الكتاب: المدائح النبوية في أدب القرنين السادس والسابع للهجرة المؤلف: ناظم رشيد الناشر: دار آفاق عربية - بغداد الطبعة: الأولى - 1423 هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو ضمن خدمة التراجم] ---------- المدائح النبوية في أدب القرنين السادس والسابع للهجرة ا. د. / ناظم رشيد الكتاب: المدائح النبوية في أدب القرنين السادس والسابع للهجرة المؤلف: ناظم رشيد الناشر: دار آفاق عربية - بغداد الطبعة: الأولى - 1423 هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو ضمن خدمة التراجم] المحتوى المقدمة 5 التمهيد 7 المديح النبوي في عصر الحروب الصليبية 23 الخاتمة 81 مختارات من المدائح النبوية 84 المصادر والمراجع 133 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة تعاقبت على المسلمين ويلات وأحزان، ومصائب وأشجان، ولا سيما في العصر العباسي الاخير. وقد لاقى الكثيرون من شدة وطأتها القهر والألم، والضنى والسقم، وجعلتهم يعيشون في تعب ونكد، وقلق وكمد خاصة بعد الهجمات المتوالية: الصليبية الجائرة من الغرب، والتترية الغادرة من الشرق. وكانت وسائل الناس آنذاك ضعيفة لا تقوى على الوقوف بوجه الاعداء الطامعين والبغاة الجائرين، وابعاد بلواهم ودفع اذاهم، فما كان منهم الا التوجه الى الله- جلّ جلاله- والتضرع اليه كي ينجيهم من الكرب الذي وقع عليهم والضيم الذي لحق بهم. والالتجاء الى رسوله الكريم محمد- صلّى الله عليه وسلّم- متوسلين اليه ان يكون شفيعا لهم عند الله وينجيهم من النوائب التي كادت تقصم ظهورهم وتقضي على وجودهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 وكان الشعر خير وسيلة للتعبير عن الألام والامال ولا سيما شعر المديح النبوي الذي كثر النظم فيه، واقبل الناس عليه بشغف ولهفة، يجدون فيه فرحتهم وسعادتهم وراحتهم النفسية، ويتدارسونه وينشدونه في مجالسهم ومحافلهم واماكن عبادتهم. وغدا شعراء كثيرون لا ينظمون الا في هذا الغرض، لا يتجاوزونه ولا يحيدون عنه. لقد قمت في هذا الكتاب الوجيز بدراسة الشعر الذي قيل في مدح الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- في عصر الحروب الصليبية، وإبانة قيمته الفنية، واخترت للقارىء الكريم نماذج منه. وأملي كبير ان يكون هذا العمل الطيب خالصا لوجه الله تعالى، ودافعا لدراسة اوسع واشمل للاخوة الباحثين، والله ولي التوفيق. الدكتور ناظم رشيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 التمهيد آل الشرق الاسلامي في أواخر القرن الخامس للهجرة الى فئات مبعثرة، واحيانا متباغضة، لا يجمع بينها وفاق، ولا يضمها سلطان قوي، ففي كل ولاية أمير او ملك يناوىء جاره، ويكيد له، ويتربص به الدوائر؛ ليشن الغارات على ولايته، ويؤوب من عنده بالغنائم والاسلاب، ويدع له الاشلاء والدماء والدمار والخراب، انصياعا لهوى الاطماع، ودواعي المآرب والغايات. على حين كان الغرب يضمّ اليه أدانيه وأقاصيه، ويلمّ شعثه، ويرتق فتقه، ويرأب صدعه، ويتهيأ للانقضاض على الشرق المتداعي، والهيمنة عليه، طمعا في خيراته، ووافر ثرواته، لا- كما زعم أبناؤه- لتخليص قبر السيد المسيح- عليه السلام- من ايدي المسلمين. فلما استجمعوا قواتهم، واستحضروا عددهم، وخفقت راياتهم، وتعالت بالحقد الاعمى اصواتهم، اندفعوا موجات متتابعة، مدة قرنين من الزمان. ابتداء من سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة للهجرة، فأهلكوا الحرث والنسل والضرع، وأشاعوا الدمار في القرى والامصار، حتى قدر المؤرخون عدد الذين قتلوا في مذبحة انطاكية بعشرة الاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 نفس، وفي معرة النعمان بمئة الف، وفي بيت المقدس بسبعين الفا «1» . وقال ريموند دي اكليس الذي شاهد المذبحة الاخيرة: «ان الدماء قد وصلت في رواق المسجد الى الركب» «2» . فما لم يشاهده قد يربو على التقدير ويفوق النعت والتعبير. لقد فر الناجون الى الله من هول هذه الحرب الضروس، وتضرعوا اليه ان يدفع عنهم الكرب الشداد، ويحسر اسجاف البلايا الصفيقة. وتوزع الشعراء آنذاك الى فريقين، ذهب فريق الى الاعراب عن دخائل النفوس وكوامن الافئدة، والإفصاح عن ضراوة الاحداث، وجسامة الاهوال والكوارث بقصائد عامرة، منها قصيدة الامام أبي حامد الغزالي (ت 505 هـ) المعروفة بدعاء المنفرجة في ثمان وخمسين بيتا، مطلعها «3» : الشدّة أودت بالمهج ... يا ربّ فعجّل بالفرج ومنها: والأزمة زادت شدّتها ... يا أزمة علّك تنفرجي   (1) مختصر تاريخ العرب ص 286. (2) نفسه ص 287. (3) الحروب الصليبية واثرها في الادب العربي في مصر والشام ص 237. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 جئناك بقلب منكسر ... ولسان بالشكوى لهج قال محمد سيد گيلاني معقبا على هذه القصيدة: «مات الغزالي عام 505 هـ، اي بعد هجوم الصليبيين على الشام بخمسة عشر عاما، وجال مدّة في بلاد الشام، وشاهد الافرنج يكتسحون المدن والقرى، ويغيرون على السكان الآمنين، وينهالون عليهم قتلا وأسرا، ورأى المسلمين لا حول لهم ولا قوة، ذلّوا وهانوا واستكانوا، واضحوا ولا راعي يرعاهم، ولا زعيم يجمع شملهم، ويتصدى للدفاع عنهم، ولا قائد يوقف الغزاة عند حدهم ... في هذا الوسط المظلم، وفي هذا الجو القاتم شرع الناس يلتمسون العون من الله ويسألونه التعجيل بالفرج. وماذا كانوا فاعلين وهم رعية بغير رعاة؟ أمراؤهم مشغولون بمصالح أنفسهم، يكيد بعضهم لبعض ... وهكذا عانى أهل الشام المصائب والاهوال يتلو بعضها بعضا، فرفعوا ايديهم الى السماء متضرعين ومتوسلين بالقرآن وسوره، والانبياء والمرسلين، ملحفين في الدعاء، طالبين التعجيل بالفرج، ذلك لأنّ الشدة التي أصابتهم أودت بالمهج، والناس اضحوا في ضيق وحرج، ومن غير الله يرفع هذا الحرج؟ وهكذا عبر الغزالي عن شعور المسلمين في هذا الوقت ونطق بألسنتهم، وترجم عن حالة الضيق الشديد التي المت بهم. ثم أخذ يتوسل الى الله بالانبياء وبالقرآن وبما أودع فيه من الأسرار الالهية، وذكر في شيء من الالم والحزن ان المسلمين ضعاف، وانهم لا يجدون أمامهم ملجأ غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 الله، اليه يلجؤون وبه يستغيثون واياه يدعون» «4» . ومن القصائد التي حظيت بالقبول الواسع، وذاعت شهرتها، واكتسبت رضا الكثيرين، وداعبت قلوب المكلومين ونفوس المظلومين، قصيدة يوسف بن محمد التوزري المعروف بابن النحوي (ت 513 هـ) المشهورة ب «المنفرجة» أو «الفرج بعد الشدة» ، ومطلعها «5» : اشتدّي أزمة تنفرجي ... قد آذن ليلك بالبلج وكانت هذه القصيدة محط أنظار الشراح، مثل الاضواء البهجة في إبراز دقائق المنفرجة، والأنوار المنبلجة في بسط أسرار المنفرجة، والسريرة المنزعجة في شرح المنفرجة، وغير ذلك «6» . وذهب فريق آخر الى التضرع بالرسول الكريم محمد- صلّى الله عليه وسلّم- والتوسل لديه، والتعلق باعتابه، أن يزيل عنهم الاحزان الجاثمة، ويردّ الامن والدعة الى نفوسهم الهائمة، ويلج بهم ابواب الرحمة الواسعة، الى ساحات الرضا السرمدي والراحة الخالدة، وخير مثال على ذلك القصائد التي قيلت سنة أربع وخمسين وست مئة للهجرة حينما انفجر بركان بالقرب من المدينة المنورة وأخذ يقذف الحمم النارية ويهدد بالدمار والخراب. قال السيوطي: «وفي هذه السنة، في يوم الاثنين، مستهل   (4) نفسه ص 239. (5) مفتاح السعادة 3/ 144. (6) ينظر تاريخ المعارضات في الشعر العربي ص 57. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 جمادى الاخرة، وقع بالمدينة الشريفة صوت يشبه صوت الرعد البعيد تارة وتارة، واقام على هذه الحالة يومين، فلما كان ليلة الاربعاء تعقب الصوت زلزلة عظيمة، رجفت منها الارض والحيطان، واضطرب المنبر الشريف، واستمرت تزلزل ساعة بعد ساعة الى يوم الجمعة خامس الشهر، ظهر من الحرة نار عظيمة، وسالت أودية منها سيل الماء، وسالت الجبال نارا، وسارت نحو طريق الحاج العراقي، فوقفت واخذت تأكل الارض أكلا، ولها كل يوم صوت عظيم من آخر الليل الى الضحوة، واستغاث الناس بنبيهم- صلّى الله عليه وسلّم- واقلعوا عن المعاصي» «7» ، واجود قصيدة نظمت آنذاك في ذكر هذه الحادثة ومدح الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- كانت للشاعر سيف الدين علي بن عمر بن قزل المعروف بابن المشد (ت 656 هـ) ، مطلعها «8» : ألا سلّما عنّي على خير مرسل ... ومن فضله كالسّيل ينحطّ من عل ومنها وصف للصورة المخيفة التي اذهلت الناس وأرعبتهم: لها شرر كالبرق لكن شهيقها ... فكالرعد عند السامع المتأمل   (7) حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة 2/ 46. (8) نفسه 2/ 47. وينظر ديوان سيف الدين المشد، تح: عباس هاني (رسالة ماجستير من كلية التربية بجامعة بابل سنة 2000) ص 445. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وأصبح وجه الشمس كالليل كاسفا ... ويدر الدجى في ظلمة ليس تنجلي وهبّت سموم كالحميم فأذبلت ... من الباسقات الشمّ كلّ مذلّل وأبدت من الآيات كلّ عجيبة ... وزلزلت الارضون أيّ تزلزل وأيقن كلّ الناس ان عذابهم ... تعجّل في الدّنيا بغير تمهّل وأعولت الاطفال مع أمهاتها ... فيا نفس جودي، يا مدامعي اهملي وينهي الشاعر قصيدة بالسلام على المبعوث الهادي محمد صلّى الله عليه وسلّم: فيا خير مبعوث وأكرم شافع ... وأنجح مأمول وافضل موئل عليك سلام الله بعد صلاته ... كما شفع المسك العبيق بمندل ووصف المؤرخ شهاب الدين ابو محمد عبد الرحمن بن اسماعيل المعروف بابي شامة المقدسي هذا البركان الثائر وصفا دقيقا وأورد قصيدة لشاعر لم يذكر اسمه، أولها «9» :   (9) تراجم رجال القرنين السادس والسابع المعروف بذيل الروضتين ص 193. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 يا كاشف الضّرّ صفحا عن جرائمنا ... لقد أحاطت بنا يا ربّ بأساء نشكو اليك خطوبا لا نطيق لها ... حملا ونحن بها حقا أحقاء زلازلا تخشع الصمّ الصلاب لها ... وكيف يقوى على الزلزال شمّاء أقام سبعا ترج الارض فانصدعت ... عن منظر منه عين الشمس عشواء بحر من النار يجري فوقه سفن ... من الهضاب لها في الارض إرساء ودعا الله ان يفرج عن المسلمين هذا الخطب الكبير الذي ألمّ بهم، ويبعد عنهم نقمته التي تمثلت في هذا البركان الغاضب الذي القى حجارة حامية وشواظا من نار، وأخاف الناس ان يمتد لهيبه الى المدينة المنورة التي تضمّ قبر الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- والصحابة الصالحين، واختتم قصيدته بقوله: ونحن أمة هذا المصطفى ولنا ... منه الى عفوك المرجو دعاء هذا الرسول الذي لولاه ما سلكت ... محجّة في سبيل الله بيضاء فارحم وصلّ على المختار ما خطبت ... على علا منبر الاوراق ورقاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وللامام ابي زكريا يحيى بن يوسف الصّرصري (ت 656 هـ) قصيدة في خمس وتسعين بيتا يمدح بها الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- ويذكر النار الحامية التي تتفطر منها القلوب «10» : فشاهدتم مرأى فظيعا وشدّة ... تكاد لها الاحشاء أن تتفطرا وجاء في القصيدة قوله: فيا أيّها الحادي الذي اعتسف الفلا ... وحثّ المطايا مدلجا ومهجرا اذا ما أرحت العيس بعد لغوبها ... وطول وجاها من معالجة السّرى فقف وقفة الاحباب في ذلك الحمى ... وعفّر أديم الخدّ في ذلك الثرى وبلغ تحياتي الى من سما به ... وأحرز من رياه نشرا معطرا ومنها: وسل ربّك النصر العزيز لأمة ... بجاهك ترجو ان تعزّ وتنصرا   (10) ديوان الصرصري ص 170. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 لها كلّ عام كائد متهدد ... يدير لها بالرعب كأسا ممرّرا أجرها وثبتها فمن كنت جاره ... فأجدر أن يحمى ويحيا ويجبرا عليك سلام من إلهك دائم ... مديد جدير ان يزاد ويكثرا لقد كانت هذه النار التي داهمت الارض الطاهرة واخاف الناس وصول شررها الى المدينة، مدعاة لمدح الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- قال ابن الوردي: «وظهرت نار بالحرّة عند مدينة النبي- صلّى الله عليه وسلّم- وكانت تضيء بالليل من مسافة بعيدة جدا ... ونظم الشعراء عند ظهور هذه النار مدائح في النبي صلّى الله عليه وسلّم» «11» . ومن هؤلاء الشعراء ايضا شرف الدين ابو عبد الله محمد بن سعيد البوصيري (ت 696 هـ) ، فله قصيدة في ثمان وتسعين بيتا سماها: «تقديس الحرم من تدنيس الضرم» مطلعها «12» : إلهي على كلّ الامور لك الحمد ... فليس لما اوليت من نعم حدّ وفيها يقول: تدمر ما تأتي عليه كعاصف ... من الريح ما ان يستطاع له ردّ   (11) تتمة المختصر في اخبار البشر (تاريخ ابن الوردي) 2، 281. (12) ديوان البوصيري ص 111. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 تمرّ على الارض الشديد اختلافها ... فتنجد غورا او يغور بها نجد وترمي الى الجوّ الصخور كأنّما ... بباطنها غيظ على الجوّ او حقد ويطيل الحديث عن اوصاف النبي المباركة، ويرجو من الله في خاتمة القصيدة ان يحظى بزيارته والتعطر بأريج التربة التي تحرك عليها في نشر رسالة الايمان والهداية والرشاد: فهب لي رسول الله قرب مودّة ... تقرّ به عين وتروى به كبد وإني لارجو أن يقريني الى ... جنابك إرقال الركائب والوخد ولولا وثوقي منك بالفوز في غد ... لما لذّ لي يوما شراب ولا برد عليك صلاة الله يضحي بطيبة ... لديك بها وفد ويمسي بها وفد ودامت كأنفاس الورى في تردّد ... عليك من الله التحية والرّدّ إنّ منزلة الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- ومكانته عظيمة في نفوس المسلمين، يستذكرون سيرته العطرة، ويستوحون منها ما ينفعهم في الدنيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 والاخرة. وقد خصص كثير من الشعراء دواوين في مديحه، منها على سبيل المثال لا الحصر: «التنوير في مولد السراج المنير» «13» لابن دحية الكلبي، وقد اهداه سنة أربع وست مئة للهجرة للسلطان مظفر الدين كوكبري بن زين علي صاحب اربل، و «أهنى المنائح في اسنى المدائح» «14» لشهاب الدين محمود بن سليمان الحلبي، و «بشرى اللبيب بذكرى الحبيب» «15» لابن سيد الناس اليعمري، و «نظم الدّرر في مدح سيد البشر» «16» لابي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن ابي بكر العطار، و «القصائد الوترية في مدح خير البرية» «17» لابي عبد الله محمد بن ابي بكر بن رشيد الواعظ البغدادي، وديوان الامام يحيى بن يوسف الصرصري الذي قال عنه قطب الدين اليونيني: ان مدائحه فيه- صلوات الله عليه وسلامه- تقارب عشرين مجلدا «18» . وهكذا زها شعر المديح النبوي في تلك الحقبة الهائجة المائجة، وكثر الاقبال عليه، وعم تعاطيه من أرباب القريض، وراجت سوقه رواجا مشهودا، غصّ فيها على كل الاصناف والالوان، بعد ان تضافرت له   (13) منه نسختان خطيتان في المكتبة الوطنية في باريس برقمي 1476، 3141. (14) منه نسخة بدار الكتب المصرية رقم 1396 ادب. (15) منه نسخة بدار الكتب المصرية رقم 6891 ادب. (16) نفح الطيب 7/ 489. (17) منه نسخة في مكتبة المتحف العراقي رقم 2092 ادب. (18) ذيل مرآة الزمان 1/ 257. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 الدواعي والاسباب، ووجدت له الاجواء المشجعة للقبول والاستحسان. فها هم أولاء الافرنج قد عاثوا فسادا في ديار الشام ومصر، وامتلكوا ناصية القدس الشريف، واشرأبت أعناقهم الى البيت الحرام، وشردوا الالاف الآمنين من ديارهم وتركوهم يهيمون على وجوههم في البراري والقفار، يطاردهم الطوى والعوز، ويلاحقهم البؤس والشقاء، ويعتادهم المرض والوباء. وقد جرّ هذا الوضع المزري الى اختلال التوازن الاجتماعي، وتردي الاحوال، وشيوع الفقر والجوع، ونقص الاموال والثمرات، واضطراب حبل الأمن، وانتشار المنكرات والموبقات، وفشو التطفيف في الموازين والمكاييل. وما سوى ذلك من ضروب الفساد والانحلال. وعند ذلك جال المسلمون بأبصارهم فيما حولهم- ما خلا بعض الاوقات- فلم يجدوا من يجمعهم ويدفع الضيم والعدوان عنهم، وعجزت وسائلهم المادية الضعيفة عن الدفاع والمقاومة ورد الغزاة الباغين عن حماهم واوطانهم، فالتجأوا الى الله جل جلاله ورسوله الكريم، جاعلين التضرع والتوسل سبيلين الى الرحاب العلوية والنفحات المحمدية. والذبّ عن الاسلام فرض عين على كل مسلم، فان عجز اللسان واليد عن هذا الذب، ففي التضرع والدعاء الكفاية والغناء كما عبر عن ذلك ابن قيم الجوزية (ت 751 هـ) في احدى قصائده «19» : هذا ونصر الدين فرض لازم ... لا للكفاية بل على الأعيان   (19) الحروب الصليبية واثرها في الادب ص 241. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 بيد وإمّا باللسان فان عجز ... ت فبالتوجه والدّعا بجنان وكان للمتصوفة- ولا سيما ايام السلاطين من الايوبيين والمماليك- دور مشهود في شيوع شعر المديح النبوي والاحتفاء به، اذ كانوا يعطرون تكاياهم وزواياهم ورباطاتهم بقراءة القصائد التي تتناول سيرة الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- وتذكر صفاته وفضائله «كما اتخذوا شفاعته والتوسل اليه طريقا الى الله» «20» . وقد اتخذوا يوم ميلاده في كل سنة، وهو اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الاول، مناسبة مفرحة لبعث التوسل والشفاعة والتضرع. وكان الملك المظفر كوكبري بن زين الدين علي زوج ربيعة خاتون أخت صلاح الدين الايوبي وصاحب إربل (ت 630 هـ) أبرز شخصية آنذاك اهتمت بعيد المولد النبوي وجعلته من أطيب الايام واسعد الاوقات، ذكر ابن خلكان- وقد التقى بهذا الملك وحضر مجالسه- اخبارا مفصلة عنه، نقتصر منها على ما يأتي: «أمّا احتفاله بمولد النبي- صلّى الله عليه وسلّم- فإنّ الوصف يقصر عن الاحاطة به، لكن نذكر طرفا منه، وهو ان اهل البلاد كانوا قد سمعوا بحسن اعتقاده فيه، فكان في كلّ سنة يصل اليه من البلاد القريبة من إربل- مثل بغداد والموصل والجزيرة وسنجار ونصيبين وبلاد العجم وتلك النواحي- خلق كثير من   (20) في التصوف الاسلامي، صفحة ش، وينظر دراسات في الشعر في عصر الايوبيين ص 256. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 الفقهاء والصوفية والوعاظ والقراء والشعراء، ولا يزالون يتواصلون من المحرم الى اوائل شهر ربيع الاول، ويتقدم مظفر الدين بنصب قباب من الخشب، كل قبة اربع او خمس طبقات، ويعمل مقدار عشرين قبة او اكثر، منها قبة له، والباقي للامراء واعيان دولته، لكل واحد قبة.. وكانت القباب منصوبة من باب القلعة الى باب الخانقاه المجاورة للميدان، فكان مظفر الدين ينزل كل يوم بعد صلاة العصر ويقف على قبة قبة الى آخرها، ويسمع غناءهم، ويتفرج على خيالاتهم وما يفعلونه في القباب، ويبيت في الخانقاه ويعمل السماع، ويركب عقيب صلاة الصبح يتصد، ثم يرجع الى القلعة قبل الظهر. هكذا يعمل كل يوم الى ليلة المولد، ... فاذا كان قبل المولد بيومين اخرج من الإبل والبقر والغنم وشيئا كثيرا زائدا عن الوصف .... ثم يشرعون في نحرها، وينصبون القدور ويطبخون الالوان المختلفة؛ فاذا كانت ليلة المولد عمل السماعات بعد ان يصلي المغرب في القلعة، ثم ينزل وبين يديه من الشموع المشتعلة شيء كثير، وفي جملتها شمعتان او اربع- اشك في ذلك- من الشموع الموكبية التي تحمل كل واحدة منها على بغل، ومن ورائها رجل يسندها وهي مربوطة على ظهر البغل حتى ينتهي الى الخانقاه؛ فاذا كان صبيحة يوم المولد انزل الخلع من القلعة الى الخانقاه على ايدي الصوفية، على يد كل شخص منهم بقجة، وهم متتابعون كل واحد وراء الاخر، فينزل من ذلك شيء كثير لا اتحقق عدده. ثم ينزل الى الخانقاه وتجتمع الاعيان والرؤساء وطائفة كبيرة من بياض الناس، وينصب كرسي للوعاظ، وقد نصب لمظفر الدين برج خشب له شبابيك الى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 الموضع الذي فيه الناس والكرسي، وشبابيك آخر للبرج أيضا الى الميدان، وهو ميدان كبير في غاية الاتساع، ويجتمع فيه الجند، ويعرضهم ذلك النهار، وهو تارة ينظر الى عرض الجند، وتارة الى الناس والوعاظ، ولا يزال كذلك حتى يفرغ الجند من عرضهم، فعند ذلك يقدم السماط في الميدان للصعاليك، ويكون سماطا عاما فيه من الطعام والخبز شيء كثير لا يحد ولا يوصف، ويمد سماط ثان في الخانقاه للناس المجتمعين عند الكرسي، وفي مدة العرض ووعظ الوعاظ يطلب واحدا واحدا من الاعيان والرؤساء والوافدين لأجل هذا الموسم ممن قدمنا ذكره من الفقهاء والوعاظ والقراء والشعراء، ويخلع على كل واحد ثم يعود الى مكانه، فاذا تكامل ذلك كله، حضروا السماط وحملوا منه لمن يقع التعيين على الحمل الى داره، ولا يزالون على ذلك الى العصر او بعدها، ثم يبيت تلك الليلة هناك، ويعمل السماعات الى بكرة، وهكذا يعمل في كل سنة، وقد لخصت صورة الحال، فان الاستقصاء يطول، فاذا فرغوا من هذا الموسم تجهز كل انسان للعود الى بلده، فيدفع لكل شخص شيئا من النفقة» «21» . وزادت في هذه الحقبة الرغبة في الذهاب الى الديار الحجازية والمكوث الى جوار الكعبة في مكة المكرمة او الى جوار ضريح الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم في المدينة المنورة وتدبيج القصائد المدحية التي تشيد برسالته وتذوه بفضائله ومناقبه. وكان الملك مظفر الدين صاحب اربل   (21) وفيات الاعيان 4/ 117. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 كما يقول ابن خلكان: «يقيم في كل سنة سبيلا للحاج، ويسير معه جميع ما تدعو حاجة المسافر اليه في الطريق، ويسير صحبته أمينا معه خمسة او ستة الاف دينار ينفقها بالحرمين على المحاويج وارباب الرواتب، وله بمكة- حرسها الله تعالى- آثار جميلة.. وهو اول من اجرى الماء الى جبل عرفات ليلة الوقوف، وغرم عليه جملة كثيرة، وعمر بالجبل مصانع للماء، فان الحجاج كانوا يتضررون من عدم الماء، وبنى له تربة ايضا هناك» «22» . لقد تفجرت قرائح الشعراء بمدح الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- وطفقت تسبح بحمده، وتطوف حوله، وتتمسح باعتابه، وتسفح العبرات شوقا الى رحابه ولهفة الى سامق جنابه. وتجدر الاشارة الى ان هؤلاء الشعراء كانوا يتالمون من تهجم الافرنج على الدين الاسلامي والرسول- صلّى الله عليه وسلّم- ولذلك تراهم ينبرون بالرد عليهم بشدة، ويريشون السهام الى نحورهم ويناقشون عقيدتهم وينافحون عن نبيهم ورسالته الخالدة التي بشر بها العالمين وهدى الضالين «23» .   (22) وفيات الاعيان 4/ 117. (23) تنظر: الحياة الادبية في عصر الحروب الصليبية ص 516. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 المديح النبوي في عصر الحروب الصليبية توقدت العاطفة الدينية ايام الحروب الصليبية التي دامت مئتي عام، واخذ مديح الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- طريقه الى الشعر العربي بشكل قوي وواضح وبكثرة، وصار سمة من سمات هذا العصر ومن اظهر الاغراض الشعرية ومن احبها في نفوس الناس آنذاك، يقول الدكتور شوقي ضيف: «وانبثقت من الشعر الصوفي منذ ابن دريد في اوائل القرن الرابع الهجري مدائح نبوية عطرة بالسيرة الذكية، وما نصل الى القرن السادس والسابع حتى يتكاثر هذا المديح ويزدهر. ونظن ظنا انه كان للحروب الصليبية اثر في ذلك ... وعرف الشعراء انها حرب دينية يشنها الغرب على الرسالة النبوية ورسولها الكريم، فاستحثوا الناس للدفاع عن دينهم، بل مضوا يستصرخونهم للذود عن وطنهم ومقدساتهم، محاولين بكل ما وسعهم ان يحيلوها شعلا آدمية تشوي وجوه الصليبيين وتأتي عليهم كأن لم يكونوا شيئا مذكورا، وفي الوقت نفسه مضوا يمدحون النبي الامين بعرض سيرته وبعث شذاها العطر، ورفعوها شعارات، بل لواءات، ليجتمع من حولها ابطال الاسلام والعرب، ويقضوا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 الصليبيين قضاء مبرما «24» . ان ما ذهب اليه الدكتور شوقي ضيف معقول ومقبول، اما رأي الدكتور علي صافي حسين ففيه نظر، فهو يقول: «المدائح النبوية فن استحدثه المصريون في القرن السابع، اذ لم يكن له من قبل وجود لا في مصر ولا في غيرها من الاقطار العربية والاسلامية على الاطلاق» «25» . اقول: ان من يراجع تراثنا الادبي الكبير والزاخر بشعر كثير قبل القرن السابع للهجرة يجد قصائد ومقطوعات في مديح الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- فيها جانب من سيرته العطرة ومعجزته القرآن العظيم الذي انزله الله جل جلاله ليبشر به الناس ويهديهم الى الصراط المستقيم. فمن الشعراء الذين وصل الينا من نظمهم في مدح الرسول الكريم ابو عبد الله ابن ابي زكريا الشقراطيسي (ت 496 هـ) في قصيدة اولها «26» : الحمد لله منا باعث الرّسل ... هدى باحمد منا احمد السّبل خير البرية من بدو ومن حضر ... وأكرم الخلق من حاف ومنتعل ولأبي المظفر محمد بن احمد بن اسحاق الابيوردي (ت 507 هـ) قصيدة في مدحه مطلعها «27» :   (24) تاريخ الادب العربي، عصر الدول والامارات ص 409. (25) الادب الصوفي في مصر في القرن السابع الهجري ص 216. (26) المجموعة النبهانية 3/ 199. (27) ديوان الابيوردي 1/ 97. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 خاض الدّجى ورواق الليل مسدول ... برق كما اهتزّ ماضي الحدّ مصقول وشارك ابو حفص عمر بن الحسن بن المظفر النيسابوري (ت 532 هـ) في مدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم، من ذلك قوله من قصيدة «28» : وخاتم المرسلين سيدنا ... احمد ربّ السماء سمّاه أشرقت الارض بعد بعثته ... وحصحص الحقّ من محيّاه ومن الاصوات العالية والمجيدة في مدح النبي صلّى الله عليه وسلّم صوت ابي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري (ت 538 هـ) فله قصيدة لامية مطلعها «29» : أضاء لي باللّوى والقلب متبول ... نجديّ برق بنار الحبّ موصول وقصيدة رائية مطلعها «30» : قامت لتمنعني المسير تماضر ... أنّى لها وغرار عزمي باتر   (28) معجم الادباء 3/ 218. (29) المجموعة النبهانية 3/ 34. (30) نفسه 2/ 135. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 ومن المكثرين في الاقبال على النظم في المديح النبوي الامام جمال الدين افضل الاسلام عبد الرحيم بن احمد بن محمد بن الاخوة البغدادي الشيباني (ت 548 هـ) ، وقد رآه عماد الدين الاصبهاني الكاتب، فقال: «خصّه الله بالفضل الوافر، والخاطر الواقر، والعلم الكامل، والادب الشامل. وهو أعجوبة العراق، وجوابة الافاق» «31» وقال: «اتفق حضوري عنده في الجامع، وبيده جزء فيه مدائح النبي صلّى الله عليه وسلّم» ، واورد له في خريدته اربع قصائد ومقطوعتين، من ذلك قوله «32» : صلّى الاله على النبي محمد ... هادي البرية والامام المهتدي الصابر البر الرؤوف المرتضى ... الماجد الندب الكريم السيد الصادق المصدوق والبدر الذي ... عمّ البلاد بنوره المتجدد نجى به الله الانام من الردى ... والناس في ليل الظلام الاسود لا ينقضي بين الورى اعجازه ... فدليله في اليوم باق في غد فمن اهتدى بهداه فاز ومن عتا ... عنه تردّد في العذاب الموصد   (31) الخريدة، قسم العراق 3/ 1: 138. (32) نفسه 3/ 1: 199. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وله قصيدة «33» : سلام على احمد المصطفى ... سلام على الطاهر المرتضى سلام على صفوة العالمين ... سراج البريّة شمس الورى سلام على خاتم الانبيا ... محمد الماجد المجتبى به شيد الله ركن التقى ... به رفع الله شأن الهدى وأيّد ملّته فانطوى ... رداء الضلال بها وانجلى ونجد للشاعر علي بن محمد بن علي العمراني (ت 560 هـ) قصيدة في مدح الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم نظمها في صباه، مطلعها «34» : أضاء برق وسجف الليل مسدول ... كما يهزّ اليماني وهو مصقول وقد صاغها معارضا قصيدة «بانت سعاد» لكعب بن زهير في مدح   (33) نفسه 3/ 1: 200. (34) معجم الادباء 5/ 413. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 الرسول، وافتتحها متغزلا بسعدى، وواصفا وجده وهيامه ودموعه المدرارة، مما يمكن ان يعد من مظاهر المبالغة والاسراف في النعت: مهما تذكرتها فاض الجمان على ... خديّ حتى نجاد السّيف مبلول وانتقل الى قامتها الرشيقة فأدق النظر في الاعضاء وتقاطيعها، وأرهف النفس في البيان المحسوس والوصف المادي الملموس، شأنه شأن الشعراء الذين كانوا يجرون وراء المرأة، ويهيمون بهذا الضرب من الجمال، ويتطلعون الى النوال والوصال: ظمأى الموشح، ريّان مخلخلها ... عبل مؤزرها، والمتن مجدول كأنما هي اذ ترخي ذوائبها ... بدر عليها رواق الليل مسدول كأنما شعرها درّ اذا ابتسمت ... وريقها سحرا بالراح معلول يا حبذا زمن فيه نسرّ بها ... والشعب ملتئم والحبل موصول ثم تخلص في انتقالة موفقة الى مدح خاتم الانبياء صلّى الله عليه وسلّم والحديث عن رسالته العظيمة المبعوث من اجلها التي بشربها الناس وهداهم الى سواء السبيل ونور طريقهم للمسير الى صالح الاعمال وخير الافعال، ومدح اصحابه الطيبين الطاهرين الذين تحملوا معه امانة هذه الرسالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 ويبدو ان هذا الشاعر قد نظم شعرا كثيرا في مدح النبي صلّى الله عليه وسلّم اعتمادا على ما ذكره ياقوت الحموي معقبا على هذه القصيدة بقوله: «ولهذا الامام اشعار من هذا النمط» . ومن الشعراء الذين خصصوا قصائد كثيرة لمدح نبي الهدى محمد صلّى الله عليه وسلّم، ابو نزار الحسن بن صافي بن عبد الله بن نزار الملقب بملك النحاة (ت 568 هـ) ، يقول في احدى هذه القصائد «35» : يا قاصدا يثرب الفيحاء مرتجيا ... ان يستجير بعليا خاتم الرّسل خذ من اخيك مقالا ان صدعت به ... مدحت في آخر الاعصار والأول قل يا من الفخر موقوف عليه فان ... تذوكر الفخر لم يصدف ولم يمل صيت اذا طلبت غاياته خرقت ... سبعا طباقا فبذّت كلّ ذي أمل علوت وازددت حتى عاد ممتدحا ... جبريل عمّا له قد كان لم يطل وعدت والكبر قد نافى علاك فما ... عددت شيمة سبط الخلق مبتهل أتتك غرّ قوافي المدح خاضعة ... لديك فاقبل ثناء غير منتحل   (35) تهذيب تاريخ ابن عساكر 4/ 167. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 ثناء من لم يجد وجناء تحمله ... اليك او صدّ بالاقتار عن جمل صلى عليك إله العرش مشتملا ... عليك يا خير حاف ومنتعل ونلقى للشاعر صفوان بن ادريس بن ابراهيم (ت 598 هـ) مدحا للرسول صلّى الله عليه وسلّم حيث يقول «36» : تحية الله وطيب السلام ... على رسول الله خير الانام على الذي فتح باب الهدى ... وقال للناس: ادخلوا بالسلام بدر الهدى سحب الندى والجدا ... وما عسى ان يتناهى الكلام تحية تهزأ أنفاسها ... بالمسك لا أرضى بمسك الختام تخصّه مني ولا تنتني ... عن آله الصيد السراة الكرام وقدرهم أرفع لكنني ... لم ألف أعلى لفظة من كرام   (36) معجم الادباء 4/ 269. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 الشواهد الشعرية التي ذكرناها تدل من غير شك على وجود شعر في مديح الرسول صلّى الله عليه وسلّم قبل القرن السابع للهجرة، اي لم يكن حكرا على هذا القرن وما تلاه، فهو موجود منذ وجدت البيئات الزهدية ثم الصوفية من بعد «37» ، ولكنه لم يكن بتلك السعة التي نلاحظها في القرن السابع، اي بعد ضعف الدولة العباسية وتشتت شملها ثم زوالها وتوالي هجمات الصليبيين من الغرب والتتر من الشرق. نظم عدد كبير من الشعراء قصائد عامرة في مدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم، تناولوا فيها سيرته وما تنطوي فيها من احداث مولده ورضاعته ونشأته وبعثته وكفاحه ومهاده ووفاته. كما تناولوا الدين الاسلامي الذي هدى الناس واضاء لهم النور، واخرجهم من ظلمات الجهل والضلال، وأبان لهم طريق الهداية والحق.. ثم افرغوا ما في نفوسهم من حسرات لاهبة وآهات حرى.. وكان على رأس هؤلاء الشعراء الامام العلامة الضرير جمال الدين ابو زكريا يحيى بن يوسف الصّرصري البغدادي (ت 656 هـ) ، وهو «حسان وقته» «38» ، يقول ابن شاكر الكتبي عنه: «صاحب المدائح النبوية السائرة في الافاق، لا اعلم شاعرا اكثر من مدائح النبي صلّى الله عليه وسلّم اشعر منه، وشعره طبقة عالية» «39» ، وقد انصف احد الباحثين في قوله: «من اهم الشعراء الذين نبغوا في فن المدائح   (37) ينظر: المدائح النبوية لزكي مبارك ص 17. (38) الذيل على طبقات الحنابلة 2/ 262. (39) فوات الوفيات 4/ 298، وينظر نكت الهميان للصعدي ص 308. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 النبوية واجادوا فيها في جميع العصور الادبية» «40» . جاء في مقدمة احدى قصائده الطويلة: «وقال رحمه الله يمدحه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ويذكر فيها احواله، وتقلباته منذ اراد الله خلقه، الى ان قبضه وادخله الجنة صلّى الله عليه وسلّم وسماها الروضة الناضرة في اخلاق محمد المصطفى الباهرة، وعددها ثمان مئة وخمسون بيتا، رحم الله ناظمها على قافية النون» «41» ، واولها: سبحان ذي الجبروت والبرهان ... والعزّ والملكوت والسلطان والحمد لله الكريم الرازق ... الخلاق متقن صنعة الانسان والله اكبر لا إله سواه لي ... سبحانه هو للصواب هداني أصبحت أنظم مدح اكرم مرسل ... لهجا به في رائق الاوزان وتخذته لي جنّة ومعونة ... فيها أروم فصانني وكفاني حبّرت فيه قصيدة أودعتها ... من مسند الاخبار حسن معاني   (40) المدائح النبوية بين الصرصري والبوصيري ص 98. (41) ديوان الصرصري 547. وينظر تاريخ الادب العربي لبروكلمان 5/ 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 في وصفه من بدء تشريفاته ... حتى الختام بحسن نظم معان وقد وصل الينا ديوانه وفيه اكثر من احد عشر الف بيت اغلبه في المديح النبوي وبيان حال المسلمين في عصره. وليس لنا- امام ما نراه ملائما لهذا البحث- الا ان نعرف بأشهر القصائد ونكشف عن بنيتها الفنية، والموضوعات التي احتوتها واهتمت بها اكثر من غيرها. كان اغلب القصائد التي خصصت لمدح النبي صلّى الله عليه وسلّم ممهدة بأبيات قد تطول او تقصر تخلص الى الغرض الاساس، وللشعراء مسالك شتى فيها، وكان للغزل القدح المعلّى والنصيب الاوفر، وهذا الغزل اذا ما امعن الناظر اليه يجده لا يختلف في شكله ومضمونه عن الغزل الحسي الذي يتناول وصف مفاتن النساء ومحاسنهن، واقبالهن وادبارهن، وغنجهن ودلالهن ... وما يعاني المحب من سهر وأرق، واشتياق وقلق.. وغالبا ما يلمح القارىء ذلك في القصائد التي نظمها الشعراء معارضة لقصيدة كعب بن زهير المشهورة التي يقول في مطلعها «42» : بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم إثرها لم يفد مكبول   (42) شرح ديوان كعب بن زهير ص 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 قال ابو جعفر الابيري في معرض حديثه عن هذه القصيدة: «هي حجة الشعراء فيما سلكوه، وملاك أمرهم فيما ملكوه، حدثني بعض شيوخنا بالاسكندرية باسناده ان بعض العلماء كان لا يستفتح مجلسه الا بقصيدة كعب» «43» . وقد ساهم عدد كبير من الشعراء في عصر الحروب الصليبية وما بعدها. نظم قصائد على وزنها ورويها ومنهجها، منهم ابن الساعاتي (ت 604 هـ) ، وشرف الدين عبد العزيز بن محمد الانصاري (ت 662 هـ) ، ومحيي الدين بن عبد الظاهر (ت 692 هـ) ، وشبيب بن حمدان (ت 695 هـ) ، وشرف الدين محمد بن سعيد البوصيري (ت 696 هـ) ، واحمد بن عبد الملك العزازي (ت 710 هـ) ، وفتح الدين بن سيد الناس اليعمري (ت 734 هـ) ، وابو حيان الاندلسي (ت 745 هـ) ، وابن نباتة المصري (ت 768 هـ) ، والفيروز أبادي (ت 817 هـ) ... وتجدر الاشارة الى أن للامام جمال الدين أبي زكريا يحيى بن يوسف الصّرصري قصيدتين على وزن هذه القصيدة وقافيتها: «44» ولو امعنا النظر في هذا الغزل لوجدناه- في الاعم الاغلب- قريب المأخذ، سهل المعنى، قليل التلاعب اللفظي، تكلله هالة من العفة والطهر والرزانة. ولا بد من الاشارة الى ان شرف الدين عبد العزيز بن محمد الانصاري الوحيد الذي ضمن اغلب ابيات قصيدته اشطرا من   (43) نفح الطيب، 2/ 688. (44) ديوان الصرصري 394، 396. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 قصيدة كعب بن زهير، نأخذ منها الابيات الاولى «45» : أوهمت نصحا لوان النصح مقبول ... (لا ألهينك اني عنك مشغول بان التجلد عنّي والتصبر مذ ... (بانت سعاد فقلبي اليوم متبول) تياهة آثرت صدا لمغرمها ... (متيم إثرها لم يفد مكبول) ثرت دموعي اذ افترت بذي أشر ... (كأنه منهل بالراح معلول) «46» جديدة الحسن يبدو في مقسمها ... (عتق متين وفي الخدّين تسهيل) حلمت عند تمنيها بزورتها ... (إن الاماني والاحلال تضليل) خوّانة حقّقت فينا توعّدها ... (وما مواعيدها الّا الاباطيل) دعني فإن فاتني منها النوال فلي ... (من الرسول باذن الله تنويل) لقد اعتز المسلمون بقصيدة كعب بن زهير، وتوارثوها، وشرحوها،   (45) ديوان الصاحب شرف الدين الانصاري ص 389. (46) ثرت العين: غزر ماؤها أشر: حدة ورقة في اطراف الاسنان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وعارضوها، وشطروها، وخمسوها، حتى قال المقرّي: «ولم تزل الشعراء من ذلك الوقت الى الان ينسجون على منوالها، ويقتدون بأقوالها، تبركا بمن أنشدت بين يديه، ونسب مدحها اليه» «47» . وقد ذكر الباحث المحقق هلال ناجي ثلاثة وخمسين شرحا بين مطبوع ومخطوط لهذه القصيدة في مقدمة تحقيقه لكتاب (شرح بانت سعاد) لعبد اللطيف بن يوسف البغدادي المتوفى سنة 629 للهجرة «48» . ومن القصائد التي نظمت معارضة لقصيدة كعب بن زهير قصيدة شهاب الدين احمد بن عبد الملك العزازي وقد جاء الغزل في مقدمتها، من ذلك قوله «49» : دمي بأطلال ذات الخال مطلول ... وجيش صبري مهزوم ومفلول ومن يلاق العيون الفاتكات بلا ... صبر يدافع عنه فهو مخذول لم يدر من سلب العشاق انفسهم ... بأنه عن دم العشاق مسؤول وبي أغنّ غضيض الطرف معتدل ال ... قوام لدن مهزّ العطف مجدول   (47) نفح الطيب 2/ 189. (48) شرح بانت سعاد ص 9- 22. (49) فوات الوفيات 1/ 95، المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي 1/ 341. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 كأنّه في تثنيه وخطرته ... غصن من البان مطلول ومشمول سلافة منه تسبيني وسالفة ... وعاسل منه يصبيني ومعسول وكلّما مرضت أجفان مقلته ... يصح الا غرامي فهو منحول يا برق كيف الثنايا الغرّ من إضم ... يا برق أم كيف لي منهنّ تقبيل ويا نسيم الصّبا كرّر على أذني ... حديثهنّ فما التكرار مملول التجربة الشعورية- كما يبدو- خافتة في هذه الابيات، والانتقال من المؤنث الى المذكر لا نعهده عند شاعر اخر، وغزله لا يتجاوز وصف القد والخد والريق والسالفة والاجفان.. ان التجاوز في التغزل والتشبيب والالتجاء الى المذكر في مطالع القصائد، والافراط فيه، قد جعل ابن حجة الحموي أن يقول: «إنّ الغزل الذي يصدر به المديح النبويّ يتعيّن على الناظم ان يحتشم فيه ويتأدب، ويتضاءل ويتشبب، مطريا بذكر سلع وسفح العقيق والعذيب والغوير ولعلع واكناف حاجر، ويطرح ذكر محاسن المرد، والتغزل في ثقل الارداف، ورقة الخصر، وبياض الساق، وحمرة الخد، وخضرة العذار، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وما اشبه ذلك» «50» ، وهذا القول اطلقه ابن حجة الحموي في معرض حديثة عن احدى نبويات ابن نباتة المصري وعفتها وحشمتها وبراعة استهلالها، وهي «51» : صحا القلب لولا نسمة تتخطر ... ولمعة برق بالغضا تتسعر والقارىء للقصيدة يجد ابن نباتة المصري يساير الشعراء الاخرين الذين سبقوه في بناء قصائدهم المدحية، ولا يختلف عنهم في تغزله ووصف غانيته الحسناء وفاتنته الغيداء، ذلك الوصف الذي يخرج عن مبادىء ابن حجة الحموي في صفات الغزل الموجودة في مطالع المدائح النبوية التي ذكرها آنفا كما في قوله من القصيدة نفسها: يروقك جمع الحسن في لحظاتها ... على أنّه بالجفن جمع مكسّر من الغيد تحتفّ الظّبا بحجابها ... ولكنها كالبدر في الماء يظهر يشف وراء المشرفية خدّها ... كما شفّ من دون الزجاجة مسكر   (50) خزانة الادب لابن حجة الحموي ص 11. (51) ديوان ابن نباتة المصري ص 180. وينظر ابن نباتة المصري امير شعراء المشرق ص 275. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 ولا عيب فيها غير سحر جفونها ... وأحبب بها سحّارة حين تسحر اذا جردت من برودها فهي عبلة ... وان جردت الحاظها فهي عنتر واين نضع قول ابن حجة الحموي تجاه نبوية ابن نباتة المصري التي عارض بها قصيدة كعب بن زهير، التي يقول في مطلعها «52» : ما الطرف بعدكم بالنوم مكحول ... هذا وكم بيننا من ربعكم ميل ومنها: أبكي اشتياقا اليها وهي قاتلتي ... يا من رأى قاتلا يبكيه مقتول مسكية الخال، اما ورد وجنتها ... فبالجنى من عيون الناس مبلول فإن يفح من نواحي خدّها عبق ... فالمسك فيه بماء الورد مجبول تفتر عن شنب حلو لذائقه ... في ذكره لمجاج النحل تعسيل   (52) نفسه ص 372. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 مصحّح النقل عن شهد وعن برد ... لانّه منهل بالراح معلول ويبدو ان اعجاب ابن حجة الحموي بشعر ابن نباتة المصري الذي خصص لمدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم ست قصائد أنساه ما فيه من غزل حسي تناول فيه مفاتن المرأة ووصفها وتجسيد صور الحسن فيها والقاء الظلال الجميلة عليها: وقد اسرف ابو حيان الاندلسي في كشف مواطن الجمال وسحر الاعضاء عند الحبيبة، واول قصيدته «53» : لا تعذلاه فما ذو الحبّ معذول ... العقل مختبل والقلب متبول هزت له أسمرا من خوط قامتها ... فما انثنى الصبّ الا وهو مقتول ومنها: فالنحر مرمرة، والنشر عنبرة ... والثغر جوهرة، والريق معسول والطّرف ذو غنج، والعرف ذو أرج ... والخصر مختطف، والمتن مجدول   (53) ديوان ابي حيان الاندلسي ص 461. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 هيفاء ينبس في الخصر الوشاح لها ... درماء تخرس في الساق الخلاخيل «54» من اللواتي غذاهنّ النعيم فما ... يشفّين أباؤها الصيد البهاليل وتتوالى الابيات في هذا الغزل حتى يخلص الى مدح النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو- كما مر- يتناول اعضاء المرأة ويعرضها للسامع بأسلوب مثير وكأنه يعرض جارية للبيع.. وهذه حالة لا يتعاطف القلب معها ولا تستأنس النفس بذكرها. اما الغزل بالمذكر او المرد- كما قال ابن حجة الحموي- فهو قليل اذا ما قيس بحجم الغزل بالمؤنث، وهو لا يهبط- كما بدا لنا- الى الدرك الاسفل من الادب المرذول كما هو الحال عند الشعراء المشهورين بالمجون والتهتك وقلة الحياء، واليك هذا المثال لشمس الدين محمد بن عفيف الدين (سليمان) التلمساني المعروف بالشاب الظريف (ت 688 هـ) في مطلع قصيدة يمدح بها الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ويذكر فيها قسوة المحبوب وعدم مبالاته بما يعاني المحب من أرق وقلق «55» :   (54) درم الساق: استوى، وامراة درماء: لا تستبين كعوبها ومرافقها، وكل ما غطاه الشحم واللحم خفي حجمه فقد درم. (55) ديوان الشاب الظريف ص 43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 هذا الذي أحبّه ... قاس عليّ قلبه نام ولم يعلم بما ... بات يقاسي صبّه واعجبا كم عاج بي ... دلاله وعجبه آها لمعننىّ واله ... لم يدر كيف ذنبه وثمة طريقة اخرى في ابتداء القصائد المدحية هي التشبيب بالديار الحجازية وذكر معالمها، او الحنين اليها والتشوق الى ساكنيها، والبكاء على قاطينها، ووصف الابل الضامرة، وحديث السّرى، والمناهل والنباتات، والمواضع التي تقع على امتداد الطريق، والريح والبرق والرعد، وكل الظواهر الطبيعية التي تراها العين ... فهي تؤدي الى الحبيب والشفيع، الى من لا يخيب شفاعة مستجير ... مثل قول ابي زكريا جمال الدين يحيى بن يوسف الصّرصري «56» : ذكر العقيق فهاجه تذكاره ... صبّ عن الاحباب شطّ مزاره   (56) ديوان الصرصري 139. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وهفت الى سلع نوازع قلبه ... فتضرمت بين الجوانح ناره كلف برامة ما تألق بارق ... من نحوها الا بدا اضماره يشتاق واديها ولولا حبّها ... لم يصبه واد زهت أزهاره شغفا بمن ملك الفؤاد بأسره ... وبودّه ألّا يفكّ إساره لولا هواه لما ثنى اعطافه ... بان الحجاز ورنده وعراره يا من ثوى بين الجوانح والحشا ... مني وان بعدت عليّ دياره عطفا على قلب بحبك هائم ... ان لم تصله تصدعت أعشاره وارحم كئيبا فيك يقضي نحبه ... أسفا عليك وما انقضت او طاره لا يستفيق من الغرام وكلّما ... حجبوك عنه تهتكت استاره ما اعتاض عن سمر الحمى ظلّا ولا ... طابت بغير حديثكم أسماره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 هل عائد زمن تضوّع نشره ... أرجا ورقت بالرضا أشجاره في مريع بقباب سلع موفق ... بالأنس تهتف بالمنى أطياره لقد وجدنا مثل هذه المطالع عند كثير من الشعراء الذين خصصوا قصائد في مدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم ونوهوا بسيرته العطرة، امثال: فتيان الشاغوري «57» ، ومحمد بن حمزة بن معد «58» ، وابن جبير الاندلسي «59» ، وداود بن عيسى الأيوبي «60» ، واحمد بن عبد القوي الربعي «61» ، وكمال الدين الزملكاني «62» ، وابن دقيق العيد «63» ، ومحمد بن احمد بن عبد الرحمن «64» ، ومحمد بن عيسى النصيبي «65» ، وضياء الدين علي بن   (57) ديوان فتيان الشاغوري ص 108. (58) الطالع السعيد ص 518. (59) ديوان الرحالة ابن جبير الاندلسي ص 104. (60) الفوائد الجلية في الفرائد الناصرية ص 177. (61) الطالع السعيد ص 91. (62) فوات الوفيات 4/ 9. (63) ابن دقيق العيد حياته وديوانه ص 139. (64) الطالع السعيد ص 492. (65) نفسه ص 613. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 محمد الغرناطي السكندري «66» ، والامام البوصيري «67» ... وعدد كبير من شعراء المغرب والاندلس الذين نأت اوطانهم عن المشرق «68» . ويعد شرف الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد البوصيري فارس هذا الميدان، ولا سيما في قصيدته المعروفة ب (البردة) ، او (الكواكب الدرية في مدح خير البرية) ، التي مطلعها: أمن تذكّر جيران بذي سلم ... مزجت دمعا جرى من مقلة بدم أم هبت الريح من تلقاء كاظمة ... واومض البرق في الظلماء من إضم وهي من أشهر قصائده ذيوعا وانتشارا، لما امتازت به من قوة الاسلوب، وحسن الصياغة، وجودة المعاني، وجمال التشبيهات، وروعة الصور، يضاف الى ذلك ما نسج حولها بعض المعجبين بها، ولا سيما المتصوفة من قصص «69» . تقع قصيدة البردة للبوصيري في اثنين وثمانين ومئة بيت، وقد   (66) عيون التواريخ 21/ 410. (67) ديوان البوصيري ص 238. (68) ينظر نفح الطيب 7/ 432- 517. (69) ينظر الشعر العربي في العراق من سقوط السلاجقة حتى سقوط بغداد ص 272. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 استأنس- كما يبدو- عند نظمها بميمية ابن الفارض التي مطلعها «70» : هل نار ليلى بدت ليلا بذي سلم ... أم بارق لاح في الزوراء فالعلم وبميميتي الامام يحيى بن يوسف الصّرصري الاولى مطلعها «71» : أمط رحال السّرى يا حادي النّعم ... عنها فهذا مقيل الرّوح والنّعم والثانية مطلعها «72» : هذي تهامة فاحبس غير متّهم ... واعلم بأنّ الهوى عن يمنة العلم وقد ظلت قصيدة البوصيري تستهوي قلوب المسلمين وتستلهم الشعراء لمعارضتها لجماليتها اللغوية والايقاعية وما تحمله من صور وأخيلة تداعب نفوس الكثيرين وتشدهم الى حب نبيهم صلّى الله عليه وسلّم نأخذ منها الابيات الاتية «73» :   (70) ديوان ابن الفارض ص 128. (71) ديوان الصرصري 514. (72) ديوان الصرصري 522. (73) ديوان البوصيري ص 239. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 لولا الهوى لم ترق دمعا على طلل ... ولا أرقت لذكر البان والعلم فكيف تنكر حبا بعدما شهدت ... به عليك عدول الدمع والسقم وأثبت الوجد خطّي عبرة وضنى ... مثل البهار على خديك والعنم «74» نعم سرى طيف من هوى فأرقني ... والحب يعترض اللذات بالألم عدتك حالي لا سري بمستتر ... عن الوشاة ولا دائي بمنحسم محضتني النصح لكن لست أسمعه ... إن المحبّ عن العذال في صمم ومنها: هو الحبيب الذي ترجى شفاعته ... لكلّ هول من الاهوال مقتحم دعا الى الله فالمستمسكون به ... مستمسكون بحبل غير منفصم   (74) البهار: ورد اصفر. العنم: ورد احمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 فاق النبيين في خلق وفي خلق ... ولم يدانوه في علم ولا كرم ولابد من التنويه بان شعر الحنين الى ارض الحجاز والاماكن المقدسة وذكر معالمها ومباهجها وما دب فيها من انسان وحيوان، وما نبت فيها من شجر وزرع لم يكن من ابتداع هؤلاء الشعراء الذين ذكرناهم، بل سبقهم شعراء كثيرون منذ زمن الشريف الرضي، واشتهر بذلك حسام الدين عيسى بن سنجر الإربلي المعروف بالحاجري (ت 632 هـ) نسبة الى حاجر، احدى المواضع الحجازية التي تغنى بها واكثر من ذكرها في شعره «75» . لقد استطاب الشعراء هذا اللون في مطالع قصائدهم المدحية لحبهم وشوقهم الى الرسول صلّى الله عليه وسلّم الذي ضمته تلك الديار كما عبر عن ذلك ابن دقيق العيد في قوله «76» : تهيم نفسي طربا عندما ... استملح البرق الحجازيّا ويستخف الوجد عقلي وقد ... أصبح لي حسن الحجى زيّا   (75) ينظر بحثنا (حسام الدين الحاجري الاربلي) في مجلة اداب المستنصرية، العدد 10 لسنة 1984. (76) ابن دقيق العيد، حياته وديوانه ص 154. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 يا هل أقضّي حاجتي من منى ... وأنحر البزل المهاريّا فأرتوي من زمزم فهي لي ... ألذّ من ريق المهاريّا ويتخلل بعض مطالع الحنين والشوق الى الديار الحجازية وصف الابل التي تقلّهم وما تعاني من تعب ومشقة في قطع الفيافي والمسير في مضارب الصحارى وهي صابرة على الطعام والماء، من ذلك الابيات الاتية من قصيدة لعمر بن النصير الحريري (ت 711 هـ) الذي اجاد في تصوير حالتها وهي تدبّ في سيرها وتسعى حثيثا وهي تحمل اثقالها للوصول الى مثوى حبيب المسلمين محمد صلّى الله عليه وسلّم «77» : ما لمطايانا تميل مالها ... أظنّ رمل رامة بدا لها لا تحسبنّ ميلها عن ملل ... وإنّما سكر الهوى أمالها وربّما كلّت ولكن شوقها ... يمنعها ان تشتكي كلالها وكلّ صعب في سراها هيّن ... لا سيما ان بلغت آمالها   (77) الطالع السعيد ص 446. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 تبدي نشاطا عندما يطلقها ... حابسها بحلّه عقالها تجد وجدا في الحزون كلما ... تذكرت من يثرب اطلالها وإن حدا الحادي بذكر طيبة ... هيج ذكر طيبة بلبالها فشوقها يسوقها حتى ترى ... آمالها هناك او آجالها ترى أراني زائرا منازلا ... أقصد من كلّ الورى نزّالها فيها أجلّ مرسل لأمّة ... كانت ترى رشادها ضلالها المطايا لا يقل شوقها الى يثرب ومن فيها عن شوق راكبيها وحداتها، فهي لا تكلّ ولا تملّ ولا تشتكي، تستسهل الصعب، وتستهين بالحزون والشعاب، من اجل ان تحط رحالها عند أجلّ مرسل واكرم نبي واهدى مبعوث. وهناك مذهب آخر سلكه فريق من الشعراء في مطالع المدائح النبوية، هو التوجه الى المسلمين باللوم والتقريع، او النصح والارشاد وبيان مضار الغواية والضلال والاعمال المشينة والافعال المقرفة والعواقب الوخيمة التي تنتظر الخارجين عن جادة الصواب والحساب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 العسير الذي سيلاقونه ان هم تمادوا في غيهم وافعالهم الضالة، من ذلك ما جاء في لامية شرف الدين البوصيري التي مطلعها «78» : الى متى انت باللذات مشغول ... وأنت عن كلّ ما قدمت مسؤول في كلّ يوم ترجي ان تتوب غدا ... وعقد عزمك بالتسويف محلول ومنها: فجرد العزم إنّ الموت صارمه ... مجرد بيد الآمال مسلول واقطع حبال الاماني التي اتصلت ... فإنما حبلها بالزور موصول انفقت عمرك في مال تحصله ... وما على غير إثم منك تحصيل ورحت تعمر دارا لا بقاء لها ... وأنت عنها وان عمّرت منفول جاء النذير فشمّر للمسير بلا ... مهل فليس مع الانذار تمهيل وصن مشيبك عن فعل تشان به ... فكلّ ذي صبوة بالشيب معذول   (78) ديوان البوصيري ص 172. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 ان الكثير من قصائد المديح النبوي يبدأ بواحد من التمهيدات السابقة، والقليل يخلو منها، ولا سيما القصائد القصيرة والمقطوعات، كما هو الحال عند الصاحب شرف الدين عبد العزيز بن محمد الانصاري (ت 662 هـ) حيث نجد في ديوانه مجموعة نبويات تبدأ بالمديح مباشرة، يظهر عليها التصنع والعناية بالمحسنات اللفظية والمعنوية، حتى انه بنى قوافي احداها على لزوم ما لا يلزم، منها «79» : جلّ ربعا بطيبة حلّ فيه ... خير حال بسؤدد وعفاف حجرات كم للملوك وللأم ... لاك فيهنّ من حفا واحتفاف واليه خفت بنا العيس في عر ... ض الفيافي قوادما وخوافي يمّمت ما جدا سرت مدح الا ... يات منه، ثم اقتضتها القوافي وبعد ان عرضنا المقدمات والوانها في اشهر القصائد التي تناولت مدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ننتقل الى متون هذه القصائد لنرى مضامينها وكيف عالجها الشعراء. فأول ما يطالعنا منها الغزل بذات الرسول وذكر حسنه وبهائه وجماله وصفاته وسحر عينيه ورموشه وثغره وطيب أريجه وحلو   (79) ديوان الصاحب شرف الدين الانصاري ص 327. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 حديثه وبشر وجهه وطلاقته، من ذلك قول شرف الدين البوصيري «80» : نبيّ كامل الاوصاف تمت ... محاسنه فقيل له الحبيب وصفت شمائلا منه حسانا ... فما أدري امدح أم نسيب وتناول جمال الدين يحيى بن يوسف الصّرصري في كثير من نبوياته، وبأسلوب شيّق جذّاب، نعت النبي صلّى الله عليه وسلّم ونوره الساطع وحسن شعره، وبريق ثغره، وطيب نشره، مثل قوله «81» : اوجهك أم ضوء الصباح تبلّجا ... أم البدر في برج الجمال جلى الدّجى أم الشمس يوم الصّحو في برج سعدها ... وفرعك أم ليل المحبّ اذا سجا وبرق سرى أم نور ثغرك باسما ... ونشرك أم مسك ذكيّ تأرجا أتتك جنود الحسن طوعا بأسرها ... فصرت مليكا في الجمال متوّجا فأضحت ابيّات القلوب أسيرة ... لديك فلم يملكن عنك معرّجا   (80) ديوان البوصيري ص 35. (81) ديوان الصرصري ص 85. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 فطوبى لعبد انت سيده لقد ... سما بين ارباب البصائر والحجى هام هذا الشاعر حبا في النبي صلّى الله عليه وسلّم، وشغف به شغفا لا نجده عند كبار الشعراء المحبين، قال عنه ابن تغري بردي «82» : «كان من العلماء الفضلاء الزهاد العباد، وكان له اليد الطولي في النظم، وشعره في غاية الجودة، ومدح النبي صلّى الله عليه وسلّم بقصائد لا تدخل تحت الحصر كثرة» . كان هذا الشاعر الهائم بحب النبي صلّى الله عليه وسلّم، يأتي بأجمل النعوت، بل بكل جميل في الوجود، يقول في تضاعيف احدى قصائده «83» : هو الأبلج البادي الوضاءة وجهه ... كبدر الدّجى كان أبهى وأجملا كأنّ مجال النور فوق جبينه ... سنا بارق أو واضح الصبح اقبلا قسيم وسيم أوطف الهدب عينه ... بها دعج يسمو فيحسب أكحلا وأشرب خداه البياض بحمرة ... كورد ندّ هبت له الريح شمألا أغرّ الثنايا واضح النحر جيده ... من الفضة البيضاء أحسن مجتلى   (82) النجوم الزاهرة 7/ 66. (83) ديوان الصرصري ص 406. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 أجلّ الورى فرعا وانور مفرقا ... وأجمل عرنينا وأحلى مقبّلا واقومهم قدّا والين معطفا ... وأعذب الفاظا واصدق مقولا وكان الكثيرون من المسلمين يقبلون على سماع الغزل في ذات النبي صلّى الله عليه وسلّم إقبالا واسعا ويهتزون له، وشاع في اوساط العامة شيوعا كثيرا، ورددوه في احتفالهم سنويا بمولده، وتغنوا به، مما دعا بعض العلماء من رجال الدين الى انكاره، فقال صاحب المجموعة النبهانية في المدائح النبوية: «واقبح من التشبيب بالنساء والولدان في ذلك ما يستحسنه بعض الجهال القاصرين من سماع الاشعار المشتملة على المعاني الغزلية في وصف الذات الشريفة المحمدية مما يأباه كلّ ذي طبع سليم ولا يستحليه الا كلّ ذي ذوق سقيم. وقد ادخلوا بعض تلك الاشعار في قصة المولد الشريف المنسوبة الى بعض العلماء، وصارت تقرأ في مجالس العوام فلا تذكر، وذلك من أقبح المذكر، فليتجنب سماعه وليحذر، ومن ذا الذي يستحسن ان يتغزل به أو بأبيه او برجل جليل من قومه او ممن يعتقدهم ويجلهم من العلماء والاولياء وغيرهم من الاكابر والاجلاء، كما يتغزل بالولدان والنساء؟ لا شك في ان ذلك لا يستحسنه احد من العقلاء» «84» .   (84) المجموعة النبهانية 2/ 14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 ومن الشعراء من تناول مولد الرسول صلّى الله عليه وسلّم ورضاعته ونشأته وبعثته واسراءه ومعراجه وجهاده ومعجزاته وما ظهر عند مولده وعند بعثته وتعد قصيدة جمال الدين يحيى بن يوسف الصّرصري النونية من اطول القصائد في هذا المجال، فهي في ثماني مئة واثنين وخمسين بيتا، وضع فيها سيرة الرسول كاملة «85» ، منها قوله: لما اصطفى الله الخليل وزاده ... شرفا ونجاه من النيران اختار اسماعيل من اولاده ... وبني كنانة من بني عدنان ثم اصطفى منهم قريشا واصطفى ... ابناء هاشم الفتى المطعان ثم اصطفى خير الانام محمدا ... من هاشم فسمت على قحطان وأبان كعب جدّه في خطبة ... بعروبة في سائر الاخوان «86» فضل النبي وودّ ان يبقى الى ... أيامه لقتال ذي شنآن   (85) ديوان الصرصري 547- 595. (86) كعب بن لؤي جد سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو أول من سنّ الاجتماع يوم الجمعة. وعروبة: يوم الجمعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 ولقد بدت أنواره بجبين عب ... د الله ظاهرة لذي عرفان وبدت لآمنة الحصان لحملها ... بأخفّ حمل راجح الميزان ولدته عام الفيل يوم الاثنين فاح ... تاز الفخار بفضله الاثنان بربيع الأدنى بثاني عشرة ... ويوافق العشرين من نيسان واغلب قصائد هذا الشاعر الطويلة تتناول السيرة العطرة للنبي المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وسيرة صحابته المؤمنين المجاهدين الذين صارعوا قوى الكفر والبغي والضلال «87» . ويعد شرف الدين البوصيري من الشعراء الذين بلغت شهرتهم القمة في المديح النبوي ولا سيما في مطولاته مثل: قصيدته الهمزية (457 بيتا) التي سرد فيها حياة خاتم النبيين صلّى الله عليه وسلّم من الولادة حتى الوفاة وما رافقها من جهاد ومواقف عظيمة في اصلاح الامة وانقاذها من الضلالات والاوهام والخرافات.. مطلعها «88» : كيف ترقى رقيّك الانبياء ... يا سماء ما طاولتها سماء   (87) ينظر ديوان الصرصري، قصيدته اللامية، 557 بيتا، ص 430- 462. (88) ديوان البوصيري ص 49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 انه تناول مولده ورضاعته وما وهب الله حليمة السعدية من خير وبركة ورزق وفير، واخلاقه واخلاصه وأمانته ووفاءه وزواجه من خديجة وبعثته، ونزول جبريل عليه، ودعوته للناس في الدخول الى الاسلام، وكفاحه وصموده في مكة، ثم خروجه الى المدينة، واستقبال الانصار له، وصبره وانتصاره على المشركين والمكابرين، ومحاربته اليهود، وذكر معجزاته ... جاء فيها قوله: رحمة كلّه وحزم وعزم ... ووقار وعصمة وحياء لا تحلّ البأساء منه عرى الصب ... ر ولا تستخفه السراء كرمت نفسه فما يخطر السّو ... ء على قلبه ولا الفحشاء عظمت نعمة الاله عليه ... فاستقلت لذكره العظماء جهلت لومه عليه فاغضى ... وأخو الحلم دأبه الاغضاء وسع العالمين علما وحلما ... فهو بحر لم تعيه الاعباء وفي قصيدته اللامية (204 ابيات) ذكر بعض ما حدث بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 ولادته، مثل خمود نار فارس، وانجماد نهرهم، واهتزاز صرح ملكهم «89» : كم آية ظهرت في حين مولده ... به البشائر فيها والتهاويل ونار فارس أضحت وهي خامدة ... ونهرهم جامد والصرح مشلول وفي قصيدته المشهورة ب «البردة» تحدث عن مولد النبي صلّى الله عليه وسلّم، وذكر ان ايوان كسرى تصدع، ونار الفرس خمدت، وبحيرة ساوة غاضت، والشهب انقضت فوق الاصنام، ثم اعقب ذلك حديثا عن المعجزات، فذكر سجود الاشجار للرسول، وسير الغمام أنّى سار لتقيه الهجير، وما صنع الحمام والعنكبوت بالغار، وكان لبس راحته يشفي المريض، وكانت دعوته ترسل بالامطار في السنة المجدبة ... استوعب البوصيري السيرة النبوية، ونقل طرفا كبيرا منها في شعره، وصاغه بأسلوب واضح وميسور كي يسهل فهمه وحفظه وترديده، واضاف الى ما اخذه عن السيرة اخبارا لا تعرف- كما يقول الدكتور زكي مبارك- «متى نشأت عند المسلمين، واغلب الظن انها من وضع القصاص الذين ارادوا ان يصوروا مولد الرسول بالصور التي أثرت عن أنبياء الهنود، وقد اكثر مؤرخو المولد النبوي من هذه الاخبار، وطاف بها   (89) ديوان البوصيري ص 174 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 جمهور الناظمين في المدائح النبوية» «90» . ووجدت «فئة من الناس كانت تحفظ كثيرا من هذه المدائح وتطوف في البلاد تغني بما تحفظ وهي تضرب على العود والقيثارة وغيرهما مما يصلح في هذا المقام، تجمع الصدقات، فلا عيش لها الا من هذا العمل، ولا ربح لها الا من التغني بمدائح الرسول» «91» . وهكذا تحولت المدائح النبوية عند عدد كبير من الشعراء الى تاريخ منظوم لسيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتلى في المحافل الدينية، أو مناسبات خاصة تبركا بهذه السيرة العطرة، مثل نجاة من ازمة او خلاص من مصيبة او كارثة، او حالات فرح وابتهاج مثل عودة من حج او زواج او ختان او شفاء من مرض او بناء دار او اعتلاء منصب او نجاح في اختبار .... وقد يكون في ذكرى رجل خير توفى قبل مدة ... ومثال على ذلك قول شهاب الدين محمود بن سليمان الحلبي (ت 725 هـ) من قصيدة عدد ابياتها مئة وواحد وثمانون بيتا «92» : حملتك آمنة الحصان فلم تجد ... عب ءا كعبء الحاملات ثقيلا وولدت مختونا وذلك آية ... لا تقبل التأويل والتعليلا   (90) المدائح النبوية ص 189. (91) الحروب الصليبية واثرها في الادب العربي ص 252. (92) المجموعة النبهانية 3/ 275- 289، وينظر شهاب الدين محمود الحلبي- حباته وشعره ص 356- 367. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ورأت لك الاحبار والرهبان في ال ... توراة وصفا طابق الإنجيلا واستبشروا بك إذ ظهرت وبشّروا ... الّا قليلا حرّفوا ما قيلا وكذاك بشّرت الهواتف في الرّبى ... بك والكواهن أجملت تفصيلا والجنّ ترمي بالكواكب بعد ان ... كانت تطيق الى السماء وصولا وخمود بيت النار من آياتك ال ... لاتي تردّ الطرف عنك كليلا وكذا بحيرة ساوة غارت وقد ... كانت جوانبها تفوت الميلا وكذلك الايوان أعظم معجز ... بهر العقول وحيّر المعقولا لما هوت شرفاته وانشقّ مر ... تجس البناء مشطرا مخذولا واسترضعتك حليمة فرأت من ال ... بركات ما أغنى أخا وخليلا وبيمن وجهك صدّ خالقك العدا ... عن بيت كعبته وردّ الفيلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 ومنها: وأسرّ للعمّ الشفيق بأنّ لاب ... ن أخيك شأنا في الوجود جليلا فاحذر عليه من اليهود فإنّهم ... إن يقدروا يوما عليه اغتيلا ومنها: وأضاءت الدنيا واشرق نورها ... وبدا الهدى وغدا الضلال ضئيلا وأتاك بالوحي الامين وانت في ... اقصى حرا متبتلا تبتيلا فوعيت ما أوحى وقد ألقى به ... قولا من الذكر الحكيم ثقيلا نورا كأنّ بكلّ قلب حله ... لضياء باطنه به قنديلا عجز الورى عنه فما اسطاعوا له ... حاشاه تشبيها ولا تمثيلا وتتواصل ابيات القصيدة في الحديث عن ولادة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وما ورد له من ذكر في التوراة والانجيل، ويأتي على بعض علامات نبوته التي مر ذكرها عند البوصيري، وهي خمود نار فارس، وانحسار الماء عن بحيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 ساوة، وانكسار ايوان كسرى ... وينتقل الى رضاعته والبركة التي انهالت على حليمة السعدية، ونشأته، ونبوته، ومعجزاته، وجهاده، ومواقفه مع المشركين واليهود. ان هذا الشاعر لم يضف شيئا جديدا على ما ورد في شعر البوصيري، ولم يرق الى لغته وتفصيله وطريقة عرضه للسيرة النبوية. لقد كان حديث المعجزات جزءا رئيسا من مادة المديح النبوي في كثير من القصائد، حتى ان عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن خلف (ت 695 هـ) سماها في احدى مدائحه بالخوارق «93» : هل جاء قبلك مرسل بخوارق ... الا وجئت بمثله او أزيد فخوارق النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم فاقت- في نظره- خوارق اخوانه الانبياء وتجاوزت عليهم. ويسميها محمد بن محمد بن عيسى الشيباني (ت 707 هـ) بالبراهين بعد ان ساق عددا منها في قصيدة له «94» : عجبت لمن يتعامى عن ال ... براهين وهي من الشمس أجلى ومما يلاحظ ان الحروب الصليبية ولدت صراعا عنيفا بين   (93) فوات الوفيات 2/ 281. (94) الطالع السعيد ص 617. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 المسلمين وخصومهم، وتجلى اثر ذلك في الشعر الذي خصص لمدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم، اذ نجد فيه ردا عليهم ومناقشتهم ودحض آرائهم وتسفيه احلامهم واقامة الحجة عليهم «95» . ومن جانب آخر نجد بعض الشعراء يتخذ من المدائح النبوية ذريعة للتحدث عن حال العرب بعد ان استبد الاعاجم بمقاليد الامور وسيطروا على مرافق الحياة الهامة، من ذلك ما قاله شمس الدين محمد بن عفيف الدين سليمان المعروف بالشاب الظريف «96» : أرض الاحبّة من سفح ومن كثب ... سقاك منهمر الانواء من كثب ولا عدت أهلك النائين من نفس ال ... صّبا تحية عانى القلب مكتئب قوم هم العرب المحميّ جارهم ... فلا رعى الله إلّا أوجه العرب أعزّ عندي من سمعي ومن بصري ... ومن فؤادي ومن اهلي ومن نشبي لهم عليّ حقوق مذ عرفتهم ... كأنني بين أم منهم وأب   (95) ينظر ديوان البوصيري ص 178. (96) ديوان الشاب الظريف ص 56. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 ان كان أحسن ما في الشعر اكذبه ... فحسن شعري فيهم غير ذي كذب يا ساكني طيبة الفيحاء هل زمن ... يدني المحبّ لنيل السؤل والأرب أرض مع الله عين الشمس تحرسها ... فان تغب حرستها أعين الشّهب وكان صوت جمال الدين يحيى بن يوسف الصّرصري من اعلى الاصوات الشعرية في التحذير من الاعاجم ولا سيما التتر؛ فانه اتخذ من المديح النبوي منبرا للمناداة بالتهيؤ الى مواجهتهم واعداد العدة لا فشال نواياهم في احتلال ديار المسلمين وضربهم بقسوة كي يتوبوا من تحركاتهم، فها هو ذا يستنجد بالرسول صلّى الله عليه وسلّم ويقول «97» : فأعنّا عليهم وأغثنا ... غوث نصر على الطغاة اللئام سل لنا الله ذا المعارج نصرا ... دائرا فيهم بكأس الحمام وثباتا كيوم بدر لأقدا ... م جنود لنا ذوي إقدام   (97) ديوان الصرصري ص 504. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 قل الهي ثبت قلوب رجال ... عن حريم الاسلام أضحت تحامي واقذف الرّعب في قلوب عداهم ... وارمهم بالشتات بعد التئام وكان يخاف على بغداد ويسميها «بيضة الاسلام» لمكانتها في قلوب الناس، واحتضانها العلماء والصالحين ويدعو الله ان يصونها من كيد الاعداء وحقد الخبثاء فيقول «98» : وفتنة التتر العظمى التي قرحت ... منها لوقعها الأحشاء والكبد أودت بمن حولنا فتكا وليس لنا ... الا وعدك الميمون مستند لا تستبيح من الاسلام بيضته ... يد العدا وإن اعتدوا وان حشدوا ان دعاءه لحفظ بيضة الاسلام من الطغاة البغاة لم ينقطع من مدائحه للرسول صلّى الله عليه وسلّم ألذي أسر جوارحه ولهج بذكره طوال حياته، فهو يقول «99» :   (98) نفسه ص 110. (99) نفسه ص 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 محمد خير مبعوث بمرحمة ... من خير بيت عليه أجمع العرب وداره بيضة الاسلام ليس لها ... بوعده من جميع الناس منتهب ونحن أمته ما صدّنا رهب ... عنه ولا غالنا عن حبه رغب فليخسأ التتر الطاغون من فئة ... لها الصّغار وذلّ القهر والعطب وبقي يدعو في مدائحه النبوية الى الحيطة والحذر والتهيؤ لملاقاة الطامعين في ديار المسلمين، ولم يسكت الى يوم استشهاده في حوادث بغداد الدامية سنة 656 للهجرة، فمن استشفاعه برسول الله صلّى الله عليه وسلّم قوله «100» : يا سيّد البشر المختار من مضر ... يا جار مضطهد ضاقت به الحيل أجب نداء شج مستصرخ قلق ... من فتنة أمعنت انيابها العصل البر من رعبها والبحر منزعج ... والحرث والخيل والانعام والخول «101»   (100) نفسه ص 393. (101) الخول: ما يعطيه الله سبحانه للعبد من النعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 فاسأل لنا الله نصرا قاهرا لهم ... مثبتا لقلوب شفّها الوجل ومن الاشياء البارزة التي يلاحظها القارىء في بعض المدائح النبوية، ولا سيما في البيئات الصوفية، فكرة الحقيقة المحمدية او النور المحمدي، اذ جعل كثير من هؤلاء الصوفية «مخبة الرسول جزءا من محبة الذات الالهية، بل ان محبتهما واحدة، وحقيقتهما واحدة، فلا فريق بين الحقيقة المحمدية والحقيقة الالهية التي تمثلت في الانبياء وتتمثل في اقطاب الصوفية من بعدهم، ولعل متصوفا لم يتغنّى بأزلية الوجود المحمدي كما تغنى ابن عربي الصوفي المشهور» «102» ، وكذلك جمال الدين يحيى بن يوسف الصّرصري، مثل قوله في احدى نبوياته «103» : لما بنى الله السماوات العلى ... سبعا تعالى الله أكرم باني فسمت وزانتها بحكمة صنعه ... ز هو النجوم وزانها القمران والارض سبعا مدّها فتذللت ... وتزيّنت ببدائع الالوان   (102) فصول في الشعر ونقده ص 232. (103) ديوان الصرصري ص 547. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 ورست عليها الشامخات بإذنه ... فحمت جوانبها من الفيدان «104» وأتمّ خلق العرش خلقا باهرا ... فغدا من الاجلال ذا رجحان كتب الاله اسم النبي محمد ... فوق القوائم منه والاركان فسرى السكون به وقد كتب اسمه ... في جنّة المأوى على الاغصان وخيامها وقبابها وعلى مصا ... ريع القصور تفضّل المنان فلذاك آدم حين تاب دعا به ... متوسلا فأجيب بالغفران لولاه لم يخلق أبونا آدم ... وجحيم نار او نعيم جنان قد كان آدم طينة ومحمد ... يدعى نبيا عند ذي الاحسان لقد اسرت الحقيقة المحمدية او النور المحمدي قلوب كثير من الشعراء المتصوفة وجعلتهم يذكرونها في قصائدهم التي نظموها في مدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم، منهم جمال الدين محمد بن ابي بكر بن رشيد البغدادي   (104) الميدان: الاهتزاز والاضطراب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 الوتري (ت 662 هـ) الذي خصص جلّ شعره «105» لبيان عظمة خاتم الانبياء والمرسلين وفضله على البشرية في انقاذهم من الضلالة والاوهام وجعلهم خير أمة أخرجت للناس. وابراهيم بن أبي المجد الهاشمي «106» المعروف بسيدي ابراهيم الدسوقي (ت 676 هـ) ، واحمد بن علي «107» المشهور بالسيد البدوي (ت 675 هـ) ، وضياء الدين علي بن محمد بن يوسف الخزرجي «108» (ت 686 هـ) ... وقد بالغ بعض الشعراء في الحقيقة المحمدية ونسجوا حولها كثيرا من التهويلات، مثل قولهم: لولاه ما ظهر شمس ولا قمر ولا نجوم ولا أنهار ولا ثمار ولا بدر ولا جبال وغير ذلك ... مثل قول ابن نباتة المصري «109» : لولاه ما كان أرض لا ولا أفق ... ولا زمان ولا خلق ولا جيل ولا مناسك فيها للهدى شهب ... ولا ديار بها للوحي تنزيل ومثل قول ابن الساعاتي (ت 606 هـ) من قصيدة له في مدح   (105) ينظر ديوان الوتري ص 6. (106) ينظر الطبقات الكبرى للشعراني 1/ 181. (107) ينظر الجواهر السنية ص 62، 100. (108) ينظر عيون التواريخ 21/ 410. (109) ديوان ابن نباتة المصري ص 373. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 الرسول صلّى الله عليه وسلّم «110» : لولاه لم تك شمس لا، ولا قمر ... ولا الفرات وجاراها ولا النيل ولم يجب آدم في حال دعوته ... نعم ولم يك قابيل وهابيل ويرى شرف الدين البوصيري ان محمدا صلّى الله عليه وسلّم دان الانبياء قبل ان يخلق «111» : وكل آي أتى الرسل الكرام بها ... فإنما اتصلت من نوره بهم فإنه شمس فضل هم كواكبها ... يطهرن أنوارها للناس في الظلم فهذا الغلو لا يفهم الا اذا عرفنا انه يرجع الى اصل من أصول التصوف، وهو القول ب «الحقيقة المحمدية» ، اذ كان تمجيد عدد من المتصوفة البالغ للرسول اساسا في تمجيدهم وفنائهم في الخالق الاعظم «112» .   (110) ديوان ابن الساعاتي ص 44. (111) تنظر تفاصيل ذلك في (التصوف الاسلامي) لزكي مبارك 1/ 268. (112) وفيات الاعيان 1/ 169. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 ان حب الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والهيام بذكره، وزيارة ضريحه، والتعطر بأريجه، والتعبد في جواره، والتهجد في ظلاله، كانت الامنية الكبرى لكل مسلم مؤمن، وقد احسن ابو العباس احمد بن محمد المعروف بابن العريف (ت 536 هـ) وصف اولئك الذين شدوا الرحال وازجوا المطي وتوجهوا في سفرهم الى زيارة نبيهم وحبيبهم محمد صلّى الله عليه وسلّم: شدّوا المطيّ وقد نالوا المنى بمنى ... وكلّهم بأليم الشوق قد باحا سارت ركائبهم تندى روائحها ... طيبا بما طاب ذاك الوفد أشباحا نسيم قبر النبيّ المصطفى لهم ... روح اذا شربوا من ذكره راحا يا واصلين الى المختار من مضر ... زرتم جسوما وزرنا نحن أرواحا إنا أقمنا على عذر وعن قدر ... ومن أقام على عذر كمن راحا وقفنا من خلال عرضنا السابق على المضامين والمعاني التي احتوتها القصائد، وننتقل الان الى خواتيمها وابرز ما حفلت بها من المعاني. بعد ان رانت الاحزان والآلام في عصر الحروب الصليبية، وثقلت وطأتها، على القلوب، وعجز المسلمون في كثير من الاحيان دفع الضر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 الذي اناخ بكلكله عليهم، التجأوا الى رسولهم وملاذهم محمد صلّى الله عليه وسلّم، متضرعين ان يزيل هذا الضر، ويعمهم برحمته، وينزل عليهم صيبا من نعمائه، ويغفر عن ذنوبهم وزلاتهم وما اقترفت السنتهم من سوء وما قدمت ايديهم من قبيح الاعمال وشائن الافعال.. فها هو ذا جمال الدين يحيى بن يوسف الصّرصري يتوجه الى نبيه ان يكون شفيعا له عند الله في رفع الخطب الثقيل الموجع عنه وان يجعله واهله واولاده وقرابته في أمن وايمان وعافية ويجنبهم من كل سوء واذى «113» : يا سيدي يا رسول الله يا سندي ... في كلّ خطب ثقيل موجع الالم أنا المقرّ بذنبي قد قصدتك كي ... تستوهب الله لي ذنبي ومجترمي فاستغفر الله لي يا من اذا نزلت ... بي شدّة فيه أنجو من النّقم واقبل تضرّع عبد واثق بك في ... دفع الخطوب العوادي عنه معتصم واسأل لاهلي واولادي وذي سبب ... به وصلت واخواني وذي رحم أمنا وصونا وإيمانا وعافية ... من كلّ سوء وبشرى عند مختتم   (113) ديوان الصرصري ص 518. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 عليك من صلوات الله أطيبها ... تبقى بقاء نعيم غير منصرم ويستغيث شمس الدين محمد بن عفيف الدين سليمان المعروف بالشاب الظريف بشفيع الورى محمد صلّى الله عليه وسلّم ان يخلصه من ذنوبه التي تعاظمت «114» : فيا خاتم الرّسل الكرام ومن به ... لنا من مهولات الذنوب تخلّص أغثنا، أجرنا من ذنوب تعاظمت ... فأنت شفيع للورى ومخلّص ويتأمل ابو محمد فتيان بن علي الاسدي الشاغوري (ت 615 هـ) من خير الانام شفاعة يكسب بها نعيم الخلد وظله الوارف «115» : أؤمّل من خير الانام شفاعة ... بها في نعيم بالجنان أخلّد فأنت رسول الله وهي شهادة ... أقرّ بها حتى المعاد وأشهد   (114) الديوان ص 154، وينظر السمو الروحي في الادب الصوفي ص 336. (115) ديوان فتيان الشاغوري ص 108. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وقصد كمال الدين ابن الزملكاني (ت 727 هـ) الرسول صلّى الله عليه وسلّم كي يخفف عن نفسه هم الذنوب التي اصبحت لا تفارقه، ويسأله العصمة فيما بقي من عمره، ونعمة كافية تقيه ذلّ السؤال «116» : يا أفضل الرّسل يا مولى الانام ويا ... خير الخلائق من انس وأملاك ها قد قصدتك أشكو بعض ما صنعت ... بي الذنوب وهذا ملجأ الشاكي قد قيّدتني ذنوب عن بلوغ مدى ... قصدي الى الفوز منها فهي أشراكي فاستغفر الله لي واسأله عصمته ... فيما بقي وغنى من غير امساك عليك من ربك الله الصلاة كما ... منا عليك السلام الطيب الزاكي وغلب على شعر المتصوفة الذين كثر عددهم في عصر الحروب الصليبية وازدحمت بهم التكايا والزوايا هذا الطابع، وهو البكاء من ثقل الخطايا والاوزار وطلب الصفح والعفو والمغفرة، كما يلاحظ في شعر احد الصوفية الكبار، الشيخ الفقيه ابي الحسن علي بن عبد الله الششتري (ت 668 هـ) الذي تميز بالسهولة والليونة والانحدار   (116) فوات الوفيات 4/ 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 احيانا نحو العامية ولا سيما أراجيزه وأزجاله التي غطت على جزء كبير من ديوانه، مثل قوله في القطعة الآتية وقد جاءت في مقدمتها «117» : «الابيات الثلاثة الاولى معروفة في التاريخ الاسلامي، أنشدها الانصار في حضرة النور الاعظم محمد بن عبد الله حين اشرف على المدينة يوم الهجرة الاولى، واستعارها الششتري هنا واضاف اليها، ويتوارثها شاذلية دمياط حتى الان ينشدونها في حضرتهم: أقبل البدر علينا ... من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع أيّها المبعوث فينا ... جئت بالامر المطاع أقبل البدر علينا ... واختفت منه البدور مثل حسنك ما رأينا ... قطّ يا وجه السرور أنت شمس انت بدر ... انت نور فوق نور   (117) ديوان ابي الحسن الششتري ص 439. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 أنت إكسير وغالي ... أنت مفتاح الصدور ما رأينا النوق حنّت ... في الدّجى الا اليك والغمامة قد اظلت ... والقمر سلم عليك وأتاك الجذع يبكي ... وتذلل بين يديك واستجار يا حبيبي ... عندك الظبي النفوز ومما يلاحظ في خواتيم كثير من القصائد ابيات مخصصة للصلاة والتسليم على النبي الهادي البشير صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله واصحابه الغر الميامين، مثل قول جلال الدين محمد بن احمد بن عبد الرحمن الكندي (ت 711 هـ) في خاتمة قصيدة له في المديح النبوي «118» : فبمن عليك صلاته وسلامه ... ولديك منه الرّوح والريحان لا تنسنا من فضل جاهك عندما ... تطوى السماء وينشر الديوان   (118) الطالع السعيد ص 493. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 صلى عليك الله ما هطل الحيا ... وسرى النسيم ومالت الاغصان وعلى صحابتك الذين أتاهم ... من ذي الجلال النصر والرضوان وقول تاج الدين عبد الرحمن بن عبد الوهاب المعروف بابن بنت الاعز (ت 695 هـ) في خاتمة قصيدة نظمها بعد ان قضى فريضة الحج وزار مدينة النبي صلّى الله عليه وسلّم وانشدها بها «119» : صلوات ربك والسلام عليك ما ... حييت من متوجه متعبد وعلى صحابتك الكرام وآلك ال ... برءاء من قول الجهول المفسد وعلى ضجيعيك اللذين تشرفا ... بالقرب منك بمقعد وبمرقد لقد وقف كثير من الشعراء «120» ، وبقلوب خاشعة، ونفوس هائمة، بباب رسولهم مصلين عليه، ومسترحمين وطالبين ان يفرج عنهم، كما   (119) فوات الوفيات 2/ 281. (120) ينظر: السمو الروحي في الادب الصوفي 278، 283، 284، 286، 287، 298، 302، 347. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 يقول محمد بن محمد بن عيسى الشيباني (ت 707 هـ) في خاتمة قصيدة طويلة «121» : وقفنا ببابك نشكو اليك ... من الكرب والكرب قد عمّ كلّا وأنّى نظرت لنا نظرة ... تلاشى بها كربنا واضمحلا فلا تتخلّ عن المذنبين ... اذا المرء عن والديه تخلّى وصلّى عليك الغفور الرحيم ... وسلّم ما صام عبد وصلّى وهكذا حظيت المدائح النبوية في عصر الحروب الصليبية باهتمام كبير من عامة المسلمين، وعدّوها احدى الوسائل التي تنجيهم من المصائب والويلات والكروب، وتدفع عنهم أذى الجائرين وسطوتهم، وتخلصهم من نكد الدنيا، وتوسع لهم في الرزق والمعاش، وتغفر لهم ما تقدم من ذنوبهم وآثامهم وما تأخر، وتجلب لهم رضى الله ورحمته، وتدخلهم فسيح جنته.. وقد تميزت هذه المدائح بحرارة العاطفة، وصدق التعبير، وعذوبة الالفاظ، والبعد عن التعقيد والاغراب.. وتجدر الاشارة الى ان المدائح النبوية كانت تقرأ في حلقات الذكر   (121) الطالع السعيد ص 618. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 عند المتصوفة ويغلب على اسلوبها البساطة واليسر، والتجاوز احيانا عن الفصاحة والجزالة كما يلاحظ في شعر الصوفي الكبير ابي الحسن الششتري، او الالتجاء الى لغة دارجة او متحررة من قواعد الاعراب وقوانين الشعر كما قال ابن حجر العسقلاني في احد الشعراء: «كان ابن البصيص- توفي سنة 716- ينظم نظما عاريا من الاعراب على طريقة الصوفية» «122» .   (122) الدرر الكامنة 4/ 377، الادب في العصر المملوكي 1/ 232. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الخاتمة تمتد جذور المديح النبوي الى عصر خاتم الانبياء محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلّم، حيث وقف عدد من الشعراء الى جانبه مادحين ومدافعين وذاكرين فضله وعظمة الرسالة الاسلامية التي بعثه الله بها هداية للعالمين، ولما انتقل الى الرفيق الاعلى بقي ذكره يتردد دوما على السنة عامة المسلمين في عباداتهم وصلواتهم وايام اعيادهم الدينية ومناسبات افراحهم وأحزانهم.. مسترحمين ومتوسلين ان يكون شفيعا لهم عند الله، فاتحا لهم سبحانه وتعالى ابواب رحمته الواسعة في الدنيا والاخرة. وكان المسلمون مطمئنين على انفسهم ودينهم وديارهم؛ لانهم كانوا في حرز وتحت حماية قوية من أولي الامر والحاكمين المقتدرين.. ولكن الحالة تغيرت بعد ان دب الضعف في مكانة هؤلاء الحاكمين وقلت هيبتهم، اذ بدأت قوى البغي والعدوان تتحرك ولا سيما في القرنين السادس والسابع الهجريين، واخذت اسرابهم تتوالى من الغرب والشرق في اجتياح الديار الاسلامية، وقتل الناس الامنين، او سلب اموالهم وطردهم من بيوتهم، وإهانة دينهم ومعتقداتهم ... وما كان للمسلمين ملاذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 إلا الله والرسول صلّى الله عليه وسلّم ليحميهم من البلاء ويقيم شرّ الباغين الدخلاء الذين داهموا الناس وارعبوهم وهددوا كيانهم ووجودهم، ولا عجب في قول عمارة بن عقيل اليمني (569 هـ) حين ارجف الناس بقصد الفرنج ارض المسلمين «123» : يا ربّ اني أرى مصرا قد انتبهت ... لها عيون الاعادي بعد رقدتها فاجعل بها ملة الاسلام باقية ... واحرص عقود الهدى من حلّ عقدتها وهب لنا منك عونا نستجير به ... من فتنة يتلظى جمر وقدتها وقول جمال الدين يحيى بن يوسف الصّرصري من قصيدة في مدح الرسول الأمين صلّى الله عليه وسلّم «124» : في كلّ عام لنا خوف يقلّقنا ... من خصم سوء كستنا رعبه كمدا وما لنا ملجأ مما نحاذره ... ولا نصيب لنا في الروع ملتحدا «125»   (123) كتاب النكت العصرية ص 189. (124) ديوان الصرصري ص 121. (125) ملتحد: ملتجأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 الا الى جاهك المبسوط لاعدمت ... أتباعك الغرّ منه النصر والمددا فأنت أعظم كل الناس منزلة ... ولم يخب من على إحسانك اعتمدا ان فقدان الامان، وزيادة الرعب من الطامعين الطارئين، وكثرة الخوف على المقدسات، والخشية من الفقر والعوز، كلها اسباب في الوقوف بين يدي الرسول صلّى الله عليه وسلّم والتوسل به في الخلاص من القلق الذي انتاب المسلمين آنذاك وتطمين ما تحمله نفوسهم المكدودة من آلام وآمال.. وثمة شعراء نظموا قصائد في مدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم مبينين فيها ندمهم على ما اقترفوا من ذنوب وآثام، وعلى ما فرطوا في حق انفسهم ودينهم، ضارعين وطالبين ان يكون رسولهم شفيعا لهم عند ربهم من عقابه وغضبه.. وما ذكرناه في الصفحات السابقة قبس يسير من تلك المدائح، فهناك دواوين كثيرة ما تزال مخطوطة وقد أشرت الى بعضها، عسى ان تتولاها ايدي المحققين بالرعاية والاهتمام في قادم الايام، والله ولي التوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 مختارات من المدائح النبوية (1) قاضي القضاة [ابن بنت الاعز] تقي الدين ابو القاسم عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن خليفة بن بدر، المعروف بابن بنت الاعز، كان جده لأمه يعرف بالقاضي الاعز. كان فقيها بارعا شاعرا خيرا دينا متواضعا كريما، تولى الوزارة في مصر والقضاء ومشيخة الشيوخ وخطابة جامع الازهر. توفي سادس عشر جمادى الأولى سنة 695 للهجرة*: الناس بين مرجّز ومقصد ... ومطول في مدحه ومجود   (*) تنظر ترجمته في: فوات الوفيات 2/ 279، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 64، طبقات الشافعية للاسنوي 1/ 151، رفع الاصر عن قضاة مصر 2/ 327، النجوم الزاهرة 8/ 82. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 ومخبر عمّن روى ومعبر ... عما رآه من العلى والسّؤدد ما في قوى الاذهان حصر صفاتك ال ... عليا وما لك من كريم المحتد ومن المحيط بكنه معنى مدهش ... بهر العقول بمصدر وبمورد فاذا البصائر فيه تنفذ أدركت ... منه معاني حسنها لم ينفد ورأتك في مرآتها شمس الضحى ... طلعت بكلّ تنوفة وبفدفد فأفادت البصر الصحيح إنارة ... تقوى على البصر الضعيف الأرمد وأخو الهوى في طرفه وفؤاده ... مرض يصدّ عن الطريق الأرشد جحد الظهيرة نورها، واها له ... حرم السعادة كلّها ان يجحد حظّ الموفق أن يتابع دائما ... أخلاقك الغرّ الكرام ويقتدي لم ترتفع لله عن خفض ولم ... تقرب اليه من مكان مبعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 لكن أرى محبوبه ملكوته ... حتى يشاهد فيه ما لم يشهد وأراه كيف تفاضل الأملاك وال ... رسل الكرام وكان غير مقلّد ورأت له الأملاك في ملكوته ... جاها وقدرا مثله لم يوجد هل جاء قبلك مرسل بخوارق ... الّا وجئت بمثله أو أزيد فعصا الكليم تبدّلت أعراضها ... وكذا عصاك تبدلت بمهند نبعت عيون الماء من حجر لنا ... والنبع في الاحجار كالمتعود إنّ البعيد من العوائد كلّها ... نبع بدا بين الاصابع في اليد هذي هي الكفّ قد أصبحت ... بحرا اذا مدحوا لنا الكفّ الندي ومحبة المولى هي الأصل الذي ... لم يثن عزمك فيه رأي مفنّد ومن الذي يجلى عليه جهرة ... ذاك الجمال فلم يخرّ ويسجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 صلوات ربك والسلام عليك ما ... حييت من متوجه متعبد وجرى بذكرك لفظه في وقفة ... لخطابه او جلسة المتشهد واذا مررت على القلوب فكنت كال ... أرج الذكيّ يردّ روح المكمد وعلى صحابتك الكرام وآلك ال ... براءاء من قول الجهول المفسد وعلى ضجيعيك اللذين تشرفا ... بالقرب منك بمقعد وبمرقد لمكانة في الدين ما خفيت على ... متبصر قرأ العلوم مسدد قاما بنصرك في الحياة عبادة ... وجلادة أزرت على المتجلّد وتكفلا بعد الممات بنصرة ال ... دين الحنيف على الكفور الملحد وتقلدا الأمر العظيم فأصبحا ... حججا على كلّ امرىء متقلّد تالله قد جدّا وما نبا ولا اخ ... تارا الاخفّ على الأشق الاجهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وكلاهما بزلال فضلك يرتوي ... وبفضل برد من شعارك يرتدي كانا سعادة كلّ عبد صالح ... وشقاوة الباغي الجهول المعتدي (2) ابو محمد فتيان بن علي الاسدي الشاغوري ، نسبة الى حي الشاغور في مدينة دمشق، ولد سنة 530 للهجرة في بانياس، وعاش طفولته وشبابه في حي الشاغور، وقضى ردحا من الزمن وحياته العلمية معلما في الزبداني، وصاحب حلقة للتدريس في جامع دمشق الكبير، كان فيها يقرىء القرآن، وتوفي سنة 615 للهجرة*: (من الطويل) إليك المطايا أعنقت يا محمد ... الى خير من يسعى اليه ويحفد   (*) تنظر ترجمته في: خريدة القصر جريدة العصر- قسم الشام 1/ 247، وفيات الاعيان 4/ 24، مطالع البدور 1/ 28، النجوم الزاهرة 6/ 226، مقدمة ديوانه 5- 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 الى الذروة العلياء من سرّ هاشم ... عليهم سلامي كلّ وقت يردّد تردّد أنفاسي التي لا أملّها ... ولا أنتهي منها ولا أتبلّد كأن دموعي لاشتياقي لآليء ... فمن بين أصداف الجفون تبدّد قطعن إليك البيد كالبحر آلها ... وظرّ انها من تحته يتوقّد «1» وركب على أكوارهنّ كأنهم ... سهام بأكباد القسيّ تشدّد وكلّ اذا ما هزّ سوطا كأنما ... تخبّ به بين النّعام خفيدد «2» الى أن اناخوها الى جنب حجرة ... لهيبته منها الفرائص ترعد إليك رسول الله مني ألوكة ... حنانيك قد يحنو على العبد سيّد «3»   (1) الآل: السراب. الظران: الحجارة. (2) الحفيدد: الظليم الخفيف، وهو ذكر النعام. (3) ألوكة: رسالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 أومّل من خير الانام شفاعة ... بها في نعيم بالجنان أخلّد فأنت رسول الله وهي شهادة ... أقرّ بها حتى المعاد وأشهد وددت بأني زرت قبرك راحلا ... وقبلت تربا انت منها موسّد ومرّغت خدي عند قبرك ضارعا ... بأرض حصاها لؤلؤ وزبرجد وذاك ضريح يحسد المسك تربه ... وكلّ شريف القدر لا شك يحسد به حلّ كلّ الجود والمجد والندى ... وفضل ومعروف وعزّ وسؤدد اذا حديت عنس بذكرك اسرعت ... كأن لم يمسّ الارض رجل ولا يد «4» وخلت سهيلا طالعا من ورائها ... وقابلها نسر وجديّ وفرقد   (4) العنس: الناقة القوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وصاح بها الحادون فاندفعت بهم ... تؤوّب في الأرض القواء وتسئد «5» وقد مدّت الاعناق تطوي مهامها ... تغور بها تحت الرحال وتنجد «6» شواحب الوان براها لغوبها ... بفيفاء فيها الابيض اللون أسود «7» واني لذو شوق اليك مضاعف ... بواعثه لا تأتلي تتجدد الى الحجرة البيضاء والجدث الذي ... به الخير في الدارين يرجى ويقصد الا أيّها الزوّار بالله بلغوا ... سلامي اليه وارفقوا وتأيدوا وقولوا له (فتيان) يشكو صبابة ... اليك ووجدا حره ليس يبرد يرجّي غدا تبريد غلته اذا ... شفعت له في الحشر والحوض مورد   (5) القواء: القفر من الاض. تسئد: تسرع في السير. (6) المهمه: الفلاة المقفرة والجمع المهامه. (7) الفيفاء: الصحراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 (3) قاضي القضاة تقي الدين ابو الفتح [ (ابن دقيق العيد) ] محمد بن الشيخ العلامة مجد الدين ابي الحسن علي بن وهب بن مطيع القشيري الشافعي المعروف بابن دقيق العيد، ولد سنة 625 للهجرة وتوفي سنة 702 للهجرة، وكان إماما محدثا وفقيها مدققا وأديبا شاعرا مجيدا*: (من الكامل) يا سائرا نحو الحجاز مشمرا ... أجهد فديتك في المسير وفي السّرى وتدرع الصبر الجميل ولا تكن ... في مطلب المجد الاثيل مقصرا اقصد الى حيث المكارم والنّدى ... يلقاك وجههما مضيئا مقمرا واذا سهرت الليل في طلب العلى ... فحذار ثم حذار من خدع الكرى ان كلّت النّجب الركائب تارة ... فأعد لها ذكر الحبيب مكررا   (*) تنظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 272، الطالع السعيد ص 567، فوات الوفيات 3/ 442، الوافي بالوفيات 4/ 193، طبقات الشافعية للسبكي 6/ 2، الدرر الكامنة 4/ 91، ابن دقيق العيد حياته وديوانه 139- 144. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 وابعث لها سر المدام فإنّها ... بالذكر لا تنفكّ حتى تسكرا واذا اختفت طرق المسير وظل من ... اشكالها نظر البصير محيرا فالقصد حيث النور يشرق ساطعا ... والطرق حيث ترى الثرى متعطرا قف بالمنازل والمناهل من لدن ... وادي قباء الى حمى أم القرى وتوخ آثار النبي فضع بها ... متشرفا خديك في عفر الثرى واذا رأيت مهابط الوحي التي ... نشرت على الافاق نورا نوّرا فاعلم بأنك ما رأيت شبيهها ... مذ كنت في ماضي الزمان ولا يرى شرفا لأمكنة تنزل بينها ... جبريل عن رب السماء مخبّرا فتأثرت عنه بأحسن بهجة ... أفدى الجمال مؤثّرا ومؤثرا فتردّد المختار بين بعيدها ... وقريبها متبديا متحضرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 فتبرمت بجماله وتشرفت بج ... لاله ورأت مقاما أكبرا واستودعت من سرّه ما كاد ان ... يبدي لنا معنى الكمال مصورا سرّ فهمنا كنهه لم يشتبه ... فنشكّ فيه ولم يهن فيفسرا الله أكبر ما أعزّ جنابه ... وأجلّ رفعته على كلّ الورى ولقد اقول اذا الكواكب أشرقت ... وترفّعت في منتهى شرف الذّرى لا تفخري زهوا فإنّ محمدا ... أعلى علا منها وأشرف جوهرا أحيا الاله ببعثته سنن الهدى ... وأعاد من عهد النبوّة أعصرا وأتى به والناس في ظلم العمى ... موقي المعارف والقلوب فأنشرا نلنا به ما قد رأينا من علا ... مع ما يؤمل في القيامة ان نرى فيه الملاذ تقدّما وتأخرا ... وله الجميل محققا ومقررا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 لله ما فيه من الشرف الذي ... أعيا على حسّابه ان يحصرا سعادة أزليّة سبقت وما ... هو ثابت أزلا فلن يتغيرا وسيادة بارى الانام لها ولا ... سيما اذا قدموا عليها المحشرا وزهادة ما استصلحت شيئا من ال ... دنيا لان يصغي اليه وينظرا وجلالة في الخلق حتى انّه ... أثنى عليها من براه وصوّرا وطهارة في الخلق حتى إنه ... يندى مع الاعراف مسكا أذفرا وتجاوز ينسي العيون تكرما ... ويغادر الذنب الكبير محقّرا ومواهب يأتي لها التأميل مس ... تقصى فيرجع عنده مستقصرا ومهابة ملأ القلوب بهاؤها ... واستنزلت كبر الملوك مصغرا نزلت على قدم الزمان بتبع ... ودنت على بعد المزار بقيصرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 ولربما كفت القتال فلو غدت ... للّيث نال بها الفريسة مخدرا وبديع لطف شمائل من دونها ... ماء الغمامة والنسيم اذا سرى مع سطوة لله في يوم الوغى ... تعنو لشدّة بأسها أسد الشرى متعادل الطرفين في طرق العلى ... عدلا وحاشاه بأن يستجورا لا ينكر المعروف من اخلاقه ... فاذا استبيح حمى الاله تنكرا غضبا لو أن البيض تدرك كنهه ... دانت له رعبا فسالت أنهرا شوقي لقرب جنابه وصحابه ... شوق يجلّ يسيره ان يذكرا أفنى كنوز الصبر من اسرافه ... وجرى على الاحشاء منه ما جرى ان لاح صبح كان وجدا مقلقا ... او جنّ ليل كان هما مسهرا لا واخذ الله الزمان فإنّه ... أعيا مرادي منه ان يتيسرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 أرجو وصال أحبتي فكأنما ... أرجو المحال وجوده المتعذرا وأسير نحو مقامهم حتى اذا ... شارفت رؤيته رجعت القهقرى متلونا في الحال والمتغير ال ... أحوال يلقى شربه متغيرا يا خاتم الرّسل الكرام نداء من ... وافى اليك مديحه مستعذرا أنا ضيفك المدعو يوم معادنا ال ... مرجو فاجعل من قراي الكوثرا (4) علاء الدين علي بن محمد بن سليمان بن حمائل المعروف بابن غانم ، ولد سنة 651 للهجرة بالمقدس، وتوفي سنة 737 للهجرة، وكان كاتبا شاعرا، رئيسا كبيرا، وقورا مهيبا كثير الاحسان، ذا مروءة وفتوة*: (من الكامل)   * تنظر ترجمته في: فوات الوفيات 4/ 7، الوافي بالوفيات 4/ 214، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 251، طبقات الشافعية للاسنوي 2/ 13، الدرر الكامنة 4/ 192، البداية والنهاية 14/ 131، النجوم الزاهرة 9/ 270. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 أبكي بذكر حمى العتيق وحاجر ... حتى لقد أدمى البكاء محاجري وبذكر سلع تستهلّ مدامعي ... شوقا اليه كالسحاب الماطر أترى أرى ذاك الحمى الزاهي الذي ... بالشوق أسماني وأسهر ناظري وتقرّ عيني بالزمان وقربه ... وتسرّ في ذاك المقام سرائري لم لا وفيه احمد الهادي الذي ... بالحقّ أرسل والبهاء الباهر المصطفى البرّ البشير محمد ... ذو الفضل والذكر الرفيع العاطر من اشرف الآباء كان وأطهر ال ... أصلاب نبعته وطيب عناصر قد خصّه الرحمن منه بأنعم ... لا تنتهي وفضائل ومآثر وهو الشفيع غدا اذا ما نوقش ال ... جاني واوقف ثمّ وقفة حائر وله الفضيلة والوسيلة واللّوا ... والحوض في يوم المعاد الآخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 ويا خاتم الرسل الكرام ومن له ... أعلى مزايا فيهم ومفاخر من لا تكون شفيعه في عرضه ... فأتت مساعيه كصفقة خاسر أنت المؤمّل عند عرض جرائمي ... ومعوّلي يوم الحساب وجابري فاذا افتقدت ذخائري في محشري ... فمحبتي لك من أجلّ ذخائري صلّى عليك الله ما نسخ الدّجى ... ضوء الصّباح المستنير الظاهر (5) أبو الفضل عبد الرحيم بن احمد بن محمد بن محمد بن ابراهيم بن الاخوة البغدادي الشيباني . خصه الله بالفضل الوافر، وهو جامع للعلوم ولا سيما الحديث والتفسير والنحو والادب، واشتهر بالخط الجميل، وكان شاعرا مجيدا، توفي سنة 548 للهجرة*: (من البسيط)   * تنظر ترجمته في خريدة القصر وجريدة العصر 3/ 1: 138، فوات الوفيات 2/ 309، عقود الجمان للزركشي 140 ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 سبحان من جعل الكواكب زينة ... وبهنّ في ظلم الليالي يهتدى سبحان من رفع السماوات العلى ... والارض مهدها لاصناف الورى سبحان من شقّ البحار بقدرة ... سبحان من أرسى الجبال على الثرى سبحان من خلق العباد فمن رضي ... عنه استقلّ ومن تسخطه هوى بعث النبيين الهداة، فمهدوا ... سبل اليقين واوضحوا طرق الهدى واختار ملّتنا، وشرف ديننا ... بعلى محمد النبي المصطفى خير البريّة محتدا واجلّهم ... نفسا واقصى الخلق في التقوى مدى ختم النبوّة واستقام لدينه ... وعلى أوامره التي اوحى جرى ما هان قطّ ولا صبا لنقيضة ... كلّا، ولا وعد الندى الا وفى آثاره مشهورة، وخلاله ... مشكورة، وصفاته تعيي الثنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 شهد الخلائق كلّهم بكماله ... وعنا لرتبته الفراقد والسّها ودعا الى التوحيد فانقادت له ... أسد الشرى طوعا وفرسان الوغى لما اتى بالبينات تواضعوا ... قصدا وحلّوا في المتابعة الحبى ما قال شعرا منذ كان ولا روى ... يوما اقاصيص القرون ولا تلا صلّى عليه الله ما هبت صبا ... او جنّ ليل او بدا وضح الضّحى هذا ثنائي وهو دون محلّه ... من ذا ينال بكفة بدر الدّجى؟ (6) ابو زكريا جمال الدين يحيى بن يوسف بن منصور بن المعمر بن عبد السلام الانصاري الصرصري ، نسبة الى صرصر وهي قريبة من بغداد. ولد سنة 581 للهجرة كما صرح في شعره بقوله: وفي عام احدى مع ثمانين مولدي ... عقيب المئين الخمس من شهر صبّر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وقتل شهيدا على يد التتر عند دخولهم بغداد 656 للهجرة، وقد وصل الينا ديوانه واغلبه في مدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم*: (من الطويل) أوجهك أم ضوء الصباح تبلّجا ... أم البدر في برج الجمال جلا الدّجى أم الشمس يوم الصحو في برج سعدها ... وفرعك أم ليل المحبّ اذا سجا وبرق سرى أم نور ثغرك باسما ... ونشرك أم مسك ذكيّ تأرجا أتتك جنود الحسن طوعا بأسرها ... فصرت مليكا في الجمال متوّجا فأضحت أبيات القلوب أسيرة ... لديك فلم يملكن عنك معرّجا فطوبى لعبد أنت سيده لقد ... سما بين أرباب البصائر والحجى فهل تجلب الاحلام لي منك نظرة ... فتكشف بعض الهمّ عني وتفرجا   * تنظر ترجمته في: فوات الوفيات 4/ 299، ذيل مرآة الزمان 1/ 257، نكت الهميان ص 308، الذيل على طبقات الحنابلة 2/ 262، البداية والنهاية 13/ 211، شذرات الذهب 5/ 286. والقصيدة في ديوانه ص 85. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 فقد نال مني منع طيفك مثلما ... شجاني من البعد المبرح ما شجا حثثنا اليك العيس حتى تبوأت ... لديك مقيلا ناضر الروض مبهجا فما كان أدنى قربنا من بعادنا ... وأقرب افراح القلوب من الشجا فلله قلبي يوم زفّت ركابنا ... وفارقت ظلا من جنابك سجسجا رجوت بقرب الدار ان أطفىء الأسى ... فما زاد وقد الشوق الا تأججا فهل للركاب القود نحوك مرجع ... يجبن بنا وعرا ويطوين مدرجا يحثحثها الحادي العجول مهجرا ... اليك ويطوي شقة البيد مدلجا يخوض بها آل الضّحى فكانّما ... يخوض بها البحر الخضمّ ملجلجا اذا ما تعالت في الهواجر في السّرى ... تخال نعاما في السباسب هدجا عليها رجال تشتكي الم الجوى ... كما تشتكي في سيرها الم الوجى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 لهم حنّة عند الصّباح وحنّة ... اليك اذا ما الليل غيهبه دجا يؤمون ربعا أفيح الجوّ زاهرا ... أضاء بوجه منك أزهر أبلجا حمى بك عنّا كلّ مظلمة محا ... فكلّ رجا منه يمال لمن رجا رحيب الذّرى غضّ القطاف لمن جنى ... اذا ما نحاه من جنى عائدا نجا اذا لجأ العافي اليه مؤملا ... جلا ضرّ معترّ الى بابه لجا اليك رسول الله أهدي مدائحي ... فتكسب من رياك نشرا مؤرجا وتلبسها أوصافك الزهر حلّة ال ... بهاء وروضا من حلاك مدبجا أسوت بما بينّت داء قلوبنا ... كما كنت تأسو قبل أوسا وخزرجا وكنت نبيا قبل آدم مرتجىّ ... لتفتح بابا للهداية مرتجا فجئت ورسم الرشد بالغي منهج ... فأوضحت فيه للبرية منهجا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 وشيّدت اعلام الرشاد مجددا ... وكنت كميا في الجهاد مدججا وثقفت سهم الدين حتى أقمته ... وقد كان ملوي المغامز أعوجا فأصبح وجه الحقّ أبلج ظاهرا ... بنورك والبطلان أزور مخدجا وأدخلك الرحمن بالصدق مدخلا ... خرجنا به من دارة الشرك مخرجا فيا خير من زمّ النياق لحجة ... وألجم خيلا للجهاد وأسرجا ومن إن أحاط الكرب بالناس كلهم ... فعاذوا به الفوه عنهم مفرّجا وان صلي النار العفاة غدا غدا ... لأمته من هؤة النار مخرجا أجرني فقد أصبحت في زمن له ... عرام لأهل الحلم أصبح مزعجا وقد أبلت السبعون برد شبيبتي ... فأضحى بتكرار الأهلة منهجا وعندي حاجات بها الله عالم ... أبيت بها من كارث الهمّ محرجا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 ولست أرى خلا معينا ابثّه ... شجوني فما ازداد الا توهجا ومالي في يوميّ غيرك منقدا ... اذا القلب للخطب الفظيع تلجلجا لأنك عند الله انجح شافع ... لدفع الملمات الشدائد ترتجى عليك سلام الله ما أظلم الدّجى ... وما فلق الصّبح المنير تبلّجا وعمّ به أصحابك الزّهر ما سرى ... الى ربعك السامي مشوق وأدلجا (7) كمال الدين محمد بن علي بن عبد الواحد، المعروف بابن الزملكاني ،، الانصاري الدمشقي، الإمام العلامة، قاضي القضاة، كان يضرب بذكائه المثل، ولد سنة 667 للهجرة، وتوفي سنة 727 للهجرة*: (من البسيط)   * تنظر ترجمته في: فوات الوفيات 4/ 7، الوافي بالوفيات 4/ 214، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 251، الدرر الكامنة 4/ 194، طبقات الشافعية للاسنوي 2/ 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 أهواك باربة الاستار أهواك ... وان تباعد عن مغناي مغناك وأعمل العيس والاشواق ترشدني ... عسى يشاهد معناك معنّاك تهوي بها البيد لا تخشى الضّلال وقد ... هدت ببرق الثنايا الغرّ مضناك تشوقها نسمات الصبح سارية ... تسوقها نحو رؤياك بريّاك يا ربّة الحرم العالي الأمين لمن ... وافاه من أين هذا الأمن لولاك؟ ان شبهوا الخال بالمسك الذكي فه ... ذا الخال من رؤية المحكي والحاكي أفدي بأسود قلبي نور أسوده ... من لي بتقبيله من بعد يمناك إني قصدتك لا ألوي على بشر ... ترمي النوى بي سراعا نحو مرماك وقد حططت رحالي في حماك عسى ... تنحطّ أثقال أوزاري بلقياك كما حططت بباب المصطفى أملي ... وقلت للنفس: بالمأمول بشراك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 محمد خير خلق الله كلهم ... وفاتح الخير ما حي كلّ إشراك سما باخمصه فوق السّماء فكم ... أوطا أسافلها من علو أفلاك ونال مرتبة ما نالها احد ... من أنبياء ذوي فضل واملاك يا صاحب الجاه عند الله خالقه ... ما ردّ جاهك الا كلّ أفّاك انت الوجيه على رغم العدا ابدا ... انت الشفيع لفتّاك ونساك يا فرقة الزّيغ لا لقيت صالحة ... ولا سقى الله يوما قلب مرضاك ولا حظيت بجاه المصطفى ابدا ... ومن اعانك في الدّنيا ووالاك يا أفضل الرّسل يا مولي الانام ويا ... خير الخلائق من انس واملاك ها قد قصدتك اشكو بعض ما صنعت ... بي الذّنوب وهذا ملجأ الشاكي قد قيّدتني ذنوب عن بلوغ مدى ... قصدي الى الفوز منها فهي اشراكي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 فاستغفر الله لي واسأله عصمته ... فيما بقي وغنى من غير إمساك عليك من ربك الله الصلاة كما ... منا عليك السلام الطيب الزاكي (8) علي بن رستم، المعروف بابن الساعاتي ؛ لأن والده عرف بصنع الساعات، وولد ابنه علي في دمشق سنة 553 للهجرة، وفيها نشأ وتثقف، وبعد اكثر من ثلاثين عاما مضى الى مصر واقام فيها حتى مات سنة 604 للهجرة، ووصل الينا ديوانه وهو محقق ومطبوع*: (من البسيط) جدّ الغرام وزاد القال والقيل ... وذو الصّبابة معذور ومعذول يا دمية الحيّ ما حزني لفرقتكم ... دعوى ولا وجدي العذريّ منحول ظللت في الدار أبكيها ويضحكها ... دمع على تلكم الاطلال مطلول   * تنظر ترجمته في: وفيات الاعيان 3/ 395، عبر الذهبي 5/ 11، شذرات الذهب 5/ 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 لا جرّ حين خلت منهم ملاعبها ... ذيل النسيم عليها وهو مبلول مجالس أوحشت منهم واندية ... علا العويل بها للصبّ تعويل بالحلي ما بي فكم للوشح من قلق ... باد وكم غصة تشكو الخلاخيل يا والي القلب أهواه ويظلمني ... وكلّ وال بحكم الدهر معزول اشكو فينصركم قلبي ويخذلني ... وفي المحبّة منصور ومخذول للبرق فيك اشارات لها طربي ... وللنسيم حديث عنك منقول خلا من البدر طرفي وهو منزله ... والقلب وهو أخوه منه مأهول يجني وفي كل جزء من محاسنه ... عذر جميل الى العشاق مقبول لدن المعاطف لا تصحو شمائله ... كأنّما هو بالصهباء مشمول وسنان اشقى بعطفيه وريقته ... فآفتي عاسل منه ومعسول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 قالوا بكيت دما والعيس سائرة ... بكلّ خال به في الحي مشغول «1» والومض يغمض في جفني صارمه ... لا غرو للسيف بدمي وهو مسلول وقفت والدمع جار يوم بينهم ... وكيف امضي وحد الصبر مغلول هم المنى والاماني غير صادقة ... وعدا وسؤلي هم لا يدرك السّول عج بالمنازل واسأل عن أوانسها ... فهي المحاريب او هنّ التماثيل أبكي واندب رسميها بكاظمة ... وفيهما لعليل الشوق تعليل وكم ركبت بهيم الليل في غرض ... وبدره غرّة والصبح تحجيل ووردة الفجر في خدّي مطالعة ... كأنّها أثر أبقاه تقبيل مضت قصار ليالينا واعقبها ... ليل طويل وفي الليل الاسى طول   (1) اي النياق سائرة بكل شخص خال من لوعة الحب لكن في الحي من شغل بحبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 فالانجم الزّهر في الافاق واقفة ... كأنّما علقت منها قناديل فعلّلاني وان ابصرتما شفقا ... فذاك نضح دم والصّبح مقتول يا حاسدا نال من فضلي بمنقصة ... عليك نفسك انّ الجهل مفضول حسبي الثلاثة بالتبريز شاهدة ... البيد والليل والعيس المراسيل ومن عجائب ما تحدى الركاب به ... صيت يطير بفضلي وهو محمول وكيف اخمل في دنيا وآخرة ... ومنطقي ورسول الله مأمول هو البشير النذير العدل شاهده ... وللشهادة تجريح وتعديل لولاه لم تك شمس لا، ولا قمر ... ولا الفرات وجاراها ولا النيل ولم يجب آدم في حال دعوته ... نعم، ولم يك قابيل وهابيل مرتّل الوحي يتلوه ويهرسه ... ولم يكن لكلام الله ترتيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 فسيّد الرّسل حقا لا خفاء به ... وشافع في جميع الناس مقبول له تزخرف أفناء الجنان وعن ... رضوانه حلّ منها العرض والطول كم بردت غلّة من ماء كوثره ... اذن، وكم فكّ مصفود ومغلول بثت نبوته الاخبار اذ نطقت ... فحدّثت عنه توراة وانجيل أضاء هديا وجنح الكفر معتكر ... ووجه حقّ وستر الشّك مسدول وكيف يصبو الى الدنيا وزينتها ... والقلب من دنس الاطماع مغسول خذ فضله جملة جاء الكتاب بها ... فعزّ ان يحصر التفضيل تفصيل لم يثو في اهله اهل العباء ففا ... ت القوم وحي بمثواه وتنزيل «2» الخمسة الغرّ لم يقض اجتماعهم ... الا وسادسهم في الجمع جبريل   (2) اهل العباءة: هم اهل البيت الخمسة الذين القى عليهم عباءته (ينظر الطبري في تفسيره آية 33 من سورة الاحزاب) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 فعنهم أخذ التنزيل أجمعه ... في الكافرين وفي الباغين تأويل فضيلتا شرف ما ناله بشر ... أولى وأخرى بهم تردى الاضاليل يعدّها الغمر إسرافا ومنقصة ... وإنّما هي تتميم وتكميل ترعرع الدين طفلا بين اظهرهم ... وما ألمّ به وهنّ وتكهيل ببيضهم فرعت عليا منابره ... وفي بيوتهم الاسلام مكفول هم ألّفوا من تنادى في قطيعتهم ... وأمنوا من تولى وهو إجفيل «3» جزى عن السيء الحسنى وعامل بال ... بقيا وقد كثرت فيه الاقاويل أقام سوقا من المعروف زاكية ... لا ينفق الإفك فيها والاباطيل وكلّ عفّ طليق في فصاحته ... لسانه بحريز العقل معقول   (3) اجفيل: نفور جبان يهرب من كل شيء فرقا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 ذو المجد ما زال معروفا فليس به ... نكر وفي المجد معروف ومجهول قوم لهم زمزم لا دفع عنه ووض ... ع الرّكن لمّا تعاطته البهاليل والبيت نكّب عنه الفيل مكرمة ... لهم فلولاهم ما نكّب الفيل فضيلة عرفت من عبد مطلب ... والقوم صرعى كعصف وهو مأكول ردت أعاديه في بدر ويومئذ ... جياده القبّ والطير الابابيل فالنفس والبيت أشباه مطهرة ... والآل والصحب انجاد مفاضيل من كلّ أزهر والالوان حائلة ... من طينة الحسن والايمان مجبول يردي الكميّ ويردى رمحه قصدا ... فرمحه قاتل للقرن مقتول ليث اذا جرّ من ذيل الحديد لغي ... ر الكبر فالجيش مكفوف ومشلول ان صال او قال أودى في مواقفه ... مجدّل من أعاديه ومجدول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 السادة القادة الحامون دينهم ... بالمشرفية والبيض المقاديل المبكيات عيون الزّغف سمرهم ... دما وان ضوعفت منها السرابيل «4» سمّ العداة وفرسان البيان فمن ... فوق الاجادل منها الغاب والغيل المؤثرون وإن جلّت خصاصتهم ... وهم لامثالها ضعفا مفاعيل لهم تحلّ الحبى والارض واجفة ال ... حشى ويعقد في الملك الاكاليل تردى بساحتهم جرد الرباط لنص ... ر الله او تخذ العوذ المطافيل «5» فالسّرح نهب ونسل الكفر أجمعه ... سبي بأيديهم والعرش مثلول والشمس رمدا بوجه اليوم بادية ... فجفنها أمره بالنقع مكحول والصف سطر بسمر الخط ينقط وال ... بيد الطروس وبالهندي مشكول   (4) الزعف: الدرع المحكمة، والجمع زعف على لفظ الواحد. السرابيل: الدروع. (5) تردى الخيل: تحجل بين العدو والمشي. العوذ المطافيل: النياق الوالدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 أسد اذا نازلوا شهب اذا سفروا ... لدّ اذا جادلوا سحب اذا سيلوا فلا مفاريح ان نالت رماحهم ... ولا مجازيع في البأساء ان نيلوا العالمون بأنّ النفس هالكة ... يوما وانّ قضاء الله مفعول فما كواحدهم في فضله احد ... ولا كجيلهم في فضله جيل وإنني لأرجّي أجر حبهم ... في يوم حبهم أجر وتنزيل (9) شهاب الدين احمد بن عبد الملك بن عبد العزازي ، كان كيسا ظريفا، جيد النظم في الشعر والموشحات، ولد سنة 634 للهجرة، وتوفي سنة 710 للهجرة*: (من البسيط)   * ترجمته في: فوات الوفيات 1/ 95، الوافي بالوفيات 7/ 148، الدرر الكامنة 1/ 191، المنهل الصافي 1/ 340، النجوم الزاهرة 9/ 214، شذرات الذهب 6/ 21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 دمي بأطلال ذات الخال مطلول ... وجيش صبري مهزوم ومفلول ومن يلاق العيون الفاتكات بلا ... صبر يدافع عنه فهو مخذول قتلت في الحبّ حبّ الغانيات وما ... قارفت ذنبا وكم في الحبّ مقتول لم يدر من سلب العشاق انفسهم ... بأنه عن دم العشاق مسؤول وبي أغنّ غضيض الطرف معتدل ال ... قوام لدن مهزّ العطف مجدول كأنه في تثنيه وخطرته ... غصن من البان مطلول ومشمول سلافة منه تسبيني وسالفة ... وعامل منه يصبيني ومعسول وكلّ ما تدعي أجفان مقلته ... يصحّ إلا غرامي فهو منحول يا برق كيف الثنايا الغرّ من إضم ... يا برق أم كيف لي منهنّ تقبيل ويا نسيم الصّبا كرر على أذني ... حديثهن فما التكرار مملول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 ويا حداة المطايا دون ذي سلم ... عوجوا وشرقيّ بانات اللوى قيلوا منازل لأكف الغيث توشية ... بها وللنّور توشيع وتكليل كأنما طيب رياها ونفحتها ... بطيب ترب رسول الله مجبول اوفى النبيين برهانا ومعجزة ... وخير من جاءه بالوحي جبريل له يد وله باع يزينهما ... في السلم طول وفي يوم الوغى طول سلّ الاله به سيفا لملّته ... وذلك السيف حتى الحشر مسلول وشاد ركنا اثيلا من نبؤته ... والكفر واه وعرش الشرك مثلول ويل لمن جحدوا برهانه وثنى ... عنان رشدهم غيّ وتضليل أولئك الخاسرون الخاسئون ومن ... لهم من الله تعذيب وتنكيل نمته من هاشم أسد ضراغمة ... لها السيوف بيوت والقنا غيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 اذا تفاخر ارباب العلى فهم ال ... غرّ المغاوير والصّيد البهاليل لهم على العرب العرباء قاطبة ... به افتخار وترجيح وتفصيل قوم عمائمهم ذلّت لعزتها ال ... قعساء تيجان كسرى والاكاليل (10) محمد بن محمد بن عيسى الشيباني القوصي ، الاديب الشاعر، له مشاركة في النحو واللغة والتاريخ، وكان ظريفا لطيفا خفيف الروح، توفي سنة 707 للهجرة*: (من المتقارب) تذكر بالسّفح بانا وظلّا ... فأجرى المدامع وبلّا وطلّا يرجّي زمانا تولى يعود ... وليس يعود زمان تولّى كئيب تحمل ما لا يطيق ... له الفخر من ألم البين حملا   * تنظر ترجمته في: الطالع السعيد ص 613، الوافي بالوفيات 1/ 259، الدرر الكامنة 4/ 207. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 يبيت يكابد آلامه ... وأسقامه وكما بات ظلّا وضيّع اوقاته في عسى ... وماذا تفيد عسى او لعلّا؟ ويشرب من ماء أجفانه ... على الظمأ البرح نهلا وعلّا أحبتنا اكثر العمر راح ... عتابا فلا تتبعوه الاقلّا وعودوا عسى ان يعود السرور ... فمنذ توليتم عنه ولىّ ولا تحسبوا القلب يسلاكم ... فمن مثلكم مثله ما تسلّى مللتم دنوّي وما عادتي ... اذا ملّني سادتي ان أملّا وما خنت مذ كنت ميثاقكم ... ولست أخون وحاشا وكلّا أذلّ لكم علّكم تعطفون ... عليّ وما شيمتي أن أذلّا فيا بين مهلا فلو انّ لي ... بقية صبر لما قلت مهلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 فحيّا الحيا أحدا والبقيع ... وحيّا القرين ومن فيه حلّا وسقى المدرّج ثمّ العقيق ... وسلعا وأرض قبا والمصلّى منازل ما أطيب العيش في ... رباها على كلّ حال وأحلى اذا سرت عنها أرى السهل وعرا ... وان زرتها ارى الوعر سهلا وكيف أقول سقاها الحيا ... وأخشى عليها مدى الدهر محلا وفيها الجواد الذي كفّه ... من السحب أندى وأجدى وأعلى أجلّ العباد وأعلاهم ... وما خلّف دنيا وأخرى محلّا نبيّ سخيّ حييّ وفيّ ... أبرّ البريّة قولا وفعلا وسيم عليه يلوح القبول ... وسيما السعادة مذ كان طفلا وخفّ على أمة حمله ... بلطف الاله فلم يشك ثقلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 تجلّى فأخجل بدر السما ... واشرقت الارض لمّا تجلى وطهّره الله خلقا وخلقا ... وقولا وفعلا وفرعا وأصلا وأثنى بما هو اهل له ... عليه وما زال للمدح أهلا ومعجز كلّ نبيّ مضى ... ومعجزه أبد الدّهر يتلى أذلّ الملوك له ربّه ... فكم بين أسرى لديه وقتلى وطابت بتربته طيبة ... وحلّ بها الخير علوا وسفلا أمات الذّحول بها لطفه ... فلم يبق بين الفريقين ذحلا له الحوض طوبى لمن نال من ... هـ ريّا وويل لمن عنه ولّى وما زال يملأ ارض العدو ... وفي طاعة الله خيلا ورجلا ويسقي عداه كؤوس الحمام ... سقاة المنية دورا ونزلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 ويبذل مهجته طالبا ... رضا الله اذ ظهر الحقّ بذلا فلله كم من ذليل أعزّ ... وفي الله كم من عزيز أذلّا وفكّ أسيرا وآوى طريدا ... وعافى مريضا وأغنى مقلّا وشقّ له القمر المستنير ... والشمس ردّت وناهيك فضلا وسبّح في راحتيه الحصى ... لربّ العباد تعالى وجلّا وحنّ اليه حنين العشار ... جذيع قديم وقد كان ذبلا وناول في يوم بدر قضيبا ... لبعض الصحابة فارتدّ نصلا وقد سجدت سرحة اذ رأته ... وأخرى اتته فلبّته عجلى وخبّر عن كلّ شيء يكون ... بعد وعن كلّ ما كان قبلا عجبت لمن يتعامى عن ال ... براهين وهي من الشمس أجلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 ويقلع في وجه تيار بحر ... هواه عنادا وبغيا وجهلا أفي الحقّ شك اذا وفّق ال ... إله وقد صحّ عقلا ونقلا يريدون ان يطفئوا نوره ... بأفواههم ضلّ شانيه ضلا مدحت محمدا المصطفى ال ... كريم الحليم الحكيم الأجلّا لعلّي في حوضه في غد ... اذا جئته ظاميا لا أخلّى محمد، نحن كما قد علمت ... ضيوفك والضيف يحتاج نزلا وما ذكروا عنك لا في الحياة ... ولا في الممات وحاشاك بخلا هلم القرى وقرانا النجاة ... بدا العرض اذ يرجع العزّ ذلّا وقفنا ببابك نشكو اليك ... من الكرب والكرب قد عمّ كلّا وأنّى نظرت لنا نظرة ... تلاشى بها كربنا واضمحلّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 فلا تتخلّ عن المذنبين ... اذا المرء عن والديه تخلّى وصلّى عليك الغفور الرحيم ... وسلّم ما صام عبد وصلّى (11) ضياء الدين علي بن محمد بن يوسف الخزرجي الغرناطي ، الشاعر الصوفي، اقام بالاسكندرية، وكان مشهورا بالزهد، وله مدائح في النبي صلّى الله عليه وسلّم، واضرّ في آخر عمره، وقارب المئة، وتوفي سنة 686 للهجرة*: (من البسيط) هي المنازل فانزل يمنة العلم ... ودع سؤالك عن سلمى وذي سلم وان أنخت بوادي السّرحتين فغب ... عن الخيام تشاهد صاحب الخيم   * تنظر ترجمته في: عيون التواريخ 21/ 410. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 متى بدا لك في المصنوع صانعه ... فقد تجلت لك الأنوار في الظّلم وان أشاقك ربع بالعذيب فقل ... تكلت قلبي أن أسعى لغيرهم فكلّ من صقلت مرآة باطنه ... أرته شمس الهدى من مطلع الحكم فغاب عن رؤية الاكوان واتصلت ... أوصافه بصفات الواله الفهم ذاك الذي سرحت في العلو همّته ... فبات من نظر الاغيار في حرم سما عن الوجد لمّا لاح موجده ... فالذات مثبتة والاين في عدم وناح من اجلها نوح ودارسها ... إدريس قبل فأدنته من النّعم ونال منها خليل الله مرتبة ... نجّته من لفحات النار حين رمي اذ قال جبريل في أفق الهواء له: ... هل حاجة لك والنيران في ضرم؟ قتال في وقته: أمّا اليك فلا ... فقال: سل، قال: حسبي علمه فلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 فسلّمت عند ذاك النار وانقلبت ... بردا له وسلاما دون ما ألم ولاح نور التجلّي نورها فكسا ... موسى خلع التخصيص بالكلم وهام من شربها عيسى المسيح فلم ... يحفل بأهل ولا مال ولا نعم واحمد المصطفى المختار سيّدنا ... قد فاز منها بأوفى الحظّ والقسم وليلة القرب روح القدس قال له: ... سر يا محمد لا تعدل ولا تلم هذا مقامي فإنّي عنك منفصل ... ولست منفصلا عن بارىء النّسم فأنت أكرم خلق الله كلهم ... حقا وأفضل من يمشي على قدم يا أزلف الخلق عند الله منزلة ... أنت المشفّع يوم الحشر في الأمم عبيدك الخزرجي اليوم في قلق ... يرجو حنانيك يوم الخوف والنّدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 (12) جلال الدين محمد بن احمد بن عبد الرحمن بن محمد الكندي ، ولد بقوص في مصر سنة 661 للهجرة، وتوفي فيها سنة 711 للهجرة، وكان أدبيا شاعرا، وعالما فاضلا، كريم الاخلاق، طيب الأصول والاعراق*: (من الكامل) أبدا تحنّ لقربك الاظعان ... وتهيم إن ذكر الحمى والبان ويحثّها وجد بها لمنازل ... قد حلّ فيها الأمن والإيمان يا سعد عرّج بالمطيّ لروضها ... فبعرفه قد أرشد الظّعّان وارفق بها فلقد غنيت بشوقها ... عن سوقها لمّا بدت نعمان «1» أوما علمت بأنّ احمد قصدها ... من سيرها لا الروض والغدران   * تنظر ترجمته في: الطالع السعيد ص 488، الوافي بالوفيات 2/ 150، الدرر الكامنة 3/ 327. (1) نعمان: وادي عرفة، دونها الى منى، وهو كثير الاراك (معجم البلدان 5/ 293) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 يا زائري قبر النبيّ محمد ... بشراكم فقراكم الغفران هنّوا نواظركم بزورة قبره ... ها أنتم لمحمد جيران طبتم وحقّ جماله بجواره ... عيشا وزالت عنكم الاحزان يا محصرا عن سيره لجنابه ... اين النّواح ودمعك الهتّان؟ أمسيت مثلي عاصيا ومخلّطا ... لا نستقيل وعاقنا العصيان يا سيّد الابرار انت شفيعنا ... واليك يأوي الموجع الحيران دارك ببرّ من لا يرتجي ... بشرا سواك اذا جفا الخلّان يا خاتم الرّسل الكرام وصاحب ال ... آي العظام ومن له البرهان يا خاتم الرّسل الكرام وصاحب ال ... آي العظام ومن له البرهان نلنا بمولدك الكريم كرامة ... منها غدا الشيطان وهو مهان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وتزلزت أركان كسرى كلّها ... بوجوده وتفطّر الايوان وأضاء بالشّام القصور وأخمدت ... بعد الوقود لفارس نيران ولطالما التهبت ولم يخمد لها ... لهب خبا ومضت لها أزمان وتداعت الاصنام طرّا نكّسا ... بعد السموّ وخرت الاوثان والجنّ قد رجمت بشهب عندما اس ... ترقت لها نحو السّما آذان وبه البشائر قد توالت جمّة ... وافت بها الاحبار والرهبان وبدا الهدى بوجوده لمّا بدا ... والرّشد دان والضّلال مبان يا خير من وطىء الثرى واجّل من ... فاضت له بالمكرمات بنان يا من سما قدرا على ملأ السّما ... يا من عليه نزّل القرآن انت الوفيّ أمانة انت التق ... يّ سلالة ولك العلى والشان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 نعم لك الوجه البهيّ وكفّك ال ... رحب النّديّ وخلقك القرآن حزن الجمال مع الجميل كلاهما ... فإليك يعزى الحسن والاحسان فبمن عليك صلاته وصيامه ... ولديك منه الرّوح والرّيحان لا تنسنا من فضل جاهك عندما ... تطوى السّماء وينشر الديوان صلّى عليك الله ما هطل الحيا ... وسرى النسيم ومالت الأغصان وعلى صحابتك الذين أتاهم ... من ذي الجلال النصر والرضوان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 المصادر والمراجع 1- الادب الصوفي في مصر في القرن السابع الهجري: د. علي صافي حسين. مط دار المعارف- القاهرة 1964. 2- البداية والنهاية: ابن كثير. مط السعادة- القاهرة 1932. 3- بردة البوصيري، قراءة أدبية وفلكلورية: د. محمد رجب النجار. جامعة الكويت، الحولية السابعة 1986. 4- تاريخ الادب العربي: بروكلمان. ترجمة د. رمضان عبد التواب ج 5، مط دار المعارف- القاهرة 1975. 5- تاريخ الادب العربي، عصر الدول والامارات: د. شوقي ضيف. مط دار المعارف- القاهرة 1980. 6- تاريخ المعارضات في الشعر العربي: د. محمد محمود قاسم نوفل- بيروت 1983. 7- تتمة المختصر في اخبار البشر: ابن الوردي. مط دار المعرفة- بيروت 1970. 8- تذكرة الحفاظ: الحافظ الذهبي. ط حيدر اباد الهند 1333 هـ. 9- تراجم رجال القرنين السادس والسابع (ذيل الروضتين) : ابن ابي شامة المقدسي- القاهرة 1947. 10- الجواهر المضية في طبقات الحنفية: عبد القادر بن ابي الوفاء محمد. مط مجلس دائرة المعارف العثمانية- المهند 1322 هـ. 11- الحروب الصليبية واثرها في الادب العربي في مصر والشام: محمد سيد گيلاني. مط دار الكتاب العربي- مصر 1949. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 12- حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة: جلال الدين السيوطي. تح: محمد ابو الفضل ابراهيم. دار احياء الكتب العربية- القاهرة 1967. 13- الحياة الادبية في عصر الحروب الصليبية: د. احمد احمد بدوي. مط نهضة مصر- القاهرة 1954. 14- خريدة القصر وجريدة العصر: عماد الدين الاصبهاني (قسم العراق) ، تح: بهجة الاثري، ج 3. دار الحرية للطباعة- بغداد 1976. 15- خزانة الادب: ابن حجة الحموي. المط الخيرية- القاهرة 1304 هـ. 16- الدرر الكامنة في اعيان المئة الثامنة: ابن حجر العسقلاني. مط المدني- القاهرة 1966. 17- ابن دقيق العيد، حياته وديوانه: علي صافي حسين. مط دار المعارف- القاهرة 1960. 18- ديوان البوصيري: تح: محمد سيد گيلاني. مط مصطفى البابي الحلبي- القاهرة 1955. 19- ديوان ابي الحسن الششتري: تح: د. علي سامي النشار. مط دار نشر الثقافة- القاهرة 1960. 20- ديوان ابي حيان الاندلسي: تح: د. احمد مطلوب، د. خديجة الحديثي. مط العاني- بغداد 1969. 21- ديوان الرحالة ابن جبير الاندلسي: تح: د. منجد مصطفى بهجت. دار الرفاعي للنشر والطباعة والتوزيع- الرياض 1419 هـ. 22- ديوان ابن الساعاتي: تح: انيس المقدسي. المط الامريكية- بيروت 1938. 23- ديوان الشاب الظريف: تح: شاكر هادي شكر. مط النجف- النجف 1967. 24- ديوان الصاحب شرف الدين الانصاري: تح: د. عمر موسى باشا. المط الهاشمية- دمش 1967. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 25- ديوان الصرصري: تح: د. مخيمر صالح- الاردن 1989. 26- ديوان ابن الفارض: مط دار صادر- بيروت 1962. 27- ديوان فتيان الشاغوري: تح: احمد الجندي. المط الهاشمية- دمشق 1967. 28- ديوان ابن نباتة المصري: مط التمدن- القاهرة 1905. 29- ديوان الوتري: مط جريدة بيروت- بيروت 1315 هـ. 30- الذيل على طبقات الحنابلة: ابن رجب، مط السنة المحمدية- القاهرة 1372 هـ. 31- ذيل مرآة الزمان: قطب الدين اليونيني. مط مجلس المعارف العثمانية- الهند 1954. 32- رفع الاصر عن قضاة مصر: ابن حجر العسقلاني- القاهرة 1957- 1961. 33- السمو الروحي في الادب الصوفي: احمد عبد المنعم الحلواني. مط مصطفى البابي الحلبي- القاهرة 1949. 34- شذرات الذهب: ابن العماد الحنبلي. نشر مكتبة القدسي- القاهرة 1351 هـ. 35- شرح بانت سعاد: عبد اللطيف بن يوسف البغدادي، تح: هلال ناجي. مكتبة الفلاح- الكويت 1981. 36- شرح ديوان كعب بن زهير: الدار القومية للطباعة والنشر- القاهرة 1965. 37- الشعر العربي في العراق من سقوط السلاجقة حتى سقوط بغداد- عبد الكريم توفيق العبود. دار الحرية للطباعة- بغداد 1976. 38- شهاب الدين محمود الحلبي، حياته وشعره: عادل كتاب العزاوي. رسالة دكتوراه. جامعة بغداد- الاداب 1995. 39- الطالع السعيد: الادفوي. مط سجل العرب- القاهرة 1966. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 40- طبقات الشافعية الكبرى: السبكي. المط الحسينية- القاهرة 1324 هـ. 41- طبقات الشافعية: جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الاسنوي: تح: عبد الله الجبوري. مط الارشاد- بغداد 1974. 42- عقود الجمان وتذييل وفيات الاعيان: الزركشي. مخطوطة مكتبة عارف حكمت با مدينة المنورة، رقم 459 تاريخ. 43- الفوائد الجلية في الفرائد الناصرية: داود بن عيسى الايوبي. تح: د. ناظم رشيد. مط دار الشؤون الثقافية العامة- بغداد 1992. 44- فوات الوفيات ابن شاكر الكتبي. تح: د. احسان عباس. مط دار صادر- بيروت 1973. 45- المجموعة النبهانية في المدائح النبوية: يوسف بن اسماعيل النبهاني- بيروت 1974. 46- كتاب النكت العصرية: عمارة اليمني.. ط باريس 1897. 47- مختصر تاريخ العرب: سيد امير علي دار العلم للملايين- بيروت 1961. 48- المدائح النبوية بين الصرصري والبوصيري: د. مخيمر صالح دار مكتبة الهلال- بيروت- الدار العربية- عمان 1986. 49- المدائح النبوية في الادب العربي: د. زكي مبارك. دار الكتاب العربي للطباعة والنشر- القاهرة 1967. 50- مطالع البدور: علاء الدين الغزولي. مط ادارة الوطن- القاهرة 1299 هـ. 51- معجم الادباء: ياقوت الحموي. تح: مرجليوت. المط الهندية- مصر 1923. 52- معجم البلدان: ياقوت الحموي. مط دار صادر- بيروت 1955. 53- مفتاح السعادة: طاش كويري زادة. مط الاستقلال الكبرى- القاهرة 1968. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 54- المنهل الصافي: ابن تغري بردي. ج 1، مط دار الكتب المصرية- القاهرة 1959. 55- ابن نباتة المصري: د. عمر موسى باشا. مط دار المعارف- القاهرة 1972. 56- النجوم الزاهرة: ابن تغري بردي. مط دار الكتب المصرية القاهرة 1936. 57- نفح الطيب: احمد بن محمد المقري. مط دار صادر- بيروت 1968. 58- نكت الهميان: الصفدي. المط الجمالية- القاهرة 1911. 59- الوافي بالوفيات: الصفدي. نشر المستشرقين الالمان- استانبول 1931. 60- وفيات الاعيان: ابن خلكان. تح: د. احسان عباس. مط دار صادر- بيروت 1972. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137