تضرره وتضجره. (3) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب السلام- باب لكل داء دواء واستحباب التداوى (7/ 21- 22) . (4) حديث صحيح ... رواه أبو داود فى كتاب الأطعمة- باب فى الذباب يقع فى الطعام حديث (3844) وقد تقدم قبله بحديث بلفظ اخر. (5) حديث ضعيف.. رواه ابن ماجه فى كتاب الزهد- باب الحزن والبكاء، حديث (4197) ، وقال فى الزوائد: فى إسناده حماد بن أبى حميد، ضعيف. (6) حديث صحيح.. رواه ابن ماجه فى كتاب اللباس- باب كراهية كثرة الشعر- حديث (3636) . قال فى النهاية: الذباب: الشؤم.. وقيل: الذباب: الشر الدائم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 [باب الراء] الراحلة (يرجع إلى الإبل) قال ابن قتيبة: الراحلة: النجيبة المختارة من الإبل للركوب وغيره؛ فهى كاملة الأوصاف؛ فإذا كانت فى إبل عرفت. وقال الأزهرى: الراحلة عند العرب: الجمل النجيب، والناقة النجيبة. وفى الحديث الصحيح الذى- رواه الشيخان: «الناس كإبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة» . وهو كناية عن قلّة الأخيار. وإليك ما جاء فى الحديث الشريف عن الراحلة. [264] عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: كان الفضل رديف رسول الله صلّى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه وجعل النبى صلّى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشّقّ الاخر، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده فى الحجّ أدركت أبى شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة «1» أفأحجّ عنه؟ قال: «نعم» «2» وذلك فى حجة الوداع. [265] عن جابر قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يصلّى على راحلته   (1) لا يثبت على الراحلة: أى لا يستطيع السير بالراحلة لكبر سنه. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الحج- باب وجوب الحج وفضله (2/ 163) ، وفى أبواب العمرة (3/ 23) ، ومسلم فى كتاب الحج- باب الحج عن العاجز لزمانه وهرمه (4/ 101) . فى الحديث فوائد منها: تحريم النظر إلى الأجنبية، ومنها النيابة فى الحج عن العاجز، ومنها جواز حج المرأة عن الرجل، ومنها جواز حج المرأة بلا محرم إذا أمنت على نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 حيث توجهت، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة» «1» . [266] عن عبد الله بن عمر- رضى الله عنهما- قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم راكبا راحلته بذى الحليفة، ثم يهلّ حين تستوى به قائمة» «2» .   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الصلاة- باب التوجه إلى القبلة حيث كان (1/ 110) . (2) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الحج- باب الإهلال من حيث تنبعث الراحلة (4/ 10) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 الرّخم طائر غزير الريش، أبيض اللون مبقع بسواد، له منقار طويل قليل التقوس.. رمادى اللون إلى الحمرة.. وأكثر من نصفه مغطى بجلد رقيق. وفتحة الأنف مستطيلة عارية من الريش، وله جناح طويل مذنّب يبلغ طوله حوالى نصف متر.. والذنب طويل به أربع عشرة ريشة.. والقدم ضعيفة، والمخالب متوسطة الطول، سوداء اللون. ما جاء فى الأحاديث النبوية عن الرخم : [267] لما حضر الموت أبا ذر، وهو بالربذة، بكت امرأته، فقال: ما يبكيك؟ قالت: أبكى لا يد لى بنفسك، وليس عندى ثوب يسعك كفنا. فقال: لا تبكى، فإنى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم وأنا عنده فى نفر يقول: «ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض، يشهده عصابة من المؤمنين» .. قال: فكل من كان معى فى ذلك المجلس مات فى جماعة وفرقة، فلم يبق منهم غيرى، وقد أصبحت بالفلاة أموت.. فراقبى الطريق، فإنك سوف ترين ما أقول، فإنى والله ما كذبت ولا كذبت. قالت: وأنّى ذلك، وقد انقطع الحاج؟! قال: راقبى الطريق.. فبينما هى كذلك، إذ هى بقوم تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم، فأقبل القوم حتى وقفوا عليها.. فقالوا: ما لك؟ قالت: امرؤ من المسلمين تكفنونه وتؤجرون فيه. قالوا: ومن هو؟ قالت: أبو ذر. ففدوه بابائهم وأمهاتهم.. ووضعوا سياطهم فى نحورها يبتدرونه.. فقال: أبشروا، أنتم النفر الذين قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيكم ما قال ... الحديث «1» .   (1) رواه أحمد فى مسنده، 5/ 166، وتخب: تسرع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 [باب الزّاى] 1- الزّاغ: (مع الغراب) . 2- الزاقى - الديك (مع الدجاج) . 3- الزّامور - (مع الحوت) . 4- الزّبابة - الفأرة البرية (مع الفأر) . 5- الزّرزور - طائر من نوع العصفور (مع العصفور) . 6- الزّغلول فرخ الحمام ما دام يزقّ (مع الحمام) . 7- الزّنبور (مع النحل) . 8- الزّندبيل - الفيل الكبير (مع الفيل) . 9- الزواحف وإليك البيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 1- الزواحف ( الثعابين - الحيات- الضب- العقرب- الوزغ) (أ) الزواحف فى اللغة: الزواحف طائفة من الفقاريات الباردات الدم، تتنفس الهواء، ومنها الثعابين والحيات والعظاء والضّبّ والوزغ. والثعبان: الكبير من الحيات (ذكرا كان أو أنثى) . والجمع الثعابين. والثّعبة: ضرب من الوزغ. والحية: اسم يطلق على الذكر والأنثى، فإن أردت التمييز قلت: هذا حية ذكر، وهذه حية أنثى. والنسبة إلى الحيّة: حيوىّ. والحيّوت ذكر الحيات. وذكر ابن خالويه لها مائتى اسم! (ب) طبائع الزواحف: هناك زواحف بائدة كانت لها السيادة الكاملة فى البر والبحر والجو، حتى إنه أطلق على ذلك الوقت اسم «عصر الزواحف» ، ولم يبق منها إلا رتبة واحدة هى رتبة: الرنكوسفاليا (الحفرى الحى) ، ويقتصر وجوده حاليا على نيوزيلاندا. وهو نوع واحد صغير الحجم يصل طوله إلى ما يقرب من ستين سنتيمترا، وهو البقية الباقية من عصر مضى وانقضى. أما الزواحف المعاصرة فتضم الرتب التالية: 1- رتبة العظاات والذى يعنينا منها الضب والوزغ. 2- رتبة الثعابين وينضوى تحتها ما جاء فى السنة النبوية عن الثعابين والحيات، وكل ما ورد من مسميات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 إن الثعبان اسم عام لكل حيوان من مرتبة الثعابين، رتبة الحرشفيات من الزواحف- كما جاء فى المعجم الوسيط- يتميز بجسمه الطويل غير ذى الأرجل، المغطى بفلوس قرنية، وهو أنواع، ويوجد منها ما يقرب من 3000 نوع فى مختلف أنحاء العالم، وهى أبغض الحيوانات إلى قلوب الناس. كما أن الحيات جمع حية؛ رتبة من الزواحف منها أنواع كثيرة: كالثعبان، والأفعى، والصّل، والأرقم، والأبتر، والشجاع، والأزبّ، والأرقش، والأفعوان، وذو الطّفيتين، والأرقط، والجنّان، والأسودة، والحنش. هذا وينتمى الضب والوزغ إلى رتبة العظاات. وتأتى بعدهما الثعابين والحيات على اختلاف المسميات. وعلينا أن نلقى الأضواء على ما جاء منها فى الأحاديث الشريفة؛ لتكون أعرف بها عندما نرطب ألسنتنا بها. فالأبتر: من الحيات القصيرة الذنب. والأرقم: ذكر الحيات وأخبثها. والأسود: العظيم من الحيات، وفيه سواد، وهو أخبثها وأنكاها. ويقال له: أسود سالخ، لأنه يسلخ جلده كل عام. والجمع أساود. والأفعى: حية من شرار الحيات رقشاء دقيقة العنق، عريضة الرأس، قاتلة السّم. والجمع أفاع. والجنّان: الحيات الصغيرة، وقيل الحية الخفيفة البيضاء. والحنش: حية عظيمة سوداء ليست من ذوات السموم، وما أشبه رأسه رأس الحيات من الحرابى، وسوام أبرص ونحوها. وأما ذو الطّفيتين وذات الطّفيتين: فهى حية لينة خبيثة قصيرة الذنب على ظهرها خطان شبيهان بالخوصتين. وأما الشجاع الأقرع: فحية عظيمة تثب على الفارس والراجل وتقوم على ذنبها، وربما بلغت رأس الفارس وتكون فى الصحارى! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 الثعابين تأتى الثعابين بشتى أجناسها وأنواعها فى الرتبة الثالثة من الطائفة المعروفة بالزواحف بعد السلاحف والسحالى وتعقبها فى المرتبة الرابعة التماسيح. ومن العلماء من يجمع بين السحالى والثعابين فى رتبة واحدة. إن للزواحف أرجلا قصارا، وكلما قصرت اقترب بطنها من الأرض، فكانت الحركة زحفا على البطن، وأصدق الزواحف زحفا الثعابين حيث افتقدت الأرجل! وقد عد العلماء من أنواع الثعابين الافا، وأخشى ما يخشاه الإنسان من الثعبان سمه، وكثير من الثعابين غير سام. ومن الثعابين ثعابين تعرف بالعاصرة وهى أكبرها تلتف على ضحيتها التفافا، وتعصرها عصرا، فتحبس عنها الأنفاس فتختنق وتموت كالبيثون أو «الأصلة» ، والثعبان الكبير يصيد جديا أو غزالا. ومن أشهر أنواع الثعابين الطويلة: «البوا» يبلغ طولها فى المتوسط عشرين قدما، وهناك حية الصخر الهندية، وحية الصخر الإفريقية. وكثيرا ما نسمع أن الثعابين تلدغ بألسنتها، والحقيقة أن لسان الثعبان ناعم ولا خطر منه، وإنما الثعابين جميعها بلا استثناء تعقر، وسن الثعابين قد يجرح ويسبب الوفاة مثل خدش القط. وتستخدم الثعابين السامة مثل الكوبرا أو الأفعى أسنانا خاصة فى عقر الضحية هى الأنياب فى الفك العلوى، وهى مفرغة تعمل كحقنة الطبيب حيث تفرز غدة خاصة فى الأفعى السّم، وترسله إلى الناب المجوف الذى يحقنه بدوره فى جسم الضحية. وقد عرفنا من القران الكريم كيف تحولت عصا موسى- عليه السلام- إلى حَيَّةٌ تَسْعى «1» وإلى ثُعْبانٌ مُبِينٌ «2» يبتلع كل ما قدمه السحرة من فنون الإفك والبهتان، وما ذلك إلا لأن الثعابين على اختلاف أنواعها تعتبر من أقدر الحيوانات على بث الرعب والفزع فى نفوس الناس أجمعين!   (1) سورة طه (بعض الاية رقم 20) . (2) سورة الأعراف: 107، والشعراء: 132. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 ويمكن التعرف على الثعابين السامة بملاحظة انتفاخ جانبى الرأس خلف العينين، وذلك لاحتوائهما على غدتين كبيرتين للسم. وإليك مزيدا من التفصيل. يوجد فى مصر ما يقرب من ثلاثين نوعا من الثعابين من أشهرها وأكثرها انتشارا: الدساس المصرى، والأرقم، والثعبان اكل البيض، والكوبرا، والحية القرناء، والحية الزعراء. والحية القرناء من الثعابين الولودة، وهى تلد فى المرة الواحدة من خمسة إلى خمس عشرة حية صغيرة، وقد يصل العدد أحيانا إلى عشرين أو أكثر. وإذا كانت الثعابين ليست كلها سامة، فإن الحيات الموجودة فى مصر كلها سامة جدا. وقد أشير إلى عصا موسى- عليه السلام- فى موضع من القران الكريم بأنها تحولت إلى حَيَّةٌ تَسْعى وفى موضعين اخرين بأنها تحولت إلى ثُعْبانٌ مُبِينٌ. والثعبان هو الاسم العام لمجموعة من الزواحف التى يعرفها كل إنسان فى حين أن الحية تقتصر على أنواع خاصة من تلك الثعابين، ولها مواصفات خاصة، وتختلف بعض الاختلاف عن بقية الثعابين الاخرى، ولكنها جميعا تمتاز بأجسام طويلة تزحف بها على سطح الأرض فى حركات تموجية لا تشاهد فى غيرها من الحيوانات الأرضية، وعلى خلاف الاعتقاد السائد بين عامة الناس بأن جميع الثعابين من الحيوانات السامة، فإن الواقع غير ذلك على الإطلاق. فمنها- على سبيل المثال- الثعابين اكلة البيض وهى ثعابين غير سامة على الإطلاق، ولا تهاجم أى إنسان، بل يقرر المشتغلون بدراسة الثعابين أن الثعابين السامة التى تحمل فى أنيابها السم الزّعاف أقل عددا من تلك التى لا تحمل أى نوع من السموم على الإطلاق؛ أو تلك التى لا تكون مزودة إلا بسموم ضعيفة لا تضر الإنسان، ولكنها تكفى لقتل صغار الحيوان كالضفادع، والفيران، وغيرها. والزواحف بصفة عامة- بطيئة الحركة، لا تنتقل كثيرا من بيئتها الطبيعية، وسميت كذلك لأنها تزحف ببطنها على سطح الأرض، ويوجد منها ما يقرب من ستة الاف نوع منتشرة فى مختلف أنحاء العالم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 والواقع أن أرجل الزواحف ضعيفة عادة، ولا تكاد تقوى على حمل الجسم بعيدا عن سطح الأرض، وقد تكون الأرجل غير موجودة كما فى الثعابين بكافة أنواعها. وأيضا فى بعض أنواع العظاات (السحالى) ثعبانية الشكل، فى مثل هذه الكائنات «عديمة الأطراف» يكون ارتكاز الحيوان ببطنه على سطح الأرض ارتكازا كاملا، وهى تزحف على هذا السطح مستخدمة فى ذلك عضلاتها الجسمية القوية التى تدفعها إلى الأمام فى حركات تموجية، أو أنها قد تحفر لنفسها أنفاقا تحت سطح الأرض تعيش بداخلها وتعرف عندئذ «بالزواحف الحفارة» . وتمتاز الزواحف عن جميع الحيوانات الفقارية الاخرى بأن أجسامها مغطاة من الخارج بقشور قرنية صلبة تنتشر على جميع أجزاء جسمها بما فى ذلك الأطراف والذنب. وتوصف الزواحف أيضا بأنها من الحيوانات الفقارية، إذ يحتوى جسم كل منها على «عمود فقارى» يشبه العمود الفقارى الموجود فى أجسامنا عند الظهر. وبينما يتركب العمود الفقرى فى الإنسان من 26 فقرة، إذ هو فى الزواحف يتوقف على طول الجسم فى الزواحف، فقد يصل عدد الفقرات إلى 400 فقرة فى بعض الثعابين الطويلة. تمتد متناسقة الواحدة منها خلف الاخرى فى نظام دقيق من خلف الرأس إلى نهاية الذنب. وتوصف الزواحف أيضا بأنها حيوانات من ذوات الدم البارد مثلها فى ذلك مثل الأسماك والبرمائيات. ترتبط درجة حرارة أجسامها بدرجة حرارة الوسط الذى تعيش فيه، ولذلك تتوقف نشاطات هذه الحيوانات توقفا كاملا عندما يصبح الجو شديد البرودة، فهى تلجأ إلى «البيات الشتوى» حيث تختبئ تحت الصخور أو فى داخل التجويفات والأنفاق الأرضية، وتظل كامنة فى مخابئها حتى يأتى الربيع، وتستهلك فى تلك الفترة الدهون والمواد الغذائية المختزنة التى حصلت عليها خلال فترة نشاطها. والزواحف عموما تميل إلى الحرارة أكثر مما تميل إلى البرودة، ولهذا نراها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 تنتشر فى المناطق الاستوائية، وتقل تدريجيا كلما اتجهنا إلى الشمال أو الجنوب بعد خط الاستواء. وتتكاثر معظم الزواحف بالبيض حيث تضع الأنثى عددا من هذا البيض كما تفعل الطيور، ويتم تكوين الجنين خارج جسم الأنثى. يبقى معنا من الزواحف التى وردت فى السنة الشريفة: «الضّب» : وهو حيوان برىّ معروف، قريب الشبه من الحرباء، لا يحفر جحره إلا عند أكمة أو صخرة لئلا يضل عنه، إذا خرج لطلب المطعم. وهو طويل العمر، وذنبه كثير العقد، ولهذا قالت العرب: «أعقد من ذنب الضب» . أما «العقرب» : فهى من الهوام، وتطلق على الذكر والأنثى، والجمع عقارب، ويقال للأنثى: عقربة، وعقرباء، ويصغر على عقيرب، والذكر عقربان. ومنها السود والخضر، والصفر، وهى قواتل، وأشدها بلاء الخضر، ولها ثمانية أرجل. ويقول الدميرى: ومن عجيب أمرها أنها تقتل الفيل والبعير بلسعها. يبقى معنا «الوزغ» : جمع وزغة، وهى دويبة معروفة، وهى وسام أبرص جنس هو كباره. وجمع الوزغة: وزغ، وأوزاغ، ووزغان، وإزغان. ومن طبعه ألا يدخل بيتا فيه رائحة الزعفران، وتألفه الحيات، كما تألف العقارب الخنافس. ويبيض كما تبيض الحيات. (ج) الأحكام الفقهية: 1- يحرم أكل العقرب وبيعها، وتقتل فى الحل والحرم، وإذا ماتت فى مائع نجسته على المشهور. 2- يحل أكل الضب بالإجماع. ولا يؤكل من الحشرات غيره. فقد جاء فى الفقه على المذاهب الأربعة «كتاب الحظر والإباحة» يحرم أكل حشرات الأرض (صغار دوابها) كعقرب وثعبان، وفأرة، وضفدع، ونمل، ونحو ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وقالت المالكية: لا نزاع عندهم فى تحريم كل ما يضر فلا يجوز أكل الحشرات الضارة قولا واحدا. أما إذا اعتاد قوم أكلها ولم تضرهم، وقبلتها أنفسهم، فالمشهور عندهم أنها لا تحرم. ونقل عن بعض المالكية تحريم الحشرات مطلقا لأنها من الخبائث وهو وجيه. وقد أجاب الإمام ابن تيمية عن حكم أكل الحيات والثعابين فى الفتاوى الكبرى فقال: «أكل الخبائث، وأكل الحيات والعقارب حرام بإجماع المسلمين، فمن أكل مستحلا لذلك يستتاب فإن تاب وإلا قتل، ومن اعتقد التحريم وأكلها فإنه فاسق عاص لله ورسوله، فكيف يكون رجلا صالحا؟!» . قال فى المغنى: ولا يجوز بيع الترياق الذى فيه لحوم الحيات، لأن نفعه إنما يحصل بالأكل وهو محرم؛ فخلا من نفع مباح، فلم يجز بيعه كالميتة، ولا يجوز التداوى به ولا بسم الأفاعى. وإليك ما جاء فى السنة الشريفة من أحاديث تتناول الزواحف: [268] عن سليمان بن يسار «أنّ سائبة «1» أعتقه بعض الحجّاج، فقتل ابن رجل من بنى عائذ، فجاء العائذى أبو المقتول إلى عمر بن الخطّاب يطلب دية ابنه، فقال عمر: لا دية له، فقال العائذى: أرأيت لو قتله ابنى؟ فقال عمر: إذا تخرجون ديته. فقال: هو إذا كالأرقم، إن يترك يلقم «2» ، وإن يقتل ينقم «3» » «4» . [269] عن عبد الله- رضى الله عنه- قال: بينما نحن مع النبى صلّى الله عليه وسلّم فى غار بمنى إذ نزلت عليه «المرسلات» ، وإنه ليتلوها وإنى لأتلقاها من فيه، وإن فاه لرطب بها، إذ وثبت علينا حيّة، فقال النبى صلّى الله عليه وسلّم: «اقتلوها» ،   (1) السائبة: العبد، كان الرجل إذا قال لعبده: أنت سائبة، عتق ولا يكون ولاؤه له، بل يضع ماله حيث شاء. (2) أصل اللقم: الأكل بسرعة. (3) المعنى: إن تركت قتله قتلك. وإن قتلته كان له من ينتقم منك. (4) رواه الإمام مالك فى الموطأ- كتاب العقول- حديث (16) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 فابتدرناها، فذهبت فقال النبى صلّى الله عليه وسلّم: «وقيت شركم كما وقيتم شرها» «1» . [270] قال ابن عباس- رضى الله عنهما- الثعبان: الحية الذكر منها يقال الحيات أجناس: الجان، والأفاعى، والأساود «2» » «3» . [271] عن نافع: «أن أبا لبابة كلم ابن عمر ليفتح له بابا فى داره يستقرب به إلى المسجد، فوجد الغلمة جلد جانّ، فقال عبد الله: التمسوه فاقتلوه، فقال أبو لبابة: لا تقتلوه فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن قتل الجنّان «4» الّتى فى البيوت» «5» . [272] عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا غزا أو سافر فأدركه الليل قال: «يا أرض، ربى وربك الله، أعوذ بالله من شرّك وشر ما فيك، وشر ما خلق فيك، وشر ما دبّ عليك. أعوذ بالله من شر كل أسد، وأسود وحية وعقرب، ومن شر ساكن البلد، ومن شر والد وما ولد» «6» . [273] عن جابر بن عبد الله قال: «رخّص النبى صلّى الله عليه وسلّم لال حزم فى رقية الحيّة. وقال لأسماء بنت عميس: ما لى أرى أجسام بنى أخى   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى أبواب العمرة- باب ما يقتل المحرم من الدواب (3/ 17) ، وفى كتاب التفسير- باب سورة المرسلات (6/ 204) . (2) الأساود: هو العظيم من الحيات، تسمى أسودا لسواد لونها. (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب بدء الخلق (4/ 154) . (4) الجنان: هى الحيات الصغيرة، وقيل: هى الحية الصغيرة الخفيفة الرقيقة البيضاء. (5) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب السلام- باب قتل الحيات (7/ 38- 39) . (6) رواه أحمد فى مسنده 25/ 132.. والأسود: العظيم من الحيات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 ضارعة «1» تصيبهم الحاجة. قالت: لا ولكن العين تسرع إليهم. قال: ارقيهم. قالت: فعرضت عليه. فقال: ارقيهم» «2» . [274] عن عبد الله بن الحارث الزبيدى قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن فى النار حيات كأمثال أعناق البخت «3» تلسع إحداهن اللسعة، فيجد حموّتها «4» أربعين خريفا، وإن فى النار عقارب كأمثال البغال الموكفة «5» تلسع إحداهن اللسعة فيجد حموّتها أربعين سنة» «6» . [275] عن ابن أبى قتادة عن أبيه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «من قعد على فراش مغيبة «7» قيض الله له يوم القيامة ثعبانا» «8» . [276] عن ابن عمر- رضى الله عنهما- أنّه سمع النّبىّ صلّى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يقول: «اقتلوا الحيّات واقتلوا ذا الطّفيتين والأبتر فإنّهما يطمسان البصر ويستسقطان الحبل» . قال عبد الله: فبينا أنا أطارد حيّه لأقتلها فنادانى أبو لبابة: لا تقتلها. فقلت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد أمر بقتل الحيّات. قال إنّه نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت وهى العوامر» «9» . [277] عن هشام بن زهرة أنّه دخل على أبى سعيد الخدرىّ فى   (1) ضارعة: أى نحيلة ونحيفة مصابة بالهزال. (2) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب السلام- باب الرقية من العين والنملة والحمة (5/ 46) . (3) أعناق البخت: أى أعناق الإبل الخراسانية، وهى إبل طويلة الأعناق. (4) حموّتها: حموّة الألم: سورته. (5) الموكفة: التى عليها وكاف (البرذعة) . (6) رواه أحمد فى مسنده (4/ 191) بسند ضعيف. (7) المغيبة: هى التى غاب عنها زوجها، أراد من قام بارتكاب الزنا مع زوجة غيره. (8) حديث ضعيف أخرجه الإمام أحمد فى مسنده (5/ 300) . (9) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب بدء الخلق- باب قول الله تعالى: وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ (4/ 154) ، ومسلم فى كتاب السلام- باب قتل الحيات، حديث (129) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 بيته. قال فوجدته يصلّى فجلست أنتظره حتّى يقضى صلاته، فسمعت تحريكا فى عراجين «1» فى ناحية البيت فالتفتّ فإذا حيّة، فوثبت لأقتلها، فأشار إلىّ: أن اجلس، فجلست فلمّا انصرف أشار إلى بيت فى الدّار. فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم. قال: كان فيه فتى منّا حديث عهد بعرس. قال فخرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأنصاف النّهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يوما، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «خذ عليك سلاحك، فإنّى أخشى عليك قريظة» فأخذ الرّجل سلاحه، ثمّ رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة، فأهوى إليها الرّمح ليطعنها به، وأصابته غيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتّى تنظر ما الّذى أخرجنى، فدخل فإذا بحيّة عظيمة منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرّمح فانتظمها به، ثمّ خرج فركزه فى الدّار، فاضطربت عليه، فما يدرى أيّهما كان أسرع موتا الحيّة أم الفتى؟ قال فجئنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، وقلنا: ادع الله يحييه لنا. فقال: «استغفروا لصاحبكم» ، ثمّ قال: «إنّ بالمدينة جنّا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئا فاذنوه «2» ثلاثة أيّام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنّما هو شيطان» «3» . [278] عن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ما من رجل له مال لا يؤدّى حقّ ماله إلّا جعل له طوقا فى عنقه شجاع أقرع وهو يفرّ منه وهو يتبعه ثمّ قرأ مصداقه من كتاب الله عزّ وجلّ وَلا يَحْسَبَنَ   (1) العراجين: أراد بها الأعواد التى فى سقف البيت، والعرجون هو العود الأصفر. (2) فاذنوه: هو من الإيذان بمعنى الإعلام. (3) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب السلام- باب قتل الحيات (5/ 97) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ «1» . [279] عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدّى حقّها إلّا وقف لها يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه ذات الأظلاف بأظلافها وتنطحه ذات القرون بقرونها ليس فيها يومئذ جمّاء «2» ولا مكسورة القرن، قلنا: يا رسول الله وماذا حقّها؟ «3» قال: إطراق فحلها «4» ، وإعارة دلوها «5» ، وحمل عليها فى سبيل الله، ولا صاحب مال لا يؤدّى حقّه إلّا يخيّل له يوم القيامة شجاع أقرع يفرّ منه صاحبه وهو يتّبعه يقول له هذا كنزك الّذى كنت تبخل به فإذا رأى أنّه لا بدّ له منه أدخل يده فى فيه فجعل يقضمها كما يقضم الفحل» «6» . [280] عن جابر قال: كان لى خال يرقى من العقرب، فنهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن الرّقى، قال: فأتاه فقال: يا رسول الله: إنك نهيت عن الرّقى، وأنا أرقى من العقرب، فقال: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل» «7» .   (1) حديث صحيح.. رواه النسائى فى كتاب الزكاة- باب التغليظ فى حبس الزكاة (5/ 11- 12) ، وابن ماجه فى الزكاة- باب ما جاء فى منع الزكاة (1784) . (2) الجماء: الشاة التى لا قرن لها. (3) أى ما هو الحق الواجب فيها. (4) أى إعارته للضّراب. (5) إعارة دلوها: وذلك لإخراج الماء من البئر لمن يحتاج إليه. (6) حديث صحيح.. رواه مسلم فى صحيحه فى كتاب الزكاة- باب مانع الزكاة، حديث (27) ، والنسائى فى الزكاة- باب مانع زكاة البقر (5/ 27) . (7) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب السلام- باب استحباب الرقية، حديث (62) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 [281] عن عائشة قالت: «رخّص رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الرّقية من الحيّة والعقرب» «1» . [282] عن عائشة قالت: لدغت النّبىّ صلّى الله عليه وسلم عقرب وهو فى الصّلاة فقال: «لعن الله العقرب، ما تدع المصلّى وغير المصلّى، اقتلوها فى الحلّ والحرم» «2» . [283] عن ابن أبى رافع عن أبيه عن جدّه أنّ النّبىّ صلّى الله عليه وسلم قتل عقربا وهو فى الصّلاة» «3» . [284] عن عائشة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «الحيّة فاسقة والعقرب فاسقة، والفأرة فاسقة، والغراب فاسق» فقيل للقاسم: أيؤكل الغراب؟ قال: «من يأكله بعد قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاسقا» «4» . [285] عن أبى هريرة قال: لدغت عقرب رجلا فلم ينم ليلته، فقيل للنّبىّ صلّى الله عليه وسلم إنّ فلانا لدغته عقرب فلم ينم ليلته. فقال: «أما إنّه لو قال حين أمسى: أعوذ بكلمات الله التّامّات من شرّ ما خلق، ما ضرّه لدغ عقرب حتّى يصبح» «5» .   (1) حديث حسن.. رواه ابن ماجه فى كتاب الطب- باب رقية الحية والعقرب، حديث (3517) . (2) حديث حسن.. رواه ابن ماجه فى كتاب الصلاة- باب ما جاء فى قتل الحية والعقرب فى الصلاة، حديث (1246) وقال فى الزوائد: فى إسناده الحكم بن عبد الملك، وهو ضعيف، لكن لا ينفرد به الحكم، فقد رواه ابن خزيمة فى صحيحه عن محمد بن بشار عن محمد بن جعفر عن شعبة عن قتادة به وله شاهد جيد من حديث على رضى الله عنه، ورواه الطبرانى فى المعجم الصغير (830) 2/ 87، وقال الهيثمى فى المجمع (5/ 111) «إسناده حسن» . (3) حديث ضعيف.. رواه ابن ماجه فى كتاب الصلاة- باب ما جاء فى قتل الحية والعقرب فى الصلاة، حديث (1247) ، وقال فى الزوائد: فى إسناده مندل وهو ضعيف. (4) حديث ضعيف.. رواه ابن ماجه فى كتاب الصيد- باب الغراب، حديث (3249) ، وقال البوصيرى فى الزوائد: رجال إسناده ثقات، إلا أن المسعودى اختلط باخره، ولم نعلم هل روى الأنصارى هذا عن المسعودى قبل الاختلاط أو بعده؟ (5) حديث صحيح.. رواه ابن ماجه فى كتاب الطب- باب رقية الحية والعقرب، حديث (3518) ، وقال فى الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات. وانظر: صحيح ابن ماجه للألبانى (2/ 267) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 [286] روى الطبرانىّ وأبو يعلى الموصلىّ عن عائشة- رضى الله تعالى عنها قالت: «دخل على بن أبى طالب على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يصلّى، فقام إلى جنبه، فصلّى بصلاته، فجاءت عقرب حتّى انتهت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم تركته وذهبت نحو على فضربها بنعله حتى قتلها، فلم ير رسول الله صلّى الله عليه وسلم بقتلها بأسا» «1» . [287] وروى ابن ماجه عن أبى رافع: «أن النبى صلّى الله عليه وسلم قتل عقربا وهو يصلّى» «2» . [288] وروى الحافظ أبو نعيم فى «تاريخ أصبهان» والمستغفرى فى «الدعوات» ، والبيهقى فى «الشّعب» عن علىّ- رضى الله عنه- قال: لدغت النبى صلّى الله عليه وسلم عقرب وهو فى الصلاة، فلما فرغ من صلاته قال: «لعن الله العقرب، ما تدع مصلّيا ولا غيره إلا لدغته، وتناول نعله فقتلها به، ثم دعا بماء وملح فجعل يمسح عليها ويقرأ: قل هو الله أحد والمعوّذتين» «3» . [289] وفى «تاريخ نيسابور» عن الضحاك بن قيس الفهرى قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الليل يتهجد، فلدغته عقرب فى أصبعه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لعن الله العقرب ما تكاد تدع أحدا» ثم دعا بماء فى قدح، وقرأ عليه: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» ، ثلاث مرات، ثم صبّه على أصبعه، ثم صلّى بعد ذلك على المنبر عاصبا إصبعه من لدغة العقرب «4» . [290] وفى عوارف المعارف عن عائشة- رضى الله عنها قالت:   (1) فى إسناده عبد الله بن صالح كاتب الليث، وهو فيه ضعف. هذا ويحرم أكل العقرب وبيعها، وتقتل فى الحل والحرم، وإذا ماتت فى مائع نجسته على المشهور. (2) حديث ضعيف.. أخرجه ابن ماجه (1247) ، وفى سنده مندل بن علىّ العنزى، ضعيف الحديث. (3) حديث ضعيف.. أخرجه البيهقى فى «الشعب» (2575- 2576) . (4) حديث ضعيف هو الاخر، وتاريخ نيسابور لأبى أحمد الحاكم، وهو غير الحاكم صاحب «المستدرك» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 لدغت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عقرب فى إبهامه من رجله اليسرى فقال: «علىّ بذاك الأبيض الّذى يكون فى العجين» ؛ فجئنا بملح، فوضعه صلّى الله عليه وسلم فى كفه، ثم لعق منه ثلاث لعقات، ثم وضع بقيته على اللدغة فسكنت عنه «1» . [291] وروى ابن أبى شيبة عن جابر بن عبد الله أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم خطب الناس وهو عاصب أصبعه من لدغة العقرب فقال: «إنكم تقولون: لا عدوى، ولا تزالون تقاتلون عدوّا حتّى تقاتلوا يأجوج ومأجوج عراض الوجوه، صغار العيون، صهب الشعاف من كل حدب ينسلون، وكأن وجوههم المجانّ المطرقة» «2» . تفصيل القول فى قتل الحيات مما سبق نجد أن فى بعض الأحاديث نهى عن قتل الحيات إلا بعد إنذارها.. وفى بعضها الاخر أمر يقتلها، وفى تفصيل ذلك يقول الإمام النووى رحمه الله: قال المازرى: لا تقتل حيات مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلا بإنذارها، كما جاء فى هذه الأحاديث.. فإن أنذرها ولم تنصرف قتلها.. أما حيات غير المدينة فى جميع الأرض والبيوت والدور فيندب قتلها من غير إنذار لعموم الأحاديث الصحيحة فى الأمر بقتلها. ففى هذه الأحاديث: اقتلوا الحيات.. وفى الحديث الاخر: خمس يقتلهن فى الحل والحرم، منها الحية، ولم يذكر إنذارا.. وفى حديث الحية الخارجة بمنى أنه صلّى الله عليه وسلم أمر بقتلها، ولم يذكر إنذارا، ولا نقل أنهم أنذورها. قالوا: فأخذ بهذه الأحاديث استحباب قتل الحيات مطلقا، وخصت المدينة بالإنذار للحديث الوارد فيها، وسببه صرح به فى الحديث، أنه أسلم طائفة من الجن بها ا. هـ.   (1) ورد هذا الحديث فى «عوارف المعارف» (5/ 176) بدون سند، لذا فلم أستطيع الحكم عليه. (2) حديث صحيح.. أخرجه ابن أبى شيبة (12/ 504) . والشعاف: أى: صهب الشعور، والصهبة: حمرة يعلوها سواد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 [باب السين] يضم هذا الباب: 1- ساق حرّ: وهو ذكر القمارىّ (انظر الحمام) . 2- السّالخ: وهو الأسود من الحيات (انظر الزواحف) . 3- سامّ أبرص: وهو من كبار الوزغ (انظر الزواحف) . 4- السانح والبارح. 5- السّباع- الضّبع- الفهد- النمر. 6- السخلة: الأرنب الصغيرة التى ارتفعت عن الخرنق (انظر الأرنب) . 7- السّخلة: ولد الشاة من الضأن أو المعز (انظر الغنم والماعز) . 8- السّرفة: الأرضة (انظر الأرضة) . 9- السّقب: ولد الناقة أو ساعة يولد (انظر الإبل) . 10- السّلوى: طائر أبيض مثل السّمانى. 11- السمك: (انظر الحوت) . 12- السّنور. 13- السيد: من أسماء الذئب، والسّيده: الذئب (انظر الذئب) . وإليك بيان ما لم يسبق بيانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 1- السّباع (أ) السباع فى اللغة: السّبع- بضم الباء أو بسكونها- كل ما له ناب ويعدو على الناس والدواب فيفترسها كالأسد، والذئب والنمر، وكل ما له مخلب. والأنثى سبعة، والجمع سباع وأسبع، وسبوع. والأرض المسبعة: كثيرة السباع. (ب) الطباع: ومن طرائف التسمية أنه إنما سمى سبعا، لأنه يمكث فى بطن أمه سبعة أشهر، ولا تلد الأنثى أكثر من سبعة أولاد، ولا ينزو الذكر على الأنثى إلا بعد سبع سنين! هكذا ذكر الدميرى، وفى هذا الكلام نظر كثير!. ومن الطرائف فى هذا المجال عن «وادى السباع» أن وائل بن قاسط همّ بأسماء بنت رويم حين مرّ بها بطريق الرّقة، فراها منفردة فى خبائها، فقالت: والله لئن هممت بى لأدعون أسبعى! فقال: ما أرى فى الوادى سواك! فصاحت ببنيها: يا كلب، يا ذئب، يا فهد، يا دبّ، يا سرحان، يا أسد، يا سبع، يا ضبع، يا نمر، فجاؤا يتعادون بالسيوف فلما راهم مقبلين من بعيد هرب وهو يقول: ما هذا إلا وادى السباع!! (ج) الأحكام الفقهية: من الطرائف فى هذا المجال: حكى القشيرى عن بنان الجمال، أنه ألقى بين يدى سبع، فجعل السبع يشمّه ولا يضره، فلما خرج قيل له: ما الذى كان فى قلبك حين شمك السّبع؟ فقال: كنت أتفكر فى اختلاف العلماء فى سؤر «1» السبع.   (1) السؤر: ما يبقى فى الإناء بعد الشرب منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 ويحرم أكل كل ذى ناب من السباع يتقوى به، ويصول على غيره، ويصطاد ويعدو بطبعه غالبا، وما بقى لنا من ماء بعدها فهو طهور وشراب، ولا يصح بيع السباع التى لا تنفع، وقيل: يجوز بيعها؛ لأجل جلودها. وقد روى النسائى وأبو داود ما يفيد النهى عن لبس جلودها. ويكره ركوب السباع لما روى ابن عدى فى ترجمة إسماعيل بن عياش من حديث المقدام بن معد يكرب قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن ركوب السباع» . (د) الأحاديث الواردة فى شأن السباع: [292] عن أبى هريرة قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم أقبل على النّاس فقال: «وبينما رجل فى غنمه إذ عدا الذّئب فذهب منها بشاة فطلب حتّى كأنّه استنقذها منه، فقال له الذئب: هذا استنقذتها منى فمن لها يوم السّبع يوم لا راعى لها غيرى؟ فقال الناس: سبحان الله ذئب يتكلم! قال: فإنى أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر» وما هما «1» ثمّ. [293] عن عائشة: «أن النبى صلّى الله عليه وسلم كان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع وكان يختم الصلاة بالتسليم» «2» . [294] عن أبى ثعلبة الخشنى قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن أكل كل ذى ناب من السباع» «3» .   (1) قوله: «من لها يوم السبع» : أى إذا أخذها السبع المفترس من الحيوان يوم الفتن. وما هما ثمّ: أى ليسا حاضرين، وهذا من كلام الراوى، وقيل: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم إنما قال ذلك ثقة بهما لعلمه بصدق إيمانهما وقوة يقينهما. والحديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الأنبياء- باب حدثنا أبو اليمان حديث (3471) . (2) عقبة الشيطان: هو أن يلصق أليتيه بالأرض وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض كما يفرش الكلب وغيره من السباع. والحديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الصلاة- باب ما يجمع صفة الصلاة (2/ 132) ، وأحمد فى مسنده (6/ 31) . (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الذبائح- باب أكل كل ذى ناب من السباع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 [295] عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إياكم والتّعريس على جوادّ الطريق، والصلاة عليها، فإنها مأوى الحيات والسّباع، وقضاء الحاجة عليها فإنها من الملاعن» «1» . [296] عن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم سئل عن الماء يكون بالفلاة من الأرض، وما ينوبه من الدواب والسباع؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إذا بلغ الماء قلّتين لم ينجّسه شىء» «2» . [297] عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلّى الله عليه وسلم سئل عن الحياض التى بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر، وعن الطهارة منها فقال: «لها ما حملت فى بطونها، ولنا ماء نمير طهور» «3» . [298] عن يحيى بن عبد الرّحمن بن حاطب: أنّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه خرج فى ركب، فيهم عمرو بن العاص، حتّى وردوا حوضا، فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض: يا صاحب الحوض، هل ترد حوضك السّباع؟ فقال عمر بن الخطّاب: يا صاحب الحوض، لا تخبرنا، فإنّا نرد على السّباع وترد علينا.   (9/ 573) ، ومسلم فى كتاب الصيد- باب تحريم أكل كل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير (3/ 1533) . (1) التعريس: هو نزول المسافر اخر الليل للنوم والاستراحة. وجوادّ الطريق: أى معظم الطريق جمع جادّة. وهو حديث ضعيف.. رواه ابن ماجه فى كتاب الطهارة- باب النهى عن الخلاء على قارعة الطريق حديث (329) ، وقال البوصيرى فى الزوائد: إسناده ضعيف. (2) القلتان: هما الجرتان الكبيرتان، وقيل: القلة الجرة التى تستقى فيها الماء والدورق. وهو حديث حسن.. رواه أبو داود فى كتاب الطهارة- باب ما ينجس الماء. حديث (63) ، وابن ماجه كتاب الطهارة- باب مقدار الماء الذى لا ينجس، حديث (517) ، وأحمد فى المسند (2/ 12) . (3) حديث ضعيف.. رواه ابن ماجه فى كتاب الطهارة- باب الحياض، حديث (519) ، وقال البوصيرى فى الزوائد: فى إسناده عبد الرحمن، قال فيه الحاكم: روى عن أبيه أحاديث موضوعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 (رواه مالك فى الموطّأ، وقال رزين: وزاد بعض الرواة فى قول عمر: وإنّى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «لها ما أخذت فى بطونها، وما بقى لنا فهو طهور وشراب» «1» . [299] عن أبى المليح بن أسامة عن أبيه: أنّ النّبىّ صلّى الله عليه وسلم نهى عن جلود السّباع «2» . [300] وعن المقدام بن معد يكرب: أنّه قال لمعاوية: أنشدك الله، هل تعلم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم، نهى عن لبس جلود السّباع والرّكوب عليها؟ قال: نعم «3» . [301] وفى رواية عنه أيضا: (قال: قلت: يا رسول الله، أرمى الصيد، فأجد فيه سهمى من الغد؟ قال: إذا علمت أنّ سهمك قتله، ولم تر فيه أثر سبع فكل) «4» . [302] عن ابن عبّاس- رضى الله عنهما- «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن كلّ ذى ناب من السّباع وكلّ ذى مخلب من الطّير» «5» .   (1) حديث رواه مالك (1/ 23- 24) ، وسنده صحيح. وزيادة رزين لم أقف عليها، والله أعلم. (2) حديث صحيح.. رواه أحمد (5/ 74، 75) ، وأبو داود (4132) ، والترمذى (1770) ، والنسائى (7/ 176) . (3) حديث صحيح.. رواه أبو داود (4113) ، والنسائى (7/ 176، 177) . (4) حديث صحيح.. رواه الترمذى (1468) . (5) حديث صحيح.. رواه مسلم (1934) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 2- السّلوى (أ) السلوى فى اللغة: السلوى طائر أبيض مثل السّمانى، واحدته سلوة. وقال الأخفش: لم يسمع له بواحد. وقيل: واحده سلواة. وقيل: السلوى: العسل. (ب) طبائع هذا الطير: السّمانى طائر يعيش دهره فى قلب اللجة، وهو طائر صغير من رتبة الدجاجيات، جسمه منضغط ممتلئ، وهو من القواطع التى تهاجر شتاء إلى الحبشة والسودان، ويستوطن أوربا وحوض البحر المتوسط. (ج) الأحكام الفقهية: وأكله حلال بالإجماع. (د) ما ورد فى الحديث الشريف عن السّلوى: [303] عن عكرمة أنّ النّبىّ صلّى الله عليه وسلم قال لابن صوريا: «أذكّركم بالله الّذى نجّاكم من ال فرعون، وأقطعكم البحر، وظلّل عليكم الغمام، وأنزل عليّكم المنّ والسّلوى، وأنزل عليكم التّوراة على موسى، أتجدون فى كتابكم الرّجم؟» قال: ذكّرتنى بعظيم، ولا يسعنى أن أكذّبك «1» .   (1) حديث ضعيف.. رواه أبو داود فى كتاب الأقضية- باب كيف يحلف الذمى، حديث (3626) . والمنّ: مادة راتنجية صمغية حلوة تفرزها بعض الأشجار كالأثل وطل ينزل من السماء على شجر أو حجر ينعقد ويجفّ جفاف الصمغ وهو حلو يؤكل. أما السلوى، فقيل طائر. وقيل غير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 [304] عن عمرو بن حريث قال: حدّثنى أبى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «الكمأة «1» من السّلوى، وماؤها شفاء للعين» «2» .   (1) الكمء: واحد الكمأة، وهى فطر من الفصيلة الكمئية، وهى أرضية تنتفخ حاملات أبواغها، فتجنى وتؤكل مطبوخة. (2) حديث حسن رواه أحمد فى مسنده (1/ 187) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 3- السّنّور (أ) السنور فى اللغة: السّنّور: واحد السنانير، وهو الهرّ، وجمعه: هررة. والأنثى: هرّة، وجمعها: هرر. وهو القط، والجمع: قطاط، وقططة. وكنيته: أبو خداش، وأبو الهيثم، وأبو شماخ. وقد تعددت أسماؤه، ومن الطريف فى هذا المجال ما يحكى أن أعرابيا صاد سنّورا فلم يعرفه، فتلقاه رجل فقال: ما هذا السّنور؟ ولقى اخر، فقال: ما هذا الهر؟ ثم لقى اخر؛ فقال: ما هذا القط؟ ثم لقى اخر؛ فقال: ما هذا الضّيون؟ ثم لقى اخر؛ فقال: ما هذا الخيدع؟ ثم لقى اخر؛ فقال: ما هذا الخيطل؟ ثم لقى اخر؛ فقال: ما هذا الدّم؟ فقال الأعرابى: أحمله وأبيعه لعل الله تعالى يجعل لى فيه مالا كثيرا!! فلما أتى إلى السوق قيل له: بكم هذا؟ فقال: بمائة. فقيل له: إنه يساوى نصف درهم. فرمى به، وقال: ما أكثر أسماءه، وأقلّ ثمنه! وهذه الأسماء للذكر، ويقال للأنثى: سنورة. (ب) طبائع هذا الحيوان: هو جنس من الفصيلة السنورية، ورتبة اللواحم، وهو حيوان متواضع ألوف، خلقه الله- تعالى- لدفع الفأر، وهو ظريف لطيف، يمسح بلعابه وجهه، وإذا تلطخ شىء من بدنه نظفه، وإذا جاعت الأنثى أكلت أولادها. وإذا بال ستر بوله، ومن العجيب أن الفيل إذا رأى سنورا هرب منه. وهو ثلاثة أنواع: أهلى، ووحشى، وسنور الزباد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وتحمل الأنثى فى السنة مرتين، ومدة حملها خمسون يوما، والوحشى منه حجمه أكبر من حجم الأهلى. ويتمتاع القط بسمع مرهف يفوق سمع الإنسان، وله قدرة كبيرة على الرؤية، ويظل القط طويلا فى وضع الترصد. (ج) الأحكام الفقهية: الأصل تحريم أكل الهرة لما روى فى الحديث أنها «سبع» . وروى أن النبى صلّى الله عليه وسلم نهى عن أكل الهرة وأكل ثمنها. وسؤر الهرة طاهر. (د) الأحاديث الواردة فى السنور والهرة: وردت أحاديث كثيرة وإليك ما جاء فى السنور والهرة: [305] عن جابر بن عبد الله أنّ النّبىّ صلّى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب والسّنّور» «1» . [306] عن أبى هريرة قال: كان النّبىّ صلّى الله عليه وسلم يأتى دار قوم من الأنصار، ودونهم دار. قال فشقّ ذلك عليهم فقالوا: يا رسول الله سبحان الله تأتى دار فلان، ولا تأتى دارنا. قال: فقال النّبىّ صلّى الله عليه وسلم: «لأنّ فى داركم كلبا. قالوا: فإنّ فى دارهم سنّورا. فقال النّبى صلّى الله عليه وسلم: إن السّنّور سبع» «2» . [307] عن أبى هريرة عن النبى صلّى الله عليه وسلم أنه رأى رجلا يشرب قائما، فقال له: «قه، قال له: أيسرك أن يشرب معك الهر؟ قال: لا. قال:   (1) حديث صحيح.. رواه أبو داود فى سننه، كتاب البيوع، باب فى ثمن السنور، حديث (3479) ، والترمذى كتاب البيوع، باب ما جاء فى كراهية ثمن الكلب والسنور (1297) 4/ 500. (2) حديث ضعيف.. رواه أحمد فى مسنده (2/ 327) وفيه عيسى بن المسيب وهو ضعيف، وانظر لسان الميزان 4/ 405. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 فإنه قد شرب معك من هو شر منه الشيطان» «1» . [308] عن أسماء بنت أبى بكر أن النبى صلّى الله عليه وسلم صلّى صلاة الكسوف، فقام، فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فسجد فأطال السجود، ثم رفع ثم سجد فأطال السجود، ثم انصرف فقال: «قد دنت منى الجنة حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطاف من قطافها، ودنت منى النار حتى قلت: أى ربّ وأنا معهم، فإذا امرأة حسبت أنه قال: تخدشها هرة قلت: ما شأن هذه قالوا: حبستها حتى ماتت جوعا، لا أطعمتها ولا أرسلتها تأكل- قال نافع- حسبت أنه قال من خشيش أو من خشاش» «2» . [309] عن كبشة بنت كعب- وكانت تحت ابن أبى قتادة- أن أبا قتادة دخل فسكبت له وضوا فجاءت هرّة فشربت منه، فأصغى «3» لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرانى أنظر إليه. فقال: أتعجبين يا بنة أخى؟ فقلت: نعم. فقال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إنّها ليست بنجس، إنّها من الطّوّافين عليكم أو الطّوّافات» «4» .   (1) حديث صحيح.. رواه أحمد فى المسند (2/ 301) ، والدارمى فى سننه؛ (2128) 2/ 162، وفى الطحاوى شرح معانى الاثار (3/ 19) ، وقال الهيثمى فى المجمع (5/ 79) «رواه أحمد والبزار ورجال أحمد ثقات» اهـ. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الصلاة (1/ 189- 190) ، وفى أبواب المساقاة- باب فضل سقى الماء (3/ 147) ، وفى كتاب الأنبياء- باب ما ذكره عن بنى إسرائيل (4/ 215) . (3) أصغى لها الإناء: أى أمال لها الإناء. (4) وهو حديث صحيح.. رواه مالك فى الموطأ (1/ 22) ، وأبو داود فى سننه، كتاب الطهارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 [310] عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «الهرّة لا تقطع الصّلاة، لأنّها من متاع البيت» «1» . [311] عن عبد الله أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «عذّبت امرأة فى هرّة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هى أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض» «2» .   (75) ، والنسائى فى السنن (1/ 63) ، والترمذى فى جامعه، باب سؤر الهرة (92) 1/ 307- 308، وابن ماجه (367) 10/ 131. من الطوافين أو الطوافات: شك من الراوى، والمعنى أن ذكورها من الطوافين، وإناثها من الطوافات. وهو دليل على طهارة سؤر الهرة. (1) حديث شاذ.. رواه ابن ماجه فى سننه، كتاب الطهارة، باب الوضوء بسؤر الهرة (369) 1/ 131، وابن خزيمة فى صحيحه (828) 2/ 20، والحاكم فى المستدرك 1/ 255 والصحيح أنه موقوف على أبى هريرة. (2) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب قتل الحيات وغيره- باب تحريم قتل الهرة (7/ 43) ، وفى كتاب البر والصلة- باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها من الحيوان الذى لا يؤذى (8/ 35) ، وفى كتاب التوبة باب فى سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه (8/ 98) . والخشاش: حشرات الأرض والطير ونحوها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 [باب الشين] 1- الشّادن: بكسر الدال: الظبى (انظر باب الظاء) . 2- الشارف: المسنة من الإبل والنّوق (انظر الإبل) . 3- الشاة: الواحدة من الغنم (انظر الغنم والضأن) . 4- الشّبب: الثور المسنّ وكذلك الشّبوب والمشب (انظر البقر والثور) . 5- الشّبدع: العقرب (انظر الزواحف) . 6- الشبل: ولد الأسد إذا أدرك الصيد (انظر الأسد باب الهمزة) . 7- الشبوة: العقرب (انظر الزواحف باب الزاى) . 8- الشّبوط: ضرب من السمك (انظر الحوت) . 9- الشّجاع: الحية العظيمة (انظر الزواحف) . 10- الشّرغ: الضفدع (انظر الضفدع فى باب الضاد) . 11- الشّول: النوق التى جف لبنها (انظر الإبل باب الهمزة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 وإليك ما جاء بشأن الشاة فى الحديث النبوى الشريف: [312] وعن أنس رضى الله عنه قال: «دخلت على النّبىّ صلّى الله عليه وسلّم بأخ لى يحنّكه وهو فى مربد له، فرأيته يسم شاة حسبته قال: فى اذانها» «1» . [313] وعن البراء بن عازب- رضى الله عنه- قال: خطبنا النّبىّ صلّى الله عليه وسلم يوم الأضحى بعد الصّلاة، فقال: «من صلّى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النّسك، ومن نسك قبل الصّلاة، فإنّه قبل الصّلاة، ولا نسك له» ، فقال أبو بردة بن نيار خال البراء: يا رسول الله، فإنّى نسكت شاتى قبل الصّلاة، وعرفت أنّ اليوم يوم أكل وشرب، وحببت أن تكون شاتى أوّل شاة تذبح فى بيتى، فذبحت شاتى، وتغدّيت قبل أن اتى الصّلاة، قال: «شاتك شاة لحم» ، قال: يا رسول الله، فإنّ عندنا عناقا لنا جذعة، هى أحبّ إلىّ من شاتين، أفتجزى عنّى؟ قال: «نعم ولن تجزى عن أحد بعدك» «2» . [314] عن أبى معبد الخزاعىّ، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم لمّا هاجر من مكة إلى المدينة، هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة، مولى أبى بكر، ودليلهم عبد الله بن أريقط الليثىّ، فمرّوا بخيمة أمّ معبد الخزاعيّة، وكانت امرأة جلدة «3» برزة «4» تحتبى وتقعد بفناء الخيمة، ثمّ تسقى وتطعم. فسألوها   (1) حديث صحيح.. أخرجه البخارى (5824) ، ومسلم (2119) ، والمربد: المكان الذى يحبس فيه الإبل. ويسم الشاة: يكويها. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى (2/ 448) . (3) جلدة: من الجلد. وهو القوة والصبر. (4) يقال امرأة برزة: إذا كانت كهلة لا تحتجب احتجاب الشواب، وهى مع ذلك عفيفة عاقلة، من البروز وهو الظهور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 تمرا أو لحما يشترونه، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك، وإذا القوم مرملون «1» مسنتون «2» ! فقالت: والله لو كان عندنا شىء ما أعوزكم القرى. فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى شاة فى كسر الخيمة، فقال: «ما هذه الشاة يا أمّ معبد؟» قالت: هذه شاة خلّفها الجهد عن الغنم. فقال: «هل بها من لبن؟» قالت: هى أجهد من ذلك. قال: «أتأذنين لى أن أحلبها؟» قالت: نعم بأبى أنت وأمّى، إن رأيت بها حلبا، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالشّاة، فمسح ضرعها، وذكر اسم الله وقال: «الّلهمّ بارك لها فى شاتها» ، قال: فتفاجّت «3» ، ودرّت، واجترّت، فدعا بإناء لها يربض «4» الرّهط، فحلب فيه ثجّا «5» ، حتّى غلبه الثّمال «6» ، فسقاها، فشربت حتّى رويت، وسقى أصحابه حتّى رووا، وشرب صلّى الله عليه وسلم اخرهم، وقال: «ساقى القوم اخرهم» ، فشربوا جميعا عللا «7» بعد نهل «8» حتّى أراضوا «9» ، ثمّ حلب فيه ثانيا عودا على بدء، فغادره عندها، ثمّ ارتحلوا عنها، فقلّما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد، يسوق أعنزا حيّلا «10» عجافا «11» هزلى، ما تساوق «12» مخّهنّ قليل لا نقى «13» بهنّ فلمّا رأى   (1) مرملون: نفد زادهم، وأصله من الرمل كأنهم لصقوا بالرمل. (2) أسنتوا أجدبوا: أى أصابتهم السنون. (3) تفاجت: التفاج المبالغة فى تفريج ما بين الرجلين. (4) يربض الرهط أى يرويهم ويثقلهم حتى يناموا ويمتدوا على الأرض، من ربض فى المكان إذا لصق به وأقام ملازما له. (5) ثجا: أى لبنا سائلا كثيرا. (6) الثمال: هو بالضم الرغوة واحدة ثمالة. (7) العلل: الشرب بعد الشرب. (8) النهل: نهل ينهل نهلا شرب. (9) حتى أراضوا: أى شربوا عللا بعد نهل مأخوذ من الرضوة، وهو الموضع الذى يستنقع فيه الماء، وقيل: معنى أراضوا، صبوا اللبن على اللبن. (10) أى غير حوامل. (11) المهزولة. (12) ما تساوق: أى تتابع والمساوقة المتابعة، كأن بعضها يسوق بعضا، لتخاذلها بتخلف بعضها عن بعض. (13) النقى: المخ: فلامخ بهن لضعفها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 اللبن عجب وقال: من أين لكم هذا والشّاة عازبة «1» ولا حلوبة فى البيت؟! قالت: لا والله، إلّا أنّه مرّ بنا رجل مبارك، كان من حديثه كيت وكيت! قال: والله إنّى لأراه صاحب قريش الّذى يطلب «2» . صفيه لى يا أمّ معبد. قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، منبلج الوجه، حسن الخلق لم تعبه ثجلة «3» ، ولم تزر به صعلة «4» ، وسيم قسيم، فى عينيه دعج «5» ، وفى أشفاره «6» وطف «7» ، وفى صوته صحل «8» ، أحور، أكحل، أزجّ، أقرن «9» . شديد سواد الشّعر، فى عنقه سطع «10» ، وفى لحيته كثافة، إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلّم سما وعلاه البهاء، وكأنّ منطقه خرزات نظم يتحدّرن، حلو المنطق، فصل، لا نزر ولا هذر، أجهر النّاس، وأجمله من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، ربعة، لا تشنؤه من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفّون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود «11» محشود «12» ، لا عابث ولا مفند «13» . قال: هذا والله صاحب قريش الّذى ذكر لنا من أمره ما   (1) عازب: حيال بعيدة المأوى، والحيال هى التى لم تلد. (2) يطلب: الذى يجد فى طلبه. (3) ثجلة: أى ضخم بطن. (4) صعلة: هى صغر الرأس. (5) الدعج: شدة سواد العين. وقيل شدة سواد العين فى شدة بياضها. (6) أشفاره: الأشفار، هى حروف العين التى ينبت عليها الشعر (الهدب) . (7) وطف: فى شعر أجفانه طول. (8) صحل: الصحل بالتحريك كالبحة وألا يكون حاد الصوت. (9) القرن بالتحريك التقاء الحاجبين. والصحيح فى صفته صلّى الله عليه وسلم أن حواجبه سوابغ فى غير قرن، أى فى غير التقاء الحاجبين، بخلاف ما قالته أم معبد. (10) أى ارتفاع وطول. (11) محفود: الذى يخدمه أصحابه ويعظمونه، ويسرعون فى طاعته. (12) أى يجتمع أصحابه إليه. (13) مفند: الفند فى الأصل الكذب، وأفند تكلم بالكذب، وقد قالوا للشيخ إذا هرم قد أفند لأنه يتكلم بمخرف من الكلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 ذكر، ولو كنت وافقته يا أمّ معبد، لالتمست أن أصحبه، ولأفعلنّ إن وجدت إلى ذلك سبيلا. قال عبد الملك: فبلغنا أنّ أمّ معبد هاجرت إلى النّبىّ صلّى الله عليه وسلم وأسلمت» «1» . [315] عن أنس- رضى الله عنه- قال: لمّا كان يوم حنين، التقى هوازن مع النّبىّ صلّى الله عليه وسلم، ومع النّبىّ صلّى الله عليه وسلم عشرة الاف، والطّلقاء، فأدبروا، قال: «يا معشر الأنصار» قالوا: لبّيك يا رسول الله وسعديك. لبّيك نحن بين يديك. فنزل النّبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال: «أنا عبد الله ورسوله» ، فانهزم المشركون، فأعطى الطّلقاء والمهاجرين، ولم يعط الأنصار شيئا. فقالوا، فدعاهم فأدخلهم من قبة، فقال: «أما ترضون أن يذهب النّاس بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله صلّى الله عليه وسلم؟» ، قالوا: بلى يا رسول الله، رضينا، فقال النّبىّ صلّى الله عليه وسلم: «لو سلك النّاس واديا وسلكت الأنصار شعبا، لأخذت شعب الأنصار» «2» . [316] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: (لمّا فتحت خيبر، أهديت للنبى صلّى الله عليه وسلم شاة مسمومة) «3» . [317] عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «مثل الذى يجلس يسمع الحكمة ثم لا يحدّث عن صاحبه إلّا بشرّ ما يسمع، كمثل رجل أتى راعيا فقال: يا راعى، أجزرنى شاة من غنمك. قال: اذهب فخذ بأذن خيرها. فذهب فأخذ بأذن كلب الغنم» «4» [318] وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «عن الغلام   (1) حديث صحيح.. رواه ابن سعد فى «الطبقات الكبرى» (1/ 230) . (2) حديث صحيح.. رواه البخارى (5/ 159) ، ومسلم فى كتاب الزكاة، حديث رقم 135. (3) حديث صحيح.. رواه البخارى (5/ 240) . (4) رواه ابن ماجه فى سننه، كتاب الزهد، حديث رقم 4172.. وأحمد فى مسنده 2/ 353، 405. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 شاتان مكافأتان. وعن الجارية شاة» . وفى لفظ: «أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن نعقّ عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين» «1» . [319] وعن أم كرز الكعبيّة أنّها سألت رسول صلّى الله عليه وسلم عن العقيقة، فقال: «نعم عن الغلام شاتان وعن الأنثى واحدة لا يضرّكم ذكرانا كنّ أو إناثا» «2» . [320] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- أنّ رسول الله ضافه ضيف وهو كافر- فأمر له رسول الله صلّى الله عليه وسلم بشاة فحلبت، فشرب حلابها، ثمّ أخرى، فشربه، ثمّ أخرى فشربه حتّى شرب حلاب سبع شياه، ثمّ أصبح فأسلم، فأمر له رسول الله صلّى الله عليه وسلم بشاة فشرب حلابها، ثمّ أمر بأخرى فلم يستتمّها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «المؤمن يشرب فى معى واحد، والكافر يشرب فى سبعة أمعاء» «3» . [321] عن جعفر بن عمرو بن أميّة الضّمرىّ عن أبيه أنّه رأى النّبىّ صلّى الله عليه وسلم: (احتّز كتف شاة، فأكل منها ثمّ قام إلى الصّلاة، ولم يتوضّأ) «4» .   (1) حديث صحيح.. رواه أحمد (6/ 31) ، والترمذى (1/ 286) ، وابن ماجه (3163) ، وابن حبان (1058) ، والبيهقى (9/ 301) . (2) حديث صحيح.. رواه أحمد (6/ 381) ، وأبو داود (2835) ، والترمذى (1/ 286) . ويؤخذ من هذا الحديث ما يأتى: 1- العقيقة عن الغلام شاتان وعن الأنثى شاة. 2- المطلوب أن تكون الشاتان عن الغلام متكافئتين. 3- مضاعفة الشكر بعظم النعمة. 4- لا فرق فى العقيقة بين ذكور الغنم وإناثها فكل من الصنفين يجزئ فيها. 5- للمفتى أن يزيد فى الإجابة عن السؤال حتى لا يحتاج السائل إلى سؤال اخر فى موضوع الاستفتاء. (3) حديث صحيح.. رواه مسلم (2062) ، والبخارى (5396) . (4) حديث صحيح.. رواه البخارى وانظر الحديث التالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 [322] وعنه أيضا- رضى الله عنه- أنّه رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم (يحتزّ من كتف شاة فى يده فدعى إلى الصّلاة- فألقاها والسّكّين الّتى كان يحتزّ بها، ثمّ قام فصلّى ولم يتوضّأ) «1» . [323] عن أبى هريرة- رضى الله عنه-، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «نعم المنيحة اللّقحة «2» الصّفىّ منحة، والشّاة الصّفىّ، تغدو بإناء، وتروح بإناء) «3» . [324] عن عروة أنّ النّبىّ صلّى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشترى له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة فى بيعه، وكان لو اشترى التّراب ربح فيه» «4» . [325] عن أنس قال: قال النّبىّ صلّى الله عليه وسلم: «من ذبح قبل الصّلاة فليعد، فقام رجل فقال: هذا يوم يشتهى فيه اللّحم، وذكر من جيرانه، فكأنّ النّبىّ صلّى الله عليه وسلم صدّقه قال: وعندى جزعة أحبّ إلىّ من شاتى لحم، فرخّص له النّبىّ صلّى الله عليه وسلم فلا أدرى أبلغت الرّخصة من سواه أم لا» «5» . [326] عن أنس قال: «بينما النّبىّ صلّى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال: يا رسول الله، هلك الكراع «6» وهلك الشّاء فادع   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى (5432، 5462) . (2) اللقحة الصفى: أى الناقة الكريمة ذات اللبن الغزير، الحديثة العهد بالولادة. (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الهبة وفضلها- باب فضل المنيحة (3/ 316) . (4) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب المناقب- باب علامات النبوة فى الإسلام (4/ 252) ، وأبو داود فى كتاب البيوع- باب فى المضارب يخالف، حديث (3384) . (5) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب العيدين- باب الأكل يوم النحر (2/ 21) ، وفى كتاب الأضاحى- باب ما يشتهى من اللحم (7/ 129) ، وباب من ذبح قبل الصلاة وأعاد (7/ 132) ، وفى الحديث تأكيد على أمر الأضحية وإيثار الجار على غيره. (6) الكراع: اسم لجميع الدواب، ويقصد أنه قد هلكت الدواب والشياه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 الله أن يسقينا فمدّ يديه ودعا» «1» . [327] عن أبى جمرة قال: «سألت ابن عبّاس- رضى الله عنهما- عن المتعة فأمرنى بها، وسألته عن الهدى فقال: فيها جزور أو بقرة أو شاة، أو شرك فى دم «2» . قال: وكأنّ ناسا كرهوها فنمت فرأيت فى المنام كأنّ إنسانا ينادى: حجّ مبرور، متعة متقبّلة، فأتيت ابن عبّاس- رضى الله عنهما فحدّثته فقال: الله أكبر سنّة أبى القاسم صلّى الله عليه وسلم» «3» . [328] عن ابن عبّاس- رضى الله عنه- وجد النّبىّ صلّى الله عليه وسلم شاة ميّتة أعطيتها مولاة ميمونة. قال النّبى صلّى الله عليه وسلم: «هلّا انتفعتم بجلدها، قالوا: إنّها ميّتة، قال: إنّما حرم أكلها» «4» . [329] عن أمّ عطيّة- رضى الله عنها- قالت: «بعث إلى نسيبة الأنصارية «5» بشاة فأرسلت إلى عائشة- رضى الله عنها- فقال النّبىّ صلّى الله عليه وسلم: عندكم شىء؟ قالت: لا، إلّا ما أرسلت به نسيبة من تلك الشّاة. فقال: هات فقد بلغت محلّها» «6» .   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الجمعة- باب رفع اليدين فى الخطبة (2/ 15) ، وكتاب الأنبياء- باب علامات النبوة فى الإسلام (4/ 236) . (2) أى مشاركة فى دم. (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الحج- باب فيمن تمتاع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى (2/ 204) . (4) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الزكاة- باب الصدقة على موالى أزواج النبى صلّى الله عليه وسلم (2/ 158) وفى كتاب الصيد والذبائح- باب جلود الميتة (7/ 124) . فى الحديث جواز الانتفاع بجلد الحيوان الميت، وعلى وجه الخصوص جلد الشاة الميتة. (5) قال الحافظ ابن حجر فى الفتح: نسيبة الأنصارية هى أم عطية، وأن السياق كان يقتضى بعث إلىّ، بلفظ ضمير المتكلم المجرور. (6) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الزكاة- باب قدركم يعطى من الزكاة والصدقة ومن أعطى شاة (2/ 143) ، وباب إذا تحولت الصدقة (2/ 158) ، وفى كتاب الهبة- باب قبول الهدية، ومسلم فى كتاب الزكاة- باب إباحة الهدية للنبى صلّى الله عليه وسلم، ولبنى هاشم وبنى المطلب (3/ 120) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 [330] عن أنس بن مالك- رضى الله عنه- أنّ يهودّية أتت النّبىّ صلّى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها، فجئ بها فقيل: ألا نقتلها؟ قال: لا.. فما زلت أعرفها فى لهوات «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلم» «2» . [331] عن أنس بن مالك قال: قدم النّبىّ صلّى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر، ومات وأنا ابن عشرين، وكنّ أمّهاتى يحثثننى «3» على خدمته، فدخل علينا دارنا، فحلبنا له من شاة داجن «4» وشيب له من بئر فى الدّار، فشرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال له عمر وأبو بكر عن شماله: يا رسول الله أعط أبا بكر فأعطاه أعرابيّا عن يمينه وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: الأيمن فالأيمن» «5» . [332] عن أبى سعيد الخدرى أن رهطا من أصحاب النبى صلّى الله عليه وسلم انطلقوا فى سفرة سافروها، فنزلوا بحىّ من أحياء العرب، فقال بعضهم: إن سيدنا لدغ، فهل عند أحد منكم شىء ينفع صاحبنا؟ فقال رجل من القوم: نعم، والله إنّى لأرقى، ولكن استضفناكم فأبيتم أن تضيفونا، ما أنا براق حتى تجعلوا لى جعلا «6» .. فجعلوا له قطيعا من الشاء فأتاه، فقرأ عليه أم الكتاب، ويتفل، حتى برأ وكأنما أنشط من عقال.. قال: فأوفاهم جعلهم الذى صالحوهم عليه، فقال: اقتسموا، فقال الذى   (1) لهوات: جمع لهاة، وهى سقف الفهم أو اللحمة المشرفة على الحلق، وقيل: هى أقصى الحلق، وقيل: هى ما يبدو من الفم عند التبسم. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الهبة وفضلها- باب قبول الهدية من المشركين (3/ 314) ، وأبو داود فى كتاب الديات- باب فيمن سقى رجلا سما، حديث (4508) . (3) يحثثنى: أى يقمن بدفعى للإسراع فى خدمته. (4) الداجن: هى كل دابة تعلف فى البيوت، وتطلق على كل ما يألف البيوت من طير وغيره. (5) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الأشربة- باب شرب اللبن (7/ 142) ، ومسلم واللفظ له فى كتاب الأشربة- باب استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما على يمين المبتدئ (6/ 112) . (6) الجعل: الأجر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 رقى: لا تفعلوا حتى يأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فنستأمره، فغدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فذكروا له، فقال: «من أين علمتم أنها رقية؟ أحسنتم، اقتسموا واضربوا إلىّ معكم بسهم» «1» . [333] عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثمّ صلّى ولم يتوضّأ» «2» . [334] عن كعب بن مالك أنّه كانت لهم غنم ترعى بسلع «3» ، فأبصرت جارية لنا بشاة من غنمنا موتا، فكسرت حجرا فذبحتها به، فقال لهم: لا تأكلوا حتّى أسأل النّبىّ صلّى الله عليه وسلم أو أرسل النّبىّ صلّى الله عليه وسلم من يسأله- وأنّه سأل النّبىّ صلّى الله عليه وسلم عن ذاك أو أرسل فأمره بأكلها «4» . [335] عن ابن عبّاس- رضى الله عنهما أنّ (رسول الله صلّى الله عليه وسلم مرّ بشاة ميّتة فقال: هلّا استمتعتم بإهابها «5» ؟ قالوا: إنّها ميّتة. قال: إنّما حرّم أكلها) «6» . [336] عن ثابت قال: ذكر تزويج زينب بنت جحش عند أنس فقال: «ما رأيت النّبىّ صلّى الله عليه وسلم أولم على أحد من نسائه ما أولم عليها.. أولم بشاة» «7» .   (1) رواه أبو داود فى السنن، حديث رقم 3900. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الوضوء- باب من لم يتوضأ من لحم الشاة (1/ 63) ، ومسلم فى كتاب الطهارة- باب نسخ الوضوء مما مست النار (1/ 188) . (3) السلع: جبل بالمدينة. (4) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الوكالة- باب إذا أبصر الراعى أو الوكيل شاة تموت أو شيئا يفسد (3/ 130) ، ومالك فى كتاب الذبائح- باب ما جاء فى التسمية على الذبيحة، حديث (3) . (5) أى هلا انتفعتم بجلودها؟. (6) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب البيوع- باب جلود الميتة قبل أن تدبغ (3/ 107) ، ومسلم فى كتاب الطهارة- باب طهارة جلود الميتة بالدباغ (1/ 190) . (7) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب النكاح- باب من أولم على بعض نسائه أكثر من بعض (7/ 31) ، ومسلم فى كتاب النكاح- باب زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب (4/ 149) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 [337] عن ابن عبّاس- رضى الله عنهما- عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ «1» . قال: «رجل من قريش له زنمة «2» مثل زنمة الشّاة» «3» . [338] عن أنس- رضى الله عنه- قال: «قدم عبد الرّحمن بن عوف المدينة فاخى النّبىّ صلّى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الرّبيع الأنصارىّ، وكان سعد ذا غنى، فقال لعبد الرّحمن: أقاسمك مالى نصفين، وأزوّجك، قال: بارك الله لك فى أهلك ومالك، دلّونى على السّوق، فما رجع حتّى استفضل أقطا وسمنا، فأتى به أهل منزله فمكثنا يسيرا- أو ما شاء الله- فجاء وعليه وضر «4» من صفرة، فقال له النّبىّ صلّى الله عليه وسلم: مهيم «5» قال: يا رسول الله تزوّجت امرأة من الأنصار قال: ما سقت إليها؟ قال: نواة من ذهب أو وزن نواة من ذهب.. قال: أولم ولو بشاة» «6» . [339] عن سودة زوج النّبىّ صلّى الله عليه وسلم قالت: «ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها «7» ثمّ مازلنا ننبذ فيه حتّى صارت شنّا «8» » «9» . [340] عن أبى هريرة- رضي الله عنه «أنّه مرّ بقوم بين أيديهم   (1) سورة القلم الاية: 13. (2) الزنمة: هى شىء يقطع من أذن الشاة ويترك معلقا بها. (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب التفسير- باب تفسير سورة ن وَالْقَلَمِ (6/ 198) . (4) الوضر: أثر الطعام فى الصحفة. (5) مهيم: قيل: هى كلمة يمانيّة، أى ما أمركم وشأنكم؟. (6) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الصوم- باب ما جاء فى قوله تعالى: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ (3/ 69) ، وفى أبواب الفضائل- باب كيف اخى النبى بين أصحابه (5/ 88) ، وفى كتاب النكاح باب قول الرجل لأخيه: انظر أى زوجتى شئت (7/ 5) ، وباب الوليمة (7/ 30) ، وفى كتاب الدعوات- باب الدعاء للمتزوج (8/ 102) . (7) مسكها: أى جلدها. (8) الشن: القربة العتيقة، وشنا أى باليا. (9) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الأيمان والنذور- باب إن حلف ألايشرب نبيذا فشرب طلاء (8/ 174) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 شاة مصليّة «1» ، فدعوه فأبى أن يأكل، قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الدّنيا ولم يشبع من الخبز الشعير» «2» . [341] عن قتادة قال: «كنّا عند أنس وعنده خبّاز، فقال: ما أكل النّبىّ صلّى الله عليه وسلم مرقّقا ولا شاة مسموطة «3» حتّى لقى الله» «4» . [342] عن عبد الله بن عمر- رضى الله عنهما- «أنّ النّبىّ صلّى الله عليه وسلم لقى زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح «5» قبل أن ينزل على النّبىّ صلّى الله عليه وسلم الوحى، فقدّمت إلى النبى صلّى الله عليه وسلم سفرة، فأبى أن يأكل منها، ثمّ قال زيد: إنّى لست اكل ممّا تذبحون على أنصابكم «6» ولا اكل إلّا ما ذكر اسم الله عليه، وأنّ زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشّاة خلقها الله، وأنزل لها من السّماء الماء وأنبت لها من الأرض، ثمّ تذبحونها على غير اسم الله إنكارا لذلك، وإعظاما له» «7» . [343] عن أبى هريرة قال: «خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبى بكر وعمر، فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه السّاعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله. قال: وأنا والّذى نفسى بيده لاخرجنى الّذى أخرجكما قوموا «8» ، فقاموا معه فأتى رجلا من الأنصار   (1) مصلية: أى مشوية، يقال: صليت اللحم- بالتخفيف- أى شويته فهو مصلىّ. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الأطعمة- باب ما كان النبى صلّى الله عليه وسلم يأكل هو وأصحابه (7/ 97) . (3) المسموط: الذى أزيل شعره بالماء المسخن وشوى بجلده. (4) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الأطعمة- باب الخبز المرقق والأكل على الخوان والسفرة (7/ 90) ، وفى كتاب الدعوات- باب كيف كان عيش النبى صلّى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا (8/ 121) . (5) بلدح: هو واد فى طريق التنعيم. (6) أنصاب: جمع نصب وهى أحجار كانت حول الكعبة يذبحون عليها للأصنام. (7) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب مناقب الأنصار- باب حديث عمرو بن نفيل (5/ 50) . (8) فى قوله هذا دليل على ما كان عليه النبى صلّى الله عليه وسلم وأصحابه من التقلل من الدنيا وما ابتلوا به من الجوع وضيق العيش فى أوقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 فإذا هو ليس فى بيته فلمّا رأته المرأة قالت: مرحبا وأهلا فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أين فلان؟ قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء «1» إذ جاء الأنصارى فنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثمّ قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافا منّى فانطلق فجاءهم بعذق «2» فيه بسر وتمر ورطب فقال: كلوا من هذه. وأخذ المدية، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إيّاك والحلوب، فذبح لهم فأكلوا من الشّاة ومن ذلك العذق، وشربوا فلمّا أن شبعوا ورووا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأبى بكر وعمر: والّذى نفسى بيده لتسألنّ عن هذا النّعيم يوم القيامة «3» ، أخرجكم من بيوتكم الجوع ثمّ لم ترجعوا حتّى أصابكم هذا النّعيم» «4» . [344] عن عائشة- رضى الله عنها- قالت: «إن كنّا لنذبح الشّاة فيبعث رسول الله بأعضائها إلى صدائق «5» خديجة» «6» . [345] عن جبير بن مطعم قال: «تقولون فىّ التّيه، وقد ركبت الحمار، ولبست الشّملة «7» ، وقد حلبت الشّاة، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: من فعل هذا فليس فيه من الكبر شىء» «8» .   (1) أى ذهب ليأتينا بماء عذب، وهو الطيب، وفيه جواز استعذابه وتطيبه. (2) العذق: هو الغصن من النخل، وقيل: العذق من التمر بمنزلة العنقود من العنب. (3) قال النووى: فى ذلك دليل على جواز الشبع، وما جاء فى كراهة الشبع فمحمول على المداومة عليه لأنه يقسى القلب. (4) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الأشربة- باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك (6/ 117) . (5) صدائق خديجة: أى: أصدقائها. (6) أخرجه الترمذى فى كتاب البر والصلة- باب ما جاء فى حسن العهد (8/ 174) ، وأحمد فى مسنده (6/ 279) . (7) الشملة: كساء يتغطى به ويتلفف فيه. (8) حديث صحيح.. رواه الترمذى فى كتاب البر والصلة- باب ما جاء فى الكبر (8/ 166) ، وقال: حسن صحيح غريب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 [346] عن أنس بن مالك قال: «حلب رسول الله صلّى الله عليه وسلم شاة، وشرب من لبنها، ثمّ دعا بماء فمضمض فاه، وقال: إنّ له دسما» «1» . [347] عن أبى بريدة قال: «كنّا فى الجاهليّة إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطّخ رأسه بدمها «2» ، فلمّا جاء الله بالإسلام كنّا نذبح شاة ونحلق رأسه، ونلطّخه بزعفران «3» » «4» . [348] عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «الشّاة من دوابّ الجنّة» «5» . [349] عن عمرو بن معاذ الأشهلى الأنصارى، عن جدته، أنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يا نساء المؤمنين، لا تحقرنّ جارة لجارتها ولو فرسن شاة» «6» . [350] عن مالك أنه بلغه عن عائشة زوج النبى صلّى الله عليه وسلم أن مسكينا سألها وهى صائمة، وليس فى بيتها إلا رغيف، فقالت لمولاة لها: أعطيه   (1) حديث صحيح.. رواه ابن ماجه فى كتاب الطهارة- باب المضمضة من شرب اللبن، حديث (501) ، وهو متفق عليه من حديث ابن عباس رضى الله عنهما. (2) قال فى عون المعبود (8/ 45) : فيه دليل على أن تلطيخ رأس المولود بالدم من عمل الجاهلية وأنه منسوخ. (3) قوله: (ونلطخه بزعفران) : فيه دليل على استحباب تلطيخ رأس الصبى بعد الحلق بالزعفران، وفيه دليل على طهارة الزعفران وأنه ليس بمسكر. (4) إسناده حسن.. رواه أبو داود فى كتاب الأضاحى- باب فى العقيقة، حديث (2843) ، وقال المنذرى: فى إسناده على بن الحسين بن واقد وفيه مقال. (5) إسناده ضعيف جدّا.. رواه ابن ماجه فى كتاب التجارات- باب اتخاذ الماشية، حديث (2306) ، وقال فى الزوائد: فى إسناده زربى بن عبد الله، أبو يحيى الأزدى، وهو متفق على ضعفه. (6) رواه البخارى فى صحيحه كتاب الهبة، باب الهبة وفضلها والتحريض عليها، ومسلم فى صحيحه، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة، حديث رقم 90.. ومالك فى الموطأ، كتاب الصدقة، حديث رقم 4.. والفرسن فى الدواب مثل القدم فى الإنسان.. والمعنى: لا تمتنع جارة من الصدقة والهدية لجارتها لاستقلالها واحتقارها الموجود عندها، بل تجود بما تيسر ولو كان قليلا كفرسن الشاة، وهو خير من العدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 إياه. فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه! فقالت: أعطيه إياه.. قالت: ففعلت. قالت: فلما أمسينا أهدى لنا أهل بيت، أو إنسان، ما كان يهدى لنا، شاة وكفنها.. فدعتنى عائشة أم المؤمنين، فقلت: كلى من هذا، هذا خير من قرصك «1» .   (1) رواه مالك فى الموطأ، كتاب الصدقة، حديث رقم 5.. و (كفنها) : ما يغطيها من الأقراص والرغف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 [باب الصاد] الصّؤابة: بيضة القملة (انظر القمل- باب القاف) . الصارخ: الديك (انظر الدجاج- باب الدال) . الصدف: من حيوانات البحر (انظر الحوت- باب الحاء) . 1- الصّرد (أ) الصّرد فى اللغة: طائر أكبر من العصفور- كرطب- على وزن جعل، وكنيته أبو كثير. وهو يصيد العصافير، والجمع صردان، وهو أبقع ضخم الرأس. (ب) طباعه: يكون فى الأشجار ضخم المنقار، له برثن عظيم (يعنى أصابعه عظيمة) . لا يرى إلا فى سقفة أو شجرة، لا يقدر عليه أحد. وهو شرس النفس، شديد النّفرة، غذاؤه من اللحم، وله صفير مختلف، يصفر لكل طائر يريد صيده بلغته؛ فيدعوه إلى التقرب منه، فإذا اجتمعت الطير إليه شدّ على بعضها، وله منقار شديد، فإذا نقر واحدا قدّه من ساعته، وأكله، ولا يزال هذا دأبه. ومأواه الأشجار، ورؤس القلاع، وأعالى الحصون، أكبر من العصفور، ضخم الرأس والمنقار، يصيد صغار الحشرات، وربما صاد العصفور، وكانوا يتشاءمون به. (ج) الأحكام الفقهية: الأصح تحريم أكله، لما رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه، وصححه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 عبد الحق عن ابن عباس- رضى الله عنهما- أن النبى صلّى الله عليه وسلم «نهى عن قتل النحلة والنملة والهدهد والصّردة ... » . والنهى عن القتل دليل على الحرمة، ولأن العرب تتشاءم بصوته وشخصه. وقيل: إنه يؤكل؛ لأن الشافعى أوجب فيه الجزاء على المحرم إذا قتله، وبه قال الإمام مالك. قال الإمام العلامة القاضى أبو بكر بن العربى: إنما نهى النبى صلّى الله عليه وسلم عن قتله لأن العرب كانت تتشاءم به، فنهى عن قتله؛ ليخلع عن قلوبهم ما ثبت فيها من اعتقاده الشؤم فيه، لا أنه حرام. وذكره «العبادى» فى الطبقات أيضا. وإليك ما جاء فى السنة الشريفة عنه: [351] عن ابن عباس- رضى الله تعالى عنهما- «أن النبى صلّى الله عليه وسلم نهى عن قتل النحلة والنملة والهدهد والصّردة ... » «1» .   (1) حديث صحيح.. رواه أبو داود (2567) ، وابن ماجه (3224) ، وأحمد (1/ 332) ، والخطيب فى «تاريخ بغداد» (9/ 120) ، وأبو نعيم فى الحلية (2/ 70) ، والبيهقى (9/ 317) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 2- الصقر (أ) الصقر فى اللغة: الصقر من جوارح الطير من الفصيلة الصقرية. جمعه: أصقر وصقور، والصّقار مدرب الصقر والصائد به. ويطلق الصقر على الطائر الذى يصاد به قاله الجوهرى. وقال ابن سيده: الصقر: كل شىء يصيد من البزاة والشواهين، والجمع أصقر، وصقور، وصقورة، وصقار، وصقارة. قال سيبويه: إنما جاؤا بالهاء فى مثل هذا الجمع تأكيدا نحو بعولة، والأنثى صقرة. والصقر هو الأجدل، ويقال له: القطامى، وكنيته: أبو شجاع، وأبو الإصبع، وأبو الحمراء، وأبو عمرو، وأبو عمران، وأبو عوان. قال النووى فى شرح المهذب: قال أبو زيد الأنصارى المروزىّ: يقال للبزاة والشواهين وغيرهما مما يصيد: صقور. ويقال للصقور الطوال الأجنحة: المضرحيّة، واحدها: مضرحى. ويقال: «كأن رعيته طيور ترفرف عليهم صقور» . وفى الأمثال: «أخلف من صقر» وهو من خلوف الفم أى تغير رائحته. (ب) طباع الصقر: والصقر أحد أنواع الجوارح الأربعة، وهى: الصقر، والشاهين، والعقاب، والبازى. وتنعت أيضا: بالسباع، والضوارى، والكواسر. والعرب تسمى كل طائر يصيد: صقرا ما خلا النسر والعقاب. وهو من الجوارح بمنزلة البغال من الدواب، لأنه أصبر على الشدة، وأحمل لغليظ الغذاء والأذى، وأحسن إلفا، وأشد إقداما على جملة الطير من الكركىّ وغيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 ومزاجه أبرد من كل ما تقدم ذكره من الجوارح وأرطب، وبهذا السبب يضرى على الغزال والأرنب، ولا يضرى على الطير لأنها تفوته، وهو أهدأ من البازى نفسا، وأسرع أنسا بالناس، وأكثرها قنعا، يتغذى بلحوم ذوات الأربع، ولبرد مزاجه لا يشرب ماء، ولذلك يوصف بالبخر ونتن الفم كما قال الدميرى. ومن شأنه ألا يأوى إلى الأشجار، ولا رؤس الجبال، إنما يسكن المغارات والكهوف، وصدوع الجبال. وأول من صاد به الحارث بن معاوية بن ثور، واتخذه العرب بعده. (ج) الأحكام الفقهية: يحرم أكل الصقر لعموم النهى عن أكل كل ذى ناب من السباع ومخلب من الطير. (د) وإليك ما جاء فى السنة النبوية الشريفة عن الصقر. [352] روى أحمد فى مسنده: عن أبى هريرة، أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «كان داود- عليه السلام- فى غيرة شديدة، فكان إذا خرج أغلق الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع. قال: فخرج ذات يوم، وغلقت الدار، فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار، فإذا رجل قائم وسط الدار، فقال له داود: من أنت؟ قال: أنا الذى لا أهاب الملوك، ولا أمنع من الحجاب. فقال داود: أنت إذن والله ملك الموت مرحبا بأمر الله. ثم مكث مكانه حتى قبضت روحه، فلما غسّل وكفّن وفرغ من شأنه طلعت عليه الشمس، فقال سليمان للطير: أظلّى على داود فأظلته الطير حتى أظلمات عليه الأرض، فقال سليمان الطير: اقبضى جناحا جناحا. قال أبو هريرة- رضى الله عنه- فطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلم يرينا كيف فعلت الطير، وقبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيده. وغلبت عليه يومئذ المضرحية» «1» .   (1) انفرد بإخراجه الإمام أحمد وإسناده جيد، ورجاله ثقات. وانظر: «مجمع الزوائد» للهيثمى (8/ 206) . ومعنى قوله: «وغلبت عليه يومئذ المضرحية» أى غلبت على التظليل عليه الصقور الطوال الأجنحة، وأحدها مضرحى. قال الجوهرى: وهو الصقر الطويل الجناح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 [باب الضّاد] الضأن: ذوات الصوف من الغنم (انظر الغنم باب الغين) . 1- الضّبّ (أ) الضب فى اللغة: حيوان من جنس الزواحف من رتبة العظاء، غليظ الجسم خشنه، وله ذنب عريض حرش أعقد، يكثر فى صحارى الأقطار العربية، ويقال: رجل خبّ ضبّ: مراوغ خداع، والجمع أضب، وضباب، وضبّان. وضبّ البلد وأضبّ: كثرت ضبابه، وأرض ضبة: كثيرة الضّباب، ويقول البغدادى: الورل، والضّبّ، والحرباء، وشحمة الأرض، والوزغ، كلها متناسبة فى الخلق. ويقال فى المثل: «أضلّ من ضب» و «أعقّ من ضبّ» وإنما يريدون بهذا الأنثى، وعقوقها: أنها تأكل أولادها. و «أحيا من ضب» أى: أطول عمرا، و «أجبن من ضب» و «أبله من ضب» و «أخدع من ضب» وقالوا: «أعقد من ذنب الضب» لأن عقده كثيرة. (ب) طبائع الضب: قال عبد القاهر: الضبّ دويبة على حد فرخ التمساح الصغير، وذنبه كذنبه، وهو يتلون ألوانا بحر الشمس، كما تتلون الحرباء. وإذا أرادت الضبة أن تخرج بيضها حفرت فى الأرض حفرة، ورمت فيها البيض، وغمرتها بالتراب، وتعاهدتها كل يوم حتى يخرج، وذلك فى أربعين يوما. ويقول الدميرى: وهى تبيض سبعين بيضة وأكثر، وبيضها يشبه بيض الحمام. والضب يخرج من جحره كليل البصر فيجلوه بالتحديق فى الشمس، وبينه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 وبين العقارب مودّة، ولذلك يؤويها فى جحره لتلسع المتحرش به إذا أدخل يده لأخذه، وفى طبعه النسيان، وعدم الهداية، وبه يضرب المثل فى الحيرة. ويوصف بالعقوق، لأنه يأكل حسوله، فلا ينجو منها إلا ما هرب. وهو طويل العمر، ومن هذه الجهة يناسب الحيات والأفاعى، ويقال فى المثل: «لا أفعله حتى يرد الضّب» لأن الضب لا يرد الماء. وقال ابن خالويه: «الضب لا يشرب الماء» . (ج) الأحكام الفقهية: يحل أكل الضب بالإجماع، ولا يؤكل من الحشرات غيره. (د) وإليك ما جاء فى السنة الشريفة عن الضب: [353] عن معقل بن أبى الزبير قال: سألت جابرا عن الضب، فقال: لا تطعموه. وقذره، وقال: قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: إن النبى صلّى الله عليه وسلم لم يحرّمه. إن الله عز وجل ينفع به غير واحد، فإنما طعام عامة الرعاء منه، ولو كان عندى طعمته «1» . [354] عن أبى سعيد قال: قال رجل: يا رسول الله، إنا بأرض مضبّة «2» ، فما تأمرنا؟ أو فما تفتينا؟ قال: «ذكر لى أن أمة من بنى إسرائيل مسخت» فلم يأمر ولم ينه. قال أبو سعيد: فلما كان بعد ذلك، قال عمر: إن الله عز وجل ينفع به غير واحد، وإنه لطعام عامة هذه الرعاء، ولو كان عندى لطعمته، وإنما عافه رسول الله صلّى الله عليه وسلم «3» . [355] عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم   (1) رواه مسلم فى صحيحه، كتاب الصيد والذبائح، حديث رقم 1950. (2) أرض مضبة: ذات ضباب كثيرة (3) رواه مسلم فى صحيحه، كتاب الصيد والذبائح، حديث رقم 1951. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 عن الضب فقال: «لست باكله، ولا أحرمه» «1» . [356] وفى سنن أبى داود: لما رأى النبى صلّى الله عليه وسلم الضّبّين المشويين بزق، فقال خالد: يا رسول الله، أراك تقذره ... وذكر تمام الحديث. وفى رواية لمسلم: «لا اكله ولا أحرمه» . [357] وفى الاخرى: «كلوه فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامى» «2» . [358] روى عن عبد الرحمن بن حسنة قال: «نزلنا أرضا كثيرة الضّباب، فأصابتنا مجاعة، فطبخنا منها- أى من الضّباب- فإن القدور لتغلى إذ جاءنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: «ما هذا؟» فقلنا: ضباب أصبناها! فقال: «إن أمة من بنى إسرائيل مسخت دوابّ فى الأرض، وأخشى أن يكون هذا منها فلم اكلها، ولم أنه عنها» . [يحتمل أن يكون ذلك قبل أن يعلم أن الممسوخ لا يعقب] «3» . [359] وروى البخارى عن ابن واقد- رضى الله تعالى عنه- أن النبى صلّى الله عليه وسلم لما خرج إلى حنين مر بشجرة للمشركين، يقال لها: «ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط» كما لهم ذات أنواط. فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى، اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ! فو الذى نفسى بيده لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع حتى لو   (1) حديث صحيح.. رواه مسلم فى صحيحه، كتاب الصيد والذبائح برقم 1943. (2) رواه مسلم (6/ 67) ، وأبو داود (3794) . (3) حديث صحيح.. رواه أبو داود (3735) ، والنسائى (7/ 199) ، وابن ماجه (3238) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه» . قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمن!» «1» . [360] عن ابن عبّاس- رضى الله عنه- قال: «أهدت أمّ حفيد خالة ابن عبّاس إلى النّبىّ صلّى الله عليه وسلم أقطا وسمنا وأضبّا فأكل النّبىّ صلّى الله عليه وسلم من الأقط والسّمن، وترك الضّبّ تقذّرا، قال ابن عبّاس: فأكل على مائدة رسول الله، ولو كان حراما ما أكل على مائدة رسول الله صلّى الله عليه وسلم» «2» . [361] عن ابن عبّاس «أنّ خالد بن الوليد أخبره أنّه دخل مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ميمونة وهى خالته وخالة ابن عبّاس فوجد عندها ضبّا محنوذا «3» قدمت به أختها حفيدة بنت الحارث من نجد، فقدّمت الضّبّ لرسول لله صلّى الله عليه وسلم، وكان قلّما يقدّم يده لطعام حتّى يحدّث به، ويسمّى له، فأهوى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يده إلى الضّبّ، فقالت امرأة من النّسوة الحضور: أخبرن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما قدّمتنّ له هو الضّبّ يا رسول الله فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يده عن الضّبّ، فقال خالد بن الواليد: أحرام الضّبّ يا رسول الله؟ قال: لا ولكن لم يكن بأرض قومى، فأجدنى أعافه «4» قال خالد: فاجتررته «5» فأكلته، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ينظر إلىّ» «6» .   (1) حديث صحيح.. أخرجه البخارى (2/ 2/ 164) فى «التاريخ الكبير» ، وأحمد (5/ 218) . (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الهبة وتفضلها- باب قبول الهدية (3/ 203) ، وفى كتاب الأطعمة- باب الخبز المرقّق والأكل على الخوان (7/ 91) ، وباب الأقط (7/ 94) ، وفى كتاب التوحيد باب الأحكام التى تعرف بالدلائل (9/ 135) . (3) محنوذا: أى مشويّا. (4) أعافه: أى أكره أكله طبعا لا شرعا. (5) فاجتررته: أى جذبته. (6) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الأطعمة- باب كان النبى صلّى الله عليه وسلم لا يأكل حتى يسمّى له فيعلم ما هو (7/ 92) ، وباب الشواء (7/ 93) ، وفى كتاب الصيد والذبائح باب الضب (7/ 125- 126) ، ومسلم فى كتاب الصيد والذبائح- باب إباحة الضب (6/ 70) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 [362] عن ابن عمر أنّ النّبىّ صلّى الله عليه وسلم كان معه ناس من أصحابه فيهم سعد، وأتوا بلحم ضبّ فنادت امرأة من نساء النّبىّ صلّى الله عليه وسلم أنّه لحم ضبّ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «كلوا فإنّه حلال ولكنه ليس من طعامى» «1» . [363] عن جابر بن عبد الله قال: أنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بضبّ فأبى أن يأكل منه وقال: «لا أدرى لعلّه من القرون «2» الّتى مسخت» «3» . [364] عن أبى سعيد أن أعرابيّا أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: إنى فى غائط «4» مضبّة، وإنه لعامة طعام أهلى.. قال: فلم يجبه. فقلنا: عاوده.. فعاوده، فلم يجبه ثلاثا.. ثم ناداه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الثالثة فقال: «يا أعرابى، إن الله لعن، أو غضب على سبط من بنى إسرائيل فمسخهم دوّاب يدبّون فى الأرض، فلا أدرى لعل هذا منها.. فلست اكلها ولا أنهى عنها» «5»   (1) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الصيد والذبائح- باب إباحة الضب (6/ 67) . (2) القرون: المراد الأمم السابقة. (3) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الصيد والذبائح- باب إباحة الضب (9/ 70) . (4) غائط: أرض مطمئنة. (5) رواه مسلم فى صحيحه، كتاب الصيد والذبائح، حديث رقم 1951. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 2- الضبع (أ) الضبع فى اللغة: الضّبع والضّبع: ضرب من السباع، أنثى، والجمع: أضبع، وضباع، وضبع، وضبع، وضبعات، ومضبعة، والذكر ضبعان «1» ، والجمع ضباعين، ويجمع الذكر والأنثى على «ضباع» ومن المسائل اللطيفة فى اللغة، أنه متى اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر على المؤنث، فنقول فى التثنية: الأبوان، فى: أب وأم، إلا فى موضعين. الأول: عند تثنية الذكر والأنثى من الضباع، فنقول: ضبعان، ولا يثنى على لفظ المذكر فرارا لما يجتمع فيه من الزوائد. الثانى: أنهم أرخوا بالليالى- وهى مؤنثة- دون الأيام، فقالوا: لخمس بقين أو مضين. والضبع يضرب بها المثل فى الحمق، فيقال: «أحمق من ضبع» «2» و «لا يخفى ذلك على ضبع» «3» و «أحمق من أم عامر» «4» ، ويروى عن الإمام على- كرم الله وجهه- أنه قال: «لا أكون مثل الضبع، تسمع اللّدم «5» حتّى تخرج فتصاد» «6» . (ب) طبائع هذا الحيوان: الضبع من الحيوانات التى تتمتاع بحاسة شم قوية، تمكنها من تحديد موقع طعامها بسهولة، ويكون بحثها عن الطعام أثناء الليل، وتتغذى عادة على ما تقتله   (1) كذا فى اللسان: 2550، وقال صاحب عون المعبود: (10/ 274) : «والأنثى الضبعان، ولا يقال: ضبعة» !! وهو وهم منه. (2) انظر: اللسان (2550) ، وجمهرة الأمثال للعسكرى (2/ 337) . (3) اللسان: (2550) . (4) جمهرة الأمثال للعسكرى: (2/ 315) ، وأم عامر كنية الأنثى، وكنية الذكر: أبو عامر. (5) اللدم: اللطم والضرب بشىء ثقيل. (6) انظر كتاب الأمثال للقاسم بن سلّام (126) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 الحيوانات الاخرى، وقد تهاجم الحيوانات المجروحة، أو الصغيرة التى لا تقوى على الفرار، وقيل: إنها مولعة بنبش القبور لشهوتها للحوم بنى ادم «1» . ويمكنها أيضا أن تفترس الادمى إذا نام، بأن تأتيه من وجهه، فتحفر الأرض حتى يميل رأسه ويبرز حلقه فتهجم عليه بأنيابها. وأنثى الضبع تتميز بأنها أضخم جسما من الذكر، ويعتبر «الضبع المنقط» أضخم أفراد عائلة الضباع، ويسمونه أيضا: الضبع الضاحك، لما يصدره من صوت يشبه ضحك الإنسان، وهو فى الواقع خليط من عواء حبيس ونقيق.. وللضبع جلد سيّئ لا يصلح للدباغة أو للصناعة، ولذا قال الشاعر «2» : يا ليت لى نعلين من جلد الضبع ... وشركا من استها لا تنقطع كل الحذاء يحتذى الحافى الوقع «3» قال الجاحظ: وهذا يدل على أن جلدها جلد سوء. والضبع توصف بالعرج، وليست بعرجاء، وإنما يخيل للناظر إليها ذلك.. وأنشد الشاعر: القوم أمثال السباع فانشمر ... فمنهم الذئب ومنهم النمر والضبع العرجاء والليث الهصر «4» (ج) الأحكام الفقهية: قال الخطابى: اختلف الناس فى أكل الضبع، فروى عن سعد بن أبى وقاص أنه كان يأكل الضبع، وروى عن ابن عباس إباحة لحم الضبع، وأباح أكلها عطاء والشافعى وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وكرهه الثورى وأصحاب الرأى ومالك، وروى ذلك عن سعيد بن المسيب «5» .   (1) ذكره صاحبا عون المعبود (10/ 274) ، وتحفة الأحوذى (5/ 498) . (2) هو أبو المقدام جساس بن قطيب. (3) انظر: الحيوان للجاحظ (6/ 446) ، والأمثال لأبى عبيد القاسم بن سلّام (223) ، والوقع: الذى يمشى فى الوقع- بالتحريك- وهى الحجارة، ومعناه: أن الحاجة تحمل صاحبها على التعلق بكل شىء قدر عليه، حتى لو كان عديم الفائدة مثل جلد الضبع. (4) انظر: الحيوان للجاحظ (6/ 448) . والهصر: الشديد الغمز. (5) انظر عون المعبود (10/ 275) ، وتحفة الأحوذى (5/ 500) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وإليك طائفة من الأحاديث التى تناولت الضبع: (د) الأحاديث الواردة فى الضبع: [365] عن ابن أبى عمار قال: قلت لجابر: الضبع أصيد هى؟ قال: نعم. قال: قلت: اكلها؟ قال: نعم. قال: قلت له: أقاله رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ قال: نعم «1» . [366] عن خزيمة بن جزء قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن أكل الضبع، فقال: «أو يأكل الضبع أحد؟!!» وسألته عن أكل الذئب، فقال: «أو يأكل الذئب أحد فيه خير؟!!» «2» . [367] عن زيد بن وهب عن رجل أن أعربيّا أتى النبى صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أكلتنا الضبع. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «غير الضبع عندى أخوف عليكم من الضبع، إن الدنيا ستصب عليكم صبا، فياليت أمتى لا تلبس الذهب» «3» . [368] عن جابر بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن الضبع، فقال: «هو صيد، ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم» «4» . [369] عن عبد الله بن يزيد السعدى قال: أمرنى ناس من قومى أن   (1) حديث صحيح.. رواه الترمذى فى جامعه، كتاب الأطعمة، باب ما جاء فى أكل الضبع (7/ 292) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (2) حديث ضعيف.. رواه الترمذى (7/ 293) ، وابن ماجه فى سننه، كتاب الصيد، باب الضبع (3237) كلاهما من طريق إسماعيل بن مسلم، وعبد الكريم بن أبى المخارق، وكلاهما متفق على ضعفه، ولذا ضعفه الزيلعى فى «نصب الراية» والحافظ فى «التلخيص» . (3) حديث ضعيف.. رواه أحمد فى مسنده: (5/ 368) من طريق يزيد بن أبى زياد القرشى عن زيد بن وهب به، ويزيد بن أبى زياد متروك كما فى التقريب (2/ 364) ، وفيه أيضا جهالة التابعى. (4) حديث صحيح.. رواه أبو داود فى سننه، كتاب الأطعمة (3783) 10/ 274، وابن ماجه فى سننه، كتاب الصيد (3236) ، وأحمد فى مسنده 3/ 297، والطحاوى فى مشكل الاثار (4/ 370- 371) والحاكم فى المستدرك (1/ 452) كلهم بسند على شرط مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 أسأل سعيد بن المسيب عن سنان «1» يحدّدونه «2» ويركزونه «3» فى الأرض فيصبح وقد قتل الضبع، أتراه ذكاته؟ «4» قال: فجلست إلى سعيد بن المسيب فإذا عنده شيخ أبيض الرأس واللحية من أهل الشام، فسألته عن ذلك، فقال لى: وإنك لتأكل الضبع؟!! قال: قلت: ما أكلتها قط، وإن ناسا من قومى ليأكلونها، قال: فقال: إن أكلها لا يحل. قال: فقال الشيخ: يا عبد الله، ألا أحدثك بحديث سمعته من أبى الدرداء يرويه عن النبى صلّى الله عليه وسلم؟ قال: فقلت: بلى. قال: فإنى سمعت أبا الدرداء يقول: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن كل ذى خطفة وعن كل نهبة، وعن كل مجثمة، وعن كل ذى ناب من السباع. قال: فقال: سعيد بن المسيب: صدق «5» .   (1) أى لسنان الرمح. (2) أى يسنّ كما تسن السكين. (3) أى يثبتونه فى الأرض. (4) أى: أترى قتله بهذه الصفة يقوم مقام ذبحه. (5) حديث ضعيف.. رواه أحمد فى مسنده (6/ 445) ، وعبد الله بن يزيد السعدى مجهول، روى عن سعيد بن المسيب، لم يرو عنه إلا سهيل بن أبى صالح. كذا فى تعجيل المنفعة (241) ، وأورده ابن حبان فى الثقات على عادته فى إيراد المجاهيل.. وفيه أيضا جهالة الراوى عن أبى الدرداء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 3- الضفدع (أ) الضفدع فى اللغة: واحد الضفادع، والأنثى ضفدعة. وحكى بضم الضاد وكسرها مع فتح الدال وضمها. وهو حيوان برمائى ذو نقيق، يقال للذكر والأنثى. ويقال: «نقّت ضفادع بطنه» : إذا جاع. وذكر الضفادع يقال له: العلجوم. وفى الأمثال: «أنقّ من ضفدع» . (ب) طبائع هذا الحيوان: الضفادع أنواع كثيرة، ويقول الدميرى: وتكون من سفاد وغير سفاد، وتتوالد من المياه الراكدة، وعقب الأمطار الغزيرة، ومنها ما ينق وما لا ينق، وتوصف بحدة السمع إذا تركت النقيق، وكانت خارج الماء. (ج) الحكم الشرعى: قال ابن العربى: الصحيح فى الحيوان الذى يكون فى البر والبحر، منعه (تحريم أكله) لأنه تعارض فيه دليلان: دليل تحليل ودليل تحريم، فنغلب دليل التحريم احتياطيا. والقول بتحريم الضفدع فيه نظر.. فمن حرم أكلها استدل بالنهى عن قتلها.. وأورد البخارى فى صحيحه، فى كتاب الذبائح، باب قول الله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ، قال الشعبى: لو أن أهلى أكلوا الضفادع لأطعمتهم. قال ابن التين: لم يبين الشعبى هل تذكى أم لا.. ومذهب مالك أنها تؤكل بغير تذكية، ومنهم من فصل بين ما مأواه الماء وغير.. وعن الحنفية ورواية الشافعى: لا بد من التذكية*.   * راجع فتح البارى، 9/ 529، طبعة دار الريان للتراث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 ومن أحكامه أنه: ينجس بالموت كغيره من الحيوان الذى لا يؤكل. وإذا ماتت فى ماء قليل، قال النووى: إن قلنا: لا تؤكل نجسته بلا خلاف. وحكى الماوردى فى نجاسته قولين. (د) وإليك ما جاء عن الضفادع فى السنة الشريفة: [370] فى الكامل عن جابر أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «من قتل ضفدعا فعليه شاة، محرما كان أو حلالا» «1» . وفى ترجمة حماد بن عبيد قال: [371] عن أبى هريرة قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن قتل الصّرد، والضفدع، والنملة، والهدهد «2» [372] روى ابن عدى عن عبد الله بن عمرو- رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح» . قال السلمى: سألت الدارقطنى فقال: إنه ضعيف. والصواب أنه موقوف على عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما «3» . [373] عن عبد الرّحمن بن عثمان أنّ طبيبا سأل النّبىّ صلّى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها فى دواء، فنهاه النّبىّ صلّى الله عليه وسلم عن قتلها «4» .   (1) حديث منكر.. رواه ابن عدى (4/ 1623) فى «الكامل» . (2) رواه ابن ماجه فى سننه، كتاب الصيد، باب ما ينهى عن قتله، وقال فى الزوائد: فى إسناده إبراهيم ابن الفضل المخزومى، وهو ضعيف. (3) حديث منكر.. أخرجه ابن عدى فى «الكامل» (6/ 288) ، وأبو الشيخ فى العظمة برقم (1248 ط مكتبة القران) ، وانظر هامشه بتحقيق الأستاذ/ مصطفى عاشور، ومجدى السيد إبراهيم. (4) حديث صحيح.. رواه أبو داود فى كتاب الأدب، باب فى قتل الضفدع، حديث (5269) ، والنسائى، كتاب الصيد والذبائح، باب الضفدع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 [باب الطاء] طامر ابن طامر: البرغوث (انظر القمل) . 1- الطائر (أ) الطائر فى اللغة: الطائر من الحيوان: كل ما يطير فى الهواء بجناحين، وما تطيرت به؛ أى: تيمنت أو تشاءمت، والحظ من الخير والشر. ويقال: «طار طائره» : غضب وأسرع. و «هو ساكن الطائر» : حليم هادئ وقور. و «هو ميمون الطائر» : مبارك. ويقال فى الدعاء للمسافر: «على الطائر الميمون» . و «طائر الله لا طائرك» : لينفذ حكم الله وأمره؛ لا ما تتخوفه وتحذره. ويقال: طائر الله لا طائرك [بالنصب] أحب حكم الله لا حكمك. وجمعه: طير وأطيار وطيور. ويقال: «كأن على رءسهم الطير» : هادئون ساكنون ليس فيهم طيش ولا خفة. وفى التنزيل العزيز: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ [الفيل: 4] والأبابيل: الجماعات من الناس، ويجئ فى موضع التكثير. وهناك خلاف حول الواحد من لفظها، واختلفوا أيضا فى المراد بالطير الأبابيل؛ قال سعيد بن جبير: «هى طير تعشش بين السماء والأرض وتفرخ» . وعن عكرمة: أنها طيور خضر خرجت من البحر. وقال عبادة بن الصامت: أظنها الزرازير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 (ب) طبائع الطيور: معظم الطيور مهيأة للطيران؛ فشكلها انسيابى، ووزنها خفيف بالنسبة لأحجامها، وترجع خفة وزنها إلى أن عظامها مفرغة من الداخل من ناحية، ومن ناحية أخرى لها جيوب هوائية منتشرة حول أجسامها، وهذه الجيوب الهوائية تعمل «كالبالونات» الصغيرة، والريش الذى يغطى أجنحة الطيور وذيولها يساعدها مساعدة كبيرة فى الطيران، كما يساعدها على ذلك أيضا أجنحتها القوية. وتشبه الطيور الثدييات فى أن دمها دافئ؛ فأجسام الطيور أكثر دفئا من أجسامنا. وينتشر فى العالم كله حوالى 14000 نوع من الطيور، منها 800 نوع فى الولايات المتحدة الأمريكية. ورغم أن كثيرا من الطيور لا تستطيع الطيران؛ فإن لجميعها أجنحة، ولا تستطيع كل الطيور أن تجرى هنا وهناك فوق الأرض، ولكن لكل الطيور- مع ذلك- أرجل. وبالإضافة إلى ذلك، فلكل الطيور مناقير. وتساعدنا الطيور فى عدة أمور: فهى تأكل الديدان الضارة، والفيران وبذور الحشائش، والحيوانات الميتة، كما أنها تمدنا بالطعام، ويستخدم الحمام الزاجل فى نقل الرسائل، ويمكن تدريب غربان البحر على مساعدة صائدى السمك، كما يمكن تدريب طيور الباز لتساعد فى الصيد. وبطبيعة الحال فإن الطيور تجعل حياتنا أكثر بهجة بألوانها الزاهية، وتغريدها العذب. وأشهر الطيور الجارحة الصقر، والبوم، والنسور، وإن كانت الحدأة والباز والعقاب تنتمى إلى هذه المجموعة أيضا. وهناك طيور الماء، والطيور المغردة، والطيور الطّنانة، وطيور الصيد، والطيور المنقرضة.. إنها أمم أمثالنا. (ج) فروع من الفقه منثورة: منها- كما قال الدميرى- لو ملك الإنسان طائرا أو صيدا وأراد إرساله فوجهان: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 أحدهما: أنه يجوز ويزول عنه ملكه، كما لو أعتق عبدا، واختاره أبو هريرة. والثانى: لا يجوز ذلك، واختاره الشيخ أبو إسحاق، والقفال، والقاضى أبو الطيب وهو الأصح فى «الروضة» و «الشرح» . ولو فعله عصى ولم يخرج عن ملكه بالإرسال؛ لأنه يشبه سوائب الجاهلية، وقياسا على ما لو سيب دابة. واختار صاحب «الإيضاح» وجها ثالثا، وهو: إن قصد بعتقه التقرب إلى الله تعالى زال ملكه عنه، وإلا فلا. وطير الماء حلال بجميع أنواعه إلا اللقلق فإنه يحرم أكله على الصحيح كما قال الرافعى. وحكى الرويانى فى طير الماء وجهين عن الصيمرى، والأصح ما قاله الرافعى، ويدخل فيه البط والأوز ومالك الحزين. قال أبو عاصم العبادى: وهى أكثر من مائة نوع، ولا يدرى لأكثرها اسم عند العرب؛ فإنها لم تكن ببلادهم. (د) وإليك ما جاء فى الحديث الشريف عن الطير. [374] عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: «جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصّفاح «1» ، فجاءهم عبد المطلب، جدّ النبى صلّى الله عليه وسلم فقال: إن هذا بيت الله تعالى لم يسلط الله عليه أحدا. قالوا: لا نرجع حتى نهدمه. قال: وكانوا لا يقدّمون فيلهم إلا تأخّر. فدعا الله الطير الأبابيل، فأعطاها حجارة سودا عليها الطين، فلما حاذتهم رمتهم، فما بقى منهم أحد إلا أخذته الحكّة «2» ، فكان لا يحك إنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه» «3» . [375] عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: أقبل أصحاب الفيل، حتى إذا دنوا من مكة، استقبلهم عبد المطلب، فقال لملكهم: ما جاء بك إلينا؟ ألا بعثت فنأتيك بكل شىء أردت؟ فقال: أخبرت بهذا البيت   (1) الصفاح: موضع بمكة. (2) الحكة: مرض يصيب الجلد، فيحكه صاحبه. (3) حديث رواه البيهقى فى دلائل النبوة (1/ 124) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 الذى لا يدخله أحد إلا أمن، فجئت أخيف أهله. فقال: إنا نأتيك بكل شىء تريد، فارجع. فأبى إلا أن يدخله، وانطلق يسير نحوه، وتخلّف عبد المطلب، فقام على جبل، فقال: لا أشهد مهلك هذا البيت وأهله. ثم قال: اللهم! إن لكلّ إله ... حلالا فامنع حلالك لا يغلبنّ محالهم ... أبدا محالك اللهم! فإن فعلت ... فأمر مّا بدا لك فأقبلت مثل السحابة من نحو البحر حتى أظلتهم طير أبابيل التى قال الله تبارك وتعالى: تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ قال: فجعل الفيل يعجّ عجّا «1» فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ «2» . [376] روى الشافعى عن سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبى يزيد، عن سباع بن ثابت، عن أم كرز قالت: أتيت النبّى صلّى الله عليه وسلم فسمعته يقول: «أقرّوا الطير على مكناتها» . [377] وفى رواية « ... فى وكناتها» «3» .   (1) حديث رواه الحاكم فى مستدركه (2/ 535) ، وصححه ووافقه الذهبى، والبيهقى فى دلائل النبوة (1/ 122) . والحلال: القوم المقيمون المتجاورن، يريد بهم سكان الحرم والمحال- بكسر الميم- الكيد والقوة. ويعج: أى يرفع صوته. (2) سورة الفيل، الاية: 5. (3) قال: فالتفت سفيان إلى الشافعى، وقال: يا أبا عبد الله؛ ما معنى هذا؟ قال الشافعى: إن علم العرب كان فى زجر الطير، فكان الرجل منهم إذا أراد سفرا خرج من بيته، فيمر على الطير فى مكانه فيطيره، فإذا أخذ يمينا مشى فى حاجته، وإن أخذ يسارا رجع، فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «أقروا الطير على مكناتها» . قال: فكان ابن عيينة يسأل بعد ذلك عن تفسير هذا الحديث، فيفسره على نحو ما فسّره الشافعى. والمكن- بكسر الكاف- موضع القرار والتمكن. وأصل المكن: بيض الضب. قال الصيدلانى: فعلى هذا يجب أن يكون المفرد مكنة- بتسكين الكاف- كتمرة وتمرات. والحديث رواه أبو داود (2835) ، وأحمد (6/ 381) ، وابن حبان (1432- كما فى مورد الظمان) ، والحاكم (4/ 237) ، وهو صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 وهذا بعض حديث رواه أحمد وأصحاب السنن والحاكم وابن حبان. [378] نفى الشرع التطيّر وأبطله بقوله صلّى الله عليه وسلم: «لا طيرة، خيرها الفأل» «1» . [379] وفى الحديث: قالوا: يا رسول الله، لا يسلم منّا أحد من الطّيرة والحسد والظن، فما نصنع؟ قال صلّى الله عليه وسلم: «إذا تطيّرت فامض وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق» «2» (رواه الطبرانى وابن أبى الدنيا) . [380] فى «التمهيد» لابن عبد البر من حديث المقرئ، عن ابن لهيعة، عن ابن هبيرة، عن عبد الرحمن الحبلى، عن عبد الله بن عمرو- رضى الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «من رجعته الطّيرة عن حاجته فقد أشرك» قالوا: وما كفارة ذلك يا رسول الله؟ قال صلّى الله عليه وسلم: «أن يقول أحدكم: اللهمّ لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك. ثم يمضى لحاجته» «3» . [381] روى الترمذى، وابن ماجه، والحاكم، وصححه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «لو توكلتم على الله حقّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا» «4» .   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى (7/ 174) ، ومسلم (110) . (2) حديث ضعيف.. رواه الطبرانى وفيه إسماعيل بن قيس ضعيف. وانظر: «مجمع الزوائد» للهيثمى (8/ 78) . (3) حديث صحيح.. وقد رواه أيضا أحمد (2/ 220) . (4) معناه: تذهب أول النهار، ضامرة البطون من الجوع، وترجع اخر النهار ممتلئة البطون من الشبع. وقال الإمام أحمد: ليس فى هذا الحديث دلالة على القعود عن الكسب، بل فيه ما يدل على طلب الرزق. وهذا خلاف التواكل. والحديث صحيح، وقد رواه الترمذى (2344) ، وابن ماجه (4164) ، والحاكم (4/ 318) ، وأحمد (1/ 52) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 الفرخ: ولد الطائر، ثم استعمل فى كل صغير من الحيوان والنبات. والأنثى فرخة. وجمع القلة: أفرخ وأفراخ، وجمع الكثرة فراخ. [382] روى أبو داود بإسناد صحيح على شرط الشيخين عن عبد الله بن جعفر أن النبى صلّى الله عليه وسلم أمهل ال جعفر ثلاثا، ثم أتاهم فقال: «لا تبكوا على أخى بعد اليوم» ثم قال صلّى الله عليه وسلم: «ادعوا إلىّ بنى أخى» فجئ بنا كأننا أفرخ، فقال صلّى الله عليه وسلم: «ادعوا لى الحلاق» فأمره فحلق رؤسنا «1» . [383] وروى البزار عن عمر بن الخطاب أن النبى صلّى الله عليه وسلم كان فى بعض مغازيه، فبينما هم يسيرون إذ أخذوا فرخ طير، فأقبل أحد أبويه حتى سقط على أيدى الذين أخذوا الفرخ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ألا تعجبون لهذا الطير، أخذ فرخه، فأقبل حتى سقط فى أيديهم» ! قالوا: بلى يا رسول الله! فقال صلّى الله عليه وسلم: «والله، لله أرحم بعباده من هذا الطير بفرخه» «2» . [384] وفى «سنن أبى داود» فى أوائل كتاب الجنائز من حديث عامر الرام أخى الخضر، بضم الخاء وإسكان الضاد، وهو فرد فى الأسماء قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا أقبل رجل على كساء، وفى يده شىء قد لف عليه طرف كسائه، فقال: يا رسول الله، إنى لما رأيتك أقبلت، فمررت بغيضة شجر، فسمعت فيها أصوات فراخ طائر،   (1) حديث صحيح.. رواه أبو داود (4192) . (2) قال الهيثمى فى المجمع (10/ 383) : رواه البزار من طريقين ورجال إحداهما رجال الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 فأخذتهن فوضعتهن فى كسائى، فجاءت أمهن فاستدارت على رأسى، فكشفت لها عنهن، فوقعت عليهن، فلففتها معهن، وهاهن فيه معى! فقال صلّى الله عليه وسلم: «ضعهن عنك» فوضعتهن، وأبت أمّهن إلا لزومهن. فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «أتعجبون لرحمة أم الفراخ فراخها؟» قالوا: نعم يا رسول الله. قال صلّى الله عليه وسلم: «فو الذى بعثنى بالحق نبيا لله أرحم بعباده من أم هؤلاء الأفراخ بفراخها، ارجع بهن حتى تضعهن من حيث أخذتهن» . فرجع بهن وأمهن ترفرف عليهن «1» . [385] وروى مسلم عن سلمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن الله خلق، يوم خلق السموات والأرض، مائة رحمة. كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها فى الأرض رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة» «2» [386] وروى مسلم والنسائى والترمذى عن ثابت، عن أنس- رضى الله عنه- أن النبى صلّى الله عليه وسلم عاد رجلا من المسلمين قد خفت، - وفى رواية الترمذى- قد جهد، فصار مثل الفرخ، فقال له النبى صلّى الله عليه وسلم: «هل كنت تدعو الله بشىء أو تسأله إياه؟!» قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبى به فى الآخرة فعجّله لى فى الدنيا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «سبحان الله! إنك لا تطيقه، ولا تستطيعه، أفلا قلت: اللهم اتنا فى الدنيا حسنة، وفى الآخرة   (1) حديث ضعيف.. رواه أبو داود (3089) . (2) حديث صحيح.. رواه مسلم (2753) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 حسنة وقنا عذاب النار» «1» قال: فدعا الله به فشفاه. العاتق: فرخ الطائر فوق الناهض، يقال: أخذت فرخ قطاة عاتقا وذلك إذا طار واستقل. قال أبو عبيدة: نرى أنه من السبق، كأنه يعتق؛ أى: يسبق. قال ابن سيده: العاتق: الناهض من فرخ القطا، وهو أول ما ينحسر ريشه الأول، وينبت له ريش جديد. وقيل: العاتق من الحمام ما لم يسن ويستحكم، والجمع عواتق. والفرس العتيق: الرائع الكريم. والعتاق من الطير: الجوارح، ومن الخيل: النجائب، وامرأة عتيقة: أى جميلة كريمة. وفى صحيح البخارى عن ابن مسعود: أنه كان يقول فى سورة «بنى إسرائيل» و «الكهف» ، و «مريم» و «طه» و «الأنبياء» : (إنهن من العتاق الأول وهن من تلادى) . أراد بالعتاق: جمع عتيق، والعرب تسمى كل شىء بلغ الغاية فى الجود «عتيقا» ؛ يريد تفضيل هذه السور لما تتضمن من ذكر القصص، وأخبار الأنبياء، وأخبار الأمم. والتلاد: ما كان قديما من المال؛ يريد: أنها من أوائل السور المنزلة فى أول الإسلام؛ لأنها مكية، وأنها من أول ما قرئ وحفظ من القران. 2- ذو الطفيتين حية خبيثة (انظر الزواحف) .   (1) فى هذا الحديث: النهى عن الدعاء بتعجيل العقوبة. وفيه فضل الدعاء ب «اللهم اتنا فى الدنيا حسنة ... إلخ» . وفيه جواز التعجب بقوله: سبحان الله!. والحديث صحيح.. رواه مسلم فى «الذكر» (23- 24) ، والبخارى فى «الأدب المفرد» (827- 828) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 [باب الظاء] 1- الظّبى (أ) الظبى فى اللغة: الظبى: الغزال، والجمع أظب، وظباء، وظبىّ. والأنثى ظبية. والجمع ظبيات، وظباء. قال الكرخى: الظباء: ذكور الغزلان، والأنثى الغزال. قال الإمام: وهذا وهم؛ فإن الغزال ولد الظبية إلى أن يشتد ويطلع قرناه. قال الإمام النووى: الذى قاله الإمام هو المعتمد. قال الجوهرى: وتكنى الظبية «أم الخشف، وأم شادن، وأم الطّلا» . وفى الأمثال: «امن من ظباء الحرم» . وقالوا: «ترك الظبى ظلّه» . يضرب للرجل النفور، وظله كناسه التى يستظل به من شدة الحر. (ب) طبائع الظبى: الظباء مختلفة الألوان، وهى ثلاثة أصناف: صنف يقال له: «الارام» ، واحدها ريم، وهى ظباء بيض خالصة البياض ومساكنها الرمال. ومنها صنف يسمّى «العفر» ، وألوانه حمر، وهى قصار الأعناق، وأضعف الظباء عدوا، تألف المواضع المرتفعة من الأرض، والأماكن الصلبة. أما الصّنف الثالث فيسمّى الادم، طوال الأعناق، والقوائم، بيض البطون. وتوصف الظباء بحدة البصر، وفيها نفور أشد من غيرها من الحيوان، وهى تلى النّمر فى سرعة العدو. ويستطيب الحنظل، ويلتذّ بأكله، ويرد البحر فيشرب من المر الزعاق! والظباء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 تعيش فى جماعات بخلاف الفهد الذى يعيش منفردا. قال ابن قتيبة: ولد الظبية أول سنة «طلا» وخشف، ثم فى السنة الثانية جذع، ثم فى الثالثة ثنىّ، ثم لا يزال ثنيا حتى يموت. وهناك «غزال المسك» ولونه أسود، ويشبه ما تقدم فى القدّ، ودقة القوائم، وافتراق الأخلاف، ولحم الظبى حارّ يابس، وهو أصلح لحوم الصيد، وأجوده الخشف. (ج) الحكم الفقهى: يحل أكلها بجميع أنواعها. والمسك طاهر إن انفصل من الظبى حال حياته، وهو مستثنى من القاعدة الفقهية المعروفة، أن ما قطع من الحى فهو ميتة. (د) وإليك ما جاء فى السنة النبوية: [387] عن عائشة رضى الله عنها: أهدى للنبى صلّى الله عليه وسلم وشيقة ظبى وهو محرم، فردّها. قال سفيان: الوشيقة: ما طبخ وقدد. وفى رواية: فلم يأكله «1» [388] وروى الطبرانى عن أم سلمة- رضى الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الصحراء، فإذا مناد ينادى: يا رسول الله: فالتفت فلم ير أحدا، ثم التفت فرأى ظبية موثوقة، فقالت: ادن منى يا رسول الله! فدنا منها، فقال: ما حاجتك؟ فقالت: إن لى خشفين فى هذا الجبل؛ فحلنى حتى أذهب فأرضعهما، ثم أرجع إليك. فقال صلّى الله عليه وسلم: «وتفعلين؟» ، فقالت: عذبنى الله عذاب العشّار إن لم أفعل، فأطلقها. فذهبت وأرضعت خشفيها، ثم رجعت، فأوثقها، وانتبه الأعرابى، فقال: ألك حاجة يا رسول الله؟ فقال: «نعم تطلق هذه»   (1) رواه أحمد فى مسنده 6/ 40، 225. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 فأطلقها، فخرجت تعدو، وتقول: أشهد ألاإله إلا الله، وأنك رسول الله! «1» . [389] وفى «دلائل النبوة» للبيهقى عن أبى سعيد قال: مر النبى صلّى الله عليه وسلم بظبية مربوطة إلى خباء فقالت: يا رسول الله، حلنى حتى أذهب فأرضع خشفىّ، ثم أرجع فتربطنى. فقال صلّى الله عليه وسلم: «صيد قوم، وربيطة قوم» فأخذ عليها فحلفت له، فحلها، فما مكثت إلا قليلا حتى جاءت، وقد نفضت ما فى ضرعها، فربطها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ثم أتى إلى خباء أصحابها، فاستوهبها منهم، فوهبوها له، ثم قال صلّى الله عليه وسلم: «لو علمت البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا أبدا» «2» . [390] روى الدارقطنى والطبرانى فى معجمه الأوسط عن أنس بن مالك، والبيهقى فى شعبه عن أبى سعيد الخدرى قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم على قوم قد صادوا ظبية، وشدوها إلى عمود فسطاط فقالت: يا رسول الله؛ إنى وضعت ولى خشفان، فاستأذن لى أن أرضعهما ثم أعود إليهم. فقال صلّى الله عليه وسلم: «خلّوا عنها حتى تأتى خشفيها ترضعهما وتأتى إليكم» قالوا: ومن لنا بذلك يا رسول الله؟!، فقال صلّى الله عليه وسلم: «أنا» . فأطلقوها، فذهبت، فأرضعتهما، ثم عادت إليهم فأوثقوها، فقال صلّى الله عليه وسلم: «أتبيعونيها؟» فقالوا: هى لك يا رسول الله، فخلوا عنها، فأطلقها. وفى رواية عن زيد بن أرقم قال: «لما أطلقها رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأيتها   (1) حديث ضعيف.. رواه الطبرانى فى «الكبير» (23/ 331- 332) برقم (763) . وقال الهيثمى فى «مجمع الزوائد» (8/ 295) : «فيه أغلب بن تميم، وهو ضعيف» أهـ. (2) حديث ضعيف جدا: رواه البيهقى فى «دلائل النبوة» (6/ 34) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 تسبح فى البّريّة وهى تقول: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) » «1» . [391] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- أنه كان يقول: «لو رأيت الظّباء بالمدينة ترتع ما ذعرتها «2» ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ما بين لابتيها حرام «3» » «4» . [392] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: «إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: لا عدوى ولا صفر ولا هامة «5» ، فقال أعرابى: يا رسول الله، فما بال إبلى تكون فى الرمل كأنها الظباء فيأتى البعير الأجرب فيدخل بينها فيجربها فقال: فمن أعدى الأول؟!» «6» . [393] عن زيد بن أرقم قال: كنت مع النّبىّ صلّى الله عليه وسلم فى بعض سكك المدينة فمررنا بخباء أعرابىّ، فإذا ظبية مشدودة إلى الخباء «7» ، فقالت: يا رسول الله إنّ هذا الأعرابىّ صادنى قبيلا ولى خشفان فى البرّيّة وقد تعقّد هذا اللّبن فى أخلافى «8» ، فلا هو يذبحنى فأستريح، ولا يدعنى فأذهب إلى خشفىّ فى البرّيّة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن تركتك ترجعين؟» قالت: نعم، وإلّا عذّبنى الله عذاب العشّار «9» ، فأطلقها   (1) حديث ضعيف. رواه الطبرانى كما فى مجمع الزوائد (8/ 294) ، وقال الهيثمى: ضعيف. (2) أى ما قمت بتخويفها. (3) قوله: (ما بين لابتيها حرام) المراد المدينة، ولابتيها أى جانبيها. (4) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب العمرة- باب لابتى المدينة (3/ 27) ، وأحمد (2/ 279) . (5) سبق إيراد معانيها. (6) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الطب- باب لا صفر وهو داء يأخذ البطن (7/ 166) ، وباب لا هامة (7/ 179) ، ومسلم فى كتاب السلام- باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر (7/ 30- 31) . (7) الخباء: أحد بيوت العرب من وبر أو صوف ولا يكون من شعر ويكون على عمودين أو ثلاثة والجمع أخبية. (8) أخلاف: مفردها خلف وهو حلمة الثدى. (9) العشار: هو صاحب المكس، الذى يقف فى مداخل المدن فلا يدع أحدا من التجار ونحوهم يدخلها قبل أن يأخذ منه شيئا بدون وجه حق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلم تلبث أن جاءت تلمّظ «1» ، فشدّها رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى الخباء، فأقبل الأعرابىّ ومعه قربة «2» ، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أتبيعنيها؟ قال: هى لك يا رسول الله، فأطلقها رسول الله صلّى الله عليه وسلم» «3» . [394] عن قبيصة بن جابر قال: خرجنا حجاجا، فسنح لى ظبى، فرميته بحجر فمات. فلما قدمنا مكة سألنا عمر، فسأل عبد الرحمن بن عوف، فحكما فيه بعنز.. فقلت: إن أمير المؤمنين لم يدر ما يقول حتى سأل غيره.. قال: فعلانى بالدرة.. فقال: أتقتل الصيد فى الحرم وتسفه الحكم؟! قال الله تعالى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ وهذا عبد الرحمن عوف وأنا عمر «4» . [395] عن محمد بن سيرين أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال: إنى أجريت أنا وصاحب لى فرسين، نستبق إلى ثغرة ثنية «5» ، فأصبنا ظبيا ونحن محرمان.. فماذا ترى؟ فقال عمر لرجل جنبه: تعال حتى أحكم أنا وأنت.. قال: فحكما عليه بعنز.. فولى الرجل وهو يقول: هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم فى ظبى حتى دعا رجلا يحكم معه!! فسمع عمر قول الرجل، فدعاه، فسأله: هل تقرأ سورة المائدة؟ قال: لا.. قال: فهل تعرف هذا الرجل الذى حكم معى؟ قال   (1) تلمظ: اللمظ هو إخراج اللسان بعد الأكل أو الشرب ليمسح به الشفتين. (2) قربة بضم القاف: ما يتقرب به إلى الله تعالى من أعمال البر والطاعة، وقربه بكسر القاف ظرف من جلد يخرز من جانب واحد وتستعمل لحفظ الماء أو اللبن ونحوها. (3) حديث ضعيف رواه أبو نعيم فى «دلائل النبوة» (273) 375- 376 من طريق يعلى بن إبراهيم الغزال عن الهيثم بن حماد، قال الذهبى فى الميزان: (4/ 456) فى ترجمة يعلى: «لا أعرفه، له خبر باطل عن شيخ واه» ثم ساق له هذ الحديث. (4) ذكره مالك منقطعا ووصله سعيد بن منصور بسند صحيح.. انظر فتح البارى، كتاب الحدود، باب من أصاب ذنبا دون الحد. (5) نستبق: نرمى، الثغرة: الناحية من الأرض والطريق السهلة.. والثنية: الطريق الضيق بين جبلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 : لا قال: لو أخبرتنى أنك تقرأ سورة المائدة لأوجعتك ضربا.. ثم قال: إن الله تعالى يقول فى كتابه: يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ وهذا عبد الرحمن بن عوف «1» . [396] عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلّى الله عليه وسلم أتى بظبية فيها خرز فقسمها للحرة والأمة.. قالت عائشة: كان أبى رضى الله عنه يقسم للحر والعبد «2» . [397] عن هشام بن عروة عن أبيه، أن الزبير بن العوام كان يتزوّد صفيف الظباء وهو محرم. قال مالك: والصفيف: القديد «3» . [398] عن عمير بن سلمة الضمرى، عن البهزى، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم، حتى إذا كان بالروحاء «4» إذا حمار وحشى عقير «5» ، فذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: «دعوه، فإنه يوشك أن يأتى صاحبه» .. فجاء البهزى، وهو صاحبه، إلى النبى صلّى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، شأنكم بهذا الحمار. فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبا بكر فقسّمه بين الرّفاق، ثم مضى، حتى إذا كان بالأثابة «6» بين الرّويثة والعرج إذا ظبى حاقف «7» فى ظل فيه سهم، فزعم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر رجلا أن يقف عنده لا يريبه «8» أحد من الناس حتى يجاوزه «9» .   (1) رواه مالك فى الموطأ، كتاب الحج حديث رقم 231.. والاية رقم 95 من سورة المائدة. (2) رواه أبو داود فى سننه، حديث رقم 2952.. وأحمد فى مسنده 6/ 156، 159. (3) رواه مالك فى الموطأ، كتاب الحج، حديث رقم 77.. وفى القاموس: الصفيف: ما صفّ فى الشمس ليجف، وعلى الجمر لينشوى. (4) الروحاء: موضع بين مكة والمدينة. (5) عقير: معقور. (6) الأثابة: موضع أو بئر. (7) حاقف: منحن، رأسه بين رجليه. (8) لا يريبه: لا يمسه ولا يحركه ولا يهيجه. (9) رواه مالك فى الموطأ، كتاب الحج، حديث رقم 79.. والنسائى فى كتاب مناسك الحج، باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 [باب العين] 1- العاتق: فرخ الطير (انظر الطير) . 2- العتلة: هى الناقة التى لا تلقح؛ فهى أبدا قوية (انظر الإبل) . 3- العاضه: العاضة والعاضهة حية يموت الذى تلسعه من ساعته (انظر الزواحف) . 4- العاسل: الذئب (انظر الذئب) . 5- العافية: كل طالب رزق من إنسان أو بهيمة أو طائر (انظر الدواب) . 6- العائذ: الناقة التى معها ولدها (انظر الإبل) . 7- العبور: الجذعة من الغنم (انظر الغنم) . 8- العترفان: الديك (انظر الدجاج) . 9- العتود: الصغير من أولاد الماعز (انظر الغنم والماعز) . 10- العثّة: دويبة تلحس الثياب والصوف (انظر الأرضة) . 11- العثمان: فرخ الحبارى، وفرخ الثعبان والحية أو فرخها (انظر الزواحف) . 12- العجل: ولد البقرة (انظر البقر والثور) . 13- العشراء: الناقة التى أتى عليها فى حملها عشرة أشهر (انظر الإبل) . 14- العصافير والزرازير: 15- العقاب: 16- العقرب: (انظر الزواحف) . 17- العكرشة: الأرنب الأنثى (انظر الأرنب) . 18- العكرمة: الأنثى من الحمام (انظر الحمام) . 19- العلق: (انظر الدود) . 20- العناق: الأنثى من ولد المعز (انظر الغنم والماعز) . 21- العنبر: سمكة بحرية كبيرة (انظر الحوت) . 22- العنز: الأنثى من المعز (انظر الغنم والماعز) . 23- العنكبوت: 24- العير: الحمار الوحشى والأهلى أيضا (انظر الحمار) . 25- العيس: الإبل (انظر الإبل) . 26- أم عزّة: الظبية، وعزة ابنتها (انظر الظبى والغزال) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 1- العصفور (أ) العصفور فى اللغة: العصفور- بضم العين- وحكى ابن رشيق فى كتاب «الغرائب والشذوذ» عصفور بالفتح- والأنثى عصفورة. قال الشاعر: كعصفورة فى كفّ طفل يسومها ... حياض الرّدى، والطفل يلهو ويلعب! وكنية العصفور: أبو الصّعو، وأبو محرز، وأبو مزاحم، وأبو يعقوب. وفى الأمثال: «أخف حلما من عصفور» . قال حسّان- رضى الله عنه-: لا بأس بالقوم من طول ومن عظم ... جسم البغال وأحلام العصافير وقالوا: «صاحت عصافير بطنه» .. إذا جاع. قال الأصمعى: العصافير هنا: الأمعاء. وقالوا: «أسفد من عصفور» . (ب) طبائع العصافير: ومن الطرائف ما قاله حمزة فى تسميته حيث قال: وإنما سمى عصفورا، لأنه عصى وفرّ! وهو أنواع: منه ما يطرب بصوته، ويعجب بصوته وحسنه. والعصفور الصّرّار، وهو الذى يجيب إذا دعى من الصيرورة، وعصفور الجنة وهو الخطاف. ويقول الدميرى: وأما العصفور الدورى البيوتى فإن فى طباعه اختلافا، وذلك أن فيه من طبائع السباع، وهو أكل اللحم، ولا يزق فراخه. وفيه من البهائم أنه ليس بذى مخلب، ولا منسر، وإذا سقط على عود قدم أصابعه الثلاثة وأخر الدابرة، وسائر أنواع الطير تقدم إصبعين، وتؤخر إصبعين، ويأكل الحب والبقول، ويتميز الذكر بلحية سوداء، كما للرجل والتيس والديك. وليس فى الأرض طائر من سبع ولا بهيمة أحنّ من العصفور على ولده، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 ولا أشد له عشقا، وذلك مشاهد عند أخذ أفراخها. ووكره فى العمران تحت السقوف خوفا من الجوارح، وإذا خلت مدينة من أهلها ذهبت العصافير منها، فإذا عادوا إليها عادت العصافير. والعصفور لا يعرف المشى إنما يثب وثبا، وهو كثير «السّفاد» فربما سفد فى الساعة الواحدة مائة مرة، ولذلك قصر عمره؛ فإنه لا يعيش فى الغالب أكثر من سنة!! ومن أنواعه القبّرة، وحسّون، والبلبل، والصعو، والحمّرة، والنغير، والعندليب، والمكاكى والزرزور، وسمى بذلك لزرزرته؛ أى تصويته؛ قال الجاحظ: كل طائر قصير الجناح كالزرازير والعصافير إذا قطعت رجلاه لم يقدر على الطيران، كما إذا قطعت رجل الإنسان فإنه لا يقدر على العدو. (ج) الحكم الشرعى: وحكم العصافير والزرازير حل أكلها، ويحرم تعذيبها، وقتلها إلا لمنفعة، وهى على اختلاف أنواعها جنس واحد فى باب الربا. (د) وإليك ما جاء فى الحديث الشريف بشأنها: [399] عن عبد الله بن عمر يرفعه قال: «من قتل عصفورا فما فوقها- بغير حقّها- سأله الله- عز وجل- يوم القيامة. قيل يا رسول الله، فما حقّها؟ قال: حقّها أن تذبحها فتأكلها، ولا تقطع رأسها، فيرمى بها» «1» . [400] عن عمرو بن الشريد قال: سمعت الشريد يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «من قتل عصفورا عجّ «2» إلى الله- عز وجل-   (1) حديث حسن.. رواه أحمد فى مسنده (2/ 167، 197، 210) ، والدارمىّ فى سننه (1978) 2/ 115، والنسائى فى سننه كتاب الصيد- باب إباحة أكل العصافير. (2) عج: صاح ورفع صوته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 يوم القيامة يقول: يا ربّ، إن فلانا قتلنى عبثا، ولم يقتلنى لمنفعة» «1» . [401] عن خالد بن معدان، عن عبد الله بن عمر قال: الجنة مطويّة معلّقة بقرون الشّمس تنشر فى كلّ عام مرّة، وأرواح المؤمنين فى جوف طير خضر، كالزرازير، يتعارفون ويرزقون من ثمر الجنة» «2» . [402] عن عبد الرحمن بن عبد الله قال: نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم منزلا، فانطلق إنسان إلى غيضة، فأخرج منها بيض حمّر فجاءت الحمّرة ترفّ على رأس الرسول صلّى الله عليه وسلم ورؤس أصحابه فقال: «ويحكم أيّكم فجع هذه؟» فقال رجل من القوم: أنا أصبت لها بيضا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «اردده» «3» . [403] عن أنس بن مالك- رضى الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، وكان لى أخ يقال له: «أبو عمير» قال: - أحسبه قال- كان فطيما. قال: فكان إذا جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فراه قال: «يا أبا عمير؛ ما فعل النّغير؟!» . قال: فكان يلعب به «4» . [404] روى مسلم عن عائشة- رضى الله عنها- أنها قالت: دعى رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى جنازة صبىّ من الأنصار، فقلت: يا رسول الله، طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل سوا، ولم يدركه. فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «أو غير ذلك يا عائشة! إن الله تعالى خلق   (1) حديث ضعيف.. رواه أحمد فى مسنده (4/ 389) ، والنسائى فى سننه كتاب الأضاحى- باب من قتل عصفورا بغير حقه (7/ 239) بسند فيه ضعف. ورواه ابن قانع فى ترجمة الشريد بن سويد الثقفى. (2) رواه ابن أبى شيبة فى المصنف (رقم 33978) عن طريق ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عمر به، ورجال هذا الإسناد ثقات أثبات، إلا أن خالد بن معدان كثير الإرسال، وقد عنعنه، فالإسناد (ضعيف) ومعنى الخبر غريب، وفيه نكارة. (3) رواه أحمد فى المسند (1/ 404) . وأورده ابن الأثير فى النهاية (1/ 438) . (4) حديث صحيح.. رواه الإمام مسلم فى صحيحه كتاب الأدب (حديث 30) ، والإمام أحمد فى مسنده (3/ 115، 119) ، وابن ماجه فى سننه كتاب الأدب (برقم 24) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 للجنة أهلا. خلقهم لها وهم فى أصلاب ابائهم، وخلق للنار أهلا. خلقهم لها وهم فى أصلاب ابائهم» «1» . [405] روى أن رجلا من أهل الصّفة استشهد، فقالت له أمه: هنيئا لك، عصفور من عصافير الجنة، هاجرت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقتلت فى سبيل الله! فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا ينفعه، ويمنع ما لا يضره» «2» . [406] وفى الصحيحين، وسنن النسائى، وجامع الترمذى من حديث ابن عباس- رضى الله تعالى عنهما- عن أبى بن كعب، وأبى هريرة- رضى الله تعالى عنهما- أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «قام موسى خطيبا فى بنى إسرائيل، فسئل: أى الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. فعتب الله تعالى عليه؛ إذ لم يردّ العلم إليه. فأوحى الله إلى موسى: أن عبدا من عبادى بمجمع البحرين هو أعلم منك. وفى الرواية الاخرى: أنه قيل له: «هل تعلم أحدا أعلم منك؟! قال موسى: لا. فأوحى الله إلى موسى: بل عبدنا خضر. فقال موسى: يا ربّ، وكيف لى به؟ فقال له: احمل حوتا فى مكتلك، فإذا فقدته فهو ثمّ. فانطلق، وانطلق معه فتاه يوشع بن نون، وحملا حوتا فى مكتل، حتى إذا كانا عند الصخرة، وضعا رؤسهما فناما وانسلّ   (1) حديث صحيح رواه مسلم فى صحيحه، كتاب القدر، برقم 2662. قال الإمام النووى رحمه الله: أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة، لأنه ليس مكلفا.. وتوقف فيه بعض من لا يعتد به لحديث عائشة رضى الله عنها هذا، وأجاب العلماء بأنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع.. ويحتمل أنه صلّى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين فى الجنة، فلما علم قال ذلك فى قوله صلّى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم» وغير ذلك من الأحاديث.. والله أعلم.. أما أطفال المشركين، فالصحيح أنهم من أهل الجنة اهـ. (2) حديث ضعيف: وقد صدر بصيغة التضعيف وهى «روى» ، وعزاه السيوطى فى «الدر المنثور» (6/ 196) إلى البيهقى فى «الشعب» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 الحوت من المكتل، فاتخذ سبيله فى البحر سربا، وكان لموسى ولفتاه عجبا. فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما حتى أصبحا، فقال موسى لفتاه: اتنا غداءنا؛ لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا! ولم يجد موسى شيئا من النّصب حتى جاوز المكان الذى أمر به، فقال له فتاه: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة؟ فإنى نسيت الحوت. قال موسى: ذلك ما كنا نبغى فارتدا على اثارهما قصصا. فلما انتهيا إلى الصخرة إذا رجل مسجّى بثوب- أو قال: تسجّى بثوبه- فسلم عليه موسى» . وفى الرواية الاخرى: «وكان يتبع أثر الحوت فى البحر، فقال الخضر: وأنّى بأرضك السلام؟! فقال: أنا موسى. قال: موسى بنى إسرائيل؟ قال: نعم. ثم قال: هل أتبعك على أن تعلمن مما علّمت رشدا؟ قال: إنك لن تستطيع معى صبرا. يا موسى، إنى على علم من علم الله علّمنيه الله لا تعلمه أنت، وإنك على علم من علم الله علّمكه الله لا أعلمه. قال: ستجدنى إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا. فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فرأيا سفينة فكلموهم أن يحملوهما، فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول. فجاء عصفور فوقع على حرف السفينة، فنقر نقرة أو نقرتين فى البحر. فقال الخضر: يا موسى، ما نقص علمى وعلمك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور» . وفى الرواية الاخرى: «إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر» «1» .   (1) قال العلماء: «لفظ النقص» ليس هنا على ظاهره، وإنما معناه: علمى وعلمك بالنسبة إلى علم الله كنسبة ما نقص هذا العصفور من هذا البحر. وهذا على التقريب للأفهام، وإلا فنسبة علمهما أقل وأحقر! والحديث صحيح.. أخرجه البخارى (74) ، ومسلم (2380) ، والترمذى (3149) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 [407] روى الحاكم عن خالد بن معدان، عن أبى عبيدة بن الجراح قال: إن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «إن قلب ابن ادم مثل العصفور، يتقلب فى اليوم سبع مرات» «1» . [408] عن أبى سعيد الخدرى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا كان يوم الجمعة فعقدت الملائكة على أبواب المسجد فيكتبون الناس، من جاء من الناس على منازلهم.. فرجل قدّم جزورا، ورجل قدّم بقرة، ورجل قدّم شاة، ورجل قدّم دجاجة، ورجل قدّم عصفورا، ورجل قدّم بيضة.. فإذا أذّن المؤذن وجلس الإمام على المنبر طويت الصحف ودخلوا المسجد يستمعون الذكر» «2» . [409] عن عبد الله بن عبادة الزرقى أنه كان يصيد العصافير فى بئر إهاب، وكانت لهم، قال: فرانى عبادة بن الصامت، وقد أخذت العصفور، فينزعه منى، فيرسله، ويقول: أى بنى، إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم حرّم ما بين لابتيها كما حرّم إبراهيم مكة «3» . [410] روى مالك فى الموطأ عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمى أنه قال: سمعت أبى يستحبّ العقيقة ولو بعصفور «4» .   (1) أخرجه (4/ 329) وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (2) رواه أحمد فى مسنده 3/ 81. (3) رواه أحمد فى مسنده 5/ 317. (4) رواه مالك فى الموطأ، كتاب العقيقة، حديث رقم 5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 2- العجل (أ) العجل [في اللغة] : ولد البقرة، والجمع: العجول، ويقال فى المفرد: عجّول، والجمع: العجاجيل، والأنثى: عجلة، وبقرة معجل؛ أى: ذات عجل. وقيل: سمى عجلا لاستعجال بنى إسرائيل عبادته، وكان مدة عبادتهم له أربعين يوما، فعوقبوا فى التيه أربعين سنة فجعل الله كل سنة فى مقابل يوم. (ب) الحكم الفقهى: ولد البقرة حلال أكله، وهو من أطيب اللحوم. (ج) ما ورد فيه من الأحاديث الشريفة: [411] عن عبد الله بن عمر قال: ما سمعت عمر لشىء قط يقول إنى لأظنه كذا إلا كان كما يظن.. بينما عمر جالس إذ مرّ به رجل جميل، فقال عمر: لقد أخطأ ظنى «1» ، أو إن هذا على دينه فى الجاهلية «2» ، أو لقد كان كاهنهم، علىّ بالرجل.. فدعى له، فقال له ذلك «3» .. فقال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم.. قال: فإنى أعزم عليك إلا ما أخبرتنى.. قال: كنت كاهنهم فى الجاهلية. قال: فما أعجب ما جاءتك به جنّيّتك؟ قال: بينما أنا يوما فى السوق، جاءتنى أعرف فيها الفزع «4» ، فقالت: ألم تر الجن وإبلاسها، ويأسها من بعد إنكاسها «5» ، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها.. قال عمر: بينما أنا   (1) فى رواية عند البيهقى: لقد كنت ذات فراسة، ولي لى الان رأى إن لم يكن هذا الرجل ينظر فى الكهانة. (2) أى مستمر على عبادة ما كانوا يعبدون. (3) أى ما قاله فى غيبته من التردد. (4) وفى رواية: إن ذلك كان وهو بين النائم واليقظان. (5) أى أنها يئست من استراق السمع بعد أن كانت قد ألفته، فانقلبت عن الاستراق قد يئست من السمع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 نائم عند الهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه، فصرخ به صارخ لم أسمع صارخا قط أشد صوتا منه يقول: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا أنت.. فوثب القوم.. قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا.. ثم نادى: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله.. فقمت، فما نشبنا أن قيل: هذا نبى «1» . [412] عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ليس الخبر كالمعاينة، إن الله عز وجل أخبر موسى بما صنع قومه فى العجل، فلم يلق الألواح. فلما عاين ما صنعوا ألقى الألواح فانكسرت» «2» . [413] عن معاذ بن جبل قال: أمرنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين بعثنى إلى اليمن ألااخذ من البقر شيئا حتى تبلغ ثلاثين، فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل تابع جذع أو جذعة، حتى تبلغ أربعين.. فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة «3» .   (1) الحديث أخرجه البخارى فى صحيحه، وانظر شرحه تفصيلا فى فتح البارى، الجزء السابع، كتاب مناقب الأنصار، باب إسلام عمر. (2) رواه أحمد فى مسنده 1/ 271. (3) رواه النسائى فى سننه، فى كتاب الزكاة باب زكاة البقر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 3- العقاب (أ) العقاب فى اللغة: العقاب: طائر معروف، والجمع: أعقب، لأنها مؤنثة، وأفعل بناء يختص به جمع الإناث مثل: عناق وأعنق، وذراع وأذرع. والكثير عقبان، وعقابين جمع الجمع. قال الشاعر: * عقابين يوم الجمع تعلو وتسفل* وكنيته: أبو الأشيم، وأبو الحجاج، وأبو حسّان، وأبو الدهر، وأبو الهيثم، والأنثى أم الهيثم. والعرب تسمى العقاب الكاسر. وتسمى العقاب: «عنقاء مغرب» لأنها تأتى من مكان بعيد. ويقال لها: الخدارية، وهى مؤنثة اللفظ. وقيل: العقاب يقع على الذكر والأنثى وتمييزه بالإشارة. وقالوا فى الأمثال: «أمنع من عقاب الجو» . وقالوا: أطير من عقاب الجو، وأبصر من عقاب وأحزم. ويقال: «أسمع من فرخ عقاب» ، «وأعز من عقاب الجو» . (ب) طبائع هذا الحيوان: قال فى «الكامل» العقاب سيد الطيور، والنّسر عريفها. والعقاب حادّ البصر، ولذلك قالت العرب: «أبصر من عقاب» . قال البطليوسى فى «الشرح» : قال الخليل: اللّقوة واللّقوة- بالفتح والكسر- العقاب السريع الطيران. ويقال: إنها صاحت تقول: «فى البعد عن الناس غنيمة» . والعقاب تبيض ثلاث بيضات فى الغالب، وتحضنها ثلاثين يوما، وما عداها من الجوارح تبيض بيضتين، وتحضن عشرين يوما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 والعقاب إذا صادت شيئا لا تحمله على الفور إلى مكانها، بل تنقله من موضع إلى موضع، ولا تقعد إلا على الأماكن المرتفعة. وهى أشد الجوارح حرارة، وأقواها حركة، وأيبسها مزاجا، وهى خفيفة الجناح سريعة الطيران، تتغدى بالعراق، وتتعشّى باليمن. وريشها الذى عليها فروتها فى الشتاء، وحليتها فى الصيف. وقيل لبشار بن برد: لو خيرك الله أن تكون حيوانا؛ ماذا كنت تختار؟ قال: العقاب؛ لأنها تلبث حيث لا يبلغها سبع، ولا ذو أربع، وتحيد عنها سباع الطير، ولا تعانى الصيد إلا قليلا، بل تسلب كل ذى صيد صيده. ومن شأنها أن جناحها لا يزال يخفق، وأول من صاد بها وأدبها أهل المغرب. (ج) الحكم الفقهى: يحرم أكل العقاب لأنه ذو مخلب، واختلف فى أنه هل يستحب قتله أم لا؟ فجزم الرافعى والنووى فى الحج باستحباب قتله، وجزم فى «شرح المهذب» بأنه من القسم الذى لا يستحب قتله ولا يكره، وهو الذى فيه نفع ومضرة، وهذا هو الذى جزم به القاضى أبو الطيب الطبرى، وهو المعتمد. ويحل أكل ما صاده إذا درب على الصيد وعلّم. (د) ما ورد فى حكم صيد العقاب: [414] عن مالك أنّه سمع بعض أهل العلم يقولون فى البازى والعقاب والصّقر وما أشبه ذلك: إنّه إذا كان يفقه كما تفقه الكلاب المعلّمة، فلا بأس بأكل ما قتلت ممّا صادت إذا ذكر اسم الله على إرسالها «1» .   (1) انظر: «الموطأ» للإمام مالك (2/ 493) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 4- العنكبوت (أ) العنكبوت فى اللغة: العنكبوت دويبة تنسج فى الهواء، وجمعها عناكب. والذكر «عنكب» وكنيته: أبو خيثمة، وأبو قشعم، والأنثى: أم قشعم، ووزنه فعللوت. وقالوا: «أغزل من عنكبوت» ، «وأوهى من بيت العنكبوت» . (ب) طبائع العنكبوت: وهى قصار الأرجل، كبار العيون، للواحد ثمانى أرجل وست عيون. وقال الجاحظ: ولد العنكبوت يخرج إلى الدنيا كاسيا كاسبا؛ لأن ولد العنكبوت يقوى على النسج ساعة يولد من غير تلقين ولا تعليم، ويبيض ويحضن. (ج) حكم العنكبوت: وحكم العنكبوت تحريم الأكل؛ لاستقذارها. (د) ما ورد فيها من أحاديث شريفة: [415] فى «مراسيل أبى داود» عن يزيد بن مرثد أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «إن العنكبوت شيطان فاقتلوه» «1» . [416] عن ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ قال: تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم: إذا أصبح فاثبتوه بالوثاق، يريدون النبى صلّى الله عليه وسلم.. وقال بعضهم: بل أخرجوه.   (1) حديث ضعيف.. رواه أبو داود فى «المراسيل» برقم (461) ، وسنده ضعيف لأنه مرسل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 فأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك، فبات علىّ على فراشه النبى صلّى الله عليه وسلم تلك الليلة، وخرج النبى صلّى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبى صلّى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا عليّا رد الله مكرهم، فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدرى.. فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل خلط عليهم، فصعدوا فى الجبل، فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسيج العنكبوت، فقالوا: لو دخل ههنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه.. فمكث ثلاث ليال «1» . [417] أسند الثعلبى وابن عطية وغيرهما عن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه- أنه قال: «طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت؛ فإن تركه فى البيت يورث الفقر» «2» . [418] وفى «الحلية» للحافظ أبى نعيم عن عطاء بن ميسرة قال: «نسجت العنكبوت مرتين على نبيين: على داود حين كان جالوت يطلبه. وعلى النبى صلّى الله عليه وسلم فى الغار» «3» .   (1) رواه أحمد فى مسنده 1/ 348. (2) حديث منكر.. ومظان هذه التفاسير الأحاديث الضعيفة. (3) حديث رواه أبو نعيم فى «الحلية» (5/ 197) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 [باب الغين] (الغداف) هو الغراب (انظر الغراب) . (الغذىّ) السخلة (انظر الغنم) . 1- الغراب (أ) الغراب فى اللغة: الغراب جنس طير من الجواثم يطلق على أنواع كثيرة: منها الأسود، والأبقع، والزاغ، والغداف، والأعصم. والعرب يتشاءمون به إذا نعق قبل الرحيل، وقد أباح الإسلام لنا أن نتفاءل، ونهى عن التشاؤم؛ وعلمنا ماذا نقول عند رؤية الطير. ويقال: «غراب البين» . ويضرب به المثل فى السواد، والبكور، والحذر، والبعد؛ يقولون: «بكّر بكور الغراب» و «فلان أحذر من الغراب» ، و «دون هذا شيب الغراب» . ويقال: «طار غرابه» : شاب، و «أرض لا يطير غرابها» : خصبة. والجمع غربان، وأغرب، وأغربة. والغراب من كل شىء: أوله واحدّه؛ يقال: غراب الفأس، وغراب السيف ونحو ذلك. والغداف- بضم الغين ودال مفتوحة- غراب أسحم ضخم كبير الجناحين، وينسب إليه فيقال: غدافى؛ أى: أسود. وليلة غدافية الإهاب: مظلمة. وجمعه غداف بكسر الغين. ومن اللطائف أن ابن مالك صاحب الألفية فى النحو والصرف أشار فى بيت إلى جموع غراب فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 بالغرب جمع غرابا ثم أغربه ... وأغرب وغرابين وغربان وكنيته: أبو حاتم، وأبو جحادف، وأبو الجراح، وأبو حذر، وأبو زيدان، وأبو زاجر، وأبو الشؤم، وأبو غياث، وأبو القعقاع، وأبو المر، وأبو المرقال. ويقال له: ابن الأبرص، وابن بريح، وابن دأية. (ب) طبائع الغربان: الغراب الأعصم عزيز الوجود، ولذلك قالت العرب: «أعز من الغراب الأعصم» . وهو الذى إحدى رجليه بيضاء. قال فى «الإحياء» الأعصم: أبيض البطن. وقال غيره: الأعصم أبيض الجناحين. وقيل أبيض الرجلين. و «غراب الليل» : قال الجاحظ: هو غراب ترك أخلاق الغربان، وتشبه بأخلاق البوم؛ فهو من طير الليل. وقال أرسطاطاليس فى «النعوت» : الغربان أربعة أجناس: أسود حالك، وأبلق، ومطرف ببياض لطيف الجرم يأكل الحب، وأسود طاوسى برّاق الريش، ورجلاه كلون المرجان يعرف ب «الزاغ» وفى الغراب كله الاستتار عند السفاد، وهو يسفد مواجهة ولا يعود إلى الأنثى بعد ذلك لقلة وفائه. والأنثى تبيض أربع بيضات وخمسا، وإذا خرجت الفراخ من البيض طردتها، وعلى الأنثى أن تحضن، وعلى الذكر أن يأتيها بالمطعم. وفى طبعه ألايتعاطى الصيد، بل إن وجد جيفة أكل منها وإلا مات جوعا، ويتقمقم كما يتقمقم ضعاف الطير، وفيه حذر شديد، وتنافر. والغداف: يأكل البوم ويخطف بيضها ويأكله. قال صاحب «منطق الطير» : الغراب من لئام الطير، وليس من كرامها، ولا من أحرارها، ومن شأنه أكل الجيف والقمامات، ولما كانت العرب تتشاءم بالغراب اشتقوا من اسمه الغربة، والاغتراب، والغريب. وغراب البين الأبقع؛ قال الجوهرى: هو الذى فيه سواد وبياض. ينوح نوح الحزين المصاب، وينعق بين الخلان والأحباب، إذا رأى شملا مجتمعا أنذر بشتاته، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وإن شاهد ربعا خالدا بشر بخرابه، يعرف النازل والساكن بخراب المساكن. وسموه أعور تفاؤلا بالسلامة منه. كما سموا البرية بالمفازة، وقيل: لأنه يغمض إحدى عينيه من قوة بصره. (ج) الأحكام الفقهية: عرفت أن الغراب أنواع: ويقول الدميرى: أباح الشعبى أكل الغراب الأسود الكبير الذى يأكل الحبوب والزرع فأشبه الحجل. وقال أبو حنيفة: الغربان كلها حلال. وروى هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة- رضى الله تعالى عنها- أنها قالت: إنى لأعجب ممن يأكل الغراب، وقد أذن النبى صلّى الله عليه وسلم فى قتله للمحرم، وسماه فاسقا، والله ما هو من الطيبات. وأما مذهب الشافعى، فالغداف يحرم أكله. والذى فى الرافعى أنه حلال. وخلاصة القول: 1- أن الجمهور على حرمة أكل الفواسق المأمور بقتلها. 2- أن المالكية فى أشهر الروايتين أباحوا الغربان كلها. 3- أن الغربان فيها ثلاثة أقوال: (أ) قول الجمهور بحرمة أكل الغداف الكبير والأبقع، ويحل أكل غيرهما فى الأصح. (ب) قول اخر يحل كل الغربان وهو للمالكية. (ج) وقول ثالث بحرمة كل أنواع الغربان وهو قول الظاهرية. والراجح: هو قول الجمهور الذى يحرم بعض أنواع الغربان، وهو الأسود الكبير، والغداف الكبير، وكذلك الأبقع، أما النوعان الاخران، وهما العقعق وغراب الزرع، فالعقعق يحل فى القول الراجح؛ لأنه يأكل الحب، ولا يأكل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 الجيف. أما غراب الزرع فيحل مطلقا، لأنه لا يأكل إلا الحب والزرع. وفى سنن ابن ماجه: قيل لابن عمر- رضى الله تعالى عنهما- أيؤكل الغراب؟ قال: ومن يأكله بعد قول الرسول صلّى الله عليه وسلم فيه: «إنه فاسق» . والفواسق الخمس: لا ملك لأحد فيها ولا اختصاص، كذا نقله الرافعى فى كتاب «ضمان البهائم» عن الإمام، وأقره على هذا فلا يجب ردها على غاصبها. (د) وإليك ما جاء بشأنه فى الحديث النبوى الشريف: [419] قال النبى صلّى الله عليه وسلم: «مثل المرأة الصالحة فى النساء كمثل الغراب الأعصم فى مائة غراب» (رواه الطبرانى من حديث أبى أمامة) وفى رواية ابن أبى شيبة: قيل: يا رسول الله؛ وما الغراب الأعصم؟ قال: «الذى إحدى رجليه بيضاء» «1» . [420] وروى الإمام أحمد والحاكم فى مستدركه، عن عمرو بن العاص رضى الله تعالى عنه قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمر الظهران؛ فإذا بغربان كثيرة، فيها غراب أعصم، أحمر المنقار والرجلين؛ فقال النبى صلّى الله عليه وسلم «لا يدخل الجنة من النساء إلا مثل هذا الغراب فى هذه الغربان» «2» . [421] وفى «السيرة» فى قصة «حفر زمزم» لما رأى عبد المطلب قائلا يقول له: «احفر طيبة» . قال: وما طيبة؟ قال: زمزم. قال: وما علامتها؟ قال: «بين الفرث والدم، عند نقرة الغراب الأعصم» . قال السهيلى: فى ذلك إشارة إلى أن الذى يهدم الكعبة صفته كصفة الغراب الأعصم، وهو ذو السويقتين. [422] روى مسلم عن أبى هريرة- رضى الله عنه أن النبى صلّى الله عليه وسلم   (1) حديث ضعيف جدّا.. رواه الطبرانى فى «المعجم الكبير» (ج 8 برقم 7817) ، وفى سنده مطرح ابن يزيد مجمع على ضعفه، وعلى بن يزيد مثله. (2) حديث صحيح.. رواه أحمد (4/ 197، 205) ، والحاكم (4/ 602) . أراد النبى صلّى الله عليه وسلم قلة الصالحة فى النساء، وقلة من يدخل الجنة منهن؛ لأن هذا الوصف فى الغربان عزيز قليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 قال: «يخرب الكعبة ذو السويقتين: رجل من الحبشة» «1» . [423] وفى البخارى عن ابن عباس- رضى الله تعالى عنهما- عن النبى صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «كأنى به أسود أفحج يقلعها حجرا حجرا، ويتناولونها حتى يرموا بها إلى البحر» «2» . يعنى الكعبة. (ذكره أبو الفرج بن الجوزى) . وذكر الحليمى: أن هذا يكون فى زمان عيسى عليه السلام. [424] حديث ابن عمر المتفق عليه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «خمس من الدواب ليس على المحرم فى قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والفأرة، والحية، والكلب العقور» «3» . [425] حديث عائشة- رضى الله عنها- عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «خمس فواسق يقتلن فى الحل والحرم: الحية، والغراب الأبقع، والفأرة والكلب العقور، والحدأة» «4» . [426] عن حفصة- رضى الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «خمس من الدواب لا حرج على من قتلهن: الغراب، والحدأة، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور» «5» . [427] عن أم سلمة- رضى الله عنها- قالت: لما نزلت: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ (الأحزاب: 59) خرج نساء الأنصار كأن على رؤسهن الغربان من الأكسية» «6» .   (1) حديث صحيح.. رواه مسلم فى «الفتن» برقم (57- 58) . (2) حديث صحيح.. رواه البخارى (2/ 183) . (3) حديث صحيح.. رواه البخارى (4/ 42) ، ومسلم (1199) . (4) حديث رواه مسلم (1198) ، وأحمد (6/ 97) . (5) حديث صحيح.. رواه البخارى فى أبواب العمرة، باب ما يقتل المحرم من الدواب (3/ 17) . (6) حديث رواه أبو داود فى كتاب اللباس- باب قوله تعالى: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ (حديث 4101) ، والأكسية جمع كساء شبهت الخمر- فى سوادها- بالغربان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 [428] روى أبو داود أن النبى صلّى الله عليه وسلم غيّر اسم العاص وعزيز وعتلة وشيطان والحكم وغراب وحباب وشهاب فسمّاه هشاما، وسمى حربا سلما» «1» . [429] عن عكرمة أن رفاعة طلّق امرأته فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير القرظى. قالت عائشة رضى الله عنها: وعليها خمار أخضر، فشكت إليها، وأرتها خضرة بجلدها. فلما جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم- والنساء ينصر بعضهن بعضا- قالت عائشة: ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات لجلدها أشد خضرة من ثوبها. قال: وسمع أنها قد أتت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فجاء ومعه ابنان له من غيرها، قالت: والله ما لى إليه من ذنب، إلا أن ما معه ليس بأغنى عنى من هذه «2» - وأخذت هدبة من ثوبها- فقال: كذبت والله يا رسول الله، إنّى لأنفضها نفض الأديم «3» ، ولكنها ناشز تريد رفاعة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «فإن كان ذلك لم تحلّى له، أو تصلحى له حتى يذوق من عسيلتك» قال: وأبصر معه ابنين له، فقال: «بنوك هؤلاء؟» قال: نعم.. قال: «هذا الذى تزعمين ما تزعمين؟! فو الله لهم أشبه به من الغراب بالغراب» «4» . [430] وفى الحديث أن النبى صلّى الله عليه وسلم «نهى عن نقرة الغراب» «5» . يريد بذلك تخفيف السجود، وأنه لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله. [431] وروى البخارى فى «الأدب» ، والحاكم فى «المستدرك» ،   (1) رواه أبو داود فى سننه كتاب الأدب، حديث رقم 4956. (2) ادعاء منها. بإصابته بالعنّة. (3) لأنفضها نفض الأديم: كناية بليغة فى الغاية من ذلك، لأنها أوقع فى النفس من التصريح، لأن الذى ينفض الأديم يحتاج إلى قوة ساعد وملازمة طويلة. (4) رواه البخارى فى صحيحه، كتاب اللباس، باب الثياب الأخضر. (5) حديث رواه أحمد (3/ 428، 444) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 والبيهقى فى «الشعب» ، وابن عبد البر، وغيرهم عن عبد الله بن الحارث الأموى عن أمه ريطة بنت مسلم عن أبيها أنه قال: شهدت مع النبى صلّى الله عليه وسلم حنينا، فقال: ما اسمك؟ قلت: اسمى غراب. فقال صلّى الله عليه وسلم: «بل أنت مسلم» «1» . [432] وفى سنن أبى داود، والنسائى، وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن شبل أن النبى صلّى الله عليه وسلم «نهى المصلّى عن نقرات الغراب» «2» . [433] ورواه الحاكم بلفظ «نهى عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل المكان كما يوطنه البعير» «3» . [434] وروى أبو يعلى الموصلّى والطبرانى فى معجمه الأوسط عن سلمة بن قيصر أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «من صام يوما ابتغاء وجه الله باعده الله من النار كبعد غراب طار وهو فرخ حتى مات هرما» «4» . [435] وروى أبو هريرة- رضى الله عنه- مثله عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ورواه الإمام أحمد فى «المسند» ، والبزار، وفيه رجل لم يسمّ «5» . [436] روى الطبرانى عن أبى أمامة قال: دعا النبى صلّى الله عليه وسلم بخفيه ليلبسهما، فلبس أحدهما، ثم جاء غراب فاحتمل الاخر، ورمى به، فخرجت منه حية، فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم   (1) وإنما غير النبى صلّى الله عليه وسلم اسمه، لأنه حيوان خبيث الفعل، خبيث المطعم؛ ولذلك أمر النبى صلّى الله عليه وسلم بقتله فى الحل والحرم. وإسناده لا بأس به. رواه البخارى فى «الأدب المفرد» (824) ، وفى «التاريخ الكبير» (4/ 1/ 252) ، والطبرانى فى «الكبير» (ج 19 برقم 1050) ، والبزار (1995) ، وغيرهم. (2) حديث صحيح.. رواه النسائى (2/ 214- 215) ، وأبو داود فى «الصلاة» (144) ، وابن ماجه فى «الإقامة (204) . (3) يريد بنقرة الغراب: تخفيف السجود، وأنه لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله. أخرجه الحاكم (4/ 602) . (4) حديث ضعيف فى إسناده ابن لهيعة، وفيه كلام. وانظر: «مجمع الزوائد» للهيثمى (3/ 181) . (5) حديث ضعيف. رواه أحمد فى «المسند» (2/ 526) ، والبزار (1037- كشف) ، وسنده ضعيف لجهالة أحد رواته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 الاخر، فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما» «1» . [437] وروى الإمام أحمد فى الزهد عن ابن عباس- رضى الله تعالى عنهما- أنه كان إذا نعب الغراب قال: «اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك» «2» . [438] عن عتبة بن عبد السلمى قال: جاء أعرابى إلى النبى صلّى الله عليه وسلم، فسأله عن الحوض وذكر الجنة.. ثم قال الأعرابى: فيها فاكهة؟ قال: نعم، وفيها شجرة تدعى طوبى.. فذكر شيئا لا أدرى ما هو.. قال: اى شجرة أرضنا تشبه؟ قال: ليست تشبه شيئا من شجر أرضك، فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «أتيت الشام؟» قال: لا. قال: «تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة تنبت على ساق واحد وينفرش أعلاها» . قال: ما عظم أصلها؟ قال: «لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما» قال: فيها عنب؟ قال: «نعم» قال: فما عظم العنقود؟ قال: «مسيرة شهر للغراب الأبقع ولا يعتر» قال: فما عظم الحبة؟ قال: «هل ذبح أبوك تيسا من غنمه قط عظيما؟» قال: نعم. قال: «فسلخ إهابه فأعطاه أمك قال: اتخذى لنا منه دلوا؟» قال: نعم. قال الأعرابى: فإن تلك الحبة لتشبعنى وأهل بيتى؟ قال: «نعم وعامة عشيرتك» «3» . الغزال: (انظر الظبى) [439] عن ابن عباس أن النبى صلّى الله عليه وسلم اضطبع فاستلم وكبّر، ثم رمل   (1) حديث صحيح.. رواه الطبرانى فى «الكبير» (7620) . (2) حديث رواه أحمد فى «الزهد» (ص 291) . (3) رواه أحمد فى مسنده 4/ 184. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 ثلاثة أطواف، وكانوا إذا بلغوا الركن اليمانى وتغيبوا من قريش مشوا ثم يطلعون عليهم يرملون. تقول قريش: كأنهم الغزلان. قال ابن عباس: فكانت سنة «1» . [440] عن أبى الزبير أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قضى فى الضبع بكبش، وفى الغزال بعنز، وفى الأرنب بعناق، وفى اليربوع بجفرة «2» .   (1) رواه أبو داود فى سننه، كتاب المناسك، حديث رقم 1889.. والاضطباع هو جعل وسط الرداء تحت الإبط الأيمن، وطرفيه على الكتف الأيسر.. والرّمل: الإسراع فى المشى مع هز الكتفين وتقارب الخطا.. وقد شرع إظهارا للقوة والنشاط. (2) رواه مالك فى الموطأ، كتاب الحج، حديث رقم 230. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 2- الغنم (أ) الغنم فى اللغة: الغنم: القطيع من المعز والضّأن، لا واحد له من لفظه، والجمع أغنام وغنوم، وأغانم. والكبش: فحل الضأن فى أى سنّ كان. والشاة: الواحدة من الضأن والمعز والظباء، والبقر، والنعام، وحمر الوحش (يقال للذكر والأنثى) . والجمع شاء وشياه. وقالوا فى الأمثال: «كل شاة برجلها معلقة» . والخروف: الذكر من الضأن، وهى خروفة، والجمع خراف، وأخرفة، وخرفان. وفى المثل: «كالخروف أينما أتّكأ اتّكأ على صوف» . (يضرب للرفاهية) . وقال الدميرى: الغنم على ضربين: ضائنة وما عزة. والماعز: الواحد من المعز (للذكر والأنثى) ، أو الأنثى ما عزة، والجمع: مواعز، ومعاز. والبهمة: الصغير من الضأن (الذكر والأنثى فى ذلك سواء) . جمعها: بهم وبهام. فائدة: قال أبو زيد: يقال لأبناء الغنم ساعة وضعها من الضأن والمعز جميعا: ذكرا كانت أو أنثى: سخلة، ثم هى بهمة، بفتح الباء المواحدة للذكر والأنثى جميعا، وجمعها بهم. فإذا بلغت أربعة أشهر، وفصلت عن أمها فما كان من أولاد المعز فهو جفار، وواحدها جفر، والأنثى جفرة. فإذا رعى، وقوى فهو عريض وعتود، وجمعها: عرضان وعتدان، وهو فى ذلك كله جدى. والأنثى عناق، ما لم يأت عليها الحول، وجمعها عنوق. والذكر تيس إذا أتى عليه حول، والأنثى عنز. ثم تجذع فى السنة الثانية، فالذكر جذع، والأنثى جذعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 أما الكبش فهو فحل الضأن فى أى سن كان، والجمع أكبش وكباش. وقالوا فى الأمثال: «عند النّكاح يظهر الكبش الأجمّ» وهو الذى لا قرن له. يضرب لمن غلبه صاحبه بما أعدّ له. وقالوا فى أمثالهم: «تغدّ بالجدى قبل أن يتعشى بك» يضرب للأخذ بالحزم. والحمل: الخروف إذا بلغ ستة أشهر. وقيل هو ولد الضأن الجذع فما دونه، والجمع حملان، وأحمال. والجذع: من الضأن ما له سنة تامة. والجذع: من الماعز ما له سنتان على الأصح. والعناق: الأنثى من ولد المعز قبل استكمال الحول. (ب) طبائع الأغنام: تروى السجلات المدونة منذ بضعة الاف من السنين أشياء كثيرة عن الرعاة وقطعانهم، وقد استؤنست الأغنام قبل أن يعرف الإنسان الكتابة، وإن كنا لا نعرف- على التحقيق- ما استؤنس من أنواعها البرية، وما تزال بعض الأغنام البرية تعيش إلى اليوم، ولكن ليس بينها ما يشبه كثيرا أى نوع من الأنواع التى نربيها؛ فالأغنام المستأنسة فى أمريكا لها سيقان قصار، وأذيال طوال فى الغالب؛ كما أن لها فروة كثيفة من الصوف*. أما قرونها- إن كان لها قرون- فهى قصيرة، وهى وديعة، وعلى جانب من الغباوة. أما الأغنام البرية فهى طويلة السيقان قصيرة الأذناب، ولها شعر طويل خشن، كما أن لمعظمها قرونا طويلة، ثم إنها تتصف بالجرأة، وخفة الحركة، ولا شك أن الإنسان قد أدخل كثيرا من التحسين على تربية الأغنام منذ شرع فى استئناسها. وتربى الأغنام لأصوافها ولحومها، وكذلك لدهنها، ولبنها فى بعض مناطق العالم.   * الموسوعة الذهبية، الجزء الثامن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 فأغنام «المرينو» مثلا تربى أصلا للأصواف الممتازة. بينما تنتج أغنام «شرو بشير» لحما طيبا، وصوفا جيدا أيضا. وهناك سلالات «شفيوت» وغيرها. وفى اسيا وشمال أفريقيا توجد سلالات ذوات أذيال سمان، وذلك لأنها تختزن الدهن فى أذيالها، كما تختزن الجمال الدهن فى أسنمتها. وقد يصل «ذيل الخروف» الواحد منها خمسين رطلا، حتى إن بعض رعاة الأغنام السمينة الأذيال يزودونها بعربات صغيرة تريحها من حمل ذلك الذيل. وتعيش الأغنام البرية فى المناطق الجبلية، ومن أشهر أنواعها الكباش القرناء (كبيرة القرون) المعروفة باسم «البجهورن» ، وهى تستوطن «جبال روكى» . وفى جمهورية مصر العربية أصناف مختلفة من الأغنام نجد منها فى الوجه البحرى: 1- البلدى أو الفلاحى: وهى صغيرة الحجم، ويغلب عليها اللون البنى، والقليل منها أسود. 2- الرحمانى: وهى أكبر الأغنام المصرية حجما، ولونها بنى. ثم نجد فى الوجه القبلى: 1- الأوسيمى: وهى كثيرة الانتشار فى مصر، ولون شعر الجسم أبيض، أما الرأس فيغلب أن تكون فروته حمراء بنية. 2- العبيدى: ولونها أبيض، والرأس بنى، وتوجد فى محافظة المنيا. 3- الصنباوى: وتوجد فى منطقة «صنبو» وما حولها، ويغلب فيها اللون الأبيض. ويعتبر «الأوسيمى» والرحمانى من أفضل الأنواع من حيث الإنتاج. وتربى الأغنام فى مصر أصلا لإنتاج لحم الضأن الذى يفضله الشعب على باقى اللحوم الاخرى. ومدة حمل النعاج 152 يوما، وتفطم الحملان فى سن أربعة أشهر غالبا. وقد تباع ذكور الحملان فى هذه السن لذبحها، وتسمى بالأوازى. والمعز: توصف بالحمق، وتفضل على الضأن بغزارة اللبن، وثخانة الجلد، وما نقص من ألية المعز زاد فى شحمه، ولذلك قالوا: «ألية المعز فى بطنه» ويسمى الذكر تيسا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 (ج) الأحكام الفقهية: تكون الأضحية من الإبل والبقر والغنم، ويجزئ من الضأن ما له سنة ونصف، ومن الماعز ما له سنتان، ومن البقر ما له سنتان، ومن الإبل ما له خمس ... يستوى فى ذلك الذكر والأنثى. 1- النية شرط فى الأضحية، ويجوز تقديمها على الذبح فى الأصح. 2- ويستحب أن يأكل منها الثلث ويتصدق بالثلث، ويهدى الثلث. 3- تنحر الإبل، وتذبح الغنم، وكمال الذبح أن يقطع الحلقوم والمرئ والودجين. 4- يحل أكل الغنم وبيعها بالنص والإجماع. 5- ويجب فى سائمتها الزكاة، ففى كل أربعين شاة: جذعة ضأن، أو ثنية معز. وفى مائة وإحدى وعشرين: شاتان. وفى مائتين وواحدة: ثلاث شياه. وفى أربعمائة: أربع شياه. ثم فى كل مائة شاة. وتكفى الأضحية الواحدة عن البيت الواحد.. فقد كان الرجل من صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلم يضحى بالشاة عن نفسه وعن أهل بيته، فهى سنة كفاية. وتجوز الأضحية بالخصى.. روى أحمد عن أبى رافع قال: ضحى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بكبشين أملحين موجوءين خصيين، ولأن لحمه أطيب وألذ. (د) ما جاء فى السنة الشريفة عن الغنم والمعز: [441] فى سنن البيهقى وغيره أن النبى صلّى الله عليه وسلم كان يكره من الشاة إذا ذبحت سبعا: «الذكر والأنثيين، والدم، والمرارة، والحيا، والعذرة، والمثانة» . وكان أحب الشاة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم «مقدّمها» «1» . [442] وقالت أم سلمة- رضى الله تعالى عنها- كان عندى   (1) حديث ضعيف جدّا.. رواه البيهقى (01/ 7) ، والطبرانى فى «الأوسط» وقال الهيثمى فى «مجمع الزوائد» (5/ 36) : «وفيه يحيى الحمانى، وهو ضعيف.. قلت: بل هو أشد، فقد كذبه غير واحد، وتركه اخرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فدخلت شاة، فأخذت قرصا تحت دنّ لنا، فقمت إليها فأخذته بين لحييها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ما كان ينبغى لك أن تعنقيها (أى تأخذى بعنقها) وتعصريها» «1» . [443] وروى مسلم عن سهل بن سعد الساعدى- رضى الله عنه- قال: «كان بين مصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبين الحائط ممرّ الشاة» «2» . وهذا يدل على استحباب القرب من السترة، كما جاء عنه أيضا: «إذا صلّى أحدكم إلى سترة فليدن منها لئلا يقطع الشيطان عليه صلاته» [رواه أبو داود] «3» . [444] فى سنن أبى داود وغيرها: أن النبى صلّى الله عليه وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية سمّتها، فأكل منها، وأكل معه رهط من أصحابه، فمات بشر بن البراء بن معرور. فأرسل إلى اليهودية وقال: «ما حملك على ما صنعت؟» قالت: إن كان نبيّا فلن يضرّه، وإن لم يكن نبيّا استرحنا منه. فأمر النبى صلّى الله عليه وسلم بها فقتلت «4» . كذا رواه وهو مرسل؛ فإن الزهرى لم يسمع من جابر شيئا، والمحفوظ أنه صلّى الله عليه وسلم قيل له: ألا تقتلها؟ فقال: «لا» كذا رواه البخارى ومسلم. وجمع البيهقى بينهما بأنه لم يقتلها فى الابتداء، فلما مات بشر أمر بقتلها.   (1) لم أهتد إلى من خرّجه. وذكره ابن الأثير فى النهاية وعزاه للهروى. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى (1/ 136) ، ومسلم فى «الصلاة عن صحيحه برقم (259) . (3) حديث صحيح.. رواه أبو داود (695) . (4) إسناد ضعيف لانقطاعه بين الزهرى، وجابر- رضى الله عنه- وقد رواه أبو داود (4510) ، والصواب أنه صلّى الله عليه وسلم أمر بقتلها كما فى «الصحيحين» ، وسنن أبى داود برقم (4511- 4512) ، وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 [445] وفى صحيح البخارى وسنن أبى داود والترمذى وابن ماجه أن النبى صلّى الله عليه وسلم أعطى عروة بن الجعد (وقيل: ابن أبى الجعد) البارقى دينارا ليشترى به شاة، فاشترى شاتين، فباع إحداهما بدينار، وجاء بشاة ودينار.. وذكر ما كان من أمره. فقال: «بارك الله لك فى صفقة يمينك» «1» . [446] روى البزار وابن قانع أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «أحسنوا إلى المعزى، وأميطوا عنها الأذى؛ فإنها من دواب الجنة» «2» . [447] وفى الحديث: «استوصوا بالمعزى خيرا؛ فإنه مال رقيق، وأنقوا عطنه» . أى: نقوا مرابضها مما يؤذيها من حجارة وشوك وغير ذلك «3» . [448] روى أحمد بن صالح السهمى عن ابن لهيعة، عن موسى بن وردان عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: مرت بالنبى صلّى الله عليه وسلم نعجة فقال: «هذه التى بورك فيها وفى خروفها» . لكنه حديث منكر جدّا. [449] روى الجماعة إلّا الترمذى عن أنس بن مالك- رضى الله تعالى عنه- قال: «ضحى الرسول صلّى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، فسمّى وكبّر، ووضع رجله على صفاحهما» «4» .   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى (1715) ، وأبو داود (3384) ، والترمذى (1258) ، وغيرهم. (2) حديث ضعيف جدّا.. فى إسناده يزيد بن عبد الملك النوفلى، متروك، انظر: «مجمع الزوائد» (4/ 66) . (3) حديث ضعيف جدّا.. رواه الطبرانى فى «الكبير» ، وفيه حمرة النصيبى، متروك، كذا قال الهيثمى فى «مجمع الزوائد» (4/ 66) . (4) حديث صحيح.. رواه البخارى (5565) ، ومسلم (1966) ، وأبو داود (2794) ، والنسائى (2/ 204- 205) ، وابن ماجه (3120) . وأملحين: الأملح: الذى بياضه أكثر من سواده، وقيل: هو النقى البياض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 [450] وروى أبو داود وابن ماجه عن جابر- رضى الله عنه- قال: ذبح النبى صلّى الله عليه وسلم يوم النحر كبشين أقرنين أملحين موجوءين، فلما وجههما قال النبى صلّى الله عليه وسلم: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام: 79] . اللهم منك وإليك، ومن محمد وأمته باسم الله والله أكبر» ثم ذبح «1» . قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وفى الحديث الاخر لمسلم: «يطأ فى سواد، ويبرك فى سواد، وينظر فى سواد» «2» . ومعناه: أن قوائمه، وبطنه، وما حول عينيه أسود. [451] وروى ابن سعد فى طبقاته: أن النبى صلّى الله عليه وسلم أهدى له ترس فيه تمثال كبش، فوضع يده عليه، فأذهب الله ذلك التمثال. [452] وفى رواية أنه كان له صلّى الله عليه وسلم ترس فيه تمثال كبش (وفى رواية تمثال عقاب) فكره النبى صلّى الله عليه وسلم مكانه، فأصبح وقد أذهبه الله تعالى «3» . [453] وعن أبى الدرداء- رضى الله عنه- أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «أوحى الله تعالى إلى بعض الأنبياء: قل للذين يتفقهون لغير الدين، ويتعلمون لغير العمل، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة، ويلبسون للناس صوف الكباش، وقلوبهم كقلوب الذئاب. ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، إياى يخادعون، وبى يستهزئون، لأتيحن لهم   (1) حديث صحيح.. أخرجه أبو داود (2810) ، والترمذى (1/ 287) ، وأحمد (3/ 356) ، والحاكم (4/ 229) ، وابن ماجه (3121) ، (2) حديث صحيح.. رواه مسلم (1967) . (3) حديث صحيح.. رواه ابن سعد فى «الطبقات الكبرى» (1/ 2/ 173) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 فتنة تدع الحكيم حيرانا» «1» . [454] وروى البيهقى فى الشعب عن عمر- رضى الله تعالى عنه- قال: نظر النبى صلّى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير مقبلا، وعليه إهاب كبش قد تمنطق به، فقال صلّى الله عليه وسلم: «انظروا إلى هذا الذى نور الله قلبه، فقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطعام والشراب، ولقد رأيت عليه حلة بمائتى درهم فدعاه حب الله وحب رسوله إلى ما ترون» «2» . [455] روى البخارى ومسلم والترمذى والنسائى من حديث أبى سعيد الخدرى- رضى الله تعالى عنه- عن النبى صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، جئ بالموت كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، ثم يذبح، ويقال: يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت» ثم قرأ صلّى الله عليه وسلم: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ [مريم: 39] «3» . وفى رواية الترمذى: «فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت. فيضجع، فيذبح، فلولا أن الله تعالى قضى لأهل الجنة بالحياة لماتوا فرحا. ولولا أن الله تعالى قضى لأهل النار بالحياة والبقاء لماتوا ترحا» . وإنما جئ بالموت على هيئة كبش لما جاء: «أن ملك الموت أتى ادم- عليه السلام- فى صورة كبش أملح قد نشر من أجنحته أربعمائة جناح» «4» . [456] وروى زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال: كنت   (1) حديث ضعيف جدّا.. رواه الخطيب فى «الفقيه والمتفقه» (2/ 162) ، وابن عبد البر فى «جامع بيان العلم وفضله» (1/ 231- 232) ، بسند فيه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصى، متهم بالوضع. (2) حديث حسن.. رواه أبو نعيم فى «الحلية» (1/ 108) ، والبيهقى فى «الشعب» (6189) . (3) حديث صحيح.. رواه البخارى (4730) ، ومسلم (2849) ، والنسائى فى «السنن الكبرى» برقم (11316) . (4) حديث صحيح.. رواه الترمذى (2558) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 غلاما يافعا أرعى غنما لعقبة بن معيط، فجاء النبى صلّى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وقد نفرا من المشركين، فقالا: يا غلام، هل عندك من لبن تسقينا؟ فقلت: إنى مؤتمن، ولست بساقيكما. فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل؟ قلت: نعم. قال: «فائتنى بها» قال: فأتيتهما بها، فاعتقلها النبى صلّى الله عليه وسلم، ومسح الضرع ودعا، فجعل الضرع يحفل، ثم أتاه أبو بكر بصخرة منقعرة فاحتلب فيها، وشرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وشرب أبو بكر، ثم شربت. ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم للضرع: «اقلص» فقلص؛ أى: اجتمع. قال: فأتيته بعد ذلك، فقلت: علمنى من هذا القول: قال: إنك عليم معلم. قال: فأخذت من فيه سبعين سورة لا ينازعنى فيها أحد» «1» . [457] وفى سنن أبى داود، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، قال: «إن النبى صلّى الله عليه وسلم صلّى إلى جدار اتخذه قبلة، ونحن خلفه، فجاءت بهمة تمر بين يديه، فما زال صلّى الله عليه وسلم يدرؤها، حتى لصق بطنه بالجدار، فمرت من ورائه» «2» . [458] فى صحيح مسلم، وسنن أبى داود، والنسائى، وابن ماجه من حديث يزيد بن الأصم عن ميمونة أن النبى صلّى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى بين يديه، حتى لو أن بهمة أرادت أن تمر بين يديه مرت «3» . [459] روى أبو داود عن ابن عباس- رضى الله تعالى عنهما-   (1) حديث حسن.. رواه أحمد (1/ 462) ، وابن أبى شيبة (7/ 51) ، وابن سعد فى «الطبقات الكبرى» (3/ 1/ 107) . (2) حديث حسن.. رواه أبو داود (708) والبهمة: الصغير من الضأن، الذكر والأنثى سواء. (3) حديث صحيح.. رواه مسلم (496) ، وأبو داود (884) ، وابن ماجه (880) ، وأحمد (6/ 331، 332، 333، 335) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 «أن النبى صلّى الله عليه وسلم كان يصلّى فذهب جدى يمر بين يديه، فجعل يتقيه» «1» . [460] وروى الطبرانى والبزار بإسناد حسن عن عبد الله بن عمرو ابن العاص- رضى الله عنهما- أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «كان جدى فى غنم كثيرة ترضعه أمه فترويه، فانفلت يوما، فرضع الغنم كلها ثم لم يشبع، فقيل: إن مثل هذا مثل قوم يأتون من بعدكم، فيعطى الرجل منهم ما يكفى القبيلة أو الأمة، ثم لم يشبع» «2» . [461] وروى ابن ماجه من حديث أبى زيد الأنصارى- رضى الله عنه- قال: مرّ النبى صلّى الله عليه وسلم بدار من دور الأنصار، فوجد ريح قتار، فقال: «من هذا الذى ذبح؟» فخرج إليه رجل منا فقال: أنا يا رسول الله، ذبحت قبل أن أصلّى لأطعم أهلى وجيرانى. فأمره صلّى الله عليه وسلم أن يعيد؛ فقال: لا، والله الذى لا إله إلا هو ما عندى إلا جذع أو حمل من الضأن، فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «اذبحه ولن تجزئ جذعة عن أحد بعدك» «3» . [462] عن أبى صعصعة الأنصارى عن أبيه أنه أخبره أن أبا سعيد الخدرى قال له: «إنى أراك تحبّ الغنم والبادية، فإذا كنت فى غنمك- أو باديتك- فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى «4»   (1) حديث صحيح.. رواه أبو داود (709) . (2) حديث ضعيف.. رواه الطبرانى كما فى «مجمع الزوائد» للهيثمى (10/ 243) ، والبزار (3642) (كشف) وفيه عطاء بن السائب اختلط قبل موته. (3) حديث رواه ابن ماجه (3154) ، وفى سنده عمرو بن بجدان، قال فيه الحافظ ابن حجر فى «التقريب» : «لا يعرف حاله» . لهذا فالإسناد ضعيف. وريح قتار: ريح القدر والشواء. (4) مدى صوت المؤذن: أى غاية الصوت تكون أخفى من ابتدائه، فإنه شهد له من بعد عنه ووصل إليه منتهى صوته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 صوت المؤذن جنّ ولا إنس ولا شىء «1» إلا شهد له يوم القيامة» «2» . قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلم. [463] عن عائشة رضى الله عنها قالت: «أهدى النبى صلّى الله عليه وسلم مرة إلى البيت غنما» «3» . [464] عن أنس قال: «قدم النبى صلّى الله عليه وسلم المدينة فنزل أعلى المدينة فى حى يقال لهم: بنو عمرو بن عوف، فأقام النبى صلّى الله عليه وسلم فيهم أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى بنى النجار فجاؤا متقلدى السيوف، كأنّى أنظر إلى النبى صلّى الله عليه وسلم على راحلته، وأبو بكر ردفه، وملأ بنى النجار حوله، حتى ألقى بفناء أبى أيوب، وكان يحبّ أن يصلّى حيث أدركته الصلاة، ويصلّى فى مرابض الغنم، وأنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملأ من بنى النجار فقال: يا بنى النجار.. ثامنونى «4» بحائطكم هذا.. قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله.. فقال أنس: فكان فيه ما أقول لكم قبور المشركين، وفيه خرب، وفيه نخل، فأمر النبى صلّى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت، ثم بالخرب فسويت، وبالنخل فقطع، فصفوا النخل إلى قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه «5» الحجارة، وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون «6» ، والنبى صلّى الله عليه وسلم معهم وهو يقول:   (1) قال ابن حجر فى الفتح (2/ 106) : ظاهره يشمل الحيوانات والجمادات فهو من العام بعد الخاص. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الصلاة- باب رفع الصوت بالنداء (1/ 158) ، وفى كتاب بدء الخلق- باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم (4/ 154) . فى الحديث استحباب رفع الصوت بالأذان ليكثر من يشهد له ما لم يجهده أو يتأذى به، وفيه أن حب الغنم والبادية ولا سيما عند نزول الفتنة من عمل السلف الصالح، وفيه أن أذان الفذ مندوب إليه ولو كان فى قفر. (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الحج- باب تقليد الغنم (2/ 208) ، ومسلم فى كتاب الحج- باب استحباب بعث الهدى إلى الحرم (4/ 90) . (4) ثامنونى: أى اذكروا لى ثمنه لأذكر لكم الثمن الذى أختاره، فكأنه قال: ساومونى فى الثمن. (5) العضادة بالكسر: ما يشد الباب من جانبيه. (6) أى يقولون شعر الرجز، نوع من أنواع الشعر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 «اللهمّ لا خير إلّا خير الاخره ... فاغفر للأنصار والمهاجرة «1» [465] عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمر الظهران نجتنى «2» الكباث «3» وإن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «عليكم بالأسود منه فإنه أطيبه. قالوا: أكنت ترعى الغنم «4» ؟ قال: وهل من نبى إلا وقد رعاها «5» » «6» . [466] عن أنس قال: «كان النبى صلّى الله عليه وسلم يصلّى- قبل أن يا بنى المسجد- فى مرابض الغنم» «7» . [467] عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن» «8» . [468] عن أبى هريرة وزيد بن خالد الجهنى- رضى الله عنهما- قال: «جاء أعرابى فقال: يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله. فقام خصمه فقال: صدق. اقض بيننا بكتاب الله، فقال الأعرابى: إن ابنى   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الصلاة- باب هل تنبش قبور مشركى الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد (1/ 117) . فى الحديث جواز التصرف فى المقربة المملوكة بالهبة والبيع، وجواز نبش القبور القديمة البالية إذا لم تكن محترمة، وجواز الصلاة فى مقابر المشركين بعد نبشها وإخراج ما فيها، وجواز بناء المساجد فى أماكنها. (2) نجتنى: أى نقتطف. (3) الكباث: كسحاب. النضيج من ثمر الأراك. قاله ابن الأعرابى. وواحدته كباثة. (4) قيل: إن المراد بذلك أن راعى الغنم يكثر تردده تحت الأشجار لطلب المرعى منها والاستظلال تحتها. (5) قال ابن حجر فى الفتح (9/ 489) : قال ابن التين عن الداودى: إن الحكمة فى قيام الأنبياء برعى الغنم لكونها لا تركب فلا تزهو نفس راكبها، إنما راعى الغنم يكثر تردده تحت الأشجار. (6) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الأطعمة- باب الكباث (7/ 105) . (7) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الوضوء- باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها (1/ 68) . (8) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الفتن- باب التغرب فى الفتنة (9/ 66) . وشعف الجبال: رؤسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 كان عسيفا «1» على هذا، فزنى بامرأته، فقالوا لى: على ابنك الرجم، ففديت ابنى بمائة من الغنم ووليدة، ثم سألت أهل العلم فقالوا: إنما على ابنك الوليدة، والغنم فردّ عليك، وعلى ابنك جلد مائة، وتغريب عام «2» ، فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: لأقضين بينكما بكتاب الله، أما الوليدة والغنم فرد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، وأمّا أنت يا أنيس- لرجل- فاغد على امرأة هذا فارجمها فغدا عليها أنيس فرجمها» «3» . [469] عن أبى هريرة رضى الله عنه: عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم «4» ، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة» «5» . [470] عن عبد الرحمن بن أبى بكر رضى الله عنهما قال: كنا مع النبى صلّى الله عليه وسلم ثم جاء رجل مشرك مشعانّ «6» طويل بغنم يسوقها فقال النبى صلّى الله عليه وسلم بيعا أم عطية- أو قال: أم هبة- قال: لا بل بيع، فاشترى منه شاة «7» .   (1) عسيفا: أى أجيرا عنده. (2) قال النووى: هو محمول على أنه صلّى الله عليه وسلم علم أن الابن كان بكرا وأنه اعترف بالزنا. (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الصلح- باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (3/ 241) ، وفى كتاب الأيمان والنذور- باب كيف كانت يمين النبى صلّى الله عليه وسلم (8/ 161) ، وكتاب الحدود- باب ما جاء فى إجازة خبر الواحد الصدوق (9/ 109- 110) . (4) قال ابن حجر فى الفتح (4/ 516) : الحكمة فى إلهام الأنبياء من رعى الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم، لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها فى المرعى ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق، وعرفوا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها فجبروا ورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها، وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها، ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل. (5) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الإجارة- باب رعى الغنم على قراريط (3/ 116) . (6) المشعان هو المنتفش الشعر، الثائر الرأس. (7) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب البيوع- باب الشراء والبيع مع المشركين وأهل الحرب (3/ 105) وابن ماجه فى التجارات (2149) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 [471] عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «غزا نبىّ «1» من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعنى رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يا بنى بها ولمّا يبن بها «2» ، ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقفها، ولا اخر اشترى غنما أو خلفات «3» وهو ينتظر ولادها، فغزا، فدنا من القرية حين صلاة العصر، أو قريبا من ذلك، فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علىّ شيئا فحبست حتى فتح الله عليه. فجمع الغنائم، فجاءت- يعنى النار- لتأكلها فلم تطعمها، فقال: إن فيكم غلولا «4» ، فليبايعنى من كل قبيلة رجل، فلزقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول، فليبايعنى قبيلتك، فبايعته، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده، فقال: فيكم الغلول فجاؤا برأس مثل رأس بقرة من الذهب فوضعوها، فجاءت النار فأكلتها، ثم أحلّ الله لنا الغنائم، رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا» «5» . [472] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «تتركون المدينة على خير ما كانت، لا يغشاها إلا العواف «6» - يريد عوافى السّباع والطّير- واخر من يحشر راعيان   (1) قال ابن حجر فى الفتح (6/ 255) : هذا النبى هو يوشع بن نون لما أخرجه أحمد من حديث أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع بن نون» . (2) ملك يضع امرأة: أى ملك فرجها بالنكاح. لم يبن بها: أى لم يدخل عليها. (3) خلفات: جمع خلفة وهى الحامل من النوق. (4) أراد بالغلول أنهم يسرقون من الغنيمة. (5) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الجهاد والسير- باب قول النبى صلّى الله عليه وسلم أحلت لكم الغنائم (4/ 104- 105) ، ومسلم فى كتاب اللقطة- باب استحباب خلط الأزواد إن قلت (5/ 139) . (6) قوله (على خير ما كانت لا يغشاها إلا العواف) : أراد على أحسن حال كانت عليه من قبل، قال القرطبى: وقد وجد ذلك حيث صارت معدن الخلافة ومقصد الناس وملجأهم، وحملت إليها خيرات الأرض، وصارت من أعمر البلاد، فلما انتقلت الخلافة عنها إلى الشام تعاورتها الفتن وخلت من أهلها فقصدتها عوافى الطير والسباع، والعوافى جمع عافية وهى التى تطلب أقواتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 من مزينة يريدان المدينة ينعقان «1» بغنمهما فيجدانها وحشا «2» ، حتى إذا بلغا ثنيّة الوداع خرّا على وجوههما» «3» . [473] عن جندب بن سفيان قال: «شهدت الأضحى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلما قضى صلاته بالناس نظر إلى غنم قد ذبحت فقال: «من ذبح قبل الصلاة فليذبح شاة مكانها، ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم الله «4» » «5» . [474] عن البراء قال: «ضحّى خالى أبو بردة قبل الصلاة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم تلك شاة لحم «6» ، فقال يا رسول الله إن عندى جذعة من المعز، فقال: ضحّ بها ولا تصلح لغيرك، ثم قال: من ضحّى قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين» «7» . [475] عن أنس بن مالك قال: «افتتحنا مكة، ثم إنّا غزونا حنينا، فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، قال: فصفت الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صفت الناس من وراء ذلك، ثم صفت الغنم، ثم صفت النعم. قال: ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة الاف، وعلى مجنّبة «8» خيلنا   (1) ينعقان: النعيق زجر الغنم. (2) أى يجدان أهلها صاروا وحوشا. (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب فضائل المدينة- باب من رغب عن المدينة (3/ 27) . (4) قوله (فليذبح على اسم الله) قال القاضى عياض: يحتمل أربعة أوجه. الأول: يكون معناه فليذبح لله. والثانى: معناه فليذبح بسنة الله. والثالث: بتسمية الله على ذبيحته إظهارا للإسلام، وقمعا للشيطان. والرابع: تبركا باسمه وتيمنا بذكره. (5) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الأضاحى- باب وقتها (6/ 74) . (6) تلك شاة لحم: أى ليست ضحية ولا ثواب فيها، بل لحم لك تنتفع به. (7) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الأضاحى- باب وقتها (6/ 74) . (8) المجنبة: هى الكتيبة من الخيل التى تأخذ جانب الطريق الأيمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 خالد بن الوليد، قال فجعلت خيلنا تلوى «1» خلف ظهورنا، فلم نلبث أن انكشفت خيلنا، وفرت الأعراب ومن نعلم من الناس، قال: فنادى رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يا للمهاجرين يا للمهاجرين، ثم قال يا للأنصار يا للأنصار، قال: قال أنس [هذا حديث عمّيّة] قال: قلنا لبيك يا رسول الله. قال: فتقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: فايم الله ما أتيناهم حتى هزمهم الله. قال: فقبضنا ذلك المال، ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة.. ثم رجعنا إلى مكة، فنزلنا، قال: فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يعطى الرجل المائة من الإبل» «2» . [476] عن معاوية بن الحكم السلمى قال: «كانت لى جارية ترعى غنما لى قبل أحد، والجوّانيّة «3» ، فاطّلعت ذات يوم فإذا الذّئب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بنى ادم اسف كما يأسفون لكنى صككتها صكّة «4» فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فعظّم ذلك علىّ قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: ائتنى بها فأتيته بها فقال لها: أين الله؟ قالت: فى السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها فإنّها مؤمنة» «5» . [477] عن البراء قال: «لما أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة فاتّبعه سراقة بن مالك بن جعشم، قال: فدعا عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم   (1) أى جعلت فرساننا يثنون أفراسهم ويعطفونها خلف ظهورنا. (2) حديث صحيح.. رواه مسلم فى الزكاة- باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتبصير من قوى إيمانه (3/ 107) . (3) الجوانية: موضع فى شمالى المدينة بالقرب من أحد. (4) أى لطمتها لطمة. (5) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الصلاة- باب تحريم الكلام فى الصلاة ونسخ ما كان من إباحته (2/ 71) . فى الحديث دليل علن أن إعتاق المؤمن أفضل من إعتاق الكافر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 فساخت فرسه «1» ، فقال: ادع الله لى ولا أضرك، قال: فدعا الله، قال: فعطش رسول الله صلّى الله عليه وسلم فمروا براعى غنم. قال أبو بكر: فأخذت قدحا فحلبت فيه لرسول الله صلّى الله عليه وسلم كثبة من لبن «2» فأتيته به فشرب حتى رضيت» «3» . [478] عن سفيان بن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه بعثه مصدّقا، فكان يعدّ على الناس بالسّخل، فقالوا: أتعدّ علينا بالسخل ولا تأخذ منه شيئا؟ فلما قدم على عمر بن الخطاب ذكر له ذلك، فقال عمر: نعم تعد عليهم بالسخلة، يحملها الراعى ولا تأخذها، ولا تأخذ الأكولة ولا الرّبّى ولا الماخض ولا فحل الغنم.. وتأخذ الجذعة والثنيّة، ذلك عدل بين غذاء الغنم وخياره. قال مالك: والسخلة الصغيرة حين تنتج.. والرّبّى التى قد وضعت فهى تربى ولدها. والماخض هى الحامل.. والأكولة هى شاة اللحم التى تسمن لتؤكل «4» . [479] عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه قال: أتيت النبى صلّى الله عليه وسلم فذبح لنا شاة، وقال: «لا تحسبن ولم يقل لا يحسبن، إنما ذبحناها لك، ولكن لنا غنم، فإذا بلغت مائة ذبحنا شاة» «5» . [480] روى البيهقى فى «الشعب» عن عمر- رضى الله تعالى عنه- قال: نظر النبى صلّى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير مقبلا وعليه إهاب   (1) فساخت فرسه: أى غاصت ونزلت فى الأرض. (2) كثبة من لبن: أى قليل من اللبن، والكثبة كل قليل جمعته من طعام أو لبن أو غير ذلك والجمع كثب. (3) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الأشربة- باب جواز شرب اللبن (6/ 104) ، وأحمد فى مسنده (4/ 281) . (4) رواه مالك فى الموطأ، كتاب الزكاة، حديث رقم 26.. وغذاء: جمع عذىّ أى سخال. (5) رواه أحمد فى مسنده 4/ 33، 211. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 كبش قد تمنطق به؛ فقال صلّى الله عليه وسلم: انظروا إلى هذا الذى نور الله قلبه؛ لقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطعام والشراب. ولقد رأيت عليه حلة اشتريت بمائة درهم؛ فدعاه حب الله وحب رسوله إلى ما ترون» «1» . [481] وروى البيهقى فى «البعث والنشور» من حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لما فدى إسحاق بالكبش، قال الله- عز وجل- إن لك دعوة مستجابة، فقال له إبراهيم تعجل دعوتك لا يدخل الشيطان فيها. قال إسحاق: اللهم من لقيك من الأولين والاخرين لا يشرك بك شيئا فاغفر له» «2» . [482] وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أنس رضى الله عنه «أن النبى صلّى الله عليه وسلم كان يصف من (عرق النّسا) ألية كبش عربى أسود، ليس بالعظيم ولا بالصغير، تجزأ ثلاثة أجزاء، فيذاب ويشرب منه كل يوم جزء» «3» . [483] وروى الحاكم وابن ماجه، ولفظهما أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «شفاء (عرق النّسا) أن يؤخذ ألية كبش فتذاب، ثم تجزأ ثلاثة أجزاء، ثم تشرب على الريق ثلاثة أيام، فى كل يوم جزء «4» .   (1) حديث رواه البيهقى فى «الشعب» (6189) ، وهو حديث حسن. (2) حديث ضعيف.. رواه البيهقى فى «البعث والنشور» (41) . (3) قال عبد اللطيف البغدادى: هذه المعالجة تصلح للأعراب الذين يعرض لهم هذا المرض من يبس. والحديث صحيح، وقد رواه أحمد (3/ 269) . (4) حديث صحيح.. رواه ابن ماجه (3463) ، والحاكم (4/ 206- 408) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 [باب الفاء] الفاختة: واحدة الفواخت من ذوات الأطواق، ويقال لها أيضا: «الصّلصل» (انظر الحمام) . 1- الفأر (أ) الفأر فى اللغة: حيوان تنسب إليه الفصيلة الفأرية، من رتبة القوارض، وهو يشمل الجرذ والفأرة؛ أى: الكبير والصغير، وتسهّل الهمز، فيقال: فار. والجمع: فئران، وفيران، وفئرة. ويكنى بقلة الفأر فى البيت عن الفقر. وتطلق الفأرة على الواحد من فصيلة الفأرة. وقيل: يطلق الفأر على المذكر، والفأرة على المؤنث. وكنية الفأرة: أم خراب، وأم راشد. والفويسقة. وفى الأمثال: قالوا: «ألصّ من فأرة» ، و «أسرق من زبابة» وهى الفأرة البرية تسرق كل ما تحتاج إليه، وما تستغنى عنه. (ب) طبائع هذا الحيوان: قال الدميرى: والفأر نوعان: جرذ وفئران، وكلاهما له حاسة السمع والبصر، وليس فى الحيوانات أفسد من الفأر، ولا أعظم أذى منه؛ لأنه لا يبقى على حقير ولا جليل، ولا يأتى على شىء إلا أتلفه وأهلكه. ومن الطريف أن القارورة الضيقة الرأس لا تسلم من أذاه، فإنه يحتال حتى يدخل فيها ذنبه، فكلما ابتل بما فيها، أخرجه وامتصه حتى لا يدع فيها شيئا. (ج) الحكم الفقهى: يحرم أكل جميع أنواع الفأر إلا اليربوع. ويكره سؤر الفأر. والعلماء مجمعون على أن حكم السمن الجامد تقع فيه الميتة أنها تلقى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 وما حولها، ويؤكل بقيته، وأما المائع كالخل والزيت، والسمن المائع، واللبن والشيرج، والعسل المائع، فلا خلاف فى أنه لا يؤكل. والمشهور جواز الاستصباح به، وكل هذا فى غير المساجد، فأما فى المساجد فلا يستصبح به جزما. واتفق جماهير العلماء على جواز قتل الفأر فى الحل والحرم. (د) ما جاء فى السنة الشريفة من الأحاديث الواردة فى الفأر: [484] عن عامر بن سعد عن أبيه أن النبى صلّى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ، وسمّاه فويسقا «1» . [485] روى البخارى وأبو داود والترمذى عن جابر عن عبد الله رضى الله تعالى- عنه أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «خمروا الانية، وأوكئوا الأسقية، وأجيفوا الأبواب، وأكفئوا صبيانكم عند المساء فإن للجن انتشارا وخطفة، وأطفئوا المصابيح عند الرقاد، فإن الفويسقة ربما اجترّت الفتيلة فأحرقت أهل البيت» «2» . [486] وفى سنن أبى داود عن ابن عباس- رضى الله تعالى عنهما- قال: جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فجاءت بها فألقتها بين يدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم على الخمرة التى كان قاعدا عليها، فأحرقت منها موضع درهم» «3» . [487] وروى الحاكم: جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فذهبت الجارية تزجرها، فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «دعيها» . فجاءت بها فألقتها بين يدى النبى صلّى الله عليه وسلم على الخمرة التى كان قاعدا عليها، فأحرقت منها موضع   (1) رواه مسلم فى صحيحه، كتاب السلام، حديث رقم 2238. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى (4/ 157) ، والترمذى (2857) ، وأيضا أحمد (3/ 388) . خمروا الانية: غطوها، أوكئوا الأسقية: اربطوها وشدوها. أجيفوا: أغلقوا.. أكفئوا صبيانكم: امنعوهم عن الحركة فى ذلك الوقت. (3) الخمرة: السجادة التى يسجد عليها المصلّى، سميت بذلك لأنها تخمر الوجه، أى تغطيه. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. رواه أبو داود (5247) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 درهم، فقال- عليه الصلاة والسلام- «إذا نمتم فأطفئوا سرجكم، فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم» «1» . [488] وفى صحيح مسلم وغيره: أن النبى صلّى الله عليه وسلم أمر بإطفاء النار عند النوم. وعلل ذلك بأن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم نارا. [489] وفى البخارى ومسلم عن أبى هريرة أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «فقدت أمة من بنى إسرائيل، ولا يدرى ما فعلت، ولا أراها إلا الفأر؛ ألا تراها إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشربه، وإذا وضع لها ألبان الشاة شربته» «2» . [490] عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «فقدت أمّة من بنى إسرائيل لا يدرى ما فعلت وإنى لا أراها إلا الفأر إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشرب، وإذا وضع لها ألبان الشّاة شربت «3» فحدثت كعبا فقال: أنت سمعت النبى صلّى الله عليه وسلم يقوله؟ قلت: نعم. قال لى مرارا فقلت: أفأقرأ التّوراة؟ «4» » «5» . [491] عن أبى سعيد الخدرى: «أن أناسا من عبد القيس قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبى الله إنا حى من ربيعة. وبيننا وبينك كفّار مضر، ولا نقدر «6» عليك إلا فى أشهر الحرم.. فمرنا بأمر نأمر به   (1) حديث صحيح.. رواه الحاكم (4/ 284) . (2) حديث صحيح.. رواه البخارى (4/ 156) ، ومسلم فى «الزهد» من «صحيحه» برقم (61) . (3) قال النووى تعليقا على هذه العبارة: معنى هذا أن لحوم الإبل وألبانها حرمت على بنى إسرائيل دون لحوم الغنم وألبانها، فدل بامتناع الفأرة من لبن الإبل دون الغنم على أنها مسخ من بنى إسرائيل. (4) أفأقرأ التوراة: هو استفهام إنكار، ومعناه ما أعلم ولا عندى شىء إلا عن النبى صلّى الله عليه وسلم. (5) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب بدء الخلق- باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعب الجبال (4/ 156) ، ومسلم فى كتاب الزهد والرقائق- باب فى الفأر وأنه مسخ (8/ 226) ، وأحمد فى المسند (2/ 497) . (6) لا نقدر عليك: أى لا نقدر على الوصول إليك خوفا من أعدائنا الكفار إلا فى الأشهر الحرم فإنهم لا يتعرضون لنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 من وراءنا وندخل به الجنة إذا نحن أخذنا به، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: امركم بأربع، وأنهاكم عن أربع: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وأقيموا الصلاة واتوا الزكاة، وصوموا رمضان، وأعطوا الخمس من الغنائم، وأنهاكم عن أربع: عن الدّبّاء «1» والحنتم «2» والمزفّت «3» والنقير «4» . قالوا: يا نبى الله، ما علمك بالنّقير؟ قال: بلى جذع تنقرونه فتقذفون فيه من القطيعاء «5» . قال سعيد: أو قال من التمر- ثم تصبون فيه من الماء حتى إذا سكن غليانه شربتموه، حتى إن أحدكم أو أحدهم ليضرب ابن عمه بالسيف «6» . قال: وفى القوم رجل أصابته جراحة كذلك، قال: وكنت أخبؤها حياء من رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقلت: ففيم نشرب يا رسول الله؟ قال: فى أسقية الادم التى يلاث على أفواهها «7» . فقالوا: يا رسول الله، إن أرضنا كثيرة الجرذان «8» ، ولا تبقى بها أسقية الادم، فقال نبى الله صلّى الله عليه وسلم: وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان. قال: وقال نبى الله صلّى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة» «9» . [492] عن جابر بن عبد الله قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم،   (1) الدباء: هو القرع اليابس، أى الوعاء منه. (2) الحنتم: واحدته حنتمة، وهى الجرار الخضر. (3) المزفّت: هو المطلى بالقار. (4) النقير: هو أصل النخلة ينقر وسطه ثم ينبذ فيه التمر، ويلقى عليه الماء ليصير نبيذا مسكرا. (5) القطيعاء: هو نوع من التمر صغار يقال لها الشهريز. (6) المراد أنه إذا شرب هذا الشراب المسكر، فلم يبق له عقل، وهاج به الشر فيضرب ابن عمه الذى هو عنده من أحب أحبابه وهذه مفسدة عظيمة. (7) يلاث على أفواهها: قيل هو أن يلف الخيط على أفواهها ويربط به، وقيل: بل تلف الأسقية على أفواهها كما يقال ضربته على رأسه. (8) الجرذان: مفردها جرذ وهو الذكر من الفأر، وقيل: هو الفأر الكبير. (9) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الإيمان- باب الأمر بالإيمان بالله ورسوله وشرائع الدين والدعاء إليه (1/ 36- 37) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 فلما برزنا من المدينة إذ راكب يوضع نحونا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «هذا الراكب إياكم يريد» .. قال: فانتهى الرجل إلينا، فسلّم، فرددنا عليه، فقال له النبى صلّى الله عليه وسلم: «من أين أقبلت؟» قال: من أهلى وولدى وعشيرتى.. قال: «فأين تريد؟» قال: أريد رسول الله صلّى الله عليه وسلم.. قال: «فقد أصبته» .. قال: يا رسول الله، علّمنى ما الإيمان؟ قال: «تشهد ألاإله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت» قال: قد أقررت. قال: ثم إن بعيره دخلت يده فى شبكة جرذان، فهوى بعيره، وهوى والرجل فوقع على هامته فمات. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «علىّ بالرجل» .. فوثب إليه عمار بن ياسر وحذيفة فأقعداه، فقالا: يا رسول الله قبض الرجل.. فأعرض عنهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال لهما: «أما رأيتما إعراضى عن الرجلين، فإنى رأيت ملكين يدسان فى فيه من ثمار الجنة، فعلمت أنه مات جائعا» .. ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «هذا والله من الذين قال الله عز وجل: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ» «1» الحديث. [493] عن ميمونة رضى الله عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم: سئل عن فأرة وقعت فى سمن فماتت فقال: «ألقوها وما حولها، وكلوا سمنكم» . وفى رواية سئل عن الفأرة تقع فى السّمن فقال: «إن كان جامدا فألقوها، وما حولها، وإن كان مائعا فلا تقربوه» «2» .   (1) رواه أحمد فى مسنده 4/ 359.. والاية رقم 82 من سورة الأنعام. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الوضوء- باب ما يقع من النجاسات (1/ 68) ، وكتاب الصيد والذبائح- باب إذا وقعت الفأرة فى السمنة (7/ 126) وأبو داود كتاب الأطعمة (3823) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 [494] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا وقعت الّفأرة فى السّمن، فإن كان جامدا فالقوها وما حولها، وإن كان مائعا، فلا تقربوه» «1» .   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى (237) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 2- الفحل (أ) الفحل فى اللغة: الفحل: الذكر من ذى الحافر، والظلف، والخف، وغير ذلك من ذى الروح، وجمعه أفحل، وفحول، وفحولة، وفحال، وفحالة. وجاء فى المعجم الوسيط: هو الذكر القوى من كل حيوان، والجمع: فحول وأفحل. ومن الأمثال المستحسنة قولهم: «ذلك الفحل لا يقدع أنفه» . وقد تمثل به ورقة بن نوفل فى النبى صلّى الله عليه وسلم حين خطب خديجة بنت خويلد رضى الله عنها. ويقال: بل تمثل به أبو سفيان بن حرب حين خطب النبى صلّى الله عليه وسلم ابنته أم حبيبة رضى الله عنها. قال العسكرى: وأصحاب الحديث يروونه: «الفحل لا يقرع أنفه» بالراء. ويقال: قدع أنفه. بالدال. عن كذا؛ أى: منع. وقالوا: «الفحل يحمى شوله معقولا» . والشّول: النوق التى جف لبنها، وارتفع ضرعها، وأتى عليها من نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية، والشول: جمع على غير قياس. و «معقولا» نصب على الحال؛ أى: أن الحر يحتمل الأمر الجليل فى حفظ أهله وحريمه، وإن كانت به علة. (ب) طبائع الفحل: فيه قوة، وقال البخارى فى الجهاد، وقال راشد بن سعد: كان السلف يستحبون الفحولة من الخيل، لأنها أجرى، وأجرأ؛ أى أسرع وأجسر. (ج) من أحكام الفحل: أن من غصب فحلا وأنزاه على شاته، فالولد للغاصب، ولا شىء عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 للإنزاء؛ لكن إذا نقص الفحل بذلك غرم أرش (ما يقابل) نقصه. وإن غصب شاة، وأنزى عليها فحلا، فالولد لصاحب الشاة. ولا يجوز بيع عسب الفحل، وهو ماؤه، والفحل الذكر من كل حيوان فرسا أو جملا أو تيسا، وقد نهى النبى صلّى الله عليه وسلم عن ذلك، لأن ماء الفحل غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه. وقد ذهب جمهور العلماء إلى تحريمه بيعا وإجارة، ولا بأس بالكرامة، وهى ما يعطى على عسب الفحل من غير اشتراط شىء عليه.. وقيل: يجوز إجارة الفحل للضراب مدة معلومة، وبه قال الحسن وابن سيرين، وهو مروى عن مالك ووجه للشافعى والحنابلة. (د) ما جاء فى السنة الشريفة عن الفحل: [495] روى الحافظ أبو نعيم عن طريق غيلان بن سلمة الثقفى قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى بعض أسفاره، فرأينا منه عجبا: جاء رجل فقال: يا رسول الله؛ إنه كان لى حائط (حديقة) فيه عيشى وعيش عيالى، ولى فيه ناضحان فحلان، وقد منعانى أنفسهما، وحائطى وما فيه، فلا يقدر أحد أن يدنو منهما. فنهض نبى الله صلّى الله عليه وسلم حتى أتى الحائط، فقال لصاحبه: «افتح» فقال: إن أمرهما عظيم!! فقال صلّى الله عليه وسلم: «افتح» فلما حرك الباب أقبلا، ولهما رغاء وجلبة. فلما انفرج الباب، ونظرا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بركا، ثم سجدا، فأخذ النبى صلّى الله عليه وسلم برؤسهما، ثم دفعهما إلى صاحبهما، وقال: «استعملهما، وأحسن علفهما» . فقال القوم: تسجد لك البهائم!، أفلا تأذن لنا بالسجود لك؟! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن السجود لا ينبغى إلا للحى القيوم الذى لا يموت، ولو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» «1» .   (1) رواه الطبرانى من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: ورجال ثقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 [496] وفى الصحيحين وغيرهما: «يعضّ أحدكم أخاه كما يعضّ الفحل» «1» . [494] وفى السنن: «يضرب أحدكم امرأته ضرب الفحل» «2» . * عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: جاء أعرابى إلى النبى صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، لقد جئتك من عند قوم ما يتزوّد لهم راع «3» ، ولا يخطر لهم فحل «4» ، فصعد المنبر، فحمد الله، ثم قال: «اللهم اسقنا غيثا مغثيا مريئا طبقا مريعا غدقا «5» ، عاجلا غير رائث» .. ثم نزل، فما يأتيه أحد من وجه من الوجوه إلا قال: قد أحيينا «6» . [498] عن أنس بن مالك أى رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى أن يبيع الرجل فحلة فرسه «7» . [499] عن جابر بن عبد الله عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم، لا يؤدى حقها، إلا أقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر، تطؤه ذات الظّلف بظلفها، وتنطحه ذات القرن بقرنها، ليس فيها يومئذ جمّاء ولا مكسورة القرن» قلنا: يا رسول الله، وما حقها؟ قال: «إطراق فحلها «8» ، وإعارة دلوها، ومنيحتها «9» ، وحلبها على الماء، وحمل عليها فى سبيل الله ... » «10» الحديث.   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى (6892) ، ومسلم (1673) . (2) حديث رواه البخارى (8/ 29) ، وابن ماجه (2557) . (3) ما يتزوّد لهم راع: ما يخرج لهم راع إلى المراعى ليتزود من شدة الجدب. (4) ولا يخطر لهم فحل: من خطر البعير بذنبه يخطر، إذا رفعه مرة بعد مرة، وضرب به فخذه.. والمراد بيان ضعف الفحل الذى هو أقوى من الأنثى. (5) غدقا: المطر الكبار القطر. (6) رواه ابن ماجه فى سننه، كتاب إقامة الصلاة، حديث رقم 1270، وقال فى الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات.. وأحمد فى مسنده 4/ 235. (7) رواه أحمد فى سنده 3/ 145. (8) اطراق فحلها: إعارته للضراب. (9) كأن يمنحه ناقة أو بقرة أو شاة ينتفع بلبنها وصوفها وشعرها زمانا ثم يردها. (10) رواه مسلم فى صحيحه، كتاب الزكاة حديث رقم 988.. وأحمد فى مسنده 3/ 321. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 3- الفراش (أ) الفراش فى اللغة: جنس حشرات من الفصيلة الفراشية، ورتبة حرشفيات الأجنحة، تتهافت حول السراج فتحترق. واحدتها: فراشة. ومنه المثل: «أطيش من فراشة» ، وأضعف، وأذل، وأجهل، وأخف، وأخطأ من فراشة؛ لأنها تلقى نفسها فى النار. (ب) طبائع الفراش: قال الدميرى: الفراش دواب مثل البعوض، واحدتها فراشة، وهى التى تطير وتتهافت فى السّراج لضعف إبصارها؛ فهى بسبب ذلك تطلب ضوء النهار، فإذا رأت فتيلة السراج بالليل ظنت أنها فى بيت مظلم، وأن السراج كوّة فى البيت المظلم إلى الموضع المضئ، فلا تزال تطلب الضوء، وترمى بنفسها إلى النار، فإذا جاوزتها، ورأت الظلام، ظنت أنها لم تصب الكوّة، ولم تقصدها على السداد، فتعود إليها مرة بعد أخرى حتى تحترق. وكم تغنى الشعراء بجمال الفراشات فى الربيع، وهى تحوم حول الأزهار، تقبل الورد وتشمه، ثم تحمل عطره فتعطر الجو وهى تحلق!. وقد ورد ذكر الفراش فى القران. فقال سبحانه: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ [القارعة: 4] . شبههم بالفراش فى الكثرة والانتشار، والضعف والذلة، والتطاير إلى الداعى من كل جانب كما يتطاير الفراش. (ج) الحكم الفقهى: تحريم الأكل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 (د) ما ورد فى السنة النبوية الشريفة عن الفرا ش: [500] عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنما مثلى ومثل أمّتى، كمثل رجل استوقد نارا، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه، فأنا اخذ بحجزكم، وأنتم تقتحمون فيه» «1» . [501] وروى مسلم عن جابر- رضى الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «إن مثلى ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذبّهن عنها، وأنا اخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تتفلتون من يدى» «2» . [502] وروى مسلم- أيضا- عن ابن مسعود قال: لما أسرى برسول الله صلّى الله عليه وسلم انتهى إلى سدرة المنتهى. وهى فى السماء السادسة إليها ينتهى ما يعرج من الأرض، فيقبض منها، وإليها ينتهى ما يهبط به من فوقها، فيقبض منها، قال تبارك وتعالى: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى [النجم: 16] قال: فراش من ذهب «3» . [503] وروى البيهقى فى «الشّعب» عن النواس بن سمعان- رضى الله عنه- أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «ما لى أراكم تتهافتون فى الكذب تهافت الفراش فى النار؟! كل الكذب مكتوب إلا الكذب فى الحرب، والكذب فى إصلاح ذات البين، وكذب الرجل على امرأته ليرضيها» «4» .   (1) حديث صحيح.. رواه مسلم (5/ 911) . (2) حديث صحيح.. رواه البخارى (14/ 99) ، ومسلم (15/ 49- نووى) . (3) حديث صحيح.. رواه مسلم (1/ 157) . (4) حديث حسن.. رواه الخرائطى فى «مساوئ الأخلاق» برقم (160) ، والبيهقى فى «الشعب» برقم (4798) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 [504] عن أبى بكرة عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «يحمل الناس على الصراط يوم القيامة فتقادع بهم جنبة الصراط تقادع الفراش فى النار.. قال: فينجى الله تبارك وتعالى برحمته من يشاء. قال: ثم يؤذن للملائكة والنبيين والشهداء أن يشفعوا، فيشفعون ويخرجون، ويشفعون ويخرجون، ويشفعون ويخرجون [وزاد عفان مرة فقال أيضا: ويشفعون ويخرجون] من كان فى قبله ما يزن ذرة من إيمان» «1» .   (1) رواه أحمد فى مسنده 5/ 43.. وتقادع الفراش فى النار: تساقط وتتابع، يقال تقادع القوم: مات بعضهم فى إثر بعض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 4- الفرا الفرا: الحمار الوحشى والجمع الفراء مثل: جبل وجبال. وفى المثل: «كل الصيد فى جوف الفرا» «1» . [505] قاله النبى صلّى الله عليه وسلم لأبى سفيان بن الحارث: وقيل: لأبى سفيان ابن حرب يتألفه به. وذلك أنه استأذن على النبى صلّى الله عليه وسلم فحجب قليلا، ثم أذن له، فلما دخل قال: ما كدت تأذن لى حتى تأذن لحجارة الجلهمتين، وهما جانبا الوادى. فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «يا أبا سفيان، أنت كما قيل: «كل الصيد فى جوف الفرا» قال النبى صلّى الله عليه وسلم ذلك يتألفه على الإسلام «2» .   (1) وأصل هذا المثل أن جماعة ذهبوا إلى الصيد؛ فصاد أحدهم ظبيا، والاخر أرنبا، والاخر حمارا وحشيّا، فاستبشر صاحب الأرنب، وصاحب الظبى بما نالا، وتطاولا على الثالث، فقال الثالث: (كل الصيد فى جوف الفرا) أى: الذى رزقت وظفرت به مشتمل على ما عندكما، وذلك أنه ليس فيما يصيده الناس أعظم من حمار الوحش. (2) حديث ضعيف.. رواه الرامهرزى فى أمثال الحديث برقم (82) بسند ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 5- الفرس (أ) طبائع الفرس: وفى الفرس الزهو والخيلاء والسرور بنفسه، والمحبة لصاحبه. ومن أخلاقه الدالة على شرف نفسه وكرمه أنه لا يأكل بقية علف غيره. ومن علو همته أن أشقر مروان كان سائسه لا يدخل عليه إلا بإذن؛ وهو أن يحرك له المخلاة، فإن حمحم دخل، وإن دخل ولم يحمحم شد عليه! والأنثى من الخيل ذات شبق شديد، ولذلك تطيع الفحل من غير نوعها وجنسها. قال الجاحظ: والحيض يعرض للإناث منهن، ولكنه قليل. والذكر ينزو إلى تمام أربعين سنة، وربما عمّر إلى تسعين. (ب) ما جاء بشأنها فى الحديث الشريف: [506] روى أبو داود والحاكم عن أبى هريرة- رضى الله تعالى عنه- «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يسمى الأنثى من الخيل فرسا» «1» . [507] عن مجاهد قال: شهد ابن عمر الفتح وهو ابن عشرين سنة، ومعه فرس حرون ورمح ثقيل، فذهب ابن عمر يختلى لفرسه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن عبد الله ... إن عبد الله» «2» . [508] عن أبى بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال: كان للنبى صلّى الله عليه وسلم فى حائطنا فرس يقال له اللّحيف. وقال بعضهم: اللّخيف «3» . [509] وفى سنن البيهقى، فى كتاب البيوع أن عبد الرحمن بن   (1) حديث صحيح.. رواه أبو داود (2546) ، والحاكم (2/ 144) ، والبيهقى (6/ 330) . (2) رواه أحمد فى سنده 2/ 12. (3) رواه البخارى فى صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب اسم الفرس والحمار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 عوف اشترى من عثمان بن عفان- رضى الله تعالى عنهما- فرسا بأربعين ألفا. [510] والفرس الذى اشتراه النبى صلّى الله عليه وسلم من الأعرابى وشهد له به خزيمة اسمه «المرتجز» ، واسم الأعرابى: سواد بن الحارث المحاربى. وكان النبى صلّى الله عليه وسلم ابتاعه منه، فاستتبعه ليقبض ثمنه منه، فأسرع النبى صلّى الله عليه وسلم المشى، وأبطأ الأعرابى، فساومه رجال لا يشعرون أن النبى صلّى الله عليه وسلم ابتاعه منه. فنادى الأعرابى، إن كنت مبتاعا هذا الفرس، وإلا بعته. فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «أو ليس قد ابتعته منك؟» فقال الأعرابى: لا والله. وطفق الأعرابى يقول: هلم بشهيد. فقال خزيمة: أنا أشهد. فأقبل النبى صلّى الله عليه وسلم على خزيمة فقال: «بم تشهد؟» قال: بتصديقك يا رسول الله. فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين» [رواه أبو داود، والنسائى] . وفى رواية فى الحديث: «هلا حضرتنا يا خزيمة؟» . قال: لا. قال: «فكيف تشهد بذلك؟» . فقال خزيمة: بأبى أنت وأمى يا رسول الله، أصدقك على أخبار السماء، وما يكون فى غد، ولا أصدقك فى ابتياعك هذا الفرس! فقال- عليه الصلاة والسلام-: «إنك لذو الشهادتين يا خزيمة» «1» . [511] وفى مسند الإمام أحمد عن روح بن زنباع أنه روى عن تميم الدارى- رضى الله عنه- أنه قال: إن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «من نقّى لفرسه شعيرا ثم جاءه حتى يعلفه، كتب الله له بكل شعيرة حسنة» ورواه ابن ماجه بمعناه «2» .   (1) قال السهيلى: وفى مسند الحارث زيادة، وهى أن النبى صلّى الله عليه وسلم رد الفرس على ذلك الأعرابى، وقال: «لا بارك الله لك فيها» فأصبحت من الغد شائلة برجليها؛ أى: ماتت، والحديث صحيح، وانظر هذه الزيادة، وهى ضعيفة فى «مسند الحارث- بغية الباحث» برقم (1030- طبع دار الطلائع) . (2) حديث حسن ... رواه أحمد (4/ 103) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 [512] عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه كان له فرس يوم لقى المسلمون عدوّهم، وأمير المسلمين يومئذ خالد بن الوليد، بعثه أبو بكر، فأخذه العدوّ، فلما هزم العدوّ ردّ خالد فرسه «1» . [513] وفى الصحيح أن النبى صلّى الله عليه وسلم ركب فرسا معرورا لأبى طلحة، وقال: «وجدناه بحرا أو إنه بحر» «2» ، وكان فرسا يبطّأ. [514] وفى «الفائق» أن أهل المدينة فزعوا مرة فركب النبى صلّى الله عليه وسلم فرسا مقرفا وركض فى اثارهم، فلما رجع قال: «إن وجدناه لبحرا» . قال حماد بن سلمة: كان هذا الفرس بطيئا، فلما قال النبى صلّى الله عليه وسلم هذا القول صار سابقا لا يلحق «3» . [515] وروى النسائى والطبرانى من حديث عبد الله بن أبى الجعد، أخى سالم بن أبى الجعد عن جعيل الأشجعى- رضى الله تعالى عنه- قال: خرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى بعض غزواته، وأنا على فرس عجفاء، فكنت فى اخر الناس فلحقنى النبى صلّى الله عليه وسلم فقال: «سر يا صاحب الفرس» . فقلت: يا رسول الله: إنها فرس عجفاء ضعيفة. قال: فرفع النبى صلّى الله عليه وسلم مخفقة كانت معه فضربها بها، وقال: «اللهم بارك له فيها» . فلقد رأيتنى ما أملك رأسها حتى صرت قدام القوم، ولقد بعت من بطنها باثنى عشر ألفا «4» . [516] وروى البخارى عن سعيد المقبرى أنه قال: سمعت أبا هريرة   (1) رواه البخارى فى كتاب الجهاد والسير، باب إذا غنم المشركون مال مسلم، ثم وجده المسلم. (2) حديث رواه البخارى (4/ 27) ، ومسلم (2307) . وجدناه بحرا: واسع الجرى، وكان فرسا يبطأ: معروف بالبطء وسوء السير. (3) حديث رواه البخارى (4/ 27) . (4) حديث رواه الطبرانى فى «الكبير برقم (2172) ، وهو صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 - رضى الله تعالى عنه- يقول: قال النبى صلّى الله عليه وسلم: «من احتبس فرسا فى سبيل الله تعالى إيمانا بالله- عز وجل- واحتسابا، وتصديقا بوعده، فإن شبعه، وريه، وروثه، وبوله، فى ميزانه يوم القيامة» يعنى حسنات «1» . [517] وروى ابن حبان فى صحيحه عن أبى عامر الهوازنى عن أبى كبشة الأنمارى: أنه أتاه فقال: أطرقنى فرسك، فإنى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «من أطرق فرسا فعقب له كان له أجر كأجر سبعين فرسا حمل عليها فى سبيل الله تعالى، وإن لم يعقب كان كأجر فرس حمل عليها فى سبيل الله» «2» . [518] عن أسيد بن حضير قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوط عنده؛ إذ جالت «3» الفرس، فسكت فسكنت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت وسكنت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبا منها، فأشفق أن تصيبه «4» ، فلما اجترّه «5» رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها «6» ، فلما أصبح حدّث النبى صلّى الله عليه وسلم، فقال له: «اقرأ يا بن حضير.. اقرأ بابن حضير» «7» قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى، وكان منها قريبا، فرفعت رأسى،   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى (2853) . (2) حديث حسن.. رواه ابن حبان (1937- موارد الظمان) . (3) جالت: يقال: جال، واجتال: إذا ذهب وجاء، ومنه الجولان فى الحرب، واجتال الشىء إذا ذهب به وساقه، والجائل: الزائل عن مكانه. (4) أى خاف عليه أن تصيبه الفرس. (5) اجتره: أى اجتر ولده من المكان الذى هو فيه حتى لا تطأه الفرس. (6) قال الحافظ فى الفتح: فيه اختصار، وقد أورده أبو عبيد كاملا، ولفظه: «رفع رأسه إلى السماء، فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى ما يراها» اهـ. (7) أى: كان ينبغى أن تستمر على قراءتك، وليس أمرا بالقراءة، فى حالة التحديث، فكأنه يقول له: استمر على قراءتك لتستمر لك البركة بنزول الملائكة واستماعها لقراءتك، وفهم أسيد ذلك فأجاب بعذره فى قطع القراءة بقوله: خفت أن تطأ يحيى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 فانصرفت إليه، فرفعت رأسى إلى السماء، فإذا مثل الظّلّة فيها أمثال المصابيح فخرجت حتى لا أراها. قال: «وتدرى ما ذاك؟» قال: لا. قال: تلك الملائكة، دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها، لا تتوارى «1» منهم «2» . [519] عن أسماء بنت أبى بكر قالت: «تزوجنى الزبير، وما له فى الأرض من مال ولا مملوك ولا شىء غير فرسه. قالت: فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مئونته، وأسوسه «3» ، وأدقّ النوى لناضحه، وأعلفه، وأستقى الماء، وأخرز غربه «4» ، وأعجن «5» ، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز لى جارات من الأنصار، وكنّ نسوة صدق. قالت: وكنت أنقل النوى من أرض الزّبير التى أقطعه «6» رسول الله صلّى الله عليه وسلم على رأسى، وهى على ثلثى فرسخ «7» . وقالت: فجئت يوما والنوى على رأسى، فلقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومعه نفر من أصحابه، فدعانى، ثم قال: إخ إخ «8» ؛ ليحملنى خلفه، فاستحييت وعرفت غيرتك. فقال: والله لحملك النوى على رأسك أشدّ من ركوبك معه! قالت: حتى أرسل إلىّ   (1) لا تتوارى: أى لا تستتر من الناس. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى صحيحه- كتاب فضائل القران- باب نزول السكينة، والملائكة عند قراءة القران (5018) . (3) أسوسه: أى: أتولى أمره، والسياسة القيام على الشىء بما يصلحه. (4) الغرب: الدلو الكبير. (5) كل ما ذكرته أسماء من الواجبات التى تقوم بها هى من المعروف والمروات التى أطبق الناس عليها، وهى أن المرأة تخدم زوجها بهذه الأمور المذكورة ونحوها، وكله تبرع من المرأة، وإحسان منها إلى زوجها، وحسن معاشرة، وفعل معروف معه، ولا يجب عليها شىء من ذلك، ولا يحل له إلزامها بشىء من هذا، وإنما تفعله المرأة تبرعا، وهى عادة جميلة استمر عليها النساء من الزمن الأول إلى الان، وإنما الواجب عليها شيئان: تمكينها زوجها من نفسها، وملازمة بيته. (6) أقطعه: أعطاه، ومنحه. (7) على ثلثى فرسخ: أى من مسكنها بالمدينة، والفرسخ ثلاثة أميال. (8) إخ إخ: بكسر الهمزة وإسكان الخاء- كلمة تقال للبعير ليبرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 أبو بكر بعد ذلك بخادم فكفتنى سياسة الفرس، فكأنما أعتقتنى «1» . [520] عن أبى هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من خير معاش النّاس لهم رجل ممسك عنان فرسه «2» فى سبيل الله يطير على متنه «3» كلما سمع هيعة «4» أو فزعة «5» طار عليه يبتغى القتل والموت مظانّه، أو رجل فى غنيمة «6» فى رأس شعفة «7» من هذه الشّعف، أو بطن واد من هذه الأودية يقيم الصّلاة ويؤتى الزكاة ويعبد ربّه حتّى يأتيه اليقين، ليس من الناس إلّا فى خير» «8» . [521] عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال يوم بدر: «هذا جبريل اخذ برأس فرسه عليه أداة الحر» «9» . [522] عن الأزرق بن قيس قال: «كنّا على شاطئ نهر بالأهواز «10» قد نضب عنه الماء «11» ، فجاء أبو برزة الأسلمىّ على فرس فصلّى وخلّى فرسه فانطلقت الفرس، فترك صلاته، وتبعها حتّى أدركها فأخذها ثمّ جاء فقضى صلاته، وفينا رجل له رأى فأقبل يقول: انظروا إلى هذا الشّيخ ترك صلاته من أجل فرس، فأقبل فقال: ما عنّفنى أحد منذ فارقت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال: إنّ منزلى متراخ فلو صلّيت وتركت لم ات أهلى إلى اللّيل،   (1) حديث صحيح.. رواه مسلم فى صحيحه «كتاب السلام» باب جوار إرداف المرأة الأجنبية إذا أعيت (2181) . (2) عنان فرسه: أى أنه مستعد ومتأهب للجهاد فى سبيل الله. (3) أى أنه يسرع جدا بالفرس حتى كأنه يطير وهو على ظهر الفرس. (4) الهيعة: هى حدوث الصوت عند حضور العدو. (5) الفزعة: هى النهوض إلى العدو. (6) غنيمة: تصغير غنم أى عدد قليل من الغنم. (7) الشعفة: هى أعلى الجبل. (8) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الإمارة- باب فضل الجهاد والرباط (6/ 39- 40) . (9) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب المناقب- باب شهود الملائكة بدرا (5/ 103) . (10) الأهواز: بلدة بين البصرة وفارس. (11) نضب عنه الماء: أى زال عنه الماء وأصبح خاويا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 وذكر أنّه صحب النّبىّ صلّى الله عليه وسلم فرأى من تيسيره» «1» . [523] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «جعل الله الرّحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزا، وأنزل فى الأرض جزا واحدا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتّى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه» «2» . [524] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: قال النّبىّ صلّى الله عليه وسلم: «ليس على المسلم فى فرسه وغلامه صدقة» «3» . [525] عن عبد الله بن الزّبير قال: «كنت يوم الأحزاب جعلت أنا وعمر بن أبى سلمة فى النّساء، فنظرت فإذا أنا بالزّبير على فرسه يختلف إلى بنى قريظة مرّتين أو ثلاثا، فلمّا رجعت قلت: يا أبت رأيتك تختلف قال: أو هل رأيتنى يا بنى؟ قلت: نعم. قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: من يأت بنى قريظة فيأتينى بخبرهم، فانطلقت فلمّا رجعت جمع لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبويه فقال: «فداك أبى وأمّى» «4» . [526] عن جابر بن سمرة قال: «صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ابن الدّحداح، ثم أتى بفرس عرى «5» فعقله رجل «6» فركبه، فجعل يتوقّص «7»   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الأدب- باب قول النبى صلّى الله عليه وسلم (يسروا ولا تعسروا) (8/ 37) . (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الأدب- باب جعل الله الرحمة مائة جزء (8/ 9) . (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الزكاة- باب ليس على المسلم فى فرسه صدقة (2/ 149) . ومسلم فى كتاب الزكاة- باب لا زكاة على المسلم فى عبده وفرسه (3/ 67) . (4) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب فضائل أصحاب النبى صلّى الله عليه وسلم- باب مناقب الزبير بن العوام (5/ 27) . (5) بفرس عرى: أى لا سرج ولا لجام له. (6) فعقله رجل: أى أمسكه وحبسه. (7) فجعل يتوقص: أى يثب عليه. العذق (بالفتح) النخلة، وبالكسر العرجون بما فيه من الشماريخ ويروى «مذلّل كما ذكره ابن الأثير» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 به ونحن نتّبعه نسعى خلفه، قال: فقال رجل من القوم: إنّ النّبىّ صلّى الله عليه وسلم قال: «كم من عذق معلّق أو مدلّى فى الجنّة لابن الدّحداح» «1» . [527] عن أنس بن مالك- رضى الله عنه «أنّ أهل المدينة فزعوا مرّة فركب النّبىّ صلّى الله عليه وسلم فرسا لأبى طلحة كان يقطف «2» أو كان فيه قطاف فلمّا رجع قال: وجدنا فرسكم هذا بحرا فكان بعد ذلك لا يجارى» «3» . [528] عن عبد الله بن عمر قال: سمعت النّبىّ صلّى الله عليه وسلم يقول: «إنّما الشّؤم «4» فى ثلاثة: فى الفرس والمرأة والدّار» «5» [ومثله، عن سهل ابن سعد الساعدى] . [529] عن أسلم سمعت عمر بن الخطّاب- رضى الله عنه- يقول: «حملت على فرس فى سبيل الله فأضاعه الّذى كان عنده، فأردت أن أشتريه منه، وظننت أنّه بائعه برخص، فسألت عن ذلك النّبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال: لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد، فإنّ العائد فى صدقته كالكلب يعود فى قيئه» «6» . [530] عن أسماء بنت أبى بكر- رضى الله عنهما- قالت:   (1) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الجنائز- باب ركوب المصلى على الجنازة إذا انصرف (3/ 60) . (2) الفرس القطوف: أى البطئ المشى. (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الجهاد والسير- باب الفرس القطوف (4/ 37) . (4) قال العلماء الشؤم: ضد اليمن وشؤم الفرس؛ ألا يغزى عليه، وشؤم المرأة بأن لا تلد، وأن تكون لسناء. وشؤم الدار: بأن تكون ضيقة سيئة الجيران. (5) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الجهاد والسير- ما يذكر من شؤم الفرس (4/ 35) ، وفى كتاب النكاح- باب ما يتقى من شؤم المرأة (7/ 10) ، وفى كتاب الطب- باب لا عدوى (7/ 179) ، ومسلم فى كتاب السلام- باب الطيرة والفأل وما يكون فيه (7/ 34) ، وابن ماجه (1995) . (6) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الهبة وفضلها (3/ 315) وفى كتاب الوصايا- باب وقف الدواب والكراع (4/ 15) ، وفى كتاب الجهاد والسير- باب الجعائل والحملان فى سبيل الله (4/ 64) ، ومسلم فى كتاب الهبات- باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه (5/ 63) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 «نحرنا على عهد النّبىّ صلّى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه» «1» . [531] عن معاوية بن خديج «أنّه مرّ على أبى ذرّ وهو قائم عند فرس له، فسأله: ما تعالج من فرسك هذا؟ فقال: إنّى أظنّ أنّ هذا الفرس قد استجيب له دعوته. قال: وما دعاء البهيمة من البهائم؟ قال: والّذى نفسى بيده ما من فرس إلّا وهو يدعو كلّ سحر. فيقول: اللهمّ أنت خوّلتنى عبدا من عبادك وجعلت رزقى بيده فاجعلنى أحبّ إليه من أهله وماله وولده» قال أبى: ووافقه عمرو بن الحارث عن أبى شماسة «2» . [532] عن أبى بكر الصّدّيق قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنّة سيّئ الملكة» . قالوا: يا رسول الله أليس أخبرتنا أنّ هذه الأمّة أكثر الأمم مملوكين ويتامى؟ قال: «نعم؛ فاكرموهم ككرامة أولادكم، وأطعموهم ممّا تأكلون» . قالوا: فما ينفعنا فى الدّنيا؟ قال: «فرس ترتبطه تقاتل عليه فى سبيل الله، مملوكك يكفيك، فإذا صلّى فهو أخوك» «3» . [533] عن عبد الرّحمن بن مالك المدلجىّ وهو ابن أخى سراقة بن مالك بن جعشم أنّ أباه أخبره أنّه سمع سراقة يقول: جاءنا رسل كفّار قريش يجعلون فى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفى أبى بكر- رضى الله عنه- دية كلّ واحد منهما لمن قتلهما أو أسرهما. فبينا أنا جالس فى مجلس من   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الذبائح والصيد- باب النحر والذبح (7/ 121) ، وأحمد فى مسنده (6/ 353) ، والدارمى فى كتاب الأضاحى- باب فى أكل لحوم الخيل (2/ 87) . (2) رواه الإمام أحمد فى مسنده (5/ 162) وفيه أبو شماسة، ولم نعثر على ترجمة له، ومتن الحديث غريب!! (3) حديث ضعيف.. رواه أحمد فى مسنده (1/ 4، 7، 12) ، وابن ماجه فى سننه، كتاب الأدب (3691) 2/ 1217، والخرائطى فى مساوئ الأخلاق (359، 360، 712، 713) 141، 142، 250، والترمذى فى جامعه، كتاب البر والصلة (2011) 6/ 77، والبغوى فى شرح السنة (2414) 9/ 349 كلهم بسند فيه فرقد السنجى وهو ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 مجالس قومى بنى مدلج «1» أقبل رجل منهم حتّى قام علينا فقال: يا سراقة إنّى رأيت انفا أسودة «2» بالسّاحل إنى أراها محمدا وأصحابه. قال سراقة: فعرفت أنّهم هم. فقلت: إنّهم ليسوا بهم، ولكن رأيت فلانا وفلانا انطلق انفا قال: ثمّ لبثت فى المجلس «3» ساعة حتّى قمت فدخلت بيتى فأمرت جاريتى أن تخرج لى فرسى وهى من وراء أكمة فتحبسها علىّ، وأخذت رمحى فخرجت به من ظهر البيت فخططت برمحى الأرض، وخفضت عالية الرّمح حتّى أتيت فرسى فركبتها فرفعتها تقرب بى حتّى رأيت أسودتهما، فلمّا دنوت منهم حيث يسمعهم الصّوت عثرت «4» بى فرسى فخررت عنها فقمت فأهويت بيدى إلى كنانتى «5» فاستخرجت منها الأزلام «6» فأستقسمت بها أضرّهم أم لا، فخرج الّذى أكره ألاأضّرهم، فركبت فرسى وعصيت الأزلام فرفعتها تقرب بى حتّى إذا دنوت منهم عثرت بى فرسى فخررت عنها فقمت فأهويت بيدى إلى كنانتى «7» ، فأخرجت الأزلام فاستقسمت بها فخرج الّذى أكره ألاأضرّهم فعصيت الأزلام وركبت فرسى فرفعتها تقرب بى حتّى إذا سمعت قراءة النّبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت، وأبو بكر- رضى   (1) بنو مدلج: بطن من كنانة، من العدنانية، وهم بنو مدلج بن مرة بن عبد مناة، كان منهم من اختص بعلم القيافة، وهو إصابة الفراسة فى معرفة الأشياء فى الأولاد، والقرابات، ومعرفة الاثار. (2) أسودة: جمع قلة لسواد، وهو الشخص؛ لأنه يرى من بعيد أسود. (3) لبثت فى المجلس: أى جلست فى المجلس. ورفعتها: كلفتها المرفوع من السير. (4) عثرت: وقعت بى. (5) كنانتى: الكنانة جعبة صغيرة من جلد يوضع بها النّبل. (6) الأزلام: هى القداح التى كانت فى الجاهلية عليها مكتوب الأمر والنهى، افعل ولا تفعل، كان الرجل منهم يضعها فى وعاء له، فإذا أراد سفرا أو أمرا مهما أدخل يده فيه فأخرج منها زلما، فإن خرج الأمر مضى لشأنه، وإن خرج النهى كف عنه ولم يفعله. (7) فأهويت بيدى إلى كنانتى: أى وضعت يدى فى الجعبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 الله عنه- يكثر الالتفات، ساخت يدا فرسى «1» فى الأرض حتّى بلغت الرّكبتين فخررت عنها فرجرتها فنهضت، فلم تكد تخرج يديها فلمّا استوت قائمة إذ لا أثر بها ولها عثان ساطع فى السّماء مثل الدّخان قال معمر: قلت لأبى عمرو بن العلاء ما العثان؟ فسكت ساعة ثمّ قال: هو الدّخان من غير نار. قال الزّهرىّ فى حديثه فاستقسمت بالأزلام فخرج الّذى أكره ألاأضرّهم فناديتهما بالأمان فوقفوا فركبت فرسى حتّى جئتهم فوقع فى نفسى حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أنّه سيظهر أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقلت له: إنّ قومك قد جعلوا فيك الدّية، وأخبرتهم من أخبار سفرهم، وما يريد النّاس بهم، وعرضت عليهم الزّاد والمتاع فلم يرزؤنى شيئا «2» ولم يسألونى إلّا أن أخف عنّا، فسألته أن يكتب لى كتاب موادعة «3» امن به، فأمر عامر بن فهيرة فكتب لى فى رقعة من أديم ثمّ مضى» «4» . [534] عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من أدخل فرسا بين فرسين، وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار.. ومن أدخل فرسا بين فرسين وهو يأمن أن يسبق فهو قمار» «5» . [535] عن خالد بن يزيد الجهنى قال: كان عقبة بن عامر يمرّ بى فيقول: يا خالد، اخرج بنا نرمى، فلما كان ذات يوم أبطأت عنه، فقال: يا خالد، تعال أخبرك بما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأتيته فقال: قال   (1) ساخت يدا فرسى: المراد غاصت فى الأرض. (2) يرزؤنى: أى لم ينقصونى شيئا. (3) الموادعة: الموادعة المتاركة، والمراد المصالحة والمسالمة على ترك الحرب والأذى. (4) حديث حسن.. رواه الإمام أحمد فى مسنده (4/ 174- 176) . (5) رواه ابن ماجه فى سننه، كتاب الجهاد، حديث رقم 2876 وأحمد فى مسنده 2/ 505. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانعه يحتسب فى صنعه الخير، والرامى به، ومنبّله.. وارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلىّ من أن تركبوا، وليس اللهو «1» إلا فى ثلاثة: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته امرأته، ورميه بقوسه ونبله، ومن ترك الرمى بعد ما علمه رغبة عنه، فإنها نعمة كفرها، أو قال: كفر بها» «2» . [536] وفى حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، عن عبد الله بن كعب، قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك، قال كعب بن مالك: لم أتخلف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى غزوة غزاها قط، إلا فى غزوة تبوك، غير أنى تخلفت فى غزوة بدر، لم يعاتب أحدا تخلف عنه، إنما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش.. الحديث وفيه: فبنا أنا جالس على الحال التى ذكر الله عز وجل منّا، قد ضاقت علىّ نفسى، وضاقت علىّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع «3» بقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر ... قال: فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج. قال: فاذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم الناس «4» بتوبة الله علينا حين صلّى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، فذهب قبل صاحبىّ مبشرون، وركض رجل إلىّ فرسا، وسعى ساع من أسلم قبلى، وأوفى الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس ... الحديث «5» .   (1) وليس اللهو: أى المشروع أو المباح. (2) رواه النسائى فى سننه، كتاب الخيل، باب: تأديب الرجل فرسه. (3) أوفى على سلع: صعده وارتفع عليه، وسلع جبل معروف بالمدينة. (4) اذن الناس: أعلمهم. (5) رواه مسلم فى صحيحه، كتاب التوبة، حديث رقم 53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 [537] عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «أعطوا السائل وإن جاء على فرس» «1» . [538] عن الزبير بن العوام أنه حمل على فرس يقال له غمر أو غمرة، فرأى مهرا «2» أو مهرة من أفلائها «3» يباع، ينسب إلى فرسه. فنهى عنها «4» . [539] عن أبى سعيد الخدرى عن النبى صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «مثل المؤمن كمثل الفرس على اخيته، يجول ثم يرجع إلى اخيته، وإن المؤمن يسهو ثم يرجع إلى الإيمان» «5» . [540] عن أبى سعيد الخدرى قال: يعرض الناس على جسر جهنم، عليه حسك وكلاليب وخطاطيف تخطف الناس.. قال: فيمر الناس مثل البرق، واخرون مثل الريح، واخرون مثل الفرس المجد، واخرون يسعون سعيا، واخرون يمشون مشيا، واخرون يحبون حبوا، واخرون يزحفون زحفا، أما أهل النار فلا يموتون ولا يحيون.. وأما ناس فيؤخذون بذنوبهم فيحرقون فيكونون فحما، ثم يأذن الله فى الشفاعة ... الحديث «6» . [541] عن قاسم بن محمد قال: سمعت رجلا يسأل عبد الله بن عباس رضى الله عنهما عن الأنفال.. فقال ابن عباس: الفرس من   (1) رواه مالك فى الموطأ، كتاب الصدقة، حديث رقم 3.. وقال ابن عبد البر: لا أعلم فى إرسال هذا الحديث خلافا عن مالك، وليس فيه مسند يحتج به فيما أعلم. ورواه أيضا أحمد فى مسنده 1/ 201. (2) المهر: ولد الفرس.. والأنثى: مهرة. (3) أفلائها: جمع فلو، وهو المهر. (4) رواه ابن ماجه فى سننه، حديث رقم 2393. (5) رواه أحمد فى مسنده 3/ 38.. والاخية: عروة تثبت فى أرض أو حائط وتربط فيها الدابة. (6) رواه أحمد فى مسنده 3/ 25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 النّفل، والسّلب من النّفل. قال: ثم عاد الرجل لمسألته، فقال ابن عباس: ذلك أيضا. ثم قال الرجل: الأنفال التى قال الله فى كتابه ما هى؟ قال القاسم: فلم يزل يسأل حتى كاد أن يحرجه. ثم قال ابن عباس: أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبيغ الذى ضربه عمر بن الخطاب «1» . [542] عن أبى إسحاق الهمدانى قال: قدم على النبى صلّى الله عليه وسلم ذو الجوشن وأهدى له فرسا، وهو يومئذ مشرك، فأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يقبله، ثم قال: «إن شئت بعتنيه، أو هل لك أن تبيعنيه بالمتخيرة من دروع بدر.. ثم قال صلّى الله عليه وسلم: «هل لك أن تكون أول من يدخل فى هذا الأمر؟ فقال: لا.. فقال له النبى صلّى الله عليه وسلم: «ما يمنعك من ذلك؟» .. قال: رأيت قومك قد كذّبوك وأخرجوك وقاتلوك، فأنظر ما تصنع؛ فإن ظهرت عليهم امنت بك واتبعتك، وإن ظهروا عليك لم أتبعك ... الحديث «2» .   (1) رواه مالك فى الموطأ، كتاب الجهاد برقم 19. وصبيغ الذى ضربه عمر.. فقد روى الدارمى عن سليمان بن يسار ونافع قالا: قدم المدينة رجل فجعل يسأل عن متشابه القران، فأرسل إليه عمر، وأعدّ له عراجين النخل، فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ، قال: وأنا عبد الله عمر.. فضربه حتى دمّى رأسه.. فقال حسبك يا أمير المؤمنين، قد ذهب الذى كنت أجده فى رأسى.. ثم نفاه إلى البصرة. (2) رواه أحمد فى سنده 4/ 68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 6- الفهد (أ) الفهد فى اللغة: واحد الفهود، وفهد الرجل: أشبه الفهد فى كثرة نومه وتمرده فهو فهد. والجمع: أفهد وفهود. والفهدة: مؤنثة الفهد. (ب) طبائع هذا الحيوان: هو سبع من الفصيلة السّنّورية بين الكلب والنمر، لكنه أصغر منه، وهو شديد الغضب، يضرب به المثل فى كثرة النوم، والاستغراق فيه، يقال: «هو أنوم من فهد» . ومزاجه كمزاج النمر، وفى طبعه مشابهة لطبع الكلب. ويقال: إن الفهدة إذا أثقلت بالحمل حن عليها كل ذكر يراها من الفهود، ويواسيها من صيده، فإذا أرادت الولادة هربت إلى موضع قد أعدته لذلك. والفهد ثقيل يحطم ظهر الحيوان فى ركوبه. ومن خلقه الغضب إذا وثب على فريسة لا يتنفس حتى ينالها، فيحمى لذلك، وتمتلئ رئته من الهواء الذى حبسه، فإذا أخطأ صيده رجع مغضبا وربما قتل سائسه. ويقول الدميرى: ومن خلقه أنه يأنس لمن يحسن إليه، وكبار الفهود أقبل للتأديب من صغارها. وأول من اصطاده: كليب بن وائل. وأول من حمله على الخيل: يزيد بن معاوية. وأول من اشتهر باللعب بها: أبو مسلم الخراسانى. (ج) الأحكام الفقهية: يحرم أكله لأنه ذو ناب فأشبه الأسد، لكن يجوز بيعه للصيد ويسرى عليه ما يسرى على سائر السباع من أحكام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 (د) ما ورد فى السنة عن الفهد: [543] فى حديث «أم زرع» الذى رواه البخارى ومسلم: «إن دخل فهد» «1» . وفيه أيضا: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض «2» ، فلقى امرأة معها ولدان كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقنى ونكحها. ملحوظة: بقية حرف الفاء موجودة فيما يأتى: الفراخ: (مع الطير) . الفرع: (مع البقر والثور) [أول نتاج البهيمة] . الفرّوج: (مع الدجاج) . [الفتى من الدجاج] . الفصيل: (مع الإبل) [ولد الناقة إذا فصل عن رضاع أمه] . الفلو، والفلو، والفلو: (المهر الصغير) [انظر الخيل] . الفويسقة: (انظر الفأر) .   (1) حديث صحيح.. أخرجه البخارى (5189) ، ومسلم (2448) . أى: نام وغفل عن معايب البيت التى يلزمنى إصلاحها. والفهد يوصف بكثرة النوم، فهى تصفه بالكرم، وحسن الخلق فكأنه نائم عن ذلك، أو ساه، وإنما هو متناوم ومتغافل. (النهاية فى غريب الحديث والأثر) . (2) الأوطاب: أسقية اللبن التى يمخض فيها، أرادت أن الوقت الذى خرج فيه كان فى زمن الخصب وطيب الربيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 7- الفيل (أ) الفيل فى اللغة: حيوان ضخم الجسم من العواشب الثديية، ذو خرطوم طويل، يتناول به الأشياء كاليد، وله نابان بارزان كبيران يتخذ منهما العاج. والجمع أفيال وفيلة. وهى فيلة. وكنية الفيل: أبو الحجاج. وأصحاب الفيل: جنود أبرهة الحبشى الذى غزا مكة قبيل الإسلام، فهلك جيشه بمعجزة. والفيّال: مروض الفيل، والجمع فيّالة. وفى المثل: «اكل من فيل» ، و «أشد من فيل» ، و «أعجب من خلق فيل» !. (ب) طبائع هذا الحيوان: يعتبر الفيل من أضخم الحيوانات البرية فى الوقت الحاضر، وكان الفيل «جامبو» من فيلة السرك المشهورة، إذ كان ارتفاعه إحدى عشرة قدما، ووزنه ستة أطنان ونصف. والفيل حيوان شديد القوة ويسخر فى حمل الأثقال أو جرها. وللفيلة الأفريقية اذان أضخم من اذان الفيلة الاسيوية. ثم هناك فى إفريقية فيلة من نوع أصغر حجما من الفيلة المألوفة، والفيلة الاسيوية أسهل فى تدريبها من الأفريقية. وقد اعتاد الناس فى اسيا من سنوات طويلة استخدام الفيلة فى العمل والصيد، كما استخدمت فى الحروب. وكان كبار القوم هناك يفخرون ويتباهون بما يملكون من فيلة، كما كان الملوك يزينون فيلتهم بأطقم مزر كشة. وخرطوم الفيل هو أنفه وشفته العليا معا وإن كان يتناول به الأشياء «كأنه يد له» فيضع به الطعام فى فمه، ويرش به الماء على ظهره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 والفيلة من اكلة النبات، وتجمع الأعشاب بخراطيمها، وتنتزع الجذور بأنيابها الحادة. ويأكل فيل السرك نحو 150 رطلا من العشب، أو الدريس يوميا، كما يشرب خمسين جالونا من الماء. وتتميز معظم الفيلة بلون بنى رمادى، وقد يحدث بين ان واخر أن يولد فيل ليس له هذا اللون. وإنما يكون ذا لون أبيض متسخ. ويقول العلماء عن مثل هذا الفيل: إنه «البينو» . وتوجد أفراد منه بين أنواع عديدة من الحيوانات فهناك أبقار «البينية» مثلا. وزمان نزوه الربيع، والأنثى تحمل سنتين كما يقول الدميرى، وإن حملت لم يقربها الذكر، ولم يمسها. ويقال: إن الفيل يحقد كالجمل، فربما قتل سائسه حقدا عليه. (ج) الأحكام الفقهية: يحرم أكل الفيل على المشهور، وعلله فى الوسيط بأنه ذو ناب مكادح، أى مغالب مقاتل. وقال الإمام أحمد: ليس الفيل من أطعمة المسلمين. ويصح بيعه، لأنه يحمل عليه، ويقاتل به وعليه. وراكبه يرضخ له من الفىء أكثر من راكب البغل. وفى صحة المسابقة على الفيل وجهان، وقيل قولان: أصحهما أنها تصح. (د) ما ورد فى الفيل من أحاديث: [544] روى محمد بن سعد فى كتابه «الطبقات الكبرى» ما حدث لناقة النبى صلّى الله عليه وسلم العضباء، فقال: عن جعفر عن أبيه قال: «كانت ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلم تسمى القصواء» . فلما بركت زمن الحديبية قال الناس: خلأت القصواء. فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «ما خلأت القصواء، ولكن حبسها حابس الفيل» «1» . [545] عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: لما فتح الله- عز وجل- على رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة قام فى الناس فحمد الله وأثنى عليه،   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى (3/ 353، 4/ 38) ، وأبو داود برقم (2675) ، والبيهقى (9/ 219) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 ثم قال: «إن الله حبس عن مكّة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين وإنها لم تحلّ لأحد كان قبلى، وإنّها أحلّت لى ساعة من نهار، وإنها لن تحلّ لأحد بعدى، فلا ينفّر صيدها ولا يختلى شوكها ولا تحلّ ساقطتها «1» إلا لمنشد «2» ، ومن قتل له قتيل فهو بخير النّظرين: إمّا أن يفدى، وإمّا أن يقتل «3» فقال العبّاس: إلا الإذخر «4» يا رسول الله، فإنّا نجعله فى قبورنا وبيوتنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إلّا الإذخر» . فقام أبو شاه- رجل من أهل اليمن- فقال: اكتبوا لى يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: اكتبوا لأبى شاه. قال الوليد: فقلت للأوزاعىّ: ما قوله اكتبوا لى يا رسول الله؟ قال: هذه الخطبة التى سمعها من رسول الله صلّى الله عليه وسلم» «5» . [546] وجاء فى حديث الإسراء برسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى السموات، « ... ثم عرج إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلّى الله عليه وسلم. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بإبراهيم صلّى الله عليه وسلم مسندا ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، ثم ذهب بى إلى سدرة المنتهى، وإذا ورقها كاذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال ... الحديث «6» » .   (1) ساقطتها: معنى الساقطة ما سقط فيها بغافلة مالكه. (2) قال ابن الأثير: يقال نشدت الضالّة فأنا ناشد إذا طلبتها، وأنشدتها فأنا منشد إذا عرفتها. (3) يعنى أن ولىّ المقتول بالخيار إن شاء قتل القاتل، وإن شاء أخذ فداءه، وهى الدية. (4) الإذخر: هو نبت معروف طيب الرائحة. (5) حديث صحيح.. رواه البخارى بنحوه فى كتاب العلم- باب كتابة العلم حديث (112) ، ومسلم واللفظ له فى كتاب الحج- باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام (4/ 110) . (6) حديث صحيح رواه الشيخان، البخارى فى كتابى بدء الخلق ومناقب الأنصار، ومسلم فى كتاب الإيمان حديث رقم 259.. والقلال جمع قلة، وهى الجرة الكبيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 [باب القاف] القارية: طائر قصير الرجلين. (انظر العصافير) . القائب: الذئب العواء (انظر الذئب) . القبّرة: ضرب من العصفور (انظر العصافير) . القراد: دويبة متطفلة (انظر البعير) . 1- القرد (أ) القرد فى اللغة: نوع من الحيوانات الثديّية ذوات الأربع، مولع بالتقليد، وهو أقرب الحيوانات شبها بالإنسان، والجمع أقراد، وقرود وقردة. وكنيته: أبو خالد، وأبو حبيب، وأبو خلف، وأبو ريّة، وأبو قشّة. والأنثى قردة، وجمعها قرد مثل قربة وقرب. وفى الأمثال: «أزنى من قرد، وأحكى من قرد» ، و «أقبح من قرد» ، و «أولع من قرد» . (ب) طبائع هذا الحيوان: قال الدميرى: وهو حيوان قبيح مليح ذكى سريع الفهم، يتعلم الصنعة. وهذا الحيوان شبيه بالإنسان فى غالب حالاته، فإنه يضحك ويطرب، ويقعى ويحكى، ويتناول الشىء بيده، وله أصابع مفصلة إلى أنامل وأظافر ويقبل التلقين والتعليم، ويأنس بالناس، ويمشى على أربع مشيه المعتاد، ويمشى على رجليه حينا يسيرا. ولشفر عينيه الأسفل أهداب، وليس ذلك لشىء من الحيوان سواه. وهو كالإنسان إذا سقط فى الماء غرق كمن لا يحسن السباحة، ويأخذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 نفسه بالزواج والغيرة على الإناث. وتحمل الأنثى أولادها كما تحمل المرأة. وفيه من قبول التأديب والتعليم ما لا يخفى. وجاء فى الموسوعة الذهبية: ينتمى بنو الإنسان إلى مجموعة الثدييات التى تسمى الرئيسيات، وكذلك تنتمى القردة إلى المجموعة نفسها. وقد توصف القردة أحيانا بأنها «قردة دنيا» تمييزا لها عن «القردة العليا» وإن كان يكتفى عادة بتسميتها القردة وحسب. وتشبهنا القردة فى أن لها يدين تتميزان عن قدميها الخلفيتين، وفى أن كلا من يديها وقدميها به خمس أصابع، فضلا عن أن تركيب أمخاخها يشبه أمخاخنا شبها كبيرا. وهناك مجموعتان من القردة: قردة العالم القديم، وقردة العالم الجديد (أى الأمريكتين) . ولكل مجموعة صفاتها المميزة. ولعل القردة أحب الأنواع إلى رواد حدائق الحيوان. إذ أن متابعة حركاتها مسلية للغاية، ولكن ليس من الحكمة فى شىء الاقتراب منها كثيرا لأن معظمها لا يؤمن جانبه. والقردة العليا عديمة الذيل، وهى تختلف فى هذا عن القردة العادية، أو القردة الدنيا التى تنتمى إلى الرئيسيات أيضا. وتمضى معظم هذه الحيوانات- باستثناء الغوريلا- معظم أوقاتها على الأشجار. وتتعرض القردة العليا لبعض الأمراض التى تصيب الإنسان، والتهاب الزائدة الدودية واحد من تلك الأمراض. ولعل الجميع قد أحاطوا علما بما قيل من أن الإيدز انتقل إلى الإنسان من القرود! (ج) الأحكام الفقهية: أكل القردة حرام، قال صاحب فقه السنة: ويحرم أكل القرد، قال أبو عمر: أجمع المسلمون على أنه لا يجوز أكل القرد لنهى الرسول صلّى الله عليه وسلم عن أكله اهـ. وأما بيعه فيجوز؛ لأنه يقبل التعليم، فيمسك الشمعة، ويحفظ الأمتعة. وقال ابن عبد البر فى «أوائل التمهيد» : لا أعلم خلافا فى أن القرد لا يؤكل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 ولا يجوز بيعه؛ لأنه مما لا منفعة فيه، وما علمت أحدا رخص فى أكله. والكلب، والفيل، وذو الناب كله عندى مثله. والحجة فى قول الرسول صلّى الله عليه وسلم لا فى قول غيره. وما يحتاج القرد ومثله إلى النهى عنه؛ لأنه ينهى عن نفسه بزجر الطباع والنفوس لنا عنه. ولم يبلغنا عن العرب ولا عن غيرهم أكله. (د) ما جاء فى السنة النبوية عن القردة: [547] عن عبد الله قال: قالت أم حبيبة زوج النبى صلّى الله عليه وسلم: اللهم متّعنى بزوجى، رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبأبى، أبى سفيان، وبأخى معاوية، قال: فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «قد سألت الله لاجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة، لن يعجّل شيئا قبل حلّه أو يؤخّر شيئا عن حلّه، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب فى النار أو عذاب فى القبر كان خيرا وأفضل» ، قال: وذكرت عنده القردة [قال مسعر: وأراه قال: والخنازير] من مسخ فقال: «إن الله لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك» «1» . [548] عن عمرو بن ميمونة قال: «رأيت فى الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة قد زنت فرجموها، فرجمتها معهم» «2» . [549] عن أنس بن مالك أن اليهود دخلوا على النبى صلّى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك.. فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «السام عليكم» فقالت عائشة رضى الله عنها: السام عليكم يا إخوان القردة والخنازير ولعنة الله وغضبه. فقال: «يا عائشة، مه!» . فقالت: يا رسول الله، أما سمعت   (1) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب القدر- باب بيان أن الاجال والأرزاق وغيره لا تزيد ولا تنقص عما سبق (8/ 55) . فى الحديث دليل صريح على أن الاجال والأرزاق مقدرة لا تتغير عما قدره الله تعالى. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى أبواب المناقب- باب القسامة فى الجاهلية (5/ 56) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 ما قالوا؟ قال: «أو ما سمعت ما رددت عليهم، يا عائشة لم يدخل الرفق فى شىء إلا زانه، ولم ينزع من شىء إلا شانه» «1» . [550] عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إن رجلا حمل معه خمرا فى سفينة ومعه قرد، قال: فكان الرجل إذا باع الخمر شابه «2» بالماء ثم باعه. قال: فأخذ القرد الكيس فصعد به فوق الدّقل «3» قال: فجعل يطرح دينارا فى البحر ودينارا فى السفينة، حتى قسمه» «4» . [551] عن ابن مسعود قال: سألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير، أهى من نسل اليهود؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن الله لم يلعن قوما قطّ فمسخهم فكان لهم نسل حتى يهلكهم! ولكن هذا خلق كان! فلما غضب الله على اليهود مسخهم فجعلهم مثلهم» «5» . [552] عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما، قال: لا أعلمه إلا رفع الحديث، قال: كان يأمر بقتل الحيات ويقول: من تركهن خشية أو مخافة تأثير فليس منا.. قال: وقال ابن عباس: إن الجان مسيخ الجن كما مسخت القردة من بنى إسرائيل «6» .   (1) رواه أحمد فى المسند 3/ 241، 6/ 135. (2) شابه بالماء: أى خلطه. (3) الدّقل: خشبة طويلة تشد فى وسط السفينة يمدّ عليها الشراع، وهى ما تعرف باسم الصارى. (4) حديث صحيح.. رواه أحمد فى مسنده (2/ 306) ، والبيهقى فى «شعب الإيمان» (5307، 5308، 5309) 4/ 333، وابن عدى فى «الكامل» 3/ 253- 254، وصححه المنذرى فى الترغيب والترهيب (3/ 23) ، وقال: رواه الطبرانى فى المعجم الكبير، ورواه البيهقى أيضا ولا أعلم فى رواته مجروحا» اهـ. (قلت) : وعزوه إلى الطبرانى والبيهقى سهو من الحافظ رحمه الله، إذ هو فى المسند، والعزو إليه أولى. (5) مسند أحمد (رقم 3747) ، ونقله ابن كثير فى التفسير (3/ 187- 188) من مسند الطيالسى عن داود بن أبى الفرات وقال: ورواه أحمد من حديث داود بن أبى الفرات، به. ونسبه السيوطى فى الدر المنثور (2/ 295) أيضا لأبى حاتم وأبى الشيخ وابن مردويه. (6) رواه أحمد فى المسند 1/ 348. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 [553] قال معاوية: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «ستكون أئمة من بعدى يقولون فلا يرد عليهم، يتقاحمون فى النار كما تتقاحم القردة» ورواه ابن سبع فى شفاء الصدور كذلك، ورواه الطبرانى فى معجمه الكبير والأوسط، ورواه الحافظ أبو يعلى الموصلى ورجاله كلهم ثقات «1» . [554] وفى المستدرك عن مسلم الزنجى، عن العلاء، عن أبيه، عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: إن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «رأيت فى منامى كأن بنى الحكم بن أبى العاص ينزون على منبرى كما تنزو القردة» فما رؤى النبى صلّى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى مات. ثم قال: صحيح الإسناد على شرط مسلم «2» . [555] عن عبد الله بن عمر عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «لئن أنتم اتبعتم أذناب البقر وتبايعتم بالعينة وتركتم الجهاد فى سبيل الله ليلزمنكم الله مذلة فى أعناقكم، ثم لا تنزع منكم حتى ترجعوا إلى ما كنتم عليه وتتوبوا إلى الله ورسوله» . وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «لتكونن هجرة بعد هجرة إلى مهاجر أبيكم إبراهيم صلّى الله عليه وسلم، حتى لا يبقى فى الأرضين إلا شرار أهلها وتلقطهم أرضوهم، وتقذرهم روح الرحمن عز وجل، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير، تقيل حيث يقيلون، وتبيت حيث يبيتون ... » «3» الحديث.   (1) حديث ضعيف.. رواه الطبرانى فى «الكبير» (ج 19 برقم 925) ، وفى إسناده سويد بن سعيد ضعيف. (2) حديث ضعيف.. فيه مسلم الزنجى، ضعيف الحديث، وقد أخرجه ابن الجوزى فى العلل (2/ 212) . (3) رواه أحمد فى مسنده 2/ 84. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 [556] وروى عن الشعبى قال: «إن النبى صلّى الله عليه وسلم نهى عن لحم القرد، لأنه سبع» فيدخل فى عموم الخبر «1» . بقية مبدوءة بالقاف مذكورة فيما يلى: القرش: (انظر الحوت والسمك) . القرمل: ولد البختى، والقرامل الإبل ذوات السنامين (انظر الإبل) . القرم: الفحل الكريم من الإبل (انظر الإبل) . القسورة: الأسد (انظر الأسد) . القط: (مع السّنور) . القطا: طائر معروف واحده قطاة (انظر الحمام) . القطامى: الصقر- تضم قافه وتفتح- (انظر الصقر) . القعود: (انظر الإبل) . القلوص: (انظر الإبل) . القمرى: (انظر الحمام) .   (1) حديث ضعيف.. وذلك لانقطاعه بين الشعبى، والنبى صلّى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 2- القمل (أ) القمل فى اللغة: القمل: جمع قملة، وهى حشرة تتولّد على البدن عند دفعه العفونة إلى الخارج. أما «القمّل» بميم مشددة- كما ورد ذكرها فى القران الكريم- فدويبة من جنس القردان (القراد) إلّا أنها أصغر منها تركب البعير عند الهزال، وقد سبق ذكرها. وقد جاء فى تفسير «القمّل» أيضا أنه شىء يقع فى الزرع ليس بجراد يأكل النّبتة وهى غضة قبل أن تخرج وربما تكون هى التى تسمى الان «النطّاط» . وهناك «قمل النبات» وهو الذى يزدحم على سوق كثير من النباتات، ويسمى «المنّ» هذا.. وكنية القملة: أم عقبة، وأم طلحة، ويقال للذكر: أبو عقبة، والجمع بنات عقبة، وبنات الدروز. وقال العرب فى الأمثال: «غلّ قمل» يضرب للمرأة السيئة الخلق. (ب) طبائع القمل: قال الجاحظ: «ربما كان الإنسان قمل الطباع، وإن تنظف وتعطر، وبدل الثياب» . وقال الدميرى: ومن طبع القمل أن يكون فى شعر الرأس الأحمر أحمر، وفى الشعر الأسود أسود، وفى الشعر الأبيض أبيض، ومتى تغير الشعر تغير إلى لونه. والقمل يسرع إلى الدجاج والحمام، ويعرض للقردة. وهو من الحيوان الذى إناثه أكثر من ذكوره. ويتغذى القمل على دم الكائن الحى، وهو من الحشرات المستقذرة. وقيل: إن ذكوره الصّئبان، وقيل: الصئبان بيضه. (ج) الحكم الفقهى: يحرم أكل القمل بالإجماع، وإذا ظهر على بدن المحرم أو ثيابه لم يكره له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 تنحيته؛ فإن قتله لم يلزمه شىء، لكن يكره أن يفلى رأسه أو لحيته، فإن فعل وأخرج منها قملة فقتلها، تصدق ولو بلقمة. قال الأكثرون: هذا التصدق مستحب، لما فيه من إزالة الأذى عن الرأس واللحية، وليس فداء للقملة ولا بأس بقتل القملة فى الصلاة. (د) ما جاء فى الحديث الشريف عن القمل: [557] عن عبد الله بن معقل قال: جلست إلى كعب بن عجرة رضى الله عنه- فسألته عن الفدية «1» فقال: نزلت فىّ خاصّة وهى لكم عامّة، حملت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهى، فقال: «ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى، تجد شاة؟» فقلت: لا. فقال: «فصم ثلاثة أيّام، أو أطعم ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع» «2» . [558] عن أنس رضى الله عنه «أنّ عبد الرّحمن بن عوف والزّبير شكوا إلى النّبىّ صلّى الله عليه وسلم- يعنى القمل- فأرخص لهما فى الحرير، فرأيته عليهما فى غزاة» «3» . [559] عن الحضرمىّ بن لاحق، عن رجل من الأنصار أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا وجد أحدكم القملة فى ثوبه فليصرّها ولا يلقها فى المسجد» «4» .   (1) المذكورة فى قوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196] . (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى أبواب العمرة- باب الإطعام فى الفدية نصف صاع (3/ 13) ، كتاب المغازى- باب غزوة الحديبية (5/ 164) ، وكتاب التفسير- باب تفسير سورة البقرة (6/ 33) ، ومسلم فى كتاب الحج- باب جواز حلق الرأس للمحرم (4/ 21) ، وأحمد فى المسند (4/ 241) . (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الجهاد والسير- باب الحرير فى الحرب (4/ 50) ، ومسلم فى كتاب اللباس والزينة- باب إباحة لبس الحرير للرجل إذا كان به حكه أو نحوها (6/ 143) . فائدة: فى الحديث دليل لجواز لبس الحرير عند الضرورة كمن فاجأته الحرب، ولم يجد غيره. (4) حديث ضعيف.. رواه أحمد فى مسنده (5/ 410) ، والبيهقى فى السنن الكبرى (2/ 294) ، وضعفه الشيخ الألبانى. ضعيف الجامع الصغير وزياداته (813، 816) 1/ 239. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 [560] روى خيثمة بن سليمان فى مسنده فى اخر الجزء الخامس عشر عن جابر بن عبد الله- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «توضع الموازين يوم القيامة، فتوزن الحسنات والسيئات فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال صؤابة دخل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال صؤابة دخل النار. قيل: يا رسول الله، فمن استوت حسناته وسيئاته؟ قال صلّى الله عليه وسلم: أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون» «1» . [561] روى الحاكم فى «أوائل المستدرك» من حديث أبى سعيد الخدرى- رضى الله عنه- أنه قال: يا رسول الله، من أشدّ الناس بلاء؟ قال: «الأنبياء» . قال: ثمّ من؟ قال- عليه الصلاة والسلام- «العلماء» قال: ثمّ من؟ قال: «الصالحون؛ كان أحدهم يبتلى بالقمل حتى يقتله، ويبتلى أحدهم بالفقر حتى لا يجد العباءة يلبسها، ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء» «2» . [562] عن كعب بن عجرة رضى الله عنه، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقف عليه ورأسه يتهافت قملا، فقال: «أيؤذيك هو امّك؟» قلت: نعم. قال: «فاحلق رأسك» . قال: ففىّ نزلت هذه الاية: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196] . فقال لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «صم ثلاثة أيام. أو تصدّق بفرق بين   (1) حديث ضعيف.. وأخرجه أيضا ابن مردويه فى «تفسيره» كما فى «تفسير ابن كثير» (2/ 216) ، وسنده ضعيف فيه رجل مجهول لم يسم.. والصّؤابة: بيضة القمل. (2) حديث صحيح.. قال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط مسلم. والحديث فى «المستدرك» (1/ 40) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 ستة مساكين. أو انسك ما تيسر» «1» . [563] عن كعب بن عجرة رضى الله عنه قال: أتى علىّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم زمن الحديبية وأنا أوقد تحت قدر لى- أو برمة لى- والقمل يتناثر على وجهى، فقال: «أيؤذيك هوامّ رأسك؟» قلت: نعم.. قال: «فاحلق، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك نسيكة» . قال أيوب: فلا أدرى بأى ذلك بدأ «2» . [564] قال النبى صلّى الله عليه وسلم: «إذا وجد أحدكم القملة فى المسجد فليصرها فى ثوبه، حتى يخرج من المسجد» «3» . [565] عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يا جابر، ألك امرأة» قال: قلت: نعم.. قال: «أثيبا نكحت أم بكرا؟» قال: قلت له: تزوّجتها وهى ثيب.. قال: فقال لى: «فهلّا تزوجتها جويرية؟» قال: قلت له: قتل أبى معك يوم كذا وكذا، وترك جوارى، فكرهت أن أضمّ إليهن جارية كإحداهن، فتزوّجت ثيبا تقصع قملة إحداهن، وتخيط درع إحداهن إذا تخرّق. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «فإنك نعم ما رأيت» «4» . [566] وروى عن ابن مسعود- رضى الله عنه- أنه رأى قملة على ثوب رجل فى المسجد، فأخذها، فدفنها فى الحصى، ثم قال: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً [المرسلات: 25] «5» .   (1) رواه مسلم فى صحيحه، كتاب الحج، حديث رقم 82، والبخارى فى كتاب المحصر، باب قوله تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ [البقرة: 196] . (2) رواه مسلم فى صحيحه، كتاب الحج، حديث رقم 80. (3) رواه أحمد فى مسنده (5/ 410) بإسناد صحيح. (4) رواه أحمد فى سنده 3/ 358. (5) حديث ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 [567] وروى البزار والطبرانى فى معجمه الأوسط عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال: إن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا وجد أحدكم القملة فى المسجد فليدفنها» «1» . [568] وفى «التمهيد» ذكر نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن المبارك بن فضالة عن الحسن، أن النبى صلّى الله عليه وسلم كان يقتل القمل فى الصلاة، أو قتل القمل فى الصلاة» . قال نعيم: هذا أول حديث سمعته عن ابن المبارك «2» . [569] عن كعب بن عجرة قال: قملت حتى ظننت أن كل شعرة من رأسى فيها القمل من أصلها إلى فرعها، فأمرنى النبى صلّى الله عليه وسلم حين رأى ذلك قال: «احلق» .. ونزلت الاية، قال: «أطعم ستة مساكين ثلاثة اصع من تمر» «3» .   (1) حديث ضعيف جدّا.. رواه الطبرانى فى «الأوسط» (602- مجمع البحرين) ، والبزار (1/ 209) كشف، وفى مسنده يوسف بن خالد السمتى، متروك، وعتبة الكوفى، ضعيف الحديث. (2) حديث ضعيف.. المبارك مدلس وقد عنعنه، والحديث مرسل. (3) رواه أحمد فى مسنده 4/ 241. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 القندس: كلب الماء (انظر الكلب) . 3- القنفذ (أ) القنفذ فى اللغة: القنفذ: دويبة من الثّدييّات ذات شوك حاد يلتف فيصير كالكرة، وبذلك يقى نفسه من خطر الأعداء عليه. ويقال: «إنه لقنفذ ليل» : لا ينام، لأن القنفذ يقضى الليل ساعيا، ويقال: «أسرى من قنفذ» . ويقال أيضا: «ما هو إلا قنفذ ليل» : نمّام، والجمع قنافذ كما جاء فى المعجم الوسيط. وتضم فاؤه أو تفتح. والبرّى منه كنيته: أبو سفيان، وأبو الشوك، والأنثى أم دلدل. والجمع القنافذ، ويقال لها: العساعس لكثرة ترددها بالليل. (ب) طبائع القنفذ: قال الدميرى: وهو صنفان: قنفذ يكون بأرض مصر قدر الفأر ودلدل يكون بأرض الشام والعراق فى قدر الكلب. والفرق بينهما كالفرق بين الجرذ والفأر. قالوا: إن القنفذ إذا جاع يصعد الكرم منكّسا، فيقطع العناقيد، ويرمى بها، ثم ينزل فيأكل منها ما أطاق، فإن كان له فراخ تمرغ فى الباقى ليشتبك فى شوكه، ويذهب به إلى أولاده. وهو لا يظهر إلا ليلا. وهو مولع بأكل الأفاعى، ولا يتألم بها، وإن لدغته الحية، أكل السّعتر البرى فيبرأ منها، وله خمسة أسنان فى فيه، والبرية منها تسفد قائمة، وظهر الذكر منها لاصق ببطن الأنثى. (ج) الحكم الفقهى: قال الشافعى: يحل أكل القنفذ؛ لأن العرب تستطيبه، وقد أفتى ابن عمر بإباحته، كما نقله الدميرى. وذكر أبو داود وأحمد أن ابن عمر سئل عن القنفذ فتلا: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ [الأنعام: 145] .. قال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة رضى الله عنه يقول: ذكر عند النبى صلّى الله عليه وسلم فقال: «خبيثة من الخبائث» فقال ابن عمر: إن كان قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذا فهو كما قال.. وهذا الحديث من رواية عيسى بن نميلة وهو ضعيف. قال الشوكانى: فلا يصلح الحديث لتخصيص القنفذ من أدلة الحل العامة.. قال صاحب فقه السنة: وبناء على ما قاله الشوكانى يكون أكله حلالا. (د) الأحاديث الواردة فى القنفذ: [570] روى البيهقى فى أواخر «دلائل النبوة» عن أبى دجانة، واسمه سماك بن خرشة قال: شكوت إلى النبى صلّى الله عليه وسلم أنى نمت فى فراشى فسمعت صريرا كصرير الرحى، ودويّا كدوىّ النحل، ولمعا كلمع البرق، فرفعت رأسى، فإذا أنا بظل أسود يعلو، ويطول فى صحن دارى، فمسست جلده فإذا هو كجلد القنفذ، فرمى فى وجهى مثل شرر النار، فقال صلّى الله عليه وسلم: «عامر دارك يا أبا دجانة» ثم طلب منى دواة وقرطاسا، وأمر عليا أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا كتاب من محمد رسول رب العالمين إلى من يطرق الدار من العمّار والزّوّار إلا طارقا يطرق بخير. أما بعد.. فإن لنا ولكم فى الحق سعة، فإن كنت عاشقا مولعا، أو فاجرا مقتحما فهذا كتاب الله ينطق علينا وعليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون، ورسلنا يكتبون ما تمكرون. اتركوا صاحب كتابى هذا، وانطلقوا إلى عبدة الأصنام، وإلى من يزعم أن مع الله إلها اخر لا إله إلا هو كل شىء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون. حم لا ينصرون. حم عسق. تفرق أعداء الله، وبلغت حجة الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 قال أبو دجانة- رضى الله عنه- فأخذت الكتاب، وأدرجته، وحملته إلى دارى، وجعلته تحت رأسى، فبت ليلتى، فما انتبهت إلا من صراخ صارخ يقول: يا أبا دجانة؛ أحرقتنا بهذه الكلمات، فبحق صاحبك إلا ما رفعت عنا هذه الكلمات، فلا عود لنا فى دارك، ولا فى جوارك، ولا فى موضع يكون فيه هذا الكتاب. قال أبو دجانة: فقلت: والله لا أرفعه حتى أستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم. قال أبو دجانة: فلقد طالت ليلتى بما سمعت من أنين الجن، وصراخهم وبكائهم حتى أصبحت! فغدوت فصليت الصبح مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأخبرته بما سمعت من الجن ليلتى، وما قلت لهم؛ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يا أبا دجانة؛ ارفع عن القوم؛ فو الذى بعثنى بالحق نبيا إنهم ليجدون ألم العذاب إلى يوم القيامة» «1» . [571] روى الطبرانى فى معجمه الكبير، والحافظ ابن منير الحلبى وغيرهما عن قتادة بن النعمان قال: كانت ليلة شديدة الظلمة والمطر، فقلت: لو أنى اغتنمت الليلة شهود العتمة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ففعلت، فلما رانى قال صلّى الله عليه وسلم: «قتادة؟!» قلت: لبيك يا رسول الله! ثم قلت: علمت أن شاهد الصلاة فى هذه الليلة قليل، فأحببت أن أشهدها معك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إذا انصرفت فائتنى» فلما فرغت من الصلاة، أتيت إليه، فأعطانى عرجونا كان فى يده، وقال: «هذا يضئ أمامك عشرا ومن خلفك عشرا» ثم قال صلّى الله عليه وسلم: «إن الشيطان قد خلفك فى أهلك، فاذهب بهذا العرجون، فاستضئ به حتى تأتى بيتك، فتجده فى زاوية البيت، فاضربه بالعرجون» .   (1) قال البيهقى: وقد ورد فى «حرز» أبى دجانة- رضى الله عنه- حديث طويل غير هذا «موضوع» لا تحل روايته. والحديث فى «دلائل النبوة» للبيهقى (7/ 119) وانظر أيضا فى «الموضوعات» لابن الجوزى (3/ 169) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 قال: فخرجت من المسجد، فأضاء العرجون مثل الشمعة نورا، فاستضأت به، وأتيت أهلى، فوجدتهم قد رقدوا، فنظرت إلى الزاوية فإذا فيها «قنفذ» فلم أزل أضربه بالعرجون حتى خرج» «1» . [572] قال شيخ عند ابن عمر- وقد سئل عن القنفذ- سمعت أبا هريرة- رضى الله عنه- يقول: ذكر القنفذ عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: «خبيث من الخبائث» «2» . [573] روى عن سعيد بن جبير أن أم حفيد- رضى الله تعالى عنها- جاءت بقنفذ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فوضعته بين يديه، فنحاه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم يأكله» «3» .   (1) حديث حسن.. رواه الطبرانى فى «الكبير» (ج 9 برقم 9) ، وله شاهد من حديث أبى سعيد الخدرى عند أحمد (3/ 65) . وسنده صحيح. (2) حديث ضعيف.. رواته مجهولون. قال البيهقى: ولم يرو إلا من وجه واحد ضعيف لا يجوز الاحتجاج به. والحديث رواه أبو داود (3799) . والبيهقى (9/ 326) . (3) حديث ضعيف.. هو مرسل، وقد روى مسندا وليس فيه ذكر القنفذ، والحديث فى «السنن الكبرى» للبيهقى (9/ 326) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 4- القطاة (أ) القطاة [في اللغة] : واحدة القطا، وهو نوع من اليمام يؤثر الحياة فى الصحراء، ويتخذ أفحوصه فى الأرض.. ويطير جماعات، ويقطع مسافات شاسعة.. وبيضه مرقّط. (ب) الأحكام الفقهية: حلال يؤكل لحمه. (ج) ما جاء عنه فى الأحاديث النبوية: [574] عن نعيم بن قعنب الرياحى قال: أتيت أبا ذر فلم أجده، ورأيت المرأة فسألتها، فقالت: هو ذاك فى ضيعة له، فجاء يقود أو يسوق بعيرين قاطرا أحدهما فى عجز صاحبه، فى عنق كل واحد منهما قربة. فوضع القربتين، قلت: يا أبا ذر، ما كان من الناس أحد أحب إلىّ أن ألقاه منك، ولا أبغض أن ألقاه منك!! قال: لله أبوك! .. وما يجمع هذا؟ قال: قلت: إنّى كنت وأدت فى الجاهلية، وكنت أرجو فى لقائك أن تخبرنى إن لى توبة ومخرجا، وكنت أخشى فى لقائك أن تخبرنى أنه لا توبة لى. فقال: أفى الجاهلية؟ قلت: نعم.. فقال: عفا الله عما سلف.. ثم عاج برأسه إلى المرأة فأمر لى بطعام، فالتوت عليه.. ثم أمرها فالتوت عليه، حتى ارتفعت أصواتهما.. قال: أيها، دعينا عنك فإنكن لن تعدون ما قال لنا فيكن رسول الله صلّى الله عليه وسلم. قلت: وما قال لكم فيهنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ قال: «المرأة ضلع، فإن تذهب تقوّمها تكسرها، وإن تدعها ففيها أود وبلغة» . فولّت، فجاءت بثريدة كأنها قطاة ... » «1» الحديث. [575] عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «من بنى مسجدا لله كمفحص قطاه، أو أصغر، بنى الله له بيتا فى الجنّة» «2» .   (1) رواه أحمد فى مسنده 5/ 150، 151. (2) رواه ابن ماجه فى سننه، كتاب المساجد، حديث رقم 738. وقال فى الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. ومفحص القطاة: موضعها الذى تجثم فيه وتبيض، لأنها تفحص عنه التراب.. وهذا مذكور لإفادة المبالغة، وإلا فأقل المسجد أن يكون موضعا لصلاة واحدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 [باب الكاف] الكاسر: العقاب (انظر العقاب) . الكبش: فحل الضأن (انظر الغنم والماعز) . الكدر: طير فى ألوانها كدرة (مع العصافير) . الكركى: طائر كبير معروف، وذهب بعض الناس إلى أنه الغرنوق (مع العصافير والطير) . الكسعوم: - كحلقوم- الحمار (انظر الدواب) . 1- الكلب (أ) الكلب فى اللغة: الكلب: حيوان أهلىّ من الفصيلة الكلبية، ورتبة اللواحم، فيه سلالات كثيرة تربى للحراسة، أو للصيد، أو للجر: وكل سبع عقور، وربما وصف به. والجمع كلاب وأكلب. والكلبة أنثى الكلاب، والجرو- بكسر الجيم وفتحها وضمها، الصغير من أولاد الكلاب وسائر السباع. وفى المثل: «لا تقتن من كلب السوء جروا» . والجمع: جراء وأجر، وأجراء. وقالت العرب: «الف من كلب» ، وأبصر، وأنجل، وأطوع، وأفحش، وألأم، و «أبول» ؛ فيجوز أن يراد به البول نفسه، ويجوز أن يراد به كثرة الجراء؛ فإن البول فى كلام العرب يكنى به عن الولد. ويقال فى الأمثال: «سمن كلبك يأكلك» و «جوع كلبك يتبعك» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 وقد جاء فى تشبيهاتهم: أنت كالكلب فى حفاظك للود ... وكالتيس فى قراع الخطوب وقد داعب الشاعر شوقى زميله حافظ إبراهيم شاعر النيل بقوله: وأودعت إنسانا وكلبا أمانة ... فضيعها الإنسان والكلب حافظ! ودخل أبو العلاء المعرى على الشريف المرتضى فعثر برجل، فقال له الرجل: من هذا الكلب؟ فقال أبو العلاء: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسما!! (ب) طبائع الكلب: قال الدميرى: والكلب حيوان شديد الرياضة، كثير الوفاء، وهو لا سبع، ولا بهيمة، حتى كأنه من الخلق المركب، لأنه لو تم له طباعه السبعية ما ألف الناس. ولو تم له طباعه البهيمية ما أكل لحم الحيوان. ويقول الدميرى: وفى طبعه الاحتلام، وتحيض إناثه، وتحمل الأنثى ستين يوما، ومنها ما يقل عن ذلك، وتضع جراءها عميا، فلا تفتح عيونها إلا بعد اثنى عشر يوما. والذكور تهيج قبل الإناث، وهى تنزو إذا كمل لها سنة، وربما تسفد قبل ذلك. وإذا سفد الكلبة كلاب مختلفة الألوان أدت إلى كل كلب شبهه. وفى الكلب من اقتفاء الأثر، وشم الرائحة ما ليس لغيره من الحيوانات، والجيفة أحب إليه من غيرها من اللحوم. ويأكل العذرة، ويرجع فى قيئه. وبينه وبين الضبع عداوة شديدة. ومن طبعه أن يحرس صاحبه، ويحمى بيته حاضرا وغائبا. وهو أيقظ الحيوان عينا، وهو فى نومه «أسمع من فرس» ، و «أحذر من غراب» . ومن عجيب طباعه أنه يكرم الأجلاء من الناس، وأهل الوجاهة، وذو المكانة، ولا ينبح أحدا منهم، وينبح الأسود من الناس، والدنس الثياب، والضعيف الحال. ومن كنايات العرب: «جبان الكلب» يكنون بها عن الكرم. ومن طباعه البصبصة والترضّى، والتودد والتألف، بحيث إذا دعى بعد الضرب والطرد رجع، وإذا لاعبه صاحبه عضه العض الذى لا يؤلم. وكلب الماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 يسمى القندس، ويقبل الكلب التأديب والتلقين والتعليم، ويعرض له «الكلب» فتكون فيه نهايته، ويقتل كل شىء عضه- حينئذ- إلا الإنسان فإنه قد يعالج فيسلم. ويصف العتابى كلبه فيقول: إنه يكفّ عنى أذاه، ويكفينى أذى من سواه، ويشكر قليلى، ويحفظ مبيتى ومقيلى، وهو من بين الحيوان خليلى! والكلب أول حيوان وحشى يستأنسه الإنسان، وكان لسكان الكهوف من الاف السنين كلابهم الأليفة. والكلاب والذئاب تربطهما قرابة وثيقة. وفى معارض الكلاب يرى الزائر ما ينوف على مائة نوع أو سلالة، وما زالت الكلاب حتى عصرنا تؤدى مختلف الوظائف والخدمات فهى تساعد فى الصيد والقنص، وجر الأثقال، ورعى الماشية، والأغنام، وإنقاذ الغرقى، والتعرف على الجناة كما ترفه عنا بألعابها فى السيرك، كما تحرس أصحابها وما يملكون. وتوجد الان كلاب كبيرة، وأخرى صغيرة، منها الناعمة الشعر، أو الخشنة الملمس، ومنها السريعة أو البطيئة، ومنها المرحة اللاهية، أو ذات الأنفة والكبرياء. وتقسم معارض الكلاب أصنافها إلى ست مجموعات هى: الرياضية، وغير الرياضية، والعاملة، والصيادة، والحارسة، والمسلية المداعبة. وتنقسم كل مجموعة إلى عدة سلالات. ومن الكلاب ما يؤدى خدمة رائعة لفاقدى البصر حتى لتعدّ: «أخلص صديق» . (ج) الأحكام الفقهية: يحرم أكل الكلاب بجميع أنواعها. وسئل الشعبى عن رجل يتداوى بلحم الكلاب فقال: «لا شفاه الله!» . والكلاب كلها نجسة. وقد دلت السنة على حل ما صاده الكلب المعلم. وسؤر الكلب نجس. وهناك طائفة من الأحكام الخاصة بالكلب تجدها فى التعليق على الأحاديث الشريفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 (د) ما ورد فى السنة الشريفة عن الكلاب وجرائها: [576] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من أمسك كلبا فإنه ينقص كل يوم من عمله قيراط إلا كلب حرث أو ماشية «1» » [ومثله عن سفيان بن أبى زهير] . [577] عن أبى مسعود الأنصارى- رضى الله عنه- «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغىّ وحلوان «2» الكاهن» «3» . [578] عن عدى بن حاتم قال: «سألت النّبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال: إذا أرسلت كلبك المعلّم فكل، وإذا أكل فلا تأكل فإنما أمسكه على نفسه، قلت: أرسل كلبى فأجد معه كلبا اخر. قال: فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب اخر» «4» . [579] عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: قال النبى صلّى الله عليه وسلم: «العائد فى هبته كالكلب يقئ ثم يعود فى قيئه» «5» . [580] عن أبى طلحة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول:   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فيما جاء فى الحرث والمزارعة- باب اقتناء الكلب للحرث (3/ 135 136) ، وفى كتاب بدء الخلق- باب إذا وقع الذباب فى شراب أحدكم (4/ 158) . وفى الحديث دليل على جواز اتخاذ الكلب فى الصيد والزرع وكل ما فيه منافع للإنسان. (2) حلوان الكاهن: هو ما يتعاطاه الكاهن من الأجر والرشوة على كهانته. (3) حديث رواه البخارى فى كتاب الإجارة- باب كسب البغى والإماء (3/ 122) ، وفى كتاب الطلاق- باب مهر البغى (7/ 79) ، وفى كتاب الطب- باب الكهانة (7/ 176) ، ومسلم فى كتاب المساقاة باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن (5/ 35) . (4) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الوضوء- باب الماء الذى يغسل به شعر الإنسان (1/ 55) ، وفى كتاب الذبائح والصيد- باب ما أصاب المعراض (7/ 11) ، ومسلم فى كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان- باب الصيد بالكلاب (6/ 56) . (5) حديث رواه البخارى فى كتاب الهبة وفضلها- باب هبة الرجل لامرأته. والمرأة لزوجها (3/ 205) ، وباب لا يحل لأحد أن يرجع فى هبته وصدقته (3/ 215) ، وفى كتاب الحيل- باب فى الهبة والشفعة (9/ 35) ، ومسلم فى كتاب الهبات- باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه (5/ 63) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 «لا يدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة ولا تماثيل» «1» . [581] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركى «2» يلهث قال: كاد يقتله العطش. فنزعت خفها فأوثقته بخمارها فنزحت له من الماء فغفر لها بذلك» «3» . [582] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إذا شرب الكلب فى إناء أحدكم فليغسله سبعا» «4» . [583] عن عبد الله بن مغفّل عن النّبىّ صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا ولغ «5» الكلب فى الإناء، فاغسلوه سبع مرّات، وعفّروه الثّامنة بالتّراب «6» » «7» . [584] عن عون بن أبى جحيفة عن أبيه قال: «أتيت النّبىّ صلّى الله عليه وسلم بمكّة وهو بالأبطح «8» فى قبّة له حمراء من أدم قال: فخرج بلال بوضوئه فمن نائل وناضح* قال: فخرج النبى صلّى الله عليه وسلم عليه حلّة حمراء كأنّى أنظر   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب بدء الخلق- باب إذا قال أحدكم امين والملائكة فى السماء (4/ 138) ، وباب إذا وقع الذباب فى شراب أحدكم (4/ 158) ، وفى كتاب اللباس- باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة (7/ 217) ، ومسلم فى كتاب اللباس والزينة- باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة (6/ 157) . (2) ركىّ: الرّكىّ: جنس للرّكيّة، وهى البئر، وجمعها ركايا. (3) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب بدء الخلق- باب إذا وقع الذباب فى شراب أحدكم (4/ 158) ، وفى كتاب الأنبياء- باب ما ذكر فى بنى إسرائيل (4/ 211) ، ومسلم فى كتاب قتل الحيات- باب فضل سقى البهائم المحترمة (7/ 44) . (4) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الوضوء- باب الذى يغسل به شعر الإنسان وسؤر الكلب (1/ 54) ، ومسلم فى كتاب الطهارة- باب حكم ولوغ الكلب (1/ 161) . (5) ولغ: من باب نفع، بمعنى شرب. (6) وعفروه الثامنة بالتراب: يدل الحديث على الأمر بغسل الإناء إذا شرب منه الكلب، سبع مرات، واحدة منهن بالتراب مع الماء، وقد أثبت الطب أن ميكروب الكلب لا يبيده إلا التراب. (7) حديث صحيح رواه مسلم (3/ 183- نووى) ، وأبو داود (74) ، والنسائى (67) ، وابن ماجه (365، 3200- 3201) ، وأحمد (4/ 86، 5/ 56) . (8) الأبطح: موضع على باب مكة، يقال له: البطحاء. * أى فمنهم من ينال شيئا، ومنهم من ينضح عليه غيره شيئا مما ناله، ويرش عليه بللا مما حصل له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 إلى بياض ساقيه قال: فتوضّأ وأذّن بلال قال: فجعلت أتتبّع فاه ههنا وههنا (يقول: يمينا وشمالا) يقول: حىّ على الصّلاة حىّ على الفلاح قال: ثمّ ركزت له عنزة فتقدّم فصلّى الظّهر ركعتين يمرّ بين يديه الحمار والكلب لا يمنع. ثمّ صلّى العصر ركعتين فلم يزل يصلّى ركعتين حتّى رجع إلى المدينة» «1» . [585] عن أم سلمة أن امرأة توفّى زوجها فخافوا على عينها فأتوا النّبىّ صلّى الله عليه وسلم فاستأذنوه فى الكحل. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «قد كانت إحداكنّ تكون فى شرّ بيتها فى أحلاسها «2» حولا، فإذا مرّ كلب رمت ببعرة فخرجت، أفلا أربعة أشهر وعشرا؟!» «3» . [586] عن جابر بن عبد الله قال: «أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بقتل الكلاب حتى إنّ المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله ثمّ نهى النّبى صلّى الله عليه وسلم عن قتلها وقال: عليكم بالأسود البهيم ذى النّقطتين فإنّه شيطان» «4» . [587] عن أنس عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «اعتدلوا فى السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه كالكلب، وإذا بزق فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه فإنه يناجى ربه» «5» . [588] عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:   (1) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الصلاة- باب سترة المصلّى (2/ 56) . (2) أحلاسها: جمع حلس، والمراد شر ثيابها. (3) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الطلاق- باب وجوب الإحداد فى عدة الوفاة وتحريمه فى غير ذلك (4/ 203) . (4) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب المساقة- باب تحريم اقتناء الكلاب (5/ 36) . والبهيم: الخالص السواد. (5) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الصلاة- باب المصلّى يناجى ربه عز وجل (1/ 208) . ومسلم فى صحيحه كتاب الصلاة، حديث رقم 233. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 «من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية «1» ، أو ضار «2» ، نقص من عمله كلّ يوم قيراطان» «3» . [589] وعن سفيان بن أبى زهير أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «من اقتنى كلبا لا يغنى عنه زرعا ولا ضرعا نقص من عمله كلّ يوم قيراط» «4» . [590] وعن ابن عمر رضى الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أمر بقتل الكلاب إلّا كلب صيد أو كلب ماشية» «5» . [591] عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النّبىّ صلّى الله عليه وسلم قال: «من اقتنى كلبا ليس بكلب ماشية أو ضارية نقص كلّ يوم من عمله قيراطان» وفى رواية عنه أيضا يقول: سمعت النّبىّ صلّى الله عليه وسلم يقول: «من اقتنى كلبا إلّا كلبا ضاريا أو كلب ماشية فإنّه ينقص من أجره كلّ يوم قيراطان» وفى رواية عنه أيضا قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من اقتنى كلبا إلّا كلب ماشية أو ضارية نقص من عمله كل يوم قيراطان» «6» .   (1) كلب ماشية: بغرض حراستها. (2) أو ضار أى أو كلب ضار بغرض الصيد. (3) حديث رواه البخارى فى صحيحه، كتاب: «الذبائح والصيد» باب: «من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية» ، ومسلم فى صحيحه كتاب «المساقاة» برقم (54) . قال الإمام النووى: أجمع العلماء على قتل الكلب الكلب والكلب العقور، واختلفوا فى قتل ما لا ضرر فيه، فقال إمام الحرمين من أصحابنا: أمر النبى صلّى الله عليه وسلم أولا بقتلها كلها، ثم نسخ ذلك ونهى عن قتلها إلا الأسود البهيم، ثم استقر الشرع على النهى عن قتل جميع الكلاب التى لا ضرر فيها سواء الأسود وغيره. قال النووى: أما اقتناء الكلاب، فمذهبنا أنه يحرم اقتناء الكلب بغير حاجة، ويجوز اقتناؤه للصيد وللزرع وللماشية، ويجوز اقتناؤه للدور والدروب قياسا على هذه الثلاثة عملا بالعلة المفهومة من الأحاديث، وهى الحاجة أهـ (انظر شرح صحيح مسلم 10/ 236) . (4) حديث صحيح.. رواه البخارى (2323، 2325) ، ومسلم برقم (1576) ، والنسائى (7/ 188) ، وأحمد (5/ 219، 220) . (5) حديث صحيح.. رواه البخارى (3323) ، ومسلم (1570) ، ومالك (2/ 969) ، والترمذى (1488) ، والدارمى (2007) . (6) حديث صحيح.. أخرجه البخارى (5480- 5482) ، ومسلم (1574) ، والترمذى (1487) ، والنسائى (7/ 187) ، ومالك (2/ 969) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 [592] عن عدىّ بن حاتم رضى الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إنّا نرسل الكلاب المعلّمة؟ قال: «كل ما أمسكن عليك، وإن قتلن» قال: وإن قتلن؟ قال: «وإن قتلن» . قلت: وإنّا نرمى بالمعراض؟ قال: «كل ما خزق، وما أصاب بعرضه- فلا تأكل» «1» . [593] عن أبى ثعلبة الخشنىّ قال: قلت: يا نبىّ الله إنّا بأرض قوم من أهل الكتاب. أفنأكل فى انيتهم، وبأرض صيد أصيد بقوسى، وبكلبى الّذى ليس بمعلّم وبكلبى المعلّم فما يصلح لى؟ قال: «أمّا ما ذكرت من أهل الكتاب فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها، وكلوا فيها، وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك المعلّم فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك غير معلّم فأدركت ذكاته فكل» «2» . [594] عن ميمونة زوج النّبى صلّى الله عليه وسلم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أصبح يوما واجما فقالت له ميمونة: أى رسول الله لقد استنكرت هيئتك منذ اليوم فقال: «إنّ جبريل عليه السّلام كان وعدنى أن يلقانى اللّيلة فلم يلقنى أما والله ما أخلفنى» . قال: فظلّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم يومه ذلك على ذلك ثمّ وقع فى نفسه جرو كلب تحت فسطاط لنا «3» فأمر به فأخرج ثمّ أخذ بيده ماء فنضح به «4» مكانه فلمّا أمسى لقيه جبريل- عليه السّلام- فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: قد كنت وعدتنى أن تلقانى البارحة. قال: أجل ولكنّا لا ندخل   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى (5475) ، ومسلم (1929) . (2) حديث صحيح.. رواه البخارى (9/ 604- 605) ، ومسلم (1930) . (3) فساط: نحو الخباء، والمراد هنا بعض حجال البيت. (4) نضح: أى غسل الموضع الذى كان فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 بيتا فيه كلب ولا صورة. قال فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلم من ذلك اليوم فأمر بقتل الكلاب» «1» . [595] عن ابن عبّاس «أنّ امرأة جاءت بولدها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إنّ به لمما «2» ، وإنّه يأخذه عند طعامنا فيفسد علينا طعامنا، قال: فمسح رسول الله صلّى الله عليه وسلم صدره ودعا له فتعّ تعّة «3» فخرج من فيه مثل الجرو الأسود فشفى» «4» . [596] عن أبى رافع أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «يا أبا رافع، اقتل كل كلب بالمدينة» قال: فوجدت نسوة من الأنصار بالصورين من البقيع لهن كلب، فقلت: يا أبا رافع، إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد أغزى رجالنا، وإن هذا الكلب يمنعنا بعد الله، والله ما يستطيع أحد أن يأتينا حتى تقوم امرأة منا فتحول بينه وبينه، فاذكره للنبى صلّى الله عليه وسلم. فذكره أبو رافع للنبى صلّى الله عليه وسلم فقال: «يا أبا رافع، اقتله فإنما يمنعهن الله» «5» . [597] روى الحاكم عن جابر أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتم نباح الكلب، ونهيق الحمار بالليل، فتعوّذوا بالله من الشيطان الرجيم، فإنها ترى ما لا ترون، وأقلوا الخروج إذا هدأت الرّجل فإن الله تعالى يبيت فى الليل من خلقه ما شاء» «6» .   (1) حديث صحيح.. رواه مسلم فى صحيحه، كتاب اللباس- باب تحريم تصوير صورة الحيوان (6/ 156) ، والنسائى فى سننه- كتاب الصيد- باب امتناع الملائكة من دخول بيت فيه كلب (7/ 187) ، والطحاوى فى شرح معانى الاثار (4/ 283) ، وأبو يعلى فى مسنده (7093) 13/ 8. (2) اللمم: طرف من الجنون يلم بالإنسان، أى ينزل به ويعتريه. (3) أى تحرك حركة عنيفة. (4) حديث صحيح.. رواه أحمد فى المسند (1/ 239) ، والبيهقى فى دلائل النبوة (6/ 187) ، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد (4/ 188- 189) : «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح» اهـ. (5) رواه أحمد فى مسنده 6/ 9. (6) حديث صحيح.. وله شاهد من حديث أبى هريرة عند البخارى (6/ 350) . ومسلم فى «الذكر» برقم (82) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 [598] روى مسلم عن أبى ذر- رضى الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يقطع الصلاة الحمار، والمرأة، والكلب الأسود» . قيل لأبى ذر- رضى الله عنه-: ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ فقال: يابن أخى: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما سألتنى فقال: «الكلب الأسود شيطان» . فحمله بعض العلماء على ظاهره، وقال: الشيطان يتصور بصورة الكلب الأسود؛ ولذلك قال النبى صلّى الله عليه وسلم: «اقتلوا منها كل أسود بهيم» «1» . [599] وفى كتاب «فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب» لمحمد بن خلف المرزبان عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده- رضى الله عنه- قال: رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قتيلا، فقال صلّى الله عليه وسلم: «ما شأنه؟» قالوا: إنه وثب على غنم بنى زهرة فأخذ منها شاة، فوثب عليه كلب الماشية فقتله!، فقال صلّى الله عليه وسلم: «قتل نفسه، وأضاع دينه، وعصى ربه، وخان أخاه، وكان الكلب خيرا منه» «2» . [600] عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر بالمدينة بقتل الكلاب، فأخبر بامرأة لها كلب فى ناحية المدينة، فأرسل إليه فقتل «3» . [601] وفى أمالى أبى بكر القطعى عن أبى الدرداء- رضى الله تعالى عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فمر بنا كلب، فما بلغت يده رجله حتى مات، فلما انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم من صلاته قال:   (1) حديث صحيح.. رواه الإمام مسلم (266- الصلاة) . وقوله: «اقتلوا منها ... » أخرجه أحمد (4/ 85، 5/ 54، 56) . وانظر: «نصب الراية» للزيلعى (4/ 313) . (2) الحديث فى فضل الكلاب «لأبى بكر محمد بن خلف (ص 21- 22- طبع [مكتبة الاداب] لكن بدون سند، وعلى هذا فهو ضعيف، والله أعلم. (3) رواه أحمد فى مسنده 2/ 146. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 «من الداعى على هذا الكلب انفا؟» فقال رجل من القوم: أنا يا رسول الله. فقال: «ما قلت؟» . قال: قلت: اللهم إنى أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، اكفنى هذا الكلب بما شئت» . فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «لقد دعا باسمه الأعظم الذى إذا دعى به أجاب، وإذا سئل به أعطى» «1» «2» [والحديث فى السنن الأربعة] . [602] عن على رضى الله عنه قال: كانت لى من رسول الله صلّى الله عليه وسلم منزلة لم تكن لأحد من الخلائق، إنّى كنت اتيه كل سحر فأسلم عليه حتى يتنحنح، وإنّى جئت ذات ليلة فسلمت عليه، فقلت: السلام عليك يا نبى الله، فقال: «على رسلك يا أبا حسن حتى أخرج إليك» ، فلما خرج إلىّ قلت: يا نبىّ الله، أغضبك أحد؟ قال: «لا» .. قلت: فما لك لا تكلمنى فيما مضى حتى كلمتنى الليلة؟ قال: «سمعت فى الحجرة حركة، فقلت: من هذا؟ فقال: أنا جبريل.. قلت: ادخل. قال: لا، أخرج إلىّ، فلما خرجت قال: إن فى بيتك شيئا لا يدخله ملك ما دام فيه.. قلت: ما أعلمه يا جبريل، قال: اذهب فانظر، ففتحت البيت فلم أجد فيه شيئا غير جرو كلب كان يلعب به الحسن.. قلت: ما وجدت إلا جروا.. قال: إنها ثلاث لن يلج ملك ما دام فيها أبدا واحد منها: كلب أو جنابة، أو صورة روح» «3» . [603] عن عائشة رضى الله عنها قالت: واعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم   (1) حديث صحيح.. بدون ذكر الكلب، وقد أخرجه أبو داود (1495) ، والنسائى فى السهو- باب (58) ، وأحمد (3/ 158) ، وابن حبان (2382- موارد) . (2) وفى مسند الإمام أحمد، وكتابى الحاكم وابن حبان بغير قصة الكلب، وأفاد الطبرانى من حديث ابن عمر أن هذه الصلاة كانت صلاة العصر يوم الجمعة، وأن الرجل الداعى هو سعد بن أبى وقاص. (3) رواه الإمام أحمد فى مسنده 1/ 85. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 جبريل عليه السلام فى ساعة يأتيه فيها، فجاءت تلك الساعة ولم يأته، وفى يده عصا فألقاها من يده. وقال: «ما يخلف الله وعده ولا رسله» .. ثم التفت فإذا جرو كلب تحت سريره، فقال: «يا عائشة، متى دخل هذا الكلب ههنا؟» فقالت: والله ما دريت.. فأمر به فأخرج، فجاء جبريل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «واعدتنى فجلست لك فلم تأت» .. فقال: منعنى الكلب الذى كان فى بيتك، إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة «1» . [604] روى أحمد فى مسنده حديث صلح الحديبية عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم قالا: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالا، وساق معه الهدى سبعين بدنة، وكان الناس سبعمائة رجل، فكانت كل بدنة عن عشرة.. قال: وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبى فقال: يا رسول الله، هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجت معها العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبدا.. وساق الحديث مطولا وفيه: وصرخ أبو جندل بأعلى صوته: يا معاشر المسلمين أتردوننى إلى أهل الشرك فيفتنونى فى دينى؟! قال: فزاد الناس شرّا إلى ما بهم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله عز وجل جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا فأعطيناهم على ذلك وأعطونا عليه عهدا، وإنا لن   (1) رواه مسلم فى صحيحه، كتاب اللباس والزينة، حديث رقم 81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 نغدر بهم» قال: فوثب إليه عمر بن الخطاب مع أبى جندل فجعل يمشى إلى جنبه وهو يقول: اصبر يا أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب.. الحديث» «1» . [605] عن حمزة بن عبد الله عن أبيه قال: كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر فى المسجد زمان رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك «2» . [606] عن ابن أبى أوفى قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «الخوارج كلاب النار» «3» . [607] عن أبى غالب قال: لما أتى برؤس الأزارقة «4» فنصبت على درج دمشق جاء أبو أمامة، فلما راهم دمعت عيناه، فقال كلاب النار، ثلاث مرات، هؤلاء شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء، وخير قتلى قتلوا تحت أديم السماء الذين قتلهم هؤلاء. قال: فقلت: فما شأنك دمعت عيناك؟! قال: رحمة لهم، إنهم كانوا من أهل الإسلام. قال: قلنا: أبرأيك قلت: هؤلاء كلاب النار، أو شىء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ قال: إنّى لجرئ! بل سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلم غير مرة ولا ثنتين ولا ثلاث. قال: فعدّ مرارا «5» .   (1) رواه أحمد فى مسنده 4/ 323، 324، 325، 326. (2) رواه البخارى فى كتاب الوضوء، باب: الماء الذى يغسل به شعر الإنسان.. قال الحافظ فى الفتح: إن ذلك كان فى ابتداء الحال على أصل الإباحة، ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها، ويشير إلى ذلك ما زاده الإسماعيلى فى روايته عن ابن عمر قال: كان عمر يقول بأعلى صوته: اجتنبوا اللغو فى المساجد. قال ابن عمر: وقد كنت أبيت فى المسجد على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكانت الكلاب.. إلخ. فأشار إلى أن ذلك كان فى الابتداء، ثم ورد الأمر بتكريم المسجد حتى من لغو الكلام، وبهذا يندفع الاستدلال به على طهارة الكلب اهـ. (3) رواه ابن ماجه فى المقدمة، حديث رقم 173. (4) الأزارقة: فرقة من الخوارج، نسبوا إلى نافع بن الأزرق الحنفى، كفّروا الإمام عليّا وأصحابه والقاعدين عن القتال، وجوّزوا قتل المخالفين وسبى نسائهم. (5) رواه أحمد فى مسنده 5/ 250، 253. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 [باب الميم] الماعز انظر: الشياه والغنم والماعز. [608] عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذانا أمسك، وإلا أغار.. فسمع رجلا يقول: الله أكبر الله أكبر.. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «على الفطرة» ثم قال: «أشهد ألا إله إلا الله.. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «خرجت من النار» .. فنظروا فإذا هو راعى معزى «1» . [باب النون] 1- الناقة (يرجع إلى الإبل) الناقة واحدة النوق، وهى بمنزلة المرأة من الناس، فهى أنثى الجمل، وقد ورد ذكرها فى الحديث النبوى الشريف وإليك ما جاء بشأنها. [609] عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: «كان قوم يسألون رسول صلّى الله عليه وسلم استهزاء فيقول الرجل: من أبى؟ ويقول الرجل تضلّ ناقته: أين ناقتى؟! .. فأنزل الله فيهم هذه الاية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ «2» » .   (1) رواه مسلم فى صحيحه، كتاب الصلاة، حديث رقم 9. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب التفسير- باب لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 [610] عن ابن عمر- رضى الله عنهما- «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة «1» وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهليّة، كان الرّجل يبتاع الجزور «2» إلى أن تنتج النّاقة ثمّ تنتج التى فى بطنها «3» » «4» . [611] عن عبد الله بن مغافل قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح يرجّع» . وقال: «لولا أن يجتمع الناس حولى لرجّعت كما رجّع» «5» . [612] عن أنس بن مالك- رضى الله عنه- قال: أقبلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من خيبر وإنى لرديف أبى طلحة وهو يسير، وبعض نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلم رديف رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذ عثرت الناقة «6» فقلت: المرأة فنزلت فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «إنها أمّكم» فشددت الرّحل وركب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلما دنا أو رأى المدينة قال: «ايبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون» «7» .   (1) الحبلة: جمع حابل مثل ظلمة وظالم. والهاء فيه للمبالغة، وقيل: للإشعار بالأنوثة، وقال أبو عبيد: لا يقال لشىء من الحيوان حبلت إلا الادميات إلا ما ورد فى هذا الحديث، وأثبته صاحب المحكم قولا فقال: اختلف أهى للإناث عامة أما للادميات خاصة؟!. (2) الجزور: هو البعير ذكرا كان أو أنثى. (3) تنتج الناقة: أى تلد، ثم تنتج التى فى بطنها: أى ثم تعيش المولودة حتى تكبر ثم تلد. (4) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب البيوع- باب بيع الغرر وحبل الحبلة (3/ 91) ، وكتاب السلم- باب السلم إلى أن تنتج الناقة (3/ 114) . (5) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب المغازى- باب أين ركز النبى صلّى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح (5/ 187) ، وكتاب فضائل القران- باب القراءة على الدابة (6/ 238) ، وكتاب التوحيد باب ذكر النبى وروايته عن ربه (9/ 192) ، ومسلم فى كتاب الصلاة- قراءة سورة الفتح (2/ 193) . فائدة: فى الحديث دليل على جواز القراءة على ظهر الدابة، بل إنها سنة موجودة وأن أصل هذه السنة قوله تعالى: لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ، وفيه رد على من كره قراءة القران على ظهر الدابة. والترجيع: تريد الصوت فى الحلق. (6) عثرت الناقة: أى وقعت. (7) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب اللباس- باب إرداف المرأة خلف الرجل ذى محرم (7/ 218- 219) ، ومسلم كتاب الحج- باب ما يقول إذا قفل من سفر الحج (4/ 105) . فى الحديث أنه لا بأس للرجل أن يتدارك المرأة الأجنبية إذا سقطت أو كادت تسقط فيعينها على التخلص مما يخشى عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 [613] عن سلمة بن الأكوع قال: «خرجت قبل أن يؤذّن بالأولى «1» ، وكانت لقاح «2» رسول الله صلّى الله عليه وسلم ترعى بذى قرد «3» . قال: فلقينى غلام لعبد الرحمن بن عوف فقال: أخذت لقاح رسول الله صلّى الله عليه وسلم قلت: من أخذها؟ قال: غطفان «4» . قال: فصرخت ثلاث صرخات: يا صباحاه. قال: فأسمعت ما بين لابتى المدينة «5» ، ثم اندفعت على وجهى حتى أدركتهم وقد أخذوا يسقون من الماء، فجعلت أرميهم بنبلى وكنت راميا- وأقول: أنا ابن الأكوع.. اليوم يوم الرّضّع «6» ، وأرتجز حتى استنقذت اللّقاح منهم، واستلبت «7» منهم ثلاثين بردة، قال: وجاء النبى صلّى الله عليه وسلم والناس، فقلت: يا نبىّ الله قد حميت «8» القوم الماء وهم عطاش، فابعث إليهم الساعة. فقال: يا بن الأكوع، ملكت فأسجح «9» » قال: ثم رجعنا، ويردفنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ناقته حتى دخلنا المدينة» «10» . [614] عن عمران بن حصين قال: إنى عند النبى صلّى الله عليه وسلم إذ جاءه قوم   (1) أى قبل أن يؤذّن لصلاة الصبح. (2) اللقاح: واحدها لقحة، وهى ذات اللبن قريبة العهد بالولادة. (3) ذو قرد: ماء على ليلتين من المدينة بينها وبين خيبر. (4) هم بنو غطفان بن قيس، كانت منازلهم بنجد مما يلى وادى القرى، وجبلى طيئ، ثم افترقوا فى الفتوحات الإسلامية. (5) لابتى المدينة: أى طرفى المدينة، وفيه إشعار بأنه كان واسع الصوت جدّا. (6) يوم الرضع: أى يوم هلاك اللئام! (7) أى غنمت منهم. (8) أى منعتهم من شرب الماء. (9) السجح هو السهولة، والمراد قدرت فاعف. (10) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب المغازى- باب غزوة ذات القرد (5/ 165- 166) ، ومسلم فى كتاب الجهاد والسير- باب غزوة ذى قرد وغيرها (5/ 189) . فائدة: فى الحديث جواز العدو الشديد فى الغزو، والإنذار بالصياح العالى، وتعريف الإنسان نفسه إذا كان شجاعا ليرعب خصمه، وفيه المسابقة على الأقدام، وفيه استحباب الثناء على الشجاع ومن فيه فضيلة لا سيما عند الصنع الجميل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 من بنى تميم فقال: «اقبلوا البشرى يا بنى تميم» ، قالوا: بشرتنا فأعطنا، فدخل ناس من أهل اليمن فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم، قالوا: جئناك لنتفقه فى الدين، ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان، قال: «كان الله ولم يكن شىء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب فى الذكر كل شىء» ثم أتانى رجل فقال: يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهبت، فانطلقت أطلبها فإذا السّراب ينقطع دونها!، وايم الله لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم» «1» . [615] عن عبد الله بن زمعة قال: سمعت النبى صلّى الله عليه وسلم ذكر الذى عقر الناقة قال: «انتداب لها رجل ذو عزّ ومنعة فى قوة كأبى زمعة» «2» . [616] عن ابن عمر- رضى الله عنهما- عن النبى صلّى الله عليه وسلم «أنّه كان إذا أدخل رجله فى الغرز «3» واستوت به ناقته قائمة أهلّ من عند مسجد ذى الحليفة» «4» . [617] عن عائشة- رضى الله عنها- قالت: «لقلّ يوم «5» كان يأتى على النبى صلّى الله عليه وسلم إلّا يأتى فيه بيت أبى بكر أحد طرفى النهار، فلما أذن له فى الخروج إلى المدينة لم يراعنا إلّا وقد أتانا ظهرا، فخبّر به أبو بكر   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب بدء الخلق (4/ 128) ، وفى كتاب التوحيد- باب وكان عرشه على الماء (9/ 152) . (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الأنبياء- باب قول الله تعالى: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً (4/ 180- 181) ، وكتاب التفسير- باب سورة الشمس وضحاها (6/ 210) . (3) الغرز: هو ركاب للبعير يصنع من الجلد، وهو يشبه ركاب الفرس المصنوع من الحديد ليستوى عليه الفارس راكبا. (4) حديث صحيح.. رواه البخارى- باب الرّكاب والغرز للدابة (4/ 37) ، ومسلم فى كتاب الحج- باب التلبية وصفتها ووقتها (4/ 8) . (5) لقل يوم: أى لم يكد يمر يوم إلا يأتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أحد طرفى النهار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 فقال: ما جاءنا النبى صلّى الله عليه وسلم فى هذه الساعة إلا لأمر حدث، فلما دخل عليه قال لأبى بكر: أخرج من عندك. قال: يا رسول الله؛ إنما هما ابنتاى- يعنى عائشة وأسماء- قال: أشعرت أنّه قد أذن لى فى الخروج؟ قال: الصّحبة يا رسول الله. قال: الصحبة.. قال: يا رسول الله، إن عندى ناقتين أعددتهما للخروج، فخذ إحداهما. قال: «قد أخذتهما بالثمن» «1» . [618] عن عبد الله بن زمعة قال: «خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فذكر الناقة وذكر الذى عقرها فقال: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها «2» انبعث بها رجل عزيز عارم «3» منيع فى رهطه مثل أبى زمعة. ثمّ ذكر النّساء فوعظ فيهنّ ثم قال: إلام يجلد أحدكم امرأته، ثم وعظهم فى ضحكهم من الضّرطة «4» فقال: إلام يضحك أحدكم ممّا يفعل» «5» . [619] عن عمران بن حصين قال: «بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة، قال عمران: فكأنى أراها الان تمشى فى الناس ما يعرض لها أحد» «6» .   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب البيوع- باب إذا اشترى متاعا أو دابة فوضعه عند البائع (3/ 90) ، وفى كتاب اللباس- باب التقنع (7/ 187- 188) . (2) سورة الشمس. الاية: 12. (3) العارم: قال أهل اللغة: هو الشرير المفسد الخبيث، وقيل: القوى الشرس. (4) الضرطة: إخراج الريح من الاست مع الصوت. (5) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب صفة الجنة وصفة نعيمها وأهلها- باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (8/ 154) . فائدة: فى الحديث نهى عن ضرب النساء لغير ضرورة التأديب، وفيه النهى عن الضحك من الضرطة يسمعها من غيره، وفيه حسن الأدب والمعاشرة. (6) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب البر والصلة والاداب- باب النهى عن لعن الدواب (8/ 23) . قوله صلّى الله عليه وسلم: (خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة) إنما قال ذلك زجرا لها ولغيرها، والمراد النهى عن مصاحبته لتلك الناقة فى الطريق، وأما بيعها وذبحها وركوبها فى غير مصاحبته صلّى الله عليه وسلم وغير ذلك من التصرفات فهى باقية على الجواز، لأن الشرع إنما ورد بالنهى عن المصاحبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 [620] عن ابن عباس «أن نبى الله صلّى الله عليه وسلم مر بوادى الأزرق فقال: أى واد هذا؟ فقالوا: هذا وادى الأزرق. قال: كأنى أنظر إلى موسى عليه السلام- هابطا من الثّنيّة وله جؤار «1» إلى الله بالتّلبية، ثم أنى على ثنية هرشى «2» فقال: أىّ ثنية هذه؟ قالوا: ثنية هرشى. قال: كأنى أنظر إلى يونس بن متى- عليه السلام- على ناقة حمراء جعدة «3» عليه جبّة من صوف خطام ناقته خلبة «4» وهو يلبى» «5» . [621] عن أبى أيوب أن أعرابيا عرض لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو فى سفره فأخذ بخطام ناقته- أو بزمامها- ثم قال: يا رسول الله- أو يا محمد- أخبرنى بما يقرّبنى من الجنّة، وما يباعدنى من النار؟ قال: فكف النبى صلّى الله عليه وسلم ثم نظر إلى أصحابه ثم قال: لقد وفق- أو لقد هدى- قال: كيف قلت؟ قال: فأعاد، فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصل الرحم «6» .. دع النّاقة «7» ) «8» . [622] عن عقبة بن عامر قال: «خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم ونحن فى الصّفّة فقال: أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان «9» أو إلى العقيق   (1) الجؤار: هو الصوت المرتفع. (2) ثنية هرشى: هو جبل على طريق الشام والمدينة قريب من الجحفة. (3) الجعدة: هى المكتنزة اللحم. (4) الخطام: هو الحبل الذى يقاد به البعير، والخلبة: هى الليف. (5) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الإيمان- باب الإسراء برسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات (1/ 105) . (6) قوله: (تصل الرحم) أى تحسن إلى أقاربك ذوى رحمك بما تيسر على حسب حالك وحالهم من إنفاق أو زيادة 6. (7) قوله (دع الناقة) إنما قالها له رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأنه كان ممسكا بخطامها أو زمامها ليتمكن من سؤاله بلا مشقة فلما حصل جوابه قال: دعها. (8) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الإيمان- باب بيان الإيمان الذى يدخل به الجنة (1/ 33) . (9) بطحان: موقع قرب المدينة. والعقيق: واد بالمدينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 فيأتى منه بناقتين كوماوين «1» فى غير إثم، ولا قطع رحم؟ فقلنا: يا رسول الله، نحب ذلك. قال: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ ايتين من كتاب الله- عز وجل- خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهنّ من الإبل» «2» . [623] عن ابن عمر قال: «أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عام الفتح على ناقة لأسامة بن زيد حتى أناخ بفناء الكعبة، ثم دعا عثمان بن طلحة فقال: «ائتنى بالمفتاح» ، فذهب إلى أمه فأبت أن تعطيه. فقال: والله لتعطينّه أو ليخرجنّ هذا السيف من صلبى، قال: فأعطته إياه، فجاء به إلى النبى صلّى الله عليه وسلم فدفعه إليه ففتح الباب» «3» . [624] عن كريب أنه سأل أسامة بن زيد: كيف صنعتم حين ردفت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عشية عرفة؟ فقال: جئنا الشعب الذى ينيخ الناس فيه للمغرب، فأناخ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ناقته وبال، ثم دعا بالوضوء فتوضأ وضوا ليس بالبالغ. فقلت: يا رسول الله الصلاة! فقال: «الصلاة أمامك» ، فركب حتى جئنا المزدلفة، فأقام المغرب، ثم أناخ الناس فى منازلهم ولم يحلّوا حتى أقام العشاء الآخرة فصلّى ثم حلوا. قلت: فكيف فعلتم حين أصبحتم؟ قال: ردفه الفضل بن عباس، وانطلقت أنا فى سبّاق قريش على رجلى «4» .   (1) كوماوين: الكوماء من الإبل هى العظيمة السنام. (2) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الصلاة- باب فضل قراءة القران فى الصلاة وتعلمه (2/ 197) . (3) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الحج- باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره والصلاة فيها والدعاء فى نواحيها كلها (4/ 95) . (4) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الحج- باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة واستحباب صلاتى المغرب والعشاء جمعا بالمزدلفة فى هذه الليلة (4/ 74) . قوله (قلت الصلاة يا رسول الله قال الصلاة أمامك) : معناه أن أسامة ذكر بصلاة المغرب وظن أن النبى صلّى الله عليه وسلم نسيها حيث أخرها عن العادة المعروفة فى غير هذه الليلة، وقوله: الصلاة أمامك أى: أن الصلاة فى هذه الليلة مشروعة فيما بين يديك، وفيه استحباب تذكير التابع المتبوع بما تركه خلاف العادة ليفعله، وفيه الجمع بين المغرب والعشاء فى هذه الليلة فى المزدلفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 [625] عن الفضل بن عباس- وكان رديف رسول الله صلّى الله عليه وسلم- أنه قال فى عشيّة عرفة وغداة جمع الناس حين دفعوا: «عليكم بالسكينة» وهو كافّ ناقته «1» حتى دخل محسرا «2» - وهو من منى- قال: «عليكم بحصى الخذف «3» الذى يرمى به الجمرة» وقال: لم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يلبى حتى رمى الجمرة «4» . [626] عن أبى الطفيل قال: قلت لابن عباس: أرانى قد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم. قال: فصفه لى؟ قال: قلت: رأيته عند المروة على ناقة وقد كثر الناس عليه. قال: فقال ابن عباس: ذاك رسول الله صلّى الله عليه وسلم إنهم كانوا لا يدعّون «5» عنه ولا يكهرون «6» » «7» . [627] عن أبى هريرة يبلغ به*: «ألا رجل يمنح أهل بيت ناقة تغدو بعسّ «8» وتروح بعسّ إن أجرها لعظيم» «9» . [628] عن أبى مسعود الأنصارى قال: جاء رجل بناقة مخطومة فقال: هذه فى سبيل الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لك بها يوم القيامة   (1) كاف ناقته: من الكف، بمعنى المنع أى يمنعها الإسراع. (2) دخل محسرا: بطن جبل سمى بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه أى أعيى وكلّ. (3) بحصى الخذف: هو نحو حبة الباقلا، وهذا أمر بالتقاط الحصيات للرمى. (4) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الحج- باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع فى رمى جمرة العقبة يوم النحر (4/ 71) . (5) يدعون: أى يدفعون. (6) يكهرون: من الكهر وهو الانتهار. وورد فى بعض الروايات «ولا يكرهون» . (7) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الحج- باب استحباب الرمل فى الطواف والعمرة وفى الطواف الأول فى الحج (4/ 65) . * يبلغ به: يرفعه إلى النبى صلّى الله عليه وسلم. (8) العس: هو القدح الكبير الضخم، والمراد ألا من يعطى أهل بيت من المسلمين ناقة تعطيهم لبنا مدة ثم يردونها إليه. (9) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الزكاة- باب فضل المنيحة (3/ 88) . ومعنى يمنح أهل بيت: يعطيهم ناقة يأكلون لبنها وينتفعون من وبرها مدة ثم يردونها إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 سبعمائة ناقة كلها مخطومة «1» » «2» . [629] عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما «أن الناس نزلوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم على الحجر أرض ثمود، فاستقوا من ابارها وعجنوا به العجين، فأمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا ويعلفوا الإبل بالعجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التى كانت تردها الناقة» «3» . [630] عن أبى سعيد الخدرىّ- رضى الله عنه- قال: بينما نحن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى سفر، إذ جاء رجل على ناقة له فجعل يصرفها يمينا وشمالا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له حتّى ظننّا أنّه لا حقّ لأحد منّا فى الفضل» «4» . [631] وعن جابر بن سمرة رضى الله عنه أنّ أهل بيت كانوا بالحرّة محتاجين. قال: فماتت عندهم ناقة لهم أو بعير لهم، فرخّص لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى أكلها. قال: (فعصمتهم بقيّة شتائهم أو سنتهم) «5» . [632] وعن جابر بن سمرة أيضا أنّ رجلا نزل الحرّة ومعه أهله وولده فقال رجل: إنّ ناقة لى ضلّت فإن وجدتها فأمسكها، فوجدها   (1) مخطومة: أى فيها خطام، وهو قريب من الزمام، والمراد: أن له أجر سبعمائة ناقة. (2) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الإمارة- باب فضل الصدقة فى سبيل الله وتضعيفها (6/ 41) ، وأحمد فى المسند (4/ 121) ، (5/ 274) . (3) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الزهد، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين (8/ 221) . فى الحديث فوائد منها: النهى عن استعمال مياه ابار الحجر إلا بئر الناقة، ومنها: لو عجن عجينا لا يأكله بل يعلفه الدواب، ومنها أنه يجوز علف الدابة طعاما مع منع الادمين من أكله، ومنها: مجانبة ابار الظالمين لابار الصالحين. (4) حديث صحيح.. رواه مسلم فى «النكاح» (88) ، وأبو داود (1663) ، وأحمد (3/ 195) ، والبيهقى (9/ 56) . (5) حديث حسن.. رواه أحمد (5/ 87، 88، 97، 104) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 فلم يجد صاحبها فمرضت فقالت امرأته: انحرها، فأبى، فنفقت فقالت: اسلخها حتّى نقدر شحمها ولحمها، ونأكله، فقال: حتّى أسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأتاه فسأله، فقال: «هل عندك غنى يغنيك؟ قال لا: قال: فكلوه. قال: فجاء صاحبها فأخبره الخبر فقال: هلّا كنت نحرتها؟ قال استحييت منك» «1» . [633] عن عمران بن حصين أن امرأة من المسلمين أسرها العدوّ، وقد كانوا أصابوا ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلم. قال: فرأت من القوم غفلة. قال: فركبت ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ثم جعلت عليها أن تنحرها. قال: فقدمت المدينة، فأرادت أن تنحر ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فمنعت من ذلك، فذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: «بئسما جزيتيها» .. ثم قال: «لا نذر لابن ادم فيما لا يملك ولا فى معصية الله تبارك وتعالى» «2» . [634] عن أبى سباع قال: اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع، فلما خرجت بها أدركنا واثلة، وهو يجر رداءه، فقال: يا عبد الله، اشتريت؟ قلت: نعم. قال: هل بيّن لك ما فيها؟ .. قلت: وما فيها؟ قال: إنها لسمينة ظاهرة الصحة.. قال: فقال: أردت بها سفرا أم أردت بها لحما؟ قال: بل أردت عليها الحج؟ قال: فإن بخفّها نقبا. قال: فقال صاحبها: أصلحك الله، أى هذا تفسد علىّ؟ قال: إنّى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «لا يحل لأحد يبيع شيئا إلا يبيّن ما فيه، ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا يبينه» «3» .   (1) حديث حسن.. رواه أبو داود (3816) . وللمضطر أن يأكل من الميتة القدر الذى يحفظ حياته ويقيم أوده وله أن يتزود حسب حاجته ويدفع ضرورته.. واستدل أحمد ومالك برواية أبى داود بجواز الشبع.. وللاضطرار حدود وشروط ذكرت مفصلة فى كتب الفقه. (2) رواه أحمد فى مسنده 4/ 429. (3) رواه أحمد فى مسنده 3/ 491. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 [635] عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة، فانتحروها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فأمر عمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم، ثم قال عمر: أراك تجيعهم. ثم قال عمر: والله، لأغرّمنّك غرما يشقّ عليك. ثم قال للمزنى: كم ثمن ناقتك؟ قال المزنى: كنت والله أمنعها من أربعمائة درهم.. فقال عمر: أعطه ثمانمائة درهم «1» . [636] عن عمرو بن خارجة قال: خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو على ناقته وأنا تحت جرانها «2» ، وهى تقصع بجرانها ولعابها يسيل بين كتفى، قال: «إن الله عز وجل أعطى لكل ذى حق حقّه، ولا وصية لوارث، والولد للفراش وللعاهر الحجر. ومن ادّعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل» «3» . [637] عن أبى هريرة أن أعرابيا أهدى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بكرة فعوّضه ست بكرات، فتسخطه، فبلغ ذلك النبى صلّى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «إن فلانا أهدى إلىّ ناقة، وهى ناقتى، أعرفها كما أعرف بعض أهلى، ذهبت منى يوم زغابات، فعوّضته ست بكرات، فظلّ ساخطا، لقد هممت ألاأقبل هدية إلا من قرشى، أو أنصارى، أو ثقفى، أو دوسى» «4» . [638] عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين صدر من حنين، وهو يريد الجعرّانة، سأله النّاس، حتّى دنت به ناقته من شجرة فتشبّكت بردائه، حتّى نزعته عن ظهره. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ردّوا   (1) رواه مالك فى الموطأ، كتاب الأقضية، حديث رقم 38. (2) الجران: باطن العنق من البعير وغيره. (3) رواه أحمد فى مسنده 4/ 187. (4) رواه أحمد فى مسنده 2/ 292.. والبكر: الفتى من الإبل، والأنثى: بكرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 علىّ ردائى أتخافون ألاأقسم بينكم ما أفاء الله عليكم؟ والّذى نفسى بيده، لو أفاء الله عليكم مثل سمر تهامة «1» نعما، لقسمته بينكم. ثمّ لا تجدونى بخيلا، ولا جبانا، ولا كذّابا» فلمّا نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم قام فى النّاس، فقال: «أدّوا الخياط والمخيط، فإنّ الغلول عار، ونار، وشنار «2» على أهله يوم القيامة» قال، ثمّ تناول من الأرض وبرة من بعير، أو شيئا، ثمّ قال: «والّذى نفسى بيده، مالى ممّا أفاء الله عليكم. ولا مثل هذه إلّا الخمس، والخمس مردود عليكم» «3» . [639] عن معاذ بن جبل رضى الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم خرج بالناس قبل غزوة تبوك، فلما أن أصبح صلى بالناس صلاة الصبح، ثم إن الناس ركبوا، فلما أن طلعت الشمس نعس الناس على أثر الدلجة، ولزم معاذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم يتلو أثره، والناس تفرقت بهم ركابهم على جواد الطريق تأكل وتسير، فبينما معاذ على إثر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وناقته تأكل مرة وتسير أخرى، عثرت ناقة معاذ، فكبحها بالزمام فهبّت حتى نفرت منها ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ... الحديث «4» . [640] عن أسامة بن زيد قال: كنت رديف رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعرفات، فرفع يديه يدعو، فمالت به ناقته، فسقط خطامها. قال: فتناول الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الاخرى «5» . [641] عن أسماء بنت يزيد قالت: نزلت سورة المائدة على النبى   (1) السمر: جمع سمرة وهى شجرة طويلة، متفرقة الرأس، قليلة الظل، صغيرة الورق والشوك، صلبة الخشب. (2) الشنار: أقبح العيب والعار. (3) رواه مالك فى الموطأ، كتاب الجهاد، حديث رقم 22. (4) رواه أحمد فى مسنده 5/ 245. (5) رواه أحمد فى مسنده 5/ 209. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 صلّى الله عليه وسلم جميعا، إن كادت من ثقلها لتكسر الناقة «1» . [642] عن سعيد بن جبير قال: قلت لعبد الله بن عباس: يا أبا العباس، عجبا لاختلاف أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى إهلال رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين أوجب، فقال: إنى لأعلم الناس بذلك، إنها إنما كانت من رسول الله صلّى الله عليه وسلم حجة واحدة، فمن هنالك اختلفوا، خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم حاجا، فلما صلّى فى مسجده بذى الحليفة ركعتيه أوجب فى مجلسه، فأهلّ بالحج حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه أقوام فحافظوا عنه، ثم ركب، فلما استقبلت به ناقته أهلّ وأدرك ذلك منه أقوام، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالا، فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل، فقالوا: إنما أهلّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين استقلت به ناقته. ثم مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلما علا على شرف البيداء أهلّ وأدرك ذلك منه أقوام، وأيم الله لقد أوجب فى مصلاه وأهلّ حين استقلت به ناقته، وأهلّ حين علا على شرف البيداء. فمن أخذ بقول ابن عباس رضى الله عنه أهلّ فى مصلاه إذا فرغ من ركعتيه «2» . [643] عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: إذا نحرت الناقة فذكاة ما فى بطنها فى ذكاتها، إذا كان قد تمّ خلقه ونبت شعره، فإذا خرج من بطن أمه ذبح حتى يخرج الدم من جوفه «3» . [644] عن رجل من مزينة أنه قالت له أمه: ألا تنطق فتسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم كما يسأله الناس؟! فانطلقت أسأله، فوجدته قائما يخطب وهو يقول: «من استعفّ أعفه الله، ومن استغنى أغناه الله، ومن سأل الناس وله عدل خمس أواق فقد سأل إلحافا» .. فقلت بينى وبين   (1) رواه أحمد فى مسنده 6/ 458. (2) رواه أحمد فى مسنده 1/ 260. (3) رواه مالك فى الموطأ، كتاب الذبائح، حديث رقم 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 نفسى: لناقة له هى خير من خمس أواق، ولغلامه ناقة أخرى هى خير من خمس أواق، فرجعت ولم أسأله «1» . [645] عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لأن يمسك أحدكم يده عن الحصى خير له من مائة ناقة كلها أسود الحدقة، فإن غلب أحدكم الشيطان فلمسح مسحة واحدة» «2» .   (1) رواه أحمد فى مسنده 4/ 138. (2) رواه أحمد فى مسنده 3/ 328. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 ملحوظة: يرجع إلى ما يأتى كل فى مكانه: 1- الناب: (المسنة من النوق) . انظر الإبل. 2- الناضح: (البعير الذى يستقى عليه) . انظر الإبل. 3- الناموس: (البعوض) انظر البعوض. 4- النجيب: (من الإبل والخيل: الكريم) انظر الإبل. 5- النّحام: (طائر على خلقة الإوز) انظر الطير. 2- النحل (أ) النحل فى اللغة: قال فى المعجم الوسيط: النحل حشرة من رتبة غشائيات الأجنحة من الفصيلة النحلية، وإليها تنسب فصيلة النحليات، تربى للحصول على عسلها وشمعه، والنحل (مؤنثة) وواحدتها نحلة. قال تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (سورة النحل الاية رقم 68) ، وتسمى «ذباب النحل» . تقع على الورود والأزهار فتحفظ رحيقها رضابا، وتلفظه شرابا فيه شفاء للناس. وربما سميت النحلة «زنبورا» . ويقول العرب فى أمثالهم: (أنحل من نحلة) مأخوذ من النحول وهو الهزال، وقالوا: «كلام كالعسل، وفعل كالأسل» ، وهو الرماح؛ يضرب فى اختلاف القول والفعل. (ب) طبائع النحل: اتخذ الناس من عسل النحل غذاء لهم منذ الاف السنين، فقد عثروا على العسل واستخدموه فى غذائهم قبل أن يعرفوا السكر بأمد طويل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 ويقوم بصنع العسل «نحل العسل» ، وهو يصنعه من الرحيق؛ أى: العصارة الحلوة التى توجد فى الأزهار، وكان الناس فى بداية عهداهم بالعسل يأكلون عسلا قام بصنعه نحل برى، فالنحل البرى يقيم خلاياه فى باطن الأشجار الجوفاء، ويضع فيها العسل لتستخدمه أفراد الخلية. وقد كان العثور على مثل هذه الأشجار من الأحداث الهامة بالنسبة للناس، وما زالت توجد عدة أنواع من النحل البرى، ولكن معظم العسل الذى نأكله اليوم يقوم بإخراجه نحل يعيش فى خلايا صنعها الإنسان له. ويعيش نحل العسل مجموعات كبيرة، فقد يصل عدد أفراد الخلية الواحدة إلى خمسة وسبعين ألفا. وخلية النحل تشبه إلى حدّ مّا مدينة كبيرة، ويقوم بعض أفراد النحل بأداء عمل معين بينما تقوم أفراد غيرها بأداء أعمال أخرى مختلفة، وهى جميعا تعمل فى تعاون وثيق. وتوجد بكل خلية ملكة من النحل وظيفتها وضع البيض، وبعض أفراد الخلية ذكور، أما معظم أفراد النحل فى الخلية فهى الشغالة، والشغالة إناث عقيمة لا تضع بيضا، أى أنها لا تنجب صغارا. ومن وظائف شغالة النحل: جمع الرحيق الذى يصنع منه العسل، وتقوم الشغالة التى تجمع الرحيق بجمع حبوب اللقاح أيضا. فحبوب اللقاح تصلح غذاء جيدا للنحل. وتقوم بعض أفراد الشغالة ببناء أقراص العش من شمع مستخرج من أجسامها، بينما يقوم بعض اخر بخدمة الملكة. ومن الشغالة أيضا ما هو مخصص لتغذية صغار النحل، ومنها ما هو مخصص لتهوية الخلية، ويخصص غير هذه وتلك لعمليات التنظيف، بينما تقوم مجموعات أخرى على حراسة الخلية فتلدغ أى عدو يقترب منها. وتمر نحلة العسل فى نموها بأطوار مختلفة، شأنها فى ذلك شأن الكثير من الحشرات الاخرى، فهى تبدأ حياتها ببيضة تنقف عن يرقة دودية الشكل، وتتحول اليرقة إلى عذراء، ثم لا تلبث هذه الأخيرة أن تتحول إلى حشرة كاملة. وهناك عدد قليل من صغار النحل فى الخلية يقتصر طعامه على غذاء خاص يعرف بالهلام الملكى. وتنمو مثل هذه الصغار لتصبح ملكات. وعندما تبلغ إحدى الملكات الجديدة طورها الكامل يصبح على الملكة القديمة أن تبارح الخلية، ويصاحبها عندئذ كثير من الشغالات حتى تستقر فى مكان اخر لتكوين خلية جديدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 ونحل العسل من الحشرات التى تعود على الإنسان بفوائد جمة، وذلك بما تصنعه من عسل، كما أن لها فائدة أخرى عظيمة إذ أنها تعمل- خلال رحلاتها التى تقوم بها لجمع الرحيق وحبوب اللقاح- على نقل حبوب اللقاح من زهرة إلى أخرى فتساعد بذلك على تكوين البذور. والنحلة الطنانة- التى تحدث صوتا عند الطيران- تقوم بصناعة العسل أيضا، ولكننا لا نأكل هذا العسل لأنه غير مستساغ، وهذا النوع من النحل عظيم الفائدة أيضا؛ لأنه ينقل حبوب اللقاح «1» . ولا تترك النحل عاطلا فى الخلية إلا أبعدته وأقصته. وأجود العسل الشهد، وأحسنه الخريفى الصادق الحلاوة الكثيرها، والربيعى المائل إلى الحمرة. والجميع يعرفون لغذاء الملكات فضله فى الحيوية والنشاط وتقوية جهاز المناعة، وما أكثر البحوث حول النحل وعسله وشمعه فى الشرق والغرب. ويقول القزوينى: النحل حيوان فهيم ذو كيس وشجاعة ونظر فى العواقب، ومعرفة بفصول السنة، وأوقات المطر، وتدبير الموقع والمطعم، والطاعة لكبيرة، والاستكانة لأميره وقائده، وبديع الصنعة وعجيب الفطرة! واليعسوب: ملك النحل وأميرها الذى لا يتم لها رواح ولا إياب، ولا عمل، ولا مرعى إلا به، فهى مؤتمرة بأمره، سامعة له مطيعة. وله عليها تكليف وأمر ونهى وهى منقادة لأمره، متبعة لرأيه. يديرها كما يدير الملك أمر رعيته. ومن لفظ اليعسوب قيل للسيد: يعسوب قومه. (ج) الأحكام الفقهية: كره مجاهد قتل النحل. ويحرم أكلها على الأصح. وإن كان عسلها حلالا طيبا. والرأى الصحيح حلّ بيعه بخلاف الزنبور والحشرات فإنه لا منفعة فيها. ولكن ما حكم زكاة العسل؟   (1) الموسوعة الذهبية الجزء الحادى عشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 قال صاحب فقه السنة: ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا زكاة فى العسل، وقال البخارى: ليس فى زكاة العسل شىء يصح، أى عن النبى صلّى الله عليه وسلم، وقال الشافعى: واختيارى ألا يؤخذ منه.. وقال ابن المنذر: ليس فى وجوب الصدقة فى العسل خبر يثبت، ولا إجماع، فلا زكاة فيه، وهو قول الجمهور. وذهب الحنفية وأحمد إلى أن فى العسل زكاة، لأنه وإن لم يصح فى إيجابه حديث، إلا أنه جاء فيه اثار يقوى بعضها بعضا، ولأنه يتولد من نور الشجر والزهر، ويكال ويدّخر، فوجبت فيه الزكاة كالحب والتمر، ولأن الكلفة فيه دون الكلفة فى الزروع والثمار اهـ. (د) ما ورد من الأحاديث فى النحل واليعسوب والعسل والزنبور: [646] عن عائشة رضى الله عنها قالت: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحبّ العسل والحلوى، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهنّ، فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس، فغرت، فسألت عن ذلك، فقيل لى: أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل، فسقت النّبىّ صلّى الله عليه وسلم منه شربة، فقلت: أما والله لنحتالنّ له، فقلت لسودة بنت زمعة: إنه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقولى: أكلت مغافير، فإنه سيقول لك: لا، فقولى له: ما هذه الريح التى أجد منك؟ فإنه سيقول لك: سقتنى حفصة شربة عسل، فقولى له: جرست نحله العرفط «1» ، وسأقول ذلك. وقولى أنت يا صفية ذاك. قالت تقول سودة: فو الله ما هو إلا أن قام على الباب فأردت أن أبادئه بما أمرتنى به فرقا منك. فلما دنا منها قالت له سودة: يا رسول الله، أكلت مغافير قال: لا. قالت: فما هذه الريح التى أجد منك؟   (1) أصل الجرس: الصوت الخفى ومنه حديث صفة الجنة «يسمع جرس الطير» ولا يقال: جرس بمعنى رعى إلا للنحل وجرست النحل العسل تجرسه جرسا إذا لحسته. والعرفط: نبات مر له ورقة عريضة تفرش بالأرض وله شوكة وثمرة بيضاء كالقطن وهو خبيث الرائحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 قال: سقتنى حفصة شربة عسل. فقالت: جرست نحله العرفط. فلما دار إلىّ قلت له نحو ذلك. فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك، فلما دار إلى حفصة قالت: يا رسول الله ألا أسقيك منه؟ قال: لا حاجة لى فيه. قالت تقول سودة: والله لقد حرمناه، قلت لها: اسكتى» «1» . [647] عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «والّذى نفس محمّد بيده إنّ مثل المؤمن لكمثل النّحلة أكلت طيّبا ووضعت طيّبا ووقعت فلم تكسر ولم تفسد» «2» . [648] عن أبى صالح قال: قال كعب: «نجده مكتوبا محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا فظّ ولا غليظ، ولا صخّاب بالأسواق، ولا يجزى بالسّيئة السّيئة، ولكن يعفو ويغفر، وأمّته الحمّادّون يكبّرون الله- عزّ وجلّ- على كلّ نجد ويحمدونه فى كلّ منزلة ويأتزرون على أنصافهم، ويتوضّئون على أطرافهم، مناديهم ينادى فى جوّ السّماء صفّهم فى القتال، وصفّهم فى الصّلاة سواء، لهم باللّيل دوىّ كدوىّ النحل، مولده بمكّة ومهاجره بطيبة، وملكه بالشّام» «3» . [649] عن عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- يقول: «كان إذا نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم الوحى يسمع عند وجهه دوى كدوى النحل» «4» .   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى- كتاب الطلاق- باب: لم تحرم ما أحل الله لك؟ حديث (5268) ، ومسلم، كتاب الطلاق، حديث (22) ، وأحمد فى المسند (6/ 59) . (2) حديث صحيح.. رواه أحمد فى المسند (2/ 162، 169) ، والحاكم فى المستدرك (1/ 75- 76) ، وصححه ووافقه الذهبى، وهو جزء من حديث طويل. (3) خبر إسناده جيد.. رواه الدارمى فى مقدمة السنن (5) 1/ 16. (4) حديث ضعيف.. رواه أحمد فى مسنده (1/ 34) ، والترمذى كتاب التفسير، باب تفسير سورة المؤمنون (3222، 3223) 9/ 16- 17، والنسائى فى السنن الكبرى وقال: هذا حديث منكر لا نعلم أحدا رواه غير يونس بن سليم، ويونس لا نعرفه والله أعلم. وانظر تحفة الأشراف للمزى 8/ 83. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 [650] عن عبد الرّحمن جبير بن نفير، عن أبيه، جبير بن نفير، عن النّوّاس بن سمعان، قال: ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم الدّجّال ذات غداة، فخفّض فيه ورفّع، حتّى ظننّاه فى طائفة النّخل، فلمّا رحنا إليه عرف ذلك فينا، فقال: «ما شأنكم؟» قلنا: يا رسول الله! ذكرت الدّجّال غداة، فخفضت فيه ورفّعت، حتّى ظننّاه فى طائفة النّخل. فقال: «غير الدّجّال أخوفنى عليكم إن يخرج، وأنّا فيكم، فأنّا حجيجه دونكم، وإن يخرج، ولست فيكم، فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتى على كلّ مسلم. إنّه شاب قطط «1» عينه طافئة كأنّى أشبّهه بعبد العزّى ابن قطن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف. إنّه خارج خلّة بين الشّأم والعراق «2» . فعاث «3» يمينا وعاث شمالا. يا عباد الله فاثبتوا» قلنا: يا رسول الله! وما لبثه فى الأرض؟ قال: «أربعون يوما. يوم كسنة، ويوم كشهر. ويوم كجمعة وسائر أيّامه كأيّامكم» قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الّذى كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال «لا. اقدروا له قدره» قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه فى الأرض؟ قال: «كالغيث استدبرته الرّيح. فيأتى على القوم فيدعوهم، فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السّماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم، أطول ما كانت ذرا، وأسبغه «4» ضروعا، وأمدّه خواصر، ثمّ يأتى القوم، فيدعوهم فيردّون عليه قوله،   (1) قطط: أى شديد جعودة الشعر. (2) خلة: قيل: هو موضع حزن وصخور. أى فى طريق. (3) فعاث: العيث الفساد، أو أشد الفساد والإسراع فيه. (4) ذرا، وأسبغه: الذرا الأعالى والأسنمة جمع ذروة، وأسبغه أى أطوله لكثرة اللبن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين «1» ليس بأيديهم شىء من أموالهم، ويمرّ بالخربة فيقول لها: أخرجى كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النّحل، ثمّ يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسّيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض «2» ثمّ يدعوه فيقبل ويتهلّل وجهه، يضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقىّ دمشق بين مهرودتين «3» واضعا كفّيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدّر منه جمان كالّلؤلؤ «4» فلا يحلّ* لكافر يجد ريح نفسه إلّا مات. ونفسه ينتهى حيث ينتهى طرفه، فيطلبه حتّى يدركه بباب لدّ «5» فيقتله، ثمّ يأتى عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدّثهم بدرجاتهم فى الجنّة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إنّى قد أخرجت عبادا لى، لا يدان لأحد بقتالهم** فحرز عبادى «6» إلى الطّور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كلّ حدب ينسلون «7» ، فيمرّ أوائلهم على بحيرة طبريّة فيشربون ما فيها، ويمرّ اخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرّة ماء، ويحصر نبىّ الله عيسى وأصحابه، حتّى يكون رأس الثّور لأحدهم   (1) ممحلين: المحل: الجدب والقحط، والإمحال كون الأرض ذات جدب وقحط. (2) الجزلة: أى قطعة، أى يجعله بين القطعتين مقدار رمية. (3) مهرودتين: قيل: هما ثوبان مصبوغان بورس ثم يزعفران، وقيل: هما شقتان. (4) جمان اللؤلؤ: الجمان حبات من الفضة تصنع على هيئة اللؤلؤ الكبار، والمراد ينحدر منه الماء على هيئة اللؤلؤ فى صفائه. * لا يحل: لا يمكن ولا يقع. (5) باب لد: بلدة قريبة من بيت المقدس. ** لا يدان لأحد: لا قدرة لأحد. (6) فحرز عبادى: أى ضمهم واجعله لهم حرزا، يقال: أحرزت الشىء أحرزه إحرازا إذا حفظته وضممته إليك. (7) المراد من كل موضع يمشون مسرعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبىّ الله عيسى وأصحابه، فيرسل الله عليهم النّغف «1» فى رقابهم. فيصبحون فرسى «2» كموت نفس واحدة ثمّ يهبط نبىّ الله عيسى وأصحابه إلى الأرض. فلا يجدون فى الأرض موضع شبر إلّا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبىّ الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ثمّ يرسل الله مطرا لا يكنّ* منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتّى يتركها كالزّلفة «3» ، ثمّ يقال للأرض: أنبتى ثمرتك، وردّى بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرّمّانة ويستظلّون بقحفها، ويبارك فى الرّسل «4» حتّى أنّ اللّقحة من الإبل لتكفى الفئام «5» من النّاس، واللّقحة من البقر لتكفى القبيلة من النّاس واللّقحة من الغنم لتكفى الفخذ من النّاس «6» فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيّبة، فتأخذهم تحت اباطهم، فتقبض روح كلّ مؤمن وكلّ مسلم، ويبقى شرار النّاس، يتهارجون فيها تهارج الحمر «7» ، فعليهم تقوم السّاعة» «8» . [651] عن أبى موسى قال: غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى بعض   (1) النغف: دود يكون فى أنوف الإبل والغنم، الواحدة نغفة. (2) فرسى: أى قتلى. * لا يكن: لا يمنع من نزول الماء. (3) أى المراة فى صفائها ونظافتها. (4) الرسل: اللبن. (5) الفئام: الجماعة الكثيرة. (6) الفخذ من الناس: الجماعة من الأقارب، وهم دون البطن، والبطن دون القبيلة. (7) أى يجامع الرجال النساء علانية بحضرة الناس كما يفعل الحمير. (8) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب الفتن وأشراط الساعة- باب ذكر الدجال (5/ 785) ، وابن ماجه فى كتاب الفتن- باب فتنة الدجال وخروج عيسى ابن مريم، حديث (4075) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 أسفاره، قال: فعرس «1» بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فانتهيت بعض الليل إلى مناخ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أطلبه، فلم أجده، قال: فخرجت بارزا أطلبه، وإذا رجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يطلب ما أطلب، قال: فبينا نحن كذلك إذ اتجه إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم. قال: فقلنا: يا رسول الله، أنت بأرض حرب، ولا نأمن عليك، فلولا إذا بدت لك الحاجة قلت لبعض أصحابك فقام معك.. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنى سمعت هزيزا كهزيز الرحى، أو حنينا كحنين النحل، واتانى ات من ربى عز وجل قال: فخيّرنى أن يدخل شطر أمتى الجنة وبين شفاعتى لهم، فاخترت شفاعتى لهم، وعلمت أنها أوسع لهم، فخيّرنى بأن يدخل ثلث أمتى الجنة وبين الشفاعة لهم، فاخترت لهم شفاعتى وعلمت أنها أوسع لهم» فقال: يا رسول الله، ادع الله تعالى أن يجعلنا من أهل شفاعتك، قال: فدعا لهما، ثم إنهما نبها أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأخبراهم بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم. قال: فجعلوا يأتونه ويقولون: يا رسول الله، ادع الله تعالى أن يجعلنا أهل شفاعتك، فيدعو لهم، قال: فلما أضب عليه القوم وكثروا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنها لمن مات وهو يشهد ألاإله إلا الله» «2» . [652] عن النعمان بين بشير قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن مما تذكرون من جلال الله: التسبيح والتهليل، والتحميد، ينعطفن حول العرش، لهن دوىّ كدوىّ النحل، تذكّر بصاحبها. أما يحبّ أحدكم أن يكون له- أو لا يزال له- من يذكّر به؟!» «3» .   (1) عرس المسافرون: نزلوا اخر الليل للراحة. (2) رواه أحمد فى مسنده 4/ 415. (3) رواه ابن ماجه فى سننه، كتاب الأدب، حديث رقم 3809، وأحمد فى سنده 4/ 268، 271. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 [653] عن يحيى بن سعيد، أن أبا بكر الصديق بعث جيوشا إلى الشام، فخرج يمشى مع يزيد بن أبى سفيان، وكان أمير ربع من تلك الأرباع، فزعموا أن يزيد قال لأبى بكر: إما أن تركب وإما أن أنزل. فقال أبو بكر: ما أنت بنازل وما أنا براكب، إنّى أحتسب خطاى هذه فى سبيل الله. ثم قال له: إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله. فذرهم وما زعموا أنهم حبّسوا أنفسهم له، وستجد قوما فحصوا عن أوساط رؤسهم من الشّعر، فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف. وإنّى موصيك بعشر: لا تقتلنّ امرأة ولا صبيّا، ولا كبيرا هرما، ولا تقطعنّ شجرا مثمرا، ولا تخربنّ عامرا، ولا تعقرن شاة، ولا بعيرا، إلا لمأكلة، ولا تحرقنّ نحلا، ولا تفرّقنّه، ولا تغلل، ولا تجبن «1» . [654] عن أبى سيّارة المتّقى قال: قلت: يا رسول الله، إن لى نحلا، قال: «أدّ العشر» قال: قلت: يا رسول الله، احمها لى.. فحماها «2» . 6- النّحوص: (الأتان) (انظر الدواب) .   (1) رواه مالك فى الموطأ، كتاب الجهاد، حديث رقم 10.. وحبسوا: أن وقفوا. (2) رواه ابن ماجه فى سننه، كتاب الزكاة، حديث رقم 1823.. قال ابن أبى حاتم عن أبيه: لم يلق سليمان بن موسى أبا سيارة، والحديث مرسل. وحكى الترمذى فى العلل عن البخارى، عقب هذا الحديث، أنه مرسل، ثم قال: لم يدرك سليمان أحدا من الصحابة اهـ. وأبو سيارة ليس له عند ابن ماجه سوى هذا الحديث الواحد، وليس له شىء فى الأصول الخمسة. أدّ العشر: أى من عسله.. احمها: احفظها حتى لا يطمع فيها أحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 3- النسر (أ) النسر فى اللغة: النّسر: طائر معروف وجمعه فى القلة أنسر، وفى الكثرة نسور. وكنيته: أبو الأبرد، وأبو الأصبع، وأبو مالك، وأبو النهال، وأبو يحيى، والأنثى يقال لها: أمّ قشعم. وسمّى نسرا؛ لأنه ينسر الشىء ويبتلعه، وهو عريف الطير. وفى الأمثال: «أعمر من نسر» ، وقالوا: «أتى الأبد على لبد» . (ب) طبائع النسر: النسر: ذو منسر، وليس بذى مخلب، وإنما له أظفار حداد كالمخالب. والبازى والنسر يسفدان كما يسفد الديك. وهو حادّ البصر، يرى الجيفة من أربعمائة فرسخ، وكذا حاسة شمه فى النهاية. ويقول الدّميرى: وهو أشد الطير طيرانا، وأقواها جناحا، حتى أنه ليطير بين المشرق والمغرب فى يوم واحد. وإذا وقع على جيفة وعليها عقبان تأخرت ولم تأكل ما دام يأكل منها، وكل الجوارح تخافه. وهو شره نهم رغيب، إذا وقع على جيفة امتلأ منها ولم يستطع الطيران حتى يثب وثبات يرفع بها نفسه طبقة بعد طبقة فى الهواء، حتى يدخل تحت الريح. والأنثى منه تخاف على بيضها وفراخها الخفاش، فتفرش فى وكرها ورق الدلب لينفر منه. وهو من أشر الطير حزنا على فراق إلفه، فإذا فارق أحدهما الاخر مات حزنا وكمدا. وليس فى سباع الطير أكبر جثة منه. ويقال للنسر: أبو الطير، والنسر سيد الطير. (ج) الحكم الفقهى: يحرم أكله لاستخباثه، وأكله الجيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 (د) ما ورد فى السنة النبوية الشريفة عن النسر: [655] عن عكرمة بن عباس أن النبى صلّى الله عليه وسلم صدق أمية فى شىء من شعره فقال: رجل وثور تحت رجل يمينه ... والنسر لاخرى وليث مرصد فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «صدق» . وقال: والشمس تطلع كل اخر ليلة ... حمراء يصبح لونها يتورّد نأتى فما تطلع لنا فى رسلها ... إلا معذبة وإلا تجلد فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «صدق» «1» . [656] سأل رجل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: كيف كان أول شأنك يا رسول الله؟ قال: «كانت حاضنتى من بنى سعد بن بكر، فانطلقت أنا وابن لها فى بهم لنا ولم نأخذ معنا زادا، فقلت: يا أخى، اذهب فائتنا بزاد من عند أمّنا، فانطلق أخى ومكثت عند البهم، فأقبل طائران (طيران) أبيضان كأنهما نسران، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟. قال: نعم.. فأقبلا يبتدرانى، فأخذانى فبطحانى إلى القفا، فشقا بطنى، ثم استخرجا قلبى، فشقاه، فأخرجا منه علقتين سوداوين. فقال: أحدهما لصاحبه: ائتنى بماء ثلج، فغسلا به جوفى. ثم قال: ائتنى بماء برد، فغسلا به قلبى. ثم قال: ائتنى بالسّكينة، فذراها فى قلبى. ثم قال أحدهما لصاحبه: حصه، فحاصه وختم عليه بخاتم النبوة. فإذا أنا أنظر إلى الألف فوقى أشفق أن يخر علىّ بعضهم، فقال: لو أن أمته وزنت به لمال بهم، ثم انطلقا وتركانى. قال رسول   (1) رواه أحمد فى مسنده 1/ 256. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 الله صلّى الله عليه وسلم: «وفرقت فرقا شديدا ثم انطلقت إلى أمى فأخبرتها بالذى لقيت، فأشفقت أن يكون قد ألبس بى فقالت: أعيذك بالله، فرحلت بعيرا، فجعلتنى على الرحل وركبت خلفى حتى بلغنا إلى أمى. قالت: أديت أمانتى وذمتى، وحدثتها بالذى لقيت، فلم يرعها ذلك. وقالت: إنى رأيت حين خرج منى، يعنى نورا أضاءت منه قصور الشام «1» . [657] عن وهب الذمارى قال: من أتاه الله القران فقام به أناء الليل وأناء النهار وعمل بما فيه، ومات على الطاعة، بعثه الله يوم القيامة مع السفرة والأحكام [قال سعيد: السفرة: الملائكة. والأحكام: الأنبياء] .. قال: ومن كان حريصا وهو يتفلت منه وهو لا يدعه أوتى أجره مرتين.. ومن كان عليه حريصا وهو يتفلت منه ومات على الطاعة، فهو من أشرافهم، وفضلوا على الناس كما فضلت النسور على سائر الطيور، وكما فضلت مرجة خضراء على ما حولها من البقاع.. فإذا كان يوم القيامة قيل: أين الذين يتلون كتابى لم يلههم اتباع الأنعام؟ .. فيعطى الخلد والنعيم، فإن كان أبواه ماتا على الطاعة جعل على رؤسهما تاج الملك، فيقولان: ربنا ما بلغت هذا أعمالنا، فيقول: بلى، إن ابنكما كان يتلو كتابى «2» .   (1) رواه أحمد فى مسنده 4/ 184- 185، والدارمى فى المقدمة باب: كيف كان أول شأن النبى صلّى الله عليه وسلم. (2) رواه الدارمى فى فضائل القران، باب فضل من يقرأ القران ويشتد عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 4- النعامة النعامة طائر كبير الجسم، طويل العنق والوظيف.. قصير الجناح.. شديد العدو.. وهو مركب من خلقة الطير والجمل. والجمع: نعام، ونعائم.. ويقال: فلان ظلّ نعامة: أى طويل. وخفّت نعامة القوم: ذهبوا. وجاء كالنعامة: رجع خائبا. وشالت نعامته: مات. وهو خفيف النعامة: ضعيف العقل. وركب جناحى نعامة: جدّ فى أمره. ما جاء فى الحديث النبوى عن النعام: [658] قال مالك: لم أزل أسمع أن فى النعامة، إذا قتلها المحرم، بدنة. وقال أرى: فى بيضة النعامة عشر ثمن البدنة «1» . [659] عن معاوية بن قرة عن رجل من الأنصار أن رجلا أوطأ بعيره أدحى نعام وهو محرم، فكسر بيضها، فانطلق إلى علىّ رضى الله عنه، فسأله عن ذلك فقال له علىّ: عليك بكل بيضة جنين ناقة، أو ضراب ناقة، فانطلق إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فذكر له ذلك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «قد قال علىّ بما سمعت، ولكن هلمّ إلى الرخصة، عليك بكل بيضة صوم أو إطعام مسكين» «2» . [660] كان ابن أبى الحرث على أمر من أمر مكة فى زمن عثمان، فأقبل عثمان رضى الله عنه إلى مكة. فقال عبد الله بن الحرث: فاستقبلت عثمان بالنزول بقديد، فاصطاد أهل الماء حجلا «3» فطبخناه   (1) رواه مالك فى الموطأ، كتاب الحج، حديث 234. (2) رواه أحمد فى مسنده 5/ 58. (3) الحجل: جمع حجلة، وهو طائر فى حجم الحمام أحمر المنقار والرجلين، طيب اللحم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 بماء وملح، فجعلناه عراقا للثريد، فقدمناه إلى عثمان وأصحابه، فأمسكوا، فقال عثمان: صيد لم أصطده ولم نأمر بصيده، اصطاده قوم حل فأطعموناه، فما بأس.. فقال عثمان: من يقول فى هذا؟ فقالوا: علىّ.. فبعث إلى علىّ رضى الله عنه، فجاء، قال عبد الله ابن الحرث: فكأنّى أنظر إلى علىّ حين جاء وهو يحط الخبط عن كفيه، فقال له عثمان: صيد لم نصطده ولم تأمر بصيده، اصطاده قوم حل فأطعموناه، فما بأس. قال: فغضب علىّ وقال: أنشد الله رجلا شهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين أتى بقائمة حمار وحشى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنا قوم حرم فأطعموه أهل الحل» .. قال: فشهد اثنا عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم. ثم قال علىّ: أنشد الله رجلا شهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين أتى ببيض النعام فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنا قوم حرم، أطعموه أهل الحل» قال: فشهد دونهم من العدة من الإثنى عشر. قال: فثنى عثمان وركه عن الطعام، فدخل رحله، وأكل ذلك الطعام أهل الماء «1» . [661] عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال فى بيض النعام يصيبه المحرم «ثمنه» «2» .   (1) رواه أحمد فى مسنده 1/ 100، 104. (2) رواه ابن ماجه فى سننه، كتاب المناسك، باب: جزاء الصيد يصيبه المحرم. وفى الزوائد: فى إسناده على بن عبد العزيز، مجهول، وأبو المهزم، اسمه يزيد بن سفيان، ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 5- النّغير النّغير مصغّر نغر. والنّغر: طائر كالعصفور أحمر المنقار، والجمع «نغران» أما مؤنثه فهو «نغرة» . وأهل المدينة يسمونه البلبل. والبلبل من أنواع العصافير، ويقال له: الجميل. والعرب تقول: البلبل يعندل: أى يصوّت. وقد تناولت السنة المطهرة النّغير بالسؤال عن حاله! وإليك ما جاء بشأنه: [662] عن أنس قال: «كان النبى صلّى الله عليه وسلم أحسن النّاس خلقا، وكان لى أخ يقال له: أبو عمير- قال أحسبه فطيما- وكان إذا جاء قال: «يا أبا عمير ما فعل النّغير؟» نغر كان يلعب به، فربّما حضر الصّلاة وهو فى بيتنا، فيأمر بالبساط الذى تحته فيكنس وينضح، ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلّى بنا» «1» . وراجع أيضا: عصفور. 6- النمر (أ) النمر فى اللغة: النّمر- بفتح النون وكسر الميم- ويجوز- إسكان الميم مع فتح النون وكسرها- ضرب من السباع. وأنثاه: نمرة. والجمع: نمار، وأنمار، ونمور. وكنيته: أبو الأسود، وأبو الأبرد، وأبو جهل، والأنثى: أم رقاش. (ب) طبائع هذا الحيوان: فيه شبه من الأسد، إلا أنه أصغر منه، وهو منقط الجلد نقطا سودا وبيضا. وهو أخبث من الأسد لا يملك نفسه عند الغضب، حتى يبلغ من شدة غضبه أن يقتل نفسه.   (1) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الأدب- باب الانبساط إلى الناس (10/ 543) ، وفى باب الكنية للصبى (10/ 598) ، ومسلم فى كتاب الاداب- باب جواز كنية من لم يولد له (4/ 857) ، والترمذى فى كتاب الصلاة- باب ما جاء فى الصلاة على البسط (332) ، وفى كتاب البر والصلة- باب ما جاء فى المزاح (2056) ، وأحمد فى المسند (3/ 115، 119، 171، 188، 190) . * فى الحديث فوائد كثيرة منها: جواز تكنية من لم يولد له، وتكنية الطفل، وأنه ليس كذبا، وجواز تصغير بعض المسميات، وجواز لعب الصبى بالعصفور، وتمكين الولى إياه من ذلك، وملاطفة الصبيان وتأنيسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 ويقال: تنمر فلان؛ أى: تنكر وتغير؛ لأن النمر لا تلقاه أبدا إلا متنكرا غضبان؛ قال عمرو بن معديكرب: قوم إذا لبسوا الحدي ... د تنمروا حلقا وقدّا يريد: تشبهوا بالنمر لاختلاف ألوان القد والحديد. ومزاج النمر كمزاج السّبع، وهو صنفان: صنف عظيم الجثة صغير الذنب، وبالعكس، وكله ذو قهر وقوة وسطوات صادقة، ووثبات شديدة. وهو أعدى عدو للحيوانات، لا تروعه سطوة أحد. ومنزلته من السباع فى الرتبة الثانية بعد الأسد، ولا يأكل من صيد غيره، وينزه نفسه عن أكل الجيف. وهو معجب بنفسه، فإذا شبع نام ثلاثة أيام. وفى المثل: قالوا: «شمّر واتّزر، والبس جلد النّمر» يضرب لمن يؤمر بالجد والاجتهاد. (ج) الأحكام الفقهية: يحرم أكله لأنه سبع ضار. قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح فى الفتاوى: جلد النمر نجس كله قبل الدباغ، سواء كان مذكى أم لا، فيمتنع استعماله استعمال نجس العين. ومعنى هذا أنه يحرم استعماله قطعا فيما يجب فيه مجانبة النجاسة من صلاة وغيرها. وهل يحرم على الإطلاق؟ فيه وجهان: وأما بعد الدباغ، فنفس الجلد طاهر، والشعر الذى عليه نجس تبعا لأصله. (د) الأحاديث الواردة فى النمر: [663] عن أبى ريحانة «أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم حرّم عشرة: الوشر «1» ، والوشم «2» ، والنتف، ومكامعة «3» الرّجل الرّجل ليس بينهما ثوب، ومكامعة المرأة المرأة ليس بينهما ثوب، وخطّى الحرير على أسفل الثّوب، وخطّى حرير على العاتقين،   (1) الوشر: الواشرة من النساء التى تحدد أسنانها وترقق أطرافها. (2) الوشم: هو غرز الجلد بإبرة ثم حشوه بكحل ليزرق أثره أو يخضر، وقد لعن الله تعالى الواشمة والمستوشمة. (3) المكامعة: هو أن يضاجع الرجل صاحبه فى ثوب واحد، لا حاجز بينهما، والكميع الضجيع، وزوج المرأة كميعها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 والنّمرة يعنى جلدة النّمر، والنّهبة «1» ، والخاتم إلّا لذى سلطان» «2» . [664] عن أبى الشّيخ الهنائى أنّ معاوية قال لنفر من أصحاب النّبىّ صلّى الله عليه وسلم: «أتعلمون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى عن جلود النّمور أن يركب عليها؟ قالوا: اللهمّ نعم» «3» . [665] وعن أبى هريرة- رضى الله- عنه، عن النّبىّ صلّى الله عليه وسلم قال: «لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر» . وفى رواية: رقعة «4» . [666] جمع معاوية عام حج نفرا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الكعبة فقال: أسئلكم عن أشياء فأخبرونى، أنشدكم الله، هل نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن لبس الحرير؟ قالوا: نعم، قال: وأنا أشهد. ثم قال: أنشدكم بالله، أنهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن لبس الذهب؟ قالوا: نعم.. قال: وأنا أشهد. قال: أنشدكم بالله، أنهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن لبس صوف النمور؟ قالوا: نعم.. قال وأنا أشهد «5» . [667] عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، لأنه لم يكن بينى وبينه نبى، وأنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجلا مربوعا إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصران،   (1) النهبة: أى السلب والسرقة. (2) حديث ضعيف.. رواه الإمام أحمد فى المسند (4/ 135) بسند فيه مجهول. (3) حديث حسن رواه أحمد فى مسنده (4/ 95) بسند جيد. (4) حديث صحيح.. رواه أبو داود برقم (2555) . يؤخذ من الحديث عدم جواز اتخاذ جلود النمور، واستصحابها فى السفر، وإدخالها البيوت، لأن مفارقة الملائكة للرفقة التى فيها جلد نمر، تدل على أنها تنفر من الجماعة، أو المنزل الذى يوجد فيه ذلك، ولا يكون هذا إلا لعدم جواز استعمالها. (5) رواه أحمد فى مسنده 4/ 96. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو الناس إلى الإسلام، فيهلك الله فى زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك الله فى زمانه المسيح الدجال، وتقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم. ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم. فيمكث أربعين سنة، ثم يتوفى ويصلّى عليه المسلمون «1» » . ملحوظة: يرجع إلى ما يأتى كل فى مكانه: 7- النعجة: (الأنثى من الضأن) ، (انظر الغنم والماعز) . 8- النّعم: (الإبل والشاء) ، وقال ابن الأعرابى: النعم: الإبل خاصة، والأنعام: الإبل، والبقر، والغنم. (انظر الإبل) .   (1) رواه أحمد فى مسنده 2/ 406. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 6- النمل (أ) النمل فى اللغة: النمل معروف، الواحدة نملة، والجمع نمال. و «أرض نملة» ذات نمل. وطعام منمول: إذا أصابه النمل. ويقال: «رجل نمل» : أى نمام. وكنيته: أبو مشغول، والنملة: أم نوبة، وأم مازن، وسميت النملة نملة لتنملها، وهو كثرة حركتها، وقلة قوائمها. وفى الأمثال: «ما عسى أن يبلغ عضّ النمل» ... يضرب لمن لا يبالى بوعيده. وقالوا: «أحرص من نملة» ، و «أروى من نملة» لأنها تكون فى الفلوات، فلا تشرب ماء. وقالوا: «أضعف وأكثر وأقوى من النمل» . (ب) طبائع النمل: النمل عظيم الحيلة فى طلب الرزق؛ فإذا وجد شيئا أنذر الباقين ليأتوا إليه. ومن طبعه أن يحتكر قوته من زمن الصيف لزمن الشتاء، وله فى الاحتكار من الحيل ما أنه إذا احتكر ما يخاف إنباته، قسمه نصفين. ومن عجائبه أنه يتخذ القرية تحت الأرض، وفيها منازل ودهاليز، وغرف وطبقات معلقة يملؤها حبوبا وذخائر للشتاء. وقد سجل أحد الشعراء ما دار بينه وبين شاعر اجتمع فى بيته كثير من النمل فقال: ما لى أرى منزل المولى الأديب به ... نمل تجمع فى أرجائه زمرا؟ فقال: لا تعجبنّ من نمل منزلنا ... فالنمل من شأنها أن تتبع الشعرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 وفى ذلك تورية لطيفة تدور حول مجئ «سورة النمل» بعد «سورة الشعراء» فى القران الكريم. وجاء فى الموسوعة الذهبية: ويعيش النمل جماعات توزع العمل بين أفرادها ففى القرية يقوم شخص بعمل الطبيب، بينما يتولى ثان أعمال الزراعة، ويختص ثالث بأعمال الشرطة وحفظ الأمن، وهكذا. وهناك الاف من أنواع النمل تنتشر انتشارا واسعا فى أنحاء العالم منها النوع الفرعونى الواسع الانتشار فى جمهورية مصر العربية، وكثير من بقاع العالم. والنمل من الحشرات، ولكنه ينتمى إلى الحشرات الاجتماعية، نظرا لطريقته الخاصة فى الحياة، وأنواعه كلها تعيش فى جماعات أو مستعمرات. ولا تعيش أنواع النمل كلها فى باطن الأرض، فالنمل النجار، أو «نمل الخشب» يعيش فى الأشجار الجافة، كما أن بعض أنواع النمل، تحتل منازل الناس. وتمر أنواع النمل جميعها بأربع مراحل فى تاريخ حياتها، فهى تكون فى أول الأمر بيضا، ثم تصبح يرقات ضئيلة الحجم، شبيهة بالديدان، تتحول إلى عذارى، ثم إلى النمل البالغ أخيرا. وكثير من أنواع النمل تربى «أبقارا» ؛ فأبقار نمل حقول الذرة مثلا هى حشرات المن التى تسمى خطأ «قمل النبات» وهى تدر قطيرات من سائل حلو المذاق يشبه العسل، حين تحتلب. وهناك أنواع أخرى من النمل تتخذ من نطاط الشجر وبعض الخنافس «أبقارا» لها. وليس فى الحيوان ما يحمل ضعف بدنه مرارا غيره. (ج) الأحكام الفقهية: 1- يكره أكل ما حملته النمل بفيها وقوائمها. 2- ويحرم أكل النمل لورود النهى عن قتله. 3- وكل ما يؤذى الإنسان من الهوام والدواب يباح له دفعه عنه بضرب أو قتل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 (د) ما ورد فى السنة الشريفة عن النمل: [668] روى الترمذى الحكيم فى نوادره عن معقل بن يسار قال: قال أبو بكر- رضى الله عنه- وشهد به على رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم الشرك فقال: «هو فيكم أخفى من دبيب النمل، وسأدلك على شىء إذا فعلته أذهب الله عنك صغار الشرك وكباره، تقول: اللهم إنى أعوذ بك أن أشرك بك شيئا وأنا أعلم، وأستغفرك لما تعلم ولا أعلم.. يقولها ثلاث مرات» «1» . [669] عن أبى هريرة- رضى الله عنه- سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «قرصت نملة نبيّا من الأنبياء، فأمر بقرية النّمل فأحرقت فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمّة من الأمم تسبّح؟!» «2» . [670] عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «نزل نبىّ من الأنبياء تحت شجرة، فلدغته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحتها، وأمر بها فأحرقت فى النّار، فأوحى الله إليه: فهلّا نملة واحدة» «3» . [671] وروى عن أبى أمامة الباهلى- رضى الله عنه- قال: ذكر لرسول الله صلّى الله عليه وسلم رجلان: أحدهما عابد، والاخر عالم، فقال رسول الله   (1) إسناده ضعيف.. أخرجه البخارى فى «الأدب المفرد» برقم (716) ، وسنده ضعيف فيه ليث بن أبى سليم ضعيف لاختلاطه وجهالة شيخه وهو شيخ من عنزة مجهول لم يسم. (2) حديث صحيح.. رواه البخارى فى كتاب الجهاد والسير (4/ 76) ، وفى كتاب بدء الخلق- باب خمس من الدواب فواسق (4/ 158) ، ومسلم فى كتاب السلام- باب النهى عن قتل النمل (7/ 43) ، وابن ماجه فى كتاب الصيد- باب ما ينهى عن قتله، حديث (3225) ، وأحمد فى مسنده (2/ 403) ، وفى الحديث دليل على أن النمل يسبح الله تعالى. (3) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب السلام- باب النهى عن قتل النمل (7/ 43) ، وأبو داود فى كتاب الأدب- باب ما ينهى عن قتله، حديث (3223) . فهلا نملة واحدة: أن فهلا عاقبت نملة واحدة هى التى قرصتك لأنها الجانية. أما غيرها فليس لها جنابة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 صلّى الله عليه وسلم: «فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم» ثم قال: «إن الله وملائكته، وأهل السموات، وأهل الأرضين حتى النملة فى جحرها، وحتى الحوت فى البحر ليصلون على معلمى الناس الخير» . (قال الترمذى: حديث صحيح) «1» . [672] وروى الدارقطنى والحاكم عن أبى هريرة- رضى الله عنه- أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «لا تقتلوا النملة؟ فإن سليمان- عليه السلام- خرج ذات يوم يستسقى فإذا هو بنملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها تقول: اللهم إنا خلق من خلقك لا غنى لنا عن فضلك.. اللهم لا تؤاخذنا بذنوب عبادك الخاطئين، واسقنا مطرا تنبت به شجرا، وتطعمنا ثمرا. فقال سليمان لقومه: ارجعوا؛ فقد كفيتم وسقيتم بغيركم» «2» .   (1) حديث صحيح.. رواه الترمذى برقم (2685) . (2) رواه الحاكم (1/ 325- 326) مختصرا، وصححه، ووافقه الذهبى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 9- النون: (الحوت) (انظر الحوت) . [باب الهاء] الهر: راجع السنور. [باب الواو] 1- الوزغ الوزغ: سامّ أبرص.. واتفق الفقهاء على أن الوزغ من الحشرات المؤذيات.. وأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بقتله وحث عليه لكونه من المؤذيات. [673] عن أبن هريرة عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: «من قتل وزغة فى أوّل ضربة فله كذا وكذا حسنة. ومن قتلها فى الضّربة الثّانية فله كذا وكذا حسنة. لدون الأولى «1» وإن قتلها فى الضّربة الثّالثة فله كذا وكذا حسنة لدون الثّانية» «2» . [674] عن عائشة- رضى الله عنها-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ، وسمّاه فويسقا» «3» .   (1) لدون الأولى: أى أقل من الأولى. (2) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب السلام- باب استحباب قتل الوزغ (5/ 95) ، وأبو داود فى كتاب الأدب (163) ، وابن ماجه فى كتاب الصيد (3229) ، وأحمد فى المسند (1/ 420) ، (2/ 355) ، وفى الحديث حث وترغيب فى قتل الوزغ لكونه من المؤذيات. (3) حديث صحيح.. رواه مسلم فى كتاب السلام- باب استحباب قتل الوزغ (5/ 96) ، وابن ماجه فى كتاب الصيد (3230) . أما تسميته فويسقا، فنظيره الفواسق الخمس التى تقتل فى الحل والحرم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 [675] عن أم شريك «أنّها استأمرت النبى صلّى الله عليه وسلم فى قتل الوزغان فأمر بقتلها» «1» . [676] عن سائبة مولاة الفاكه بن المغيرة «أنها دخلت على عائشة فرأت فى بيتها رمحا موضوعا. فقالت: يا أم المؤمنين: ما تصنعين بهذا؟ قالت: نقتل به هذه الأوزاغ، فإن نبى الله صلّى الله عليه وسلم أخبرنا أن إبراهيم لمّا ألقى فى النّار لم تكن فى الأرض دابّة إلا أطفأت النّار غير الوزغ، فإنها كانت تنفخ عليه، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بقتله» «2» . 2- وعل الوعل هو تيس الجبل، أى ذكر الأروى، وهو جنس من المعز الجبلية، له قرنان قويان كسيفين أحدبين. ما جاء به من أحاديث: [677] عن العباس بن عبد المطلب؛ قال: كنت بالبطحاء فى عصابة، وفيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فمرّت به سحابة. فنظر إليها. فقال: «ما تسمّون هذه؟» قالوا: السّحاب. قال: «والمزن» قالوا: والمزن. قال: «والعنان» قال أبو بكر: قالوا: والعنان. قال: «كم ترون بينكم وبين السّمأء؟» قالوا: لا ندرى. قال: «فإنّ بينكم وبينها إمّا واحدا أو اثنين أو ثلاثا وسبعين سنة. والسّماء فوقها كذلك»   (1) حديث صحيح ... رواه مسلم فى كتاب السلام- باب استحباب قتل الوزغ (5/ 96) ، وابن ماجه فى الصيد (3228) ، وأحمد فى المسند (6/ 421) . (2) حديث حسن.. رواه ابن ماجه فى سننه (3231) ، وأحمد فى المسند (6/ 83، 109، 217) من طريق سائبة به، وسائبة هذه مجهولة، وللحديث طريق اخر مرسل عند النسائى فى السنن (2/ 27) ، وله شاهد صحيح من حديث أم شريك بلفظ: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وقال: كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام.. الحديث رواه البخارى، وابن ماجه، وأحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 حتّى عدّ سبع سماوات. «ثمّ فوق ذلك السّماء السّابعة، بحر. بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء. ثمّ فوق ذلك ثمانية أوعال «1» بين أظلافهنّ وركبهن كما بين سماء إلى سماء. ثمّ على ظهورهن العرش. بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء. ثمّ الله فوق ذلك. تبارك وتعالى» «2» .   (1) أوعال: جمع وعل، وهو تيس الجبل، والمراد من الملائكة على صورة أوعال. (2) رواه ابن ماجه فى المقدمة، حديث رقم 193. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 [باب الياء] اليربوع اليربوع: حيوان من الفصيلة اليربوعية، صغير على هيئة الجرذ الصغير. وله ذنب طويل ينتهى بخصلة من الشعر.. وهو قصير اليدين، طويل الرّجلين. ما جاء فى الأحاديث عن اليربوع: [678] عن أبى الوضى قال: قال علىّ رضى الله عنه: اطلبوا المخدع، فذكر الحديث.. فاستخرجوه من تحت القتلى فى طين. قال أبو الوضى: فكأنى أنظر إلى حبشى عليه قريطق له إحدى يدين مثل ثدى المرأة عليها شعيرات مثل شعيرات التى تكون على ذنب اليربوع «1» . [679] عن أبى الزبير أن عمر بن الخطاب قضى فى الضبع بكبش، وفى الغزال بعنز، وفى الأرنب بعناق، وفى اليربوع بجفرة «2» . [680] عن جرير بن عبد الله البجلى أن رجلا جاء فدخل الإسلام، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يعلمه الإسلام، وهو فى مسيرة، فدخل خف بعيره فى جحر يربوع، فوقصه بعيره، فمات، فأتى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: «عمل قليلا وأجر كثيرا» «3» . اليعسوب انظر: النحل.   (1) رواه أبو داود فى سننه، كتاب السنة، باب: فى قتال الخوارج، وأحمد فى مسنده 1/ 139، 140، 141. (2) رواه مالك فى الموطأ، كتاب الحج، حديث رقم 230.. والجفرة من أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر (3) رواه أحمد فى مسنده 4/ 357. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 والحمد لله أولا وأخيرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 أسماء الطيور والحيوانات وبيان موقعها من الأحاديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 الطير- الحيوان رقم الحديث إبل 1- 2- 3- 4- 5- 6- 7- 8- 9- 10- 11- 12- 13- 14- 15- 16- 17- 18- 19- 20- 21- 22- 23- 24- 25- 26- 27- 28- 29- 30- 31- 32- 33- 34- 35- 36- 37- 38- 39- 40- 41- 42- 43- 44- 45- 46- 47- 100- 107- 133- 279- 438- 475- 489- 490- 499- 622- 629- 650- 668. أرضة 48 أرنب 49- 50- 51- 52- 53- 440- 679 أروية (أنثى الوعل) 54 أرقم (حية) 268 أسد 55- 56- 57- 58- 59- 95- 272- 667 أفعى (حية) 270 بازى 414 بدنة (إبل) 30- 64- 65- 66- 67- 68- 69- 70- 71- 604- 658 بخت 60- 61- 62- 63- 274- 650 براق 72- 73- 74- 75 برذون 76- 77- 78 بعير 9- 23- 24- 27- 33- 35- 40- 79- 80- 82- 83- 84- 85- 86- 87- 88- 89- 90- 91- 93- 94- 95- 96- 97- 98- 99- 100- 101- 102- 103- 104- 105- 106- 107- 211- 233- 340- 315- 392- 433- 492- 574- 638- 653- 656- 659 بغل 72- 77- 76- 88- 113- 114- 115- 116 117- 118- 274 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 الطير- الحيوان رقم الحديث بقر 2- 30- 39- 40- 53- 64- 105- 107- 114- 119- 120- 121- 122- 123- 124- 125- 126- 127- 128- 129- 132- 163- 279- 327- 408- 413- 471- 499- 555- 650- 667 بعوضة 108- 109- 110- 111- 112 بهائم 130- 131- 133- 134- 135- 136- 167- 169- 244- 247- 389- 457- 531 بهمة (صغير الضأن) 457- 458- 656 تنين 137- 138 تيس 47- 139- 140- 141- 438 ثعلب 142- 143- 144- 145 ثعبان 270- 275 ثنية 478 ثور 95- 146- 147- 148- 149- 205- 655 جان (حية) 273 جدى 459- 460 جذعة 456- 461- 474- 478 جراد 150- 151- 152- 153- 154- 155- 156 جرو 594- 595- 602- 603 جرذ 491- 492 جزور 81- 208- 327- 408- 610 جفرة (معز) 51- 440- 679 جمل 45- 91- 157- 158- 159- 160- 161- 162- 163- 164- 165- 166- 167- 168- 169- 170- 171. جندب (جراد) 172- 501. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 الطير- الحيوان رقم الحديث حبارى 212 حجلة 211- 660 حدأة 173- 174- 175- 424- 425- 426 حصان 228 حمار 2- 72- 75- 115- 185- 186- 187- 188- 189- 190- 191- 192- 193- 194- 195- 196- 197- 198- 199- 200- 201- 202- 203- 204- 205- 211- 297- 345- 398- 584- 597- 598- 660 حمام 176- 177- 178- 179- 180- 181- 182 حمر النعم (إبل) 183- 184 حمّرة 402 حنش 143 حوت 149- 152- 156- 206- 207- 208- 209- 210- 406- 671 حية 54- 91- 95- 175- 258- 269- 270- 272- 273- 274- 276- 277- 278- 279- 281- 284- 295- 424- 425- 436- 552- 667 خروف 448 خشاش 213- 214- 308- 311 خشف 388- 389- 390- 293 خلفة (ناقة) 471 خنزير 95- 215- 216- 217- 218- 219- 220- 221- 222- 547- 549- 551- 555- 667 خيل 2- 46- 115- 159- 200- 223- 224- 225- 226- 227- 229- 231- 232- 233- 234- 236- 237- 475- 506 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 الطير- الحيوان رقم الحديث دابة 72- 75- 102- 195- 209- 240- 241- 296- 348- 358- 364- 500- 676 دبى (جراد) 242 دجاج 21- 64- 243- 244- 245- 246 دعموص 252 دود 137 ديك 181- 192- 247- 248- 249- 250 ذئب 20- 95- 143- 175- 252- 253- 254- 255- 256- 257- 258- 292- 366- 453- 476- 667 ذباب 259- 260- 261- 262- 263 ذو الطفتين 276 راحلة 8- 207- 264- 265- 266- 267 رخم 267 سبع 292- 293- 294- 295- 296- 297- 298- 299- 300- 301- 302- 306- 369- 433- 472- 556 سخلة 136- 478 سلوى 303- 304 سنور 305- 306 شاة 33- 39- 45- 47- 95- 105- 107- 112- 129- 132- 158- 179- 312- 313- 314- 315- 316- 317- 318- 319- 320- 321- 322- 323- 324- 325- 326- 327- 328- 329- 330- 331- 332- 333- 334- 335- 336- 337- 338- 339- 340- 341- 342- 343- 344- 345- 346- 347- 348- 349- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 الطير- الحيوان رقم الحديث 350- 408- 441- 442- 443- 444- 445- 470- 473- 474- 476- 479- 489- 490- 557- 599- 653 صرد 351- 371 صقر 352- 414 ضب 353- 354- 355- 356- 357- 358- 359- 360- 361- 362- 363- 364 ضبع 51- 365- 366- 367- 368- 369- 440- 679 ضفدع 370- 371- 372- 373 طير 166- 237- 243- 302- 352- 374- 375- 376- 377- 378- 379- 380- 381- 383- 384- 385- 401- 403- 437- 650 ظبى 23- 387- 388- 389- 390- 391- 392- 393- 394- 395- 396- 397- 398 عافية 238- 239 عجل 411- 412- 413 عصفور 399- 400- 404- 405- 406- 407- 408- 409- 410 عقاب 414 عقرب 91- 174- 175- 258- 272- 280- 281- 282- 284- 285- 286- 287- 288- 289- 290- 291- 426 عناق 51- 440 عنز 51- 314- 394- 395- 440- 679 عنكبوت 183- 415- 416- 417- 418 عير 536 غراب 174- 175- 258- 284- 419- 420- 421- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 الطير- الحيوان رقم الحديث 422- 423- 424- 425- 426- 427- 428- 429- 430- 431- 432- 433- 434- 435- 436- 437- 438 غزال 51- 440- 679 غنم 2- 3- 19- 20- 25- 27- 28- 33- 40- 45- 47- 95- 133- 136- 140- 158- 252- 254- 255- 256- 257- 279- 292- 314- 317- 334- 438- 456- 460- 462- 463- 464- 465- 466- 467- 468- 469- 470- 471- 472- 473- 474- 475- 476- 477- 478- 479- 499- 520- 599- 650- 667 فأر 174- 175- 258- 284- 424- 425- 426- 286- 487- 489- 490- 493- 494 فحل 47- 279- 456- 478- 495- 496- 497- 498- 499 فرا 505 فراش 172- 500- 501- 503- 504 فرخ 382- 383- 384- 386 فرس 43- 46- 95- 107- 197- 228- 230- 235- 236- 477- 498- 506- 507- 508- 509- 510- 511- 512- 513- 514- 515- 516- 517- 518- 519- 520- 521- 522- 523- 524- 525- 526- 527- 528- 529- 530- 531- 532- 533- 534- 535- 536- 537- 538- 539- 540- 541- 542 فروج 249 فهد 543 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 الطير- الحيوان رقم الحديث 626- 627- 628- 629- 630- 631- 632- 633- 634- 635- 636- 637- 638- 639- 640- 641- 642- 643- 644- 645- 659 نعجة 448 نحلة 78- 351- 570- 646- 647- 648- 649- 650- 651- 652- 653- 654 نعم 475- 657 نمر 604- 663- 664- 665- 666- 667 نعامة 658- 659- 660- 661 نسر 656- 657 نغر 662 نمل 351- 371- 668- 669- 670- 671- 672 هدهد 351- 371 هر 213- 214- 307- 308- 309- 310- 311 هوام 413 وزغ 484- 673- 674- 675- 676 وعل 677 يربوع 51- 440- 678- 679- 680 يعسوب 650 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 فهرس الأبواب مقدمة 5 باب الهمزة 17 باب الباء 65 باب التاء 115 باب الثاء 122 باب الجيم 129 باب الحاء 142 باب الخاء 167 باب الدال 181 باب الذال 191 باب الراء 198 باب الزاي 201 باب السين 217 باب الشين 229 باب الصاد 245 باب الضاد 249 باب الطاء 261 باب الظاء 269 باب العين 275 باب الغين 289 باب الفاء 317 باب القاف 349 باب الكاف 365 باب الميم 379 باب النون 379 باب الهاء 416 باب الواو 416 باب الياء 419 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431