الكتاب: محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الكتب المقدسة المؤلف: سامى عامرى الناشر: مركز التنوير الإسلامي للخدمات المعرفية والنشر بالقاهرة الطبعة: الأولى - 1426 هـ - 2006 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الكتب المقدسة سامى عامرى الكتاب: محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الكتب المقدسة المؤلف: سامى عامرى الناشر: مركز التنوير الإسلامي للخدمات المعرفية والنشر بالقاهرة الطبعة: الأولى - 1426 هـ - 2006 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] [التصدير] بسم الله الرّحمن الرّحيم قال صلى الله عليه وسلم: " والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار" (صحيح مسلم) قال الإمام ابن القيم: " لو لم يظهر محمد بن عبد الله- صلى الله عليه وسلم- لبطلت نبوة سائر الأنبياء، فظهور نبوته تصديق لنبواتهم وشهادة لها بالصدق، فإرساله من آيات الأنبياء قبله، وقد أشار سبحانه إلى هذا المعنى بعينه في قوله: " بل جاء بالحق وصدق المرسلين". " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 الإهداء إلى الإمام الغائب، الشاهد.. شيخ الإسلام.. مفتي الأنام بلسم السنة.. ناصر الملّة في زمن الذلّة.. ابن تيميّة.. رحمه الله رحمة واسعة، وأبقى ذكره الطيّب في العالمين! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 توطئة إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل: " فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ" (الروم 15- 16) .. والصلاة والسلام على حبيبي وقرّة عيني، ومعلّمي الخير ودليلي إلى الفلاح: محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم حجة الله على الناس أجمعين، والمبشّر به على لسان الأنبياء الأوّلين. صلّى عليه إلهه وخليله ... مادامت الغبراء والخضراء فهو الذي فاق الأنام كرامة ... واستبشرت بقدومه الأنباء أما بعد، فإن أمتنا تعيش في معترك حام، تحت سماء حمراء متوهجة، وفوق أرض صخرية متأججة، تملؤها سنابك خيل الدعاة البغاة المعجّجة، وتتخطفها الأيادي الآثمة، وتنخر أرضها الطاهرة تمددات سرطانية عابثة. ولا شكّ أنّ هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الإنسانية تستحث المسلم لنثل سهام من كنانة الحق رغبة في إخماد وساوس الباطل وشقاشقه.. ولا شكّ أنّ حماية بيضة الدين وصيانة حوزة التوحيد هي أهم المهمات في زمن الملمات. ومما لا يستريب فيه عاقل أنّ مرحلة التيه التي تتخبّط فيها طوائف مليونية وتحترق في أتونها يوميا، تستدعي من حاملي مشاعل النور أن يخرجوا إلى الذين قد سكنهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 الضياع ليرشدوهم إلى معالم طريق الهدى وليأخذوا بأيديهم إلى أبواب السكينة. لأجل كل ذلك يتحدث إليكم اليوم، أحد المسلمين عن البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتب المقدسة عند النصارى واليهود والهندوس والبوذيين والصابئة والمجوس.. وليس علينا إلا أن نبسط القول في كشف دلائل الحق، وتسليط الأنوار عليها، وقمع الظلام الذي يريد طمس روعة الهدى وإطفاء جذوته الحارة.. فإنّ أصرّ البغاة على أنفسهم وأشاحوا بالوجه عمّا جاءهم من الحقّ وغلّقوا العيون وسدّوا الآذان، قال قائلنا: هذا بلاغي لكم والبعث موعدنا ... وعند ذي العرش يدري الناس ما الخبر وحديثنا المتواضع، يأتي بعد سلسلة من الكتب التي ألفها دعاة إلى الله في محاولة حثيثة إلى استقطاب النصارى واليهود والمجوس والبوذيين والهندوس إلى الإسلام. وقد جمعت تلك النخبة من الكتب الحجة القاطعة إلى الأسلوب الرائق دون تحريف الواقع أو التزييف الباقع.. وقد كان ردّ فعل الأقوام المدعية إلى جنة عرضها السماوات والأرض متباينا: فمن مهرول إلى الحق راكع في محرابه.. ومتأنّ في مشيّه بطيء في حركته.. ومتلعثم متعثر قبل تخطي عتبة الباب.. ورافض مشتط في الغواية نصب سيف الحرب على الوحي ليستعلن بباطله المنتفش انتفاشه الزبد الرابي سريع الزوال!! والمتابع لردود فعل أهل الديانات الأربع السابقة، منذ القرون الأولى، من إعلان النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم بعثته المباركة، يلحظ بكلّ يسر أنّ أكثر ديانة وقفت بعقائدها ضد قرآن الإسلام في القرون الهجرية الأولى هي الديانة المجوسية التي بلغت درجة" متقدمة" من منطقة أصولها والدفاع عنها، ويظهر من كتاب" الفهرست" لابن النديم الوراق (؟ - ت 385 هجري) أنّ الردود الإسلامية على المجوسية المتمثلة في كتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 وردود مؤلفة في القرون الهجرية الأولى أكبر بكثير من الكتب التي ألفت في تلك الفترة في الحديث عن النصرانية وفي إبطالها، فقد تناول ابن النديم في المقالة التاسعة، الديانات الفارسية والهندية فيما يزيد عن خمسين صحيفة (من ص 441- 493) ، في حين أنه خصص للفرق النصرانية صحيفة واحدة (ص ص 33- 36) . وكانت هذه العاصفة الإسلامية على المجوسية التي عاشت لفترة هامة تحت حماية امبراطورية مترامية الأطراف وفي ظلّ تأييدها، سببا في اندثار المجوسية باعتناق أهلها الإسلام وانسلاخهم من دين التثنوية. استمر دين الصابئة محصورا في فئة قليلة، وكان لظهور الإسلام على جميع الأديان في بلاد الشام والعراق والحجاز سدا قطع شرايين هذا الدين وآماله في الانتشار والتوسّع. أما النصرانية واليهودية والبوذية والهندوسية فقد تقلّص حجم تمددها الأرضي والبشري لصالح الإسلام وإن لم تندثر عقائدها.. وقد كان لصدق دين الإسلام ووضوحه وكماله وسعته والجلد الذي أظهره من اعتنقوه، أثر غير مسبوق في انتشاره في قلوب الناس وتمكّنه من الصدور.. وقد شهد كبار الباحثين الغربيين لمعجزة سرعة انتشار الإسلام على حساب بقية العقائد والأديان، معربين عن عظيم دهشتهم من السرعة الفائقة التي اكتسح بها الإسلام الأراضي والنفوس. فقال المؤرخ الهولندي دوزي: " إنّ هذه الظاهرة تبدو لأول وهلة لغزا غريبا، لا سيما متى علمنا أنّ الدين الجديد لم يفرض فرضا على أحد". وقال ماركس مايرهوف في مؤلفه" العالم الإسلامي": " ويكاد يكون مستحيلا أن نفهم كيف أنّ أعرابا منقسمين إلى عشائر ليست عندهم العدد والعدة اللازمة يهزمون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 في مثل هذا الوقت القصير جيوش الرومان والفرس الذين كانوا أكثر منهم مرارا في الأعداد والعتاد وكانوا يقاتلونهم وهم كتائب منظمة". وقال لورد ستروب: " فكلما زدنا استقصاء، باحثين عن سر تقدم الإسلام زادنا ذلك العجب العجاب بهرا فارتددنا عنه بطرف كسير.. عرفنا أنّ سائر الأديان العظمى إنما نشأت تسير في سبيلها سيرا بطيئا متلافية كل صعب، حتى قيّض الله لكل دين من أراده من ملك ناصر وسلطان قاهر انتحل ذلك الدين ثم أخذ في تأييده والذب عنه حتى رسخت أركانه وضمت جوانبه. إنما ليس الأمر كذلك في الإسلام.. الإسلام الذي نشأ في بلاد صحراوية" ... وقد رجّت هذه الحركة التوسعية السريعة الوثّابة معاقل كثير من الأديان الوافرة الأتباع وجعلتها تتقلّب في مواقفها وتتلجلج في ردود أفعالها.. فقد بدأت في أوّل أمرها بالطعن الشديد والافتراء الفجّ والكذب السمج- واقرأ لزاما كتاب د. عبد الرحمن" دفاع عن القرآن ضد منتقديه" لترى العجب العجاب وما يضحك الثكلى التي فقدت الأولاد، من الأباطيل السخيفة المدعاة على القرآن-. وصار أقطابها اليوم يعلنون اعترافهم ب" ثورة" موج الإسلام وأنّه رقم صعب في معادلة العقائد.. لكنهم لم يقبلوا الهدى ولم يعبروا المدى، وإنّما غيّروا" التكتيك" في التعامل مع دين الله الحقّ.. فطفت على الساحة آراء جديدة ومناهج طريفة في الصدّ عن الضدّ بأسلوب لبق خفي، من ذلك إبطال الكنيسة الكاثوليكية في النصف الثاني من القرن العشرين ما سبق أن أعلنه أحد الرؤساء السابقين في نهاية القرن الحادي عشر، من اعتبار المسلمين كفارا (!؟) ، فهم لا كفار ولا مؤمنين- مترلة بين مترلتين-!!، وذلك في بحوثها التي عرضت في المجمع الثاني للفاتيكان، والذي عقد في فترة 1963- 1965. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 فقد جاء في تلك الوثيقة: " إنّ كنيسة المسيح تعترف بأنّ مبادئ عقيدتها قد بنيت لدى الرسل والأنبياء طبقا لسر الخلاص الإلهي. فهي تعترف فعلا بأنّ جميع المؤمنين وهم أبناء إبراهيم- حسب العقيدة- داخلون في رسالة ذلك النبي. وبدافع المحبة نحو إخواننا فلننظر بعين الاعتبار إلى الآراء والمذاهب، التي وإن تباينت كثيرا عن آرائنا ومذهبنا، فإنها تضم نواة من تلك الحقيقة التي تنير قلب كل إنسان يولد في هذا العالم.. ولنعانق أولا المسلمين الذين يعبدون إلها واحدا، والذين هم أقرب إلينا في المعنى الديني وفي علاقات ثقافية إنسانية واسعة". ولنا نحن أن نعلن أنّه على الكنيسة الكاثوليكية أن تسير إلى الأمام خطوات أكبر، لتعلن بكل جرأة أنّ الحق كلّه هو في الإسلام فقط، أما بقية الأديان السماوية فهي لا تحمل غير" نواة من تلك الحقيقة"!! إنّ ما أعلنته الكنيسة الكاثوليكية هو أحد علامات إحساس القوم بالزحف الإسلامي الحثيث إلى أرض النواقيس ... حتى بلغ الأمر بالصحف الشهيرة في الغرب أن صرّحت أنّ الإسلام يشرق على العالم من جديد ولكنه يشرق هذه المرة من الغرب.. بل ها هي صحيفة" إيل جورنالي" الإيطالية تصرّح أنها تتوقع أن تتخذ المجتمعات الأوروبية الإسلام دينا لها بعد 200 سنة، وأنّ الإسلام قد نفذ اليوم إلى قلب أوروبا. وقد أعلن الكثير من الباحثين ومراكز الإحصاء أنّ الإسلام هو أكثر الأديان انتشارا في العالم. جاء هذا الاعتراف في أحد دراسات مركز" رصد العقائد" في مدينة" برن" بسويسرا.. وقالت الباحثة الكهنوتية كارول أنوي: " الإسلام هو أسرع الأديان انتشارا في أمريكا الشمالية"، وأعلن الدتور هستون سميث أنّ: " الإسلام في هذا العصر كما في العصور السابقة أسرع الأديان إلى كسب الأتباع المصدّقين"!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 إنّ الإسلام يعود إلى البروز من جديد.. ولكن لا تزال طبائع النفوس الحائدة عن الحق كما كانت، ما بين نفس متعطّشة للهداية في مسلاخ عامي جاهل.. ونفس رجل مترددة بين الظلمة والنور والظل والحرور.. وأخرى قد غلفها السواد واستوطنها الفساد فركبت الهوى، ومن ركب الهوى هوى، ومن رضي الهوان هان! ولا زالت أصوات الدعاة إلى الحق تتردد في أجواء الكون أن أقبلوا على الله.. أن فرّوا إلى الله.. وأن لا ملجأ من الله إلا إلى الله.. ولكن عبّاد الآباء لا يكفون عن الافتئات على الدين الحق، والتمسّك بآثار الأوّلين ولو كانوا من عمّار السعير وحصب الجحيم. ولا يزال النهج العملي الواقعي (لا الرسمي النظري) لرسل الكنائس في مكاتباتهم ومحاضراتهم هو السبّ والتجديع ورشّ السهام والتعنيف، وهو ولا شك، نهج الذين يعتزون إلى ما لا يحسنون ممن فاق ما أخطؤوا فيه ما يحسنون. وغاية أمرهم التلبيس والتدليس، ممّا لا يخفى عمّن خبر مواقفهم من الإسلام. فقد جاء مثلا في مؤتمر كولورادو- 1978 م- لتنصير المسلمين، تصريح المجتمعين أنّ الإسلام" هو الدين الوحيد الذي تناقض مصادره الأصلية أسس النصرانية، والنظام الإسلامي هو أكثر النظم الدينية المتناسقة اجتماعيا وسياسيا.. ونحن بحاجة إلى مئات المراكز، لفهم الإسلام، ولاخترقه في صدق ودهاء. "!!! وعلى الضفة الأخرى، على ذرى المجد، وفي بؤرة النور، تنطلق في أجواء الكون صيحات عقلاء مبصرين، محّصوا العقائد الرائجة بين الخلق، فاختاروا منها ما وافق العقل ولامس شغاف الفطرة. صيحات تنادي أن أقبلوا على جنان الدنيا والآخرة.. على سعادة الدارين. إنها دعوة من مسلم واع بما أوتيه من حقّ، إلى غيره من بني البشر من الذين لم ترشد عقولهم، ومن الذين ران الغبش على بصائرهم، أنّ هذا هو الدواء لعلّتكم وأنّ هذا هو الطريق إلى سعادتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 إنها دعوة إلى الاصغاء لنبضات القلب وهمساته.. لصرخاته المكبوتة في الصدر عند لحظة الميلاد. «1» إنّها دعوة إلى مراجعة ما في القلب والتثبّت في ما انطبع عليه من ذكر" الله" سبحانه. «2»   (1) إنّ نبضات القلب تبدأ بعد بداية الشهر الرابع، ويمكن سماعها، وتكون واضحة في الشهر الخامس، والقلب في أول نبضاته ينطق باسم الخالق العظيم كما هو مصرّح به في كتاب الله وسنة نبيّه الكريم محمد صلى الله عليه وسلّم: " الله"، هذا ما ذكرته الدكتورة" فلك الجعفري عن أحد الأساتذة المصريين حين أراد تسجيل أول دقّة لقلب الجنين. (عن الشيخ خالد عبد الرحمن العك غاية حياة الإنسان ص 107) !! (2) نقل الشيخ العك في كتابه السابق في نفس الصفحة أنّ أحد الدكاترة، واسمه خلوق نورياني، وهو متخصص في القلب قوله: " في أحد الأيام وأنا أتصفح كتابا علميا أخذتني الدهشة لمّا رأيت في صورة القلب اسم" الله" مكتوبا في وسطه. اعتقدت أنني تخيّلت ذلك. واقتربت من الصورة أكثر فتبين لي أنّ اسم" الله" مكتوب وكأنه خطّ بأنامل فنان ماهر، أسرعت إلى الطبق المعلّق على حائط الغرفة المكتوب وسطه" الله" وقارنته مع ما وجدته مكتوبا على القلب، فتبين لي أنه لم يكن مصادفة وإنما اسم" الله" كان مكتوبا على القلب دون نقصان!! وبدأت أبحث لسنوات ... ما آمنت به من أنّ اسم" الله" الموجود في قلب الإنسان قد وجدته أيضا في أطلس طيي وضعه العلماء الغربيون بشكل دقيق وواضح، وبقيت أدقق في الأطلس لأجد جوابا على ما يدور في ذهني: هل يكون هذا الاسم الأعظم موجودا في هذه الصورة فقط؟ أم مكتوبا على كلّ قلب؟ لكن الجواب كان نعم حين التشريح!! وتأكد لي ذلك في عمليات التشريح، إذ أنّ قلب الإنسان عند الجميع مكتوب عليه اسم الخالق بلا استثناء بوضوح تام!! كما أنّ مكان اسم" الله" مدهش مما يوحي بالدقة الفائقة، لأنّ نسيج القلب من ألياف العضلات المنسوحة كالشيك، إلّا أنّ مكان اسم" الله" لا يوجد فيه نسيج عضلي، كأنّ هذه المنطقة خلقت هكذا ليكون وضع الاسم الأعظم فوقها واضحا!! وكأنّ هذه المنطقة المسماة طبيا" أوريكولا" المؤلفة من عضوين لم تتوضح حتى الآن المعلومات حولها، وربما كان كذلك حفاظا على السرية في هذه الناحية من القلب. " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وها هو موضوع البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتب المقدسة لأشهر الأمم السابقة بين يديك، نعرضه في سياق سجالي، بعيدا عن النهج التلقيني أو العرض التمويهي، وإنما نسوق أمامك ما نراه حقيقة ونردّ على اعتراضات المخالفين وشبهات المكابرين، وبالذات النصارى، سواء أكانت اعتراضات عامة على فكرة وجود البشارة ذاتها في تلك الأسفار، أو كانت اعتراضات تفصيلية على بشارات بعينها.. وطريقتنا هي: استنطاق النصوص في ضوء ما يكشفه لفظها، والاستعانة بما نستنتجه من التراجم الحديثة والتعاليق التي جاءت في هوامشها وما انبثق من حقائق توصّل إليها غيرنا من الباحثين الذين لا نتحرّج من نقل الكثير من استنباطاتهم. علما أنّنا قد نشتد في العبارة ونظهر التصريح لا الإشارة، لا رغبة في التشفّي، ولكن حتى لا يقع الغرّ في الجبّ. وقد أردنا لكتابنا، بعون الله وفضله، أن يكون أشبه بالدليل العملي للدعوة والمناظرة. ونرجوا أن نكون قد أضفنا لبنة جديدة صلبة في هذا الباب. وهذا الكتاب هو أيضا يد نمدّها إلى الكنائس في بلاد العرب، رعاة ورعايا، أن تعالوا إلى ما يدفع الفتن عن بلاد المسلمين التي نسكن كلّنا أرضها، وأقبلوا لتدفع عنكم وعن أبنائكم كربات يوم القيامة وحسراته القاتلة فتلك والله الحالقة.. فالبدار البدار إلى صراط الجنان!! وندعوا الله أن يكون الجهد المتواضع الذي بذلناه، خالصا لوجهه الكريم، وأن يغفر لنا حظ النفس فيه، وأن يهبه القبول في الدنيا بين من ينشدون الحق ويرغبون في النجاة في يوم لا يفلح فيه من فوّت على نفسه قارب النجاة إلى مرسى الجنّات: شهادة أن" لا إله إلّا الله، محمد رسول الله". والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.. ربّ اشرح لي صدري، ويسّر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 محمّد صلى الله عليه وسلّم في أسفار النصارى واليهود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 مقدمة: هى إجابة على سؤالين: * هل لا بدّ، للإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلّم، أن تخبر به الكتب السابقة؟ * هل القرائن والأخبار العامة، بعيدا عن البحث التفصيلي في نصوص الأسفار المقدسة للنصارى واليهود تشهد لتنبئ هذه الكتب بخروج محمد صلى الله عليه وسلم نبي الإسلام؟ يجيب على السؤال الأول شيخ الإسلام، بحر العلوم، ابن تيمية، نوّر الله قبره، في كتابه" الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح": " والنصارى لهم سؤال مشهور بينهم، وهو أن فيهم من يقول محمد: " لم تبشر به النبوات، بخلاف المسيح فإنه بشرت به النبوات". وزعموا أن من لم تبشر به فليس بنبي. وهذا السؤال يورد على وجهين: أحدهما: أنه لا يكون نبيا حتى تبشر به. والثاني: أن من بشرت به أفضل أو أكمل، ممن لم تبشر به، أو أن هذا طريق يعرف به نبوة المسيح، اختص به. وأنتم قد قلتم: ما من طريق تثبت به نبوة نبي إلا ومحمد تثبت نبوته بمثل تلك الطريق وأفضل. فأما هذا الثاني، فيستحق الجواب وأما الأول نجيبهم عنه أيضا لكن هل تجب الإجابة عنه؟ فيه قولان بناء على أصل وهو أنه هل من شرط النسخ الإشعار بالمنسوخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 ولنظّار المسلمين فيه قولان: أحدهما: أنه لا بد إذا شرع حكما يريد أن ينسخه فلا بد أن يشعر المخاطبين بأنه سينسخه لئلا يظنوا دوامه فيكون ذلك تجهيلا لهم. والثاني: لا يشترط ذلك. وأيضا، فمن بعث بعد موسى بشريعة، هل يجب أن يكون مبشرا به؟ فيه قولان. وبكل حال، فلا ريب عند علماء المسلمين أن المسيح عليه السلام بشّر بمحمد كما قال تعالى" وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ" (سورة الصف 6) . قال تعالى: " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ" (الأعراف 157) . وقال تعالى: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً" (سورة الفتح 29) وقال تعالى: " الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (البقرة 146) و (الأنعام 20) ( ... ) وقال تعالى: " وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ" (سورة البقرة 89) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وقال تعالى: " أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ" (سورة الأنعام 114) ( ... ) وإذا كان كذلك، فيقال: معلوم باتفاق أهل الملل، أنه ليس من شرط نبوة كل نبي أن يبشر به من قبله، إذ النبوة ثابتة بدون ذلك، لا سيما ونوح وإبراهيم وغيرهما لم يعلم أنه بشر بهما من قبلهما، وكذا عامة الأنبياء الذين قاموا في بني إسرائيل لم تتقدم بهم بشارات إذ كانوا لم يبعثوا بشريعة ناسخة كداود وأشعيا وغيرهما. وإنما قد يدعى هذا فيمن جاء بنسخ شرع من قبله، كما جاء المسيح بنسخ بعض أحكام التوراة وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم، ففي مثل هذا يتنازع المتنازعون من علماء المسلمين وغيرهم: هل يشترط أن يكون قد أخبر بذلك قبل النسخ؟ على قولين. وحينئذ فالمسلمون يقولون: شريعة التوراة والإنجيل، لم تشرع شرعا مطلقا، بل مقيدا، إلى أن يأتي محمد. وهذا مثل الحكم المؤقت بغاية لا يعلم متى يكون، كقوله تعالى: " فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ" وقوله تعالى: " فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا" ومثل هذا جائز باتفاق أهل الملل. وهل يسمى هذا نسخا؟ فيه قولان. قيل لا يسمى نسخا، كالغاية المعلومة. كقوله تعالى: " وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ" فإن ارتفاع وجوب الصيام بمجيء الليل، لا يسمى نسخا باتفاق الناس. فقيل إن الغاية المجهولة، كالمعلومة. وقيل: بل هذا يسمى نسخا، ولكن هذا النسخ جائز باتفاق أهل الملل، اليهود وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 وعلى هذا، فثبوت نبوة المسيح ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما، لا تتوقف على جواز النسخ المتنازع فيه، فإن ذلك إنما يكون في الحكم المطلق، والشرائع المتقدمة لم تشرع مطلقا. وسواء قيل: إن الإشعار بالناسخ واجب، أو قيل: إنه غير واجب، فعلى القولين قد أشعر أهل الشرع الأول، بأنه سينسخ ( ... ) . وإذا كان هذا هو الواقع، فنبوة المسيح محمد صلى الله عليهما وسلم، لا تتوقف على ثبوت النسخ المتنازع فيه. وحينئذ فنقول: العلم بنبوة محمد ونبوة المسيح، لا تتوقف على العلم بأن من قبلهما بشر بهما، بل طرق العلم بالنبوة متعددة. فإذا عرفت نبوته بطريق من الطرق، ثبتت نبوته عند من علم ذلك، وإن لم يعلم أن من قبله بشّر به. لكن يقال: إذا كان الواجب أو الواقع أنه لا بد من إخبار من قبله بمجيئه، وأن الإشعار بنسخ شريعة من قبله واجب، أو واقع، صار ذلك شرطا في النبوة. ومن علم نبوته علم أن هذا قد وقع وإن لم ينقل إليه. فإذا قال المعارض: عدم إخبار من قبله به يقدح في نبوته، وأنه إذا قدر أنه لم يخبر به من قبله، والإخبار شرط في النبوة، كان ذلك قدحا. قيل: الجواب هنا من طريقين: أحدهما: أن يقال: إذا علمت نبوته بما قام عليها من أعلام النبوة، فإما أن يكون تبشير من قبله لازما لنبوته واجبا، أو واقعا، وإما أن لا يكون لازما. فإن لم يكن لازما لم يجب وقوعه، وإن كان لازما علم أنه قد وقع، وإن كان ذلك لم ينقل إلينا، إذ ليس كل ما قالته الأنبياء المتقدمون علمناه ووصل إلينا. وليس كل ما أخبر به المسيح ومن قبله من الأنبياء وصل إلينا، وهذا مما يعلم بالاضطرار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 ولو قدّر أن هذا ليس في الكتب الموجودة، لم يلزم أن المسيح ومن قبله لم يذكروه، بل يمكن أنهم ذكروه وما نقل، ويمكن أنه كان في كتب غير هذه، ويمكن أنه كان في نسخ غير هذه النسخ فأزيل من بعضها ونسخت هذه مما أزيل منه، وتكون تلك النسخ التي هو موجود فيها غير هذه، فكل هذا ممكن في العادة لا يمكن الجزم بنفيه. فلو قدر أنه ليس في هذه الكتب الموجودة اليوم بأيدي أهل الكتاب، لم يقطع بأن الأنبياء لم يبشروا به، فإذا لم يمكن لليهود أن يقطعوا بأن المسيح لم يبشر به الأنبياء، ولا يمكن أهل الكتاب أن يقطعوا بأن محمدا لم يبشر به الأنبياء، لم يكن معهم علم بعدم ذلك، بل غاية ما يكون عند أحدهم ظن لكونه طلب ذلك فلم يجده. ودلائل نبوة المسيح ومحمد قطعية يقينية لا يمكن القدح فيها بظن فإن الظن لا يدفع اليقين، لا سيما مع الآثار الكثيرة المخبرة بأن محمدا كان مكتوبا باسمه الصريح فيما هو منقول عن الأنبياء، كما في صحيح البخاري أنه قيل لعبد الله بن عمرو، أخبرنا ببعض صفة رسول الله في التوراة، فقال إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: " يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وحرزا للأميين. أنت عبدي ورسولي. سميتك المتوكل. لست بفظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق، ولا تجزي بالسيئة السيئة، ولكن تجزي بالسيئة الحسنة، وتعفو وتغفر. ولكن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء، فأفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، بأن يقولوا لا إله إلا الله". ولفظ التوراة والإنجيل والقرآن والزبور قد يراد به الكتب المعينة، ويراد به الجنس، فيعبر بلفظ القرآن عن الزبور وغيره، كما في الحديث الصحيح عن النبي، خفف على داود القرآن، فكان ما بين أن تسرج دابته إلى أن يركبها يقرأ القرآن. والمراد به قرآنه، وهو الزبور، ليس المراد به القرآن الذي لم ينزل إلا على محمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وكذلك ما جاء في صفة أمة محمد، أناجيلهم في صدورهم، فسمى الكتب التي يقرؤونها وهي القرآن، أناجيل. وكذلك في التوراة، إني سأقيم لبني إسرائيل نبيا من اخوتهم، أنزل عليه توراة مثل توراة موسى، فسمى الكتاب الثاني توراة. فقوله أخبرني بصفة رسول الله في التوراة، قد يراد بها نفس الكتب المتقدمة كلها، وكلها تسمى توراة، ويكون هذا في بعضها. وقد يراد به التوراة المعينة، وعلى هذا فيكون هذا في نسخة لم ينسخ منها هذه النسخ، فإن النسخ الموجودة بالتوراة التي وقفنا عليها ليس فيها هذا. لكن هذا عندهم في نبوة أشعيا، قال فيها: " عبدي الذي سرت به نفسي، أنزل عليه وحيي، فيظهر في الأمم عدلي، ويوصيهم بالوصايا. لا يضحك، ولا يسمع صوته في الأسواق. يفتح العيون العور، والآذان الصم، ويحيي القلوب الغلف. وما أعطيه لا أعطي أحدا. يحمد الله حمدا جديدا. يأتي من أقصى الأرض، وتفرح البرية وسكانها. يهللون الله على كل شرف، ويكبرونه على كل رابية. لا يضعف، ولا يغلب، ولا يميل إلى الهوى، مشقح. ولا يذل الصالحين الذين هم كالقصبة الضعيفة، بل يقوى الصديقين، وهو ركن المتواضعين، وهو نور الله الذي لا يطفى، أثر سلطانه على كتفيه". وهذه صفات منطبقة على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، وهي من أجل بشارات الأنبياء المتقدمين به. ولفظ التوراة، قد عرف أنه يراد به جنس الكتب التي يقرّ بها أهل الكتاب، فيدخل في ذلك الزبور، ونبوة أشعيا، وسائر النبوات غير الإنجيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 فإن كان المراد بلفظ التوراة والإنجيل في القرآن هذا المعنى، فلا ريب أنّ ذكر النبي صلى الله عليه وسلّم في التوراة بهذا الاعتبار، كثير متعدد ( ... ) . الطريق الثاني من الجواب: أن نبين أن الأنبياء قبله، بشروا به. وهذا هو دليل مستقل على نبوته وعلم عظيم من أعلام رسالته. وهذا أيضا يدل على نبوة ذلك النبي، إذ أخبر بأنباء من الغيب مع دعوى النبوة. ويدل على نبوة محمد لإخبار من تثبت نبوته بنبوته، هذا إذا وجد الخبر ممن لا نعلم نحن نبوته ولم يذكر في كتابنا. وأما من ثبتت نبوته بطرق أخرى، كموسى والمسيح، فهذا مما تظاهر فيه الأدلة على المدلول الواحد، وهو أيضا يتضمن أن كل ما ثبتت به نبوة غيره، فإنه تثبت به نبوته، وهو جواب ثان، لمن يجعل ذلك شرطا لازما لنبوته. " يجيب عن السؤال الثاني الإمام المجدد، شيخ الإسلام ابن القيم في كتابه الموسوم ب" هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى" بقوله، تحت عنوان" إثنا عشر وجها تدلّ على أنه (محمد صلى الله عليه وسلم) مذكور في الكتب المنزلة: " العلم بأنه صلى الله عليه وسلم مذكور في الكتب المتقدمة يعرف من وجوه متعددة: أحدها: أخبار من قد ثبتت نبوته قطعا بأنه مذكور عندهم في كتبهم فقد أخبر به من قام الدليل القطعي على صدقه فيجب تصديقه فيه إذ تكذيبه والحالة هذه ممتنع لذاته هذا لو لم يعلم ذلك إلا من مجرد خبرة فكيف إذا تطابقت الأدلة على صحة ما أخبر به. الثاني: أنه جعل الإخبار به من أعظم أدلة صدقه وصحة نبوته وهذا يستحيل أن يصدر إلا من واثق كل الوثوق بذلك وأنه على يقين جازم به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 الثالث: أن المؤمنين به من الأحبار والرهبان الذين آثروا الحق على الباطل صدقوه في ذلك وشهدوا له بما قال. الرابع: أن المكذبين والجاحدين لنبوته لم يمكنهم إنكار البشارة والأخبار بنبوة نبي عظيم الشأن صفته كذا وكذا وصفة أمته ومخرجه وشأنه لكن جحدوا أن يكون هو الذي وقعت به البشارة وأنه نبي آخر غيره وعلموا هم والمؤمنون به من قومهم أنهم ركبوا متن المكابرة وامتطوا غارب البهت. الخامس: أن كثيرا منهم صرح لخاصته وبطانته بأنه هو هو بعينه وأنه عازم على عداوته ما بقي كما تقدم. السادس: أن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مذكور في كتبهم هو فرد من أفراد اخباراته بما عندهم في كتبهم من شأن أنبيائهم وقومهم وما جرى لهم وقصص الأنبياء المتقدمين وأممهم وشأن المبدأ والمعاد وغير ذلك مما أخبرت به الأنبياء وكل ذلك مما يعلمون صدقه فيه ومطابقته لما عندهم وتلك الاخبارات أكثر من أن تحصى ولم يكذبوه يوما واحدا في شيء منها وكانوا أحرص شيء على أن يظفروا منه بكذبة واحدة أو غلطة أو سهو فينادون بها عليه ويجدون بها السبيل إلى تنفير الناس عنه فلم يقل أحد منهم يوما من الدهر انه أخبر بكذا وكذا في كتبنا وهو كاذب فيه بل كانوا يصدقونه في ذلك وهم مصرون على عدم إتباعه وهذا من أعظم الأدلة على صدقه فيما أخبر به لو لم يعلم إلا بمجرد خبره. السابع: أنه أخبر بهذا لأعدائه من المشركين الذين لا كتاب عندهم وأخبر به لأعدائه من أهل الكتاب وأخبر به لأتباعه فلو كان هذا باطلا لا صحة له لكان ذلك تسليطا للمشركين أن يسألوا أهل الكتاب فينكرون ذلك وتسليطا لأهل الكتاب على الإنكار وتسليطا لاتبعاه على الرجوع عنه والتكذيب له بعد تصديقه وذلك ينقض الغرض المقصود بإخباره من كل وجه وهو بمنزلة رجل يخبر بما يشهد بكذبه ويجعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 أخباره دليلا على صدقه وهذا لا يصدر من عاقل ولا مجنون فهذه الوجوه يعلم بها صدق ما أخبر به وإن لم يعلم وجوده من غير جهة أخباره فكيف وقد علم وجود ما أخبر به. الثامن: أنه لو قدر أنهم لم يعلموا بشارة الأنبياء به وأخبارهم بنعته وصفته لم يلزم أن لا يكونوا ذكروه وأخبروا به وبشروا بنبوته إذ ليس كل ما قاله الأنبياء المتقدمون وصل إلى المتأخرين وأحاطوا به علما وهذا مما يلعم بالاضطرار فكم من قول قد قاله موسى وعيسى ولا علم لليهود والنصارى به فإذا أخبر به من قام الدليل القطعي على صدقه لم يكن جهلهم به موجبا لرده وتكذيبه. التاسع: أنه يمكن أن يكون في نسخ غير هذه النسخ التي بأيديهم فأزيل من بعضها ونسخت هذه مما أزيل منه ( ... ) . العاشر: أنه استشهد على صحة نبوته بعلماء أهل الكتاب وقد شهد له عدو لهم فلا يقدح جحد الكفرة الكاذبين المعاندين بعد ذلك قال تعالى: " وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ". وقال تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ". وقال تعالى: " ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ"، وقال تعالى: " الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ. وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ. أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ". وإذا شهد واحد من هؤلاء لم يوزن به ملء الأرض من الكفرة ولا تعارض شهادته بجحود ملء الأرض من الكفار كيف والشاهد له من علماء أهل الكتاب أضعاف أضعاف المكذبين له منهم وليس كل من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 قال من أشباه الحمير من عباد الصليب وأمة الغضب أنه من علمائهم فهو كذلك وإذا كان أكثر من من يظن عوام المسلمين انه من علمائهم ليس كذلك فما الظن بغيرهم وعلماء أهل الكتاب إن لم يدخل فيهم من لم يعمل بعلمه فليس علماؤهم إلا من آمن به وصدقه وإن دخل فيهم من علم ولم يعمل كعلماء السوء لم يكن إنكارهم لنبوته قادحا في شهادة العلماء العاملين بعلمهم. الحادي عشر: أنه لو قدر أنه لا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بنعته ولا صفته ولا علامته في الكتب التي بأيدي أهل الكتاب اليوم لم يلزم من ذلك أن لا يكون مذكورا في الكتب التي كانت بأيدي أسلافهم وقت مبعثه ولا تكون اتصلت على وجهها إلى هؤلاء بل حرفها أولئك وبدلوا وكتموا وتواصوا وكتبوا ما أرادوا وقالوا هذا من عند الله ثم اشتهرت تلك الكتب وتناقلها خلفهم عن سلفهم فصارت المغيرة المبدلة هي المشهورة والصحيحة بينهم خفية جدا ولا سبيل إلى العلم باستحالة ذلك بل هو في غاية الامكان فهؤلاء السامرة غيروا مواضع من التوراة ثم اشتهرت النسخ المغيرة عند جميعهم فلا يعرفون سواها وهجرت بينهم النسخ الصحيحة بالكلية وكذلك التوراة التي بأيدي النصارى وهكذا تبدل الأديان والكتب ولولا أن الله سبحانه تولى حفظ القرآن بنفسه وضمن للأمة أن لا تجتمع على ضلالة لأصابه ما أصاب الكتب قبله قال تعالى" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ". الثاني عشر: إنه من الممتنع أن تخلو الكتب المتقدمة عن الأخبار بهذا الأمر العظيم الذي لم يطرق العالم من حين خلق إلى قيام الساعة أمر أعظم منه ولا شأن أكبر منه فإنه قلب العالم وطبق مشارق الأرض ومغاربها واستمر على العالم على تعاقب القرون وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ومثل هذا النبأ العظيم لابد أن تتطابق الرسل على الإخبار به وإذا كان الدجال رجل كاذب يخرج في آخر الزمان وبقاؤه في الأرض أربعين يوما قد تطابقت الرسل على الإخبار به وأنذر به كل نبي قومه من نوح إلى خاتم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 الرسل فكيف تتطابق الكتب الإلهية من أولها إلى آخرها على السكوت عن الإخبار بهذا الأمر العظيم الذي لم يطرق العالم أمر أعظم منه ولا يطرقه أبدا هذا مالا يسوغه عقل عاقل وتأباه حكمة أحكم الحاكمين بل الأمر بضد ذلك وما بعث الله سبحانه نبيا إلا أخذ عليه الميثاق بالإيمان بمحمد وتصديقه كما قال تعالى: ": " وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ". قال ابن عباس ما بعث الله من نبي إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به وليتابعنه" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 لماذا يبحث المسلم في موضوع البشارة بمحمد صلّى الله عليه وسلم؟ يندفع المسلم إلى دراسة موضوع البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم في كتب السابقين بتحفيز مما جاء في وحي الله المنزّل على عبده محمد صلى الله عليه وسلّم في القرآن والسنة.. وقد تواترت النصوص واستفاضت معانيها المتدفقة من عيونها العذبة تخبر عن ولادة النور من قلب جزيرة العرب، وهي لم تلق معارضة تذكر من اليهود والنصارى في زمن تنزّلها، مما يقطع عند أهل العقول أنها صادقة لم تفتر على الله الكذب وأنها تصف حقيقة لا يستريب فيها مبصر ولا يرتاب في أمرها منصف.. من هذه الآيات قول الحق سبحانه: " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (الأعراف 157) . يقول الإمام ابن كثير: " وهذه صفة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم في كتب الأنبياء بشّروا أممهم ببعثه وأمروهم بمتابعته ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم. كما روى الإمام أحمد حدّثنا إسماعيل عن الجريريّ عن أبي صخر العقيلي حدّثني رجل من الأعراب قال جلبت حلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلمّا فرغت من بيعي قلت لألقينّ هذا الرّجل فلاسمعنّ منه قال فتلقّاني بين أبي بكر وعمر يمشون فتبعتهم حتّى أتوا على رجل من اليهود ناشر التّوراة يقرؤها يعزّي بها نفسه عن ابن له في الموت كأجمل الفتيان وأحسنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم" أنشدك يالّذي أنزل التّوراة هل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي؟ " فقال برأسه هكذا أي لا فقال ابنه إي والّذي أنزل التّوراة إنّا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك وإنّي أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّك رسول الله فقال" أقيموا اليهوديّ عن أخيكم" ثمّ تولّى كفنه والصّلاة عليه"، هذا حديث جيّد قويّ له شاهد في الصّحيح عن أنس". وجاء في سورة البقرة الآية 101: " وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ" يقول الإمام الطبري في تفسيره: " يعني جل ثناؤه بقوله: " ولمّا جاءهم" أحبار اليهود وعلماءها من بني إسرائيل. " رسول" يعني بالرّسول محمّدا صلى الله عليه وسلم. ( ... ) . أمّا قوله: " مصدق لما معهم". إنّه يعني به أنّ محمّدا صلى الله عليه وسلم يصدّق التّوراة، والتّوراة تصدّقه في أنّه لله نبيّ مبعوث إلى خلقه. وأمّا تأويل قوله: " لَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ" فإنّه للّذي هو مع اليهود، وهو التّوراة. فأخبر الله جلّ ثناؤه أنّ اليهود لمّا جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الله بتصديق ما في أيديهم من التّوراة أنّ محمّدا صلى الله عليه وسلم نبيّ الله. " نبذ فريق"، يعني بذلك أنّهم جحدوه ورفضوه بعد أن كانوا به مقرّين حسدا منهم له وبغيا عليه. وقوله: " من الّذين أوثوا الكتاب" وهم علماء اليهود الّذين أعطاهم الله العلم بالتّوراة وما فيها. ويعني بقوله: " كتاب الله" التّوراة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 وقوله: " نبذوه وراء ظهورهم" حملوه وراء ظهورهم؛ وهذا مثل يقال لكلّ رافض أمرا كان منه على بال: قد جعل فلان هذا الأمر منه بظهر وجعله وراء ظهره، يعني به أعرض عنه وصدّ وانصرف ... " وقال الله سبحانه: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً" (سورة الفتح 29) قال سيد قطب في تفسيره: " إنها صورة عجيبة يرسمها القرآن الكريم بأسلوبه البديع. صورة مؤلفة من عدة لقطات لأبرز حالات هذه الجماعة المختارة، حالاتها الظاهرة والمضمرة. فلقطة تصور حالتهم مع الكفار ومع أنفسهم: " أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم" ولقطة تصور هيئتهم في عبادتهم: " تراهم ركعا سجدا". ولقطة تصور قلوبهم وما يشغلها ويجيش بها: " يبتغون فضلا من الله ورضوانا". ولقطة تصور أثر العبادة والتوجه إلى الله في سمتهم وسحنتهم وسماتهم: " سيماهم في وجوههم من أثر السجود".." ذلك مثلهم في التوراة". وهذه صفتهم فيها.. ولقطات متتابعة تصورهم كما هم في الإنجيل.. " كزرع أخرج شطأه"" فآزره".." فاستغلظ"" فاستوى على سوقه". " يعجب الزراع".." ليغيظ بهم الكفار". وجاء في سورة البقرة الآية 146: " الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ". ونقرأ في تفسير الجلالين- للإمامين جلال الدين المحلّى وجلال الدين السيوطي-: " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه أي محمدا كما يعرفون أبناءهم بنعته في كتبهم قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 ابن سلام: لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني ومعرفتي لمحمد صلى الله عليه وسلم أشد وإن فريقا منهم ليكتمون الحق (نعته) وهم يعلمون هذا الذي أنت عليه. " الآيات القرآنية كثيرة نقتصر منها على ما ذكرنا، وفيما يتعلق بالأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم والآثار عن الصحابة فنكتفي منها بما رواه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه من أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّي عند الله لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بتأويل ذلك، دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني وقد خرج منها نور ساطع أضاءت منه قصور الشام". ويزداد المسلم إمعانا في الحرص على دراسة موضوع البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلّم وتشوّفا لتلمّس ملامحه عندما يطّلع على ما كشفه الباحثون من المحققين من بشارات صريحة وضمنية عن مقدم" البشير النذير" صلى الله عليه وسلم.. وقد كتب في شأن هذه البشارات جمع كبير من أهل العلم، وأفضل من فصّل الحديث فيها طائفة من رجال الذين النصارى لبّوا دعوة التوحيد لمّا بزغ نور الهداية في الظلام الدامس الذي ران على قلوبهم، فكتب عبد الأحد داود (دافيد كلداني، سابقا) كتابه" محمد في الكتاب المقدس"، وكتب القسيس المدرّس في كليّة اللاهوت إبراهيم خليل أحمد- رحمه الله-" محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل والقرآن" وقد توفي منذ فترة قصيرة، وكتب القسيس دوراني: " محمد النبوءة الكتابية".. وغيرهم.. ويعلم النصارى وغيرهم حقيقة خبر محمد في أسفارهم لكنهم يزعمون غير ذلك" وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ" (النمل 14) .. وهذا الأمر معلوم مشهور تشهد له وقائع عديدة لا تستوعبها الأسفار الثقال، ولك منّي بعضها: قال إسحاق هلال مسيحة، رئيس لجنة التنصير بإفريقيا وآسيا، بعد اهتدائه إلى الإسلام، وهو يروي قصة إسلامه: " ... ثم عيّنت رئيسا لكنيسة المثال المسيحي بسوهاج، ورئيسا فخريا لجمعيات خلاص النفوس المصرية (وهي جمعية تنصيرية قوية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 جدا ولها جذور في كثير من البلدان العربية وبالأخص دول الخليج) . وكان البابا يغدق عليّ الأموال حتى لا أعود لمناقشة مثل تلك الأفكار، لكني مع هذا كنت حريصا على معرفة حقيقة الإسلام، ولم يخبو النور الإسلامي الذي أنار قلبي فرحا بمنصبي الجديد بل زاد، وبدأت علاقتي مع بعض المسلمين سرا. وبدأت أدرس وأقرأ عن الإسلام. وطلب منّي إعداد رسالة ماجستير حول مقارنة الأديان وأشرف على الرسالة أسقف البحث العلمي في مصر سنة 1975، واستغرقت في إعدادها أربع سنوات. وكان المشرف يعترض على ما جاء في الرسالة حول صدق نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وأميته وتبشير المسيح بمجيئه. وأخيرا تمّت مناقشة الرسالة في الكنيسة الإنكليكية بالقاهرة واستغرقت المناقشة تسع ساعات وتركزّت حول قضية النبوّة والنبي صلى الله عليه وسلم علما بأنّ الآيات صريحة في الإشارة إلى نبوّته وختم النبوّة به. وفي النهاية قرّر البابا سحب الرسالة منّي وعدم الاعتراف بها ... "!!! أمّا الواقعة الثانية فقد كان بطلها الدكتور أحمد حجازي السقا، الباحث المعروف في النصرانية، بل أغزر الباحثين المسلمين العرب تأليفا، وتحقيقا للكتب القديمة حول النصرانية. قال الدكتور في كتابه (أطروحته) " البشارة بنبيّ الإسلام في التوراة والإنجيل" ص 45- 46: " كنت أعدّ رسالة الدكتوراه في كليّة أصول الدين- جامعة الأزهر في موضوع" مجلّة الأزهر وأثرها في الدعوة الإسلامية" في سنّة 1973 م وذات يوم التقيت ب" قمص" نصراني ظنّ أنّي نصراني مثله، لأنّي كنت أقرأ في الكتاب المقدس وأحمل منه نسخة أخرى، لصديق لي. فسألني قائلا: " أتعرف أنّ الإصحاح الثامن من سفر دانيال النبيّ يشير إلى معركة سنة 1967 م التي حدثت بين المسلمين وبين اليهود في أرض فلسطين؟ ". قلت: " قد قرأت ذلك في كتاب" إظهار الحق" ولكنّي لم أدرس جيّدا! ". قال: " أحبّ أن أطّلع عليه! ". ونزلنا من القطار إلى منزل الشيخ حامد عبد الحميد إبراهيم قلبه، في محطة المطرية بمصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 وفي الطريق سألته: " أمحمد نبيّ المسلمين لا يشير إليه الكتاب المقدّس؟ ". قال: " يشير إليه في آيات كثيرة. " ثم سرد لي كثيرا من هذه الآيات. وفي منزل هذا الشيخ الذي كنت نازلا عليه ضيفا، قرأ ما أراد. ثم انصرف مندهشا لما عرف أنّي مسلم فيما بعد. وكان بين الشيخ وبين أستاذنا صاحب الفضيلة الدكتور" الشيخ محمد بن محمد أبو شهبة" موعد آخر النهار، فاصطحبني معه. وقصصنا عليه ما حدث فتبسّم ضاحكا وقال: " يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" وكررها كثيرا. ثم قال: " وددت لو يكتب أحد رسالة في موضوع: " البشارة بنبيّ الإسلام في التوراة والإنجيل" فشرح الله صدري للذي قال، وتنازلت عن الموضوع الأول. وأشرف هو عليه وساعدني فيه كثيرا. ومن عجيب المصادفات أنّني التقيت بهذا القمص، واسمه" جرجس سلمون فيلمون" وكيل الدير المحرق في القوصية بأسيوط، في مسجد الجامع الأزهر بعد سنتين من الزمان في حجرة الأساتذة وذكر لي نصوصا أخرى. " وقد تمّ نشر رسالة الدكتوراه تلك ونشر بعدها الدكتور السقا عدة أبحاث في موضوع البشارة وحده حتى أصبح المجال الأول لكتاباته. وخذ ثالثة من يهودي.. ذكر الباحث قيس الكلبي في كتابه: " محمد خاتم الرسل في التوراة والإنجيل =Prophet Muhammad the Last Messenger in the Bible ="ص 37 الطبعة السابعة، أنه بينما كان يعدّ كتابه الطويل المليء بالوثائق، والذي أسلم بعد قراءته أكثر من 360 شخص، التقى بأحد مشاهير أحبار اليهود في أمريكا واسمه يعقوب، وناقشه في كلّ أعداد التوراة باللغة العبرية فيما يتعلّق بالبشارة بمحمد صلى الله عليه وسلّم. وفي أثناء النقاش، انبثقت شرارة الصدق من اصطلام نار النور في صدر الحبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 فبكى وذرف الدمع الشحيح، وأقرّ أنه لا شكّ أنّ محمدا صلى الله عليه وسلّم هو كموسى عليهما الصلاة والسلام نبي من عند الله.. ولكنّ الرجل لم يسلم!!؟؟ وبعد ذكر هذه الوقائع يحسن بنا أن نقدّم نموذجا آخر لثبوت علم أهل الكتاب ببشارة" الكتاب المقدس" ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو اعتراف صدر من أبي الفتح بن أبي الحسن السامري الذي لم يسلم، بأنّ سلفه من اليهود السامريين* كانوا يعلمون أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم هو حقا رسول الله، فقد قال في كتابه" التاريخ مما تقدّم عن الآباء" ص 172 إنّ ثلاثة رجال، أحدهم من اليهود السامريين في نابلس ويسمّى صرماصة، وثانيهم من اليهود العبرانيين في أورشليم ويلقّب بكعب الأحبار، وثالثهم نصراني راهب ويسمّى عبد السلام. هؤلاء الثلاثة اجتمعوا معا وانطلقوا إلى مقابلة النبي صلى الله عليه وسلّم. يقول ما نصّه (وترجمته العربية ركيكة) : " وجاءوا حتى وصلوا إلى المدينة التي هو فيها. وقالوا لبعضهم البعض: من يتقدم أولا؟ فقال كعب الأحبار: أنا. فتقدم إليه وسلّم عليه. فردّ عليه السلام. وقال له: من أنت من أولاد اليهود؟ فقال له: أنا رجل من مقدمي اليهود، وجدت في توراتي أن يقوم ملك من نسل إسماعيل ويملك الدنيا ولا يقف بين يديه أحد. فتقدّم عبد السلام بعده وقال: هكذا وجدت في الإنجيل. وتقدم إليه صرماصة. وقال له: أنت تدين بدين وسيعة وتملك رقاب العالم". ثم يقول بعد ذلك ما نصّه: " ومحمد ما أساء إلى أحد من أصحاب الشرائع، وسمعت من لفظ الحكيم وهو نقل عن كاتبه المنقول منه العلامة فاضل الوجود الشيخ نفيس الدين أبو الفرج بن كثار أنّه جاء في نقل السلف عن محمد وهو ... الخ".   (*) اليهود فرق عدّة من أشهرها فرقة اليهود السامريين، وهم يعيشون في أيامنا في نابلس في فلسطين. أهمّ مخالفاتهم لبقية اليهود هي أنهم يرفضون الاعتراف بقدسية ما عدا أسفار موسى الخمسة (لمزيد من التفصيل انظر د. عبد الجليل شلبي اليهود واليهودية ص ص 132- 133) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 ثم نقل النص باللغة العبرية السامرية التي كانت شائعة قبل تغيير العبرانيين للخط العبري.. وقد نسخ هذا الاعتراف الدكتور السقا في كتابه" المسيّا المنتظر نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم" ص 168 وفي غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 لماذا على غير المسلم أن يبحث في موضوع البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلّم؟ إذا كان المسلم يحمل تلك الحوافز التي تستحثّه على تقليب الصفحات ونفض الغبار عن الآثار واستخراج الدرّ من ركام الحقائق المطمورة في قاع سحيق من المعارف المستكنّة في بطون الأسفار القديمة.. فإنّ الكتابيّ هو أيضا معني بدراسة هذا الموضوع لأسباب عديدة ودواع خطيرة، من أهمها أنه لم يأت نص في التوراة أو الأناجيل يقرّر ختم النبوّة في عهد المسيح أو قبله. فالباب مفتوح لا يغلق إلا بعد عبور النبي الخاتم.. وما لم يأت هذا النبي، فإنّ البحث عنه وعن أوصافه وشخصه واجب على كلّ نصراني ويهودي.. لم يقبر عقله ولم يئد فكره ولم يرض لأنفاس الصدر أن تتبخّر تحت حرّ الغفلة. وقد كان قوم المسيح عليه السلام يوم بعثته ينتظرون ظهور" نبي آخر الزمان".. فقد جاء في إنجيل يوحنا 7: 40- 41: " ... ولما سمع الحاضرون هذا الكلام قال بعضهم: " هذا هو النبي حقا". وقال آخرون: " هذا هو المسيح". وإنجيل يوحنا 19: 1- 21: " وهذه شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم بعض الكهنة واللاويين يسألونه: " من أنت؟ " فاعترف ولم ينكر، بل أكّد قائلا: " لست أنا المسيح". فسألوه: " ماذا إذن؟ هل أنت إيليّا؟ " قال: " لست إيّاه! "، " أو أنت النبي؟ " فأجاب" لا! ". لقد كان النصارى ينتظرون كلا من" المسيح".. و" النبي"- بالألف واللام- أي نبي خاص، هو الأعظم بين الأنبياء والأكثر تألقا والأكثر تألقا وإشراقا.. و" المسيح" هو غير" ال.. نبي".. ولقد بعث المسيح في القرن الأول ميلادي، وما بعث حتى ذاك الزمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 " ال.. نبي" الذي ستشرق أرجاء الأرض بنور دعوته البهيّة التي لا تذر بيت وبر أو مدر إلا وتنثر فيه عبقها وتزهر فيه الأمل وتنشر فيه السكينة. إنّ المسيح عليه السلام كان يعلّم تلاميذه ومن سيتبعهم ويقتفي آثارهم ويلزم غرزهم من الأجيال اللاحقة، السبيل إلى اكتشاف شخصية هذا النبي، قائلا: " احذروا الأنبياء الدجالين الذين يأتون إليكم لابسين ثياب الحملان، ولكنهم من الداخل ذئاب خاطفة! من ثمارهم تعرفونهم. هل يجنى من الشوك عنب، أو من العليق تبن؟ " (متى 7: 15- 16 ) . المعيار لمعرفة هذا النبي الآتيّ هو آثار دعوته في خاتمة رحلته.. ولا ينكر عاقل منصف الأثر العظيم والجنى الطيب والحصاد الحلو لدعوة محمد صلى الله عليه وسلّم.. وصدق الشاعر عند ما قال مخاطبا محمدا صلى الله عليه وسلم: أخوك عيسى دعا ميتا فقام له ... وأنت أحييت أجيالا من الرمم وقد جاء في الكتب التي تناولت تاريخ النصارى ذكر خبر علم القوم بأنّ محمدا صلى الله عليه وسلم هو من بشّر به الإنجيل، من ذلك ما نقله محمد فؤاد الهاشمي، النصراني المهتدي إلى الإسلام، في كتابه" سرّ إيماني" نقلا عن الجزء الأول من كتاب" المسيح الصريح،، Clear Cris،، "ص 173 للمؤرخ الألماني. =Lodfing = ونصّه: " ذهب وفد من نصارى العرب الذين كانوا يسكنون يثرب إلى نبي العرب محمد، وكان الوفد مكونا من ثلاثة أشخاص أولهم يسمى" عبد المسيح" وكان أمير قومه، والثاني يسمى" آثيوس" وكان أسقفا وسط قومه يشار إليه بالبنان. وكان ميتاءوس متعجرفا ظهرت صورة عجرفته في امتطائه ظهر بغلته وهو يحدث النبي، وفي جوار بغلته وقف أخوه" ايكوزناس" الذي اهتزّ غضبا لظهور معجزة لهذا النبي بأن غاصت أرجل بغلة ميتاءوس في الرمال مما جعله يوجه ألفاظا نابية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 إلى محمد، مما جعل ميتاءوس يعنّف أخاه ايكوزناس، ويقول له: " إنّ الكتب التي لدينا تقول: " إنّ هذا نبيّ، ولولا شرفنا في قومنا وخوفنا من ضياع هيبتنا بين الرومان الذين يعينوننا بالأموال لاتّبعناه وبشّرنا به بين قومنا" (سرّ إيماني ص ص 110- 111) . فكتب التاريخ عند النصارى تشهد لبشارة الأناجيل بنبيّ الإسلام وحادي المسلمين ... ولكنّ الهوى قد صاغ من طوب الجهل والغفلة، سورا للتيه والضلالة، ليحجب عن البصائر رونق الهداية البديعة وشمسها المتوهجّة.. فقل الحق، أخي،، واجهر بالصدق.. فستتفتح بصائر وتشرئبّ إليك أعناق.. أمّا من استمسكوا بالباطل وعضّوا عليه بالنوجذ، فقل لهم.. عليّ تحت القوافي من مكامنها ... ولا ذنب لي إن لم تفهم البقر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 شبهات المنصّرين حول البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم في" الكتاب المقدس" " أقول له زيدا، فيسمع خالدا ويكتبه عمرا، ويقرؤه بشرا!؟ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 إنّ النصارى وعلى رأسهم المنصّرين منهم يعمدون إلى محاولة إحراج المسلمين والتشغيب على اقوالهم، إذا ما حدّثوا عن البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس. والمتأمل في اعتراضاتهم ومدافعاتهم يلحظ بيسر أنّ القوم لا يبالون بإحقاق الحقّ وإبطال الباطل وكشف معالم الهدى ونشر النور بعد حلكة الدجى، وإنما الغاية كلّ الغاية هي التشويش على الحقائق التي يذكرها المسلم بل وإيهامه، خاصة إن كان عاميا، أنها لا تؤدّي إلى ما يريد أو أنّها مفتعلة منبتة عن أرض الواقع. وها نحن نضع بين يديك شبهاتهم الكسيحة واعتراضاتهم الخلقة و" طنطناتهم" المختنقة. وقد بذلنا ما في الوسع لجمعها سواء بالنقل عن القوم أو بملاحظة مؤدّى أقوالهم ولوازم اعتراضاتهم. ولنا بعد ذلك أن نستحثّ أقطاب النصارى العرب أن يبرزوا لمقارعة دعاة الإسلام في هذا المبحث العلمي العقدي الخطير بدل تخدير النصارى بكتاباتهم الباردة التي تتعمّد بتر الكلام وتشويه حجج المسلمين ومحاولة تقزيم براهينهم والتعتيم على شمس دينهم ... فليفعلوا.. وإلا قلنا: إذا ما خلا الجبان بأرض قوم ... طلب الطعن وحده والترالا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 شبهة: يقول عابد الأجداد: البابوات والكرادلة، هم أعلم الناس بما في الأسفار المقدسة، وهم ينكرون ذكر محمد (صلى الله عليه وسلم) في التوراة والإنجيل، وهم الذين قرؤوا" النصوص المقدسة" مستنرين بهداية الروح القدس حتى أشربت قلوبهم فهمها، فكيف أترك قولهم السديد، إلى قول المسلمين المعاندين المتعصّبين إلى أوهامهم!؟! " الردّ: إنّ البابوات والكرادلة والأساقفة.. يعلمون أنهم إن جاهروا بالاعتراف ببشارة الكتاب المقدس بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم سيسلبون مناصبهم وسينسلّ من بين أيديهم ذاك الضرع الذي يدرّ سيول الذهب والفضة.. فلا يلتفت، وكالأمر كما ترى، إلى مذاهبهم وأقوالهم، فالحق أحق أن يتبع.. والرجال يعرفون بالحق ولا يعرف الحق بالرجال، فاعرف الحقّ تعرف أهله.. وثقل القول في حجّته لا في من احتج به.. إنّ الكثير من رجال الدين النصارى، كما ينقلون هم عن بعضهم البعض، يتخذون الدين غرضا ومغنما.. وهم يتمرغون في أموال رعايا الكنيسة.. وقد أشربت قلوبهم العطايا.. واسترقّهم نزقهم الثمل بسكرة المتعة الجامحة..!! ويعرّي الإمام ابن القيّم أحد هؤلاء، في كتابه" هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى".. فيقول رحمه الله وأنعم الله علينا وعليه بالجنان: " ولقد ناظرت بعض علماء النصارى معظم يوم فلمّا تبيّن له الحق بهت، فقلت له وأنا وهو خاليين: ما يمنعك الآن من اتباع الحق؟ فقال لي: إذا قدمت على هؤلاء الحمير- هكذا لفظه- فرشوا لنا الشقاق تحت حوافر دابتي وحكّموني في أموالهم ونسائهم ولم يعصوني في ما آمرهم به، وأنا لا أعرف صنعة ولا أحفظ قرآنا ولا نحوا ولا فقها، فلو أسلمت لدرت في الأسواق أتكفف الناس، فمن الذي يطيب نفسا بهذا؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 فقلت له: هذا لا يكون، وكيف تظنّ بالله أنّك إذا آثرت رضاه على هواك يخزيك ويضلّك ويحوجك؟! ولو فرضنا أنّ ذلك أصابك فما ظفرت به من الحق والنجاة من النار ومن سخط الله وغضبه، فيه أتمّ العوض عمّا فاتك. فقال: حتى يأذن الله. فقلت: القدر لا يحتج به! ولو كان القدر حجة لكان حجة لليهود على تكذيب المسيح وحجة للمشركين على تكذيب الرسل، ولا سيما أنتم تكذبون بالقدر فكيف تحتجّ؟!! فقال: دعنا الآن من هذا. وأمسك. " لاحظ أيها العاقل كيف ناظر الإمام ابن القيّم هذا" العالم" النصراني المقدّم عند قومه الجالس على عرش سرابي زائل، فأقام عليه الحجة، وأحمد وساوسه، وأبطل شبهاته، ومما لا شكّ فيه أنه قد أثبت له بشارة الكتاب المقدس ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم لركنية هذا الموضوع في مثل ذلك النقاش، ولكنّ عند ما تنقاد النفس الطمّاعة لشهوة النفس وتسير في ركابها فإنّها تتأبّى عندها على الخضوع والذلّ على بابه تصديقا والتزاما! ولنا أن نسأل هذا النصراني المعترض: إنّكم ومن تتبعون، تكررون دائما أنّ التوراة (العهد القديم) متخمة بالبشارات بالمسيح عيسى بن مريم عليهما السلام، بل لا تكاد تخلو صفحة من صفحاتها من التصريح أو التلميح بمقدم ابن العذراء!! فهل تنكرون علينا أن قلنا إنّ أحبار اليهود أرسخ منكم قدما وأطول باعا في تفسير التوراة (العهد القديم) وتأويلها، وبالتالي فتكذيبهم لقولكم السابق لا يخلو من وجاهة.. وهو المقدم على زعمكم لأنّ التوراة نزلت فيهم! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 طبعا.. اعتراض باعتراض!! ثمّ.. هل المراجع المزعومة للكنيسة التي تنوء أسماؤها وكناها بألفاظ القداسة والطهارة، هي في حقيقة أمرها على هذه الدرجة من الأهلية ليكون بأيديها وحدها حقّ البتّ والقطع في هذه القضايا؟!! ملامح الإجابة تظهر في ما جاء في" قاموس الكتاب المقدس" (الذي نشرته كنائس عربية ضمن البرنامج الإلكتروني" البشارة: الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية") تحت اسم" هرماس" حيث نقرأ: " اسم يوناني ( ... ) ورد كإسم لأحد سكان روما المسيحيي. أرسل إليه الرسول سلامه في خاتمة رسالته إلى روما (رو 16: 14) . وقد نسب إليه خطأ الآباء الأولون (لفظة" الآباء" وردت هكذا مطلقة دون تقييد أو حصر!!!) في الكنيسة المسيحية كتابة السفر المعروف براعي هرماس، الذي يحتوي على رؤى وأمثال ووصايا روحية وخلقية. " ... وقد جاء في كتاب" عيسى ليس أسطورة =Jesus Not a Myth ="ص 120 ل أ. د. هوّل سميث A.D.Howell Smith أنّ هذا السفر كان مضمّنا في المخطوطة السينائية (والتي هي أقدم مخطوطة معتمدة للكتاب المقدس) أيّ أنّ النصارى قبل القرن الرابع ميلادي كان يرون إلهامية هذا السفر، قبل أن" يهتدي" المتأخرون من أرباب الكنائس بعد قرون عددا إلى أنّ رسالة الراعي هرماس ليست من عند الله ... !! ونقول: إنّ الذي يخطئ في قضية خطيرة جدا كنسبة سفر بأكمله إلى الوحي أو الإلهام، هو أقرب إلى أن يخطئ في فهم بعض البشارات القليلة الكلمات!! وكيف يفرض علينا النصراني المخالف أنّ نجعل أئمة الكنيسة مراجعا لنا في فهم بشارات الكتاب المقدّس ونحن نقرأ ما جاء في" كتابات العهد الجديد) sgnitirW of the New Testament The،، "النسخة المراجعة، سنة 1999 م) للوك تيموثي جونسن nosnhoj yhtomiT ekuL ص 159 من أنه: " لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 يظهر أيّ تعليق على إنجيل مرقس حتى القرن السادس ميلادي، ولم يظهر تعليق تال له حتى القرن التاسع". فقوم يتركون أحد أناجيلهم القليلة دون تعليق هذه المدة الطويلة، من المحال أن يقدّموا تفسيرا شاملا سليما للنصوص المقدّسة المتنازع في فهم معناها ومؤاداها.. فكيف يعتبرون" مراجعا".. و" فاقد الشيء لا يعطيه!!! " وإن أصرّ المعاند على وجوب الاستئسار لمذاهب أئمة الكنيسة وحرمة مخالفة قولهم أو مجانبة فهمهم، فليخبرنا عن موقفه مما نشره موقع BBC العربي بتاريخ 27- 12- 1999 عن أحد استطلاعات الرأي في بريطانيا: " أظهر استطلاع للرأي في بريطانيا أن غالبية الشخصيات البارزة في المجتمع البريطاني بمن فيهم كبار رجال الدين المسيحي لا يؤمنون بأن الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام. وقد أعرب ثلاثة فقط من بين 103 من رجال الدين المسيحي شملهم الاستطلاع عن اعتقادهم في صحة رواية خلق العالم التي وردت في التوراة والإنجيل. "!! فها هي غالبية الآباء، تتنكّر للكتاب المقدّس رأسا، فهل تراك تقول بقولهم وتنهج نهجهم وتحذو حذوهم.. أم أنّك" سترتد" إلى إعمال عقلك وتقليب فكرك في ما تقرأ وتسمع؟!! ثم نضيف.. بأنّ البابا ألكسندر بابا الكنيسة كان يؤمن بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلّم وذاك ظاهر من قوله- في ما نقله عنه الشيخ رحمة الله الهندي في" إظهار الحق" في كتابه" بدنيد" طبعة لندن لسنة 1806 الصفحة 303: " يا محمّد إنّ الحمامة عند أذنك".. ومعلوم أنّ" الحمامة" يقصد بها هنا: أمين الوحي جبريل عليه السلام، كما هو ظاهر من قصة تعميد يوحنا المعمدان للمسيح عليه السلام (متّى 3: 16، مرقس 1: 10، لوقا 3: 22) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 كما جاء في المؤتمر التنصيري الثالث لطائفة الإنجليكانين الذي انعقد في كندا سنة 1963، في ما قاله" كانون وارن" سكرتير جمعية التبشير الكنيسة، في بحثه المقدّم إلى هذا المؤتمر: " لقد تجلّى الله بطرق مختلفة، ومن الواجب أن تكون لدينا الشجاعة الكافية لنصر على القول بأنّ الله كان يتكلّم في ذلك الغار الذي يقع في تلك التلال خارج مكة" (عن (p. 18 Peter Whiteley Frontier Fission an Account of the Toronto Congress وهذا الملك النصراني القح" أوفّا 757) Mercians =King Offa of the م- 796 م) الذي حكم وسط إنجلترا، بعد قرن من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بلاد العرب، والذي جاء في" الموسوعة البريطانية الجديدة (1974) =The New Encyclopedia Britanica ="في وصفه أنّه: " كان واحدا من أقوى الملوك في الزمن الأول لإنجلترا الانجلوسكسيونية". والذي كان على علاقة جيّدة بالبابا أدريان الأول (772 م- 795 م) ، هذا الملك قد كتب على عملته الذهبية شهادة الإسلام" لا إله إلا الله وحده لا شريك له" باللغة العربية على وجه، وباللغة الإنجليزية على الوجه الآخر. وقد اكتشفت هذه العملة سنة 1841 م، وهي معروضة في المتحف البريطاني. أفليس هذا الملك من أكابر النصارى.. وقد أسلم في بلد لم تطأه أقدام المسلمين، وأكاد أجزم أنّ بشارات الكتاب المقدّس هي التي قادته إلى دين الإسلام وما كان الأمر عن سخط على الكنيسة، لأنّه ما أعلن الهجوم عليها! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 . بل اقرأ هذا الخبر، ثم ابحث لنفسك عن جواب من قساوستك وأساقفتك: ذكر البحّاثة جودفري هجتر Godfrey Higgins في كتابه Anacalypsis ="ص ص 691- 694 أنّ الكنيسة الكاثوليكية التي تزعم أنّ باباواتها هم خلفاء بطرس" زعيم الحواريين"، وأنّ بطرس هو أوّل بابا عرفته الكنيسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 ، كانت تمجّد كرسيا ينسب إلى بطرس، واستمرت في عرضه على العامة في مشهد مهيب كلّ ثامن عشر من الشهر الأول لكلّ سنة حتى سنة 1662 م حيث قيل إنّه قد وجدت عليه، بعد تنظيفه، رموز وثنية. ولمّا استولت فرنسا في زمن نابوليون بونابرت على روما سنة 1795 م، تمّ فحص الكرسي، وكانت المفاجأة، أن وجدت عليه مع تلك الرموز الوثنية، شهادة التوحيد الإسلامية باللغة العربية: " لا إله إلا الله، محمد رسول الله". وقد جاء أمر هذه القصة أيضا في ملحق كتاب Worship ==Ancient Symbol ل هـ. م. وستروب H.M.Westroop وس. س. ويك Wake.S.C الطبعة الثانية (1972) هامش 97، وهامش ص 25، المجلد الثاني من كتاب =Isis Unveiled =ل هـ. ب. بلافتسكيH.P. Blavatsky . والسؤال هو: كيف وصلت شهادة التوحيد الإسلامية إلى قلب الفاتيكان.. وبقيت هناك سنينا طوالا؟! وأخيرا.. يا أيّها النصراني.. كن عصاميا، تنشد الحق لنفسك بنفسك.. ولا تكن عظاميا تعتزي إلى عظام الأجداد البالية.. ولا ترخ عنان السمع لما يقول الأهل والأصحاب، ولا القساوسة الذين تشبّعوا زورا بالأمجاد والألقاب.. فجدّ لنفسك.. قبل أن يبزّك الإفلاس.. وإلا.. ولات حين مندم.. ولات حين مناص.. وتجمّل بحبّ النجاة واستمسك بحبلها المتين تصل إلى سماء الحقيقة.. ولا تجذبنّك نوازع العادة والإلف، فتبقى دهرك تدبّ ذاك الدبّ اللزج بين حشرات الأرض! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 شبهة: قد يصرّ النصراني على أن يلزم قوله البذاذة، فيظهر الفجاجة، ويغرق في اللجاجة، مرسلا أقوالا لا خطام لها ولا زمام، قائلا معترضا، ساخطا ممتعضا: كيف تزعمون أنّ التوراة والإنجيل قد أنبآ ببعثة محمد (صلى الله عليه وسلّم) .. ومع ذلك ها نحن نقرأ هذه الأسفار الكثيرة الصفحات فلا نرى أي ذكر صريح لنبيّكم؟!! الرد: ردنا على هذا المكابر الذي لم يجعل الحقّ بغيته، وإنما جعل الحفاظ على الموروث من آبائه وأجداده مسلكه وديدنه، ولو كان هذا الموروث مكشوف السوأة ظاهر الفساد، أنّ ما ادّعاه حجة عليه وعلى طائفته الثالوثية، إذ أنّه وهي يزعمان أنّ العهد القديم فيه مئات، بل آلاف النبوءات المبشرة بالمسيح ابن مريم عليهما السلام، ومع ذلك لا نجد بين هذه النبوءات المزعومة" نبوءة" واحدة جاء فيها أنّ اسم المسيح الآتي هو" يسوع" أو" عيسى". وإذا تجوّزنا، في المقابل، القول بأنّ التوراة الحالية لم تصرّح باسم نبي الإسلام صلى الله عليه وسلّم، فليس في ذلك ضير ولم يعدم المسلمون الخير، إذ أنّ هذه التوراة المتداولة لم تكتب بالعبرية المعروفة في زمن موسى عليه السّلام، وإنما كتبت بهذه الصيغة بعد قرون من وفاة كليم الله عليه السلام، في زمن عزرا الذي جمع الروايات الشفوية ووضعها في الأسفار الحالية، وبسبب هذا الأمر فقد ضاعت أو اختلطت على النساخ والنقاد الكثير من اسماء الأعلام الأصلية، ولا يبعد، من باب التنزّل، أن يحرّف الاسم الشريف أو يصحّف، مع بقاء أثارة من بشارات الأنبياء الأول تخبر عن الصفات والعلامات الخاصة بنبي آخر الزمان صلى الله عليه وسلّم. ونضيف، انّ القول بأنّ التوراة والإنجيل لم يخبرا باسم نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم لا يعدو كونه دعوى بل حجة.. وعلى كلّ حال فإننا نقول لهذا النصراني: إنّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 عدم العلم لا يستلزم العلم بالعدم.. وإذا سأل العيّي عن شفاء دائه فسيجاب بأنه قد جاء ذكر اسم نبي الإسلام في أكثر من موضع في العهد القديم وفي العهد الجديد. أمّا إن كابر واستغشى بثيابه وسدّ على نفسه منافذ النور.. فلنا أن نقول: ما ضرّ شمس الضحى والشمس طالعة ... أن لا يرى ضوأها من ليس ذا بصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 اسم نبي الإسلام صلى الله عليه وسلّم في التوراة (العهد القديم) افتح، فضلا، سفر" نشيد الإنشاد" 5: 9- 16، واقرأ: " يم يفوق حبيبك المحبّين أيّتها الجميلة بين النساء؟ يم يفوق حبيبك المحبّين حتّى تستخلفينا هكذا؟ حبيبي متألق وأحمر، علم بين عشرة آلاف رأسه ذهب خالص وغدائره متموّجة حالكة السّواد كلون الغراب. عيناه حمامتان عند مجاري المياه، مغسولتان مستقرتان في موضعهما. خدّاه كخميلة طيب تفوحان عطرا، وشفتاه كالسّوسن تقطران مرّا شذيا. يداه حلقتان من ذهب مدوّرتان ومرصّعتان بالزبرجد، وحسمه عاج مصقول مغشى يالياقوت الأزرق. ساقاه عمودا رخام قائمتان على قاعدتين من ذهب نقي، طلعته كلبنان، كأبهى أشجار الأرز. فمه عذب، وكله مشتهيات. هذا هو حبيبي وهذا هو خليلي يا بنات أورشليم! " ما جاء في سفر نشيد الإنشاد هو تلخيص لتجارب الأمم من الخروج إلى مجيء النبي الخاتم كما هو مذكور عن كبار أحبار اليهود كسعديّا بن يوسف ورشّي وابن عزرا ... النصّ المقتبس من سفر نشيد الإنشاد 5: 16 في أصله العبري: " هكّو ممتكّيم وكهلّو محمدّيم زه دودي وزه رعي بنوث- يوروشلايم" dodi we -zeh reI benoth -yerushalayi Hikko mamtaqqim we -khullo Mahamaddim zeh،، لا بدّ أنّك لاحظت وجود كلمة" محمديم".. وهي تشير كما هو ظاهر إلى اسم نبي الإسلام، وفيما يتعلّق بزيادة" يم""" في هذه الكلمة، يقول المختصون في اللغة العبرية أنها للتفخيم والتعظيم. ويقدّم لنا الباحث شبلي زمان Shibli Zaman عالم اللغات الشرقية الكبير- في بحث له خاص بهذه النبوءة، مثالين من العهد القديم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 على معنى هذه الزيادة وهما كلمة" أفرايم" من سفر التكوين 41: 52 و" شحرايم" من سفر أخبار الأيام الأول 8: 8. وجاء في" الموسوعة اليهودية Encyclopedia ==Jewish "أنّ كلمة" ألوهيم""" جاءت فيها، أيضا، الياء والم 3 يم للتعظيم والتفخيم. كلمة" محمّد" لها نفس المعنى في كلّ من اللغة العربية واللغة العبريّة، وهي صيغة التفضيل من الرجل المحمود. المقابل العربي الصحيح للعدد 16 من الفصل 5 من سفر نشيد الإنشاد: " كلامه أحسن الكلام، إنّه محمّد العظيم. هذا هو حبيبي، وهذا هو صديقي (أو خليلي) ، يا بنات أورشليم. " الشرح اللغوي: " هكّو ممتكيم": كلمة" هكّو" هي من الجذر" هكه" أو" هنكه". ومعنى هذين الجذرين هو: داخل الفم حنك سقف الحلق حاسة التذوق لسان أو لغة هذا من الناحية اللغوية، أمّا من الناحية الاصطلاحية في الكتاب المقدس فإنّ الفم والحنك واللغة كلّها تعني الكلام المنطوق، من ذلك: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 " كلمات الجاهل مهلكة له" (سفر الأمثال 18: 7) . " أدعو خادمي فلا يجيب، مع أنّي توسلت إليه" (سفر أيوب 1: 19) " جدّفوا على السماء بأفواههم، ولوثوا الأرض بخبث ألسنتهم. " (المزمور 73: 9) . " جعل فمي كسيف قاطع.." (سفر إشعياء 49: 2) . التراجم الانجليزية تستعمل كلمة" فم" في كل النصوص السابقة بمعنى" كلام". كلمة" ممتكيم"، مشتقة من الأصل العبري" مثق =mathaq =وتعني: أكل شيء حلو. حلو أو عسل. وقد جاء في سفر العدد 33: 28 ذكر كلمة" مثقة"، وهي مكان ونبع ماء في البلاد العربية حيث توقف بنو إسرائيل أثناء خروجهم من مصر. الياء والميم في" ممتكيم" هما للتفخيم والتعظيم، وهو ما يظهر من التراجم الانجليزية نفسها. معنى المقطع الأول إذن هو: " كلامه أحسن الكلام". " وكهلو محمديم": الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 كلمة" محمديم" هي من الجذر العبري" حمد" كما في المعاجم العبرية" الاشتهاء"، وتستعمل هذه الكلمة أيضا بمعنى الحمد والتبجيل. فالاسم" محمد" والشخصية" مشتهاة" أيّ جذّابة تستحق كلّ الحب والتبجيل والإكبار. " زه دودي": تعني" زه": " هذا"، أما" دودي" فمعناها في اللغة العبرية" صديقي" أو" محبوبي"، وهي تستعمل بصفة خاصة بمعنى العم، وقد جاء في معجم =English Lexicon ==A Hebrew and: لويليام جزنيوس William Gesenius وفرنسيس براون Francis Brown: =صديق، وخاصة أخو الأب، عم من جهة الأب. " استعمال كلمة" دودي" يدلّ على أنّ ال" محمد" سيكون من جهة عمومة النبي سليمان المتحدّث، ومحمد صلى الله عليه وسلم من أبناء إسماعيل الذي هو أخ لاسحاق الذي جاء منه سليمان صاحب البشارة. وليس للنصراني أن يزعم أنّ يسوع هو موضوع البشارة لأنّه كسليمان من أبناء إسحاق. " وزه رعي": معنى" وزه": " وهذا". ومعنى" رعي": جار، صديق، فرع آخر. ومحمد صلى الله عليه وسلم صديق لسليمان عليه السلام لمحبة الأنبياء لبعضهم البعض، وهو جار له إذ أنّ الشام التي سكنها سليمان عليه السلام تقع بجوار بلاد العرب التي ظهر فيها نبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلّم. وهو من الفرع الآخر: من نسل إسماعيل. " بنوث- يوروشلايم": الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 تعني كلمة" بنوث" حرفيا" بنات"، وهي في اللهجة اليهودية تعني" سكان". وقد جاء في معجم اللغة العبرية: سكان مدينة أو بلاد، رجالا ونساء. " كلمة" يوروشلايم" تشير عادة إلى مدينة القدس. وقد اختلف أهل اللغة في أصلها، فذهب بعض أهل اللغة العبرية إلى أنّ جذرها هو: " ييروش- شالوم" أي" ملكية السلام، =738737531hepropertyofpeace =ويرى فديارتي في كتابه" محمد في الأسفر المقدسة =Muhammad in World Scriptures ="أنّ هذا القول خطأ. بعض الباحثين الآخرين يرون أنّ الجذر هو" ياروه". أي" أصل Foundation =""ليكون معنى" أورشليم" أصل السلام". وعلى كلّ حال فأصل الكلمة هو" يارو" أي ناس، أو بيت. ويكون معنى المقطع الأخير إذن: " يا سكان بيت السلام". ولا تشير عبارة" بيت السلام" إلى هيكل القدس لأنّ هذا الهيكل ما عرف السلم والأمن بل تعرّض للكثير من النوائب، كما أنّ المسيح قد تأفّف من الظلم الذي سيطر على أورشليم، فقال: " يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراحمة المرسلين إليها" (إنجيل متّى 23: 37 ... ) ، أمّا كعبة إبراهيم عليه السلام فقد حفّها الأمن والأمان طوال قرون عديدة كما دفع الله سبحانه عنها شرّ أبرهة الذي جاء من الحبشة لهدمها. ثم إنّ القرآن قد قال: " ومن دخله كان آمنا" (آل عمران 97) ، فهي حقا بيت السلام والأمان. جاءت كلمة" يوروشلايم" في صيغة المثنى، وهي تشير إلى أورشليم القدس حيث أولاد سارة وأورشليم العرب حيث أولاد هاجر. ومما يدلّ على وجود أورشليمين قول بولس في رسالته إلى غلاطية 4: 24- 26: " وهذه الحقيقة لها معنى رمزي، فهاتان المرأتان ترمزان إلى عهدين: الأول مصدره جبل سيناء، يجعل المولودين تحته في حال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 العبودية، ورمزه هاجر. ولفظة هاجر تطلق على جبل سيناء، في بلاد العرب، وتمثل أورشليم الحالية، فإنّها مع بنيها في العبودية. أمّا الثاني، فرمزه الحرّة التي تمثل أورشليم السماوية التي هي أمّنا. "، وخطاب سليمان عليه السلام كان لنسل إبراهيم أبي الأنبياء من زوجتيه سارة وهاجر: بني إسرائيل وبني العرب. والمقصود ببيت الأمان كعبة إبراهيم التي نبع منها الوحي والخير لمّا كان الشرك والوثنية يسيطران على القدس. وتفصيل ما جاء في أعداد الفصل الخامس من هذا السفر يؤكد حقيقة" المحمديم" الذي عرفنا شخصيته من خلال اسمه" محمد" صلى الله عليه وسلّم.. فهو: " متألّق": أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن سلمة في وصف وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ".. بل مثل الشمس والقمر مستديرا". وأخرج الإمامان البخاري ومسلم عن البراء قال: " كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحسن الناس وجها ... " وأخرج الدارمي والبيهقي والطبراني أبو نعيم عن أبي عبيدة قال: قلت للربيع بنت معوّذ: صفي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " لو رأيته قلت الشمس طالعة". الشمس من حسّاده والنصر من ... قرنائه والحمد من أسمائه أين الثلاثة من ثلاث خلاله ... من حسنه وإبائه ومضائه مضت الدهور وما أتين بمثله ... ولقد أتى فعجزن عن نظرائه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 لا يمكن للنصارى أن يحاجونا بكلمة" متألق" للزعم أنّ المسيح هو المقصود بها، لأنّ أئمتهم يقرّرون أنّ المسيح كان قبيح المنظر.. فقد قال مثلا كلمنت الاسكندري عن المسيح: " إنّ جماله كان في روحه وفي أعماله، وأمّا منظره فكان حقيرا"، وقال ترتليان: " أمّا شكله فكان عديم الحسن الجسماني، وبالحري كان بعيدا عن أي مجد جسدي. " قلت: ثبت لدى المسلمين كون المسيح جميل المنظر، كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه في وصف المسيح أنه: " ربعة أحمر، كأنما خرج من ديماس" أي الحمام! -" أحمر": أخرج الإمام البخاري عن أنس أنه قال في وصف رسول الله: ".. أزهر اللون ... " وقال الإمام ابن حجر العسقلاني في شرحه لصحيح البخاري في" فتح الباري..": " أي أبيض مشرب بحمرة، وقد وقع ذلك صريحا في حديث أنس من وجه آخر عند مسلم، وعند سعيد بن منصور والطياليسي والترمذي والحاكم من حديث علي قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم أبيض مشربا بياضه بحمرة" وهو عند ابن سعد أيضا عن علي، وعن جابر، وعند البيهقي من طرق عن علي، وفي الشمائل.. من حديث هند بن أبي هالة أنه أزهر اللون. " " علم بين عشرة آلاف": إشارة إلى فتح مكّة على يد نبيّ الإسلام (العلم) مع عشرة آلاف مؤمن. وقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عبّاس أنّ النبي صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف مؤمن لفتح مكّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 -" رأسه ذهب خالص وغدائره متموّجة حالكة السواد كلون الغراب": أخرج مسلم عن أنس أنه قال في وصف شعر النبي صلى الله عليه وسلم: " كان شعرا رحلا ليس بالجعد والسبط بين أذنيه وعاتقه". وأخرج أيضا عن أنس قوله لما سئل هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه لم يكن رأى من الشيب إلا. قال ابن إدريس كأنه يقلّله ... كما أخرج عن ابن سيرين قال سألت أنس بن مالك هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خضب فقال لم يبلغ الخضاب كان في لحيته شعرات بيض. ومما قاله الإمام النووي في شرحه لهذا الأثر: " ... كما قال في الرواية الأخرى: لم يشتد الشيب أي لم يكثر، ولم يخرج شعره عن سواده وحسنه. " " عيناه حمامتان عند مجاري المياه. مغسولتان مستقرتان في موضعهما": أخرج الإمام مسلم عن جابر بن سمرة أنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان" أشكل العينين". وفسّر الإمام النووي كلمة" أشكل" بقوله إنّ العلماء قد اتفقوا على أنّ الشكلة حمرة في بياض العينين. لا شكّ أنّ ما ذكره جابر بن سمرة هو عين ما جاء في سفر نشيد الإنشاد من الحديث عن عين الحمامة. وللحمامة وعيناها دلالات بارزة في الكتاب المقدس: يقول البابا شنودة في مقال له في جريدة وطني (لم يذكر رقم العدد) نشره في موقعه على الإنترنت، في تفسيره لنشيد الإنشاد 1: 15: ".. العين البسيطة التي كالحمامة. تمثل البراءة. ولهذا يقول السيد المسيح: " إن كانت عينك بسيطة، فجسدك كله يكون نيرا ( ... ) " عيناك حمامتان" أي تمثلان الوداعة واللطف والطيبة والود. تمثلان النفس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 الجميلة الهادئة البسيطة الروحية الحرّة. محال أن يكون أحد فيكم قد رأى حمامة عابسة متجهمة. الحمام أيضا يهدل دائما، فيرمز إلى حياة التسبيح الدائمة ... " ... ومعلوم لمن قرأ صفحات من سيرة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلّم مبلغ وداعته ولين جانبه وتسبيحه الدائم: أخرج مسلم عن أنس رضي الله عنه: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم في بعض أسفاره، وغلام أسود يقال له: أنجشة، يحدو. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: " يا أنجشة! رويدك، سوقك بالقوارير". (البخاري) وأخرج مسلم عن أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: " ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين أمرين، أحدهما أيسر من الآخر، إلا اختار أيسرهما. ما لم يكن إثما. فإن كان إثما، كان أبعد الناس منه". وأخرج ابن حبان في" صحيحه" عن الأغر المزني أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله كلّ يوم مئة مرة". " خدّاه كخميلة طيب تفوحان عطرا، وشقتاه كالسوسن تقطران مرّا شذيّا" أخرج الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقّاص قال: " اشتكيت بمكة فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعودني، فوضع يده على جبهتي فمسح وجهي وصدري وبطني، فما زلت يخيل إليّ أني أجد يده على كبدي حتّى الساعة". وأخرج الإمام مسلم عن جابر بن سمرة قال: " مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم خدّي فوجدت ليده بردا وريحانا كأنما أخرجها من جونة عطار" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وأخرج الشيخان عن أنس قال: " ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كفّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولا شممت مسكا ولا عنبرا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلّم". " يداه حلقتان من ذهب مدوّرتان ومرصّعتان بالزبرجد، وجسمه عاج مصقول مغشّى بالياقوت الأزرق. ساقاه عمودا رخام قائمتان على قاعدتين من ذهب نقي": جاء في وصف هند بن أبي هالة للرسول صلى الله عليه وسلم: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما ( ... ) عظيم الهامة ( ... ) معتدل الخلق، بادن متماسك سواء البطن والصدر، عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين ( ... ) طويل الزندين، رحب الراحة ( ... ) سابل الأطراف (أي طويل الأصابع) ... ". " طلعته كلبنان، كأشهى أشجار الأرز": أخرج الترمذي عن عبد الله بن سلام قال: " لما قدم النبي صلى الله عليه وسلّم المدينة جئت لأنظر إليه فلمّا استبنت وجهه عرفت أنّ وجهه ليس بوجه كذاب" وعن أبي رمثة التميمي قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلّم ومعي ابن لي فأريته فلما رأيته قلت هذا نبي الله" وقال عبد الله بن رواحة في وصفه: لو لم تكن فيه آيات مبيّنة ... لكان منظره ينبيك بالخبر وقيل: كأنّ الثّريا علّقت بجبينه ... وفي جيده الشّعرى وفي وجهه القمر عليه جلال المجد لو أن وجهه ... أضاء بليل هلّل البدو والحضر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 -" فمه عذب": أو" كلامه أحسن الكلام".. خذ هذه الشهادة من مستشرق غير مسلم: قال الدكتور ماردريس المستشرق الفرنسي عند ما كلّفته وزارتا الخارجية والمعارف الفرنسية بترجمة 62 سورة من السور الطوال التي لا تكرار فيها، ففعل وقال في مقدمة ترجمته الصادرة سنة 1962: " أما أسلوب القرآن فهو أسلوب الخالق جلّ وعلا. فإنّ الأسلوب الذي ينطوي على كنه الكائن الذي صدر عنه هذا الأسلوب لا يكون إلا إلهيا. والحق الواقع أنّ أكثر الكتّاب شكا وارتيابا قد خضعوا لسلطان تأثيره. ( ... ) ذلك أنّ هذا الأسلوب الذي طرق في أول عهده آذان البدو كان نثرا جد طريف، يفيض جزالة في اتساق نسق، متجانسا مسجعا، لفعله أثر عميق في نفس كلّ سامع يفقه العربية. لذلك كان من الجهد الضائع غير المثمر أن يحاول الإنسان أداء تأثير هذا النثر البديع" الذي لم يسمع بمثله" بلغة أخرى. وخاصة الفرنسية القاسية الضيقة" التي لا تتسع للتعبير عن الشعور".. وزد على ذلك أنّ اللغة الفرنسية ومثلها جميع اللغات العصرية ليست لغة دينية. وما استعملت قط للتعبير عن الإلوهية. " وخذ شهادة من أفضل من كتب بلغة الضاد من النصارى العرب لتكون شوكة في حلوق أهل العجمة من مكابري الكنيسة.. فقد قال أمير البيان مصطفى صادق الرافعي رحمه الله وطيّب ثراه في كتابه" وحي القلم": " وصرّح لنا بذلك (بإعجاز القرآن) أديب هذه الملّة وبليغها الشيخ إبراهيم اليازجي الشهير. وهو أبلغ كاتب أخرجته المسيحية. وقد أشار إلى رأيه ذاك في مقدّمة كتابه" نجعة الرائد"، وكذلك سألنا شاعر التاريخ المسيحي الأستاذ خليل مطران، ولا نعرف من شعراء القوم من يجاريه فأقرّ لنا بمثل ما أقرّ به أستاذه اليازجي. " وقال الأديب الشاعر المعاصر نقولا حنا عن إسلامه: " قرأت القرآن فأذهلني، وتعمّقت به ففتنني، ثم أعدت القراءة فآمنت.. آمنت بالقرآن الإلهي العظيم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وبالرسول من حمله.. النبي العربي الكريم، أمّا الله فمن نصرانيتي ورثت إيماني به، وبالفرقان عظم هذا الإيمان.. وكيف لا أومن ومعجزة القرآن بين يديّ أنظرها وأحسّها كلّ حين.. هي معجزة لا كبقية المعجزت.. معجزة إلهية خالدة تدلّ بنفسها عن نفسها، وليست بحاجة لمن يحدّث عنها أو يبشر بها. " ومن اليهود، قال السموأل بن يحي المغربي (570 هـ) العالم بالتوراة والهندسة والرياضيات والهيئة والطب والتاريخ.. في كتابه: " إفحام اليهود.." ص 54 متحدّثا عن سبب إسلامه: ".. فإني كنت لكثرة شغفي بأخبار الوزراء والكتاب قد اكتسبت، بكثرة مطالعتي لحكاياتهم وأخبارهم وكلامهم، قوة في البلاغة، ومعرفة بالفصاحة، وكان لي في ذلك ما حمده الفصحاء، وتعجب به البلغاء ( ... ) فشاهدت المعجزة التي لا تباريها الفصاحة الآدمية في القرآن فعلمت صحة إعجازه. " أضف إلى الإعجاز البلاغي للقرآن.. جزالة الحديث النبوي الشريف.. وقل عن محمد صلى الله عليه وسلّم: " كلامه أحسن الكلام! " وقل مع الشاعر: قطف الرجال القول قبل نباته ... وقطفت أنت القول لما نورا فهو المشيع بالمسامع إن مضى ... وهو المضاعف حسنه إن كرّرا إذن، الأمر بيّن لا التباس فيه ولا خفاء.. إنها بشارة عظيمة بخاتم النبيين صلى الله عليه وسلّم..!! اعتراضات النصارى على بشارة سليمان النبي بمحمد عليهما الصلاة والسلام لا تخرج عمّا يأتي: 1- نصّ بشارة سليمان خاص بيسوع المسيح لا بمحمد (صلى الله عليه وسلم) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 2- النصّ السابق ليس بشارة وإنما هو حديث شعري عن علاقة الربّ ببني إسرائيل! 3- كلمة" محمديم" قد وردت في أكثر من موضع في الكتاب المقدس، وهي لا تشير في هذه المواضع إلى نبي الإسلام باعتراف المسلمين، بل هي تعني" الشيء المحبوب" كما هو الأمر في سفر حزقيال 24: 16 وسفر الملوك الأول 20: 6. 4- كلمة" محمديم" الواردة في نشيد الإنشاد، هي صفة لا اسم علم! 5- الياء والميم في" محمديم" ليست للتعظيم وإنما للكثرة. 6- كلمة" محمديم" إذا حذفنا منها الياء والميم لا تنطق" محمّد" كما هو اسم نبي الإسلام (صلّى الله عليه وسلم) ، وإنما تنطق" محمود". الردّ على الاعتراض الأول: بالإضافة إلى ما سبقت الإشارة إليه نقول: أ- ليس لدينا وثيقة تاريخية تفصّل التكوين الجسدي للمسيح ابن مريم، مما يمنع ربط المسيح بنص نشيد الإنشاد. ب- ليس بإمكان الكنيسة أن تربط يسوع ب" العشرة آلاف" المذكورين في البشارة. ت- كيف من الممكن وصف كلام المسيح بأنّه" عذب" أو" أحسن الكلام" رغم أنّه كلام ثانوي في الكتاب المقدس لا يمكن أن يصل إلى 1 من مجموع كلمات الكتاب المقدّس. وقد تفوّق عليه بولس بصورة واضحة. ثم إنّ يسوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 الإنجيلي أيضا هو ذاك الذي كان دأبه استعمال كلام غامض عجز التلاميذ عن فهمه، حتى قال المنصّر بنيامين بنكرتن في تعليقه على إنجيل متّى 13: 34- 35: " قد سبق الوحي وذكر أن الرب كان يكلم الجموع بأمثال (عدد 10- 15) قصاصا لهم على غلاظة قلوبهم. وهنا يذكر أيضا أنه لم يكن يكلمهم إلا بأمثال. " ث- النصّ صريح في التنصيص على اسم نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، فلم نصرفه إلى مسيح الكنيسة" يسوع" الذي لم يذكر البتة في أيّ من أسفار العهد القديم باسمه. ج- تزعم الكنيسة أنّ يسوع هو" الربّ".. فكيف يقول الربّ عن نفسه: " هذا هو حبيبي وهذا هو خليلي يا بنات أورشليم! "!! أربّ الكنيسة يعاني حالة انفصام الشخصية؟؟ أم هو أنانيّ مغرم بنفسه!!! هذا هو لازم زعم الكنيسة الأول!! وهو الذي يفرض علينا مثل هذا التأويل الذي نرى أنّه على الكنيسة أن تتبرأ منه! الردّ على الاعتراض الثاني: قال النصراني: إنّ النصّ المذكور في سفر نشيد الإنشاد ليس نبوءة من الأصل! ونحن نسأل هذا المذبذب: ".. فلم نقرأ في تعليقات علمائكم على هذا النص أنّ الحديث فيه هو نبوءة عن المسيح وعن كلامه العذب (الإنجيل) .. ومن هذه التعليقات تعليق متى بهنام على هذا السفر، والمسمى" خمائل الطيب" وهو من نشر" الكنائس المجتمعة إلى إسم الربّ"، ومن التعليقات الأخرى المتداولة بين النصارى المتديّنين أنفسهم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 The Treasury of Scripture Knowledge on the Whole Bible Matthew Henry Complete Commentary Bible The New john Gills Exposition of the Entire بل هذا البابا شنودة في تفسيره لسفر نشيد الإنشاد في محاضراته في السبعينات من القرن العشرين وفي مقالاته في صحيفة" وطني" عدد 2108 وما بعده، قرّر أنّ المسيح هو موضوع الحديث المجازي في هذا السفر. إنّ القول انّ نص نشيد الإنشاد هو بشارة بيسوع المسيح، هو في حقيقة الأمر قول آباء الكنيسة الذين هم المراجع الأولى للنصارى لفهم النصوص المقدّسة، وقد جاء ذكر هذه الحقيقة في مقدمة سفر نشيد الإنشاد في ترجمة الكتاب المقدس الإنجليزية" الكتاب المقدس الأمريكي الجديد =The New American Bible ="ص 673: ".. في التراث المسيحي، فسّر النشيد على أنّه يعني الوحدة بين المسيح والكنيسة، والوحدة، كما يبرز ذلك بصورة خاصة عند القديس برنارد، بين المسيح والنفس الفرديّة". الردّ على الاعتراض الثالث: كلمة" محمديم" لم ترد في غير نص نشيد الإنشاد الذي هو موضع البحث، كما شهد بذلك فديارتي وشبلي زمان العالمين باللغة العبرية، وإنما جاء لفظ" محمد" بفتح الميمين وتسكين الحاء والدال. الردّ على الاعتراض الرابع: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 القول إنّ ال" محمديم" صفة لا اسم، لا يستقيم مع ربط الكنيسة هذا اللفظ بشخص بعينه (يسوع) ، كما لا يستقيم مع تطابق الصفات المذكورة في هذه النبوءة مع الصفات المنقولة عن نبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلّم. ثم إنّ السياق يظهر أنّ اللفظ السابق قد استعمل للدلالة على الحمد المشتق منه اسم محمد صلى الله عليه وسلم. ويضاف إلى ذلك أنّ وجود الياء والميم يمنعان ترجمة المعنى ويفرضان إبقاءه كاسم علم. الردّ على الاعتراض الخامس: سبق الردّ على هذه الشبهة، ونضيف أنّ من الأسماء الأخرى التي استعمل فيها التفخيم والتعظيم: أديثايم وأدورايم وإجلايم وكيليزايم وميزرايم وجدروثايم. كما أنّ مترجمي نص نشيد الإنشاد إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية والعربية قد ترجموا" يورشلايم" إلى" أورشليم" معتبرين الياء والميم المضافان إلى كلمة" أورشليم" دالتين على التعظيم لا الكثرة.. فلم الكيل بمكيالين؟!!! الردّ على الاعتراض السادس: القول أنّ" محمديم" بعد حذف أداة التفخيم منها تصبح" محمود" لا" محمد" لا قيمة له لأسباب منها: أولا: هو اختلاف طفيف، إن صح جدلا، قد ينتج عن عدم حفظ النصّ الأول ومعلوم تخبط اليهود والنصارى حول نطق اسم الربّ: هل هو" يهوه"؟ أم" جيهوفاه"؟ أم..؟؟ ولا أحد من أهل الكتاب بإمكانه أن يقطع بالصورة الأولى لهذا الإسم المقدس. والأمر بالمثل فيما يتعلق باسم النبي" داود"، هل هو" داود" بضم الواو؟ أم بكسرها؟ أم هو باستبدال فاء بالواو؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ثانيا: وهو الأهم أنّ تشكيل الحروف في اللغة العبرية لم يعرف إلا في القرن الثامن ميلادي أي بعد قرن من ظهور الإسلام. ولاحظ أنّ الخلاف مصدره الحركات الطارئة على اللغة العبرية: محمد محمّد إنّها، إذن، بشارة بمحمد صلى الله عليه وسلّم وإن رغمت أنوف.. إنّه محمد صلى الله عليه وسلّم العظيم، والجميل، والذي أوتي جوامع الكلم..! وصدق القائل: الحق شمس والعيون نواظر ... لكنها تخفى على العميان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 اسم نبي الإسلام صلى الله عليه وسلّم في الإنجيل (العهد الجديد) فيما يتعلّق بذكر اسم نبي الإسلام في" الإنجيل" (أي الأناجيل الحالية) فإننا نحيل كلّ نصراني إلى ما جاء في هذه النصوص: يوحنا 14: 15- 17: " إن كنتم تحبونني فاعملوا بوصاياي. وسوف أطلب من الآب أن يعطيكم معينا آخر يبقى معكم إلى الأبد. وهو روح الحق، الذي لا يقدر العالم أن يتقبّله لأنه لا يراه ولا يعرفه. وأما أنتم فتعرفونه لأنه في وسطكم، وسيكون في داخلكم" ترجمة العهد الجديد الصادرة عن" دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط" لنفس النص السابق: " إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي. وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه. وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم. " يوحنا 14: 26: " وأما الروح القدس، المعين الذي سيرسله الآب باسمي، فإنّه يعلّمكم كلّ شيء، ويذكّركم بكلّ ما قلته لكم" يوحنا 15: 26: " وعند ما يأتي المعين، الذي سأرسله لكم من عند الآب، روح الحق الذي ينبثق (التراجم العربية: الإنجليزية، الفرنسية ... تقول" يأتي" لا" ينبثق"!) من الآب، فهو يشهد لي" يوحنا 16: 7- 16: " صدقوني، من الخبر لكم أن أذهب، فإن كنت لا أذهب لا يجيئكم المعزي. أمّا إذا ذهبت فأرسله إليكم. ومتى جاء وبّخ العالم على الخطيئة والبر والدّينونة: أما على الخطيئة فلأنّهم لا يؤمنون بي، وأما على البر فلأني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 ذاهب إلى الآب ولن تروني، وأما على الدّينونة فلأنّ سيّد هذا العالم أدين وحكم عليه. عندي كلام كثير أقوله لكم بعد، ولكنّكم لا تقدرون الآن أن تحتملوه. فمتى جاء روح الحق أرشدكم إلى الحق كلّه، لأنّه لا يتكلّم بشيء من عنده، بل يتكلّم بما يسمع ويخبركم بما سيحدث. سيمجّدني لأنّه يأخذ كلامي ويقوله لكم. وكلّ ما للآب هو لي، لذلك قلت لكم: يأخذ كلامي ويقوله لكم. بعد قليل لا ترونني، ثم بعد قليل ترونني. " كلمة" المعين" هنا ترجمة لأصل مفقود، لكن البحث والتنقيب عن المعاني الخفية كشفا لنا الحقيقة التي كادت توأد على أيدي الكتبة والرهبان. لقد سارت التراجم العربية في القرون الأخيرة على اعتماد كلمة" المعزّي" مقابل الأصل اليوناني المتأخر المتاح" باراكليتوس". وهذه الكلمة في النصّ العربي في ترجمتنا هي" المعين". جلّ التراجم العربية الأخرى، والتراجم الإنجليزية والفرنسية تفضّل كلمة" المعزّي" على غيرها من الكلمات. وقد كانت النصوص العربية في القرون السابقة تذكر في نصّ إنجيل يوحنا كلمة" فارقليط" بدل كلمة" معزّي" أو" معين"- عندنا- أو" محامي" أو" مدافع"، دون تعريبها، كطبعات الكتاب المقدس لسنة 1591 م (رومية) ، وسنة 1671 م (طبعة البروباغندا) ، وسنة 1776 م (طبعة دير يوحنا الصابغ) ، وسنة 1821 م، وسنة 1823 م، وسنة 1831 م، وسنة 1844 م وترجمة الخوري يوسف عون، وهو ما يشعر أنّ هذه الكلمة اسم علم لا صفة لشخص، إذ حوفظ على اللفظ الأجنبي دون تعريبه، ولو أنّه كان صفة لعرّب بصورة آلية، علما بأنّ أوّل طبعة عربية ذكر فيه لفظ" المعزّي" بدل" الفارقليط" هي طبعة 1825 م و 1826 م!!!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 إنّ الدلائل اللغوية والحقائق التاريخية كلّها تؤكد أنّ" الفارقليط" هو" أحمد" صلى الله عليه وسلم، نبي الإسلام المنتظر.. أمّا" المعزّي" فمخرج من ورطة.. وحفرة، لرأس النعامة الفزعة.. وقد صرّح الدكتور القس أ.. ب. سمبسون بقوله: " الاسم المعزّي: ليست الترجمة مدققة جدا" (الروح القدس أو قوة من الأعالي ص 206 ج 2- نقله إلى العربية يوسف اسطفان) . اعترف بحقيقة البشارة غير واحد من النصارى، ومن هؤلاء: المستشرق الدكتور كارلونلينو في النقاش الذي كان بينه وبين الشيخ عبد الوهاب النجار الذي نقل وقائعه في كتابه" قصص الأنبياء" ص ص 397- 398 وقد قال للشيخ أنّ كلمة" بيركليتوس" تعني" الذي له حمد كثير". ذكر" جودفري هيجتر 1773) =Godfrey Higgins ="م- 1833 م) - وهو أركيولوجي. وقد أنفق 20 سنة من حياته في البحث في الأشياء العتيقة المتعلقة بالديانات، وله عدد من الكتب السياسية. وكان قد رشّح ليكون في البرلمان في زمانه، ويصرّح أنّه نصراني- في كتابه =Anacalypsis =الذي جمع فيه آثار الأمم.. في الصفحة 679 أنّ المطران مارش Marsh قال إنّ كلمة Paraclete =باراكليت" (التي هي الكلمة الأصل) لا بدّ أن تكون من الأصل السرياني أو العربي =Prqlit ب ر ق ل إ ط (Peryclyte) المترجمة إلى اللغة اليونانية. ثم أضاف هجتر أنه إذا كانت كلمة =Prqlit =هي الكلمة التي نطق بها عيسى وأنها تعني: محمد، فإنه من الخطئ ترجمة هذه الكلمة إلى كلمة "=Comforter =المعزّي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 - اعترف المستشرق جورج سيل في كتابه Discourse to the Quran ==Preliminary: أنّ كلمة "=Peryclyte =بيريكليت" تعني" محمد" باللغة العربية. جاء في كتاب" تاريخ الكنيسة المسيحية =Christian Church =A History of the "ل الارس ب. كوالبن ص 145: " أرسل الله أنبياء كآدم وإبراهيم وموسى وعيسى. لكن أكبرهم هو محمد، الباراقليط الموعود من طرف عيسى". ذكر الباحث جعفر السحباني أنه قد جاء في دائرة المعارف الفرنسية الكبرى ج 23 ص 4174" محمد مؤسس دين الإسلام، ورسول الله وخاتم النبيين" كلمة" محمد" بمعنى محمود بكثرة، ومصدرها" حمد" التي تعنى التمجيد والتجليل والعجيب وعلى وجه الصدفة إن اسما آخر يترادف مع لفظ محمد ينتمي إلى نفس المصدر" حمد" وهو" أحمد" الذى يحتمل احتمالا قويا بأنه هو المستخدم من قبل العيسويين الذين كانوا يقطنون شبه الجزيرة العربية والذين كانوا يبحثون عنه لتعيين" فارقليط"، فأحمد تعنى محمودا جدا وجليلا جدا وهو ترجمة للفظ" باراكليتوس" والتى تقرأ خطأ" بريكليتوس" ولقد طرق سمعنا هذا الترتيب للكتاب المسلمين مرار حيث قالوا إن المراد من هذا اللفظ هى البشارة على ظهور رسول الإسلام وقد أشار القرآن المجيد أيضا وبشكل علني إلى هذه الآية العجيبة في سورة الصف. (نقلا عن كتاب" بشارة أحمد في الإنجيل" إعداد محمد الحسيني الريس) . قال المنصّر الحاقد على الإسلام ويليام موير في كتابه" حياة محمد" طبعة لندن 1871 م، ص 5 إنّ بعض الترجمات العربية للعهد الجديد استعملت كلمة" أحمد" كمقابل لكلمة" باراكليتوس"! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 - الباحث النصراني ويليام سنت كلير تسدلST.Clair William Tisdall ، وقد كان منصرا في إيران، ترجم إنجيل يوحنا إلى اللغة الفارسية، وقد كتب في هامش إنجيل يوحنا حول كلمة" باركليت" أنّه من الخطأ ترجمتها إلى" أحمد" لأنه لا يوجد معجم يوناني يترجم هذه الكلمة إلى ذاك الاسم، وأضاف أنّه توجد كلمة يونانية أخرى هي التي تعني" أحمد" وهي" باريكليتوس"، لكنّ هذا المنصّر نفسه ألّف كتابا آخر، ضد الإسلام، ترجمه إلى الإنجليزية ويليام موير تحت عنوان" مصادر الإسلام =The Sources of Islam ="ص 190 وقال فيه إنّ نبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلّم قد خدع عن طريق جاهل مرتد عن النصرانية خلط بين الكلمة التي جاءت في إنجيل يوحنا وبين كلمة يونانية أخرى تعني" أحمد" باللغة العربية!!! الأنبا إثناسيوس أسقف بني سويف لما ضاقت أمامه الحيل قال في تفسيره لإنجيل يوحنا في كتاب" دراسات في الكتاب المقدس" ص 119: " إنّ لفظ بارقليط إذا حرّف نطقه قليلا يصير بيركليت ومعناه الحمد أو الشكر وهو قريب من لفظ أحمد".!! الدكتور أدوين جونس اعترف في كتابه" نشأة الديانة المسيحية" أنّ تلك الكلمة تعني" محمّد"، لكنه ليمنع نفسه من الاقرار بصدق هذا البشارة في انطباقها على نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم قال إنّ النصارى أدخلوا هذا الاسم في إنجيل يوحنا جهلا منهم بعد ظهور الإسلام وتأثرهم بالثقافة الدينية للمسلمين!!؟ جاء في تفسير محمد جمال الدين القاسمي" محاسن التأويل" في تفسير قول المسيح عليه السلام في سورة الصف الآية 6: " ... وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ": الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 " وذكرت جريدة المؤيد عدد 3284 صفحة 2 تحت عنوان" لا يعدم الإسلام منصفا": وقال مسيو مارسيه من" مدرسة اللغات الشرقية" ما يأتي: إنّ محمدا هو مؤسس الدين الإسلامي، واسم محمد جاء من مادة حمد. ومن غريب الاتفاق أنّ نصارى العرب كانوا يستعملون اسما من نفس المادة يقرب في المعنى من محمد، وهو أحمد، لتسمية البراكلية به. ومعنى أحمد صاحب الحمد، وهذا ما دعا علماء الدين الإسلامي أن يثبتوا بأنّ كتب المسيحيين قد بشرت بمجيء النبي محمد. وقد أشار القرآن نفسه إلى هذا بقوله عن المسيح: " ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد". وقد قال اسبرانجيه: إنّ هذه الآية تشير إشارة خاصة إلى عبارة إنجيل يوحنا حيث وعد المسيح تلامذته ببعثة صاحب هذا الاسم. انتهى بالحرف. " من آخر الاعترافات بكون هذه الكلمة تعني" أحمد" ما جاء في موقع" مؤسسة الكتاب المقدس الآرامي) =Aramiac Bible Society ="الآرامية كما سبق ذكره هي لغة أهل فلسطين في القرن الأول ميلادي) على الشبكة العنكبوتية.. وهو موقع غير إسلامي!! والنص بالإنجليزية بتمامه في الملحق. ومن أفضل ما يكشف حقيقة البشارة في إنجيل يوحنا باسم نبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلم، هذه القصة التي ينقلها لنا القسيس الإسباني المهتدي إنسلم تورميدا في كتابه" تحفة الأريب في الردّ على الصليب" ص ص 33- 34 وص ص 37- 39 في سبب إسلامه وذهابه إلى تونس زمن أبي العباس أحمد بن المستنصر الحفصي الذي حكم بين عامي 772 هـ- 769 هـ، وهو تحققه من معنى كلمة" البارقليط" في النص العربي لإنجيل يوحنا (الباريكليتوس) في زمانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 تلقى إنسلم دراسة الكتاب المقدس منذ نعومة أظفاره، ثم انقطع لطلب العلم فترة طويلة استطاع أن يصحب فيها أساطين العلم بالديانة النصرانية أمثال نقلاد مارتيل الذي كانت له منزلة في العلم والدين رفيعة جدا. وقد قرأ هذا الرجل علم أصول الدين النصراني وأحكامه، ولم يزل يتقرّب إليه بخدمته حتى صار أخصّ خواصه ومكث على ذلك عشر سنين. ثم أصاب القس الكبير مرض، فتخلف عن مجلسه العلمي. وتذاكر أهل المجلس في مسائل إلى أن أفضى بهم الكلام إلى قول عيسى عليه السلام: " يأتي من بعدي البارقليط"" فبحثوا في تعيين هذا النبي، وقال كلّ منهم بحسب علمه وفهمه. يقول إنسلم: " فأتيت مسكن صاحب الدرس، فأخبرته باختلاف القوم. فقال: إنّ تفسير هذا الاسم الشريف لا يعلمه إلا الراسخون في العلم، وأنتم لم يحصل لكم من العلم إلا القليل. فبادرت إلى قدميه أقبلهما، وقلت له: يا سيدي قد علمت أني ارتحلت إليك من بلد بعيد، ولي في خدمتك عشر سنين، حصّلت عنك فيها من العلوم جملة لا أحصيها، فلعلّ من جميل إحسانكم أن تكمل علمي بمعرفة هذا الاسم الشريف. فبكى وقال: ولدي، والله إنّك لتعزّ عليّ كثيرا من أجل خدمتك لي وانقطاعك إليّ، وإنّ في معرفة هذا الاسم فائدة عظيمة، لكن أخاف أن يظهر ذلك عليك، فتقتلك النصارى. فقلت له: والله العظيم، وحقّ الإنجيل ومن جاء به، لا أتكلّم بشيء مما تسرّه لي إلا عن امرك. فقال: اعلم يا ولدي أنّ البارقليط اسم من اسماء نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وعليه أنزل الكتاب الرابع المذكور على لسان دانيال، فقد أخبر أنه سينزل هذا الكتاب عليه، وأنّ دينه دين الحقّ، وملّته هي الملّة البيضاء المذكورة في الإنجيل. قلت: يا سيدي، وما تقول في دين النصارى؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 قال: لو أنّ النصارى أقاموا على دين عيسى الأول لكانوا على دين الله، لأنّ عيسى وجميع الأنبياء دينهم دين الله تعالى. ". لقد كانت التراجم القديمة واضحة في تنصيصها على هذا الاسم، واقرأ إن شئت ما ذكره الإمام ابن القيم في كتابه" هداية الحيارى" عن ترجمات الإنجيل في زمانه، فقد قال مثلا أنّ المسيح قال للحواريين: " من أبغضني فقد أبغض الربّ. ولولا أنّي صنعت لهم صنائع لم يصنعها أحد لم يكن لهم ذنب. ولكن من الآن بطروا. فلا بدّ أن تتمّ الكلمة في الناموس، لأنّهم أبغضوني مجانا. فلو قد جاء" المنحمنا" هو الذي يرسله الله إليكم من عند الربّ، روح القسط، فهو شهيد عليّ، وأنتم أيضا، لأنّكم قديما كنتم معي. هذا قولي لكم لكي لا تشكّوا إذا جاء. " علّق الإمام ابن القيّم في كتابه" هداية الحيارى" على هذا النصّ الذي أورده: " والمنحمنا هو الحامد أو المحمود باللغة السريانيّة". ثمّ نقل قول ابن قتيبة: " الفارقليط من ألفاظ الحمد، إما أحمد أو محمد أو محمود نحو ذلك. وهو في الإنجيل الحبشي" برنقطيس. " وقال الباحث" عودة مهاوش الأردني" في كتابه" الكتاب المقدس تحت المجهر" (الطبعة الأولى، 1412، دار أنصاريان) : " عند مراجعتي لأحد الأناجيل الأسكندنافية المتداولة اليوم، والتي طبعت قبل حقبة من الزمن بالنرويجية، وجدت أنّ كلمة أحمد لازالت موجودة بالشكل التالي" أمات =amat ="وهذا الاسم لازال يستعمل إلى يومنا هذا من قبل الأمريكيين نرويجيي الأصل، ويكتب بالشكل التالي =amodt =: في نفس الإصحاح". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 اعتراضات المنصّرين على انطباق هذه البشارة على محمد صلى الله عليه وسلّم شبهة: زعم النصارى أنّ الكلمة التي جاءت في إنجيل يوحنا، إنما تعني" المعزّي" لا" أحمد" ولذلك فإنّ التراجم العربية تنصّ على كلمة" معزّي"! الردّ: جاء في" معجم الكتاب المقدس =Dictionary of the Bible ="لجيمس هاستنج، James Hasting م 3، ص 668، تحت كلمة" بارقليط ": =Paraclete ="بارقليط. ربما من الأفضل نقل (هذه) الكلمة بصورة حرفية، كما كان الأمر في العديد من التراجم، بما في ذلك الأقدم، وكما فعلت جميع التراجم الإنجليزية ب" كرايست) =Christ ="أي مسيح) ، " رسول "، Apostle ""شمّاس =Deacon ="وكلمات أخرى. " ولو كانت كلمة المعزّي هي الترجمة البديهية للكلمة اليونانية لما تردد أمثال هستنج في استعمالها وتبنّيها. ذكر القسيس المهتدي عبد الأحد داود المتقن للغة اليونانية أنّ المقابل اليوناني لكلمة" معزي" هو" باراكلون" و" باريجوريتس" لا" باراكليتوس". النص اليوناني استعمل كلمة" أونوما" وهي تعني" اسمه" ولكن النصارى عرّبوا نصّها في الأناجيل الحالية: " يرسله الآب باسمي" في حين أنّ الترجمة الصحيحة: " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 وأما النبي الحق الذي سيبعثه الله اسمه أحمد" وعلى هذه الصورة فلا معنى للزعم بأنّ الكلمة موضوع البحث تعني" معزّي"! ذكر فديارتي في كتابه" محمد في الأسفار المقدسة العالمية" ص 411 (الطبعة الأمريكية المنقحة) أنّه قد جاء التصريح باسم نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم في الكتب الهندوسية في أثارفا فيدا، كندا 20، سوكت 127، منترا 8، حيث الاسم في اللغة السنسكريتية: " باركشيت. =parikshit =وهذه الكلمة موافقة للكلمة الواردة في إنجيل يوحنا من ناحية المعنى. وبيّن أنّ المختصين في مقارنة اللغات القديمة والنحو يعلمون أنّ" كشي" السنسكريتية (لغة الهند) تتحول إلى" كلي" في اللغة اليونانية (انظر كتاب البروفسور بوب Grammar Bopps Comparative في النحو في كثير من اللغات العالمية كالسنسكريتية واليونانية والزندية والاسكندنافية والألمانية القديمة، وهو في ثلاثة مجلدات كبيرة) . وهذا المسمّى ب" باركشيت" موصوف بأنّه" ملك على كلّ البشر، مقدّس وطاهر بين الناس، قائد البشر، باركشيت، اسمعوا لتحميده"، وبيّن فديارتي أنّ هذا الباركشيت لم يظهر قبل محمد صلى الله عليه وسلّم، وأنّ صفاته تنطبق على نبيّ الإسلام صلّى الله عليه وسلّم. أو ليس من المثير أن نرى توافق كتب النصارى والهندوس حول ذكر اسم نبي الإسلام" أحمد" بصورة صريحة وبنفس الشكل؟!! شبهة: يزعم النصارى (ومنهم جوش مكدويل Josh McDowell ودون ستيوارت Don Stewart في كتابيهما الشهيرAnswers to Tough = = questions= " إجابات على أسئلة صعبة ... " الذي تتبّعا فيه بزعمهما (!) جميع الأعداد التي يقول" المخالفون" أنّها تثبت أنّ الكتاب المقدّس ليس وحيا من عند الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 سبحانه، وهو" الصورة الإنجليزية الأصلية" لأشهر كتاب للاعتذاريين العرب في الدفاع عن الأسفار النصرانية المقدسة" شبهات وهمية حول الكتاب المقدّس" قبل التهذيب!؟) أنّه لا توجد مخطوطة واحدة تؤيدة زعم المسلمين أنّ الكلمة التي جاءت في إنجيل يوحنا هي" باريكليتوس"، التي لا شكّ أنها تعني" أحمد"، لا" باراكليتوس" لتؤيد اعتراضهم. الردّ: المخطوطات المتاحة التي تعود إلى ما قبل بعثة نبي الإسلام قليلة جدا، فكيف يزعم النصارى أنّ المخطوطات القديمة كلها قد استعملت كلمة" باراكليتوس" رغم ندرتها؟!!! لا بدّ من تقديم أسماء المخطوطات وتاريخ تأليفها.. لا مجرد دعاوى منتفخة لا يسندها برهان ولا يعضدها بيان. لقد جربنا عليكم الكذب مرارا، وقد كان أئمتكم منذ الزمان القديم يؤيدون الكذب لنشر النصرانية وردّ المخالفين، ومنهم كليمنت كما هو ظاهر من الرسالة التي اكتشفها البروفسور مورتون سميث سنة 1958 م في دير قرب القدس، والتي حذّر فيها كليمنت أصحابه من فرقة الكربو كراتيين بقوله: ".. فحتى لو قالوا شيئا صحيحا فإنّ محبّ الحقيقة يجب ألا يقرهم حتى ولو كان متفقا مع قولهم..".. فلا بدّ لنا أن نطالبكم بالبيّنة على أنّ جميع المخطوطات المتاحة تؤيد زعمكم ... وهو ما لا تملكونه! الخطأ في كتابة الاسماء كثير جدا في مخطوطات الكتاب المقدس كما بيّنه غير واحد من النقّاد.. والتشابه في كتابة الكلمتين منفذ إلى التحريف غير القصدي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 مما يدل على أنّ الكلمة الأصلية هي اسم نبي الإسلام: أن حروف المد- وهي: الألف والياء والواو- لم تكن قبل القرن الخامس الميلادي. ف" باراكليتوس" ترسم بغير حروف المد كما ترسم الكلمة التي تعني" أحمد" والخلاف لم يطرأ إلا مع ظهور هذه الحروف.. فلا حجة اذن في المخطوطات المحفوظة اليوم عند النصارى! ترجمة الكلمة المتأخرة الواردة في إنجيل يوحنا إلى اليونانية عند النصارى: " باراكليتوس".. وإضافة الواو والسين للكلمة التي يرى النصارى أنها الأصل" باراكليت" دليل على أنها اسم علم إذ لا يدخل هذان الحرفان إلا على اسماء الأعلام.. وعلى هذه الحال فلا يمكن الزعم أنّ المقصود هو" معزّ" إذ التعزية صفة، والواو والسين لا يدخلان على الصفات! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 - جاء في تعليق بيك على الكتاب المقدس) on the Bible Peakes Commentary الطبعة الجديدة، 1962 م) ص 861، قسم 752 أ: " إنّه من غير المؤكد معرفة كيف تترجم (كلمة باراكليت) ، ولذلك يوجد الكثير مما يقال حول نطق (transliterating) هذه الكلمة كباراكليت. " جاء في معجم جودفري هجتر Godfrey Higgins dictionary النقل عن القديس موريس Moriss قوله إنّ كلمة" باراكليت =paraclete ="ليست كلمة يونانية وإنما هي كلمة سريانية. أشار أبو الأعلى المودودي في تفسيره لكتاب الله سبحانه، م 14 ص 216 وما بعدها (الترجمة الانجليزية (=The Meaning of the Quran =تحت سورة الصف الآية 6 إلى أنّ المسيح قد أشار إلى" الباراكليتوس".. ولمعرفة الكلمة الأصلية التي فاه بها ابن مريم عليهما السلام فإنه علينا أن نعرف اللغة التي تكلمها عليه السلام.. وأضاف أنّ الدلائل التاريخية تذكر أنّ المسيح كان يتكلم السريانية (قلت: السريانية هي أحد اللهجات الآرامية الشرقية ... ومما يؤكد أنّ المسيح كان يتكلّم السريانية، الألفاظ السريانية التي نقلها أصحاب الأناجيل عنه باللغة الأصلية: مرقس 15: 34: " إلوي، إلوي، لما شبقتني"، متّى 5: 22: " رقا"، مرقس 7: 34: " إفّاثا") بل كانت هذه اللغة هي لغة أهل فلسطين حتى القرن التاسع ميلادي.. وبيّن أنّه قد جاء في كتاب السيرة المعروف" سيرة ابن هشام"، لابن هشام الذي اعتمد فيه على روايات ابن إسحاق- رحمهما الله-، النقل عن إنجيل يوحنا 15: 23- 27 و 16: 1 من ترجمة زمانه، قال: " قال ابن إسحاق: " وقد كان، فيما بلغني عمّا كان وضع عيسى بن مريم فيما جاءه من الله في الإنجيل لأهل الإنجيل من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما أثبته يحنس (يقصد يوحنا) الحواري لهم، حين نسخ لهم الإنجيل عن عهد عيسى بن مريم عليه السلام في رسول صلى الله عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وسلم إليهم أنه قال: من أبغضني فقد أبغض الربّ، ولولا أنّي صنعت بحضرتهم صنائع لم يصنعها أحد قبلي، ما كانت لهم خطيئة، ولكن من الآن بطروا وظنوا أنهم يعزّونني، وأيضا للربّ، ولكن لا بدّ من أن تتمّ الكلمة التي في الناموس: أنهم أبغضوني مجانا، أي باطلا. فلو قد جاء المنحمنّا هذا الذي يرسله الله إليكم من عند الربّ، (و) روح القدس، هذا الذي من عند الرب خرج، فهو شهيد عليّ وأنتم أيضا، لأنكم قديما كنتم معي. في هذا قلت لكم: لكيما لا تشكوا. " ونقل مرزا ماسوم بج في كتابه =The Gospel of Barnabas =إنجيل برنابا" ص 17 أنّ وستنفلز) Westenfels وهو باحث نصراني بارز بالإضافة إلى أنّه نحوي) قد بيّن أنّ الكلمة التي اعتمدها المسيح هي" محمنا" الآرامية باللغة التي كان عليه السلام يتحدثها وهي تعني" محمد". وقد ذكرنا سابقا ما نقله الإمام ابن القيم بخصوص هذه الكلمة باللغة السريانية.. علما بأنّ ابن هشام قد عاش في القرن 9 ميلادي أما ابن إسحاق فقد عاش في القرن 8 ميلادي أي أنهما قد عاصرا الزمن الذي كان فيه نصارى فلسطين يقرؤون الأناجيل بلغة المسيح. قال الباحث المعروف في الآثار جودفري هجتر في كتابه: " اعتذار إلى محمد Apology to Mohamed ="ص 718: ": " حجّة المحمّديين (يقصد المسلمين) في أنّ ترجمة الكلمة إلى اليونانية هي" باريكليتوس" بدل" باراكليتوس"، تجد سندا قويا من الأسلوب الذي تبناه القديس جيروم في ترجمة (الكتاب المقدس) الفولجات اللاتينية في ترجمته الكلمة إلى اللاتينية" باراكليتوس =Paraclitus ="بدل" باراكلوتوس. =paracletus ="وهذا يظهر أنّ النسخة التي ترجم منها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 القديس جيروم لا بدّ أنها تحتوي على كلمة" بيريكلوتس "=periklutos ="لا" باراكليتوس. =paraklytos =" فما أعظم هذه الشهادة التي يقدّمها أحد آباء الكنيسة بل وصاحب أشهر ترجمة نصرانية للكتاب المقدس أعدّها (في القرن الرابع ميلادي) بعد جمعه لأهم المخطوطات، وأوثقها، وأقربها إلى زمن تأليف الأسفار المقدّسة!! شبهة: يزعم النصارى أنّ المبشر به هو روح، وهذا الأمر يمنع صدق ادعاء المسلمين أنّ محمدا، صلى الله عليه وسلّم، هو هذا المبشّر به.. إنّ المبشّر به هو" الروح القدس" الأقنوم الثالث! الردّ: لقد روّج النصارى للقول بأنّ" البارقليط" هو الروح القدس بالاعتماد خاصة على ما جاء في إنجيل يوحنا 14: 26: " وأما الروح القدس المعين الذي سيرسله الآب باسمي، فإنّه يعلّمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم. " ... وهذا النص هو الوحيد الذي جاء فيه وصف" البارقليط" بأنه" روح القدس" أما في غير هذا الموضع فقد وصف المبشّر به بأنه فقط" روح"، لكن هذا الزعم قد انكشف أمره وانجلى عنه غبار التحريف، فقد اكتشفت أجنس س. لويس مخطوطة سريانية مشهورة تسمّى اليوم ب =Codex Syriacus =: سنة 1811 م في دير سيناء، تعود إلى قرابة القرن الخامس ميلادي- فهي إذن من أقدم المخطوطات- وهي تقول" البارقليط، الروح" لا" البارقليط، الروح القدس".. من المعلوم أنّ العهد الجديد يستعمل كلمة" الروح" للحديث عن الأنبياء- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 انظر مثلا رسالة يوحنا الأولى 4: 1: " أيها الأحباء، لا تصدّقوا كلّ روح، بل امتحنوا الأرواح لتعرفوا ما إذا كانت من عند الله أم لا، لأنّ عددا كبيرا من الأنبياء الدجّالين قد انتشر في العالم. " (انظر أيضا إلى الرسالة الأولى ليوحنا 4: 6) ، أو انسانا ملهما: انظر مثلا الرسالة الأولى إلى كورنثوس 10: 2 والرسالة الأولى لتسالونيكي 2: 2 ... وفي نبوءة حزقيال 37: 21 في العهد القديم أنّ روح الحق هو النبي الحق وروح الضلال هو المسيح الدجال ومن على شاكلته. جاء في سفر أعمال الرسل 4: 36: " ومن هؤلاء يوسف، الّذي دعاه الرّسل برنابا أي ابن التّشجيع، وهو من سبط لاوي، ويحمل الجنسيّة القبرصيّة. " الكلمة اليونانية التي عرّبت" تشجيع" هي" باراكليزس =Paraklesis ="وهي فعل أن يكون" باراكليت"، لكن كما يقول عبد الحق فديارتي في كتابه" محمد في الأسفار العالمية" (الطبعة الأمريكية) ص 399 إنّ كلمة" برنابا Barnabas ""باللغة الآرامية يمكن أن تعني أيضا" ابن نبيّ"، وهو ما يظهر أنّ كلمة" باراكليت" يمكن أن تعني" نبيّ" إذ أنّ كلمة" برنابا" قد ترجمت في العهد الجديد اليوناني إلى" ابن باراكليزس". وجاء في كتاب" إنجيل يوحنا =The Gpspel of john ="لرودلف بولتمان Rudolf Bultmann ص 567 أنّ كلمة" باراكليت" تعني" رسول. =Messenger =" ثار عدد من كبار النقاد في الغرب على الزعم التقليدي الكنسي لمعنى ما جاء في إنجيل يوحنا.. ومن هؤلاء سبيتا، Spitta ودلفوس، Delafosse ووندش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 ، Windisch وساس، Sasse وبولتمان، Bultmann وبوتز، Betz وغيرهم ... مقرّرين أنّ البارقليط شخص بشري تمّ بصورة متأخرة الادعاء أنّه الروح القدس (انظر التفسير الشهير للكتاب المقدس =Anchor Bible =طبعة 1970 المجلّد 29 أ، ص 1135) !!) شبهة: يزعم النصارى أنّ قول المسيح" ماكث معكم" (يوحنا 14: 17) دليل على أنّ المبشّر به هو الروح القدس، الأقنوم الثالث في الثالوث المقدس! الردّ: قال الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه" إظهار الحق" ص ص 455- 456": أقول: إن هذا القول في التراجم الأخرى هكذا: ترجمة عربية سنة 1816 م، وسنة 1825 م: " لأنه مستقر معكم، وسيكون فيكم". والتراجم الفارسية المطبوعة سنة 1816 م، وسنة 1828 م، وسنة 1841 م. وترجمة أردو المطبوعة سنة 1814 م، وسنة 1839 م، كلها مطابقة لهاتين الترجمتين. وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1860 م هكذا: " ماكث معكم ويكون فيكم". فظهر أن المراد بقوله ثابت فيكم الثبوت الاستقبالي يقينا، فلا اعتراض به لوجه من الوجوه، وبقي قوله مقيم عندكم فأقول: لا يصح حمل هذا القول على معنى" هو مقيم عندكم الآن"، لأنه ينافي قوله: " أنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر"، وقوله: " قد قلت لكم قبل أن يكون، حتى إذا كان تؤمنون"، وقوله: " إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط"، وإذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 أول نقول أنه بمعنى الاستقبال، كما أن القول الذي بعده بمعنى الاستقبال، ومعناه يكون مقيما عندكم في الاستقبال، فلا خدشة في صدقة أيضا على محمد صلى الله عليه وسلم. والتعبير عن الاستقبال بالحال بل بالماضي في الأمور المتيقنة كثير في العهدين، ألا ترى أن حزقيال عليه السلام أخبر أولا عن خروج يأجوج ومأجوج، في الزمان المستقبل، وإهلاكهم حين وصولهم إلى جبال إسرائيل. ثم قال في الآية الثامنة من الباب التاسع والثلاثين من كتابه هكذا: " ها هو جاء وصار يقول الرب الإله هذا هو اليوم الذي قلت عنه" فانظروا إلى قوله ها هو" جاء وصار"، وهذا القول في الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1839 م هكذا: " ابنك رسيد وبوقوع يبوست" فعبر عن الحال المستقبل بالماضي لكونه يقينا لا شك فيه وقد مضت مدة أزيد من ألفين وأربعمائة وخمسين سنة ولم يظهر خروجهم. وفي الآية الخامسة والعشرين من الباب الخامس من إنجيل يوحنا هكذا: " الحق الحق أقول لكم أنه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون" فانظروا إلى قوله وهي الآن وقد مضت مدة أزيد من ألف وثمانمائة ولم تجيء هذه الساعة وإلى الآن أيضا مجهولة لا يعرف أحد متى تجيء". شبهة: يزعم النصارى أنّ الحواريين، الذين لا يكذّبهم المسلمون ويعتقدون أنهم ثقاة لا يكذبون، كانوا ينتظرون ظهور" الباراكليتوس" في زمانهم! الرد: من أوجه بطلان هذا الاعتراض: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 - لا دليل على أنّ ما في الأناجيل هو نقل صادق عن الحواريين بل الشواهد كثيرة على عكس ذلك. تزعم أناجيل الكنيسة أنّ الحواريين لم يفهموا الكثير من أحاديث المسيح. فلم الإصرار في هذا المقام على تنزيه الحواريين عن الخطإ في فهم هذه النبوءة الخاصة بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم؟!! جاء في إنجيل متّى 26: 64: " أقول لكم أيضا إنكم منذ الآن سوف ترون إبن الإنسان جالسا عن يمين القدرة ثم آتيا على سحب السماء! ".. فهل رأى صحابة المسيح، معلّمهم، في حياتهم، آتيا على سحب السماء، إلا أن يكون الأمر إخبارا عن أمر يحدث في المستقبل؟!!! شبهة: يزعم النصارى أن" الباراكليتوس" قد جاء قبل نبي الإسلام بأكثر من خمسة قرون، في القرن الأول ميلادي، بعد رفع المسيح، في عيد الخمسين Pentecost ونزل على التلاميذ فتكلّموا بلغات عديدة ما كانوا يعرفونها من قبل (أعمال الرسل 2: 4) . الرد: بعد مراجعة النبوءات السابقة الواردة في حق الفارقليط يتبيّن لنا أنّ ما زعم حدوثه يوم الخمسين (في عيد العنصرة) لا يمكن أن يكون تحقيقا لنبوءة المسيح في إنجيل يوحنا، لعدة أسباب: الروح القدس الذي نزل على التلاميذ يوم الخمسين، لم يبق مع النصارى، بل كان نزوله سريعا وانقضى في لمح البصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 - روح القدس نزل على التلاميذ، ونزل قبل ذلك على الأنبياء الأوّلين. نزل الروح القدس على الحواريين قبل يوم الخمسين، كما هو مذكور في إنجيل يوحنا 20: 22: ".. قال هذا ونفخ فيهم وقال لهم: " اقبلوا الروح القدس..". اتصال الروح القدس بالمؤمنين لم يكن رهين ذهاب المسيح. لم يأت الروح القدس بتعزية أو خلاص للتلاميذ أو الرسل. فقد وقع التلاميذ وأتباعهم تحت سوط العذاب من طرف السلطة الرومانية من جهة واليهود من جهة أخرى. الروح القدس لم يهد النصارى ولم ينر لهم طريق معرفة الله سبحانه، بل لقد دبّ الخلاف الشديد بين الأتباع وظهرت فرق عقدية كثيرة جدا، كلّ منها يدّعي أنّه على طريق المسيح، ويزعم أنّ مخالفيه هراطقة ضالين. إذا قلنا أنّ الروح القدس هو موضوع بشارة المسيح، فكيف من الممكن أن نفهم قول المسيح أنّ هذا الآتي يوبّخ العالم؟!!! ذكر المسيح أنّ التلاميذ ليس بإمكانهم إطاقة تلقّي الكثير من الحقائق دينية في تلك الأيام: " عندي كلام كثير أقوله لكم بعد، ولكنّكم لا تقدرون الآن أن تحتملوه. فمتى جاء روح الحق أرشدكم إلى الحق كلّه..".. فكيف امتلك التلاميذ هذه القدرة بعد عشرة أيام فقط من رفع المسيح، مع أنّ ظاهر كلام المسيح أنّ جيل الحواريين بأكمله عاجز عن فهم الكلام وتحمّله!!! ما هو" الحق كلّه" الذي ناله التلاميذ يوم السبعين؟ .. لا إجابة!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 - إذا كان التلاميذ لم يعرفوا الحقّ إلا بعد رفع المسيح بأيام بعد أن كانوا جاهلين به تمام الجهل.. فلماذا كان المسيح يكثر من الوعظ والخطابة والمعجزات إذن؟؟ لماذا لم يؤجّل البيان إلا ما بعد قيامته من الموت ورفعه إلى السماء..؟! أليس الأحرى القول أنّ الحق الكامل هو الدين الأوسع والأشمل الذي يكون في آخر الزمان!! إذا كان الآب والابن وروح القدس، ثلاثة في واحد.. فلم لم يقل المسيح" الابن"، إنّني سأرجع بعد قيامتي بعشرة أيام لأكمل المهمة؟!!! أم أنّ أقنوم الروح القدس أكمل من الابن؟!!! جاء في لوقا 11: 13: " فإن كنتم، أنتم الأشرار، تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيّدة، فكم بالأحرى الآب، الذي في السماء يهب الروح القدس لمن يسألونه؟ ". يعني هذا القول انّ هبة الروح القدس رهينة طلب العبد وليست هي مقرونة بزمن معين، كما أنّها ليست مشروطة بذهاب المسيح، مما يخالف ما جاء عن" الفارقليط" سابقا. إذا كان الثالوث الالهي النصراني واحدا، فكيف بإمكاننا أن نفهم نصّ لوقا السابق؟؟ أي كيف من الممكن أن يعطي الآب، الروح القدس.. وهما واحد..؟!! كيف من الممكن أن يكون المعطي هو نفسه المعطى؟!!! إذا كانت الآلهة النصرانية المثلثة واحدة، فهل يصحّ القول إنّ الذي نزل على التلاميذ يوم الخمسين هو الآب؟؟ وهل يصحّ القول أنّه روح المسيح؟؟ طبعا النصارى يجيبون بالنفي.. ويقعون مرة أخرى في التناقض! كيف من الممكن فهم قول المسيح" لا يتكلّم بشيء من عنده، بل يتكلّم بما يسمع ويخبركم بما سيحدث. " في دائرة اعتقاد النصارى أنّ الآب والابن والروح القدس هم ثلاثة أقانيم متوحدة! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 - تظهر التراجم الإنجليزية أنّ المسيح قد استعمل ضمير العاقل =He =لا =It =التي تكون لغير العاقل، في الحديث عن" الفارقليط".. في حين أنّنا نقرأ في رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس ذكر الروح القدس دون تأنيث ولا تذكير. (gender neuter) نصوص الأناجيل وكتابات رموز النصرانية في القرون الأولى تظهر اضطرابا كبيرا حول تحديد طبيعة" الروح القدس".. هل هو ذات.. أم هو شيء معنوي.. أم هو غير ذلك!! والناظر في نصوص الأناجيل يفهم من الكثير منها أنّ" الروح القدس" ليس ذاتا وإنما هو حالة أو طاقة!!! شبهة: يزعم النصارى أنّه لم يدّع أحد طوال التاريخ النصراني أنّ" الباراكليتوس" هو غير الروح القدس؟ الردّ: قال الأب متّى المسكين في كتاب" الباراكليت الروح القدس في حياة الناس" ص ص 12- 13: " توجد وثيقة في كنيسة فيينا ليوسابيوس القيصري وردت فيها كلمة الباراكليت كصفة أطلقت على شخص تبنى مسؤولية الدفاع عن المسيحيين المتهمين بمسيحيتهم. وهي مقالة ممتعة فيها ينعت المسيحيون على هذا الشخص واسمه: فيتوس. ايب. أجاتوس. بالبراكليتي لأنه حامى عنهم، وتشفع لهم جهارا معرضا حياته للهلاك وهذه الوثيقة تصور كلمة الباراكليت تصويرا واقعيا حيا. إنما على مستوى بشري. " قال الفونسوس ماريا دي ليكوري: مونتياس ولد كما أخبر أورسى (مجلد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 2 ك 4 عدد 17) في اردابا، وكان يقول هو وابنتيه" إنهم قبلوا بالتمام الباراقليط الذي وعد به يسوع المسيح. " وقال عن رجل آخر اسمه ماني: " ماني كان أبا المانيين، ودعي كذلك لأنه نسب إلى ذاته لقب الباراقليط كما فعل مونتانوس". تحدث زكي شنودة في" تاريخ الأقباط" ج 1 ص 149 عن المشابهة التامة بين شخصية المسيح وبين الباراكليت فقال عن ماني: " أشاع بين الناس منذ سنة 268 ميلادية أنّ المسيح ترك عمل الخلاص ناقصا، وأنه هو الذي سيتمه لأنه هو" الباراقليط" وتشبّه بالمسيح فاتخذ لنفسه اثنى عشر تلميذا، واثنين وسبعين اسقفا وأرسلهم على بلاد الشرق حتى الهند والصين ليذيعوا تعاليمه. " كان لفظ" المعزي" ضمن أبحاث المؤتمر اليهودي النصراني مع البابا بانوا الثاني عشر سنة 1400 م، على أنه اسم من اسماء" المسيّا" أي المسيح. جاء في" موسوعة الدين والآداب =Religion and Ethics =The Encyclopaedia of =ل ج. هاستنج J.Hasting م 11 ص 795 تحت كلمة" روح (قدس) ، روح الله" أنّ القول بأنّ" البارقليط، روح الحق، شخص أو غير ذلك، كان محلّ جدل حام. ". أي أنّ النصارى اختلفوا اختلافا جديا حول طبيعة الباراكليتوس: هل هو شخص (بشر) أم هو أقنوم إلهي!! فهو خلاف واقعي تاريخي.. لا مجرّد تأملات في مكان قصيّ عن أرض النصارى أو في ضحاضح الأحلام! شبهة: يزعم النصارى أنّ الصفات التي جاءت في وصف" الباراكليتوس" لا يمكن أن تنطبق على محمد صلى الله عليه وسلم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 الردّ: بل ما جاء في الأناجيل يؤكد أنّ المبشّر به هو نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، لا الروح القدس، ونكتفي بهذه الأدلة: 1- جاء في إنجيل يوحنا 16: 13: ".. ولكن، عند ما يأتيكم روح الحق يرشدكم إلى الحق كلّه، لأنه لا يقول شيئا من عنده، بل يخبركم بما يسمعه، ويطلعكم على ما سوف يحدث. " فما هو الحق الذي أرشد الروح القدس الحواريين إليه؟ وما الذي قاله الروح القدس للحواريين؟! وما الذي أخبر به؟! وما الذي سمعه ليخبر به؟! وما هي هذه النبوءات؟!!! لا شيء! أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد أرشد الصحابة والبشرية إلى دين التوحيد وشريعة الصلاح، وهو الذي أخبر بما أوحاه الله إليه، وهو صاحب النبوءات المعروفة من بعثته إلى يوم القيامة! 2- " يتكلّم بما يسمع": الكلمة اليونانية المقابلة ل" يسمع" هي" أكووا" والكلمة اليونانية المقابلة ل" يتكلم" هي" لليهو". هاتان الكلمتان تحملان مفهوما ماديا لا يصدق على روح وإنما يصدق على بشر (مادي) ، نبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 3- " ولكني أقول لكم الحق: من الأفضل لكم أن أذهب، لأني إن كنت لا أذهب، لا يأتيكم" الباراكليتوس". يفهم من هذا النص أنّ" الباراكليتوس" لا يأتي إلا بعد رفع المسيح، و" الروح القدس" قد أتى قبل" تجسّد" المسيح وأثناء حياته على الأرض.. اقرأ مثلا: سفر صموئيل الأول 10: 10: " وعند ما وصل حبعة قابلته مجموعة من الأنبياء، فحلّ عليه روح الله وتنبّأ في وسطهم. " سفر صموئيل الأول 11: 6: " فحلّ عليه روح الله عند ما سمع الخبر وثار غضبه" سفر إشعياء 63: 11: " ثمّ تذكّروا الأيّام القديمة، أيّام موسى عبده وتساءلوا: أين من أصعدنا من البحر مع راعي قطيعه؟ أين من أقام روحه القدّوس في وسطنا؟ " لوقا 1: 15: " وسوف يكون عظيما أمام الربّ، ولا يشرب خمرا ولا مسكرا، ويمتليء بالرّوح القدس وهو بعد في بطن أمّه" لوقا 1: 41: " ولمّا سمعت أليصابات سلام مريم، قفز الجنين داخل بطنها. وامتلأت أليصابات من الرّوح القدس" لوقا 1: 67: " وامتلأ زكريّا أبوه من الرّوح القدس.." لوقا 2: 25: " وكان في أورشليم رجل اسمه سمعان، وهو رجل بار تقيّ ينتظر العزاء لإسرائيل وكان الرّوح القدس عليه" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 يوحنا 20: 21- 22: " فقال لهم يسوع: «سلام لكم. كما أنّ الآب أرسلني، أرسلكم أنا" قال هذا ونفخ فيهم وقال لهم: «اقبلوا الرّوح القدس".. 4- " ما زال عندي أمور كثيرة أقولها لكم، ولكنكم الآن تعجزون عن احتمالها. ولكن، عند ما يأتيكم روح الحق يرشدكم إلى الحق كلّه، لأنه لا يقول شيئا من عنده، بل يخبركم بما يسمعه، ويطلعكم على ما سوف يحدث. " (يوحنا 16: 12- 13 ) في هذا النص ما يدلّ على أنّ ما في رسالة الوحي ما لم يحن أوانه ليعرض أمام الناس حتى يفهموه. جاء في الأناجيل وصم الحواريين بقلة الفهم أو عدمه! متّى 8: 26: " فقال لهم: «لماذا أنتم خائفون، يا قليلي الإيمان؟» ثمّ نهض وزجر الرّيح والبحر، فساد هدوء تام". متّى 14: 31: " فمد يسوع يده في الحال وأمسكه وقال له: «يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟ ". متّى 16: 8: " وعلم يسوع بذلك، فقال لهم: «يا قليلي الإيمان، لماذا تحاجّون بعضكم بعضا لأنّكم لم تتزوّدوا خبزا؟ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 لوقا 8: 25: " ثمّ قال لهم: «أين إيمانكم؟» وإذ خافوا، ذهلوا، وقال أحدهم للآخر: «من هو هذا إذن حتّى إنّه يأمر الرّياح والماء فتطيعه؟ ". متّى 15: 16: " وقال له بطرس: " فسّر لنا ذاك المثل! ". فأجاب: " وهل أنتم أيضا بلا فهم؟ ". ونحن نلزم النصارى بهذه النصوص التي لا نعتقد صدقها، أنّ الحواريين ليسوا هم من سيستقبل الرسالة!! 5- جاء في يوحنا 16: 14 أنّ" الباراكليتوس" سيمجّد المسيح، فهل مجّد أحد المسيح أكثر مما مجّده محمد صلى الله عليه وسلّم!!! إنّ من يقرأ سورة" مريم" فقط، يدرك المقام العالي والمنزل السامي لعيسى عليه السلام في الإسلام.. وقد جاء تمجيد المسيح أيضا في الحديث النبوي، من ذلك ما أخرجه الحاكم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلّم: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، إلا ابني الخالة عيسى بن مريم ويحي بن زكريا" (قال الألباني: سنده صحيح) .. وهل هناك تمجيد للمسيح أبلغ من أن يكون سيد شباب أهل الجنة!! وأخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: " كلّ بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد، غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن فطعن في الحجاب. " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وأخرج الشيخان عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم: " رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق. فقال له: أسرقت؟ قال: كلّا، والله! الذي لا إله إلا هو. فقال عيسى: آمنت بالله وكذبت عيني". وقد جاء هذا التكريم للمسيح في الإسلام، بعد أن امتلأ التلمود اليهودي بذمّ المسيح وتحقيره، وقد قام الباحث النصراني الاعتذاري المعروف" جوش مكدويل" في كتابه" برهان يتطلّب قرارا =Evidence that Demands Verdicts ="ص ص 75- 87 بالإشارة إلى الكثير من الشتائم التلمودية لابن مريم عليهما السلام.. وجمع قبله جون كريستوف فجتريل في كتابه =Tela Ignea Satanae =العديد من النصوص والكتابات اليهودية التي تحقّر المسيح والنصرانية.. بل لقد ظهر كتاب يهودي في القرن الثاني أو الثالث يحكي قصة المسيح اسمه" سفر حياة يشوع" وقد ترجمه مارتن لوثر إلى الألمانية. وهذا الكتاب يمثّل خلاصة الحقد اليهودي على المسيح بما فيه من أوصاف شديدة البشاعة رمي بها الطاهر ابن الطاهرة عليهما السلام!! .. ومن الكتب العربية التي عنت بكشف صورة المسيح في التلمود، كتاب" تلفيق صورة الآخر في التلمود" لزياد متّى، ومن الكتب الانجليزية" التلمود دون قناع =The Talmud Unmasked ="للأب الكاثوليكي إ. ب. برانيتس) I.B.Pranaitis عن أصل لاتيني) . من الافتراءات التلمودية على المسيح وأمّه: * يسوع الناصري، هو ابن زنا ولدته أمّه من علاقة مع الجندي الروماني" بندورا" (انظر: كلّه 1 ب (18 ب) ، سنهدرين 67 أ) . * ولدته أمّه وهي في فترة الحيض (انظر: تولداث جاثو) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 *" الناصري هو الذي يتّبع تعاليم كاذبة، يبتدعها رجل يدعو إلى العبادة في اليوم الأول التالي للسبت. " (انظر: أبهوداه زراه 6 أ) . *" لقد ضلّل يسوع، وأفسد إسرائيل وهدمها" (انظر: سنهدرين 107 ب) . * كان ساحرا (انظر شاباث) . *" قالوا (شيوخ اليهود) له (للعيزر) : " كان مجنونا، ولا أحد يعير انتباها إلى المجانين". (انظر: شاباث 104 ب) . *" إنّ تعاليم يسوع كفر، وتلميذه يعقوب كافر، وإنّ الأناجيل كتب الكافرين" * تعلّم يسوع ما كان يقوله للناس على يد" يوشيا بن برخيا". ولمّا علم يوشيا بما يقوله يسوع حرمه، وألقاه بين قرون 400 كبش. * تقمّصته روح" إيسو" الشيطان. * اسم يسوع الأصلي قلما يظهر في الكتب التلمودية. وهو يختصر دائما باسم" جيشوا" الذي اقتبس- بحقد- في الواقع من تركيب الأحرف الأولي للكلمات الثلاث: «إيماش شيمو فيزيكرو Immach Schemo Vezikro أي ليمح اسمه وذكره. * دفن في جهنّم. * قال إسرائيل شاحاك في كتابه الخطير: " الديانة اليهودية وموقفها من غير اليهود" (تعريب حسن خضر) ص 28: " ينبغي الاقرار من البداية ان التلمود والادب التلمودى يحتوي على مقاطع معادية جدا ووصايا موجهة أساسا ضد المسيحية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 على سبيل المثال، إضافة للاتهامات الجنسية البذيئة ضد يسوع، ينص التلمود أن عقوبة يسوع في الجحيم هى إغراقه في غائط يغلي"!! * أمّه امرأة ساقطة، وكانت مصفقة لشعور النساء (انظر: شيغاغاه 4 ب) . * كانت بغيا متجوّلة في الأسواق. (قال تعالى في تبرئتها: ".. وقولهم على مريم بهتانا عظيما" (سورة النساء 156) . ولم يقتصر أمر تلويث سمعة المسيح وأمّه، على اليهود بل قد أنكر عذرية مريم الكثير من النقاد النصارى ومنهم، في أمريكا، الأسقف المعروف ج. س. سبونج J.S.Spong في كتابه" ولد من إمرأة =Born of a Woman ="حيث زعم أنّ الميلاد العذري لعيسى عليه السلام لا يعدو أن يكون خرافة. وها هي أحد كنائس النصارى في العالم تتجرّأ على إعلان هذا الكذب.. فقد نشرت صحيفة الديلي نيوز بتاريخ 22- 5- 1990 م أنّ كنيسة استكتلندا قد حذفت" عذرية مريم" من منشوراتها بسبب انقسام القساوسة حول هذا الأمر! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 جريدة دبلى نيوز- دربان الثلاثاء 22 مايو 1990 الولادة من عذراء تحذف بواسطة كنبسة اسكتلاندا. قلت: ولا عجب أن يشكّك أقطاب النصرانية في الولادة العذرية للمسيح، فقد قالت" الأم تيريزا" أشهر منصرة عرفها العالم في القرون الأخيرة، بل في تاريخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 النصرانية، ما هو أعظم من ذلك، فقد كتبت معترفة أنها تشكّ في وجود الله سبحانه، كما هو منقول عنها في كتاب" أسرار الأم تيريزا =Teresa =Il Segreto di Madre "حيث نقل قولها: " الملعونون يعانون عذابا أبديا لأنهم جربّوا خسارة الله. أشعر في داخل نفسي بألم حاد لهذه الخسارة. أشعر انّ الله لا يريدني، انّ الله ليس الله (!؟) ، انّ الله لا يوجد (!!!!) ". (أعوذ بالله من هذا الكفر الزعاف!) وكتب البابا شنوده قصيدته" ترنيمة تائه في غربة" سنة 1961 م وهي طافحة بالفلسفة العدمية المتّشحة بسوداوية" سارتر"، والتي تختصر معالمها في انّ الحياة مزبلة وانّ وجودنا هو مجرّد رحلة تائهة عبر أنفاق العبث القاتل ومسارب القدر اللاهي.. ومما قال فيها: يا صديقي لست أدري من أنا ... أو تدري أنت ما أنت هنا أنت مثلي تائه في غربة ... وجميع الناس أيضا مثلنا نحن ضيفان نقضي فترة ... ثم نمضي حين يأتي يومنا (!!!) وأضاف في نفس القصيدة: لست أدري كيف نمضي أو متى ... كلّ ما أدريه إنا سوف نمضي في طريق الموت نجري كلنا ... في سباق بعضنا في إثر بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 كبخار مضمحل عمرنا ... مثل برق سوف يمضي مثل ومض" (!!!؟) (ولا حول ولا قوّة إلا بالله!) . وقال رأس التنصير في العالم اليوم، وأشدّهم تحريضا على الإسلام، المدعو" أنيس شرّوش" في لقاء على" البالتوك" واصفا" يسوع" إلهه ومعبوده أنّه كان" مهرّجا".. نعم" مهرّج"!!! .. والعجيب أنّ هذا الشريط قد نزّله المنصّرون على الانترنت لدعوة المسلمين إلى" الحقّ".. فهل يريد منّا شرّوش أن نعبد إلها" مهرّجا"؟؟!!! النصّ بالحرف كما قاله شرّوش في الدقيقة 45 من الشريط كما هو على الانترنت، وهو بين يديّ الآن صوتيا وقد طفح بالبذاءة، ومنه أنقل: ".. أنا مهرّج، لأنّ يسوع كان مهرّج في بعض الأوقات". قلت: صدقتنا وأنت كذوب.. إنك قطعا" مهرج"،.. وخذ هذا البيت في وصف" محاسنك" وتمجيد" مناقبك"، وهو أقلّ ما يقال في شخصك: جنونك مجنون ولست بواجد ... طبيبا يداوي من جنون جنون!؟ - وفي المقابل قال الأب د. ماكسويل: " قرأت في كتابات المسلمين تعابير رقيقة عن الاحترام والتبجيل لعيسى لدرجة أنه غاب عن ذهني أنّي لم أكن أقرأ كلمات كاتب مسيحي. إنّه لمن المحزن حقا أن نقول اليوم كم كان الفرق بين ما كتبه المسيحيون وقالوه عن محمد. دعونا نرجع ذلك إلى سببه الحقيقي، الجهل". وقال الفيلسوف برنار دشو: " إنّ أتباع محمد أوفر أدبا في كلامهم عن المسيح. " وأظهر المفسر المعروف دومّلو Dummelow في تعليقه على الكتاب المقدس =Commentary on the holy Bible "إعجابه بموقف نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم من عيسى عليه السلام ورفضه للافتراءات اليهودية حول المسيح، فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 في ص 668: " من المهم أن نلاحظ أنّ محمدا رفض بكل احتقار هذه الافتراءات اليهودية". 6- جاء في يوحنا 16: 13: " عند ما يأتيكم روح الحق يرشدكم إلى الحق كلّه" ومحمد صلى الله عليه وسلّم هو الذي أخبر الناس بالحق كلّه عقيدة مفصّلة وشريعة موسّعة، أمّا" روح القدس" النصراني ثالث الثلاثة، فإنه ما أنقذ الكنائس المتناحرة والمشرذمة، والمجامع المذبذبة، والآباء الأوّلين المتصادمة أقوالهم وفلسفاتهم!!؟؟ 7- مما يؤكّد أنّ المبشّر به في العهد الجديد هو محمد صلى الله عليه وسلّم، قول يوحنا المعمدان عن هذا الآتي: " ... هو سيعمّدكم بالروح القدس وبالنار" (إنجيل متّى 3: 11، إنجيل لوقا 3: 16) . ولفظ" التعميد" هو من الأصل اليوناني" ببتيزموس" الذي يعني" التغميس في الماء". وقد كان اليهود يمارسون التعميد بالانغماس وقوفا في ماء نقي بارد، ويفضلون أن يكون بخارا، أما النصارى فقد اختلفوا في طريقة التعميد، فذهب فريق إلى أنها تكون بالتغميس الكامل وذهب فريق آخر إلى أنّ التعميد يكون بالرشّ، وذهب البعض إلى أنّ التعميد يكون أساسا بماء نهر الأردن، وقالت طائفة أخرى أنّ المياء سواء في التعميد.. ولم يشارك المسيح في تعميد أيّ أحد بيديه، وقد جاء في إنجيل يوحنا 4: 2 أنّ المسيح لم يعمّد وإنّما الذي عمّد هم التلاميذ. وهذا الأمر مهم في إبعاد نبوءة المعمدان عن المسيح، إذ أنّ عيسى عليه السلام ما كان مهتما بتعميد الناس بل إنّ المسيح نفسه قد تعمّد على يد يوحنا المعمدان.. أمّا الآتي المنتظر ف" التعميد" هو ملخّص رسالته ولبّها، وعماد دينه الصلاة التي قال في أصلها اللغوي النحوي ابن فارس: " إنها من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 صليت العود، إذا ليّنته، لأن المصلي يلين ويخشع".. فالصلاة أشبه ب" التعميد" بالنار الموعود بها من طرف النبي يوحنا. وأخيرا قل للنصارى ما قال الشاعر الفطن بتلبيساتهم: بيّنته توراتكم والأناجي ... ل وهم في جحوده شركاء من هو الفاراقليط والمنحمنا ... ء وبالحق تشهد الخصماء أن يقولوا ما بينته فم ... ازالت بها عن قلوبهم عشواء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 شبهة: بعيدا عن الدندنة والهينمة حول ذكر اسم نبي الإسلام في الكتاب المقدس، نحن نعلن أنه لا يمكن قبول القول ببشارة التوراة والإنجيل ببعثة محمد (صلى الله عليه وسلّم) ، لغموض المعاني التي يدعيها المسلمون من النصوص التي يقرّرون أنّها تتنبأ ببعثة نبيهم (صلى الله عليه وسلم) ... فالخوض في تفسير النصوص المقدسة دون ضوابط محكمة وأصول متقنة هو بحق مزلة العقول ومدحضة الأفهام! الرد: مصدر الشبهة في هذا الاعتراض هو الزعم أنّ البشارة بالنبيّ الآتي في الكتاب المقدّس لا بدّ أن تكون صريحة، محكمة، مفصّلة، لا تتنازع الأفهام تفسيرها ولا تتضارب في تأويلها، فلا يغشاها طارئ وهم ولا يقربها ظلّ شك..! إنّ تبديد هذه الشبهة في غاية اليسر لو انّ المعترض تحلّى بالإخلاص وولّى وجهه شطر الحقّ وحطّ الرحل عند باب العدل! .. وهاك البيان في هذه النقاط: لقد جاء ذكر اسم نبي الإسلام صراحة في الكتاب المقدس، كما أسلفنا توضيحه، وليس بعد ظهور الشمس في كبد السماء لمكابر أن يشكّ في إدبار الليل وإقبال النهار. وليس يصحّ في الأفهام شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل إنّ الحقيقة التي يجب أن تستعلن هنا هي أنّ التفسير الصحيح والتأويل السليم والفهم الصائب هو ما كان مجانبا للتكلّف، ملتزما لأصول فهم الخطاب الإلهي على الوجه الوسطى القويم.. ولا اعتبار لبلاغة المتحدّث أو رسوخ علمه باللغات القديمة إذا كان يعوز تفسيره للنصوص وضوح الحجّة وقوّتها، ونزاهة البحث، والاستسلام للحقيقة المتجليّة أمام عينيه سافرة ناصعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 - يزعم النصارى أنّ في العهد القديم بشارات يبلغ عددها المئات أو الآلاف تحدثت عن جميع تفاصيل حياة عيسى، ولكن إذا نظرنا إلى موقف بني إسرائيل- أصحاب التوراة- من المسيح عليه السلام، لاحظنا، كما تعترف بذلك الأناجيل، أنّ الإسرئيليين لم يؤمنوا بعيسى، وأنهم أنكروا كونه هو المسيح المنتظر، هذا رغم أنهم كانوا في ذاك الزمان في انتظار" المسيح" الذي سيخلّصهم، بزعم أسفارهم، من حال الذلّ والصغار، ليقيم لهم مملكتهم الأثيلة المجد. وهذا المسيح نفسه يقول إنّه قد جاء إلى خاصته لكنّ خاصته لم تقبله (يوحنا 1: 11) . والشاهد مما ذكرنا هو أنّ البشارة بهذا الآتي كانت موجودة لكن علماء اليهود وأحبارهم كانوا ما بين جاهل بها، ومعاند لحقيقة انطباقها على المسيح رغم علمه بأنّ الحقيقة في غير ما يقول.. وما ذكرناه ينطبق أيضا على موقف علماء اليهود وأحبارهم من بعثة يحي عليه السلام (يوحنا المعمدان) ، إذ جاء في إنجيل يوحنا 1: 19- 25: " وهذه شهادة يوحنّا حين أرسل اليهود من أورشليم بغض الكهنة واللّاويّين يسألونه: «من أنت"" فاعترف ولم ينكر، بل أكّد قائلا: «لست أنا المسيح" فسألوه: «ماذا إذن؟ هل أنت إيليّا؟» قال: «لست إيّاه!» ؛ «أوأنت النّبيّ؟» فأجاب، " لا! " فقالوا: «فمن أنت، لنحمل الجواب إلى الّذين أرسلونا؟ ماذا تقول عن نفسك؟ فقال «أنا صوت مناد في البريّة: اجعلوا الطّريق مستقيمة أمام الرّبّ، كما قال النّبىّ إشعياء! " وكان هؤلاء مرسلين من قبل الفريسيّين، فعادوا يسألونه: «إن لم تكن أنت المسيح، ولا إيليّا، ولا النّبيّ، فلماذا تعمّد إذن؟ " كما ينطبق أيضا على الحواريين الذين جهلوا هم أيضا انطباق النبوءات الخاصة ب" إيليا" على يحي عليه السلام، فقد جاء في إنجيل متّى 17: 9- 13: " وفيما هم نازلون من الجبل، أوصاهم يسوع قائلا: «لا تخبروا أحدا بما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 رأيتم حتّى يقوم ابن الإنسان من بين الأموات فسأله تلاميذه: «لماذا إذن يقول الكتبة إنّ إيليا لا بدّ أن يأتي قبلا؟ " فأجابهم قائلا: «حقّا، إنّ إيليّا يأتي قبلا ويصلح كلّ شيء. على أنّي أقول لكم: قد جاء إيليّا، ولم يعرفوه، بل فعلوا به كلّ ما شاءوا. كذلك ابن الإنسان أيضا على وشك أن يتألّم على أيديهم". عندئذ فهم التّلاميذ أنّه كلّمهم عن يوحنّا المعمدان. " بل ها هو نبي من أنبياء الله يعلن عدم معرفته بحقيقة النبوءات المتعلقة بالمسيح (!!؟) . فقد جاء في إنجيل يوحنا 1: 33 أن يوحنا المعمدان قال: " ولم أكن أعرفه، ولكنّ الّذي أرسلني لأعمد بالماء هو قال لي: الّذي ترى الرّوح ينزل ويستقرّ عليه هو الّذي سيعمد بالرّوح القدس". ونحن نقول: أإذا عجز المعمدان عن فهم البشارات الخاصة بعيسى عليه السلام، فترة من الزمان (!!) ، ولم يطعن ذلك في صدقها (نحن نظهر هذا القول من باب التنزّل في الحوار، وإلا فالحقيقة هي أنّ التوراة لم تتنبّأ ببعثة ابن مريم عليهما السلام إلا عرضا، وفي مواطن قليلة) .. فهل يطعن عدم فهم النصارى للنبوءات الخاصة بمقدم النبي الخاتم المنطبقة على محمد انطباق القفاز على اليد في فهم المسلمين لهذه النبوءات؟! لا يشترط في نبوءات الكتاب المقدس الخاصة ببعثة الأنبياء أن تكون صريحة واضحة لا تحتمل الشك أو العناد كأن تذكر الاسم أو الكنية أو سنة الميلاد ... وذاك واضح من الشك الذي طرأ على الذين تمّ ذكرهم في النقطة السابقة. وها هو يحي عليه السلام، الذي لم تلد النساء مثله كما هو مذكور في إنجيل متّى 11: 11، تنبئ التوراة عن بعثته (على زعم النصارى) في كلمات سائبة، فضفاضة تحتمله كونه هو المعني بها، كما تحتمل أنّ شخص غيره هو المقصد.. فقد جاء في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 سفر إشعياء 40: 3: " صوت صارخ ويقول: " أعدوا في البريّة طريق الربّ، وأقيموا طريقا مستقيما لإلهنا ... ". لقد خرج أكثر من نبي من البرية ولم يمنع ذاك النصارى من ربط هذه النبوءة المزعومة بالمعمدان.. كما أنّ الجماعة القمرانية التي عاشت قبل المسيح بقرنين كانت تنسب نص إشعياء السابق إلى حالها كما هو مذكور في كتابها" قانون الجماعة! Community Rule ="" خلاصة الردّ هو أنّه يصحّ الاعتماد على هذه الشبهة ضد المخالف، ولكن ليس من النصارى ضد المسلمين، وإنما من المسلمين ضد النصارى في زعمهم تنبأ التوراة بنزول المسيح" ربّ العالمين!!! "، لعدم ورود اسم المسيح: يسوع أو عيسى، وعدم ذكر سنة ميلاده، ورفعه، وهيأته، ودعوته.. وقد قال الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه" ميلاد المسيّا =The Birth of the Messiah ="هامش ص 96: " العبارة الألمانية =Reflexionszitate =والتي تظهر منذ تعليق هـ. ج. هولتزمان H.J.Holtzman على الأناجيل السينابتية (متى ومرقس ولوقا) بتاريخ 1889 م، تؤكد أنّ الاقتباسات قد تمت إضافتها للمادة العامة للإنجيل كرؤى شخصية. " فهي اجتهادات فردية خاضعة للهوى والخلفيات اللاهوتية الخاصة. وأضاف في ص 99: " ذهب نقّاد ككيلباتريش Kilpatrich وسلتان Soltan وفاجاني Vaganay إلى أنّ تلك النبوءات المزعومة هي التي أنشأت قصة طفولة المسيح. فمنها تمّ اختراع أحداث وهمية لتلك الطفولة. " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 إنّ جميع البشارات والنبوءات التي يزعم أصحاب الأناجيل والرسائل أنها قد جاءت في العهد القديم للتنبأ بيسوع الناصري، ما هي إلا أوهام واختلاقات مكشوفة أمام كلّ ذي بصيرة، لا يكلّ العقل ليدرك أنّها زيوف ريشية الوزن، حتى قال عالم الانثروبولوجيا والناقد الكتابي الدكتور رفائيل باتي في كتابه" نصّ مسيّاني" ص ص 1 2: " من الملاحظ أنّ كثيرا من النبوءات المسيّانية (أي المتعلقة ب" المسيّا" أي" المسيح") هي فقط مسيّانيّة من ناحية التأويلات المتأخرة. يبدو أن هذه النصوص كانت تحمل زمن تأليفها معان أخرى". قال الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه" ميلاد المسيّا =The Birth of the Messiah ="هامش ص 97: " عند ما تكون اقتباسات يوحنا من العهد القديم، فإنّها ليست دائما سهلة التحديد. " .. أي يعسر العثور على النص الذي اقتبسه مؤلف الإنجيل الرابع، عند مراجعة أسفار العهد القديم.. فكيف يحقّ بعد ذلك للنصراني أن يحاجنا بالزعم أنّ بشارات" الكتاب المقدس" بمحمد صلى الله عليه وسلّم، غير صريحة! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 شبهة: يحتج النصارى على المسلمين، لإنكار ما قرّره علماء الإسلام من أنّ أهل الكتاب قد حرّفوا أسفارهم في كثير من المواضع ومنها ذكر بعثة نبي الإسلام، بقولهم: إنّ اعتراضكم بلا دليل لأنّكم لم تقدّموا حجة تعضد دعواكم. وأنتم أعجز من أن تجيبوا على هذه الأسئلة: من قام بهذا التحريف؟ متى تمّ هذا التحريف؟ كيف تمّ هذا التحريف؟ لم تمّ هذا التحريف؟ ثمّ، إنّ زعمكم أنّ" الكتاب المقدس" قد حرّف، هو زعم يرفضه العاقل والتاريخ: فقد انتشرت أسفار الكتاب المقدس بين الناس في أنحاء واسعة من العالم مما يجعل القول بأنّ إرادة كلّ من ملكوا نسخة من نسخ هذه الأسفار قد اجتمعت على حذف ذكر نبي الإسلام منها، باطل، خاصة مع معرفتنا بأنه من غير المعقول أن يتفق اليهود والنصارى، أو الفرق النصرانية المتنافرة على هذا الأمر! ويضيف النصارى في ختام هذا الاعتراض، قولهم إنّ جميع المحاولات التي سعت إلى إثبات تحريف الكتاب المقدس قد باءت بالفشل الذريع، وهي كما يقول ناشد حنا في كتابه" خمس حقائق عن الإيمان الحقيقي": " تهمة جزافية باطلة غير مقبولة شكلا أو موضوعا، لأنّها غير مدعّمة بأسانيد الاتهام الواجبة. "!!! الردّ: إنّ كشف هذا اللغو هيّن، ليس بمستعص على المسلمين، فلا داعي إلى هذه" العنتريات الكرتونية".. وها سيأتيك الردّ بشيء من الاستفاضة حتى تنتفي عن شهادتنا الظنون وتنجلي عنها الشبهات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 نقول: لم يزعم المسلمون أنّ جميع هذه البشارات قد حذفت من نص الكتاب المقدس، وإنما هم يقولون إنه قد تمّ حذف أصرحها، ومع ذلك فقد كشفنا في ما سبق، صراحة بعض ما هو موجود اليوم فيما يتعلّق بتحديد اسم نبي الإسلام ومازال للحديث بقيّة. وها هو شيخ الإسلام ابن تيميّة (661 هـ- 728 هـ) ، رحمه الله، يقول في كتابه" الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح" الجزء الثالث ص ص 50- 51: " وقد رأيت أنا من نسخ الزبور ما فيه تصريح بنبوة محمد باسمه ورأيت نسخة أخرى بالزبور فلم أر ذلك فيها وحينئذ فلا يمتنع أن يكون في بعض النسخ من صفات النبي ما ليس في أخرى. " ومن يقرأ كتب علماء الإسلام القديمة، يرى أنها ذكرت بشارات لا نجد اليوم لها أثرا في التراجم المتاحة في الأسواق. ولا يستطيع المخالف أن يتهم علماء الإسلام بالكذب لأنّ هؤلاء العلماء كانوا يصرّحون بوجود هذه البشارات في كتبهم التي يقرؤها المسلمون وأهل الكتاب على السواء، ولو أنها كانت غير موجودة في النسخ المتاحة بين أيديهم لأنكر عليهم علماء أهل الكتاب ذلك ولشنعوا عليهم فعلهم.. بل إنّ علماء الإسلام كانوا يناظرون النصارى في فهم هذه البشارات لا في ثبوتها في الأسفار المقدسة عندهم.. هذا بالإضافة إلى أنّ رجال الدين اليهود والنصارى المهتدين إلى الإسلام كانوا يعددون هذه البشارات في كتبهم بعد انخلاعهم من أديانهم الباطلة وقبولهم الإسلام. فيما يتعلّق بالسؤال عمّن حرّف الكتاب المقدس فإننا نقول إنّ المحرّفين هم الكتبة والمترجمون عموما، وفيهم من هو منخرط في سلك القساوسة. وقد تواتر القول عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 كبار النقاد في الغرب بنسبة هذا الفعل إليهم، وأقوالهم طويلة عريضة لا تكاد تحصر ولو في مجلدات ضخمة!! فيما يتعلّق بالسؤال عن كيفية وقوع هذا التحريف، نقول إنّ هؤلاء الكتبة قد حذفوا مجموعة هامة من البشارات بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلّم ... كما قاموا بتحريف تراجم الكتاب المقدس لطمس الشهادات المتكررة لهذا النبي. من الأمثلة التي تظهر هذا الأمر قول الإمام ابن القيم تعليقا على سفر إشعياء 42: 1- 4، في كتابه" هداية الحيارى.." نقلا عن نسخة سفر إشعياء في زمانه: " هو ذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي ابتهجت به نفسي. وضعت روحي عليه ليسوس الأمم بالعدل. لا يصيح ولا يصرخ ولا يرفع صوته في الطريق. لا يقصر قصبة مرضوضة، وفتيلة مدخّنة لا يطفئ. إنما بإمانة يجري عدلا، لا يكلّ ولا تثبّط له همة حتى يرسّخ العدل في الأرض، وتنتظر الجزائر شريعته. " قال رحمه الله وطيّب ثراه: ".. وقد ترجموه أيضا بترجمة أخرى فيها بعض الزيادة: عبدي ورسولي الذي سرّت به نفسي، أنزل عليه وحيي فيظهر في الأمم عدلي ويوصيهم بالوصايا، لا يضحك، ولا يسمع صوته في الأسواق، يفتح العيون العور، والآذان الصمّ ويحي القلوب الغلف، وما أعطيه لا أعطيه أحدا، يحمد الله حمدا جديدا يأتي به من الأقطار، وتفرح البرية وسكانها، يهللون الله على كلّ شرف، ويكبرونه على كلّ رابية، لا يضعف، ولا يغلب، ولا يميل إلى الهوى مشفح، ولا يذل الصالحين الذين هم كالقصبة الضعيفة، بل يقوي الصديقيين وهو ركن المتواضعين، وهو نور الله الذي لا يطفى، أثر سلطانه على كتفيه. وقوله: مشفح بالشين المعجمة والفاء المشددة بوزن مكرم، وهي لفظة عبرانية مطابقة لاسم محمد معنى ولفظا مقاربا ( ... ) ، ولا يمكن للعرب أن يتلفظوا بها بلفظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 العبرانية فإنها بين الحاء والهاء، وفتحة الفاء بين الضمة والفتحة، ولا يستريب عالم من علمائهم منصف أنها مطابقة لاسم محمد. قال أبو محمد ابن قتيبة: مشفح محمد بغير شكّ، واعتباره أنهم يقولون شفحلاها. إذا أرادوا يقولوا الحمد لله، وإذا كان الحمد شفحا، فمشفح محمد بغير شكّ، وقد قال لي ولغيري بعض من أسلم من علمائهم إنّ" مئذ مئذ"* هو محمد، وهو بكسر الميم والهمزة، وبعضهم يفتح الميم ويدنيها من الضمّة، وقال: لا يشكّ العلماء منهم بأنه محمد وإن سكتنا عن إيراد ذلك، وإذا ضربنا عن هذا صفحا فمن هذا الذي انطبقت عليه وعلى أمته هذه الصفات سواه؟! ومن هذا الذي أثر سلطانه وهو خاتم النبوة على كتفيه رآه الناس عيانا مثل زر الحجلة". ولا يبعد أيضا أن يخطئ النسّاخ، عن غير قصد، في نسخهم لأسفار الكتاب المقدس، فيقوموا بتصحيف اسم النبي، أو تحريفه بترجمته إلى غير معناه. أمّا بالنسبة للنقطة الأولى فإنّ خطأ النساخ عند إعادة كتابتهم لما بين أيديهم من الأسفار المقدسة هو أمر ليس بحاجة إلى إثبات أو سرد شهادات العلماء والباحثين المحققين.. لاتفاق النصارى ومخالفيهم عليه! من صور هذا الخطإ، وكما وضّح ذلك النقاد الغربيون الذين كتبوا في هذا الباب، إسقاط كلمة أو إسقاط فقرة أو دمج كلمتين في بعضهما أو كتابة الكلمة على غير صورتها الأصلية كحذف حرف أو أكثر أو إضافة حرف أو أكثر.. وتقع هذه الأخطاء عند النسخ أو عند الترجمة.   (*) وردت هذه الكلمة في سفر التكوين 17: 20 وهي في التراجم الحديثة" كثيرا جدا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 فيما يتعلّق بالنقطة الثانية، وهي تحريف اسم النبي بترجمة معناه، وهذه الترجمة طريق أول إلى طمسه، فالأمثلة من أسفار اليهود والنصارى التي تؤيد هذا الأمر بوضع معنى الكلمة بدل أصلها كثيرة جدا في الكتاب المقدس نذكر منها: سفر التكوين 16: 14 الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 م وسنة 1831 م وسنة 1844 م: " لذلك دعت اسم تلك البير ببر الحي الناظرني" فترجموا اسم البئر من العبرانية إلى العربية. سفر التكوين 22: 14 الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م: " سمّى إبراهيم اسم الموضع مكان يرحم الله زائره". وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 م: " دعا إسم ذلك الموضع الرب يرى" فترجم المترجم الأول الاسم العبراني بمكان يرحم الله زائره، والمترجم الثاني بالرب يرى. سفر الخروج 3: 14 في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 م وسنة 1844 م فقال الله لموسى" أهيه أشراهيه". وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م: " قال له الأزلي الذي لا يزال" فلفظ" أهيه أشراهيه" كان بمنزلة اسم الذات، فترجم المترجم الثاني بالأزلي الذي لا يزال. سفر الخروج 30: 23 في الترجمة العربية لسنة 1625 م وسنة 1844 م: " من ميعة فائقة". وفي الترجمة المطبوعة سنة 1811 م: " من المسك الخالص" وبين الميعة والمسك فرق بيّن، وقد قام أصحاب هذه التراجم بتفسير الاسم بما ترجّح عندهم. سفر يوشع 10: 13 في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 م: " أليس هذا مكتوبا في سفر أبرار". وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 :" أليس هو مكتوبا في سفر المستقيم". وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1838 م لفظ" ياصار" مكان" الأبرار" أو" المستقيم"، وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1835 م لفظ" ياشر" وفي الترجمة الأردية المطبوعة سنة 1825 م لفظ" ياشا"، ولعلّ ياصار أو ياشر أو ياشا اسم مصنف الكتاب، فترجم أصحاب الترجمة العربية هذا الاسم على ما فهموه" الأبرار"" الأبرار" ... سفر إشعياء 8: 1- 3 الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م: " وقال لي الربّ خذ لك مدرجا عظيما واكتب فيه بكتابة إنسان انتهب مستعجلا أسلب سريعا. ادع اسمه أغنم بسرعة وانهب عاجلا. ". وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م: " وقال لي الربّ خذ لك مدرجا صحيحا صحيفة جديدة كبيرة واكتب فيها بكتابة إنسان حاد ليضع نهب الغنائم لأنه حضر. ادع اسمه اغنم بسرعة وانهبوا نجده". فيما يتعلق بزمن وقوع التحريف، فالإجابة هي أنّ تحريف البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلّم قد تمّ على أربع فترات: الفترة الأولى: ما بين زمن نزول هذه الأسفار من السماء (لما كان وحيا في أصله) ، وبعثة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلّم. وقد خفّت حدّة التحريف بعد القرن السادس قبل الميلاد أي ما بعد السبي البابلي الذي تمّت فيه إعادة كتابة العهد القديم والتوسع الفاحش في إضافة نصوص وأسفار لم يكتبها الأنبياء!! وقد تمّ هذا التحريف في تلك الفترة التاريخية لعدّة أسباب منها: فقدان أصول أسفار العهد القديم لضعف همّة اليهود في حفظ أسفارهم.. ولما لحقهم من تشريد ولأسفارهم من تحريق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 - بثّ اليهود آمالهم وأشواقهم وأحزانهم في وعاء النصوص الدينية المقدّسة فخلطوا النبوءات الحقّة بأحلامهم وأمانيهم العنصرية. غلط النساخ. سهو النسّاخ. الخطإ في الترجمة..- وما أخطر الخطأ في الترجمة في إفساد معاني البشارات والنبوءات- وفي هذا الشأن يقول الأب يوسف قوشاقجي في مقدمة كتابه" تعريب الأناجيل وأعمال الرسل": " عرّب الإنجيل وطبع مرارا منذ أن وجدت الطباعة وقد طالعنا تسع طبعات آية آية، فوجدناها في كل منها القليل أو الكثير من العبارات الجيدة، فحفظناها. ولكننا وجدنا أيضا أنّ الذين قاموا بها لم يحسنوا فهم المعنى غير مرة، وخالفوا كثيرا من قواعد التعريب" ثم يضيف: " أجمع الأدباء من مختلف اللغات في كلّ مكان وزمان على أنّ الترجمة فنّ صعب، والذين يجيدونها قلة من كثرة، وذهب بعضهم إلى القول أنّ كلّ مترجم خائن، فليس من ترجمة مطابقة للأصل، مطابقة تامة. ذلك أنّ المعاني سمّيت بحق بنات فكر الإنسان، فهي كالإنسان روح وجسد. يولد روحها وجسدها معا كما يولد روح الإنسان وجسده معا. ويحاول المترجم أن يستل الروح من جسد اللغة، ليجعلها في جسد آخر. وكلا الأمرين عسير. فاللغات يشبه بعضها بعضا على قدر ما يختلف بعضها عن بعض، كما تشبه الأمم والأشخاص بعضها بعضا في أمور وتختلف في أخرى. ومقياس نجاح المترجم في عمله أن تكون ترجمته أمينة على الجوهر، وعلى أقل ما يكون من الخيانة للعرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 ويتكلم عن لغة عيسى عليه السلام التي تحدث بها فيقول: " السيد المسيح كلم الناس بالآرامية- أي العبرية الشائعة بين العامة- وقد تناقل المسيحيون الأوائل أقواله ورواية أعماله بتلك اللغة، ثم دوّنوا كثيرا منها بتلك اللغة نفسها، وترجمت بعدئذ إلى اليونانية، وضاع الأصل الأرامي". ويشير إلى حيرة المترجم بين الآراء المتعارضة، فيقول: " إن كانت الصعوبة في ترجمة أكثر الكتب القديمة هي قلة ما يسهل للمترجم تفهّم المعنى، فالصعوبة الكبرى في الترجمة هي كثرة الأبحاث وتشعّب آراء أهل الاختصاص. فالمترجم يرى نفسه تجاه آراء مختلفة من أناس متّصفين جميعا بالعلم الغزير هذا يؤيد رأيه بالحجج والبراهين، وذلك يؤيد رأيه بما لا يقل قوة عن ذاك الرأي. فأنّى للمترجم وهو أقلّ علما من الاثنين أن يرجّح رأيا على رأي، فهو يضطر أحيانا إلى إثبات الرأيين. أولهما في المتن، والآخر في ذيل الصفحة. وهذا ما شاهدناه في الترجمة الفرنسية للكتب المقدسة التي قام بنشرها الآباء الدومينكان في القدس، والغريب أنّ المترجم الواحد يبدّل رأيه، فيختار ترجمة يثبتها في الطبعة الأولى ويتركها في الطبعة الثانية. " الفترة الثانية: ما بين بعثة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلّم إلى القرن العاشر ميلادي، وفيها تمّ تحريف بشارة إطلالة الحق وإشراقة النور في جنبات الأرض المظلمة، بصورة قصدية. وقد حصرنا هذه الفترة بين البعثة المباركة والقرن العاشر لكون أسفار الكتاب المقدس كانت محتكرة بين أيدي اليهود والنصارى ولم تكن الترجمة العربية لهذه الأسفار على فرض وجودها. منتشرة بين الناس لحداثة عهدهم بها. لم يقتصر التحريف في هذه الفترة على موضوع البشارة ببعثة نبي الإسلام، وإنما امتد التحريف إلى مسائل عقدية، وتفاصيل تاريخية كثيرة. وبإمكاننا الكشف على هذا الأمر من خلال المقارنة بين التراجم العربية الكلاسيكية والتي اعتمد منجزوها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 على مخطوطات تعود إلى ما بعد القرن العاشر ميلادي، وبين التراجم التي تعتمد على مخطوطات تعود إلى القرنين الرابع والخامس (الفاتيكانية، والسينائية ... ) والتي من بينها: The New Revised Standard Version The New American Bible The New International Version الفترة الثالثة: من القرن العاشر إلى ظهور الطباعة. والتحريف في هذه الفترة في موضوع البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلّم كان باستبدال الكلمات الأصلية بأخرى، وتمييع معاني النصوص باحداث تراجم غامضة لها. ويكشف هذا الأمر وجود تراجم مختلفة لنصوص البشارات في الكتاب المقدس في تلك الفترة. امتد التحريف إلى زمن الطباعة التي سحبت البساط من تحت يد النسّاخ المبدّلين والمغيّرين للنصوص المقدسة.. ليصبح الأمر، ظاهرا، في" الأيادي الأمينة" لآلات الطباعة. الفترة الرابعة: منذ ظهور الطباعة إلى اليوم، حيث تأثّر تحريف البشارات بقراءة النصارى لمؤلفات علماء الإسلام التي كشفت المعنى الحق لنصوص من الكتاب المقدس، فغيّر المترجمون الألفاظ والتراكيب محادة للحق الذي تبيّن من تحليل علماء الإسلام للتراجم السابقة. يمكن تقسيم التحريف من زاوية الرؤية الكميّة إلى فترتين: 1- من زمن التأليف إلى السبي البابلي. 2- من بعد السبي البابلي (4 ق م) إلى أيامنا هذه- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 ولا بدّ من الإشارة هنا إلى موضوع خطير وهو التحريف الأكبر الذي وقع في القرن الأول ميلادي بإخفاء" إنجيل المسيح"، الذي نزل على هذا النبي من السماء وظهور أناجيل تنسب إلى أتباعه وأتباع أتباعه.. ومن الأدلة غير الإسلامية التي تؤكد وجود هذا الإنجيل، ما جاء في العهد الجديد نفسه من نسبة" إنجيل" إلى المسيح نفسه: الرسالة إلى غلاطية 1: 7: ".. بل إنّما هنالك بعض (المعلّمين) الّذين يثيرون البلبلة بينكم، راغبين في تحوير انجيل المسيح". الرسالة الأولى إلى كورنثوس 9: 12: " إن كان لغيرنا هذا الحق عليكم، أفلا نكون نحن أحقّ؟ ولكنّنا لم نستعمل هذا الحق؟ بل نتحمّل كل شيء، مخافة أن نضع أيّ عائق أمام انجيل المسيح! " الرسالة الثانية إلى تسالونيكي 1: 8: ".. غير المطيعين لإنجيل ربنا يسوع" وشهد لهذا الإنجيل العديد من النقاد الألمان، كما ذكر ذلك رحمة الله الهندي في القرن التاسع عشر، ومنهم اكهورن Eichhorn الذي قال: " إنه كان في ابتداء الملة المسيحية في بيان أحوال رسالة المسيح رسالة مختصرة يجوز أن يقال انها هي الإنجيل الأصلي، والغالب أن هذا الإنجيل كان للمريدين الذين كانوا لم يسمعوا أقوال المسيح بآذانهم، ولم يروا أحواله بأعينهم، وكان هذا الإنجيل بمنزلة القلب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 أما لماذا وقع التحريف. فالإجابة هي أنّ هذا التحريف قد تمّ لصرف الناس عن اتباع نبي الإسلام صلى الله عليه وسلّم وحجز المخدوعين عن الانسلاخ من دين التثليث. هذا في ما يتعلّق بالتحريف القصدي، أما التحريف غير القصدي، فقد وقع فيه النسّاخ أو المترجمون نتيجة قصور في أفهامهم أو نتيجة غلط أو قلّة تركيز. آخر هذا الاعتراض جاء فيه أنّ القول بأنّ الأسفار المقدّسة للنصارى من المحال تحريفها، من الناحية العقلية ومن الناحية التاريخية.. وأكّد هذا المجادل زعمه هذا بأنّ جميع" المحاولات" لإثبات وجود هذا التحريف قد باءت بالفشل. قبل أن نهدم لبنات هذا الاعتراض ونجعله قاعا صفصفا، نحيل إلى كتابين أجادا في عرض هذا الموضوع وتحليله وتأكيده: الأول للباحث البارز ريتشارد إليوت فريدمان، وهو متعلق بالعهد القديم، وهو تحت عنوان" من ألف الكتاب المقدس، =Wrote the Bible =Who "؟ والثاني متعلق بالعهد الجديد وعنوانه" نصّ العهد الجديد: تداوله وتحريفه وإصلاحه. =Restoration Testament:It s Transmission ,Corruption and =The Text of The New "للباحث الشهير الذي يعتبر أحد رؤوس النقد الكتابي المعاصر بروس متزغر.. فعليك بهذين الكتابين إن كنت تريد التوسع في القراءة في موضوع تحريف الكتاب المقدس! الردّ التفصيلي على دعوى عصمة الكتاب المقدس من التحريف: يكرر النصارى، أنّ القول بتحريف العهد القديم والعهد الجديد، ما هو إلا افتراء إسلامي محض ... وهذا القول النصراني هو الكذب بعينه، وهو الزور الباهت، لأنّ أي طويلب علم يقرأ في تاريخ الأسفار النصرانية المقدسة يعلم أنّ هناك آلاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 الباحثين في الغرب من كاثوليك وبروتستانت وأرثودكس ويهود وملاحدة.. ممن ألّفوا كتبا ومقالات طويلة وعريضة ومعمّقة ومبسّطة في إثبات هذا التحريف وكشف تفاصيله وتقديم أمثلة عليه!! .. بل يصحّ أن نقول أنه لا يكاد يوجد عالم متخصص في دراسة هذه الأسفار ينكر حقيقة هذا التحريف.. وما بقي من المدافعين عن عصمة أسفار النصارى سوى طائفة ضئيلة في عددها من رجال الدين الذين يتقاضون رواتبهم من الكنيسة- حتى قال الباحث الدكتور روبرت كيل تسلر في كتابه" حقيقة الكتاب المقدس": " ويتفق كل جاد من علماء الكتاب المقدس الذين يمثلون كل الطوائف (النصرانية) على أنّ الكتاب المقدس يحتوي على عدد كبير من التحريفات خصوصا العهد الجديد وهي تأتي نتيجة لحرص كل طائفة على تدعيم نظريتها العقائدية بمثل هذه التحريفات الأمر الذي أدّى إلى إنشاء القواعد الإنجيلية لذلك. " وهاك الشهادات المنوّعة على إثبات إثخان التحريف في صفحات أسفار النصارى: شهادة الكتاب المقدس على نفسه: قد يعجب النصراني من احتجاجنا بالكتاب المقدس لإثبات تحريفه، ولكنها هي الحقيقة التي لا بدّ أن تعلم. " والإقرار سيدّ الأدلة" كما يقال. ومن النصوص الدالة على ظاهرة تحريف الكتب المقدّسة النصرانية: - أنبياء يفترون على الله الكذب (!؟) : سفر إرمياء 14: 14: " فقال الربّ لي: " بالكذب يتنبأ الأنبياء باسمي، لم أرسلهم ولا أمرتهم ولا كلّمتهم. برؤيا كاذبة وعرافة وباطل ومكر قلوبهم هم يتنبّأون لكم. " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 سفر إرمياء 5: 30- 31: " صار في الأرض دهش وقشعريرة الأنبياء يتنبّأون بالكذب والكهنة تحكم على أيديهم وشعبي هكذا أحبّ. " سفر إرمياء 29: 8- 9: " لأنه هكذا قال ربّ الجنود إله إسرائيل: لا تغشكم أنبياؤكم الذين في وسطكم وعرّافوكم ولا تسمعوا لأحلامكم التي تتحمّلونها. لأنهم إنما يتنبأون لكم باسمي بالكذب. أنا لم أرسلهم يقول الربّ. " سفر حزقيال 13: 6- 9: " رأوا باطلا وعرافة كاذبة. القائلون: وحي الربّ والربّ لم يرسلهم، وانتظروا إثبات لكلمة. ألم تروا رؤيا باطلة، وتكلّمتم بعرافة كاذبة، قائلين: وحي الرب وأنا لم أتكلّم؟ لذلك هكذا قال السيد الربّ: لأنّكم تكلمتم بالباطل ورأيتم الكذب، فلذلك ها أنا عليكم يقول السيد الربّ. وتكون يدي على الأنبياء الذي يرون الباطل والذين يعرفون بالكذب. في مجلس شعبي لا يكونون، وفي كتاب بيت إسرائيل لا يكتبون، وإلى أرض إسرائيل لا يدخلون، فتعلمون أنّي أنا السيد الربّ. " رسالة بطرس الثانية 1: 2: " ولكن كان أيضا في الشعب أنبياء كذبة، كما سيكون فيكم أيضا معلّمون كذبة، الّذين يدسّون يدع هلاك. وإذ هم ينكرون الربّ الّذي اشتراهم، يجلبون على أنفسهم هلاكا سريعا. " سفر إرمياء 23: 13، 15، 16: " في أوساط أنبياء السّامرة شهدت أمورا كريهة، إذ تنبّأوا باسم البعل، وأضلّوا شعبي إسرائيل. وفي أوساط أنبياء أورشليم رأيت أمورا مهولة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 يرتكبون الفسق، ويسلكون في الأكاذيب، يشددون أيدي فاعلي الإثم لئلا يتوب أحد عن شره ( ... ) لأنّه من أنبياء أورشليم شاع الكفر في كل أرجاء الأرض. " - كتبة الوحى يحرفون كلام الله: سفر إرمياء 8: 8: " كيف تدّعون أنّكم حكماء ولديكم شريعة الربّ بينما حوّلها قلم الكتبة المخادع إلى أكذوبة؟ ". سفر إرمياء 36: 32: " فأخذ إرميا درجا آخر ودفعه لباروخ بن نيريّا الكاتب فكتب فيه عن فم إرميا كلّ كلام السفر الذي أحرقه يهوياقيم ملك يهوذا بالنار وزيد عليه أيضا كلام كثير مثله. " إنجيل متّى 23: 23- 33: " ويل لكم أيّها الكتبة والفريسيّون المراؤون لأنّكم تعشرون النّعنع والشبث والكمّون وتركتم أثقل النّاموس: الحقّ والرّحمة والإيمان. كان ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك. أيّها القادة العميان الّذين يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل! ويل لكم أيّها الكتبة والفريسيّون المراؤون لأنّكم تنقون خارج الكأس والصّحفة وهما من داخل مملوآن اختطافا ودعارة! أيّها الفريسيّ الأعمى نق أوّلا داخل الكأس والصّحفة لكي يكون خارجهما أيضا نقيّا. ويل لكم أيّها الكتبة والفريسيّون المراؤون لأنّكم تشبهون قبورا مبيّضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. هكذا أنتم أيضا: من خارج تظهرون للنّاس أبرارا ولكنّكم من داخل مشحونون رياء وإثما! ويل لكم أيّها الكتبة والفريسيّون المراؤون لأنّكم تبنون قبور الأنبياء وتزيّنون مدافن الصّديقين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وتقولون: لو كنّا في أيّام آبائنا لما شاركناهم في دم الأنبياء! فأنتم تشهدون على أنفسكم أنّكم أبناء قتلة الأنبياء. فاملأوا أنتم مكيال آبائكم. أيّها الحيّات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنّم؟ " - أمّة بني إسرائيل تحرّف الوحى: سفر إشعياء 29: 15- 16: " ويل للذين يتعمّقون ليكتموا رأيهم عن الربّ فتصير أعمالهم في الظلمة ويقولون: " من يبصرنا ومن يعرفنا؟ " يا لتحريفكم! " إرمياء 9: 2- 3: " فأترك شعبي وأنطلق من عندهم لأنهم جميعا زناة جماعة خائنين. يمدّون ألسنتهم كقسيّهم للكذب. لا للحق قووا في الأرض. لأنهم خرجوا من شرّ إلى شرّ وإيّاي لم يعرفوا يقول الربّ. " إنجيل متّى 15: 7- 9: " يا مراؤون! حسنا تنبّأ عنكم إشعياء قائلا: يقترب إلّي هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيدا. وباطلا يعبدونني وهم يعلّمون تعاليم هي وصايا الناس (أي ليست من عند الله) . " مرقس 7: 6- 8: " فأجاب: " حسنا تنبّأ إشعياء عنّكم أنتم المرائين كما هو مكتوب: هذا الشعب يكرمني بشفتيه وأمّا قلبه فمبتعد عنّي بعيدا وباطلا يعبدونني وهم يعلّمون تعاليم هي وصايا النّاس. لأنّكم تركتم وصيّة الله وتتمسّكون يتقليد النّاس: غسل الأباريق والكؤوس وأمورا أخر كثيرة مثل هذه تفعلون. " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 - الصالحون من بنى إسرائيل يحبّون الكذب على الله: سفر إرمياء 8: 10: " لأنهم من الصغير إلى الكبير كل واحد مولع بالربح من النبي إلى الكامن. كل واحد يعمل بالكذب. " - نقلة كلام الأنبياء يحرفون الوحى: رسالة بطرس الثانية 3: 16: " كما في الرسائل كلّها أيضا، متكلّما فيها عن هذه الأمور، التي فيها أشياء عسرة الفهم، يحرّفها غير العلماء وغير الثابتين كباقي الكتب أيضا، لهلاك أنفسهم. " أعداء الأنبياء يحرفون الوحى: مزمور 56: 5: " يحرّف أعدائي طوال اليوم كلامي. كلّ أفكارهم تتآمر بالشرّ عليّ. " - قصّاصون يخترعون وحيا مزعوما: إنجيل لوقا 1: 1- 4: " إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصّة في الأمور المتيقّنة عندنا كما سلّمها إلينا الّذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة رأيت أنا أيضا إذ قد تتبّعت كلّ شيء من الأوّل يتدقيق أن اكتب على التوالي إليك أيّها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحّة الكلام الّذي علمت به. " - ظهور أناجيل كثيرة بعد رفع المسيح: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 رسالة بولس إلى غلاطية 1: 6- 8: " إنّي أتعجّب أنّكم تنتقلون هكذا سريعا عن الّذي دعاكم ينعمة المسيح إلى إنجيل آخر. ليس هو آخر، غير أنّه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحوّلوا إنجيل المسيح. ولكن إن بشّرناكم نحن أو ملاك من السّماء يغير ما بشرناكم، فليكن «أناثيما» . " - مدح تحريف كلام الله (!) : رسالة بولس إلى روما 3: 7: " فإنّه إن كان صدق الله قد ازداد يكذبي لمجده فلماذا أدان أنا بعد كخاطئ". رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 9: 20- 23: " فإنّي إذ كنت حرّا من الجميع استعبدت نفسي للجميع لأربح الأكثرين. فصرت لليهود كيهوديّ لأربح اليهود وللّذين تحت النّاموس كأنّي تحت النّاموس لأربح الّذين تحت النّاموس وللّذين بلا ناموس كأني بلا ناموس- مع أنّي لست بلا ناموس لله بل تحت ناموس للمسيح- لأربح الّذين بلا ناموس. صرت للضّعفاء كضعيف لأربح الضعفاء. صرت للكلّ كلّ شيء لأخلص على كلّ حال قوما. وهذا أنا أفعله لأجل الإنجيل لأكون شريكا فيه. " شهادة اقتباسات كتّاب أسفار العهد الجديد: يزخر العهد الجديد باقتباسات كثيرة من العهد الجديدة لتأكيد قضايا لاهوتية أو لا دعاء وجود البشارة بالمسيح فيه. وقد لاحظ النقاد أنّ هذه الاقتباسات لم تتقيّد بالأخذ بالنص اليوناني السبعيني أو النص العبري القياسي (وهما يختلفان عن بعضهما في الكثير من المواضع) ، بل يراوح متّى، مثلا، بين الأول والثاني، وإن كان اعتماده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 على النص اليوناني في الأغلب.. وقد ذهب بعض النقاد إلى أنّ متّى يعتمد على ترجمته الخاصة المختلفة الألفاظ على ما هو معروف في التراجم التقليدية في زمانه! كما قام أصحاب أسفار العهد الجديد بتحريف الكثير من نصوص العهد القديم لتوافق أغراضهم، حتى قال الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Brown Raymond في كتابه" ميلاد المسيّا =The Birth of the Messiah =هامش ص 186، في حديثه عن اقتباس متّى 2: 6 لسفر ميخا 5: 1: " من بين ال 22 كلمة من الترجمة اليونانية السبعينية لميخا، 8 فقط وجدت في النص اليوناني لمتّى. "!! .. كما قال في ص 151 عن اقتباس متّى 1: 23 لأشعياء 7: 14، والخلاف بين النصّ الأصلي والصورة المقتبسة: ".. ربما التفسير الأكثر قبولا هو أنّ متّى قد حرّف عن عمد النص السبعيني ليوافق روايته الخاصة. ".. أيّ أنّ مؤلف إنجيل متّى قد حرّف، بل بالغ في تحريف العهد القديم!!!؟ والنصراني أمام هذه" الفاجعة" التي ليس لها من دون الله كاشفة، أمام حلّين، أحلاهما علقم في حلق الكنيسة، إما أن يقرّر أنّ أصحاب أسفار العهد الجديد قد حرّفوا نصوصا من العهد القديم، أو أن يقرّر أنّ العهد القديم الذي بين أيدينا وكذلك النسخ المعروفة في القرن الأول الميلادي هي المحرّفة..!!! ولا مخرج غير الإقرار أنّ تحريف الكتاب المقدّس أمر لا ينازع فيه عاقل مبصر! شهادة المخطوطات القديمة: جاء عن كبار الباحثين، نصارى وغير نصارى، القول باستحالة الوصول إلى النصّ الأوّل لفقدان النصوص الأصلية ولاختلاف المخطوطات ولكثرة التحريف. وفي هذا الشأن يقول المدخل إلى العهد الجديد في ترجمة الكاثوليك: " المثال الأعلى الذي يهدف إليه علم نقد النصوص هو أن يمحصّ هذه الوثائق المختلفة لكي يقيم نصا يكون أقرب ما يكون إلى الأصل الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 ولا يرجى بأيّ حال من الأحوال الوصول إلى الأصل نفسه ... "!!! وتكشف دراسة المخطوطات القديمة وجود عدد هائل من الاختلافات بين النصوص مما يجعل الوصول إلى النص الأصلي محالا. وهذا الباحث م. م. بارفيز ينقل لنا أنّ فحص، فقط، 150 مخطوطة يونانية لإنجيل لوقا كشف وجود 30000 قراءة!! وهذا الدكتور دوبن أحصى في صورة التحريف بالحذف- وهذه أحد صور التحريف- 330 تحريف بالحذف في إنجيل متّى، و 365 في إنجيل مرقس، و 439 في إنجيل لوقا، و 337 في إنجيل يوحنا، و 384 في أعمال الرسل. (260.p ,1859 ,University Magazine Dublin) وقال ج. ر. دوملو الأستاذ في جامعة كمبردج في تعليقه على الكتاب المقدس Commentary on the Holy Bible ="ص 16: " كان الناسخ يعمد أحيانا لإدخال ما لم يكن في النصّ، إنّما ما يعتقده هو يجب أن يكون، أو ما يتناسب مع آراء الطائفة التي كان ينتمي إليها، فلقد كانت هناك 4000 نسخة أصلية يونانية للأناجيل فكان الاختلاف بينها كثيرا. " وقال جورج كيرد: " إن أول نص مطبوع من العهد الجديد كان الذى قدمه أرازموس عام 1516 م، وقبل هذا التاريخ كان يحفظ النص في مخطوطات نسختها أيدى مجهدة لكتبة كثيرين، ويوجد اليوم من هذه المخطوطات 4700 ما بين قصاصات من ورق إلى مخطوطات كاملة على رقائق من الجلد أو القماش، وأن نصوص جميع هذه المخطوطات تختلف اختلافا كبيرا ولا يمكننا الاعتقاد أن أيّا منها قد نجا من الخطأ، ومهما كان الناسخ حى الضمير فإنه ارتكب أخطاء، وهذه الأخطاء بقيت فى كل النسخ التى نقلت من نسخته الأصلية، وأن أغلب النسخ الموجودة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 جميع الأحجام قد تعرضت لتغييرات أخرى على أيدى المصححين الذى لم يكن عملهم دائما إعادة القراءة الصحيحة. " مخطوطات البحر الميّت لأسفار العهد القديم هي أقدم مخطوطات يملكها النصارى، وهي تعود إلى قرن أو أكثر بقليل من ولادة المسيح. قال في شأنها القس الدكتور تشارلس فرنسيس بوتر في كتابه" السنون المفقودة من عيسى تكشف" (تعريب ع. ع. راضي) ص 12: " من العسير العثور على كتاب في العهد القديم لا يحتاج إلى تصحيحات تحت ضوء مخطوطات البحر الميّت". قلت: الهوامش الكثيرة في الترجمة الانجليزية لمخطوطات البحر الميت حيث تذكر الاختلافات بين تلك المخطوطات وبين الترجمة السبعينية والنص الماسوري، تؤكد ما قرره الدكتور بوتر. - وهذه الحقيقة تكشف ثبوت التحريف الفاحش في أسفار التوراة، وتضبط أحد أزمانه: من ما قبل ولادة المسيح إلى القرن الرابع زمن ظهور أقدم المخطوطات المعتمدة لإعداد التراجم الحديثة للكتاب المقدس. والسؤال: وهل يستغرب عاقل، تبعا لما علمنا، أن تحرّف بشارات عددها محدود لا تتجاوز في حجمها في السفر الواحد، الصفحة الواحدة..؟!! الاجابة معلومة ... !! شهادة أقدم المخطوطات: تعتبر مخطوطات البحر الميّت (القمرانية) أقدم مخطوطات متاحة لأسفار العهد القديم إذ تعود إلى قرن أو قرنين قبل ميلاد المسيح. ورغم أنّ الذين حفظوها قد عاشوا في زمن واحد إلا أنّهم قد تركوا لنا مخطوطات متخالفة للسفر الوحد في أكثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 من موضع.. فبمعالجة 37 مخطوطة للمزامير و 30 مخطوطة لسفر التثنية و 21 مخطوطة لسفر إشعياء ... ظهر أنّ القمرانيين كانوا يعلمون أنّ التحريف قد لحق كتبهم، ولذلك حفظوا تلك النصوص رغم ما بينها من اختلافات لأنّهم كانوا عاجزين عن رفع الخلاف بينها ... من أهم المخطوطات القمرانية التي يظهر الخلاف بينها، مخطوطات سفر إشعياء.. وهو ما جعل كتابة ترجمة إنجليزية قياسية لها أمرا لا يخلو من عسر (انظر =Dead Sea Scrolls =The لمارتن أبيج Martin Abegg وبيتر فلنت Flint Peter وأوجين أولرش Eugene ulrich ص ص 267- 269) ! شهادة واقع حفظ مخطوطات الكتاب المقدس: تعتبر المخطوطة السينائية التي اكتشفها تشيندورف، والتي تعود إلى القرن الرابع كما يقال، أفضل مخطوطة تملكها الكنيسة، وقد أصبح معدّو التراجم الحديثة للكتاب المقدّس يقدّمونها على آلاف المخطوطات المتأخّرة زمنيا عنها.. ولكن تشيندورف الذي عثر على هذه المخطوطة في دير سانت كاترين سنة 1844 ذكر أنّها تحتوي على الأقل على 16000 تصحيح!!!!! (انظر (Realenzyklop ترجع على الأقل إلى سبعة مصححين أو معالجين للنص، بل قد وجد أن بعض المواضع قد تم كشطها ثلاث مرات وكتب عليها للمرة الرابعة. (انظر =Synopse =لهوك ليتسمان =Lutzmann =Huck -صفحة 11 لسنة 1959) !! وإذا كان هذا حال حفظ النصارى لهذه المخطوطة، فكيف بغيرها؟!!!! شهادة التراجم القديمة المرجعية: يعتمد النصارى واليهود على أصول مختلفة لكتب العهد لقديم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 النص العبري: وهو المعتمد عند اليهود وجمهور البروتستانت ويضم 39 سفرا فقط. النص اليوناني: وهو المعتمد عند النصارى الكاثوليك والأرثودكس، ويسمى بالسبعينية، ويزيد على النص العبري سبعة أسفار! ويرى الأرثودكس والكاثوليك أنّ النص العبري محرّف. النص السامري: وهو خاص بيهود السامرة، ويحتوي فقط على أسفار موسى الخمسة (وقد يضمون إليه سفر يشوع) فقط. وبالإضافة إلى الاختلاف في عدد الكتب بين هذه النصوص المرجعية، فإنّ الاختلافات بين هذه النصوص في الأسفار المتفق عليها، كثيرة جدا، حتى أنّ الموسوعة البريطانية نصت على أنّ النص السامري يختلف عن النص اليوناني في الأسفار الخمسة بما يزيد على أربعة آلاف اختلاف، ويختلف عن النص العبري القياسي بما يربو على ستة آلاف اختلاف!!! بل إنّ قائمة الكتب المقدسة في الترجمة السبعينية نفسها لها أكثر من صورة، إذ تضيف بعض النسخ أسفارا أخرى كمزامير سليمان، وصلاة منسّي..!!! شهادة تراجم الكتاب المقدس: تضم المكتبات العالمية عددا ضخما جدا من تراجم الكتاب المقدس بكلّ اللغات المعروفة بل وفي اللغة لواحدة، والمقارنة بين التراجم في اللغة الواحدة تكشف اختلافات فاحشة ومتجددة، بل وتنصّ أغلفة ومقدمات عدد من هذه التراجم، ومنها العربية، على أنّها تراجم" منقّحة ومعدّلة"..!؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وقد قال دافيد دوي David Dewey في كتابه" دليل المستعمل إلى تراجم الكتاب المقدس =A Users Guide to Bible Translations ="والذي تعرّض فيه إلى التعريف بأشهر تراجم الكتاب المقدس بأسلوب قشيب، في الفصل العاشر تحت عنوان: " وجوه قديمة في أشكال جديدة" ص 168: " منذ أواخر الثمانينات إلى الآن، قصة الترجمة الإنجليزية هي قصة مراجعة كما هي قصة (أمور) وافدة. من بين الستة عشر ترجمة المذكورة في هذا الفصل والذي بعده، احدى عشر هي مراجعات أو بدائل، (replacement) خمس فقط هي جديدة. " من هذه التراجم: * ترجمة =The Revised English Bible =الصادرة سنة 1989 م هي مراجعة لترجمة =The New English Bible =التي تمّ الانتهاء منها سنة 1970 م. * ترجمة (1990) =The New Revised Standard Version =هي مراجعة، استفادت من مخطوطات البحر الميت، للترجمة الشهيرة 1952) Revisrd Standard Version ==The م) - من التعديلات، تغيير ما جاء في الرسالة إلى تيطس 1: 5- 6 من أنّ" الشيوخ" عليهم أن" يتزوجوا امرأة واحدة" إلى القول أنّ الشيوخ عليهم أن" يتزوجوا مرة واحدة"!! * ترجمة، (1995) Version ==The New Testament and Psalms:An Inclusive وهي مراجعة للترجمة السابقة Standard Version ==The new Revised وفيها شطحات غالية، من ذلك وضع عبارة" المسيح قريب من الربّ" مكان" على يمين الآب" لأنّ المحافظة على النص" العتيق" فيها جرح لمشاعر الجالسين على الشمال، كما أنّ كلمة" الربّ" في هذه الترجمة قد تحوّلت إلى" أب- أم"!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 * ترجمة (1995) =The New American Standard Bible Update =هي مراجعة لترجمة. (1971) =The New American Standard Bible = * ترجمة 1994) =The New International Readers Version =م- 1998 م) هي مراجعة لترجمة 1984) =Version =The New International م) . * ترجمة 2005) =Todays New International Version م) هي مراجعة لترجمة 1984) =The New International Version م) ، وقد غيّرت 7 من النص كما هو مذكور في كتاب دافيد دوي ص 186!! الترجمة الانجليزية الكلاسيكية الأشهر" ترجمة الملك جيمس 1611) =James Version =The King =م) روجعت أكثر من مرّة (على خلاف اعتقاد العوام من النصارى الناطقين بالانجليزية) .. بل لقد قال نيل لا يتفوت Lightfoot Neil في كتابه" كيف وصل إلينا الكتاب المقدس the Bible =How We Got "ص 59: " أكثر من 400 خطأ في الطبعة الأولى لترجمة الملك جيمس للكتاب المقدس أصلحت في الطبعة التالية بعد سنتين"!! شهادة علماء اللغات: جاء في مقدمة الترجمة الانجليزية المسماة بالترجمة الحديثة للكتاب المقدس: ".. بالرغم من هذه الثروة من النسخ، وحتى عند ما تثبت الصورة الحقيقية لأقدم النصوص المعروفة، فإنّه تبقى بعد ذلك أمور كثيرة غامضة في العهد القديم. إنّ الكلمات العبرية المعروفة اليوم قليلة، ونتيجة لذلك فإنّ معاني عدد هائل من الكلمات غير معروف أو غير يقيني. " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 قلت: فهي ترجمة احتمالية في الآلاف من الموضع.. ولا شكّ أنّ التخمين لا يصدق في جميع الأحوال، بل هو يراوح بين الصواب والخطأ.. فالترجمات المعاصرة، إذن، قد حرفت النصّ العبري الأصلي في مواضع عديدة جدا!! شهادة الكنائس ضد بعضها: تزعم كل كنيسة أنّها وحدها من يملك" الكتاب المقدس" المكتمل الخالي من الإضافات التحريفية، وتتهم غيرها من الكنائس بالإضافة أو الحذف من كلام الله. ولذلك نرى قوائم مختلفة لأسفار الكتاب المقدس عند الكنائس في العالم: الكنيسة البروتستانتية: 66 سفر. الكنيسة الكاثوليكية: 66 سفر 7 أسفار زائدة- 73 سفر الكنيسة الأرثودكسية: 66 سفر 7 أسفار 4 أسفار زائدة- 77 سفر. علما بأنّ الكنائس الأرثودكسية نفسها قد ظهر فيها خلاف شديد حول عدد الأسفار المقدّسة، إذ أضافت الكنيسة الأرثودكسية الأثيوبية، مؤخرا (!!!؟) أسفارا جديدة إلى العهد الجديد!!! شهادة المجامع الكنيسة: من المعلوم أنّ العقائد والأسفار المقدّسة في النصرانية لا تكتسب صفة المشروعية والإلزام إلا بعد أن تحلّى بهاتين الصفتين عن طريق المجامع الكنيسة.. والناظر في تاريخ هذه المجامع يلاحظ أنّها كانت مضطربة في قبول الكثير من الأسفار أو رفضها، فهي قد ترفض السفر ثم تقبله ثم تعود فترفضه! شهادة آباء الكنيسة: قال الدكتور الباحث روبرت كيل تسلر في كتابه: " حقيقة الكتاب المقدس": كذلك كان يعتقد آباء الكنيسة في القرون الأولى للمسيحية أنّ النصوص الأصلية قد امتدت إليها يد التحريف في مواقع كثيرة عن عمد (انظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 هولتسمان ص 28) ، كما اتهم ممثلو الطوائف المختلفة بعضهم البعض بتحريفات" النص الأصلي". وهذا لا يعني إلا اتفاقهم على أنّ النص الأصلي قد امتدت إليه يد التحريف وكذلك اختلافهم في تحديد (الشخص أو الهيئات) الذين قاموا بهذه التحريفات. " ومن لسانك أدينك!!! وجاء في" الرسالة إلى القديس جيروم=29. 3 Letters to ST Jerome 12 ص 11 قول أشهر آباء الكنيسة، أوغسطين، لجيروم، امتعاضا من الترجمة التي يقرؤها" إما أنها لم تصب في تحديد المعنى، أو ببساطة أنا لا أفهمها"!!! وقال الباحث روبرت كيل تسلر في كتابه: " حقيقة الكتاب المقدس": " وحتى أشهر آباء الكنيسة" أوغسطين" قد صرح بعدم الثقة في الكتاب المقدس لكثرة الأخطاء (التي تحتويها المخطوطات اليدوية) ، حتى إذا ضمنت له (وهو هنا يعني نفسه أساسا) ذلك جهة أو مؤسسة لا تتبع الكنيسة. " وقال" القديس" جيروم، صاحب أحد أشهر تراجم الكتب المقدس، في مقدمة كتاب" أسئلة العبرانيين": ".. سوف أجعل هدفي، إذن، أولا، الإشارة إلى أخطاء من يشكون في وجود أخطاء في الأسفار (أي التراجم) العبرية. وثانيا، تصحيح الأخطاء التي يظهر أنها انتقلت إلى النسخ اليونانية واللاتينية عن طريق المرجع الأصلي. وبالإضافة إلى ذلك سأوضح اشتقاق الأماكن والأسماء والبلدان إن كانت غير واضحة في عبارات اللغة اللاتينية، بشرح باللهجة الدارجة. ولكي يسهل على الدارسين معرفة ما قمت به من تصحيحات، أقترح في البدء أن نحدد القراءة الصحيحة، وأنا قادر على فعل ذلك الآن، ثم بعد ذلك نأتي بالقراءات المتأخرة، لنحدد ما حذف أو زيد أو حرّف. وليس هدفي من هذا كما يدعي علي الحساد أن أدين أخطاء الترجمة السبعينية أو أن انتقص ممّن أعدّوها. ولكن في واقع الأمر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 لأنّ عملهم كان تحت سلطة الملك بطليموس في الإسكندرية، فإنهم لم يختاروا كشف كلّ الأسرار التي تحتويها الكتابات المقدسة، وخاصة المتعلقة بتقديم الوعد بظهور المسيح (قلت: لم يبيح النصارى لأنفسهم القول بتحريف التوراة لاخفاء البشارة بالمسيح، وينكرون علينا أن قلنا بتحريف التوراة لإخفاء البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلّم؟!!) ، خشية أن يظن الناس أنّ اليهود يعبدون إلها آخر لأن الناس كانو يحترمون اليهود في توحيدهم لله. بل إننا نجد أنّ أصحاب الأناجيل، بل وربنا ومخلّصنا، وكذلك الرسول بولس، يستشهدون بنصوص عدة على أنها من العهد القديم، وهي ليست في نسخنا، وسوف أسهب في هذا الموضوع في المواضع المناسبة ( ... ) كما أنّ يوسيفوس المؤرخ اليهودي الذي ذكر قصة السبعين مترجما، قد نقل أنهم ما ترجموا غير أسفار موسى الخمسة. ونحن نعترف أنّ ترجمة أسفار موسى هي أكثر تنساقا مع النص العبري من ترجمة بقية الأسفار..". وقد أشارت الموسوعة الكاثوليكية Catholic Encyclopedia تحت اسم" القديس جيروم" أنّ جيروم كان يعتبر الترجمة السبعينية وحيا من الله حتى 391 م- 392 م (وقد توفي سنة 420 م!!) ، " لكنّ تطوّر دراساته العبرانيّة واتصاله بالأحبار جعلاه يتراجع عن هذه الفكرة. "!!! وجاء في موسوعة الكتاب المقدس 1915) =Bible Encyclopedia The International Standard م) أنّ جيروم قد بعث رسالة سنة 383 م إلى البابا دمسوس الذي طلب منه إعداد هذه الترجمة اللاتينية، وذكر فيها صعوبة الاستفادة من التراجم المضمنة في المخطوطات، حتى أنّه قال إنّ عدد التراجم المتاحة في زمانه هو بعدد المخطوطات، أي أنه لا توجد ترجمتان متطابقتان في المخطوطات المتاحة في آخر القرن الرابع.. نعم الرابع!!!؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 شهادة" الشواهد": يقصد ب" الشواهد =Wittnesses ="عند النقّاد أساسا، اقتباسات آباء الكنيسة من نسخ الكتاب المقدس في أزمنتهم. وقد جاء في الموسوعة البريطانية م 2 ص 941: " أنّ جميع نسخ الكتاب المقدس قبل عصر الطباعة تظهر اختلافات بين النصوص، وأنّ مقتبسات آباء الكنيسة من كتب العهد الجديد ( ... ) تظهر أكثر من مائة وخمسين ألفا من الاختلافات بين النصوص. " وجاء في الموسوعة البريطانية لسنة 1768 م تحت مادة" المسيحية": " ومما يلاحظ أنّ كليمنت في روما سنة 97 م وبوليكارب سنة 112 م، وهما من أكبر المؤرخين القدامى كانا يقتبسان كلاما عن المسيح غير موجود في هذه الأناجيل الأربعة. " بل إنّ النصارى قد آل بهم ولعهم بالتحريف إلى التغيير حتى في كتابات آباء الكنيسة نفسها (التي لا شكّ أنها تصادم عقيدة النصارى ودعاويها) ، وفي هذا الشأن قال ميخائيل مشاقة البرتستانتي في كتابه" أجوبة الإنجيليين على أباطيل التقليديين": " وأما تحريفهم لأقوال الآباء القدماء فلا بدّ أن نقدّم دلائله لئلا نوقف أنفسنا في موقف مخالفينا بأن تكون دعاوينا مثلهم بلا برهان ... ". وقال المفسّر الشهير آدم كلارك Adam Clark في مقدمة تفسيره: " إنّ الكتب الكبيرة من تصنيفات أرجن Origen قد فقدت، وكثير من تفاسيره مازالت موجودة، لكن يوجد فيها شرح تمثيلي وخيالي بصورة فاحشة. وهو ما يدل بصورة واضحة على وقوع التحريف فيها بعد أرجن. " وإذا علمت هذه الحقيقة، فلا تتوانى عن إعلان ازدرائك للإشهار الرخيص، رأس مال المفاليس، الذي مارسه ناشد حنا في كتابه" خمس حقائق عن الإيمان لمسيحي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 " في قوله: " وقد بحث بعض العلماء الآيات الواردة في هذه الكتب فاتّضح لهم أنها موجودة في الكتاب المقدّس تماما. حتى قال بعض العلماء أنّه لو فقدت نسخة الكتاب المقدّس الحالية لأمكن جمع معظم آياتها من الكتب السابق ذكرها (أي كتب الآباء) "!!! شهادة الكنيسة المعاصرة: اعترفت الكنيسة الكاثوليكية بطروء التحريف في الكتاب المقدس وذلك في النصّ الذي أقرّه المجمع الفاتيكاني الذي انعقد بين سنة 1962 م وسنة 1965 م. هذا النصّ الذي صوّت له 2344 مقابل 6 أصوات معارضة! جاء في الوثيقة المسكونية الرابعة، فقرة عن التنزيل تختص بالعهد القديم (الفصل الرابع، ص 53) : " تسمح أسفار العهد القديم للكلّ بمعرفة من هو الله ومن هو الإنسان بما لا تقلّ عن معرفة الطريقة التي يتصرّف بها الله في عدله ورحمته مع الإنسان. غير أنّ هذه الكتب تحتوي على نقائص وأباطيل، ومع ذلك ففيها شهادة عن تعليم إلهي". ولا شكّ أنّ هذه" النقائص" والأباطيل هي تحريف بشري لا تتريل إلهي!! والاعتراف سيّد الأدلّة- كما يقال-!! وجاء الاعتراف الرسمي من الكنيسة الكاثوليكية، أيضا، في إقرارها لنشر الترجمة الانجليزية الحديثة" الكتاب المقدس الأمريكي الجديد =Bible =The New American التي قدّم لها البابا بولس السادس سنة 1970 م في الثامن عشر من سبتمبر، بل وثنائه على هذه الترجمة والموافقة على صيغتها. وظاهر مما جاء هذه الترجمة أنه قد تمّ حذف الكثير من النصوص التي كانت موجودة في التراجم السابقة للكتاب المقدس وخاصة الترجمة التقليدية" ترجمة الملك جيمس". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 كما طالعتنا وسائل الإعلام اليوم بهذا الخبر: " أصدرت الهيئة الكهنوتية في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وثيقة تعليمية تفيد أن بعض أجزاء الكتاب المقدس غير صحيحة. وحذّر الأساقفة الكاثوليك في بريطانيا وويلز واسكتلندا أتباعهم البالغين 5 ملايين وكل من يقرأ ويدرس الكتاب المقدس أن" عليهم ألا يتوقعوا دقة كاملة في الكتاب المقدس. " وأوردت صحيفة" التايمز" البريطانية، في عددها الصادر الاربعاء 5- 10- 2005، أن الأساقفة ذكروا في وثيقتهم المسماة" هبة الكتاب المقدس": " يجب علينا ألا نتوقع العثور على كلام علمي دقيق وإحكام تاريخي بالغ الدقة أو تام في الكتاب المقدس. " ويتزامن تقديم هذه الوثيقة مع النهوض المستمر لليمين المسيحي وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. ويطلب بعض المسيحيين التأويل الحرفي لقصة الخلق في سفر التكوين الذي يتم تعليمها مع نظرية النشوء والتطور ل" داروين"، معتقدين أنها نظرية جديرة بالتصديق حول كيفية نشوء العالم. وفصول سفر التكوين ال 11 التي تروي قصتين متناقضتين حول الخلق، هي من بين القصص التي يصر الأساقفة الكاثوليك على أنها لا يمكن أن تكون" تاريخية. " وتضيف الصحيفة أن الوثيقة تسرد موقف الكنيسة الكاثوليكية منذ القرن السابع عشر عند ما أدانت غاليليو واعتبرته" مهرطقا" لسخريته من اعتقاد كان سائدا آنذاك حول الوحي الإلهي للكتاب المقدس، وذلك بدفاعه عن وجهة نظر كوبرنيكوس حول النظام الشمسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 ويرى الأساقفة أن الإطلاع على الكتاب المقدس يجب أن يكون في ضوء معرفة أنه- أي الكتاب المقدس-" كلمة الله التي تم التعبير عنها في لغة بشرية. " ويقولون إن الكنيسة يجب أن تقدم الكتاب المقدس عبر طرق مناسبة للزمن المتغير وطرق ذكية وجذابة للناس الذين يعيشون في هذا العصر. ويتابعون: " الكتاب المقدس فيه فقرات صحيحة تتحدث عن تخليص الإنسان.. لكن يجب علينا ألا نتوقع دقة كاملة في الكتاب المقدس في مسائل دنيوية أخرى. " في جانب آخر، تذكر" التايمز" أيضا أن الوثيقة تدين الأصولية وذلك" للتعصب المفرط" محذرة من مخاطر جدية تحملها هذه الأصولية. ويذكر الأساقفة في وثيقتهم أن بعض الفقرات استخدمت كحجة لمناهضة السامية ومعاملة اليهود بازدراء واصفين هذه الفقرات أنها مثال على المبالغات المثيرة والتي أدت إلى نتائج مأساوية في التحريض على الكراهية. وفي نفس السياق، يرفض الأساقفة في وثيقتهم نبوءات سفر الرؤيا، آخر كتاب في الإنجيل المسيحي، والذي يصف كاتبه قيامة المسيح وموت البهيمة. ويعلق الأساقفة: " إن هذه اللغة الرمزية يجب أن تحترم لما هي عليه ولكن ليس لكي يتم تأويلها بشكل حرفي، كما يجب ألا نتوقع اكتشاف تفاصيل في هذا الكتاب حول نهاية العالم. " يذكر أن سفر الرؤيا هو السفر الأخير من أسفار العهد الجديد، وهو عبارة عن رؤيا منامية رآها يوحنا، حيث شاهد فيها حيوانات لها أجنحة وعيون من أمام، وعيون من وراء، وحيوانات لها قرون بداخل قرون، وشاهد فيها وحوشا تخرج من البحر لها 7 رؤوس و 10 قرون. وتختم صحيفة" التايمز" أن الأساقفة يذكرون في وثيقتهم أيضا أن الناس يتطلعون اليوم نحو الأشياء القابلة للتصديق والصحيحة والتي تكون جديرة بالاهتمام. " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 قلت: تأكيد الكنيسة على تحريف الكتاب المقدس، يفوق اليوم حماس المسلمين لإثبات هذا الأمر.. فتأمّل! شهادة البابا شنوده: وهي ذات أهمية خاصة لأنها متعلقة بالكنيسة الأرثودكسية (العربية) المعروفة بتشددها في إنكار الحقائق التي يرددها أئمة الدراسات النقدية في الغرب وإن كانت مقرونة بالأرقام والتواريخ والصور والخرائط: قال شنودة في شريط ذاع صيته في شبكة الانترنت، وقد سمعته بنفسي، وموضوعه: " الكتاب المقدس وتحديّات العصر"، وهو باللهجة العامية: " ... أول مشكلة تقابلنا هي الترجمات الكثيرة للكتاب المقدس وهذه الترجمات بينها وبين بعضها البعض فروق عديدة. جائز تكون فروق في اللغة أو في الألفاظ، ولكن مع ذلك تثير شكا عند كثيرين. وممكن ناس يقولو لنا هو ده كلام ربنا، وكل يوم تقولوا كلام تاني غير الأولاني. حكاية مش مضبوطة صدقوني لما بيجيني كتاب من اللي إسمه" كتاب الحياة" (قلت: هي أشهر ترجمة حديثة، وقد طبعت منها نسخ كثيرة جدا) ده وهو كتاب مقدس علشان أمضي عليه مبرضاش أمضي عليه مع أنه الكتاب المقدس لأني مش موافق على الترجمة الموجودة. إحنا مش معناها كل لما تطلع ترجمة في لبنان ننشرها في مصر، مصر بلاد متحفظة. كنيسة متحفظة إلى أبعد الحدود. كل يوم ترجمة دي مبتعجبناش يا ريت تستقروا على ترجمة ونمشي عليها (..) ولكن أرجو من دار الكتاب وأرجو ملحا في الاهتمام بالملاحظة الاتية: طلعتو طبعة جديدة للكتاب المقدس في أولها ملاحظات تقول دي مزيدة ودي ناقصة في بعض النسخ. طب ما الكلام ده يشكك يا جماعة، غير المسيحين يقوله علينا ايه، إنتو بتزيدو في الكتاب ويتنقصوا، ودي مش موجودة في نسخ ودي موجودة في حاجة تاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 يا ريت يا ريت إن القائمين على طبع الكتاب المقدس يفرقون تماما بين ما يقال في كليات اللاهوت وما يعطي للمؤمن العادي ليقرأه. المؤمن العادي يتعبه أنك تقوله أن دي مزيدة، ودي ناقصة، ودي موجودة، ومش موجودة في نسخ، الكتاب أيضا له شواهد فيه الحاجات دي ليس من نشأ المؤمنين أن يقال لهم هذا إنما هذا من نوع التشكيك. لما بيجيني كتاب مقدس من هذا النوع بارفض أمضي عليه، إحنا بنتعاون مع بعض في مسألة الكتاب المقدس وأكثر ناس بيخدوا منكم من دار الكتاب المقدس هم الكنيسة القبطية الارثوذكسية فيجب أن نراعي مشاعرها في هذه الطبعات، ما تلجؤناش إن إحنا نطبع الكتاب لوحدينا وما نتعاملش مع دار الكتاب، أنا آسف أقول ملاحظاتي. كان ممكن أبعتهالكم في جواب لكن الكتاب المقدس بيقول على يد كاتبين او ثلاثة تقام كل كلمة، خصوصا ان هذه الترجمات أحيانا تكون خلاف في اللفظ وأحيانا تكون خطأ فعلا ... " قلت: في كلام شنودة حقائق خطيرة جدا: 1- وجود ترجمات كثيرة للكتاب المقدس باللغة العربية. 2- هذه الترجمات العربية بينها خلاف شديد. 3- المطابع العربية لم تتوقف عن إصدار ترجمات جديدة مخالفة للترجمات الأقدم. 4- حذفت ترجمات عربية نصوصا معينة، ودافعت على فعلها بالأدلة العلمية. 5- الكنيسة القبطية الأرثودكسية التي يرأسها البابا شنودة، تشتري هذه الترجمات، التي تطعن في عصمة الكتاب المقدس، بصورة مكثّفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 6- الكنيسة القبطية الأرثودكسية، لم تستطع أن تردّ علميا على" الأخطاء" الذي وقعت فيها هذه التراجم. 7- الكنيسة القبطية الأرثودكسية، رغم إمكاناتها المالية الضخمة، لم تصدر إلى الآن ترجمة خالية من التحريف، وإنما اكتفى البابا شنودة بتهديد من يصدر التراجم المتداولة أنّه (شنودة) قد يصدر ترجمة خاصة بالكنيسة اعتراضا على التراجم الموجودة. 8- النقطة السابقة تدلّ على أنّ الكنيسة القبطية الأرثودكسية تعترف أنّ جميع التراجم الحالية قد أصابها التحريف. 9- أنكر البابا شنودة على دور الترجمة والنشر، إطلاعهم العوام على حقيقة عدم عصمة الكتاب المقدس، ورأى أن يقصر ذكر هذا الأمر على طلبة العلم. 10- اعترف البابا شنودة أنّ القضية التي تشغله هي إخراج حقيقة تحريف الكتاب المقدس إلى العوام، لا أنّ الحذف والتغيير في التراجم الحديثة هو خطيئة. 11- الحرج الذي أصاب شنودة، أساسه خشيته من أن يحرجه غير النصارى، عند ملاحظتهم للحذف والإضافة في" كلمة الله"! 12- اعترف البابا أنّ من التغييرات التي ظهرت في التراجم الحديثة، ما يغيّر المعنى، أي هو ليس مجرّد تغيير شكلي. 13- اتهم البابا مطابع لبنان، وفيها مراكز الطباعة الكبرى، بأنّها مطابع تحادّ كلمة الله! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 14- النقطة السابقة تمثّل طعنا صريحا في الكنائس العربية الأخرى، وخاصة الكنيسة المارونية، لأنّها لم تعترض على هذه التراجم ولأنّها تعتمدها بين رعاياها وفي عباداتها. 15- البابا شنودة ترك رعاياه يقرؤون نسخا محرفة للكتاب المقدّس، دون أن يتخّذ موقفا عمليا للقضاء على هذا التحريف! شهادة أئمة الدراسات الكتابية في الغرب: تقرّر المصادر الموسوعية، التي تمثّل زبدة الفكر الغربي، أنّ وقوع التحريف أمر يقيني، وتفصّل في هذا الأمر.. فتقول الموسوعة الأمريكية طبعة 1959 م المجلّد الثالث ص ص 615 وما بعدها: " لم تصلنا أيّ نسخة بخطّ المؤلف الأصلي لكتب العهد القديم، أمّا النصوص التي بين أيدينا فقد نقلتها إلينا أجيال عديدة من الكتبة والنساخ. ولدينا شواهد وفيرة تبين أنّ الكتبة قد غيّروا بقصد أو بدون قصد في الوثائق والأسفار التي كان عملهم الرئيسي هو كتابتها أو نقلها. وقد حدث التغيير بدون قصد حين أخطؤوا في قراءة أو سماع بعض الكلمات، أو في هجائها، أو أخطؤوا في التفريق بين ما يجب فصله من الكلمات وما يجب أن يكون تركيبا واحدا. كذلك فإنّهم كانوا ينسخون الكلمة أو السطر مرتين، وأحيانا ينسون كتابة كلمات بل فقرات بأكملها. وأما تغييرهم في النص الأصلي عن قصد فقد مارسوه مع فقرات بأكملها حين كانوا يتصوّرون أنها مكتوبة خطأ في صورتها التي بين أيديهم. كما كانوا يحذفون بعض الكلمات أو الفقرات، أو يزيدون على النصّ الأصلي فيضيفون فقرات توضيحية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وهكذا لا يوجد سبب يدعو للافتراض بأنّ وثائق العهد القديم لم تتعرّض للأنواع العادية من الفساد النسخي، على الأقل في الفترة التي سبقت اعتبارها أسفارا مقدّسة. لقد كتبت أسفار العهد القديم على طول الفترة من القرن 11 ق م إلى 1 ق م. وأخذ (العهد القديم) صورته النهائية في القرن الأول ميلادي. وعلى مدى القرون الطويلة التي كتبت فيها أسفار العهد القديم نجد أنّ نصوصه قد نسخت مرارا وأعيدت كتابتها باليد. ولقد حدثت أخطاء في عملية النسخ، وكان يحدث أحيانا أنّ بعض المواد التي كتبت على هامش النصّ تضاف إليه. ولقد أكّد اكتشاف وثائق البحر الميت ضرورة إدخال بعض التغييرات على النسخة العبرية الحديثة، في سفر إشعياء. " أما فيما يتعلّق بالعهد الجديد فقد جاء في الموسوعة البريطانية (الطبعة 12) المجلد الثالث ص 643 أنّه باستثناء الرسائل الأربع الكبرى لبولس فإنّ بقيّة أسفار العهد الجديد قد تعرّضت للأخذ والردّ والتحريف. من صور التحريف: لقد عبثت أيادي النساخ ورجال اللاهوت بأسفار" الكتاب المقدس" حتى نالت قلب العقيدة النصرانية بالتبديل والتحريف.. وكلنا يعلم ما أجمع عليه كبار النقاد من أنّ الحجة الوحيدة على كتابية عقيدة التثليث، وهي التي جاءت في رسالة يوحنا الأولى 5: 7: " فإن هناك ثلاثة شهود في السماء، الآب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد. " هي زيادة تحريفية في النص وهي كما جاء في التعليق المعروف على الكتاب المقدس =Peake s Commentary of the Bible =قد أدخلت في الرسالة الأولى ليوحنا في آخر القرن الرابع ميلادي. وقال المنصّر المعروف جون جلكرايست في ردّه على الشيخ أحمد ديدات، في كتابه" نعم الكتاب المقدس كلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الله": " ويظهر أنّ هذه الآية قد وضعت أولا كتعليق هامشي في إحدى الترجمات الأولى، ثم وبطريق الخطأ اعتبرها نسّاخ الإنجيل في وقت لاحق جزء من النص الأصلي. وقد حذفت هذه الآية من جميع الترجمات الحديثة، لأنّ النصوص الأكثر قدما لا تورد هذه الآية. " ووباء التحريف لم يقتصر تمدده إلى العقيدة بل انساح على جميع جوانب الدين النصراني، حتى الجانب العبادي فيها، وبالذات، الصلاة، التي يطالب النصارى بآدائها بصورة دورية ومكثّفة. إذ فضلا عن الاختلاف بين صورة الصلاة في إنجيل متّى 6: 9 13 ومقابلها في إنجيل لوقا 11: 2- 4، فإنّ التراجم الحديثة قد كشفت أنّ هذه الصلاة قد تعرّضت هي أيضا للتحريف (!!) فقد حذف من الصلاة من إنجيل متّى 6: 9- 13 في أهمّ التراجم الحديثة ك "=The New American Bible ="الكتاب المقدس الأمريكي الجديد": " لأنّ لك الملك والقوّة والمجد إلى الأبد. آمين" (العدد 13) . وقد تمّ هذا الحذف لغياب هذه الجملة في شواهد هامة ك I B D: أما الصلاة في إنجيل لوقا 11: 2- 4، فقد حذفت أهم التراجم الحديثة كالترجمة السابقة: " الذي في السماوات" و" لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض" (العدد 2) و" لكن نجّنا من الشرير" (العدد 4) . من التراجم الحديثة الأخرى التي حذفت هذه النصوص: " الترجمة القياسية المراجعة، =Standard Version =The Revised =و" الترجمة الإنجليزية الجديدة، English Translation "The New =و" الترجمة العالمية الجديدة ... =International Version =The New " ولا تغفل عما جاء في موسوعة الكتاب المقدس Biblica Encyclopeadia =Cheynes ص 2818 من أنّه قد تمّ تحريف" الصلاة" في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 إنجيل لوقا حتى توافق الصيغة الواردة في إنجيل متّى.. لتعلم أنّها" تحريفات بعضها فوق بعض". ولأنّ تحريف الصلوات صار" موضة" كنسية مباركة من الروح القدس (!) ، فقد نشرت في روما بتاريخ 31 آذار 1965 م، بموافقة البابا بولس السادس، تعديلات جديدة للصلوات الكاثوليكية أيام" الجمعة العظيم". وقد جاءت هذه التعديلات تنفيذا لروح وثيقة تبرئة اليهود من دم المسيح التي أقرّها المجمع في دورته الثالثة. فغيّرت عناوين عدد من الصلوات، فالصلاة التي كان عنوانها" صلاة لتنصير اليهود" أصبح عنوانها" صلاة اليهود"، وحذفت من الصلاة عبارة" المذنبين" أو" المخطئين" عند إشارتها إلى غير النصارى، وكلمتا" الظلمة" و" العمى" اللتان ترمزان إلى حال اليهود (أنيس القاسم، نحن والفاتيكان وإسرائيل، ص 65) .. والسؤال الذي نوجّهه الآن إلى كلّ نصراني لم يتكلّس عقله ولم يتلوّث قلبه ولم ينحر أشواق روحه إلى تنسّم فوائح الحقيقة..: أيصحّ في الأذهان القول بأنه من المحال تحريف بشارة بنبيّ لم يحن زمانه أو ظهر بين الناس وخالف فكرهم ومنهجهم..؟؟! الإجابة هي في المزيد من الأدلة التفصيلية على ثبوت التحريف الفاحش: قال صاحب كتاب" خواطر مسلم.."- محمد جلال كشك- ص ص 150- 153: " والإنجيل الحالي ليس فقط ثمرة عملية انتقاء، وبل وتعرض أيضا لعمليات تنقيح وتعديل وتبديل ومراجعة شاملة ومثيرة. فعلى سبيل المثال، اكتشف عام 1958 م البروفسير" مورتون سميث" من جامعة كولومبيا في دير قرب القدس، خطابا يحتوي على فصل مفقود من إنجيل مرقس". وهذا الجزء المختفي لم يفقد بل، ألغي عمدا بإيعاز إن لم يكن بإلحاح الأسقف كليمنت أسقف الإسكندرية وأحد أبرز آباء الكنيسة الأوائل. ويبدو أنّ كليمنت هذا، تسلّم خطابا من شخص يدعى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 تيودور، يشكو فيه جماعة غنوصية" الكربوكراتيين"، الذي لم يفهموا من الخطاب أنهم فسروا بعض الفقرات من إنجيل مرقس في ضوء مبادئهم، التي لم تكن تتفق مع فهم كليمنت أو تيودر هذا، الذي كان يهاجمهم وأبلغ عنهم كليمنت وفي الخطاب الذي عثر عليه البروفسور سمث ردّ عليه الأسقف بالتالي: قد فعلت خيرا بإخفاء تعاليمهم الخرساء ( ... ) مثل هؤلاء يجب معارضتهم بكلّ الوسائل، فحتى لو قالوا شيئا صحيحا فإنّ محبّ الحقيقة يجب أن لا يقرّهم حتى ولو كان متفقا مع قولهم. " (مع شيء من التصرف) وقد جاء في رسالة كليمنت: " وعند ما مات مرقس ترك" مؤلفاته" لكنيسة الاسكندرية. حيث لا تزال تحت حراسة شديدة، تقرأ فقط من قبل هؤلاء الذين تأهّلوا لقبول وفهم الأسرار الكبرى، ولكن بما أنّ الشياطين الخبيثة تهدف دائما إلى تدمير الجنس البشري لذلك فإنّ الكربو كراتيين بإيعاز من الشياطين، ومستخدمين الخداع، استطاعوا أن يستعبدوا أحد الكهنة في كنيسة الاسكندرية حصلوا منه على نسخة من الإنجيل السرّي (؟!) ثم عمدوا إلى تفسيرها وفقا لمعتقداتهم الدنسة الكافرة، بل وأيضا خلط الأكاذيب بلا حياء، بالكلمات المقدسة. " ويعلق المؤلفون المسيحيون (أصحاب الكتاب المثير" الدم المقدس والوعاء المقدس") : " وهكذا يعترف كلمينت بكلّ صراحة بوجود إنجيل سرّي معترف به أو موثوق به لمرقس. ثم يعطي تعليماته لتيودور لإنكار هذا الإنجيل..". قلت: إذن، الأمر لا يقتصر على حذف أو إضافة بعض الألفاظ والجمل.. بل هو يصل إلى إخفاء أسفار بأكملها! " من شبّ على شيء شاب عليه": إنّ المتتبع لعلاقة النصارى بأسفارهم ليقسم بالأيمان المغلّظة أنّ التحريف عند هؤلاء ليس فعلا يبحث عنه في الدراسات التاريخية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 القديمة، إنه ليس حدثا تاريخيا قد مضى وانقضى، وإنما هو" عادة" شبّ عليها النسّاخ والكتّاب والمترجمون ورجال الكنيسة، ورجال اللاهوت.. و" لكلّ فتى من دهره ما تعوّد". وقد باءت محاولات الكنيسة بالتطبّع بما ليس عندها بالفشل" والطبع يغلب التطبع"!! لقد عشّش فيروس التحريف في عقول الثالوثيين وفي قلوبهم وفي أطراف أصابعهم واستحكم أمره في ألياف أعصابهم ... إنّ ما نقرؤه هذه الأيام، ومنذ أيام، بل منذ شهور، بل منذ سنين وعقود وقرون من تحريفات متجددة للكتب المقدسة عند النصارى ليكشف الحالة الوبائية المستعصية التي وصلت إليها الكنائس.. ومن هذه الأخبار: جاء في أخبار الصحافة منذ فترة قصيرة أنّه" لتمثيل الحوار النصراني الكاثوليكي- اليهودي، ولنزع كل ما هو" معاد" لليهود، قام البابا بخطوة جريئة، وذلك بزيارته المعبد اليهودي" سيفوغا" في العاصمة روما، وطالب بإعادة تفسير العلاقة النصرانية- اليهودية بدء من إعادة دراسة الكتاب المقدس والعهد القديم والطقوس والشعائر والصلوات والتراتيل التي تمارس داخل الكنائس بقصد إعادة تأويلها بما يفيد تبرئة اليهود من" خطيئة قتل المسيح وصلبه" وإعادة صياغة التراث الكاثوليكي، والكتاب المقدس بما يناسب النظر إلى اليهود نظرة جديدة" أكثر تفاهما وأكثر تسامحا" والتأكيد على الأصول المشتركة بين الدينين. وأعلن الفاتيكان" أن توبة النصارى تجاه اليهود يجب أن تكون فردية وجذرية وشاملة، وأنه لا تكفي التصريحات الصحافية والمراجعات النقدية لمحو خطايا الماضي التي أدّت إلى المحرقة النازية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 وصرّح أحد أعضاء لجنة الصياغة لهذه الوثيقة لصحيفة الفاتيكان الرسمية" المراقب الروماني" أنّ الفاتيكان سيراجع ويعدّل عدة نصوص دينية في العهد الجديد لتحاملها على اليهود، كما سيتمّ تعديل في إنجيل متّى وقصة الحواريين برمّتها إرضاء لليهود!!! قال سهيل التغلبي، النصراني، في كتابه" الصهيونية تحرّف الإنجيل" ص ص 50- 80: " جرت في السنين الأخيرة محاولات كثيرة لتحريف الكتاب المقدّس، وكان أهمها مستوحى من الحركة الصهيونية ( ... ) . ومن أعوام عقد في مدينة سبليبريج في سويسرا مؤتمر اشترك فيه بعض رجال البدع المسيحية الجديدة المتطرفة مع فريق من ممثلي الهيئات الدينية اليهودية، وقرّر المجتمعون مكافحة أعداء اليهود في العالم المسيحي، وقرّروا أيضا حذف الآيات والفصول الواردة في الإنجيل بنوع أخصّ التي تصف اعتداء اليهود على السيد المسيح وصلبه ( ... ) " ولقد صدرت هذه الطبعة المحرفة لأسفار العهد الجديد عن" دار النشر اليهودية" بالقدس في عام 1970 م. تقول مقدمة الترجمة المحرّفة لأسفار العهد الجديد: " إنّ هذه الترجمة اليهودية والمعتمدة للعهد الجديد يمكن وصفها بأنها: العهد الجديد خاليا من معاداة السامية. " لّخص سهيل التغلبي خطّة التحريف في هذه الترجمة، في هذه النقاط: 1- محو كلمة" اليهود" من أسفار العهد الجديد، وهي الكلمة التي تكرّر ذكرها 159 مرة. ثم استبدالها بكلمات مختلفة تساعد على تمييع المسؤولية التي تكون قد علقت باليهود من جرّاء قول أو فعل نسبته إليهم تلك الأسفار. لذلك نجد كلمة" اليهود" قد محيت ثم استبدلت بكلمات أخرى مثل: مواطني ولاية اليهودية- وفيهم اليهود وغير اليهود- وهؤلاء قد أطلق عليهم" أهل اليهودية". كذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 استبدلت كلمة كلمة" الرعاع" أو" المنعزلين" أو" العامة" محلّ كلمة" اليهود"- بل إنّ هذه الكلمة استبدلت بكلمة" الوثنيين". 2- محو ما يتعلّق بالشعب اليهودي باعتباره جماعة دينية ترتبط ب" الناموس" و" المجمع" يقوم عليها الشيوخ و" رؤساء الكهنة" وتعرف بينها طوائف" الفرّيسيين" وجماعة" اللاويين". 3- التخلّص من كلمة" الصليب" وما يشتق منها وذلك بتحريفها إلى كلمات أخرى قد تقترب منها في المعنى أو لا تقترب على الاطلاق مثل وضع عبارة" خذه" أو" أبعده" أو" انفه" أو" اشنقه" مكان" اصلبه، صلبه". 4- تجنّب كلمة" القتل" وما يشتقّ منها، وذلك بوضع كلمات أخرى أقلّ منها حدّة مكانها ك" يدين" أو" ينفي" أو" يأخذ" أو" يضايق" أو" ينكر" أو" يقاوم". 5- محو الكلمات التي تلقي مسؤولية دم يسوع على اليهود وأولادهم من بعدهم، ووضع مكانها فقرات أخرى تحمّل المصلوب وزر دمه المرق. تحميل الرومان مسؤولية حادث الصلب بعد تخليص اليهود منه، وذلك بتحريف الفقرات التي تلصق المسؤولية باليهود، رغم صراحة الأناجيل في قولها إنّ بيلاطس أراد تخليص المسيح من مؤامرة اليهود، وانّه لمّا أصرّ اليهود على موقفهم، غسل يديه، وقال: " إنّي بريء من دم هذا البار. " تحريف الفقرات التي خاطب بها تلاميذ المسيح اليهود مباشرة وأدانوهم فيها لمواقفهم الإجرامية من المسيح، وذلك بتحويلها من صيغة ضمير المخاطب الحاضر إلى صيغة ضمير الغائب، من" أنتم" إلى" هم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وكانت حصيلة التحريف كما يقول سهيل التغلبي: إنجيل متّى: 91 تحريف. إنجيل مرقس: 52 تحريف. إنجيل لوقا: 73 تحريف. إنجيل يوحنا: 135 تحريف. أعمال الرسل: 165 تحريف. الرسالة إلى روما: 62 تحريف. الرسالة إلى كورنثوس: 17 تحريف ... " أصدر المركز المسيحي القبطي في مصر طبعة جديدة من الكتاب المقدس أطلق عليها إسم" ترجمة تفسيرية" وقد وجدت فيها بعض التحريفات عن بقية الطبعات المعتمدة مثل طبعة الكتاب المقدس المعتمدة من قبل مطران بيروت للكاثوليك أغناطيوس زيادة وطبعة نسخة الملك جيمس باللغة الانجليزية المعتمدة لدى الكنيسة البروتستانتية وطبعة الكتاب المقدس التي أصدرها الآباء اليسوعيين باللغة العربية وهي الطبعة التقليدية والشائعة الانتشار والمعتمدة لدى الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية في الشرق الأوسط. والغريب أن طبعة المركز القبطي حاولت تصحيح بعض الأخطاء والأرقام الواردة في الكتاب المقدس وتركت أخطاء أخرى دون تصحيح، فعلى سبيل المثال نجد أن العدد" أربعين" في سفر صموئيل الثاني (15: 7) هو عدد مغلوط فيه لأنّ فترة حكم داود كلها كانت أربعين سنة كما في سفر الملوك الأول (2: 11) فأبدلوا هذا العدد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وجعلوه في هذه الطبعة العدد" أربع"، والخطأ الآخر هو ما ورد في سفر الملوك الأول 15: 10 من أن إسم أم الملك أسا هو معكة بنت ابشالوم والصحيح هو أنها جدته أم أبيه كما في الفصل نفسه العدد 2 فعمدوا إلى تبديل كلمة" أمه" بكلمة" جدته"". قال الدكتور عبد الودود شلبي في كتابه" التزوير المقدس" ص 86: " تقوم مؤسسة" ريدرز دايجست" بإخراج طبعة جديدة من الكتاب المقدس تختصر منها خمسين في المئة من العهد الجديد وخمسة وعشرين في المئة من العهد القديم ... ! ومن أغرب الأخبار التي أذيعت حول هذه الطبعة المقترحة أنّ النساء في الولايات المتحدة يعترضن على الصلاة المسيحية التي تقول: " أبانا الذي في السموات ... " إذ يرون في هذا النص تفرقة بين المرأة والرجل.. فلماذا لا تبدأ الصلاة مثلا بيا.." أمنا" التي في السموات أيضا ... ؟! وقد اتفق القائمون على أمر هذه الطبعة أن تغير كلمة" أبانا" بكلمة" الخالق" حتى لا تثور المرأة ... ؟ " " ورد في صحيفة" واشنطن بوست" أنّ جمعية الكتاب المقدس الدولية أعلنت أنها سوف تصدر ترجمة جديدة للكتاب المقدس، تتسم ألفاظها بالحيادية في مخاطبة الرجل والمرأة- الجندر (النوع الاجتماعي) -، ويأتي ذلك بالرغم من الانتقادات السابقة لتلك الفكرة من قبل" المحافظين"، وتجري هذه التعديلات اللغوية على أكثر ترجمات الكتاب المقدس مبيعا في الأسواق الأمريكية وهي" الترجمة العالمية الجديدة =The New International Version ="ويشمل هذا التعديل استبدال الألفاظ التي تصلح لمخاطبة الجنسين، بالألفاظ التي تخاطب الذكور، وستعرف الترجمة المعدلة ب" ترجمة اليوم العالمية الجديدة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 يذكر أنّ مبيعات الترجمة الأصلية التي ستجري عليها التعليقات فاقت 150 مليون نسخة في جميع أنحاء العالم منذ 1978 م، وستظل مطروحة في الأسواق مع الترجمة الجديدة. وسوف تصدر الترجمة المعدلة للعهد الجديد فقط، في أبريل القادم، ومن المتوقع أن يصدر الكتاب المقدس كاملا في 2005 م. " تأتي الترجمة الحديثة لطبعة الكتاب المقدس لتلقى رواجا كبيرا في الولايات المتحدة، خالية من تحديد" الجنس اللفظي" بتجنب قصره دائما على المذكر، وإن احتفظت دائما بصيغة المذكر في الإشارة للذات الإلهية. ولكنها برغم ذلك أثارت ضجة كبيرة بين النصارى الناطقين باللغة الانجليزية. فالنسخة الجديدة تحول في العهد الجديد لفظ" الإخوة" إلى" الإخوة والأخوات"، و" أولاد الله" إلى" أبناء الله"، بما يحتمل المذكر والمؤنث معا. ولكنها تبقى كل إشارة إلى الله والسيد المسيح في صيغة المذكر دائما. وتنتقد مجموعات كنسية محافظة مثل" المجلس الكتابي للرجال والنساء" الترجمة الجديدة وتعتبرها معيبة وبمثابة تشويه لكلمة الله. ويقول الناشرون أنهم يسعون إلى مخاطبة جمهور ينتمي إلى عصر مختلف!!! كما تمّ تغيير كلمة" اليهود" إلى" زعماء اليهود" في المواضع التي لم يكن النص الأصلي يشير فيها إلى الشعب اليهودي ككل، بل لقادته- بزعمهم-!! يشار إلى أنه قد استخدمت صيغ محايدة أخرى من حيث التذكير والتأنيث بهذا المفهوم، للكتاب المقدس منذ سنوات عديدة، ومنها" الطبعة الموحدة المراجعة الجديدة" سنة 1989 م وطبعة" الكتاب المقدس لأورشليم الجديدة" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 الكاثوليكية اعتبارا من سنة 1985 م والنصوص التي يستخدمها اليهود المحدثون والإصلاحيون! قام مارتن لوثر بكتابة ترجمة ألمانية للكتاب المقدس، وطبعها أكثر من مرة في حياته. وقبل أن يتوفى، أوصى بألّا يغيّر أحد في هذه الترجمة لعلمه بحال القوم. وقد سبق أن حذف لوثر منها النص الوحيد الذي يدلّ على عقيدة التثليث في الكتاب المقدس: 1 يوحنا 5: 7، ولكن بعد وفاته حرّف من قاموا بإعادة طبع هذه الترجمة ما جاء في النسخة الأصلية، مرجعين هذا النص المحذوف إلى رسالة يوحنا وذلك في طبعة 1574 م التي قام بها أهل فرنكفورت، وطبعتا 1596 م و 1599 م لأهل وتنيرك، وطبعة 1596 م لأهل هيميرك!! قام المنصّرون سنة 1950 م بدعوة" الاسكيمو" إلى النصرانية، فلما قرأ الاسكيمو الأناجيل المتداولة" خبزنا كفانا" امتنعوا عن الطعام، حتى أهلكهم الإعياء، فتمّ سحب هذه الأناجيل، وجيء لهم بطبعة أحدث تحمل عبارات ذات مدلول أشمل من الخبز، حتى لا يموتوا جوعا!! ونختم هذا الحديث بما قرّره الدكتور بروس متزغر في مواضع متعددة من كتابه" نص العهد الجديد ... " في تفصيل أسباب التحريف، لخنق أنفاس الشك وفتح روزنة في جدار الإيمان العجائزي في عقل كلّ نصراني: تغييرات قصدية: 1- بسبب خطأ في الرؤية أو عدم اهتمام كاف بالمخطوطات الأصلية: تغيير الحروف ودمجها (مثال: الرسالة الثانية لبطرس 2: 13، 2: 18) . حذف كلمات بين جمل مكررة (مثال: الرسالة الأولى ليوحنا 2: 23) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 إضافة حروف خطأ بسبب التكرار (الرسالة الأولى إلى تسالونيكي 2: 7) . بسبب تشابه في النطق أو خطإ في النطق (مثال: متّى 11: 16، الرؤيا 1: 5، الرسالة إلى روما 1: 5) . 2- بسبب خطأ في التذكر أو التوقع: وضع مترادفات (مثال: متّى 2: 17، 10: 23) وضع الكلمات في ترتيبها الكلاسيكي في الاستعمال رغم عدم ورود الكلمات في المخطوطة المنقول منها على تلك الصورة (مثال: الرسالة إلى روما 1: 1، متّى 15: 1) . تغيير موضع الحروف من الكلمة مما يغير شكل الكلمة وبالتالي مقابلها في لغتها وحتما في اللغات الأخرى وهذا التحريف يشمل جميع أشكال التحريف السابقة واللاحقة (مثال: مرقس 14: 65) . إضافة كلمات من نصوص موازية (مثال: متّى 25: 7 من العددين 21 و 33) إضافة ضمائر، متوقعة (مثال: متّى 14: 15 وهو أمر تكرر كثيرا) 3- إدخال نصوص من الهوامش إلى المتن بزعم التصحيح، خطأ: إضافة هوامش مختصرة إلى المتن للتفسير (مثال: متّى 10: 3) . إضافة عظات دينية (الرسالة إلى روما 8: 1، 11: 6، متّى 27: 35) . إضافة تعليقات لها دلالات دينية وتعبدية (مثال لوقا 7: 31، متّى 6: 31) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 إضافة تعليقات تحيل إلى نصوص العهد القديم (مثال: لوقا 23: 38 من يوحنا 19: 20، الرسالة إلى العبرانيين 12: 20 من سفر الخروج 19: 13) . بسبب تأويلات باطلة لتصحيحات في الهامش (مثال: الرسالة إلى روما 6: 12) . تغييرات قصدية: 1- لجعل المعنى أكثر وضوحا (متّى 12: 35، 6: 4، 6) 2- لموائمة نصوص الأناجيل (مثال: متّى 19: 17* مرقس 10: 18) 3- إزالة صعوبات قد تحتاج إلى تفسير ممل (مثال: مرقس 1: 2: تغيير" كما قال إشعياء" إلى" كما قال الأنبياء".، يوحنا 1: 28: " بيت عنيا" غيّرت إلى" بيت بارا"، متّى 24: 36: حذف" ولا الابن") . 4- التأكيد على تعاليم مهمة، أو حمايتها: (مثال: لوقا 2: 33 جعلت كلمة" يوسف" مكان" أبوه"، لوقا 2: 43: حلّت" يوسف وأمه" محلّ" أبواه") 5- لإظهار أو ترويج عادات رهبانية (مرقس 9: 29: إضافة" الصوم" بعد" الصلاة") . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 شبهة: الحقيقة التي لا يجانبها منصف ولا يجتويها من من النار أعتق، هي أنّ عيسى هو ربّ للعالمين، وقد نزل ليخلّص الناس من خطيئة آدم، فتروله هو إعلان لنهاية التاريخ وختم الرسالات ونسخ النبوّات.. فكيف يزعم رغم ذلك أنّ محمدا (صلّى الله عليه وسلّم) قد بعث بعد رفع المسيح إلى السماء (عليه السلام) ، وأنه قد أتى بشريعة ناسخة لما سبقها، إنّ" الكتاب المقدس" لا يمكن أن يناقض نفسه فيقرّر الشيء وضدّه!! إنّ القبول بالبشارة بمحمد (صلى الله عليه وسلّم) في" الكتاب المقدس" يعني إهدار كفارة الربّ المخلّص والتفريط في المنحة المجّانيّة التي حبانا بها!! الردّ: إنّ هذه الشبهة مبنية على مجموعة من المغالطات" المعلوم من العقل بالضرورة" أنها أباطيل، بل أساطير عتيقة حرقها وهج العلم حتى صارت شوهاء منبوذة من ذوي النهى، وهي لا يراد منها الإسفار عن وجه الحقيقة أو خرق حجب الأباطيل، وإنما غاية الأمر عند" الشبهاتيين" هي محاولة التلبيس على الذين يريدون أن يردوا مورد الحقيقة لينالوا شربة لا ظمأ بعدها ولا أذى. إنّ هذه الشبهة تقوم على مقدمات يتصور النصارى، أو يزعمون، أنها حقائق لا يرقاها الشك ولا يملك لها نقبا.. وهي أنّ: 1- عيسى عليه السلام إله ربّ للعالمين! 2- وأنه قد صلب! 3- وأنّه مخلّص! 4- وأنّه قد نسخ شريعة التوراة بعمله الكفاري على الأرض!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 كما هو ملاحظ، فإنّ النصارى يبنون مقرراتهم على أرض متحركة مرتّجة لا يمكن أن يستقرّ عليها هدى أو يرتفع عليها بناء، وهو المنهج القديم المتجدد الذي يعتمد على التلبيس والتمويه وخداع القارئ بإيهامه ببداهة المقدمات ووضوح الأصول وثبات الأرضية، حتى أنّه ليقع في خلد العجل أنّ المسائل المذكورة هي محل يقين وإجماع بين النصارى وبين مخالفيهم!! وهاك البيان.. وعلى الله التكلان: 1- المسيح إله!؟ لقد أصبح الزعم بإلوهية المسيح أثرا بعد عين حتى في بلاد الغرب" النصراني"، بين المثقفين خاصة، بعد أن كان يستأثر بالأرض والهواء بسطوة الحرمان الكنسي من الجنة والإهمال البابوي للمهرطق في الجحيم، تحت تهديد النار والحديد والخازوق الأحد من النصل!، بل لقد لفظه كثير من رجال الكنيسة بعد أن أنفقوا بضع سنوات في الكليات اللاهوتية أين أخبروا أنّ ثقافة العامة المروّج لها في المواعظ الساخنة والصاخبة، وفي مدارس الأحد، ما هي إلا بضاعة كاسدة لا تروج إلا بين السوقة والعوام ولا مكان لها في منصات الدراسات الأكاديمية الجديّة. لقد ولّى المثقفون الغربيون بعيدا عن أسطورة ألوهية المسيح، بل وأضحى الخوض في موضوع صدق النصرانية بينهم علامة على طفولية، إن لم تكن جنينية، عقل المتحدّث، فالنصرانية بهذه الربوبية اليسوعية المزعومة أدنى من أن تكون مجال بحث بين أصحاب الشهادات وروّاد المكتبات!! أمّا في ما يتعلّق برجال الدين النصارى، فالأخبار تتتالى مؤكدة كفر الكثير منهم باللاهوتية المزعومة للمسيح!! .. خذ مثلا: صدور كتاب بعنوان" أسطورة الإله المتجسّد" الذي أثار ضجّة كبيرة، ووضع الكنيسة في حرج شديد، إذ أنّ مؤلفيه السبعة هم من كبار رجال الكهنوت وعلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 رأسهم القس موريس ويلز رئيس لجنة المعتقدات في كنيسة انجلترا، وأستاذ الإلهيات في جامعة أكسفورد. هؤلاء القساوسة أعلنوا في كتابهم ذاك، إنكارهم لأيّ قول في أسفار النصرانية يزعم أنّ عيسى قد أعلن أنه إله. وقد جاء في مجلة" الأبسرفور" الانجليزية تعليقا على هذا الكتاب الذي صدر سنة 1977 غ: " ... هناك أيضا علماء يناصرون، ولو من بعيد، ما ورد في الكتاب، ومن بينهم القس دافيد ادوارز من كنيسة وستمنستر". ثم أصدر ثمانية من علماء اللاهوت في بريطانيا كتابا اسموه" المسيح ليس ابن الله"، أكدوا فيه ما جاء في الكتاب الأول، وقالوا: " إن إمكانية تحول الإنسان إلى إله لم تعد بالشيء المعقول والمصدق به هذه الأيام. " ومن آخر ما كتب في هذا الباب ما خطته أنامل القسيس الأمريكي المتقاعد لنزو بريبل في كتابه الحديث: " اللاهوت مبسطا: الله، ابنه، وروحه، =God ,His Son ,and His Spirit Theology Simplified: "وقد جاء على غلافه" لماذا عقيدة التثليث غير معقولة ولا كتابية. إبطال كلّ حجج المثلثة. " جاء في صحيفة" التايمز" بتاريخ 24 مايو 1976 م: " غادرت 3500 راهبة أمريكية وظائفهن الدينية وفي بعض الأحيان غادرن الكنيسة نفسها، وكذلك الأمر بالنسبة لألف قس، وفيهم أساقفة بارزين، في هجرة كبيرة. بعضهم فعل ذلك صراحة للتزوّج، وآخرون بسبب خيبة أمل أو فقد الإيمان، وفريق آخر لاعتقاد أفراده أنه بإمكانهم خدمة الله والبشرية بصورة أكثر فاعلية في العالم المدني. "!! جاء في مجلة" التايمز" عدد 27 فبراير 1978 م في مقال طويل بأحرف كبيرة تحت عنوان: " جدل جديد حول ألوهية عيسى: =Debate Over Jesus Divinity =New " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 " ظهرت الكرستولوجيا (دراسة طبيعة المسيح) الجديدة في جامعة نجمجان، في هولندا، بين المفكّرين من الروم الكاثوليك، سنة 1966 م، عند ما أصدر الأغوسطيني المتأخر، أنسفريد هولسبوش، بيانا ضد مجمع الخلقديونية (الذي انعقد سنة 451 م) . وقد كتب أنّ الكنيسة يجب" ألا تتحدث من اليوم فصاعدا عن اتحاد الطبيعتين البشرية والإلهية في شخص له وجود قديم". واحد من قائدي التيار الألماني كان زميلا له في جامعة نجمجان، اليسوعي بييت شووننبرج. في كتابه الصادر سنة 1969 م، والصادر باللغة الإنجليزية تحت عنوان: " المسيح" (دار هردر وهردر، م 1971 م) ، أهمل مفهوم الطبيعتين، وتحدث بدلا عن ذلك عن" الوجود الكامل لله في الشخص البشري عيسى المسيح". اللاهوتي الكندي برنارد. ج. ف. لونرجان ذكر بعد ذلك أنّ كتاب شوننبرج من الممكن أن يقود إلى النتيجة المنطقية أنّ عيسى كان" إنسانا لا غير". الباحث الألماني الليبرالي الآخر هو دومينيكان ادوارد شلوبيكس، الذي سينشر له سيبوري أول مجلّد حول الكرستولوجيا باللغة الإنجليزية في آخر هذه السنة. وصف الكتاب الإهليجي (بيضاوي) ، عيسى على أنه كائن بشري ارتفع بصورة تدريجية إلى مرتبة قريبة من الله. بعض الكتابات الحديثة في فرنسا تعتبر أكثر جرأة. الدومينيكاني في المؤسسة الكاثوليكية في باريس، جاك بوهييه، قال: " في الآخر، انّه من الحماقة القول إنّ الله قد جعل نفسه بشرا. ليس بإمكان الله أن يكون غير الله". الأب بيير مادي بوود من مركز الدراسات اللاهوتية في كاين يعتقد أنّ القادة الأول للكنيسة كان عليهم أن" يقتلوا أبوهم عيسى" ليصلوا إلى النضج، في حين كتب الأب ميشال بنشون، صاحب صحيفة" عيسى"، حول تحرره من" العبادة الوثنية" لعيسى الذي" لم يقدّم نفسه كأزلي أو مطلق". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 في إسبانيا، جوزي رامون جيريرو، مدير التعليم الكاثوليكي في المؤسسة الرسولية بمدريد ومؤلف الكتاب الذي صدر سنة 1976 م" عيسى الآخر"، صرّح للتايمز أنّ عيسى هو" رجل مصطفى من الله ومرسل منه، وجعله الله ابنا له". في المدرسة اللاهوتية اليسوعية في برشلونا، أكّد جوزي إغناسيو جونزالوس فوس أنّ عيسى، في حياته الأرضية لم يكن منتبها إلى أنه إله (..) . نفس النقاط السابقة أثارها الباسكي الذي تعلّم في ألمانيا، جون سبرينو، الذي كتب أوسع دراسة حول طبيعة المسيح معتمدة على" اللاهوت التحرري" في أمريكا اللاتينية وستنشره مريكنول فاذرز أوربز بوكس باللغة الإنجليزية في جون بعنوان" الكريستولوجيا في مفترق الطرق". سوبرينو، هو يسوعي وأستاذ في جامعة جوزي سيمون كانس في السالفدور ( ... ) يعتقد أنّ عيسى عليه أن يتحمّل ثقل" تحول" نظرته لله". نشرت جريدة" الديلي نيوز" بتاريخ 25- 6- 1984 الخبر التالي: " حسب تقرير نشر اليوم، فإنّ أكثر من نصف أساقفة بريطانيا يقولون إنّ المسيحيين ليسوا مضطرين إلى أن يؤمنوا بأنّ عيسى كان إلها. لقد أظهر التصويت الذي جرى اليوم وشمل 31 أسقفا من أصل 39، أنّ أكثرية الأساقفة يعتقدون أنّ معجزات المسيح ومولده العذري والقيامة (من الموت) قد لا تكون حدثت كما جاءت في الأناجيل. الأساقفة الذي قالوا إنّه على المسيحيين أن يعتبروا المسيح إلها وإنسانا، كانوا 11 أسقفا فقط، بينما 19 أسقفا قالوا يكفي اعتبار المسيح رسولا عظيما لله، بينما رفض أسقف واحد أن يعطي رأيا محددا"!!!!؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 - التصريح العلني من أكبر الرموز النصرانية ببطلان دعوى ألوهية المسيح.. ففي مقابلة تلفزيونية جرت في إبريل 1984 م في بريطانيا، ذكر الأسقف دافيد جنكتر والذي يحتل المرتبة الرابعة بين تسعة وثلاثين أسقفا يمثلون هرم الكنيسة الأنجليكانية، أن ألوهية المسيح ليست حقيقة مسلما بها!!!؟ البابا بندكت السادس عشر (جوزيف رتزنغر) كتب في المقدمة الحديثة بتاريخ أبريل سنة 2000 م لكتابه "=Einfuhrung in das Christentum =مقدمة للنصرانية" الذي ألّفه سنة 1968 م، ص ص 20- 22 من الترجمة الانجليزية ": =Introduction to Christianity =العقيدة المسيحية تغيّرت بصورة راديكالية (متطرفة) ، خاصة في مقامين جوهريين في رسالتها الأساسية: (1) شخصية المسيح قد أوّلت بطريقة جديدة تماما، لا فقط بالرجوع إلى العقيدة، بل أيضا بالرجوع، بالضبط، إلى الأناجيل. الإيمان بأنّ المسيح هو الابن الوحيد لله، وأنّ الله يقيم بيننا حقا فيه كبشر، وأنّ الإنسان يسوع هو في الله للأبد، وأنه هو الله نفسه، وبالتالي فهو، ليس شخصية ظهر فيها الله، ولكن بالحري الإله الفرد الذي لا يستبدل- بهذه الطريقة قد ألغي هذا الإيمان. بدل من أن يكون المسيح الرجل الذي هو الله، أصبح المسيح المرء الذي جرّب الله بطريقة ما. إنّه امرء مستنير وبذلك ما عاد متميّزا بصورة أساسية عن بقية الأشخاص المستنيرين ( ... ) . (2) مفهوم الله تغيّر بصورة راديكالية. السؤال حول ما إذا كان الله يجب أن يعتبر كذات أم لا (قلت: أي كمفهوم أو فكرة مجرّدة) يبدو اليوم وأنّه يحمل أهميّة ثانوية. ما عاد بالإمكان ملاحظة خلاف جوهري بين الأشكال الدينية المؤمنة بالله وتلك غير المؤمنة به ... ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 انّ خلاصة قول البابا يمكن إجمالها في أنّ النصرانية اليوم تتفتت وتتشظّى وتترف ذاتيها وتتكسر حدودها لتنساب الأصول اللاهوتية في مسارات جديدة ومسارب بعيدة، ولا يمكن التخمين بنهايتها، بل لا يمكن ضبط أصولها ومنابعها! كما يعتبر كتاب البابا السابق نفسه، علامة على الحال البئيسة التي آلت إليها النصرانية، حيث كتب البابا مدخلا للنصرانية ضمّنه تفسيرا لعقيدة الإيمان النيقوي بأسلوب هلامي ونفس سفسطي يجعل القارئ يقطع أنّ هذا" المدخل" لم يكتب كمنفذ إلى النصرانية وإنما هو محاولة لمنطقة" المستحيل" بلا منطق، بل بأسلوب القفز المحموم الذي لا يمكن متابعته أو تعقّله.. إنّه كتاب يكشف حقا، سقوط الإيمان النصراني، بما فيه إلوهية المسيح المزعومة! ذكر الكاردينال دانييلو (الكاردينال مرتبة مباشرة بعد البابا) في بحث نشره في مجلة" دراسات" سنة 1967 م أنّ الجماعة المسيحية الأولى والمسماة في أيامنا ب" اليهودية- المسيحية"، والتي كانت إلى سنة 70 م تمثّل غالبيّة أتباع المسيح، كانت تعتقد بشرية المسيح، وأنّ" بولس ظلّ معزولا". وكان يعقوب هو الرئيس وكان معه في البداية بطرس ويوحنا. إنّ الأناجيل الكنسيّة نفسها لا تقرّر ربوبية- إلوهية ابن مريم عليهما السلام، ويكفي أن نستشهد في هذا السياق بقول لأحد رؤوس النصرانية فهو السيف الذي يمزّق ادعاءات المنصّرين: فقد قال يوحنا الدمشقي (676 م- 749 م) - وهو يعدّ أوّل رؤوس النصرانية الطاعنين في الإسلام حتى اعتبره الدكتور البدراوي زهران من رواد الاستشراق- وهو صاحب كتاب" محاورة مع مسلم" وكتاب" إرشادات النصارى في جدل المسلمين"، قال في ردّه على طوائف من النصارى أنكروا وضع الأيقونات في الكنائس لعدم ذكر جواز هذا الأمر في" الكتاب المقدس"، إنّ إلوهية المسيح لا يوجد لها ذكر هي أيضا في" الكتاب المقدس". ومع ذلك فالنصارى يعتقدون وجود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 هذه الألوهية ويجعلونها أسّ دينهم (وقد نقل قول يوحنا أصحاب كتاب" اسطورة الإله المتجسّد") !! إنه لا توجد شهادة واحدة تثبت أنّ أيا من معاصري المسيح كان يعتقد أنّ عيسى قد نسب نفسه إلى الإلوهية.. وقد جمع الفيلسوف السويسري بولس شميدل Paul Schmiedel مجموعة من النصوص في الأناجيل مما يراها أصلية، من الممكن أن تكون" اعمدة لتأسيس علم حقيقي لحياة عيسى"، وكانت كلّها تقدّم عيسى على أنه بشر لا إله! وكشف عن وثيقة نصرانية قديمة نشرت في جريدة" التايمز" في 15 يوليو 1966 م وتقول: إن مؤرخي الكنيسة يسلمون أن أكثر أتباع المسيح في السنوات التالية لوفاته اعتبروه مجرد نبي آخر لبني إسرائيل. وتقول دائرة المعارف الأمريكية: " لقد بدأت عقيدة التوحيد كحركة لاهوتية بداية مبكرة جدا في التاريخ أو في حقيقة الأمر فإنها تسبق عقيدة التثليث بالكثير من عشرات السنين"! وقد أنكر هذه الإلوهية الموهومة عدد كبير من كبار النصارى ك: أريجن (185 م- 254 م) ولوسيان (ت 312 م) وآريوس (250 م- 336 م) ومايكل سرفتوس (1511 م- 1553 م) وفرنسيس ديفيد (1510 م- 1579 م) وليليو فرنسيسكو سوزيني (1525 م- 1562 م) وفوستو باولو سوزيني (1539 م- 1604 م) وجون بيدل (1615 م- 1662 م) وها هم اليهود الأوائل لا يذكرون هذه الإلوهية المزعومة، فقد جاء في" موسوعة غرولير =Grolier Encyclopdia ="أنّ: " المصادر اليهودية المعتبرة تخبرنا أنه (أي عيسى) كان معلما يهوديا قد قتل بسبب الشعوذة وادعاء النبوة باطلا"!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 وذكر" هيام كوهن =Haim Cohn ="قاضي المحكمة العليا للكيان الصهيوني في كتابه" محاكمة عيسى وصلبه =The Trial and Death of Jesus ="الذي ألّفه في موضوع نقد القصة الإنجيلية للقبض على المسيح ومحاكمته وقتله في ضوء المعلومات المتاحة عن القوانين والإجراءات اليهودية والرومانية القديمة، ص 298 أنّ النص اليهودي التلمودي" باريثا"، الذي ربّما قد ألّف في النصف الأول من القرن الثاني ميلادي، قد قرّر أنّ عيسى قد حوكم بسبب ممارسته السحر (المعجزات) وبسبب تضليله بني إسرائيل"، كما نقل هيام كوهي عن جستين المسمى" جستين الشهيد" (المولود كما جاء في الموسوعة الكاثوليكية قرابة سنة 100) قوله في محاورته ل" تريفون جديكوس" أنّ اليهود كانوا ينظرون إلى عيسى على أنه ساحر. فمن أين للنصارى الزعم بإلوهية ابن مريم عليهما السلام؟!!! لقد خالفهم جميع المعاصرين للمسيح عليه السلام سواء كانوا أتباعا له أم أعداء أم محايدين!!! .. ولكن.. ما زال أئمة الكنيسة في زماننا يكررون الإسطوانة الممجوجة والشنشنة الموقوذة.. والتي يعبّر عنها أحد" الأقطاب الأبدال"، جوش مكوديل McDowell Josh في كتابه المعروف" البرهان الجديد الذي يطلب قرارات New Evidence That Demands Verdicts =The "في قوله: " يحتاج جوابك على سؤال" من هو المسيح؟ " إلى ذهن قوي متيقظ. إنّك لا تقدر أن تقول ببساطة إنّه معلّم عظيم وكفى، فهذا غير ممكن. إمّا أن يكون مضللا أو مجنونا أو إلها. ويجب أن تختار. "!!!! بل ويقول هذا المسكين الذي يحتلب البسطاء في الغرب أموالهم، أثناء المناقشة والردّ على الاحتمالات الثلاثة السابقة: " وأخيرا فلا بدّ أنّه (المسيح) كان أحمقا أيضا، لأنّ ادّعاء الألوهية هو الذي أفضى به إلى الصلب. ".. لا علم ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 أدب حتى أنّه يطرح احتمال: " الربّ يسوع، أأحمق هو! ".. بل دجل و" ثلاث ورقات" محترقة.. لأنّ الحق الذي يريد ماكدويل الفرار منه والتعمية عليه هو أنّ عيسى عليه السلام، بكلّ بساطة، نبي كموسى والمعمدان وإبراهيم.. عليهم السلام! ولعلّ أطرف وأعسر ما قيل في إثبات إلوهية المسيح، ما ادعاه حليم حسب الله في كتابه: " المسيح بين المعرفة والجهل" في ردّه على استدلال المعارضين لدعوى إلوهية المسيح، بقول المسيح نفسه على الصليب: " إلهي، إلهي، لماذا تركتني! " (إنجيل متّى 27: 46..) . فالعاقل يقول: " إنّ قول المسيح لغيره" إلهي" يعني أنّه هو بشر.."!! لقد قال حسب الله معترضا: " لا يا عزيزي، إنه ابن الله في كل وقت حتى في ساعة الألم لأن علاقته بالآب. لم تنقطع لحظة واحدة (!!؟) . ولكن النداء الذي كان يتفق مع موقفه كحامل الخطايا عن الإنسان على الصليب هو «إلهي إلهي» وليس أبي أبي، لأن الذي كان يتعامل معه في هذا الموقف هو الله القدوس الديان (؟؟!) ، والمسيح كان النائب عن البشر (؟؟!) الذي وضع الله عليه إثم جميعنا (إشعياء 53: 6) (؟؟!) . مع ملاحظة أن الآب لم يترك ابنه على الإطلاق بل بينما كان الابن يحتمل الآلام الكفارية على الصليب كان في نفس الوقت في حضن الآب (؟؟؟؟؟!) أي موضوع محبته وسروره كما هو مكتوب «أمّا الرب فسر (قلت: آآآآآآه) بأن يسحقه بالحزن، إذ جعل نفسه ذبيحة إثم» (إشعياء 53: 10) . كما يجب أن نلاحظ أن هذه الصرخة التي صرخها «إلهي إلهي لماذا تركتني» أعلنت أنه البار القدوس الطاهر (!!!!) ولكنه بسبب خطايا البشرية التي حملها في جسده بصفته النائب والبديل حجب الله وجهه (آآآآآآآآآآ هين) عنه لأنه قد صار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 ذبيحة خطية. وذبيحة إثم اقرأ (إشعياء 52: 13- 15، 53: 1- 6، 2 كورنثوس 5: 21، رومية 3: 21، 26، 1 بطرس 2: 22- 24) . " قلت: " خلطبيطة".. اللهم احفظ لنا عقولنا من حبوب الهلوسة و" الشخبطة"!! 2- المسيح قد صلب!؟ نقول ابتداء للذين يزعمون أنّ عيسى قد مات على الصليب: أثبتوا العرش ثمّ انقشوا!! أثبتوا الأمانة التاريخية للأناجيل في روايتها لقصة المسيح.. ثمّ تحدّثوا عن الصلب إن كان في الأناجيل حجة!! إنّ الثوابت العلمية اليوم عند الدارسين للأناجيل، تصرّح أنّ هذه الكتب غير جديرة بأن تكون مصدرا تاريخيا موثوقا فيه لمعرفة حياة المسيح.. بل إنّ كبار الباحثين الغربيين قد كشفوا زيف تاريخية يسوع الإنجيلي، ومن هؤلاء ماركوس بورغ Marcus Borg في جلّ كتبه التي تفرّغ فيها لبحث تاريخية" يسوع الإنجيلي"،، وجون دومينيك كروسان John Dominic Crossan في كتبه عموما، وخاصة في كتابه" عيسى التاريخي، =The Historical Jesus ="وأورل دهرتي Earl Doherty =في كتابه" لغز عيسى: هل بدأت المسيحية بمسيح أسطوري، A MyThical Christ ==The Jesus Puzzle:Did Christianity Begin With؟ وقبلهم أئمة النقد الحديث للكتاب المقدّس كألبرت شفايتزر، Albert Schweitzer وبرنارد فايس، Bernard Weiss ورودلف بولتمان..Rudolf Bultmann وقد قال الناقد الفرنسي البارز س. ج. كادو C.J.Cadoux ملخصا نتائج البحث عن" يسوع التاريخي في الأناجيل": " إنّ الأناجيل الأربعة مليئة بالشكوك والمستحيلات والخرافات"، وإنّ كل محاولة لفصل ما هو تاريخيا صحيح، عمّا هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 خرافة وأساطير فيها وإعادة كتابة رسالة المسيح الحقيقية، ونبذ ما هو مخالف لها، يعتبر اليوم أمرا مستحيلا. " (" حياة عيسى =The Life of Jesus ="ص ص 16- 17) . وقال الناقد ويرد Werde إنّ المسافة بين عيسى التاريخي ومسيح الكنيسة أصبحت عظيمة لدرجة أنّ أية وحدة بينهما أصبحت مستحيلة. إنّ الادعاء بصلب المسيح قد ذوى وأصابه البلاء، إذ قد تكاثرت الدلائل التاريخية على بطلانه، ومن هذه الدلائل اكتشاف مخطوطات أناجيل في نجع حمادي في مصر بعد الحرب العالمية الثانية وهي ثلاثة وخمسين نصا تقع في 1153 صفحة، ومن هذه النصوص ما تحدث عن نجاة المسيح، وأنه لم يصلب ولم يرد في هذه المخطوطات أي ذكر لمحاكمة المسيح وصلبه، بل جاء في إنجيل بطرس على لسان بطرس: " رأيته يبدو كأنهم يمسكون به، وقلت: " ما هذا الذي أراه يا سيد؟ هل هو أنت حقا من يأخذون؟ .. أم أنهم يدقون قدمي ويدي شخص آخر؟ .. قال لي المخلّص.. من يدخلون المسامير في يديه وقدميه هو البديل، فهم يضعون الذي بقي في شبهة في العار! انظر إليه، وانظر إليه. ". وفي مخطوطة أخرى من هذه المخطوطات وهي كتاب" سيت الأكبر" جاء على لسان المسيح: " كان شخص آخر، هو الذي شرب المرارة والخل، لم أكن أنا.. كان آخر الذي حمل الصليب فوق كتفيه، كان آخر هو الذي وضعوا تاج الشوك على رأسه. وكنت أنا مبتهجا في العلا.. أضحك لجهلهم. " وقال الناقد دنيس اريك نينهام، D.E.Nineham أستاذ اللاهوت بجامعة لندن، ورئيس تحرير سلسلة" بليكان" لتفسير الإنجيل، في كتابه" القديس مرقس =Saint Mark ="ص 422: " في الوقت الذي كتب فيه الإنجيل الرابع ( الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 100 م- 125 م) (المقصود: إنجيل يوحنا) كان الادعاء بأنّ سمعان قد حلّ محلّ يسوع وصلب بدلا عنه، لا يزال ساريا في الدوائر الغنوصية التي كانت لها الشهرة فيما بعد. " ولا يخفى على المطّلع على الدراسات النصرانية الحديثة، هلامية تهمة الانتماء للتيار الغنوصي وضبابية أصوله (إنجيل يوحنا نفسه مصنّف ضمن الأناجيل الغنوصية) ، ويكفي الباحث المعتدل القول أنّ قصة صلب سيمون محلّ المسيح قد تبنّاها الكثير من النصارى حتى بداية القرن الثاني ميلادي. من الفرق النصرانية القديمة التي أنكرت صلب المسيح: الباسيليديون والكورنثيون والكاربوكرايتون والساطرينوسية والماركيونية والبارديسيانية والسيرنثييون والبارسكاليونية والبولسية والماينسية، والتايتانيسيون والدوسيتية والمارسيونية والفلنطانيائية والهرمسيون. ومن أهم الفرق المنكرة لصلب المسيح الباسيليديون، الذين نقل عنهم كل من" سيوس" والمفسر" جورج سايل" القول بنجاة المسيح، وأن المصلوب هو سمعان القيرواني، وسماه بعضهم سيمون السيرناي. ومن الفرق التي قالت بصلب غير المسيح بدلا عنه: الكورنثيون والكربوكراتيون والسيرنثيون. يقول جورج سايل: " السيرنثيين والكربوكراتيين، وهما من أقدم فرق النصارى، قالا: إن المسيح نفسه لم يصلب ولم يقتل، وإنما صلب واحد من تلاميذه، يشبهه شبها تاما، وهناك الباسيليديون يعتقدون أن شخصا آخر صلب بدلا من المسيح. " 3- المسيح هو المخلّص!؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 الادعاء أنّ المسيح هو المخلّص الذي طهّر بدمه الإلهي، البشرية من أدران الخطيئة الأصلية الموروثة وأسقط بذلك العمل بالشريعة، باطل من نصوص الأسفار النصرانية المقدّسة ذاتها. فها هي التوراة تقرّر أنّ الشريعة الموسوية أبدية لا نهاية لها (ونحن هنا نبطل الزعم أنّ المسيح هو الذي نسخ بتروله على الأرض صلاحية الشريعة، وإن كنّا ننكر أبدية الشريعة الموسوية إذ أنّه قد نسختها الشريعة المحمدية، كما ننكر أبدية أسطورة الخلاص اليسوعي!!) . فقد جاء ذكر أبدية شريعة التوراة في سفر الخروج 27: 21، 43: 28، 29: 28، 30: 21، 31: 17، وسفر اللاويين 6: 18- 22، 7: 34، 36، 10: 9، 15، 17: 7.. وسفر العدد 10: 8، 15: 15.. وغيرها كثير!!!! ثمّ.. ها هو المسيح يقرّر أنّ الخلاص يوم القيامة لا يكون إلا بالتزام تطبيق أحكام الله التشريعية لمّا سأله أحد اليهود عن الطريق إلى نوال الحياة الأبدية فقال له: " ... إن أردت أن تدخل الحياة، فاحفظ الوصايا (متّى 17: 19) . " ليس كل من يقول لي: يا ربّ، يا ربّ! يدخل ملكوت السّماوات، بل من يعمل بإرادة أبي الّذي في السّماوات" (متّى 7: 21) . وها هو العهد الجديد يقرّر أنّ كلّ إنسان يحاسب على عمله ولا يحمل أحد وزر أحد: " إنّ الله يعاقب الذين ينغمسون في خطايا الدعارة والزنا" (الرسالة إلى العبرانيين 13: 4) " إنّ كلّ كلمة باطلة يتكلّم بها الناس، سوف يؤدون عنها الحساب في يوم الدينونة" (متّى 12: 36) ... وغيرها! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وهو ما قرّره أيضا العهد القديم: " لا يقتل الآباء عوضا عن الأبناء، ولا يقتل الأبناء بدلا من الآباء، فكلّ إنسان يتحمّل وزر نفسه" (تثنية 24: 16) " يكافأ البار ببرّه ويجازى الشرير بشرّه" (حزقيال 18: 20) " وفي تلك الأيّام لن يقول أحد: قد أكل الآباء الحصرم فضرست أسنان الأبناء، بل كلّ واحد يموت بإثمه، ومن يأكل حصرما تضرس أسنانه" (سفر إرمياء 31: 29- 30) . لقد أعلن الله في العهد القديم أنه هو المخلّص لا غيره: " لأني أنا هو الربّ إلهك، قدّوس إسرائيل مخلّصك، قد جعلت مصر فدية عنك وكوش وسبا عوضا عنك أنا هو الربّ، ولا مخلص غيري" (إشعياء 43: 3، 11) والربّ هو غافر الذنب في العهد القديم- وغفران الذنوب يعني فتح الباب على مصراعيه للمغفور له-: " أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي وخطاياك لا أذكرها" (إشعياء 43: 3، 11) " ونادى الربّ: «الربّ إله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الإحسان والوفاء. حافظ الإحسان إلى ألوف. غافر الإثم والمعصية والخطيّة" (خروج 34: 6- 7) " وأنت إله غفور وحنان ورحيم طويل الرّوح وكثير الرّحمة" (نحميا 9: 17) " طرحت وراء ظهرك كلّ خطاياي" (إشعياء 38: 17) . " لأني أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيّتهم بعد" (إرمياء 31: 34) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 ونضيف ردا على الزعم بأنّ الإيمان بيسوع الإله المخلّص يقتضي إنكار كلّ رسالة تالية لخلاص البشرية.. فنقول إنّ العهد الجديد نفسه يقرّر أنّ بعثة المسيح عليه السلام ليست هي نهاية النبوات، فقد جاء في متّى 7: 15- 17: " احذروا الأنبياء الدجّالين ( ... ) من ثمارهم تعرفونهم، هل يجنى من الشوك عنب، أو من العليق تين؟ ( ... ) كلّ شجرة جيّدة تثمر ثمرا جيدا، أمّا الثمرة الرديئة، فإنها تثمر ثمرا رديئا. " وهنا يحدّد المسيح الطريق إلى معرفة النبيّ الحقّ وتمييزه من الأنبياء الكذبة، مما يعني أنّ باب النبوّة لم يقفل، إذ لو أقفل لبطل معنى تحذير المسيح من الأنبياء الكذبة وتمييزه للنبي من الدجّال. وها هو الدكتور ميجيل ايرناندث، الذي قدّم بحثا في مؤتمر قرطبة الذي عقد في قرطبة بإسبانيا سنة 1977 بعنوان" الجذور الاجتماعية والسياسية للصورة المزيفة التي كوّنتها المسيحية عن النبي محمّد".. ها هو يقول في هذا البحث: " ( ... ) إنه لم يحدث أن قال نبيّ بصورة بيّنة وقاطعة أنّ عالم النبوّة قد أغلق. وفيما يتعلّق بالشعب اليهودي، فإنّ عالم النبوّة ما يزال مفتوحا ماداموا ينتظرون المسيح المخلّص. أما فيما يتعلّق بالمسيحية فإنّه لا يوجد أيّ تأكيد قطعي يدلّ على انتهاء عالم النبوّة. وأيّ قارئ لرسائل القديس بولس وآثار الحواريين وسفر الرؤيا يعلم ذلك جيدا. وفيما يتعلّق بي، فإنّ يقيني أنّ محمدا نبي لدرجة أنّي حاولت في دراسة لي، كتبت سنة 1968، أن أشرح أنّ محمدا كان نبيّا حقا من وجهة النظر الدينية المسيحية. " وهذا، Hanz أحد أكبر النقاد في الكنيسة الكاثوليكية وهو ممن يحظون باحترام كبير عند القوم- يقول: " تحدّث الله إلى الإنسان، عبر الإنسان: محمّد" (نقل هذه الشهادة المنصّر المهتدي إلى الإسلام غاري ميلر Gary miller في كتابه" القرآن المدهش. " (=The Amazing Quran الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 ثمّ نقول، إنّه لو صحّت هذه الشبهة المفتراة فإنّه يصبح من اللغو القول أنّ يوحنا المعمدان (يحي عليه السلام) نبيّ مرسل من عند الله، وتصبح دعوته عليه السلام بلا معنى وبلا هدف، فقد بعث المعمدان في نفس زمن بعثة المسيح عليه السلام. وقد بعث المعمدان داعيا إلى التوبة لمغفرة الخطايا. فهل غفل الإله الآب عن كونه قد بعث نبيا من أنبيائه داعيا إلى الخلاص عن طريق الكفّ عن مقارفة الآثام في نفس الوقت الذي" رمى" فيه ابنه على الأرض ليخلّص البشر عن طريق الإيمان بصلبه الكفّاري دون توبة عن الآثام!! بعثتان متصادمتان متضادتان من إله واحد.. سبحانك هذا بهتان عظيم!! 4- نسخ المسيح للشريعة!؟ الادعاء أنّ المسيح قد نسخ بعمله الفدائي شريعة التوراة لا يستقيم لأسباب عديدة، أهمها أنّ الأناجيل قد نصّت على أنّ المسيح ما بعث لينسخ شريعة موسى وإنما جاء ليتممها وليحافظ عليها: متّى 5: 17- 19: " لا تظنّوا أنّي جئت لألغي الشريعة أو الأنبياء. ما جئت لألغي، بل لأكمل فالحق أقول لكم: إلى أن تزول الأرض والسّماء، لن يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الشريعة، حتّى يتمّ كلّ شيء فأيّ من خالف واحدة من هذه الوصايا الصّغرى، وعلّم النّاس أن يفعلوا فعله، يدعى الأصغر في ملكوت السّماوات. وأمّا من عمل بها وعلّمها، فيدعى عظيما في ملكوت السّماوات. " لوقا 10: 25- 28: وتصدّى له أحد علماء الشريعة ليجربه، فقال: «يا معلم، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبديّة؟ "» فقال له: «ماذا كتب في الشريعة؟ وكيف تقرأها؟ " فأجاب: «أحبّ الرّبّ إلهك بكلّ قلبك وكلّ نفسك وكل قدرتك وكل فكرك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وأحبّ قريبك كنفسك" فقال له: «جوابك صحيح. فإن عملت بهذا، تحيا". متّى 22: 34- 40: ولكن لمّا سمع الفريسيّون أن يسوع أفحم الصّدوقيّين، اجتمعوا معا، وسأله واحد منهم، وهو من علماء الشريعة، يحاول أن يستدرجه: «يا معلم، ما هي الوصيّة العظمى في الشريعة؟» فأجابه: «أحبّ الربّ إلهك بكل قلبك وكلّ نفسك وكلّ فكرك! هذه هي الوصيّة العظمى الأولى والثانية مثلها: أحبّ قريبك كنفسك! بهاتين الوصيّتين تتعلّق الشريعة وكتب الأنبياء! " متّى 23: 23: " الويل لكم أيّها الكتبة والفريسيّون المراؤون! فإنّكم تؤدّون حتّى عشور النّعنع والشبث والكمّون، وقد أهملتم أهمّ ما في الشريعة: العدل والرّحمة والأمانة وكان يجب أن تفعلوا هذه ولا تغفلوا تلك. " لوقا 5: 12- 14: " وإذ كان يسوع في إحدى المدن، إذا إنسان يغطّي البرص حسمه، ما إن رأى يسوع حتى خرّ على وجهه وتوسّل إليه قائلا: «يا سيّد، إن شئت فأنت قادر أن تطهّرني". فمدّ يسوع يده ولمسه قائلا: «إنّي أريد، فاطهر!» وفي الحال زال عنه البرص. فأوصاه: «لا تخبر أحدا، بل اذهب واعرض نفسك على الكاهن، وقدم لقاء تطهيرك ما أمر به موسى، فيكون ذلك شهادة لهم. " لوقا 6: 1- 5: " وذات سبت مر يسوع بين الحقول، فأخذ تلاميذه يقطفون سنابل القمح ويفركونها بأيديهم ثمّ يأكلون ولكنّ بعض الفريسيّين قالوا لهم: «لماذا تفعلون ما لا يحلّ فعله في السّبت؟ " فردّ عليهم يسوع قائلا: «أما قرأتم ما فعله داود حينما جاع مع مرافقيه؟ كيف دخل بيت الله وأخذ خبز التقدمة وأكل منه، وأعطى مرافقيه، مع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 أن الأكل من هذا الخبز لا يحل إلّا للكهنة وحدهم؟ ثمّ قال لهم: «إنّ ابن الإنسان هو ربّ السّبت". وقد كان تلاميذ المسيح أيضا يتابعون شريعة موسى عليه السلام: فهم كانوا في كلّ حين في الهيكل. يسبحون الله ويمجّدونه ويعلمون الناس، حتى بعد قيامته: " وكانوا يذهبون دائما إلى الهيكل، حيث يسبّحون الله ويباركونه" (لوقا 24: 53) . حتى بعد أن امتلؤوا بالروح القدس: " ولمّا جاء اليوم الخمسون، كان الإخوة مجتمعين معا في مكان واحد، وفجأة حدث صوت من السّماء كأنّه دويّ ريح عاصفة، فملأ البيت الّذي كانوا جالسين فيه. ثمّ ظهرت لهم ألسنة كأنّها من نار، وقد توزّعت وحلّت على كل واحد منهم، فامتلأوا جميعا من الرّوح القدس، وأخذوا يتكلّمون بلغات أخرى، مثلما منحهم الرّوح أن ينطقوا" (أعمال الرسل 2: 1- 4) . وقد قرّر الباحث توم هاربر Tom Harpur في كتابه" من أجل المسيح Christs Sake =For "ص 35 أنّ: " جلّ دعوة المسيح كانت في شمالي مقاطعة إسرائيل، والجليل، وظاهر أنّ المسيح كان يعتقد أنّ دعوته موجّهة إلى اليهود، لا إلى العالم أجمع".. وقد شارك الباحث الحجّة س. ج. كادو C.J.Cadoux فيما كتبه، والنقاد المنضوون تحت لواء" ندوة عيسى =Jesus Seminar ="في كتابهم" الأناجيل الخمسة=The Five ".. Gospels = ص ص 24- 25، توم هاربر قوله.. وغيرهم كثير. والقول بقصر دعوة المسيح على بني إسرائيل يمنع إثبات ادعاء النصارى أنّ المسيح نسخ الشرائع السابقة ومنع ظهور شرائع جديدة، لأنّ دعوته غير عالمية وإنما هي منحصرة في طائفة بشرية صغيرة!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 شبهة: يقوم المسلمون، عنادا واستبدادا، في سبيل إثبات بشارة الكتاب المقدس بنبيّهم، بتحريف معاني نصوص العهد القديم، باترينها عن سباقها ولحاقها، مسقطين البشارات بعيسى (عليه السلام) على محمد (صلى الله عليه وسلّم) زاعمين أنّ محمدا (صلى الله عليه وسلّم) هو المبشّر به في أسفار الأنبياء الأوائل! الرد: لك الخير، لم نفسا عليك ذنوبها ... ودع لوم نفس ما عليك تليم وكيف ترى في عين صاحبك القذى ... ويخفى قذى عينيك وهو عظيم إنّ هذه الشبهة لو قلبت على النصارى ورموا هم بدائها لاستقام قوام الاعتراض ولا تضح المبطل من المحق والسقيم من السليم: إنّ حقيقة الأمر هي أنّ النصارى هم الذين حرّفوا البشارات المتعلّقة بمحمد صلى الله عليه وسلّم بحملها على عيسى عليه السلام حتى لكأنّ رسالة المسيح هي غاية الغايات ومنتهى الإرادات ومجمع الآمال والرغبات! وهاك الردّ مفصلا: أكثر أصحاب الأناجيل والرسائل من الزعم أنّ العهد القديم قد تنبّأ ببعثة المسيح، وزاد رجال الكنيسة في تضخيم هذا الادعاء فقالوا إنّ في العهد القديم مئات بل آلاف البشارات بالبعثة المسيحانية الخلاصية!! .. والمتتبع لما جاء ذكره في العهد الجديد عن هذه البشارات المزعومة، والتي بالغ صاحب" إنجيل متّى" في" توليدها" و" تفريخها" و" استنساخها" من العهد القديم، ليلاحظ أنّ الأمر لا يعدو أن يكون تقوّلا على" العهد القديم" وافتراء ظاهرا على نصوصه بإثقاله بمعان لا يمكن أن تصله بها صلة سياقية أو تاريخية، وهذا ما قطع به النقاد الغربيون والمسلمون على السواء. من النقاد الغربيين الذين تحدثوا في هذا الشأن رندل هاريس في كتابه" الشهادات" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 (سنة 1916، 1920) . وقد بيّن أنّ شهادات العهد القديم التي ذكرت تصريحا أو تلميحا في أسفار العهد الجديد يمكن، حسب رأيه، تصنيفها كالآتي: 1) فقرات يستشهد بها أكثر من كاتب من كتاب العهد الجديد، وتختلف نصوصها المنقولة عمّا في الترجمة الإغريقية لأسفار العهد القديم التي تعرف بالسبعينية، ما تختلف عمّا في النسخة العبرية. ومن النادر تحديد مصادر تلك الترجمة. 2) فقرات مركبة تظهر في أكثر من كتاب من كتب العهد الجديد وقد تكونت خليطا من فقرتين أو أكثر، ويرجح أنها عن مصدر خلطت فيه من قبل، ويبدو هذا واضحا من الأمثلة التي نجد فيها" أنّ الكاتب قد نقل خطأ فقرتين لمؤلفين مختلفين، ثم نسبهما لمؤلف واحد كما في إنجيل مرقس (1: 2- 5) الذي اقتبس فقرة مركبة وهي عبارة عن خليط من سفر ملاخي وإشعياء، ثم نسبها خطأ إلى إشعياء. إنّ هذا الخطأ يمكن أن يحدث بسهولة عند ما ينقل الكاتب شهاداته من مقتطفات أدبية لمؤلف خلط النبوءتين معا، ولا يحدث ذلك الخطأ لو كان الكاتب قد نقل عن السفرين المشار إليهما". 3) فقرات ارتبطت بكلمة متميزة أو فكرة مثل الفقرات التي تتكلم عن حجر، ومنها الحجر الذي رفضه البنّاؤون- حجر الزاوية- حجر عثرة، وهذه نقلت إلى أسفار العهد الجديد بتأويلات مختلفة. " وقال الدكتور روبرت كيل تسلر في كتابه" حقيقة الكتاب المقدس تحت مجهر علماء اللاهوت": " من التناقضات الكثيرة أيضا التي يحتويها الكتاب المقدس والتي لا تتفق مع العقل الذي يقول إن الله هو مؤلفه هي استشهادات العهد الجديد بجمل من العهد القديم لا توجد فيه، واستشهاده بجمل أخرى قيلت بصورة مغايرة تماما. " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وجاء في كتاب التفسير الحديث للكتاب المقدس (إنجيل متى) صفحة 31: " ولا شك أن ثمة اقتباسات أخرى كثيرة من العهد القديم، لكن هذه المجموعة تتميز بصيغتها الثابتة. وكلها، عدا واحدة فقط، لم ترد إلا في إنجيل متى. وإذا ما حذفنا الاقتباسات من كل هذه الحالات، لا تتأثر القصة على أى نحو، وهذا ما يوحي بأنها تعليقات أضيفت إلى القصة الموجودة.. ولقد أثير الكثير من الجدل بشأن مصدر صيغة الاقتباسات وأثرها. ومعظم الدارسين حاليا يعتبرونها إسهاما خاصا من متى أكثر من كونها عناصر تقليدية في قصة السيد المسيح. " وقال جون فنتون في تعليقه على إنجيل متى: ".. لقد استخدم متّى في إنجيله عشر مرات، صيغة يقدم بها للاستشهاد من العهد القديم، وهذه الصيغة تقول: وهذا كان لكي يتمّ ما قيل من الربّ بالنبيّ القائل. (انظر متّى 1: 22، 2: 15، 17، 23، 4: 14، 8: 17، 12: 17، 13: 35، 21: 4، 27: 9) إنّ هذه الشهادات التي قدّم لها متّى بتلك الصيغة، إنّما هي إضافات من عمل متّى لمصدره ونعني به إنجيل مرقس، وهي واحدة من أهمّ ما يتميّز به إنجيل متى. وبجانب ذلك فإنه توجد مواضع كثيرة في هذا الإنجيل نستطيع أن نجزم فيها بأنّ متّى كان يكتب وفي تفكيره إحدى فقرات العهد القديم، على الرغم من أنّه لم يشر إليها بصراحة. وعلى سبيل المثال فإنّ قول متّى: " أعطوه خلا ممزوجا بمرارة" (27: 34) ، يمكن مقارنته بما في المزمور الذي يقول: " يجعلون في طعامي علقما وفي عطشي يسقونني خلا" (69: 21) . ولو أنّ هذا يخالف نظيره في إنجيل مرقس: " وأعطوه خمرا ممزوجة بمرّ ليشرب" (15: 23) . إنّ الدراسة الحديثة للعهد القديم لا تؤيد مفهوم متّى لما فيه، كما أنّها لا توافقه على الفقرات التي استخرجها من أسفاره، عند ما كان يكتب إنجيله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 وقد أصبح واضحا الآن أنّ العهد القديم لم يكن تجميعا لتنبؤات أحداث المستقبل يمكن أن تفهم فقط بعد أن تمضي عدة قرون. " استعمل النصارى وسائل سخيفة وحيل مكشوفة لإيهام الناس أنّ العهد القديم قد أفاض في الحديث عن عيسى عليه السلام: مولده، صفاته، دعوته، صلبه، قيامته من الموت، رفعه إلى السماء، عودته إلى الأرض ... فما ترك صغيرة ولا كبيرة من حياته إلا وأتى على ذكرها حتى بلغ الأمر ب" عالم" نصراني بارز كالقس" هورن"، صاحب كتاب" مقدمة الدراسة النقدية والتعريف بالأسفار المقدسة"، أن ادعى أنّ الذين يشككون في الوجود التاريخي للمسيح ابن مريم في زمان هذا القس، حجّتهم داحضة لأنه بإمكان النصارى أن يثبتوا أنّ المسيح قد وجد وعاش على الأرض، فقط بما جاء عن خبره مفصلا في العهد القديم! من الوسائل التي استعملها القوم: اختراع أحداث تاريخية تجعل نصّ العهد القديم ينطبق على المسيح. تحريف نصّ العهد القديم نفسه ليوافق ما عرف عن عيسى. افتراض الطبيعة التنبئية في غير موضعها. اختراع نص في العهد القديم. تركيب نبوءة من نصوص متباعدة من أسفار مختلفة لتكون الولادة" قيصرية" قسرية ... !!! اختراع أحداث تاريخية: جاء في متّى 2: 16- 18: " وعند ما أدرك هيرودس أن المجوس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 سخروا منه، استولى عليه الغضب الشديد، فأرسل وقتل جميع الصّبيان في بيت لحم وجوارها، من ابن سنتين فما دون، بحسب زمن ظهور النّجم كما تحقّقه من المجوس. عندئذ تمّ ما قيل بلسان النّبي إرميا القائل: " صراخ سمع من الرّامة: بكاء ونحيب شديد! راحيل تبكي على أولادها، وتأبى أن تتعزّى، لأنّهم قد رحلوا. " لم يذكر أيّ من المؤرخين الذين عاشوا في القرن الأوّل ميلادي هذه المجزرة المزعومة.. وهذا أهم مؤرخي القرن الأول ميلادي، والمرجع التاريخي الأول للباحثين في تلك الفترة الزمنية، والذي يعترف له الباحثون النصارى بهذا المقام: " يوسيفوس"، والذي فصّل الحديث عن فلسطين وتاريخها، بل وأطنب في الحديث عن هيرودس في أربعين فصلا، لم يذكر شيئا عن هذه القصة الدموية التي لا يعقل مهما كانت الأسباب أن يتجاهلها مؤرخو القرن الأول ميلادي، بل هي حدث لا بدّ أن تؤرخ به الأحداث والوقائع السابقة واللاحقة. والأمر بالمثل مع المؤرخ كورنليوس تاسيتوس (110 م..Cornelius Tacitus (ولكنّ القصة مفتراة!!! من الاشكالات الأخرى في هذه النبوءة المزعومة: " النبوءة" المزعومة لا تطابق ألفاظها في سفر إرمياء 31: 15، ألفاظ إنجيل متّى 2: 18: الترجمة السبعينية" للنبوءة" في سفر إرمياء 31: 15: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 نص" النبوءة" في إنجيل متّى 2: 18 (والاختلاف بيّن) : أبرز اختلاف بين النصين: نصّ متّى يقول" تأبى أن تتعزّى" في حين يقول نصّ إرمياء يقول" تأبى أن تتوقف (عن البكاء) "!! قصة راحيل قد وقعت قبل ولادة المسيح بستة أو سبعة قرون! القصة المزعومة في إنجيل متّى، " وقعت" في بيت لحم لا الرامة المذكورة في سفر إرمياء. كيف سمع صوت النحيب والبكاء من الرامة رغم أنها تبعد عن بيت لحم أميالا لا أمتارا! لا يظهر من فعل راحيل، أو نص إرمياء، أنّ فعل راحيل له دلالة تنبئية! نصّ إرمياء يتحدّث عن شعب بني إسرائيل المشرّد في السبي، لا المقتول! تقع بيت لحم في أرض يهوذا (متّى 2: 6) وينسب أبناؤها إلى لينة الزوجة الأولى ليعقوب لا إلى راحيل الزوجة المفضلة عند يعقوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 - شعر حرّاس الكنيسة بسذاجة الكذبة التي حاول مؤلف إنجيل متّى تمريرها، فاعتذروا باعتذارات باردة أشد بلادة، و" ربّ عذر أقبح من ذنب" ... إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى ... إلى بعض ما فيه عليك مقال فقال جوش مكدويل، مثلا، في كتابه: " البرهان الجديد الذي يطلب قرارات": " يتكلم إرميا عن أحزان السبي في (إرميا 31: 17 و 18) ، فما صلة هذا بقتل هيرودس لأطفال بيت لحم؟ ترى هل أخطأ متّى فهم ما قصده إرميا (متى 2: 17 و 18) ، أم أن قتل الأطفال يشبه قتل أبرياء يهوذا وإسرائيل؟ يقول لايتش: كلا بكل يقين! إن الحديث في إرميا 30: 20 إلى 33: 26 حديث نبوي عن المسيا، وتتحدث الفصول الأربعة عن اقتراب خلاص الرب، وعن مجيء المسيا الذي سيقيم مملكة داود على عهد جديد أساسه مغفرة الخطايا (31: 31- 34) . وفي هذه المملكة ستجد كل نفس حزينة متعبة تعزيتها (أعداد 12- 14 و 25) . وكنموذج لهذا يعطي الله تعزية للأمهات اللاتي فقدن أطفالهن لأجل المسيح. ". (250 ,BCJ ,Laetsch) إذن، إنجيل متّى كان يعرض نموذجا.. داخل" فترينة"!!! تحريف النص المقتبس أ- جاء في متّى 13: 33- 35: " وضرب لهم مثلا آخر، قال: «يشبه ملكوت السّماوات يخميرة أخذتها امرأة وأخفتها في ثلاثة مقادير من الدّقيق، حتّى اختمر العجين كلّه". هذه الأمور كلّها كلّم بها يسوع الجموع بأمثال. ويغير مثل لم يكن يكلّمهم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 ليتمّ ما قيل بلسان النّبيّ القائل: «سأفتح فمي بأمثال، وأكشف ما كان مخفيّا منذ إنشاء العالم. " زعم مؤلف إنجيل متّى أنّ ما جاء في المزمور 78: 2 هو حديث عن عيسى عليه السلام.. ولكن بعد تحريفه: يقول المزمور 78: 2: " أفتح فمي بمثل وأنطق بألغاز قديمة جدا" كما ترى، لقد حرّف مؤلف إجيل متّى المزمور، فحوّل: " مثل" إلى" أمثال" " ألغاز قديمة جدا" إلى" ما كان مخفيا منذ إنشاء العالم"!! جملة قصيرة جدا، حرّفت تحريفا فاحشا.. على المكشوف.. ولكنّ عوام النصارى لا يقرؤون!!! من الاشكالات الأخرى المطروحة في هذه" النبوءة" ما جاء في تفسير آدم كلارك Adam Clark من أنّ العديد من المخطوطات تذكر اسم إشعياء باعتباره صاحب البشارة بالمسيح في العهد القديم في هذا النص، ويضيف آدم كلارك أنّ هذا خطأ ظاهر (ذكر إشعياء) ، ونقل عن جيروم قوله ربما كان اسم آساف (صاحب المزمور 78!) مذكورا في النص الأصلي، ولمّا رأى ناسخ جاهل اسم آساف وما عرفه، كتب اسم النبي إشعياء باعتباره صاحب" النبوءة"، فوقع في خطإ لمّا أراد أن يتلافى خطأ متوهما (بزعم كلارك) !! هذا التوجيه من آدم كلارك وجيروم، كما هو ظاهر، لا يستقيم. إذ أنّ ذكر" إشعياء" قد وقع في الكثير من المخطوطات، بالإضافة إلى أنّ ذلك قد كان في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 القرون الأولى للنصرانية فقد ذكره جيروم الذي ولد في منتصف القرن الرابع ميلادي.. فمتى تمّ إقحام اسم" إشعياء"؟؟! ب- جاء في إنجيل متّى 1: 22- 23: " وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: " هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا. " النص المقتبس من سفر إشعياء 7: 14 كما هو في التراجم العربية الحالية: " ولكن يعطيكم السيد نفسه آية ما العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل". نصّ إشعياء يذكر الكلمة العبرية" علما" أي" شابة".. لكنّ نصّ إنجيل يوحنا حوّلها إلى" عذراء" بيثولا" ليوائم حال مريم أمّ المسيح عليهما السلام. وقد استعملت التراجم اليونانية: أكيلا Aquila وسيماشوس Symachus وتيودوشين، Theodotion العبارة اليونانية" نيانس =neanis ="والتي تعني فتاة شابة لا عذراء! وقد أصلحت الكثير من التراجم الحديثة التحريف الذي لحق سفر إشعياء ليوائم التحريف المقصود الذي مارسه مؤلف إنجيل متّى، فعادت كلمة" شابة" مكان" عذراء" في: التراجم الإنجليزية: noisreV dradnatS desiveR ehT noisreV dradnatS desiveR weN ehT The New English Translation الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 The New Life Translation التراجم الفرنسية: La Bible De Semeur Louis Segond التراجم الإسبانية: Nueva Version Internacional وأنكر اليهود على النصارى منذ القرن الثاني تحريفهم للنص، كما هو ظاهر من إنكار تريفو اليهودي على جستين فيما نقله جستين نفسه في كتابه" المحاورة"! لخّص الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه" ميلاد المسيّا =The Birth of the Messiah ="ص 147 اعتراضات النقّاد على هذا الاقتباس في هذه النقاط: بشارة إشعياء متعلّقة بخلاص مملكة الملك آحاز من أعدائها، ومضمونها من المفروض أنّه قد وقع في زمان هذا النبيّ. الطفل المولود ليس هو المسيح، وان اختلف النقاد في تحديده، والراجح أنّه أمير داودي سيخلّص يهوذا من أعدائها. وقد نقل جستين (في حواره مع تريفو) عن اليهود في زمانه أنّ هذا الطفل هو حزقيا ابن الملك آحاز وخليفته. اليهود ما زعموا أبدا أنّ نص إشعياء هو بشارة ب" المسيح المنتظر".. ولم تظهر الطبيعة المسيانية في ذاك النص إلا على يد النصارى، رغم أنّ اليهود قد أسبغوا الصبغة المسيانية على الكثير من نصوص التوراة الأخرى! كلمة" علما" تستعمل لوصف الفتة الشابة التي بلغت سنّ الزواج، ولا تعني حرفيا" عذراء"! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 - وجود أداة التعريف" ال" في عبارة" الشابة"، يدلّ على أنّ هذه الفتاة كانت معلومة لدى إشعياء وآحاز، وربما هي فتاة تزوجها آحاز حديثا. وكخلاصة، يقول، ريموند براون: " فإنّ النص العبري لإشعياء 7: 14 لا يشير إلى ميلاد عذري في المستقبل البعيد. " قلت.. أيضا: لا ذكر" للمسيح" في هذه القصة. لم يسمّ المسيح من معاصريه ب" عمانوئيل"، بل تقول الأناجيل إنّه سمّي" يسوع". جاءت ترجمة إشعياء 7: 14 في" الترجمة الإنجليزية الجديدة: =English Translation The New = = you, young woman, you will name him= Immanuel= : ".. أنت، أيتها المرأة الشابة، ستسمّيه عمانويل. ".. وما سمّت مريم يسوع ب" عمانويل"! يزعم النصارى أنّ المسيح إله، في حين أنّ البشارة في سفر إشعياء تخبر عن ترقّي هذا الطفل المولود في معرفة الخير والشرّ، وهو ما لا يتّسق مع صفات الإله. ت- جاء في إنجيل متّى 2: 3- 6: " فلما سمع هيردوس الملك اضطرب وجميع أورشليم معه. فجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم أين يولد المسيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 فقالوا له في بيت لحم اليهودية لانه هكذا مكتوب بالنبي: " وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل. " نص متّى يشير إلى سفر ميخا 5: 2: " أما أنت يا بيت لحم أفراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على اسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل. " حذف مؤلف إنجيل متّى كلمة" أفراته". حوّل" أنت صغيرة" إلى" لست صغيرة". حوّل ألوف (يهوذا) إلى رؤساء (يهوذا) . وقد قال الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه" ميلاد المسيّا =The Birth of The Messiah ="ص 184 إنّ اقتباس متّى يتمثل في الجمع بين نصين: ميخا 5: 1 وصموئيل الثاني 5: 2 (" وفي الأيام الغابرة عند ما كان شاول ملكا علينا كنت أنت قائدنا في المعارك، وقد قال الربّ لك: " أنت ترعى شعبي إسرائيل وتتولى حكمه") ، وأضاف أنّ: " الاقتباس المدمج (أي ميخا 5: 1 وصموئيل الثاني 5: 2) لا يعكس بالضبط النصوص العبرية القياسية ولا اليونانية القياسية. ". ونقل بعد ذلك النصوص: نص متّى: = And you, O Bethlehem (in the) land of Judah, الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 who will shepherd my people israel. =for from you will come forth a ruler (hegoumenos) are by no means least among the rulers (hegemon) of Judah ; " وأنت يا بيت لحم (في) أرض يهوذا، لست الصغرى بين رؤساء (هجيمون) يهوذا، لأن منك يخرج حاكم (هيجومنوس) سيرعى شعبي إسرائيل". النص اليوناني: = And you, O Bethlehem, House of Ephrathah, Are too small to be among the thousands (chilias) of JudaH; From you there will come forth for me a leader (archon) of Israel= = you will shepherd my peopl Israel= . " أما أنت، يا بيت لحم، بيت أفراتة، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف (شيلياس) يهوذا، فمنك سيخرج لي الذي يكون قائدا (أركون) اسرائيل. " " أنت سترعى شعبي إسرائيل". النص العبري: = And you, O Bethlehem Ephrathah, الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 Small to be among the clans (Literally ,=thousands =) of Judah ; From you there will come forth for me one who is to be a ruler in Israel,= = you will shepherd my people israel,= " أما أنت، يا بيت لحم أفراتة، وأنت صغيرة أن تكوني بين عشائر (حرفيا و" ألوف") يهوذا، فمنك سيخرج لي الذي يكون قائدا في إسرائيل. " " أنت سترعى شعبي إسرائيل". من الاشكالات الأخرى في هذه البشارة المزعومة: يتحدث ميخا في النص المقتبس عن شخص يظهر من سلالة أصلها من بيت لحم ينقذهم من الآشوريين الذين ما عاد لهم وجود في فلسطين زمن المسيح! ميخا 5: 6 يقول: " فبرعون أرض أشور بالسيف وأرض نمرود في أبوابها فينقذ من أشور إذا دخل أرضنا وإذا داس تخومنا". ويسوع لم يحارب الأشوريين ولم يذد عن فلسطين بالسيف. نص ميخا يتحدّث عن قبيلة أصلها من بيت لحم (ويظهر الأمر بوضوح في الترجمة السبعينية) لا عن منطقة اسمها بيت لحم كما هو فهم مؤلف إنجيل متّى. القول إنّ" بيت لحم" في ميخا يقصد بها مدينة لا قبيلة، يجعلنا نسأل: " وهل يوجد في يهوذا ألوف المدن؟!!! " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 - لو كان يسوع من بيت لحم لسمّي ولو مرة واحدة" يسوع البيتلحمي".. علما بأنّ والد داود قد سمّي" البيتلحمي" كما هو في سفر صموئيل الأول 16: 1. نسب يسوع إلى الجليل لا إلى بيت لحم في أكثر من موضع في الأناجيل: متّى 26: 69، 21: 11، لوقا 23: 6 ... نصّ ميخا لا يشير إلى الأزل وإنما يشير فقط إلى التاريخ القديم الذي له بداية، فلفظة" أولام""" تعني أزمنة قديمة ولا تعني الأزل، ومما يؤكد هذه الحقيقة أنّ هذه الكلمة قد عرّبت في سفر التثنية 32: 7 على أنّها تعني" أيام القدم": " أذكر أيام القدم وتأمّلوا سني دور فدور اسأل أباك فيخبرك وشيوخك فيقولوا لك. " ويسوع في المعتقد الكنسي إله أزلي لا كائن حادث! افتراض الطبيعة التنبئية: إنجيل متّى 2: 15: " وكان هناك إلى وفاة هيرودس لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر دعوت ابني. " نصّ إنجيل متّى يشير إلى سفر هوشع 11: 1: " لما كان اسرائيل غلاما احببته ومن مصر دعوت ابني. " نصّ هوشع يتحدّث صراحة عن بني إسرائيل، كما هو ظاهر من السياق ومن الكلام التالي، لكنّ صاحب الإنجيل جعل الحديث: نبوءة، وألصقه بالمسيح. والغرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 من هذا الصنيع هو جعل عيسى عليه السلام مثل موسى، وذلك لأن موسى خرج ببنى إسرائيل من مصر قبل أن يبدأ أخطر مراحل دعوته، وكذلك يسوع فعل! النصوص كما نقلها الأب الكاثوليكي ريموند براون Raymond Brown في كتابه" ميلاد المسيّا =The Birth of The Messiah ="ص 220: متّى 2: 15: = Out of Egypt have I called (Kalein) my son (huios) = " من مصر ناديت (كلين) ابني" النص اليوناني: = Out of Egypt have I summoned (metakalein) his children (tekna) . " من مصر استدعيت (متكلين) ابناؤه (تكنا) . " النص العبري: = From (or out of) Egypt have I called my son= " من (أو من خارج) مصر ناديت ابني. " لاحظ أنّ مؤلف إنجيل متّى قد ترك النص اليوناني السبعيني للعهد القديم الذي كان ينقل عنه في الأغلب، إلى النص العبري أو أحد تراجمه اليونانية، لأنّ النص اليوناني السبعيني لا يمكن أن يسخّر لهدفه!!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وعلى كلّ، وكما هو قول ريموند براون (ص ص 219- 220) وغيره، فالسياق متعلّق باسرائيل لا بيسوع، والنص اليوناني السبعيني يؤكد أنّ اليهود لم يفهموه إلا على هذه الصورة! - اختراع نصّ في العهد القديم: جاء في إنجيل متّى 2: 23: " فوصل بلدة تسمّى «النّاصرة» وسكن فيها، ليتمّ ما قيل بلسان الأنبياء إنّه سيدعى ناصريّا. " اعترف كبار المفسرين النصارى بعدم ورود هذه النبوءة في العهد القديم.. وقال بعضهم أنّ هذه البشارة كانت موجودة في العهد القديم وقام اليهود بحذفها.. وما يهمنا في هذا الادعاء هو اعترافه بعدم وجود هذه البشارة في العهد القديم اليوم!! جاء هذا الاعتراف في كثير من المراجع النصرانية، ومنها: التعليق على ترجمة" الكتاب المقدس الأمريكي الجديد =American Bible =The New =ص 1012: " مدينة الناصرة لم تذكر في العهد القديم، ولا توجد نبوءة كهذه فيه. العبارة الغامضة" بلسان الأنبياء" ربما تعود إلى اعتقاد متّى وجود صلة بين الناصرة وبعض النصوص التي فيها كلمات تشابه بصورة بعيدة اسم تلك المدينة..". قال حليم حسب الله في كتابه: " المسيح بين المعرفة والجهل": " إن الآية الواردة في (متى 2: 23) نصها كالآتي: «وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة لكي يتم ما قيل بالأنبياء أنه سيدعى ناصريا» ومع أنه قيل لكي يتم ما قيل بالأنبياء لكننا بالبحث لا نجد بحصر اللفظ نبوة تقول إنه «سيدعى ناصريا» . " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 - قال المنصّر الأمريكي في الشرق الأوسط، بنيامين بنكرتن، في تعليقه على إنجيل متّى: " مدينة الناصرة ليست مذكورة في التوراة. " جاء في هامش الترجمتين الألمانيتين =Zurcher Bible =طبعة 1982 و =729087531nheitsubersetzung =طبعة 1990: " إنّ مثل هذه النبوءة لا وجود لها في الكتاب المقدّس كلّه. " قال وليم باركلى فى تفسيره لإنجيل متّى ص 37: " وهذه النبوة تواجه المفسرين بصعوبة كبيرة، ذلك لأنه لا توجد آية في العهد القديم بهذا المعنى- وحتى مدينة الناصرة نفسها غير مذكورة على الاطلاق فى العهد القديم. ولم يوجد حل كاف لهذه المشكلة. " قال المعلقون على ترجمة دار المشرق: " يصعب علينا أن نعرف بدقة ما هو النص الذي يستند إليه متّى. " ذكر جون فنتون عميد كليّة اللاهوت بليتشفيلد بإنجلترا في كتابه: " تفسير إنجيل متّى" ص 51 أنّ النقاد متفقون على" أنّ مصدر هذه النبوءة غير معلوم"!! قال الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه" ميلاد المسيّا =The Birth of The Messiah ="ص 223: " سيدعى ناصريا، هو أصعب اقتباس في الإنجيل، إذ أنّه ليس هناك خلاف أنّه غير مرتبط بنصّ معلوم. " ومع تلك الشهادات، نقول: إنّ الحقائق التاريخية كلّها تقف ضد تاريخية" ناصرة" القرن الأول ميلادي، من ذلك: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 - جاء في موسوعة بورداس Bordas أنّه ما من نصّ يهودي قديم يذكر مدينة" الناصرة" قبل القرن الثاني ميلادي. وقول هذه الموسوعة" نص يهودي" يشمل العهد القديم وغيره من الكتب المقدسة وغير المقدسة..!! سفر يشوع الذي يذكر أين استقر سبط زبولون، يذكر 12 مدينة و 6 قرى، ولا يذكر" الناصرة"! التلمود، رغم أنّه ذكر 63 مدينة جليلية، لم يشر إلى" الناصرة". بولس، صاحب الجزء الأكبر من أسفار العهد الجديد، لم يذكر الناصرة! يذكر أنه لم يشر أيّ مؤرخ أو جغرافي إلى" الناصرة" قبل القرن الرابع ميلادي! رحلة الحج النصرانية التي تعود إلى القرن الرابع ميلادي، والتي تذكر المناطق التي يمرّ عبرها الحاج، على مدى أميال كثيرة، مخلّدة ذكرى أعمال المسيح والأنبياء في فلسطين، لا تذكر الناصرة!!!. وهذه هي خريطة هذه الرحلة التعبديّة الطويلة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 ولعلّ أصل كلمة" الناصرة" هو من كلمة" الحقيقة". ولا علاقة ل" ناصرة" متّى بمنطقة تسمى بهذا الاسم، ومما يؤيد هذا القول ما جاء في إنجيل فيليب الذي ترفضه الكنيسة (الترجمة الإنجليزية ضمن كتاب" مكتبة نجع حمادي =Hammadi Library =The Nag "لجيمس م. روبنسونJames M. Robinson ص 147 (الطبعة المراجعة) : = The apostles who were before us had these names for him:= Jesus, the Nazorean, missiah ". =Nazara =is =the Truth =) ... ("، the Nazarene= "then ,is =the Truth =، الرسل الذين كانوا قبلنا سمّوه بهذه الأسماء: " يسوع، الناصري، مسيّا ( ... ) " نصارى" هي" الحقيقة". " ناصري" هي إذن" الحقيقة". إنّه، إذن، خطأ اخترعت منه نبوءة مسيانية!!!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 - تركيب نص من طرف مؤلف الإنجيل: أ- جاء في مرقس 1: 2- 3: " كما كتب في كتاب إشعياء: «ها أنا أرسل قدامك رسولي الّذي يعد لك الطّريق؛" صوت مناد في البريّة: أعدّوا طريق الربّ، واجعلوا سبله مستقيمة. " تتكوّن هذه" النبوءة" من جزأين: " صوت مناد في البرية، أعدّوا طريق الربّ واجعلوا سبله مستقيمة"، وهذا الجزء من من سفر إشعياء 40: 3. و" ها أنا أرسل قدّامك رسولي الذي يعدّ لك الطريق"، وهو من سفر ملاخي 3: 1.. وللعلم فإنّ الكثير من المخطوطات القديمة قد حذفت كلمة" إشعياء" من نصّ مرقس كما هو منقول في" الترجمة الإنجليزية الإنجليزية) =Translation =The New English "ومن هذه المخطوطات (A E F G H P W S: للحرج الشديد الذي أحدثته هذه الكلمة للنصارى، إذ كشفت أنّ مؤلف إنجيل مرقس مزوّر محترف!! إذن هي ليست نبوءة من عند إشعياء، وإنما هي نبوءة مركّبة من طرف مؤلف إنجيل مرقس. وقد ذكر آدم كلارك في تعليقه على هذا النصّ أنّ أحد المخطوطات السريانية تذكر إشعياء وملاخي!! ب- جاء في إنجيل متّى 2: 4- 6: " فجمع إليه رؤساء كهنة اليهود وكتبتهم جميعا، واستفسر منهم أين يولد المسيح. فأجابوه: «في بيت لحم باليهوديّة، فقد جاء في الكتاب على لسان النّبيّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 " وأنت يا بيت لحم بأرض يهوذا، لست صغيرة الشأن أبدا بين حكّام يهوذا، لأنّه منك يطلع الحاكم الّذي يرعى شعبي إسرائيل" علّق جون فنتون في كتابه" القدّيس متّى" ص 46 على هذا الاستنباط، بقوله: " إنّ النبوءة من سفر ميخا 5: 2، لكنها ليست في الترجمة السبعينية الإغريقية، كما أنّها ليست ترجمة صادقة عن النص العبري (ويستطيع القارئ ملاحظة ذلك بسهولة) ومن المحتمل أن يكون سفر صموئيل الثاني 5: 2 قد ضمّ إلى نبوءة ميخا"!!!؟ وقال إدوارد شفايتزر فى تفسيره لإنجيل متّى ص 17: " وبالنسبة لاستشهاده بميخا، فهو يشير في اليهودية إلى المسيا، وأقحم أيضا في التراجم إلى الأرامية، كما أنّه لا توجد كلمة" أرض يهوذا" فى النص العبراني ولا فى النص اليوناني، ويمكن أن يكون مصدرها هو متى نفسه. وكذلك أخطأ متّى فى قراءة" لست الصّغرى"، بينما هى فى العهد القديم" الصّغرى""!!! ولمّا حاول المنصّر بنيامين بنكرتن في تعليقه على إنجيل متّى الدفاع عن أصالة هذا الاقتباس، قال: " هذه النبوة واردة في (ميخا 5: 2) وهى مقتبسة لا بحروفها بل بمعناها. "!!؟ ت- جاء في إنجيل متّى 27: 9- 10: " حينئذ تمّ ما قيل بإرميا النّبيّ: " وأخذوا الثّلاثين من الفضّة ثمن المثمّن الّذي ثمّنوه من بني إسرائيل وأعطوها عن حقل الفخّاريّ كما أمرني الرّب. " بالإضافة إلى ما ذكره جميع النقاد من أنّ هذه النبوءة بهذه الصيغة لم ترد في سفر إرمياء، حتى قال المفسّر هورن فى ص ص 385 و 386 من المجلد الثانى من تفسيره المطبوع سنة 1822 م إنّ فى هذا النقل إشكال كبير؛ لأنه لا يوجد فى كتاب إرمياء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 مثل هذا، ويوجد فى زكريا 11: 13 لكن لا تطابق هذه الفقرة الألفاظ التى وردت فى متى، وأقر بعض المحققين على أنه وقع الغلط فى نسخة متى وكتب الكاتب" إرميا" بدلا من" زكريا" أو أن هذا اللفظ زائد.. بالإضافة إلى ذلك قال الباحث الاعتذاري ر. جندري R.Gundry إن متّى رأى أنه قد تمت في هذه الحادثة نبوأتان منفصلتان، إحداهما رمزية (إرميا 19: 1- 13) والثانية حرفية (زكريا 11: 13) ، ولكنه اكتفى بالإشارة إلى إرمياء!! (طبعا اعتذار يحتاج إلى اعتذار) . أمّا هامش الكتاب المقدس الألماني الكاثوليكي 873287531nheitsubersetzung فقال بصراحة: " هذه العبارة لم تذكر في إرمياء، ولكنها ربط حر لمواضع من زكريا وإرمياء والخروج. " (ربط حرّ) ..!! وجاء في الكتاب المقدس ":Zurcher Bible إن الكلمات المستشهد بها هنا قد أخذّت من زكريا 11: 13، أما الكلام الذى ذكر هنا عن الفخار فهذا خطأ كتابى أقحم فى النص العبرانى، أما إحالة النص إلى سفر إرمياء فيوضح لنا اعتماد الكاتب على الذاكرة، حيث تكلم إرمياء 18: 2 عن الفخار، ولكن ليس هذا هو الموضع المقصود من كلام متى. "!!!! الخلاصة: البشارات المزعومة في الأناجيل، عن ظهور يسوع المسيح، ما هي إلا دعاو باطلة من كيس الإنجيليين الذي وصل بهم حماسهم إلى الوقوع في أخطاء مضحكة، حتى قال الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه" ميلاد المسيّا =The Birth of The Messiah ="هامش ص 97: " يوحنا 15: 25 (لكي تتمّ الكلمة المكتوبة في ناموسهم أنّهم أبغضوني بلا سبب) التي تحدثت عن تحقق الناموس ليست مستلة من الناموس، بل من المزمور 35: 19 و 69: 46. "!!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 أعمى يقود بصيرا لا أبا لكم ... قد ضلّ من كانت العميان تهديه يعترف النصارى بأنّ العهد القديم يتنبّأ ببعثة من تسمّيه" النبيّ" وهو: نبيّ آخر الزمان، ولكنّهم يزعمون أنّه عيسى عليه السلام، وهذا من أعجب العجب وأبطل الباطل، إذ كيف يكون عيسى عليه السلام ربا للعالمين وفي نفس الوقت نبيا مربوبا مبلغا عن خالقه!! ثمّ، إنّ هذا" النبي" لم يبعث إلى زمن عيسى عليه السلام بشهادة أسفار النصارى ذاتها، إذ أنه وكما جاء في إنجيل يوحنا، فإنّ اليهود من مدينة القدس قد أرسلوا وفدا منهم إلى المعمدان (يحي عليه السلام) ليسألوه: " أو أنت النبيّ؟ " (يوحنا 1: 21) .. من أهم البشارات التي يدندن حولها النصارى زاعمين أنها مصرّحة بمقدم عيسى بن مريم عليهما السلام، لا بعثة محمد صلى الله عليه وسلّم كما يقول المسلمون، بشارة" العبد الصالح"، وبشارة" ابن الإنسان"، وبشارة" شيلون"، وبشارة" الحجر الذي رفضه البنّاؤون". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 بشارة" العبد الصالح" جاء في سفر إشعياء 42: 1- 17 قول الربّ: " هوذا عبدي الّذي أعضده، مختاري الّذي ابتهجت به نفسي. وضعت روحي عليه ليسوس الأمم بالعدل. لا يصيح ولا يصرخ ولا يرفع صوته في الطّريق. لا يكسر قصبة مرضوضة، وفتيلة مدخنة لا يطفيء. إنّما بأمانة يجري عدلا. لا يكلّ ولا تثبّط له همّة حتّى يرسّخ العدل في الأرض، وتنتظر الجزائر شريعته. هذا ما يقوله الله، الرّبّ خالق السّماوات وباسطها، وناشر الأرض وما يستخرج منها. الواهب أهلها نسمة، والمنعم بالرّوح على السّائرين عليها: " أنا هو الربّ قد دعوتك بالبر. أمسكت بيدك وحافظت عليك وجعلتك عهدا للشعب ونورا للأمم. لتفتح عيون العمي، وتطلق سراح المأسورين في السّجن، وتحرر الجالسين في ظلمة الحبس أنا هو الربّ وهذا اسمي. لا أعطي مجدي لآخر، ولا حمدي للمنحوتات. ها هي النّبوّات السّالفة تتحقق، وأخرى جديدة أعلن عنها وأنبيء بها قبل أن تحدث. " غنوا للربّ أغنية جديدة، سبّحوه من أقاصي الأرض أيّها المسافرون في عباب البحر وكل ما فيه وياسكان الجزائر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 لتهتف الصّحراء ومدنها، وديار قيدار المأهولة. ليتغن يفرح أهل سالع وليهتفوا من قمم الجبال وليمجّدوا الربّ ويذيعوا حمده في الجزائر يبرز الربّ كجبّار، يستثير حميّته كما يستثيرها المحارب، ويطلق صرخة حرب داوية، يظهر جبروته أمام أعدائه ( ... ) أما المتوكّلون على الأصنام القائلون للأوثان: " أنتم آلهتنا" فإنّهم يدبرون مجلّلين بالخزي. " النص الماسوري (نسبة إلى الماسورة أي النص العبري المشكول والمعتمد اليوم) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 يدّعي النصارى أنّ هذه البشارة هي خاصة ب" يسوع الكنيسة"، ناقلين ما جاء إنجيل متّى 12: 17- 22: " ليتمّ ما قيل (قلت: في يسوع) بلسان النّبيّ إشعياء القائل: " ها هو فتاي الّذي اخترته، حبيبي الّذي سرّت به نفسي! سأضع روحي عليه، فيعلن العدل للأمم لا يخاصم ولا يصرخ، ولا يسمع أحد صوته في الشوارع قصبة مرضوضة لا يكسر، وفتيلة مدخنة لا يطفيء، حتّى يقود العدل إلى النّصر، وعلى اسمه تعلق الأمم رجاءها! " ثمّ أحضر إليه رجل أعمى وأخرس يسكنه شيطان، فشفاه حتّى أبصر وتكلّم. " هذه البشارة التي دندن حولها النصارى كثيرا لا تنطبق على المسيح، خاصة في صورته الكنسية، بل هي تنطبق على محمد صلى الله عليه وسلم بصورة دقيقة، وهذا هو فهم الصحابة لهذا النصّ منذ زمن النبوّة، فعن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، فقال: " أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: " يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا" وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولكن يقبضه الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 حتى يقيم به الملة والعوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح به أعينا عميا، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا" (البخاري) . وقد قال كاهن كنيسة العذاء" عبد المسيح بسيط أبو الخير" في كتابه: " هل تنبّأ الكتاب المقدس عن نبيّ آخر يأتي بعد المسيح؟ " ص 117 تحت عنوان: " عبد الربّ، من هو؟ وما هي صفاته وأعماله؟ " معاندا الفهم الحقّ: " ورد في سفر إشعياء مجموعة من النبوّات في الإصحاحات (42 إلى 62) ، عن شخص دعي ب" عبد الربّ" ولم تذكر له، هذه النبوّات، إسما محددا، وقد أجمع المفسّرون المسيحيّون على أنّ هذا الشخص المذكور في هذه النبوّات هو الربّ يسوع المسيح، المسيّا الآتي والمنتظر. كما رأت الغالبية العظمى من الربيّين اليهود، خاصّة القدماء الذين كتبوا في فترة ما قبل المسيح وما تلاها وحتى القرن الخامس عشر الميلادي، سواء في التلمود أو المشناه أو الجمارا أو المدارش، وكل كتب التقليد اليهوديّ بكافة أنواعها أن هذا العبد هو" المسيّا"، وعلى سبيل المثال يقول ترجوم بسيدو يوناثان: " ها هو عبدي المسيا، سأقربّه إليّ، مختاري الذي يتبارك به شعبي" (!!!) قلت: لا أدري كيف من الممكن الجمع بين المسيح اليهودي البشري العنصري وبين المسيح النصراني المألّه المثلث العالمي..!!؟ .. ولكن.. رأيت اللسان على أهله ... إذا ساسه الجهل ليثا مغيرا! إنّ مسيح اليهود صورة أخرى بعيدة تماما عن مسيح الكنيسة. إنّه لا يعدو أن يكون تشابها في الألقاب مع تغاير أو تقابل المضمون!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 ويكفي حتى نثبت أن مسيح الكنيسة ليس هو المعني بحديث نبي الله إشعياء، أن نذكر أنّ مؤلف إنجيل متّى قد اضطر إلى تحريف نص سفر إشعياء ليلبسه المسيح، وقد قال البحّاثة جون فنتون، John Fenton عميد كلية اللاهوت بلتشفيلد بإنجلترا، في تعليقه على إنجيل متّى =Saint Matthew =ص 195: " من الواضح أنّ متّى لم يتّبع نصّ أيّ من النسختين العبرية أو الإغريقية، لكنه سار على أخذ نصوص حسبما رآها تناسب رأيه من أنّ النبوءة تحققت في عيسى وفي الكنيسة. ولقد حذف متّى سطرين من إشعياء 42: 1- 4، ولكنّه أبقى على السطر الأخير الذي رأى أنّه يخقّق هدفه. "!! قلت: " من حفر جبّا" لقارئه"، نزلت بداره بوائقه"!!! - وبعيدا عن حذلقات الكنيسة، لنناقش أهم معالم هذه البشارة: " هذا هو عبدي": من المتفق عليه بين أهل الملل الأرضية والسماوية أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم ما ادّعى أنه فوق مرتبة العبودية لله سبحانه. أما يسوع الإنجيلي، فإنّ الكنيسة تنسبه إلى الإلوهية وتسحبه من عرشه السماوي إلى خشبات الصليب الروماني ليكون إلها بشريا وبشرا مؤلها!! " الذي أعضده": ومحمد صلى الله عليه وسلم هو النبيّ المؤيد من الله سبحانه، الذي أفاض عليه بمعجزات هائلة نصره بها على أعداء التوحيد. أما يسوع الإنجيلي فتقدّمه الكنيسة على أنّه هو نفسه المعبود المستجار بسلطانه والملتجأ إلى قدرته. " مختاري": أي الذي اصطفاه الله من خلقه ليكون المبلّغ عنه وليكون حجّته على العالمين وليختم به عقد النبوة البديع، ومعلوم أنّ من اسماء نبي الإسلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 صلى الله عليه وسلّم: " المصطفى"، وقد قال الإمام ابن حجر في شرحه لحديث جبير بن مطعم في صحيح البخاري: ".. ومن أسمائه المشهورة" المختار والمصطفى والشفيع والمشفّع والصادق والمصدوق. " أمّا يسوع الإنجيلي، فهو طبق اعتقاد الكنيسة، المنوط به اصطفاء الأنبياء والرسل ولا يصطفيه غيره فهو صاحب القول والأمر. " الذي ابتهجت به نفسي": أي الذي جعله الله سبحانه أعظم خلقه، إذ قد بلغ ذرى سنام العبادة ومنتهى. أما يسوع فهو عند النصارى، المعبود.. فهل ابتهجت نفس الربّ بنفسه ذاتها؟! " وضعت روحي عليه": أيّ أيّدته بالروح القدس ومن معه من الملائكة. وقد كان ذلك لمحمد صلى الله عليه وسلم في معركة بدر وفي معارك أخرى له ولأمته من بعده. كما أنّ هذه العبارة تدلّ على أنّ المتحدّث عنه نبيّ، فقد جاء مثلا في سفر أخبار الأيام الثاني 15: 1: " وحلّ روح الربّ على عزريا بن عوديد" وجاء في سفر العدد 11: 29: ".. ليت كلّ شعب الربّ يصبحون أنبياء يحلّ عليهم الربّ بروحه". وجاء في القرآن قوله تعالى: " وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا". (سورة الشورى 52) . أمّا يسوع الإنجيلي فقد صرخ على الصليب بعد أن تمكّن منه أعداؤه: " إلهي! إلهي! لماذا تركتني! " (متّى 27: 46، مرقس 15: 34) . كما أنّه إله معبود لا نبيّ مربوب! " ليسوس الأمم بالعدل": ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الذي أرسل رحمة للعالمين" وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ" (الأنبياء 107) . أما يسوع فما تجاوزت رسالته بني إسرائيل: " لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (متّى 15: 14) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 كما أنّ محمدا صلى الله عليه وسلّم كان حاكما أرضيا ساس الأمم من عرب وغيرها، أمّا يسوع فقد كانت مملكته سماوية لا أرضية! " لا يصيح ولا يصرخ ولا يرفع صوته في الطريق": أي صاحب حجة وبيان، لا يستقطب الأتباع بالصراخ والتهديد وإنما بالدليل والبرهان. ومما يوضّح انطباق هذا الأمر على محمد صلى الله عليه وسلم، قول الحق سبحانه له صلى الله عليه وسلّم: " ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (سورة النحل 125) . أما يسوع الكنيسة فقد كان يبتعد عن المحاججة والمناظرة في غير ما موقف (متّى 22: 21، مرقس 12: 14- 17، لوقا 20: 22- 25) . " لا يكسر قصبة مرضوضة، وفتيلة مدخنة لا يطفئ".. المقصود ب" القصبة المرضوضة": " مصر"، ففيها ينبت النوع الجيد من القصب.. وقد جاء في سفر حزقيال 29: 6- 7: " فيدرك كلّ أهل مصر أنّي أنا الربّ، لأنهم كانوا عكّاز قصب هشة لشعب إسرائيل، ما إن اعتمدوا عليك بأكفّهم حتّى انكسرت ومزّقت أكفافهم، وعند ما توكأوا عليك تحطّمت وقصفت كلّ متونهم. ".. وجاء في سفر إشعياء 36: 6: " أنت تتكلّ على عكّاز هذه القصبة المرضوضة مصر التي تثقب كفّ كلّ من يتوكّأ عليها.."".. وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بمصر وأهلها خيرا فقال: " إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإنّ لهم ذمة ورحما. " (صححه الألباني) . أما يسوع، فما كان صاحب سلطة زمنية أرضية وما كان بالتالي متسلطا على مصر، بل فرّ يوسف النجار به وبأمّه إلى مصر لما كان صغيرا كما هو مدّعى في إنجيل متّى 2: 13- 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 والإشارة إلى مصر في هذه النبوءة لها صلة بالعلاقة بين بني إسرائيل ومصر، إذ أنّ أهل مصر قد ساءت علاقتهم ببني إسرائيل وأنبيائهم، وكان من المنتظر أن يكون النبي الآتي منتقما من أهل مصر لا مكرّما لهم. فكان أن نبّه الله سبحانه بني إسرائيل ومن بعدهم من الأمم أنّ هذا النبيّ لن يكون عدوا لمصر، بل سيكون رحمة بها وبأهلها. وقد كان.. فقد بعث هذا النبي رحمة بأبناء هاجر، وكان الأبناء كنانة أمّة الإسلام على مدى التاريخ. " وفتيلة مدخنة لا يطفئ": المقصود بالفتيلة المدخنة، نور العلم والمعرفة. فهذا النبي لن يصدّ عن العلوم المفيدة ولن يهدر الخير الذي في الديانات السابقة وإن حرّفت، وهذا ينطبق بالحرف على محمد صلى الله الذي قال: " طلب العلم فريضة على كلّ مسلم" (مسند أبي يعلى..) والذي قال أيضا: " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" (متفق عليه) كما أنّه هو من حافظ على الخير الذي دعا إليه الأنبياء السابقون كالصلاة والصوم والحج والبر بالوالدين وصلة الرحم وأهم من ذلك توحيد المعبود سبحانه. أما يسوع الكنيسة فقد ألغى بموته على الصليب العمل بالشرائع السابقة بل ودعا إلى عقيدة تثليثية لم يعرفها أيّ من الأنبياء السابقين. " إنما بأمانة يجري عدلا": لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم حاكما بين قومه وجاء بشريعة تسوس الأمم بالقسط والبر. أما يسوع الإنجيلي فما كان حاكما على قومه كما أنّه لم يرسل إلى غير بني إسرائيل. " لا يكلّ ولا تثبط له همة حتى يرسّخ العدل في الأرض". والتاريخ شاهد أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم قد جاهد باللسان والسنان وجمع بين المجادلة والمجالدة 23 سنة ليقيم شرع الله سبحانه على الأرض. ومحمد صلى الله عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وسلم هو الذي ختمت رسالته بقول الله تعالى: " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً" (سورة المائدة 3) . أما يسوع الإنجيلي فقد قال لأحد تلاميذه: ".. إنّ الذين يلجأون إلى السيف، بالسيف يهلكون" (إنجيل متّى 26: 52) . " وتنتظر الجزائر شريعته": لقد وصلت شريعة الإسلام إلى أقصى الجزائر. أما يسوع فلا شريعة له، إذ هو قد نسخ جميع الشرائع السابقة بدمه المهدور على الصليب. وهو الذي قال في آخر وصاياه: " على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون. فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه. ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا لأنّهم يقولون ولا يفعلون. " (إنجيل متّى 23: 1) . " أمسكت بيدك وحافظت عليك وجعلتك عهدا للشعب ونورا للأمم". قال تعالى: " وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ" (المائدة 67) مبشرا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أنّه لن يناله عدوه بالقتل. أما يسوع الإنجيلي فقد هلك على الصليب الروماني بتحريض يهودي. " غنوا للربّ أغنية جديدة، سبّحوه من أقاصي الأرض". الأغنية الجديدة (والحديث هنا على المجاز) هي الأذان من الجبال والمنارات إعلانا لدخول وقت الصلاة.. أما يسوع فلم يأت بأيّ نداء للصلاة أو التسبيح أو التتريه. " لتهتف الصحراء ومدنها، وديار قيدار المأهولة. ليتغنّ بفرح أهل سالع وليهتف من قمم الجبال وليمجّدوا الربّ ويذيعوا حمده في الجزائر. ". " الصحراء" في النص العبري هي" مدبار" وقد جاءت الإشارة في سفر إرمياء 3: 2 إلى الصحراء العربية: " ارفعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 عينيك إلى الهضاب وتأملي، أهناك مكان لم تضاجعي فيه؟. قد جلست لهم على قارعة الطريق كالأعرابي (العبارة في التراجم الإنجليزية والفرنسية ك Segond English Standard Version ,Darby Translation ,Louis The New American Standard Bible ,The: تذكر كلمة" عربي" مكان" أعرابي"، علما بأنّ المقابل العبري لهذا النص يذكر الكلمة العبرية" عربي" (!!!) كما هي في اللغة العربية) في البادية (بعض التراجم الإنجليزية تذكر" صحراء" لا" بادية"!!) ودنست الأرض بزناك وعهارتك. " والمقابل العبري للصحراء هنا أيضا" مدبار".. وديار قيدار بن إسماعيل (جزيرة العرب) لم تنتشر فيها النصرانية (وإن ظهر فيها بعض النصارى قبل ظهور الإسلام) بل هي معقل الإسلام وحصنه الحصين.. وسالع رغم أنّ النصارى يزعمون أنّها تقع في وادي موسى فإنّ البحاثة فديارتي يذكر أنّ المؤرخ يوسفوس قد ذكر أنّ" بترا" التي يقرر كثير من النصارى أنّها" سالع" نفسها، كانت عاصمة البلاد العربية. وهو أيضا ما ذهب إليه المؤرخ الإنجليزي ب. جوفرسن. وورد في" قاموس الكتاب المقدس" تحت كلمة" سالع": ".. ويقول التقليد المسيحي أنّ بولس الرسول زار سالع هذه عند ما ذهب إلى البلاد العربية (غلاطية 1: 17) . وجاء في موسوعة الكتاب المقدس Biblica Encyclopaedia لشاين أنّ" بترا" هي مكان هجرة وسلام وتجارة، ومن الملاحظ أيضا في هذا المقام أنّ" سلع" هو جبل في باب المدينة، كما في مراصد الاطلاع لياقوت، والقاموس وغيرهما من كتب الجغرافيا واللغة.. والظاهر أنّ الألف حصلت من إشباع الفتحة في اللغة العبرانية.. وهذه" الألف" غير موجود في هذه الكلمة باللغة الانجليزية واللغة الفرنسية. =Sela =: إنّها أرض محمد صلى الله عليه وسلّم لا أرض يسوع المسيح الإنجيلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 -" يبرز الربّ كجبار، يستثير حميّته كما يستثيرها المحارب، ويطلق صرخة حرب داوية، يظهر جبروته أمام أعدائه. ". وهذا النصّ يشير إلى الحروب التي يقودها نبيّ الملحمة. أما يسوع فهو كما يصوّره النصارى: " الحمل الوديع" الذي لم يرفع سيفا، بل كان يدعو إلى تقديم الخدود للصفع!! " أما المتوكّلون على الأصنام، القائلون للأوثان: " أنتم آلهتنا" فإنهم يدبرون مجلّلين بالخزي". ومحمد صلى الله عليه وسلم هو من عاداه الوثنيون وحاربوه عن يد واحدة، فانتقم منهم الله سبحانه وهدّ باطلهم ونصر عبده ومصطفاه وأعزّ جنده الكرام. أما يسوع فقد كان أعداؤه يهودا لا وثنيين، فهم الذين أرسل إليهم وهم الذين رفضوا قبول رسالته وهم الذين سعوا إلى قتله. كما أنّ يسوع الإنجيلي ما انتصر على أعدائه بل هم هزموه و" جلّلوه" بالخزي!! إنّها بشارة صريحة، فصيحة، تكاد تنطق باسم نبي الإسلام صلّى الله عليه وسلّم. وقد حقّ لمن يخشى على النصارى لظى النيران وقرص الزمهرير أن يطلب من الكنيسة الكفّ عن عجن النصوص على هواها واستحلاب سيل السراب من ضرع الخيال.. ولكن.. كما قال الشاعر: ومكلّف الأيام ضدّ طباعها ... متطلّب في الماء جذوة نار وإذا رجوت المستحيل فإنما ... تبني الرجاء على شفير هاو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 بشارة" ابن الإنسان" جاء في سفر دانيال التبشير ببعثة من سمّي ب" ابن الإنسان".. ولنأخذ واحدة من هذه البشارات من هذا السفر وللنظر هل هي بشارة بيسوع الكنيسة أم بمحمد عليه الصلاة والسلام! في السنة الثانية لحكم" بلشاصر بن نبوخذ نصر" رأى دانيال رؤيا قريبة مما رآه" نبوخذ نصر" وقد قصّ الرؤيا في سفره على النحو التالي: " قال دانيال: «شاهدت في رؤياي ليلا، وإذا يأربع رياح السّماء قد هجمت على البحر الكبير، وما لبث أن صعد من البحر أربعة حيوانات عظيمة يختلف بعضها عن بعض. فكان الأوّل كالأسد بجناحين كجناحي النّسر. وبقيت أنظر إليه حتّى اقتلع جناحاه، وانتصب على الأرض واقفا على رجلين كإنسان، وأعطي عقل إنسان. ورأيت حيوانا آخر شبيها بالدبّ، قائما على جنب واحد، وفي فمه بين أسنانه ثلاث أضلع وقيل له: " انهض وكل لحما كثيرا" ثمّ رأيت بعد هذا حيوانا آخر مثل النّمر، له على ظهره أربعة أجنحة كأجنحة الطائر، وكان لهذا الحيوان أربعة رؤوس، وفوّضت إليه سلطات. وشهدت بعد ذلك في رؤى اللّيل وإذا يحيوان رابع هائل وقوي وشديد جدّا، ذي أسنان ضخمة من حديد، افترس وسحق وداس ما تبقى برجليه. وكان يختلف عن سائر الحيوانات الّتي قبله وله عشرة قرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وفيما كنت أتأمّل القرون إذا يقرن آخر صغير نبت بينها، واقتلعت ثلاثة قرون من أمامه، وكان في هذا القرن عيون كعيون الإنسان وفم ينطق بعظائم. وفيما كنت أنظر، نصبت عروش واعتلى الأزليّ كرسيّه وكانت ثيابه بيضاء كالثلج، وشعر رأسه كالصّوف النّقيّ، وعرشه لهيبا متوهّجأ وعجلاته نارا متّقدة. ومن أمامه يتدفق ويجري نهر من نار، وتخدمه ألوف ألوف الملائكة، ويمثل في حضرته عشرات الألوف. فانعقد مجلس القضاء وفتحت الأسفار. وبقيت أراقب القرن من جراء ما تفوّه به من عظائم، حتّى قتل الحيوان وتلف حسمه وطرح وقودا للنّار. أمّا سائر الحيوانات فقد جردت من سلطانها، ولكنّها وهبت البقاء على قيد الحياة لزمن ما. وشاهدت أيضا في رؤى اللّيل وإذا يمثل ابن الإنسان مقبلا على سحاب حتّى بلغ الأزليّ فقرّبوه منه. فأنعم عليه بسلطان ومجد وملكوت لتتعبّد له كلّ الشعوب والأمم من كل لسان. سلطانه سلطان أبديّ لا يفنى، وملكه لا ينقرض. " (سفر دانيال 7: 2- 14) ويقول دانيال في تفسير هذه النبوءة: " أمّا أنا دانيآل فقد ران الحزن على روحي في داخلي وروّعتني رؤى رأسي. فاقتربت من أحد الواقفين أستفسر منه حقيقة الأمر، فأطلعني على معنى الرّؤيا قائلا: " هذه الحيوانات الأربعة العظيمة هي أربعة ملوك يظهرون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 على الأرض غير أن قديسي العليّ يستولون على المملكة ويتملّكونها إلى أبد الآيدين. حينئذ أردت أن أطّلع على حقيقة الحيوان الرّابع الّذي كان يختلف عن سائر الحيوانات، إذ كان هائلا جدّا ذا أسنان من حديد ومخالب من نحاس، وقد افترس وسحق وداس ما تبقى برجليه. وعن القرون العشرة النّامية في رأسه، وعن القرن الآخر الصّغير الّذي نبت، فاقتلعت أمامه ثلاثة قرون. هذا القرن ذو العيون النّاطق بالعظائم ومنظره أشدّ هولا من رفاقه وقد شهدت هذا القرن يحارب القديسين ويغلبهم.. إلى أن جاء الأزليّ وانعقد مجلس القضاء الّذي فيه تبرّأت ساحة قديسي العليّ، وأزف الوقت الّذي فيه امتلكوا المملكة. فأجاب: إنّ الحيوان الرّابع هو رمز للمملكة الرّابعة على الأرض، وهي تختلف عن سائر الممالك لأنّها تستولي على كلّ الأرض وتخضعها وتسحقها. أمّا القرون العشرة من هذه المملكة فهي عشرة ملوك يتولّونها، ثمّ يقوم بعدهم ملك آخر يختلف عن الملوك السّالفين، ويخضع ثلاثة ملوك، ويعيّر العليّ وينكل بقديسيه، ويحاول أن يغيّر الأوقات والقوانين، فيذلّ القديسين ثلاث سنوات ونصف السّنة ولكن ينعقد مجلس القضاء، فيجرّد من سلطانه فيدمّر ويفنى إلى المنتهى وتوهب المملكة والسّلطان وعظمة الممالك القائمة تحت كل السّماء إلى شعب قديسي العليّ، فيكون ملكوت العليّ ملكوتا أبديا، وتعبده جميع السّلاطين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 ويطيعونه إلى هنا ختام الرّؤيا. أمّا أنا دانيآل فقد روّعتني أفكاري كثيرا وتغيّرت هيئتي، ولكني كتمت الأمر في قلبي" (سفر دانيال 7: 15- 28) . وفقا للتفسير الذي قدّمه الملاك، فإنّ كلّ واحد من الوحوش الأربعة يمثل امبراطورية- والحديث الآتي هو من كتاب" محمد في الكتاب المقدس" للقسيس المهتدي دافيد كلداني باختصار: الوحش الذي على شكل نسر مجنّح يمثّل الامبراطورية الكلدانية، التي كانت قوية نشطة، كالنسر المنقض على عدوّه. يمثّل" ماداي بارس" أو الامبراطورية المادية الفارسية التي امتدت غزواتها حتى البحر الأدرياتيكي وأثيوبيا، وهكذا تحمل بين أسنانها ضلعا من جسم كلّ من القارات الثلاث في نصف الكرة الشرقي. أما الوحش الثالث، فبناء على طبيعته النمرية الشرسة وذات القفزات السريعة، فإنّه يرمز إلى زحوف الإسكندر الأكبر الظافرة، والذي انقسمت إمبراطوريته بعد موته إلى أربع ممالك. يعنى الملاك أساسا ببيان تفاصيل الوحش الرابع، فيصفه بأنه وحش كبير وهائل ويرمز به إلى الإمبراطورية الرومانية في عنفوان قوتها وازدهارها. (قلت: قد اعترف بأنّ المملكة الرابعة هي المملكة الرومانية، الآباء اليسوعيون (الكاثوليك) في تعليقهم على سفر دانيال) أما القرون العشرة فيمثلون الأباطرة العشرة الأوائل الذين اضطهدوا شعوبهم وما عليك إلا أن تقلّب صفحات أي تاريخ للكنيسة خلال القرون الثلاثة الأولى، وحتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 زمن ما يسمى باعتناق قسطنطين الكبير النصرانية، فلن تعثر على شيء سوى أهوال الاضطهادات العشرة الشهيرة. أما القرن الصغير الذي طلع بين القرون العشرة، فهو إمبراطور يظهر للوجود بعدهم، وينافسه على السلطة ثلاثة أباطرة، وهذا القرن الصغير هو الإمبراطور قسطنطين.. وقد عاشت الإمبراطورية الرومانية في عهده صراعا مريعا بين أربعة متنافسين، وكان قسطنطين واحدا منهم، وكانوا كلّهم يتصارعون من أجل اللباس الأرجواني (الإمبراطوري) ، ومات الثلاثة الآخرون في المعركة، وبقي قسطنطين وحده حاكما على الإمبراطورية الضخمة وليس باستطاعة أحد اختراع أربعة متنافسين بعد الاضطهادات الأربعة للكنيسة إلا قسطنطين وأعدائه الذين تساقطوا أمامه كما تساقطت القرون الثلاثة أمام القرن الصغير. وحتى تزداد وثوقا أنّ القرن الصغير مخالف للآخرين، فهو وحش مخيف ولكن له فم وعينان، أي يملك المنطق والقدرة على الكلام: هذا القرن له فم متكلّم بعظائم. هذا القرن اضطهد قدّيسي العلي. هذا القرن يظنّ أنّه يغيّر الأوقات والسنة. هذا القرن أعلن الحرب على أولياء الله لمدة (الزمن أو العصر والعصور والأزمان ونصف الزمن) أي ثلاثة قرون ونصف قرن. هذه الصفات الخمس تنطبق بصورة دقيقة على قسطنطين، فقسطنطين هو الذي كان يملك المنطق والقدرة على الكلام، بل والكلام الذي غيّر مجرى التاريخ. وهو الذي حرّف النصرانية ونقلها من الوحدانية إلى الشرك فكان بذلك متكلما بكلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 ضد الله العليّ. وقسطنطين هو الذي حارب أولياء الله المؤمنين" قدّيسي العلي"، فقد قتّل الموحدين وحرّق كتبهم.. وهو أيضا الذي حاول تغيير" القانون والزمان": فقد ألغى مرسوم قسطنطين، الوصيتين الأولتين من شريعة موسى حول وحدانية الله. وخالف المنع الصارم لاتخاذ الصور والتماثيل، وهو الذي خرق الوصية الرابعة بتقديس يوم السبت، وهو الذي اضطهد الموحدين لفترة ثلاثة قرون ونصف. وفي آخر الرؤيا قال دانيال: " وتوهب المملكة والسّلطان وعظمة الممالك القائمة تحت كل السّماء إلى شعب قديسي العليّ، فيكون ملكوت العليّ ملكوتا أبديّا، وتعبده جميع السّلاطين ويطيعونه. " (سفر دانيال 7: 27) . يعني دانيال بقوله قديسي العلي هنا عباد الله وأوليائه من المسلمين الذين تفضّل الله عليهم بالرسالة والدين الكامل، فأقاموا مملكة الله الدائمة على الأرض. كما ترى إذن.. تنطبق هذه النبوءة على محمد صلى الله عليه وسلّم الذي حطّم الإمبراطورية الرومانية، بصورة دقيقة.. ولا يمكن، مهما توسّعنا في التأويل، الزعم أنّها تخصّ المسيح ابن مريم عليهما السلام، لأنّ المسيح قد عاش زمن عزّ الإمبراطورية الرومانية، ورفع إلى السماء وهي في أوجّها، بل تزعم الأناجيل أنه دعا إلى طاعة قيصر والخضوع لحكمه!!! وإن كنت مازلت تشكّ فتعال لنقرأ نبوءة أخرى من سفر دانيال: ألهم الله تعالى الملك" بختنصر" برؤيا منامية كشف له فيها عن الدول والممالك التي ستعقب ملكه، ومصير كلّ دولة ومملكة إلى أن تظهر للوجود دولة يدوم ملكها وسلطانها إلى الأبد، ولم يشأ الملك الإفصاح عن رؤياه لئلا تفسّر على حسب هواه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 فلا يظهر بحقيقتها، لذا أمر بإحضار الكهنة والمنجمين من أقاليم المملكة وسألهم عن الرؤيا وتأويلها. فقالوا له اذكرها لنا حتى نبين تأويلها، فأمر بقتلهم جميعا. وكان دانيال من ضمن هؤلاء، فاستمهل الملك في أمرهم، ورغب إلى الله تعالى في اطلاعه على الرؤيا وتأويلها، فأطلعه الله تعالى عليها فجاء إلى نبوخذ نصر وقال له: " رأيت أيّها الملك وإذا بتمثال عظيم ضخم كثير البهاء واقفا أمامك وكان منظره هائلا. وكان رأس التمثال من ذهب نقي، وصدره وذراعاه من فضّة، وبطنه وفخذاه من نحاس، وساقاه من حديد، وقدماه خليط من حديد ومن خزف. وبينما أنت في الرّؤيا انقض حجر لم يقطع بيد إنسان، وضرب التمثال على قدميه المصنوعتين من خليط الحديد والخزف فسحقهما، فتخطم الحديد والخزف والنّحاس والفضة والذهب معا، وانسحقت وصارت كعصافة البيدر في الصّيف، فحملتها الريح حتّى لم يبق لها أثر. أمّا الحجر الّذي ضرب التمثال فتحوّل إلى جبل كبير وملأ الأرض كلّها. هذا هو الحلم. أمّا تفسيره فهذا ما نخبر به الملك: أنت أيّها الملك هو ملك الملوك، لأنّ إله السّموات أنعم عليك بمملكة وقدرة وسلطان ومجد، وولّاك وسلّطك على كلّ ما يسكنه أبناء البشر ووحوش البر وطيور السّماء. فأنت الرأس الّذي من ذهب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 ثمّ لا تلبث أن تقوم من بعدك مملكة أخرى أقلّ شأنا منك، وتليها مملكة ثالثة أخرى ممثلة بالنّحاس فتسود على كل الأرض. ثمّ تعقبها مملكة رابعة صلبة كالحديد، فتحطم وتسحق كلّ تلك الممالك كالحديد الّذي يدق ويسحق كلّ شيء. وكما رأيت أنّ القدمين والأصابع هي خليط من خزف وحديد، فإنّ المملكة تكون منقسمة فيكون فيها من قوّة الحديد، بمقدار ما شاهدت فيها من الحديد مختلطا بالخزف. وكما أنّ أصابع القدمين بعضها من حديد والبعض من خزف، فإن بعض المملكة يكون صلبا والبعض الآخر هشا وكما رأيت الحديد مختلطا يخزف الطين، فإنّ هذه المملكة تعقد صلات زواج مع ممالك النّاس الأخرى، إنّما لا يلتحمون معا، كما أنّ الحديد لا يختلط بالخزف. وفي عهد هؤلاء الملوك يقيم إله السّماوات مملكة لا تنقرض إلى الأبد، ولا يترك ملكها لشعب آخر، وتسحق وتبيد جميع هذه الممالك. أمّا هي فتخلد إلى الأبد. لأنّك رأيت أن الحجر المنقض الّذي لم يقطع من الجبل بيدين، قد سحق الحديد والنّحاس والخزف والفضّة والذهب. إنّ الله العظيم قد أطلع الملك عمّا سيحدث في الأيّام الآتية؛ فالحلم حقيقة وتفسيره صدق. " (سفر دانيال 2: 31- 45) من رؤيا نبوخذ نصر ومن تفسير دانيال لها، يتبيّن أنّ الممالك الأربعة هي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 ، كما يقول القس عبد المسيح بسيط أبو الخير في كتابه: " هل تنبّأ الكتاب المقدسعن نبيّ آخر يأتي بعد المسيح" ص ص 133- 135: " الإمبراطوريّة الأولى (بابل 626- 539 ق. م.) . قال دانيال في تفسيره لنبوخذ نصر" أنت أيّها الملك ملك ملوك لأنّ إله السّماوات أعطاك مملكة واقتدارا وسلطانا وفخرا. وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السّماء دفعها ليدك وسلطك عليها جميعها. فأنت هذا الرّأس من ذهب. " (دانيال 37: 2- 38) ، وكما يقول دانيال النبي أنّ الله" يغيّر الأوقات والأزمنة. يعزل ملوكا وينصّب ملوكا" (دانيال 2: 21) . وكما يقول موسى النبي أيضا بالروح" حين قسم العليّ للأمم حين فرق بني آدم نصب تخوما لشعوب" (تثنية 32: 8) . يؤكّد الكتاب أيضا أنّ الله بحسب إرادته الإلهية وتدبيره الأزلي وعلمه السابق هو الذي أعطى نبوخذ نصر هذا السلطان. " " الإمبراطورية الثانية (مادي وفارس 539- 331 ق م) . " وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك" (الآية 39) هذه المملكة، كما أجمع التقليد اليهودي والتقليد المسيحي هى مملكة" مادي وفارس". (..) يقول (السفر) لبيلشاصر ابن نبونيدس آخر ملوكها" قسمت مملكتك وأعطيت لمادي وفارس" (دانيال 5: 28) . وقد وصفت في رؤيا دانيال الثانية بكبش ذو قرنين قال له الملاك" أمّا الكبش الّذي رأيته ذا القرنين فهو ملوك مادي وفارس" (دانيال 8: 20) . وهذا ما جاء بتفسيره كل من القديس جيروم والقديس هيبوايتوس وما قاله المؤرّخ والكاهن اليهودي يوسيفوس. ويصفها البعض بالمملكة الفارسية نظرا لسيادة الفرس، كما جاء في سفر الأخبار" إلى أن ملكت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 مملكة فارس" (سفر الأخبار الثاني 36: 20) ، وكما يقول القديس هيبوليتوس أيضا. " " الإمبراطورية الثالثة (اليونان 331- 323 ق م) : " ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلّط على كل الأرض" (دانيال 2: 39) . هذه المملكة أو الإمبراطورية الثالثة مذكورة بالاسم في سفر دانيال النبي وأنها ستخلف مادى وفارس" والتيس العافي" الذي هزم الكبش الذي يرمز إلى مادي وفارس" ملك اليونان" (دانيال 8: 21) ، وهذا ما قال به القديس هيبوليتوس، والقديس جيروم وغيره من المفسّرين. " الإمبراطورية الرابعة (روما 58 ق م- 476 م) : " وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد لأنّ الحديد يدق ويسحق كلّ شيء. وكالحديد الّذي يكسّر تسحق وتكسّر كل هؤلاء" (دانيال 2: 40) ، ويشير الحديد إلى القوة الصلبة الجبارة التي لا تقهر، وهو يسحق ويفنى كل ما عداه من معادن أخرى، كما يشير إلى السيادة والتسلط. وقد رمز بالحديد هنا إلى المملكة الرومانية لقوتها الشديدة التي سحقت بها كل إمبراطوريات التي سبقتها. وقد قارن أحد الكتاب القدماء الإمبراطورية الرومانية بإمبراطوريات العالم العظيمة التي سبقتها، وقد برهن على أنّ الإمبراطورية الرومانية كانت أكثر قوة وأكثر سيادة من كل الممالك التي سبقتها. فقد سحقت هذه الإمبراطورية بغزواتها الكثيفة في أوربا وآسيا وأفريقيا وكسرت كل الأمم التي كانت ما تزال محتفظة بعناصر السلالات الآشورية البابلية والمادية الفارسية واليونانية الماضية. وقد عرفت الجيوش الرومانية بالجيوش الحديدية، واستخدم دانيال النبي كلمة" حديد" في وصف هذه الإمبراطورية 14 مرة. ومن ثمّ اعتقدت الكنيسة منذ فجرها بأنّ هذه الإمبراطورية هى الإمبراطورية الرومانية، وكان هذا هو رأى أقدم الآباء الذين وصلتنا كتاباتهم عن سفر دانيال؛ مثل القديس إيريناؤس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 في القرن الثاني الميلادي والقديس هيبوليتوس في القرن الثالث والقديس جيروم في القرن الرابع وذهبي الفم في القرن الرابع أيضا (347 م- 403 م) ، ويقول أحد المفسّرين ويدعى جوزيف ميدى =Joseph Mede اعتقدت الكنيسة اليهودية قبل زمن مخلصنا أنّض الإمبراطورية الرابعة في سفر دانيال هي الإمبراطورية الرومانية، وهذا المعتقد تسلّمه تلاميذ الرسل وكل الكنيسة المسيحية لمدة 300 سنة". ثم رأى نبوخذ نصر حجرا انقطع من جبل عظيم من غير قاطع، فضرب ذلك التمثال على قدميه اللتين هما من حديد وخزف، وكانت الضربة من القوة حتى أنه قد تفتت التمثال كلّه بذهبه وفضّته ونحاسه وحديده وخزفه، وصار هشيما ورفاتا عصفت به الريح، فلم ير له أثرا، أما الحجر الذي هشّم التمثال فصار جبلا عظيما عاليا امتلأت منه الأرض كلّها. ويرمز بالحجر هنا إلى دولة الإسلام التي اصطدمت في بداية توسعها بالدولة الرومانية التي بسطت سلطانها على المملكة الإغريقية، وبالدولة الفارسية التي بسطت سلطانها على مملكة بابل، وكانت ضربة الدولة الإسلامية لهما من القوّة حتى تلاشت الدولتان كعاصفة البيدر في الصيف. وتتوسع الدولة الإسلامية على حساب هاتين المملكتين حتى تعمّ الأرض المعمورة بهما.. وتفسير دانيال للرؤيا صريح في أنّ الدولة الإسلامية هي التي سيقيمها الله تعالى محلّ هذه الممالك والدول، وهي دولة باقية ودائمة إلى يوم القيامة ولا تدع لغيرها سلطانا على الناس والأرض، ولذلك ختمت الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلّم تنبيها على قفل النبوّة، وإيذانا بأنه لا حكم إلا لشريعة الإسلام.. ولا ملك إلا لدولته. يدّعي النصارى أنّ هذه النبوءة هي خاصة بالمسيح.. وينكر عليهم شيخ الإسلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 ابن تيمية نوّر الله قبره زعمهم السقيم ورأيهم الفطير قائلا في" الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح": " فهذا نعت محمد لا نعت المسيح فهو الذي بعث بشريعة قوية ودق جميع ملوك الأرض وأممها حتى امتلأت الأرض منه ومن أمته في مشارق الأرض ومغاربها وسلطانه دائم لم يقدر أحد أن يزيله كما زال ملك اليهود وزال ملك النصارى عن خيار الأرض وأوسطها. " ونقول أيضا: إنّ طبيعة دعوة المسيح لا تسمح بالتحريض على تحطيم الامبراطورية الرومانية، فهي لم تدع إلى إقامة دولة أو إنشاء إمبراطورية، كما أنّ أناجيل النصارى لا تضمّ تصورا سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا لدولة المسيح وشعبها.. بخلاف ما جاء في قرآن نبيي الإسلام صلى الله عليه وسلم وسنته من تفصيل لجميع نواحي الدولة التي تحكم بالوحي! ولكن يصرّ القس" بسيط" على أنّ ما جاء في سفر دانيال هو بشارة ب" يسوع المخلّص" الذي ولد أيام الإمبراطورية الرومانية، والذي تبنّت هذه الإمبراطورية" ملّته" منذ القرن الرابع. وأضاف قائلا: " وكانت الإمبراطورية الرومانية أكثر استمرارية من الإمبراطوريات التي سبقتها، فقد دامت واستمرّت 500 سنة كإمبراطورية موحّدة وغير منقسمة، سواء عند ما كانت وثنية أو بعد ما تحولت إلى المسيحية، واستمرت بقسميها الشرقي والغربي إلى سنة 1453 م عند ما استولى الأتراك على القسطنطينية، واستمر القسم الغربي المسيحي منها من خلال بقية دول أوربا حتى اليوم، وهذه الدول نقلت حضارتها وديانتها المسيحية وجزء كبير من شعبها إلى الأمريكتين واستراليا بعد اكتشافها، حتى صاروا كجزء منها، بل ونقلوا حضارتهم وديانتهم المسيحية إلى كل المسكونة. ولم تتوقف المسيحية عن الانتشار بظهور الإسلام حتى يمكن أن يقال أنه حل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 محلها، بل العكس تمامّا (!!!) حيث ينضم إلى المسيحية في كل بلاد العالم، حاليا، مئات الألوف في اليوم الواحد، كما أن نسبة نمو المسيحية في العالم اليوم هي 9. 6، بما يعادل نسبة نمو السكان ثلاثة أضعاف. " قلت: لا يكذب المرء إلا من مهانته ... أو عادة سوء أو من قلة أدب لجيفة الكلب عندي خير رائحة ... من كذبة المرء في جد وفي لعب بعض أوجه الكذب في قول القس" بسيط": بشارة النبي دانيال تشير إلى ملكوت جديد يحطم الممالك السابقة، ولا تذكر تحوّل الملكوت الرابع إلى ملكوت جديد، كما يزعم القس البسيط! كيف تكون المملكة الأخيرة هي دولة الرومان، على زعم القس، وهي" تسحق وتبيد جميع هذه الممالك"، ومع ذلك يخبرنا" البسيط" في نفس الآن أنّ الأتراك (المسلمون) قد استولوا على الجانب الشرقي من هذه الإمبراطورية.. و" ليس للكذب أرجل"، كما يقول العامة عندنا! جاء في البشارة الدانيالية أنّ المملكة الأخيرة" تخلد إلى الأبد". وهذا يمنع وصل مملكة الرومان بها، لأنها مملكة قد اندثرت، وصارت أثرا بعد عين، وما عاد أحد يطالب بإعادتها إلى الوجود. زعم القس" البسيط" أنّ دول أوروبا وأمريكا واستراليا تمثّل دولة المسيح المخلّص.. يخالفه تبرّؤ هذه الدول من أن تكون دولا دينية، كما أنّ تبنّيها للمذهب البراغماتي يصادم دعوى" مستر سنبلستي".. وها هم رجال الدين في هذه البلاد ينعون على دولهم تنكّرها لمبادئ المسيح!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 - أشار الأب الكاثوليكي ريموند براون Raymond Brown في كتابه: " وفاة المسيّا =The death of Te Messiah ="ص ص 507- 508 إلى مجموعة اعتراضات تشكك في كون المسيح هو" ابن الإنسان": * لم يسمّ أحد المسيح بهذا الاسم في الأناجيل. * لم يفسّر المسيح عبارة: " ابن الإنسان".. قلت: لم ينسب المسيح نبوءة دانيال عن" ابن الإنسان" إلى نفسه.. رغم ادعاء الأناجيل أنّه كان يطلق على نفسه هذا الاسم! * النصارى الأوائل لم يذكروا أنّ المسيح هو" ابن الانسان" في صلواتهم وعقائدهم. * استهزئ بالمسيح وهو على الصليب بأنّه يدّعي أنه سيهدم الهيكل وأنه المسيح وأنه ابن الله.. ولم يستهزأ بادعائه أنّه" ابن الإنسان" الهادم للامبراطورية الرابعة! المسيح نفسه قد ختم التراع، ورفع مبرر الاختلاف بقوله: " ليست مملكتي من هذا العالم، ولو كانت مملكتي من هذا العالم، لكان حرّاسي يجاهدون لكي لا أسلّم إلى اليهود.." (يوحنا 18: 36) وليس بعد هذا البيان، للمراء مجال! ذكر ريموند براون في كتابه السابق ص 513 أنّ بولتمان Bultmann وهاهن Hahn وتودت Todt وفولر) Fuller وهم من كبار النقاد) قد ذهبوا إلى أنّ المسيح قد تحدث عن" ابن الإنسان" على أنّه شخصية تظهر بعده لتدين الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 - التغنّي بانتشار النصرانية، ومحاولة إيهام القارئ أنّ النصرانية أسرع انتشارا من الإسلام، يؤكدان" بساطة" القس" بسيط".. وقد نقلنا في أوّل هذا الكتاب الشهادة، من غير المسلمين، لسرعة انتشار الإسلام التي لا نظير لها في عالمنا. ومن الذين أكّدوا هذا الأمر البابا يوحنا بولس الثاني المتوفى في بداية هذا القرن والذي سيلقي ربّا عادلا، في كتابه "=Crossing The Threshold of Hope =تخطّي عتبة الأمل" (وهو في الأصل لقاء صحفي مع البابا) ، في فصل" أقلية عند سنة 2000". إذ لم يملك هذا البابا" الذكي" أن ينكر ملاحظة الصحفي" المؤدب" من أنّ المسلمين، ولأوّل مرة في التاريخ، سيصبحون سنة 2000 م (اللقاء الصحفي كان قبلها بسنوات) أكثر من الكاثوليك، وإن كان قد عقّب على هذه الحقيقة بقوله أنّ العبرة ب" الكيف" لا ب" الكم" (ولا أدري عن أيّ" كيف" يتحدّث وهو نفسه الذي صرّح في نفس الكتاب في فصل" محمّد" أنّ: " تديّن المسلمين يثير الاحترام. إنّه من المستحيل ألّا تعجب بإخلاصهم للصلاة. إنّ صورة المؤمنين بالله، وهم لا يبالون بالزمان أو المكان، وهم يركعون ويستغرقون بأنفسهم في الصلاة، يبقى نموذجا للمبتهلين إلى الإله الحق، خاصة لهؤلاء النصارى الذين، وقد هجروا كاتدرائيتهم البديعة، يصلّون نادرا أو لا يصلّون البتة"The religiosity of =. Muslims deserves respect.It is impossible not to admire for example ,their fidelity to prayer.The image of، believers in Allah who, without caring about time or place, fall to their knees and immerse themselves in prayer remains a model for all those who invoke the true God, in particular for those Christians who, having deserted their magnificent cathedrals, pray only a little or not at all! =) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 الأدلة على أنّ دولة" الملكوت الأخير" هي دولة الإسلام تؤكدها أيضا الكتب الدينية اليهودية القديمة التي لا تعترف بها الكنيسة اليوم، فقد جاء مثلا في كتاب ديني قديم اكتشف سنة 1861 م في مدينة ميلانو الإيطالية داخل مكتبة، =Ambrosian Library =وتعود المخطوطة إلى القرن السادس ميلادي وهي باللغة اللاتينية عن أصل عبري أو آرامي ويرجح أنه تابع" للأسينيين"، واسمه" عهد موسى =The Testament of Moses ="وترفض الكنيسة الاعتراف بقانونيته، أنّ موسى أعطى لتابعه يوشع بن نون" كتابا قبل موته ينبىء بما سيحدث لليهود في العصور اللاحقة". وجاء فيه الحديث عن" خراب أول لليهود نتيجة فساد على يد ملك من الشرق حيث يحرق معبدهم العظيم ويسبيهم لبلاده. ثم يعيدهم الله للأرض الموعودة على يد ملك يرأف بهم ويعاد بناء الهيكل ويمدهم الله بالبنين والنفير. لكنّ الإسرائيليين يعودون لمعصية الله فيبعث عليهم ملكا من المغرب فيخرب بيت المقدس خرابا ثانيا ويحرق جزء من الهيكل المقدس. وهذا الخراب الثاني أشدّ من الخراب الأول. ثم تمر بعض الأحداث، ثم يظهر النبي المنتظر ومملكته الإلهية بعد 250 أسبوعا من وفاة موسى عليه السلام. " يقول صاحب كتاب" محمد صلى الله عليه وسلم في الترجوم والتلمود والتوراة.." ص ص 32- 37 إنّه بالرجوع إلى توراة اليهود، نفهم أنّ: الخراب الأول الذي حدث على يد ملك من الشرق لن يعدو خراب المملكة الإسرائيلية الشمالية على يد الملك الآشوري شلمناسر (ملوك ثاني 17) أو خراب مملكة يهوذا لجنوبية على يد نبوخذ نصر البابلي (ملوك ثاني 21) كلا الملكين من الشرق (شرق فلسطين لكن المرجح جدا هو الملك البابلي لأنّ تلك الحادثة أعظم وأشهد وهي التي خرب فيها الهيكل كما ذكرت النبوءة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 نصف قرن حاسم فيما يتعلق بالديانات (تأليف كيث و. ستامب) نحن نلقى الضوء على أهم تطورات الأديان الكبرى فى العالم سنة 1934 م- 1984 م العدد عام 1984 «2» العدد عام 1934 «1»   (1) المصدر: التقويم العالمى وكتاب الحقائق 1935 مجلة الحق الواضح (2) المصدر: التقويم والكتاب السنوى لمجلة «ريدرز دايجست» 1983. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 الخراب الثاني هو الذي حدث على يد قياصرة الروم سنة 70 م طيطس وسنة 135 م القيصر هدريان وهما من ملوك الغرب كما ذكرت النبوءة. حدد كتاب" عهد موسى"" الأسبوع" الذي يولد فيه النبي المنتظر، وهو بعد 250 أسبوعا من وفاة موسى. والأسبوع في اصطلاح أهل الكتاب أنفسهم هو" 7 سنين". لا يعرف التاريخ الدقيق لموت موسى عليه السلام، لكنه، بعد حساب زمن موت رمسيس الثاني وزمن تيه بني إسرائيل، تكون وفاة موسى سنة 1183 ق م. زمن ميلاد النبي المنتظر: 1183 ق م (أي سنة 1183 سلبا) 250 أسبوع (1750 سنة) - 1750- 1183- 567 (م) . وإذا أضفنا أسبوعا آخر (الأسبوع 251) ، 7 سنوات، لنحصّل المدة التي يظهر خلالها النبيّ المنتظر، تكون النتيجة أنّ النبي المنتظر سيظهر بين سنة 567 م وسنة 567 7- 574 م، وقد ولد محمد صلى الله عليه وسلم سنة 570 م! أورد عبد الحق الإسلامي المغربي، وهو من أحبار اليهود الذين أسلموا، في كتابه" الحسام الممدود في الردّ على اليهود"- المؤلف عاش في القرن الثامن هجري- النص العبري لرؤيا دانيال فقال: " ورأيت عند سحائب السماء كإبن آدم طالع محمد هو، ووصل إلى الربّ الأزلي، وبين يديه تقرب". قال".. محمد هو ... "!!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 بشارة" شيلون" لما حضر يعقوب عليه السلام الموت، وصّى بنيه وباركهم، وتحدّث عن كلّ ولد، وقال عن بنيه جميعا في شخص يهوذا: " لا يزول صولجان الملك من يهوذا ولا مشترع من صلبه حق يأتي شيلوه فتطيعه الشعوب" (سفر التكوين 49: 10) . النص الماسوري: النص السامري: الترجمة اليونانية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 الترجمة السريانية الشرقية: حيّرت هذه البشارة اللاهوتيين النصارى واليهود على السواء، حتى جاء في كتاب" قاموس الكتاب المقدس"- الذي أعده" نخبة من الأساتذة واللاهوتيين" والصادر عن مجمع الكنائس في الشرق الأدنى، ط 2، بيروت 1971 م، ص 536: " وقد حار العلماء في تفسير شيلون (ويكتبونه أيضا" شيلوه") ، وفهم المقصود منها".. وهو ما وقع فيه أيضا الدكتور ج. هـ. هرتز Hertz.H.J.Dr زعيم الربيّين اليهود، فقد كتب في الصفحة 407 من تعليقه على التوراة أنّ تفسير هذه النبوءة، وخاصة المقطع العبري" عد كي يبو شيلوه" من الصعب فكّ معناه! .. أما معجم الكتاب المقدس Dictionary ==Zondervan s Compact Bible ص 547 فقد قال في التعليق على هذه الكلمة: " ... كلمة غامضة المعنى يعتبرها كثير من اليهود والمسيحيين إشارة إلى المسيّا"!!!؟ الحبر المهتدي عبد السلام- أسلم في عهد السلطان بايزيد الثاني- كانت ترجمته للنص هكذا: " لا يزول الحاكم من يهوذا ولا راسم من بين رجليه، حتى يجيء الذي له، وإليه تجتمع الشعوب. " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وقد قال في كتابه" الرسالة الهادية": " وفي هذه الآية دلالة على أن يجيء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعد تمام حكم موسى وعيسى، لأنّ المراد من" الحاكم" هو موسى، لأنه بعد يعقوب ما جاء صاحب شريعة إلى زمان موسى إلا موسى، والمراد ب" الراسم" هو عيسى لأنه بعد موسى إلى زمان عيسى ما جاء صاحب شريعة إلا محمد، فعلم أنّ المراد من قول يعقوب في آخر الأيام، هو نبينا محمد عليه السلام لأنه في آخر الزمان بعد مضي حكم" الحاكم" و" الراسم" ما جاء إلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ويدل عليه أيضا قوله" حتى يجيء الذي له" أي" الذي له الحكم" بدلالة مساق الآية وسياقها، وأما قوله" وإليه تجتمع الشعوب" فهي علامة صريحة ودلالة واضحة على أنّ المراد منها هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه ما اجتمعت الشعوب إلا إليه وإنما لم يذكر" الزبور" لأنه لا أحكام فيه وداود النبي تابع لموسى والمراد من يعقوب هو صاحب" الأحكام". وقد سار بهذا الاتجاه في فهم النص أيضا البحاثة محمد رضا أحد علماء اليهود الإيرانيين الذي أسلم سنة 1237 هـ في كتابه الذي يحمل اسم" منقول الرضائي" وقد كتبه بالعبرية ثم ترجمه إلى الفارسية علي بن حسين الحسيني الطهراني وسماه" إقامة الشهود في ردّ اليهود" وقد طبعت الترجمة طبعة حجرية والنص موضع البحث في الصفحة 132 منها-، والعلامة رحمة الله الكيرانوي.. وكذلك البحاثة محمد صادق فخر الإسلام أحد علماء النصارى الإيرانيين الذي أسلم في بداية القرن 14 هجري في كتابه" أنيس الأعلام في نصرة الإسلام" بالفارسية ج 5: 73- 76 طبع سنة 1354 هجرية شمسية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 وأشار القسيس المهتدي عبد الأحد داود إلى أنّ الكلمة العبرية" شيلوه" (شيلون) لم تتكرّر في العهد القديم. وأثار ثلاثة احتمالات للحروف الأربعة التي تتألف منها كلمة شيلوه" ش. ي. ل. هـ": الاحتمال الأول: هو الاحتمال الذي تبناه مترجمو ال" بشيطتا" وهو ان الكلمة أصلها" شلو" وتعني" الذي تخصه"" الذي تعود له"، وحسب ذلك فإن معنى النبوءة سيظهر ببساطة ووضوح على النحو التالي: " أنّ الطابع الملكي المتنبيء لن ينقطع من يهوذا إلى أن يجيء الشخص الذي يخصه هذا الطابع، ويكون له خضوع الشعوب" الاحتمال الثاني: وهو ان تقرأ" شلواه" التي تعني المسالم، الهادئ، الوديع، الموثوق. مشتقة من الفعل" شله". الاحتمال الثالث: وهو أن يكون أحد الناسخين عن طريق السهو او الخطأ بانزلاق القلم قد فصل الجانب الايسر من الحرف الاخير" حاء" فتحول إلى الحرف" هاء" لان الحرفين متشابهان جدا مع فرق ضعيف في الجانب الايسر. واذا ما نقل خطأ كهذا إلى المخطوط العبري، سواء عمدا او سهوا- فالكلمة عندئذ تكون مشتقة من" شلح" بمعنى" أرسل" ويكون اسم المفعول" شلوح" وتعني" المرسل، الرسول". وبيّن بعد ذلك المصداق الواقعي لهذه النبوءة، بقوله: " وبالطبع لا جدال في أنّ كلا من اليهود والنصارى يؤمنون بأن هذه البركة احدى أبرز التنبوءات المسيحانية". ويمكن طرح الحجة التالية لتأييد ان هذه النبوءة القديمة جدا قد تحققت حرفيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وعمليا في" محمد صلى الله عليه وسلم فالتعابير المجازية مثل" الصولجان" و" المشرع" هناك إجماع بين المعلقين أو الشراح أن ذلك معناه السلطة الملكية والنبوة على التوالي. تطبيق الاحتمال الأول: ولنحاول اتباع الاحتمال الاول ل" شيلوه" كما جاء في ترجمة" البشيطتا" وهو: " الشخص الذي تخصه". وهذا يعني عمليا" صاحب الصولجان والشريعة" او الذي يمتلك السلطة وحق التشريع وتخضع له الشعوب. إذن من يكون هذا الامير القوي والمشرع العظيم بالتأكيد ليس موسى، لانه كان اول منظّم لاسباط إسرائيل الاثني عشر، ولم يظهر قبله أي نبي أو ملك في سبط يهوذا؟ وحتما، ليس داود لأنه كان أول ملك نبي ينحدر من نسل يهوذا. ومن الواضح أنه ليس عيسى المسيح، لانه هو نفسه رفض الفكرة القائلة ان المسيح الذي كانت تنتظره اسرائيل كان احد ابناء داود: إنجيل متى 22: 44- 45، وإنجيل مرقس 12: 35- 37، وإنجيل لوقا 20: 41- 44. ولم يترك قانونا مكتوبا، كذلك فإن عيسى لم ينقض شريعة موسى بل أعلن بوضوح انه قدم لتحقيقها. كما أنه لم يكن آخر الانبياء، لأن بولس يتحدث بعده عن أنبياء عديدين في الكنيسة. أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد جاء بالقوة العسكرية، وحل القرآن محل الصولجان اليهودي القديم البالي والشريعة القديمة غير العملية، التي تقوم على الرهبنة الفاسدة. ونادى" محمد" بأنقى الاديان وهو توحيد الإله الحق، ووضع أفضل القواعد العملية والضوابط الأخلاقية والسلوكية للبشر. تطبيق الاحتمال الثاني: والاحتمال الثاني: للكلمة أي أنها كانت" شلواه" أي" الهادئ المسالم، الأمين الوديع" فهو ذو أهمية مساوية لصالح محمد صلى الله عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 وسلم. ومن الحقائق المعروفة جيدا في تاريخ نبي بلاد العرب أنه قبل دعوته إلى الرسالة كان كثير الهدوء والمسالمة ومحلا للثقة. وكان أهل مكة يسمونه" محمد الأمين" وعند ما خلع عليه أهل مكة لقب الأمين هذا، لم تكن لديهم أدنى فكرة عن" شلواه". اما بالنسبة للاحتمال الثالث أي أن تكون محرفة عن" شلوح" أي" الرسول أو المبعوث" وفي هذه الحالة فإنه يتطابق حتما مع اللقب العربي للنبي، والذي يتكرر كثيرا في القرآن وهو" الرسول" و" شلوح الوهيم" بالعبرية هي بالضبط" رسول الله" وهذه العبارة ترتل خمس مرات كل يوم عند ما يؤذن المؤذنون للصلاة فوق جميع المآذن في العالم. والآن فمهما كانت وجهة النظر التي نحاول أن ندرس ونمحص فيها نبوءة يعقوب هذه، فإنا مضطرون بحكم تحققها في محمد صلى الله عليه وسلم أن نسلم بأن اليهود ينتظرون عبثا مجيء" شيلوه" آخر، وأن النصارى مصرون على خطئهم في الاعتقاد ان عيسى كان هو المقصود ب" شيلوه". ويحدثنا الإمام ابن حزم الأندلسي في كتابه الفذ" الفصل في الملل والأهواء والنحل" أنه كان لليهود في الأندلس رئيس عليهم من نسل داود عليه السلام، وأنه لما قال ابن حزم لرأس الجالوت (رأس الجالوت: منصب يتعهد من تولاه بتنظيم شؤون اليهود) : إنّ الملك قد زال من اليهود، وبما أنه قد زال فإنّ النبي المنتظر قد جاء- لأنّ يعقوب عليه السلام تنبّأ عن مجيء" شيلون" إذ زال الملك من اليهود- قال رأس الجالوت: إنّ الملك إلى الآن لم يزل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 قال ابن حزم في قول يعقوب عليه السلام ليهوذا ابنه: " لا ينقطع من يهوذا المخصرة، ولا من نسله قائد، حتى يأتي المبعوث الذي هو رجاء الأمم" (سفر التكوين 49: 10) : " وقد قرّرت على هذا الفصل أعلمهم وأجدلهم وهو شموئيل بن يوسف اللاوي، الكاتب المعروف بابن النغرالي في سنة أربع وأربعمائة (ابن حزم توفي عام 456 هـ) . فقال لي: لم تزل رؤوس الجالوت ينتسلون من ولد داود وهم من بني يهوذا. وهي قيادة وملك ورياسة. فقلت: هذا خطأ، لأنّ رأس الجالوت لا ينفذ أمره على أحد من اليهود ولا من غيرهم".. زعم القس عبد المسيح بسيط أبو الخير في كتابه: " هل تنبّأ الكتاب المقدس عن نبي آخر يأتي بعد المسيح؟ " ص 29- 44 أن الأمر كان شديد الوضوح بالنسبة لليهود ولنصارى، من أنّ هذه البشارة هي خاصة بالمسيح المنتظر. وأنّ موضوع البشارة" شيلوه" هو عند النصارى منذ القديم، " يسوع". وأنّه قد ظهر على الأرض مع زوال ملك اليهود سنة 6 م- 7 م! ونقول: ما نقلناه في بداية الحديث عن هذه البشارة يكذّب زعم القس" البسيط" أنّ اليهود كانوا على بيّنة لا يشوبها شك منها. هذه النبوءة لا يمكن أن تتعلق بعيسى عليه السلام، ويكفي أن نذكر، كما نقل ذلك البحّاثة فديارتي في كتابه" محمد في الأسفار المقدسة العالمية =Muhammad in World Scriptures =هامش ص 161، أنّ المؤرخين النصارى الأوائل ما زعموا انطباق هذه النبوءة على عيسى عليه السلام.. وإنما ظهر هذا الزعم بين النصارى منذ سنة 1538.. وقد دخل بعد ذلك في الكتاب المقدس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 الألماني =Sebastian Munsters German Bible =الذي رفضه جلّ النقاد النصارى ومنهم أسقف وستمنستر!!!؟ فالنبوءة عند النصارى تتلوّن" بتلوّن" الأمزجة، وتتغيّر بتغيّر الأزمنة، وتتبدلّ بتبدّل الأقنعة!! يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن ... وإن لاقيت معدّيا فعدناني من المعلوم أنّ عيسى ما كانت له سلطة دنيوية في زمانه، فهو أبعد الأنبياء عن هذه النبوءة الشيلونية. إنّ الأناجيل التي كرّرت في أكثر من مرّة، ودون داع، أنّ عيسى هو موعود التوراة، ما أشارت إلى كون" يسوع" هو" شيلون".. فكيف يدرك الأحفاد المتأخرون ما لم يدركه الأصحاب الذين وصلوا مباشرة بالروح القدس، والذين نقلوا بأمانة (!!!) أخبار يسوع الكنيسة!! هل غفل الروح القدس عن إعلام النصارى وعلى رأسهم البابا المعصوم بالحقيقة المخفية لهذه البشارة الخلاصية في القرون الميلادية الأولى؟!! من الكذب الصريح، الزعم أنّ اليهود قد فقدوا سلطانهم الأرضي (السياسي) في التاريخ الذي ادّعاه القس البسيط.. لأنّ الرومان هم الذي كانوا يحكمون القدس في ذاك الزمان وإن منحوا اليهود بعض السلطات التي لا تخرجهم عن كونهم تابعين للرومان، وكذاك كان حالهم بين المسلمين. ظاهر أنّ هذا" الشيلوه" سيكون صاحب سلطان مادي وصولجان أرضي مخضع لشعوب الأرض، وهو ما فهمه أيضا فريق من اليهود (وقد أفرط القس" البسيط" في الاستسهاد بتفسيراتهم!!؟) .. فقد جاء مثلا في ترجوم ":Yerushalymi لن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 يتوقف الملوك من بيت يهوذا ... حتى مجئ الملك المسيّا ... الذي ستخضع له كل سيادات الأرض". وهو ما لم ينله يسوع المسيح الكنسي صاحب الملكوت السماوي! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 " الحجر الذي رفضه البنّاؤون" تحدّث عيسى عليه السلام عن انتقال" ملكوت الله" من بني إسرائيل إلى غيرهم من خلال ما جاء في سفر التكوين 21: 13- 18، فقال واصفا هذا" الغير" بما جاء في سفر التكوين بأنه" الحجر الذي رفضه البنّاؤون".. قال في إنجيل متّى 21: 33- 46: " اسمعوا مثلا آخر: غرس إنسان ربّ بيت كرما، وأقام حوله سياجا، وحفر فيه معصرة، وبنى فيه برج حراسة. ثمّ سلّم الكرم إلى مزارعين وسافر. ولمّا حان أوان القطاف، أرسل عبيده إلى المزارعين ليتسلم ثمر الكرم. فقبض المزارعون على العبيد، فضربوا أحدهم، وقتلوا غيره، ورجموا الآخر بالحجارة. ثمّ أرسل ربّ البيت ثانية عبيدا آخرين أكثر عددا من الأوّلين. ففعل المزارعون بهؤلاء ما فعلوه بأولئك. وأخيرا أرسل إليهم ابنه، قائلا: سيهابون ابني! فما إن رأى المزارعون الابن حتّى قال بعضهم لبعض: هذا هو الوريث! تعالوا نقتله فنستولي على ميراثه. ثمّ قبضوا عليه، وطرحوه خارج الكرم، وقتلوه! فعندما يعود ربّ الكرم، ماذا يفعل بأولئك المزارعين؟ " أجابوه: «أولئك الأشرار، يهلكهم شرّ هلاك. ثمّ يسلم الكرم إلى مزارعين آخرين يؤدّون له الثمر في أوانه. " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 فقال لهم يسوع: «ألم تقرأوا في الكتاب: الحجر الذي رفضه البناة، هو نفسه صار حجر الزاوية الأساسي. من الربّ كان هذا، وهو عجيب في أنظارنا لذلك أقول لكم: إنّ ملكوت الله سينزع من أيديكم ويسلم إلى شعب يؤدي ثمره. فأيّ من يقع على هذا الحجر يتكسّر، ومن يقع الحجر عليه يسحقه سحقا! " ولمّا سمع رؤساء الكهنة والفريسيّون المثلين اللّذين ضربهما يسوع، أدركوا أنّه كان يعنيهم هم. " ومع أنّهم كانوا يسعون إلى القبض عليه، فقد كانوا خائفين من الجموع لأنّهم كانوا يعتبرونه نبيّا". وقد ورد ذكر هذا" الحجر المرفوض" أيضا في: مزمور 118: 21- 22: " أشكرك لأنّك استجبت لي وصرت لي مخلصا. الحجر الذي رفضه البنّاؤون قد صار رأس الزاوية. " إشعياء 8: 14: " فيكون لكم مقدسا. أمّا لبيتي إسرائيل، فيكون حجر صدمة وصخرة عثرة، وفخّا وشركا لساكني أورشليم. " يزعم النصارى أنّ" الحجر الذي رفضه البنّاؤون" هو" يسوع الناصري"، لكنّهم يتخبّطون للوصول إلى مرادهم من خلال هذا المثل، إذ يفسّرونه على غير ما تقتضيه قواعد فهم النصوص، نازعين منه غاية معناه وهو البشارة بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وأمته من ورائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 إنّ رموز هذا المثل ناطقة بحقيقة المعنى الصادق ولكنّ من استوطن قلبه التعصّب للمواريث النصرانية يتأبّى على الفهم السليم ويستعصي على إسلام روحه للدليل. إنّ الرموز واضحة ناطقة بالحقيقة: ربّ البيت: ربّ الأرض والسماء. غرس الكرم: توضيح العقائد وإنزال الشرائع. الكرّامون: بنو إسرائيل. الثمر: العمل الصالح النابع من الاعتقاد السليم. السياج والمعصرة والبرج: الأوامر والنواهي ورعاية الله لهذا الشعب. العبيد: أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام. سافر: تركهم فترة ليرى مدى تمسّكهم بعقيدة التوحيد والتزامهم بشريعة الله. يأخذ أثماره: طالبهم بالالتزام. جلدوا بعضا وقتلوا بعضا ورجموا بها: أي فعلوا ذلك بالأنبياء. عبيدا آخرين: أنبياء آخرين فعلوا بهم ما فعلوه بالأنبياء السابقين. أرسل ابنه: كلمة" الابن" مدسوسة، والدليل ورود نفس المثل في إنجيل برنابا الفصل 46 ص 72 ترجمة الدكتور خليل سعاده، دون ذكر كلمة" الابن". ومن الواضح أنّ المقصود بهذه الكلمة" عيسى بن مريم" عليهما السلام، ولن نناقش هنا كيف أدخلت كلمة" الابن" في الأناجيل. والحمد الله على أنّ محرّف أقوال المسيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 لم يفرط في تغيير الصورة الأصلية لهذا المثل، فلم يفسد معناه، وبقيت البشارة فيه واضحة صريحة. كرّامون آخرون: أمّة أخرى غير أمّة بني إسرائيل. يعطونه الأثمار: يلتزمون بعقيدة التوحيد والشريعة الإلهية، ويحملون هذه الدعوة إلى جميع الناس. الحجر المرفوض: رجل من نسل إسماعيل الذي لم يخرج من عقبه نبي (وقد خرج من نسل أخيه إسحاق عدد كبير جدا من الأنبياء والرسل) ، وقد جاءت البشارة لإسماعيل بالمباركة في نسله في سفر التكوين 17: 20، ومعلوم أنّ هذه المباركة لا تكون بنسل (أمم) كافر وإنما بنسل ملتزم بدعوة الله سبحانه، ومما لا بدّ منه في هذه الصورة هو خروج نبي يهدي قومه- من نسل إسماعيل- إلى دين الله الحق: دين التوحيد، ملّة إبراهيم الخليل عليه السلام. حجر الزاوية الأساسي: أهم لبنات البناء: أعظم الأنبياء. ملكوت الله: الملك الأرضي الذي يحكم بما أنزل الله من شرع. هو عجيب في أنظارنا: أهل الملكوت ما كانوا يتصوّرون انتقال الملكوت منهم إلى غيرهم. الأصل اليوناني لكلمة" عجيب" هو" ثوماستوا =Thaumastoa ="ومن معاني هذه الكلمة كما هو في معجم ":Lexicon ==The KJV New Testament Greek: مستحق الحمد"!! من يقع على هذا الحجر يتكسّر: يحاول أعداء النبي الموعود اغتياله لكنهم يفشلون، وتتهشّم محاولاتهم على صخرة عصمة الله لدمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 من يقع عليه الحجر يسحقه سحقا: إذا توجّه هذا النبي وأتباعه لغزو قوم، هزموهم وحطّموا دولتهم وسحقوا إفكهم. هذه الرموز ناطقة بالحقيقة، مصرّحة بصورة ليس فيها التباس أنّ هذا المثل هو بشارة بمحمد صلى الله عليه وسلّم وبأمّته، وما هو بحديث من عيسى عليه السلام عن نفسه. أمّا أنّ هذا المثل ما هو إلا بشارة بمحمد صلى الله عليه وسلّم فإنّ شخوصه وأحداثه، تفاصيلها وتسلسلها، يكشفان أنّ الحديث هو عن خاتم النبيّين وأمّته، مما يجعل كلّ زعم مخالف لذلك مجرّد لغو وافتراء على هذا المثل الإنجيلي. الشرح الواقعي لمثل" المزارعين القتلة": أرسل الله سبحانه (ربّ البيت) إلى بني إسرائيل (المزارعين) أنبياءه (عبيده) بالشرائع والعقائد وطالبهم بالالتزام بها (لأخذ أثماره) ، لكنّ بني إسرائيل (المزارعون.. القتلة) قبضوا على هؤلاء الأنبياء (العبيد) فضربوا البعض وقتلوا البعض ورجموا البعض الآخر بالحجارة. ثم أرسل الله سبحانه (ربّ البيت) أنبياء آخرين (عبيدا آخرين) إلى بني إسرائيل (المزارعين) ففعل بهم بنو إسرائيل ما فعلوا بالسابقين. وأخيرا أرسل الله نبيّه الحبيب عيسى (إبنه!) وأيّده بالمعجزات الباهرة التي تؤكد صلته بالله سبحانه مما من شأنه أن يكبح جماح الترعة الدموية عند بني إسرائيل (قائلا: سيهابون إبني) لكنّ بني إسرائيل لم يترددوا في استئناف إشباع نهمتهم المرضية لسفك دماء الأنبياء قائلين لبعضهم: هذا هو المسيح، وقد ظنوا بعد تحريفهم لصفات هذا المسيح أنه سيكون صاحب سلطة دنيوية تخضع له بسببها الشعوب (هذا هو الوريث) تآمروا فيما بينهم لقتله (تتناقض الأناجيل في هذه النقطة، ففي إنجيل متّى 21: 39 وإنجيل لوقا 20: 15 جاء أنّ المزارعين قد أخذوا الإبن خارج" الكرم" ثم قتلوه، في حين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 جاء في إنجيل مرقس 12: 8 أنّ المزارعين قد قتلوا الابن ثمّ أخذوه خارج" الكرم" ... ) وظنوا أنهم قتلوه. يزعم المثل قتل" الابن".. وهذا تحريف للصورة الأصلية لهذا المثل. وقد جاء ذكر هذا المثل في إنجيل توما والذي هو أقدم تأليفا من جميع هذه الأناجيل الأربعة بصورة غير مطابقة لما جاء في إنجيل متّى، وهذا ما يرفع عصمة النقل الحرفي عن إنجيل متّى لهذا المثل- بعد ذلك منح الله السلطة الدينية والدنيوية (دولة تحكم بشرع الله) (ملكوت الله) لنبي يبعث من نسل إسماعيل (الحجر الذي رفضه البنّاؤون) لينشر الحق في الأرض ومن بعده تتولّى أمته تنفيذ هذه المهمة وآداء الرسالة (شعب يؤدي ثمره) ومن يحاول أن يغتال نبي الإسلام يفشل في ذلك (من يقع على هذا الحجر يتكسّر) ومعلوم من دراسة سيرة الحبيب صلّى الله عليه وسلّم أنّه قد تعرض لمحاولات اغتيال كثيرة، وجاءته من الله طمأنة له أنّ أحدا لا يستطيع قتله في قوله سبحانه" والله يعصمك من النّاس" (سورة المائدة 67) - وقد أخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن عائشة قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحرس حتى نزلت" والله يعصمك من الناس" فأخرج رأسه من القبة فقال: أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله. قال الحاكم في المستدرك: صحيح الإسناد ولم يخرّجاه- وإذا أراد هذا النبي الكريم، وأمّته من بعده ما استقامت على قرآنه وسنّته، سحق طائفة من أهل الباطل فهم قادرون على ذلك، بإذن الله (ومن يقع الحجر عليه يسحقه سحقا) . وللأمانة نقول أنّ العدد 44 من الفصل 21 من إنجيل متّى مضاف مزيّد في النص النصّ، لا أصل له في أقدم المخطوطات، ومنها it 33 D: ولذلك حذف من أهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 التراجم الحديثة للكتاب المقدّس كترجمة" ندوة عيسى"" المسماة" ترجمة النقاد =Scholars Version =و" الترجمة القياسية المراجعة.Standard Version ==The Revised "وجاء في هامش ترجمة" الكتاب المقدس الأمريكي الجديد ": =The New American Bible =جلّ الشواهد النصيّة أسقطت هذا النص، وهو ربما إضافة مبكّرة في إنجيل متّى من إنجيل لوقا 20: 18..".. وعلى كلّ حال فهذا العدد" فأيّ من يقع على هذا الحجر يتكسّر، ومن يقع الحجر عليه يسحقه سحقا" موجود في إنجيل لوقا 20: 18 في نفس المثل" مثل المزارعين القتلة": " من يقع على هذا الحجر يتكسّر، ومن يقع الحجر عليه يسحقه سحقا". فلا إشكال في الاستشهاد به لتفسير هذه النبوءة.. لكن، يزعم النصارى أنّ هذا المثل يشير في خاتمته إلى عيسى عليه السلام- أو يسوع على حد تعبيرهم الباطل تاريخيا- إذ أنّ عيسى هو حجر الزاوية، الذي رفضه البنّاؤون، من يقع عليه يتكسّر، ومن يقع هو عليه يسحقه، سحقا معنويا بخسارة أرباحه الدنيوية وتجارته الدينية. هذا الزعم الكنسي باطل، مخالف لمعنى المثل، ونحن نرفضه لأسباب عدّة منها: خاطب عيسى بني إسرائيل قائلا لهم: " إنّ ملكوت الله سينزع من أيديكم ويسلم إلى شعب يؤدي ثمره".. ومعلوم أنّ عيسى إسرائيلي (من بني إسرائيل: متّى 15: 24، يوحنا 4: 9، متّى 10: 5- 7، متّى 15: 26) وخطابه لقومه (بني إسرائيل) يعني صراحة أنّ من سيسلّمون" ملكوت الله" هم أمّة أخرى غير بني إسرائيل، وبالتالي يخرج هذا المثل في خاتمته عن أن يكون بشارة بعيسى عليه السلام لأن عيسى ليس" من غير بني إسرائيل"، أي أنه ليس من الأمة الموعودة باستلام الملكوت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 - جليّ أنّ" الابن" الذي هو عيسى قد جاء قبل الشعب الأخير الذي" يعمل أثماره"، ومعلوم أنّ الشعب الأول الذي منه" الابن" هو" بني إسرائيل". فالبشارة إذن بأمة أخرى غير بني إسرائيل وبنبي آخر يظهر بعد محاولة قتل" الابن". يقول داود عليه السلام في المزمور 118: 22- 23: " الحجر الذي رفضه البنّاؤون قد صار رأس الزاوية. من لدى الربّ كان هذا وهو مدهش في أعيننا". فلو كان" الحجر" رأس الزاوية" هو عيسى لما كان هذا الأمر مثيرا للدهشة المذكورة في المزمور إذ أن بني إسرائيل قوم بعثت إليهم أعداد كثيرة من الأنبياء، وإنما الدهشة تكون من نبي آخر الزمان الذي تقفل بعده النبوّات، ويكون من النسل" المنسيّ": من نسل إسماعيل! " من يقع على هذا الحجر يتكسّر، ومن يقع الحجر عليه يسحقه سحقا! ". وقوع الحجر كما هو ظاهر من التراجم الانجليزية للكتاب المقدس خاصة، يعني إعلان الحرب أو الصراع وما يترتب على ذلك من هزيمة وانكسار.. انظر مثلا: سفر القضاة 15: 12، سفر التكوين 43: 18، سفر الخروج 5: 3.. لا تصحّ نسبة هذا الأمر إلى عيسى الذي كاد اليهود والرومان أن يقتلوه (وهو قد قتل عند النصارى الذين ألهوه!!؟) لولا معجزة إلهية انتشلته من بين أيديهم. وعيسى أيضا هو الذي قال في إنجيل يوحنا 12: 47: " وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه، لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلّص العالم".. أما نبي الإسلام فقد حطّم صلوات الله عليه وسلّم وأمّته من بعده الامبراطورية الفارسية العريقة وحجّموا الامبراطورية الرومانية المترامية الأطراف. لقد كان مدّ الإسلام عاتيا انهدّت أمامه القلاع وتهاوت الجبال الرواسي مع أوّل قعقعاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 إنّ النصارى يعتقدون أنّ اليهود قد وقعوا على عيسى فحطّموه (قتلوه) ، فكيف ينسبون هذه البشارة إلى كونها حديثا عن انتصار المسيح على أعدائه. وأخيرا تأمل هذا الحديث النبوي الشريف من لسان الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلّم: " مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى بيوتا، فأحسنها وأجملها وأكملها إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها، فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان فيقولون: ألا وضعت هاهنا لبنة، فيتم بنيانك، فقال محمد صلى الله عليه وسلم: " فكنت أنا اللبنة" (أخرجه البخاري ومسلم) . أظنّ أننا قد وصلنا الآن إلى خاتمة الشبهات الكليّة (لا التفصيلية المتعلقة بكلّ بشارة على حده وهو ما سنعرض له في ما سيأتي إن شاء الله!) وأخرسنا بحمد الله وساوس النصارى وشبهاتهم حول حقيقة البشارة بنبي الإسلام صلوات الله وسلامه عليه في ما يسمّى" الكتاب المقدس" وأصبح الأمر واضحا لكلّ ذي عينين.. وما للمحادين للنور إلا الكيد والمكر وإثارة غبار الشبهات وإذكاء نار الشهوات. ما عندهم عند التناظر حجّة ... أنّى بها لمقلّد حيران لا يفزعون إلى الدليل وإنما ... في العجز مفزعهم إلى" الشيطان"! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 بشارات من" الكتاب المقدس" ابن وجه قول الحقّ في صدر سامع ... ودعه، فنور الحقّ يسري ويشرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 نعرض بين يديك باقة منتقاة ونخبة مجتباة من بشارات الأنبياء الأوائل عليهم السلام، ببعثة سيّد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، علما أنّنا لم نستوعب كلّ البشارات لكي لا نثقل على القارئ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 " أحمد" جاء في سفر حجّي 2: 7: " ويأتي مشتهى كلّ الأمم". بعد قرنين من الزمان، وبعد أن سقطت مملكة إسرائيل الوثنية الجاحدة، وبعد أن تمّ نفي جميع الأهالي من القبائل العشرة إلى بلاد الآشوريين وقام الكلدانيون بتدمير القدس وتدمير هيكل سليمان تدميرا كاملا، ونجاة البقية المتبقية من أبناء يهوذا وبنيامين من الذبح فقد نقلوا إلى بلاد بابل، وبعد مدة سبعين سنّة من النفي، سمح لليهود بالعودة إلى بلادهم، مع منحهم الصلاحية الكاملة لإعادة بناء مدينتهم المحطمة وهيكلهم. وعند ما وضعت الأساسات لبناء بيت الربّ الجديد، قامت صيحات من الصخب والفرح والتهليل بين المجتمعين من اليهود، بينما قام الكبار من الشيوخ والنساء الذين شاهدوا من قبل هيكل سليمان الراسخ، بالعويل والبكاء المرير، وخلال تلك الفرصة النادرة أرسل الله خادمه النبي" حجّي" ليسرّي عن هؤلاء المحزونين ومعه هذه الرسالة الهامة: " ولسوف أزلزل كلّ الأمم، وسوف يأتي" حمدا" لكل الأمم، وسوف أملأ هذا البيت بالمجد، كذلك قال ربّ الجنود، ولي الفضة، ولي الذهب، هكذا يقول ربّ الجنود، وإنّ مجد ذلك البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول، هكذا يقول ربّ الجنود، وفي هذا المكان أعطي السلام، هكذا يقول ربّ الجنود". قبل أن نمضي في تفسير هذه النبوءة، لا بدّ أن نشير إلى اختلاف تراجم الكتاب المقدس في عبارة" ويأتي مشتهى كلّ الأمم" فقد جاء هذا المقطع على هذه الصيغة في تراجم كثيرة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 " الترجمة العالمية الحديثة" :The New International Version = and the desired of all nations will come= والترجمة التقليدية" ترجمة الملك جيمس =and the desire of all nations =:The King James Version =وهو أيضا ما جاء في ترجمة" داربي The Darby Translation = And the desire of all te nation shall come= وترجمة" يونغ": :Youngs Translation the desire of all the nations and they have come لكنّ تراجم انجليزية أخرى ك" الترجمة القياسية والمراجعة، Revised standard version ==The "والترجمة الكاثوليكية" الكتاب المقدس الأمريكي الجديد، =The New American Bible ="تقول تقريبا نفس ما جاء في الترجمة العربية للكتاب المقدس" كتاب الحياة" سفر حجي 2: 7: " فتجلب نفائسها إلى نفس المكان". كما ترى، اضطرب مترجمو الكتاب المقدس إلى الإنجليزية في ضبط هذه العبارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 في لغة القوم. ومما لا شكّ فيه أنّ هذا الاضطراب والعجز يعودان إلى إهمال هؤلاء الباحثين ضبط النصّ على وجهه السليم.. ولو أنهم عقلوا وتدبّروا لما ساحوا في بيداء هذه المعاني التي يخترعونها كلّما أرادوا إصلاح ترجماتهم المحرّفة.. زعموا إصلاحا وما بلغوه لأنهم لم يسلكوا طريقه! والحق في هذه المسألة هو ما ذكره عبد الأحد داود في كتابه" محمد (صلى الله عليه وسلّم) في الكتاب المقدس" ص ص 51- 54 (بتصرف) .. إذ يقول مؤكدا أنّ ما جاء في سفر حجّي ما هو إلا نبوءة عن مقدم نبي الإسلام صلّى الله عليه وسلّم" أحمد": لنأخذ كلمة" حمدا" (وهي الأصل العبري لكلمة" مشتهى" الموجودة في النص الذي بين أيدينا) ، ولعلّي لست مخطئا، فإنها تقرأ باللغة العبرية الأصلية هكذا" في يافو حمداث كول هاجوييم" والتي تعني حرفيا: " وسوف يأتي حمدا لكل الأمم". والحرفان" ها" في اللغة العبرية يقابلهما في اللغة العربية" ال" للتعريف، أو" ل" عند ما تكون في حالة الجرّ، والكلمة مأخوذة من اللغة العبرية القديمة أو لعلها الآرامية وفي الأصل" حمد" بالحرف الساكن، ويلفظ بدون التسكين" حمد". وفي اللغة العبرية" حمد" تستعمل عادة لتعني" الأمنية الكبيرة" أو" المشتهى" أو" الشهية" أو" الشائق". وقد جاء في الوصية التاسعة من الوصايا العشر" لو تاهمود إيش رايخا" ومعناها" لا تشته زوجة جارك" وفي اللغة العبرية يأتي الفاعل" حميدا" من نفس الحرف الساكن" حمد" ومعناها" الحمد" وهكذا.. وهل هناك شيء أكثر من المدح أو حسن الأحدوثة يتوق إليه البشر ويشتهيه الإنسان أو يرغب فيه؟ وأيّا من المعنيين تختار، فإنّ الحقيقة الناصعة تبقى بأنّ كلمة" أحمد" هي الصيغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 العربية لكلمة" حمدا" وهذا التفسير هو تفسير قاطع لا مراء فيه ولا شكّ. إنّ القرابة، والعلاقة والتشابه بين هذين التعبيرين" حمدا" و" أحمد" وكذلك التشابه في الأصل ل" ح م د" الذي اشتق الاسم منهما، لا يترك أدنى جزء من الشك بأنّ المفهوم من الجملة" وسوف يأتي حمدا لكلّ الأمم" إنما هو" أحمد" أي" محمد" ولا توجد أدنى صلة في أصل الألفاظ ولا في تعليلها بين كلمة" حمد" وبين الاسماء الأخرى مثل" يسوع" أو المسيح أو المخلّص، حتى ولا في أيّة ناحية من توافق الأصوات أو التشابه بينها. أما فيما يتعلّق بكلمة" شالوم" فإنّ أي عالم في السامية يعرف تماما أنّ" شالوم" و" إسلام" هما كلمتان مشتقتان من أصل واحد، وتعنيان نفس المعنى، وهو السلام والإذعان والاستسلام. إذا أخذنا هذه النبوءة بالصيغة التجريدية لكلمتي" حمدا" و" شالوم" على أنهما" الأمنية" و" السلام"، فحينئذ تصبح تلك النبوءة بلا معنى. " قلت: ذكر جودفري هجيتر Godfrey Higgins في كتابه الهام في الآثار =Anacalypsis ==ص 679 أنّ كلمة" حمد" هي بشارة صريحة باسم نبي الإسلام، ونقل عن باركهرست Parkhurst قوله: " مدّعي النبوّة" محمد" أخذ اسمه من هذه الكلمة". وهذا اعتراف صريح من رجل كافر بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلّم بأنّ هذه الكلمة الواردة في سفر حجّي ما هي إلا اسم نبي الإسلام، ولا يلتفت قطعا إلى هذره في قوله إنّ نبي الإسلام قد" اقتبس" اسمه من هذه النبوءة! إذ لا حجّة له وإنما دفعه يقينه بحقيقة هذه البشارة إلى ردّها بهذا الاعتراض الأجوف، الذي ولد مخنوقا!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 يعترض النصارى على هذه النبوءة، بزعمهم أنها تشير إلى الهيكل الذي سيتمجّد عند ظهور المسيح الذي سيدخله. وهذا الاعتراض باطل لا يصح، وهش لا يثبت، لعدم وجود الإشارة إلى المسيح في هذا النص، في حين أنّه قد جاء ذكر اسم نبي الإسلام فيه تصريحا لا تلميحا، فزعم النصارى إسقاط لوهم سابق على نص حجّي النبي! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 " محمّد" درج اليهود على الكتابة بالأرقام، خاصة عند ما يريدون" تشفير" الأمور المهمة والتي يخشى من الأعداء أن يعلموها أو يبدوها.. فكانوا يحوّلون الكلام إلى أرقام، وقد يقوم الكتّاب بعد ذلك بتحويل تلك الأرقام إلى كلام ثان يشترك مع الأوّل في مجموع محصّلة أرقام الحروف.. ويعرف حساب هذه الأعداد بحساب الجمّل. وصل الاهتمام بهذا الحساب إلى النصارى أيضا.. من ذلك قول وليم أدي الأمريكي في تعليقه على سفر الرؤيا 3: 8: " ستمائة، وستة، وستون في الأصل اليوناني ثلاث أحرف معناها: ست مئة وستة وستون وليست هذه الأحرف كلّها تفيد معنى. بل كلّ منها يشير إلى عدد. فالحرف الأول من اليسار إلى اليمين يشير إلى ستمائة، والحرف الثاني إلى ستيين، والحرف الثالث إلى ستة. والثلاثة معا تشير إلى 666. ولا يخفى أنّ الأرقام الهندية المستعملة اليوم في الحساب هي من القرن الرابع عشر، وكان القدماء يكتبون الأعداد بألفاظ. أو يعبرون عنها بالأحرف الهجائية. " اعترف الكثير من الأحبار والربّانيين من الذين أسلموا بأنّ اسم نبي الإسلام" محمد" صلى الله عليه وسلّم قد ورد في التوراة بحساب الجمّل في عبارة" بماد ماد" وعبارة" لجوي جدول": قال شموئيل بن يهوذا بن أيوب، المتوفّى عام 570- وهو من اليهود العبرانيين الذين أسلموا- ما نصّه: " الإشارة إلى اسمه صلى الله عليه وسلّم في التوراة: قال الله تعالى في الجزء الثالث من السفر الأول من التوراة مخاطبا إبراهيم عليه السلام: " وأما في إسماعيل فقد قبلت دعاءك. قد باركت فيه. وأثمره. وأكثره جدا جدا" ذلك قوله: " وليشماعيل شمعتيخا هنى بيراختي أوثو وهفريتي أوثو وهربيتي بماد ماد" فهذه الكلمة" بماد ماد" إذا عددنا حساب حروفها بالجمّل وجدناه اثنين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وتسعين. وذلك عدد حروف" محمد" صلى الله عليه وسلّم، فإنّه أيضا اثنان وتسعون. " (بذل المجهود في إفحام اليهود ص 34- 35) . قال بنفس القول السابق الحبر المهتدي عبد السلام، الذي أسلم في زمن السلطان بايزيد خان، وصنّف رسالة صغيرة سمّاها بالرسالة الهادية. وأضاف عن يهود عصره: " واعترضوا على هذا الدليل بأنّ الباء في" بماد ماد" ليست من نفس الكلمة. بل هي أداة وحرف جيء به للصلة (حرف جرّ) ، فلو أخرج منه اسم محمد لاحتاج إلى باء ثانية ويقال" بماد ماد" قلنا: من المشهور عندهم: إذا اجتمع الباءان أحدهما أداة والآخر من نفس الكلمة تحذف الأداة وتبقى التي هي من نفس الكلمة. وهذا شائع عندهم في مواضع غير معدودة فلا حاجة إلى إيرادها. " قال الإمام ابن القيم في كتابه: " جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام" ص ص 89- 90: " ورأيت في بعض شروح التوراة ما حكايته بعد هذا المتن، قال الشارح: هذان الحرفان في موضعين يتضمنان اسم السيد الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم، لأنّك إذا اعتبرت حروف اسم محمد وجدتها في الحرفين المذكورين لأنّ ميمي محمد وهي الحاء ودالة بإزاء بقية الحرفين وهي الباء، والألفان والدال الثانية. " جاء في كتاب" ثورة الإسلام وبطل الأنبياء" لمحمد لطفي جمعة ص 319- 320: " في 21 أغسطس سنة 1933 م نشر العالم المحقق المرحوم أحمد زكي باشا المشهور بتدقيقه وسعة إطلاعه قبل وفاته بعام (4 يوليو سنة 1934 م) في جريدة البلاغ أنّه استطاع أن يصل إلى نسخة قديمة من التوراة ذكر فيها اسم محمد رسول الله، وروى أن شلبي السامري من طائفة" السمرة" (قلت: يقصد اليهود السامرين) عنده نسخة من التوراة منقولة عن أقدم نسخة من التوراة تحتفظ بها طائفة السامريين المتوطنة في مدينة نابلس، فاشتراها المرحوم نور الدين بك مصطفى، وأن زكي باشا ذهب إلى جبل جرزيم بنابلس في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 سنة 1922 واجتمع بشلبي سامري، وبكبير كهنة الطائفة اسحاق بن عمران، وهي التي أشار إليها أحمد باشا. وقد رآها شاهد عيان، ووصفها بأنّها مجلّد يحتوي 615 صفحة من قطع الورق الصغير، وأنّ الله أمر الناس بالعمل بها، ولم يبق من يعمل بها إلى اليوم سواهم وأنّهم وحدهم على الحق، أما غيرهم فعلى خلاف ذلك، وهم في نظرهم أجناس ومنبوذون. فالسامريون لا يتناولون منهم شيئا إلا الماء. وفي الصفحة الأخيرة من هذا المجلد ما يأتي: " كان النجاز من كتابت (قلت: هكذا وردت دون تاء مربوطة) هذه التوراة المقدّسة في نهار الأحد الموافق إلى أربعة خلت من شهر صفر الخير من شهور سنة 1320 عربية الذي هو الشهر الثاني عندنا الموافق إلى خمسة عشر من الخماسين المفروض عددهم على بني إسرائيل. على يد عبده وابن عبده: اسحق ابن عمران بن سلامة بن غزال بن اسحق بن إبراهيم هكهن (كاهن) هلوى بشكم (قلت: نابلس التي هي شكيم) عفى الله عنه، وغفر له، ولمن علمه. آمين، وسلام الله على من هو سيد الأوّلين والآخرين (قلت: يقصد موسى عليه السلام) . آمين آمين. " وكلّ صفحات الكتاب مكتوبة بلغة عربية، وقد تخللتها كتابات باللغة السامرية. ومن هذه العبارات جملة من الاصحاح السابع عشر، أي في الصفحة ال 39 من الكتاب. وقد كتب الكاهن السامري الأعظم بخطّ يده على هامشها عبارات رتّبها كما يأتي: بماد ماد أي محمد أي جدا جدا لجوى جدول 400 3 4 أي شعب عظيما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 أي محمد 92 ثم وضع في ذيلها الجملة الآتية: " انظر يا زكي. كيف أنّ الله في كلمة من كلامه تعالى فيها أسرار مدموجة، وآيات عظيمة؟ حرره العبد الفقير اسحق الكاهن السامري". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 المقبل من" فاران" قال موسى عليه السلام في آخر وصاياه حين موته: " أقبل الربّ من سيناء، وأشرق عليهم من سعير، وتألّق في جبل فاران. جاء محاطا بعشرات الألوف من الملائكة وعن يمينه يومض برق عليهم" (سفر التثنية 33: 2) . النصّ باللغة العبرية كما نقله الدكتور أحمد حجازي السقا في كتابه" المسيّا المنتظر" ص 67: " ويومر يهوه سينأئى به وزارح مسعير لامو هو فيع مهر باران وأنامر بيوث قورش ميمينو ايش واث لامو" وهو، كما نقله عبد الحق فديارتي في كتابه: " محمد في الأسفار العالمية الدينية" ص ص 199- 200: " ويومر يهووه مسيناتي به وزارح مسعير لامو هو فيع مهرباران وأتامر ببوث قودش حيميفو أيش داف لامو". الترجمة الحرفية لهذين النصّين: " وقال: إنّ الربّ جاء من سيناء، ونهض من سعير لهم، وسطع من جبل فاران. وجاء مع عشرة آلاف قديس، وخرج من يمينه نار شريعة لهم. " وجاء في طبعة الكتاب المقدس الفرنسي لسنة 1860 ما تعريبه: " جاء الربّ من سيناء وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران وخرج من بين العشرة آلاف من القدّيسين. ومن يمينه خرجت نار الشريعة تجاههم. " وجاء في الترجمة الانجليزية لمخطوطات البحر الميت تثنية 33: 2 (ترجمة وتعليق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 مارتن أبيج Martin Abegg وبيتر فلنت Peter Flint وأوجين أولريش (Eugene Ulrich ص 193: Lord [came from Sinai, rose from Seir= upon them; he shone forth from Mount paran, and came [from the ten thousand of holy ones; at his right hand was a fiery law for them= وتعريبها: " جاء الربّ من سيناء، وأشرق عليهم من ساعير. وتلألأ من جبل فاران. وجاء من العشرة آلاف قدّيس، وبيمينه شرعة نارية لهم. " وجاء في ترجمة" ترجمة الملك جيمس: =King James Version =" The Lord came from Sinai, and rose up form Seir= unto them, he shined forth from mount paran, and he came With ten thousands of saints:from his right hand Went a fiery law for them= وهي بنفس المعنى السابق باستثناء كون هذا الآتي سيظهر" مع" عشرة آلاف قديس لا" من بينهم". وجاء نفس المعنى السابق لنص سفر التثنية 33: 2 في ترجمة.Amplified Bible =The ووردت عبارة" عشرة آلاف قدّيس" أيضا في ترجمة" الكتاب المقدس الأمريكي القياسي الجديد، "=The New American Standard Bible =وترجمة" الترجمة الإنجليزية الحديثة،. =The New English Translation = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وجاءت عبارة" شريعة من نار" في ترجمة" دربي ... Translation ==Darby جليّ من اختلاف التراجم التي نقلناها والتراجم الأخرى لنفس النصّ، أنّ هناك يدا خفية تريد أن تطمس روعة هذه النبوءة، ولكنّ وضوح البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلّم لا يخفى على كلّ ذي بصيرة. اعتبر القسيس المهتدي إلى الإسلام" إبراهيم خليل" أنّ هذه النبوءة تتطابق مع قوله تعالى: " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ" (التين 1- 3) فالله قد أقسم بنفس الأماكن الثلاثة التي ذكرت في التوراة نظرا لأهميتها: فالقسم بالتين والزيتون: مجاز عن منابتهما في فلسطين، حيث سكن عيسى عليه السلام، وتقابل ساعير. والقسم بطور سينين: قسم بالجبل الذي كلّم الله عليه موسى عليه السلام. والقسم بالبلد الأمين: مكّة المكرمة وتقابل فاران. لقد جاء الحديث عن التين كتشبيه لبني إسرائيل في الكثير من المواضع في الكتاب المقدس. فقد قال النبيّ هوشع: " وجدت إسرائيل كعنب في البرية، ورأيت آباءهم كباكورة ثمر شجرة التين في أول موسمها" (هوشع 9: 10) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 وقال النبيّ إشعياء: " وتضحى زهرة جمالها المجيد التي تكلّل رأس الوادي الخصيب كباكورة التين قبل موسم الصيف التي يراها الناظر فيقتطفها ويبتلعها" (إشعياء 28: 4) . وجاء الحديث عن التين كإشارة إلى بني إسرائيل في مواضع أخرى (هوشع 2: 12، إرمياء 24: 2، سفر الملوك الأول 4: 25، إشعياء 52: 8) . وجاء ذكر" الزيتون" كعلامة على النمو والارتقاء في بني إسرائيل: فقد ورد في المزمور 52: 8 أنّ داود قال: " أما أنا فمثل زيتونة خضراء في بيت الله وثقت برحمة الله إلى الدهر والأبد". وقال النبيّ إرمياء: " قد دعاك الربّ مرّة زيتونة خضراء ذات ثمر بهيج المنظر ... " (إرمياء 11: 16، هوشع 14: 6) . وموسى وعيسى عليهما السلام من بني إسرائيل، أمّا سيّد البلد الأمين فهو محمد" الفاراني" صلّى الله عليه وسلّم. وقد ذهب فديارتي إلى أنّ الحديث عن ساعير في نصّ هذه النبوءة هو إشارة إلى الدعاء الذي دعا به النبي إسحاق لابنه عيسو ولنسله بالبركة (تكوين 27: 39- 40) .. وقد سكن أدوم بن عيسو ونسله من بعده في ساعير. لا إشكال في أنّ سيناء مرتبطة بموسى عليه السلام، إذ أنّ التوراة قد أنزلت عليه في أرض سيناء في جبل الطور. كما لا إشكال في ربط ساعير بالمسيح فقد كان المسيح من سكان الشام، وقد جاء في قاموس الكتاب المقدس Bible Dictionary of the لجون ل. ماك John L.McKenzie ص 783 أنّ ساعير مرتبطة بسلسلة جبال شمال البحر الميت وغربه تمتد عبر القدس وبيت لحم وقد امتدت فيما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 بعد حتى الجبال في الجهة الشرقية. وجاء في دائرة عارف البستاني (النصراني) طبعة 1887 ج 9 ص 623 ان سعير أو أرض سعير أو سير هي سلسلة جبال ممتدة في الجهة الشرقية من وادي عربة من البحر الميت إلى خليج العقبة وسميت كذلك نسبة إلى سعير الحوري. الإشكال الوحيد، يتعلّق ب" فاران". وأهل الكتاب لم يجادلوا في تحديد مكان فاران إلا رغبة منهم في إبهام هذه النبوءة وطمس دلالاتها العظيمة. فهم يزعمون أنّ" فاران" لا تقع في بلد العرب وأنّ" فاران" و" سيناء" و" ساعير" هي مناطق متقاربة.. والردّ هو: قال الإمام القرافي في كتابه" الأجوبة الفاخرة ... " ص 165: " وفاران مكّة باتفاق أهل الكتاب". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في" الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح": " وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف في أنّ فاران هي مكة".. لقد كان الأمر محلّ اتفاق في الماضي لكن مع تقلّص المسافات بين الأمم، وظهور الطباعة، وبروز كتابات إسلامية عن النصرانية بلغة أهل التثليث، ظهر المراء بالباطل عند الحديث عن" فاران"!!! قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ... وعلى هذا فيكون قد ذكر الجبال الثلاثة" حراء" الذي ليس حول مكّة أعلى منه، وفيه ابتدئ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنزول الوحي عليه وحوله جبال كثيرة وذلك المكان يسمّى فاران إلى هذا اليوم". ففاران اسم كان معروفا في بلاد العرب حتى بضعة قرون سالفة. نقل فديارتي في كتابه" محمد في الأسفار العالمية Scriptures Word ==Muhammed in "ص 70- 71 (الطبعة الأمريكية) عن الترجمة العربية للتوراة السامرية التي صدرت في سنة 1851، أنّ اسماعيل" سكن بريّة فاران الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 (الحجاز) ، وأخذت له أمّه امرأة من أرض مصر"- وقد حذف التعليق الوارد بين قوسين في الترجمة السامرية، في الطبعات التالية بعد أن اعتمده المسلمون لتوضيح البشارة!!! نقل فديارتي ص 71 من كتابه السابق عن موسوعة الكتاب المقدس =Encyclopedia Biblica =ما أوردته عن اثنين من أشهر رموز الكنيسة في القرنين الرابع والخامس: جيروم وأزوبيوس من" أنّ فاران بلد عند بلاد العرب على مسيرة ثلاثة أيام إلى الشرق من إيله". قال الإمام ابن القيم في كتابه" إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان": " وهم يعلمون أنّ جبل سيعير هو جبل السراة الذي يسكنه بنو العيص الذين آمنوا بعيسى ويعلمون أنّ في هذا الجبل كان مقام المسيح ويعلمون أنّ سيناء هو جبل الطور. وأما جبال فاران فهم يحملونها على جبال الشام وهذا من بهتهم وتحريف التأويل، فإنّ جبال فاران هي جبال مكّة وفاران اسم من أسماء مكة وقد دلّ على هذا نص التوراة: أنّ إسماعيل لّما فارق أباه سكن بريّة فاران وهي جبال مكة ولفظ التوراة أنّ إسماعيل أقام في برية فاران وأنكحته أمه امرأة من أرض مصر. " جاء في سفر التكوين 25: 12- 18: " وهذا سجل مواليد إسماعيل بن إبراهيم الّذي أنجبته هاجر المصريّة جارية سارة لإبراهيم. وهذه أسماء أبناء إسماعيل مدوّنة حسب ترتيب ولادتهم: نبايوت يكر إسماعيل، وقيدار وأدبئيل ومبسام، ومشماع ودومة ومسّا، وحدار وتيما ويطور ونافيش وقدمة. هؤلاء هم بنو إسماعيل، وهذه هي أسماؤهم حسب ديارهم وحصونهم، وقد صاروا اثني عشر رئيسا لاثنتى عشرة قبيلة. ومات إسماعيل وله من العمر مئة وسبع وثلاثون سنة، ولحق بقومه. أمّا ذريّته فقد انتشرت من خويلة إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 شور المتاخمة لمصر في اتجاه أشور، وكانت على عداء مع بقيّة إخوتها". فأرض أبناء إسماعيل تقع بين حويلة وشور. شور: تقع كما يظهر من النص السابق، في الجزيرة العربية مقابلة لمصر في الطريق بين مصر وآشور (العراق) . حويلة: هو اسم أحد أبناء يقطان (قحطان أبو اليمنيين: العرب البائدة) (سفر التكوين 10: 29) . وقد جاء في سفر التكوين 10: 26- 30: " وأنجب يقطان ألموداد وشالف وحضرموت ويارح، وهدورام وأوزال ودقلة، وعوبال وأبيمايل وشبا، وأوفير وحويلة ويوباب. وهؤلاء جميعهم أبناء يقطان وقد استوطنوا في الأراضي الواقعة بين ميشا والتّلال الشّرقيّة من جبل سفار" الكلمات المعلّمة في النص السابق من المعلوم أنّها أسماء لأماكن تقع في بلاد اليمن في مواضع معروفة. وحويلة تقع في منطقة الخيمة الداخلية. وقد جاء في معجم الكتاب المقدس =Wycliffe Bible Dictionary =أنّ معظم المراجع العلمية المعتبرة (أي كبار المختصين) تقرر أن حويلة Havilah تقع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وسط البلاد العربية شمال اليمن، وذلك لارتباط ذكرها مع حضرموت وسبأ (سفر التكوين 10: 26- 29) وأجزاء من جنوب البلاد العربية. إذن، استقر نسل إسماعيل في ما بين بلاد اليمن وجنوب الأردن، وهو المكان المعروف إلى اليوم ب" الحجاز"! سفر العدد 10: 12 من العهد القديم يفرّق بين برية سيناء وبرية فاران (النصارى يزعمون أنّ" فاران" تقع في سيناء!) إذ جاء فيه أنّ بني إسرائيل ارتحلوا" من برية سيناء فحلّت السحابة في بريّة فاران" ولم يسكن أبناء إسماعيل قطّ في غرب سيناء فيقال إنّ جبل فاران واقع إلى غربها. سفر التكوين 14: 6 ميّز بين جبل ساعير وجبل فاران. سفر العدد 12: 16 أظهر أنّه للوصول إلى فاران تمّ العبور عبر حضيروت، وفي طريق الرجوع إلى كنعان، تقع فاران قبل قادش التي يظهر، إذن، أنها تقع شمالي فاران. يخبرنا سفر الملوك الأول 11: 18 أنّ فاران تقع في الطريق إلى مديان ومصر. ومديان هي أرض المديانيين الذي عرّفهم معجم aryDiction ==Eastons Bible أنّهم" قبيلة عربية من أبناء مديان. سكنوا أساسا في الصحراء، في المنطقة الشمالية من شبه الجزيرة العربية". الفصل الثالث من سفر حبقوق ذكر أنّ" الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران" فهو إذن إلى الجنوب حيث تقع تيمان بموضعها الذي تقع فيه اليمن مرادفتها باللغة العربية. يربط الفصل الواحد والعشرين من سفر إشعياء بين بلاد العرب وقيدار بن إسماعيل مما يدلّ على أنّ بلاد العرب هي موطن أبناء إسماعيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 قال شارلز غور ":Charles Gore فاران هي الأرض التي سكنتها القبائل الإسماعيلية "=A New Commentary on Holy Scriptures) ص 53) . جاء في كتاب" محمد في الكتاب المقدس" لعطاء الله عليم أنّه قد ورد في كتاب 1862) =Geographishes Worterbusch =المجلد الثالث، ص 834) أنّ فاران هي اسم مكة. جاء في تعليق الترجمة اليسوعية على الكتاب المقدس: " أحفاد إسماعيل هم عرب الصحراء وحياتهم حياة الترحال والاستقلال. وهذا ما يذكرنا بالشعر الجاهلي. " (هامش ص 91- ط 6) . قال القس عبد المسيح بسيط في كتابه: " هل تنبّأ الكتاب المقدّس عن نبيّ آخر يأتي بعد المسيح": " تبيّن لنا الخرائط الجغرافية أنّ سيناء وسعير وفاران ثلاثة جبال متجاورة واقعة في شبه جزيرة سيناء وجنوب الأردن على بعد مئات من الأميال من مكة". ونقول: لو فتح الباب لنسبة هذه الأماكن إلى أرض واحدة لقلنا إنّ هذه المواقع توجد في الجزيرة العربية، ولاستدللنا بما جاء عن بولس في نسبته" سيناء" إلى بلاد العرب (رسالة بولس إلى غلاطية 4: 24- 26) . ولكننا لا نقول بذلك.. وإنما هي أماكن متباعدة، كما سبق بيانه! ثم إنّه كيف تكون هذه الأماكن بقاعا متجاورة، وتكون فاران في نفس الوقت جزء من سيناء؟!!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 يضيف القس" البسيط" معترضا على فهم المسلمين لنصّ البشارة على أنّه متعلّق ببعثة أنبياء رغم أنّ الفعل فيه منسوب إلى الله سبحانه: " الذي جاء هو الرب (يهوه) وهو إسم الله ولا يطلق على بشر"!! ونقول: حديث هذا النصّ عن" إقبال" الله و" إشراقه" و" تألّقه" لا يعني أنّ الله هو نفسه سوف يتولى القيام بهذه الأفعال وإنما هو سبحانه سوف ينيب من يتولى عنه ذلك ولهذا الأمر شواهد في الكتاب المقدس مثل صموئيل الثاني 12: 12 ... كما أنّ الترجمة التي تذكر أنه يأتي" من" العشرة آلاف قديس، تبيّن أنّه بشر قديس لا إله! وقد نقل د. محمد علي البار في كتابه: " المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم" ص 259 عن محاضرات الدكتور عمر الفاروق (أمريكي مسلم) لطلبة كليّة الآداب، جامعة الملك عبد العزيز، جدة، قوله إنّ مخطوطات البحر الميت المكتشفة حديثا تظهر أنّ الجماعة التي كانت تملكها، والتي من الراجح أنها جماعة" الأسينيين"، كانت تنتظر نبيّا يخرج من فاران. فالتألّق إذن هو ظهور هذا النبي! قال مستر" بسيط" منكرا على المسلمين زاعما أنّهم مترددون في تحديد موقع فاران، هل هي أرض الحجاز أم هي جزء من أرض الحجاز! " رمتني بدائها وانسلّت! ".." البسيط" يعيب على المسلمين ما هو به سقيم.. بل ويبالغ في التثريب والتقريع.. وهو إمام في التدليس! وعيّابة للشرب لو أنّ أمّه ... تبول نبيذا لم يزل يستبيلها! لقد قلب علينا القس" البسيط" التهمة.. رغم أنّه قد أورد في كتابه السابق ما يدينه، فقد قال: " وجاء في دائرة المعارف الكتابية (ج 6 ص ص 1- 2) " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 فاران"، ومعناها" موضع المغاير"، وهي بريّة شاسعة في أقصى جنوبي فسطين، بالقرب من قادش برنيع. ويرجّح كثيرون من العلماء أنّها كانت تقع في الشمال الشرقي من شبه جزيرة سيناء. ويقول آخرون إنها هي" بريّة التيه" في وسط هضبة سيناء. ويقول" بينو روتنبرج =Beno Rothenberg ="في كتابه" بريّة الله"، إنّ" بريّة فاران" كان الإسم القديم لكلّ شبه جزيرة سيناء في العصور الكتابية". ونضيف ما يزيد خرق" الراقع البسيط" اتساعا: جاء في هامش حبقوق 3: 3 في ترجمة" الكتاب المقدس الأمريكي الجديد..": =The New American Bible ="مرتفع فاران: في أرض أدوم: أو الجزء الشمالي من صحراء سيناء ... " (!!!) . ويظهر هذا الاضطراب بصورة أجلى في موسوعة الكتاب المقدس.Encyclopedia ==The International Standard Bible بل لقد صرّحت موسوعة الكتاب المقدس Biblica ==Encyclopedia بقولها: " إنّه من العسير فهم كلّ النصوص المتعلّقة بفاران في العهد القديم"!! وهذه الموسوعة اليهودية 1925) =The Jewish Encyclopdia =م) م 9 ص 523 تذكر تحت كلمة" فاران" ثلاثة مواضع: صحراء، توافق بادية التيه اليوم.. (تكوين 21: 21..) منطقة بين إسرائيل وأدوم، توافق اليوم منطقة قلعة النحل (تثنية 1: 1، ملوك الأول 1: 1811) . جبل أو سلسلة جبال. وذكرت الموسوعة عند هذه النقطة منطقة فاران المشار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 إليها في سفر التثنية 33: 2 وحبقوق 3: 3. وأضافت: " هذا الجبل أو سلسلة الجبال قد تعرّف بأنّها الجبال التي تحيط بما يعرف اليوم بوادي عربه. " ولاحظ هنا أنّ هذه الموسوعة أنّها" قدقدت" عند محاولة تحديد مكان فاران المتعلق مباشرة بنبوأتنا، وهي" قدقدة" تكشف غياب الحجة القاطعة عند مؤلفي هذه الموسوعة، وهم نخبة من الباحثين المختصين. وفي المقابل نرى قطعيات" مستر بسيط" الذي يحسب القرّاء هبلا لا يفهمون وعميا لا يبصرون! كما يلاحظ أيضا أنّ الموسوعة اليهودية قد ميّزت فاران سفر التثنية عن بقية" فارانات" الكتاب المقدس مما يكشف أنّ نص سفر التثنية (وسفر حبقوق) لم يتحقق معناه في" فاراني" النصوص الأخرى. ونحن نقرّر أنّ فاران" مكة" هي التي تحقق فيها تألّق الربّ. والإثبات، كما يقول أهل التحقيق، مقدّم على النفي لأنّ المثبت عنده زيادة علم. لقد جهلوا وعلمنا وتحيّروا وقطعنا وترددوا وثبتنا! تتحدّث هذه النبوءة عن عشرة آلاف قدّيس، وهم قطعا المؤمنون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، الذين كان عددهم" عشرة آلاف" مؤمن. وكما قال القسيس المهتدي عبد الأحد داود، فإنّ هذا العدد لم يذكر في تاريخ الجزيرة العربية إلا في حادثة فتح مكّة. وقد جاء ذكر ال 000. 10 قدّيس أيضا في رسالة يهوذا 14، في حديث عن قدوم الرب والأمر بالمثل في سفر نشيد الإنشاد 5: 10. يعترض النصارى بقولهم: " هذا النصّ يتحدّث عن" ملائكة" لا بشر، ولا يصحّ على هذه الحال الزعم أنّ هذه الملائكة هي صحابة محمد (صلى الله عليه وسلّم) ؟! .. ويضيف القس البسيط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 في الاحتداد علينا بقوله ردا على د. منقذ السقار- حفظه الله ونفع به-" ومن أين أتيت بالقول أن كلمة ملائكة تعني الأتباع؟!! "!! الردّ: لنا مع هذا الاعتراض 3 وقفات" بسيطة": الأولى: الكلمة العبرية المعرّبة في ترجمة الكتاب المقدس العربي المسمّى" كتاب الحياة": " الملائكة" هي" قوديش" (كما نقل ذلك البحاثة عبد الحق فديارتي ص 206) وتعريبها" قديسين"، لا" ملائكة" كما هو ظهر من تشابه الألفاظ بين العربية والعبرية!! وعبارة" ربوث قودش" تعني عشرة آلاف قديس.. فمن" ربوث" اشتقت العبارات العبرية التي تعني هذا العدد في الكتاب المقدس (سفر أخبار الأيام الأول 29: 7، عزرا 2: 64، نحميا 7: 7) .. أما كلمة" قودش" فتعني" مقدّس" أي صالح أو طاهر، وتطلق على كل رجل أو مكان طاهر.. فمن العبارات العبرية التي تؤكد هذا الأمر" أداما قودش" أي أرض مقدّسة، و" مقوم قودش" أي مكان مقدّس، و" مقوم قوديش" أي رجال مقدّسون. الثانية: التراجم الانجليزية المعتبرة ك" الترجمة القياسية المنقّحة، Revised Standard Version ==The "و" الترجمة الإنجليزية الحديثة، New English Translation ==The وغيرها من التراجم تذكر عبارة =Holy ones =أي" قدّيسين"، و" القديس" في اصطلاح الكتاب المقدس يعني: الرجل أو المرأة الصالحة، انظر مثلا في العهد الجديد: أعمال الرسل 9: 13، 41، الرسالة إلى روما 1: 7، 12: 13، 15: 25، 26، 16: 15، الرسالة الأولى إلى كورنثوس 1: 2، 14: 33، الرسالة الثانية إلى كورنثوس 2: 1، 8: 4، الرسالة إلى إفسس 1: 1، 1: 16، 3: 8 الرسالة إلى فليمون 4: 22 ... الخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 الثالثة: ترجمة" كتاب الحياة" التي أنقل أغلب النصوص منها، طبعت في نسخة واحدة مع الترجمة الانجليزية الشهيرة، =The New International Version =ولكن مع ذلك نقرأ في هذه الترجمة الإنجليزية كلمة =Holy one s ="في مقابل كلمة" ملائكة" في الترجمة العربية" العدد 2 من الفصل 33 من سفر التثنية، في حين أنّه لما ذكرت نفس الكلمة الانجليزية في العدد 3 من نفس الفصل وفي نفس السياق، كان مقابلها في تلك الترجمة العربية" قدّيسين"..!! أظنّ أنّك أدركت الآن أنّ المعرّبين قد استمرؤوا العكوف على تحريف أسفارهم. و" القس" لا يترك أخلاقه ... حتى يوارى في ثرى رمسه إذا ارعوى عاد إلى جهله ... كذي الضنى عاد إلى نكثه وبعيدا عن" هوايات" المترجمين والمعرّبين" البسطاء"، نقول: لقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم قدّيسين طاهرين تواترت الأنباء عن عظيم مآثرهم وعجيب كراماتهم.. وهاك واحدة من هذه الكرامات تكشف أمام عينيك مقام هؤلاء الرجال عند الله سبحانه. ولن نحيلك إلى كتاب ينقل عن قرون مضت، وإنما اقرأ هذا الخبر عن أمر وقع في أيامنا، ينقله رجلان معروفان لا يمكن أن يكذبا في أمر شهده عدد من الرجال الأحياء اليوم بيننا: ذكر الدكتور طارق السويدان- داعية مشهور وهو مسلم من الكويت، حاصل على دكتوراه في هندسة البترول من جامعة تلسا- أو كلاهوما- الولايات المتحدة الأمريكية- في سلسلة أشرطته الذائعة الصيت" قصة النهاية" نقلا مباشرا عن الشيخ محمود الصواف- وهو داعية إسلامي معروف- الحادثة العظيمة التي تشرف بها بعض العلماء في إعادة دفن بعض الصحابة من شهداء أحد (التي شارك فيها نبي الإسلام صلى الله عليه وسلّم) وكيف أنّ هؤلاء العلماء قد شاهدوا الصحابة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 رضوان الله عليهم بعد مضي 1400 سنة من استشهادهم رضوان الله عليهم، وكيف أنّ أجسادهم باقية كما هي لم تتغير ولم تتعفن ولم تتحلل. وقد قال في أحد أشرطة هذه السلسلة، عن هذه الحادثة بالحرف: " وقد حدثنا الشيخ محمود الصواف رحمه الله أنّه دعي في من دعي من كبار العلماء لإعادة دفن شهداء أحد من الصحابة رضي الله عنهم في مقبرة شهداء" أحد" مقبرة معروفة أصابها سيل فانكشفت الجثث فدعي مجموعة من كبار العلماء لإعادة دفن هؤلاء الصحابة ويحدثنا الشيخ محمود الصواف أنه حضر ذلك بنفسه فيقول ممن دفنت.. دفنت حمزة رضي الله عنه فيقول ضخم الجثة مقطوع الأنف والأذنين بطنه مشقوق وقد وضع يده على بطنه فيقول فلما حرّكناه ورفعنا يده سال الدم ويقول دفنته مع من دفنت من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من شهداء أحد. وأضاف الدكتور طارق السويدان قائلا: " فهذا أمر ثابت بالتواتر وبرؤية العين، بلغنا الله وإياكم مكانة الشهداء وقد حدثنا (أي الشيخ) عن ريح المسك التي فاحت لّما سال الدم (أي من جسد حمزة رضي الله عنه) . " الله أكبر.. الله أكبر ... الله أكبر!!! - محمد صلى الله عليه وسلّم هو الذي جاء بالشريعة النارية التي حرقت الشرائع السابقة: بتدمير الشرائع البشرية ونسخ الشرائع السماوية.. أما عيسى عليه السلام فقد قال في إنجيل متّى 5: 17: " لا تظنوا أني جئت لألغي الشريعة أو الأنبياء. ما جئت لألغي، بل لأكمل" فما جاء المسيح بشريعة جديدة ناسخة لما نزل سابقا بخلاف ابن خالته محمد عليهما الصلاة والسلام! خروج الشريعة النارية من" اليمين" دليل على أنّ ما في هذه الشريعة يحمل كلّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 خير وبركة ونعمة. وهذا معلوم في الإسلام بالضرورة من تكريم اليمين وأهل اليمين ... والأمر بالمثل في الأدب النصراني كما هو مذكور في" قاموس التراث الكتابي في الأدب الإنجليزي in English Literature ==A Dictionary of Biblical Tradition =للكتاب دافيد ليل جفري Jeffrey David Lyle ص 442. ونسأل النصارى الآن: هل من الممكن أن تكون هذه البشارة خاصة بموسى عليه السلام؟ لا بدّ أن تكون إجابتكم: لا، لأنّ موسى لم يظهر في مكة بل تلقّى الوحي في" سيناء" كما لا تنطبق عليه الأوصاف السابقة! هل هذه البشارة خاصة بعيسى عليه السلام؟ لا بدّ أن تكون الإجابة: لا، لأنّ عيسى لم يظهر في مكة، بل عاش ودعا الناس في" ساعير"، وهو أيضا لا تنطبق عليه الصفات السابقة! وأخيرا: هل ظهر نبي بعد موسى عليه السلام، تنطبق عليه هذه البشارة، في مكة، غير محمد صلى الله عليه وسلّم، نبي المسلمين؟ لا بدّ أن تكون الإجابة ما تعلم ... ! ولكن.. أهل المكابرة قد" وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا" (النمل 14) !! .. فاحذر أن تكون منهم! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 ابن قيدار الآتي من فاران جاء في النبوءة الواردة في سفر حبقوق 3: 3: " قد أقبل الله من أدوم (قلت: التراجم الإنجليزية ك: The Revised Standard Version The New International Version The New American Bible The Amplified Bible The New American Standard Bible The King James Version تذكر كلها كلمة "=Teman =تيمان" والأمر بالمثل مع مخطوطات البحر الميت"، وهو ما جاء أيضا في الترجمتين الفرنسيتين =Louis Segond و =La Bible de Semeur =والترجمتين الإيطاليتين =Conferenza Episcopale Italiana ==Diodati =La Nuova: وقد سارت التراجم العربية الأخرى على ذكر لفظ" تيمان" كترجمة الفانديك والترجمة الكاثوليكية والترجمة المشتركة، لكنّ ترجمة" كتاب الحياة" وضعت كلمة" أدوم" محلّ كلمة" تيمان" علما بأنّ" تيمان" هي مجرّد جزء من أرض أدوم!) وجاء القدوس من جبل فاران. غمر جلاله السماوات وامتلأت الأرض من تسبيحه. " النص الماسوري: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 بالإضافة إلى هذه البشارة نقرأ في سفر إشعياء 42: 11- 12: " لتهتف الصحراء ومدنها وديار قيدار المأهولة. ليتغنّ بفرح أهل سالع وليهتفوا من قمم الجبال، وليمجدوا الربّ ويذيعوا حمده في الجزائر. " النص الماسوري: كما جاء أيضا في سفر إشعياء 21: 13- 17: " نبوءة بشأن شبه الجزيرة العربية: ستبيتين يا قبائل الددانيين فاحملوا يا أهل تيماء الماء للعطشان، واستقبلوا الهاربين بالخبز. لأنهم قد فروا من السيف المسلول، والقوي المتوتر، ومن وطيس المعركة، لأنّ هذا ما قاله لي الربّ: في غضون سنة مماثلة لسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار، وتكون بقية الرماة، الأبطال من أبناء قيدار، قلة لأنه الربّ إله إسرائيل قد تكلّم". النص الماسوري: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 إذا جمعنا هذه النبوءات وجدنا أنها تشير بصورة واضحة إلى محمد صلى الله عليه وسلّم: " بنو قيدار": هم العرب، ومما يستدلّ به لإثبات هذه الحقيقة: قيدار هو إبن إسماعيل جدّ العرب، كما هو مذكور في الكتاب المقدس (سفر التكوين 25: 13- 15) . جاء في الترجمة الفرنسية للعهد القديم"" الكتاب المقدس الأورشليمي =La Bible de Jerusaleme ="في تفسير كلمة =Onagre =في الهامش ص 45: ".. أنّ سلالة إسماعيل هم عرب الصحراء..". ذكر س. فورستر C.Forster في كتابه =Geography of Arabia =The Historical ص ص 244- 265 أنّ بني قيدار قد سكنوا الحجاز، وعرّفهم بأنهم قريش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 - جاء في تعليق دميلّو Dummelow على الكتاب المقدس =Commentary on the Holy Bible =ص 441 أنّ عبارة" قيدار" تشير إلى القبائل العربية" (انظر أيضا =Peaks Commentary on the Bible ص 447) . تذكر موسوعة الكتاب المقدس =Encyclopedia Bibilca =ل ت. ك. شاين T.K.Cheyne تحت إسم" إسماعيل": ".. في نقش لأسور- باني- بال، استعمل الإسم (أي إسم قيدار) كمرادف للبلاد العربية. " ورد في معجم سميث للكتاب المقدس ":Smiths bible Dictionary نعرف القليل عن حياة إسماعيل المتأخرة. لقد حضر مع أخيه إسحاق لدفن أبيهما إبراهيم. ومات وقد بلغ 137 عاما. وسكن أبناؤه شمال وجنوب شبه الجزيرة العربية مكنونين البذرة الأولى (العنصر الأساسي) للأمة العربية، قبائل البدو الرحل. إنهم الآن معظم أتباع محمد الذين ينظرون إلى إسماعيل أنه الأب الروحي لهم كما ينظر اليهود لأبيهم إبراهيم. ولغتهم التي انتشرت لتكون المجتمع العربي قد اعتمدت ببعض الاستثناءات البسيطة في الجزيرة العربية. " جاء في معجم العهد القديم Lexicon to the old Testament =GeseniusHebrew -Chaldee =ل هـ. و. ف. جينيسيوس H.W.F Gesenius ص 724 أنّ قيدار هو ابن لإسماعيل، ومنه ظهرت قبيلة عربية، وأنّ أحبار اليهود ينادون كلّ العرب في كلّ مكان بهذا الإسم=.Rabbins call all the Arabians universally by this name =The " سالع": إشارة إلى المدينة المنوّرة كما سبق بيانه من قبل. محمد صلى الله عليه وسلّم هو الذي تلقّى الوحي، النبوة من جهة بلاد العرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 " ديدان": هي أرض العرب في الحجاز كما تقول خرائط الكتاب المقدس، أو هي أحد القبائل العربية كما هو مذكور في هامش الترجمة الفرنسية للكتاب المقدس. =La Bible de Semeur = وجاء في هامش سفر إشعياء 21: 13 ترجمة" الكتاب المقدس الأمريكي الجديد ": =The New American Bible =: "بلاد العرب: هي البلاد البدوية. الددانيون: قبيلة عربية مرتبطة بأدوم وتيماء. وتقيم شرق البحر الميّت". " أهل تيماء": جاء في موسوعة =Standard Bible Encyclopedia The International =: تحت كلمة تيماء: " اسم ابن إسماعيل (تكوين 24: 15، أخبار الأيام الأول 1: 30) ، لقبيلة من نسله (إرمياء 25: 23) ، ولمكان سكنت فيه هذه القبيلة (أيوب 6: 19، إشعياء 21: 14) . وهذه الأخيرة تقع في البلاد العربية. " وورد في" قاموس الكتاب المقدس" (ضمن المجموعة الإلكترونية" البشارة") تحت اسم" تيما وتيماء": " إسم عبري ربما كان معناه" الجنوبي" وهي قبيلة إسماعيلية تسلسلت من تيما فكانت تقطن بلاد العرب (تكوين 25: 15 و 1 أخبار 1: 30) وتسمّى ايضا الجهة التي يسكنون فيها تيماء (اشعياء 21: 14) وكانت القوافل معروفة جيدا في هذه البقعة (اي 6: 19) وتيماء في بلاد العرب في منتصف الطريق بين دمشق ومكة وعلى مسافة متساوية من بابل إلى مصر وقد ذكرت تيما مع سباء (اي 6: 19) ومع ددان (اشعياء 21: 13 و 14 وار 25: 23) . " وجاء في قاموس الكتاب المقدس ل ج. هاستنجJ.Hastings Dictionary of the Bible أنّ تيماء هي واحة شمال المدينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 " المدينة" هي التي خرج إليها محمد صلى الله عليه وسلّم" هاربا" بدعوته المستضعف أهلها من طرف أهل مكّة (بني قيدار) إلى قوم ذوي منعة آمنوا به وصدّقوا خبره (أهل تيماء) ، أعطوه صفقة أيديهم وثمرة أفئدتهم والسمع والطاعة المطلقتين في المنشط والمكره (خبزه) - الهروب هنا يقصد به الخروج سرا من بين أظهر الظالمين حذر طغيان الظالمين والتحاقا بطائفة الحقّ لقيادتها إلى خيري الدنيا والآخرة لا الفرار جزعا وفرقا من بطش الجبارين للنجاة بالنفس! محمد صلى الله عليه وسلّم هو الذي عاد بعد عام من" هجرته"، وقد قابله" أبناء قيدار" في موقعة" بدر" وانهزموا أمامه وهم الذين كانوا يحملون الأقواس وقد فنى مجدهم الجاهلي، ليبدأ مجد المسلمين بتعدد أجناسهم وأعراقهم. جاء في سفر حبقوق 3: 3 أنّ" الله" قد أقبل من" تيماء" المدينة، في حين جاء القول أنّ" القدّوس" أي الرجل الصالح، قد جاء من جبل مكة- جبل النور الذي فيه غار حراء-، والمغايرة هنا بين" الله" و" القدوس" سببها أنّ تترّل الرسالة على" القدّوس" محمد صلى الله عليه وسلم كان في غار حراء وكانت تلك الفترة المكية التي استمرت 13 سنة، سنوات استضعاف ومحاصرة من طوائف الكفر لدعوة الهداية للتوحيد، فما ظهرت آثار الرسالة في تلك الفترة على الصورة المراد لها لتكاتف المبطلين على التنكيل بضعاف مكة الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلّم، وما أشرقت الرسالة على أرجاء الأرض إلا في المدينة" تيماء" حيث ظهر أمر" الله".. فما أجمل هذه النبوءة الحبقوقية!!! ولا يملك النصارى أن يظهروا اعتراضا على هذه النبوءات المتلاحمة الظاهرة المعنى لما في هذه النصوص من تحديد لأماكن لم يطأها المسيح عليه السلام وإنما عاش فيها محمد صلى الله عليه وسلّم! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 المجد الساطع قال القسيس المهتدي إبراهيم خليل في كتابه" محمد صلى الله عليه وسلّم في التوراة والإنجيل والقرآن" ص ص 70- 71: " في سنة 701 ق م، وفي أرض السبي، وفي بابل تنبّأ النبي الإسرائيلي إشعياء بالإسلام دينا ودولة: ففي إشعياء 60: 1- 7: " قومي استنيري، لأنه قد جاء نورك ومجد الربّ أشرق عليك، لأنه ها هي الظلمة تغطي الأرض والظلام الدامس الأمم. أما عليك فيشرق الربّ، ومجده عليك يرى، فتسير الأمم في نورك، والملوك في ضياء إشراقك. ارفعي عينيك حواليك. وانظري، قد اجتمعوا كلهم، جاؤوا إليك يأتي بنوك من بعيد، تحمل بناتك على الأيدي. حينئذ تنظرين وتنيرين. يخفق قلبك ويتسع، لأنه تتحول إليك ثروة البحر، ويأتي إليك غنى الأمم. تعطيك كثرة الجمال بكران مديان وعيفة كلها تأتي من شبا تحمل ذهبا ولبانا. وتبشر بتسابيح الربّ كل غنم قيدار تجتمع إليك. كباش نبايوت تخدمك. تصعد إليك مقبولة على مذبحي وأزين بيت جمالي" النص الماسوري: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وفي إشعياء 42: 10- 13: " غنّوا للربّ أغنية جديدة. تسبيحة من أقصى الأرض، أيها المنحدرون في البحر ومائه والجزائر وسكانها، لترفع البرية ومدنها وصونها، الديار التي سكنها قيدار، لتترنم سالع، من رؤوس الجبال ليهتفوا، ليعطوا مجدا، ويخبروا بتسبيحه في الجزائر. الربّ كالجبار يخرج كرجل حروب ينهض غيرته. يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه". النص الماسوري: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وهنا نتساءل: أين الرسول الكريم في تلكم الآيات التي وردت آنفا؟ وللإجابة عن هذا نجد صلة نسب الرسول الكريم من نبايوت بن إسماعيل بن إبراهيم عليهم أفضل الصلوات والسلام، وهذه السلسلة النبوية الكريمة يدونها موسى عليه السلام هكذا: " وهذه اسماء بني إسماعيل حسب نبايوت بكر إسماعيل، وقيدار ... اثنى عشر قبيلة". ويزداد الأمر وضوحا وإشراقا بذكر رموز خاصة" كثرة الجمال"، " يأتي إليك غنى الأمم"، " غنم قيدار"، " كباش نبايوت"، " تصعد مقبولة على مذبحي"، إشارة إلى يوم النحر بمنى، و" جبل عرفات بمكة"، و" الجزائر وسكانها"، " الديار التي سكنها قيدار"، " الربّ كالجبار يخرج كرجل حروب ينهض". ولقد قال الغرب: إنّ الإسلام قام غازيا كجبّار، يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه. " قلت: تأمّل في عبارة" غنّوا للربّ أغنية جديدة"، إنها إشارة إلى الأذان المنطلق من رؤوس الجبال ومن السهول.. وهل عرفت" أغنية" (والحديث على المجاز الشائع في أسفار أهل الكتاب) جديدة غير أذان المسلمين الصادر من نسل قيدار من سالع والجزائر! اعتراض النصارى: هاتان البشاراتان متعلقتان بالمسيح عليه السلام، تتحدث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 الأولى عن الهيكل في أورشليم عند ظهور المسيح، أما الثانية فتتحدث عن فرح اليهود والأحبار بظهور المسيح. هذان زعمان باطلان، إذ أنّ هيكل أورشليم لم يمجّد منذ بعثة المسيح، بل العكس هو الصحيح فقد تسلّط عليه الرومان بعد رفع المسيح، ثم انطوى ذكره مع فتح المسلمين لبلاد الشام، كما أنّ العطايا والبعوث ما عرفت بالسير زرافات ووحدانا إلى الهيكل من البلاد البعيدة وإنما صار هذا حال كعبة إبراهيم عليه السلام بعد ما كانت مهجورة، فقد أصبحت تأتيها الوفود من كلّ فجّ عميق ... ثم إنّ المسيح عليه السلام قد رفضه قومه وحاولوا صلبه، ولولا عناية الله ورحمته لنالوا منه ولقتلوه، والمتأمل في تاريخ أثر دعوة المسيح يجد أنها لم تؤثّر إلا في قلة قليلة من الناس على مدى بضعة قرون!!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 تاريخ فتح بيت المقدس جاء في الفصل التاسع من سفر دانيال: " سبعون أسبوعا مقضية على شعبك وعلى مدينتك المقدّسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتى بالبرّ الأبدي ولختم الرؤيا والنبوّة ولمسح قدّوس القديسين. فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعا يعود ويبني سوق وخليج في ضيق الأزمنة، وبعد اثنين وستين أسبوعا يقطع المسيح. وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بغمارة، وإلى النهاية حرب وخراب.. وعلى جناح الأرجاس". فسّر مؤلفا كتاب" فتح الملك العلام في بشائر دين الإسلام" (أحمد ترجمان ومحمد حبيب) هذه النبوءة بعد ذكر ما جاء في سفر إشعياء حول هذه الخاتمة" على يد شعب بعيد من أقصى الأرض" وما جاء في سفر التثنية: " إنّ الربّ يجلب أمة من بعيد من أقصى الأرض.. ثم يردّهم إلى مصر في سفن". قالا: وقد تمّ ذلك حين استدعى الرومان حاكم بريطانيا الكبرى ومعه جيش نكّل باليهود وحمل طائفة منهم أسرى إلى مصر وطائفة إلى روما من طريق البحر سنة 132 م. فلم تنته حرب الرومان سنة 70 م بل جاءت بعدها تلك الحروب التالية مصدّقة لنبوءة الدمار على يد القادم من بعيد ونبوءة النقل على السفن إلى الديار المصرية وما وراءها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 إذا أخذنا بما أجمع عليه شرّاح الكتاب المقدس من أنّ اليوم من أسابيع دانيال سنة، وإننا إذا أضفنا 490 سنة إلى 132 فتلك 622 سنة التي هاجر فيها محمد صلى الله عليه وسلّم إلى مدينة يثرب، وبعد 14 سنة دخل جيش الإسلام القدس الشريف وبني المسجد الأقصى في مكان الهيكل، وكان الفرس قد ملكوا فلسطين 14 سنة أباحوا فيها لليهود إقامة شعائرهم ثم عاد الرومان وتلاهم المسلمون. فكانت السنون التي مضت بعد الهجرة النبوية مقابلة لتلك السنين التي ارتفع فيها الحجر عن اليهود، على عهد الدولة الفارسية. اعتراض النصارى: هذا الحساب غير صحيح.. والنبوءة هي بظهور المسيح عليه السلام منذ أكثر من عشرين قرنا من الآن! الردّ: هذه دعوى دون بيّنة، بل وتاريخكم يكذّبها: ذكر الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه" إظهار الحق" أنّ واطسن في المجلد الثالث من كتابه نقل عن رسالة الدكتور جريب Grib تصريحه" أنّ اليهود حرّفوا هذا الخبر بزيادة الوقت تحريفا لا يمكن أن يصدّق على عيسى. ".. وهذا اعتراف نصراني بعدم انطباق المدة المذكورة على واقع ظهور المسيح، وإن كان قد عاد بالأئمة على اليهود المحرّفين للوحي!! جاء في كتاب تاريخ العرب المطول للدكتور فيليب حتى وآخرون ص 208 القسم الثاني ما نصّه: " ولما سلمت القدس جاءها" عمر" زائرا وأنفذ صلح أهلها وكتب لهم به، فاستقبلهم البطريرك" صفرونيوس" الملقب ب" حامي الكنيسة المعسول اللسان" وطاف به على أنحاء البلدة وأراه الأماكن المقدسة. وكان لهيئة الخليفة البسيطة ولباسه الرثّ، أثر عظيم في نفس" صفرونيوس" فالتفت إلى أحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 مرافقيه وكلّمه باليونانية قائلا: حقا. هذا رجس الخراب الذي تكلّم عنه النبي دانيال ورآه قائما في المقدس" وكتب أصحاب كتاب" تاريخ العرب المطول" في الهامش هذا المرجع: Theophotes.P.933 Coustantione Porphyrogenitus. = De administrando imperio= in I.P.Migne.Patrologia Watson Vol.ex 3 (Paris, 1981) col 901. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 " مكة" جاء ذكر" مكّة" في المزامير في النسخ الإنجليزية المتداولة الآن، في هذا النصّ: " طوبى لأناس أنت قوتهم. المتاهفون لأتباع طرقك المفضية إلى بيتك المقدس. وإذ يعبرون في وادي البكاء الجاف، يجعلونه ينابيع ماء، ويغمرهم المطر الخريفي بالبركات. ينمون من قوة إلى قوة، إذ يمثل كل واحد أمام الله في صهيون. يا ربّ إله الجنود اسمع صلاتي، واصغ إليّ يا إله يعقوب. " (المزامير 84: 6- 8) ، والترجمة الكاثوليكية تقول: " يجتازون في وادي البكاء، فيجعلونه ينابيع ماء، لأنّ المشترع يغمرهم ببركاته، فينطلقون من قوة إلى قوة، إلى أن يتجلّى لهم إله الآلهة في صهيون" (7- 8) . كلمة" البكاء" في النص السابق هي في الأصل العبري: " بكه. =Bacah =" وكما هو ظاهر في التراجم الشهيرة كالترجمة الفرنسية" لويس سوجن =Segond =Louis "والترجمة الإنجليزية" الترجمة العالمية الجديدة " ... International Version ==The New "فإنّ الحرف الأول قد كتب كبيرا Capital مما يدلّ على أنّ هذه الكلمة هي اسم لمكان لا مجرّد معنى للفظ. ونحن نعلم أنّ هذا الاسم هو أحد اسماء مكّة مكرّمة، وقد جاء هذا الاسم بهذا المعنى في سورة آل عمران الآية 96: " إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ". الترجمة الانجليزية للعدد الخامس من الفصل 84 من نفس المزمور في" الترجمة العالمية الحديثة =The New International Version ="تذكر صراحة كلمة "=Pilgrimage =حج". وقد اعترف بتعلق النص بالحج المعلّقون على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 الترجمة الانجليزية" ترجمة الملك جيمس Bible ==King James Version Study =وغيرهم ممن علّق على المزمور. وفي الحديث هنا عن الحج إشارة ودلالة لا تخطئهما العين على بعثة نبي صاحب أهمية خاصة، وأنّ مكان بعثته سيكون قبلة للناس. علما وأنه كما يقول عبد الأحد داود في كتابه" محمد (صلى الله عليه وسلّم) في الكتاب المقدس" فإنّ كلمة" حج" العربية مرادفة تماما من حيث المعنى والأصل لنفس الكلمة في العبرية واللغات السامية الأخرى. فكلمة" حجاج =Hagag ="العبرية هي نفس كلمة" حجاج" العربية =Hajaj =والفرق الوحيد لفظ الحرف الثالث من الأبجدية السامية وهو الجيم التي يلفظها العرب جيما. وشريعة موسى تستخدم هذه الكلمة بعينها وهي =Hagag =أو" حجاج =haghagh ="وذلك عند ما تأمر بآداء طقوس الإحتفال. وتعني الكلمة الدوران حول بناء أو مذبح أو حجر، بخطوات مهرولة منتظمة ومدرّبة، تأدية لطقس أو عيد ديني يحتوي على السرور والإنشاد"!! أمّا النبع فهو بئر زمزم، النبع الفياض، علما وأنّه قد جاء في هامش الترجمة الفرنسية =La Bible de Semeur =أنّ" العديد من المخطوطات العبرية والترجمة اليونانية القديمة جاء فيها: " هو (الله) أنشأ واحة". ونسبة الفعل إلى الله تؤكد تمحور الحديث هنا عن زمزم الذي نبع بمعجزة إلهية. أما حديث الترجمة الكاثوليكية عن" المشترع" ففيه إشارة بارزة إلى محمد صلى الله عليه وسلّم، إذ أنّ محمدا صلى الله عليه وسلّم هو صاحب شريعة جديدة أفاضت بركاتها على المسلمين باعتراف مشاهير القانونيين في زماننا، حتى تحوّلوا من" قوة إلى قوة". ويدلّل عبد الحق فديارتي على هذا المعنى الواضح لهذه البشارة بقوله إنّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 1- بيت الربّ المذكور في هذا النص لا يمكن أن يكون غير الذي في مكة، لأنّ الهيكل المقدس لم يكن قد بني بعد في القدس، وما كان هناك بيت آخر مقدس غير بيت إبراهيم في مكة أثناء كتابة هذا المزمور. 2- كان داود النبي عليه السلام ينتظر الأمر الإلهي بغزو فلسطين، وحتى ينال مراده من الله، ذهب إلى مكة حيث البيت الذي بناه إبراهيم الأب عليه السلام ليدعو الله هناك. قلت: وقد جاء في مخطوطات معينة لفظ" صهيون" بعد" طرقك المفضية إلى بيتك المقدس" في العدد الخامس، وكما رأيت فإنّ هذه الكلمة غير موجودة في الترجمة الكاثوليكية، كما أنها غير موجودة في" النص العبري الساكن للنص الماسوريي للعهد القديم" كما هو مذكور في هامش المزمور 68: 5 في التعليق الشهير على الكتاب المقدس=The Harper Collins Study Bible = ثم إنّه قد جاء في هامش بحث للدكتور عبد المجيد الزنداني بعنوان" البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلّم في الكتب السماوية السابقة: " تعليقا على الكلمة الانجليزية" صهيون": " المجتمع الديني الذي خلص لعبادة الله، أو المدينة الفاضلة كما جاء ذلك في قاموس =Dictionary Webster s Seventh New Collegiate: وقد ذكر معاني أخرى لا تستقيم مع الموضع الجغرافي المذكور في النص. وعند الرجوع إلى أصل الكلمة (Zion) العبري تبين أنها مقتبسة من جذر يعني: جفاف، صحراوي، أجرد (أرض أو مكان) جاف، مكان مقفر، برية. وهذا كله يشير إلى أن المكان المعبر عنه بكلمه Zion في النص الإنجليزي هو برية مكة الجرداء المقفرة الجافة، راجع كتاب The New Strongs = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 Exhautive Concordance of the Bible = لجيمس سترنغ Strong James والمعجم العبري ص 99 فقره: رقم 6723. " ويقول فديارتي في كتابه: " محمد في الأسفار العالمية" ص ص 131- 133 إنّ" صهيون" هي بالعبرية" سييون" وهي من الجذر العبري" سياه" الذي يعني" جاف" وتعني صهيون" جاف" و" أرض صحراوية". بالإضافة إلى ذلك يوجد صهيونان (أورشليم عتيقة وأورشليم جديدة) . وقد كتبت لفظة أورشليم في سفر نشيد الإنشاد 5: 16 في النص العبري في صيغة المثنّى، وجاء في رسالة بولس إلى العبرانيين 12: 22: " ولكنّكم قد اقتربتم إلى جبل صهيون، إلى مدينة الله الحيّ، أورشليم السّماويّة. بل تقدّمتم إلى حفلة يجتمع فيها عدد لا يحصى من الملائكة"، وجاء في رسالة بولس إلى غلاطية 4: 25: " ولفظة هاجر تطلق على جبل سيناء، في بلاد العرب، وتمثل أورشليم الحاليّة، فإنّها مع بنيها في العبوديّة".. فهناك إذن أورشليمان.. وصهيونان. وقد قال سهيل التغلبي، النصراني، في كتابه" الصهيونية تحرّف الإنجيل" هامش ص 6 بعد أن ذكر أنّ صهيون الأولى تقع في القدس: " نسخ السيد المسيح هذا المفهوم وأصبح" صهيون" يعني ملكوت السموات التي بشّر بها وبأورشليم الجديدة التي ستكون في اليوم الأخير مأوى للصالحين والأبرار. ".. وهذا القول يظهر وجود أورشليمين، وإن كان قد ظهر خطؤه في معرفة أورشليم الثانية. ومما يظهر أنّ صهيون المذكورة هي مكّة، ما جاء في سفر إشعياء 52: 1- 2: " استيقظي، استيقظي تسربلي بقوّتك يا صهيون، ارتدي ثياب بهائك يا أورشليم، المدينة المقدّسة، إذ لن يدخلك بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 اليوم أغلف ولا نجس. انفضي عنك الغبار، وانهضي واجلسي وفكي عن عنقك الأغلال يا أورشليم، أيّتها المسبيّة ابنة صهيون. " الأوصاف المذكورة في هذه النبوءة لا تنطبق إلا على مكة: ثياب البهاء التي تحلّت بها مكّة هي التحلّل من الأوثان والأزلام، في حين أنّ القدس كانت معمورة بأوثان الرومان قبل المسيح وبعده بقرون. مكّة هي التي لا يدخلها غير المختونين، أمّا القدس فقد عاش فيها أيام المسيح وإلى اليوم الكثير من الذين لا يختتنون كالنصارى والوثنيين، وقد اضطر النصارى إلى الزعم أنّ كلمة" الأغلف" لها دلالة مجازية! قال تعالى: " إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا" (سورة التوبة 28) . أما القدس فأخلاط الناس يرتعون فيها، وقد فرّخ فيها الكثير من المارقين عن الحق، أديانهم الباطلة (شهود يهوه، القاديانية، البهائية ... ) . كما تنطبق الصفات الواردة حول" صهيون" في سفر إشعياء 2: 3 على مكّة لا على القدس: " ويحدث في آخر الأيّام، أنّ جبل هيكل الربّ يصبح أسمى من كلّ الجبال، ويعلو فوق كلّ التلال، فتتوافد إليه جميع الأمم. ": الحديث عن آخر الزمان، وظهور أمر مكّة واجتماع الناس حولها جاء بعد علو شأن القدس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 أمر مكّة هو الذي ازداد علوا وقدرا بتوسيع دائرة أرض الإسلام، في حين أنّ القدس قد انتقلت ملكيتها بين أمم عدّة على مدى القرون التي بيننا وبين النبي إشعياء. تحجّ شعوب كثيرة إلى مكّة كلّ سنة. ويعتبر الحج أحد خمس قواعد بني عليها الإسلام. أمّا القدس فلا" يحجّ" إليها إلا عدد قليل من النصارى. كما أنّ أمر الحجّ في النصرانية غير ذي بال عند القوم ولا يذكر أبدا في أصول الملّة عند الكنيسة. من مكّة خرجت" شريعة الأمم". وما خرجت من القدس شريعة يسوعية وإنما تمّ فيها، طبق اعتقاد الكنيسة، إلغاء الشريعة لأنها كما قال بولس" معيبة"!!!! كلمة الربّ (القرآن والسنّة النبوية) قد أعلنت من مكة حيث نزلت الكثير من السور القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة. أما أناجيل النصارى ورسائل بولس، فلم تكتب في القدس كما هو معلوم. وجاء في سفر إشعياء 33: 19- 24: " لن ترى الشعب الشرس فيما بعد، الّذي يتكلّم لغة أجنبيّة لا تفهمها. التفت إلى صهيون مدينة أعيادنا، فتكتحل عيناك بمرأى أورشليم، المسكن المطمئنّ والخيمة الثابتة الّتي لا تقلع أوتادها إلى الأبد ولا تنقطع حبالها هناك يكون الربّ لنا بجلاله مكان أنهار وجداول واسعة لا يبحر فيها قارب ذو مجداف، ولا تمخر فيها سفينة عظيمة، لأنّ الربّ هو قاضينا، الربّ هو مشترعنا، هو ملكنا وسيخلصنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 لقد استرخت حبال أشرعتك، فلا يمكنها شدّ قاعدة السّارية أو نشر الشراع، حينئذ نقسم الغنائم الوفيرة. حتّى العرج ينهبون السّلب. لن يقول مقيم في صهيون إنّه مريض، وينزع الربّ إثم الشعب السّاكن فيها. " صهيون هنا أيضا هي مكة لا القدس، ومن الأدلة على ذلك: بيت الربّ يقع في أرض قوم يتكلّمون لغة أجنبية، أي غير لغة بني إسرائيل. وقد كان عرب مكة يتكلمون اللغة العربية، أما بيت المقدس فقد كانت أهم أماكن تواجد بني إسرائيل زمن المسيح ابن مريم عليهما السلام. صهيون الموعودة ستكون مقرّ أمان إلى يوم القيامة، ومعلوم بالاضطرار حرمة الحرب في مكة، كما أنّها لم تعرف الحروب عامة، في حين أنّ القدس قد حلّت بها الكثير من الحروب والمجازر. ظهرت الشريعة الإلهية والحكم والسلطان الأرضي لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم في مكة، وما عرفت القدس سلطة المسيح عليها. ظهرت الغنائم الوفيرة لأهل مكة مع ظهور الإسلام، أما القدس فقد عرفت صلب المسيح كما هو معتقد النصارى. وجاء في سفر إشعياء 40: 9- 11: " اصعدي إلى جبل شامخ يا حاملة البشارة إلى صهيون. ارفعي صوتك بقوّة يا مبشرة أورشليم. اهتفي ولا تجزعي. قولي لمدن يهوذا: ها إلهكم قادم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 بقدرته وقوّته، وذراعه تحكم له، وها أجرته معه ومكافاته أمامه. يرعى قطيعه كراع، ويجمع الحملان بذراعه، وفي أحضانه يحملها ويقود المرضعات برفق". ويظهر من هذه النبوءة أنّ المنتظر في صهيون: سيكون قويا جلدا، لا ضعيفا مهينا. سيكون صاحب ذراع قوي يقيم بها دولة. سيرى ثمرة جهادة في أيام حياته. سيرعى بنفسه قومه وسيكون قائدهم الحقيقي. سيكون رفيقا بالضعفاء، خافضا لجناح الرحمة لمن هم تحت أمره. هذه الصفات دقيقة في وصف محمد صلى الله عليه وسلّم القائد الحاكم في أمة الإسلام الذي أقام دولة الإسلام في حياته ... ولا تنطبق على يسوع الكنيسة الذي عاش مستضعفا ومات مقتولا!! وجاء في سفر إشعياء 60: 1- 7: " قومي استضيئي، فإنّ نورك قد جاء، ومجد الربّ أشرق عليك. ها إنّ الظلمة تغمر الأرض، واللّيل الدّامس يكتنف الشعوب، ولكنّ الربّ يشرق عليك، ويتجلّى مجده حولك، فتقبل الأمم إلى نورك، وتتوافد الملوك إلى إشراق ضيائك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 تأمّلي حولك وانظري، فها هم جميعا قد اجتمعوا، وأتوا إليك. يجيء أبناؤك من مكان بعيد، وتحمل بناتك على الأذرع. عندئذ تنظرين وتتهلّلين، وتطغى الإثارة على قلبك، وتمتلئين فرحا لأنّ ثروات البحر تتحوّل إليك وغنى الأمم يتدفق عليك. تكتظ أرضك بكثرة الإبل. من أرض مديان وعيفة تغشاك بكران، تتقاطر إليك من شبا محمّلة بالذهب واللّبان وتذيع تسبيح الربّ. جميع قطعان قيدار تجتمع إليك، وكباش نبايوت تخدمك، تقدم قرايين مقبولة على مذبحي، وأمجد بيتي البهيّ. " إنّ دواب ابنا إسماعيل: قيدار، ونبايوت (البكر: سفر التكوين 25: 13) ، لم تجتمع لغير بيت الله الكعبة. وما اجتمعت قط لهيكل أورشليم. ولم تتدفق ثروات الأرض وخيرات الأمم البعيدة على أرض غير أرض مكّة. أما أورشليم فقد انهكتها الغزوات والحروب وانفض عنها أهلها، بالإضافة إلى أنّها" الأرض المقدسة لبني إسرائيل" لا" الأمم"! وجاء في سفر إشعياء 60: 10- 22: " يعمّر الغرباء أسوارك، ويخدمك ملوكهم، لأنّي في غضبي عاقبتك، وفي رضاي رحمتك. تنفتح أبوابك دائما ولا توصد ليل نهار، ليحمل إليك النّاس ثروة الأمم، وفي موكب يساق إليك ملوكهم، لأنّ الأمّة والمملكة الّتي لا تخضع لك تهلك، وهذه الشعوب تتعرّض للخراب السّاحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 يأتي إليك مجد لبنان بسروه وسنديانه وشريينه لتزيين موضع مقدسي، فاجعل موطيء قدميّ مجيدا. ويقبل إليك أبناء مضايقيك خاضعين، وكلّ الّذين احتقروك ينحنون عند قدميك، ويدعونك مدينة الربّ، صهيون قدوس إسرائيل. وبعد أن كنت مهجورة ممقوتة لا يعبر بك أحد، سأجعلك بهيّة إلى الأبد، وفرح كل الأجيال، وتشربين لبن الأمم، وترضعين ثديّ الملوك، وتدركين أنّي أنا الربّ مخلصك وفاديك عزيز يعقوب. وعوضا عن النّحاس أجلب لك الذهب، وبدل الحديد آتي لك بالفضة، وعوض الخشب نحاسا، وبدل الحجارة حديدا، وأجعل ولاتك مصدر سلام، ومسخريك يعاملونك بالعدل. ولا يسمع بظلم في أرضك، ولا بدمار أو خراب داخل تخومك، وتدعين أسوارك خلاصا، وبوّاباتك تساييح. ولا تعود الشمس نورا لك في النّهار ولا يشرق ضوء القمر عليك لأنّ الربّ يكون نورك الأبديّ، وإلهك يكون مجدك. ولا تغرب شمسك من بعد، ولا يتضاءل قمرك، لأنّ الربّ يكون نورك الأبديّ، وتنقضي أيّام مناحتك. ويكون شعبك جميعا أبرارا ويرثون الأرض إلى الأبد، فهم غصن غرسي وعمل يديّ لأتمجّد. ويضحى أقلّهم ألفا، وأصغرهم أمّة قويّة، أنا الربّ أسرع في تحقيق ذلك في حينه. " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 إنها صفات متزاحمة متلاحمة، تؤكدّ أنّ البشارة المذكورة متعلقة بمكة كما يقول المسلمون، لا أورشليم القدس كما يزعم النصارى، إذ مكة هي التي فتحت أبوابها ليل نهار ولم توصد حتى أنّ الواحد ليس بإمكانه أن يطوف بالكعبة لوحده ولو كان في آخر الليل لكثرة الطائفين ولاستمرار هذه العبادة منذ قرون طويلة، أما القدس فقد تعرّضت إلى نكبات شديدة وتوقفت العبادة في الهيكل مرات عديدة. مكة (الكعبة) هي التي أقبلت إليها الشعوب حاملة الخيرات، وهي التي خضع لها الملوك والجبابرة، وكان نور العدل والخير ملازما لها ولأهلها. أما القدس فلم تتوجّه لها الأمم قبل ظهور النصرانية، وما توجّه لها النصارى توجّه المسلمين إلى مكة، بل الحجّ عند القوم شعيرة مهملة وعبادة منسية. ومكة (الكعبة) هي التي أشرق عليها نور التوحيد وامتنع على ظلمة الشرك أن تقتحم حصونها إلى الأبد وأنزل الله سبحانه قوله: " وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً" (سورة الإسراء 81) ، أما القدس فقد عربد فيها المشركون قرونا طوالا قبل المسيح وبعده.. جاء في سفر إشعياء 65: 8- 10: " ولكن هذا ما يقوله الربّ: كما أنّ (الكرام) لا يطرح العنقود الفاسد إذ يقال له إنّ في عنبه بعض الخمر الطيّب، كذلك لن أطرح من أمامي كلّ إسرائيل لئلّا أقضي على خدامي جميعا. بل أخرج من صلب يعقوب ذريّة، ومن يهوذا وارثا لجبالي، فيملكها مختاريّ، ويقيم فيها عبيدي، وتصبح أرض شارون مرعى للقطعان، ووادي عخور مريض بقر لشعبي الّذي طلبني. " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 سفر إشعياء 65: 14- 15: " ويترنّمون في غبطة القلب وأنتم تعولون من أسى القلب، وتولّولون من انكسار الرّوح، وتخلفون اسمكم لعنة على شفاه مختاريّ، ويميتكم الربّ ويطلق على عبيده اسما آخر. " سفر إشعياء 65: 17- 19: " لأنني ها أنا أخلق سماوات جديدة وأرضا جديدة، تمحو ذكر الأولى فلا تعود تخطر على بال إنّما افرحوا وابتهجوا إلى الأبد بما أنا خالقه، فها أنا أخلق أورشليم بهجة، وشعبها فرحا. وأبتهج بأورشليم وأغتبط بشعبي، ولا يعود يسمع فيها صوت بكاء أو نحيب. " يفهم من هذه النصوص أنّ من أبناء يعقوب ويهوذا من سيرثون" جبال الله".. وقد كان، فقد أسلم طائفة من أبناء يعقوب ويهوذا، وملكوا جبالا كثيرة ما ملكها من بقوا على اليهودية من بني إسرائيل. أما" شارون" فهي أرض خصبة في فلسطين معروفة بزهورها الحمراء، وقد ربطت شارون هذه ببلاد العرب في سفر إشعياء 33: 9 حيث جاء النص العبري" ها شارون ك عربه" أي- كما يقول فديارتي-" شارون هي مثل البلاد العربية" ولكن حولت" البلاد العربية" إلى" البرية" في التراجم المتداولة. وقد أعطيت خصوبة شارون إلى البلاد العربية كما هو قول النبي إشعياء في سفره 35: 1- 2: " ستفرح الصّحراء والقفر الأجرد، وتبتهج البريّة وتزهر كالورد. تزدهر ازدهارا، وتبتهج أشدّ بهجة ويضفى عليها مجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 لبنان وجلال الكرمل وشارون ويشهدون مجد الربّ وبهاء إلهنا. " وقد اختلفت الآراء فيما يتعلّق ب" وادي عخور"، لكنّ معناها الحرفي هو" أرض حزن وفقر" وهي ستصبح أرض طمأنينة وأمن، وكذلك كانت مكة وصارت مع ظهور نبي الإسلام. من رفضوا الإسلام من بني إسرائيل بكوا من سويداء قلوبهم وولولوا من انكسار أنفسهم، أمّا من قبلوا الإسلام منهم فقد ترنّموا في غبطة القلب. السماء والأرض الجديدتان: هما أمة وشريعة تظهران بعد خمول ذكر بني إسرائيل. الأمة: أمة الإسلام، والشريعة هي شريعة الإسلام. الوادي الذي اسمه" بكّه" هو في الأصل العبري =Bacah =بكه" و" الهاء" في آخر الكلمة دليل على أنّ هذا المكان معروف بين الناس. نازلو هذا الوادي سيسبّحون ربهم دائما. وهذا يصحّ بالحرف على سكان مكّة أهل التعبّد والتبتّل وكذلك الحجّاج والمعتمرون المتوافدون على مكة للتعبّد والتبتّل. الظهور أمام الربّ في صهيون دليل على الحجّ السنوي في مكة. وليسمح لي معرّبو الكتاب المقدّس أن أسألهم أن" يتّقوا الله!! " وأن يسايروا التراجم الانجليزية الحديثة في ما ذهبت إليه من وضع كلمة" بكة" بدل" وادي البكاء!!!؟؟! ". إنّ مكة التي استفاض الخبر عن أنه سوف يخرج منها الله سبحانه، نبي آخر الزمان، والتي أصبحت قبلة آخر الأمم، ومركز المتعبدين في الأرض، وهي التي تهوى إليها الأفئدة ... هي أيضا مركز العالم، وهذه حقيقة علمية تمّ اكتشافها أخيرا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 يروي العالم المصري الدكتور حسين كمال الدين قصة الاكتشاف الغريب فيذكر: " أنه بدأ البحث وكان هدفه مختلفا تماما، حيث كان يجري بحثا ليعدّ وسيلة تساعد كلّ شخص في أي مكان من العالم، على معرفة وتحديد مكان القبلة، لأنه شعر في رحلاته العديدة للخارج أنّ هذه هي مشكلة كلّ مسلم عند ما يكون في مكان ليست فيه مساجد تحدد مكان القبلة، أو يكون في بلاد غريبة، كما يحدث لمئات الآلاف من طلاب البعثات في الخارج، لذلك فكّر حسين كمال الدين في عمل خريطة جديدة للكرة الأرضية لتحديد اتجاهات القبلة عليها. وبعد أن وضع الخطوط الأولى في البحث التمهيدي لإعداد هذه الخريطة، ورسم عليها القارات الخمس، ظهر له فجأة هذا الاكتشاف الذي أثار دهشته.. فقد وجد العالم المصري أنّ موقع مكة المكرمة في وسط العالم. وأمسك بيده" برجلا" وضع طرفه على مدينة مكة، ومرّ بالطرف الآخر على أطراف جميع القارات فتأكد له أنّ اليابسة على سطح الكرة الأرضية موزعة حول مكة توزيعا منتظما.. ووجد مكة- في هذه الحالة- هي مركز الأرض اليابسة. " (محمد كامل عبد الصمد الإعجاز العلمي في الإسلام- السنة ص 143- 144) يذكر العلماء أنّ الأرض شأنها شأن أي كوكب أخر تتبادل مع الكواكب والنجوم قوة جذب تصدر من باطنها.. وهذا الباطن يتركّز في مركز لها يصدر منه ما يمكن أن نسمّيه إشعاعا، وقد اكتشف عالم أمريكي في علم الطوبوغرافيا أنّ مركز تلاقي الإشعاعات الكونية هو مكّة وهو عالم غير مسلم! (المصدر السابق ص 145) . اعتراض النصارى: جاء الاعتراض في كتاب" ردّا على د. جمال بدوي" محمد في الكتاب المقدس Muhammad in te Bible =Answering Dr Jamal Badawi: ""للمنصّر المعروف والذي يعدّ أوقح الطاعنين في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 الإسلام في أمريكا، " سام شمعون =Sam Shamoun ="ص 13 (من الترجمة العربية) : " يدّعي بدوي أنّ سفر المزامير 84: 6 يشير إلى حجّ المسلمين إلى الكعبة في مكّة، ذلك أنّ كلمة" البكا" هي اسم آخر لمكة في القرآن. مرة أخرى تظهر القراءة الدقيقة للنص الاعتقاد الخاطئ من وراء هذا التفكير. فالعهد القديم يذكر أنّ" البكا" لا تقع في الجزيرة العربية بل شمالي إسرائيل وهذا ما ذكر في النص: " يذهبون من قوة إلى قوة يرون قدام الله في صهيون. " (المزامير 84: 7) . كما أن كلمة" البكا" تعني بالغة العربية" الانتحاب" أو" شجر البلسم". لذلك أمكن ترجمة" وادي البكا" على أنّه وادي أشجر البلسم ونجد إشارة إلى هكذا مكان في وادي الرفائيّين وهي منطقة تبعد حوالي 3- 4 أميال جنوبي غربي أورشليم: " ثم عاد الفلسطينيون فصعدوا أيضا وانتشروا في وادي الرفائيّين. فسأل (الصواب" فسئل"، خطأ من المعرّب) داود من الربّ فقال: " لا تصعد، بل در من ورائهم وهلمّ عليهم مقابل أشجار البكا" (سفر صموئيل الثاني 5: 22- 23) . وبما أنّ وادي البكا لا يبعد أكثر من خمس (الصواب" خمسة" وهذا خطأ من معرّب الكتاب!) أميال عن أورشليم، أمكن لكاتب المزامير أن يذكر حجاجا يجتازون وادي البكا للمثول أمام الله في صهيون (الأعداد 5- 7) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 والقارئ مدعوّ لمراجعة المسافة بين أورشليم ومكّة ومن ثمّة استعمال المنطق ليستنتج احتمال دعوة كاتب المزامير للحجاج الإسرائيليين أن يعرّجوا على مكة في طريقهم إلى موسم الحجّ السنوي في جبل صهيون. " الردّ من وجوه: هيكل أورشليم لم يكن موجودا في زمن داود صاحب المزمور. لم يرد في الكتاب المقدس أنّ وادي البكا يقع شمالي إسرائيل. ذكرنا من قبل معنى" صهيون". لماذا قام شمعون بترجمة كلمة" بكه" رغم أنّ المترجمين الأوائل لم يفعلوا ذلك!!! كلمة" بكّة" دليل على اسم المكان، والحجة هي ورود أمر شبيه بهذه الصورة في الكتاب المقدس، فقد جاء ذكر، Valley of Ajalon ,Valley of Eshcol ,Valley of Zared ,Valley of Gerar والمقابل العربي لهذه الأسماء في تراجم الكتاب المقدس: وادي جرار، وادي زرد، وادي اشكول، وادي ايلون.. وكما ترى لم تترجم أسماء هذه الأماكن.. ولكن انقلب الأمر مع" بكة" التي تحوّلت على أيدي أقطاب الكنيسة العربية إلى" بكاء"!! هل أمر ضبط مكان" وادي البكا" عند النصارى، بهذه البساطة التي ذكرها" شمعون"؟! اقرأ ما جاء في طائفة من أشهر التعليقات على الكتاب المقدس حول المزمور السابق الذكر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 - جاء في كتاب) =The Harper Collins Study Bible =وهو تعليق على الترجمة الشهيرة، =Standard Version The New Revised =وقد وصفه الباحث بيل مويرز بقوله: " ليس بإمكان أيّ أحد يبحث عن معنى في الكتاب المقدس دون أن يكون هذا الكتاب بين يديه") ، في الصفحة 879 تعليقا على المزمور 84: 6: " وإذ يعبرون في وادي البكاء الجاف": " وادي بكة" مجهول، لكن يظهر أنها منطقة قاحلة في الطريق إلى أورشليم. " جاء في كتاب of the Entire Bible ==The New John Gill Exposition أنّ بعض المعلّقين قالوا أنّ أرض" بكه" تقع في المكان المذكور في سفر صموئيل الثاني 5: 22- 23 وقال آخرون أنّها تقع في المكان المذكور في سفر القضاة 2: 1- 5 (!!) .. ثم أضاف هذا التعليق الموسّع أنّ هذا المكان هو كلّ منطقة يمرّ عبرها الحجاج إلى صهيون!!! في التعليق المسمى "=The International Bible Commentary جاء عنوان هذا المزمور هكذا: " شهادة حاج".. ورغم أنّ المشرف على هذا التعليق هو الاعتذاري الشهير ف. ف. بروس صاحب الجدليات الباطلة في الانتصار للكتاب المقدس فإننا لم نقرأ أيّ تعليق على كلمة" بكه"!! .. ولو أنّها كانت تعني ذاك المكان في فلسطين لما تردّد في ذكره! ترجمة =The New American Bible =وهي الترجمة الانجليزية الرسمية للكنيسة الكاثوليكية. وقد طبعت معها دراسة مقتضبة هامة (مقدمات وشروح) . جاء في التعليق في الهامش: " وادي بكة: عبرية غامضة، ربما هو وادي في الطريق إلى أورشليم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 - جاء في كتاب=C.H.Spurgeons The Treasury of David= : " من الراجح أنّه توجد هنا إشارة إلى مكان، وهو مكان لن يفكّ (مبنيّ للمجهول) لغزه (أي: لن يعرف) ، لكنّ المعنى العام واضح بصورة كافية. هناك فرحة الحجاج ... " التعليق المسمى) Bible ==The International Study وهو تعليق على أكثر التراجم الإنجليزية استعمالا في الولايات المتحدة (كما تدلّ على ذلك الاحصائيات) ... وقد لاقى هذا التعليق المرافق رواجا ونجاحا. جاء في الصفحة 868 تعليقا على ورود كلمة" بكّة": " المكان مجهول وربما هو رمزي"!!!! خلاصة هذه النقطة: * اعترفت هذه الشروح التي يشرف عليها أئمة الدراسات الكتابية في الغرب، على اختلاف مشاربهم المعرفية وتوجهاتهم، أنّ" بكّة" هي أرض لا يعلمون مكانها.. ولو أنّها كانت المكان الذي أشار إليه النصراني المعترض لقطعوا بذلك! * غاية ما استطاعه المعلّقون هو الاجتهاد.. الفضفاض.. الذي يظهر أنّه لا حجّة لهم في اجتهادهم. * أوردت جلّ التراجم الإنجليزية الحديثة هذه الكلمة على صورتها الأولى دون ترجمتها. * اعترفت الشروح السابقة بأنّ نص المزمور متعلق بالحج. * لا يملك النصارى تفسيرا يقينيا لورود كلمة" بكه" في نص المزمور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 الحقائق الثلاث الأخيرة تقوي حجة المسلمين الذي يقررون أنّهم يعرفون أين تقع" بكّة" (دون حاجة إلى ترجمة معناها) .. كما أنهم قادرون على ربط هذا المكان بالحج و" النبع الفيّاض" (بئر زمزم) . جاء في معجم الكتاب المقدس Knowledge ==The Treasury of Scripture: حول عبارة" بكا" في هذا المزمور: " بكا: ربما هي شجيرة عريضة، ما زال العرب يسمّونها بهذا الإسم (انظر سفر صموئيل الثاني 5: 23) .." وجاء في التعليق الكلاسيكي (في 10 مجلدات) على العهد القديم ل س. ف. كيل Keil.F.C وفرنز دليتزش Franz Delitzsch والمسمى: = Commentary on the Old Testament= والذي نشرت أول طبعاته سنة 1866 م وأظهر فيه مؤلفاه معرفة باللغة العربية بالإضافة إلى اتقانهما للغة العبرية، أنّ كلمة" بكا" هي اسم لشجرة معروفة في" مكة". وهي باللغة العربية شجرة" التوت". ونقول: شجرة البكا كانت معروفة ومشهورة في مكة العربية.. وهي اسم لواد في فلسطين لم يستطع أساطين الدرسات الكتابية في الغرب القطع بمكانه!! كلام يستعصي على الائتلاف.. بل الحق أنّ مكّة العربية كانت تسمى" بكه" بسبب كثرة شجر التوت فيها. ولا داعي للقفز من بلاد العرب إلى بلاد الشام فرارا من بشارة النبي داود عليه السلام بحج المسلمين إلى مكة! أمر مكة والكعبة قد جاء خبره أيضا في كتب دينية ظهرت قبل الإسلام، وإن كانت كنيسة اليوم لا تراها وحيا، من ذلك ما جاء في كتاب" آدم وحواء" قول آدم لابنه شيث: إنّ الله سوف يدلّ الناس الأمناء على المكان الذي يبنون فيه بيته (بيت الله) (كتاب آدم وحواء 29: 5- 7) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وقد علّق البحاثة تشارلز- صاحب الكتاب الذي حوى الترجمة الإنجليزية لهذا السفر- على هذا النص بقوله: عدم ذكر معبد أورشليم في الفصل 29 (المذكور فيه بيت الله) يدلّ على أنّ هذا الكتاب قد ألّف في مدينة غربية، واكتفاء الكتاب بقوله: المكان الذي اعتاد الصلاة فيه هو الذي تعلم المسلمون أن يبنوا عليه احترامهم للكعبة. ويظهر كما ترى أنّ هذا الباحث غير المسلم قد أدرك هذا التشابه والتطابق بين كعبة المسلمين وبيت الله في سفر آدم وحواء! مما يؤكد أنّ المكان الذي سيحجّ إليه الناس هو في غير فلسطين، ما جاء في أحد مخطوطات البحر الميت ": (4 q -174) سأختار مكانا لشعبي إسرائيل وأزرعهم فيه فيقيمون فيه، فلا يزعجهم بعد ذلك أعداؤهم، ولن يؤذيهم مرة أخرى أي أحد من أبناء الضلال.. إنّه هذا هو البيت الذي سيبنيه لهم في آخر الأيام (الزمان) كما هو مكتوب في كتاب موسى، في الحرم الذي أقامته أيديهمDead Sea Scrolls in English ,3 rd) ". edition, by G.vermes, P 392 ) . وهيكل سليمان ما بني في آخر الزمان، كما أنّ اليهود قد نالهم" أذى" شديد فيه! زعم شمعون أنّ رحلة الحج إلى أورشليم غير معقولة لبعد المسافة.. والردّ هو أنّ سليمان بن داود عليهما السلام (وداود هو صاحب المزمور) كان عليه أن يمرّ على مكّة لبلوغ أرض شيبا ليتزوج ملكتها.. وقد حكم عليه السلام منطقة شيبا، وهذا يدلّ على صلة قومه بمكة والعبور إليها وعلى أنّ الرحلة ليست شاقة على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 الصورة التي يصورها شمعون، كما أنّ المشقة لا تمنع من آداء الفرئض وإظهار الإذعان لأمر الله.. ثم، إنّ داود نفسه قد انتقل إلى بلاد العرب (صحراء فاران) بعد موت صموئيل كما هو مذكور في سفر صموئيل الأول 25: 2 (كما هو في كثير من التراجم العربية والإنجليزية..) . قال القس لبيب ميخائيل في كتابه" أعظم من جميع الأنبياء" معترضا على المسلمين: " وقالوا أن (قلت: الصواب: " إنّ") الكلمات المذكورة في المزمور الرابع والثمانين والتي تقول" طوبى لأناس عزهم بك طرق بيتك فى قلوبهم. عابرين فى وادى البكاء يصيّرونه ينبوعا.. يذهبون من قوة إلى قوة. يرون قدام الله فى صهيون" (مزمور 84: 5- 7) هي نبوة عن محمد، لأن وادي البكاء ممكن أن ينطق وادي" بكة"، و" بكة" هي" مكة"، ومحمد جاء من مكة، ولست أرى نفسي بحاجة للتعليق على هذا التفسير، لأنه يحمل فى كلماته ما يخرجه عن أي قواعد للتفسير.." قلت: هي عثرة ليس لها مقيل، مشعرة بخلو صاحبها من التحصيل، تثير في ذهني" ترنيمة" عاقل يقول فيها: لقلع ضرس وضرب حبس ... ونزع نفس وردّ أمس وقرّ برد وقود فرد ... ودبغ جلد بغير شمس وأكل ضبّ وصيد دبّ ... وصرف حبّ بأرض خرس ونفخ نار وحمل عار (!) ... وبيع دار بربع فلس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وبيع خفّ وعدم ألف ... وضرب ألف بحبل قلس " أهون من وقفة المرء ي ... رجو جوابا بباب قسّ! " أيها القارئ.. إنّ واقع الحال هو أنّ الأصل العبري يقول" بكه"، لا أنّ" وادي البكاء" يمكن أن ينطق" بكه" بزعم المسلمين كما يدّعي هذا الفسل الفلس من حلية العلم والأدب.. فمن المحرّف؟!! .. إنّ بقية النصارى يقرّرون أنّ" العبارة العبرية تنطق كما تنطق كلمة" بكه".. ويزعمون أنّ" بكاء" تفسير للكلمة العبريّة.. والقس" غير اللبيب" يجعل ترجمته العربية المحرّفة، الأصل المتحاكم إليه.. ولكن.. تصدّر للتنصير كلّ مهوّس ... بليد تسمّى بالصليبي الألمعي فحق لأهل الحق أن يتمثّلوا ... ببيت قديم شاع في كلّ مجلس " لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاها، وحتى سامها كلّ مفلس" مع الاعتذار للآمدي صاحب الأبيات الأصلية- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 النبي الأمّي من أشهر ما وصف به نبي الإسلام وعرف به، " أميّته" صلى الله عليه وسلّم. وإذا كانت الأميّة في غيره نقيصة، فإنّها فيه حجّة مدعمّة لنبوّته، فهو الذي أتى بالقرآن المعجز ببيانه وبلاغته، وإخباره بالمغيبات وبالشرائع المذهلة والضوابط الأخلاقية المتقنة. وإذا كان العالم المتمرّس بالعلوم عاجزا عن يأتي بمثل هذا القرآن، فكيف برجل أمّي لا يقرأ ولا يكتب! وقد وصف الله سبحانه نبيّه صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع من القرآن الكريم بالأميّة: " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ" (الأعراف 157) ، " فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" (الأعراف 158) أي الذي لم يكن يكتب أو يقرأ. وهو صلى الله عليه وسلم لم يتعلّم هذا القرآن ولم يعلّمه، وقد وعده ربّه بأن يحفظ له كتابه هذا في صدره: " لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ" (سورة القيامة 16- 17) . وتركيز القرآن على صفة الأميّة في نبي الإسلام، وذكره أنه قد جاء التنصيص على هذه الصفة في أسفار النصارى يجعلنا نطمئنّ لوجود ما جاء ذكره في القرآن في ما بين أيدي هؤلاء. ولا نحتاج إلى كبير عناء للعثور على مرادنا في الكتاب المقدّس، إذ ها هي أعداد سفر إشعياء تنبئنا بما نريد: " أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له اقرأ هذا فيقول لا أعرف الكتابة. " (سفر إشعياء 29: 12) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 قبل أن نضع هذا النص على مشرحة البحث بين يدي العقل المنصف، علينا أن نلفت الانتباه إلى أنّ هذا النص في صورته العربية التي نقلناها، محرّف، والسبب أنّ أصحاب الترجمة العربية التي بين أيدينا يعلمون معنى هذا النصّ، ولذلك شوّهوه، والمقارنة بين التراجم الإنجليزية والفرنسية ... وبين النصّ العربي السابق سيكشف لك الأمر: The New International Version: Or if you give the scroll to someone who cannot read, and say, "dont know how to read.I "he will answer ,"Read this ,please ," The New American Standard Bible: Then the book will be given to the one who is illiterate, saying, And he will say ,=I "Please read this. " cannot read.= The New American Bible: When it is handed to one who can not who can not read, with the request:= read this , he replies,= i can not read= Louis Segond:. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 Je ne sais pas lire =:Et qui repondne sait pas lire ,en disant:Lis donc cela! Ou comme un livre que Ion donne A un homme qui وتعريب هذه النصوص، على اختلاف طفيف بينها: " أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف القراءة، مع الرجاء: " اقرأ هذا" فيجيب: " لا أعرف القراءة". من أهم مواضع الخلاف بين هذه التراجم وبين النص العربي، إضافة عبارة" مع الرجاء"، وهذه الزيادة لا تعنينا في هذا المقام.. وإنما الذي يعنينا هو استعمال كلمة" القراءة" في هذه التراجم محلّ كلمة" الكتابة" في المقابل العربي.. وسترى في ما سيأتي إن شاء الله، سبب تحريف هذا النص. ويبدو أنّ آباء الكنيسة الأوّلين لم يجدوا لهذه الكلمات معنى، فها هو القمص تادرس يعقوب ملطي في تفسيره لسفر إشعياء (نشر كنيسة مارجرجس باسبرتنج) والذي جمع مادته من" نخبة ممتازة من تفسيرات آباء الكنيسة الأوّلين"، قد فسّر الفصل 29 من سفر إشعياء بأكمله إلا العدد موضوع حديثنا، ولكنّ نصارى اليوم يعرفون معنى هذا النص ولذلك حرفوا ترجمته العربية!! حتى نفهم معنى ما جاء في نبوءة إشعياء، علينا أن نعود بالذاكرة إلى الوراء، إلى ما قبل 14 قرن سلف: أخرج الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: " أول ما بدئ به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. ثم حبب إليه الخلاء. وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وهو التعبد- الليالي ذوات العدد، قبل أن يترع إلى أهله، ويتزود إلى ذلك. ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء. فجاءه الملك. فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد. ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة ثم قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ... الحديث" إنّه من البيّن لكل ذي عينين، التطابق الواضح بين ما جاء في هذا الحديث الذي خرّجه أيضا الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما، وبين ما جاء في سفر اشعياء 29: 12" لقد دفع كتاب الوحي إلى نبي الإسلام ليقرأه: " اقرأ".. فقال هذا النبي: " ما أنا بقارئ" أي أنا أمّي لا أعرف القراءة. ملاحظة أخرى لا بدّ من ذكرها وهي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 أنّ الكلمة العبرية المستعملة في النص العبري هي" اقرأ"، وهي نفس الكلمة الواردة في الحديث سابق الذكر.. فتأمل!!! لقد انتشر خبر" قرآن"" النبي الخاتم" في أسفار الأوّلين لعظيم مقام هذا الكتاب المعجز ولعجائبه التي لا تنقضي.. وهو حقا كتاب لا نظير له بين الكتب المقدسة.. واقرأ هذه الوقائع الثلاث لتزداد يقينا بهذا الأمر: قال الشيخ أبو بكر جومي (عالم مسلم من نيجيريا) - الفائز بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام لسنة 1987 م- في محاضرة له ألقاها في دولة" السعودية"، نشرت في كتاب بعنوان" محاضرات الموسم الثقافي لعامي 1406 هـ 1407 هـ (نشر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية سلسلة النشاط الثقافي (2) ، والكتاب يضم مقالات أخرى للدكتور حسن ظاظا وباحثين آخرين..) ص 158: ".. في السنة الماضية حصل شيء في نيجيريا يبين معجزة الإسلام. اجتمع رؤساء الكنيسة في ولاية جنجلة يتشاورون، ورأوا في تلك الولاية عربيا بيده مصحف مترجم باللغة الإنجليزية. فسأله أحدهم: أي كتاب هذا؟ قال: القرآن. قال: هاته. فأخذه منه وأراد أن يبين أنّ القرآن ليس فيه شيء، فسكب عليه البترين وأوقد عليه النار فاحترقت يده. بعد ذلك غاب الكتاب ولا يعرف أين ذهب الله به. وهذا جعل جميع الأوروبيين هناك يخرجون من البلاد. وجميع القسيسين الذين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 اجتمعوا هناك يعتنقون الإسلام. ونحن رأينا منهم من جاءنا بالأخبار وأخبرنا، وكلامه صحيح. " قال الدكتور فهد بن عبد الرحمن الرومي- رئيس قسم الدراسات القرآنية في كلية إعداد المعلمين بالرياض في كتابه" خصائص القرآن الكريم"، في هامش ص 177: " نشرت الصحف أنّ نسخة القرآن الكريم التي كان يحملها الرئيس الباكستاني ضياء الحق ظلت على حالها ولم يمسّها أي ضرر في حين احترق كلّ شيء عند انفجار طائرة الرئيس رحمه الله تعالى وقد كتب الأستاذ عبد الكريم طويان في جريدة الجزيرة العدد 5821 في 24- 1- 1409 هـ ص 19 مقالا جيدا ذكر فيه عددا من الأحداث المماثلة ولا شكّ أنّ هذا من الآيات العجيبة. " نقل الشيخ محمد سيد محمود، عضو هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، في كتابه" علاج المسحور من الكتاب والمأثور" ص ص 59- 60، هذه الواقعة عن الداعية المعروف أحمد القطان: ".. يقول الداعية الإسلامي الشهير الشيخ أحمد القطان، من التجارب الشخصية لي في هذا المجال من ناحية الحديث والرؤية والمشاهدة، فقد اشتكى صاحب بيت بأنّه لّما نزل في بيته الجديد أصبح هناك من ينغّص عليهم الحياة في هذا البيت، حيث أنّهم لّما وضعوا طعامهم وجدوا حفنة من طين أو تراب فجأة تظهر وسط طبق الطعام، ولا يرون من يضعها.. ذلك يتكرّر كلّ يوم ثلاث مرّات عند الإفطار وعند الغذاء وعند العشاء ... فلمّا أصبحت بهذا الوضوح والتكرار أصبح الأولاد عند ما يضعون السفرة في خوف ورعب وعند ما يضعون الإناء يتظرون إليه جميعا وفجأة تظهر حفنة التراب فيفرون هذا إلى غرفته وهذا إلى المطبخ، يصرخون ويبكون، ممّا جعل صاحب الدار يأخذ زوجته وأولاده ويذهب بهم إلى بيت أهل الزوجة، ومكث هو وأمّه وعمّته في البيت.. فكان كلّما جلست أمّه أو عمّته وجد من يحثو على رأسها التراب، فلمّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 أخبرني بذلك ذهبت أنا ورجال أفاضل منهم مستشار في القضاء، ومنهم إمام مسجد، ومنهم إمام وخطيب، وأخذنا نقرأ بعد أن توضّأنا سورة البقرة وأذكر أنّها في ليلة الاربعاء بعد العشاء، وهو اليوم الذي يشتدّ عليهم فيه، فلمّا وصلنا عند آية الكرسي وكانت العجوز تجلس في فناء الدار في فصل الصيف، فنادانا ولدها وقال: تعالوا انظروا، فتركنا أخا يقرأ وخرجنا ننظر، وإذا المرأة تلبس عباءتها وهي جالسة في الفناء والتراب ينزل من رأسها وكأنّه يخرج من الرأس ويترل على عباءتها إلى الأرض، ولّما أنهينا سورة البقرة انتهى التراب واختفى ولم يعد مرة أخرى. " ولله الحمد! اعتراض النصارى: جاء في هامش الترجمة الكاثولكية" الكتاب المقدس الأمريكي الجديد =The New American Bible ="أنّ نص إشعياء 29: 9- 12 متعلق بالقدس (أورشليم) ، وهو يشير إلى رفض القدس (أهلها) تصديق أنّ الله سيخلّصها.. الردّ: أسطورة خلاص القدس على يد المسيح (النصراني) لم تتحقق، بل قام القائد الروماني تيتوس سنة 66 م باحتلال القدس وتخريب المعبد، وقام الإمبراطور الروماني أدريانوس سنة 135 م بإزالة معالم القدس والهيكل تماما، ثمّ أصبحت المدينة وما جاورها قرونا طوالا في ملك المسلمين الموحدين، ثمّ ها هي اليوم مأسورة في قفص اليهود الذين وصفهم المسيح بأنهم" أولاد الأفاعي".. إنّ حمل نصّ إشعياء على محمد صلى الله عليه وسلم يحافظ على المعنى التنبئي الحرفي للنصّ، في حين أنّ حمله على" القدس" وأهلها ينقله إلى المعنى المجازي.. البعيد.. والأوّل أولى بل هو الحق! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 راكب الجمل جاء في سفر إشعياء 21: 6- 10: " لأنّه هكذا قال الربّ لي: اذهب وأقم رقيبا ليعلن ما يراه. وعند ما يشاهد راكبين فرسانا أزواجا أزواجا، أو راكبين على حمير، وراكبين على جمال، فليصغ إصغاء شديدا. ثمّ هتف الرّقيب: ها أنا أقف على برج المراقبة يوما بعد يوم أيّها الربّ، وأقوم على المحرس طوال اللّيل. فها ركب قادم، فرسان أزواج أزواج. فأجاب: سقطت سقطت بابل وتحطمت سائر أصنامها على الأرض. آه يا شعبي المطحون والمشتّت، لقد أنبأتكم بكل ما سمعته من الربّ القدير إله إسرائيل. " النص الماسوري: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 تخبر هذه الأعداد عن قدوم طائفتين: أصحاب الراكب على حمار، وأصحاب الراكب على جمل. لا يتردد أي نصراني في القول إنّ ما جاء في هذه الأعداد عن الراكب على الحمار ما هو إلا نبوءة عن عيسى عليه السلام لما جاء في إنجيل يوحنا 12: 14: " ووجد يسوع جحشا فركب عليه، كما قد كتب: " لا تخافي يا بنت صهيون، فإنّ ملك قادم إليك راكبا على جحش أتان". والإشارة في" قد كتب" إلى سفر إشعياء 40: 9 وسفر زكريا 9: 9 كما هو منصوص عليه في هامش" الترجمة الأمريكية الجديدة.merican BibleA ==The New " فالبشارة بالمسيح في العهد القديم، كما يقول النصارى، هي بركوب الحمار. أما الراكب على الجمل فهو بلا ريب محمد صلى الله عليه وسلّم. فهو الراكب على الجمل" القصواء". وهو صلوات الله عليه وسلّم الذي تحطمت سائر أصنام العراق (بابل) على يدي أمّته المباركة، ولم تبلغها يد أمة أخرى قبلها بإزالة أو إبادة.. فالبشارة إذن هي بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلّم ولا يمكن نسبتها إلى نبي آخر. وقد فهم هذا النص على هذه الصورة النجاشي النصراني، فقد قال الإمام ابن القيم في الجزء الثالث من" زاد المعاد": ".. وكتب إلى النجاشي: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة أسلم أنت فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه الله من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى. وبعث بالكتاب مع عمرو بن أمية الضمري فقال ابن إسحاق: إن عمرا قال له يا أصحمة إن علي القول وعليك الاستماع إنك كأنك في الرقة علينا وكأنا في الثقة بك منك لأنا لم نظن بك خيرا قط إلا نلناه ولم نخفك على شيء قط إلا أمناه وقد أخذنا الحجة عليك من فيك الإنجيل بيننا وبينك شاهد لا يرد وقاض لا يجور وفي ذلك موقع الحز وإصابة المفصل وإلا فأنت في هذا النبي الأمي كاليهود في عيسى ابن مريم وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلّم رسله إلى الناس فرجاك لما لم يرجهم له وأمنك على ما خافهم عليه بخير سالف وأجر ينتظر. فقال النجاشي: أشهد بالله أنه النبي الأمي الذي ينتظره أهل الكتاب وأن بشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل وأن العيان ليس بأشفى من الخبر ثم كتب النجاشي جواب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم" بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله من النجاشي أصحمة سلام عليك يا نبي الله من الله ورحمة الله وبركاته الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى فورب السماء والأرض إن عيسى لا يزيد على ما ذكرت ثفروقا إنه كما ذكرت وقد عرفنا ما بعثت به إلينا وقد قربنا ابن عمك وأصحابه فأشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين". والثفروق علاقة ما بين النواة والقشر. " وستقرأ أنّ هذا الوصف لمحمد صلى الله عليه وسلّم موجود حتى في كتب المجوس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وكتب الهندوس (كتاب آثر فيدا: 20: 127 في حديثه عن ركوب" نارشنجزا" على جمل) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 الأمة العظيمة جاء في سفر التكوين 21: 13، 18: " وسأقيم من ابن الجارية (هاجر) أمّة أيضا لأنّه من ذريّتك ( ... ) قومي واحملي الصّبيّ، وتشبّثي به لأنّني سأجعله أمّة عظيمة. " النص الماسوري: هذه بشارة صريحة من الله سبحانه أن يجعل من بين نسل إسماعيل أمّة عظيمة.. ونحن نسال كلّ نصراني: " من هي الأمة العظيمة التي كانت من نسل إسماعيل.. انظر يمينا وانظر شمالا.. ثم ارجع البصر كرّتين.. افتح كتب التاريخ.. قلّب صفحاتها.. إنك لن تجد غير أمة الإسلام بنبيها العربي الإسماعيلي!! ". وقد قال دومّلو Dummelo في تعليقه على الكتاب المقدس of the Bible ==Dummelos Commentary ص 125: " الوعد لهاجر تمّ بالجنس العربي". قال القس عبد المسيح البسيط أبو الخير في كتابه: " هل تنبّأ الكتاب المقدس عن نبي آخر يأتي بعد المسيح" ص ص 25- 26 بكلّ" بساطة": " لم تتضمن وعوداته (وعود الله) لإبراهم أي إشارة عن نبوة أو نبي يأتي من أبناء إسماعيل، بل على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 العكس ففي قول الملاك لهاجر تكثيرا أكثّر نسلك فلا يعدّ من الكثرة. وقال لها ملاك الربّ: ها أنت حبلى فتلدين ابنا وتدعين اسمه إسماعيل لأنّ الرّبّ قد سمع لمذلّتك. وإنّه يكون إنسانا وحشيّا يده على كلّ واحد ويد كلّ واحد عليه" لا يوجد ما يدلّ إلا على العكس مما يدّعيه هؤلاء!! ". وقال في ص ص 26- 27: " كما أن استشهادهم (يقصد المسلمين) بقوله" وابن الجارية أيضا سأجعله أمّة لأنّه نسلك" (تكوين 21: 13) ، لا يفهم إلا من خلال النص الكامل للحديث والذي يقول" فقالت لإبراهيم: اطرد هذه الجارية وابنها لأنّ ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحاق. فقبح الكلام جدّا في عيني إبراهيم لسبب ابنه. فقال الله لإبراهيم: لا يقبح في عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك. في كلّ ما تقول لك سارة اسمع لقولها لأنّه بإسحاق يدّعى لك نسل. وابن الجارية أيضا سأجعله أمّة لأنّه نسلك. " (تكوين 21: 10- 13) . فالنسل الموعود الذي تتبارك من خلاله جميع الأمم هو إسحق. أمّا إسماعيل فسيجعله الله أمّة كبيرة العدد. وهذا ما أكده الله تكرارا؛" ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا". و" اثني عشر رئيسا يلد واجعله أمة كبيرة" و" سأجعله أمة لأنّه نسلك" و" سأجعله أمة عظيمة". وهذه الأقوال، جميعها، لا تشير لا إلى أفراد ولا إلى فرد بعينه بل إلى أمّة كثيرة العدد فقط، ولا توحي بأي شكل من الأشكال عن بركة نبوّة، كما أنّ قول الملاك لهاجر عن إسماعيل يكون إنسانا وحشيّا يده على كلّ واحد ويد كلّ واحد عليه" لا يوجد ما يدلّ إلا على العكس مما يدّعيه هؤلاء!! ". ونقول: إنّ وعد الله أن يجعل من بين نسل إسماعيل" أمة عظيمة" لا يمكن أن يحمل إلا على أنّ الله سيخرج من هذا النسل نبيا عظيما تتبعه أمة كثيرة السواد، لأنّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 المقابل لهذا الفهم هو أنّ الله سبحانه سيخرج من نسل اسماعيل أمة كثيرة العدد لا تعبد الله ولا ترفع بالتوحيد رأسا، لا تنكر منكرا ولا تعرف معروفا، فقد حصرت النبوة والوحي في نسل إسحاق وانحسر مدّ الهداية عند سواحلهم!!؟ إنّ معنى البشارة هو الخبر السار وكيف يكون الخبر سارا بالإخبار عن ذرية كافرة ضالة. ويؤيّد ما نقول القس" البسيط" نفسه، فقد قال في مفتتح الفصل الثاني في كتابه التالف (بالتاء) والذي عقده للتشغيب على التبشير بالنبي الإسماعيلي ولإهالة تراب الشكوك الذابلة والأوهام الواهنة على الحق المشرق: " بعد أن زاغت البشريّة واتّجهت لعبادة الأصنام، سواء مع الله، أي أشركوا به، أو من دون الله، أي عبدوها كآلهة أو كما يقول الكتاب المقدّس" الّذين استبدلوا حقّ الله بالكذب واتّقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق الّذي هو مبارك إلى الأبد" (رومية 1: 25) . كان الله قد رتب، بحسب مشورته الإلهيّة وعلمه السابق، أن يحفظ لنفسه شعبا مختارا يؤمن به ولا يحيد عن عبادته لكي يأتي منه، بحسب ما سبق أن عينت ورتبت مشورته الإلهيّة، نسل تتبارك به جمع القبائل والأمم والشعوب في وقت سبق أن عينه أسماه" ملء الزمان" (غلاطية 4: 4) . " .. فإذا كان الربّ، لمّا رأى أنّ أهل الأرض جميعا قد وقعوا في الكفر، قد اختار أن ينقذ أبناء يعقوب بن إسحاق فقط، ألا يكون بذلك، بزعم" البسيط"، قد رضي إهلاك بني إسماعيل إلى يوم القيامة وإغراقهم في بحر الشرك بعد إقراره احتكار الإسرائيليين لنور الوحي.. ليكون قد تناقض، ووعد فأخلف.. ولا مخرج من التناقض وإخلاف الوعد غير إرسال نبي عظيم في بني إسماعيل للهداية والرحمة في هذا النسل" المحروم"! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 ومما يؤكد ظهور نبيّ من بني إسماعيل، ما جاء في سفر اشعياء 11: 1- 5: " ويفرخ برعم من حذع يسّى، وينبت غصن من جذوره، ويستقر عليه روح الربّ، روح الحكمة والفطنة، روح المشورة والقوّة، روح معرفة الربّ ومخافته وتكون مسرّته في تقوى الربّ، ولا يقضي بحسب ما تشهد عيناه، ولا يحكم بمقتضى ما تسمع أذناه، إنّما يقضي بعدل للمساكين، ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض، ويعاقب الأرض بقضيب فمه، ويميت المنافق بنفخة شفتيه، لأنّه سيرتدي البر ويتمنطق بالأمانة. " تشير هذه النبوءة إلى نبيّ عظيم يخرج في آخر الزمان. ولا تخدعن بكلمة" يسّى" الذي هو والد داود النبي، إذ قد جاء في موسوعة الكتاب المقدس Encyclopaedia Biblica ل ت. ك. شاين T.K.Cheyne تحت اسم" يسّى ": =Jesse ="يسىّ: اختصار لكلمة إسماعيل". والاختصار بشهادة هذه الموسوعة معروف في الكتاب المقدس.. وهو موجود في أيامنا في البلاد الانجلوسكسونية حيث تتغير صورة الكلمة بطريقة واضحة: مثال: كلمة" بوب" هي اختصار لاسم" روبرت" وكلمة" ديك" هي اختصار لكلمة" ريتشارد".. وقد يقول، وسيقول قطعا، النصارى، إنّ نصّ إشعياء 11: 1 يذكر موعودا من نسل يسّي ولم يذكر إسماعيل صراحة.. ونقول أنّ الاختصار بضاعة من الكتاب المقدس ذاته، ولو أنّ المعنيّ بهذه البشارة في عبارة" يسّي" كان والد داود لكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 الأولى أن يبدأ الفصل ب" ويفرخ برعم من جذع داود" لأنّ داود كما هو ظاهر من الكتاب المقدس أعظم من أبيه، ومن نسله ظهر سليمان النبي وأنبياء آخرون كثر. والنصارى يصرّون على أنّ المعني ببشارة إشعياء 11 هو المسيح. ونقول بعدما سبق، إنّ يسّى نفسه لم يحصر نسله في داود بل له من الأولاد الكثير، فقد جاء في سفر أخبار الأيام الأول 2: 13- 17 أنّ داود هو الابن السابع ليسّى، بل لداود أختين، احداهما اسمها أبيجايل، وقد تزوّجت يثر الإسماعيلي وأنجبت منه عماسا.. إذن، حتى على فرض أنّ يسّى المذكور هو والد داود فإنّ النبوة تبقى مرتبطة بنبيّ الإسلام الذي تحققت فيه أيضا بقية علامات البشارة! وفي بشارة قريبة ممّا سبق قال شيخ الإسلام ابن تيمية في" الجواب الصحيح..": " ومن ذلك ما في التوراة التي بأيديهم في السفر الأول منها وهي خمسة أسفار في الفصل التاسع في قصة هاجر لما فارقت سارة وخاطبها الملك فقال يا هاجر من أين أقبلت وإلى أين تريدين فلما شرحت له الحال قال ارجعي فإني سأكثر ذريتك وزرعك حتى لا يحصون وها أنت تحبلين وتلدين ابنا نسميه إسماعيل لأن الله قد سمع تذللك وخضوعك وولدك يكون وحشي الناس ويكون يده فوق الجميع ويد الكل به ويكون على تخوم جميع إخوته. قال المستخرجون لهذه البشارة معلوم أن يد بني إسماعيل قبل مبعث محمد لم تكن فوق أيدي بني إسحاق بل كان في بني إسحاق النبوة والكتاب وقد دخلوا مصر زمن يوسف مع يعقوب فلم يكن لبني إسماعيل فوقهم يد ثم خرجوا منها لما بعث موسى وكانوا مع موسى أعز أهل الأرض لم يكن لأحد عليهم يد ثم مع يوشع بعده إلى زمن داود وملك سليمان الذي لم يؤت أحد مثله وسلط عليهم بعد ذلك بختنصر فلم يكن لبني إسماعيل عليهم يد ثم بعث المسيح وخرب بيت المقدس الخراب الثاني حيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 أفسدوا في الأرض مرتين ومن حينئذ زال ملكهم وقطعهم الله في الأرض أمما وكانوا تحت حكم الروم والفرس لم يكن للعرب عليهم حكم أكثر من غيرهم فلم يكن لولد إسماعيل سلطان على أحد من الأمم لا أهل الكتاب ولا الأميين فلم يكن يد ولد إسماعيل فوق الجميع حتى بعث الله محمدا الذي دعا به إبراهيم وإسماعيل حيث قالا: " رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (البقرة 129) . فلما بعث صار يد ولد اسماعيل فوق الجميع فلم يكن في الأرض سلطان أعز من سلطانهم وقهروا فارس والروم وغيرهم من الأمم وقهروا اليهود والنصارى والمجوس والمشركين والصابئين فظهر بذلك تحقيق قوله في التوراة وتكون يده فوق الجميع ويد الكل به وهذا أمر مستمر إلى آخر الدهر. فإن قيل هذه بشارة بملكه وظهوره قيل الملك ملكان ملك ليس فيه دعوى نبوة وهذا لم يكن لبني اسماعيل على الجميع وملك صدر عن دعوى نبوة فإن كان مدعي النبوة كاذبا: :" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ" (الأنعام 93) وهذا من شر الناس وأكذبهم وأظلمهم وأفجرهم وملكه شر من ملك الظالم الذي لم يدع نبوة كبختنصر وسنجاريب. ومعلوم أن الإخبار بهذه لا يكون بشارة ولا تفرح سارة وإبراهيم بهذا كما لو قيل يكون جبارا طاغيا يقهر الناس على طاعته ويقتلهم ويسبي حريمهم ويأخذ أموالهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 بالباطل فإن الإخبار بهذا لا يكون بشارة ولا يسر المخبر بذلك وإنما يكون بشارة تسره إذا كان ذلك يعدل وكان علوه محمودا لا إثم فيه وذلك في مدعي النبوة لا يكون إلا وهو صادق لا كاذب. " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 المنتصر.. صاحب السيف قال العلامة رحمة الله الهندي في كتابه" إظهار الحق" ص ص 433- 435 إنه جاء في المزمور 45: " فاض قلبي كلمة صالحة أنا أقول أعمالي للملك لساني قلم كاتب سريع الكتابة بهي في الحسن أفضل من بني البشر انسكبت النعمة على شفتيك لذلك باركك الله إلى الدهر تقلد سيفك على فخذك أيها القوي بحسنك وجمالك أستله وأنجح وأملك من أجل الحق والدعة والصدق وتهديك بالعجب يمينك نبلك مسنونة أيها القوي في قلب أعداء الملك الشعوب تحتك يسقطون كرسيك يا الله إلى دهر الداهرين عصا الاستقامة عصا ملكك أحببت البر وأبغضت الإثم لذلك مسحك الله إلهك بدهن الفرح أفضل من أصحابك المر والميعة والسليخة من ثيابك من منازلك الشريفة العاج التي أبهجتك بنات الملوك في كرامتك قامت الملكة من عن يمينك مشتملة بثوب مذهب موشى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 اسمعي يا بنت وانظري وأنصتي بأذنيك وانسي شعبك وبنت أبيك فيشتهي الملك حسنك لأنه هو الرب إلهك وله تسجدين بنات صور يأتينك بالهدايا لوجهك يصلي كل أغنياء الشعب كل مجد ابنة الملك من داخل مشتملة بلباس الذهب الموشى يبلغن إلى الملك عذارى في أثرها قريباتها إليك يقدمن يبلغن بفرح وابتهاج يدخلن إلى هيكل الملك ويكون بنوك عوضا من آبائك وتقيمهم رؤساء على سائر الأرض سأذكر اسمك في كل جيل وجيل من أجل ذلك تعترف لك الشعوب إلى الدهر والى دهر الداهرين". قلت: هذا هو النص الماسوري: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 وهذا الأمر مسلّم عند أهل الكتاب أن داود عليه السلام يبشر في هذا الزبور بنبي يكون ظهوره بعد زمانه، ولم يظهر إلى هذا الحين عند اليهود نبي يكون موصوفا بالصفات المذكورة في هذا الزبور، ويدعى علماء بروتستنت أن هذا النبي عيسى عليه السلام، ويدعي أهل الإسلام سلفا وخلفا أن هذا النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فأقول أنه ذكر في هذا الزبور من صفات النبي المبشّر به هذه الصفات: [1] كونه حسنا. [2] كونه أفضل البشر. [3] كون النعمة منسكبة على شفتيه. [4] كونه مباركا إلى الدهر. [5] كونه متقلدا بالسيف. [6] كونه قويّا. [7] كونه ذا حق ودعة وصدق. [8] كونه هداية يمينه بالعجب. [9] كون نبله مسنونة. [10] سقوط الشعب تحته. [11] كونه محبا للبر ومبغضا للإثم. [12] خدمة بنات الملوك إياه. [13] إتيان الهدايا إليه. [14] انقياد كل أغنياء الشعب له. [15] كون أبنائه رؤساء الأرض بدل آبائهم. [16] كون اسمه مذكورا جيلا بعد جيل. [17] مدح الشعوب إياه إلى دهر الداهرين. وهذه الأوصاف كلها توجد في محمد صلى الله عليه وسلّم على أكمل وجه. أما الأول: فلأن أبا هريرة رضي الله عنه قال: " ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه وإذا ضحك يتلألأ في الجدار" وعن أم معبد رضي الله عنها قالت في بعض ما وصفته به: " أجمل الناس من بعيد وأحلاهم وأحسنهم من قريب". وأما الثاني: فلأن الله تعالى قال في كلامه المحكم: " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض" الآية. وقال أهل التفسير أراد بقوله" ورفعهم بعضهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 درجات" محمّدا صلى الله عليه وسلّم أي رفعه على سائر الأنبياء من وجوه متعددة، وقد أشبع الكلام في تفسير هذه الآية الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير. وقال صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر" أي لا أقول ذلك فخرا لنفسي بل تحدثا بنعمة ربي. وأما الثالث: فغير محتاج إلى البيان حتى أقر بفصاحته الموافق والمخالف، وقال الرواة في وصف كلامه: إنه كان أصدق الناس لهجة فكان من الفصاحة بالمحل الأفضل والموضع الأكمل. وأما الرابع: فلأن الله تعالى قال: " إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ" وألوف ألوف من الناس يصلون عليه في الصلوات الخمس. وأما الخامس: فظاهر وقد قال هو بنفسه أنا رسول الله بالسيف. وأما السادس: فكانت قوته الجسمانية على الكمال، كما ثبت أن ركانة خلا برسول الله صلى الله عليه وسلّم في بعض شعاب مكة قبل أن يسلم فقال: يا ركانة ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه. فقال: لو أعلم والله ما تقول حقا لاتبعتك. فقال: أرأيت إن صرعتك أتعلم أن ما أقول حق قال: نعم، فلما بطش به صلى الله عليه وسلّم أضجعه لا يملك من أمره شيئا، ثم قال: يا محمد عد فصرعه أيضا فقال: يا محمد إن ذا لعجب. فقال صلى الله عليه وسلم: وأعجب من ذلك إن شئت أن أريكه إن اتقيت الله وتبعت أمري. قال: ما هو قال: أدعو لك هذه الشجرة فدعاها فأقبلت حتى وقفت بين يديه صلى الله عليه وسلم. فقال لها: ارجعي مكانك. فرجع ركانة إلى قومه فقال: يا بني عبد مناف ما رأيت أسحر منه ثم أخبرهم بما رأى. وركانة هذا كان من الأقوياء والمصارعين المشهورين. وأما شجاعته فقد قال ابن عمر رضي الله عنهما: " ما رأيت أشجع ولا أنجد ولا أجود من رسول الله صلى الله عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 وسلم" وقال علي كرم الله وجهه: " وإنا كنا إذا حمى البأس، واحمرت الحدق، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه. ولقد رأيتني يوم بدر، ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا". وأما السابع: فلأن الأمانة والصدق من الصفات الجليلة له صلى الله عليه وسلم، كما قال النضر بن الحارث لقريش: " قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثا، وأعظمكم أمانة. حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم قلتم إنه ساحر، لا والله ما هو بساحر". وسأل هرقل عن حال النبي صلى الله عليه وسلّم أبا سفيان فقال: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال. قال: لا. قال: لا. وأما الثامن: فلأنه رمى يوم بدر وكذا يوم حنين وجوه الكفار بقبضة تراب، فلم يبق مشرك إلا شغل بعينه فانهزموا وتمكن المسلمون منهم قتلا وأسرا فأمثال هذه من عجيب هداية يمينه. وأما التاسع: فلأن كون أولاد إسماعيل أصحاب النبل في سالف الزمان، غير محتاج إلى البيان وكان هذا الأمر مرغوبا له وكان يقول: " ستفتح عليكم الروم ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه". ويقول: " ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا". ويقول عليه السلام: " من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا". وأما العاشر: فلأن الناس دخلوا أفواجا في دين الله في مدة حياته. وأما الحادي عشر: فمشهور يعترف به المعاندون أيضا ( ... ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 وأما الثاني عشر: فقد صارت بنات الملوك والأمراء، خادمة للمسلمين في الطبقة الأولى، ومنها شهربانو بنت يزدجرد، كسرى فارس، كانت تحت الإمام الهمام الحسين رضي الله عنه. (قلت: قد تزوّج محمد صلى الله عليه وسلّم السيدة صفيّة بنت حيي بن أخطب، وهي بنت سيد بني النضير وملكهم، والسيدة جويرية بنت الحارث، وأبوها كان سيد بني المصطلق وملكهم) . وأما الثالث عشر والرابع عشر: فلأن النجاشي ملك الحبشة ومنذر بن ساوى ملك البحرين وملك عمان انقادوا وأسلموا، وهرقل قيصر الروم أرسل إليه بهدية، والمقوقس ملك القبط أرسل إليه ثلاث جوار، وغلاما أسود وبغلة شهباء، وحمار أشهب، وفرسا وثيابا وغيرها. وأما الخامس عشر: فقد وصل من أبناء الإمام الحسن رضي الله عنه إلى الخلافة، وألوف في أقاليم مختلفة من الحجاز واليمن ومصر والمغرب والشام وفارس والهند وغيرها. وفازوا بالسلطنة والإمارة العلية، وإلى الآن أيضا في ديار الحجاز واليمن، وفي غيرهما توجد الأمراء والحكام من نسله صلى الله عليه وسلم، وسيظهر إن شاء الله المهدي رضي الله عنه من نسله، ويكون خليفة الله في الأرض، ويكون الدين كله لله في عهده الشريف. وأما السادس عشر والسابع عشر: فلأنه ينادي ألوف ألوف جيلا بعد جيل في الأوقات الخمسة، بصوت رفيع في أقاليم مختلفة: " أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله" ويصلي عليه في الأوقات المذكورة الغير المحصورين من المصلين، والقراء يحفظون منشوره، والمفسرين يفسرون معاني فرقانه، والوعاظ يبلغون وعظه، والعلماء والسلاطين يصلون إلى خدمته، ويسلمون عليه من وراء الباب ( ... ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 ولا يصدق هذا الخبر في حق عيسى عليه السلام. كما يدعيه علماء بروتستنت ادعاء باطلا، لأنهم يدعون أن الخبر المندرج، في الباب الثالث والخمسين من كتاب اشعيا، في حق عيسى عليه السلام، ووقع في هذا الخبر في حقه هكذا: " ليس له منظر وجمال ورأيناه ولم يكن له منظر واشتهيناه مهانا، وآخر الرجال رجل الأوجاع مختبرا بالأمراض، وكان مكتوما وجهه ومزدولا ولم نحسبه، ونحن حسبناه كأبرس ومضروبا من الله ومخضوعا، والرب شاء أن يستحقه". وهذه الأوصاف ضد الأوصاف التي في الزبور المذكور، فلا يصدق عليه كونه حسنا، ولا كونه قويا. وكذا لا يصدق عليه كونه متقلدا بالسيف (قلت: جاء في مرقس 12: 17: " أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله. ") ، ولا كون نبله مسنونة (قلت: جاء في متّى 26: 52 أنّ المسيح قال لأحد تلاميذه لّما أراد هذا التلميذ أن يدافع عنه: ردّ سيفك إلى غمده! فإنّ الذين يلجأون إلى السيف، بالسيف يهلكون! "، ولا انقياد الأغنياء، ولا إرسالهم إليه الهدايا، بل هو على زعم النصارى، أخذوه وأهانوه واستهزؤوا به، وضربوه بالسياط، ثم صلبوه. وما كان له زوجة ولا ابن، فلا يصدق دخول البنات في بيته، ولا كون أبنائه بدل آبائه رؤساء الأرض. " قلت: يزعم النصارى أنّ المزمور 45 هو نبوءة صريحة في وصف المسيح: قال الآباء اليسوعيون في تعليقهم على هذا المزمور: " في هذا المزمور احتفال زفاف الكنيسة الطاهرة إلى السيد المسيح. فعبر عن المسيح بالملك. وعن الكنيسة بالملكة. والمراد بها: الكنيسة الجامعة، والعذارى: هنّ الكنائس الخاصة اللائي غدون بالمعمودية قرائن محبوبات للملك العظيم. " وهذا ادعاء باطل، لما سبق أن ذكره الشيخ رحمة الله الهندي، رحمه الله، ولأسباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 أخرى أهمها: المعنى الذي تدعيه الكنيسة غال في تفلّته من ألفاظ نص النبوءة، وهذا المنهج في التفسير والتأويل، غال في باطنيته، يفتح الباب على مصراعيه لإفساد الأديان وتمييع الحقائق. حمل النبوءة على محمد صلى الله عليه وسلّم فيه محافظة على المعاني الحرفية للمزمور 45.. وهذا الأولى دائما في التعامل مع النصوص إلا إذا تعذّر ذلك وتوفّرت القرينة الناقلة إلى المجاز.. ولا تعذر.. ولا قرينة!!! جاء في كتاب" مخطوطات البحر الميت وجزيرة قمران" للدكتور أسد رستم (النصراني) ص 72 أنّ مخطوطات مغاور قمران، والتي أحدثت ثورة في فهم النصرانية، تظهر أنّ عيسى عليه السلام ما كان يمارس التعميد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 الرسول المسرى به إلى المسجد الأقصى جاء في سفر ملاخي 3: 1: " ها أنا أرسل رسولي فيمهد الطريق أمامي ويأتي الربّ الذي تطلبونه فجأة إلى هيكله ويقبل أيضا ملاك العهد الذي تسرون به، يقول الربّ القدير" (سفر ملاخي 3: 1) . النص الماسوري: من هو" الرسول الممهد"؟ يقدّم لنا المسيح الردّ في قوله: " إذن، ماذا خرجتم لتروا؟ أنبياء؟ نعم، أقول لكم، وأعظم من نبي. فهذا هو الذي كتب عنه: ها إنّي مرسل قدّامك رسولي الذي يمهّد لك طريقك! " (متّى 11: 9- 11) . إذن، يوحنا المعمدان هو ذاك الملاك المبشّر به، فمن هو السيّد الذي يأتي بغتة إلى" هيكله" ويسرّ به الناس؟ أسفار النصارى تزعم أنّ هذا السيد هو المسيح ابن مريم عليهما السلام، ولكنّ هذا الزعم خال من الحجة، فاقد لكل مصداقية، لأنّ عيسى لم" يأت بغتة" إلى الهيكل وإنما كان يزوره بين الحين والحين، وكان مرتادو الهيكل يعرفونه منذ طفولته، باعتراف النصارى أنفسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 إنّ الذي زار الهيكل بغتة هو محمد صلى الله عليه وسلّم في رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى (سورة الإسراء 1) . وقد جاء في التعليق الشهير على الكتاب المقدّس Commentary on the Bible ==Peaks ص 517: " ملاخي ما كان يتنبّأ بالمسيح". وجاء في تعليق دوملو Dummelow على الكتاب المقدس ص 613: " لا توجد نبوءة مسيانية (أي عن المسيح) في سفر ملاخي بالمعنى الاعتيادي"! ثم، إنّ النصارى سيجدون حرجا شديدا في إثبات أنّ المسيح هو الربّ وأنّ المعمدان هو الملاك المرسل ليمهد لقدومه. لأنه يفهم من إنجيل متّى أنّ المعمدان ما كان واثقا من أنّ عيسى هو من كان ينتظره؟!: " ولما سمع يوحنا، وهو في السجن، بأعمال المسيح، أرسل إليه بعض تلاميذه، يسأله: " أأنت هو الآتي، أم ننتظر غيرك؟ " (إنجيل متى 11: 2- 3) .. ومات المعمدان، حسبما يفهم من الأناجيل، مقتولا في السجن ولم يؤمن أو يتبع المسيح.. فكيف يقال إنّ المعمدان هو الملاك الذي كانت وظيفته الرئيسية هي التمهيد لمجيء" الآتي". لقد كان المعمدان يعلّم التلاميذ، ويعظ الناس، ويعمّد التائبين، ويوبّخ الملك هيرودس، ويقرّع الطبقات الحاكمة ويتنبأ بمجيء نبي آخر أقوى-" أنا أعمّدكم بالماء لأجل التوبة، ولكنّ الأتي بعد هو أقدر مني، وأنا لا أستحق أن أحمل حذاءه" (متّى 3: 11) - دون أن يعلن لتلاميذه ولسكان فلسطين، في مسيرته الدعوية، أنه قد قرّر أنّ المسيح هو" هذا الآتي" وأنه قد بعث للتبشير بمجيئه مقررا تسخير حياته لهذا الأمر. لقد كان يوحنا المعمدان يهيء الطريق أمام سيد قادم بعده، لا سيد معاصر له، وهذا السيد القادم ليس بالمسيح عيسى بن مريم عليهما السلام، ولكنه محمد صلى الله عليه وسلّم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 ومما يدعم قولنا، ما جاء في الترجمة العبرية التي بين أيدي اليهود- كما نقلها لنا عبد الرحمن البغدادي في كتابه" الفارق بين المخلوق والخالق"-: " ها أنا سوف أرسل رسولي، فيعزل طريقا بحضوري، وحينئذ يأتي إلى هيكله الولي الذي أنتم ملتمسون، ورسول الختان الذي أنتم راغبون أيضا. هو ذا آت. قال الله ربّ الجيوش. " ومعلوم أنّ رسول الختان هو محمد صلى الله عليه وسلّم، لأنه قد سنّ الختان بعد ما أبطلته القساوسة والرهبان تبعا لما ذهب إليه بولس. ولا يجوز أن يقال إنّ عيسى هو رسول الختان لأنه كان تابعا لشريعة موسى عليه السلام، التي تدعو إلى الختان. كما لا يصحّ قول النصارى بأنّ المسيح هو رسول الختان لأنّ بولس قد نسخ هذا الحكم!!! لا بدّ في هذا المقام من الإشارة إلى أنّ كلمة" ملاخي" تعني" رسولي" كما ذكر ذلك الباحث إسحاق أزيموف في كتابه =Bible =Azimov s Guide To The ص 670. ومما يرجّح كون هذا" الملاك الممهد"- الذي هو في" الترجمة العالمية الجديدة "messenger of the convenent ==The: "=The New International Version "أي" رسول العهد"- هو ملاخي ذاته لا المعمدان، ما يفهم من القرآن الكريم (آل عمران 81) من أنّ كلّ نبي يبعث كان يمهّد الطريق لمجيء الآتي- جاء في تفسير الإمام الطبري لهذه الآية: " ... عن علي بن أبي طالب قال: لم يبعث إليه عزّ وجلّ- آدم فمن بعده- إلا أخذ عليه العهد في محمد: لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، ويأمره فيأخذ العهد على قومه، فقال: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة" الآية. " وهو ما خرّجه الإمام الطبري عن السدي أيضا. - وسواء كان هذا ال" الرسول الممهد" هو" يوحنا المعمدان" أو" النبي ملاخي" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 ، فإنّ هذا الأمر لا يمنع من تقرير النتيجة وهي أنّ محمدا هو هذا المنتظر الممهّد له الطريق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 " ملكوت السماوات" في الإنجيل أخبر عيسى عليه السلام عن الأمّة الأخيرة التي تنال من الأجر أكثر مما نالته الأمم الصالحة السابقة في قوله في هذا المثل: " فإنّ ملكوت السّماوات يشبّه بإنسان ربّ بيت خرج في الصّباح الباكر ليستأحر عمّالا لكرمه، واتّفق مع العمّال على أن يدفع لكل منهم دينارا في اليوم، وأرسلهم إلى كرمه. ثمّ خرج نحو السّاعة التّاسعة صباحا، فلقي في ساحة المدينة عمّالا آخرين بلا عمل، فقال لهم: اذهبوا أنتم أيضا واعملوا في كرمي فأعطيكم ما يحقّ لكم! فذهبوا. ثمّ خرج إلى السّاحة أيضا نحو السّاعة الثانية عشرة ظهرا. ثمّ نحو الثالثة بعد الظهر، أرسل مزيدا من العمّال إلى كرمه. ونحو السّاعة الخامسة بعد الظهر، خرج أيضا فلقي عمّالا آخرين بلا عمل، فسألهم: لماذا تقفون هنا طول النّهار بلا عمل؟ أجابوه: لأنّه لم يستأحرنا أحد. فقال: اذهبوا أنتم أيضا إلى كرمي! وعند ما حلّ المساء، قال ربّ الكرم لوكيله: ادع العمّال وادفع الأجرة مبتدئا بالآخرين ومنتهيا إلى الأوّلين. فجاء الّذين عملوا من السّاعة الخامسة وأخذ كلّ منهم دينارا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 فلمّا جاء الأوّلون، ظنّوا أنّهم سيأخذون أكثر. ولكن كلّ واحد منهم نال دينارا واحدا. وفيما هم يقبضون الدينار، تذمّروا على ربّ البيت، قائلين: هؤلاء الآخرون عملوا ساعة واحدة فقط، وأنت قد ساويتهم بنا نحن الّذين عملنا طول النّهار تحت حر الشمس! فأجاب واحدا منهم: يا صاحبي، أنا ما ظلمتك؛ ألم تتفق معي على دينار؟ خذ ما هو لك وامض في سبيلك: فأنا أريد أن أعطي هذا الأخير مثلك. أما يحقّ لي أن أتصرف بمالي كما أريد؟ أم أنّ عينك شريرة لأنّني أنا صالح؟ فهكذا يصير الآخرون أوّلين، والأوّلون آخرين. " (متّى 20: 1- 16) وقد جاء نفس المعنى عن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلّم في الحديث عن أجر أمّة الإسلام مقارنة مع الأمم السابقة: روى البخاري في صحيحه أنّ الرسول صلى الله عليه وسلّم قال: " نحن الآخرون السابقون. " وروى أيضا في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلّم قال: " مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء فقال من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط فعملت اليهود ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط فعملت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 النصارى ثم قال من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين فأنتم هم فغضبت اليهود والنصارى فقالوا ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء قال هل نقصتكم من حقكم قالوا لا قال فذلك فضلي أوتيه من أشاء. " وبمزيد مراجعة النصوص المتعلّقة ب" ملكوت السماوات"" ملكوت الله".. تتضح الصورة بصورة أجلى: متّى 6: 33 (لوقا 12: 31) : " أمّا أنتم، فاطلبوا أوّلا ملكوت الله وبرّه، وهذه كلّها تزاد لكم" لوقا 10: 9- 11، 11: 20: " واشفوا المرضى الّذين فيها، وقولوا لهم: قد اقترب منكم ملكوت الله! وأيّة مدينة دخلتم ولم يقبلكم أهلها، فاخرجوا إلى شوارعها، وقولوا: حتّى غبار مدينتكم العالق بأقدامنا ننفضه عليكم، ولكن اعلموا هذا: أنّ ملكوت الله قد اقترب" متّى 21: 43: " لذلك أقول لكم: إنّ ملكوت الله سينزع من أيديكم ويسلّم إلى شعب يؤدي ثمره" متّى 21: 31: " فقال لهم يسوع: «الحق أقول لكم: إنّ جباة الضّرائب والزّانيات سيسبقونكم في الدّخول إلى ملكوت الله" مرقس 1: 15: " قد اكتمل الزّمان واقترب ملكوت الله. فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 مرقس 4: 11: " فقال لهم: «قد أعطي لكم أن تعرفوا سرّ ملكوت الله. أمّا الّذين من خارج، فكلّ شيء يقدم لهم بالأمثال" مرقس 4: 26: " وقال: «إنّ ملكوت الله يشبّه بإنسان يلقي البذار على الأرض ... " مرقس 4: 30- 32: " وقال: «بماذا نشبّه ملكوت الله، وبأيّ مثل نمثله؟ إنّه يشبّه ببزّرة خردل، تكون عند بذرها على الأرض أصغر من كل ما على الأرض من بزور، ولكن متى تمّ زرعها، تطلع أغصانا كبيرة، حتّى إنّ طيور السّماء تستطيع أن تبيت في ظلها. " مرقس 9: 47: " وإن كانت عينك فخا لك، فاقلعها: أفضل لك أن تدخل ملكوت الله وعينك مقلوعة من أن تكون لك عينان وتطرح في جهنّم النّار". مرقس 10: 14- 15: " فلمّا رأى يسوع ذلك، غضب وقال لهم: «دعوا الصّغار يأتون إليّ، ولا تمنعوهم، لأنّ لمثل هؤلاء ملكوت الله الحق أقول لكم: من لا يقبل ملكوت الله كأنّه ولد صغير، لن يدخله أبدا". مرقس 10: 24: " فدهش التلاميذ لهذا الكلام. فعاد يسوع يقول لهم: «يا بنيّ، ما أصعب دخول المتّكلين على المال إلى ملكوت الله! ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 لوقا 4: 34: " روح الربّ عليّ، لأنّه مسحني لأبشر الفقراء؛ أرسلني لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعميان بالبصر، لأطلق المسحوقين أحرارا، وأبشر بسنة القبول عند الربّ". والنتيجة المستخلصة من النصوص السابقة: ملكوت الله، أو السماوات، هو ليس ملكوت عيسى عليه السلام. عيسى عليه السلام، هو مجرّد مبلغ عن ظهور هذا الملكوت. بعث عيسى للإخبار بنقل الملكوت من بني إسرائيل إلى أمة أخرى (بني إسماعيل) . سيدخل الكثير من الفقراء وأهل الشرك الملكوت قبل بني إسرائيل (فقراء مكة دخلوا الإسلام قبل الكثير من اليهود الذين أسلموا) . اقتراب ظهور الملكوت (لا نبيّ بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم) . من علامات هذا الملكوت نموه وتعاظمه السريع. سيبسط ملكوت الله سلطانه على القلوب وسيطهّر أتباعه من ذنوبهم. الملكوت الجديد يبسط سلطانه وينشر وارف ظله على الكثير من الأمم، بخلاف الملكوت القديم القاصر على بني إسرائيل. وزبدة القول هي تكذيب مزاعم الكنيسة وظهور حقيقة ملكوت الإسلام السماوي. ويزداد هذا الأمر وضوحا إذا لحظنا تطابق المثل القرآني عن أمّة الإسلام مع المثل الوارد في الكتاب الديني النصراني المكتشف في نجع حمادى سنة 1945 م، والذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 لا تعترف الكنيسة اليوم بشرعيته، وهو" رسالة يعقوب السريّة.Apocryphon of James ==The " المثل القرآني::" مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً". (سورة الفتح 29) . المثل كما هو في" رسالة يعقوب السريّة": شبّه ملكوت السماء بنخلة خرج منها برعم (شطأ) ثم تدلّت من هذا البرعم ثمار حوله، وأخرجت هذه الثمار ورقا. وحين استوت واستغلظت هذه الثمار جفّ منبعها. وأصبحت هذه الثمار الخارجة من البرعم مع تلك الخارجة من الشجرة الأصلية. " وهذا المثل كما هو في رسالة يعقوب أقرب إلى المثل القرآني منه إلى مثل إنجيل مرقس 4: 30- 32، كما أنّه يعرّف" الشجرة" المثمرة بأنها النخلة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: " مثل المؤمن مثل النخلة، ما أخذت منها من شيء ينفعك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 بشارة من عرفات ذكر الباحث عصام راشد الصدقي في كتابه" البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم" الكشف عن نص قديم مفقود من ثلاثة آلاف سنة اشتمل على البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم. وعما ورد في هذا الكتاب قالت جريدة الراعي الصادرة عن الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند الهند العدد 504- سنة 1412 هـ- ص 11: " كشف حديثا عن نص في التوراة اختفى منذ 3000 عام يبشر بالرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. وذكر الأستاذ عصام راشد الصدقي في كتاب له صدر حديثا بعنوان" البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم، في التوراة" أنّ المزمور 68 من مزامير داود يحمل البشارة بمحمد مبيّنا أنّ الترجمات الخمس للنص خاصة الآية الخامسة من المزمور استبدلت كلمة" عرفات" بالنص العبري، وجاءت بكلمة" الغمام أو الغفار أو البراري". وأكد المؤلف أنّ الخطأ في الترجمات لم يكن سهوا لأنه لو كان كذلك لما تكرر مشيرا إلى أنّ اليهود أنفسهم في شرحهم ذكروا أنّ عرفات هي اسم لعلم ولينفوا أيّ علاقة له بالأرض، قالوا إنه اسم السماء السابعة. وبين الأستاذ عصام راشد الصدقي أنّ كثيرا من الكلمات العبرية والعربية ذات أصل مصري قديم، " هيروغليفي" وإن عرفات هي المكان والعلامة المميزة الكبرى للمسلمين يحجون إليه كل عام لا يظلهم إلا الله سبحانه وتعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 ويسرد المؤلف الصفات الواردة في المزمور 68 من مزامير داود وبعد أن يأتي بما يؤكدها في القرآن الكريم يقول إنّ هذه الصفات" أب اليتامى"" قاضي الأرامل" تنطبق انطباقا تاما على الهادي البشير المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. ويفيد الأستاذ عصام في كتابه أنّ عرفات هي المكان الوحيد الذي يجتمع فيه البشر منذ القدم وهي ميقات معلوم ومكان معلوم وهدف معلوم، فأما الميقات فهو من زوال شمس يوم التاسع إلى فجر العاشر من ذي الحجة من كل عام، وأما المكان فهو الوادي الذي تحفه الجبال على مسافة 22 كيلومترا شرقي مكة المكرمة، وأما الهدف فهو وقوف ضيوف الرحمن ملبّين نداء الحق سبحانه وتعالى متضرعين" لبيك اللهم لبيك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 خاتم النبوة تواتر الخبر في كتب السير عن الإخبار عن" خاتم النبوة" الذي بين كتفي الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي كان علامة بارزة لهذا النبيّ المنتظر. وقد جاء في وصف هذا الخاتم في صحيح مسلم عن عبد الله بن سرجس قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكلت معه خبزا ولحما. أو قال: ثريدا. فقلت: يا رسول الله، غفر الله لك. قال: " ولك". فقلت له: أستغفر لك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ولكم. ثم تلا هذه الآية: " واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات". قال: ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند نغض كتفه اليسرى جمعا، عليه خيلان كأمثال الثآليل". وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن سرجس قال: ترون هذا الشيخ؟ يعني نفسه، كلمت نبي الله صلى الله عليه وسلم، وأكلت معه، ورأيت العلامة التي بين كتفيه، وهي في طرف نغض كتفه اليسرى، كأنه جمع- بمعنى الكف المجتمع، وقال بيده فقبضها- عليه خيلان كهيئة الثآليل. " وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه: أغرّ عليه للنبوة خاتم ... من الله ميمون يلوح ويشهد وقد ذكر الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه" إظهار الحق" ص 458 أنّ القسيس الأرمني أو سكان قد ترجم سفر إشعياء من النص العبري القديم إلى اللغة الأرمنية سنة 1666 م، فجاءت ترجمته للاسم كما هي عليه في اللغة العربية، فقد كتب مترجما: " سبحوا الله تسبيحا جديدا، وأثر سلطنة على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 ظهره واسمه أحمد.."، وطبعت هذه الترجمة سنة 1733 م بمطبعة أنتوني بورتلي. ورد النص السابق في التراجم الحالية في سفر إشعياء 9: 6- 7 هكذا: " لأنّه يولد لنا ولد ويعطى لنا ابن يحمل الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيبا، مشيرا، إلها قديرا، أبا أبديا، رئيس السّلام. ولا تكون نهاية لنمو رياسته وللسّلام اللّذين يسودان عرش داود ومملكته، ليثبّتها ويعضدها بالحقّ والبر، من الآن وإلى الأبد. إن غيرة الربّ القدير تتمّم هذا. " ومما يلاحظ أنّ كلمة" عجيب" تقابلها في الترجمة اللاتينية" الفولجات" كلمة =Admirabilis =والتي هي بالفرنسية، =Admirable =وإذا نظرت إلى ترجمة إنجيل برنابا بالفرنسية، فستجد أنّ المترجم قد وضع هذه الكلمة =Admirable =كمقابل لكلمة" أحمد" العربية: الفصل 97 (ترجمة ميشال فريمو Michel Fremaux ولويجي سيريلّو: (Luigi cirillo Le nom du Messie est Admirable, car Dieu lui- meme le lui donna quand il eut cree son ame et quilIeut place dans une splendeur celesteL " اسم المسيّا أحمد، لأنّ الله نفسه قد سمّاه بهذا الاسم عند ما خلق روحه وجعله في المجد السماوي. " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 واكتشف مخطوط ضمن" مخطوطات البحر الميت =1: 2 Mess ar 04 =: "جاء فيه أنّ هناك علامات على جسد النبي المنتظر تشبه حبات العدس، لتؤكد صحة الترجمة السابقة. وجاء في أحد الكتب اليهودية القديمة =Seper Assap =أنّ هذه العلامات الجسدية بعضها مثل حبات العدس وبعضها مثل بذور الخيار. انّه خاتم النبوّة لخاتم الأنبياء! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 أهم اكتشاف حديث! جاء في صحيفة" المسلمون" الشهيرة عدد 1229 الصفحة الخامسة بتاريخ الاثنين 1 ربيع الأول 1412 هـ الموافق ل 9 سبتمبر (أيلول) 1991 م، تحت عنوان" الدكتور محمد معروف الدواليبي- الذي كان عضوا في الحوار- يروي قصة الحوار بين الإسلام والمسيحية، كيف بدأ وعلام انتهى"- ونحن ننقل ما في هذه الصحيفة من كتاب د. شوقي أبو خليل" الحوار دائما.." ص 11. (دار الفكر) مع بعض التصرف- أنّه قد عثر في مغاور قمران شمالي البحر الميت على مجموعة من المخطوطات، نجد بينها سفر إشعياء الصحيح بكامله، في حين أنّ المنشور في العهد القديم هو جزء منه. وفي سفر إشعياء المكتشف جاء حرفيا: " بعد المسيح يأتي نبيّ عربي من بلاد فاران- بلاد إسماعيل- وعلى اليهود أن يتّبعوه، وعلامته أنّه إن نجا من القتل، فإنه النبي المنتظر، لأنّه يفلت من السيف المسلول على رقبته، ويعود إليها بعد ذلك بعشرة آلاف قدّيس". لقد أصدر البابا بولس السادس سنة 1965 م وثيقة هامة، كانت بمثابة اعتراف رسمي نصراني بالدين الإسلامي، ولأول مرّة، جاء فيها: " إنّ كلّ من آمن بعد اليوم بالله الخالق السموات والأرض، وربّ إبراهيم وموسى، فهو ناج عند الله، وداخل في سلامه، وفي مقدّمتهم المسلمون". وبدعوة رسميّة سافر وفد إسلامي إلى الفاتيكان، واجتمع بالكاردينال بيمونللي وزير الدولة في حكومة الفاتيكان فيما يتعلّق بالعلاقات بين الإسلام والنصرانية، وبدأ الحوار على الرغم من طلب السفير" الإسرائيلي" في روما وقف الحوار، وبعد انتهاء اللقاءات المتعددة بين عدد من العلماء المسلمين وكبار مسؤولي الفاتيكان، وقف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 الكاردينال بيمونللي مخاطبا العلماء: في هذا اليوم أوقف التنصير الكاثوليكي في العالم الإسلامي، ثمّ قرأ بشارة سفر إشعياء التي تنطبق تماما على الواقع. ولكن مع الأسف، فإنّ هذا البابا لم يلبث أن توفي في ظروف لا ندريها، كما توفي من بعده بقليل الكاردينال بيمونللي في ظروف غامضة، وبوفاتهما توقّف الحوار بين الإسلام والنصرانية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 بشارة مخفية من البشارات الأخرى المكتشفة حديثا ما ذكره الشيخ ابن خليفة عليوي في كتابه" معجزات النبي المختار من صحيح الأخبار" ص 58 (دار الكتب العلمية) من أنه قد عثر في دير" سانت كاترين" بسيناء على نسخة قديمة من التوراة جاء فيها ذكر نبي الإسلام صلى الله عليه وسلّم، ثم اختفت هذه النسخة، ولم تعد مرة أخرى للظهور! وأضاف قائلا: " هكذا درّست الطلاب هذه العبارة في المملكة العربية السعودية الصف الثاني ثانوي، مادة التربية الإسلامية، بحث تحريفات الكتب السابقة، وهو صحيح مئة بالمئة"!!! ولا حول ولا قوة إلا بالله!!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 إنجيل برنابا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 الصفحة الأولى من الترجمة الإيطالية لإنجيل برنابا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 صفحة من الترجمة الإيطالية لإنجيل برنابا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 اختار النصارى في القرن الرابع ميلادي، من بين عشرات الأناجيل التي تداولتها أيدي الناس، أربعة فقط. ويؤكد كبار الباحثين المتخصصين في دراسة تاريخ الأناجيل أنه لا علاقة لثبوت" التواتر" أو" الشهرة" ... أو تماسك المتن أو معقوليته باختيار أسلاف نصارى اليوم لهذه الأسفار، لإسباغ صفة القانونية عليها. يتميّز إنجيل برنابا، من بين الكم الهائل من الأناجيل المرفوضة كنسيا، بكونه أكثر الأناجيل إثارة للنقاش والأخذ والردّ، وممن نافح عنه الدكتور أحمد حجازي السقا في كتابه" دفاع عن إنجيل برنابا" (نشر مكتبة الثقافة الدينية بمصر) ، والباحث محمد عبد الرحمن عوض كتاب" الاختلاف والاتفاق بين إنجيل برنابا والأناجيل الأربعة" (دار البشير) . والدكتور م. هـ. دورّاني -M.H.Durrani وقد كان قبل إسلامه قسيسا في كنيسة إنجلترا والهند وسيلون وباكستان- في كتاب لطيف بعنوان: " الإنجيل المنسي للقديس برنابا=The Forgotten Gospel of S.T Barnabas= . وقد قال تولاند الإنجليزي حين رأى نسخة هذا الإنجيل سنة 1817 م في مكتبة البرنس أوجين سافوى: " سأقول على النصرانية السلام. " وذلك لأنّ هذا الإنجيل يتحدّث صراحة عن البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلّم بالإضافة إلى نقضه المباشر لعقيدة الكنيسة. وقال في كتابه" نزاريوس" إنّ تيار تقدّم النصرانية وقف منذ ذلك الحين: أي من حين ظهور نسخة إنجيل برنابا. ويبدو أنّ مكتبة الفاتيكان بروما ما زالت تحوي بين جدرانها أناجيل، غير هذه الأربعة التي بين أيدينا، تنبّأت في صفحاتها ببعثة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلّم.. وقد ذكر الشيخ محمد جمال الدين القاسمي في تفسيره" محاسن التأويل" سورة الصف الآية 6 أنّ الشيخ محمد بيرم نقل عن رحّالة إنجليزي أنه رأى في دار الكتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 البابوية في الفاتيكان نسخة من الإنجيل مكتوبة بالقلم الحميري قبل بعثة نبي اسلام صلى الله عليه وسلّم، وفيها يقول المسيح: " ومبشرا برسول يأتي من بعد اسمه أحمد"!! وذكرت مجلة الأيكونومست البريطانية، وهي من أوسع المجلات السياسية والاقتصادية انتشارا ونفوذا في العدد الصادر بتاريخ 27 مارس سنة 1965 م تحت عنوان: " ثروة الفاتيكان": إنّ أول عمل مقدس يؤديه المرشح لوظيفة في" الكوربا" أي الإدارة المركزية للكنيسة الكاثوليكية هو أن يقسم اليمين المقدّسة على كتمان كل شيء يصل إلى علمه أو يقع تحت بصره من معلومات خصوصا عن ثروة الكنيسة ومواردها. ومعلوم أنّ أهم هذه الثروات نسخ الأناجيل الأبو كريفية (أي المرفوضة لدى الكنيسة التقليدية) وذكرت الصحافة في أيامنا فتح مكتبة الفاتيكان للباحثين غير المرتبطين بهيكلها.. ونحن نجزم أنّ هذا الأمر قد تمّ بعد" تنظيف" هذه المكتبة الضخمة من" البشارة بنبي الإسلام"، على الأقل في الكتب الشهيرة! هل هناك مبرر لرفض هذا الإنجيل؟: كنت قد أعددت بحثا حول هذه النقطة لعرضه في الصفحات التي بين يديك، لكنني بعد أن قرأت ما كتبه الدكتور وديع أحمد المهتدي إلى الإسلام- قصة إسلامه في الملحق-، رأيت أن أورد ما كتبه في موقعه على الانترنت تحت عنوان" دراسة في إنجيل برنابا تؤكد صحته"، مع إضافة ما يفيد على موضوعه الأصلي: قال وفقه الله إلى كل خير: " قرأت كتاب إنجيل برنابا الذي نشره محمد رشيد رضا، عليه رحمة الله، ومن أمانة الناشر اعتمد على مترجم نصراني: خليل سعادة، الذي كتب مقدمة كبيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 ينتقد فيها هذا الإنجيل. ومن أمانة النشر أيضا أنه نشر مقدمة المترجم النصراني كاملة. ولقد وجدت الكثير من الأدلة على تلاعب المترجم النصراني في الترجمة لكي يثبت فيها بعض عقائد النصارى ويفسد الكتاب ويجعل المسلمين أيضا يرفضونه. ويتضح من هذه المقدمة أن أصل هذا الكتاب- عثر عليه راهب بالصدفة في مكتبة بابا الفاتيكان- كان باللغة الإيطالية، ثم قام رئيس كهنة- مطران- إنجليزي بترجمته إلى الإنجليزية، ومن هذه الترجمة الإنجليزية ترجم خليل سعادة إلى اللغة العربية، وأرى أنه من المستحيل أن يقوم نصرانيان بترجمة مثل هذا الكتاب المناهض لعقيدتهما بدون التلاعب فيه، كما أنهم اعتادوا على تغيير كلام كتبهم في كل عصر. ومن أدلة تلاعب المترجم النصراني في ترجمة هذا الكتاب- وهي أكثر من 50 دليل-: أنه ذكر في الهوامش أنه ترجم من الأصل الإيطالي والأصل الأسباني لهذا الإنجيل، بينما هو قام بالترجمة من النسخة الإنجليزية، بينما الأصل الإسباني مطموس وناقص باعتراف المترجم في المقدمة، بل وقال أنه لا وجود له، وكذلك الأصل الإيطالي لا وجود له بعد أن أخذه الراهب الذي أسلم بعد أن قرأه (كما ذكر المترجم في المقدمة أيضا) . اعتراف المترجم في الهوامش، مرارا عديدة، أنه غير كلام النسخة الأصلية عند الترجمة، بحجة عدم وضوح الأصل، وفي هامش فصل 199 كتب المترجم" وجرينا على ذلك في هذه الترجمة" أي أنه فعل ذلك كثيرا، وغيّر كل ما لا يعجبه .... (هذه عدم أمانة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 - ترجم كلمات كثيرة بأسلوب غريب لتشويه معاني الكتاب. مثل: بدلا من القسم" بالله الحي" كما جاء في التوراة يكتب" لعمر الله" وكتب" غناء الله" بدلا من" غني الله" ... وغير ذلك الكثير. ويعترض النصارى على ذلك الكتاب زاعمين أن مؤلفه مسلم. لعدة أسباب منها: لأنه أكد مرارا وتكرارا على أن المسيح عبد الله ورسوله، وأنه قال إنه يخشى الله ويخضع لدينونة الله يوم القيامة. لأنه كتب شهادة المسيح للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وللإسلام والمسلمين. لأنه قال أن بولس مؤسس المسيحية ضال ومضل، بينما المسيحين يحترمون كلام بولس أكثر من كلام المسيح. " قلت: أصدر النصارى (العرب خاصة) عددا كبيرا من المؤلفات لإثبات بطلان نسبة هذا الإنجيل إلى برنابا، من هذه المؤلفات: عوض سمعان" إنجيل برنابا في ضوء التاريخ والعقل والدين" إسكندر جديد" إنجيل برنابا شهادة زور" د. ف. صموئيل" إنجيل برنابا بين المؤيدين والرافضين" القس عبد المسيح بسيط أبو الخير" خمسون دليلا على أنّ إنجيل برنابا خرافي ومزيّف" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 القس عبد المسيح بسيط أبو الخير" إنجيل برنابا هل هو إنجيل صحيح؟ " كنيسة القديسين مارمرقس والبابا بطرس، الإسكندرية" إنجيل برنابا، هل يعقل تصديقه؟ " ... كما قدّم المنصّرون عددا كبيرا من البرامج الإذاعية والتلفزية للصدّ عن هذا الإنجيل. ويطالب جمهور النصارى دائما بإعادة بثّها.. وهذه الحقيقة تكشف الذعر الذي حلّ بساحهم، والإحراج الشديد الذي ابتلوا به بسبب اكتشافه!! بلغ الذعر بالكنيسة من هذا الإنجيل أنها تعقبت نسخه في محاولة حثيثة لإتلافها، ولذلك اختفت النسخة الإسبانية من إنجلترا. كما اختفت جميع النسخ الإنجليزية لهذا الإنجيل بترجمة الأستاذ راج وزوجته سنة 1907 م في أكسفورد، إلا نسختين فقط نجتا من عملية السطو الكنيسة، رغم أن المترجمان قد أنكرا أصالة هذا الإنجيل: نسخة في مكتبة الكونجرس في واشنطن، والأخرى في المتحف البريطاني. ومن هاتين النسختين ظهرت النسخ الجديدة!! أجهد المنصرون أنفسهم في استعراض ما رأوا أنه مبطل لهذا الإنجيل، ونحن نقول لهم: " لو أنكم أعملتكم منهجكم في نقد" إنجيل برنابا"، في تقويم أناجيلكم الرسمية لهدمتم دينكم ولنسفتموه نسفا فتركتموه قاعا صفصفا.." ولكنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" (سورة الحج 46) . من الشبهات التي يزعم النصارى أنّها تطعن في أصالة هذا الإنجيل، وتؤكد أنّ مؤلفه قد عاش في القرون الوسطى كما يفترون: الشبهة الأولى: لا يوجد سند لهذا الإنجيل! الردّ: وهل تملك الكنيسة أسانيد لكتبها هي!؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 إننا لا نملك سلاسل- أو حتى سلسلة واحدة- رجال لأسانيد أسفار موسى، بل إنّ الكنيسة لا تعتمد ولا تعرف شيئا اسمه" إسناد" لهذه الأسفار الخمسة في التراجم التي تصدرها، وإنما تعتمد على مخطوطات لا يعلم أحد مؤلفيها، وهي تعود إلى أكثر من 15 قرنا من ميلاد موسى عليه السلام!! بل ما كان اليهود متفقين على تحديد المقدس من غير المقدس، يقول الفيلسوف اليهودي اسبينوزا: " يظهر بوضوح أنه لم تكن هناك مجموعة مقننة من الكتب المقدسة قبل عصر المكابيين (أي القرن الثاني قبل الميلاد) ، أما الكتب المقننة الآن فقد اختارها فريسيو الهيكل الثاني بعد أن أعاد بناءه عزرا" الكاتب"!!! العهد الجديد ليس أهون حالا من العهد القديم.. خذ مثلا إنجيل متّى، أفضل الأناجيل من ناحية" السند".. إسناده المزعوم، مظلم: ذكر المؤرخ" أزوبيوس" في القرن الرابع، أنّ" بابياس" في القرن الثاني قال أنّ" متّى" في القرن الأول قد كتب" اللوجيا".. وبعيدا عن ذكر أنّ" لوجيا" تعني" أقوال" ولا تعني" إنجيل"، وبعيدا عن ذكر إجماع آباء الكنيسة على أنّ إنجيل متّى قد كتب ابتداء باللغة العبرية، رغم أنّ ما عندنا قد كتب ابتداء كما تقول الكنيسة اليوم باللغة اليونانية.. وغيرها من المطاعن المتكاثرة.. فإننا نقول أنّ: أزوبيوس- بابياس- متّى.. على مدى أربعة قرون.. هذا لا يسمّى إسنادا عند المحققين وإنما هو.. لا شيء!! ومنذ متى كانت الأسانيد شرطا لقبول أصالة الأسفار أو قدسيتها؟!! لقد قال الأب الكاثوليكي الدكتور ريموند براون Raymond Brown في كتابه" ميلاد المسيّا =The Birth of The Messiah ="ص 45: " يوجد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 تقريبا، إجماع في الدوائر العلمية اليوم أنّ الإنجيلي مجهول، رغم أنّنا سنستمر في الإشارة إليه ب" متّى"". وأضاف في الهامش: " كان الروم الكاثوليك من بين آخر الذين توقّفوا عن الدفاع رسمي عن الموقف الذي يقول إنّ الإنجيل قد كتب من طرف متّى، احد الاثنى عشر. " وكانت حصيلة جهود أفضل تجمع لنقاد غربيين متخصصين في دراسة أسفار العهد الجديد، ويسمّى ب" ندوة عيسى، =Jesus Seminar ="قوله في كتاب" الأناجيل الخمسة =The Five Gospels ="ص 20: " جميع الأسفار كانت متداولة في الصل بدون أسماء مؤلفين إلى أن قررت الكنيسة الأولى- كنيسة بولس- تحديد مؤلف كلّ منها وفي معظم الحالات كان التحديد نتيجة التخمين أو التمني أو حسن النيّة".. بل إننا نقول أنّ إنجيل برنابا وإن لم يكن له سند، كم هو الحال بالنسبة لبقية الأناجيل، فإنه يمتاز عليها بأنه قد وجد في ظروف لا ترجّح كفة أصوله الإسلامية إذ أنه قد وجد في جو نصراني صرف وبالإضافة إلى ذلك، وكما قال القسيس المهتدي الدكتور م. هـ. مورّاني في كتابه" الإنجيل المنسي للقديس برنابا" ص 102: " إنجيل برنابا يعطي الانطباع أنّ الكاتب عالم كبير في النصرانية لا في الإسلام، وبالتالي فإنّه من الراجح جدا أنّ المؤلف ليس سوى برنابا. ".. أما أسفار النصارى فهي مطايا عقدية لفرق متناحرة، وكلّ يدعي وصلا بعيسى من خلال إنجيله أو أناجيله الخاصة.. والتاريخ لا يقرّ لهم بذاك! .. وإذا أحسنّا الظن بالقوم قلنا ما قاله جون لوريمر في" تاريخ الكنيسة" ص 152 عن هذه الأناجيل: " لم نصل إلى الآن إلى معرفة وافية عن الكيفية التي اعتبرت بها الكتب المقدسة كتبا قانونية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 الشبهة الثانية: نحن لا نملك النسخة الأصلية المكتوبة باللغة اليونانية! الردّ: وهل يملك النصارى نسخة واحدة لأيّ سفر من أسفارهم المقدسة الكثيرة، سواء في العهد القديم أو العهد الجديد؟ جاء في الموسوعة البريطانية ج 2 ص 519: " إنّ النسخ الأصلية (الإغريقية) لكتب العهد الجديد فنيت منذ مدة طويلة، (وفيما عدا بعض بقايا من صعيد مصر) فإنّ كلّ النسخ التي استخدمها المسيحيون في الفترة التي سبقت مجمع نيقية قد غشيها نفس المصير"!!! بل.. ولا يمكن بأيّ حال الوصول إلى النص الأصلي.. قالت الموسوعة البريطانية ج 2 ص 521: " إنه أمل لا طائل من ورائه أن نتصور إمكانية الوصول إلى النص الأصلي، وذلك عن طريق ترتيب: النص الاسكندري، والنص الغربي القديم، والنص الشرقي القديم (البيزنطي) ، ثم قبول النص الذي يتفق عليه اثنان منهم ضدّ الآخر. " الشبهة الثالثة: من أشهر المطاعن النصرانية في إنجيل برنابا شبهة سنة اليوبيل. قال عوض سمعان في كتابه: " إنجيل برنابا في ضوء التاريخ والعقل والدين": " جاء في فصل 82: 18 و 83: 25 أن اليوبيل يقع كل مائة عام. مع أن اليوبيل كان يقع لغاية وجود المسيح على الأرض كل خمسين عام فقط (لاويين 25: 11) . أما جعل اليوبيل كل مائة عام، فكان بأمر البابا بونيفاس الثامن سنة 1300 م". الردّ: أ- على فرض وجود خطإ النسخة المتاحة لإنجيل برنابا، فإننا نقول: لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 يستبعد أن يكون هذا النص محرّفا من الناسخ في القرن الرابع عشر، ظنا منه أنه يصلح خطأ في هذا الإنجيل، أو لتشابه كتابة" المئة" و" الخمسين" في اللغة الإيطالية! إنّ أخطاء النساخ شائعة جدا في مخطوطات الأسفار النصرانية المقدسة، ومما يؤكد هذا الأمر ما جاء في نسخة العهد الجديد" بولس باسيم" ص 7: " ... فإنّ نص العهد الجديد قد نسخ ثم نسخ طوال قرون كثيرة بيد نساخ صلاحهم للعمل متفاوت، وما من أحد منهم معصوم من مختلف الأخطاء التي تحول دون أن تتصف أية نسخة كانت مهما بذل فيها من جهد بالموافقة التامة للمثال الذي أخذت عنه، يضاف إلى ذلك إن بعض النساخ حاولوا أحيانا، عن حسن نية أن يصوبوا ما جاء في مثالهم وبدا لهم انه يحتوي أخطاء واضحة أو قلة في التعبير اللاهوتي، وهكذا أدخلوا إلى النص قراءات جديدة تكاد أن تكون كلها خطأ ( ... ) ومن الواضح أنّ ما أدخله النساخ من التبديل على مر القرون تراكم بعضه على بعضه الآخر فكان النص الذي وصل آخر الأمر إلى عهد الطباعة مثقلا بمختلف ألوان التبديل ظهرت في عدد كبير من القراءات". من الأخطاء الواردة في الكتاب المقدس التي يقرر كثير من المدافعين عن النصرانية أنها من فعل النساخ: في إنجيل متى 23: 35: " من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن بركيا الذي قتلتموه بين المقدس والمذبح"، وفي هامش ص 7 من العهد الجديد" بولس باسيم" نقرأ التعليق آلاتي: " يرجح إن زكريا هذا هو الذي ورد خبره في سفر الأخبار الثاني 24: 21- 22 وهو آخر من ذكر خبر قتله، وأما زكريا بن بركيا فقد ذكر في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 اشعياء 8: 2 وسفر زكريا 1: 1 ولربما حدث سهو في نسخ الأصول فكتب زكريا بن بركيا في حين إن الصواب هو زكريا بلا" بن بركيا. " في سفر التكوين 46: 15 إن عدد أولاد يعقوب وبناته هو ثلاث وثلاثون في حين أن العدد الحقيقي حين عد الأسماء المذكورة في السفر هو أربع وثلاثون. في سفر أخبار الأيام الثاني 28: 19: " لأنّ الرب ذلّ يهوذا بسبب آحاز ملك إسرائيل" وهو خطأ والصواب هو آحاز ملك يهوذا. في نسخة الكتاب المقدس" اغناطيوس زيادة"، وفي قسم الحواشي عند تعليقه حول سفر إرمياء 26: 1 ما نصه: " ثم إن ما ورد في عنوان الفصل السابع والعشرين من أنه نزل في عهد يوياقيم صوابه أنه نزل في عهد صدقيا كما يتبين من بقية الفصل فذكر يوياقيم في العنوان من خطأ النساخ. " ب- قرّر البحّاثة المسلم م. أ. يوسف، في مقدمة تعليقه على الترجمة الانجليزية لإنجيل برنابا، أنّ مترجما إنجيل برنابا إلى اللغة الانجليزية" راج" قد اعترفا بتقرير الكنيسة أنّ الاحتفال بسنة اليوبيل كلّ مئة سنة عادة قديمة مهملة، ولكنهما زعما عدم صحة ما قرّرته الكنيسة ذاتها!! وأضاف، يوسف، أنّه بالعودة إلى التاريخ القديم لبني إسرائيل يتبين أنّ أول احتفال بسنة اليوبيل كان في السنة 54 لا الخمسين. وبيّن أنه يفهم من الموسوعة اليهودية =Encyclopedia Judica =أنّ آخر سنة يوبيل قبل ميلاد المسيح كانت سنة 36 أو 35 ق م، ولم يحتفل بسنة اليوبيل بعد ذلك إلا بعد قرن كامل.. وفي هذه الفترة عاش برنابا صاحب الإنجيل!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 الشبهة الرابعة: ظاهر مما جاء في هذا الإنجيل تأثر صاحبه بتعاليم إسلامية جاء ذكرها في القرآن والسنة! الردّ: أيريد النصارى أن يرد ذكر البشارة الصريحة بمحمد صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع في" إنجيل برنابا" ثم لا نرى أي تشابه بين تعاليم الإسلام وبين ما جاء في ما نسبه برنابا إلى المسيح عليه السلام!! هذا والله ما لا يمكن أن يفهمه العاقل!! أيريد المعترضون أن يخالف برنابا جميع ما جاء في وحي الله سبحانه إلى محمد صلى الله عليه وسلّم ليصحّ في أفهامهم نسبة هذا الإنجيل إلى شخص قريب من المسيح!! .. أيريد القوم أن يكون التناقض حجّة لصالح التناسق؟!!؟ ثم.. لم يعدّ المخالفون مشابهة تعاليم ذكرها برنابا لما جاء في القرآن والسنة حجة على أنّ المؤلف مسلم أندلسيّ دسّ كتابه بين السذج، ولا ينظر القوم في القائمات الطويلة العريضة للتشابهات بين عقائد اليهود النصارى، وبين ما جاء في العقائد الوثنية القديمة- واقرأ في هذا الشأن الكتاب الفذ للشيخ محمد طاهر التنير" العقائد الوثنية في الديانة النصرانية" وكتاب الباحث حسين الباش" العقائد الوثنية في الديانة اليهودية"!! - على أنها دليل إدانة ضدّ أسفارهم!!. لقد شهد عديد من النقاد على اقتباس كتّاب العهد القديم من العقائد السابقة.. من هذه الشهادات: ورد في" قاموس ميثولوجيا العالم Mythology ==A Dictionary of World "لكوترل أرثر Cotterell Arthur ص 25 أنّه من" المعتقد الآن أنّ العهد القديم هو تجميع لما لا يقلّ عن ثلاث ديانات رئيسية مما تألف منه التاريخ الديني" العبراني" غلّبت من بينها وأعليت عبادة يهوه. " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 - قال كاتب الموسوعة البريطانية م 2 ص 899: " يبدأ الكتاب المقدس بخلق الكون ويروي القصة بصورة مستعارة من الأساطير البابلية حوّلت لتعبّر عن وجهة نظره تجاه الله والإنسان". " وفي قصة الطوفان هناك استعارات واضحة من قصص بلاد ما وراء النهرين التي تتحدث عن طوفان أرسلته الآلهة لتدمّر البشرية. " ورد في كتاب" سفر التكوين، قراءة يهودية Genesis.A Jewish Interpretation ==The Book of "للحاخام المتعصّب لسفر التكوين جوليان مورجنشتون Julian Morgenstion ص 43 أنّ" كثيرين من الطلبة اليهود الذين ينتظمون في الدراسات التوراتية يجفلون، بل ويصدمون، عند ما يقال لهم، لأول مرة، ان حكاية التكوين، بل وحكاية الطوفان أيضا وعددا آخر من الحكايات التوراتية والأفكار الواردة في العهد القديم استعير من الميثولوجيا والآداب البابلية. إلا أنّ التمهّل لحظة للتفكير في الأمر حريّ بأن يبيّن لنا أنّه لا مأخذ في ذلك، وأنّ الأمر ليس فيه ما هو غير طبيعي أو ما يسبب صدمة لأحد ( ... ) ، وأنّ الاعتراف بصحته لا ينتقص كثقال ذرة من روعة الديانة اليهودية ومجدها العظيم (قلت: !!!!) . " تذكر الدراسة الهامة للرهبانية اليسوعية والمسكونية الفرنسية (وقد أعدها 150 باحث كاثوليكي وبروتستانتي) ، أنّ مصادر سفر التكوين، كانت الأساطير الشائعة والسائدة لدى الحضارات الموجودة فيما وراء النهرين (العراق) وعلى ضفاف نهر النيل (مصر) ، والمنطقة الفينيقية والكنعانية.. فقالت: " لم يتردد مؤلفو الكتاب المقدس، وهم يروون بداية العالم والبشرية، أن يستقوا معلوماتهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من تقاليد الشرق الأدنى القديم، ولا سيما من تقاليد ما بين النهرين ومصر والمنطقة الفينيقية الكنعانية. على أنّ المؤلفين الذين اعتادوا النظر في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 الفصول الأولى من سفر التكوين، وأضفوا عليها اللمسات الأخيرة، لم يكونوا مجرّد ناقلين عميان، بل أحسنوا إعادة معالجة المصادر المتوفّرة بين أيديهم (!!!) . " قال الباحث النصراني جورجي كنعان في كتابه: " الأصولية المسيحية في نصف الكرة الغربي" ج 1 ص 29: " عند ما تمّت الاكتشافات في بلاد ما وراء النهرين وسوريا ومصر، تبيّن للباحثين أنّ أسفار التوراة منقولة برمّتها نسخا أو مسخا عن الآداب والشرائع المصرية والكنعانية والبابلية. فظهرت الأبحاث المتعددة تلقي الأضواء على التوراة، وتكشف صلتها بالآداب والشرائع المتقدمة عليها. " يكاد يتفق الباحثون من أمثال ليوناردو ويلي Leonardy Wooly في كتابه، Escavation At Ur =": وأدولف لودر Adolphe Lots في كتابه" إسرائيل، من بداياتها إلى أواسط القرن الثامن Beginings to the Middle of the Eight Century =Israel ,from its "وستانلي" كوك، S.A.Cook وجاك فينجان Jack Finegan =ضوء من التاريخ القديم =Light from the Ancient Past ="وف يونجر F.Unger في كتابه" قاموس الكتاب المقدّس ليونجر "=Ungers Bible Dictionary "وجيمس فريزر في كتابه" الفلكور في العهد القديم" على أنّ قصة الطوفان، كما جاءت في التوراة، ليست قصة عبرية أصيلة، وانما أخذها الإسرائيليون من ميزوبوتاميا، ولكن القصة لم تنقل بطريقة عمياء، وإنما تصرفوا فيها بطريقة تتفق وأهداف كتابهم المقدس، ذلك لأنّ القصة التوراتية هي نفس القصة التي وجدت على ألواح مكتوبة منذ فترة ترجع إلى ما قبل عصر إبراهيم عليه السلام- بل إنّ الرواية البابلية أقدم من الرواية العبرية بما يقرب من أحد عشر أو اثني عشر قرنا، فضلا عن أنّ الحكاية العبرية في جوهرها- كما لاحظ تسيمرن- تقضي بأن يكون البلد المشار إليه قابل لحدوث الفيضان مثل بابل، الأمر الذي لا يدع مجالا للشك في أنّ الحكاية نشأت أصلا في بابل، ثم انتقلت بعد ذلك إلى فلسطين، فإذا أضفنا إلى ذلك أنّ القصتين تتفقان لا في الأحداث الأساسية فحسب، بل إنّ وجوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 الاتفاق بين القصتين تتعدّد حتى تشمل التفصيلات الجزئية، بحيث لا يمكننا أن نرجع ذلك إلى محض الصدفة، أو حتى إلى توارد الأفكار، يتبين لنا إلى أيّ حد اعتمدت قصة الطوفان في التوراة على قصص سومر وبابل الخاص بالطوفان. " ونكتفي فيما يتعلّق بالنصرانية بذكر ما قاله الكاتب الأمريكي درابير في كتابه" التراع بين الدين والعلم": " لقد دخلت الوثنية والشرك في النصرانية عن طريق من تظاهروا بالنصرانية رياء وكذبا ليتقلدوا المناصب العالية في الدولة الرومانية". الشبهة الخامسة: وجود مصطلحات فلسفية يونانية في إنجيل برنابا ، دليل على أنّ هذا الإنجيل قد ألّف في القرون الوسطى زمن شيوع فلسفة أرسطو! الرد: وهل كانت فلسفة أرسطو غير معروفة في القرن الأول ميلادي!! اقرؤوا كتاب شارل جنيبر أستاذ قسم النصرانية بجامعة السوربون" اليسوع" المعرّب تحت عنوان" المسيحية تاريخها ونشأتها" لتعلموا أنّ بولس، الذي هو أعظم شخصية في الديانة النصرانية كما نعرفها اليوم، ما هو إلا إفراز لمذاهب فلسفية متمواجة وعنيفة في حركاتها البينية في زمانه. ثم ألم تقرؤوا قول بولس في الرسالة إلى كولوسي 2: 8: " احذروا أن يوقعكم أحد فريسة بالفلسفة ... "!! فهل كان بولس يتحدث عن أمر خيالي، أم أنّ تحذيره" للمؤمنين" نابع من شعوره بالهجمة الفلسفية اليونانية الشرسة في زمانه، على عقول الناس؟!!! أمّا فيما يتعلق باستعمال الاصطلاحات الفلسفية.. فاقرؤوا ما جاء في الرسالة إلى العبرانيين 1: 3: " هو شعاع مجده وصورة جوهره"!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 فهل كتبت هذه الرسائل في القرون الوسطى" زمان شيوع الفلسفة الأرسطية"، أم في القرنين الأولين من ميلاد المسيح حيث لم يعرف الناس أرسطو ولا إخوانه! بل ألم تقرؤوا نسبة كثير من النقاد الغربيين إنجيل يوحنا إلى مدرسة فلسفية صرفة.. فقد قالت الموسوعة البريطانية في القرن التاسع عشر: " أما إنجيل يوحنا، فإنه لا مرية ولا شك كتاب مزور، أراد صاحبه مضادة حواريين لبعضهما، وهما القديسان متى ويوحنا .... وإنا لنرأف ونشفق على الذين يبذلون منتهى جهدهم، وليربطوا ولو بأوهى رابطة ذلك الرجل الفلسفي الذي ألّف هذا الكتاب في الجيل الثاني بالحواري يوحنا الصياد الجليلي، فإن أعمالهم تضيع عليهم سدى، لخبطهم على غير هدى". وجاء في الموسوعة الأمريكية ص 159: " أن العقيدة المسيحية لم تستطع تخلل العالم الروماني الإغريقي دون الارتكاز على قوة ما ورثته عن اليهودية، أو التأثّر بالثقافة الجديدة المحيطة بها. إنّ التأثير الإغريقي (في المسيحية) له شواهده، ذلك أنّ الفقرات الأولى من صدر إنجيل يوحنا إنما هي تسير بوضوح على أسلوب شعر رواقي (فلسفي) في: الكلمة. وفي الواقع فإنّ: الكلمة، باعتبارها كلمة الله: قد يكون لها في فكر المؤلف ذلك التنوع المذكور في أسفار العهد القديم عن، كلمة الله". بل اترك ما سبق واقرأ قول كالتوف: " إنّ صورة المسيح بكامل معالمها أعدت قبل أن يكتب سطر واحد من الأناجيل وإنّ هذه الصورة هي من إنتاج الفلسفة العقلية الميتافيزيقية التي كانت ذات سيطرة وكانت آراؤها شائعة وتكاد تكون عامة وعالمية. " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 وقبل كلّ ما سبق ذكره لا بدّ أن يثبت النصارى المعترضون أنّ" العبارات الفلسفية" المنسوبة إلى إنجيل برنابا ليست من عنديات المعرّب غير الأمين.. كما أنه عليهم أن يثبتوا أيضا أنها" عبارات فلسفية صرفة" وليست كلمات دينية مشاعة!! الشبهة السادسة: مخالفة إنجيل برنابا لأسفار الكتاب المقدس مما يعني أنه ليس بوحي، لأنّ الوحي لا يتناقض! الردّ: اقرأ: قال مفسرو الترجمة المسكونية- وهم نخبة من النقاد الكاثوليك والبروتستنت عن الأناجيل بأنها: " صورة لأدب غير مترابط مفتقر هيكله إلى حسن التتابع ... يبدو أن ما فيه من تضاد غير قابل للتذليل. " قال محررو مجلة" الحقيقة الواضحة" النصرانية في عدد يوليو 1975 م: " هناك ادعاءات كثيرة لتناقضات في الكتاب المقدس لم يستطع العلماء حلها حتى الآن، وفيها ما يسر كل كافر ملحد، فهناك بعض الصعوبات النصية التي ما زال العلماء يتصارعون معها إلى يومنا هذا، ولا ينكر هذه الحقيقة إلا من كان جاهلا بالكتاب المقدس. " الفيلسوف اليهودي اسبينوزا قال عن التوراة: " فإذا ظن أحد أني أتحدث بطريقة عامة جدا دون أساس كاف، فإني أرجو أن يكلف نفسه العناء، ويدلنا على ترتيب يقيني لهذه الروايات يستطيع المؤرخون اتباعه في كتاباتهم للأخبار دون الوقوع في خطأ جسيم، وعلى المرء في أثناء محاولته تفسير الروايات والتوفيق أن يراعي العبارات والأساليب، وطرق الوصل في الكلام، ويشرحها بحيث نستطيع طبقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 لهذا الشرح أن نقلدها في كتاباتنا، ولسوف أنحني مقدما في خشوع لمن يستطيع القيام بهذه المهمة، وإني على استعداد لأن أشبهه" بأبوللو" نفسه. على أني أعترف بأني لم أستطع أن أجد من يقوم بهذه المحاولة، على الرغم من طول بحثي عنه، ومع أني مشبع منذ طفولتي بالآراء الشائعة عن الكتاب المقدس، فقد كان من المستحيل ألا أنتهي إلى ما انتهيت إليه. وعلى أية حال فليس هناك ما يدعونا إلى أن نعطل القارئ هنا، وأن نعرض عليه في صورة تحد أن يقوم بمحاولة ميئوس منها. " وإذا كانت أسفار الكتاب المقدس غارقة في لجج التناقض والتضارب، وما أسقط هذا الداء قدسيتها المزعومة، فكيف يزعم أنّ مخالفة تلك الأسفار لإنجيل برنابا حجة على زيف هذا الإنجيل!! إنّ الموافقة التامة لأي سفر مقدس غير كنسي، لما جاء الكتاب المقدس، هو المطعن النافذ في مصداقية هذا السفر لثبوت التحريف والتخريف والتجديف والتهويم في صفحات الكتاب المقدس النصراني! الشبهة السابعة: إحالة مؤلف إنجيل برنابا إلى أقوال للأنبياء لا نجد لها ذكرا في العهد القديم ! الردّ: لم ينفرد إنجيل برنابا برواية نصوص منسوبة إلى أنبياء العهد القديم لا وجود لها في تلك الأسفار، بل يشترك معه في ذلك، العهد الجديد أيضا حيث رويت فيه بعض النصوص منسوبة إلى العهد القديم وهي غير موجودة فيه، منها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 - في إنجيل متى 2: 23: " وجاء إلى مدينة اسمها الناصرة فسكن فيها ليتم ما قال الأنبياء: " يدعى ناصريا". ولم يرد في العهد القديم على الاطلاق القول إن المسيح أو النبي الموعود يدعى ناصريا. في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 2: 9: " ورد في الكتاب: اعد الله للذين يحبونه كل ما لم تره عين ولا سمعت به أذن ولا خطر على قلب بشر". في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 4: 6: " لتتعلموا بنا ما قيل: لا تزد شيئا على ما كتب". في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 15: 54: " تم قول الكتاب: قد ابتلع الظفر الموت. " بل البلاء أعظم.. إذ أنّ أسفار الكتاب المقدس ذاتها تحيل القارئ إلى أسفار مقدسة لا وجود لها بين دفتيه.. وهي: - حروب الرب: ورد ذكره في سفر العدد 21: 14 سفر سنن الملك: ورد ذكره في سفر صموئيل الأول 10: 25 سفر ياشر: ورد ذكره في سفر يشوع 10: 13 وسفر صموئيل الثاني 1: 17 سفر أخبار أيام ملوك إسرائيل: ورد ذكره في سفر الملوك الأول 14: 19 و 16: 5 و 16: 14 سفر تاريخ إسرائيل ويهوذا: ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الثاني 27: 7 سفر تاريخ ملوك إسرائيل ويهوذا: ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الثاني 36: 8 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 - سفر أخبار أيام ملوك يهوذا: ورد ذكره في سفر الملوك الثاني 24: 5 و 21: 25 سفر أخبار جاد النبي: ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الأول 29: 29 سفر رؤيا النبي يعدو: ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الثاني 9: 29 سفر نبؤة اخيا الشيلوني: ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الثاني 9: 29 سفر تاريخ عدو النبي: ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الثاني 12: 15 و 13: 22 سفر تاريخ شمعيا النبي: ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الثاني 12: 15 سفر تاريخ ناثان النبي: ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الثاني 9: 29 سفر تاريخ ياهو بن حناني: ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الثاني 20: 34 سفر كتاب إشعياء النبي عن الملك عزّيا: ورد ذكره في أخبار الأيام الثاني 26: 22 سفر مرثية النبي أرميا على يوشيا: ورد ذكره في أخبار الأيام الثاني 35: 25 سفر تاريخ الملوك: ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الثاني 24: 27 سفر أخبار الأنبياء: ورد ذكره في سفر أخبار الأيام الثاني 33: 19 سفر أخبار سليمان: ورد ذكره في سفر الملوك الأول 11: 41 سفر الرب: ورد ذكره في سفر اشعياء 34: 16 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 - سفر أخبار الأيام: ورد ذكره في سفر نحميا 12: 23. رسالة بولس إلى أهل اللاذقية: ورد ذكرها في رسالة بولس إلى أهل كولسي 4: 16. رسالة بولس الأولى إلى أهل فيلبي: ورد ذكرها في رسالة بولس إلى أهل فيلبي 3: 1 الموجودة في العهد الجديد.. (انظر العهد الجديد" بولس باسيم" هامش صفحة 771) . رسالة لبولس إلى أهل كورنثوس: ورد ذكرها في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 5: 9. رسالة لبولس إلى أهل كورنثوس: ورد ذكرها في رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 7: 8. وقد جاء في تفسير دوالي رجردمينت هامش شرح سفر الملوك الثاني 14: 25: " لا يوجد ذكر هذا الرسول يونس إلا في هذا العدد وفي البلاغ المشهور الذي كان إلى أهل نينوى، ولا يوجد في كتاب من الكتب إخباراته عن الحوادث الآتية التي جرأ بها يوربعام السلطان على محاربة سلاطين السريا وسببه ليس منحصرا في أنّ الكتب الكثيرة للأنبياء لا توجد عندنا، بل سببه هذا أيضا أنّ الأنبياء لم يكتبوا كثيرا من أخبارهم. " ثم إنّ عدم ورود الأقوال التي نقلها مؤلف" إنجيل برنابا" في أسفار العهد القديم لا ينفي ورودها عن أولئك الأنبياء لطروء التحريف بالحذف في تلك الأسفار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 الشبهة الثامنة: جاء في إنجيل برنابا ذكر قصص وحوادث وقعت في أيام الأنبياء السابقين ، ومع ذلك لا نرى لها ذكرا في العهد القديم- المصدر الوحيد لأخبار ذاك الزمان- مما يعني أنّ مؤلف إنجيل برنابا قد اخترع تلك الأحداث! الردّ: إنّ أسفار العهد القديم ليست مرجعا معتمدا تردّ إليه الأمور لمعرفة الحق من الباطل لعدم استحقاقها لهذه الصفة. إنّ أسفار العهد القديم لم تزعم أنها أحاطت بجميع أخبار السابقين. وجود" تقاليد شفوية" يهودية، تضمّ قصصا دينية لا وجود لها في أسفار العهد القديم، من ذلك ما ذكره المؤرخ اليهودي الشهير يوسيفوس في كتابه" الآثار". التقاليد الشفوية اليهودية تحظى باحترام كبير عند اليهود أهل" الكتاب الأول": " العهد القديم". وهي تضيف أشياء كثيرة لا وجود لها في الأسفار المكتوبة، ولم يمنع هذا الأمر اليهود من تقرير قدسيتها.. وقد قال آدم كلارك في شرح ديباجة كتاب عزرا في المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة 1751 م: " كان قانون اليهود ينقسم إلى نوعين، مكتوب ويقولون له التوراة، وغير مكتوب ويقولون له الروايات الشفوية التي وصلت إليهم بوساطة المشايخ، ويدعون أن الله كان أعطى موسى كلا النوعين على جبل الطور فوصل إلينا أحدهما بواسطة الكتابة وثانيهما بواسطة المشايخ بأن نقلوها جيلا بعد جيل، ولهذا يعتقدون أن كليهما متساويان في المرتبة ومن جانب الله وواجبا التسليم، بل يرجحون الثاني ويقولون إن القانون المكتوب ناقص مغلق في كثير من المواضع، ولا يمكن أن يكون أصل الإيمان على الوجه الكامل بدون اعتبار الرواية الشفوية، وهذه الرواية واضحة وأكمل، وتشرح القانون المكتوب وتكمله، ولهذا يردون معاني القانون المكتوب إذا كانت مخالفة للروايات الشفوية، واشتهر فيما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 بينهم أن العهد المأخوذ من بني إسرائيل ما كان لأجل القانون المكتوب، بل كان لأجل هذه الروايات الشفوية. "!!!! قد يقال أنّ القصص المذكورة في إنجيل برنابا لها وجود في الأسفار المفقودة التي ذكرت سابقا، ومنها أخذت. جاء في العهد الجديد ذكر كثير من التعاليم والقصص غير الموجودة في العهد القديم رغم تعلقها بزمن الأنبياء السابقين.. منها: * رسالة يهوذا 6: " وأمّا الملائكة الّذين لم يحافظوا على مقامهم الرّفيع، بل تركوا مركزهم، فمازال الرّبّ يحفظهم مقيّدين بسلاسل أبديّة في أعماق الظّلام، بانتظار دينونة ذلك اليوم العظيم. " * رسالة يهوذا 7: " وتعرفون كذلك ما فعله الرّبّ بمدينتي سدوم وعمورة وبالمدن الّتي حولهما. فقد كان أهل المدن هذه، مثل أولئك المعلّمين، مندفعين وراء الزّنى، ومنغمسين في شهوات مخالفة للطّبيعة. لذلك عاقب الرّبّ هذه المدن بالنّار الأبديّة، فدمّرها. فكانت بذلك عبرة للآخرين. " * رسالة يهوذا 14- 15: " عن هؤلاء وأمثالهم، تنبّأ أخنوخ السّابع بعد آدم، فقال: «انظروا إنّ الرّبّ آت بصحبة عشرات الألوف من قدّيسيه، ليدين جميع النّاس، ويوبّخ جميع الأشرار الّذين لا يهابون الله، بسبب جميع أعمالهم الشّرّيرة الّتي ارتكبوها وجميع أقوالهم القاسية الّتي أهانوه بها والّتي لا تصدر إلّا عن الخاطئين الأشرار غير الأتقياء! " * الرسالة إلى العبرانيين 12: 21: " والواقع أنّ ذلك المشهد كان مرعبا إلى درجة جعلت موسى يقول: «أنا خائف جدّا بل مرتجف خوفا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 * الرسالة الثانية إلى تيموثاوس 3: 8: " ومثلما قاوم (السّاحران) ينّيس ويمبريس موسى، كذلك أيضا يقاوم هؤلاء الحقّ؛ أناس عقولهم فاسدة، وقد تبيّن أنّهم غير أهل للإيمان" * أعمال الرسل 7: 23- 28: " ولمّا بلغ الأربعين من العمر خطر بقلبه أن يتفقّد أحوال إخوته من بني إسرائيل، فرأى واحدا منهم يعتدي عليه مصريّ، فتدخّل ليدافع عن المظلوم، وانتقم له فقتل المصريّ، على أمل أن يدرك إخوته أنّ الله سينقذهم على يده. غير أنّهم لم يدركوا! وفي اليوم التّالي وجد اثنين من إخوته يتعاركان، فحاول أن يصلح بينهما، قائلا: أنتما خوان، فلماذا يعتدي أحدكما على الآخر؟ فما كان من المعتدي على قريبه إلّا أن دفعه بعيدا، وقال: من أقامك رئيسا وقاضيا علينا؟ أتريد أن تقتلني كما قتلت المصريّ أمس؟ " هذه القصة جاء ذكرها في سفر الخروج 2: 11- 14: " وحدث بعد أن كبر موسى أنّه ذهب ليفتقد إخوته العبرانيّين ويشهد مشقّتهم، فلمح رجلا مصريّا يضرب رجلا عبرانيّا، فتلفّت حوله، وإذ لم يجد أحدا هناك قتل المصريّ وطمره في الرّمل. ثمّ خرج في اليوم الثّاني وإذا رجلان عبرانيّان يتضاربان، فقال للمسيء: «لماذا تضرب صاحبك؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 فأجابه: «من أقامك رئيسا وقاضيا علينا؟ أعازم أنت على قتلي كما قتلت المصريّ؟» فخاف موسى وقال: «حقّا إنّ الخبر قد ذاع. " وكما هو ظاهر، فإنّ نص أعمال الرسل قد أضاف تفاصيل لم تذكر في نص سفر الخروج. * الرسالة الثانية إلى بطرس 2: 4: " فإنّ الله لم يشفق على الملائكة الّذين أخطأوا، بل طرحهم في أعماق هاوية الظّلام مقيّدين بالسّلاسل، حيث يظلّون محبوسين إلى يوم الحساب. " الشبهة التاسعة: جاء في إنجيل برنابا ذكر تعاليم وأحداث لم ترد في الأناجيل ، مما يعني أنّها أمور مفتراة!! الردّ: الأناجيل ليست محكا لضبط الحق من الباطل، لقيام جلّ ما فيها على الدعوى الباطلة والكذب. وقد قال مؤلفو الترجمة المسكونية: " جمع المبشرون، وحرروا، كل حسب وجهة نظره الخاصة ما أعطاهم إياه التراث الشفهي.. فهي، مجرّد أقوال بشرية! لم تزعم الأناجيل وبقية أسفار العهد الجديد أنّها قد استوعبت جميع ما جاء عن المسيح أو التلاميذ: * فقد جاء في إنجيل مرقس 4: 33- 34: " بكثير من مثل هذه الأمثال كان يسوع يكلّم الجمع بالكلمة، على قدر ما كانوا يطيقون أن يسمعوا وبغير مثل لم يكن يكلّمهم. ولكنّه كان يفسّر لتلاميذه كلّ شيء حين ينفرد بهم. ".. وهذا النص دليل على أنّ الأناجيل لم تنقل الكثير من تعاليم المسيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 * وجاء في إنجيل يوحنا 20: 30: " وقد أجرى يسوع أمام تلاميذه آيات أخرى كثيرة لم تدوّن في الكتاب" * كما جاء في إنجيل يوحنا 21: 25: " وهناك أمور أخرى كثيرة عملها يسوع، أظنّ أنها لو دوّنت واحدة فواحدة، لما كان العالم كلّه يسع ما دوّن من كتب! " جاء ذكر أمور في رسائل العهد الجديد لا نرى لها أثرا في الأناجيل.. من ذلك: * الرسالة الأولى إلى كورنثوس 15: 6: " وبعد ذلك ظهر لأكثر من خمس مئة أخ معا ما زال معظمهم حيّا، في حين رقد الآخرون. " * أعمال الرسل 20: 35: ".. متذكرين كلمات الربّ يسوع، إذ قال: " الغبطة في العطاء أكثر مما في الأخذ". التاريخ الأول للدعوة النصرانية مليء بالتعاليم والقصص التي لا نرى لها ذكرا في الأناجيل، وهذا الأمر ظاهر خاصة في الكنيسة الكاثوليكية. كما هو متجلّ، أيضا، في اعتقادات آباء الكنيسة وأئمتها القدماء، ككليمنت وأرينيوس وهجيسي بوس وبوليكارب وبوليكراتيس وتاركثوس وتيوفيلوس وكاسيوس وكلاروس وكليمنت الاسكندري وايفريكانوس وترتليان وأرجن وباسلنوس وأبيفانيس وكريزاستم وأغسطين وونسنت الأسقف وغيرهم.. الشبهة العاشرة: جاء في إنجيل برنابا ما يظهر أنّ المؤلف عاش في القرون الوسطى زمن النظام الاقطاعي، إذ نسب ملكية أراض واسعة إلى أفراد (لعازر الذي أحياه عيسى) . الردّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 وهل قول سفر أخبر الأيام الأول 2: 22: " وأنجب سجوب يائير الّذي امتلك ثلاثا وعشرين مدينة في أرض جلعاد" دليل على أنّ مؤلف هذا الكتاب الذي كتب كما يقرر النصارى وغيرهم قبل المسيح، قد عاش في القرون الوسطى!!! الشبهة الحادية عشر: ورد ذكر" الرطل" في إنجيل برنابا كوحدة وزن، وقطعة الذهب كوحدة نقدية، كما تمّت الإشارة إلى تزييف العملة في زمن المسيح.. وهذه الأمور ما كانت في القرن الأول ميلادي، وإنما ظهرت في القرون الوسطى! الردّ: أسماء العملات قد تكون أخذت صورتها الحالية بعد الترجمة. جاء في قاموس الكتاب المقدس =cliffe Bible Dictionary Wy =طبعة 1998، عند تعريف الرطل ضمن وحدات الوزن الواردة في العهد الجديد: " أنّه كان رطلا رومانيا من 12 أوقية، وأنّه ذكر مرتين، في يوحنا 12: 3، وفي 19: 39 من الدهون التي سكبت على قدمي عيسى، والطيوب التي استعملت لدفنه. الرطل ظهر كعملة مرة واحدة في لوقا 19: 13- 25. " جاء ذكر العملات الذهبية في الكتاب المقدس في سفر عزرا 2: 69: ".. ستين ألف درهم من الذهب.." وسفر نحميا 7: 70: ".. ألف درهم من الذهب.." وغيرها من المواضع.. نصّ قاموس =Wycliffe Bible Dictionary =أنّ العملات القديمة كانت من الذهب والفضة. وأشار المؤرخ اليهودي يوسيفوس إلى الدينار الذهبي في كتاباته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 - صرّح قاموس =Wycliffe Bible Dictionary =أنّ تزييف العملات كان موجودا منذ القدم، وذلك بطلاء معادن رخيصة بالفضة أو بغير ذلك من الصور. الشبهة الثانية عشر: جاء في إنجيل برنابا ذكر عقوبة القتل شنقا . وهذه العقوبة ما كنت معروفة زمن المسيح ولا في أسفار العهد القديم، وإنما ظهرت في القرون الوسطى، مما يدلّ على أنّ كاتب الإنجيل قد عاش في تلك القرون، أمّا القتل زمن المسيح فكان بالرجم والصلب! الردّ: جاء في سفر التثنية 21: 22: " إن ارتكب إنسان جريمة عقابها الإعدام، ونفّذ فيه القضاء وعلّقتموه على خشبة. "، وعنوان هذا الفصل في ترجمة الكتاب المقدس لدار الشرق: " دفن المشنوقين". الشبهة الثالثة عشر: جاء ذكر مقاطع الأحجار (المقالع) في إنجيل برنابا، رغم أنّها صنعة أوروبية متأخرة! الردّ: قرّر قاموس =Wycliffe Bible Dictionary =أنّ صناعة قطع الحجارة في فلسطين قد كانت معروفة منذ زمن القضاة. كما ورد لفظ" المقالع" الذي استعمله برنابا، في سفر الملوك الأول 6: 7. الشبهة الرابعة عشر: جاء ذكر أوقات الصلوات في إنجيل برنابا في غير ما موضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 ، ويفهم من مجموعها أنّ الصلاة تكون في أربعة أوقات: الفجر والظهر والعشاء ونصف الليل. ولا أصل لصلاة نصف الليل غير رهبنة العصور الوسطى! الردّ: جاء في مزمور 119: 62: " أستيقظ في منتصف الليل لأحمدك من أجل أحكامك العادلة. " وجاء في أعمال الرسل 16: 25: " ونحو منتصف اللّيل كان بولس وسيلا يصلّيان ويسبّحان الله، والمسجونون يسمعونهما. " الشبهة الخامسة عشر: جاء وصف المسيح بأنّه نبي الناصريين، ووصف أتباعه بالناصريين. ولا حجة لهذا الزعم! الردّ: جاء هذا الوصف والتسمية في أعمال الرسل 24: 5: " مقدام شيعة الناصريين". وقال الباحث البريطاني د. هيام ماكوبي Hyam Maccoby في كتابه عن بولس: " وعلى هذا فيبدو أنّ اسم الناصريين (أو النصارى =Nazarenes = (هو الاسم الأصلي لأتباع عيسى، إنّ اسم المسيحيين كان تطويرا متأخرا، وليس في القدس بل تمّ في أنطاكية (أعمال الرسل 11: 26) ، إنّ اسم أتباع عيسى في كتابات الربيين اليهود كان مشابها لاسم الناصريين Nazarenes إنّه كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 " نوتصرم =Nottzerim =ويذكر المؤلف استمرار الاسم بعد ذلك كتسمية لمن سماهم المؤلف ب" الأتباع الأصليين لعيسى في القدس". الشبهة السادسة عشر: قال الدكتور خليل سعادة مترجم إنجيل برنابا إلى العربية ما نصه: " الذي أذهب إليه إن الكاتب يهودي أندلسي اعتنق الدين الإسلامي بعد تنصره واطلاعه على أناجيل النصارى، وعندي أن هذا الحل هو أقرب إلى الصواب من غيره"! الردّ.. من وجوه: ما توجّه الدكتور" الأمين" إلى هذا المخرج إلا للهروب من نسبة هذا الإنجيل إلى برنابا الرسول.. وهذا منهج فاسد في البحث الذي يبتدئ بتقرير النتيجة ثم البحث عن سند! جاءت نصوص في إنجيل برنابا تخالف ما هو مذكور في القرآن والسنة.. وهذا ما يمنع ما افترضه الدكتور" الأمين".. وإنما نقول إنّ برنابا قد أخطأ في التأريخ لأقوال المسيح وتعاليمه سواء لوهم أو لنسيان أو لأنّ من نقل عنه كان غير أمين أو غير ضابط لنقله! لو كان مؤلف الإنجيل يهوديا لما خالف نصوصا في التوراة الموجودة في القرون الوسطى لغير غرض ديني بارز.. وإنما لكان نقلها بدقة! أليس الأولى القول إنّ" إنجيل برنابا" الذي جاء ذكره في كتب التاريخ من قبل، هو نفسه هذا الإنجيل المكتشف.. بدل الزعم أنه إنجيل آخر!! قال الدكتور وديع: " حقائق عن إنجيل برنابا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 - كاتبه لم يدّع أنه كتب بالوحي الإلهي كما يدعي كل من كتبوا كتب النصاري وخاصة بولس الذى حوّل النصرانية إلى المسيحية. اعترف كاتب" برنابا" أنه ينسى بعض الكلمات وبعض الأحداث" فصل 217"، أي أنه يكتب سيرة المسيح وقصة حياته وأعماله وتعاليمه وليس إنجيلا منزلا. كما أنّ الكاتب كتب هذا الكتاب بعد عدة سنوات من إصعاد المسيح عليه السلام حيث قال أنه كتبه بعد ضلال بولس والذي دخل النصرانية بعد الإصعاد بعدة سنوات ثم ظل تلميذا لبرنابا عدة سنوات ثم ضل وعبد المسيح. كما أن الكاتب" برنابا" عاشر بولس الضال وكل النصاري يعلمون أن" المعاشرات الرديئة تفسد الاخلاق الجيدة"، فتأثر برنابا بتعاليم بولس وظهر ذلك في بعض كلام برنابا في بعض أجزاء من هذا الكتاب. من هو برنابا: قال برنابا عن نفسه في هذا الكتاب أنه من أوائل التلاميذ- الحواريين- اللذين اختارهم المسيح عيسي عليه السلام، لكن في الأناجيل الأربعة تم حذف اسمه عمدا لأن كتابه هذا يكشف زيف الأناجيل كما سأشرح. ولكن جاء ذكر برنابا كثيرا في كتاب النصاري في العهد الجديد وفي كتاب" أعمال الرسل" ويعنون بالرسل" التلاميذ اللذين أرسلهم المسيح" وجاء في هذا الكتاب. (أعمال 4) " ويوسف الذى دعى من الرسل- برنابا- الذى معناه" ابن الوعظ" وهو لاوى" أي رجل دين يهودي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 " قبرصي الجنس اذ كان عنده حقل باعه وأتى بالدراهم ووضغها عند أرجل الرسل" أى تبرع بكل ماله للفقراء. (أعمال 11) بعد أن ترك بولس اليهودية وانضم إلى النصارى خاف منه تلاميذ المسيح فجاء برنابا وأقنع التلاميذ أن يقبلوه فوافقوا لأنهم يثقون في صدق برنابا. (أعمال 11) التلاميذ رأوا أن" برنابا رجلا صالحا وممتلئا من الروح القدس والإيمان" والروح القدس هو الجزء الثالث من الثالوث الذى يعبده النصارى، فقام التلاميذ بإرساله من أورشليم إلى أنطاكية- في آسيا الصغرى- حيث كلمهم عن المسيح فآمن جمع غفير. ثم ذهب برنابا إلى طرسوس في آسيا الصغرى ليبحث عن بولس حيث كان يختبيء خوفا من اليهود وجاء به إلى أنطاكية وهناك اخترع بولس لقب" المسيحيين" بدلا من" النصارى" أو" المؤمنين" برسالة المسيح. (أعمال 11) برنابا- وبولس قاما بجمع معونات من أنطاكية للتلاميذ في أورشليم. (أعمال 12) التلاميذ اعتبروا برنابا" نبيا ومعلما كبيرا. (أعمال 13) " الروح القدس" يأمر التلاميذ بإرسال" برنابا وبولس" للتبشير في قبرص فسافرا ومعهما" مرقس" خادما، ومرقص هو كاتب الإنجيل المعروف. وهناك أخذا يبشران بين اليهود فقط، ثم ذهبا إلى أنطاكية وهاجما كفر اليهود فطردوهما، فذهبا إلى بلد" أيقونية" حيث كلما اليهود فقط، فكاد اليهود أن يرجموهما فهربا إلى مدينة" لسترة" حيث الناس يعبدون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 الأصنام، وهناك اعتبروا أن برنابا هو" زفس" كبير الآلهة، وبولس هو" هرمس"، ثم رجموا بولس وخافوا من برنابا، ولكن للأسف عاش بولس لأن اصابته لم تكن خطيرة. ثم تنتهى قصة برنابا في كتاب" أعمال" حين يخترع بولس للمسيحيين القساوسة، ويتنازعان حين يقوم بولس بتعليم الناس أن يتركوا فرض" الختان" ويتركوا التمسك بشريعة الله لعبده موسى عليه السلام وذلك بزعم أن المسيح نسخها وألغاها بالكامل. فتشاجر برنابا مع بولس وذهب كل منهما إلى طريق مختلف. وانتهى ذكر برنابا تماما من كتاب النصارى واستمر باقى الكتاب لذكر بولس وحده وكأنه هو الوحيد الذى يفعل كل شىء وكأنه لا يوجد أى واحد من تلاميذ المسيح يفعل أى شىء. " قلت: جاء في" موسوعة الأديان" ل أ. روجستون بايك ص 46: " برنابا، رسول ونبي مسيحي، رفيق للقديس بولس في بعض رحلاته الدعوية.. جاء في التقليد أنه أسقف ميلانو ومؤسس الكنيسة في أنطاكيا، استشهد في روما. الاحتفال به يوم 11 جوان. نسبت إليه عدة كتابات، وبالذات" رسالة برنابا" الموجودة في المخطوطة السينائية ... " وجاء عن كلمنت الإسكندري أنه واحد من السبعين رسول. قال الدكتور وديع: " من أدلة وجود هذا الكتاب من قبل الإسلام بمئات السنين: يقول مترجم كتاب" إنجيل برنابا"، الأستاذ خليل سعادة- النصراني- في مقدمته التي يهاجم فيها هذا الكتاب ليثبت زيفه: " إنّ الموسوعة الفرنسية أثبتت وجود إنجيل برنابا من قبل الإسلام بمئات السنين وهذه الموسوعة كتبها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 مسيحيون متشددون جدا ومتعصبون جدا ضد الإسلام كما شهد المترجم النصراني لهذا الكتاب قائلا عنه: " هذا الكتاب قد أتى على آيات باهرة من الحكمة وطراز راق من الفلسفة الأدبية وهو يرمى إلى ترقية العواطف البشرية إلى أفق سام آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر داعيا الإنسان إلى التضحية". وكذلك قال العلامة المسيحي القس صموئيل مشرقى رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر والشرق وهو بمثابة (البطرك) عند الأرثوذكس (والبابا) عند الكاثوليك قال في كتابه الصادر سنة 1988 م" عصمة الكتاب المقدس واستحالة تحريفه" في صفحة 20: ان إنجيل برنابا كان موجودا سنة 325 م. وكتب يقول: " أما نحن من جانبنا فنقول من باب الترجيح أن بعض أتباع المسيح قد بدأوا في كتابة هذه الأناجيل عن المسيح عن طريق جمع مجموعات من أقواله وأفعاله لاستعمالهم الشخصي في البداية، وهنا بدأت القصص التي تروى يسوع تجمع في كتب كبيرة كانت نواة لعدة أناجيل بلغت مائة إنجيل وكان على الكنيسة (يعنى قادتها من البطاركة والرهبان) أن تمحص هذه الأناجيل وتمت الموافقة على هذه الأناجيل الأربعة فقط (يعنى كذبوا أكثر من 96 إنجيلا) بعد أن ثبت قانونيتها؟ وتم الاعتراف بقدسيتها؟ (يعنى اعترفوا بأنها وحى من عند الله؟) التي تأكدت بما أحاط بها من براهين داخلية وخارجية. ورفضت الكنيسة الاعتراف بغيرها من الأناجيل مثل" إنجيل توما" المكتوب باللغة العربية في الجزيرة العربية و" إنجيل برنابا" وغيرهما، بعد أن ثبت أن الكثير مما تحتويه من أقوال دخيل ومزور؟ ومن ثم لم يتقرر وحيها (أى أن الوحي يحتاج لتصديق البطاركة والرهبان) وتم وضع هذه الكتب كلها في قائمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 واحدة في مجمع" نيقية" سنة 325 م، ومازال بعض هذه الكتب المرفوضة موجودا مثل" إنجيل المصريين" و" إنجيل العبرانيين" و" إنجيل توما" و" إنجيل برثلماوس" و" إنجيل متياس" و" إنجيل تلاميذ المسيح" وفيها الكثير من الأخطاء التاريخية والجغرافية والعقائدية، وما يتعارض مع ما ذكره أنبياء العهد القديم ورسل العهد الجديد. وهذان الدليلان يؤكدان وجود هذا الإنجيل من قبل ظهور الإسلام بأكثر من قرنين من الزمان، وهذا ينفى أن أصله كاتب مسلم. " قلت: من الممكن التأكد من وجود إنجيل بهذا الاسم قبل القرن السابع ميلادي من خلال الاقتباس الموسّع لإيرانيوس (130 م- 200 م) من هذا الإنجيل في ردّه على بولس ودفاعه عن عقيدة التوحيد. كما يخبرنا قيس الكلبي في كتابه Muhammad the Last Messenger in the Bible ==Prophet ص 128، أنّه في السنة الرابعة من حكم الامبراطور زينو (478 م) وجدت بقايا جثة برنابا، ووجد على صدره إنجيله، وأشار قيس الكلبي إلى هذا المرجع، "boland juni ,Tom 2 ,pp 054 -224 antwep 8961 =acia sanctorum: وقد نقل هذا الواقعة أيضا الباحث، العضو في المحكمة الفيدرالية الباكستانية، الحاج خواجه ناظر أحمد في كتابه" عيسى في السماء والأرض Earth ==Jesus in Heaven and "ص 256. ويذكر تولاند في كتابه) =Miscellaneous Works =نشر سنة 1747 م) ، الفصل 15، أنه قد جاء ذكر" إنجيل برنابا" في قائمة الكتب الممنوعة، في القرار الذي أصدره البابا جلاسيوس الأول سنة 492 م. وقد حرّمت قراءته قبل ذلك من طرف البابا اينوسنت سنة 465 م وقرار الكنائس الغربية سنة 382 م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وجاء ذكر" إنجيل برنابا" في أعمال أعدت بعد بعثة نبي الإسلام منها" فهرس المخطوطات" الذي أعدّه" كوتلريس" سنة 1789 م عند فهرسته لمخطوطات الملك الفرنسي. كما جاء ذكر هذا الإنجيل في ال 206 باروشين في مكتبة بودلسين بأكسفورد=Library in Oxford Manuscript of the Baroccian Collection in the Bodlusion = ويوجد جزء من ترجمة يونانية لإنجيل برنابا في متحف أثينا. ونقل الدكتور م. هـ. دورّاني في كتابه: " الإنجيل المنسي للقديس برنابا" ص 6 عن رودريك دنكرلي Roderic Dunkerly قوله: " إنّه من المعلوم أنّه كان هناك إنجيل أبو كريفي نسب إلى برنابا في القرن الخامس. " وقال الأستاذ بشير محمود في مقدمته للترجمة الأردية لإنجيل برنابا: "" لا يتفوت"، وهو ناقد باحث من ليفربول، اقتبس من الموسوعة البريطانية (الموسوعة البريطانية، المجلد 3، ص 118) أنّ إنجيل برنابا قد كتب بين 69 م- 79 م أثناء حكم الإمبراطور الروماني فسباسين". ومن أعجب العجب أنّه رغم وضوح هذه الشهادات لصالح الوجود التاريخي القديم لإنجيل لبرنابا، فإنّ البابا شنوده قد صرح في مقال في صحيفة" وطني" تحت عنوان" خرافة" إنجيل" برنابا" أنّه لا ذكر لإنجيل برنابا قبل القرن السادس عشر. والأطراف من هذه" الخرافة" اعتراضه على مصداقية إنجيل برنابا بأنّ هذا الإنجيل لا ذكر له في فهارس الكتب العربية القديمة وكتب" الفقه؟؟؟!!! " والحديث؟؟!! .. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 كما شاركه زعمه العجيب أسقف عام الدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمي في قوله في مقاله: " حقيقة الكتاب المنحول خطأ على القديس برنابا الرسول": " ... فلم يذكر لنا التقليد الكنسي، ولا أحد من آباء الكنيسة، ولا أحد من المؤرخين الكنسيين أو المدنيين أن هناك إنجيلا منسوبا إلي القديس برنابا الرسول أحد السبعين، وهي الفرية التي أخذ بعض الناس في القرن 19 على وجه الخصوص، يروجون لها من منطلق العداء للمسيح والمسيحية".. قلت: بل قولك يا إمام الدراسات القبطية اللاهوتية فرية فاقعة ودعوى من الحق آبقة.. إذ أنّه ما قرّر صدق نسبة هذا الإنجيل إلى برنابا غير المسلمين الذي اتهمهم" نيافته" بكلّ وقاحة بأنّهم ما فعلوا ذلك لا لشيء غير العداء للمسيحية .... (وانتبه) .. والعداء للمسيح؟؟؟! وصدق القائل: واعلم بأنّ من السكوت إبانة ... ومن التكلم ما يكون خبالا قال الدكتور وديع: " وكيف يرفضون أكثر من 96 إنجيلا لأجل خطأ تاريخي أو جغرافي؟؟ وأضيف أن كتاب برنابا صحيح- الا من بعض التغييرات المفتعلة والتى لا ذنب للكاتب فيها بالأدلة الآتية- هذا الكتاب يحتوى على كل ما ذكرته الأناجيل الأربعة- مجتمعة- عن المسيح، ما عدا تأليه المسيح فقط. وأسلوبه أوضح من الأناجيل، وكتب الأحداث والتعاليم بالتفصيل أكثر منها بكثير. ذكر حقائق عن المسيح عليه السلام أخطأت فيها الأناجيل الأربعة ثم جاء علماء المسيحية ليؤكدوا صحة ما جاء في برنابا وخطأ الأناجيل الأربعة ومنها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 - قال برنابا أن المسيح أرسل 72 تلميذا- في الفصل 97 بينما قال إنجيل لوقا أنهم كانوا 70 فقط وذلك في الطبعة القديمة الصادرة باسم" الكتاب المقدس"، وجاءت الطبعة الحديثة باسم" كتاب الحياة" سنة 1982 لتؤكد كلام برنابا وتنفي كلام لوقا. قال برنابا أن" سالوما" هي شقيقة" مريم" أم المسيح فصل 209 بينما قالت الأناجيل أنها قريبتها، وذكر المترجم النصراني أن علماء النصارى أكدوا صدق برنابا. ذكر برنابا- استشهاد المسيح بروايات جاءت في كتب يهودية حذفها النصارى من كتابهم المقدس عندهم من القرن الرابع بزعم عدم صحتها (فصل 50، 167) ، وفي سنة 1972 م اعترف علماء النصارى بصحة هذه الكتب وأضافوها لكتابهم تحت إسم" الأسفار القانونية". قصة الزانية الموجودة في إنجيل يوحنا ذكرها برنابا بصورة مختلفة تماما (فصل 201) . وأكد المؤرخون صدق ما قاله برنابا بالحرف وتم تصويرها في فيلم حياة المسيح كما ذكرها برنابا وليس كما ذكرها يوحنا. " قلت: جاء في إنجيل يوحنا 11: 47- 48: " فجمع رؤساء الكهنة والفريسييون مجمعا وقالوا ماذا نصنع فإنّ هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة. إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به فيأتي الرومانيون ويأخذون موضعنا وأمتنا. " وهذا غلط فإنّ الرومانيين كانوا يملكون أورشليم زمان المسيح بل ومن قبل ولادة المسيح ب 63 سنة.. فكيف يدّعي مؤلف إنجيل يوحنا أنه يخشى أن يأخذ الرومانيون أورشليم إن قتلوا المسيح!! وما علاقة الرومان بقتل المسيح؟!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 الصواب هو ما جاء في إنجيل برنابا 142: 19- 21: " ماذا يكون الثمر إذا تركنا هذا الإنسان يعيش؟ من المؤكد: أنّ الإسماعيليين يصيرون ذوي وجاهة عند الرومانيين، فيعطونهم بلادنا ملكا. وهكذا يصير إسرائيل عرضة للعبودية كما كان قديما". وهذا الكلام متناسق، إذ ترك المسيح دون قتله سيؤدي إلى إيمان أهل فلسطين بدينه وبالتالي وراثة الإسماعيليين المملكة الرابعة (الرومان) التي تحدّث عنها دانيال النبي! قال الدكتور وديع: " كما شرح برنابا كلاما ذكرته الأناجيل الأربعة بطريقة غير مفهومة مثل: أن اليهود متفوا أمام المسيح قائلين" أوصنا لابن داوود" وترجموها فيما بينهم بمعني" خلصنا" فلا يستقيم المعني" خلصنا لإبن داوود"؟؟؟ أما برنابا فقال أنهم قالوا (فصل 200) " مرحبا بابن داود". قالت الأناجيل أن المسيح قال" من قال لأبيه قربان فلا يلتزم"؟؟؟ بينما قالها برنابا (فصل 32) " إذا طلب الآباء من أبنائهم نقودا يقول الأبناء: لا إن هذه النقود نذر الله ولا يعطون لآبائهم". أيهما أوضح؟؟ كذلك ما جاء في إنجيل لوقا 14 على لسان المسيح" من لا يبغض أباه وأمه فلا يستحقني" وهذا تحريض صريح على كراهية الأب والأم بينما جاءت في برنابا في الفصل 26" ان كان أبوك وأمك عثرة لك في خدمة الله- فانبذهم" ولا تنسى فضل المترجمان النصرانيان في ترجمة كلمة فانبذهم وما شابهها- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 وان كان معناها أخف بكثير من كلمة يبغض والفارق بين الجملتين كبير جدا. برنابا صحح أحداثا تناقضت فيها الأناجيل الأربعة تناقضا كبيرا، واحتار في تفسيرها علماء النصارى، وأوضح مثال هو قصة المرأة التي بكت أمام المسيح وسكبت العطور علي قدميه (فصل 129 مع فصل 192، فصل 205) وإليك اختلافات الأناجيل الأربعة في هذه القصة: قال إنجيل متى: حدث قبل عيد الفصح بيومين في مدينة بيت عنيا عند سمعان الأبرص أن امرأة سكبت الطيب (العطر) على رأس المسيح، فاغتاظ تلاميذ المسيح منها لأن العطر كان غالى الثمن. وقال إنجيل مرقص: نفس القصة وقال إن قوما من الجالسين مع المسيح اغتاظوا من المرأة. وإنجيل لوقا: قال إنّ الحادثة وقعت قبل عيد الفصح بزمن طويل في مدينة" كفرنا هوم" عند" فريسى"، أى معلم دين كبير فجاءت امرأة خاطئة فسكبت الطيب على قدمي المسيح فاغتاظ الفريسى وقال" لو كان هذا نبيا لعلم أنها خاطئة أي يرفض أن تلمسه هكذا". وإنجيل يوحنا: قال أنها مريم أخت لعازر التى دهنت الرب بالطيب ومسحت رجليه بشعر رأسها؟؟ يعنى حدث هذا في بيت لعازر وأن يهوذا تلميذ المسيح اغتاظ لأجل ثمن الطيب الباهظ لأنه كان سارقا يسرق ما يتبرع به الناس للفقراء. واختار الصحيحة موجودة في برنابا فقال: كل علماء النصارى في الجمع بين هذه الروايات وتضاربت التفاسير، بينما القصة الصحيحة موجودة في برنابا فقال: " ان هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 المرأة المومسة هى" مريم المجدلية" وهى أخت لعازر وأن الحادثة تكررت مرتين في بيت" سمعان" الذى كان أبرصا ثم شفاه المسيح، في المرة الأولى جاءت تائبة تبكى عن زناها- فقال لها المسيح: " الرب إلهنا يغفر لكى فلا تخطىء بعد ذلك" وفي المرة الثانية سكبت الطيب على رأس المسيح وملابسه فاعترض يهوذا الذى كان عنده صندوق جمع التبرعات للفقراء لأنه كان يسرق من الصندوق. ذكر برنابا أن المسيح كان يغتسل قبل الصلاة بحسب أمر الله في توراة موسى وكان يصلى باستمرار في أوقات ثابتة (الفجر- الظهر- العشاء) ويصوم في أوقات محددة، كما ذكر أن التلاميذ كانوا دائما يصلون مع المسيح بانتظام ويصومون ويبكون متأثرين بتعاليم المسيح، وكذلك مريم أم المسيح كانت دائما تصلى لله وتبكى الفصل 209. وكانت دائما تتابع أخبار المسيح اذا سافر بعيدا عنها، كما ذكر بالتفصيل صلوات المسيح لله.. أما الأناجيل الأربعة فلم تذكر أي شيء من هذا بل ذكرت عكس ذلك مثل: أن التلاميذ يخافون من المسيح مرقس 9: 32 وأنهم لا يصلون ولا يصومون مرقص 12: 16 لدرجة أن اليهود انتقدوهم بسبب ذلك فقام المسيح بالدفاع عن تلاميذه وشتم من ينتقدهم مرقس 2: 19. ذكر برنابا تعاليما هامة للمسيح لم يذكرها أى إنجيل من الأربعة ومنها: نجاسة الخنازير (فصل 32) نجاسة عبادة الأصنام وتحريمها (فصل 33) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 - فضل شريعة الختان (فصل 22) ما هو الكبرياء (فصل 29) تعليم جميل عن الصلاة وسنة الصلاة (48، 36) أنواع عبادة الأصنام في العصر الحديث (فصل 33) من هو المرائي (فصل 45) حق الطريق والعدل (فصل 49) القضاء العادل (فصل 50) ابتلاءات الله للناس والأنبياء خاصة (99) الصدقة (125) الجحيم ودركاته (135) الجنة ودرجاتها (71) موعظة الموت والدفن (196- 198) وغيرها الكثير. هل يتخيل قارئ أن هذه الأناجيل الأربعة التي لم تذكر كلمة واحدة عن كل هذه الموضوعات الهامة وغيرها هي الصحيحة الصادقة وأن برنابا الذي ذكر كل هذه المواضيع وأكثر بالتفصيل هو الكاذب وأنه اخترعه شخص مسلم؟؟!! ومع ذلك فان المسيحيين يصدقون الأربعة ويكذبون برنابا مع 95 إنجيلا آخر بدون أن يقرأوا منهم ورقة واحدة؟؟!! تماما كما كذبوا بالقرآن الكريم بدون أن يقرؤه ويسألوا عن معانيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وهناك أدلة أخرى كثيرة جدا وتوجد دراسة مقارنة كاملة بين برنابا والأربعة مع القرآن الكريم والإسلام في أكثر من مائة صفحة-" مع الرأفة"- كلها تؤكد صحة وصدق برنابا وكذب وزيف الأربعة. والحمد الله على نعمة الإسلام والتوحيد. وأنهي كلامي بشهادة المترجم النصراني لإنجيل برنابا، خليل سعادة حيث كتب في مقدمة هذا الإنجيل عن النبي محمد صلى الله عليه وسلّم وعن صحابته الكرام عليهم رضوان الله يقول: " نهض نهضة مادت لها الجبال الراسيات، ونفخ في قومه تلك الروح التى وقف لها العالم متهيبا ذاهلا، وجرى ذكره على كل شفة ولسان، وأتى من عظائم الأمور ما كان حديث الركبان، وخلفاؤه الذين دوخوا ممالك العالم وبسطوا مجدهم عليه". " قلت: من الدلائل الأخرى التي تؤيّد مصداقية" إنجيل برنابا": عثر لإنجيل برنابا على نسختين: إيطالية وإسبانية. أما الإسبانية فقد أعارها الدكتور" هلم" من هدلي بلدة من أعمال همبشير، المستشرق سايل، ثم تناولها بعد سايل الدكتور منكهوس أحد أعضاء الكليّة الملكية في أكسفورد فنقلها إلى الإنجليزية، ثم دفع الترجمة مع الأصل سنة 1713 م إلى الدكتور هويت أحد مشاهير الأساتذة، ثم بعد ذلك طمس خبرها وانمحى أثرها. أما النسخة الإيطالية فموجودة في مكتبة بلاط فيينا. وأول من عثر عليها كريمر أحد مستشاري ملك بروسيا وكان مقيما وقتئذ في أمستردام، فأخذها سنة 1709 م من مكتبة أحد مشاهير وجهاء المدينة المذكورة فأقرضها كريمر طولند، ثم أهداها بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 ذلك بأربع سنين إلى البرنس ايوجين سافوي، ثم انتقلت النسخة المذكورة سنة 1738 م مع سائر مكتبة البرنس إلى مكتبة البلاط الملكي في فيينا حيث لا تزال هنالك. ويذكر الباحث الإسلامي أنور الجندي، رحمه الله، في كتابه" الإسلام في مواجهة الفلسفات القديمة" ص 195 أنّ العارفين يرجحون أنّ النسخة الإيطالية قد كتبت في القرن السادس باللغة الإيطالية القديمة. ينقل" سايل" أنه مذكور في النسخة الإسبانية المفقودة أنها مترجمة عن النسخة الإيطالية وفيها مقدمة عن الراهب الذي اكتشف النسخة الإيطالية، والقصة هي ما يلي: أنّ الراهب اللاتيني" فرامرينو" عثر على رسائل لإيرانيوس وفي عدادها رسالة يندد فيها ببولس وقد استند إيرانيوس فيما قاله على إنجيل برنابا. فأصبح الراهب فرامرينو منذ ذلك الحين شديد الشغف بالحصول على هذا الإنجيل وشاء الله أن أصبح حينا من الدهر مقربا من البابا" باستكس الخامس" فحدث يوما أنهما دخلا معا مكتبة البابا، فأخذت البابا سنة من نوم فأحبّ فرامرينو أن يصرف الوقت المتثاقل في المطالعة إلى حين إفاقة البابا. فكان الكتاب الأول الذي وضع يده عليه هو هذا الإنجيل. ولحاجته لقراءته ولأنّ ذاك المكان لا يتيح له هذا الأمر خبّأ هذه النسخة في ثيابه، ولبث إلى أن استفاق البابا فاستأذنه بالانصراف حاملا ذلك الكتر معه فلما خلا بنفسه طالعه بشوق عظيم فاعتنق على أثر ذلك الدين الإسلامي. يؤكد الدكتور رؤوف شلبي على رفضه ما ذكره معرّب إنجيل برنابا الدكتور خليل سعادة النصراني من أنّ إنجيل يرنابا قد كتبه يهودي اعتنق الإسلام، فقال: " ... والذي يجعلنا نرفض ما ذهب إلى افتراضه الدكتور خليل سعادة أنه هو نفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 يذكر أنّ إنجيلا مماثلا لمحتويات إنجيل برنابا كان قد ظهر قبل إنجيل برنابا هو الإنجيل الأغنسطي. يقول الدكتور خليل سعادة: " بيد أنّ هناك إنجيلا يسمى الإنجيل الأغنسطي طمست رسومه وعفت آثاره يبتدئ بمقدمة تندد بالقديس بولس وينتهي بخاتمة فيها مثل ذلك التنديد ويذكر أنّ ولادة عيسى كانت بلا ألم. ولّما كان كل ذلك في إنجيل برنابا فمن المحتمل أن يكون ذلك الإنجيل الأغنسطي أبا لإنجيل برنابا فهل الإنجيل الأغنسطي كذلك كتبه يهودي أندلسي أسلم؟ ". ويضيف الدكتور شلبي قائلا: " مادام أنّ إنجيل برنابا قد سبق بإنجيل مماثل له في المحتوى والتنديد ببولس؟ فلم لم تربط بين الإنجيليين في الموضوع بدل أن تفترض أنّ إنجيل برنابا ألفه يهودي أندلسي أسلم؟ " (د. رؤوف شلبي يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء ص ص 172- 173) . قال القسيس المهتدي إبراهيم خليل في كتابه" محمد صلى الله عليه وسلّم في التوراة والإنجيل والقرآن" ص 151 تحت عنوان" البراهين القاطعة على انتشار إنجيل برنابا قبل الإسلام" بعد ذكره لأمر البابا جلاسيوس بمنع قراءة" إنجيل برنابا": ".. ودليل ثان هو نوع الورق الذي سطرت عليه النسخة الإيطالية، الذي هو من الورق المعروف بالآثار المائية التي فيه، والتي تدلّ على تاريخ النسخة الإيطالية مما يؤكد شيوعه. " الاكتشافات الأخيرة مؤيدة لإنجيل برنابا: قال الدكتور القس" تشارلز فرنسيس بوتو" في كتابه" السنون المفقودة من حياة عيسى تكشف": إنّ إنجيلا يدعى إنجيل برنابا استبعدته الكنيسة في عهدها الأول، والمخطوطات التي اكتشفت حديثا في منطقة البحر الميت جاءت مؤيدة لهذا الإنجيل.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 وقد أفاض الباحث م. أ. يوسف في كتابه" مخطوطات البحر الميت وإنجيل برنابا والعهد الجديد Barnabas and the New Testament ==The Dead Sea Scrolls ,The Gospel of """في شرح هذا الأمر، وهو أفضل كتاب إسلامي في بابه، ومن أهم ما أشار إليه هو تطابق ما جاء في إنجيل برنابا مع ما جاء في مخطوطات إنجيل برنابا، وهو وجود مسيحان: أولهما عيسى عليه السلام وثانيهما سيأتي بعده (وهو محمد صلى الله عليه وسلّم) . أجهد البابا شنوده نفسه في محاولة هدم" إنجيل برنابا" في مقالات صحفية تكشف الأزمة الحادة التي أطبقت على قلبه وقلوب خرافه التي أحرجته بالأسئلة حول صحة هذا الإنجيل، وهي: " خرافة إنجيل برنابا" " خرافات في إنجيل برنابا" " خرافات أخرى ومبالغات عجيبة في إنجيل برنابا" " يقول أنّ الله يغار من كلّ محبة" " كتاب مملوء بالشتائم على لسان السيد المسيح" " أخطاؤه التاريخية والجغرافية" " أخطاؤه التاريخية". وهذه الردود على حالة كبيرة من الهشاشة والسطحية، كما أننا لو ألزمنا البابا أن يعتمد" قواعده" التي حاكم بها" إنجيل برنابا" في محاكمة الأناجيل الرسمية لجعلها تتفتت أمام عينيه هباء منثورا، إذ أننا نعلم يقينا وجود عدد كبير من الأخطاء العلمية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 والتاريخية ... في الأناجيل الرسمية الأربعة بل وفي جل أسفار" الكتاب المقدس" (انظر" موسوعة أخطاء الكتاب المقدس Errancy ==The Encyclopedia of Biblical "ل س. دنيس ماك كتري C.Dennis Mckinsey وهو في أكثر من 500 صفحة) .. أمّا إساءة الأدب في الحديث عن الله سبحانه فحدّث ولا حرج (الربّ المخلوق، المولود في مكان النجاسات، المتخفي في ضيعة الجثسيماني هربا من أعدائه ... - على القول أنّ الأناجيل تقرّر ألوهية المسيح! -) .. وقد كتب شنوده طاعنا في إنجيل برنابا، فقال: " السيد المسيح له المجد المعروف بالرقة العجيبة وبالرأفة والوداعة وتخير الألفاظ قبل النطق بها، يضع برنابا على لسانه ألفاظا غير لائقة، ويصوره إنسانا شتاما: يشتم الكل!، ويشتم تلاميذه القديسين، ويشتم الذين يكرمونه، ويشتم من يسأله، ومن يطلب منه الشفاء، ومن يخطئ في الحديث عن غير قصد، بل يشتم بلا سبب" قلت: ألم تقرأ يا شنودة أناجيلك.. أم تظنّ أننا لم نقرأها؟!! .. افتح الأناجيل الرسمية واقرأ: المسيح يشتم الكل: " جيل شرير خائن يطلب آية (التراجم الانجليزية كالترجمة القياسية المنقحة =The Revised Standard Version =تستعمل كلمة =adulterous =والتي معناها يوحي بالخيانة الجنسية!) (متّى 12: 39، 16: 4..) المسيح يشتم تلاميذه القديسين: فقد شتم زعيم التلاميذ واصفا إيّاه بأنه" شيطان" (متّى 16: 23) !! ووصف اثنين من تلاميذه بالغباء وبطئ القلوب في الإيمان (لوقا 24: 25) !! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 المسيح يشتم الذين يكرمونه: جاء في إنجيل لوقا 11: 37- 52" وبينما هو يتكلّم، طلب إليه أحد الفرّيسيّين أن يتغدّى عنده. فدخل (بيته) واتّكأ. ولكنّ الفرّيسيّ تعجّب لمّا رأى أنّه لم يغتسل قبل الغداء. فقال له الرّبّ: «أنتم الفرّيسيّين تنظّفون الكأس والصّحفة من الخارج، ولكنّكم من الدّاخل مملوؤون نهبا وخبثا. أيّها الأغبياء، أليس الّذي صنع الخارج قد صنع الدّاخل أيضا؟ أحرى بكم أن تتصدّقوا بما عندكم، فإذا كلّ شيء يكون طاهرا لكم. ولكن الويل لكم أيّها الفرّيسيّون فإنّكم تدفعون عشر النّعنع والسّذّاب والبقول الأخرى، وتتجاوزون عن العدل ومحبّة الله: كان يجب أن تعملوا هذا ولا تهملوا ذاك! الويل لكم أيّها الفرّيسيّون، فإنّكم تحبّون تصدّر المفاعد الأولى في المجامع وتلقّي التّحيّات في السّاحات العامّة! الويل لكم، فإنّكم تشبهون القبور المخفيّة، يمشي النّاس عليها وهم لا يعلمون! " وتكلّم أحد علماء الشّريعة، قائلا له: «يا معلّم، إنّك بقولك هذا تهيننا نحن أيضا". فقال: «والويل أيضا لكم يا علماء الشّريعة، فإنّكم تحمّلون النّاس أحمالا مرهقة، وأنتم لا تمسّونها بإصبع من أصابعكم! الويل لكم، فإنّكم تبنون قبور الأنبياء وآباؤكم قتلوهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 فأنتم إذن تشهدون موافقين على أعمال آبائكم: فهم قتلوا الأنبياء، وأنتم تبنون قبورهم. لهذا السّبب أيضا قالت حكمة الله: سأرسل إليهم أنبياء ورسلا، فيقتلون منهم ويضطهدون، حتّى إنّ دماء جميع الأنبياء المسفوكة منذ تأسيس العالم، يطالب بها هذا الجيل، من دم هابيل إلى دم زكريّا الّذي قتل بين المذبح والقدس! أقول لكم: نعم، إنّ تلك الدّماء يطالب بها هذا الجيل. الويل لكم يا علماء الشّريعة، فإنّكم خطفتم مفتاح المعرفة، فلا أنتم دخلتم ولا تركتم الدّاخلين يدخلون! " المسيح يشتم من يسأله: " تقدم إليه رجل جاثيا له، وقائلا: يا سيد ارحم ابني، فإنه يصرع ويتألم شديدا. ويقع كثيرا في النار، وكثيرا في الماء. وأحضرته إلى تلاميذك فلم يقدروا أن يشفوه. فأجاب يسوع وقال: أيها الجيل غير المؤمن الملتوي. إلى متى أكون معكم. إلى متى احتملكم. قدموه إليّ ههنا. فانتهره يسوع فخرج منه الشيطان، فشفي الغلام" (متى 14: 17- 16) . المسيح يشتم من يطلب منه الشفاء: فقد قال للمرأة التي طلبت منه أن يشفي ابنتها: " ليس من الصواب أن يؤخذ خبز البنين ويطرح لجراء الكلاب" (متّى 15: 26، مرقس 7: 28) . المسيح يشتم من يخطئ في الحديث ولو عن غير قصد: كان المسيح كثيرا ما يتحدّث إلى تلاميذه بالرموز التي كان يستعصي فهمها على التلاميذ، ومع ذلك كان يوبّخهم رغم أنّه كان بإمكانه أن يبسّط لهم القول ليتّضح لهم معنى المقال.. اقرأ مثلا إنجيل متّى 15: 10- 16: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 " ثمّ دعا الجمع إليه وقال لهم: «اسمعوا وافهموا: ليس ما يدخل الفم ينجّس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هو الّذي ينجّس الإنسان". فتقدّم إليه تلاميذه وقالوا له: " أتعلم أنّ هذا القول قد أثار استياء الفرّيسيّين؟ " فأجابهم: " كلّ غرسة لم يغرسها أبي السّماويّ، لا بدّ أن تقلع. " دعوهم وشأنهم، فهم عميان يقودون عميانا. وإذا كان الأعمى يقود أعمى، يسقطان معا في حفرة". وقال له بطرس: " فسّر لنا ذاك المثل! " فأجاب: " وهل أنتم أيضا بلا فهم؟ ". المسيح يشتم من غير سبب: فقد" لعن" شجرة التين لمّا لم يجد فيها ثمرا لأنه لم يحن وقت الإثمار (متّى 21: 9، مرقس 11: 21) ؟!! بل إنّ المسيح يقتل من غير سبب، فقد جاء في سفر الرؤيا 2: 21- 23 أنّ المسيح قد قال عن إمرأة اسمها إيزابيل كانت تدعي أنها نبية: " وقد أمهلتها مدة لتتوب تاركة زناها، ولكنها لم تتب. فإنني سألقيها على فراش، وأبتلي الزانين معها بفتنة شديدة ... سأبيد أولادها بالموت" فما ذنب أولاد هذه الخاطئة!!!؟ وخذ أخرى: المسيح يشتم الرسل والنبيين: " جميع الذين جاؤوا قبلي كانوا لصوصا وسراقا، ولكن الخراف لم تسمع إليهم. " (يوحنا 10: 8) وقد قال لاردنر في كتابه" أعمال أركلاس" في بيان عقيدة فرقة" ماني كيز": " خدع الشيطان أنبياء اليهود، والشيطان كلم موسى وأنبياء اليهود وكانت تتمسك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 بالعدد الثامن من الفصل العاشر من إنجيل يوحنا بأن المسيح قال لهم سراق ولصوص"!!! وقال فيلسوف" الدعوة التنصيرية المعاصرة" في العالم العربي" عوض سمعان": " ومهما كانت عظمة موسى فإنه لولا نعمة المسيح له، لكان قد هلك واستحق عقابا أبديا على خطيئته. "!!! وقال البابا شنودة في محاضرة بعنوان" رسل المسيح أقوياء" (28- 5- 2003 م) بالحرف: ".. طبعا كلّ الذين ماتوا قبل الفداء قبل صليب المسيح كانوا بيذهبوا للجحيم" وأضاف مخففا حدّة الصدمة: " والجحيم يعني مكان انتظار وليس مكان عذاب".. قلت: وهل في رمي الأنبياء على جمر الهلع في الجحيم في انتظار المخلّص الذي سينتزعهم منها، شيء من الرحمة! ولا تثريب على يسوع المسيح الكنسي وصاحب أعمال أركلاس وعوض سمعان.. لا تثريب عليهم، فقد جاء قبلهم في سفر إرمياء 29: 8- 9: " لا تغشّكم أنبياؤكم الّذين في وسطكم وعرّافوكم ولا تسمعوا لأحلامكم الّتي تتحلّمونها. لأنّهم إنّما يتنبّأون لكم باسمي بالكذب. أنا لم أرسلهم يقول الربّ. " ولقد حقّ للمؤرخ وال ديرانت أن يقول: " إن الإنسان ليجد في الأناجيل فقرات قاسية مريرة لا توائم قط ما يقال لنا عن المسيح في مواضع أخرى إن بعضها يبدو لأول وهلة مجانبا العدالة، وإن منها ما يشتمل على السخرية اللاذعة والحقد المرير ... ". وخذ أخرى: المسيح يصف غير المؤمنين بأنهم كلاب وخنازير، فقد جاء في إنجيل متّى 7: 6: " لا تعطوا القدس للكلاب ولا تطرحوا درركم قدّام الخنازير"!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 ولا عجب بعد كلّ هذه" المناقب" المفتراة على المسيح أن نقرأ قول بولس في الرسالة إلى فيلبي 3: 2: " انظروا الكلاب، انظروا فعلة الشرّ"!!! ملاحظة أخيرة على اعتراضات شنودة وهي أنّ الترجمة العربية لإنجيل برنابا التي أعدها نصراني عربي، قد أثقلها التشويه والتبديل فلا يصح الاعتماد عليها لنقد تفاصيل معينة فيها. كما أنّه لا يعقل أن نجعل البابا شنودة قبلة لنا لمعرفة الحق من الباطل، رغم أنّه قال لنا في رسالته المطبوعة" بين القرآن والمسيحية" ص 4: ".. ولم يقتصر القرآن على الأمر بحسن مجادلة أهل الكتاب، بل أكثر من هذا، وضع القرآن النصارى في مركز الإفتاء في الدين.." أي أنّ القرآن يأمر المسلمين أن يأخذوا الفتوى في دينهم من" شيخ الإسلام"، " مفتي الديار"، الإمام الحافظ، والبحر اللافظ، المفوّه المنطيق، والآخذ بأنواع الترصيف والتطبيق: أبونا شنودة!! الملاحظة الأخيرة التي نسوقها في هذا الفصل هي أنّ عوض سمعان جعل مقدمة كتابه" إنجيل برنابا في ضوء التاريخ والعقل والدين" قوله: " يعتقد بعض الناس أن إنجيل المسيحيين أصابه التحريف منذ زمن بعيد، وأن الإنجيل الحقيقي هو المسمى: إنجيل برنابا. فيجب الاعتماد على إنجيل برنابا دون إنجيل المسيحيين. ولما كان هذا الاتهام خطيرا، فقد درس الكاتب الإنجيلين، وقارن بين المعتقدات الواردة فيهما، وبين ما استطاع العثور عليه من محتويات الكتب الدينية والأدبية والتاريخية التي أشارت إلى شيء من المعتقدات المذكورة. فأسفرت الدراسة والمقارنة عن إصدار هذا الكتاب. وهو إذ يقدّمه للقراء، يرجو الله أن يستخدمه لإعلان إنجيله الحقيقي، لأجل مجده وخير نفوسهم العزيزة". قلت: ينهى عن طباع السوء صبحا ... ويأتي بالإساءة في الغروب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 يعلّم غيره طرق المعالي ... وتجذبه النقيصة للعيوب هذه شهادة زور بنيت على باطل، وما بني على باطل فهو باطل، إذ أنّ" الناس" الذين هم طبعا" أهل الإسلام" لا يدّعون أنّ" إنجيل برنابا" هو إنجيل المسيح الذي جاء ذكره في القرآن، بل عندهم" إنجيل برنابا" هو ببساطة إنجيل كتبه" برنابا" أما" إنجيل المسيح" فهو كتاب نزل على المسيح من عند الله سبحانه.. فكتاب برنابا تأريخ لدعوة المسيح وتعاليمه ويصدق عليه ما يصدق على الكتابات البشرية من نقص ووهم، والمهم هو لبّ المضمون والخطوط العريضة فيه.. ولا يصدق عليه النقد الموجه لكتاب يزعم أنه وحي من عند الله سبحانه! والله يهدي إلى الحق! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 من البشارات بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلّم في إنجيل برنابا من الفصل الثاني والأربعون وهى سورة البشرى: قالوا: إذا لم تكن مسيّا ولا إيليا فلماذا تبشر بتعليم جديد وتجعل نفسك أعظم شأنا من مسيّا؟ أجاب يسوع: إن الآيات التى يفعلها الله على يدي تظهر أنى أتكلّم بما يريد الله. ولست أحسب نفسي نظير الذي تقولون عنه. لأني لست أهلا أن أحل رباطات سيور حذاء رسول الله. أي الذي تسمّونه مسيّا. الذي خلق قبلي وسيأتي بعدى. وسيأتي بكلام الحق. ولا يكون لدينه نهاية. من الفصل السابع عشر وهى سورة الإخلاص: قال فيليبس (وهو أحد الحواريين) لعيسى عليه السلام: ماذا تقول يا سيد حقا لقد كتب في أشعيا أن الله أبونا فكيف لا يكون له بنون؟ أجاب يسوع أنّه في الأنبياء مكتوب أمثال كثيرة لا يجب أن تأخذها بالحرف بل بالمعنى. لأن كل الأنبياء البالغين مئة وأربعة وأربعين ألفا الذين أرسلهم الله إلى العالم قد تكلّموا بالمعميات بظلام. ولكن سيأتي بعد بهاء كل الأنبياء والأطهار. فيشرق نورا على ظلمات سائر ما قال الأنبياء. لأنه رسول الله. ولما قال هذا تنهّد يسوع وقال: ترأف بإسرائيل أيها الرب الإله. وانظر بشفقة على إبراهيم وعلى ذريّته لكى يخدموك بإخلاص قلب. فأجاب التلاميذ: ليكن كذلك الرب الإله. من الفصل السادس والثلاثين وهى سورة ترك الصلوات: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 قال يسوع: ولكن الإنسان وقد جاء الأنبياء كلّهم إلا رسول الله، الذى سيأتى بعدى لأن الله يريد ذلك حتى أهيء طريقه، يعيش بإهمال بدون خوف كأنه لا يوجد إله. مع أن له أمثلة لا عداد لها على عدل الله. فعن مثل هؤلاء قال داوود النبي: قال الجاهل في قلبه ليس إله لذلك كانوا فاسدين وأمسوا رجسا دون أن يكون فيهم واحد يفعل صلاحا. من الفصل الثالث والأربعون وهى سورة خلق رسول الله حينئذ قال أندراوس: لقد حدّثتنا بأشياء كثيرة عن مسيّا، فتكرم بالتصريح لنا بكل شيء. فأجاب يسوع: كل من يعمل فإنما يعمل لغاية يجد فيها غنى. لذلك لأقول لكم أن الله لما كان بالحقيقة كاملا. لم يكن بحاجة إلى غنى. لأن الغنى عنده نفسه. وهكذا لّما أراد الله أن يعمل. خلق نفس رسوله قبل كل شيء. الذى لأجله قصد إلى خلق الكل. لكى تجد الخلائق فرحا وبركة بالله. ويسرّ رسوله بكل خلائقه التى قدر أن تكون عبيدا. ولماذا وهل كان هذا هكذا إلا لأن الله أراد ذلك؟ الحق أقول لكم إن كل نبى متى جاء فإنه إنما يحمل علامة رحمة الله لأمة واحدة فقط. ولذلك لم يتجاوز كلامهم الشعب الذى أرسل إليهم. ولكن رسول الله متى جاء. يعطيه الله ما هو بمثابة خاتم. فيحمل خلاصا ورحمة لأمم الأرض الذين يقبلون تعليمه. وسيأتى بقوة على الظالمين. ويبيد عبادة الأصنام بحيث يخزى الشيطان. لأنّه هكذا وعد الله إبراهيم قائلا: " أنظر فإنى بنسلك أبارك كل قبائل الأرض وكما حطّمت يا إبراهيم الأصنام تحطيما هكذا سيفعل نسلك". أجاب يعقوب: يا معلّم قل لنا مع من صنع هذا العهد؟ فإن اليهود يقولون بإسحاق والاسماعليون يقولون بإسماعيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 أجاب يسوع: إبن من كان داوود ومن أى ذرّية؟ أجاب يعقوب: من إسحاق لأن إسحاق كان أبو يعقوب ويعقوب كان أبو يهوذا الذى من ذريّته داوود. فأجاب يسوع: لا تغشّوا أنفسكم. لأن داوود يدعوه في الروح ربّا قائلا هكذا: " قال الله لربّى إجلس عن يمينى حتى أجعل أعداؤك موطئا لقدميك. يرسل الرب قضيبك الذى سيكون ذا سلطان في وسط أعدائك". فإذا كان رسول الله الذى تسمونه مسيّا إبن داوود فكيف يسمّيه ربا؟ صدقونى لأنى أقول لكم الحق أن العهد صنع بإسماعيل لا بإسحاق. الفصل الرابع والأربعون من سورة محمد رسول الله: حينئذ قال التلاميذ: يا معلّم هكذا كتب في كتاب موسى أن العهد صنع بإسحاق. أجاب يسوع متأوّها: هذا هو المكتوب. ولكن موسى لم يكتبه ولا يسوع. بل أحبارنا الذين لا يخافون الله. الحق أقول لكم إنكم إذا أعملتم النظر في كلام الملاك جبريل تعلمون كذب كتبتنا وفقهاؤنا. لأن الملاك قال: يا إبراهيم سيعلم العالم كلّه كيف يحبك الله. ولكن كيف يعلم العالم محبّتك لله؟. حقا يجب عليك أن تفعل شيئا لأجل محبة الله. أجاب إبراهيم: ها هو ذا عبد الله مستعد أن يفعل كل ما يريد الله. فكلّم الله حينئذ إبراهيم قائلا: " خذ إبنك بكرك إسماعيل واصعد الجبل لتقدّمه ذبيحة". فكيف يكون إسحاق البكر وهو لّما ولد وكان إسماعيل ابن سبع سنين؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 فقال حينئذ التلاميذ: إن خداع الفقهاء لجلىّ. لذلك قل لنا أنت الحق لأننا نعلم أنّك مرسل من الله. فأجاب حينئذ يسوع: الحق أقول لكم إن الشيطان يحاول دائما إبطال شريعة الله. فلذلك قد نجّس هو وأتباعه والمراؤون وصانعوا الشر كل شيء اليوم. الأوّلون بالتعليم الكاذب والآخرون بمعيشة الخلاعة. حتى لا يكاد يوجد الحق تقريبا. ويل للمرائين لأن مدح هذا العالم سينقلب عليهم إدانة وعذابا في الحجيم. لذلك أقول لكم إن رسول الله بهاء يسرّ كل ما صنع الله تقريبا. لأنّه مزدان بروح الفهم والمشورة. روح الحكمة والقوّة. روح الخوف والمحبة. روح التبصر والاعتدال. مزدان بروح المحبة والرحمة. روح العدل والتقوى. روح اللطف والصبر التي أخذ منها من الله ثلاثة أضعاف ما أعطى لسائر خلقه. ما أسعد الزمن الذي سيأتي فيه إلى العالم. صدّقوني إني رأيته وقدّمت له الاحترام كما رآه كل نبي. لأن الله يعطيهم روحه نبوة. ولّما رأيته امتلأت عزاء قائلا: " يا محمد ليكن الله وليجعلني أهلا أن أحل سير حذائك". لأني إذا قلت هذا صرت نبيا عظيما وقدّوس الله. ثم قال يسوع: " إنّه سرّ الله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 محمّد صلى الله عليه وسلم في أسفار الهندوس والصابئة والبوذيين والمجوس " وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ" (الشعراء 196) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 نختم رحلتنا، إن شاء الله، في عالم البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم، في أسفار الهندوس والصابئة والبوذيين والمجوس ... ونحن نعلم سلفا أنّ هناك من سيسأل هنا عن بحثنا عن نبوءات بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلّم في أسفار غير اليهود والنصارى ممن لم يصرّح القرآن بأنهم أتباع لنبي أو رسول يوحى إليه من الله سبحانه. والإجابة هي أنّ القرآن لم يصرّح بأسماء جميع الأنبياء، فعدم ذكر اسم رجل معيّن في القرآن أو السنة في قائمة الأنبياء أو الرسل لا ينفي كونه نبي أو رسول. فقد جاء في سورة فاطر 24 قول الحق سبحانه: " وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ". وجاء في تفسيرها عند الإمام ابن كثير: ".. وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ"، أي وما من أمة خلت من بني آدم إلا وقد بعث الله تعالى إليهم النذر وأزاح عنهم العلل والآيات في هذه كثيرة". وجاء في تفسير الإمام القرطبي: ".. وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ" أي سلف فيها نبي. قال ابن جريج إلا العرب. " وقد رجّح طائفة من أهل العلم والتحقيق كون الهندوس والصابئة والبوذيين والمجوس هم من أهل الكتاب، خاصة علماؤنا في شبه القارة الهندية الذين لهم باع وعمق نظر في دراسة الأديان الشرقية. وقد فصّل السيد أخلاق حسين الدهلوي في مقاله" أضواء على كتب الفيدا وما يتعلق بها"- نشره في مجلة" ثقافة الهند" للمجلس الهندي للعلاقات الثقافية، آزاد بوان نيودلهي المجلد 40، العدد 3- 4- استدلالات العلماء المسلمين في شبه القارة الهندية في هذا الشأن بما يثبت أنّ الهندوس أهل كتاب، من ذلك التشابه اللفظي الكبير بين أسماء الشخصيات المقدسة في ديانة الهندوس وأسماء جاء ذكرها في القرآن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 والسنة تخص الأنبياء والملائكة، بل لقد جاء ذكر اسم الجلالة" الله" في كتب القوم: رج فيدا 9: 67: 30 و 3: 30: 10. وذكر هذا الباحث أنّه" من المتعارف عليه بين الهندوس المختصين في دراسة الأسفار المقدسة أنّ كتب الفيدا تدعوا إلى ديانة توحيدية. " أما فيما يتعلق بالمجوس فقد قال الإمام ابن حزم الأندلسي في مؤلفه الموسوعي" الفصل بين الأهواء والملل والنحل" الجزء الأول ص 196: " أما زرادشت فقد قال كثير من المسلمين بنبوته، وليست النبوة بمدفوعة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن صحّت عنه معجزة. قال الله عزّ وجلّ: " وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ" (النساء 163) . وأضاف في الصفحتين 197- 198: " وممن قال: إنّ المجوس أهل كتاب، علي بن أبي طالب. وحذيفة رضي الله عنهما، وسعيد بن المسيب، وقتادة، وأبو ثور، وجمهور أصحاب أهل الظاهر. وقد بيّنا البراهين الموجبة لصحة هذا القول في كتابنا المسمى" الإيصال" ( ... ) ، ويكفي في ذلك صحة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية منهم وقد حرّم الله عزّ وجل في نص القرآن في آخر سورة نزلت منه وهي" براءة" أن تؤخذ الجزية من غير الكتابي. " أما الشهرستاني فقد قال في كتابه الموسوعي" الملل والنحل": " وكان" دينه" (أي زرادشت) عبادة الله وحده، والكفر بالشيطان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واجتناب الخبائث. " وينسب دين الصابئة إلى يحي عليه السلام، المعروف عند النصارى بيوحنا المعمدان، والذي لا شكّ في أنّه نبي مرسل من عند الله سبحانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 وفيما يخصّ البوذيين فقد أشار إلى سماوية هذا الدين بعض من درس البوذية من المسلمين الهنود. وأنت إذا قرأت البشارات بنبي الإسلام في كتب القوم فإنك تميل إلى قول من يرون أنهم من أهل الكتاب، وأنّ أصل دينهم سماوي. وهاك طائفة من هذه البشارات ننقلها من مجموعة بحوث قيّمة مؤيّدة بصدق الترجمة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 البشارة في كتب الهندوس كتب العديد من علمائنا في موضوع البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلّم في كتب الهندوس. وفصّلوا الحديث فيها من خلال الرجوع إلى المصادر الأصلية ودراستها في ضوء قواعد اللغات القديمة والحقائق التاريخية والمعتقدات الدينية للهندوس. والأمر يحتاج إلى مؤلّف مستقل للحديث عن هذا الأمر بالتفصيل والردّ على اعتراضات الهندوس، ولكن في هذا المقام سنكتفي بذكر بضع بشارات في كتب القوم لا تحتاج إلى كثير شرح لوضوحها، وما تركنا أكثر مما ذكرنا: * ذكر عبد الحق فديارتي في كتابه" محمد في الأسفار العالمية" أنّ اسم الرسول العربي" أحمد" مكتوب بلفظه العربي في" السامافيدا" من كتب البراهمة، وقد ورد في الفقرة السادسة والفقرة الثامنة من الجزء الثاني ونصها أنّ" أحمد تلقى الشريعة من ربّه وهي مملوءة بالحكمة. وقد قبست منه النور كما يقبس من الشمس" النص باللغة السنسكريتية: وردّ فديارتي على المفسرين البرهميين، فنقل عن أحدهم" سينا أشاريا" أنه وقف عند كلمة" أحمد" فالتمس لها معنى هنديا وركب منها ثلاثة مقاطع وهي" اهم" و" آت" و" هي".. وقد حاول أن يجعلها تفيد" إنني وحدي تلقيت الحكمة من أبي" ليكون الحديث منسوبا إلى البرهمي" فاتزا كانفا" من أسرة كنفا، ولكن كما يؤكد ذلك فديارتي، لا يصدق هذا القول على فاتزا لأنه ليس وحده من تلقّى الحكمة من أبيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 وقال البروفسور أشيت كومار بندهوبدهايايا bandhopaddhayaya ashit kumar المدير السابق لأكاديمية اللغة السنكرسيتية في بحثه تحت عنوان" محمد في كتب الفيدا والمهبهراتا and the Mahabharata ==Muhammad in the Vedas "ص 119- 120 (ضمن كتاب" محمد في كتب الفيدا والبورانا") إنّ الترجمة الصحيحة لهذا النصّ هي" أحمدي (أي أحمد) تلقّى سفرا إلهيا". وأضاف انّ أهمية هذه البشارة تظهر في أنها تكرّرت أربع مرات في كتب الفيدا: في سام فيدا مقطع إندرا، الفصل 3، منترا 152- سام فيدا أوتررشيك، منترا 1500- ريج فيدا 8: 6: 10- أثارفا فيدا 20: 9: 19، منترا 1. وقد ترجم هذا النص أكثر من ترجمة، كترجمة رامش دوتّا وترجمة بريتوش ذكور وهما ترجمتان غير متطابقتان، واختار سري بيجان بيهاري جوسوامي عند ترجمته للأثارفا فيدا ألا يترجم هذا العدد ويتركه كما هو مما يدلّ على أنّ معناه غير ما زعم سينا أشاريا وأنّ وراءه سرا عظيما. وأثبت البروفسور أشيت أنّ" الأحمد" في هذا النص هو نبي الإسلام ومما استدلّ به لإثبات هذا الأمر: المتحدث في هذا النص هو" كمبا" (ربما يقصد" كانفا" الذي ذكره البحّاثة فديارتي) ، وهو من الشخصيات الدينية في الديانة الهندوسية، ومن المعلوم وجود عدد كبير من الشخصيات الدينية التي بلغت مقاما كالذي بلغه" كمبا"، وبالتالي فتخصيص الحديث هنا عن" كمبا" بالذات لا حجة تعضده. إذ لا يمكن القول إنّ جميع الشخصيات الدينية الهندوسية الأخرى قد حرمت هذه العطية من" إندرا" ولم يؤتها إلا" كمبا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 - القول إنّ" كمبا" هو الابن الوحيد لإندرا (الإله) ، أو الابن الوحيد المتلقي الحكمة من إندرا لا أساس تاريخي له. كلمة" أحمدي" اسم علم، وليست كلمة سنسكريتية. * نقل الباحث قيس الكلبي في كتابه" محمد خاتم الرسل في التوراة والإنجيل" (الترجمة العربية، 89) هذه النبوءة من كتاب جيراز بهوي Jairaz Bhoy =محمد رحمة لكلّ الأمم 19371.G.London W =Muhammad Mercy to all the Nation =عن سفر أثارفا فيدا، كندا 20، سوكيا 127، مانثرا 1- 2: " استمعوا أيها الناس بكلّ شغف، الرجل صاحب الحمد (أي محمد) الذي يبعث بين الناس، سنجير هذا المهاجر (لنحميه) من ستين ألفا وتسعين عدوا محمولين على عشرين جمل هذه الأجمال التي تضرب لكل شرف حتى تتصل إلى السماء. هو يعطي إلى مانه رشي مئة ذهبية نقدية وعشر حلقات وثلاثمائة جواد عربي وعشرة آلاف بقرة. " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 * أشار السيد أخلاق حسين الدهلوي، في مقاله السابق الذكر" أضواء على كتب الفيدا وما يتعلق بها"، عند حديثه عن الأسفار المقدسة عند الهندوس أنّ" رك فيدا" يضم نبوءات عن بعثة نبي آخر الزمان محمد صلى الله عليه وسلم. ويرى أيضا أنّ" سام فيدا" يضم تنبأ ببعثة نبي آخر الزمان نبي الإسلام، وأشار إلى هامش ذكر فيه قوله: " انظر" يوروارجك" الفقرة 3 الدرس 10 الرقية 1". كما أشار إلى أنّ" أثر فيدا" يضم عدة نبوءات عن نبينا. ومما ذكره السيد أخلاق حسين الدهلوي عن سفر" أثر فيدا" قوله: " هذا الكتاب الحكيم الحافل بالقيم الدينية الغالية من تأليف العالم العارف" منى بياس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 ديو" وهو في الحقيقة لباب الكتب الثلاثة الأولى التي تسمّى ب" تريّة ودّيا" أي العلوم الثلاثة، ودليل ناطق حيّ على وعي العالم" منى بياس ديو" الديني ونظرته الثاقبة الخبيرة وبصيرته الباطنية النفاذة. ألفه" منى بياس ديو" في ضوء الكتب الثلاثة الأولى (المقدسة عند الهندوس: " رك فيدا" و" يجر فيدا" و" سام فيدا") على إلهام من الله، وأضاف إليها إضافات نادرة ومعلومات ثمينة. وهو كتاب محيّر عجيب زاخر بمعلومات قيمة ( ... ) كان العالم" منى بياس ديو" قد ورث المذاق العلمي عن أبيه، فقد كان أبوه" بارس رائ" المعروف ب" براسر" عالما كبيرا، يعتبر أول عالم فلكي بارع. ورغم أنّ تاريخ حياة العالم" منى بياس ديو" أصبح أسطورة من الأساطير بحكم تقلبات الدهر وخطوبه، لكن من المسلم به أنه كان عالما وعارفا جليل الشأن قبل ألف وخمسمائة عام من ميلاد المسيح، يعتقده الهندوس من زعمائهم الروحيين، وكان متضلعا في علوم" الفيدا" (قلت: العهدة على السيد أخلاق) تضلعا كاملا، بارعا في تاريخ الملل القديمة ( ... ) . من معجزات بصيرة" منى بياس ديو" الإيمانية أنه انتخب من كتب الفيدا الثلاثة عدة نبوءات عن نبي آخر الزمان محمد صلى الله عليه وسلّم على إلهام من الله وزيّن بها كتابه" أثرون فيدا" المقدس. والجدير بالذكر أنّ هذه التنبؤات عجيبة محيرة للغاية، تجلوا البصيرة وتجدر بالدراسة للهندوس والمسلمين كليهما، لأنّ مثل هذه التنبؤات الصريحة الشاملة لا توجد في صحيفة سماوية أخرى، وسوف نقدمها بمشيئة الله في مناسبة أخرى.. وقد أدرج" منى بياس ديو" خلاصتها ومغزاها في تأليفه الثاني المسمى ب" راهنسك رام بوثى" بإيجاز ودقة بالغين، وترجمها" جوسائين تلسى داس" إلى اللغة الأردية الشرقية، ننقل هنا عدة جمل منها مترجمة إلى العربية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 لن ادّخر هنا حديثا (أي أبوح بكل سرّ وحديث) وأفصح عن كل ما جاء في كتب برانا بالصدق والضبط. ستتم الرسالة إلى عشرة آلاف سنة ثم لا يكرم بها أحد بعد ذلك يكون في بلاد العرب نجم لامع متألق وتكون تلك الأرض (أرض العرب) جليلة الشأن يظهر على يديه أمور أمور لم تحدث قبل (أي معجزات) ويكون هو حبيب الله، جوّادا سخيا ويلمع في الليل الحالك الظلام مثل الشموس الأربعة. " وأشار السيد أخلاق في الهامش بعد هذا النقل إلى: توضيح العقائد: نقلا عن حاشية كتاب" راهنسك رام بوثي" تأليف منى بياس ديو. تحشية: تلسي داس كوشائين. قلت: قد نقل هذه البشارة، أيضا، حكيم سيد محمود في كتابه Islam in Ancient Scriptures =Elia and: ص ص 17- 19. * قال الباحث مشعل بن عبد الله في كتابه، الذي يعتبر درّة بين المؤلفات الإسلامية الإنجليزية، " ماذا قال عيسى حقا =Really Say =What Did Jesus "؟ ص 400 إنه قد جاء في أحد الكتب الهندوسية" بهافيشا بورانا بارف 3، كند 3، أدهيا 3، شالوك 5- 8": " رجل أمّي موصوف بأنه معلّم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 محمد اسمه، أتى مع أصحابه. ( ... ) يا ساكن بلاد العرب وربّ (أي سيد) المقدّسين، لك أقدّم كل حبّي، يا من وجدت عدة طرق ووسائط لإهلاك شياطين هذا العالم. يا طاهر بين الأميين، يا معصوم، روح الحق والمعلم المطلق، لك أقدم كل حبّي، اقبلني عند قدميك. " ويكمل" فديارتي" ترجمة بقية النص فإذا فيه ذكر اسم نبي الإسلام صلى الله عليه السلام مرة أخرى بوصفه قائد الفرقة الناجية من العذاب والضلال كما جاء فيه قول الربّ: " من سيتبعني هو رجل مختون (فهو إذن أجنبي عن الهند) ، ليس له ذيل (على رأسه، والهندوس يطلقون شعورهم) ، ملتح، صانع ثورة، معلنا للدعوة إلى الصلاة. وسيكون آكلا للأشياء المباحة (الحلال) . سيأكل جميع أنواع الحيوانات إلا الخنزير (وقد جاء في العدد 10 من بورانا الجزء 3 الفصل 16 أنّ الرجل المنتظر المسمّى" كلكي" سوف يبيح جميع الخضروات والفواكه، كما سيبيح أكل اللحم الطازج) . لن يسعوا إلى التطهر عن طرق الشجيرات المقدّسة (كما هي عادة الهندوس، وهي الدرباء) ولكن سيطهّرون بالحرب (أي الجهاد: فقد صح الخبر عن المقداد بن معديكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنّه قال: للشهيد عند الله ستّ خصال يغفر له في أول دفعة من دمه ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويحلّى حلّة الإيمان ويزوج من الحور العين ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه) سوف يعرفون ب" مسلمون" بسبب محاربتهم للأمم غير المتدينة. سأكون مؤسس دين من يأكلون اللحم (من أبرز صفات الهندوس أنهم لا يأكلون اللحم) . " وقد نقل شيئا من هذه النبوءة غير واحد من الباحثين من هؤلاء جيرز بوهي في كتابه" محمد رحمة لكل الأمم" في ما نقله عنه الباحث قيس الكلبي في كتابه" محمد خاتم الرسل في التوراة والإنجيل" (الترجمة العربية ص 88) . - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 بداية هذه النبوءة، وهي تضم اسم نبي الإسلام باللغة السنسكريتية: إنها صفات دقيقة مفصلة لا يمكن أن تنطبق إلا على المسلمين ونبيهم صلوات الله عليه وسلّم!!! النبوءة كاملة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 * جاء في ريج فيدا 1: 53: 9 أنّ" سشرافاه" (محمّد) سيتكالب عليه أعدؤه، لكنّ الله سيحميه، هو و" تورفيان"، وسيجعل من أتباعه: " كوتز" و" أتيثيغفا" و" أيوم". قال سيناشاريا، أحد القدماء الذين علّقوا على الفيدا، إنّ كلمة" تورفيان" تعني" سريع". وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه سريعا في تلبية نداء الإيمان، سريعا في تصديق ما يخبر به محمد صلى الله عليه وسلّم دون تردد أو تلعثم، ولذلك سمّي بالصديق، وممّا يؤكد أنّ هذه البشارة متعلقة به أنّها تحدّثت عن حماية ال" سشرافاه" وال" تورفيان"، وهو ما جاء نصا في قوله تعالى: " إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم. " (سورة التوبة 40) فقد حمى الله سبحنه نبيّه صلى الله عليه وسلّم وصاحبه من مكر الأعداء وإجرامهم. تعني كلمة" كوتز": الذي يفرق بين الحق والباطل، والذي يهزم الأعداء ويمزّق جمعهم، وكان علي رضي الله عنه هذا الرجل، فهو حيدرة، ليث الوغى الذي نصر الله به الأمة في أحلك الظروف. تعني كلمة" أتيثيغفا": إكرام الضعفاء وذوي الحاجات، وكان عثمان بن عفان هذا الرجل السخي، الذي جهّز جيش العسرة، رضي الله عنه. تعني كلمة" أيوم": " عمر. =age =" * بين يديّ الآن كتاب قيّم في هذا الباب باللغة الإنجليزية عنوانه Muhammed in the Vedas and the Puranas =": محمد في كتب الفيدا والبورانا" وهو من تأليف" الدكتور فيد براكاش أوبادهايايا" = Dr Ved الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 =ayayahddapU hsakarP ، وقد ترجمة البروفسور" أشيت كومار" من اللغة الهندية إلى اللغة البنغالية، ثم نقله الدكتور" غوري بهاتّشاريا" إلى الانجليزية. والكتاب هو في الأصل: ثلاثة كتب للدكتور" فيد باركاش" وكتاب رابع من تأليف الدكتور" أشيت كومار" وملحق وخاتمة كتبهما مترجم الكتاب إلى اللغة الإنجليزية، وهذه الكتابات مضمنة في الترجمة الإنجليزية دون حذف، وتتكون هذه الطبعة من 167 صفحة دسمة، (نشر. (N.S.Noordeen الكتاب دراسة صارمة في النصوص وتتبع النبوءات المتفرقة في الكتب الهندوسية المقدسة الكثيرة الصفحات وكذلك الكتب البوذية والنصرانية. أثبت المؤلف في هذا الفصل الأول أنّ كلمة" نارشنغزا"- وهي اسم المبشّر به في الكتب الهندوسية- تعني" محمد" إذ هي كما يقول تتكون من جزئين" نار" أي" رجل، إنسان" و" آشنجزا" أي" محمّد، محمود". وأثبت أنّ هذا اللفظ لا يمكن أن يطلق على غير إنسان: ملك، روح.. وقد جاء التمجيد لك" نارشنغزا" في كثير من كتب الفيدا: ريج فيدا: 1: 13: 3، 1: 18: 9، 106: 1: 4، 1: 142: 3، 2: 3: 2، 3: 29: 11، 5: 5: 2، 7: 2: 2، 10: 64: 3، 10: 182: 2، 19: 70: 2. سام فيدا منترا رقم 1349 ياجر فيدا (لامع) 29: 27 ياجر فيدا (غامق) 1: 6: 4 و 1: 7: 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 وجاء وصف" نارشنغزا" في آثر فيدا 20: 127: 2 بأنه سيكون راكبا للجمل، مع العلم أنّ الجمل ما كان هو المركوب في الكثير من الأحيان في الأزمان الغابرة بل لم يتمّ تدجينه إلا قبل بضع قرون من ميلاد المسيح عليه السلام كما أنه مركوب البلاد الصحراوية، والهند ليست بلادا صحراوية. تحدث الكاتب عن صفات هذا ال" نارشنغزا" كما جاءت في" الفيدا" فهو: " المحبوب" وحبّ محمد صلى الله عليه وسلّم متمكّن في قلوب مئات الملايين من البشّر. " صاحب الكلام الحلو" ومحمد صلى الله عليه وسلّم هو من أوتي" جوامع الكلم"، ومعجزته الأولى كتاب أبرز ما فيه بلاغته التي بلغت الذروة. وهو" كافي": صاحب صلة خاصة بالله، أي: رسوله. وهو" شارشي" أي صاحب الشخصية الجذابة.. وهل انجذبت البرية لرجل انجذابها لعظمة محمد صلى الله عليه وسلّم؟! وهو" براتا- دهاما- ننجن" أي الذي يضيء كلّ بيت. والسياق يدلّ على أنّ المعنى هو: الذي ينشر المعرفة في كلّ بيت. وتلك هي وظيفة الأنبياء. وجاء في ريج فيدا 1: 106: 4 أنّ" نارشنغزا" سوف يصدّ الناس عن الذنوب، أي أنه صاحب شريعة صالحة مصلحة. وهو في آثر فيدا صاحب 12 زوجة، وكذلك كان محمد صلى الله عليه وسلّم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 - يعطيه الله 10000 بقرة (وهذا معنى رمزي يقصد به 10000 رجل صالح، وقد تمّ فتح مكة وإقامة صرح دولة الإسلام على يد هذا العدد من صحابة محمد صلى الله عليه وسلّم) . تحت عنوان" معنى أفاتار" بيّن فيد باركاش أنّ معنى" أفاتار" من الناحية الحرفية هو" الإتيان إلى العالم"، أما من ناحية المعنى فالأفاتار في الكتب الهندوسية هو النبي في الكتب المقدسة الأخرى. والأفاتار إذن هو" صاحب صلة خاصة بالله". ويسأل المؤلف من هو الشخص الذي يحمل صلة خاصة بالله؟ ويجب بعد ذلك بأنّ أولهم من جاءت تسميته في ريج فيدا 2: 12: 6 بأنه" كيري". وهذه الكلمة كما يقول فيد بكراش تعني" أحمد"- وقد سبق للمؤلف أن أشار إلى أنّ الشخصية المقدّسة قد تذكر الشخصية بأكثر من اسم، وقدّم عدة أمثلة على ذلك-. تحدّث فيد عن الظروف التي يظهر فيها ال" أفاتار" (بصيغة الجمع) وهي 12 خلاصتها: عند ما يظهر الفساد في الأرض ويعمّ ويطمّ، وتندرس كثير من آثار الوحي السابق، وتظهر تعاليم باطلة تنسب زورا إلى الوحي الحق، ويصبح الدين مغنما، وتغدو البدعة دينا ... في هذه الظروف يظهر ال" أفاتار" لحماية الصالحين والضعفاء وإعادة الحق إلى نصابه. الظروف التي يظهر فيها الأفاتار الأخير هي في 11 نقطة خلاصتها سيادة أحكام الجاهلية العمياء في الأرض من طروء الشرك، وعبادة الأحجار التي تعطى أسماء الآلهة، وسيادة النفاق، ووأد البنات وعدم التزام أحكام الفيدا. أهمّ خصائص الأفاتار الأخير: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 - يقود جوادا مميزا خاصا صاحب سرعة معجزة: والبراق هو الدابة التي أسرت بالنبي صلى الله عليه وسلّم إلى المسجد الأقصى ثم إلى السماء السابعة وعادت به بعد ذلك إلى الأرض بسرعة خارقة. سيكون متسلطا بالسيف على أعدائه، وهذا الأمر ينطبق على محمد صلى الله عليه وسلّم القائل" وجعل رزقي تحت ظل رمحي" (البخاري، أحمد..) . وأشار المؤلف إلى أنّ عبارة" سيف" تدل على أنّ الأفاتار قد جاء قبل أيامنا هذه، لأنّ السلاح في زماننا هو القنابل والصواريخ لا السيوف! سيكون له أربعة إخوة معينين له، ومحمد صلى الله عليه وسلّم كان له أربعة إخوة في الله من أخصّ خاصته نشروا الإسلام في الآفاق وهم: الصديق وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم جميعا، وقد جاء في كلكي بورانا 2: 5 أنّ الأفاتار الأخير يقول: " يا ربّ! بإعانة إخوتي الأربعة سأهدم الشيطان. ".. وقد انخسأ الشيطان لّما رأى إنجازات المسلمين على يد الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم. ستعينه الملائكة في نشر الحق ومحاربة الكفر، وقد استفاض الحديث عن نزول الملائكة لنصرة محمد صلى الله عليه وسلّم في الحرب والسلم. سيكون الأفاتار الأخير جميلا جدا حتى أنّه يصعب وصفه. وقد سبق بيان جمال النبي صلى الله عليه وسلم. يفهم من بهاغات بورانا 12: 2: 20 أنّ الأفاتار الأخير سيكون مختونا، ومعلوم تميّز محمد صلى الله عليه وسلّم وأمّته من بعده بهذا الأمر عن كثير من الأمم. رائحة الأفاتار الأخير زكية كما جاء في بهاغات بورانا 12: 2: 22، وقد ذكرنا هذه الخصلة النبوية من قبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 سيكون معلما لطائفة كبيرة من الناس، وسيجلب لهم الخير، وسيرة محمد صلى الله عليه وسلّم تظهر أنّه كام معلما لأمة عظيمة وأنّ الله قد هداها على يديه. سيولد في اليوم الثاني عشر من النصف الأول من شهر مدهف كما يفهم من كلكي بورانا 2: 25، وقد ولد محمد صلى الله عليه وسلّم في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول. سيولد في مدينة" شمبهال" كما هو مذكور في كلكي بورانا 2: 4 في بيت رئيس الكهنة ومعنى" شمبهال" كما قرّر ذلك النقاد المسلمون: " بيت سلام وأمن"- علما أنّه لا يوجد مكان اسمه بالحرف" شمبهال"-، وسيكون اسم ابيه" فشنو يش" (بهاغات بورانا 12: 2: 18) أي" عبد الله" واسم أمه" سوماتي" (كلكي بورانا 2: 4 و 2: 11) أي" لطيفة ومتأملة وآمنة (مذكر أو مؤنث) "، ومحمد صلى الله عليه وسلّم قد ولد في مكة المسماة ب" دار الأمان" قريبا من الكعبة البيت الذي يقدّسه المتدينون العرب، اسم أبيه" عبد الله" واسم أمّه" آمنة". جاء في كلكي بورانا أنّ كلكي أفاتار سيذهب إلى جبل ليتلقّى المعرفة من" برشورام"، ثم سيذهب إلى الشمال ثم يرجع، وقد تلقّى محمد صلى الله عليه وسلم الوحي في أحد جبال مكّة، ثم هاجر شمالا إلى المدينة ثم عاد بعد ذلك إلى مكّة ... ذكر البروفسور" أشت كومار بندهوبدهيايا" في الفصل الأخير الذي بعنوان" محمد في كتب الفيدا والمهبهراتا" أنه قد جاء في سفر أثارفا فيدا الإخبار عن بعثة رجل عظيم سمّاه هذا السفر ب" ماماها" وقد جاء في أثارفا فيدا 20: 9: 31 أنّ الله سيعطي" ماماها" مئة قطعة ذهبية" و" عشرة أكاليل" وثلاثمائة حصان" و" عشر آلاف بقرة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 ولا شكّ أنّ الحديث في هذا النصّ على المجاز إذ أنّ هذا ال" ماماها" القديس لم يكن ليبعث حتى يحصّل هذا المتاع الزائل، وإنما الحديث هنا عن رجال يتّبعون هذا المنتظر، يحملون صفات مميّزة وخاصة. وقد جاء في" ستاباث براهمانا" الذي يعتبر تفسيرا إلهاميا لياجر فيدا أنّ الذهب رمز للقوة الروحية للإنسان ... جاء ذكر ال" ماماها" في كثير من المواضع في سفر ريج فيدا: 94: 16، 95: 11، 96: 9، 98: 3، 100: 19، 10: 11، 102: 11، 103: 8، 105: 19، 106: 7، 107: 3، 108: 13، 109: 8، 110: 9، 111: 5، 112: 25، 113: 20، 114: 11، 115: 6، وهذا دليل على عظم شأن هذا" الماماها"، وهو ما يدفعنا إلى ربط هذه النبوءة بالنبوءات السابقة التي أجمعت على أنّ المبعوث لإصلاح الناس في آخر الزمان هو" محمّد" صلى الله عليه وسلّم النبي العربي، ولعلّك تلاحظ أنّ كلمة" ماماها" قريبة في النطق من كلمة" محمّد"، كما أنها كما يقول فديارتي أصلها من" ماه" أي" مجّد" و" حمد".. و" محمّد" من" حمد". ولعلّ في الاسم تصحيفا ناتجا عن ضعف القوم في حفظ كتبهم أو ناتج عن التغيير الطارئ على نطق الإسم عند غير أهله، والمثال الذي يظهر هذا الأمر كما قدّمه فديارتي هو اسم" محمود الغزنوي" الذي تحوّل عند الهنود إلى" ممّود غجنافي"!!. من الدلائل البيّنة التي تظهر أنّ" ماماها" هو" محمد" صلى الله عليه وسلم: يفهم من أثارفا فيدا 20: 9: 31 أنّ" ماماها" سيكون راكب جمل من أرض صحراوية، وهو بالتالي لن يكون من الهند لأنّ المقدّسين" رتشي" والبراهمة ممنوعين من قيادة الجمال. ومحمد صلى الله عليه وسلّم هو النبي غير الهندي، الذي ظهر في الصحراء العربية، وكان مركبه" سفينة الصحراء": الجمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 المئة قطعة ذهبية التي حبي بها" ماماها" هي رمز للمئة صحابي الذين سافروا إلى الحبشة بعد أن ذاقوا من العذاب والمهانة الشيء الكثير بسبب تمسّكهم بدين التوحيد. العشرة أكاليل كناية عن" العشرة المبشرين بالجنة" من صفوة أتباع محمد صلى الله عليه وسلّم، وهم رضوان الله عليهم جميعا: الصدّيق، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، طلحة، الزبير، عبد الرحمن بن عوف، سعد بن أبي وقّاص، سعد بن زيد، أبي عبيدة. الكلمة المقابلة لكلمة حصان الواردة في النبوءة السابقة هي" أرفاه" أي" حصان عربي سريع، وهو بصورة أدق الحصان الذي يستعمله غير الآريين (الهنود يعتبرون أنفسهم آريين) . وقد حارب في أول غزوة إسلامية مع محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة صحابي ونيف جلّهم من العرب. الكلمة السنسكرتية" غو" (بقرة) مشتقة من كلمة" غاو" أي الذهاب إلى الحرب، وتسمّى البقرة" غو" لأنّ الآريين عند ما كانوا يقاتلون عدوهم كانوا يسعون إلى سلبهم أبقارهم.. ولذلك اتخذوا الثور رمزا للنصر. وكلمة" غو" تعني: بقرة وتعني كذلك: ثور. وصف كل من الثور والبقرة في كتب الفيدا، كما ذكر ذلك فديارتي بأمثلة محددة، على أنهما رمز للحرب وللسلم وللولاء. ويفهم من ريج فيدا 5: 27: 1 أنّ" ماماها" سيشتهر بأتباعه العشرة آلاف، ومعلوم أنّ أهم انتصارات محمد صلى الله عليه وسلّم هي فتح مكّة بعشرة آلاف صحابي كما هو مذكور في صحيح البخاري (وقد جاء ذكر ال 10000 تابع في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 بشارات الكتاب المقدس النصراني بمحمد صلى الله عليه وسلم: سفر التثنية 33: 2، نشيد الإنشاد 5: 10، رسالة يهوذا 1: 14) . وجاء في السيرة النبوية أنّ رسول الله عليه وسلّم قد رأى في المنام قبل معركة أحد أنّ أبقارا تذبح وفسرها صلى الله عليه وسلّم بأنّ من أصحابه من سيقتل في المعركة. وهذا يظهر أنّ نبي الإسلام يرى رمزية البقر على أصحابه. يفهم من ريج فيدا 1: 109: 2 أنه تظهر تراتيل جديدة في زمن" ماماها"، وقد ظهر ترتيل القرآن العذب المعجز منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم. جاء في ريج فيدا 1: 109: 2 أنه مع ظهور هذه التراتيل الجديدة تظهر كلمات لم تعرف من قبل ك: " صلاة" و" جماعة"، وقد تخبط مفسرو الهندوس واخترعو معان باطلة لهاتين الكلمتين رغم وضوح نسبتهما إلى القاموس الإسلامي! * قال البروفسور أشيت كومار ص 135" جاء في عديد المواضع من كتب الفيدا ذكر حكيم، إسمه" إليت". وجاء في هامش أحد مطبوعات الفيدا، أنّ معنى" إليت" هو =the praised =أي" محمّد" * نقل الباحث تي محمد في كتابه: " التيارات الخفية في الديانة الهندية القديمة" هذه البشارة عن كتاب أدروافيدم أدهروويدم- وهو كتاب مقدس عند الهندوس-: " أيها الناس اسمعوا وعوا يبعث المحمد بين أظهر الناس ... وعظمته تحمد حتى في الجنة ويجعلها خاضعة له وهو المحامد (تصحيف" محمد") . * أصرح بشارة في كتب الهندوس، وأكثرها إثارة، ما جاء في" أوبوناشيد ألّو (أو الله. =Upanishad Allo = (وقد نقل فديارتي هذه البشارة في كتابه: " محمد في الأسفار العالمية" م 1 ص 164- 169 الطبعة الثالثة المراجعة 1997 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 (نشر. (DAR -UL -ISHAAT KUTUB -E -ISLAMIA وهذه صورتها باللغة السنسكريتية الأصلية: الترجمة لإنجليزية التي أوردها فديارتي: The name of that Deity is Allah.He is one.Mitra, Varuna ect.are his attributes; and Allah indeed is Varuna Who is the King of all the world.Ye friends, look الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 upon and regard such Allah as you Deity.He is Varuna and like friends, sets right the works of all people. He is Indra.The magnificent Indra.Allah is the greatests of all, the best, the most perfect, and the holiest of all. Muhammad, the apostle of Allah is the greatest Messenger of Allah.Allah is Alpha, and And Allah is Omega , and Allah indeed is the nourisher of the whole world. For Allah are the noble deeds.Allah, in- fact, has created the sun, the moon and the starts. Allah sent all the Rishis, and created the sun, the moon and the stars, Allah sent all the Rishis, and created the heavens. Allah is the Manifester of the earth and the space .Allah is Great, and there is no God but He.Say, thou worshipper (Atharva Rishi) La- ilaha- illa- Allah. Allah is from the beginning He is the Nourisher of all the birds and beasts and animals that live in the sea, and those that are not visible to the eye.He is the remover of all evils and calamities. Muhammad is the Apostle of Allah, the Lord of this creation.Hence, Declare:Allah is one, and there is no other god besides Him .؟ المقابل العربي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 1- اسم الإله هو الله، هو واحد. مترا، فارونا ... هي صفاته، والله هو، حقيقة، فارونا الذي هو ملك العالم. يا أيها الأصدقاء، تأمّلوا وانظروا إلى الله على أنه إلهكم. هو فارونا وكالأصدقاء يصلح أعمال كلّ الناس. 2- هو اندرا. إندرا البديع. الله هو الأكبر. الأفضل، الكامل القدّوس. 3- محمد، رسول الله، هو أعظم رسل الله، الله هو ألفا (أي الأول) ، الله هو أوميغا (أي الآخر) ، والله هو، حقيقة، رازق العالم بأكمله. 4- لله الأعمال العظيمة. الله، حقيقة، خلق الشمس والقمر والنجوم. 5- بعث الله الريتشي، وخلق الشمس، والقمر والنجوم. أرسل الله كلّ الريتشي وخلق السماوات. 6- الله هو مظهر الأرض والفضاء، الله أكبر، ولا إله غيره، قل أيها العابد (أثرافا ريتشي) " لا إله إلا الله". 7- كان الله في البدء. هو رازق الطير والوحوش والحيونات التي تعيش في البحر، والتي لا ترى بالعين، هو مزيل كلّ الشرور والمصائب. محمد هو رسول الله، سيّد الكائنات. إذن، قل الله واحد، لا إله غيره. " لقد صرّحت هذه البشارة بشهادة الإسلام بصورة مباشرة مذهلة، وحتى لا يرتاب المسلم في صدق الترجمة، نذكر أنّ ناجندرا ناث فاشو Vasu Nagendra Nath في الموسوعة الهندية =Vishwa Kosh =المجلّد الثاني قد أشار إلى أنّ هذا الأوبانيشاد قد" ذكر رسولية محمد (صلى الله عليه وسلّم) مرتين". اعتراضات هندوسية على هذه البشارة البديعة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 لا شكّ أنّ هذه البشارة الصريحة الفصيحة، قد أثارت الهندوس وحفّزتهم للتشكيك في أصالتها لأنّها تؤدّي إلى نسف دينهم. ومن الذين شكّكوا في هذا النصّ الباحث الهندوسي ناجندرا ناث فاشو Nagendra Nath Vasu في الموسوعة الهندية =Vishwa Kosh =المجلّد الثالث، وحجّته أنّ العديد من الهندوس قد أسلموا لّما قرؤوا هذا السفر، وأنّ مؤلفه لا بدّ أن يكون رجل دين هندوسي اعتنق الإسلام. الردّ: أهم الكتب المقدّسة، عند الهندوس، بعد البورانا، هي الأوبانيشاد، Upanishad وهي سلسلة من الكتب المقدّسة على درجة من الأهمية حتى أنّها اعتبرت أسفارا للحكمة الإلهية، ولذلك فإنّ العديد من النقاد الهندوس يعتبرون الأوبانيشاد أرفع بكثير من كتب الفيدا، وهذا الحكم موجود في الأوبانيشاد نفسها. وتعتبر غاية الأوبانيشاد، الوصول إلى المعرفة الإلهية والاقتراب أكثر من الربّ. وزّعت الأوبانيشاد على كتب الفيدا الأربعة. وتعتبر الكثير منها ملاحق لها، من ذلك أنّ" ألّو أوبانيشد" هو أوبانيشاد الأثارفا فيدا. والفصل الأربعون من ياجر فيدا يعتبر الأوبانيشاد الخاص به ويسمّى" إيش أوبانيشاد". ولا شكّ أنّ هذه القيمة العالية والأهمية الخاصة تمنع أيّ احتمال لأن يدسّ مسلم بشارة على هذه الصورة في الكتب المقدّسة الهندوسية. انتشرت الكتب الهندوسية زمن دحول الإسلام الهند بصورة تجعل من المحال تصوّر أن يتمكّن مسلم من أن يدخل سفرا أجنبيا على أسفار القوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 - كيف من الممكن تصوّر تخلّي رجال الدين الهندوس عن جميع النسخ التي يمتلكونها، وقبولهم النسخة المحرّفة التي جاء بها هذا الهندوسي الذي اختار الإسلام، بل وترجمة هذا النص المدسوس بأكثر من لغة وتوزيعه على إخوانهم في الدين!!!!؟. يملك الهندوس نسخا قديمة جدا لكتبهم المقدّسة، وهم يرعونها رعاية حاصة، ويسبغون عليها القداسة، فكيف تسللت كلمة التوحيد الإسلامية إلى تلك النسخ القديمة جدا والمحمية بعيدا عن المسلمين. كيف من الممكن تصوّر إدخال مسلم هذه البشرى إلى الكتب المقدّسة عند الهندوس، ونحن نعلم أنّ الهندوس يرون أنّ مجرّد لمس المسلم لهذه الكتب يعدّ جريمة كبرى في ذاتها!! الكتب المقدّسة التي يحتفظ بها رجال الدين الهندوس في بيوتهم، ويرعونها بكلّ احترام وتبجيل، تضمّ هذه البشارة، فكيف رضوا بهذا الأمر! نشرت الكتب المقدّسة الهندوسية باللغة الكجراتية ولغات أخرى مع النصّ الأصلي، وكان الناشرون هم رجال الدين الهندوسي، وما تمّ حذف هذا الأوبانيشاد المصرّح بشهادة الإسلام. والصورة السابقة لهذا الأوبانيشاد منقولة من نسخة نشرها رجال الدين الهندوس. جاء ذكر هذا الأوبانيشاد في قائمة الأوبانيشاد القديمة. الراجا" رادها كانت باها دور" جامع" شابد كالبا درام" ذكر في معجمه القديم جدا للغة السنسكريتية أن هذا الأوبانيشاد كان هو أوبانيشاد الأثارفا فيدا. مؤلف" واشاسبتيا"، وهو معجم قديم جدا للغة السنسكريتية، أشار إلى هذا الأوبانيشاد في كتابه، قبل دخول المسلمين الهند. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 وأخيرا نذكر أنّ الدكتور ز. حق قد أشار في كتابه" النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في الأسفار المقدسة الهندوسية Hindu Scriptures ==Prophet Muhammad in أنّ عددا غير قليل من رجال الدين الهنود، في أيامنا، يشعرون بالحرج الشديد مما جاء في كتبهم المقدسة من الإعلان ببعثة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، ولذلك أصبحوا يعلنون رفضهم لأسفار البورانا ولكن الغالبية الساحقة من علمائهم يخالفونهم. أمّا فديارتي، فقد أشار في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه إلى أنّه لّما ناظر أحد رجال الدين الهندوس، وأثبت له أنّ" راكب الجمل" في الكتب الهندوسية، هو محمد صلى الله عليه وسلّم، لم يجد هذا الهندوسي من مفرّ غير الزعم أنّ هذا النصّ محرّف!!!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 البشارة في كتب الصابئة جاء ذكر" الصابئة" في القرآن في ثلاث آيات: " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ" (سورة البقرة 62) . " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ" (سورة المائدة 69) . " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (الحج 17) . وقد اختلفت كلمة علماء الإسلام في تحديد معتقد الصابئة وأصولهم، وأكثر الكتب على أنّهم عبدة الكواكب والأفلاك. وذهبت طائفة أنّهم من فرق النصارى، ولذلك أفتى الإمام أبو حنيفة بأخذ الجزية منهم وهو أيضا القول المعتمد في مذهب الحنابلة كما هو مذكور في" الموسوعة الفقهية الكويتية". ذهب أكثر أهل العلم من المسلمين إلى أنّ" الصابئة" من الخروج من دين الآباء. وقال البروفسور أوليري في the Arabes ==Greek Science ,How it passed to العلم اليوناني، وكيف وصل إلى العرب": " إنّ الصابئين الحقيقين كانوا في الجنوب العربي لا علاقة لحران بهم. إنّ المندائيين في جنوب العراق أصل معمدي الآباء المسيحيين الأوئل، والكتّاب الربانيين، الذين حصلوا على اسم" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 المتعمّدين" من تطهّرهم المستمر، كانوا يسمّون بالآرامية ب" الصابئين"، من أصل الفعل" صبا الآرامي"، بمعنى يغطس ويتعمّد". وذهب المستشرق" نولدكه" إلى" أنّ كلمة صابئة مشتقة من صبّ الماء، إشارة إلى اعتمادهم بالماء. وقالت دراور في كتابها" الصابئة المندائيون" ص 9: " إنها مأخوذة من كلمة" صبا" المندائية، ومعناها الارتماس، والاغتسال بالماء الجاري". ويتأيد قول نولدكه ودراور إذ علمنا أنّ فعل" صبا" الآرامي يعني الارتماس والاعتماد اللذين هما شعار المندائيين. والقوم يقولون في الأذان: " أنش صابي بمصبته"، أي: كلّ من يتعمد بالعمودية يسلم، كما يقولون في التعميد" صببنا بمصبته (أدبهرام ربه) " أي: تعمّدنا بعماد إبراهيم الكبير. ولديهم الكثير من العبارات التي تذكر" المصبتة" كثيرا في طقوسهم. فسمي القوم ب" الصابئة" من الأقوام المجاورين لهم لتميّزهم الواضح بشعيرة الاعتماد في الماء. من الأسماء الأخرى للصابئة المندائيين، والتي أطلقت عليهم أو أطلقوها هم على أنفسهم: النصورائيين" أي المتبحّرين أو العارفين بأسرار الحياة أو المراقبين. " المغتسلة" لكثرة اغتسالهم بالماء (التعميد) . " شلماني" من" شلم" أي المسالم. " ابني نهورا" أي أبناء النور، وهي تسمية أطلقت عليهم في كتبهم الدينية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 يعتبر الصابئة المندائيين أنفسهم من الموحدين (قلت: توحيد الربوبية) وقد جاء في" دراشا" ما يلي: " ملعون ومخزي من لا يعرف ولا يعلم بأنّ ربنا هو ملك النور السامي، الواحد الأحد. " والنظر في معتقد الصابئة اليوم وكتبهم المقدّسة يكشفان أنّ القوم هم أهل كتاب، قد وصل أجدادهم بحبل الوحي والهداية، ونشأ الأوّلون على نور من ربّهم وبيّنة من طريق الحقّ، قبل أن يخلف الأوائل نسل تنكّبوا طريق الحقّ وضيعوا التوحيد (بمعناه الشامل) الذي هو حقّ الله على العبيد. يعتقد الصابئة أنّهم أتباع يحي عليه السلام، المعروف عند النصارى بيوحنا المعمدان، المعاصر لعيسى عليه السلام. وقد جاء في كتاب" حران كويثا"، و" دراشة اديهيا" أنّ يوحنا كان نبيا وسولا. ويقصد الصابئون من كلمة" شليهة" أنّه جاء إلى الدنيا بأمر من الربّ بمهمة خاصة، لا بمعنى الرسول الذي يأتي بدين جديد. وجاء في كتاب" كتره ربه": " وفي ذلك العهد يولد ابن اسمه يحي بن أبو صادا زكريا-، ويأتيه في شيخوخته، ويكون عمر أمه أنشوي مائة سنة، حينما تحمل به، وتلده في هرمها، وأمّا يحي، فسوف ينشأ في أورشليم، لأنّ الإيمان يكون في صدره، وسوف يطوف الأردن، ويعمد الناس مدة 42 سنة. " والقوم يعتقدون أنّ المسيح قد حرّف دين يحي وأفسده، والعياذ بالله، فقد جاء في ديوان" حران كويثه" وصفا لعيسى عليه السلام: " قد حرّف كلمات النور، وأبدلها بالظلام، وغير دين أولئك الذين كانوا على ديني، وبدّل جميع الشعائر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 (أبيداثا) ، وأقام هو وإخونه في جبل سيناء، ودعوا لأنفسهم جميع الناس، وجلبوهم لدينهم، وأطلقوا عليهم إسم كريستيانا. " ويقول الصابئة في شأن حياة المعمدان: " ولد يحي يوحنا حوالي سنة 34- 36 قبل الميلاد (حسب التراث المندائي) وحوالي سنة قبل الميلاد (حسب التراث النصراني) . وذكر أيضا بأنّه ولد في سنة 6 أو 7 قبل الميلاد. وأنّ التقويم الصابئي المندائي المستعمل حاليا والذي يسمّى أيض بالتقويم اليحياوي (نسبة إلى يحي) يبدأ من مولد هذا النبي. مع العلم أنّ المندائيين يحتفلون بعيد ميلاده في 23 أيار) في عيد يسمّى" دهفة اد ديما"، ولو أنّ هنالك رأي لبعض رجال الدين المندائيين يقول بأنّ هذا اليوم ليس عيد مولده وإنما هو يوم تقبّله للصبغة الأولى (التعميد) ، فلذلك يسمّى هذا اليوم شعبيا عند المندائيين ب" عيد التعميد الذهبي" والذي يتقبّل خاصة الأطفال الصغار التعميد المندائي في هذا اليوم. " أطلق اسم الصابئة على عدة فرق، ولكن يظهر أنّ" صابئة" القرآن، هم هؤلاء الذين يعظمون يحي عليه السلام، الذين يسمّون أنفسهم ب" المندائيين" أي العارفين بالله الحي. وهم اليوم أقلية تقدّر هي حجمها بقرابة مئة ألف مندائي وتوجد في العراق أساسا، وتذكر كتبهم المقدسة أنّ أسلافهم كانوا في فلسطين قبل أن يخرجوا منهم بعد الفتن التي حلّت بها. ويستعمل الصابئة اللغة الآرامية إلى اليوم وهي لغة أهل فلسطين في القرون الميلادية الأولى. ومما يلاحظ أنّ هناك تشابها كبيرا بين الشعائر والأحكام الإسلامية ونظائرها عند الصابئة، كالوضوء قبل الصلاة، والطهارة من الجنابة، والصوم، ومفسدات الوضوء والصلاة، وتحريم الربا والمسكرات ولحم لخنزير والدم والغيبة والنميمة، وإباحة تعدد الزوجات ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 وقال عباس العقاد في كتابه" إبراهيم أبو الأنبياء" ص 108: " والمشهود عن الصابئة أنّهم يوقّرون الكعبة في مكة، ويعتقدون أنّها من بناء هرمس، أو إدريس عليه السلام. " الصابئي لا يعرف من عقيدته إلا القليل، وفي هذا الشأن يقول الصابئي نعيم بدوي في كتاب" الصابئون المندائيون" ص ص 4- 5: " إنّ رجال الدين الصابئي لا يعاونوننا، لأنهم لا يقرون علنية الدين، فذلك يتعارض وباطنيته، إضافة إلى أنّ الدين ليس تبشيريا.. يضاف إلى ذلك أنّ المثقفين من أبناء هذه الطائفة عموما، تنقصهم معرفة لغة الكتب الصابئية، فهي كتب مدونة باللغة المندائية". أهم الكتب المقدسة عند الصابئة هي: كتاب" كتره ربة": أي" الكتر العظيم"، ويقال له" سدرا- آدم" أي صحف آدم، وقد يكتفون بقولهم" السدرة". وتنحصر مباحث هذا الكتاب بذكر بدء الخليقة والتطورات التي حدثت للبشر. صدرت ترجمة عربية بإشراف الطائفة المندائية في العراق للكترة ربه من اللغة المندائية مباشرة. كتاب" سدرة أويهيا" أي" تعاليم يحي" ويتضمن حياة يوحنا المعمدان من بدء ولادته إلى تاريخ وفاته، مع إرشاداته وتعاليمه الدينية. كتاب" سدرة أو نشماتا": أي كتاب التعميد وسر المعمودية، ويعتقدون أنه نزل على آدم أبي البشر، وأنه أساس الديانة الصابئة ومنه تستمد بقية المعلومات ويتضمن الكتاب أمور الموت والدفن وتحريم البكاء وإعلان الحداد، وكيفية خروج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 الروح من الجسد وتنقلاتها حتى تستقر في عالم الأنوار، وما يتعلق بالمعاد. كما يحتوى على نصوص الصلاة التي يقرؤها رجال الدين في حفلات التعميد. فيما يتعلّق بموضوع البشارات في كتب الصابئة، نذكر أولا أنّ هذه الكتب لا تزال في عداد الكتب المهجورة عند الباحثين المسلمين، ولم تعرف إلى اليوم دراسة جادة وعميقة تظهر حالها وتسبر أغوارها وتكشف أسرارها وتفيد في خدمة الدعوة الإسلامية. أما الملاحظة الثانية، فهي أنّ هذه الكتب قد تعرّضت لتحريف شديد نتيجة قلّة عناية القوم بتوثيق كتبهم وتفسيرها مما يجعلنا نعتقد سلفا أنّ البشارة بالنبي الخاتم قد عانت هي أيضا التحريف والإهمال في النقل. والآن يكفي أن نقدّم هذه البشارات السريعة، وعسى أن يتولّى أهل البحث الجاد الإفاضة في هذا الموضوع في دراسة مستقلّة*: * جاء في" الكتره ربه" أنّ ملك العرب المسمى" سيهولدايو" أي تالي الأنبياء سيخرج في زمن ملك الفرس أزدجر (وهو الذي خرج في زمنه محمد صلى الله عليه وسلم) !! * جاء في سفر" الكتره ربه"، في الكتاب الثامن عشر أنّ العرب سوف يخلفون ملوك الفرس في التمكين في الأرض. * جاء في ديوان" حران كويثة" أنّ حكم العرب يمتدّ إلى 4000 سنة قبل المسيح الدجال وأنّ" اللبنة في الجدار ستنادي به" إشارة إلى مثل" الحجر الذي رفضه البنّاؤون" والذي بيّنا سابقا أنّه نبي الإسلام صلى الله عليه وسلّم. وتؤكد هذه البشارة الصابئية أنّ هذا" الحجر"، عربي. وصدقت! * تعتبر كتب الصابئة المقدّسة إسماعيل" أبا لجميع المسلمين".   (*) نقلنا البشارات في ديانة الصابئة عن كتاب هشام محمد طلبة محمد صلى الله عليه وسلّم في الترجوم والتلمود والتوراة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 * جاء في كتاب" الكتره ربه": " أيها المسلمون المؤمنون وأيها المؤمنون المسلمون لا تتراجعوا عن عهدكم الذي عاهدتم الله عليه. " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 البشارة في كتب البوذية بسط الباحث فيد باركاش في كتابه: " محمد في كتب الفيدا والبورانا"، في الفصل السادس الحديث عن بشارة الكتب البوذية بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.. فقال إنّ معنى" بوذا": " العاقل، اللبيب". وقد بشّر جوتاما بوذا (وهو أشهر بوذا) ب" أنتيم بوذا" أي" العاقل الأخير" وقد جاء في وصفه في" إنجيل بوذا =Gospel of Buddha ="لكاروس Carus ص 217 على لسان" جوتاما بوذا"، مؤسس البوذية" في حديثه إلى" ناندا" أفضل حوارييه: " يا ناندا، أنا لست أول بوذا في هذه الدنيا، ولست آخرهم. في زمن ما سيظهر بوذا في هذا العالم، وهو سيعطي (الناس) تعاليم الحق والبرّ. سيكون سلوكه طاهرا ومقدسا. قلبه سيكون نقيا. سيملك معرفة وحكمة. سيكون قائد كل الناس وهاديهم. سيعلّم الحقيقة، كما علّمت الحقيقة. سيعطي العالم طريقة حياة نقيّة وتامة. يا ناندا، سيكون اسمه" ميتريا"! ". تحدث الباحث فيد براكاش عن صفات البوذا وانطباقها على نبي الإسلام، بعد أن نقل عن" وارن" أنّ كلمة بوذا لا يمكن أن تطلق على إله وإنما هي تطلق على إنسان، فقال إن البوذا يكون: من طبقة أرستقراطية وعائلة غنية، ومحمد صلى الله عليه وسلّم كان من تلك الطبقة ومن تلك العائلة. بوذا له أطفال، ومحمد صلى الله عليه وسلّم كان له الولد من الذكر والأنثى. لبوذا الزوجة والعائلة كما أنه قائد، ومحمد صلى الله عليه وسلّم كان له الزوج والعائلة وكان قائد الأمة من جميع النواحي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 - بوذا يعيش حياته الطبيعية كاملة، ومحمد صلى الله عليه وسلّم عاشها كذلك. بوذا كان يقوم بنفسه بأموره الخاصة، فلا يكلها إلى غيره، وكذلك كان محمد صلى الله عليه وسلم. البوذا داعية ومعروف أنه داعية، ومحمد صلى الله عليه وسلّم مشهور بهذا الأمر. عند ما ينعزل بوذا عن الناس، يرسل له الله الملائكة والجن، وقد أرسل الله إلى نبي الإسلام صلى الله عليه وسلّم جبريل الملك عند ما كان في غار حراء كما أرسل إليه الجن ليسمعوا منه القرآن كما هو ظاهر من سورة" الجن". كلّ بوذا يذكّر الناس بالبوذا السابق، ويحذّر الناس من شرور الشيطان وأفعاله المدمّرة، كذلك فعل محمد صلى الله عليه وسلّم عند ما كشف خطط الشياطين لإفساد الناس، كما قام بذكر عيسى في أكثر من سورة قرآنية وحديث نبوي شريف وهو النبي (البوذا) السابق له. سيكون أتباع بوذا صالحين، لن يتمكّن الشيطان من إضلالهم، وقد كان صحابة محمد صلى الله عليه وسلّم جيلا فريدا من الأصفياء الأتقياء، رضوان الله عليهم جميعا! أهمّ صفات البوذا أنه ليس له معلّم من بين البشر، وقد كان محمد صلى الله عليه السلام معلّما من ربّه، ولا يعلم له معلّم من بين الناس. ويقول ي. علي U.Ali في كتاب "Hindu ,Buddhist Scriptures ==Muhammad in Parsi ,محمد في الأسفار الفارسية والهندية والبوذية"- وهو يريد إثبات عدم انطباق صفات البوذا ميترايا على عيسى عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 السلام وانطباقها على محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ادّعى النصارى أنّ منتظر البوذيين هو" يسوع المخلّص"!؟ - إنّ من صفات" البوذا ميترايا" كما يظهر من إنجيل بوذا ص 214: البوذا ميترايا يموت موتة طبيعية، ومحمد صلى الله عليه وسلّم مات كذلك في حين أنّ المسيح مات مقتولا (على زعم النصارى) . البوذا يموت ليلا، وقد مات محمد صلى الله عليه وسلّم ليلا كما يظهر ذلك من حديث عائشة رضي الله عنها، في حين أنّ المسيح قد مات في النهار كما هو ظاهر من مرقس 15: 25.. بوذا جميل المنظر، وقد ذكرنا عند الحديث عن البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلّم في سفر نشيد الإنشاد جمال محمد صلى الله عليه وسلم. وقد صحّ عن البراء بن مالك الصحابي رضي الله عنه في صحيح البخاري: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم أحسن الناس وجها ... "- أما فيما يتعلّق بالمسيح فقد جاء في كتاب Comprehensive commentary on the holy bible =تأليف و. جنكز ويوسف أ. وارن هامش ص 457 أنّ" جستين الشهيد (!) وكلمنت الإسكندري وترتليان وآباء متقدمين آخرين استنتجوا أنّ مخلّصنا كان قبيحا"!!!؟ عند موت" البوذا ميترايا" لا يكون هناك بوذا آخر.. والمسيح ليس آخر الأنبياء عند النصارى (هو عند النصارى إله ونبي!!؟) لأنّ الحواريين هم أيضا أنبياء عندهم!! وتحدّث فيدبركاش عن" ميترايا بوذا"، فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 - تعني كلمة" ميترايا": " الرحيم" وقد ذكر هذا الأمر كاتب بوذي في جريدة" القائد" ص 7، العمود 3، عدد 16 أكتوبر 1930 وهربرت بايتر في كتاب" طريق بوذا" ص 15 وجوزيف إدكتر في كتاب" البوذية الصينية" ص 240.. وجاء في سورة" الأنبياء" الآية 107 قول الله سبحانه في وصف محمد صلى الله عليه وسلم: " وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ". " أنتيم بوذا ميترايا" سيحمل جميع صفات البوذا السابقة. وقد رأيت انطباقها على نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم. ميترايا سيعقد اجتماعا تحت شجر، وقد عقد محمد صلى الله عليه وسلّم بيعة الرضوان لنصرة الإسلام تحت شجرة وصلح الحديبية في مكان كثير الشجر. يتميّز بوذا بالمقارنة بغيره بأنّ عظام عنقه قويّة وصلبة، ولذلك إذا أدار عنقه استدار بجميع بدنه، وقد علم من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث هند بن أبي هالة الطويل، أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم: " إذا التفت التفت جميعا". ويضيف ي. علي في كتابه السابق صفات أخرى: جاء في الكتب البوذية أنّ" ميترايا" صاحب كلام جميل عذب صاف يأسر القلوب، ومعلوم للعدو قبل الصديق عذوبة القرآن الكريم والحديث الشريف. فمن هو" ميترايا بوذا" غير محمد صلى الله عليه وسلّم؟!! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 البشارة في كتب المجوس* ذهب كثير من الزرادشتيين، عامتهم وخاصتهم، إلى أنّ زرادشت إمامهم، هو نفسه إبراهيم عليه السلام.. فالأسدي في كتابه" لغت فرس" يقول: " الأبستاق تفسير الزند وكان الزند صحف إبراهيم" ويقول صاحب البرهان القاطع: " كان إبراهيم زرادشت يدعي أنّ الزند صحف إبراهيم". ولا شكّ أنّ هذا الادعاء لا يستقيم للفارق الزمني الهائل بين إبراهيم عليه السلام وزرادشت، إذ أنّ زرادشت قد عاش في أصح الأقوال في القرن السابع قبل الميلاد، أي بعد مئات السنين من وفاة إبراهيم عليه السلام!! وقد وجدت الكتب المقدسة المجوسية في لغتين: الزندية والبهلوية. كما وجدت كتابات باللغة المسماوية. الكتابة البهلوية تشبه الكتابة الفارسية الحديثة لكنها تخالف اللغة الزندية والفارسية القديمة. تضم الأسفار المجوسية قسمين هامين من الكتب الدينية: الأولى تعرف ب" دساتير" والثانية تعرف ب" أفستا" (ومعناها الأساس أو الأصل أو المتن أو السند) التي تعرف باللغة العربية ب" الأبستاق"، وتتكون كلّ منهما من جزئين" كردا دساتير" و" كلن دساتير" وكردا أفستا" و" كلن أفستا".   (*) مصدر ما سننقله تحت هذا العنوان هو كتاب عبد الحق فديارتي وي. علي: " محمد في الأسفار المقدسة الفارسية والهندية والبوذية" إلا ما ميّزنا مرجعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 رغم ما يعرف عن هذه الكتب من أنها تروّج لعقائد مصادمة للإسلام، فإنّ القراءة فيها تكشف وجود تشابه كبير بين أصول الإسلام وأصول المجوسية، من ذلك: التوحيد: جاء عن زرادشت قوله في" دساتير" ص 69: " هو واحد". ليس كمثل الله سبحانه أحد: جاء في" دساتير": " لا أحد نظير له". " لم يلد ولم يولد": جاء في" دساتير" ليس له مبتدأ ولا نهاية ... ولا أب ولا أم ولا زوج ولا ولد". خالق كلّ شيء: جاء في دساتير: " يهب حياة ووجودا للكلّ". هو وحده من له الخلود: جاء في دساتير ص 66: " لم يوجد قبلك شيء ولن يبقى بعدك شيء". لا تدركه الظنون: جاء في دساتير: " هو فوق كلّ ما من الممكن أن تتصوّره". العمل الصالح هو السبيل إلى الجنة: جاء في" دساتير" ص 13: " عند ما يغادر المرء صاحب العمل الصالح بدنه، أرسله إلى الجنة". عذاب النار بشدة الحر وشدة البرد: جاء في دساتير ص 13: " أهل النار يمكثون فيها إلى الأبد. ويعذبون بكل من الحرّ الشديد والبرد الشديد". جاءت في دساتير كثير من الأحكام الخاصة بحسن الخلق والزواج والعفة والوفاء بالوعد وتحريم الخمر وحلق شعر الوليد والتطهر والوضوء والتيمم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 - قبل كلّ" مقطع" في" دساتير" يوجد ما يشبه الاستعاذة والبسملة في القرآن. بالإضافة إلى تشابهات أخرى حول معرفة النبي الصادق، وطريقة الوحي إليه، وعلاقته بالملائكة ... وفيما يتعلّق بالنار، فظاهر أنّها ما كانت معبودة زمن زرادشت، وإنما إشعالها عند الزرادشتيين كان رمزا لإعطاء العهد على الالتزام بتتبع النور الإلهي المتمثل في الشريعة الإلهية كما هو ظاهر من قول زرادشت في كتاب" جاثا ياشت، 30، 1- 2 وقد جاء الحديث عن النار في أكثر من موضع في القرآن من هذا الوجه، كما في قوله تعالى في سورة البقرة الآية 17: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ". وقول موسى في سورة طه 9- 10: وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً. " إنّ القارئ للنصوص المقدسة للزرادشتية يرى أنها تتنبأ ببعثة نبي يصلح الأمر الذي أفسده الذين انحرفوا عن الدعوة الأولى، ومن هذه النبوءات: * ذكر م. إ. لكاث علي في مقاله: " نبوءة النبي الأخير، Prophet (pbuh) Foretoled ==Ultimate "أنه قد جاء ذكر نبي الإسلام صلى الله عليه وسلّم في كتب الزرادشتيين، في قولها أنه يظهر حكيم عظيم من بلاد رملية من الغرب وسيكون اسمه" أستفت إريتا =Astvat -ereta ="أو" سويشينت =Soeoshyant ="ومكة الصحراوية الرملية تقع غرب فارس! وجاء في" بونداهش" 30: 6- 27 أنّ" سوشينت" هو خاتم النبيّين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 وقد أثبت البحاثة عبد الحق فديارتي في كتابه" محمد في الأسفار العالمية المقدسة" ص 138 (الطبعة الثالثة المراجعة) أنّ كلمة" أستفت إريتا" تعني" أحمد". فقال أنّ كلمة" أستفت إريتا" جذرها هو" أستو" وهو يعني في كل من اللغة السنسكريتية والزندية" حمد"، وبالتالي فمعنى الكلمة السابقة" أحمد". وبيّن في نفس الصفحة السابقة أنّ كلمة" سوشينت" هي إسم المفعول المستقبلي future participle للفعل" سو" أو" ساف"، ويعني praiseworthy أي" محمّد". وأضاف أنّ هذا الفهم لم يتفرّد به بل قاله أيضا مستشرق كبير غير مسلم، جاءت الإشارة في الهامش إلى موسوعة هاستنج، Hastings Encyclopedia مقال. =Saoshyant = * جاء في" أتاش نياييش" 9 أنّ النار ستخمد ولن تضرم عند ما يأتي الزمان الذي سيقع فيه الإصلاح الكبير للعالم، حيث يعمّ الخير. ولا شكّ أنّ نار المجوس لم تخمد إلا مع فتح المسلمين لبلاد فارس. ولا بد في هذا المقام من الإشارة إلى تمجيد هذا السفر المجوسي لإطفاء نار العبادة المجوسية!! فالدين الجديد، إذن، يخالف واقع المجوسية في آخر أيّامها. وجاء في" بونداهش 30: 4- 27، 32: 8، " باهمان ياشت 3: 62"، أنّ هذا الإصلاح سيكون مع ظهور خاتم النبيين" سوشيانت". * جاء في وصف صحابة محمد صلى الله عليه وسلّم في" زمايديشت" 95: " سيأتي أتباعه، أصحاب أستفت إريتا، غير موسوسين، راقي الفكر، لبقين، محسنين، يتّبعون الشريعة الصالحة، وما نطقت ألسنتهم كلمة غش". ومن عرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 صحابة نبي الإسلام رضوان الله عليهم، من خلال سيرتهم، يعلم دقة هذا الوصف في تصويرهم. ووصف هؤلاء الأتباع في" فارفارشز" ياشت 13: 17 بأنّهم أهل إيمان وأنّهم سيصلحون العالم. وسمّوا في ساروش ياشت 4: 17 بأنّهم أتباع سوشينت. * الباحث" محمد عبد الغفار الهاشمي" يقدم لنا هذا البشارة من كتاب زرادشت باللغة الفارسية (عن كتاب د. محمود بن الشريف الأديان في القرآن ص 271 ط 4) : " وتمسّكوا بما جئتكم به إلى أن يجيئكم صاحب الجمل الأحمر من بادية العرب". ويعلق قائلا: " لا ريب أنّ هذه البشرى من زرادشت النبي الإيراني تدلّ على رجل يظهر في بادية العرب وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وهو المعروف بصاحب الجمل الأحمر: " الناقة القصواء"!! * ذكر الأستاذ هشام محمد طلبة في كتابه: " محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الترجوم والتلمود والتوراة.." ص ص 42- 43 جاء في كتاب الزند أفستا مثل يصوّر حال الإمبراطورية الفارسية والديانة الزردشتية كفروع شجرة مكونة من معادن مختلفة (مثل نبوءة دانيال، الفصل 2) . الفرع الأول من ذهب يمثل العصر الذهبي وهو تحت حكم الملك كشتاسب، Gushtasp الفروع الفضية والفولاذية ترمز لهرم (انحدار) الإمبراطورية. أما الفرع الحديدي فيرمز للكارثة الكبيرة التي ستصيب الإمبراطورية الفارسية وديانتها وبقية العالم، وانتصار الحق والفضيلة في آخر الزمان. أي أنّ الحق والفضيلة سينتصران على الإمبراطورية الفارسية ودينها. والعجيب، كما يقول الأستاذ هشام، أنّ أحد الكتب المقدّسة عند الزرادشتين، تصف محطم الإمبراطورية الفارسية بالحق والفضيلة! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 وهلّ حطّم إمبراطورية فارس غير محمد صلى الله عليه وسلّم. * قال العقاد في كتابه" مطلع النور" متحدثا عما كتبه الأستاذ فديارتي في" محمد في الأسفار الدينية العالمية": " استخرج من كتاب زند افستا نبوءة عن رسول يوصف بأنه" رحمة للعالمين" سوشيانت" ويتصدى له عدو يسمى بالفارسية القديمة" أبا لهب"" أنجراميني" ويدعو إلى إله واحد لم يكن له كفؤا أحد" هيج جيز باونمار" وليس له أول ولا آخر ولا ضريع ولا قريع ولا صاحب ولا أب ولا أم ولا صاحبة ولا ولد ولا إبن ولا مسكن ولا جسد ولا شكل ولا لون ولا رائحة"" جز آخاز وانجام وانبار ودشمن ومانند ويار وبدر ومادر وزن وفرزند وحاي سوى وتن آسا وتناني ورنك وبوي است"، وهذه هي جملة الصفات التي يوصف بها الله سبحانه في الإسلام أحد صمد، ليس كمثله شيء، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد، ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا. * قال العقاد في كتابه" مطلع النور" متحدثا عمّا كتبه الأستاذ عبد الحق فديارتي: ".. وشفع ذلك بمقتبسات كثيرة من كتب الزردشتية، تنبئ عن دعوة الحق التي يجيء بها النبي الموعود وفيها إشارة إلى البادية العربية، ويترجم نبذة منها إلى اللغة الإنجليزية معناها بغير تصرف: " إنّ أمة زردشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس، ويخضع الفرس المتكبّرين، وبعد عبادة النار في هياكلهم يولون وجوههم نحو كعبة (بيت عبادة) إبراهيم التي تطهرت من الأصنام، ويومئذ يصبحون وهم أتباع للنبي رحمة للعالمين وسادة لفارس ومديان وطوس وبلخ، وهي الأماكن المقدسة للزردشتيين ومن جاورهم، وأنّ نبيهم ليكونن فصيحا يتحدّث بالمعجزات". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 هذا النص الذي نقله العقاد عن فديارتي عن كتب الزردشتيين موجود في رسالة سازان الأول في كتاب" دساتير". وسازان الأول هو أحد المصلحين في الديانة الزردشتية، ويعتقد أنّ رسالته هذه هي جزء من تعاليم زردشت. وقد ترجم هذا النص إلى الإنجليزية، أيضا، ملا فيروز، ونشره في ترجمة لدساتير في حكم شاه نصر الدين كشر في فارس. وقد عاش ملا فيروز في بومباي في الهند وكان عالما متقنا للغة البهلوية، والزندية، والفارسية، والعربية. وقد اتصل بعدة رجال دين زرادشتيين من مشاهيرهم لجعل ترجمته أكثر مطابقة للنص الأصلي، وبجهوده، بفضل الله، تمّ نشر" دساتير" في أيامنا. وهذا هو النص بالترجمة البهلوية ومقابله في اللغة الإنجليزية، وهو قريب جدا من الترجمة التي ذكرها فديارتي، ننقله مباشرة من كتاب فديارتي وعلي ص ص 23- 24: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 ملحق 1 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 ملحق 2 قصة الإسلام الدكتور وديع أحمد كما يرويها صاحبها * الحمد لله على نعمة الإسلام نعمة كبيرة لا تدانيها نعمة لأنه لم يعد على الأرض من يعبد الله وحده الا المسلمين. * ولقد مررت برحلة طويلة قاربت 40 عاما إلى أن هدانى الله وسوف أصف لكم مراحل هذه الرحلة من عمرى مرحلة مرحلة: - مرحلة الطفولة: - (زرع ثمار سوداء) * كان أبى واعظا في الإسكندرية في جمعية أصدقاء الكتاب المقدس وكانت مهنته التبشير في القرى المحيطة والمناطق الفقيرة لمحاولة جذب فقراء المسلمين إلى المسيحية. * وأصر أبى أن أنضم إلى الشمامسة منذ أن كان عمرى ست سنوات وأن أنتظم في دروس مدارس الأحد وهناك يزرعون بذور الحقد السوداء في عقول الأطفال ومنها: 1- المسلمون اغتصبوا مصر من المسيحيين وعذبوا المسيحيين. 2- المسلم أشد كفرا من البوذي وعابد البقر. 3- القرآن ليس كتاب الله ولكن محمدا اخترعه. 4- المسلمون يضطهدون النصارى لكى يتركوا مصر ويهاجروا ..... وغير ذلك من البذور التي تزرع الحقد الأسود ضد المسلمين في قلوب الأطفال. * وفى هذه الفترة المحرجة كان أبى يتكلم معنا سرا عن انحراف الكنائس عن المسيحية الحقيقية التي تحرم الصور والتماثيل والسجود للبطرك والاعتراف للقساوسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 مرحلة الشباب (نضوج ثمار الحقد الأسود) أصبحت أستاذا في مدارس الأحد ومعلما للشمامسة وكان عمري 18 سنة وكان علي أن أحضر دروس الوعظ بالكنيسة والزيارة الدورية للأديرة (خاصة في الصيف) حيث يتم استدعاء متخصصين في مهاجمة الإسلام والنقد اللاذع للقرآن ومحمد (صلى الله عليه وسلّم) . وما يقال في هذه الإجتماعات: القرآن مليء بالمتناقضات (ثم يذكروا نصف آية) مثل (ولا تقربوا الصلاة ... ) القرآن مليء بالألفاظ الجنسية ويفسرون كلمة (نكاح) على أنها الزنا أو اللواط يقولون أن النبي ومحمد (صلى الله عليه وسلم) قد أخذ تعاليم النصرانية من (بحيره) الراهب ثم حورها وإخترع بها دين الإسلام ثم قتل بحيره حتي لا يفتضح أمره ...... ومن هذا الإستهزاء بالقرآن الكريم ومحمد (صلى الله عليه وسلم) الكثير والكثير ... أسئلة محيرة: الشباب في هذه الفترة وأنا منهم نسأل القساوسة أسئلة كانت تحيرنا: شاب مسيحي يسأل: س: ما رأيك بمحمد (صلى الله عليه وسلم) ؟ القسيس يجاوب: هو إنسان عبقري وذكي. س: هناك الكثير من العباقرة مثل (أفلاطون، سقراط، حامورابي ... ) ولكن لم نجد لهم أتباعا ودين ينتشر بهذه السرعة إلي يومنا هذا؟ لماذا؟ ج: يحتار القسيس في الإجابة. شاب أخر يسأل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 س: ما رأيك في القرآن؟ ج: كتاب يحتوي علي قصص للأنبياء ويحض الناس علي الفضائل ولكنه مليء بالأخطاء. س: لماذا تخافون أن نقرأه وتكفرون من يلمسه أو يقرأه؟ ج: يصر القسيس أن من يقرأه كافر دون توضيح السبب!! يسأل أخر: س: إذا كان محمد (صلى الله عليه وسلم) كاذبا فلماذا تركه الله ينشر دعوته 23 سنة؟ بل ومازال دينه ينتشر إلى الآن؟ مع انه مكتوب في كتاب موسى (كتاب ارميا) ان الله وعد بإهلاك كل إنسان يدعي النبوة هو وأسرته في خلال عام؟ ج: يجيب القسيس (لعل الله يريد أن يختبر المسيحيين به) . مواقف محيرة: 1- في عام 1971 أصدر البطرك (شنودة) قرار بحرمان الراهب روفائيل (راهب دير مينا) من الصلاة لأنه لم يذكر اسمه في الصلاة وقد حاول إقناعه الراهب (صموئيل) بالصلاة فانه يصلي لله وليس للبطرك ولكنه خاف أن يحرمه البطرك من الجنة أيضا!! وتسائل الراهب صموائيل هل يجرؤ شيخ الأزهر أن يحرم مسلم من الصلاة؟ مستحيل 2- أشد ما كان يحيرني هو معرفتي بتكفير كل طائفة مسيحية للأخرى فسالت القمص (ميتاس روفائيل) أب اعترافي فأكد هذا وان هذا التكفير نافذ في الأرض والسماء. فسألته متعجبا: معني هذا أننا كفار لتكفير بابا روما لنا؟ أجاب: للأسف نعم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 سألته: وباقي الطوائف كفار بسبب تكفير بطرك الإسكندرية لهم؟ أجاب: للأسف نعم سألته: وما موقفنا إذا يوم القيامة؟ أجاب: الله يرحمنا!!! بداية الإنجاة نحو الإسلام* وعند ما دخلت الكنيسة ووجدت صورة المسيح وتمثاله يعلو هيكلها فسألت نفسي كيف يكون هذا الضعيف المهان الذي استهزأ به وعذب ربا وإلها؟؟ * المفروض أن أعبد رب هذا الضعيف الهارب من بطش اليهود. وتعجبت حين علمت أن التوراة قد لعنت الصليب والمصلوب عليه وانه نجس وينجس الأرض التي يصلب عليها!! (تثنية 21: 22- 23) . * وفي عام 1981: كنت كثير الجدل مع جاري المسلم (أحمد محمد الدمرداش حجازي) وذات يوم كلمني عن العدل في الإسلام (في الميراث، في الطلاق، القصاص ..... ) ثم سألني هل عندكم مثل ذلك؟ أجبت لا.. لا يوجد. * وبدأت أسأل نفسي كيف أتي رجل واحد بكل هذه التشريعات المحكمة والكاملة في العبادات والمعاملات بدون اختلافات؟ وكيف عجزت مليارات اليهود والنصاري عن إثبات انه مخترع؟ * من عام 1982 وحتى 1990: وكنت طبيبا في مستشفي (صدر كوم الشقافة) وكان الدكتور محمد الشاطبي دائم التحدث مع الزملاء عن أحاديث محمد (صلى الله عليه وسلم) وكنت في بداية الأمر اشعر بنار الغيرة ولكن بعد مرور الوقت أحببت سماع هذه الأحاديث (قليلة الكلام كثيرة المعاني جميلة الألفاظ والسياق) وشعرت وقتها أن هذا الرجل نبي عظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 هل كان أبى مسلما* من العوامل الخفية التي أثرت علي هدايتي هي الصدمات التي كنت أكتشفها في أبي ومنها: 3- هجر الكنائس والوعظ والجمعيات التبشيرية تماما. 4- كان يرفض تقبيل أيدي الكهنة (وهذا أمر عظيم عند النصارى) . 5- كان لا يؤمن بالجسد والدم (الخبز والخمر) أي لا يؤمن بتجسيد الإله. 6- بدلا من نزوله صباح يوم الجمعة للصلاة أصبح ينام ثم يغتسل وينزل وقت الظهر؟! 7- ينتحل الأعذار للنزول وقت العصر والعودة متأخرا وقت العشاء 8- أصبح يرفض ذهاب البنات للكوافير. 9- ألفاظ جديدة أصبح يقولها (أعوذ بالله من الشيطان) (لا حول ولا قوة الا بالله) ... 10- وبعد موت أبي 1988 وجدت بالكتاب الخاص به قصاصات ورق صغيرة يوضح فيها أخطاء موجودة بالأناجيل وتصحيحها. 11- وعثرت علي كتاب جدي (والد أبي) طبعة 1930 وفيها توضيح كامل عن التغيرات التي أحدثها النصاري فيه منها تحويل كلمة (يا معلم) و (يا سيد) إلى (يا رب) !!! ليوهموا القارئ أن عبادة المسيح كانت منذ ولادته. الطريق إلى المسجد وبالقرب من عيادتى يوجد مسجد (هدى الإسلام) اقتربت منه وأخذت أنظر بداخله فوجدته لا يشبه الكنيسة مطلقا (لا مقاعد- لا رسومات- لا ثريات ضخمة لا سجاد فخم- لا أدوات موسيقى وايقاع- لا غناء لا تصفيق) ووجدت أن العبادة في هذه المساجد هى الركوع والسجود لله فقط، لا فرق بين غنى وفقير يقفون جميعا في صفوف منتظمة وقارنت بين ذلك وعكسه الذى يحدث في الكنائس فكانت المقارنة دائما لصالح المساجد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 في رحاب القرآن* قررت أن أقرأ القرآن واشتريت مصحفا وتذكرت أن صديقي أحمد الدمرداش قال إن القرآن (لا يمسه إلا المطهرون) واغتسلت ولم أجد غير ماء بارد وقتها ثم قرأت القرآن وكنت أخشى أن أجد فيه اختلافات (بعد ما ضاعت ثقتي في التوراة والكتاب) وقرأت القرآن في يومين ولكنى لم أجد ما كانوا يعلمونا إياه في الكنيسة عن القرآن. * الأعجب من هذا أن من يكلم محمد صلى الله عليه وسلّم يخبره أنه سوف يموت؟!! من يجرؤ أن يتكلم هكذا الا الله؟؟!! ودعوت الله أن يهدين ويرشدني. الرؤيا: وذات يوم غلبنى النوم فوضعت المصحف بجوارى وقرب الفجر رأيت نورا في جدار الحجرة وظهر رجلا وجهه مضيء اقترب منى وأشار إلى المصحف فمددت يدي لأسلم عليه لكنه اختفى ووقع في قلبي أن هذا الرجل هو النبي محمد صلى الله عليه وسلّم يشير إلى أن القرآن هو طريق النور والهداية. أخيرا- أسلمت وجهى لله* وسألت أحد المحامين فدلني علي أن أتوجه لمديرية الأمن- قسم الشئون الدينية- ولم أنم تلك الليلة وراودني الشيطان كثيرا (كيف تترك دين آبائك بهذه السهولة) ؟ * وخرجت في السادسة صباحا ودخلت كنيسة (جرجس وأنطونيوس) وكانت الصلاة قائمة، وكانت الصالة مليئة بالصور والتماثيل للمسيح ومريم والحواريين وأخرين إلي البطرك السابق (كيرلس) فكلمتهم: (لو أنكم علي حق وتفعلون المعجزات كما كانوا يعلمونا ففعلوا أي شيء ... أي علامة أو إشارة لأعلم إنني أسير في الطريق الخطأ) وبالطبع لا إجابة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 * وبكيت كثيرا علي عمر كبير ضاع في عبادة هذه الصور والتماثيل. وبعد البكاء شعرت أنني تطهرت من الوثنية وأنني أسير في الطريق الصحيح طريق عبادة الله حقا. * وذهبت إلى المديرية وبدأت رحلة طويلة شاقة مع الروتين ومع معاناة مع البيروقراطية وظنون الناس وبعد عشرة شهور تم إشهار إسلامي من الشهر العقاري في أغسطس 1992 اللهم أحيني علي الإسلام وتوفني علي الإيمان اللهم أحفظ ذريتي من بعدي خاشعين، عابدين، يخافون معصيتك ويتقربون بطاعتك (قلت: آمين) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 المراجع والمصادر المراجع والمصادر القرآن الكريم تفاسير القرآن الكريم: تفسير الإمام ابن كثير تفسير الإمام البغوي تفسير الإمام الطبري تفسير الإمام القرطبي تفسير الجلالين تفسير البيضاوي تفسير القاسمي في ظلال القرآن الإمام ابن حجر. فتح الباري بشرح صحيح البخاري الإمام النووي. المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج تراجم الكتاب المقدس: كتاب الحياة الترجمة الكاثوليكية ترجمة الفانديك الترجمة المشتركة التراجم الإنجليزية The Revised Standard Version The New International Version: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 Young s Literal Translation The Amplified Bible The New English Translation The New American Standard Bible The Darby Translation The king James Version The New American Bible The New Revised Standard Version الفرنسية: ruemeS ed elbiB aL dnogeS siuoL الإيطالية: itadiD avouN aL anailatI elapocsipE aznrefnoC الإسبانية: lanoicanretnI noisreV aveuN كتب ومقالات باللغة العربية شيخ الإسلام ابن تيمية الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان الإمام ابن حزم الأندلسي الفصل بين الأهواء والملل والنحل الإمام القرافي الأجوبة الفاخرة ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 رحمة الله الهندي إظهار الحق (دراسة وتحقيق وتعليق د. محمد ملكاوي) أحمد زكي انزعوا قناع بولس عن وجه المسيح عبد الأحد داود (تعريب فهمي الشما) محمد في الكتاب المقدس محمد عزت الطهطاوي محمد صلى الله عليه وسلّم في التوراة والإنجيل والقرآن د. نصر الله أبو طالب تباشير الإنجيل والتوراة بالإسلام ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم نبيل الفضل هل بشر المسيح بمحمد؟ إبراهيم خليل أحمد محمد صلى الله عليه وسلّم في التوراة والإنجيل والقرآن هشام محمد طلبة محمد صلى الله عليه وسلّم في الترجوم والتلمود والتوراة ... عباس محمود العقاد مطلع النور د. أحمد حجازي السقا المسيا المنتظر نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم د. أحمد حجازي السقا نقد التوراة ... د. أحمد حجازي السقا بشارة نبي الإسلام في التوراة والإنجيل د. أحمد حجازي السقا أقانيم النصارى د. أحمد حجازي السقا نبوءة محمد في الكتاب المقدس د. أحمد حجازي السقا" بيريكليت" اسم نبي الإسلام في كتاب عيسى عليه السلام.. د. أحمد حجازي السقا الحج إلى الكعبة في التوراة والزبور والإنجيل والقرآن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 الشفيع الماحي أحمد محمد صلى الله عليه وسلّم في بشارات التوراة والإنجيل أحمد عبد الوهاب اختلافات في تراجم الكتاب المقدس أحمد عبد الوهاب الإسلام والأديان الأخرى أحمد عبد الوهاب النبوة والأنبياء في اليهودية والمسيحية والإسلام ابن سليم البغدادي الفارق بين المخلوق والخالق عبد الله الترجمان تحفة الأريب في الردّ على أهل الصليب الحبر المهتدي إسرائيل بن الرسالة السبعية شموئيل (تحقيق عبد الوهاب طويلة) عبد المجيد الزنداني كتاب توحيد الخالق د. شوقي أبو خليل الحوار دائما ... د. شوقي أبو خليل الإسقاط اللاشعوري د. محمد فاروق الزين المسيحية والإسلام والاستشراق د. زينب عبد العزيز محاصرو وإبادة ... علي الجوهري حقيقة النصرانية من الكتب المقدسة أخلاق حسين الدهلوي مقال" أضواء على كتب الفيدا وما يتعلق بها إشراف مانع الجهني الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة د. محمد معروف الدواليبي نظرات إسلامية د. إبراهيم خليل لماذا أسلم صديقي د. محمد بن شريف الأديان في القرآن د. أحمد علي المجدوب أهل الكهف في التوراة والكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 والقرآن أنور الجندي الإسلام في مواجهة الفلسفات القديمة د. محمد جمعة عبد الله ردّ افتراءات المبشّرين على آيات القرآن الكريم سعيد حوى الرسول صلى الله عليه وسلم محمد علي قطب نظرات في إنجيل برنابا محمد كامل عبد الصمد الإعجاز العلمي في الإسلام- السنّة. محاضرات الموسم الثقافي لعامي 1406- 1407 هـ خالد عبد الرحمن العك غاية حياة الإنسان د. فهد بن عبد الرحمن الرومي خصائص القرآن الكريم د. محمد بن سعد بن حسين الرسالة والرسول عبد الودود شلبي التزوير المقدس قيس الكلبي محمد خاتم الرسل في التوراة والإنجيل مصطفى صادق الرافعي وحي القلم السموأل بن يحي المغربي إفحام اليهود (دراسة وتحقيق د. محمد عبد الله الشرقاوي) حسن ضياء الدين عنز بينات المعجزة الخالدة محمد عمر حمادة تاريخ الصابئة المندائيين محمد سيد محمود علاج المسحور من الكتاب والمأثور د. محمد عمارة في المسألة القبطية حقائق وأوهام سهيل التغلبي الصهيونية تحرّف الإنجيل د. علي عبد الواحد وافي الأسفار المقدسة في الأديان السابقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 للإسلام جعفر إدريس الفيزياء ووجود الخالق د. محمد بيومي مهران موسوعة" دراسات تاريخية من القرآن الكريم" د. موريس بوكاي التوراة والإنجيل والقرآن والعلم (تعريب حسن خالد) د. محمد فاروق الزين المسيحية والإسلام والاستشراق إشراف مانع الجهني الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة د. محمد جمعة عبد الله ردّ افتراءات المبشرين على آيات القرآن الكريم محمد كامل عبد الصمد الإعجاز العلمي في الإسلام- السنّة خالد عبد الرحمن العك غاية حياة الإنسان د. محمد بن سعد بن حسين الرسالة والرسول مالك بن نبي (تعريب عبد الظاهرة القرآنية الصبور شاهين) جورجي كنعان الأصولية المسيحية في نصف الكرة الغربي كتب من الانترنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 سامي البدري بشارة النبي يعقوب بالنبي محمد دانيال أ. باسوك (تعريب سعد رستم) أساطير التجسّد في الشرق الأدنى القديم وأثرها في المسيحية عوض سمعان كتاب برنابا في ضوء التاريخ العقل والدين د. منقذ السقار هل افتدانا المسيح على الصليب د. رؤوف شلبي يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء د. عبد المعطي الدلاتي ربحت محمدا ولم أخسز المسيح سامي البدري بشارة النبي يعقوب بالنبي محمد دانيال أ. باسوك أساطير التجسّد في الشرق الأدنى القديم وأثرها في المسيحية (تعريب سعد رستم) عوض سمعان إنجيل برنابا في ضوء التاريخ العقل والدين د. رؤوف شلبي يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء د. عبد المعطي الدلاتي ربحت محمدا ولم أخسر المسيح الإمام ابن كثير البداية والنهاية الإمام ابن القيم جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام د. عبد العزيز شهبر لغات الرسل وأصول الرسالات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 وآخرون فؤاد العطار نظرية الإغماء .... عائض القرني محمد صلى الله عليه وسلّم كأنّك تراه سام شمعون محمد في الكتاب المقدس.. ردّا على د- جمال بدوي جوش ماكدويل برهان جديد يتطلّب قرارا حليم حسب الله المسيح بين المعرفة والجهل متّى بنهام خمائل الطيب بنيامين بنكرتن التعليق على إنجيل متّى الترميذة علاء النشمي أسئلة وأجوبة عن الديانة المندائية د. مشرح علي أحمد علي ماذا يقول تلمود اليهود عن المسيح والمسيحيين ... ؟! الموسوعة الفقهية الكويتية مقال في صحيفة" كتابات" 30 سبتمبر 2004 بعنوان" شبهات وهمية حول كتاب برنابا" نبيل الكرخي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 مقال في صحيفة" كتابات" 1 أكتوبر 2004 بعنوان" نظرة على الطبعات الحديثة للكتاب المقدس" نبيل الكرخي مقالات وبحوث من موقع" الجامع" ومنتداه على الشبكة العنكبوتية مقالات وبحوث من موقع" المسيحية في الميزان" على الشبكة العنكبوتية مقالات وبحوث من موقع" ابن مريم" على الشبكة العنكبوتية مقالات وبحوث من موقع" المهتدي" على الشبكة العنكبوتية كتب باللغة الانجليزية: معاجم وتعاليق وموسوعات بالإنجليزية: The king James James Study Bible The Five Gospls Jesus Seminar Azimos Guide to the Bible Isaac Azimov Zondervans Compact Bible Dictionary The New International Version Study bible Gospel of Barnabas, Notes and Vommentary M.Yussef The Nag Hammadi Library Jemes M.Robinson كتب متفرقة بالانجليزية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 معاجم وتعاليق وموسوعات بالانجليزية من الانترنت: Adam Clark Commentary of the Bible Catholic Encyclopedia الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 كتب وأبحاث متفرقة باللغة الإنجليزية من الانترنت: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 =Altogther Lovely =Uncovering the Song of songs 5: 16 كتاب باللغة الفرنسية: Tr.Cirillo.l, Fremaux Evangile de Barnabe الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 الفهرس الإهداء 2 توطئة 3 محمد صلى الله عليه وسلم في أسفار اليهود والنصارى 11 مقدمة 12 لماذا يبحث المسلم في موضوع البشارة 23 لماذا على غير المسلم أن يبحث في موضوع البشارة 31 شبهات: 34** كيف أترك أقوال الآباء ... ! 36 ** عدم ورود الذكر الصريح لنبي الإسلام في الأسفار المقدسة! 43 ** غموض البشارات التي يذكرها المسلمون! 96 ** عدم تحريف" الكتاب المقدس"..!! 102 ** لا رسالة ولا نبوة بعد المسيح..!! 150 ** المسلمون يتعسفون في تأويل النصوص!!: 169 ........ بشارة" العبد الصالح" 193 ....... بشارة" إبن الإنسان" 205 ........ بشارة" شيلون" 223 ........ بشارة" الحجر الذي رفضه البناؤون" 232 بشارات من" الكتاب المقدس": 241 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 * بشارة" أحمد" 243 * بشارة" محمد" 248 * المقبل من" فاران" 252 * ابن قيدار الآتى من فاران 268 * المجد الساطع 274 * تاريخ فتح بيت المقدس 278 *" مكة" 281 * النبي الأمي 303 * راكب الجمل 310 * الأمة العظيمة 314 * المنتصر.. صاحب السيف 321 * الرسول المسرى به إلى المسجد الأقصى 330 *" ملكوت السماوات" في الإنجيل 334 * بشارة من" عرفات" 340 * خاتم النبوة 342 * أهم اكتشاف حديث!! 345 * بشارة مخفية! 347 إنجيل برنابا 348 محمد صلى الله عليه وسلم في أسفار الهندوس والصابئة 407 والبوذيين والمجوس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 البشارة في كتب الهندوس 411 البشارة في كتب الصابئة 434 البشارة في كتب البوذيين 441 البشارة في كتب المجوس 445 الملحق الأول 454 الملحق الثاني 460 المراجع 467 الفهرس 481 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483