الكتاب: معاني القرآن المؤلف: أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الفراء (المتوفى: 207هـ) المحقق: أحمد يوسف النجاتي / محمد علي النجار / عبد الفتاح إسماعيل الشلبي الناشر: دار المصرية للتأليف والترجمة - مصر الطبعة: الأولى   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير] ---------- معاني القرآن للفراء الفراء، يحيى بن زياد الكتاب: معاني القرآن المؤلف: أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الفراء (المتوفى: 207هـ) المحقق: أحمد يوسف النجاتي / محمد علي النجار / عبد الفتاح إسماعيل الشلبي الناشر: دار المصرية للتأليف والترجمة - مصر الطبعة: الأولى   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير] [الجزء الاول] بسم الله الرحمن الرحيم تصدير كتاب معانى القرآن من أهم الكتب التي ألّفها أبو زكريا يحيى بن زياد الفرّاء إمام الكوفة فى النحو واللغة، المتوفى سنة 207 وهو من الكتب التي تقوم الدار بطبعها ونشرها، جريا على منهجها فى إحياء الآداب العربية، ونشر الكتب القيّمة الأصيلة. وقد عهدت الدار فى تحقيق هذا الكتاب إلى العالمين الجليلين الأستاذ أحمد يوسف نجاتى، والأستاذ محمد على النجار. وللأستاذين مكانتهما العلميّة السامية من البصر بالفقه والتفسير، والتمكن من اللغة والنحو والصرف مارسا كلّ ذلك بحثا وتدريسا واستيعابا، مع الاطلاع الوافر الغزير فى علوم العربية وآدابها عامّة. وقد قاما بهذه المهمّة فى صبر وأناة، مع دقّة وأمانة فكان لعملهما التوفيق وللكتاب هذا المظهر الجليل. وقد رجعا فى تحقيق هذا الكتاب إلى النّسخ الآتية: 1- نسخة مصوّرة عن الأصل المحفوظ بمكتبة بغداد لى بالمكتبة السليمانية بإستانبول رقم 66 وهى مكتوبة بخط قديم قريب من الكوفىّ، كتبت فى القرن الرابع الهجري، وعلى بعض أجزائها تملّكات وسماعات وأقدم سماع منها مؤرّخ سنة 381 هـ، لعلى بن الحسين بن محمد بن الحسن بن إبراهيم المعروف بابن الطهراني الجزء: مقدمة ¦ الصفحة: 3 الورّاق، عن أبى عبد الله محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده، عن الأصم النيسابورىّ محمد بن يعقوب، عن محمد بن الجهم السّمرىّ، عن الفرّاء. والموجود من هذه النسخة عشرة أجزاء من تجزئة المؤلّف. ويبدو أنها صحيحة الكتابة والضبط والمقابلة غير أنها ناقصة من آخرها، إذ تنتهى عند بدء الكلام على سورة الإنسان كما أن بها عدّة خروم فى مواضع متفرقة، وبيانها: (أ) خرم وقع ما بين ورقتى 32 و 33، عند تفسير قوله تعالى: تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (سورة البقرة 266) ، إلى قوله تعالى: وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً (سورة النساء 36) . (ب) خرم آخر ما بين ورقتى 38 و 39 عند تفسير قوله تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ (النساء 114) ، إلى قوله تعالى: وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً (سورة الأعراف 160) . (ج) خرم آخر وقع بين ورقتى 157 و 158 عند تفسير قوله تعالى: فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (سورة الذاريات 39) ، إلى قوله تعالى: وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (سورة النجم 20) . وتقع هذه النسخة فى 222 ورقة وسطور صفحاتها بين 24- 28 سطرا، ومتوسط كلمات السطر 16 كلمة، وهى محفوظة فى الدار برقم 24986 ب. وقد رمز لهذه النسخة بالحرف (ا) . 2- نسخة مصورة عن المخطوط المحفوظ بمكتبة نور عثمانية بإستانبول رقم 320، والموجود منها مجلد واحد، يبدأ من أوّل الكلام على سورة الزمر، الجزء: مقدمة ¦ الصفحة: 4 وينتهى إلى آخر القرآن الكريم، كتبت فى القرن السادس تقريبا، وهى بدون تاريخ، ويبدو عليها الصحة وضبط الشكل، وفى مواضع منها «بلاغات» بقراءة النسخة من جماعة من العلماء ذكرت أسماؤهم، ويقع هذا المجلد فى 151 ورقة، وأسطر كل صفحة من 18- 24 سطرا، ومتوسط الكلمات فى السطر الواحد ثمانى كلمات، وهذه النسخة محفوظة بالدار برقم 24987 ب، وقد رمز إليها بالحرف (ب) . 3- نسخة مصوّرة عن المخطوط رقم 459 بمكتبة نور عثمانية بإستانبول، مكتوبة بخطّ نسخ جميل، من خطوط القرن الثاني عشر تقريبا، ولكنها كثيرة التحريف والتصحيف، على رغم جمال خطّها. وتقع فى 189 ورقة، وأسطر كل صفحة 30 سطرا، ومتوسط الكلمات فى السطر الواحد 20 كلمة، وهذه النسخة محفوظة بالدار برقم 24771 ب، وقد رمز إليها بالحرف (ح) . 4- نسخة كاملة فى مكتبة المرحوم العلامة محمود الشنقيطى، مكتوبة بقلم معتاد بخط حديث فى أوّل القرن الرابع عشر للهجرة. ويبدو من مراجعتها أنها منسوخة من النسخة السابقة، وتقع فى 222 ورقة من القطع الكبير، وتتراوح سطور كل صفحة بين 32- 35 سطرا، ومتوسط كلمات السطر الواحد 20 كلمة. وبأوّلها تملّك ووقفيّة بخط الشنقيطى مؤرّخان سنة 1309. ويوجد فى أوراقها اضطراب فى التجليد نشأ عنه تقديم بعضها على بعض، وذلك فيما بين سورتى الروم والأحزاب. وهذه النسخة محفوظة بالدار برقم 10 تفسير، وقد رمز إليها بالحرف (ش) . الجزء: مقدمة ¦ الصفحة: 5 5- قطعه بخط ناسخ النسخة السابقة، وتحتوى على الجزء الأخير من سورة عبس، وتنتهى بختم القرآن الكريم- وهى محفوظة بمكتبة العلّامة الشنقيطى- وبأوّلها تملّك مؤرّخ سنة 1310 وهو تاريخ نسخها أيضا، وتقع فى 15 ورقة من قطع النسخة السابقة، وهى محفوظة بالدار برقم 11 تفسير «ش» . وقد رأت الدار أن تقدّم هذا الكتاب لقرّاء العربية فى ثلاثة أجزاء، مذيلّة بالفهارس التفصيلية، وستتابع نشر الجزأين التاليين إن شاء الله، ومنه العون والحول والتوفيق. ديسمبر سنة 1955 محمد أبو الفضل إبراهيم مدير القسم الأدبى الجزء: مقدمة ¦ الصفحة: 6 مقدمة الفرّاء هو أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمىّ. وهذه النسبة إلى الدّيلم، وهو إقليم فى البلاد الفارسية، ويقال للجيل الذي يسكن هذا الإقليم أيضا ويذكر أن زيادا أباه حضر الحرب مع الحسين بن علىّ رضى الله عنهما، وقطعت يده فى هذه الحرب. ومن ثمّ لقّب «الأقطع» . ويقول ابن خلّكان: «وهذا فيه عندى نظر، لأن الفرّاء عاش ثلاثا وستين سنة، فتكون ولادته سنة أربع وأربعين ومائة، وحرب الحسين كانت سنة إحدى وستين للهجرة، فبين حرب الحسين وولادة الفرّاء أربع وثمانون سنة، فكم قد عاش أبوه؟ فإن كان الأقطع جدّه فيمكن. والله أعلم» . ويظهر أن أسرته دخلت فى الإسلام لأوّل دخول الديلم والفرس فى الإسلام، كما يدل عليه أسماء آبائه العربية. وهم موال لمنقر من تميم، أو لأسلم من أسد، على خلاف فى ذلك. ومما يذكر أنه ابن خالة محمد بن الحسن صاحب أبى حنيفة. تلقيبه الفرّاء: والفرّاء قد علمت أنه لقبه لا اسمه. والمعروف فى الفرّاء من يخيط الفراء أو يبيعها كما يتبادر من صيغة النسب كبزّاز وعطّار، ولم يكن صاحبنا ولا أحد آبائه فى شىء من هذا. فقيل: إنه أطلق عليه لأنه كان يفرى الكلام، أي يحسن الجزء: مقدمة ¦ الصفحة: 7 تقطيعه وتفصيله فهو فعّال من الفري صيغة مبالغة، وهمزته بدل من الياء لا من الواو كما هو فى مذهبه الأوّل. وفى أنساب السمعاني: «قال أبو الفضل الفلكىّ: لقّب بالفرّاء لأنه كان يفرى الكلام. هكذا قال فى كتاب الألقاب» . ويقول ابن الأنبارى فى الأضداد 13: «وبعض أصحابنا يقول: إنما سمى الفرّاء فرّاء لأنه كان يحسن نظم المسائل، فشبّه بالخارز الذي يخرز الأديم، وما عرف ببيع الفراء ولا شرائها قطّ. وقال بعضهم: سمى فرّاء لقطعه الخصوم بالمسائل التي يعنت بها، من قولهم: قد فرى إذا قطع قال زهير: ولأنت تفرى ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثم لا يفرى معناه: تخرز ما قدّرت. والخلق: التقدير» . ولا يعرف متى أطلق عليه هذا اللقب، ولا بدّ أنه حين اكتمل وبدا نضجه وغلبته للخصوم. مولده ونشأته: وكانت ولادة الفرّاء بالكوفة سنة 144 هـ فى عهد أبى جعفر المنصور. ونشأ بها وتربّى على شيوخها. وكانت الكوفة أحد المصرين اللذين كانا مقرّ العلم ومربى العلماء، والمصر الآخر البصرة. وكانت الكوفة حافلة بالشيوخ فى فروع العلم المعروفة فى ذلك العصر. ومن شيوخه فيها قيس بن الربيع، ومندل بن علىّ، وأبو بكر بن عيّاش والكسائىّ، وسفيان بن عيينة. ويقال إنه أخذ عن يونس بن حبيب البصرىّ، وإنه كان يلازم كتاب سيبويه. الجزء: مقدمة ¦ الصفحة: 8 وكان الفرّاء قوىّ الحفظ، لا يكتب ما يتلقاه عن الشيوخ استغناء بحفظه. ويقول هنّاد بن السرىّ «1» : «كان الفرّاء يطوّف معنا على الشيوخ، فما رأيناه أثبت سوداء فى بيضاء قط، لكنه إذا مرّ له حديث فيه شىء من التفسير أو متعلّق بشىء من اللغة قال للشيخ: أعده علىّ. وظننّا أنه كان يحفظ ما يحتاج إليه» . وبقيت له قوّة الحفظ طوال حياته، وكان يملى كتبه من غير نسخة، ولم يقتن كتبا كثيرة. ويقول ثعلب: «لما مات الفرّاء لم يوجد له إلا رءوس أسفاط فيها مسائل تذكرة وأبيات شعر» . والأسفاط جمع السّفط وهو ما يوضع فيه الطّيب وغيره، وهو المعروف بالسّبت. وقد بلغ الفرّاء فى العلم المكانة السامية والغاية التي لا بعدها، وكان زعيم الكوفيين بعد الكسائي. ويقول ثعلب: «لولا الفرّاء لما كانت عربيّة لأنه خلّصها وضبطها. ولولا الفرّاء لسقطت العربيّة لأنها كانت تتنازع ويدّعيها كلّ من أراد، ويتكلم الناس فيها على مقادير عقولهم وقرائحهم فتذهب» . وفى تاريخ بغداد: «وكان يقال: النحو الفرّاء، والفرّاء أمير المؤمنين فى النحو» . ويبين عن مبلغه فى العلم قصة ثمامة بن الأشرس المعتزلي، فقد كان الفرّاء يتردّد على باب المأمون حتى لقيه ثمامة، وهنا يقول هذا الرجل عن الفرّاء «2» : «فرأيت أبّهة أديب، فجلست إليه ففاتشته عن اللغة فوجدته بحرا، وفاتشته عن النحو فشاهدته نسيج وحده، وعن الفقه فوجدته رجلا فقيها عارفا باختلاف القوم، وبالنحو ماهرا، وبالطب خبيرا، وبأيام العرب وأشعارها حاذقا. فقلت:   (1) تاريخ بغداد 14/ 152. (2) ابن خلكان 5: 225 (طبعة مكتبة النهضة 1949) . الجزء: مقدمة ¦ الصفحة: 9 من تكون؟ وما أظنك إلا الفرّاء، فقال: أنا هو. فدخلت فأعلمت أمير المؤمنين المأمون، فأمر بإحضاره، وكان سبب اتصاله به» . وقد استقرّ به المقام فى بغداد، ونرى له مع الرشيد قصّة إذ لحن أمامه، واعتذر بأنه يجرى على أساليب العامة وهجة الحديث، ولا يتكلف الإعراب. ولا نرى له ذكرا فى أيام الأمين. حتى إذا جاء المأمون كان اتصاله به- على ما سبق فى قصّة ثمامة- وقد وكل إليه المأمون تعليم ابنيه، وكلّفه تأليف الحدود فى العربية، وأفرد له بيتا فى القصر، وكفاه كلّ مؤنة فيه. وفى ابن النديم «1» «كان أكثر مقامه ببغداد. كان يجمع طوال دهره، فإذا كان آخر السنة خرج إلى الكوفة وأقام بها أربعين يوما فى أهله يفرّق فيهم ما جمعه ويبرّهم» . وفاته: وكانت وفاة الفرّاء فى طريقه فى عودته من مكّة سنة 207 هـ، وفى أنساب السمعاني سنة 209 هـ. تآليفه: أورد له ابن النديم: (1) آلة الكتاب. (2) الأيام والليالى. ومنه نسخة فى دار الكتب فى المجموعة رقم 13 أدب ش. وأخرى فى مكتبة لاله لى برقم 1903 وثالثة فى مكتبة سليم آغا باستانبول. برقم 894   (1) الفهرست 66- 77 (طبع أوربا) . الجزء: مقدمة ¦ الصفحة: 10 (3) البهاء، أو البهي. (ويذكر ابن خلكان أنه أصل الفصيح لثعلب) . (4) الجمع والتثنية فى القرآن. (5) الحدود، وهو فى قواعد العربية، فيذكر حدّ التثنية وطريقة العرب فيها، والإعراب، وهكذا، ويذكر أنها ستون حدّا. (6) حروف المعجم، نقل عنه ابن رشيق فى العمدة 1/ 100 فى مبحث القافية. (7) الفاخر فى الأمثال. من نسخة فى مكتبة الفاتح باستانبول رقم 4009 (8) فعل وأفعل. (9) اللغات. (10) المذكر والمؤنث. من نسخة ضمن مجموعة لغوية فى مكتبة مصطفى الزرعى فى بيروت وأخرى فى مكتبة حلب برقم 1345 (11) المشكل الصغير. (12) المشكل الكبير. ويبدو أنه فى مشكل القرآن كمشكل ابن قتيبة. (13) المصادر فى القرآن. (14) معانى القرآن (وهو هذا الكتاب) . (15) المقصور والممدود. منه نسخة فى مكتبة بروسّه بتركيا. (16) النوادر. (17) الوقف والابتداء. معانى القرآن كان هذا التركيب يعنى به ما يشكل فى القرآن ويحتاج إلى بعض العناء فى فهمه. وكان هذا بإزاء معانى الآثار، ومعانى الشعر، أو أبيات المعاني. ويقول الجزء: مقدمة ¦ الصفحة: 11 الطحاوىّ فى مقدمة كتاب (معانى الآثار) - على ما فى كشف الظنون-. «إنه سأله بعض أصحابه تأليفا فى الآثار المأثورة عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأحكام التي يتوهّم فيها أهل الإلحاد والزّندقة أن بعضها ينقض بعضا لقلّة علمهم بناسخها ومنسوخها» . وقد كتب فى معانى الشعر ثعلب، وأبو الحسن الأخفش سعيد بن مسعده، والأشناندانى، وكذا ابن قتيبة فى كتاب المعاني الكبير. وكتب فيها أيضا أبو عبيد القاسم بن سلّام. ومن قبيل معانى القرآن مجاز القرآن لأبى عبيدة. وقد كتب فى معانى القرآن كثير من الفحول. يقول الخطيب فى تاريخ بغداد فى صدد الحديث عن معانى القرآن لأبى عبيد، وأنه احتذى فيه من سبقه: «وكذلك كتابه فى معانى القرآن. وذلك أن أوّل من صنّف فى ذلك- أي فى معانى القرآن- من أهل اللغة أبو عبيدة معمر بن المثنّى، ثم قطرب بن المستنير، ثم الأخفش. وصنف من الكوفيين الكسائىّ، ثم الفرّاء. فجمع أبو عبيد من كتبهم، وجاء فيه بالآثار وأسانيدها، وتفاسير الصحابة والتابعين والفقهاء» . سبب تأليفه: ومعانى القرآن للفرّاء له قصة. ففى فهرست ابن النديم: «قال أبو العباس ثعلب: كان السبب فى إملاء كتاب الفرّاء فى المعاني أن عمر بن بكير كان من أصحابه، وكان منقطعا إلى الحسن بن سهل، فكتب إلى الفرّاء: إن الأمير الحسن بن سهل ربما سألنى عن الشيء بعد الشيء من القرآن، فلا يحضرنى فيه جواب، فإن رأيت أن تجمع لى أصولا أو تجعل فى ذلك كتابا أرجع إليه فعلت. الجزء: مقدمة ¦ الصفحة: 12 فقال الفرّاء لأصحابه: اجتمعوا حتى أملّ عليكم كتابا فى القرآن. وجعل لهم يوما. فلما حضروا خرج إليهم، وكان فى المسجد رجل يؤذّن ويقرأ بالناس فى الصلاة، فالتفت إليه الفرّاء فقال له: اقرأ بفاتحة الكتاب، ففسّرها، ثم توفّى «1» الكتاب كلّه: يقرأ الرجل ويفسّر الفرّاء. فقال أبو العباس: لم يعمل أحد قبله، ولا أحسب أن أحدا يزيد عليه» . وفى تاريخ بغداد عن أبى بديل الوضّاحى: «فأردنا أن نعدّ الناس الذين اجتمعوا لإملاء كتاب المعاني فلم يضبط. قال: فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضيا» . ولم نقف على أمر عمر بن بكير الذي صنع الكتاب لأجله. روايته: اتفق الكتّاب على أن راوى الكتاب محمد بن الجهم السّمّرى. وكان الفرّاء بملي فى المجلس ويكتب الحاضرون، ويبدو أن السمّرىّ كان له مزيد عناية بالكتابة، وكان ملازما للمجلس، فكان يدوّن، ونسبت رواية الكتاب لذلك إليه، وعسى أن يكون الفرّاء يطلع على ما يدوّن ويقرّه. وكان الكتاب ينسخ فى حياة الفرّاء، فهى نسخة السمري فيما يظهر. على أن هناك نسخة أخرى لم تشتهر. ففى تاريخ بغداد عن محمد بن الجهم: «كان الفرّاء يخرج إلينا وقد لبس ثيابه فى المسجد الذي فى خندق عبويه، وعلى رأسه قلنسوة كبيرة. فيجلس فيقرأ أبو طلحة الناقط عشرا من القرآن، ثم يقول له: أمسك. فيملى من حفظه المجلس، ثم يجىء سلمة- يريد سلمة بن عاصم من جلّة تلامذة الفرّاء- بعد   (1) أي استوفاه. وفى ابن خلكان: «مرّ فى» . الجزء: مقدمة ¦ الصفحة: 13 أن ننصرف نحن، فيأخذ كتاب بعضنا فيقرأ عليه، ويغير ويزيد وينقص. فمن هنا وقع الاختلاف بين النسختين» . يقول السمّرىّ فى صدر الكتاب: «هذا كتاب فيه معانى القرآن، أملاه علينا أبو زكريا يحيى بن زياد الفرّاء- يرحمه الله- عن حفظه من غير نسخة، فى مجالسه أوّل النهار من أيام الثلاثاوات والجمع فى شهر رمضان وما بعده من سنة اثنتين، وفى شهور سنة ثلاث وشهور من سنة أربع ومائتين» . فقد أملاه إذن قبل أن يرد المأمون بغداد من خراسان، إذ كان دخوله بغداد سنة 204. وإذا كان الفرّاء ألّف (الحدود) والمأمون فى بغداد فإن (المعاني) يكون تأليفه قبل تأليف (الحدود) . وفى تاريخ بغداد ما يقضى بخلاف هذا ففيه فى الكلام على الحدود: «فبعد أن فرغ من ذلك- أي الحدود- خرج إلى الناس وابتدأ يملى كتاب المعاني» . ويبدو أن هذا كلام غير دقيق. السّمرىّ راوية الكتاب وهنا يحسن أن نعرض لحياة السّمرى. فهو أبو عبد الله محمد بن الجهم ابن هارون الكاتب. والسمري نسبة إلى سمّر: بلد بين البصرة وواسط. وقد ولد السمّرىّ فى حدود سنة 188، فقد كانت وفاته سنة 277 وله تسع وثمانون سنة. وفى غاية النهاية فى طبقات القرّاء لابن الجزرىّ أن وفاته كانت سنة ثمان ومائتين. ويبدو أن هذا سهو من الكاتب، أو أن فى الكلام سقطا والأصل: سنة ثمان وسبعين ومائتين. الجزء: مقدمة ¦ الصفحة: 14 وقد أخذ السّمرىّ عن الفرّاء وهو لا يزال حدثا، فقد مات الفرّاء وله تسع عشرة سنة، إذ كانت وفاة الفرّاء سنة 207 هـ. ونرى فى صدر الكتاب السند الآتي: «حدّثنا أبو منصور نصر مولى أحمد ابن رسته، قال: حدّثنا أبو الفضل يعقوب بن يوسف بن معقل النيسابورىّ سنة إحدى وسبعين ومائتين، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن الجهم السّمرىّ سنة ثمان وستين ومائتين» . ولا يعرف راوى هذا الإسناد القائل: حدّثنا، وهو من تلاميذ أبى منصور. فأما أبو منصور فلم نقف له على ترجمة، وفى (تاج العروس) تحدّث عن مولاه فقال: «أبو حامد أحمد بن محمد بن رسته الصوفي الأصبهانى، يعرف بالحمال. روى عنه أبو بكر بن مردويه» . وأبو الفضل يعقوب بن يوسف بن معقل ذكره الخطيب فى تاريخ بغداد 14/ 286 وقال فيه: «ورد بغداد، وحدّث بها عن إسحاق بن راهويه» . محمد على النجّار أحمد يوسف نجاتى الجزء: مقدمة ¦ الصفحة: 15 تاريخ تدوين هذا التفسير بسم الله الرّحمن الرّحيم [به «1» الإعانة بدءا وختما، وصلّى الله على سيّدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلّم. حدّثنا أبو منصور نصر مولى أحمد بن رسته، قال: حدّثنا أبو الفضل يعقوب بن يوسف بن معقل النّيسابورىّ، سنه إحدى وسبعين ومائتين، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن الجهم بن هارون السّمّرىّ «2» ، سنة ثمان وستين ومائتين، قال] : الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وبارك وسلّم على محمد خاتم النبيين، وعلى آله، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. وإياه نسأل التوفيق والصواب، وحسن الثواب، والعصمة من الخطايا والزّلل، فى القول والعمل. قال: هذا كتاب فيه معانى القرآن، أملاه علينا أبو زكريا يحيى بن زياد الفرّاء- يرحمه الله- عن حفظه من غير نسخة، فى مجالسه أوّل النهار من أيام الثّلاثاوات والجمع فى شهر رمضان، وما بعده من سنة اثنتين، وفى شهور سنة ثلاث، وشهور من سنة أربع ومائتين. [قال «3» ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ، قال: تفسير مشكل إعراب القرآن ومعانيه أمّ الكتاب قال: فأول ذلك اجتماع القراء وكُتّابِ المصاحف «4» على حذف الألف من «بسم الله الرحمن الرّحيم» ، [وفى فواتح الكتب، وإثباتهم الألف   (1) ما بين المربعين من نسختى ج، ش. وتشديد ثانيه وفتحه-: بلد بين واسط والبصرة. ابن الجهم، وهو أبو الفصل يعقوب بن يوسف. (2) هذه النسبة إلى «سمر» - بكسر أوّله. (3) سقط فى أ. والقائل هو الراوي عن محمد. (4) بهامش نسخة أ: «الكتب» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 فى قوله «1» ] : «فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ» «2» [وإنما حذفوها من «بسم الله الرحمن الرحيم» أول السور والكتب] «3» لأنها وقعت في موضع معروف لا يجهل القارئ معناه، ولا يحتاج إلى قراءته، فاستُخِفّ طرحُها لأن من شأن العرب الإيجاز وتقليلَ الكثير إذا عُرِف معناه. وأثبتت فى قوله: «فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ» لأنها لا تلزم هذا الاسم، ولا تكثر معه ككثرتها مع الله تبارك وتعالى. ألا ترى أنك تقول: «بسم الله» عند ابتداء كل فعل تأخذ فيه: من مأكَلٍ أو مشرب أو ذبيحة. فخفّ عليهم الحذف لمعرفتهم به. وقد رأيت بعض الكتّاب تدعوه معرفته بهذا الموضع إلى أن يحذف الألف والسين من «اسم» لمعرفته بذلك، ولعلمه بأن القارئ لا يحتاج إلى علم ذلك. فلا تَحذِفنّ ألف «اسم» إذا أضفته إلى غير الله تبارك وتعالى، ولا تَحذِفَنّها مع غير الباء من الصفات «4» وإن كانت تلك الصفةُ حرفًا واحدا، مثل اللام والكاف. فتقول: لاسم الله حلاوة في القلوب، وليس اسم كاسم الله فتثبت الألف في اللام وفي الكاف لانهما لم يستعملا كما استعملت الباء في اسم اللَّه. ومما كثر فِي كلام العرب فحذفوا منه أكثر من ذا قولهم: أيش عندك فحذفوا إعراب «5» «أي» وإحدى ياءيه، وحذفت الهمزة من «شيء» ، وكُسرت الشين وكانت مفتوحة في كثير من الكلام لا أُحْصِيه. فإن قال قائل: إنما حذفنا الألف من «بسم الله» لأن الباء لا يُسكت عليها، فيجوز ابتداء الاسم بعدها. قيل له: فقد كتبت العرب في المصاحف وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا «6» بالألف والواو لا يُسكت عليها في كثير من أشباهه. فهذا يبطل «7» ما ادّعى.   (1) ما بين المربعين ساقط من ج، ش. والذي فيهما: «بخلاف قوله «فسبح ... » إلخ. (2) آخر سورة الحاقة، وآية 74 من الواقعة. (3) مابين المربعين فى أ. (4) الصفة عند الكوفيين حرف الجرّ والظرف. (5) يريد بإعراب الحرف حركته. (6) آية 32 سورة الكهف، و 13 سورة يس. [ ..... ] (7) فى ش: «تبطيل» ويبدو أنه تصحيف عما أثبتناه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ ... (2) اجتمع القراء على رفع «الْحَمْدُ» . وأما أهل البدو فمنهم من يقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» . ومنهم من يقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» . ومنهم من يقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» فيرفع الدال واللام. فأما من نصب فإنه يقول: «الْحَمْدُ» ليس باسم إنما هو مصدر يجوز لقائله أن يقول: أحمد الله، فإذا صلح مكان المصدر (فعل أو يَفْعل) «1» جاز فيه النصب من ذلك قول الله تبارك وتعالى: «فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ» «2» يصلح مكانها في مثله من الكلام أن يقول: فاضربوا الرقاب. ومن ذلك قوله: «مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ» «3» يصلح أن تقول في مثله من الكلام: نعوذ بالله. ومنه قول العرب: سَقْيًا لك، ورَعْيًا لك يجوز مكانه: سقاك الله، ورعاك الله. وأما من خفض الدال من «الْحَمْدُ» فإنه قال: هذه كلمة «4» كثرت على ألسن العرب حتى صارت كالاسم الواحد فثقُل عليهم أن يجتمع في اسم واحد من كلامهم ضَمَّةٌ بعدها كسرة، أو كَسْرة بعدها ضمة، ووجدوا الكسرتين قد تجتمعان في الاسم الواحد مثل إِبِلٍ فكسروا الدال ليكون على المثال من أسمائهم.   (1) يريد الماضي أو المضارع، والأمر عند الكوفيين قطعة من المضارع. (2) آية 4 سورة محمد. (3) آية 79 سورة يوسف. (4) يريد جملة الحمدلة. وإطلاق الكلمة على الجملة مجاز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 وأما الذين رفعوا اللام فإنهم أرادوا المثال الأكثر من أسماء العرب الذي يجتمع فيه الضمتان مثلُ: الحُلُم والعُقُب «1» . ولا تُنْكرن أن يجعل الكلمتان كالواحدة إذا كثر بهما الكلام. ومن ذلك قول العرب: «بأَبَا» إنما هو «بِأَبِي» الْيَاءُ من المتكلم ليست من الأب فلما كثر بهما الكلام توهموا أنهما حرف واحد فصيروها ألفا ليكون على مثال: حُبْلَى وسَكْرى وما أشبهه من كلام العرب. أنشدني أبو ثَرْوان: قال الجواري ما ذَهَبْتَ مَذْهَبَا ... وعِبْننِي ولم أكنُ مُعَيَّبَا هل أنت إلا ذاهب لتلعبا ... أريت إن أعطيت نَهْدًا كَعْثَبَا «2» أذاك أم نُعطيكَ هَيْدًا هَيْدَبَا «3» ... أَبْرَدَ في الظَّلماء من مَسِّ الصّبا فقلت: لا، بل ذاكما يا بِيبا «4» ... أجدرُ «5» ألا تَفْضَحَا وتَحْرَبَا «هل أنت إلا ذاهب لتلعبا» «6» ذهب ب «هل» إلى معنى «ما» .   (1) العقب: العاقبة. ويقال فيه العقب بضم فسكون. (2) يصف الركب (أي الفرج) . والنهد: المرتفع المشرف ومنه نهد الثدي (كمنع ونصر) نهودا إذا كعب وارتفع وأشرف. وكعثب نهد: ناتى مرتفع فإن كان لا صقا فهو هيدب. والكعثب والكثعب: الكرب الضخم الممتلى الشاخص المكتنز الناتئ. والكعثب أيضا صاحبته يقال: امرأة كعثب وكثعب أي ضخمة الركب. (3) الهيد الهيدب: الذي فيه رخاوة مثل ركب العجائز المسترخى لكبرها. (4) «يا بيبا» أصله: يا بأبى، و «يا» للنداء المراد منه التنبيه، وقد تستعمل فى موضعه «وا» كقول الراجز: وا بأبى أنت وفوك الأشنب (5) فى الأصول: «أحذر» وهو تصحيف. «وتحربا» : أي تغضبا. وحرب كفرح: اشتدّ غضبه. (6) أعاد هذا الشطر ليتكلم على شىء فيه. يريد أن الغرض من الاستفهام النفي كقوله تعالى: «هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 (عَلَيْهِمْ) و (عَلَيْهِمْ) وهما لغتان لكل لغة مذهبٌ في العربية. فأما من رفع الهاء فإنه يقول: أصلها رفعٌ في نصبها وخفضها ورفعها فأما الرفع فقولهم: «هُم قالوا ذاك» ، في الابتداء ألا ترى أنها مرفوعة لا يجوز فتحها ولا كسرها. والنصب في قولك: «ضربهم» مرفوعة «1» لا يجوز فتحها ولا كسرها فتركت في «عَلَيْهِمْ» على جهتها الأولى. وأما من قال: «عَلَيْهِمْ» فإنه استثقل الضمة في الهاء وقبلها ياء ساكنة، فقال: «عَلَيْهِمْ» لكثرة دور المكنى «2» في الكلام. وكذلك يفعلون بها إذا اتصلت بحرف مكسور مثل «بهم» و «بهم» ، يجوز فيه الوجهان مع الكسرة والياء «3» الساكنة. ولا تبال أن تكون الياء مفتوحا ما قبلها أو مكسورا فإذا انفتح ما قبل الياء فصارت ألفًا في اللفظ لم يُجْز في «هم» إلا الرفع مثل قوله تبارك وتعالى: «وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ» «4» ولا يجوز: «مولاهم الحق» ، وقوله «فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ» «5» لا يجوز: «فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ» . ومثله مما قالوا فيه بالوجهين إذا وليته «6» ياء ساكنة أو كسرة، قوله: «وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ» «7» و «حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا» «8» يجوز رفع الألف من «أم» و «أمها» وكسرها في الحرفين جميعا لمكان الياء. والكسرة مثل قوله تبارك وتعالى: «فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ» «9» ، وقول من رَوَى عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أُوصى امْرَأً بأمه) . فمن رفع قال: الرفع هو الأصل فى الأمّ   (1) كأن الأصل: «هى مرفوعة» فحذف المبتدأ للعلم به. والحديث عن الهاء. (2) يريد بالمكنى: الضمير. (3) أي فى «عليهم» . [ ..... ] (4) آية 30 سورة يونس. (5) آية 90 سورة الأنعام. (6) كذا فى الأصول. والولي: القرب والاتصال من قبل ومن بعد، وإن اشتهر فيما يجىء بعد. فقوله: «وليته» أي اتصلت به، والمقام يقضى أنها اتصلت به قبله. (7) آية 4 من سورة الزخرف. (8) آية 59 سورة القصص. (9) آية 11 سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 والأمهات. ومن كسر قال: هي كثيرة المجرى في الكلام فاستثقل ضَمَّةَ قبلها ياء ساكنة أو كسرة. وإنما يجوز كسر ألف «أم» إذا وليها «1» كسرة أو ياء فإذا انفتح ما قبلها فقلت: فلان عند أمه، لم يجز أن تقول: عند إِمه، وكذلك إذا كان ما قبلها مضموما لم يجز كسرها فتقول: أتبعت أمه، ولا يجوز الكسر. وكذلك إذا كان ما قبلها حرفا مجزوما لم يكن في الأم إلا ضم الألف كقولك: من أمه، وعن أمه. ألا ترى أنك تقول: عنهم ومنهم [واضربهم] «2» . ولا تقول: عنهم ولا منهم، ولا اضربهم. فكل موضع حسن فيه كسر الهاء مثل قولهم: فيهم وأشباهها، جاز فيه كسر الألف من «أم» وهي قياسها. ولا يجوز أن تقول: كتب إلى إِمه ولا على إِمه لأن الذي قبلها ألف في اللفظ وإنما هي ياء في الكتاب: «إلى» «3» و «على» . وكذلك: قد طالت يدا أُمه بالخير. ولا يجوز أن تقول: يدا إِمه. فإن قلت: جلس بين يدي أمِّه جاز كسرها وضمها لأن الذي قبلها ياء. ومن ذلك أن تقول: هم ضاربو أُمّهاتهم برفع الألف لا يكون غيره. وتقول: ما هم بضاربي أمهاتهم وإمهاتهم يجوز الوجهان جميعا «4» لمكان الياء. ولا تُبال «5» أن يكون ما قبل ألف «أم» موصولا بها «6» أو منقطعا منها الوجهان يجوزان فيه تقول: هذه أم زيد وإِمُّ زيد. وإذا ابتدأتها لم تكن إلا مرفوعة، كما كانت «هُم» لا تكون إلا مرفوعة في الابتداء، فأما «هم» فلا تكسر إلا مع حرف يتصل بها لا يفرق بينه وبينها مثل «بهم» .   (1) كذا فى الأصول. وانظر ما كتب آنفا فى التعليق. (2) زيادة اقتضاها السياق. وقوله بعد: «ولا اضربهم» . (3) فى أ: «مثل إلى» . (4) «جميعا» ساقط من أ. (5) فى ج، ش: «يقال» . وهو تحريف عما أثبت. (6) يريد الوصل والانقطاع فى الرسم والخط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 وقوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ... (7) بخفض «غَيْرِ» لأنها نعت للذين، لا للهاء والميم من «عَلَيْهِمْ» . وإنما جاز أن تكون «غَيْرِ» نعتًا لمعرفة لأنها قد أضيفت إلى اسم فيه ألف ولام، وليس بمصمودٍ «1» له ولا الأول أيضا بمصمود له، وهي في الكلام بمنزلة قولك: لا أمرّ إلا بالصادق غيرِ الكاذب كأنك تريد بمن يصدق ولا يكذب. ولا يجوز أن تقول: مررت بعبد الله غير الظريف إلا على التكرير لأن عبد الله موقّت «2» ، و «غَيْرِ» في مذهب «3» نكرةٍ غير موقتة، ولا تكون نعتا إلا لمعرفة غير موقتة. «4» والنصب جائز فى «غَيْرِ» ، تجعله قطعا «5» من «عَلَيْهِمْ» . وقد يجوز أن تجعل «الَّذِينَ» قبلها في موضع توقيت، وتخفض «غَيْرِ» على التكرير: «صراط غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» .   (1) أي لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم، لأن «الذين» مع كونه معرفة فتعريفه بالصلة فهو قريب من النكرة لأنه عام. و «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ ... » أيضا لم يقصد به معين فمن ثم صلح أن تكون (غير) وصفا للمعرفة. ويرى بعضهم أن (غيرا) وإن كانت فى الأصل نكرة إلا أنها هنا قريب من المعرفة، لأنها إذا وقعت بين متضادين وكانا معرفتين تعرفت بالإضافة، أو قربت من المعرفة كقولك: تعجبنى الحركة غير السكون، فالحركة دأب الحي غير الميت، وكذلك الحال هنا لأن المنعم عليهم والمغضوب عليهم متضادان معرفتان. ويجوز فى «غَيْرِ» فى الآية أن تكون بدلا من «الَّذِينَ» أو من الهاء فى «عَلَيْهِمْ» . (2) يعنى كونه علما معينا معرّفا بالعلمية. [ ..... ] (3) المذهب: مكان الذهاب يراد به الطريق. أي أن «غَيْرِ» فى طريق النكرة، وهذا كناية عن أنها نكرة. (4) قال المبرد: و الفراء يأبى أن يكون «غَيْرِ» نعتا إلا للذين لأنها بمنزلة النكرة، وقال الأخفش: «غَيْرِ» بدل قال ثعلب: وليس بممتنع ما قال، ومعناه التكرير، كأنه أراد صراط غير المغضوب عليهم. (5) يريد بالقطع أنه منصوب حالا من الهاء فى «عَلَيْهِمْ» كأنه قيل: أنعمت عليهم لا مغضوبا عليهم. وجوز أن يكون منصوبا بالاستثناء من «الَّذِينَ» أو من الضمير فى «عَلَيْهِمْ» أي إلا المغضوب عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وأما قوله تعالى: وَلَا الضَّالِّينَ» (7) فإن معنى «غَيْرِ» معنى «لَا» فلذلك ردّت عليها «وَلَا» . هذا كما تقول: فلان غير محسن ولا مُجْمِلٍ فإذا كانت «غَيْرِ» بمعنى سوى لم يجز أن تُكَرَّ عليها «لَا» ألا ترى أنه لا يجوز: عندي سوى عبد الله ولا زيد. وقد قال بعض من «1» لا يعرف العربية: إن معنى «غَيْرِ» في «الْحَمْدُ» «2» معنى «سوى» ، وإن «لَا» صلة في الكلام، واحتَّج بقول الشاعر «3» : في بئرِ لا حُورٍ سرى وما شعر وهذا [غير] جائز لأن المعنى وقع على ما لا يتبين فيه عمله، فهو جحد محض. وإنما يجوز أن تجعل «لَا» صلة إذا اتصلت بجَحْد قبلها مثل قوله: ما كان يرضى رسول الله دينهم ... والطيبان أبو بكر ولا عمر «4» فجعل «لَا» صلة لمكان الجحد الذي في أول الكلام هذا التفسير أوضح أراد فى بئر لا حور، «لَا» الصحيحة في الجحد لأنه أراد في: بئر ماء لا يُحير عليه شيئًا كأنك قلت: إلى غير رشد توجه وما درى. والعرب تقول: طحنت الطاحنةُ فما أحارت شيئا «5» أي لم يتبين لها أثر عمل.   (1) هو أبو عبيدة. وانظر اللسان (غير) . (2) أي سورة الفاتحة. والحمد من أسمائها. (3) هو العجاج، من أرجوزة له طويلة يمدح بها عمر بن عبيد الله بن معمر، وكان عبد الملك بن مروان وجهه لقتال أبى فديك الحروري فأوقع به وبأصحابه. ومطلعها: قد جبر الدين الإله فجبر ... وعور الرحمن من ولى العور وقوله: «فى بئر لا حور» يريد فى بئر نقص سرى الحروري وما شعر يقول: نقص الحروري ومادرى. ويقال: فلان يعمل فى حور أي فى نقصان. وهذا على ما يرى أبو عبيدة. ويرى الفرّاء أن الحور الرجوع ولا للنفى، أي سرى فى بئر غير رجوع، أي بئر منسوبة إلى عدم الرجوع لأنها لا ترجع عليه بخير. والحور يأتى فى معنى النقصان ومعنى الرجوع، فأخذ أبو عبيدة بالأول، والفرّاء بالثاني. وانظر الخزانة 2/ 95 والبيت محرف فى الأصل والتصويب من ديوان العجاج. (4) من قصيدة لجرير فى هجو الأخطل. وانظر الديوان طبعة الصاوى 263. (5) أي ما ردت شيئا من الدقيق، والمراد أنه لم يتبين لها أثر عمل كما قال المؤلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 ومن سورة البقرة «1» قوله تعالى: الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ ... (2) الهجاء موقوف فِي كل القرآن، وليس بجزم يسمّى جزما، إنما هُوَ كلام جزمه نية الوقوف على كل حرف منه فافعل ذلك بجميع الهجاء فيما قل أو كثر. وإنما قرأت القراءُ «آلم اللَّهُ» في «آل عِمْرانَ» ففتحوا الميم لأن الميم كانت مجزومة لنية الوقفة «2» عليها، وإذا كان الحرف ينوى به الوقوف نوى بما بعده الاستئناف، فكانت القراءة «ال م الله» فتركت العرب همزة الألف من «الله» فصارت فتحتها في الميم لسكونها، ولو كانت الميم جزما مستحِقّا للجزم لكسرت، كما في «قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ» «3» . وقد قرأها رجل من النحويين، - وهو أبو جعفر الرؤاسي وكان رجلا صالحا- «آلم أَلله» بقطع الألف، والقراءة بطرح الهمزة. قال الفراء: وبلغني عن عاصم أنه قرأ بقطع «4» الألف.   (1) فى ج، ش: فاتحة البقرة. (2) فى ج، ش: «الوقف» . فتح الميم فى «الم الله» أوّل سورة آل عمران هو قراءة العامة قال النحاس فى إعراب القرآن له: «وقد تكلم فيها النحويون القدماء فمذهب سيبويه أن الميم فتحت لالتقاء الساكنين، واختاروا لها الفتح كى لا يجمع بين كسرة وياء وكسرة قبلها ... ... وقال الكسائي: حروف التهجي إذا لقيتها ألف الوصل فحذفت ألف الوصل حركتها بحركة الألف فقلت: الم الله، والم اذكر، والم اقتربت» . وقال العكبري فى إعراب القرآن له: «وقيل فتحت لأن حركة همزة «الله» ألقيت عليها، وهذا بعيد لأن همزة الوصل لا حظ لها فى الثبوت فى الوصل حتى تلقى حركتها على غيرها. وقيل الهمزة فى «الله» همزة قطع، وإنما حذفت لكثرة الاستعمال، فلذلك ألقيت حركتها على الميم لأنها تستحق الثبوت، وهذا يصح على قول من جعل أداة التعريف «أل» . (3) آية 27 سورة يس. (4) قراءة عاصم كقراءة الرؤاسى، وهذه القراءة على تقدير الوقف على «الم» كما يقدرون الوقف على أسماء الأعداد فى نحو واحد، اثنان، ثلاثة، اربعة وهم واصلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وإذا كان الهجاء أوّل سورة فكان حرفا واحدا مثل قوله «ص» و «ن» و «ق» كان فيه وجهان في العربية إن نويت به الهجاء تركته جزمًا وكتبته حرفًا واحدا، وإن جعلته اسما للسورة أو في مذهب قَسَم كتبته على هجائه «نون» و «صاد» و «قاف» وكسرت الدال من صاد، والفاء من قاف، ونصبت النون الآخرة من «نون» فقلت: «نون والقلم» و «صاد والقرآن» و «قاف» لأنه قد صار كأنه أداة كما قالوا رجلان، فخفضوا النون من رجلان لأن قبلها ألفًا، ونصبوا النون في «المسلمون والمسلمين» لأن قبلها ياء وواوا. وكذلك فافعل ب «يس وَالْقُرْآنِ» فتنصب النون من «يس» وتجزمها. وكذلك «حم» و «طس» ولا يجوز ذلك فيما زاد على هذه الأحرف مثل «طا سين ميم» لأنها لا تشبه الأسماء، و «طس» تشبه قابيل. ولا يجوز ذلك في شيء من القرآن مثل «الم» و «المر» ونحوهما. وقوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ ... (2) يصلح فيه ذلِكَ من جهتين، وتصلح فيه «هذا» من جهة فأما أحد الوجهين من «ذلِكَ» فعلى معنى: هذه الحروف يا أحمد «1» ، ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أُوحِيه إليك. والآخر أن يكون «ذلِكَ» على معنى يصلح فِيهِ «هَذَا» لأن قوله «هَذَا» و «ذلِكَ» يصلحان في كل كلام إذا ذكر ثم أتبعته بأحدهما بالأخبار عنه. ألا ترى أنك تقول: قد قدم فلان فيقول السامع: قد بلغنا ذلك، وقد بلغنا هذا الخبر، فصلحت فيه «هذا» لأنه قد قرب من جوابه، فصار كالحاضر الذي تشير إليه، وصلحت فيه «ذلِكَ» لانقضائه، والمنقضي كالغائب. ولو كان شيئًا قائما يرى لم يجز مكان «ذلِكَ» «هذا» ،   (1) فى ج، ش «محمد» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 ولا مكان «هذا» «ذلِكَ» وقد قال الله جل وعز: «وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ» إلى قوله: «وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ» ثم قال: «هذا ذِكْرُ» «1» . وقال جل وعز في موضع آخر: «وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ» ثم قال: «هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ» «2» . وقال جل ذكره: «وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ» ثم قال: «ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ» «3» . ولو قيل في مثله من الكلام في موضع «ذلِكَ» : هذا» أو فى موضع «هذا» : «ذلِكَ» لكان صوابا. وفي قراءة عبد الله بن مسعود «هَذَا فَذُوقُوهُ» وفي قراءتنا «ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ» «4» . فأما ما لا يجوز فِيهِ «هذا» في موضع «ذلِكَ» ولا «ذلِكَ» في موضع «هذا» فلو رأيت رجلين تنكر أحدهما لقلت للذي تعرف: مَن هذا الذي معك؟ ولا يجوز هاهنا: مَن ذلك؟ لأنك تراه بعينه. وأما قوله تعالى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) فإنه رفع من وجهين ونصب من وجهين إذا أردت ب «الْكِتابُ» أن يكون نعتا ل «ذلِكَ» كان الهُدَى في موضع رفع لأنه خبر ل «ذلِكَ» كأنك قلت: ذلك هُدًى لا شك فيه «5» . وإن جعلت لا رَيْبَ فِيهِ خبره رفعت أيضا (هُدىً) تجعله تابعا لموضع «لا رَيْبَ فِيهِ» كما قال الله عز وجل: «وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ» «6» كأنه قال: وهذا كتاب، وهذا مبارك، وهذا من صفته كذا وكذا. وفيه وجه ثالث من الرفع: إن شئت رفعته على الاستئناف لتمام ما قبله، كما قرأت القرّاء «الم. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ. هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ» » بالرفع   (1) الآيات 45- 49 سورة ص. [ ..... ] (2) آية 52، 53 سورة ص. (3) آية 19 سورة ق. (4) آية 14 سورة الأنفال. (5) وجملة «لا ريب فيه» على هذا اعتراض أو حال. (6) آية 92 و 155 سورة الأنعام. (7) آية 1- 3 سورة لقمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 والنصب. وكقوله في حرف عَبْد اللَّه: «أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخٌ» «1» وهي في قراءتنا «شَيْخاً» . فأما النصب في أحد الوجهين فأن تجعل «الْكِتابُ» خبرا ل «ذلِكَ» فتنصب «هُدىً» على القطع لأن «هُدىً» نكرة اتصلت بمعرفة قد تم خبرها فنصبتها لأن النكرة لا تكون دليلا على معرفة. وإن شئت نصبت «هُدىً» على القطع «2» من الهاء التي في «فِيهِ» كأنك قلت: لا شك فيه هاديا. واعلم أن «هذا» إذا كان بعده اسم فيه الألف واللام جرى على ثلاثة معان: أحدها- أن ترى الاسم الذي بعد «هذا» كما ترى «هذا» ففعله حينئذ مرفوع «3» كقولك: هذا الحمار فارهٌ. جعلت الحمار نعتًا لهذا إذا «4» كانا حاضرين، ولا يجوز هاهنا النصب «5» . والوجه الآخر- أن يكون ما بعد «هذا» واحدا يؤدّي عن جميع جنسه، فالفعل حينئذ منصوب كقولك: ما كان من السباع غير مخوف فهذا الأسد مخوفا ألا ترى أنك تخبر عن الأسْد كلِّها بالخوف. والمعنى الثالث- أن يكون ما بعد «هذا» واحدا لا نظير له فالفعل حينئذ أيضا منصوب. وإنما نصبت الفعل لأن «هذا» ليست بصفة للأسد إنما دخلت تقريبا «6» ، وكان الخبر بطرح «هذا» أجود ألا ترى إنك لو قلت: ما لا يضر «7» من السباع فالأسد ضارّ، كان أبين. وأما معنى التقريب: فهذا أول ما أخبركم عنه، فلم يجدوا بدّا من أن   (1) آية 72 سورة هود. (2) يريد بالقطع الحال. (3) يعنى أن مدلول «هذا» والاسم المحلى بأل بعده واحد مساو له، بأن يكون هو إياه لا يزيد عنه، ومراده بفعله الاسم الواقع بعد المحلى بأل، وعبر عنه بفعله لأنه من أحواله وصفاته، وقد يكون حدثا من أحواله وصفاته نحو الفراهة والإخافة، والضياء والنور فى الأمثلة التي أتى بها. (4) كذا فى الأصول. والأنسب (إذ) . (5) عدم جواز النصب هنا أنه لو نصب «فاره» حالا، لتعين أن يكون «الحمار» خبر الاسم الإشارة فتكون الجملة الاسمية لا فائدة فيها لأنك تخبر عن شىء مشاهد بنفسه. (6) انظر فى التقريب عند الكوفيين الهمع 1/ 113 (7) كذا بالأصول، وقد يكون الأصل: ما لا يضرى من السباع فالأسد ضار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 يرفعوا هذا «بالأسد» ، وخبره منتظر، فلما شغل الأسد بمرافعة «1» «هذا» نصب فعله الذي كان يرافعه لخلوته «2» . ومثله «وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» «3» فإذا أدخلت عليه «كان» ارتفع بها والخبر منتظر يتم به الكلام فنصبته لخلوته. وأما نصبهم فعل الواحد الذي لا نظير له مثل قولك: هذه الشمس ضياءً للعباد، وهذا القمر نورًا فإن القمر واحد لا نظير له، فكان أيضا عن قولك «هذا» مستغنيا ألا ترى أنك إذا قلت: طلع القمر، لم يذهب الوهم إلى غائب فتحتاج أن تقول «هذا» لحضوره، فارتفع بهذا ولم يكن نعتا، ونصبت خبره للحاجة إليه. وقوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ ... (7) انقطع معنى الختم عند قوله: «وَعَلى سَمْعِهِمْ» . ورفعت «الغشاوة» ب «عَلى» ، ولو نصبتها بإضمار «وجعل» لكان صوابا. وزعم المفضَّل «4» أن عاصم بن أبي النَّجُود كان ينصبها، على مثل قوله في الجاثية: «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً» «5» ومعناهما واحد، والله أعلم. وإنما يحسن الإضمار في الكلام الذي يجتمع ويدل أوله على أخره كقولك: قد أصاب فلان المال، فبنى الدور والعبيد والإماء واللباس الحسن فقد ترى البناء لا يقع على العبيد والإماء ولا على الدواب ولا على الثياب، ولكنه من صفات اليسار   (1) «بمرافعة» كذا فى ش. وفى غيرها: «بمرافعه» . هذا ومذهب الكوفيين ومنهم الفراء أنّ المبتدأ والخبر ترافعا يعنى أن المبتدأ رفع الخبر والخبر رفع المبتدأ لأن كلا منهما طالب للآخر ومحتاج إليه وبه صار عمدة. [ ..... ] (2) أي عدم اشتغاله بمرافع. (3) «الله» مبتدأ و «غفور رحيم» خبران، فإذا دخل على الجملة كان يكون لفظ الجلالة مرفوعا بها، وينصب ما بعده. (4) هو المفضل الضبّىّ. كان من أكابر علماء الكوفة، توفى سنة 171 هـ. (5) آية 23 من السورة المذكورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 فحسن الإضمار لمّا عرف. ومثله فى سورة الواقعة: «يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ. بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ» «1» ثم قال: «وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ. وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. وَحُورٌ عِينٌ» فخفض بعض القراء، ورفع بعضهم الحور العين. «2» قال الذين رفعوا: الحور العين لا يطاف بهن فرفعوا على معنى قولهم: وعندهم حُورٌ عينٌ، أو مع ذلك حور عينٌ فقيل «3» : الفاكهة واللحم لا يطاف بهما إنما يطاف بالخمر وحدها- والله أعلم- ثم أُتبع آخر الكلام أوله. وهو كثير في كلام العرب وأشعارهم، وأنشدني بعض بني أسد يصف فرسه: عَلَفْتُهَا تِبْنًا وماءً باردًا ... حتَّى شَتَتْ هَمَّالةً عَيْنَاهَا «4» والكتاب أعرب وأقوى في الحجة من الشعر. وأمّا ما لا يحسن فيه الضمير «5» لقلة اجتماعه، فقولك: قد أعتقت مباركا أمس وآخر اليوم يا هذا وأنت تريد: واشتريت آخر اليوم لأن هذا مختلف لا يعرف أنك أردت ابتعت. ولا يجوز أن تقول: ضربت فلانا وفلانا وأنت تريد بالآخر: وقتلت فلانا لأنه ليس هاهنا دليل. ففي هذين الوجهين ما تعرف به ما ورد عليك إن شاء الله. وقوله: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ ... (16) ربما قال القائل: كيف تربح التجارة وإنما يربح الرجل التاجر؟ وذلك من كلام العرب: ربح بَيْعُك وخسر بيعُك، فحسن «6» القول بذلك لأن الربح والخسران إنما يكونان في التجارة، فعلم معناه. ومثله من كلام العرب: هذا ليل نائم. ومثله من كتاب الله: «فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ» «7» وإنما العزيمة للرجال، ولا يجوز الضمير «8»   (1) آية 22 من السورة المذكورة. (2) كذا فى أ. وفى ش، ج: «وقال» . (3) هذا توجيه الخفض فى «حور عين» بالحمل على الفاكهة واللحم، فقد خفضا مع أنهما لا يشتركان مع الأكواب فى الطواف بهما، وإنما هو إتباع الآخر الأوّل على تقدير عامل مناسب، فليكن هذا هنا. (4) انظر الخزانة 1/ 499. (5، 8) يريد بالضمير المحذوف. (6) كذا فى أ، ب. وفى ش، ج: «وحسن» . (7) آية 21 سورة محمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 إلا في مثل هذا. فلو قال قائل: قد خسر عبدك لم يجز ذلك، (إن كنت) «1» تريد أن تجعل العبد تجارةً يُربَح فيه أو يُوضَع «2» لأنه قد يكون العبد تاجرا فيربح أو يُوضَع، فلا يعلم معناه إذا ربح هو من معناه إذا كان مَتْجُورًا فيه. فلو قال قائل: قد ربحت دراهمُك ودنانيرُك، وخسر بَزُّك ورقيقك كان جائزا لدلالة بعضه على بعض. وقوله: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ... (17) فإنما ضرب المثل- والله أعلم- للفعل لا لاعيان الرجال، وإنما هو مَثَل للنفاق فقال: مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ولم يقل: الذين استوقدوا. وهو كما قال الله: «تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ» «3» . وقوله: «مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ» «4» فالمعنى- والله أعلم-: إلا كبعث نفس واحدة ولو كان التشبيه للرجال لكان مجموعا «5» كما قال: «كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ» «6» أراد الْقِيمَ «7» والأجسام، وقال: «كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ» «8» فكان مجموعا إذ «9» أراد تشبيه أعيان الرجال فأجْر الكلام على هذا. وإن جاءك تشبيه جمع الرجال موحّدا فى شعر فأجْر الكلام على هذا. وإن جاءك تشبيه جمع الرجال موحَّدا في شعر فأجِزْه. وإن جاءك التشبيه للواحد مجموعا في شعر فهو «10» أيضا يراد به الفعل فأجزه كقولك: ما فِعْلك إلا كفعل الحَمِير، وما أفعالكم إلا كفعل الذِّئب فابنِ على «11» هذا، ثم تُلْقِي الفعلَ فتقول: ما فعلك إلا كالحَميرِ وكالذئب. وإنما قال الله عز وجل: «ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ» لأن المعنى ذهب إلى المنافقين فجمع لذلك. ولو وُحِّد لكان صوابا كقوله: «إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ. طَعامُ الْأَثِيمِ.   (1) فى الأصول: «وإن كنت» وما أثبتناه أوفق. (2) أوضع فى تجارته (بضم الهمزة) ، ووضع (كعنى وكوجل) خسر فيها. وفى ج، ش: «تربح وتوضع» . (3) آية 19 سورة الأحزاب. [ ..... ] (4) آية 28 سورة لقمان. (5) العبارة فى ج، ش: «ولو كان التشبيه للرجال أراه لكان مجموعا ... إلخ» . (6) آية 4 سورة المنافقون. (7) القيم (جمع قامة أو قيمة) : وهى قوام الإنسان وقدّه وحسن طوله. (8) آية 7 سورة الحاقة. (9) فى الأصول: «إذا» والمقام للتعليل. (10) كذا فى الأصول. والأنسب: «وهو» . (11) فى ج، ش: «هذين» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 كَالْمُهْلِ تغلى فِي الْبُطُونِ» «1» و «يَغْلِي» فمن أنّث ذهب إلى الشجرة، ومن ذَكَّر ذهب إلى المهل. ومثله قوله عز وجل: «أَمَنَةً نُعاساً تغشى طائِفَةً مِنْكُمْ» «2» للأمنة، و «يَغْشى» للنعاس. وقوله: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18) رفعن وأسماؤهن «3» في أول الكلام منصوبة لأن الكلام تم وانقضت به آية، ثم استؤنفت «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ» في آية أخرى، فكان أقوى للاستئناف، ولو تم الكلام ولم تكن آية لجاز أيضا الاستئناف قال الله تبارك وتعالى: «جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً. رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ» «4» «الرَّحْمنِ» يرفع ويخفض في الإعراب، وليس الذي قبله بآخر آية. فأما ما جاء في رءوس الآيات مستأنفا فكثير من ذلك قول الله: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ» إلى قوله: «وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» «5» . ثم قال جل وجهه: «التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ» بالرفع فى قراءتنا، وفي حرف ابن مسعود «6» «التائبين العابدين الحامدين» . وقال: «أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ اللَّهَ رَبَّكُمْ» «7» . يُقرأ بالرفع والنصب على ما فسرت لك. وفي قراءة عبد الله: «صُمًّا بُكْمًا عُمْيًا» بالنصب. ونصبُه على جهتين إن شئت على معنى: تركهم صمًّا بكما عميا، وإن شئت اكتفيت بأن توقع الترَك عليهم في الظلمات، ثم تستأنف «صُمًّا» بالذمّ لهم. والعرب تنصب بالذمّ وبالمدح لأن فيه مع الأسماء مثل معنى قولهم: وَيْلا له، وَثَوَابًا له، وَبُعْدًا وسقيا ورعيا.   (1) آية 43- 45 سورة الدخان. (2) آية 154 سورة آل عمران. (3) كأنه يريد الضمير المنصوب فى قوله: «وتركهم» وجعله أسماءهم إذ كان ضميرا مجموعا، فكأنه عدّة ضمائر، كل ضمير اسم، أو أراد بالمنصوبة غير المرفوعة. (4) آية 37 سورة النبأ. (5) آية 111 سورة التوبة. (6) فى ج، ش: «وفى قراءة عبد الله» . [ ..... ] (7) آية 125- 126 سورة الصافات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وقوله: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ ... (19) مردود على قوله: «مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً» . أَوْ كَصَيِّبٍ: أو كمثل صيِّب، فاستُغني بذكر «الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً» فطُرِح ما كان ينبغي أن يكون مع الصيب من الأسماء، ودل عليه المعنى لأن المثل ضرب للنفاق، فقال: فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ فشبه الظلمات «1» بكفرهم، والبرق «2» إذا أضاء لهم فمشوا فيه بإيمانهم، والرعد ما أتى في القرآن من التخويف. وقد قيل فيه وجه آخر قيل: إن الرعد إنما ذُكِر مَثَلا لخوفهم من القتال إذا دُعُوا إليه. ألا ترى أنه قد قال في موضع آخر: «يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ» «3» أي يظنون أنهم أبدًا مغلوبون. ثم قال: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ فنصب «حَذَرَ» على غير وقوعٍ من الفعل عليه لم ترد يجعلونها حذرا، إنما هو كقولك: أعطيتك خَوْفًا وفَرَقًا. فأنت لا تعطيه الخوف، وإنما تعطيه من أجل الخوف فنصبه على التفسير ليس بالفعل، كقوله جل وعز: «يَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً» «4» . وكقوله: «ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً» «5» والمعرفة والنكرة تفسِّران في هذا الموضع، وليس نصبه على طرح «مِنَ» . وهو «6» مما قد يستدل به المبتدئ للتعليم. وقوله: يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ ... (20) والقراء تقرأ «يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ» بنصب الياء والخاء والتشديد. وبعضهم ينصب الياء ويخفض الخاء ويشدد الطاء فيقول: «يَخْطَفُ» . وبعضهم يكسر   (1، 2) الأولى عكس التشبيه، فالكفر مشبه بالظلمات، والإيمان مشبه بالبرق. (3) آية 4 سورة المنافقون. (4) آية 90 سورة الأنبياء. (5) آية 55 سورة الأعراف. (6) يريد أنه قد يقرب المفعول لأجله للمبتدىء بما يصلح فيه تقدير من. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 الياء والخاء ويشدد فيقول: «يَخْطَفُ» . وبعضٌ من قراء أهل المدينة يسكن الخاء والطاء فيجمع بين ساكنين فيقول: «يَخْطَفُ» . فأما من قال: «يَخْطَفُ» فإنه نقل إعراب التاء المدغمة إلى الخاء إذ كانت منجزمة. وأما من كسر الخاء فإنه طلب كسرة الألف التي في اختطف والاختطاف وقد قال فيه بعض النحويين: إنما كسرت الخاء لأنها سكنت وأُسكنت التاء بعدها فالتقى ساكنان فخفضتَ الأوّل كما قال: اضربِ الرجل فخفضتَ الباء لاستقبالها اللام. وليس الذي قالوا بشيء لأن ذلك لو كان كما «1» قالوا لقالت العرب في يَمُدّ: يَمِدّ لأن الميم [كانت «2» ] ساكنة وسكنت الأولى من الدالين. ولقالوا في يَعَضّ: يَعِضّ. وأما من خفض الياء والخاء فإنه أيضا من طَلَبِه كسرة الألف لأنها كانت في ابتداء الحرف مكسورة. وأما من جمع بين الساكنين فإنه كمن بني على التبيان «3» إلا أنه إدغام خفيّ. وفي قوله: «أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى» «4» وفى قوله: «تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ» «5» مثل ذلك التفسير إلا أن حمزة الزيات قد قرأ: «تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ» بتسكين الخاء، فهذا معنى «6» سوى ذلك «7» وقوله: كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ ... (20) فيه لغتان: يقال: أضاءَ القمر، وضاءَ القمر فمن قال ضاء القمرُ قال: يضوء ضَوءا. والضّوء فيه لغتان: ضم الضاد وفتحها. يضوء ضَوءا والضّوء فيه لغتان، ضم الضاد وفتحها. وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ فيه لغتان: أظلم الليل «8» وظلم.   (1) فى ج، ش: «على ما» . (2) ساقط من أ. (3) يريد بالتبيان الإظهار وعدم الإدغام. (4) آية 35 سورة يونس. (5) آية 49 سورة يس. (6) يريد أنه جاء فى معنى الغلبة أي يغلبون فى الجدل والخصومة. يقال: خاصمت فلانا فخصمته، أخصمه، بالكسر فى المضارع، وهذا مما شذ. والقياس الضم فى المضارع. وانظر اللسان (خصم) والطبري فى تفسير الآية. (7) ما بين النجمتين ساقط من ش، ج. (8) الليل: ساقط من ش، ج. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وقوله: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ ... (20) المعنى «1» - والله أعلم-: ولو شاء الله لاذهب سمعهم. ومن شأن العرب أن تقول «2» : أذهبت بصره بالألف إذا أسقطوا الباء. فإذا أظهروا الباء أسقطوا الألف من «أذهبت» . وقد قرأ بعض القرّاء: «يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ» «3» بضم الياء والباء في الكلام. وقرأ بعضهم: «وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ» «4» . فترى- والله أعلم- أن الذين ضموا على معنى الألف شبَّهوا دخول الباء وخروجها من هذين الحرفين بقولهم: خذ بالخطام، وخذ الخطام، وتعلقت بزيد، وتعلقت زيدا. فهو «5» كثير في الكلام والشعر، ولستُ أستحبُّ ذلك «6» لقلَّته، ومنه «7» قوله: «آتِنا غَداءَنا» «8» المعنى- والله أعلم- ايتنا بغدائنا فلما أسقطت الباء زادوا ألفا في فعلت، ومنه قوله عز وجل: «قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً» «9» المعنى- فيما جاء «10» - ايتوني بِقطر أُفرِغ عليه، ومنه قوله: «فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ» «11» المعنى- والله أعلم- فجاء بها المخاض إلى جذع النخلة. وقوله: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ... (23) الهاء كناية عن القرآن فأتوا بسورة من مثل القرآن. وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ يريد آلهتكم. يقول: استغيثوا بهم وهو كقولك للرجل: إذا لقيت العدو خاليا فادع المسلمين. ومعناه: فاستغث واستعن «12» بالمسلمين.   (1) فى ش، ج: «ومعناه» . (2) فى ش، ج: «أن يقولوا» . (3) آية 43 سورة النور. وهذه قراءة أبى جعفر. (4) آية 20 سورة المؤمنون. وهذه قراءة ابن كثير وأبى عمرو. (5) يريد المشبه به من قولهم: خذ بالخطام وما بعده. (6) يريد الجمع بين صيغة الإفعال والباء. وهو المشبه. (7) رجوع لأصل الكلام فى قوله: «ومن شأن العرب ... » . (8) آية 62 سورة الكهف. (9) آية 96 سورة الكهف. (10) «فيما جاء» : ساقط من ج، ش. (11) آية 23 سورة مريم. (12) «واستعن» : ساقطة من ج، ش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 وقوله: النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ ... (24) الناس وقودها والحجارة وقودها. وزعموا أنه كبريت يُحمى، وأنه أشدّ الحجارة حرّا إذا أحميت. ثم قال: أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ يعنى النار «1» . وقوله: وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً اشتبه عليهم، فيما ذكر في لونه «2» ، فإذا ذاقوه عرفوا أنه غير الذي كان قبله. وقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها ... (26) فإن قال قائل: أين الكلام الذي هذا جوابه، فإنا لا نراه فى سورة البقرة؟ فذكِر لنا «3» أن اليهود لما قال الله: «مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً» «4» قال أعداء الله: وما هذا من الأمثال؟ وقالوا مثل ذلك عند إنزاله: «يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً» - إلى قوله- «ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ» «5» لذِكر الذباب والعنكبوت فأنزل الله: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَما فَوْقَها. فالذى «فَوْقَها» يريد أكبر منها، وهو العنكبوت والذباب. ولو جعلت في مثله من الكلام «فَما فَوْقَها» تريد أصغر منها لجاز ذلك. ولست أستحسنه «6» لأن البعوضة كأنها غاية في الصغر، فأحَبُّ إلىّ أن أجعل «فَما فَوْقَها» أكبر   (1) فى ج، ش: «وأنه أشدّ الحجارة حرا يحمى، فهى أشدّ الحجارة حرا إذا أحميت. «وأتوا به متشابها» . (2) فى ج، ش: «اشتبه عليهم، يريد على أهل الجنة فى لونه» . [ ..... ] (3) فى ج، ش: «فى سورة البقرة أن اليهود» . وهذا جواب السؤال السابق. (4) آية 41 سورة العنكبوت. (5) آية 73 سورة الحج. (6) فى ج، ش: «أستحبه» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 منها. ألا ترى أنك تقول: يُعْطى من الزكاة الخمسون فما دونها. والدرهم فَمَا فوقه فيضيق الكلام «1» أن تقول: فوقه فيهما. أو دونه فيهما. وأما موضع حسنها في الكلام فأن يقول القائل: إن فلانا لشريف، فيقول السامع: وفوق ذاك يريد المدح. أو يقول: إنه لبخيل، فيقول الآخُر: وفوق ذاك، يريد بكليهما معنى أكبر. فإذا عرفت أنت الرجل فقلت: دون ذلك فكأنّك تحطّه عن غاية الشرف أو غاية البُخل. ألا ترى أنك إذا قلت: إنه لبخيلٌ وفوق ذاك، تريد فوق البخل، وفوق ذاك، وفوق الشرف. وإذا قلت: دون ذاك، فأنت رجلٌ عرفته فأنزلتَه قليلا عن دَرَجته. فلا تقولنّ: وفوق ذاك، إلا في مدح أو ذمّ. قال الفرّاء: وأما نصبهم «بَعُوضَةً» فيكون من ثلاثة أوجه: أوّلها: أن تُوقع الضّرب على البعوضة، وتجعل «ما» صلة كقوله: «عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ» «2» [يريد عن «3» قليل] المعنى- والله أعلم- إن الله لا يستحيى أن يضرب بعوضة فما فوقها مثلا. والوجه الآخر: أن تجعل «ما» اسما، والبعوضة صلة «4» فتعرّبها بتعريب «ما» . وذلك جائز فى «مِنْ» و «ما» لأنهما يكونان معرفة في حال ونكرة في حال كما قال حسَّان بن ثابت: فَكَفَى بِنا فَضْلا عَلَى مَنْ غَيْرِنا ... حُبُّ النَّبِيءِ محمّد إيّانا «5»   (1) فى ج، ش: «فيضيق الكلام هاهنا أن تقول» . (2) آية 40 سورة المؤمنون. (3) ساقط من أ. (4) فى ج، ش: «صلة له» . (5) نسب هذا البيت لغير حسان أيضا، ويرى النحاة أن «من» فى البيت نكرة موصوفة، و «غيرنا» بالجرّ نعت لها، والتقدير على قوم غيرنا. وقد روى «غيرنا» بالرفع على أن «من» اسم موصول و «غير» خبر لمبتدإ محذوف «هو غيرنا» والجملة صلة. وانظر الخزانة 2/ 545 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 [قال الفراء: ويروى: ... على مَنْ غَيْرُنا «1» ] والرفع فى «بَعُوضَةً» هاهنا جائز، لأن الصلة تُرفَعُ، واسمها «2» منصوب ومخفوض. وأما الوجه «3» الثالث- وهو أحبها إلي- فأن تجعل المعنى على: إن الله لا يستحيى أن يضرب مثلا ما بين بعوضة إلى ما فوقها. والعربُ إذا ألْقَتْ «بَيْنَ» من كلام تصلُح «إِلَى» في آخره نصبوا الحرفين المخفوضين اللذين خفض أحدهما ب «بين» والآخر ب «إلى» . فيقولون: مُطرْنا ما زُبالَةَ فالثّعْلبية «4» ، وله عشرون ما ناقةً فجملا، وهي أحسن الناس ما قَرْنًا فقدَمًا «5» . يراد به ما بين قرنها إلى قدمها. ويجوز أن تجعل القرن «6» والقدم معرفة، فتقول: هي حسنةٌ ما قرنها فقدمها. فإذا لم تصلح «إلى» في أخر الكلام لم يجزْ سقوطُ «بين» من ذلك أن تقول: داري ما بَيْنَ الكوفة والمدينة. فلا يجوز أن تقول: داري ما الكوفة فالمدينة لأن «إلى» إنما تصلح إذا كان ما بين المدينة والكوفة كلُّه من دارك، كما كان المطر آخذا ما بين زُبالَة إلى الثَّعلبية. ولا تصلح الفاء مكانَ الواو فيما لا تصلح فيه «إلى» كقولك: دار فلان بَيْنَ الحيرة فالكوفة مُحالٌ. وجلست بين عبد الله فزيدٍ محالٌ، إلا أن يكون مقعدُك آخذًا للفضاء الذي بينهما. وإنما امتنعت الفاءُ من الذي «7» لا تصلح فيه «إلى» لأن الفعل فيه لا يأتي فيتّصل، و «إلى»   (1) ما بين المربعين ساقط من ج، ش. (2) يريد باسم الصلة الموصول. (3) انظر فى هذا الخزانة 4/ 399. (4) زبالة (كشمامة) ، والثعلبية (بفتح أوّله) : موضعان من منازل طريق مكة من الكوفة. (5) يشار إلى البيت: يا أحسن الناس ما قرنا إلى قدم ... ولا حبال محب واصل تصل أراد ما بين قرنا فلما أسقط «بين» نصب «قرنا» على التمييز لنسبة «أحسن» . [ ..... ] (6) فى ش: «مكان القرن» . (7) ج، ش: « ... الفاء التي لا ... » . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 محتاج إلى اسمين يكون الفعل بينهما كطَرْفةِ عَيْنٍ، وإن قَصُر قدرُ الذي بينهما مما يوجد «1» ، فصلحت الفاءُ في «إلى» لأنك تقول: أخذ المطرُ أوَلَه فكذا وكذا إلى آخره. فلما كان الفعل كثيرا شيئًا بعد شيء في المعنى كان فيه تأويلٌ من الجزاء. ومثله أنهم قالوا: إن تأتني فأنت مُحسنُ. ومحال أن تقول: إن تأتني وأنت محسن فرضُوا بالفاء جوابا في الجزاء ولم تصلح الواو. قال الكسائي: سمعت أعرابيا ورأى الهلال فقال: الحمد لله ما إِهلالك إلى سَرارِك. يريد ما بين إِهلالِك إلى سرارك فجعلوا النصب الذي كان يكون في «بَيْنَ» فيما بعده إذا سقطت ليُعلم أن معنى «بَيْنَ» مُرادٌ. وحكى الكسائي عن بعض العرب: الشنق ما خمسا إِلَى خمس وعشرين. يريد ما بين خمس إِلَى خمس وعشرين. والشَّنَق: ما لم تجب فيه الفريضة من الإبل. والأوْقاصُ «2» في البقر. وقوله: مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ... (26) كأنه قال- والله أعلم- ماذا أراد الله بمثل لا يعرفه كل أحد يضل به هذا ويهدي به هذا. قال الله: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ. وقوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً ... (28) على وجه التعجُّب والتوبيخ لا على الاستفهام المحض [أي «3» ] وَيْحكم كيف تكفرون! وهو كقوله: «فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ» «4» . وقوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ   (1) فى ج، ش: «الذي بينهما فصلحت» . (2) الأوقاص (جمع وقص بالتحريك) : ما بين الفريضتين مما لم تجب فيه الزكاة كالشنق. (3) زيادة يقتضيها السياق. (انظر تفسير الطبري ج 1 ص 149) والعبارة فى ج، ش: « ... المحض، وهو كقوله: فأين أي ويحكم كيف تذهبون» . (4) آية 26 التكوير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 وَكُنْتُمْ أَمْواتاً. المعنى- والله أعلم- وقد كنتم، ولولا إضمار «قد» لم يجز مثله في الكلام «1» . ألا ترى أنه قد قال فى سورة يوسف: «إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ» «2» . المعنى- والله أعلم- فقد كَذَبتْ. وقولك للرجل: أصبحت كَثُرَ مالُك، لا يجوز إلا وأنت تريدُ: قد كَثُرَ مالُك لانهما جميعا قد كانا، فالثاني حال للأوّل، والحالُ لا تكون إلا بإضمار «قد» أو بإظهارها ومثله في كتاب الله: «أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ» «3» يريد- والله أعلم-[جاءوكم قد حصرت صدورهم «4» ] . وقد قرأ بعض القرّاء- وهو الحسن البصري- «خصرة صدورهم» . كأنه لم يعرف الوجه في «5» أصبح عبد الله قام أو أقبل أخذ شاة، كأنه يريدُ فقد أخَذَ شاة. وإذا كان الأول لم يَمْضِ لم يجز الثاني بقَدْ ولا بغير قد، مثل قولك: كاد قام، ولا أراد قام لأن الإرادة شيء يكون ولا يكون الفعل، ولذلك كان محالا قولك: عسى قام لأن عسى وإن كان لفظها على فَعَلَ فإنها لمستقبل «6» ، فلا يجوز عسى قد قام، ولا عسى قام، ولا كاد قد قام، ولا كاد قام لأن ما بعدهما لا يكون   (1) جرى الفراء فى هذا على القاعدة المقررة عند الجمهور أن الجملة الفعلية الماضوية المثبتة إذا وقعت حالا فلا بد من «قد» ظاهرة أو مقدرة لتقربه من الحال نحو «وقد فصل لكم ما حرم عليكم» ، «وقد بلغني الكبر» . فإن لم تكن ظاهرة قدرت نحو «أو جاءوكم حصرت صدورهم» ، «هذه بضاعتنا ردت إلينا» وذلك أيضا قول المبرد وأبى على الفارسي. قال أبو حيان: «والصحيح جواز وقوع الماضي حالا بدون «قد» ولا يحتاج إلى تقديرها لكثرة ورود ذلك، وتأويل الكثير ضعيف جدا لأنا إنما نبنى المقاييس العربية على وجود الكثرة. وهذا مذهب الأخفش، ونقل عن الكوفيين، بل نقله بعضهم عن الجمهور أيضا. (2) آية 27 من السورة المذكورة. (3) آية 90 سورة النساء. (4) ما بين المربعين ساقط من أ. (5) فى ج، ش «كأنه لم يعرف إجازة أصبح ... إلخ» . (6) فى أ: «لمستقبل فيستقبل» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 ماضيا فإن جئت بيكون مع عسى وكاد صلح ذلك فقلت: عسى أن يكون قد ذهب كما قال الله: «قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ» «1» . وقوله: وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ يعني نُطَفا «2» ، وكل ما فارق الجسد من شعر أو نُطْفة فهو ميتة والله أعلم. يقول: فأحياكم من النُّطَف، ثُم يميتكم بعد الحياة، ثم يحييكم للبعث. وقوله: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ ... (29) الاستواء في كلام العرب على جهتين: إحداهما أن يستوى الرجل [و] «3» ينتهى شبابُه، أو يستوي عن اعْوِجاج، فهذان وجهان. ووجه ثالث أن تقول: كان مقبلا على فلان ثم استوى على يُشاتمني وإلى سَوَاءٍ «4» ، على معنى أَقْبَلَ إلى وعليّ فهذا معنى قوله: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ والله أعلم. وقال «5» ابن عباس: ثم استوى إلى السماء: صعِد، وهذا كقولك للرجل: كان قائما فاستوى قاعدا، وكان قاعدا فاستوى قائما. وكلٌّ في كلام العرب جائزٌ. فأما قوله: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ فإن السماء في معنى جمع، فقال «فَسَوَّاهُنَّ» للمعنى المعروف أنهنّ سبعُ سَمَوَاتٍ. وكذلك الأرض يقع عليها- وهى واحدة- الجمع. ويقع عليهما التوحيدُ وهما مجموعتان، قال الله عز وجل: «رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» «6» . ثم قال: «وَما بَيْنَهُما» ولم يقل بينهن، فهذا دليل على ما (قلت «7» لك) .   (1) آية 72 سورة النمل. (2) فى ش: «يعنى النطف» . [ ..... ] (3) فى الأصول «أو» بدل الواو. (4) فى ج، ش: «استوى علىّ وإلىّ يشاتمنى» وكذا فى اللسان. (5) فى أ: «وقد قال» . (6) آية 5 سورة والصافات. (7) فى أ: (أخبرتك) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وقوله: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ ... (31) فكان عَرَضَهُمْ «1» على مذهب شخوص العالمين «2» وسائر العالم، ولو قُصِد قَصْد الأسماء بلا شخوص جاز فيه «عرضهنّ» و «عرضها» . وهي في حرفِ عبد الله «ثم عرضهن» وفي حرف أبي «ثم عرضها» ، فإذا قلت «عرضها» جاز أن تكون للأسماء دون الشخوص وللشخوص دون الأسماء. وقوله: يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ ... (33) إن همزت قلت أَنْبِئْهُمْ ولم يجز كسر الهاء والميم لأنها همزة وليست بياء فتصير مثل «عليهم» . وإن ألقيت الهمزة فأثبت الياء أو لم تثبتها جاز رفعُ «هُمْ» وكسرها على ما وصفت لك في «عليهم» و «عليهم» . وقوله: وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا ... (35) إن شئت جعلت فَتَكُونا جوابا نصبا، وإن شِئتَ عطفتَه على أول الكلام فكان جزْما مثل قول امرئ القيس: فقلتُ له صَوِّبْ ولا تجهدنه ... فيذرك من أخرى القطاة فتزلق «3»   (1) «عرضهم» : ساقط من ج، ش. (2) فى أ: «الآدميين» . (3) من قصيدته التي أولها: ألا أنعم صباحا أيها الربع وانطق وحدّث حديث الركب إن شئت واصدق والضمير فى «له» يعود للغلام المذكور فى بيت قبله. وانظر ديوان امرئ القيس برواية الطوسي المخطوط بالدار. ووقع فى سيبويه 1/ 452 نسبته الى عمرو بن عمار الطائي. ويقال: صوب الفرس أرسله فى الجري. وجهد دابته «كمنع» وأجهدها: بلغ جهدها وحمل عليها فى السير فوق طاقتها. وأذرت الدابة راكبها: صرعته، وطعنه فأذراه عن فرسه أي صرعه. والقطاة: العجز أو ما بين الوركين، أو مقعد الرديف من الدابة خلف الفارس. وزلق كفرح ونصر: زل وسقط. ويروى الشطر الثاني: فيذرك من أعلى القطاة فتزلق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 فجزم. ومعنى الجزم كأنه تكرير النهى، كقول القائل: لا تذهب ولا تعرض لأحد. ومعنى الجواب والنصب لا تفعل هذا فيُفعلَ بك مجازاةً، فلما عُطف حرفُ على غير ما يشاكله وكان في أوله حادثٌ لا يصلح في الثاني نُصِبَ. ومثله قوله: «وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي» «1» و «لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ» «2» و «فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ» «3» . وما كان من نفي ففيه ما في هذا، ولا يجوز الرفع في واحد من الوجهين إلا أن تريد الاستئناف بخلاف المعنيين كقولك للرجل: لا تركب إلى فلان فيركبُ إليك تريد لا تركب إليه فإنه سيركب إليك، فهذا مخالف للمعنيين لأنه استئناف، وقد قال الشاعر: أَلَمْ تَسْألِ الَّرْبعَ الْقَدِيمَ فَيَنْطِقُ ... وَهَلْ تُخْبِرَنْكَ الْيَوْمَ بَيْدَاءَ سَمْلَقُ «4» أراد: ألم تسأل الربع فإنه يخبرك عن أهله، ثم رجع إلى نفسه فأكذبها، كما قال زهير بن أبي سُلْمَى المُزَنيّ: قِفْ بِالدِّيَارِ التي لَمْ يَعْفُها الْقِدَمُ ... بَلَى وغَيَّرها الأرْواحُ والدِّيَمُ فأكذب نفسه. وأما قوله: «وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ» «5» فإنّ جوابه قوله: «فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ» والفاء التي فى قوله: «فَتَطْرُدَهُمْ»   (1) آية 81 سورة طه. (2) آية 61 سورة طه. (3) آية 129 سورة النساء. (4) البيت مطلع قصيدة لجميل بن معمر العذرى، ويروى صدره: ألم تسأل الربع القواء فينطق والقواء: القفر الذي لا ينبت. والبيداء: القفر الذي يبيد من سلكه أي يهلكه. والسملق: الأرض التي لا تنبت شيئا أو السهلة المستوية الخالية. وانظر الخزانة 3/ 601 (5) آية 52 سورة الأنعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 جواب لقوله: «مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ» ففى قوله: «فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ» الجزم والنصب على ما فسرت لك، وليس في قوله: «فَتَطْرُدَهُمْ» إلا النصب، لأن الفاء فيها مردودة على محلٍّ وهو قوله: «مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ» و «عَلَيْكَ» لا تشاكل الفعل، فإذا كان ما قبل الفاء اسما لا فعل فيه، أو محلا مثل قوله: «عندك وعليك وخلفك» ، أو كان فعلا ماضيا مثل: «قام وقعد» لم يكن في الجواب بالفاء إلا النصب. وجاز في قوله: فَيُذْرِكَ مِنْ أُخْرى الْقَطَاةِ فَتَزْلِقُ لان الذي قبل الفاء يفعل والذي بعدها يفعل، وهذا مشاكل بعضه لبعض لأنه فعل مستقبل فيصلح أن يقع على أخره ما يقع على أوله، وعلى أوله ما يقع على أخره لأنه فعل مستقبل «1» . وقوله: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ ... (37) ف آدَمُ مرفوع والكلمات في موضع نصب. وقد قرأ بعض القراء: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فجعل الفعل للكلمات، والمعنى- والله أعلم- واحد لأن ما لقيك فقد لقينه، وما نالك فقد نلته. وفي قراءتنا: «لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» «2» وفي حرف عبد الله: «لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمون» . وقوله: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ [الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ «3» ] ... (40) المعنى لا تنسوا نعمتي، لتكن منكم على ذُكْر، وكذلك كل ما جاء من ذكر النعمة فإن معناه- والله أعلم- على هذا: فاحفظوا ولا تَنْسَوْا. وفي حرف عبد الله:   (1) «لأنه فعل مستقبل» ساقط من ج، ش. [ ..... ] (2) آية 124 سورة البقرة. (3) زيادة فى أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 «ادَّكروا» «1» . وفي موضع آخر: «2» : «وَتَذَكروا ما فيه» . ومثله في الكلام أن تقول: اذكُرْ مَكاني مِنْ أبيك» . وأما نصب الياء من «نِعْمَتِيَ» فإن كل ياء كانت من المتكلم ففيها لغتان: الإرسالُ والسكون، والفتح، فإذا لَقيتها ألفٌ ولام، اختارت العربُ اللغة التي حركت فيها الياء وكرِهوا الأخرى لأن اللام ساكنة فتسقط الياء عندها لسكونها، فاستقبحوا أن يقولوا: نعمتي «3» الّتي، فتكون كأنها مخفوضة على غير إضافة، فأخذوا بأوثق الوجهين وأبينهما. وقد يجوز إسكانها عند الألف واللام وقد قال اللَّه: «يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ» «4» فقرئت بإرسال الياء ونصبها، وكذلك ما كان فِي القرآن مما فِيهِ ياء ثابتة ففيه الوجهان، وما لم تكن فيه الياء لم تنصب. وأمَّا قوله: «فَبَشِّرْ عِبادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ» «5» . فإن هذه بغير ياء، فلا تنصب ياؤها وهي محذوفة وعلى هذا يقاس كل ما فِي القرآن منه. وقوله: «فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ» «6» زعم الكسائي أن العرب تستحب نصب الياء عند كل ألف مهموزة سوى الألف واللام، مثل قوله: «إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ» «7» و «إِنِّي أَخافُ اللَّهَ» «8» . ولم أر ذلك عند العرب رايتهم يرسلون الياء فيقولون: عندي أبوك، ولا يقولون: عندي أَبُوك بتحريك الياء إلا أن يتركوا الهمز فيجعلوا الفتحة فِي الياء فِي هذا ومثله. وأما قولهم: لِيَ ألفان، وَبِي أخواك كفيلان،   (1) ذكر هذه القراءة البيضاوي ولم ينسبها. ونسبها ابن خالويه إلى يحيى بن وثاب. (2) «فى موضع آخر» : ساقط من ج، ش، وهو يشير إلى قراءة ابن مسعود فى آية 63 سورة البقرة: «واذكروا ما فيه لعلكم تتقون» . (3) رسم فى أ: «نعمت» تحقيقا لحذف الياء فى اللفظ. (4) آية 53 سورة الزمر. (5) آية 17، 18 سورة الزمر. (6) آية 36 سورة النمل. (7) آية 72 سورة يونس. (8) آية 48 سورة الأنفال، وآية 16 سورة الحشر. وفتح الياء قراءة نافع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 فإنهم ينصبون فِي هذين لقلتهما «1» ، [فيقولون: بي أخواك، ولي ألفان، لقلتهما «2» ] والقياس فيهما وفيما قبلهما واحد. وقوله: وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا ... (41) وكل ما كان فِي القرآن من هذا قد نُصِبَ فِيهِ الثَّمَنُ وأدخلت الباء فِي المبيع أو المشترى، فإن ذلك أكثر ما يأتي فِي الشيئين لا يكونان ثَمَنًا معلوما مثل الدنانير والدراهم فمن ذلك: اشتريتُ ثوبا بكساء أيَّهما شئتَ تجعله ثَمَنًا لصاحبه لأنه ليس من الأثمان، وما كان ليس من الأثمان مثل الرقيق والدور وجميع العروض فهو على هذا. فإن جئت إلى الدراهم والدنانير وضعت الباء فى الثّمن، كما قال فى سورة يوسف: «وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ» «3» لأن الدراهم ثمنٌ أبدا، والباء إنما تدخل فِي الأثمان، فذلك قوله: «اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا» «4» ، «اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ» «5» ، [اشتروا الضلالة بالهدى «6» ] «وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ» «7» ، فأدخل الباء فِي أي هذين شئت حَتَّى تصير إلى الدنانير والدراهم فإنك تُدخل الباء فيهن مع العُروض، فإذا اشتريت أحدهما [يعني الدنانير والدراهم] «8» بصاحبه أدخلت الباء فِي أيهما شئت لأن كل واحد منهما فِي هذا الموضع بيعٌ «9» وثمنٌ، فإن أحببت أن تعرف فرق ما بين العُروض وبين الدراهم، فإنك تعلم أن من اشترى عَبْدا بألف درهم معلومة، ثُمَّ وجد به عيبا فرده لم يكن له على البائع «10» أن يأخذ ألفه بعينه، ولكن ألفا. ولو اشترى عَبْدا بجارية ثُمَّ وجد به عيبا لم يرجع بجارية أخرى مثلها، فذلك دليل على أن العُروض ليست بأثمان.   (1) أي لقلة (لى) و (بي) فكلاهما حرفان، فلو سكنت الياء خفيت فتبدو الكلمتان كأنهما حرف واحد. (2) ما بين المربعين ساقط من أ. (3) آية 20 من السورة المذكورة. (4) آية 9 سورة التوبة. [ ..... ] (5) الآية 86 من البقرة. (6) زيادة خلت منها الأصول. (7) الآية 175 من البقرة. (8) ساقط من أ. (9) يراد بالبيع المبيع. (10) فى الأصول «المشترى» والتصويب وجد بهامش نسخة (أ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وقوله: وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ «1» (36) فإنه خاطب آدم وامرأته، ويقال أيضا: آدم وإبليس، وقال: «اهْبِطُوا» يعنيه ويعني ذريته، فكأنه خاطبهم. وهو كقوله: «فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ» «2» . المعنى- والله أعلم- أَتَيْنا بما فينا من الخلق طائعين. ومثله قول إِبْرَاهِيم: «رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ» . ثم قال: «وَأَرِنا مَناسِكَنا» «3» وفي قراءة عَبْد اللَّه «وأرهم مناسكهم» فجمع قبل أن تكون ذريته. فهذا ومثله فِي الكلام مما تتبين به المعنى أن تقول للرجل: قد تزوّجت وولد لك فكثرتم وعززتم. وقوله: وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً ... (48) فإنه قد يعود على اليوم والليلة ذِكْرُهما مرة بالهاء وحدها ومرة بالصفة فيجوز ذلك «4» كقولك: لا تجزى نفس عن نفس شيئًا وتضمر الصفة، ثم   (1) يلاحظ أن هذه الآية ليست فى موضعها من الترتيب والأصول كلها على هذا الوضع. (2) آية 11 سورة فصلت. (3) آية 128 سورة البقرة. (4) مراده بالصفة حرف الجر كما هو اصطلاح الكوفيين، وهو هنا (فى) المتصل بالضمير العائد على اليوم (فيه) فحذف الجار والمجرور لأن الظروف يتسع فيها ما لا يتسع فى غيرها. والحذف هنا فيه خلاف بين النحويين، قال البصريون: التقدير «واتقوا يوما لا تجزى فِيهِ نفس عن نفس شيئا» ثم حذف فيه كما قال: ويوما شهدناه سليما وعامرا قليلا سوى طعن النهال نوافله أي شهدنا فيه. وقال الكسائي: هذا خطأ لا يجوز (فيه) والتقدير «واتقوا يوما لا تجزيه نفس» ، ثم حذف الضمير المنصوب، وإنما يجوز حذف الهاء لأن الظروف عنده لا يجوز حذفها، قال: لا يجوز هذا رجل قصدت، ولا رأيت رجلا أرغب، وأنت تريد قصدت إليه وأرغب فيه. قال: ولو جاز ذلك لجاز (الذي تكلمت زيد) بمعنى تكلمت فيه. وقال الفراء: يجوز حذف (الهاء) و (فيه) ، وحكى جواز الوجهين عن سيبويه والأخفش والزجاج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 تظهرها فتقول: لا تجزى فِيهِ نفس عن نفس شيئا. وكان الكسائي لا يجيز إضمار الصفة فِي الصلات ويقول: لو أجزت إضمار الصفة هاهنا لأجزت: أنت الَّذِي تكلمتُ وأنا أريد الَّذِي تكلمتُ فِيهِ. وقال غيره من أهل البصرة: لا نجيز الهاء ولا تكون، وإنما يضمر فِي مثل هذا الموضع الصفة. وقد أنشدني بعض العرب: يا رُبَّ يَوْم لو تَنَزّاهُ «1» حول ... أَلْفَيْتَني ذا عنزٍ وذا طول وأنشدني آخر: قد صَبَّحت «2» صبَّحها السلامُ ... بِكَبِدٍ خالَطها سَنامُ فِي ساعة يُحَبُّها الطعامُ ولم يقل يُحَبّ فيها. وليس يدخل على الكسائي ما أدخل على نفسه لأن الصفة فِي هذا الموضع والهاء متفق معناهما، ألا ترى أنك تقول: آتيك يوم الخميس، وفي يوم الخميس، فترى المعنى واحدا، وإذا قلت: كلمتُك كان غير كلّمتُ فيك، فلما اختلف المعنى لم يجز إضمار الهاء مكان «فِي» ولا إضمار «فِي» مكان الهاء. وقوله: وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ ... «3» (41) فوحد الكافر وقبله جمعٌ وذلك من كلام العرب فصيحٌ جيدٌ فِي الاسم إذا كان مشتقًّا من فِعْل، مثل الفاعل والمفعول يرادُ به ولا تكونوا أول من يكفر فتحذف «من» ويقوم الفعل مقامها فيؤدي الفعلُ عن مثل   (1) فى ج، ش: «تذراه» ولم نعثر على هذا البيت فيما لدينا من مراجع. (2) صبحت أنت بالتصبيح يريد به الغداء مجازا، من قولهم: صبح القوم وصبحهم سقاهم الصبوح، وهو ما يشرب صباحا من لبن أو خمر. (3) هذه الآية ليست على الترتيب وكذا ما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 ما أدّت «من» عَنْهُ من التأنيث والجمع وهو فِي لفظ توحيدٍ. ولا يجوز فِي مثله من الكلام أن تقول: أنتم أفضلُ رجلٍ، ولا أنتما خير رَجُل لأن الرجل يثنى ويجُمع ويُفرد [فُيعَرف «1» ] واحدُه من جمعه، والقائم قد يكون لشيء ولمن فيؤدي عَنْهُمَا وهو موحَّد ألا ترى أنك قد تقول: الجيْشُ مقبلٌ والجُنْد منهزمٌ، فتوحِّد الفعل لتوحيده، فإذا صرت إلى الأسماء قلت: الجيش رجالٌ والجند رجالٌ ففي هذا تبيان «2» وقد قال الشاعر: وإذا هُمُ طَعِمُوا فَأَلامُ طاعِمٍ ... وإذا هُمُ جاعُوا فشَرُّ جِيَاعِ «3» فجمعه وتوحيده جائز حسنٌ. وقوله: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) إن شئت جعلت «وَتَكْتُمُوا» فِي موضع جزم تريد به: ولا تلبسوا الحق بالباطل ولا تكتموا الحق، فتُلقي «لا» لمجيئها فِي أول الكلام. وفي قراءة أَبي: «ولا تكونوا أوّل كافر به وتشتروا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا» فهذا دليلٌ على أن الجزم فى قوله: «وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ» مستقيم صوابٌ، ومثله: «وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ» «4» وكذلك قوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» «5» وإن شئت جعلت هذه الأحرُفَ المعطوفة بالواو نصبًا على ما يقولُ النحويّون من الصَّرْف فإن قلت: وما الصّرف؟   (1) ساقط من أ. [ ..... ] (2) راجع تفسير الطبري ج 1 ص 199 طبع بولاق فى هذا البيان فعبارته أوضح. (3) من ثلاثة أبيات فى نوادر أبى زيد 152، نسبها إلى رجل جاهلىّ. (4) آية 188 سورة البقرة. (5) آية 27 سورة الأنفال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 قلت: أن تأتي بالواو «1» معطوفةً على كلامٍ فى أوّله حادثة لا تستقيم إعادتُها على ما عُطِف عليها، فإذا كان كذلك فهو الصَّرْفُ «2» كقول الشاعر «3» : لا تَنْهَ عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فَعلتَ عظِيمُ ألا ترى أنه لا يجوز إعادة «لا» فِي «تأتي مثله» فلذلك سُمّي صَرْفًا إذْ كان «4» مَعطوفًا ولم يستقم أن يُعاد فِيهِ الحادث الَّذِي قبله. ومثله من الأسماء التي نصبتها العربُ وهي معطوفة على مرفوع قولهم: لو تُركت والأسد لأكلك، ولو خُلِّيت ورأيَك لَضَلَلْتَ: لمَّا لم يحسن فِي الثاني أن تقول: لو تُركت وتُرك رأيُك لضللت تهبّيوا أن يعطِفوا حرفًا لا يستَقيمُ فِيهِ ما حَدَثَ فِي الَّذِي قبله. قال «5» : فإنّ العرب تجيزُ الرفع لو تُرك عَبْد الله والأسد لأكله، فهل «6» يجوز فِي الأفاعيل «7» الّتي نصبت بالواو على الصرف أن تكون مردودة على ما قبلها وفيها معنى الصرف؟ قلت: نعم العرب تقول: لستُ لابي إِنْ لم أقتلك أو تذهب نفسي، ويقولون: والله لاضربنك أو تسبقني فِي الأرض، فهذا مردودٌ على أول الكلام، ومعناه الصرف لأنه لا يجوز على الثاني إعادة الجزم بِلَمْ، ولا إعادة اليمين على والله لتسبقني، فتجد ذلك إذا امتحنت الكلام. والصرف فِي غير «لا» كثير إلا أنا أخّرنا ذكره حتى تأتى مواضعه.   (1) فى ش، ج: «الواو» . (2) يسمى الكوفيون هذه الواو (واو الصرف) إرشاد بصرفه عن سنن الكلام إلى أنها غير عاطفة، وشرط هذه الواو أن يتقدمها نفى أو طلب. (3) نسبه سيبويه فى كتابه 1/ 424 (باب الواو) للأخطل. ويروى لأبى الأسود الدؤلي فى قصيدة طويلة. (4) فى أ: «كان به» . (5) كأن الأصل: «قال قائل» . (6) فى ش، ج: «وهل» . (7) الأفاعيل جمع أفعال جمع فعل، عبر به إشارة إلى كثرة الوارد منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وقوله: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها ... «1» (72) وقوله: «وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» «وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ» «2» يقول القائل: وأين جواب «إِذْ» وعلام عُطِفت؟ ومثلها «3» فى القرآن كثير بالواو ولا جواب معها ظاهر؟ والمعنى- والله أعلم- على إضمار «وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ» أو «إذ كنتم» فاجتزئ بقوله: «اذْكُرُوا» فِي أول الكلام، ثُمَّ جاءت «إِذْ» بالواو مردودةً على ذلك. ومثله من غير «إِذْ» قول اللَّه: «وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً» «4» وليس قبله شيءٌ تراه ناصبًا لصالح فعُلم بذكر النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم والمُرسَل إليه أن فِيهِ إضمار أرسلنا، ومثله قوله: «وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ» «5» «وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً» «6» «وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ» «7» يجرى هذا على مثل ما قال فِي «ص» : «وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ» «8» ثُمَّ ذكر الأنبياء الذين من بعدهم بغير «وَاذْكُرْ» لأن معناهم مُتّفق معروفٌ، فجاز ذلك. ويستدل على أن «واذكروا» مضمرة مع «إِذْ» أنه قال: «وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ» «9» «وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ» «10» فلو لم تكن هاهنا «وَاذْكُرُوا» لاستدْلَلت على أنها تُراد لانّها قد ذُكرت قبلَ ذلك. ولا يجوزُ مثلُ ذلك فِي الكلام بسقوط الواو إلا أن يكون معه جوابه متقدمًا أو متأخِّرا كقولك: ذكرتُك إذ احتجت إليك «11» أو إذ احتجت ذكرتك.   (1) كذا فى الأصل، ويلاحظ أن هذه الآية على غير ترتيب. (2) آية 50 سورة البقرة. (3) فى ش، ج «منها» . [ ..... ] (4) آية 73 سورة الأعراف. (5) آية 76 سورة الأنبياء. (6) آية 87 من سورة الأنبياء. (7) آية 16 سورة العنكبوت. (8) آية 45 من السورة المذكورة. (9) آية 26 سورة الأنفال. (10) آية 86 سورة الأعراف. (11) «إليك أو إذ احتجت» : ساقط من ج، ش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وقوله: فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) يقال: قد كانوا فِي شُغل من أن ينظروا، مستورين بما اكتنفهم من البحر أن يروا فرعون وغرفة، ولكنه فِي الكلام كقولك: قد ضُرِبتَ وأهلك يَنْظُرون فما أتَوْك ولا أغاثوك يقول: فهم قريبٌ بمرأى ومسمع. ومثله فِي القرآن: «أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ» «1» ، وليس هاهنا رؤيةٌ إنما هُوَ علمٌ، فرأيت يكونُ على مذهبين: رؤية العلم ورؤية العين كما تقول: رأيتُ فرعون أعتى الخلق وأخْبَثَه، ولم تره إِنما هُوَ بلغك «2» ففي هذا بيانٌ. وقوله: «وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ... (51) ثُمَّ «3» قال فِي موضع أخر: «وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ «4» فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» ، فيقول القائل: كيف ذكر الثلاثين وأتمها بالعشر «5» والأربعون «6» قد تكمل بعشرين وعشرين، أو خمسةٍ وعشرين وخمسة عشر؟ قيل: كان ذلك- والله أعلم- أن الثلاثين كانت عدد شهر، فذكرت الثلاثون منفصلة لمكان الشهر وأنها ذو القعدة وأتممناها بعشر من ذي الحجة، كذلك قال المفسرون. ولهذه القصة خصت العشر والثلاثون بالانفصال. وقوله: وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)   (1) آية 45 سورة الفرقان. (2) العبارة فى ج، ش: «ولم تره ونظرت. هذا بيان» ووجد بهامش نسخة أبعد قوله: بلغك «ونظرت إلى ... ولم تأت إنما هو العلم» . وفى موضع النقط كلمة غير واضحة، قد تكون: منزلك. (3) فى أ: «و» . (4) آية 142 سورة الأعراف. (5) فى أ: «بعشر» . (6) فى ش، ج: «أربعون» . [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 ففيه وجهان: أحدهما- أن يكون أراد وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يعنى التوراة، ومحمدا صلى اللَّه عليه وسلم الْفُرْقانَ، لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. وقوله: «وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ» كأنه خاطبهم فقال: قد آتيناكم علم مُوسَى ومحمد عليهما السلام «لعلكم تهتدون» لأن التوراة أنزلت جملةً ولم تنزل مُفرقة كما فُرق القرآن فهذا وجه. والوجه الآخر- أن تجعل التوراة هدًى والفرقان كمثله، فيكون: ولقد آتينا موسى الهدى كما آتينا محمّدا صلى اللَّه عليه وسلم الهدى. وَكُلُّ ما جاءت به الأنبياء فهو هُدًى ونورٌ. «1» وإن العرب لتجمع بين الحرفين وإنهما لواحِد إذا اختلف لفظاهما «2» كما قال عدي بْن زَيْدُ: وقدمت «3» الأديم لراهشيه ... وأَلْفَى قَوْلها كذِبًا ومَيْنَا وقولهم «4» : بعدا وسحقا، والبعد والسحق واحد، فهذا وجه آخر. وقال بعض المفسّرين: الكتاب التّوراة، والفرقان انفراق البحر لبنى إسرائيل. وقال بعضهم: الفرقان الحلال والحرام الَّذِي فى التّوراة. وقوله: الْمَنَّ وَالسَّلْوى ... (57) بلغنا أن المنّ هذا «5» هذا الّذى يسقط على الثّمام «6» والعشر، وهو حلو كالعسل وكان بعض المفسرين يسميه الترنجبين «7» الَّذِي نعرف. وبلغنا أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلّم   (1) يبدو أن هنا سقطا، وأن الأصل كما يؤخذ من إعراب القرآن للنخاس: «ويجوز أن يكون الفرقان هو الكتاب، أعيد ذكره تأكيدا» وانظر القرطبي 1/ 399. (2) فى ش، ج: لفظهما» . (3) كذا فى الأصول. والرواية المشهورة «وقددت» بمعنى شقت وقطعت، والراهشان عرقان فى باطن الذراعين. (4) فى أ: «قوله» . (5) سقط فى أ. (6) الثمام: نبت ضعيف له خوص أو شبيه بالخوص. والعشر: شجر من العضاه كبار الشجر وله صمغ حلو. (7) الترنجبين: تأويله عسل الندى، وهو طلى يقع من السماء ندى شبيه بالعسل جامد متحبب يقع على بعض الأشجار بالشام وخراسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 قال: (الكمأة «1» من المن وماؤها شفاء للعين) . وأما السَّلْوَى فطائِر كان يسقط عليهم لما أَجَموا «2» المنّ شبيهٌ بهذه السماني، ولا واحد للسّلوى. وقوله: وَقُولُوا حِطَّةٌ ... (58) يقول- والله أعلم- قولوا: ما أمرتم به أي هى حطة فحالفوا إلى كلام بالنبطية، فذلك قوله: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ. وبلغني أن ابن عَبَّاس قال: أمروا أن يقولوا: نستغفر اللَّه فإن يك كذلك فينبغي أن تكون «حِطَّةٌ» منصوبة فِي القراءة «3» لأنك تقول: قلت لا إله إلا اللَّه، فيقول القائل: قلت كلمة صالحة، وإنما تكون الحكاية إذا صلح قبلها إضمارُ ما يرفع أو يخفض أو ينصب، فإذا ضممت ذلك كله فجعلته كلمة كان منصوبا بالقول كقولك: مررت بزيد، ثُمَّ تجعل هَذِهِ كلمةً فتقول: قلت كلاما حسنا ثُمَّ تقول: قلت زَيْد قائم، فيقول: قلت كلاما «4» . وتقول: قد ضربت عمرا، فيقول أيضا: قلت كلمة صالحة. فأما قول اللَّه تبارك وتعالى: «سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ» «5» إلى آخر ما ذكر من العدد فهو رفع لأن قبله ضمير أسمائهم سيقولون: هَم ثلاثة، إلى آخر الآية. وقوله: «وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ» «6» رفع أي قولوا: اللَّه واحدٌ، ولا تقولوا   (1) هذا الحديث رواه الشيخان وغيرهما. وانظر الجامع الصغير فى حرف الكاف. (2) أجم الطعام واللبن وغيرهما: كرهه ومله من المداومة عليه. (3) النصب على وجهين أحدهما- إعمال الفعل فيها وهو «قولوا» أي قولوا كلمة تحط عنكم أو زاركم. والثاني- أن تنسب على المصدر بمعنى الدعاء والمسألة أي حط اللهم أوزارنا وذنوبنا حطة. وبالنصب قرأ ابن أبى عبلة وطاوس اليماني. والقراءة العامة بالرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف أي مسئلتنا حطة، أو أمرك حطة قال النيسابورى: وأصله النصب، ومعناه اللهم حط عنا ذنوبنا فرفعت لإفادة الثبوت. (4) ما بين النجمتين ساقط من ج، ش. (5) آية 22 سورة الكهف. (6) آية 171 سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 الآلهة ثلاثةٌ. وقوله: «قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ» «1» ففيها وجهان: إن أردت: ذلك الَّذِي قُلْنَا معذرة إلى ربكم رفعت، وهو الوجه. وإن أردت: قُلْنَا ما قُلْنَا معذرة إلى اللَّه فهذا وجهُ نصب «2» . وأما قوله: «وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا» «3» فإن العرب لا تقوله إلا رفعًا وذلك أن القوم يؤمرون بالأمر يكرهونه فيقول أحدهم: سمعٌ وطاعةٌ، أي قد دخلنا أول هذا الدين على أن نسمع ونُطيعَ فيقولون: علينا ما ابتدأناكم به، ثُمَّ يخرجون فيخالفون، كما قال عز وجل: «فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ [بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ] » [أي] فإذا خرجوا من عندك بدلوا «4» . ولو أردت فِي مثله من الكلام: أي نطيع، فتكون «5» الطاعة جوابا للأمر بعينه جازَ النصبُ، لأن كل مصدر وقع موقع فعل ويفعل جاز نصبهُ، كما قال اللَّه تبارك وتعالى: «مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ» «6» [معناه والله أعلم: نعوذ بالله أن نأخذ] . ومثله فِي النور: «قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ» «7» الرفع على ليكن منكم ما يقوله أهل السمع والطاعة. وأما قوله فِي النحل: «وَإِذا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» «8» فهذا قول أَهْل الجحد لانهم قَالُوا لم ينزل شيئا، إنما هَذَا أساطير الأولين وأما الذين آمنوا فإنهم أقروا فقالوا: أنزل ربنا خيرًا «9» ، ولو رُفع خيرٌ على: الَّذِي أنزله خير لكان صوابا، فيكون بمنزلة قوله: «يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ» «10» و «قُلِ الْعَفْوَ» النّصب على الفعل: ينفقون   (1) آية 164 سورة الأعراف. [ ..... ] (2) فى ش، ج: «النصب» . (3) آية 81 سورة النساء. (4) فى الأصول: «فإذا خرجوا من عندك بدلوا» ، وقد زدنا «أي» وأكلنا الآية كما ترى، ليكون هذا تفسيرا لها. (5) فى أ: «تكون» . (6) آية 79 سورة يوسف. وما بين المربعين ساقط من أ. (7) آية 53 من السورة المذكورة. (8) آية 24 وما بين النجمتين ساقط من ج، ش. (9) يشير إلى قوله تعالى: «قالُوا خَيْراً» آية 30 من سورة النحل. (10) آية 219 سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 العفو، والرفعُ على: الَّذِي ينفقون عفو الأموال. وقوله: «قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ» «1» فأما السلام (فقول يقال) «2» ، فنصب لوقوع الفعل عليه، كأنك قلت: قلت كلامًا. وأما قوله: «قالَ سَلامٌ» فإنه جاء فيه نحن «سَلامٌ» وأنتم «قَوْمٌ مُنْكَرُونَ» . وبعض المفسرين يقول: «قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ» يريد سلموا عليه فرد عليهم، فيقول القائل: ألا كان السلام رفعًا كله أو نصبًا كله؟ قلت: السلام على معنيين: إذا أردت به الكلام نصبته، وإذا أضمرت معه «عليكم» رفعته. فإن شئت طرحت الإضمار من أحد الحرفين وأضمرته فِي أحدهما، وإن شئت رفعتهما معا، وإن شئت نصبتهما جميعا. والعرب تقول إذا التقوا فقالوا سلام: سلامٌ، على معنى قَالُوا السلام عليكم فرد عليهم الآخرون. والنصب يجوز فِي إحدى القراءتين «قَالُوا سلامًا قال سلامًا» . وأنشدني بعضُ بني عُقَيْل: فقلنا السَّلام فاتقت من أميرها ... فما كَانَ إلا ومؤها بالحواجب فرفع السلام لأنه أراد سلمنا عليها فاتقت أن ترد علينا. ويجوز أن تنصب السلام على مثل قولك «3» : قُلْنَا الكلام، قُلْنَا السلام، ومثله: قرأت «الْحَمْدَ» «4» وقرأت «الحمد» إذا قلت قرأت «الحمد» أوقعت عليه الفعل، وإذا رفعت جعلته حكاية «5» على قرأتُ «الْحَمْدُ لِلَّهِ» . وقوله: اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً ... (60) معناه- والله أعلم- فضرب فانفجرت، فعُرِف بقوله: «فَانْفَجَرَتْ» أنه قد ضرب، فاكتفى بالجواب لأنه قد أدى عن المعنى، فكذلك قوله: «أَنِ اضْرِبْ   (1) آية 69 سورة هود. (2) فى ج، ش: «فتسليمهم» بدل «فقول يقال» . (3) «قلنا الكلام» : ساقط من ج، ش. (4) فى ش، ج: «الحمد لله» . (5) سقط هذا الحرف فى أ. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ» «1» ومثله (فِي الكلام) «2» أن تقول: أَنَا الَّذِي أمرتك بالتجارة فاكتسبت الأموال، فالمعنى فتجَرت فاكتسبت. وأما قوله: قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ ... (60) فإن القائل يقول: وما حاجة القوم إلى أن يعلموا مشاربهم ونحن نرى الأنهار قد أجريت لقوم بالمن من اللَّه والتفضل على عباده، ولم يقل: قد علم كل أناسٍ مشربهم، لغيرهم؟ وإنما كان ذلك- والله أعلم- لأنه حجرٌ انفجرت منه اثنتا عشرة عينا على عدد الأسباط لكل سِبْطٍ عين، فإذا ارتحل القوم أو شربوا ما يكفيهم عاد الحجر كما كان وذهبت العيونُ، فإذا احتاجوا انفجرت العيونُ من تلك المواضع، فأتى كل سِبْطٍ عَيْنَهم التي كانوا يشربون منها. وأما قوله: وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها ... (61) فإن الفوم فيما ذكر لغةٌ قديمة (وهي) «3» الحِنْطَة والخُبْز جميعا قد ذُكِرا. قال بعضهم: سمعنا (العرب «4» من) أهل هذه اللغة يقولون: فَوِّموا لنا بالتشديد لا غير «5» ، يريدون اختبزوا وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه «وَثُومِهَا» بالثاء، فكأنّه أشبهُ المعنيين بالصواب لأنه مع ما يشاكله: من العدس وَالْبَصَلِ وشِبْهه. والعرب تُبدل الفاء بالثاء فيقولون: جدث وجَدَفٌ، ووقعوا فِي عاثُور شَرٍّ «6» وعافُور شرٍّ، والأثاثي والأثافيّ. وسمعت كثيرًا من بْني أسد يسمّى (المغافير «7» المغاثير) .   (1) آية 63 سورة الشعراء. (2، 3، 4) سقط فى أ. (5) «لا غير» : سقط من ج، ش. (6) وقعوا فى عاثور شر: أي فى اختلاط من الأمر وشدّة. (7) فى أ: «يقولون: المغاثير والمغافير» . والمغافير: صمغ يسيل من شجر الرمث والعرفط وهو حلو يؤكل غير أن رائحته ليست بطيبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وقوله: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ... (61) أي الَّذِي هُوَ أقرب، من الدُّنُوِّ، ويقال من الدَّناءة. والعرب تقول: إنه لَدنيٌّ [ولا يهمزون «1» ] يُدَنَّى فِي الأمور أي «2» يتَّبِع خَسيَسها وأصاغرها. وقد كان زُهير «3» الفُرْقُبي يَهْمِز: «أَتَسْتَبْدِلُونَ الّذى هو أدنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ» ولم نر العرب تهمزُ أَدْنَى إذا كان من الحسة، وهم فِي ذلك يقولون إنه لدانىء خَبِيثٌ [إذا كان ماجنا «4» ] فيهمزون. وأنشدني بعض بني كلاب: باسِلَةُ الْوَقْعِ سَرَابِيلُها ... بيضٌ إلى دانئها الظّاهر «5» يعنى «6» الدروع «7» على خاصتها- يعني الكتيبة- إلى الخسيس منها، فقال: دانئها يريد الخسيس. وقد كُنَّا نسمع المشيخة يقولون: ما كنت دانِئًا ولقد دنات، والعرب تترك الهمزة. ولا أراهم رووه إلّا وقد سمعوه. وقوله: اهْبِطُوا مِصْراً ... (61) كتبت بالألف، وأسماءُ البلدان لا تنصرف خَفَّت أو ثَقُلت، وأسماء النساء «8» إذا خَفَّ منها شيءٌ جرى «9» إذا كان على ثلاثة أحْرفٍ وأوسطها ساكن مثل دعد وهند   (1) «ولا يهمزون» ساقط من أ. (2) سقط فى ش، ج. (3) هو من القرّاء النحويين، وكان فى زمن عاصم، ويعرف بالكسائي. وانظر طبقات القراء لابن الجزري رقم 1301. والفرقبىّ نسبة إلى فرقب، كقنفذ. وفى القاموس: فرقب موضع ومنه الثياب الفرقبية: ثياب بيض من كتان. وقال شارحه: وردت هذه النسبة فى الثياب والرجال، فيمكن أن تكون إلى موضع، أو يكون الرجل منسوبا إلى حمل الثياب. (4) ما بين المربعين ساقط من أومن عبارة الفراء المنقولة فى اللسان. وهو صحيح لغة، قال فى اللسان: دنؤ الرجل دناءة إذا كان ماجنا. (5) البيت من قصيدة طويلة للأعشى قالها فى منافرة عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة العامرىّ مطلعها: شأقتك من قتلة أطلالها ... بالشط فالوتر إلى حاجر وبسل الرجل بسولا فهو باسل وبسل إذا عبس غضبا أو شجاعة. والسربال: الدرع أو كل ما لبس والجمع سرابيل، والمراد هنا الدروع كما قال المؤلف. (6) فى ج، ش: «وفسر فقال يعنى ... إلخ» . (7) فى ج، ش: «فى خاصتها» . (8) فى ج، ش: «الناس» . (9) أي (انصرف) ونون. وهذا اصطلاح الكوفيين. فالجارى عندهم المنصرف، وغير الجاري هو الممنوع من الصرف. ويعبرون أيضا بالمجرى وغير المجرى، من الإجراء. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وَجُمْلُ. وإنما انصرفت إذا سمى بها النساء لأنها تردد وتكثر بها التسمية فتخف لكثرتها، وأسماء البلدان لا تكاد تعود «1» . فإن شئت جعلت الألف التي فى «مصرا» ألفا يُوقَفُ عليها، فإذا وصلت لم تنوِّن فيها، كما كتبوا «سلاسلا» وَوارِيرَ» «2» بالألف، وأكثر القراء على ترك الإجراء فيهما. وإن شئت جعلت «مِصْر» غير المصر التي تُعرَف، يريد اهبطوا مِصرًا من الأمصار، فإن الَّذِي سألتم لا يكون إلا فِي القرى والأمصار. والوجه الأول أحب إلى لأنها فِي قراءة عَبْد اللَّه «اهْبِطوا مِصْرَ» بغير ألف، وفي قراءة أُبَيٍّ: «اهْبِطُوا فَإِنّ لَكُمْ ما سَأَلْتُم وَاسْكُنُوا مِصْر» «3» وتصديق ذلك أنها فِي سورة يوسف بغير ألف: «ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ» «4» . وقال الأعمش وسئل عَنْهَا فقال: هِيَ مصر التي عليها صالح بْن عليّ «5» . وقوله: خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ ... (63) يقول: بجدٍّ وبتأدية ما افترض عليكم فِيهِ. وقوله: فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها ... (66) يعني المسخة التي مُسِخوها جُعلت نكالا لما مضى من الذنوب ولما يعمل بعدها: ليخافوا أن يعملوا بما عمل الذين مُسِخوا فَيْمسخوا. وقوله: أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ ... (67) وهذا فِي القرآن كثير بغير الفاء، وذلك لأنه جوابٌ يستغنى أولهُ عن آخره بالوقفة عليه، فيقال: ماذا قَالَ لك؟ فيقول القائل: قال كذا وكذا فكأنّ «6» حسن   (1) أي تتكرر فى الذكر والكلام. (2) آية 4 وآية 15 سورة الإنسان. (3) هذه القراءة المنسوبة لأبى لم نقف عليها فى غير أصول الفرّاء مما بين أيدينا من المراجع. (4) آية 99 من السورة المذكورة. (5) صالح بن على بن عبد الله بن العباس أوّل من ولى مصر من قبل أبى العباس السفاح سنة 133 وتوفى بقنسرين وهو عامل على حمص سنة 154. (6) فى ج، ش: «فلما حسن السكوت ... إلخ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 السكوت يجوز به طرح الفاء. وأنت تراه فِي رءوس الآيات- لأنها فصولٌ- حَسَنًا «1» من ذلك: «قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ. قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا» «2» والفاء حسنة مثل قوله: «فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا» «3» ولو كان على كلمة واحدة لم تُسقط العرب منه الفاء. من ذلك: قُمتُ ففَعَلْت، لا يقولون: قمت فعلت، ولا قلت قال، حَتَّى يقولوا: قُلْتُ فقال، وَقُمْتُ فقام لأنها نَسَقٌ وليست باستفهام يوقف عليه ألا ترى أنه: «قالَ» فرعون «لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ. قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ» «4» فيما لا أحصيه. ومثله من غير الفعل كثيرٌ فِي كتاب اللَّه بالواو وبغير الواو فأما الذي بالواو فقوله: «قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ» «5» ثُمَّ قَالَ بعد ذلك: «الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ» . وقال فِي موضع آخر: «التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ» «6» وقال فِي غير هذا: «إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ» «7» ثُمَّ قال فِي الآية بعدها: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا» ولم يقل: وإنّ. فاعْرِفْ بما جَرى تفسير ما بقي، فإنه لا يأتي إلا على الَّذِي أنْبَاتك به من الفصول أو الكلام المكتفى يأتي له جوابٌ. وأنشدني بعضُ العرب: لما رأيتُ نَبَطًا أنْصَارا ... شَمَّرتُ عن رُكْبَتِيَ الإزَارَا كُنْتُ لها مِنَ النَّصارى جَارَا وقوله: لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ ... (68) والعَوان ليست بنَعْتٍ لِلْبِكْرِ لأنها ليست بَهرِمَة ولا شابةً انقطع الكلام عند قوله: وَلا بِكْرٌ ثم استأنف فقال: عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ والعوان يقال منه   (1) فى ش، ج: «حسنة» . (2) آية 31 و 32 سورة الذاريات. (3) آية 27 سورة هود. (4) آية 25 و 26 سورة الشعراء. (5) آية 15 و 17 سورة آل عمران. (6) آية 112 سورة التوبة. (7) آية 10 سورة البروج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 قد عوَّنَت. والفارِضُ: قد فرضت، وبعضهم: قد فرَضت (وأما البكر فلم «1» ) نسمع فيها بِفعْل. والبِكر يُكْسر أوّلها إذا كانت بِكرْا من النساء «2» . والبكر مفتوح أَوّلَه من بِكَارَة الإبل. ثم قال «بَيْنَ ذلِكَ» و «بَيْنَ» لا تصلح إلا مع اسمين فما زاد، وإنّما صلحت مع «ذلِكَ» وحْدَه لأنه فِي مذهب اثنين، والفعلان قد يجمعان ب «ذلك» و «ذاك» ألا ترى أنك تقول: أظنُّ زيدا أخاك، وكان زيدٌ أخاك، فلا بد لكان من شيئين، ولا بد لأظن من شيئين «3» ، ثُمَّ يجوز أن تقول: قد كان ذاك، وأظنُّ ذلك. وإنما المعنى فِي الاسمين اللذين ضَمَّهما ذلك: بين الهرم والشباب. ولو قال فِي الكلام: بين هاتين، أو بين تَيْنِك، يريد الفارض والبكر كان صوابا، ولو أعيد ذكرهما «4» (لم يظهر إلا بتثنية) «5» لانهما اسمان ليسا بفعلين، وأنت تقول فِي الأفعال فتوحِّد فعلهما بعدها. فتقول: إِقْبالك وإِدْبارُك يَشُقُّ على، ولا تقول: أخوك وأبوك يزورُنِي. ومما يجوز أن يقع عليه «بَيْنَ» وهو واحدٌ فِي اللفظ مما يؤدي عن الاثنين «6» فما زاد قوله: «لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ» «7» ولا يجوز: لا نفرق بين رَجُل منهم لأن أحدا لا يُثَنّى كما يثنى الرجل ويُجَمع، فإن شئت جعلت أحدا فِي تأويل اثنين، وإن شئت فِي تأويل أكثر من ذلك قول اللَّه عزّ وجل: «فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ» «8» وتقول: بَيْنَ أَيِّهِم الْمَالُ؟ وبين من قسم المال؟ فتجرى «من» و «أى» . مجرى «9» أحد لانهما قد يكونان لواحد ولجمع.   (1) فى ش، ج: «ولم» . [ ..... ] (2) فى ج، ش: «من الجواري» . (3) فى ج، ش: «بين هاتين من شيئين» . ولا وجه له. (4) أي ضميرهما. (5) فى ج، ش: «لم تكن إلا بتثنية» . (6) ساقط من ج. (7) آية 126 سورة البقرة. (8) آية 47 سورة الحاقة. (9) فى ش، ج: «على مجرى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وقوله: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا لَوْنُها ... (69) اللَّوْنُ مرفوعٌ لأنك لم ترد أن تجعل «ما» صلةً فتقول: بين لنا ما لونها «1» ولو قرأ به قارئٌ كان صوابا، ولكنه أراد- والله أعلم-: ادع لنا ربك يبين لنا أي شيءٍ لونُها، ولم يصلح للفعل الوقوع على أي لأن أصل «أي» تفرق «2» جمع من الاستفهام، ويقول القائل: بين لنا أسوداءُ هِيَ أم صَفْراء؟ فلما لم يصلح للتَّبَيُّن أن يقع على الاستفهام فِي تفرقه لم يقع على أيّ لأنها جمعُ ذلك المتفرق، وكذلك ما كان فِي القرآن مثله، فأعمل فِي «ما» «وأي» الفعل الَّذِي بعدهما، ولا تعمل الَّذِي قبلهما إذا كان مُشتقًّا من العِلْم كقولك: ما أعلم أَيُّهم قال ذاك، ولا أعلمنّ أَيُّهم قال ذاك، وما أدري أَيَّهم ضربت، فهو فِي العلم والأخبار والأنباء وما أشبهها على ما وصفت لك. منه قول اللَّه تبارك وتعالى: «وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ» «3» «وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ» «4» «ما» «5» الثانية رفعٌ، فرفعتها بيوم كقولك: ما أدراك أيُّ شيء يومُ الدين، وكذلك قول اللَّه تبارك وتعالى: «لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى» «6» رفعته بأَحْصَى، وتقول إذا كان الفعل واقعا على أيّ «7» : ما أدري أَيَّهم ضربت. وإنما امتنعت من أن توقع على أي   (1) «لونها» بالنصب فى المثال مفعول يبين، وتكون «ما» زائدة. ما بين النجمتين ساقط من نسخ ج، ش. (2) يريد أن أيا نابت عن جمع من الاستفهام متفرّق. فبدل أن يقال: بين أسوداء هى أم صفراء أم حمراء. يقال: بين أي شىء لونها، فتغنى أي عن هذا الجمع من الاستفهام، فمن ثمّ كان أصلا لها. وعبارة الطبري: «لأن أصل «أي» و «ما» جمع متفرق الاستفهام» . ويريد الطبري بالأصل ما يوضع له اللفظ ويدل عليه، وهذا غير ما يريد الفراء. وكل صحيح. (3) آية 10 سورة القارعة. (4) آية 17 سورة الانفطار. (5) فى ش، ج: «وموضع ما» . (6) آية 12 سورة الكهف. [ ..... ] (7) أي: اسم استفهام عما يعقل وعما لا يعقل، وأدوات الاستفهام (كغيرها من المعلقات) تعلق العامل عن العمل لفظا لأن لها صدر الكلام، فلو أعمل ما قبلها فيها أو فيما بعدها لخرجت عن أن يكون لها صدر الكلام. ولا يكون التعليق إلا فى أفعال القلوب التي تلغى نحو علم وظن، ولذلك لا تقول: لأضربن أيهم قام (بالرفع) لأنه فعل مؤثر لا يجوز إلغاؤه فلا يجوز تعليقه. وقال الفرّاء: «أي» يعمل فيه ما بعده ولا يعمل فيه ما قبله، وإنما يرفعها أو ينصبها ما بعدها كقوله تعالى: «لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى» فرفع، وقوله: «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 الفعل الَّذِي قبلها من العلم وأشباهه لأنك تجد الفعل غير واقع على أي فِي المعنى ألا ترى أنك إذا قلت: اذهب فاعلم أيهما قام أنك تسأل غيرهما عن حالهما فتجد الفعل واقعا على الَّذِي أعلمك، كما أنك تقول: سل أَيُّهُمْ قام، والمعنى: سل الناس أيُّهُمْ قام. ولو أوقعت الفعل على «أَيَّ» فقلت: أسأل أيَّهُمْ قام لكنت كأنك تضمر أيًّا مرة أخرى لأنك تقول: سل زيدًا أيُّهُمْ قام، فإذا أوقعت الفعل على زَيْدُ فقد جاءت «أي» بعده. فكذلك «أي» إذا أوقعت عليها الفعل خرجت من معنى الاستفهام، وذلك أن أردته، جائز، تقول: لاضْرِبَنَّ أيَّهُم يقول ذاك لأن الضرب لا يقع على [اسم ثُمَّ يأتي بعد ذلك استفهام، وذلك لأن الضرب لا يقع على «1» ] اثنين، وأنت تقول فِي المسألة: سل عَبْد اللَّه عن كذا، كأنك قلت: سله عن كذا، ولا يجوز ضربت عَبْد اللَّه كذا وكذا إلا أن تريد صفة الضرب، فأما الأسماء فلا. وقول اللَّه: «ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا» «2» من نصب أيًّا أوقع عليها النزع وليس باستفهام، كأنه قال: ثُمَّ لنستخرجن العاتي الَّذِي هُوَ أشد. وفيها وجهان من الرفع أحدهما أن تجعل الفعل مكتفيا بمن فِي الوقوع عليها، كما تقول: قد قتلنا من كل قوم، وأصبنا «3» من كل طعام، ثُمَّ تستأنف أيّا فترفعها بالذي بعدها، كما قال جل وعز: «يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ»   - فنصب، وقال الفراء أيضا: «أي» إذا أوقعت الفعل المتقدّم عليها خرجت من معنى الاستفهام، وذلك أن أردته جائز، يقولون: لأضربن أيهم يقول ذلك (بالنصب) . وقال الكسائي: تقول لأضربن أيهم فى الدار (بالنصب) ولا تقول: ضربت أيهم فى الدار، ففرق بين الواقع والمنتظر. والكوفيون يجرون «أيا» مجرى من وما فى الاستفهام والجزاء، فإذا وقع عليها الفعل وهى بمعنى الذي نصبوها لا محالة، فيقولون: اضرب أيهم أقبح، وأكرم أيهم هو أفضل. وحكى أنهم قرءوا بالنصب فى الآية «ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا» . (1) ما بين المربعين ساقط فى أ. (2) آية 69 سورة مريم. (3) فى ج، ش: وأكلنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 «أَيُّهُمْ أَقْرَبُ» «1» أي ينظرون أيهم أقرب «2» . ومثله «يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ» «3» . وأما الوجه، الآخر فإن فِي قوله تعالى: «ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ» لننزعن من الذين تشايعوا على هذا، ينظرون بالتشايع أيهم أشد وأخبث، وأيهم أشد على الرَّحْمَن عتيًّا، والشيعة «4» ويتشايعون سواء فِي المعنى. وفيه «5» وجه ثالث من الرفع أن تجعل «ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ» بالنداء أي لننادين «أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا» وليس هذا الوجه يريدون. ومثله مما تعرفه به قوله: «أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً» «6» فقال بعض المفسرين «أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا» : ألم يعلم، والمعنى- والله أعلم- أفلم ييأسوا علما بأن اللَّه لو شاء لهدى الناس جميعا. وكذلك «لَنَنْزِعَنَّ» يقول يريد ننزعهم بالنداء. وقوله: مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها ... (71) غير مهموز يقول: ليس فيها لون غير الصّفرة. وقال بعضهم: هِيَ صفراء حَتَّى ظلفها وقرنها أصفران. وقوله: فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها ... (72) يقال: إنه ضرب بالفخذ اليمنى، وبعضهم يقول: ضُرِب بالذَّنَب. ثُمَّ قال اللَّه عز وجل: «كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى» معناه والله أعلم اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها فيحيا كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى أي اعتبروا ولا تجحدوا بالبعث، وأضمر   (1) آية 57 سورة الإسراء. (2) «أيهم أقرب» ابتداء وخبر فى موضع نصب بالفعل المضمر الذي دل عليه الكلام التقدير: ينظرون أيهم أقرب. ولا يعمل الفعل فى لفظ أي لأنها استفهام. (3) آية 44 سورة آل عمران. (4) فى الأصول: «التشيعة» ويبدو أن ما أثبت هو الصواب. (5) فى ج، ش: «وفيها» . (6) آية 31 سورة الرعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 فيحيا، كما قال: «أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ» «1» والمعنى- والله أعلم- فضرب البحر فانفلق. وقوله: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ ... (73) تذكير مِنْهُ على وجهين إن شئت ذهبت به- يعني «مِنْهُ» «2» - إلى أن البعض حَجرٌ، وذلك مذكر، وإن شئت جعلت البعض جمعا فِي المعنى فذكَّرته بتذكير بعض، كما تقول للنسوة: ضربني بعضُكنّ، وإن شئت أنثته هاهنا بتأنيث المعنى كما قرأت القرّاء: «وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ» «3» «ومن تقنت» بالياء والتاء، على المعنى، وهي فِي قراءة أَبيّ: «وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ منها الأنْهَارُ» . وقوله: لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ ... (78) فالأماني على وجهين فِي المعنى، ووجهين فِي العربية فأما فِي العربية فإن من العرب من يخفف الياء فيقول: «إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ» ومنهم من يشدد، وهو أجودُ الوجهين. وكذلك ما كان مثل أمنية، ومثل أضحية، وأغنية، ففي جمعه وجهان: التخفيف والتشديد، وإنما تشدد لأنك تريد الأفاعيل، فتكون مشددة لاجتماع الياء من جمع «4» الفعل والياء الأصلية. وإن خففت «5» حذفت ياء الجمع فخففت الياء الأصلية، وهو كما يقال: القَراقير «6» والقراقر، (فمن قال الأماني بالتخفيف) «7» فهو الَّذِي يقول القراقر، ومن شدد الأماني فهو الَّذِي يقول القراقير. والأمنية فِي المعنى التلاوة، كقول اللَّه عز وجل: «إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ» «8» أي فِي تلاوته، والأماني أيضا أن يفتعل   (1) آية 63 سورة الشعراء. (2) يعنى «منه» ليست فى ج، ش، ويبدو أنها تفسير لعبارة المؤلف من المستملي. (3) آية 31 سورة الأحزاب. و «يقنت» حملا على لفظ «من» وبالتاء من فوق حملا على المعنى. [ ..... ] (4) فى أ: «جميع» يريد الحادثة فى صيغة الأفاعيل. (5) فى ج، ش: «وإذا خففت ... » . (6) قراقير وقراقر جمع قرقور بالضم وهى السفينة العظيمة الطويلة. (7) فى أ: «فمن خفف الأمانى» . (8) آية 52 سورة الحج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 الرجل الأحاديث المفتعلة قال بعض العرب لابن دأب «1» وهو يحدث الناس «2» : أهذا شيء رويته أم شيء تَمنَّيته؟ يريد افتعلته، وكانت أحاديث يسمعونها من كبرائهم ليست من كتاب اللَّه «3» . وهذا أبين الوجهين. وقوله: إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً ... (80) يقال «4» : كيف جاز فِي الكلام: لاتينك أياما معدودة، ولم يبين عددها؟ وذلك أنهم نَوَوُا الأيام التي عبدوا فيها العجل، فقالوا: لن نُعذَّب فِي النار إلا تلك الأربعين الليلة التي عبدنا فيها العجل. فقالوا: لن نُعذَّب فِي النار إلا تلك الأربعين الليلة التي عبدنا فيها العجل. فلما كان معناها مؤقتا معلوما عندهم وصفوه بمعدودة ومعدودات، فقال اللَّه: قل يا مُحَمَّد: هَلْ عندكم من اللَّه عهدٌ بهذا الَّذِي قلتم أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ. وقوله: أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ... «5» (76) هذا من قول اليهود لبعضهم أي لا تحدثوا المسلمين بأنكم تجدون صفة مُحَمَّد صلى اللَّه عليه وسلم فِي التوراة وأنتم لا تؤمنون به، فتكون لهم الحجة عليكم. أَفَلا تَعْقِلُونَ قال اللَّه: «أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ» هذا جوابهم من قول اللَّه. وقوله: وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ ... (85) إن شئت جعلت هُوَ كناية عن الإخراج وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ أي وهو محرم عليكم يريد: إخراجهم محرم عليكم، ثم أعاد الإخراج   (1) ابن دأب: أبو الوليد عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب المدني، كان يضع الشعر وأحاديث السمر وكلاما ينسب إلى العرب، فسقط، وذهبت روايته. وتوفى سنة 171 هـ. (2) زيادة فى أ. (3) فى ج، ش: «من كتب الله» . (4) فى أ: «فقال» . (5) يلاحظ أن هذه الآية والتي تليها ليست على الترتيب من الآية السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 مرة أخرى تكريرا على «هُوَ» لما حال (بين «1» الإخراج وبين «هُوَ» كلام) ، فكان رفع الإخراج بالتكرير على «هُوَ» وإن شئت جعلت «هُوَ» عمادا ورفعت الإخراج بمحرم «2» كما قال اللَّه جل وعز: «وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ» «3» فالمعنى- والله أعلم- ليس بمزحزحه من العذاب التعمير فإن قلت: إن العرب إنما تجعل العماد فِي الظَّنّ لأنه ناصب، وفي «كان» و «ليس» لانهما يرفعان، وفي «إنّ» وأخواتها لانهن ينصِبْن، ولا ينبغي للواو وهي لا تنصب ولا ترفع ولا تخفض أن يكون لها عمادٌ، قلت: لم يوضع العماد على أن يكون لنصب أو لرفع أو لخفض، إنما وضع فِي كل موضع يبتدأ فِيهِ بالاسم قبل الفعل، فإذا رَأَيْت الواو فِي موضع تطلب الاسم دون الفعل صلح فِي ذلك العمادُ كقولك: أتيت زيدا وأبوه قائم، فقبيحٌ أن تقول: أتيت زيدا وقائم أَبُوهُ، وأتيت زَيْدًا ويقوم أَبُوهُ لأن الواو تطلب الأب، فلما بدأت بالفعل وإنما تطلب الْوَاوُ الاسم أدخلوا لها «هو» لأنّه اسم. قال الفرّاء «4» : سمعت بعض العرب يقول: كَانَ مرة وهو ينفع النّاس أحسابهم «5» . وأنشدنى بعض العرب:   (1) فى ش، ج: «بينهما كلام» . (2) مراده بالعماد الضمير المسمى عند البصريين ضمير فصل، وسمى ضمير فصل لأنه فصل بين المبتدأ والخبر أو بين الخبر والنعت. ويسميه الكوفيون عمادا لأنه يعتمد عليه فى الفائدة إذ به يتبين أن الثاني خبر لا تابع. وبعض الكوفيين يسميه دعامة لأنه يدعم به الكلام أي يقوى به ويؤكد. وقد قال النحاس: وزعم الفراء أن «هو» عماد، وهذا عند البصريين خطأ لا معنى له لأن العماد لا يكون فى أوّل الكلام. (3) آية 96 من سورة البقرة. (4) «قال الفراء» : ساقط من أ. [ ..... ] (5) هكذا المثال فى جميع الأصول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 فأَبِلغْ أَبَا يحيى إذا ما لقيتهُ ... على العيس فِي آباطها عرق يبسُ «1» بأن السلامي الَّذِي بضريةٍ ... أمير الحمى قد باع حقي بني عبس «2» بِثَوْبٍ ودِينارٍ وشاةٍ ودِرهمٍ ... فَهَل هُوَ مَرفوعٌ بما هاهنا رَأْسُ فجعل مع «هَل» العماد وهي لا ترفع ولا تنصب لأن هَلْ تطلب الأسماء أكثر من طلبها فاعلا «3» قال: وكذلك «ما» و «أما» ، تقول: ما هُوَ بذاهب أحدٌ، وأما هُوَ فذاهبٌ زَيْدُ، لقبح أمّا ذاهب فزيد. وقوله: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً ... (81) وضعت بَلى لكل أقرار فِي أوله جحد، ووضعت «نعم» للاستفهام الذي لا جحد فيه، ف «بَلى» بمنزلة «نعم» إلا أنها لا تكون إلا لما فِي أوله جحد قال اللَّه تبارك وتعالى: «فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ» «4» ف «بَلى» لا تصلح فى هذا الموضع. وأما الجحد فقوله: «أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ» «5» ولا تصلح هاهنا «نعم» أداة وذلك أن الاستفهام يحتاج إلى جواب ب «نعم» و «لا» ما لم يكن فِيهِ جحدٌ، فإذا دخل الجحد فِي الاستفهام لم يستقم أن تقول «6» فِيهِ «نعم» فتكون كأنك مقر بالجحد وبالفعل الَّذِي بعده ألا ترى أنك لو قلت لقائل قال لك: أما لك مالٌ؟ فلو قلت «نعم» كنت مقرًّا بالكلمة بطرح الاستفهام وحده، كأنك قلت «نعم» مالي مالٌ، فأرادوا أن يرجعوا عن الجحد ويقرّوا بما   (1) عرق يبس: جاف. (2) السلامى: نسبة إلى سلام: موضع بنجد. وضرية: قرية قديمة فى طريق مكة من البصرة من نجد، أو أرض بنجد ينزلها حاج البصرة. وفى البيت إقواء لأن روىّ قافية البيت الأوّل والثالث مرفوع والثاني مجرور. (3) كذا. والوجه: فعلا، وعذره أن الفاعل حليف الفعل ورديفه. وفى الأصول: «فاعل» وكأن وجهه أن كلا يطلب الآخر، فهل تطلب الفاعل، والفاعل يطلبها، ولا يطلبها الاسم. (4) آية 44 سورة الأعراف. (5) آية 8، 9 سورة الملك. (6) «أن تقول» : ساقط من ج، ش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 بعده فاختاروا «بَلى» «1» لأن أصلها كان رجوعا مَحْضا عن الجحد إذا قَالُوا: ما قال عَبْد اللَّه بل زيدٌ، فكانت «بل» كلمة عطف ورُجوع لا يصلح الوقوف عليها، فزادوا فيها ألفا يصلح فيها الوقوف عليه، ويكون رجوعا عن الجحد فقط، وإقرارا بالفعل الَّذِي بعد الجحد، فقالوا: «بَلى» ، فدلت «2» على معنى الإقرار والأنعام، ودّل لفظ «بل» على الرجوع عن الجحد فقط. وقوله: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ... (83) رفعت تَعْبُدُونَ لأن دخول «أن» يصلح فيها، فلما حذف الناصب رُفِعت، كما قال اللَّه: «أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ» «3» (قرأ الآية) «4» وكما قال: «وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ» «5» وفي قراءة عَبْد اللَّه «وَلا تَمْنُنْ أَنْ تَسْتَكْثِرَ» فهذا وجه من الرفع، فلما لم تأت بالناصب رفعت. وفي قراءة أُبيٍّ: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُوا» ومعناها الجزم بالنهي، وليست بجواب لليمين. ألا ترى أنه قد قال: «وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ» «6» فأمروا، والأمر لا يكون جوابا لليمين لا يكون فِي الكلام أن تقول: والله قم، ولا أن تقول: والله لا تقم. ويدل على أنه نهى وجزمٌ أنه قال: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً كما تقول: افعلوا ولا تفعلوا، أو لا تفعلوا وافعلوا. وإن شئت جعلت   (1) هذا على رأى من يقول: إن أصل «بلى» . «بل» والألف فى آخرها زائدة للوقف، فلذا كانت للرجوع بعد النفي، كما كانت للرجوع عند الجحد فى: ما قام زيد بل عمرو، وقال قوم: إن «بلى» أصل الألف. (2) أي الألف. (3) آية 64 سورة الزمر. (4) أي قرأ الفرّاء الآية كلها، وهذا من المستملي. وسقط هذا فى ش، ج. (5) آية 6 سورة المدثر. (6) آية 63 من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 «لا تَعْبُدُونَ» جوابا لليمين لأن أخذ الميثاق يمينٌ، فتقول: لا يعبدون، ولا تعبدون، والمعنى واحد. وإنما جاز أن تقول لا يعبدون ولا تعبدون وهم غيب كما قال: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سيغلبون» «1» و «سَتُغْلَبُونَ» بالياء والتاء «سَيُغْلَبُون» بالياء على لفظ الغيب، والتاء على المعنى لأنه إذا أتاهم أو لقيهم صاروا مخاطبين «2» . وكذلك قولك: استحلفت عَبْد اللَّه ليقومن لغيبته، واستحلفتُه لتقومن (لاني) «3» قد كنت خاطبته. ويجوز فِي هذا استحلفت عَبْد اللَّه لأقومن أي قلت له: احلف لأقومن، كقولك: قُلْ لأقومن «4» . فإذا قلت: استحلفت فأوقعت فعلك على مستحلفٍ جاز فعلُه أن يكون بالياء والتاء والألف، وَإِذَا كان هُوَ حالفا وليس معه مستحلف كان بالياء وبالألف ولم يكن بالتاء من ذلك حلف عَبْد اللَّه ليقومن فلم يقم، وحلف عَبْد اللَّه لأقومن لأنه كقولك قال لأقومن، ولم يجز بالتاء لأنه لا يكون مخاطبا لنفسه لأن التاء لا تكون إلا لرجل تخاطبه، فلما لم يكن مستحلف سقط الخطاب. وقوله: «قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ» «5» فيها ثلاثة أوجه: «لتبيّتنّه» و «ليبيّتنّه» و «لَنُبَيِّتَنَّهُ» بالتاء والياء والنون. إذا جعلت «تَقاسَمُوا» على وجه فعلوا «6» ، فإذا جعلتها فِي موضع جزمٍ «7» قلت: تقاسموا لتبيتنه ولنبيتنه، ولم يجز بالياء، ألا ترى أنك تقول للرجل: احلف لتقومن، أو احلف لأقومن، كما تقول: قل لأقومن. ولا يجوز أن تقول للرجل احلف ليقومن، فيصير كأنه لآخر، فهذا ما فِي اليمين.   (1) آية 12 سورة آل عمران. [ ..... ] (2) فى أ: «الذي تلقاهم به فصاروا مخاطبين» . (3) كذا فى الأصول، وفى الطبري: «لأنك» ولكل وجه. (4) وجدت العبارة الآتية بهامش نسخة (أ) ولم يشر إلى موضعها: «ولا يجوز احلف لأقومنّ، ولكن احلف لتقومنّ، وقل لأقومنّ» . (5) آية 49 سورة النمل. (6) أي فعلا ماضيا فى معنى الحال كأنه قال: قالوا متقاسمين بالله. (7) أي فعل أمر أي قال بعضهم لبعض احلفوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وقوله: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ ... (89) [إن شئت] رفعت المصدق ونويت أن يكون نعتًا للكتاب لأنه نكرة، ولو نصبته على أن تجعل المصدق فعلا للكتاب لكان صوابا «1» . وفي قراءة عَبْد اللَّه فِي آل عِمْرَانَ: «ثُمَّ جاءكم رسول مصدقا» «2» فجعله فعلا. وإذا كانت النكرة قد وصلت بشيء سوى نعتها ثُمَّ جاء النعت، فالنصب على الفعل أمكن منه إذا كانت نكرة غير موصولةٍ، وذلك لأن صلة النكرة تصير كالموقته لها، ألا ترى أنك إذا قلت: مررت برجل فِي دارك، أو بعبدٍ لك فِي دارك، فكأنك قلت: بعبدك أو بساس دابتك، فقس على هذا وقد قال بعض الشعراء: لو كان حَيٌّ ناجيًا لَنَجا ... من يومه المزلم الأعصم «3» فنصب ولم يصل النكرة بشيء وهو جائز. فأما قوله: «وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا» «4» فإن نصب اللسان على وجهين أحدهما أن تضمر شيئًا يقع عليه المصدق، كأنك قلت: وهذا يصدّق التوراة والإنجيل «لِساناً عَرَبِيًّا» (لأن التوراة والإنجيل لم يكونا عربيين) «5» فصار اللسان العربي «6» مفسرا. وأما الْوَجْهُ الآخر فعلى ما فسّرت «7»   (1) يريد المؤلف أنه حال من كتاب، وجاز ذلك لأنه قد تخصص بالوصف فقرب من المعرفة. وفى ج، ش: «لأنه نعت للكتاب وهما جميعا نكرتان كان صوابا» . (2) «مصدقا» بالنصب قراءة شاذة، وحسن نصبه على الحال من النكرة كونها فى قوّة المعرفة من حيث أريد بها شخص معين، وهو محمد صلى الله عليه وسلم. (3) البيت من قصيدة طويلة للمرقش الأكبر، وهو عوف بن سعد بن مالك شاعر جاهلى قالها فى مرثية عم له. والمزلم: الوعل، وزلمتا العنز زنمتاها، والزلمة تكون للمعز فى حلوقها متعلقة كالقرط، وإن كانت فى الأذن فهى زنمة. والأعصم من الظباء والوعول ما فى ذراعيه أو فى أحدهما بياض. (4) آية 12 سورة الأحقاف. (5) فى أ: «لأن التوراة لم تكن عربية، ولا الإنجيل» . (6) سقط فى أ. (7) فى ج. وش: «وصفت» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 لك، لما وصلت الكتاب بالمصدق أخرجت «لسانا» مما فِي «مصدق» من الراجع من ذكره «1» . ولو كان اللسان مرفوعا لكان صوابًا على أنه نعتٌ وإن طال. وقوله: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ... (90) معناه- والله أعلم- باعوا به أنفسهم. وللعرب فِي شروا واشتروا مذهبان، فالأكثر منهما أن يكون شروا: باعوا، واشتروا: ابتاعوا، وربما جعلوهما جميعا فِي معنى باعوا، وكذلك البيع يقال: بعت الثوب. على معنى أَخْرَجَتهُ من يدي، وبعته: اشتريته، وهذه اللغة فِي تميم وربيعة. سمعت أَبَا ثروان يقول لرجل: بع لي تمرا بدرهم. يريد اشتر لي وأنشدني بعض ربيعة «2» : ويأتيك بالأخبار من لم تبع له ... بتاتًا ولم تضرب له وقت موعدٍ على معنى لم تشتر له بتاتا قال الفراء: والبتات الزاد. وقوله: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا «أن يكفروا» فِي موضع خفض ورفع فأما الخفض فأن ترده على الهاء التي فِي «به» على التكرير على كلامين «3» كأنك قلت أشتروا أنفسهم بالكفر «4» . وأما الرفع فأن يكون مكرورا أيضا على موضع «ما» التي تلى «بئس «5» » . ولا يجوز أن يكون رفعًا على قولك بئس الرجل عَبْد اللَّه، وكان الكسائي يقول ذلك «6» قال الفراء: وبئس لا يليها مرفوعٌ موقّت ولا منصوب موقّت، ولها   (1) يريد أن (لسانا) حال من المضمر الذي فى مصدق. [ ..... ] (2) البيت لطرفة من معلقته. (3) فى نسخة (أ) على كلامهم. (4) يريد أن المصدر من أن والفعل فى محل جر بدل من الهاء فى «به» والبدل على نية تكرار العامل. (5) وجه الرفع أن يكون المصدر فى محل رفع على أنه المخصوص بالذم، وفى الآية أعاريب أخرى فى كتب التفسير. (6) الكسائي يقول: «ما» و «اشتروا» بمنزلة اسم واحد قائم بنفسه، والتقدير: بئس اشتراؤهم أن يكفروا. وهذا مردود فإن «نعم» و «بئس» لا يدخلان على اسم معين معروف، والشراء قد تعرف بإضافته إلى الضمير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وجهان فإذا وصلتها بنكرة قد تكون معرفة بحدوث ألفٍ ولام فيها نصبت تلك النكرة، كقولك: بئس رجلا عمرو، ونعم رجلا عمرو، وإذا أوليتها معرفة فلتكن غير موقتة، فِي سبيل النكرة، ألا ترى أنك ترفع فتقول: نعم الرجل عمرو «1» ، وبئس الرجل عمرو «2» ، فإن أضفت النكرة إلى نكرة رفعت ونصبت، كقولك: نعم غلام سفر زَيْدُ، وغلام سفر زَيْدُ وإن أضفت إلى المعرفة شيئا رفعت، فقلت: نعم سائس الخيل زَيْدُ، ولا يجوز النصب إلا أن يضطر إليه شاعر، لانهم حين أضافوا إلى النكرة رفعوا، فهم إذا أضافوا إلى المعرفة أحرى ألا ينصبوا. وإذا أوليت نعم وبئس من النكرات ما لا يكون معرفة مثل «مثل» و «أى» كان الكلام فاسدًا خطأ أن تقول: نعم مثلك زَيْدُ، ونعم أي رَجُل زَيْدُ لأن هذين لا يكونان مفسرين «3» ، ألا ترى أنك لا تقول: [لله] «4» درك من أي رجل، كما تقول: لله درك من رَجُل، ولا يصلح أن تولي نعم وبئس «الَّذِي» ولا «من» ولا «ما» إلا أن تنوي بهما الاكتفاء «5» دون أن يأتي بعد ذلك اسم مرفوع «6» . من ذلك قولك: بئسما صنعت، فهذه مكتفية، وساء ما صنعت. ولا يجوز ساء ما صنيعك. وقد أجازه الكسائي فِي كتابه على هذا المذهب. قال الفراء: ولا نعرف ما جهته، وقال «7» : أرادت العرب أن تجعل «ما» بمنزلة الرجل حرفا تاما، ثُمَّ أضمروا لصنعت «ما» كأنه قال: بئسما ما صنعت، فهذا قوله وأنا لا أجيزه. فإذا جعلت «نعم» (صلة لما) «8» بمنزلة قولك «كلما» و «إنما» كانت بمنزلة «حبذا» فرفعت بها الأسماء من ذلك قول اللَّه عز وجل: «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ» رفعت «هِيَ» ب «نعما» ولا تأنيث فِي «نعم»   (1، 2) فى أ: «عبد الله» . (3) لاشتراط النحاة فى فاعل نعم وبئس أن يكون غير متوغل فى الإبهام بخلاف نحو «غير» و «مثل» و «أي» . (4) زيادة يقتضيها المثال. (5) أي الاستغناء عن المخصوص. وهذا إذا كان هذان اللفظان موصولين بما يوصل به الذي. (6) أي مخصوص. (7) أي الكسائىّ. (8) كذا فى الأصول. والوجه فى العبارة: «موصولة بما» أو «جعلت ما صلة نعم» كما سيأتى له. وقد ركب الفراء متن التسامح فى هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 ولا تثنية إذا جعلت «ما» صلة لها فتصير «ما» مع «نعم» بمنزلة «ذا» من «1» «حبذا» ألا ترى أن «حبذا» لا يدخلها تأنيث ولا جمعٌ. ولو جعلت «ما» على جهة الحشو «2» كما تقول: عما قليل آتيك، جاز فِيهِ التأنيث والجمع، فقلت: بئسما رجلين أنتما، وبئست ما جارية جاريتك. وسمعت العرب تقول فِي «نعم» المكتفية بما: بئسما «3» تزويج ولا مهر، فيرفعون التزويج ب «بِئْسَمَا» . وقوله: بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ... (90) موضع «أن» جزاء، وكان الكسائي يقول فِي «أن» : هِيَ فِي موضع خفض، وأنما هِيَ جزاءٌ «4» . إذا كان الجزاء لم يقع عليه شيء قبله (وكان) «5» ينوى بها الاستقبال كسرت «إن» وجزمت بها فقلت: أكرمك إن تأتني. فإن كانت ماضية قلت: أكرمك أن تأتيني. وأبين من ذلك أن تقول: أكرمك أن أتيتني كذلك قال الشاعر: أتجزع أن بان الخليط المودّع ... وحبل الصفا من عزّة المتقطع يريد أتجزع بأن، أو لأن كان ذلك. ولو أراد الاستقبال ومحض الجزاء لكسر «إن» وجزم بها، كقول اللَّه جل ثناؤه: «فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا» «6» فقرأها القراء بالكسر، ولو قرئت بفتح «أن» على معنى [إذ لم يؤمنوا «7» ] ولأن لم يؤمنوا، ومن أن لم يؤمنوا [لكان صوابا] «8» وتأويلُ «أن» فِي موضع نصب، لأنها إنما كانت «9» أداة بمنزلة «إذ» فهي فِي موضع نصب إذا ألقيت الخافض وتمّ   (1) فى ش، ج: «مع» . (2) يريد بالحشو أنها زائدة غير كافة عن العمل. [ ..... ] (3) يريد رفع التزويج ببئس، و «ما» لا موضع لها لتركيبها مع بئس تركيب «ذا» مع «حب» . (4) فى ش، ج بعد هذا زيادة: «فى قول الفراء» . (5) فى أ: «فكان» . (6) آية 6 سورة الكهف. (7) ساقط من أ. (8) زيادة تقتضيها العبارة. (9) فى ج، ش: «إنما أداة إلخ» . وكتب فى ش فوق السطر «هى» بين «إنما» و «أداة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 ما قبلها، فإذا جعلت لها الفعل أو أوقعته عليها أو أحدثت لها خافضا فهي فِي موضع ما يصيبها من الرفع والنصب والخفض «1» . وقوله: فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ... (89) وقبلها «وَلَمَّا» وليس للأولى جوابٌ، فإن الأولى صار جوابها كأنه فِي الفاء التي فِي الثانية، وصارت كَفَرُوا بِهِ كافية من جوابهما جميعا. ومثله فِي الكلام: ما هُوَ إلا أن أتاني عَبْد اللَّه فلما قعد أوسعت له وأكرمته. ومثله قوله: «فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ» فى البقرة «2» «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ» فى «طه» «3» اكتفى بجوابٍ واحد لهما جميعا «4» «فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ» فِي البقرة «فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى» فِي «طه» . وصارت الفاء فِي قوله «فَمَنْ تَبِعَ» كأنها جواب ل «فإما» ، ألا ترى أن الواو لا تصلحُ فِي موضع الفاء، فذلك دليل على أن الفاء جواب وليست بنَسَقٍ «5» . وقوله: فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88) يقول القائل: هَلْ كان لهم قليل من الإيمَان أو كثير؟ ففيه وجهان من العربية: أحدهما- ألا يكونوا آمنوا قليلا ولا كثيرا. ومثله مما تقوله العرب بالقلة على أن ينفوا الفعل كله قولهم: قل ما رأيتُ مثل هذا قط. وحكي الكسائي عن العرب: مررتُ بِبلادٍ قل ما تُنبت إلا البصل والكرّاث. أي ما تنبت   (1) راجع الطبري فى تفسير قوله تعالى: «أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ» سورة «الزخرف» ففيه الكلام على فتح همزة «إن» وكسرها. (2) آية 38 من السورة المذكورة. (3) آية 123 من السورة المذكورة. (4) زيادة فى أ. (5) فى جواب «لما» وجه آخر انظره فى تفسير الطبري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 إلا هذين. وكذلك قول العرب: ما أكاد أَبرحُ منزلي وليس يبرحه وقد يكون أن يبرحه قليلا. والوجه الآخر- أن يكونوا يصدقون بالشيء قليلا ويكفرون بما سواه: بالنبي صلى اللَّه عليه وسلم فيكونون كافرين وذلك أنه يقال: من خلقكم؟ ومن رزقكم؟ فيقولون: اللَّه تبارك وتعالى، ويكفرون بما سواه: بالنبي صلى اللَّه عليه وسلّم وبآيات اللَّه، فذلك قوله: فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ. وكذلك قال المفسرون فِي قول اللَّه: «وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ» «1» على هذا التفسير. وقوله: فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ... (90) لا يكون باؤ مفردة حَتَّى توصل بالباء. فيقال: باء بإثم يبوء بوءا. وقوله بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ أن اللَّه غضب على اليهود فِي قولهم: «يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ» «2» . ثُمَّ غضب عليهم فِي تكذيب مُحَمَّد صلى اللَّه عليه وسلّم حين دخل المدينة، فذلك قوله: «فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ» . وقوله: وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ ... (91) يريد سواه، وذلك كثير فِي العربية أن يتكلم الرجلُ بالكلام الْحَسَن فيقول السامع: ليس وراء هذا الكلام شيءٌ، أي ليس عنده شيءٌ سواه. وقوله: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ ... (91) يقول القائل: إنما «تَقْتُلُونَ» للمستقبل فكيف قال: «مِنْ قَبْلُ» ؟ ونحن لا نجيز فِي الكلام أَنَا أضربك أمس، وذلك جائز إذا أردت بتفعلون الماضي،   (1) آية 106 سورة يوسف. (2) . 64 سورة المائدة. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ألا ترى أنك تعنف الرجل بما سلف من فعله فتقول: ويحك لم تكذب! لم تبغض نفسك إلى الناس! ومثله قول اللَّه: «وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ» «1» . ولم يقل ما تلت الشياطين، وذلك عربي كثير فِي الكلام أنشدني بعض العرب: إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة ... ولم تجدي من أَنْ تُقِرِّي بها «2» بُدًّا فالجزاء للمستقبل، والولادة كلها قد مضت، وذلك أن المعنى معروف ومثله فِي الكلام: إذا نظرت فِي سير «3» عمر رحمه الله لم يسىء المعنى لم تجده أساء فلما كان أمر عُمَر لا يشك فِي مضيه لم يقع فِي الوهم أنه مستقبل فلذلك صلحت «مِنْ قَبْلُ» . مع قوله: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ وليس الذين خوطبوا بالقتل هُمُ القتلة، إنما قتل الأنبياء أسلافهم الذين مضوا فتولوهم على ذلك ورضوا به فنسب القتل إليهم. وقوله «4» : سَمِعْنا وَعَصَيْنا ... (93) معناه سمعنا قولك وعصينا «5» أمرك. وقوله: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ... (93) فإنه أراد: حب العجل، ومثل هذا مما تحذفه العرب كثير قال الله: «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها» «6» والمعنى سل أهل القرية وأهل العير وأنشدني المفضّل:   (1) . 102 سورة البقرة. (2) فى تفسير الطبري وفى المغني «به» أي بهذا الكلام، وهو لم تلدنى لئيمة. وقائله زائد بن صعصعة الفقعسي يعرض بزوجته وكانت أمها سرية وقبله: رمتنى عن قوس العدوّ وباعدت ... عبيدة زاد الله ما بيننا بعدا (مغنى اللبيب ج 1: 25) . (3) فى ج، ش: سيرة. (4) فى ج، ش: «وأما قوله» . (5) فى ش، ج: «ولكن عصينا» . (6) آية 82 سورة يوسف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 حَسِبْتَ بُغَامَ راحِلَتي عَنَاقًا ... وما هِيَ وَيْبَ غيرك بالعناق «1» ومعناه «2» : بغام عناق ومثله من كتاب اللَّه: «وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ» معناه والله أعلم: ولكن البر «3» برُّ من فعل هذه الأفاعيل التي وصف اللَّه. والعرب قد تقول: إذا سرك أن تنظر إلى السخاء فانظر إلى هرم أو إلى حاتم. وأنشدني بعضهم «4» : يَقُولون جاهِدْ يا جَمِيلُ بغَزْوَةٍ ... وإنّ جهادا طىّء وقتالها يجزىء ذكر الاسم من فعله «5» إذا كان معروفا بسخاء أو شجاعة وأشباه ذلك. وقوله: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ ... (94) يقول: إن كان الأمر على ما تقولون من أن الجنة لا يدخلها إلا من كان يهوديا أو نصرانيا فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فأبوا، وذلك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: (والله لا يقوله أحد إلا غص بريقه) «6» . ثُمَّ إنه وصفهم فقال: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا معناه والله أعلم: وأحرص من الذين أشركوا على الحياة. ومثله أن تقول: هذا أسخى   (1) البيت من أبيات لذى الخرق الطهوىّ يخاطب ذئبا تبعه فى طريقه، وقبله: ألم تعجب لذئب بات يسرى ... ليؤذن صاحبا له باللحاق و «ويب» كلمة مثل «وبل» تقول: ويبك وويب زيد كما تقول ويلك معناه: ألزمك الله ويلا نصب نصب المصادر. فإن جئت باللام رفعت، قلت: ويب لزيد ونصبت منونا فقلت ويبا لزيد. وبغام الناقة صوت لا تفصح به. والعناق: الأنثى من المعز. (2) فى ج، ش: «أراد بغام راحلتى بغام عناق إلخ» . (3) «معناه والله أعلم ولكن البر» ساقط من ج، ش. (4) فى ج، ش: بعض العرب. (5) فى الطبري: «من ذكر فعله» . (6) هكذا نص الحديث فى كل الأصول، ورواية البيهقىّ عن ابن عباس مرفوعا: (لا يقولها رجل منهم إلا غص بريقه) ولهذا الحديث روايات أخرى تطلب من مظانها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 الناس ومن هرم. لأن التأويل للأول هُوَ أسخى من الناس ومن هرم ثُمَّ إنه وصف المجوس فقال: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وذلك أن تحيتهم فيما بينهم: (زِهُ «1» هَزَارْ سَالْ) . فهذا تفسيره: عش ألف «2» سنة. وأما قوله: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ، ... (97) [يعنى القرآن] «3» عَلى قَلْبِكَ [هذا أمر] «4» أمر اللَّه به محمدا صلى الله عليه وسلّم فقال: قل لهم لما قالوا عدوّنا جبريل وأخبره اللَّه بذلك، فقال: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ يعني قلب مُحَمَّد صلى اللَّه عليه وسلم، فلو كان فِي هذا الموضع «على قلبي» وهو يعني محمدًا صلى اللَّه عليه وسلم لكان صوابا. ومثله فِي الكلام: لا تقل للقوم إن الخير عندي، وعندك أما عندك فجاز لأنه كالخطاب، وأما عندي فهو قول المتكلم بعينه. يأتي هذا من تأويل قوله: «سَتُغْلَبُونَ» و «سَيَغْلِبُونَ» «5» بالتاء والياء. وقوله: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ... (102) (كما تقول فِي ملك سُلَيْمَان) «6» . تصلح «فِي» و «على» فِي مثل هذا الموضع تقول: أتيته فِي عهد سليمان وعلى عهده سواء.   (1) زه معناها فى العربية: عش، وهزار معناها: ألف، وسال معناها: سنة. (2) فى تفسير الطبري: عن ابن عباس فى قوله «يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ» قال هو قول الأعاجم: سال زه نوروز مهرجان، وعن ابن جبير قال: هو قول أهل الشرك بعضهم لبعض إذا عطس: زه هزار سال. [ ..... ] (3) ساقط من أ. (4) ساقط من أ. (5) آية 12 سورة آل عمران، والقراءة بياء الغيبة أي بلغهم أنهم سيغلبون، وبتاء الخطاب أي قل لهم فى خطابك إياهم ستغلبون. (6) سقط ما بين القوسين فى أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وقوله: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ... (102) القراء يقرءون «الْمَلَكَيْنِ» من الملائكة. وكان ابن عَبَّاس يقول: «الْمَلَكَيْنِ» من الملوك. وقوله: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ ... (102) أما السحر فِمن عمل الشياطين، فيتعلمون من الملكين كلاما إذا قيل أخذ «1» به الرجل عن امرأته. ثُمَّ قال: ومن قول الملكين إذا تعلم منهما ذلك: لا تكفر. إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ، فَيَتَعَلَّمُونَ ليست بجواب لقوله: وَما يُعَلِّمانِ إنما هى مردودة على قوله: يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فيتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم فهذا وجه. ويكون «فَيَتَعَلَّمُونَ» متصلة بقوله: «إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ» فيأبون فيتعلمون ما يضرهم، وكأنه أجود الوجهين فِي العربية «2» . والله أعلم. وقوله: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها ... (106) أو ننسئها- أَوْ نُنْسِها عامة القراء يجعلونه من النسيان، وفي قراءة عَبْد اللَّه: / «مَا ننسك من آية أو ننسخها نجىء بمثلها أو خير منها» وَفِي قراءة سالم مَوْلَى أبي حُذَيْفة: «ما ننسخ من آية أو ننسكها» ، فهذا يقوي النسيان. والنسخ أن يعمل بالآية ثُمَّ تنزل الأخرى فيعمل بها وتترك الأولى. والنسيان هاهنا على وجهين: أحدهما- على الترك نتركها فلا ننسخها كما قال اللَّه جل ذكره: «نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ» «3» يريد تركوه فتركهم. والوجه الآخر- من النسيان الذي   (1) أخذ (بتشديد الخاء) : حبس ومنع. وقد أخذت الساحرة الرجل تأخيذا. (2) لعل الوجه الأوّل هو ما أشار إليه المؤلف أوّلا، وهو عطف «فيتعلمون» على موضع «ما يعلمان» وقد أجازه بعضهم لأن قوله: «وما يعلمان» وإن دخلت عليه ما النافية فمضمنه الإيجاب فى التعليم. وهناك أعاريب أخرى. (3) آية 67 سورة التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 ينسى، كما قال اللَّه: «وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ» «1» وكان بعضهم يقرأ: «أَوْ نَنْسَأْهَا» يهمز يريد نؤخرها من النسيئة وكل حسن. حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: «2» وَحَدَّثَنِي قَيْسٌ «3» عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بإسناد برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلا يَقْرَأُ فَقَالَ: (يَرْحَمُ اللَّهُ هَذَا، هَذَا أَذْكَرَنِي آيَاتٍ قَدْ كُنْتُ أُنِسِيتَهُنَّ) . وقوله: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ... (102) من فِي موضع رفع وهي جزاء «4» لأن العرب «5» إذا أحدثت على الجزاء هذه اللام صيّروا فعله على جهة فعل. ولا يكادون يجعلونه على يفعل كراهة أن يحدث على الجزاء حادث وهو مجزوم ألا ترى أنهم يقولون: سل عما شئت، وتقول: لا آتيك ما عشت، ولا يقولون ما تعش لأن «ما» فِي تأويل جزاء   (1) آية 24 سورة الكهف. (2) فى ج، ش: «قال حدثنا قيس» . (3) هو قيس ابن الربيع الأسدىّ الكوفىّ. مات سنة 165 هـ. وانظر الخلاصة والتهذيب وتاريخ بغداد. (4) «ولقد علموا لمن اشتراه ما له فى الآخرة من خلاق» اللام للقسم و «من» اسم موصول مبتدأ وجملة «اشتراه» صلة الموصول، وجملة «ما له فى الآخرة من خلاق» مبتدأ وخبر، و «من» زائدة فى المبتدأ «خلاق» للتوكيد، و «فى الآخرة» متعلق بمحذوف حال منه، ولو أخر عنه لكان صفة له، وهذه الجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «من» والجملة كلها «لمن اشتراه ما له فى الآخرة من خلاق» فى محل نصب سادة مسدّ مفعولى «علموا» . هذا هو الظاهر عند النحويين وقال الفرّاء: إن «من» أداة شرط مبتدأ، واللام فى «لمن» موطئة للقسم. والمشهور أن اللام الداخلة على «قد» فى مثل الآية إنما هى لام القسم، أما اللام الداخلة على أداة الشرط فهى للإيذان بأن الجواب بعدها مرتب على قسم قبلها لا على الشرط، ولذلك تسمى اللام المؤذنة، وتسمى الموطئة أيضا لأنها وطأت الجواب للقسم أي مهدته له. وحيث أغنى جواب القسم عن جواب الشرط لزم كون فعل الشرط ماضيا ولو معنى كالمضارع المنفي بلم غالبا- هذا- وقد يغنى عن القسم جوابه لدليل يدل عليه كما إذا وقع بعد «لقد» أو بعد «لئن» نحو «ولقد صدقكم الله وعده» و «لئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون» . وراجع إعراب الآية فى تفسير الطبري. (5) فى ج، ش: «إلا أن العرب» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وقد وقع ما قبلها عليها، فصرفوا الفعل إلى فعل لأن الحزم لا يستبين فِي فعل، فصيروا حدوث اللام- وإن كانت لا تُعِّرب شيئًا- كالذي يُعَرِّب، ثُمَّ صيروا جواب الجزاء بما تُلْقي به اليمين- يريد تستقبل به- إما بلامٍ، وإما ب «لا» ، وإما «إن» وإمّا ب «ما» فتقول فِي «ما» : لئن أتيتني ما ذلك لك بضائع، وفي «إن» : لئن أتيتني إن ذلك لمشكور لك- قال الفراء: لا يكتب لئن إلا بالياء ليفرق بينها وبين لأن «1» - وفي «لا» : «لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ» «2» وفى اللام «وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ» «3» وإنما صيروا جواب الجزاء كجواب اليمين لأن اللام التي دخلت فِي قوله: «وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ» وفي قوله: «لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ» «4» وفى قوله: «لَئِنْ أُخْرِجُوا» إنما هِيَ لام اليمين كان موضعها فِي آخر الكلام فلما صارت فِي أوله صارت كاليمين، فلقُيت بما يُلْقَى به اليمين، وإن أظهرت الفعل بعدها على يفعل جاز ذلك وجزمته فقلت: لئن تقم لا يقم إليك، وقال الشاعر «5» : لئن تَكُ قد ضاقْت عليكم بيوتُكم ... ليعلم ربّى أنّ بيتي واسع   (1) ما بين الخطين ساقط من ج، ش. (2، 3) آية 12 سورة الحشر. [ ..... ] (4) آية 81 من سورة آل عمران: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ» اللام للابتداء وتوكيد معنى القسم الذي فى ضمن أخذ الميثاق، وجواب القسم جملة «لتؤمنن به» و «ما» جعلها الفراء شرطية، والأولى أن تكون موصولا مبتدأ خبره محذوف. وقال العكبري: وفى الخبر وجهان أحدهما أنه «من كتاب وحكمة» أي الذي أوتيتموه من الكتاب، والنكرة هنا كالمعرفة. والثاني أن الخبر جملة القسم المحذوف وجوابه الذي هو جملة «لتؤمنن به» . وراجع السمين والزمخشري فى الآية. (5) البيت للكميت بن معروف، وهو شاعر مخضرم، والشاهد فيه أن فعل الشرط المحذوف جوابه قد جاء مضارعا فى ضرورة الشعر، والقياس «لئن كانت» . وفيه شاهد آخر وهو أن المضارع الواقع جوابا للقسم إن كان للحال لا للمستقبل وجب الاكتفاء فيه باللام، وامتنع توكيده بالنون كما هنا فإن المعنى: ليعلم الآن ربى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وأنشدني بعضُ «1» بني عقيل: لئِن كَانَ ما حُدِّثْتُهُ اليومَ صادِقًا ... أَصُمْ فِي نهار الْقَيْظِ للشَّمسِ بادِيَا وأَرْكَبْ حمارًا بين سرجٍ وفروةٍ ... وأعْرِ من الخاتام صُغْرَى شماليا «2» فألقى جواب اليمين من الفعل، وكان الوجه فِي الكلام أن يقول: لئن كان كذا لاتينك، وتوهم إلغاء اللام كما قال الآخر «3» : فَلا يَدْعُنِي قَوْمِي صَرِيحًا لِحُرَّةٍ ... لئنْ كُنتُ مقتولا ويَسْلَمُ عامِرُ فاللام فِي «لئن» ملغاة، ولكنها كثرت فِي الكلام حَتَّى صارت بمنزلة «4» «إن» ، ألا ترى أن الشاعر قد قال: فَلئِنْ قومٌ أصابُوا غِرَّةً ... وأَصَبْنا من زمانٍ رَقَقَا «5» لَلَقدْ كانوا لدى أزماننا ... لصنيعين لبأس وتقى «6»   (1) يريد امرأة منهم. ويقول الفراء فى سورة الإسراء فى هذين البيتين: «وأنشدتنى امرأة عقيلية فصيحة» . (2) الشاهد أنه جاء الفعل «أصم» جوابا مجزوما لإن الشرطية بعد تقدم القسم المشعر به اللام الموطئة، وهو قليل فى الشعر. وقيل إن اللام زائدة. و «ما» عبارة عن الكلام. والقيظ: شدة الحر. والبادي: البارز. وركوب الحمار بين الفروة والسرج هيئة من يندد به ويفضح بين الناس. وأعر: مضارع أعراه أي جعله عاريا. والخاتام لغة فى الخاتم. وصغرى الشمال خنصرها فإن الخاتم يكون زينة للشمال، واليمين لها فضيلة اليمين. يقول: إن كان ما نقل لك عنى من الحديث صحيحا فجعلنى الله صائما فى تلك الصفة الشاقة، وأركبنى حمارا للخزى والفضيحة وجعل شمالى عارية من حسنها وزينتها بقطعها. (خزانة الأدب ج 4: 538) . (3) قائله قيس بن زهير العبسي، وتقدير البيت: لئن قتلت و «عامر» سالم من القتل فلست بصريح النسب حر الأم وأراد عامر بن الطفيل. و «يسلم» على القطع والاستئناف، ولو نصب بإضمار «أن» لأن ما قبله من الشرط غير واجب لجاز. (هامش سيبويه ج 1: 427) . وقال ابن مالك: وقد يستغنى بعد «لئن» عن جواب لتقدم ما يدل عليه فيحكم بأن اللام زائدة، فمن ذلك قول عمر بن أبى ربيعة: ألمم بزينب إن البين قد أفدا ... قل الثواء لئن كان الرحيل غدا ومثله: فلا يدعنى قوم ... البيت. وقال فى شرح الكافية: لا قسم فى مثل هذه الصورة، فلا يكون إلا شرط. (4) فى ج، ش: «كأنها» . (5) «غرة» فى شعراء ابن قتيبة 1/ 47: «عزة» . الرقق: رقة الطعام وقلته، وفى ماله رقق أي قلة، وذكره القراء بالنفي فقال: يقال ما فى ماله رقق، أي قلة. (6) كذا. والمعنى غير واضح. وقد يكون الأصل: للقد أ ... ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 فأدخل على «لقد» لا ما أخرى لكثرة ما تلزم العرب اللام فِي «لقد» حَتَّى صارت كأنها منها. وأنشدني بعض بْني أسد: لددتهم النصيحة كل لَدٍّ ... فمجوا النصح ثُمَّ ثنوا فقاءوا فلا والله لا يلفى لما بي ... ولا للمابهم أبدًا دَواءُ «1» ومثله قول الشاعر: كما ما امرؤ في معشر غير رهطه ... ضعيف الكلام شخصه متضائل قال: «كما» ثُمَّ زاد معها «ما» أخرى لكثرة «كما» فِي الكلام فصارت كأنها منها. وقال الأعشى: لَئِنْ مُنِيتَ بِنا عَن غِبِّ مَعْرَكةٍ ... لا تُلْفِنَا مِن دِماءِ القومِ نَنْتَفِلُ «2» فجزم «لا تلفنا» والوجه الرفع كما قال اللَّه: «لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ» «3» ولكنه لما جاء بعد حرفٍ يُنْوى به الجزمُ صُيِّر جزما جوابا للمجزوم وهو فِي معنى رفع. وأنشدني القاسم بْن مَعْنٍ (عن العرب) «4» :   (1) البيتان من قصيدة طويلة لمسلم بن معبد الوالبي. والشاهد فى قوله: «للما» حيث كررت فيه اللام للتأكيد وهى حرف واحد بدون ذكر مجرور الأولى، وهو على غاية الشذوذ والقلة، والقياس (لما بهم لما بهم) . ولددتهم هنا بمعنى ألزمتهم يقول: ألزمتهم النصيحة كل الإلزام فلم يقبلوا، ولا يوجد شفاء لما بي من الكدر ولا لما بهم من داء الحسد. ويروى عجز البيت: وما بهم من البلوى دواء وانظر الخزانة 1/ 364. (2) منيت: أي بليت وقدر لك. و «عن غب معركة» «عن» بمعنى بعد، والغب: العاقبة. وانتقل من الشيء: انتفى منه وتنضل. والشاهد فى البيت أن الشرط قد يجاب مع تقدم القسم عليه، وهو قليل خاص بالشعر. وقال ابن هشام: إن اللام فى «لئن» زائدة وليست موطئة كما زعم الفراء. (3) . 12 آية سورة الحشر. (4) سقط فى أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 حلفت له إن تدلج الليل لا يزل ... أمامك بيت من بيوتى سائر «1» والمعنى حلفت له لا يزال أمامك بيتٌ، فلما جاء بعد المجزوم صير جوابا للجزم. ومثله فِي العربية: آتيك كى (إن تحدّثنى «2» بحديث أسمعه منك، فلما جاء بعد المجزوم جزم) . وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا ... (104) هُوَ «3» من الارعاء والمراعاة، (وفي) «4» قراءة عَبْد اللَّه «لا تقولوا راعُونا» وذلك أنها كلمة باليهودية شتم، فلما سمعت اليهود أصحاب مُحَمَّد صلى اللَّه عليه وسلم يقولون: يا نبي اللَّه راعنا «5» ، اغتنموها فقالوا: قد كُنَّا نسبه فِي أنفسنا فنحن الآن قد أمكننا أن نظهر له السَّبَّ، فجعلوا يقولون لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: راعِنا، ويضحك بعضهم إلى بعض، ففطن لها رَجُل «6» من الأنصار، فقال لهم: والله لا يتكلم بها رجل   (1) البيت شاهد على جزم «لا يزل» فى ضرورة الشعر بجعله جواب الشرط وكان القياس أن يرفع ويجعل جوابا للقسم، لكنه جزم للضرورة، فيكون جواب القسم محذوفا مدلولا عليه بجواب الشرط. وتدلج: مضارع أدلج أي سار الليل كله. وأراد بالبيت جماعة من أقاربه يقول: إن سافرت بالليل أرسلت جماعة من أهلى يسيرون أمامك يخفرونك ويحرسونك إلى أن تصل إلى مأمنك. (2) فى ج، ش: «إن تحدث بحديث أسمعه منك، فلما جاء بعد الجزم جزم» . [ ..... ] (3) فى ج: «وهو» . (4) فى ج: «وهو فى» . (5) راعنا: أمر من المراعاة وهى الحفظ. وفى الصحاح: «أرعيته سمعى أي أصغيت إليه، ومنه قوله تعالى: «راعِنا» قال الأخفش: «هو فاعلنا من المراعاة على معنى أرعنا سمعك، ولكن الياء ذهبت للأمر» . والأقرب أن المراعاة هنا مبالغة فى الرعي أي حفظ المرء غيره، وتدبير أموره. وقراءة عبد الله بن مسعود «راعونا» على إسناد الفعل إلى ضمير الجمع للتوقير. (6) هو سعد بن معاذ الأنصاري الأوسى رضى الله عنه وكان يعرف لغتهم. شهد بدرا وأحدا، وتوفى سنة خمس من الهجرة بسبب جرح أصابه فى غزوة الخندق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 إلا ضربت عنقه، فأنزل اللَّه «1» «لا تَقُولُوا راعِنا» ينهى المسلمين «2» عَنْهَا إذ كانت سبا عند اليهود. وقد قرأها الْحَسَن الْبَصْرِيّ: «لا تَقُولُوا راعِنا» بالتنوين، يقول: لا تقولوا حُمْقا، وينصب بالقول كما تقول: قَالُوا خيرا وقالوا شرا. وقوله: وَقُولُوا انْظُرْنا أي انتظرنا. وانْظُرْنا: أخِّرنا، (قال اللَّه) «3» : « [قالَ] أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» يريد «4» أخّرنى، وفى سورة الحديد [يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ] «لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ» «5» خفيفة الألف على معنى الانتظار. وقرأها حمزة الزيات: «لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا» على معنى التأخير. وقوله: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ ... (105) معناه: ومن المشركين «6» ، ولو كانت «المشركون» رفعًا مردودة على «الَّذِينَ كَفَرُوا» كان صوابا [تريد ما يود الذين كفروا ولا المشركون] «7» ، ومثلها فى المائدة: [يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً] مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ «8» ، قرئت بالوجهين: [والكفار، والكفار] «9» ، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «ومن الكفار أولِياء» . وكذلك قوله:   (1) فى ش، ج زيادة قبل الآية: «ينهى المسلمين» . (2) فى نسخة أ: «ينهى المسلم» . (3) فى أ: «كقوله» . (4) فى ج، ش: «يقول» . (5) آية 13 من السورة المذكورة. (6) «ومن المشركين» ساقط من أ. (7) ما بين المربعين ساقط من أ. (8) آية 57 من السورة المذكورة. (9) ساقط من أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 «لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ» «1» فِي موضع خفض على قوله: «مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ» : ومن المشركين، ولو كانت رفعا كان صوابا ترد على الذين كفروا. وقوله: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ ... (108) أَمْ (فِي المعنى) «2» تكون ردا على الاستفهام على جهتين إحداهما: أن تفرق «3» معنى «أي» ، والأخرى أن يستفهم بها. فتكون «4» على جهة النسق، والذي يُنوى بها الابتداء إلا أنه ابتداء متصل بكلام. فلو ابتدأت كلاما ليس قبله كلامٌ، ثُمَّ استفهمت لم يكن إلا بالألف أو بهل ومن ذلك قول اللَّه: «الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ» «5» ، فجاءت «أَمْ» وليس قبلها استفهام، فهذا دليل على أنها استفهام مبتدأ على كلامٍ قد سبقه. وأما قوله: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ فإن شئت جعلته على مثل هذا، وإن شئت قلت: قبله استفهام فرد عليه وهو قول اللَّه: «أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» . وكذلك قوله: «مَا لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ. أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ» «6» فإن شئت جعلته استفهاما مبتدأ قد سبقه كلامٌ، وإن شئت جعلته مردودا على قوله: «ما لَنا لا نَرى رِجالًا» وقد قرأ بعض   (1) آية 1 سورة البينة. [ ..... ] (2) سقط فى أ. (3) فى الطبري: «تعرّف» . (4) هذا إيضاح لجهتى (أم) . فهى فى الجهة الأولى أداة نسق، وفى الجهة الثانية ليست أداة نسق بل ينوى بها الابتداء على ما وصف. (5) آية 3 سورة السجدة. (6) آية 62، 63 سورة ص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 القرّاء: «أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا» يستفهم فى «أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا» بقطع الألف لينسّق عليه «أَمْ» لأن أكثر ما تجىء مع الألف وكل صواب. ومثله: «أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي» ثُمَّ قال: «أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا» والتفسير فيهما واحد. وربما جعلت العرب «أَمْ» إذا سبقها استفهام لا تصلح أي فِيهِ على جهة بل فيقولون: هَلْ لك قبلنا حق أم أنت رَجُل معروفٌ بالظلم. يريدون: بل أنت رجلٌ معروف بالظلم وقال الشاعر: فو الله ما أدْرِي أَسَلْمَى تَغَوّلَتْ «1» ... أَمِ النَّوْمُ أَمْ كُلُّ إِلَيّ حَبِيبٌ معناه [بل كل إلى حبيب] «2» . وكذلك تفعل العرب فِي «أو» فيجعلونها نسقًا مفرقة لمعنى ما صلحت فِيهِ «أحَدٌ» ، و «إحدى» كقولك: اضرب أحدهما زيدا أو عمرا، فإذا وقعت فِي كلام لا يراد به أحدٌ وإن صلحت جعلوها على جهة بل كقولك فِي الكلام: اذهب إلى فلانٍ أو دع ذلك فلا تبرح اليوم. فقد دلك هذا على أن الرجل قد رجع عن أمره الأول وجعل «أو» فِي معنى «بل» ومنه قول اللَّه: «وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ» وأنشدني بعض العرب «3» : بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشمس فِي رونق الضحى ... وصورتها أو أنت فِي العين أملح «4» يريد: بل أنت.   (1) تغوّلت المرأة: تلونت. (2) الزيادة من تفسير الطبري. (3) آية 147 سورة والصافات. (4) قرن الشمس: أعلاها. «وصورتها» بالجرّ عطف على قرن. وأملح: من ملح الشيء (بالضم) ملاحة أي بهج وحسن منظره. والبيت نسبه ابن جنى فى المحتسب إلى ذى الرمة، ولم نجده فى ديوانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 وقوله: فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (108) و «سَواءَ» «1» فِي هذا الموضع قصد، وقد تكون «سَواءَ» «2» فِي مذهب غير كقولك للرجل: أتيت سواءك. وقوله: كُفَّاراً ... (109) هاهنا «3» انقطع الكلام، ثم قال: حَسَداً كالمفسر لم ينصب على أنه نعت للكفار «4» ، إنما هُوَ كقولك للرجل: هُوَ يريد بك الشر حسدا وبغيا. وقوله: مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ... (109) من قبل أنفسهم لم يؤمروا به فِي كتبهم. وقوله: وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى ... (111) يريد يهوديًّا، فحذف الياء الزائدة ورجع إلى الفعل من اليهودية. وهي فِي قراءة أَبِي وعبد اللَّه: «إلا من كان يهوديًّا أو نصرانيّا» وقد يكون أن تجعل اليهود جمعًا واحده هائد (ممدود «5» ، وهو مثل حائل ممدود) «6» - من النوق- وحُول، وعائط «7» وعُوط وعيط وعوطط.   (1) فى ج: «سواء للسبيل» . (2) كذا فى أ، وفى ج: «على» . (3) «هاهنا» ساقط من أ. (4) فى القرطبي: «حسدا» مفعول له أو مصدر دل ما قبله على الفعل. (5) فى أ: «وهود، مثل حائل» . [ ..... ] (6) الناقة الحائل: التي حمل عليها الفحل فلم تلقح. (7) العائط من النوق: الحائل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وقوله: أُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ (114) هذه «1» الروم كانوا غزوا بيت المقدس فقتلوا وحرقوا وخربوا المسجد. وإنما أظهر اللَّه عليهم المسلمين فِي زمن عُمَر- رحمه اللَّه- فبنوه، (ولم) «2» تكن الروم تدخله إلا مستخفين، لو علم بهم لقتلوا. وقوله: لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ ... (114) يقال: إن مدينتهم الأولى أظهر اللَّه عليها المسلمين فقتلوا مقاتلهم، وسبوا الذراري والنساء، فذلك الخزي. وقوله: وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (114) يقول فيما وعد اللَّه المسلمين من فتح الروم، ولم يكن بعد «3» . وقوله: كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (116) يريد مطيعون، وهذه خاصة لأهل الطاعة ليست بعامة. وقوله: فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) رفع ولا يكون نصبا، إنما «4» هى مردودة على «يَقُولُ» [فإنما يقول فيكون] «5» . وكذلك قوله: «وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ» «6» رفعٌ لا غير. وأما التي فِي النحل: «إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» فإنها نصب «7» ،   (1) فى ج: «فهذه» . (2) فى ج: «فلم» . (3) فى ج، ش: «ولما يكن بعد» . (4) فى ج، ش: «إنها مردودة» . (5) ما بين المربعين من ج، ش. (6) آية 73 سورة الأنعام. (7) قوله: «نصب» هذا فى قراءة ابن عامر والكسائي عطفا على «أن نقول» . والباقون بالرفع على معنى فهو يكون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وكذلك التي فِي «يس» نصبٌ لأنها مردوةٌ على فعل قد نُصب بأن، وأكثر القراء على رفعهما. والرفع صوابٌ، وذلك أن تجعل الكلام مكتفيا عند قوله: «إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ» فقد تم الكلام، ثُمَّ قال: فسيكون ما أراد اللَّه. وإنه لاحب الوجهين إليّ، وإن كان الكسائي لا يُجيز الرفع فيهما ويذهب إلى النّسق. وقوله: تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ... (118) يقول: تشابهت قلوبهم «1» فِي اتفاقهم على الكفر. فجعله اشتباها. ولا يجوز تشابهت بالتثقيل لأنه لا يستقيم دخول تاءين زائدتين فِي تفاعلت ولا فِي أشباهها. وإنما يجوز الادغام إذا قلت فِي الاستقبال: تتشابه (عن قليل) «2» فتدغم التاء الثانية عند الشين. وقوله: وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (119) قرأها ابن عَبَّاس [وأبو جَعْفَر] «3» مُحَمَّد بْن علىّ بن الحسين جزما، وقرأها بعض أَهْل المدينة جزما، وجاء التفسير بِذَلِك، [إلا أن التفسير «4» ] على فتح التاء على النهى. والقراء [بعد] «5» على رفعها على الخبر: ولست تسئل، وَفِي قراءة أبي «وما تسئل» وَفِي قراءة عَبْد اللَّه: «ولن تسال» وهما شاهدان «6» للرفع. وقوله: وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ ... (123) يقال: فدية.   (1) سقط فى أ. (2) كأنه يريد: عن قليل من العرب أو من القرّاء، وهو متعلق بقوله: «يجوز الإدغام ... » . (3) ساقط من أ. (4، 5) ما بين المربعين ساقط من أ. «بعد» ساقط من أ. (6) فى ج، ش: «وكلاهما يشهد» . [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وقوله: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ ... (124) يقال: أمره بخلالٍ عشرٍ من السنة خمس فِي الرأس، وخمس فِي الجسد فأما اللاتي فِي الرأس فالفرق «1» ، وقص الشارب، والاستنشاق، والمضمضة، والسواك. وأما اللاتي فِي الجسد فالختان، وحلق العانة، وتقليم الأظافر، ونتف الرفغين يعني الإبطين. قال الفرّاء: ويقال للواحد رفع «2» والاستنجاء. فَأَتَمَّهُنَّ: عمل بهن فقال اللَّه تبارك وتعالى: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً: يهتدى بهداك ويستنّ بك، فقال: ربّ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي على المسألة «3» . وقوله: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ... (124) يقول: لا يكون للمسلمين إمام مشرك. وفي قراءة عَبْد اللَّه: «لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِون» . وقد فسر هذا لأن «4» ما نالك فقد نلته، كما تقول: نلت خيرك، ونالني خيرك. وقوله: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ ... (125) يثوبون إليه- من المثابة والمثاب- أراد: من كل مكان. والمثابة «5» فِي كلام العرب كالواحد مثل المقام والمقامة.   (1) أي فرق الشعر. وهو تفريقه فى وسط الرأس، لا يترك جملة واحدة، ليكون ذلك أعون على تسريحه وتنظيفه. (2) ما بين النجمتين ساقط من ج، ش. (3) أي مسألة من إبراهيم ربه، سأله إياها أن يكون من ذرّيته مثاله: من يؤتم به ويقتدى به ويهتدى بهديه. (4) كذا والأحسن: «بأن» . (5) المثابة فى اللغة: مجتمع الناس بعد تفرقهم كالمثاب، والموضع الذي يئاب إليه أي يرجع إليه مرة بعد أخرى. وقوله: «كالواحد» يريد به المثاب. وهو يريد الردّ على من زعم أن تأنيث مثابة لمعنى الجماعة كالسيارة. وانظر تفسير الطبري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وقوله: وَأَمْناً ... (125) يقال «1» : إن من جنى جناية أو أصاب حدّا ثُمَّ عاذ بالحرم لم يُقَم عليه حده حَتَّى يخرج من الحرم، ويؤمر بأَلا يخالط ولا يبايع، وأن يضيق عليه (حَتَّى يخرج) «2» ليقام عليه الحد، فذلك أمنه. ومن جنى من أهل الحرم جناية أو أصاب حدّا أقيم عليه فِي الحرم. وقوله: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ... (125) وقد قرأت القراء بمعنى «3» الجزم [والتفسير مع أصحاب الجزم] «4» ، ومن قرأ «وَاتَّخِذُوا» ففتح الخاء كان خبرا يقول «5» : جعلناه مثابة لهم واتخذوه مصلى، وكل صواب إن شاء اللَّه. وقوله: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ ... (125) يريد: من الأصنام ألا «6» تعلق فِيهِ. وقوله: لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ ... (125) يعنى أهله وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ يعنى أهل الإسلام.   (1) فى أ: «يقول» . (2) فى ج: «فيخرج» . (3) فى ج، ش: «بعد بالجزم» يريد بالجزم الأمر. (4) ما بين المربعين فى ج، ش. (5) فى أ: «أي» . (6) كذا فى ج. وفى أ: «لا» وقوله: «ألا تعلق» أي إرادة ألا تعلق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وقوله: وَمَنْ كَفَرَ ... (126) من قول الله تبارك وتعالى فَأُمَتِّعُهُ على الخبر. وفي قراءة أَبِي «وَمَن كَفَرَ فَنُمَتِّعُهُ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ» (فهذا وجه) «1» . وكان ابن عَبَّاس يجعلها متصلة بمسئلة إبراهيم «2» صلى الله عليه على معنى: رب «وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ» (منصوبة موصولة) «3» . يريد ثُمَّ أَضْطَرِرْه فإذا تركت التضعيف نصبت، وجاز فِي هذا المذهب كسر الراء فِي لغة الَّذِين يقولون مُدِّهِ. وقرأ يحيى بْن وَثَّاب: «فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ» بكسر الألف كما تقول: أَنَا أعلم ذاك. وقوله: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ (127) يقال هى إساس «4» البيت. واحدتها قاعدة، ومن النساء «5» اللواتي قد قعدن عن المحيض قاعد بغيرها. ويقال لامرأة الرجل قعيدته. وقوله: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا ... (127) يريد: يقولان ربنا. وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه «ويقولان ربنا» .   (1) سقط فى أ. (2) فى الطبري: كان ابن عباس يقول: ذلك قول إبراهيم يسأل ربه أن من كفر فأمتعه قليلا بتخفيف التاء وسكون العين وفتح الراء من اضطره، وفصل ثم اضطره بغير قطع همزتها على وجه الدعاء من إبراهيم ربه لهم والمسألة. (3) (منصوبة) أي مفتوحة الراء، و (موصولة) أي بهمزة الوصل لا بهمزة القطع. [ ..... ] (4) هو جمع أس، بضم الهمزة. وهذا الضبط عن اللسان فى قعد. وضبط فى أ: «آساس» وهو جمع أس أيضا. (5) يريد: والواحدة من النساء ... أي الواحدة من القواعد بهذا المعنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وقوله: وَأَرِنا مَناسِكَنا ... (128) وفى قراءة عبد الله: «وأرناهم مناسكهم» ذهب إلى الذرية. «وَأَرِنا» ضمهم إلى نفسه، فصاروا كالمتكلمين عن أنفسهم يدلك على ذلك قوله: وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا رجع إلى الذرية خاصة. وقوله: إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ... (130) العرب توقع سفه على (نفسه) وهي معرفة. وكذلك قوله: «بَطِرَتْ مَعِيشَتَها» «1» وهي من المعرفة كالنكرة، لأنه مفسر، والمفسر فِي أكثر الكلام نكرة كقولك: ضِقت به ذَرْعا، وقوله: «فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً» «2» فالفعل للذرع لأنك تقول: ضاق ذرعي به، فلما جعلت الضيق مسندا إليك فقلت: ضقت جاء الذّرع مفسرا لأن الضيق فِيهِ كما تقول: هُوَ أوسعكم دارا. دخلت الدار لتدل على أن السعة فيها لا فِي الرجل وكذلك قولهم: قد وجعت بطنك، ووثقت رأيك- أو- وفقت، [قال أَبُو عَبْد اللَّه «3» : أكثر ظني وثقت بالثاء] «4» إنما الفعل للأمر، فلما أسند الفعل إلى الرجل صلح النصب فيما عاد بذكره على التفسير ولذلك لا يجوز تقديمه، فلا يقال: رأيه سفه زيدٌ، كما لا يجوز دارا أنت أوسعهم لأنه وإن كان معرفة فإنه فِي تأويل نكرة، ويصيبه النصب فِي موضع نصب النكرة ولا يجاوزه.   (1) آية 58 سورة القصص. (2) آية 4 سورة النساء. (3) هو محمد بن الجهم السمري مستملى الفراء وراوى الكتاب عنه. (4) ما بين الخطين ساقط من ج، ش- هذا- وجاء فى اللسان مادة «وفق» : «وفق أمره يفق قال الكسائي يقال رشدت أمرك ووفقت رأيك، ومعنى وفق أمره وجده موافقا، وقال اللحيائى: وفقه وفهمه» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وقوله: وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ ... (132) فِي مصاحف أهل المدينة «وأوصى» وكلاهما صوابٌ كثير فى الكلام. وقوله: وَيَعْقُوبُ ... (132) أي ويعقوب وصى بهذا أيضا. وَفِي إحدى القراءتين قراءة عَبْد اللَّه أو «1» قراءة أُبَيٍّ: «أن يا بني إن اللَّه اصطفى لكم الدين» يوقع وصى على «أَنْ» يريد وصاهم «بأن» ، وليس فِي قراءتنا «أن» ، وكل صواب. فمن ألقاها قال: الوصية قول، وكل كلام رجع إلى القول جاز فِيهِ دخول أن، وجاز إلقاء أن كما قال اللَّه عز وجل فِي النساء «2» : «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» لأن الوصية كالقول وأنشدني الكسائي: إني سأُبدي لك فيما أبدى ... لي شجنان شجن بنجد وشجن لي ببلاد السِنْد لأن الإبداء فِي المعنى بلسانه ومثله قول اللَّه عز وجل «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً» «3» لأن العدة قول. فعلى هذا يبنى ما ورد من نحوه. وقول النحويين: إنما أراد: أن فألقيت ليس بشيء لأن هذا لو كان لجاز إلقاؤها مع ما يكون فِي معنى القول وغيره.   (1) أو هنا للشك. فقد كان المؤلف حين الكتابة لهذا غير متثبت من الأمر، وفى الحق أن هذه قراءة الرجلين معا، كما فى البحر والقرطبىّ. (2) آية 11 منها. (3) آية 29 سورة الفتح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وإذا كان الموضع فِيهِ ما يكون معناه معنى القول ثُمَّ ظهرت فِيهِ أن فهي منصوبة الألف. وإذا لم يكن ذلك الحرف يرجع إلى معنى القول سقطت أن من الكلام. فأما الَّذِي يأتي بمعنى القول فتظهر فِيهِ أن مفتوحة فقول اللَّه تبارك وتعالى: «إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ» «1» جاءت أن مفتوحة لأن الرسالة قول. وكذلك قوله «فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ. أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا» «2» والتخافت قول. وكذلك كل ما كان فِي القرآن. وهو كثير. منه قول اللَّه «وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ» «3» . ومثله: «فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ [عَلَى الظَّالِمِينَ] » «4» الأذان قول، والدعوى قول فِي الاصل. وأما ما ليس فِيهِ معنى القول فلم تدخله أن فقول اللَّه «وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا» «5» فلمّا لم يكن فى «أَبْصَرْنا» كلام يدل على القول أضمرت القول فأسقطت أن لأن ما بعد القول حكاية لا تحدث معها أن. ومنه قول اللَّه «وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ» «6» . معناه: يقولون أخرجوا. ومنه قول اللَّه تبارك وتعالى: «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا» . معناه يقولان «رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا» وهو كثير. فقس بهذا ما ورد عليك.   (1) آية 1 سورة نوح. (2) آية 23- 24 سورة القلم. (3) آية 10 سورة يونس. (4) آية 44 سورة الأعراف. (5) آية 12 سورة السجدة. [ ..... ] (6) آية 93 سورة الأنعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 [وقوله: ... قالوا نعبد إلهك وإله ءابائك إبراهيم وإسمعيل وإسحق إلها واحدا ونحن له مسلمون 133] . قرأت القرّاء نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ، وبعضهم قرأ «وإله أبيك» واحدا. وكأن الَّذِي قال: أبيك (ظن أن العم لا يجوز فِي الآباء) «1» فقال «وإله أبيك إِبْرَاهِيم» ، ثُمَّ عدد بعد الأب العم. والعرب تجعل الأعمام كالآباء، وأهل الأم كالأخوال. وذلك كثير فِي كلامهم. وقوله: قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ... (135) أمر اللَّه محمدا صلى اللَّه عليه وسلم. فإن نصبتها ب (نكون) «2» كان صوابا وإن نصبتها بفعل مضمر كان صوابا كقولك بل نتّبِع «مِلَّةَ إِبْراهِيمَ» ، وإنما أمر اللَّه النَّبِيّ محمدا صلى اللَّه عليه وسلم فقال «قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ» . وقوله: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ... (136) يقول لا نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى وقوله: صِبْغَةَ اللَّهِ ... (138) نَصْب، مردودة «3» على المِلَّة، وإنما قيل «صِبْغَةَ اللَّهِ» لأن بعض النصارى كانوا إذا وُلد المولود جعلوه فِي ماء لهم يجعلون ذلك تطهيرا له كالختانة. وكذلك   (1) فى ج، ش: «ظن أن العرب لا تجوز إلا فى الآباء» . وليس له معنى. (2) كذا فى البحر. أي نكون ذوى ملة إبراهيم. وفى نسخ الفراء: «بيكون» ولعل المراد إن صحت: يكون ما تختاره، مثلا: (3) يريد أنها بدل من «مِلَّةِ إِبْراهِيمَ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 هِيَ فِي إحدى القراءتين. قل «صِبْغَةَ اللَّهِ» وهي الختانة، اختتن إِبْرَاهِيم صلى اللَّه عليه وسلم فقال: قل «صِبْغَةَ اللَّهِ» يأمر بها مُحَمَّدا صلى اللَّه عليه وسلم فجرت الصبغة على الختانة لصبغهم الغلمان فِي الماء، ولو رفعت الصبغة والملة كان صوابا كما تقول العرب: جدك لا كدك، وجدك لا كدك. فمن رفع أراد: هِيَ ملة إِبْرَاهِيم، هِيَ صبغة الله، هو جدّك. ومن نصب أضمر مثل الَّذِي قلت لك من الفعل. وقوله: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ... (143) يعنى عدلا «1» لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ يقال: إن كل نبي يأتي يوم القيامة فيقول: بلغت، فتقول أمته: لا، فيكذبون الأنبياء، «2» (ثُمَّ يجاء بأمة مُحَمَّد صلى اللَّه عليه وسلم فيصدقون الأنبياء ونبيهم) ، ثُمَّ يأتي النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم فيصدق أمَّته، فذلك قوله تبارك وتعالى: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً، ومنه قول اللَّه: «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ [وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً] » «3» . وقوله: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ ... (143) أسند الإيمَان إلى الأحياء من المؤمنين، والمعنى فيمن مات من المسلمين قبل أن تحول القبلة. فقالوا للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: كيف بصلاة إخواننا الذين ماتوا على القبلة الأولى؟ فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ   (1) كذا فى أصول الكتاب بالإفراد. ووجه ذلك أن عدلا فى الأصل مصدر، فيصلح للفرد والجمع. وفى غير هذا الكتاب: «عدولا» . (2) سقط ما بين القوسين فى أ. (3) آية 41 من سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 يريد إيمانهم لانهم داخلون معهم فِي الملة، وهو كقولك للقوم: قد قتلناكم وهزمناكم، تريد: قتلنا منكم، فتواجههم بالقتل وهم أحياء. وقوله: فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ... (144) يريد: نحوه وتلقاءه، ومثله فِي الكلام: وَلِّ وجهك شطره، وتلقاءه، وتُجَاهه. وقوله: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ... (145) أجيبت (لئن) بما يجاب به لو. ولو فِي المعني ماضية، ولئن مستقبلة، ولكن الفعل ظهر فيهما بفعل فأُجيبتا بجواب واحدٍ، وشُبِّهت كل واحدة بصاحبتها. والجواب فى الكلام فى (لئن) بالمستقبل مثل قولك: لئن قمت لأقومنَّ، ولئن أحسنت لتُكرمنّ، ولئن أسأت لا يُحْسَنْ إليك. وتجيب لو بالماضي فتقول: لو قمت لقمت، ولا تقول: لو قمت لأقومنَّ. فهذا الَّذِي عليه يُعمل، فإذا أُجيبت لو بجواب لئن فالذي قلت لك من لفظ فعليهما بالمضي، ألا ترى أنك تقول: لو قمت، ولئن قمت، ولا تكاد ترى (تفعل تأتي) «1» بعدهما، وهي جائزة، فلذلك قال «وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا» «2» فأجاب (لئن) بجواب (لو) ، وأجاب (لو) بجواب (لئن) فقال «وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ» «3» الآية   (1) كذا فى ش. وفى أ: «يفعل يأتى» وعلى هذا فقوله بعد: «وهى» راعى فيها الكلمة، فلذلك أنث. (2) آية 51 سورة الروم. (3) آية 103 سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وقوله: وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ... (147) المعنى أنهم لا يؤمنون بأن القبلة التي صرف إليها مُحَمَّد صلى اللَّه عليه وسلم قبلة إِبْرَاهِيم صلى اللَّه عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء، ثم استأنف (الحقّ) فقال: يا مُحَمَّد هُوَ «الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ» ، إنها قبلة إِبْرَاهِيم فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ: فلا تشكن فِي ذلك. والممتري: الشاك. وقوله: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ ... (148) يعنى قبلةوَ مُوَلِّيها : مستقبلها، الفعل لكلٍ، يريد: مولٍ وجهه إليها. والتولية فِي هذا الموضع إقبال، وفي «يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ» «1» ، «ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ» «2» انصراف. وهو كقولك فِي الكلام: انصرف إلى، أي أقبل إلى، وانصرف إلى أهلك أي اذهب إلى أهلك. وقد قرأ ابن عَبَّاس وغيره «هُوَ مُوَلاها» ، وكذلك قرأ أبو «3» جَعْفَر مُحَمَّد بْن علي، فجعل الفعل واقعا عليه. والمعنى واحد. والله أعلم. وقوله: يْنَ ما تَكُونُوا ... (148) إذا رأيت حروف الاستفهام قد وصلت ب (ما) ، مثل قوله: أينما، ومتى ما، وأي ما، وحيث «4» ما، وكيف ما، و «أَيًّا مَا تَدْعُوا» «5» كانت جزاء ولم تكن استفهاما. فإذا لم توصل ب (ما) كان الاغلب عليها الاستفهام، وجاز فيها الجزاء.   (1) آية 111 سورة آل عمران. (2) آية 25 سورة التوبة. (3) هو الإمام الباقر، لقب بذلك لأنه بقر العلم، أي شقه وعرف ظاهره وخفيه. وانظر طبقات القراء لابن الجزرىّ الترجمة رقم 3254 (4) كذا فى الأصول، ولا تعرف هذه الأداة فى أدوات الاستفهام. [ ..... ] (5) آية 110 سورة الإسراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 فإذا كانت جزاء جزمت الفعلين: الفعل الَّذِي مع أينما وأخواتها، وجوابه كقولهَ يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ» «1» فإن أدخلت الفاء فِي الجواب رفعت الجواب فقلت فِي مثله من الكلام: أينما تكن فآتيك. كذلك قول اللَّه- تبارك وتعالى- «وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ» . فإذا كانت استفهاما رفعت الفعل الَّذِي يلي أَيْنَ وكيف، ثُمَّ تجزم الفعل الثاني ليكون جوابا للاستفهام، بمعنى الجزاء كما قال اللَّه تبارك وتعالى: «هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ» «2» ثُمَّ أجاب الاستفهام بالجزم فقال- تبارك وتعالى- «يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» «3» . فإذا أدخلت فِي جواب الاستفهام فاءً نصبت كما قال اللَّه- تبارك وتعالى- «لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ» «4» فنصب. فإذا جئت إلى العطوف التي تكون فى الجزاء وقد أجبته بالفاء كان لك فِي العطف ثلاثة أوجه إن شئت رفعت العطف مثل قولك: إن تأتني فإني أهل ذاك، وتُؤْجَرُ وتحمد، وهو وجه الكلام. وإن شئت جزمت، وتجعله كالمردود على موضع الفاء. والرفعُ على ما بعد الفاء. وقد قرأت القراء «مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ» «5» . رفع وجزم. وكذلك «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ   (1) آية 148 سورة البقرة. (2) آية 10 سورة الصف. (3) آية 12 سورة الصف. (4) آية 10 سورة المنافقين. وقد عدّ لولا فى أدوات الاستفهام، وهذا المعنى ذكره الهروي، كما فى المغني، ومثل له بالآية. وقال الأمير فى كتابته على المغني: «الاستفهام هنا بعيد جدّا» أي والقريب فى الآية معنى العرض أو التحضيض. (5) آية 186 سورة الأعراف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ» «1» جزم ورفع. ولو نصبت على ما تنصب عليه عطوف الجزاء إذا استغنى لأصبت كما قال الشاعر «2» : فإن يهلك النعمان تعر مطِيَّةٌ ... وتُخْبَأَ فِي جوفِ العِيابِ قُطُوعُها «3» وإن جزمت عطفا بعد ما نصبت ترده على الأول، كان صوابا كما قَالَ بعد هَذَا البيت: وتنحط حصان آخر اللّيل نحطه ... تقصم منها- أو تكاد- ضلوعها «4» وهو كثير فِي الشعر والكلام. وأكثر ما يكون النصب فِي العطوف إذا لم تكن فِي جواب الجزاء الفاءُ، فإذا كانت الفاءُ فهو الرفع والجزم. وإذا أجبت الاستفهام بالفاء فنصبت فانصب العطوف، وإن جزمتها فصواب. من ذلك قوله فِي المنافقين «لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ» «5» رددت «وَأَكُنْ» على موضع الفاء لأنها فِي محل جزمٍ إذ كان الفعل إذا «6» وقع موقعها بغير الفاء جزم. والنصب على أن ترده على ما بعدها، فتقول: «وأكون» وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود «وأكون» بالواو، وقد قرأ بها بعض «7» القراء. قال: وأرى ذلك صوابا «8» لأن الواو ربما حذفت من الكتاب   (1) آية 271 سورة البقرة. (2) هو النابغة الذبيانىّ. وانظر الديوان له وشرحه فى مجموعة الدواوين الخمسة. وهذا الشعر يقوله فى مدح النعمان بن الحارث الأصغر الغساني. (3) القطوع: جمع قطع. وهو كالطنفسة. والعياب: جمع عيبة وهو ما يوضع فيه الثياب. يقول: إن هلك النعمان ترك كل وافد الرحلة ولم يستعمل مطيته وخبأ فى جوف العياب الطنفسة التي توضع على الرحل استعدادا للرحيل. (4) تنحط: تزفر من الحزن. والحصان: المرأة العفيفة. يقول: إذا تذكرت الحصان معروفه هاج لها حزن وزفرات تنكسر لها ضلوعها أو تكاد تنكسر. وخص آخر الليل لأنه وقت الهبوب من النوم. (5) آية 10 سورة المنافقين. (6) سقط فى أ. (7) يريد أبا عمرو بن العلاء، وانظر البيضاوي، والبحر 8/ 275 (8) يريد دفع ما يرد على قراءة أبى عمرو أنها مخالفة لرسم المصحف إذ ليس فيه: «أَكُونَ» بالواو. فذكر أن الواو قد تحذف فى الرسم وهى ثابتة فى اللفظ. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وهي تراد لكثرة ما تنقص وتزاد فِي الكلام ألا ترى أنهم يكتبون «الرحمن» وسليمن بطرح الألف والقراءة بإثباتها فلهذا جازت. وقد أسقطت الواو من قوله «سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ» «1» ومن قوله «وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ» «2» الآية، والقراءة على نيَّة إثبات الواو. وأسقطوا من الايكة ألفين فكتبوها فِي موضع ليكة «3» ، وهي فِي موضع آخر الايكة «4» ، والقراء «5» على التمام، فهذا شاهد على جواز «وأكون من الصالحين» . وقال بعض الشعراء «6» : فأَبلُوني بَلِيَّتَكُم لَعَلِّي ... أصلكم وأَسْتَدْرِجْ نَوَيّا فجزم (وأستدرج) ، فإن شئت رددته إلى موضع الفاء المضمرة فِي لعلى، وإن شئت جعلته فِي موضع رفع فسكنت الجيم لكثرة توالي الحركات. وقد قرأ بعض القراء «لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ» بالجزم وهم ينوون الرفع، وقرءوا «أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ» والرفع أحبّ إلىّ من الجزم.   (1) آية 18 سورة القلم. (2) آية 11 سورة الإسراء. (3) كما فى آية 176 من الشعراء، وآية 13 من ض. (4) كما فى آية 78 من الحجز، وآية 14 من ق. (5) قرأ الحرميان: ابن كثير ونافع، وابن عامر: ليكة بفتح اللام وسكون الياء وفتح التاء، فى الموضعين اللذين سقط فيها الألفان، وكأن الفرّاء ينكر هذه القراءة كما أنكرها بعض النحويين. وانظر البحر 7/ 37 (6) هو أبو داود الإيادىّ، كما فى الخصائص 1/ 176، يقوله فى قوم جاورهم فأساءوا جواره، ثم أرادوا مصالحته. وقوله: «فأبلونى» من أبلاه إذا صنع به صنعا جميلا. والبلية اسم منه. و «نويا» يريد نواى، والنية: الوجه الذي يقصد. و «أستدرج» : أرجع أدراجى من حيث كنت. يقول: أحسنوا الصنيع بي واجبروا ما فعلتم معى، فقد يكون هذا حافزا لى أن أصالحكم أو أرجع إلى ما كنت عليه. وانظر التعليق على الخصائص فى الموطن السابق طبعة الدار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وقوله: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ... (150) يقول القائل: كيف استثنى الذين ظلموا فِي هذا الموضع؟ ولعلهم توهّموا أن ما بعد إلا يخالف ما قبلها فإن كان ما قبل إلا فاعلا كان الَّذِي بعدها خارجا من الفعل الَّذِي ذكر، وإن كان قد نفى عما قبلها الفعل ثبت لما بعد إلا كما تقول: ذهب الناس إلا زَيْدًا، فزيد خارج من الذهاب، ولم يذهب الناس إلا زَيْدُ، فزيد ذاهب، والذهاب مثبت لزيد. فقوله «1» «إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا» [معناه «2» : إلا الذين ظلموا منهم] ، فلا حجة لهم «فَلا تَخْشَوْهُمْ» وهو كما تقول فِي الكلام: الناس كلهم [لك] «3» حامدون إلا الظالم لك المعتدي عليك، فإن ذلك لا يعتد بعداوته ولا بتركه الحمد لموضع العداوة. وكذلك الظالم لا حجة له. وقد سمي ظالما. وقد قال بعض النحويين «4» : إلا فى هذا الموضع بمنزلة الواو كأنه قال: «لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ» ولا للذين ظلموا. فهذا صواب فِي التفسير، خطأ فِي العربية إنما تكون إلا بمنزلة الواو إذا عطفتها على استثناء قبلها، فهنالك تصير بمنزلة الواو كقولك: لي على فلان ألف إلا عشرة إلا مائة، تريد: (إلّا) الثانية أن ترجع على الألف، كأنك أغفلت المائة فاستدركتها فقلت: اللهمّ   (1) هذا أخذ منه فى الردّ على الاعتراض السابق وكأن هنا سقطا فى الكلام. وفى هامش أفى هذا الموطن سطران لم تحسن قراءتهما. وكأن فيهما هذا السقط. (2) زيادة من اللسان فى إلا فى آخر الجزء العشرين. (3) زيادة من اللسان فى الموطن السابق. (4) القائل بهذا أبو عبيدة، وقد أبطل الزجاج والفراء هذا القول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 إلا مائة. فالمعنى له على ألف ومائة، وأن تقول: ذهب الناس إلا أخاك، اللهم إلا أباك، فتستثني الثاني، تريد: إلا أباك وإلا أخاك كما قال الشاعر «1» : ما بالمدينة دار غير واحدةٍ ... دار الخليفة إلا دار مروانا كأنه أراد: ما بالمدينة دار إلا دار الخليفة ودار مروان. وقوله: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ ... (148) العرب تقول: هذا أمر ليس له وجهة، وليس له جهة، وليس له وجه وسمعتهم يقولون: وجه الحجر، جهة ماله، ووجهة ماله، ووجه ماله. ويقولون: ضعه غير هذه الوضعة، والضِّعة، والضَعَة. ومعناه: وجه الحجر فله جهة وهو مثل، أصله فِي البناء يقولون: إذا رَأَيْت الحجر فِي البناء لم يقع موقعه فأدره فإنك ستقع على جهته «2» . ولو نصبوا على قوله: وجهه جهته لكان صوابا. وقوله: وَاخْشَوْنِي ... (150) أثبتت فيها الياء ولم تثبت فِي غيرها، وكل ذلك صواب، وإنما استجازوا حذف الياء لأن كسرة النون تدل عليها، وليست تهيب العرب حذف الياء من آخر الكلام إذا كان ما قبلها مكسورا، من ذلك «رَبِّي أَكْرَمَنِ- وأَهانَنِ» فى سورة «الفجر» «3» وقوله: «أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ» «4» ومن غير النون «الْمُنادِ» «5» و «الدَّاعِ» «6» وهو كثير، يكتفي من الياء بكسرة ما قبلها، ومن الواو بضمة ما قبلها مثل قوله:   (1) نسب فى كتاب سيبويه 1/ 373 إلى الفرزدق. وانظر فى تخريج إعرابه السيرافي على الكتاب 3/ 306 من التيمورية. (2) وهذا المثل أورده الميدانىّ فى حرف الواو، وقال بعد أن أورد نحو ما ذكر هنا: «يضرب فى حسن التدبير، أي لكل أمر وجه، لكن الإنسان ربما عجز ولم يهتد إليه» . (3) آيتا 15، 16 من السورة. (4) آية 126 سورة النمل. [ ..... ] (5) آية 41 سورة ق. (6) آيتا 6، 8 سورة القمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 «سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ» «1» - «وَيَدْعُ الْإِنْسانُ» «2» وما أشبهه، وقد تسقط العرب الواو وهي واو جماع، اكتفى بالضمة قبلها فقالوا فِي ضربوا: قد ضرب، وفي قَالُوا: قد قال ذلك، وهى فى هوازن وعليا قيس أنشدني بعضهم: إذا ما شاء ضروا من أرادوا ... ولا يألو لهم أحد ضرارا «3» وأنشدني الكسائي: مَتَى تقول خلت من أهلها الدار ... كأنهم بجناحي طائر طاروا وأنشدني بعضهم: فلو أن الأطباء كان عندي ... وكان مع الأطباء الأساة «4» وتفعل ذلك فِي ياء التأنيث كقول عنترة: إن العدو لهم إليك وسيلة ... إن يأخذوك تكحلي وتخضب «5» يحذفون (ياء التأنيث) «6» وهي دليل على الأنثى اكتفاء بالكسرة.   (1) آية 18 سورة العلق. (2) آية 11 سورة الإسراء. (3) أورده البغدادىّ فى شرح شواهد المغني 2/ 859 وقال: «وهذا البيت مشهور فى تصانيف العلماء، ولم يذكر أحد منهم قائله» . (4) بعده: إذا ما أذهبوا ألما بقلبي ... وإن قيل: الأساة هم الشفاة والأساة جمع آس، وهو هنا من يعالج الجرح. وانظر الخزانة 2/ 385. (5) نسب هذا البيت فى أبيات أخر الجاحظ فى البيان 3/ 176 وفى الحيوان 4/ 363 إلى خزز بن لوذان، وكذلك رجّح صاحب الأغانى 10/ 180 طبعة الدار نسبتها إلى خزز. وذكر صاحب الخزانة 3/ 11 عن الصاغاني أن الشعر فى ديوانى الرجلين. وانظر اللسان (نعم) . (6) نسخة أ: (الياء) . والحق أن لا حذف فى البيت لأن القافية مطلقة، والياء ثابتة فى اللفظ، كما يجب أن تثبت فى الكتابة. نعم هناك طريقة فى الإنشاء تقطع الترنم، فتسكن الياء. وقد روى أحد الأبيات التي منها هذا بالإسكان. وانظر سيبويه 2/ 302. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وقوله: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ ... (150) جواب لقوله: (فاذكرونى أذكركم) : كما أرسلنا، فهذا جواب (مقدم ومؤخر) «1» . وفيها وجه آخر: تجعلها من صلة ما قبلها لقوله: «أَذْكُرْكُمْ» ألا ترى أنه قد جعل لقوله: «فَاذْكُرُونِي» جوابا مجزوما، (فكان فِي ذلك دليل) «2» على أن الكاف التي فى (كما) لما قبلها لأنك تقول فِي الكلام: كما أحسنت فأحسن. ولا تحتاج إلى أن تشترط ل (أحسن) لأن الكاف شرط، معناه افعل كما فعلت. وهو فِي العربية أنفذ «3» من الوجه الأول مما جاء به التفسير وهو صواب بمنزلة جزاء يكون له جوابان مثل قولك: إذا أتاك فلان فأته ترضه. فقد صارت (فأته) و (ترضه) جوابين. وقوله: وَاشْكُرُوا لِي ... (152) العرب لا تكاد تقول: شكرتك، إنما تقول: شكرت لك، ونصحت لك. ولا يقولون: نصحتك، وربما قيلتا قال بعض الشعراء: هُمْ جمعوا بؤسى ونعمى عليكم ... فهلا شكرت القوم إذ لم تقاتل وقال النابغة: نصحت بني عوفٍ فلم يتقبلوا ... رسولي ولم تنجح لديهم وسائلي   (1) أي مقدّم فى اللفظ، مؤخر فى النية. والعبارة فى الطبرىّ 2/ 22: «وزعموا أن ذلك من المقدّم الذي معناه التأخير» . (2) فى ج، وش «فكان ذلك دليلا» . (3) فى ج، وش: «أقعد» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 وقوله: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ ... (154) رفع بإضمار مكنى من أسمائهم كقولك: لا تقولوا: هُمْ أموات بل هُمْ أحياء. ولا يجوز فِي الأموات النصب لأن القول لا يقع على الاسماء إذا أضمرت وصوفها أو أظهرت كما لا يجوز قلت عَبْد اللَّه قائمًا، فكذلك لا يجوز نصب الأموات لأنك مضمر لاسمائهم، إنما يجوز النصب فيما قبله القول إذا كان الاسم فِي معنى قولٍ من ذلك: قلت خيرا، وقلت شرا. فترى الخير والشر منصوبين لانهما قول، فكأنك قلت: قلت كلاما حسنا أو قبيحا. وتقول: قلت لك خيرا، وقلت لك خير، فيجوز، إن جعلت الخير قولا نصبته كأنك قلت: قلت لك كلاما، فإذا رفعته فليس بالقول، إنما هُوَ بمنزلة قولك: قلت لك مال. فابن على ذا ما ورد عليك من المرفوع قوله: «سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ» «1» و «خَمْسَةٌ» و «سَبْعَةٌ» ، لا يكون نصبا لأنه إخبار عَنْهُمْ فِيهِ أسماء مضمرة كقولك: هُمْ ثلاثة، وهم خمسة. وأمّا قوله- تبارك وتعالى-: «وَيَقُولُونَ طاعَةٌ» «2» فإنه رفع على غير هذا المذهب. وذلك أن العرب كانوا يقال لهم: لا بد لكم من الغزو فِي الشتاء والصيف، فيقولون: سمع وطاعة معناه: منا السمع والطاعة، فجرى الكلام على الرفع. ولو نصب على: نسمع سمعا ونطيع طاعة كان صوابا. وكذلك قوله تبارك وتعالى فى سورة مُحَمَّد صلى اللَّه عليه وسلم: «فَأَوْلى لَهُمْ طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ» «3» . عيّرهم وتهدّدهم بقوله: «فَأَوْلى لَهُمْ» ، ثُمَّ ذكر ما يقولون فقال: يقولون إذا أمروا «طاعَةٌ» . «فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ» نكلوا   (1) آية 22 سورة الكهف. (2) آية 81 سورة النساء. (3) آية 21 من السورة. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وكذبوا فلم يفعلوا. فقال اللَّه تبارك وتعالى «فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ» ، وربما قال بعضهم: إنما رفعت الطاعة بقوله: لهم طاعة، وليس ذلك بشيء. والله أعلم. ويقال أيضا: «وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ» و «طاعَةٌ» فأضمر الواو، وليس ذلك عندنا من مذاهب العرب، فإن يك موافقا للتفسير فهو صواب. وقوله: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ ... (155) ولم يقل (بأشياء) لاختلافها. وذلك أن من تدل على أن لكل صنف منها شيئًا مضمرًا: بشيء من الخوف وشيء من كذا، ولو كان بأشياء «1» لكان صوابًا. وقوله: قالُوا إِنَّا لِلَّهِ ... (156) لم تكسر العرب (إنا) «2» إلا فِي هذا الموضع مع اللام فِي التوجع خاصة. فإذا لم يقولوا (لله) فتحوا فقالوا: إنا لزيد محبّون، وإنا لربّنا حامدون عابدون. وإنما كسرت فى «إِنَّا لِلَّهِ» لأنها استعملت فصارت كالحرف الواحد «3» ، فأشير إلى النون بالكسر «4» لكسرة اللام التي فِي «لِلَّهِ» كما قالوا: هالك وكافر، كسرت الكاف   (1) قرأ الضحاك (بأشياء) على الجمع، كما فى الطبري. (2) المراد بالكسر هنا إمالة النون من (إنا) إلى الكسر كما فى النحاس عن الكسائي: إن الألف ممالة إلى الكسرة، وأما على أن تكسر فمحال لأن الألف لا تحرك البتة، وإنما أميلت فى «إنا لله» لكسرة اللام فى لله إلخ. وكذا الكلام على ما يأتى فى هالك وكافر من أن الكسر فى الألف إمالته مع الكاف. (3، 4) يريد أن (نالله) كالكلمة الواحدة، فوقعت الألف فى (نا) قبل الكسرة (كسرة لام لله) متصلّة، وهذا سبب من أسباب الإمالة نحو عالم وكاتب، وإن كان (نا) مما عد مشبها للحرف الذي لا إمالة فيه لأنه مبنىّ أصلىّ فهو اسم غير متمكن، ولكنهم استثنوا من المشبه للحرف (ها) للغائبة، (نا) للتكلم المعظم نفسه أو معه غيره خاصة، فإنهم طردوا الإمالة فيهما لكثرة استعمالهما إذا كان قبلهما كسرة أو ياء، فقالوا: مرّ بنا وبها، ونظر إلينا وإليها، بالإمالة لوقوع الألف مسبوقة بالكسرة أو الياء مفصولة بحرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 من كافر لكسرة الألف لأنه حرف واحد، فصارت «إِنَّا لِلَّهِ» كالحرف الواحد لكثرة استعمالهم إياها، كما قَالُوا: الحمد لله. وقوله: فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ... (158) كان المسلمون قد كرهوا الطواف بين الصفا والمروة لصنمين كانا عليهما، فكرهوا أن يكون ذلك تعظيما للصنمين، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) وقد قرأها بعضهم «1» «ألا يطوف» وهذا يكون على وجهين أحدهما أن تجعل «لا» مع «أن» صلة على معنى الالغاء كما قال: «ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ» والمعنى: ما منعك أن تسجد. والوجه الآخر أن تجعل الطواف بينهما يرخص فِي تركه. والأول المعمول به. وقوله: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً ... (158) تنصب على (جهة فعل) «2» . وأصحاب عَبْد اللَّه «3» وحمزة «ومن يطوع» لأنها فِي مصحف «4» عَبْد اللَّه «يتطوع» . وقوله: أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) قال ابن عَبَّاس: «اللَّاعِنُونَ» كل شيء على وجه الأرض إلا الثقلين. [و] «5» قال عبد الله بن مسعود: إذا تلا عن الرجلان فلعن أحدهما صاحبه وليس أحدهما   (1) فى القرطبي: «روى عطاء عن ابن عباس أنه قرأ (فلا جناح عليه ألا يطوف بهما) وهى قراءة ابن مسعود» . (2) يريد فتح العين فى «تطوع» على أنه فعل ماض. وفى أ: «جهة ومن تطوع خيرا فعل» . (3) لا ندرى ماذا يريد بأصحاب عبد الله، فإن قراءة «يطوع» تنسب لحرة والكسائي. (4) فى ج، ش: مصاحف. (5) زيادة خلت منها الأصول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 مستحق اللعن رجعت اللعنة على المستحق لها، فإن لم يستحقها واحد منهما رجعت على اليهود الذين كتموا ما أنزل اللَّه تبارك وتعالى. فجعل اللعنة من المتلاعنين من الناس على ما فسر. وقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) ف «الْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ» فى موضع خفض تضاف اللعنة إليهم على معنى: عليهم لعنة اللَّه ولعنة الملائكة ولعنة الناس. وقرأها الْحَسَن «لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعون» وهو جائز فِي العربية وإن كان مخالفا للكتاب «1» . وذلك أن قولك (عليهم لعنة اللَّه) كقولك يلعنهم اللَّه ويلعنهم الملائكة والناس. والعرب تقول: عجبت من ظلمك نفسك، فينصبون النفس لأن تأويل الكاف رفع. ويقولون: عجبت من غلبتك نفسك، فيرفعون النفس لأن تأويل الكاف نصب. فابن على ذا ما ورد عليك. ومن ذلك قول العرب: عجبت من تساقط البيوت بعضها على بعض، وبعضها على بعض. فمن رفع رد البعض إلى تأويل «2» البيوت لأنها رفع ألا ترى أن المعنى: عجبت من أن تساقطت بعضها على بعض. ومن خفض أجراه على لفظ البيوت، كأنه قال: من تساقط بعضها على بعض. وأجود ما يكون فِيهِ الرفع أن يكون الأول الَّذِي فِي تأويل رفع أو نصب قد كنى عَنْهُ مثل قولك: عجبت من تساقطها. فتقول هاهنا: عجبت من   (1) أي رسم المصحف. وفى القرطبىّ 2/ 190: «وقراءة الحسن هذه مخالفة للصاحف» . (2) أي محلها فى الإعراب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 تساقطها بعضها على بعض لأن الخفض إذا كنيت عَنْهُ قبح أن ينعت بظاهر، فرد إلى المعنى الَّذِي يكون رفعا فِي الظاهر، والخفض جائز. وتعمل فيما تأويله النصب بمثل هذا فتقول: عجبت من إدخالهم بعضهم فِي إثر بعض تؤثر النصب فِي (بعضهم) ، ويجوز الخفض. وقوله: وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ ... (164) تأتي مرة جنوبا، ومرة شمالا، وقبولا، ودبورا. فذلك تصريفها. وقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ... (165) يريد- والله أعلم- يحبون الأنداد، كما يحب المؤمنون اللَّه. ثُمَّ قال: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ من أولئك لأندادهم. وقوله: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ ... (165) يوقع «يَرَى» على «أن القوّة لله وأن الله» وجوابه متروك. والله أعلم. (وقوله) «1» : «وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ» «2» وترك الجواب فِي القرآن كثير لأن معاني «3» الجنة والنار مكرر «4» معروف. وإن شئت كسرت إن وإن وأوقعت «يَرَى» على «إِذْ» فِي المعنى. وفتح إن وإن مع الياء أحسن من كسرها. ومن قرأ «ولو ترى الذين ظلموا» بالتاء كان وجه الكلام أن يقول «أَنَّ الْقُوَّةَ ... » بالكسر «وَأَنَّ ... » لأن «ترى» قد وقعت على (الذين ظلموا)   (1) يبدو أن هنا سقطا، والأصل: ومنه قوله. وهذا سقط فى ش. (2) آية 31 سورة الرعد. (3) فى ش: «معنى» . وكأنها مصلحة عن «معانى» . (4) أي أمر مكرر. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 فاستؤنفت «إن- (وإن) «1» » ولو فتحتهما على تكرير الرّؤية من «ترى» ومن «يَرَى» لكان صوابا كأنه قال: «وَلَوْ تَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ» يرون «أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً» . وقوله: أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ ... (170) تنصب هذه الواو لأنها ولو عطف أدخلت عليها ألف الاستفهام، وليست ب (أو) التي واوها ساكنة لأن الألف من أو لا يجوز إسقاطها، وألف الاستفهام تسقط فتقول: ولو كان، أو لو كان إذا استفهمت. وإنما غيّرهم اللَّه بهذا لما قَالُوا «بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا» قال اللَّه تبارك وتعالى: يا مُحَمَّد قل «أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ» فقال «آباؤُهُمْ» لغيبتهم، ولو كانت «آباؤكم» لجاز لأن الأمر بالقول يقع مخاطبا مثل قولك: قل لزيد يقم، وقل له قم. ومثله «أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ» «2» ، «أَوَلَمْ يَسِيرُوا» «3» . ومن «4» سكن الواو من قوله: «أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ» «5» فى الواقعة وأشباه «6» ذلك فِي القرآن، جعلها «أو» التي تثبت الواحد من الاثنين. وهذه الواو فِي فتحها بمنزلة قوله «أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ» «7» دخلت ألف الاستفهام على «ثُمَّ» وكذلك «أَفَلَمْ يَسِيرُوا» «8» .   (1) سقط ما بين القوسين فى أ. (2) آية 21 سورة لقمان. (3) آية 9 سورة الروم. (4) من هؤلاء ابن عامر، ونافع فى رواية قالون، وأبو جعفر. وانظر البحر 7/ 355. (5) آية 48 سورة الواقعة. (6) كالآية 17 من الصافات. (7) آية 51 سورة يونس. (8) آية 109 سورة يوسف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وقوله: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ ... (171) أضاف المثل إلى الذين كفروا، ثُمَّ شبههم بالراعي. ولم يقل: كالغنم. والمعنى- والله أعلم- مثل الذين كفروا (كمثل البهائم) «1» التي لا تفقه ما يقول الراعي أكثر من الصوت، فلو قال لها: أرعى أو اشربي، لم تدر ما يقول لها. فكذلك مثل الذين كفروا فيما يأتيهم من القرآن وإنذار الرَّسُول. فأضيف التشبيه إلى الراعي، والمعنى- والله أعلم- فِي المرعى. وهو ظاهر فِي كلام العرب أن يقولوا: فلان يخافك كخوف الأسد، والمعنى: كخوفه الأسد لأن الأسد هُوَ المعروف بأنه «2» المخوف «3» . وقال الشاعر «4» : لقد خفت حَتَّى ما تزيد مخافتي ... على وعلٍ فِي ذي المطارة عاقِل «5» والمعنى: حَتَّى ما تزيد مخافة وعلٍ على مخافتي. وقال الآخر «6» : كانت فريضة ما تقول كما ... كان الزناء فريضة الرجم والمعنى: كما كان الرجم فريضة الزناء. فيتهاون الشاعر بوضع الكلمة على صحتها لاتضاح المعنى عند العرب. وأنشدني بعضهم: إن سراجًا لكريم مفخره ... تَحْلَى بِهِ الْعَيْنُ إذا ما تجهره «7» والعين لا تحلى به، إنما يحلى هُوَ بها.   (1) فى أ: «كالبهائم» . (2) فى أ: «أنه» . (3) فى أ: «مخوف» . (4) هو النابغة الذبيانىّ. وانظر الديوان. (5) ذو المطارة: اسم جبل. وفى معجم البلدان فى رواية البيت: من ذى مطارة. و (عاقل) : صفة وعل. يقال: عقل الظبى والوعل إذا امتنع وصعد فى الجبل العالي. وانظر أمالى ابن الشجري 1/ 52 (6) هو النابغة الجعدىّ. وانظر اللسان (زنى) والإنصاف 165، والخزانة 4/ 32. [ ..... ] (7) يقال: حلى الشيء بعيني إذا أعجبك، ومن ثم كان ما فى البيت من المقلوب. ويقال: جهرت فلانا إذا راعك وأعجبك. والرجز فى اللسان (حلى) ، وهو فى مدح من يدعى سراجا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وفيها معنى آخر: تضيف المثل إلى (الَّذِينَ كفروا) ، وإضافته فِي المعنى إلى الوعظ كقولك مثل وعظ الذين كفروا وواعظهم كمثل الناعق كما تقول: إذا لقيت فلانا فسلم عليه تسليم الأمير. وإنما تريد به: كما تسلم على الأمير. وقال الشاعر: فلست مُسَلِّمًا ما دمتُ حيًّا ... عَلَى زَيْدٍ بتَسليم الأمير وكل صواب. وقوله: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171) رفع وهو وجه الكلام لأنه مستأنف خبرٍ، يدلّ عليه قوله «فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ» كما تقول فِي الكلام: هُوَ أصم فلا يسمع، وهو أخرس فلا يتكلم. ولو نصب على الشتم مثل الحروف «1» فى أوّل سورة البقرة فِي قراءة عَبْد اللَّه «وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ صُما بُكْما عُمْيًا» لجاز. وقوله: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ... (173) نصب لوقوع «حَرَّمَ» عليها. وذلك أن قولك «إِنَّما» على وجهين: أحدهما أن تجعل «إِنَّما» حرفا واحدا، ثُمَّ تعمل الأفعال التي تكون بعدها [فِي] «2» الاسماء، فإن كانت رافعة رفعت، وإن كانت ناصبة نصبت فقلت: إنما دخلت دارك، وإنما أعجبتني دارك، وإنما مالي مالك. فهذا حرف واحد.   (1) يريد بالحروف الكلمات الثلاث: صما وبكما وعميا. وفى أ: «الحرف» . (2) زيادة يقتضيها السياق، خلت منها الأصول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وأمّا الوجه الآخر فأن يجعل «ما» منفصلة من (إن) فيكون «ما» على معنى الَّذِي، فإذا كانت كذلك وصلتها بما يوصل به الَّذِي، ثُمَّ يرفع الاسم الَّذِي يأتي بعد الصلة كقولك إن ما أخذت مالك، إن ما ركبت دابتك. تريد: إن الَّذِي ركبت دابتك، وإن الَّذِي أخذت مالك. فأجرهما على هذا. وهو فِي التنزيل فِي غير ما موضع من ذلك قوله تبارك وتعالى: «أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ» «1» ، «إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ» «2» فهذه حرف واحد، هِيَ وإن، لأن «الَّذِي» لا تحسن فِي موضع «ما» . وأما التي فِي مذهب (الَّذِي) فقوله: «إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ» «3» معناه: إن الذي صنعوا كيد ساحرٍ. ولو قرأ قارئ «إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ» نصبا كان صوابا إذا جعل إن وما حرفا واحدا. وقوله «إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ» «4» قد «5» نصب المودة قوم، ورفعها آخرون على الوجهين اللذين فسرت لك. وَفِي قراءة عَبْد اللَّه «إنّما مَوَدَّةُ بَيْنِكم فِي الحياة الدنيا» «6» فهذه حجة لمن رفع المودة لأنها مستأنفة لم يوقع الاتخاذ عليها، فهو بمنزلة قولك: إن الَّذِي صنعتموه ليس بنافع، مودة بينكم ثُمَّ تنقطع بعد. فإن شئت رفعت المودة ب «بين» وإن شئت أضمرت لها اسما قبلها يرفعها كقوله «سُورَةٌ أَنْزَلْناها» «7» وكقوله «لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ» «8» .   (1) آية 171 سورة النساء، وهذه أمثلة لإنما التي هى حرف واحد. وأما الأخرى فستذكر عند قوله: وأما التي فى مذهب الذي إلخ. (2) آية 12 سورة هود. (3) آية 69 سورة طه. (4) آية 25 سورة العنكبوت. (5) فى ج، ش: «وقد» . (6) فى نسخ الأصل: «مودة بينهم» على الغيبة وهى قراءة أبى. (7) آية 1 سورة النور. (8) آية 35 سورة الأحقاف. و (بلاغ) خبر مبتدأ محذوف قدّره بعضهم بقوله تلك الساعة بلاغ لدلالة قوله (إلا ساعة من نهار) وقيل تقديره: هذا (أي القرآن أو الشرع بلاغ) وانظر العكبري والسمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 فإذا رَأَيْت «إنما» فِي آخرها اسم من الناس وأشباههم مما يقع عليه «من» فلا تجعلن «ما» فِيهِ على جهة (الَّذِي) لأن العرب لا تكاد تجعل «ما» للناس. من ذلك: إنما ضربت أخاك، ولا تقل: أخوك لأن «ما» لا تكون للناس. فإذا كان الاسم بعد «إنما» وصلتها من غير الناس جاز فِيهِ لك الوجهان فقلت: إنما سكنت دارك. وإن شئت: دارك. وقد تجعل العرب «ما» فِي بعض الكلام للناس، وليس بالكثير. وفي قراءة عبد اللَّه «وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى، وَالذَّكَرَ وَالأنثَى» «1» وفي قراءتنا «وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى» فمن جعل «ما خَلَقَ» للذكر والأنثى جاز أن يخفض «الذَّكَرَ وَالْأُنْثى» كأنه قال والذي خلق: الذكر والأنثى. ومن نصب «الذَّكَرَ» جعل «ما» و «خَلَقَ» كقوله: وخلقه الذكر والأنثى، يوقع خلق عليه. والخفض فِيهِ على قراءة عَبْد اللَّه حسن، والنصب أكثر. ولو رفعت «إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ» كان وجها. وقد قرأ بعضهم «2» : «إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ» ولا يجوز هاهنا إلا رفع الميتة والدم لأنك إن جعلت «إِنَّما» حرفا واحدا رفعت الميتة والدم لأنه فعل لم يسم فاعله، وإن جعلت «ما» على جهة (الذي) رفعت الميتة والدم لأنه خبر ل (ما) . وقوله: وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ... (173) الإهلال: ما نودي به لغير اللَّه على الذباح [وقوله] «3» فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ [ (غير) «4» فِي هذا الموضع حال للمضطر كأنك قلت: فمن اضطرّ لا باغيا   (1) آية 3 سورة الليل. فى الشواذ قراءة الحسن «والذكر والأنثى» بالكسر كما فى قراءة عبد الله. وعند الكسائي «ما خلق الذكر والأنثى» بالكسر أيضا، فالأولى بإسقاط «وما خلق» . (2) هو أبو جعفر. وانظر القرطبي 2/ 216. (3، 4) زيادة فى أ. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 ولا عاديا] فهو له حلال. والنصب هاهنا بمنزلة قوله «أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ» «1» ومثله «إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ» «2» و «غَيْرِ» هاهنا لا «3» تصلح «لا» فِي موضعها لأن «لا» تصلح فِي موضع غير. وإذا رَأَيْت «غَيْرَ» يصلح «لا» فِي موضعها فهي مخالفة «لِغَيْرِ» التي لا تصلح «لا» فِي موضعها. ولا تحل الميتة للمضطر إذا عدا على الناس بسيفه، أو كان فِي سبيل من سبل المعاصي. ويقال: إنه لا ينبغي لآكلها أن يشبع منها، ولا أن يتزود منها شيئًا. إنما رخص له فيما يمسك نفسه. وقوله: فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ... (175) فِيهِ وجهان: أحدهما معناه: فما الَّذِي صبرهم على النار؟. والوجه الآخر: فما أجرأهم على النار! قال الكسائي: سألني قاضي اليمن وهو بمكة، فقال: اختصم إلى رجلان من العرب، فحلف أحدهما على حق صاحبه، فقال له: ما أصبرك على اللَّه! وفي هذه أن يراد بها: ما أصبرك على عذاب اللَّه، ثُمَّ تلقى العذاب فيكون كلاما كما تقول: ما أشبه سخاءك بحاتم. وقوله: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ ... (177) إن شئت رفعت «الْبِرَّ» وجعلت «أَنْ تُوَلُّوا» فِي موضع نصب. وإن شئت نصبته وجعلت «أَنْ تُوَلُّوا» فِي موضع رفع كما قال: «فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ» «4»   (1) آية 1 سورة المائدة. (2) آية 53 سورة الأحزاب. (3) كذا فى الأصول. فإن صح هذا فالمعنى أن (غيرا) هنا تساوى فى المعنى (لا) كما قدر قبل، وقوله: «تصلح لا ... » تفسير لهذا. وأقرب من هذا أن تكون (لا) زيدت فى النسخ. (4) آية 17 سورة الحشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 فِي كثير من القرآن. وفي إحدى القراءتين «لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ» ، فلذلك اخترنا الرفع فِي «الْبِرُّ» ، والمعنى فِي قوله «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» أي ليس البر كله فِي توجهكم إلى الصلاة واختلاف القبلتين وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ثُمَّ وصف ما وصف إلى آخر الآية. وهي «1» من صفات الأنبياء لا لغيرهم. وأما قوله: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ فإنه من كلام العرب أن يقولوا: إنما البر الصادق الَّذِي يصل رحمه، ويخفى صدقته، فيجعل الاسم خبرا للفعل والفعل خبرًا للاسم لأنه أمر معروف المعنى. فأما الفعل الَّذِي جعل خبرا للاسم فقوله: «وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ» » ف (هو) كناية عن البخل. فهذا لمن جعل «الَّذِينَ» فِي موضع نصب وقرأها «تحسبن» بالتاء. ومن قرأ بالياء جعل «الَّذِينَ» فِي موضع رفع، وجعل (هُوَ) عمادا للبخل المضمر، فاكتفى بما ظهر فى «يَبْخَلُونَ» من ذكر البخل ومثله فِي الكلام: هُمُ الملوك وأبناء الملوك لهم ... والآخذون به والساسة الأول «3» قوله: به يريد: بالملك، وقال آخر: إذا نهى السفيه جرى إليه ... وخالف والسفيه إلى خلاف «4» يريد إلى السفه.   (1) كأنه يريد أن هذه الصفات جميعها لا تكمل إلا للأنبياء. والحق أن اجتماعها كاملة جدّ عسير. (2) آية 180 سورة آل عمران. (3) آخر قصيدة القطامىّ التي أوّلها: إنا محيوك فاسلم أيها الطلل ... وإن بليت وإن طالت بك الطيل وهذا فى مدح قريش وبنى أمية وعبد الواحد الأموى، وانظر الديوان. (4) «إليه» فى أ «عليه» . وانظر الخزانة 2/ 382 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 وأما الأفعال التي جعلت أخبارا للناس فقول الشاعر: لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحي ... ولكنما الفتيان كلّ فتى ندى فجعل «أن» خبرا للفتيان. وقوله: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ (من) فِي موضع رفع، وما بعدها صلة لها، حتى ينتهى إلى قوله وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ فتردّ «الْمُوفُونَ» على «مَنْ» و «الْمُوفُونَ» من صفة «مَنْ» كأنه: من آمن ومن فعل وأوفى. ونصبت «الصَّابِرِينَ» لأنها من صفة «مَنْ» وإنما نصبت لأنها من صفة اسم واحد، فكأنه ذهب به إلى المدح والعرب تعترض من صفات الواحد إذا تطاولت بالمدح أو الذم، فيرفعون إذا كان الاسم رفعا، وينصبون بعض المدح، فكأنهم ينوون إخراج المنصوب بمدحٍ مجددٍ غير متبع لأول الكلام من ذلك قول الشاعر «1» : لا يبعدن قومي الذين هُمْ ... سم العداة وآفة الجزر النازلين بكل معترك ... والطيّبين معاقد الأزر وربما رفعوا (النازلون) و (الطيبون) ، وربما نصبوهما على المدح، والرفع على أن يتبع آخر الكلام أوله. وقال بعض الشعراء: إلى الملك القرم وابن الهمام ... وليث الكتيبة فِي المزدحم وذا الرأي حين تغم الأمور ... بذات الصليل وذات اللّجم «2»   (1) أي الشخص الشاعر، وهى الخرنق ترثى زوجها ومن قتل معه. وانظر الخزانة 2/ 301، وأمالى ابن الشجري 1/ 344 (2) ورد هذا الشعر فى الخزانة 1/ 216، والإنصاف 195 غير منسوب. و (تغم الأمور) : تلتبس وتبهم ولا يهتدى فيها لوجه الصواب، وذات الصليل: الكتيبة يسمع فيها صليل السيوف، وذات اللجم: الكتيبة أيضا فيها الخيل بلجمها، والقرم: السيد المعظم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 فنصب (ليث الكتيبة) و (ذا الرأي) على المدح والاسم قبلهما مخفوض لأنه من صفة واحدٍ، فلو كان الليث غير الملك لم يكن إلا تابعا كما تقول مررت بالرجل والمرأة، وأشباهه. قال: وأنشدني بعضهم: فليت التي فيها النجوم تواضعت ... على كل غث منهم وسمين غيوث الحيا فِي كل محلٍ ولزبةٍ ... أسود الشرى يحمين كل عرين «1» فنصب. ونرى أن قوله: «لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ» «2» أنّ نصب «الْمُقِيمِينَ» على أنه نعت للراسخين، فطال نعته ونصب على ما فسرت لك. وفي قراءة عبد اللَّه «والمقيمون والمؤتون» وفي قراءة أَبِي «وَالْمُقِيمِينَ» ولم يجتمع فِي قراءتنا وفي قراءة أَبِي إلا على صوابٍ. والله أعلم. حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ: قال: وقد حدّثنى أبو معاوية «3» الصرير عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قوله: «إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» «4» وَعَنْ قوله: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ» «5» وعن قوله: «وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ» فقالت: يا بن أخى «6» هذا كان خطأ من الكاتب.   (1) تواضعت: هبطت، واللزبة الشدّة، المحل القحط، الحيا بالقصر المطر. والذي فى الطبري: غيوث الورى فى كل محل وأزمة (2) آية 162 سورة النساء. (3) هو محمد بن خازم الكوفىّ، من كبار المحدّثين. قال أبو داود: قلت لأحمد: كيف حديث أبى معاوية عن هشام بن عروة؟ قال: فيها أحاديث مضطربة. وبهذا تعرف ضعف هذه الرواية، فلا يعوّل عليها، وكيف يقرّ الكاتب على الخطأ بإن كان ثم خطأ، وقد قام على كتاب القرآن الثقات الأثبات. وانظر الطبري فى تفسير آية «لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» فى النساء والإتقان فى النوع الحادي والأربعين. وانظر ترجمة أبى معاوية فى تهذيب التهذيب. (4) آية 63 سورة طه. [ ..... ] (5) آية 69 سورة المائدة. (6) كذا فى الأصول: تريد أخاها فى الإسلام وفى القرابة، لأنه زوج أختها أسماء. وفى الطبري 6/ 18: «أختى» وقد يكون ما هنا محرّفا عن «أختى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وقال فِيهِ الكسائي «وَالْمُقِيمِينَ» موضعه خفض يرد على قوله: «بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ» : ويؤمنون بالمقيمين الصلاة هُمْ والمؤتون الزكاة. قال: وهو بمنزلة قوله: «يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ» «1» وكان النحويّون يقولون «الْمُقِيمِينَ» مردودة على «بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ- إلى الْمُقِيمِينَ» وبعضهم «لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ» ومن «الْمُقِيمِينَ» وبعضهم «مِنْ قَبْلِكَ» ومن قبل «الْمُقِيمِينَ» . وإنما امتنع من مذهب المدح- يعني الكسائي- الَّذِي فسرت لك، لأنه قال: لا ينصب الممدوح إلا عند تمام الكلام، ولم «2» يتمم الكلام فى سورة النساء. ألا ترى أنك حين قلت «لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ- إلى قوله «وَالْمُقِيمِينَ- والْمُؤْتُونَ» كأنك منتظر لخبره «3» ، وخبره فِي قوله «أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً» والكلام أكثره على ما وصف الكسائي. ولكن العرب إذا تطاولت الصفة جعلوا الكلام فِي الناقص وفي التام كالواحد ألا ترى أنهم قَالُوا فِي الشعر: حَتَّى إذا قملت «4» بطونكم ... ورأيتم أبناءكم شبوا وقلبتم ظهر المجن لنا ... إن اللئيم العاجز الخب فجعل جواب (حَتَّى إذا) بالواو، وكان ينبغي ألا يكون فِيهِ واو، فاجتزئ بالاتباع ولا خبر بعد ذلك. وهذا أشدّ مما وصفت لك.   (1) آية 61 سورة التوبة. (2) فى الطبري: «لما» . (3) فى ج وش: لخبرهم وخبرهم إلخ. (4) قلت بطونكم: كثرت قبائلكم. وقلب ظهر المجن- والمجن الترس-: المنابذة بالعداء والخب: اللئيم الماكر. والبيتان فى الإنصاف 189، والخزانة 4/ 414، واللسان (قمل) من غير عزو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 ومثله فى قوله «حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها» «1» ومثله فِي قوله «فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ» «2» جعل بالواو. وَفِي قراءة عَبْد اللَّه «فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ وَجَعَلَ السِّقَايَةَ» «3» وفي قراءتنا بغير واو. وكل عربي حسن. وقد قال بعضهم: «وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى - وَالصَّابِرِينَ» فنصب الصابرين على إيقاع الفعل عليهم. والوجه أن يكون نصبا على نية المدح لأنه من صفة شيء واحد. والعرب تقول فِي النكرات كما يقولونه فِي المعرفة، فيقولون: مررت برجل جميل وشابًا بعد، ومررت برجل عاقل وشرمحًا «4» طوالا وينشدون قوله: ويأوي إلى نسوةٍ بائساتٍ «5» ... وشعثًا مراضيع مثل السعالي (وشعثٍ) فيجعلونها خفضا بإتباعها أول الكلام، ونصبا على نية ذم فِي هذا الموضع. وقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى ... (178) فإنه نزل فِي حيين من العرب كان لاحدهما طول على الآخر فِي الكثرة والشرف، فكانوا يتزوجون نساءهم بغير مهور، فقتل الأوضع من الحيّين من   (1) آية 73 سورة الزمر. (2) آية 104 سورة الصافات، وتله للجبين: صرعه عليه وأسقطه على شقه. (3) آية 70 سورة يوسف. (4) الشرمح من الرجال القوى الطويل. (5) لأمية بن أبى عائذ الهذلىّ. وهو فى وصف صائد وإعساره. البؤس: شدّة الحاجة والفقر. ويروى: عطل: جمع عاطل وهن اللواتى لا حلى عليهن، وشعث جمع شعثاء، وشعثها من قلة التعهد بالدهن والنظافة، والسعالى ضرب من الغيلان، الواحد سعلاة. وانظر الخزانة 1/ 417، وأشعار الهذليين طبع الدار 1/ 172. والبيت فى المرجع الأخير فيه بعض تغيير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 الشريف قتلى، فأقسم الشريف ليقتلن الذكر بالأنثى والحر بالعبد وأن يضاعفوا الجراحات، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى هذا على نبيه، ثُمَّ نسخه قوله «وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» «1» إلى آخر الآية. فالأولى منسوخة لا يحكم بها «2» . وأما قوله: فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ فإنه رفع. وهو بمنزلة الأمر فِي الظاهر كما تقول: من لقي العدو فصبرا واحتسابا. فهذا نصب ورفعه جائز. وقوله تبارك وتعالى «فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ» رفع ونصبه جائز. وإنما كان الرفع فِيهِ وجه الكلام لأنها عامة فيمن فعل ويراد بها من لم يفعل. فكأنه قال: فالأمر فيها على هذا، فيرفع. وينصب الفعل إذا كان أمرا عند الشيء يقع ليس بدائم مثل قولك للرجل: إذا أخذت فِي عملك فجدا جدا وسيرا سيرا. نصبت لأنك لم تنوبه العموم فيصير كالشيء الواجب على من أتاه وفعله ومثله قوله: «وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ» «3» ومثله «فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ» «4» ومثله فِي القرآن كثير، رفع كله لأنها عامة. فكأنه قال: من فعل هذا فعليه هذا. وأمّا قوله: «فَضَرْبَ الرِّقابِ» «5» فإنه حثهم على القتل إذا لقوا العدو ولم يكن الحث كالشيء الَّذِي يجب بفعلٍ قبله فلذلك نصب، وهو بمنزلة قولك: إذا لقيتم العدوّ فتهليلا وتكبيرا وصدقا عند تلك الوقعة (- قال الفراء: ذلك وتلك لغة قريشٍ، وتميم تقول ذاك وتيك الوقعة «6» -) كأنه حث لهم، وليس بالمفروض عليهم أن يكبروا، وليس شيء من هذا إلا نصبه جائز   (1) آية 45 سورة المائدة. (2) هذا قول أهل العراق. وجمهور الفقهاء يرون أن الآية محكمة، وأن آية المائدة تبينها، أو هى فى شريعة التوراة، وانظر القرطبي 2/ 246 (3) آية 95 سورة المائدة. [ ..... ] (4) آية 229 سورة البقرة. (5) آية 4 سورة محمد صلى الله عليه وسلم. (6) ما بين الخطين زيادة فى ج وش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 على أن توقع عليه الأمر فليصم ثلاثة أيام، فليمسك إمساكا بالمعروف أو يسرح تسريحا بإحسان. وقوله: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ... (179) يقول: إذا علم الجاني أنه يقتص منه: إن قتل قتل انتهى عن القتل فحيي. فذلك «1» قوله: «حَياةٌ» . وقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمْ ... (180) معناه فِي كل القرآن: فرض عليكم. وقوله: الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ... (180) كان الرجل يوصى بما أحب من ماله لمن شاء من وارثٍ أو غيره، فنسختها آية المواريث «2» . فلا وصية لوارثٍ، والوصية فِي الثلث لا يجاوز، وكانوا قبل هذا يوصى «3» بماله كلّه وبما أحبّ منه. و «الْوَصِيَّةُ» مرفوعة ب (كتب) ، وإن شئت جعلت (كتب) فِي مذهب قيل فترفع الوصية «4» باللام فِي «الوالدين» كقوله تبارك وتعالى: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» «5» .   (1) فى أ: «وذلك» . (2) هذا القول يقتضى أن الوصية فى الآية منسوخة مطلقا مع أن آية المواريث نسخت وصية الوالدين فقط وأما وصية الأقربين فليست بمنسوخة لأن الأقربين فى الآية هم الطبقة بعد الورثة. هذا هو المعتمد فى تفسير الآية وعليه أهل العلم واختاره الطبري. (3) أي الواحد منهم. (4) أي أن الوصية مبتدأ، وخبره «لِلْوالِدَيْنِ» والخبر والمبتدأ عند الكوفيين مترافعان، فرافع الوصية هو الخبر وصدره اللام. فهذا وجه مقاله. (5) آية 11 سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 وقوله: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً ... (182) والعرب «1» تقول: وصيتك وأوصيتك، وفي إحدى القراءتين «وأوصى بها إِبْرَاهِيم» «2» بالألف. والجنف: الجور. فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ وإنما ذكر الموصى وحده فإنه إنما قال «بَيْنَهُمْ» يريد أهل المواريث وأهل الوصايا فلذلك قال «بَيْنَهُمْ» ولم يذكرهم لأن المعنى يدل على أن الصلح إنما يكون فِي الورثة والموصى لهم. وقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ... (183) يقال: ما كتب على الذين قبلنا، ونحن نرى النصارى يصومون أكثر من صيامنا وفي غير شهرنا،؟ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: وحدثني مُحَمَّد «3» بْن أبان الْقُرَشِيّ عن أَبِي أمية الطنافسي عن الشَّعْبِيّ أنه قال: لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الَّذِي يشك فِيهِ فيقال: من شعبان، ويقال: من رمضان. وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا، فحولوه إلى الفصل «4» . وذلك أنهم كانوا ربما صاموه فِي القيظ فعدوه ثلاثين يوما، ثُمَّ جاء بعدهم قرن منهم فأخذوا بالثقة فِي أنفسهم فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما، ثُمَّ لم يزل الآخر يستن سنة الأول حَتَّى صارت إلى خمسين. فذلك قوله «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» .   (1) يريد أنه قرىء فى الآية موص بسكون الواو وتخفيف الصاد من أوصى، وموص بفتح الواو وشدّ الصاد، وهذه قراءة حمزة والكسائي وأبى بكر عن عاصم، والأولى قراءة الآخرين. وانظر القرطبي 2/ 296. (2) الآية 132 من سورة البقرة. وانظر ص 80 من هذا السفر. (3) هو الواسطىّ الطحان. مات سنة 139. وانظر الخلاصة. (4) يريد أحد فصول السنة الأربعة وتسمى الأزمنة الأربعة أيضا وانظر المصباح (زمن) والمراد: الفصل المعين الذي يؤقتون به صومهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وقوله: أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ... (180) نصبت على أن كل ما «1» لم تسم فاعله إذا كان فيها اسمان أحدهما غير صاحبه رفعت واحدا ونصبت الآخر كما تقول: أعطى عَبْد اللَّه المال. ولا تبال أكان المنصوب معرفة أو نكرة، فإن كان الآخر نعتا للأول وكانا ظاهرين رفعتهما جميعا فقلت: ضرب عَبْد اللَّه الظريف، رفعته لأنه عَبْد اللَّه. وإن كان نكرة نصبته فقلت: ضرب عَبْد اللَّه راكبا ومظلوما وماشيا وراكبا. قوله: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ... (184) رفع على ما فسرت لك فِي قوله «فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ» ولو كانت نصبا كان صوابا. وقوله: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ... (184) يقال: وعلى الذين يطيقون الصوم ولا يصومون أن يطعم «2» مسكينا مكان كل يومٍ يفطره. ويقال: على الذين يطيقونه الفدية يريد الفداء. ثُمَّ نسخ هذا فقال تبارك وتعالى: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ من الإطعام. وقوله: شَهْرُ رَمَضانَ ... (185) رفع مستأنف أي: ولكم «3» «شَهْرُ رَمَضانَ» الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ وقرأ الْحَسَن نصبا على التكرير «4» «وَأَنْ تَصُومُوا» شهر رمضان «خَيْرٌ لَكُمْ» والرفع أجود.   (1) فى ش، ج: «من» . (2) فى ش، ح: «ولكم» وهو تحريف. وانظر البحر المحيط فى تفسير الآية. [ ..... ] (3) أي الواحد منهم. (4) المعروف فى التكرير أنه البدل. وقد وجه هذا فى البحر بأن «شَهْرُ رَمَضانَ» بدل من «أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ» . والوجه الذي ذكره المؤلف لا يأتى على التكرير. بل على التقديم والتأخير، إذ يربط «شَهْرُ رَمَضانَ» بقوله: «وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ» وكأن هنا سقطا. والأصل بعد قوله: «التكرير» أو على التقديم والتأخير، أو أن التكرير محرف عن التأخير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وقد تكون نصبا من قوله «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ» «شَهْرُ رَمَضانَ» توقع الصيام عليه: أن تصوموا شهر رمضان. وقوله فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ دليل على نسخ الإطعام. يقول: من كان سالما ليس بمريض أو مقيما ليس بمسافر فليصم وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ قضى ذلك. يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ فِي الإفطار فِي السفر وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ الصوم فيه. وقوله: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ... (185) «1» فِي قضاء ما أفطرتم. وهذه اللام فِي قوله «وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» لام كي لو ألقيت كان صوابا. والعرب تدخلها فِي كلامها على إضمار فعلٍ بعدها. ولا تكون شرطا «2» للفعل الَّذِي قبلها وفيها الواو. ألا ترى أنك تقول: جئتك لتحسن إلىّ، ولا تقول جئتك ولتحسن إلى. فإذا قلته فأنت تريد: ولتحسن إلى «3» جئتك. وهو فِي القرآن كثير. منه قوله «وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ «4» لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ» ومنه قوله «وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ» «5» لو لم تكن فِيهِ الواو كان شرطا، على قولك: أريناه ملكوت السَّمَوَاتِ ليكون. فإذا كانت الواو فيها فلها فعل مضمر بعدها «وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ» أريناه. ومنه (فِي غير) «6» اللام قوله «إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ» «7» ثم قال «وَحِفْظاً» «8» لو لم تكن الواو كان الحفظ منصوبا ب «زَيَّنَّا» . فإذا كانت فِيهِ الواو وليس قبله شيء ينسق عليه   (1) فى أ: «و» . (2) أي علة. (3) سقط فى أ. (4) آية 113 سورة الأنعام. (5) آية 75 منها. (6) فى أ: «بغير» . (7) آية 6 سورة الصافات. (8) آية 7 منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 فهو دليل على أنه منصوب بفعلٍ مضمرٍ بعد الحفظ كقولك فِي الكلام: قد أتاك أخوك ومكرما لك، فإنما ينصب المكرم على أن تضمر أتاك بعده. وقوله: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ... (186) قال المشركون للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: كيف يكون ربنا قريبا يسمع دعاءنا، وأنت تخبرنا «1» أن بيننا وبينه سبع سَمَوَاتٍ غلظ كل سماءٍ مسيرة خمسمائة عامٍ وبينهما مثل ذلك؟ فأنزل اللَّه تبارك وتعالى «وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ» أسمع ما يدعون فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي يقال: إنها التلبية. وقوله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ... (187) وفي قراءة عَبْد اللَّه «2» «فلا رفوث ولا فسوق» «3» وهو الجماع فيما ذكروا رفعته ب «أُحِلَّ لَكُمْ» لأنك لم تسم فاعله. وقوله: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ... (187) يقول: عند الرخصة التي نزلت ولم تكن قبل ذلك لهم. وقوله وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ يقال: الولد، ويقال: «اتبعوا» بالعين «4» . وسئل عَنْهُمَا ابن عَبَّاس فقال: سواء. وقوله: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ... (187)   (1) فى أ: «تخبر» . (2) كأن هنا سقطا. والأصل بعد «عبد الله» : «الرفوث إلى نسائكم» فقد نقلت هذا القراءة عن ابن مسعود. (3) آية 197 من البقرة. (4) قراءة الحسن كما فى القرطبي: اتبعوا، بالعين وذكرها الطبري ولم ينسبها إلا أنه ذكر سؤال ابن عباس عنها. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 فقال رَجُل «1» للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: أهو الخيط الابيض والخيط الاسود؟ فقال لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنك لعريض القفا هُوَ الليل من النهار) . وقوله: وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ وفي قراءة أَبِي «ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولا تدلوا بها إلى الحكام» فهذا مثل قوله «وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ» «2» معناه: ولا تكتموا. وإن شئت جعلته إذا ألقيت منه «لا» نصبا على الصرف كما تقول: لا تسرق وتصدق. معناه: لا تجمع بين هذين كذا وكذا وقال الشاعر: لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم «3» والجزم فِي هذا البيت جائز أي لا تفعلن واحدا من هذين. وقوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ... (189) سئل النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم عن نقصان القمر وزيادته ما هُوَ؟ فأنزل «4» اللَّه تبارك وتعالى: ذلك لمواقيت حجكم وعمرتكم وحل ديونكم وانقضاء عدد نسائكم. وقوله: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ... (189) وذلك أن أهل الجاهلية- إلا قريشا ومن ولدته قريش من العرب- كان الرجل منهم إذا أحرم «5» فِي غير أشهر الحج فِي بيت مدرٍ أو شعرٍ أو خباءٍ نقب فى بيته   (1) هو عدىّ بن حاتم. وانظر البخاري فى الصوم، وفى تفسير سورة البقرة. (2) آية 42 فى هذه السورة. (3) انظر 34 من هذا الجزء. (4) أي أنزل معنى هذا الكلام، لا لفظه كما لا يخفى. (5) أي بالعمرة. وكان ذلك زمن الحديبية. وهذا أحد ما جاء فى سبب نزول الآية. انظر تفسير الطبري 2/ 109 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 نقبا من مؤخّره فخرج منه ودخل ولم يخرج من الباب، وإن كان من أهل الأخبية والفساطيط خرج من مؤخرة ودخل منه. فبينما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو محرم ورجل محرم يراه، دخل من باب حائط فاتبعه ذلك الرجل، فقال له: تنح عني. قال: ولم؟ قال دخلت من الباب وأنت محرم. قال: إني قد رضيت بسنتك وهديك. قال له النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم: (إني أحْمَس) «1» قال: فإذا كنت أحمس فِإني أحمس. فوفق اللَّه الرجل، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وقوله: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ. (191) فهذا وجه قد قرأت به العامة. وقرأ أصحاب عَبْد اللَّه «ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه، فإن قتلوكم فقتلوهم» والمعنى هاهنا: فإن بدءوكم بالقتل فاقتلوهم. والعرب تقول: قد قتل بنو فلان إذا قتل منهم الواحد. فعلى «2» هذا قراءة أصحاب عَبْد الله. وكلّ حسن. وقوله: فَإِنِ انْتَهَوْا فلم يبدءوكم فَلا عُدْوانَ على الذين انتهوا، إنما العدوان على من ظلم: على من بدأكم ولم ينته. فإن قال قائل: أرأيت قوله «فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ» أعدوان هُوَ وقد أباحه اللَّه لهم؟ قُلْنَا: ليس بعدوان فِي المعنى، إنما هُوَ لفظ على مثل ما سبق «3» قبله   (1) هو وصف من الحماسة بمعنى التشدّد فى الدين والصلابة فيه. وجمعه الأحامس، وقد غلب هذا الوصف على قريش ومن لحق بهم من خزاعة وغيرهم لأنهم كانوا يتشدّدون فى دينهم فى الجاهلية. (2) فمعنى «فإن قتلوكم» على هذه القراءة: فإن قتلوا واحدا منكم. وبهذا يندفع سؤال بعضهم: إذا قتلوهم كيف يقتلونهم. وانظر تفسير الطبري 2/ 122 (3) فى أ: «نسق» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 ألا ترى أنه قال: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ فالعدوان من المشركين فِي اللفظ ظلم فِي المعنى والعدوان الَّذِي أباحه اللَّه وأمر به المسلمين إنما هُوَ قصاص. فلا «1» يكون القصاص ظلما، وإن كان لفظه واحدا. ومثله قول اللَّه تبارك وتعالى: «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها» «2» وليست من اللَّه على مثل معناها من المسيء لأنها «3» جزاء. وقوله: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ... (196) وفي قراءة عَبْد اللَّه «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إلى البيت لله» «4» فلو قرأ قارئ «وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ» فرفع العمرة «5» لأن المعتمر إذا أتى البيت فطاف به وبين الصفا والمروة حل من عمرته. والحج يأتي فِيهِ عرفاتٍ وجميع المناسك وذلك قوله «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ» يقول: أتموا العمرة إلى البيت «6» فِي الحج إلى أقصى مناسكه. فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ العرب تقول للذي يمنعه من الوصول إلى إتمام حجه أو عمرته خوف أو مرض، وكل «7» ما «8» لم يكن مقهورًا كالحبس والسجن (يقال للمريض) «9» : قد   (1) الأسوغ: «ولا» كما هو الأقرب إلى ما فى أ. (2) آية 40 سورة الشورى. (3) فى أ «لأنه» . (4) الذي فى الطبري: «فى قراءة عبد الله: وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت» . ويدل قول الطبري على أن ابن مسعود يقرأ بنصب العمرة، على خلاف ما فى الشواذ لابن خالويه فإنه ذكر قراءة عبد الله: والعمرة لله بالرفع. (5) هنا حذف «بعد العمرة» . والأصل: جاز. ويتعلق به قوله بعد: «لأن المعتمر ... » وقد قرأ بالرفع على رضى الله عنه والشعبي، ورويت أيضا عن ابن مسعود. وانظر الشواذ لابن خالويه والبحر 2/ 72 (6) كأن «فى» محرّفة عن واو العطف. [ ..... ] (7) معطوف على «الذى يمنعه من الوصول ... » . (8) أوقع «ما» موقع من ذهابا إلى الوصف كقوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء ... (9) هذا تأكيد لقوله قبل: «العرب تقول ... » فقوله: «قد أحصر ... » مقول «تقول» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 أحصر، وفي الحبس والقهر: قد حصر. فهذا فرق بينهما. ولو نويت فِي قهر السلطان أنها علة مانعة ولم تذهب إلى فعل الفاعل جاز لك أن تقول: قد أحصر الرجل. ولو قلت فِي المرض وشبهه: إن المرض قد حصره أو الخوف، جاز أن تقول: حصرتم. وقوله «وَسَيِّداً وَحَصُوراً» «1» [يقال] «2» إنه المحصر عن النساء لأنها علة وليس بمحبوسٍ. فعلى هذا فابن. وقوله: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ... (196) «ما» فِي موضع رفع لأن أكثر ما جاء من أشباهه فِي القرآن مرفوع. ولو نصبت على قولك: أهدوا «فَمَا اسْتَيْسَرَ» «3» . وتفسير الهدى فى هذا الموضع بدنة «4» أو بقرة أو شاة. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ الهدى صام ثلاثة أيام يكون أخرها يوم عرفة، واليومان فِي العشر، فأما السبعة فيصومها إذا رجع فِي طريقه، وإن شاء إذا وصل إلى أهله و «السبعة» فيها الخفض على الاتباع للثلاثة. وإن نصبتها «5» فجائز على فعل «6» مجدد كما تقول فِي الكلام: لا بد من لقاء أخيك وزيدٍ وزيدا. وقوله: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ يقول: ذلك لمن كان من الغرباء من غير أهل مكة، فأما أهل مكة فليس ذلك عليهم. و «ذلِكَ» فِي موضع رفع. وعلى تصلح فِي موضع اللام أي ذلك على الغرباء.   (1) آية 39 سورة آل عمران. (2) زيادة من اللسان فى حصر. (3) الجواب محذوف أي جاز مثلا. وفى الطبري: «ولو قيل: موضع (ما) نصب بمعنى فإن أحصرتم فأهدوا ما استيسر من الهدى لكان غير مخطئ قائله» . (4) يراد بالبدنة هنا الناقة أو البعير. (5) وهى قراءة زيد بن على، كما فى البحر. (6) تقديره: صوموا، أو ليصوموا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وقوله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ معناه: وقت الحج هذه الأشهر. فهي وإن كانت «فِي» تصلح فيها فلا يقال إلا بالرفع، كذلك كلام العرب، يقولون: البرد شهران، والحرّ شهران، لا ينصبون لأنه مقدار الحج. ومثله قوله: «وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ» «1» ولو كانت الأشهر أو الشهر معروفة على هذا المعنى لصلح «2» فِيهِ النصب. ووجه الكلام الرفع لأن الاسم إذا كان فِي معنى صفةٍ «3» أو محل قوى إذا أسند إلى شيء ألا ترى أن العرب يقولون: هُوَ رَجُل دونك وهو رَجُل دون، فيرفعون إذا أفردوا، وينصبون إذا أضافوا. ومن كلامهم المسلمون جانب، والكفار جانب، فإذا قَالُوا: المسلمون جانب صاحبهم نصبوا. وذلك أن «4» الصاحب يدل على محل كما تقول: نحو صاحبهم، وقرب صاحبهم. فإذا سقط الصاحب لم تجده محلا تقيده قرب شيء أو بعده. والأشهر المعلومات شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. والأشهر الحرم المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة. وإنما جاز أن يقال له أشهر وإنما هما شهران وعشر من ثالثٍ لأن العرب إذا كان الوقت لشيء يكون فِيهِ الحج وشبهه جعلوه فِي التسمية للثلاثة والاثنين، كما قال اللَّه تبارك وتعالى: «وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ» وإنما يتعجل فِي يومٍ ونصف، وكذلك هُوَ فِي اليوم الثالث من أيام التشريق وليس منها شيء تام، وكذلك تقول العرب: له اليوم يومان منذ لم أره، وإنما هُوَ يوم وبعض آخر، وهذا ليس بجائزٍ فِي غير المواقيت لأن العرب قد تفعل الفعل فِي أقل من الساعة، ثُمَّ يوقعونه على اليوم وعلى   (1) آية 12 سورة سبأ. (2) ذلك أن الظرف سبيله عنده أن يكون معروفا حتى يصح التوقيت به، فالنكرة غير المحصورة لا تصلح لذلك. (3) الصفة هنا الجارّ والمجرور. والمحل الظرف. وهذا عند الكوفيين. (4) فى أ: «لأن» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 العام والليالي والأيام، فيقال: زرته العام، وأتيتك اليوم، وقتل فلان ليالي الحجاج أمير، لأنه «1» لا يراد أول الوقت وآخره، فلم يذهب به على معنى العدد كله، وإنما يراد به (إذ ذاك الحين) «2» . وأما قوله: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ يقال: إن الرفث الجماع، والفسوق السباب، والجدال المماراة فِي الْحَجِّ فالقراء على نصب ذلك كله بالتبرئة «3» إلا مجاهدا فإنه رفع الرفث والفسوق ونصب الجدال. وكل ذلك جائز. فمن نصب أتبع أخر الكلام أوّله، ومن رفع بعضا ونصب بعضا فلان التبرئة فيها وجهان: الرفع بالنون «4» ، والنصب بحذف النون. ولو نصب الفسوق والجدال بالنون لجاز ذلك فِي غير القرآن لأن العرب إذا بدأت بالتبرئة فنصبوها لم تنصب بنونٍ، فإذا عطفوا عليها ب «لا» كان فيها وجهان، إن شئت جعلت «لا» معلقة يجوز حذفها فنصبت على هذه النية بالنون لأن «لا» فى معنى صلة، وإن نويت بها الابتداء كانت كصاحبتها، ولم تكن معلقة فتنصب بلا نونٍ قال فِي ذلك الشاعر: رأت إبلى برمل جدود أ [ن] لا ... مقيل لها ولا شربًا نقوعا «5» فنون فى الشرب، ونوى ب «لا» الحذف كما قال الآخر: فلا أب وابنا مثل مروان وأبنه ... إذا هُوَ بالمجد ارتدى وتأزّرا «6»   (1) سقط فى أ. [ ..... ] (2) فى الطبري: «إذ ذاك، وفى ذلك الحين» . (3) يعنى: بلا التبرئة. وهى لا النافية للجنس. (4) يعنى نون التنوين يقال: نون الاسم ألحقه التنوين قال فى التاج: وتزاد- أي النون- للصرف فى كل اسم منصرف. (5) جدود: موضع فى أرض بنى تميم على سمت اليمامة. والمقيل: موضع القيلولة، وهى الاستراحة نصف النهار. والشرب: النصيب من الماء، والنقوع: المجتمع. وترى زيادة النون فى «أن» وهى لا بدّ منها، وقد سقطت من الأصول. (6) ورد هذا البيت فى سيبويه 1/ 349. وهو من أبياته الخمسين التي لا يعرف قائلها. ونسبه ابن هشام لرجل من بنى عبد مناة يمدح مروان بن الحكم وابنه عبد الملك، ونسب فى شرح شواهد الكشاف للفرزدق وانظر الخزانة 2/ 102، والعيني على هامشها 2/ 355 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وهو فِي مذهبه بمنزلة المدعو «1» تقول: يا عمرو والصلت أقبلا. فتجعل الصلت تابعا لعمرو وفيه الألف واللام لأنك نويت به أن يتبعه «2» بلا نية «يا» فِي الألف واللام. فإن نويتها قلت: يا زيد ويا أيها الصّلت أقبلا. فإن حذفت «يا أيها» وأنت تريدها نصبت كقول اللَّه عز وجل «يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ» «3» نصب الطير على جهتين: على نية النداء المجدد له إذ لم يستقم دعاؤه بما دعيت به الجبال، وإن شئت أوقعت عليه فعلا: وسخرنا له «الطَّيْرَ» فتكون النية على سخرنا. فهو فِي ذلك متبع كقول الشاعر: ورأيت زوجك فِي الوغى ... متقلدا سيفا ورمحا «4» وإن شئت رفعت بعض «5» التبرئة ونصبت بعضا، وليس من قراءة القراء ولكنه يأتي فِي الأشعار قال أمية: فلا لغو ولا تأثيم فيها ... وما فاهوا به لهم مقيم «6» وقال الآخر «7» : ذاكم- وجدكم- الصغار بعينه ... لا أم لي إن كان ذاك ولا أب   (1) أي المنادى. (2) فى أ. «تتبعه» . (3) آية 10 سورة سبأ. (4) فالتقدير: وحاملا رمحا لأن الرمح لا يتقلد وإنما يتقلد السيف. والبيت ورد فى اللسان (قلد) غير معزوّ. وفيه: «يا ليت» فى مكان: «رأيت» . (5) قوله: بعض التبرئة يعنى ما بعد لا التبرئة. (6) هذا من قصيدة يذكر فيها أوصاف الجنة وأهلها وأحوال يوم القيامة، وأوّلها: سلامك ربنا فى كل فجر ... بريئا ما تليق بك الذموم وانظر العيني على هامش الخزانة 2/ 346. (7) هو رجل من مذحج عند سيبويه 1/ 352. وقيل فى نسبته غير ذلك. وانظر العيني على هامش الخزانة 2/ 339. وكان لقائل هذا الشعر أخ يسمى جندبا، وكان أهله يؤثرونه عليه ويفضلونه، فأنف من ذلك وقال هذه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وقبله: وإذا تكون شديدةٌ أُدْعَى لها ... وإذا يحاسُ الحيس يدعى جندب «1» وقوله: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ... (200) كانت العرب إذا حجوا فِي جاهليتهم وقفوا بين المسجد بمنى وبين الجبل، فذكر أحدهم أَبَاه بأحسن أفاعيله: اللهم كان يصل الرحم، ويقري الضيف. فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: «فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً» فأنا الَّذِي فعلت ذلك بكم وبهم. وقوله: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا ... (200) كان أهل الجاهلية يسألون المال والإبل والغنم فأنزل «2» الله: «منهم من يسئل الدنيا فليس له فِي الآخرة خلاق» يعني نصيبا. وقوله: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ ... (203) هى العشر [و] «3» المعلومات: أيام التشريق كلها، يوم النحر وثلاثة أيام التشريق. فمن المفسرين من يجعل المعدودات أيام التشريق أيضا، وأما المعلومات «4» فإنهم   (1) الحيس: لبن وأقط وسمن وتمر يصنع منه طعام لذيذ. وقد أورد هذا البيت ليبين أن الروىّ مرفوع إذ لا شك فى رفع «جندب» ويروى: وإذا تكون كريهة. (2) أي أنزل ما يقوم بهذا المعنى. [ ..... ] (3) زيادة يقتضيها السياق. (4) المذكورة فى الآية 28 من الحج: «لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 يجعلونها يوم النحر ويومين من أيام التشريق لأن الذبح إنما يكون فى هذه الثلاثة الأيام، ومنهم من يجعل الذبح فِي آخر أيام التشريق فيقع عليها المعدودات والمعلومات فلا تدخل فيها العشر. وقوله: لِمَنِ اتَّقى ... (203) يقول: قتل «1» الصيد فى الحرم. وقوله: وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى مَا فِي قَلْبِهِ ... (204) كان ذلك رجلا يعجب النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم حديثه، ويعلمه أنه معه ويحلف على ذلك فيقول: (اللَّه يعلم) . فذلك قوله «وَيُشْهِدُ اللَّهَ» أي ويستشهد اللَّه. وقد تقرأ «وَيُشْهِدُ اللَّهَ» رفع «عَلى ما فِي قَلْبِهِ» . وقوله: وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ ... (204) يقال للرجل: هُوَ ألد من قوم لد، والمرأة لداء ونسوة لد، وقال الشاعر: اللد أقران الرجال اللد ... ثُمَّ أردى بهم من يردى «2» ويقال: ما كنت ألد فقد لددت، وأنت تلد. فإذا غلبت الرجل فِي الخصومة (قلت: لددته) «3» فأنا ألدّه لدّا.   (1) هذا مفعول «اتقى» . (2) فى اللسان: ألد أقران الخصوم اللد ألدّ أي أغلب فى الخصومة، وأقران مفعوله و «أردّى» أي أرمى. يقال: ردى فلانا بحجر: رماه به. ولم نجد الشطر الثاني فى كتاب مما بيدنا مع أشد البحث. (3) فى ج. وش: فقد لددته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وقول اللَّه تبارك وتعالى: وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ نصبت، ومنهم من يرفع «وَيُهْلِكَ» رفع لا يردّه على «لِيُفْسِدَ» ولكنه يجعله مردودا على قوله: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ- وَيُهْلِكَ» والوجه الأول أحسن. وقوله: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ ... (205) من العرب من يقول: فسد الشيء فسودا، مثل قولهم: ذهب ذهوبا وذهابا، وكسد كسودا وكسادا. وقوله: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ... (208) أي لا تتبعوا آثاره فإنها معصية. وقوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ ... (210) رفع مردود على (الله) تبارك وتعالى، وقد خفضها بعض «1» أهل المدينة. يريد «فِي ظللٍ من الغمام وفي الملائكة» . والرفع أجود لأنها فِي قراءة عَبْد اللَّه «هَلْ يَنْظُرونَ إِلّا أن يأتيهم اللَّه والملائكة فى ظلل من الغمام» . وقوله: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ ... (211) لا تهمز «2» فِي شيءٍ من القرآن لأنها لو همزت كانت «اسأل» بألفٍ. وإنما (ترك همزها) «3» فِي الأمر خاصة لأنها كثيرة الدور فى الكلام فلذلك ترك همزه كما   (1) هو أبو جعفر يزيد بن القعقاع. وانظر البحر 2/ 125 (2) أي الكلمة «سلى» . (3) فى ج. وش: «تزول همزتها» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 قَالُوا: كل، وخذ، فلم يهمزوا في الأمر، وهمزوه فِي النهى وما سواه. وقد تهمزه العرب. فأما فِي القرآن فقد جاء بترك الهمز. وكان حمزة الزيات يهمز الأمر إذا كانت فِيهِ الفاء أو الواو مثل قوله: «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها» «1» ومثل قوله: «فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ» «2» ولست أشتهى ذلك لأنها لو كانت مهموزة لكتبت فيها الألف كما كتبوها فِي قوله «فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً» «3» ، «وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا» «4» بالألف. وقوله: كَمْ آتَيْناهُمْ ... (211) معناه: جئناهم به [من آية] «5» . والعرب تقول: أتيتك بآيةٍ، فإذا ألقوا الباء قَالُوا: آتيتك آية كما جاء فِي الكهف «آتِنا غَداءَنا» «6» والمعنى: ايتنا بغدائنا. وقوله: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا ... (212) ولم يقل «زينت» وذلك جائز، وإنما ذكر الفعل والاسم مؤنث لأنه مشتق من فعل فِي مذهب مصدر. فمن أنث أخرج الكلام على اللفظ، ومن ذكر ذهب إلى تذكير المصدر. ومثله «فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى» «7» و «قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ» «8» ، «وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ» «9» على ما فسرت لك. فأما فِي الاسماء الموضوعة فلا تكاد العرب تذكر فعل مؤنثٍ إلا فى الشعر لضرورته.   (1) آية 82 سورة يوسف. (2) آية 94 سورة يونس. (3) آية 77 سورة طه. (4) آية 13 سورة يس. (5) زيادة فى أ. (6) آية 62 سورة الكهف. [ ..... ] (7) آية 275 سورة البقرة. (8) آية 104 سورة الأنعام. (9) آية 67 سورة هود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وقد يكون الاسم غير مخلوقٍ من فعلٍ، ويكون فِيهِ معنى تأنيثٍ وهو مذكر فيجوز فِيهِ تأنيث الفعل وتذكيره على اللفظ مرة وعلى المعنى مرّة من ذلك قوله عز وجل «وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ» «1» ولم يقل «كذبت» ولو قيلت لكان صوابا كما قال «كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ» «2» و «كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ» «3» ذهب إلى تأنيث الأمة، ومثله من الكلام فِي الشعر كثير منه قول الشاعر: فإن كلابا هذه عشر أبطن ... وأنت برىء من قبائلها العشر «4» وكان ينبغي أن يقول: عشرة أبطنٍ لأن البطن ذكر، ولكنه فِي هذا الموضع فِي معنى قبيلة، فأنث لتأنيث القبيلة فِي المعنى. وكذلك قول الآخر: وقائع فِي مضرٍ تسعة ... وفي وائلٍ كانت العاشره فقال: تسعة، وكان ينبغي له أن يقول: تسع لأن الوقعة أنثى، ولكنه ذهب إلى الأيام لأن العرب تقول فِي معنى الوقائع: الأيام فيقال هُوَ عالم بأيام العرب، يريد وقائعها. فأما قول اللَّه تبارك وتعالى: «وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ» «5» فإنه أريد به- والله أعلم-: جمع الضياءان. وليس قولهم: إنما ذكر فعل الشمس لأن الوقوف لا يحسن فِي الشمس حَتَّى يكون معها القمر بشيءٍ «6» ، ولو كان هذا على ما قيل لقالوا: الشمس جمع والقمر. ومثل هذا غير جائز، وإن شئت ذكّرته   (1) آية 66 سورة الأنعام. (2) آية 105 سورة الشعراء. (3) آية 160 سورة الشعراء. (4) فى العيني: «قائله رجل من بنى كلاب يسمى النوّاح» وورد فى اللسان (بطن) من غير عزو. (5) آية 9 سورة القيامة. (6) خبر قوله: «ليس قولهم..» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 لأن الشمس اسم مؤنث ليس فيها هاء تدل على التأنيث، والعرب ربما ذكرت فعل المؤنث إذا سقطت منه علامات التأنيث. قال الفراء: أنشدني بعضهم: فهي أحوى من الربعي خاذلة ... والعين بالإثمد الحاري مكحول «1» ولم يقل: مكحولة والعين أنثى للعلة التي أنبأتك بها. قال: وأنشدني بعضهم: فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها «2» قال: وأنشدني يونس- يعني النحوي الْبَصْرِيّ- عن العرب قول الأعشى: إلى رجلٍ منهم أسيفٍ كأنما ... يضم إلى كشحيه كفا مخضبا «3» وأما قوله: «السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ» «4» فإن شئت جعلت السماء مؤنثة بمنزلة العين فلما لم يكن فيها هاء مما يدل على التأنيث ذكر فعلها كما فعل بالعين والأرض فى البيتين.   (1) فى سيبويه 1/ 240، وهو فيه لطفيل الغنوي. والشطر الأوّل فيه هكذا: إذ هى أحوى من الربعىّ حاجبه وكذلك هو فى ديوان طفيل 29، وقبله- وهو أوّل القصيدة-: هل حبل شماء قبل البين موصول ... أم ليس للصرم عن شماء معدول أم ما تسائل عن شماء ما فعلت ... وما تحاذر من شماء مفعول وتراه يشبه شماء بأحوى من الظباء، وهو الذي فى ظهره وجنبتى أنفه سواد، وذكر أن حاجب عينه وعينه مكحولان، واقتصر فى الخبر على أحدهما، ورواية الفرّاء: «خاذلة» فى مكان «حاجبه» والخاذلة: الظبية تنفرد عن صواحباتها، وتقوم على ولدها، وذلك أجمل لها. شبهها أولا بالظبى، ثم راعى أنها أنثى فجعلها ظبية. فقوله: «خاذلة» ليس من وصف «أحوى» وإنما هو خبر ثان. (2) هذا فى سيبويه 1/ 240، وقد نسب لعامر بن جوين الطائي. وقال الأعلم: «وصف أرضا مخصبة لكثرة ما نزل بها من الغيث. والودق: المطر. والمزنة: السحاب» . وانظر الخزانة 1/ 21. (3) البيت فى ديوان الأعشى طبع أوربا: أرى رجلا منكم أسيفا ... والأسيف من الأسف وهو الحزن. وقوله: «كأنما يضم ... » أي كأنه قطعت يده فخضبت كفه بالدم، فهو لذلك أسيف حزين. (4) آية 18 سورة المزمّل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 ومن العرب من يذكر السماء لأنه جمع كأن واحدته سماوة أو سماءة. قال: وأنشدني بعضهم: فلو رفع السماء إليه قوما ... لحقنا بالسماء مع السحاب «1» فإن قال قائل: أرأيت الفعل إذا جاء بعد المصادر المؤنثة أيجوز تذكيره بعد الأسماء كما جاز قبلها؟ قلت: ذلك قبيح وهو جائز. وإنما قبح لأن الفعل إذا أتى بعد الاسم كان فِيهِ مكنى من الاسم فاستقبحوا أن يضمروا مذكرا قبله مؤنث، والذين استجازوا ذلك قَالُوا: يذهب به إلى المعنى، وهو فِي التقديم والتأخير سواء قال الشاعر: فإن تعهدي لامرئ لمةً ... فإن الحوادث أزرى بها «2» ولم يقل: أزرين بها ولا أزرت بها. والحوادث جمع ولكنه ذهب بها إلى معنى الحدثان. وكذلك قال الآخر: هنيئا لسعدٍ ما اقتضى بعد وقعتى ... بناقة سعد والعشية بارد كأن العشية فِي معنى العشي ألا ترى قول اللَّه «أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا» «3» وقال الآخر: إن السماحة والشجاعة ضمنا ... قبرا بمرو على الطريق الواضح»   (1) ورد فى اللسان (سما) من غير عزو. [ ..... ] (2) فى سيبويه 1/ 239، وفيه بدل الشطر الأول: فإما ترى لمتى بدّلت وهو من قصيدة للأعشى فى الصبح المنير 120 يمدح فيها رهط قيس بن معديكرب ويزيد بن عبد المدان. واللمة: الشعر يلم بالمنكب. وإزراء الحوادث بها: تغييرها من السواد إلى البياض. وقوله: «فإن تعهدى» أي إن كنت تعهدين ذلك فيما مضى من الزمن. (3) آية 11 سورة مريم. (4) لزياد الأعجم فى رثاء المغيرة بن المهلب. وبعده: فإذا مررت بقبره فاعقر به ... كوم الهجان وكل طرف سابح وانظر الأغانى 14/ 102، وذيل الأمالى 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 ولم يقل: ضمنتا، والسماحة والشجاعة مؤنثتان للهاء التي فيهما. قال: فهل يجوز أن تذهب بالحدثان إلى الحوادث فتؤنث فعله قبله فتقول أهلكتنا الحدثان؟ قلت نعم أنشدني الكسائي: ألا هلك الشهاب المستنير ... ومدرهنا الكمىّ إذا نغير «1» وحمال المئين إذا ألمت ... بنا الحدثان والأنف النصور فهذا كافٍ مما يحتاج إليه من هذا النوع. وأما قوله: «وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ» «2» ولم يقل «بطونها» والأنعام هِيَ مؤنثة لأنه ذهب به إلى النعم والنعم ذكر. وإنما جاز أن تذهب به إلى واحدها لأن الواحد يأتي فِي المعنى على معنى الجمع كما قال الشاعر: إذا رَأَيْت أنجمًا من الأسد ... جَبْهته أو الخرات والكتد «3» بال سهيل فِي الفضيخ ففسد ... وطاب ألبان اللقاح فبرد ألا ترى أن اللبن جمع يكفى من الألبان. وقد كان الكسائي يذهب بتذكير الأنعام إلى مثل قول الشاعر: ولا تذهبن عيناك فِي كل شرمح ... طوالٍ فإن الأقصرين أمازره «4»   (1) ورد البيتان فى اللسان (حدث) من غير عزو. وفيه «وهاب» بدل «حمال» فى البيت الثاني. (2) آية 66 سورة النحل. (3) الأسد أحد البروج الاثني عشر. والخرات أحد نجمين من كواكب الأسد يقال لهما الخراتان. والتاء فى الخرات أصلية على أحد وجهين، ومن ثم كتبت التاء مفتوحة، كما فى اللسان (جبه) . قال ابن سيده: لا يعرف الخراتان إلا مثنى. والكتد- بفتحتين- نجم أيضا من الأسد. والفضيخ البسر المشدوخ. يقول: لما طلع سهيل ذهب زمن البسر وأرطب فكأنه بال فيه. واللقاح: النوق إلى أن يفصل عنها ولدها. وذلك عند طلوع سهيل. فيرد: صار هنيئا. رجع بقوله فبرد إلى معنى اللبن، والألبان تكون فى معنى واحد. (4) الشرمح من الرجال القوى الطويل. والأمازر جمع أمزر وهو اسم تفضيل للمزير وهو الشديد القلب القوى النافذ. وقبل البيت: إليك ابنةَ الأعيار خافي بسالة ال ... رجال وأصلال الرجال أقاصره ونقل عن الفراء أن المزير الظريف وأنشد البيت كما فى اللسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 ولم يقل: أمازرهم، فذكر وهو يريد أمازر ما ذكرنا. ولو كان كذلك لجاز أن تقول هُوَ أحسنكم وأجمله، ولكنه ذهب إلى أن هذا الجنس يظهر مع نكرةٍ غير مؤقتة يضمر فيها مثل معنى النكرة فلذلك قَالَتِ العرب: هُوَ أحسن الرجلين وأجمله لأن ضمير الواحد يصلح فِي معنى الكلام أن تقول هُوَ أحسن رَجُل فِي الاثنين، وكذلك قولك هِيَ أحسن النساء وأجمله. من قال وأجمله قال: أجمل شيء فِي النساء، ومن قال: وأجملهن أَخْرَجَهُ على اللفظ واحتج بقول الشاعر: مثل الفراخ نتقت حواصله «1» ولم يقل حواصلها. وإنما ذكر لأن الفراخ جمع لم يبن على واحده، فجاز أن يذهب بالجمع إلى الواحد. قال الفراء: أنشدني المفضل: ألا إن جيراني العشية رائح ... دعتهم دواعٍ من هوى ومنازح فقال: رائح ولم يقل رائحون لأن الجيران قد خرج مخرج الواحد من الجمع إذ لم يبن جمعه على واحده. فلو قلت: الصالحون فإن ذلك لم يجز لأن الجمع منه قد بنى على صورة واحدة. وكذلك الصالحات نقول، ذاك غير جائز لأن صورة الواحدة فِي الجمع قد ذهب عَنْهُ توهم الواحدة. ألا ترى أن العرب تقول: عندي عشرون صالحون فيرفعون ويقولون عندي عشرون جيادا فينصبون الجياد لأنها لم تبن على واحدها، فذهب بها إلى الواحد ولم يفعل ذلك بالصالحين قال عنترة: فيها اثنتان وأربعونَ حَلُوبةً ... سُودا كخافية الغراب الأسحم «2»   (1) «نتقت» أي سمنت. وانظر رسالة الغفران 416. (2) من معلقته. والضمير فى «فيها» يرجع إلى «حمولة أهلها» فى قوله: ما راعنى إلا حمولة أهلها ... وسط الديار تسف حب الخمخم والحمولة: الإبل عليها الأثقال، يريد تهيؤ أهلها للسفر. والحلوبة الناقة ذات اللبن، والسود من الإبل عزيزة. وانظر الحزانة 3/ 310 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 فقال: سودا ولم يقل: سود «1» وهي من نعت الاثنتين والاربعين للعلة التي أخبرتك بها. وقد قرأ بعض القرّاء «زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا» ويقال إنه مجاهد فقط. وقوله: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ... (213) ففيها معنيان أحدهما أن تجعل اختلافهم كفر بعضهم بكتاب بعضٍ «فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا» للإيمان بما أنزل كله وهو حق. والوجه الآخر أن تذهب باختلافهم إلى التبديل كما بدلت التوراة. ثُمَّ قال «فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا» به للحق مما اختلفوا فِيهِ. وجاز «2» أن تكون اللام فِي الاختلاف ومن فِي «3» الحق كما قال اللَّه تعالى: «وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ» والمعنى- والله أعلم- كمثل المنعوق به لأنه وصفهم فقال تبارك وتعالى: «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ» كمثل البهائم، وقال الشاعر «4» : كانت فريضة ما تقول كما ... كان الزناء فريضة الرجم وإنما الرجم فريضة الزناء، وقال: إن سراجًا لكريم مفخره ... تَحْلَى بِهِ الْعَيْنُ إذا ما تجهره   (1) وقد روى هذا فى البيت أي رفع سود. (2) يريد أن الأصل فى تأليف الآية: فهدى الله الذين آمنوا مما اختلفوا فيه للحق، فجعل كل الحرفين من واللام فى مكان صاحبه، على طريقة القلب المكانىّ. وقد أبان أن هذا منهج مألوف فى القرآن وكلام العرب. (3) سقط هذا الحرف (فى) فى أ. (4) انظر ص 99 من هذا الجزء لهذا البيت وما بعده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 والعين لا تحلى إنما يحلى بها سراج، لأنك تقول: حليت بعيني، ولا تقول حليت عيني بك إلا فِي الشعر. وقوله: أَمْ حَسِبْتُمْ ... (214) استفهم بأم فِي ابتداءٍ ليس قبله ألف «1» فيكون أم ردا عليه، فهذا مما أعلمتك «2» أنه يجوز إذا كان قبله كلام يتصل به. ولو كان ابتداء ليس قبله كلام كقولك للرجل: أعندك خير؟ لم يجز هاهنا أن تقول: أم عندك خير. ولو قلت: أنت رَجُل لا تنصف أم لك سلطان تدل به، لجاز ذلك إذ تقدمه كلام فاتصل به. وقوله: أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ [معناه «3» : أظننتم أن تدخلوا الجنة ولم يصبكم مثل ما أصاب الذين قبلكم] فتختبروا. ومثله: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ» «4» وكذلك فِي التوبة «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ» «5» . وقوله: وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ ... (214) قرأها القراء بالنصب إلا مجاهدا وبعض «6» أهل المدينة فإنهما رفعاها. ولها وجهان فِي العربية: نصب، ورفع. فأما النصب فلان الفعل الَّذِي قبلها مما يتطاول «7» كالترداد. فإذا كان الفعل على ذلك المعنى نصب بعده بحتى وهو   (1) يريد همزة الاستفهام. [ ..... ] (2) انظر ص 72 من هذا الجزء. (3) زيادة فى أ. (4) آية 142 سورة آل عمران. (5) آية 16 من السورة. (6) هو نافع. (7) قوله «يتطاول كالترداد» يعنى ما فيه امتداد الفعل قال ابن عادل فى تفسيره عن الزجاج: «أصل الزلزلة فى اللغة من زلّ الشيء عن مكانه. فإذا قلت: زلزلته فتأويله أنك كررت تلك الإزالة فضوعف لفظه كمضاعفة معناه لأن ما فيه تكرير تكرر فيه الفعل نحو صرّ وصر صر وصل وصلصل وكف وكفكف» . قال الطبري: الزلزلة فى هذا الموضع الخوف لا زلزلة الأرض، فلذلك كانت متطاولة، وكان النصب فى يقول أهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 فِي المعنى ماضٍ. فإذا كان الفعل الَّذِي قبل حَتَّى لا يتطاول وهو ماضٍ رفع الفعل بعد حَتَّى إذا كان ماضيا. فأما الفعل الَّذِي يتطاول وهو ماضٍ فقولك: جعل فلان يديم النظر حَتَّى يعرفك ألا ترى أن إدامة النظر تطول. فإذا طال ما قبل حَتَّى ذهب بما بعدها إلى النصب إن كان ماضيا بتطاوله. قال: وأنشدني [بعض العرب وهو] «1» المفضل: مطوت بهم حَتَّى تكل غزاتهم ... وحتى الجياد ما يقدن بأرسان «2» فنصب (تكل) والفعل الَّذِي أداه قبل حَتَّى ماض لأن المطو بالابل يتطاول حَتَّى تكل عَنْهُ. ويدلك على أنه ماض أنك تقول: مطوت بهم حَتَّى كلت غزاتهم. فبحسن «3» فعل مكان يفعل تعرف الماضي من المستقبل. ولا يحسن مكان المستقبل فعل ألا ترى أنك لا تقول: أضرب زيدا حَتَّى أقر، لأنك تريد: حَتَّى يكون ذلك منه. وإنما رفع مجاهد لأن فعل يحسن فِي مثله من الكلام كقولك: زلزلوا حَتَّى قال الرَّسُول. وقد كان الكسائي قرأ بالرفع دهرا ثُمَّ رجع إلى النصب. وهي في قراءة عَبْد اللَّه: «وزلزلوا ثُمَّ زلزلوا ويقول الرَّسُول» وهو دليل على معنى النصب.   (1) زيادة فى أ. (2) البيت لامرئ القيس: المطو: الجدّ والنجاء فى السير. والغزاة جمع غاز، والذي فى ديوانه: حتى تكل مطيهم، والذي فى اللسان فى (مطا) : «غريهم» بالراء وهو تحريف صوابه: «غزيهم» بالزاي كما فى اللسان (غزا) والغزىّ: الغزاة. وأراد بقوله: ما يقدن إلخ أن الجياد بلغ بها الإعياء أشدّه فعجزت عن السير. (3) فى الأصول: «فيحسن» وهو تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 ولحتى ثلاثة معان فِي يفعل، وثلاثة معان فِي الاسماء. فإذا رَأَيْت قبلها فعل ماضيا وبعدها يفعل فِي معنى مضى وليس ما قبل (حَتَّى يفعل) يطول «1» فارفع يفعل بعدها كقولك جئت حَتَّى أكون معك قريبا، وكان أكثر النحويين ينصبون الفعل بعد حَتَّى وإن كان ماضيا إذا كان لغير الأول، فيقولون: سرت حَتَّى يدخلها زَيْدُ فزعم الكسائي أنه سمع العرب تقول: سرنا حَتَّى تطلع لنا الشمس بزبالة «2» ، فرفع والفعل للشمس، وسمع: إنا لجلوس فما نشعر حتى يسقط حجر بيننا، رفعا. قال: وأنشدني «3» الكسائي: وقد خضن الهجير وعمن حَتَّى ... يفرج ذاك عنهن المساء وأنشد (قول الآخر) «4» : وننكر يوم الروع ألوان خيلنا ... من الطعن حَتَّى نحسب الجون أشقرا «5» فنصب هاهنا لأن الإنكار يتطاول. وهو الوجه الثاني من باب حَتَّى. وذلك أن يكون ما قبل حَتَّى وما بعدها ماضيين، وهما مما يتطاول، فيكون يفعل فِيهِ وهو ماضٍ فِي المعنى أحسن من فعل، فنصب وهو ماضٍ لحسن يفعل فِيهِ. قال الكسائي: سمعت العرب تقول: إن البعير ليهرم حَتَّى يجعل إذا شرب الماء مجه. وهو أمر قد مضى، و (يجعل) فيه أحسن من (جعل) . وإنّما حسنت   (1) هذا خبر ليس. (2) زبالة كثمالة منزلة من مناهل طريق مكة. (3) فى أ: «أنشدنا» . (4) سقط ما بين القوسين فى ش. (5) من قصيدة للنابغة الجعدىّ فى مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، ومطلعها: خليلى عوجا ساعة وتهجرا ... ولوما على ما أحدث الدهر أو ذرا وقبل بيت الشاهد: وإنا لقوم ما نعوّد خيلنا ... إذا ما التقينا أن تحبد وتنفرا [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 لأنها صفة تكون فِي الواحد على معنى الجميع، معناه: إن هذا ليكون كثيرا فِي الإبل. ومثله: إن الرجل ليتعظم حتى يمر فلا «1» يسلم على الناس. فتنصب (يمر) لحسن يفعل فِيهِ وهو ماضٍ وأنشدني أَبُو ثروان: أحب لحبها السودان حَتَّى ... أحب لحبها سود الكلاب «2» ولو رفع لمضيه فِي المعنى لكان صوابا. وقد أنشدنيه بعض بني أسد رفعا. فإذا أدخلت فِيهِ «لا» اعتدل «3» فِيهِ الرفع والنصب كقولك: إن الرجل ليصادقك حَتَّى لا يكتمك سرا، ترفع لدخول «لا» إذا كان المعنى ماضيا. والنصب مع دخول لا جائز. ومثله ما يرفع وينصب إذ دخلت «لا» فِي قول اللَّه تبارك وتعالى: «وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ» «4» رفعا ونصبا. ومثله: «أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً» «5» ينصبان ويرفعان، وإذا ألقيت منه «لا» لم يقولوه إلا نصبا وذلك أن «ليس» تصلح مكان «لا» فيمن رفع بحتّى وفيمن رفع ب (أن) ألا ترى أنك تقول: إنه ليؤاخيك حَتَّى ليس يكتمك شيئًا، وتقول فِي «أن» : حسبت أن لست تذهب فتخلفت. وكل موضع حسنت فِيهِ «ليس» مكان «لا» فافعل به هذا: الرفع مرة، والنصب مرة. ولو رفع الفعل   (1) فى أ: «فما» . (2) ورد فى عيون الأخبار 4/ 43 غير معزوّ. (3) أي جاز على اعتدال واستواء. (4) آية 17 سورة المائدة، قرأ بالرفع أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب، على أن أن المخففة من الثقيلة. وقرأ الباقون بالنصب، فتكون أن هى الثنائية الناصبة للمضارع. (5) آية 89 سورة طه. والرفع هو قراءة الجمهور. وهو الوجه. وورد النصب فى قراءة أبى حيوة وغيره. وهى قراءة شاذة. والرؤية عليه بصرية. وانظر البحر 6/ 269 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 فِي «أن» بغير «لا» لكان صوابا كقولك حسبت أن تقول ذاك لأن الهاء تحسن فِي «أن» فتقول حسبت أنه يقول ذاك وأنشدنى القاسم «1» بن معن: إنى زعيم يا نوي ... قة إن نجوت من الزواح «2» وسلمت من عرض الحتو ... ف من الغدو إلى الرواح «3» أن تهبطين بلاد قو ... م يرتعون من الطلاح «4» فرفع (أن تهبطين) ولم يقل: أن تهبطى. فإذا كانت «لا» لا تصلح مكانها «ليس» فِي «حَتَّى» ولا فِي «أن» فليس إلا النصب، مثل قولك: لا أبرح حَتَّى لا أحكم أمرك. ومثله فِي «أن» : أردت أن لا تقول ذاك. لا يجوز هاهنا الرفع. والوجه الثالث فِي يفعل من «حَتَّى» أن يكون ما بعد «حَتَّى» مستقبلا، - ولا تبال كيف كان الَّذِي قبلها- فتنصب كقول الله جل وعز «لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى» «5» ، و «فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي» «6» وهو كثير فى القرآن. وأمّا الأوجه الثلاثة فِي الاسماء فأن ترى بعد حَتَّى اسما وليس قبلها شيء يشاكله يصلح عطف ما بعْد حَتَّى عليه، أو أن ترى بعدها اسما وليس قبلها شىء.   (1) هو قاضى الكوفة، من ذرية عبد الله بن مسعود رضى الله عنه. توفى سنة 175، وانظر شذرات الذهب. (2) فى ش: الزراح. وهو شدة الضعف فى الإبل حتى تلصق بالأرض فلم يكن بها تهوض، والزواح هو الذهاب، وأزاحه عن موضعه: نحاه. وكتب على هامش أ، جأى الموت وهو تفسير للزواح. (3) «من الغدو» فى أ، ش: «مع الغدوّ» . والعرض: ما يحدث من أحداث الدهر. والحتوف جمع الحنف وهو الموت. (4) الطلاح واحدها طلحة وهى شجرة طويلة لها طل يستظل بها الإنسان والإبل. (5) آية 91 سورة طه. (6) آية 80 من سورة يوسف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 فالحرف بعد حَتَّى مخفوض فِي الوجهين من ذلك قول اللَّه تبارك وتعالى «تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ» «1» و «سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» «2» لا يكونان إلا خفَضا لأنه ليس قبلهما اسم يعطف عليه ما بعد حَتَّى، فذهب بحتى إلى معنى «إلى» . والعرب تقول: أضمنه حَتَّى الاربعاء أو الخميس، خفضا لا غير، وأضمن القوم حَتَّى الاربعاء. والمعنى: أن أضمن القوم فِي الاربعاء لأن الأربعاء يوم من الأيام، وليس بمشاكل للقوم فيعطف عليهم. والوجه الثاني أن يكون ما قبل حتى من الأسماء عددا يكثر ثُمَّ يأتي بعد ذلك الاسم الواحد أو القليل من الاسماء. فإذا كان كذلك فانظر إلى ما بعد حَتَّى فإن كانت الاسماء التي بعدها قد وقع عليها من الخفض والرفع والنصب ما قد وقع على ما قبل حَتَّى ففيها وجهان: الخفض والاتباع لما قبل حتى من ذلك: قد ضرب القوم حَتَّى كبيرهم، وحتى كبيرهم، وهو مفعول به، فِي الوجهين قد أصابه الضرب. وذلك أن إلى قد تحسن فيما قد أصابه الفعل، وفيما لم يصبه من ذلك أن تقول: أعتق عبيدك حَتَّى أكرمهم عليك. تريد: وأعتق أكرمهم عليك، فهذا مما يحسن فِيهِ إلى، وقد أصابه الفعل. وتقول فيما لا يحسن فِيهِ أن يصيب الفعل ما بعد حَتَّى: الأيام تصام كلها حَتَّى يوم الفطر وأيام التشريق. معناه يمسك عن هذه الأيام فلا تصام. وقد حسنت فيها إلى. والوجه الثالث أن يكون ما بعد حَتَّى لم يصبه شيء مما أصاب ما قبل حَتَّى فذلك خفض لا يجوز غيره كقولك: هُوَ يصوم النهار حَتَّى الليل، لا «3» يكون الليل إلا خفضا، وأكلت السمكة حَتَّى رأسها، إذا لم يؤكل الرأس لم يكن إلا خفضا.   (1) آية 43 سورة الذاريات. (2) آية 5 سورة القدر. (3) فى ش، ج: «ولا» . [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وأما قول الشاعر: فيا عجبا حَتَّى كليب تسبني ... كأن أباها نهشل أو مجاشع «1» فإن الرفع فِيهِ جيد وإن لم يكن قبله اسم لأن الاسماء التي تصلح بعد حَتَّى منفردة إنما تأتي من المواقيت كقولك: أقم حَتَّى الليل. ولا تقول أضرب حَتَّى زيدٍ لأنه ليس بوقت فلذلك لم يحسن إفراد زَيْدُ وأشباهه، فرفع بفعله، فكأنه قال: يا عجبا أتسبني اللئام حَتَّى يسبني كليبي «2» . فكأنه عطفه على نية أسماء قبله. والذين خفضوا توهموا فِي كليبٍ ما توهموا فِي المواقيت، وجعلوا الفعل كأنه مستأنف بعد كليبٍ كأنه قال: قد انتهى بي «3» الأمر إلى كليبٍ، فسكت، ثم قال: تسبنى. وقوله: يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ ... (205) تجعل «ما» فِي موضع نصب وتوقع عليها «يُنْفِقُونَ» ، ولا تنصبها ب (يسألونك) لأن المعنى: يسألونك أي شيء ينفقون. وإن شئت رفعتها من وجهين أحدهما أن تجعل «ذا» اسما يرفع ما، كأنك قلت: ما الَّذِي ينفقون. والعرب قد تذهب بهذا وذا إلى معنى الَّذِي فيقولون: ومن ذا يقول ذاك؟ فِي معنى: من الَّذِي يقول ذاك؟ وأنشدوا «4» : «5» عَدَسْ ما لعبادٍ عليكِ إمارة ... أمِنتِ وهذا تحملين طليق   (1) من قصيدة للفرزدق هجا بها جريرا. وكليب رهط جرير. ونهشل ومجاشع ابنا دارم بن مالك ابن حنظلة. ومجاشع قبيلة الفرزدق، وانظر الخزانة 3/ 169 (2) كذا فى ش، ج. والأنسب: «كليب» . (3) فى ش، ج: «فى» . (4) فى أ: «أنشدونا» . (5) عدس: اسم صوت لزجر البغل. وعباد هو ابن زياد. وهذا من شعر قاله يزيد بن مفرّغ الحميرى فى عباد. وكان يزيد قد أكثر من هجوه، حتى حبسه وضيق عليه، حتى خوطب فى أمره معاوية فأمر بإطلاق سراحه، فلما خرج من السجن قدّمت له بغلة فركبها فنفرت، فقال هذا الشعر. وانظر الخزانة 2/ 514. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 كأنه قَالَ: والذي تحملين طليق. والرفع الآخر أن تجعل كل استفهام أوقعت عليه فعلا بعده رفعا لأن الفعل لا يجوز تقديمه قبل الاستفهام، فجعلوه بمنزلة الَّذِي إذ لم يعمل فِيهِ «1» الفعل الَّذِي يكون بعدها. ألا ترى أنك تقول: الَّذِي ضربت أخوك، فيكون الَّذِي فِي موضع رفع بالأخ، ولا يقع الفعل الَّذِي يليها عليها. فإذا نويت ذلك رفعت قوله: قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ كما قال الشاعر: ألا تسألان المرء ماذا يحاول ... أنحب فيقضى أم ضلال وباطل «2» رفع النحب لأنه نوى أن يجعل «ما» فِي موضع رفع. ولو قال: أنحبا فيقضي أم ضلالا وباطلا كان أبين فِي كلام العرب. وأكثر العرب تقول: وأيهم لم أضرب وأيهم إلا قد ضربت رفعا للعلة من الاستئناف من حروف الاستفهام وألا يسبقها شيء. ومما يشبه الاستفهام مما يرفع إذا تأخر عَنْهُ الفعل الَّذِي يقع عليه قولهم: كل الناس ضربت. وذلك أن فِي (كل) مثل معنى هَلْ أحد [إلا] «3» ضربت، ومثل معنى أي رَجُل لم أضرب، وأي بلدة لم أدخل ألا ترى أنك إذا قلت: كل الناس ضربت كان فيها معنى: ما منهم أحد إلا قد ضربت، ومعنى أيهم لم أضرب. وأنشدني أَبُو ثروان: وقالوا تعرفها المنازل من منى ... وما كل من يغشى منى أَنَا عارف «4»   (1) فى الخزانة 2/ 557: «فيها» وهذا أولى لقوله: «بعدها» . (2) من قصيدة للبيد، ومنها البيت المشهور: ألا كل شىء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل وانظر الخزانة 2/ 556 (3) زيادة يقتضيها السياق. (4) لمزاحم العقيلىّ من قصيدة غزلية. وانظر الكتاب 1/ 36، 37، وشواهد المغنى للبغدادى 2/ 1075 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 رفعا، ولم أسمع أحدا نصب كل. قال: وأنشدونا: وما كلّ من يظّنّنى أنا معتب ... وما كل ما يروى على أقول «1» ولا تتوهم أنهم رفعوه بالفعل الَّذِي سبق أليه لانهم قد أنشدونا: قد عَلِقت أمُّ الْخِيَار تَدَّعِي ... عليَّ ذَنْبا كله لم أصنع «2» رفعا. وأنشدنى أبو الجرّاح: أرجزا تريد أم قريضا ... أم هكذا بينهما تعريضا كلاهما أجد مستريضا «3» فرفع كلا وبعدها (أجد) لأن المعنى: ما منهما واحد إلا أجده هينا مستريضا. ويدلك على أن فِيهِ ضمير جحد قول الشاعر: فكلهم حاشاك إلا وجدته ... كعين الكذوب جهدها واحتفالها   (1) «يظننى» : ينهمنى، من الاظنان، وهو افتعال من الظن، فأصله: اظتنان فأبدلت التاء ظاء وأدغمت فيها الظاء. و «معتب» أي مرضيه ومزيل ما يعتب علىّ فيه. والبيت ورد فى اللسان (ظن) غير معزوّ. (2) هذا الرجز لأبى النجم العجلىّ، وأم الخيار زوجه، وانظر الكتاب 1/ 44، والخزانة 1/ 173، ومعاهد التنصص فى الشاهدين 13، 25. (3) ينسب هذا الرجز إلى الأغلب العجلى. وهو راجز مخضرم، أدرك الإسلام فحسن إسلامه. ذكره فى الإصابة تحت رقم 223، وفيها أن عمر كتب إلى المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة أن يستنشد من قبله من الشعراء ما قالوه فى الإسلام، فلما سأل الأغلب ذلك قال هذا الرجز، وإن كان فى الإصابة فيه «قصيدا» بدل «قريضا» والشطر الثاني: لقد طلبت هينا موجودا وقال ابن برى- كما فى اللسان (روض) - «نسبه أبو حنيفة للأرقط. وزعم أن بعض الملوك أمره أن يقول فقال هذا الرجز» وأبو حنيفة هو الدينوري، والأرقط يريد حميدا الراجز. وقد جعل الرجز غير القريض وهو الشعر. وقوله: «تعريضا» أي غير بين فى أحد الضربين، من قولهم: عرض بالكلام إذا ورى فيه ولم يبنه. و «مستريضا» أي واسعا ممكنا. وقوله: «أجد» فى اللسان (راض) : «أجيد» . وانظر الهمع 1/ 97. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وقوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ ... (217) وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه «عن قتال فِيهِ» فخفضته على نية (عن) مضمرة. قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ففي الصد وجهان: إن شئت جعلته مردودا على الكبير، تريد: قل القتال فِيهِ كبير وصد عن سبيل اللَّه وكفر به. وإن شئت جعلت الصد كبيرا تريد: قل القتال فِيهِ كبير وكبير الصد عن سبيل اللَّه والكفر به. وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ مخفوض بقوله «1» : يسألونك عن القتال وعن المسجد. فقال الله تبارك وتعالى: وَإِخْراجُ أَهْلِهِ أهل المسجد مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ من القتال فِي الشهر الحرام. ثُمَّ فسر فقال تبارك وتعالى: وَالْفِتْنَةُ- يريد الشرك- أشد من القتال فِيهِ. وقوله: قُلِ الْعَفْوَ ... (219) وجه الكلام فِيهِ النصب، يريد: قل ينفقون العفو. وهو فضل المال [قد] «2» نسخته الزكاة [تقول: قد عفا] «3» . وقوله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى ... (220) يقال للغلام يتم ييتم يتمًا ويتمًا. قال: وحكى لى يتم ييتم. وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ترفع الإخوان على الضمير «4» (فهم) كأنك قلت (فهم إخوانكم) ولو نصبته كان صوابا يريد: فإخوانكم تخالطون، ومثله   (1) فى ش: «لقوله» . (2، 3) زيادة فى أ، والأنسب وصلها بقوله: وهو فضل المال. [ ..... ] (4) فى أ: «ضمير» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 «فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ» «1» ولو نصبت هاهنا على إضمار فعل (ادعوهم إخوانكم ومواليكم) «2» . وفي قراءة عَبْد اللَّه «إِن تعذبهم فعبادُكَ» وفي قراءتنا «فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ» «3» . وإنما يرفع من ذا ما كان اسما يحسن فِيهِ «هُوَ» مع المرفوع. فإذا لم يحسن فِيهِ «هُوَ» أجريته على ما قبله فقلت: إن اشتريت طعاما فجيدا، أي فاشتر الجيد، وإن لبست ثيابا فالبياض، تنصب لأن «هو» لا يحسن هاهنا، والمعنى فى هذين هاهنا مخالف للأول ألا ترى أنك تجد القوم إخوانا وإن جحدوا، ولا تجد كل ما يلبس بياضا، ولا كل ما يشترى جيدا. فإن نويت أن ما ولى شراءه فجيد رفعت إذا كان الرجل قد عرف بجودة الشراء وبلبوس البياض. وكذلك قول اللَّه «فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا» «4» نصب لأنه شيء ليس بدائم، ولا يصلح فِيهِ «هُوَ» ألا ترى أن المعنى: إن خفتم أن تصلوا قياما فصلوا رجالا أو ركبانا [رجالا يعني: رجالة] «5» فنصبا لانهما حالان للفعل لا يصلحان خبرا. وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ المعنى فِي مثله من الكلام: اللَّه يعلم أيهم يفسد وأيهم يصلح. فلو وضعت أيا أو من مكان الأوّل «6» رفعته، فقلت: أنا أعلم أيّهم قام من القاعة، قال [الفراء] «7» سمعت العرب تقول: ما يعرف أىّ من أىّ. وذلك أن (أىّ) و (من) استفهامان، والمفسد خبر. ومثله ما أبالي قيامك أو قعودك، ولو جعلت فِي الكلام استفهاما بطل الفعل عَنْهُ فقلت: ما أبالي أقائم أنت أم قاعد. ولو ألقيت الاستفهام اتصل الفعل بما قبله فانتصب. والاستفهام كله منقطع مما قبله لخلقة الابتداء به.   (1) آية 5 سورة الأحزاب. (2) جواب لو محذوف تقديره: كان صوابا. (3) آية 118 سورة المائدة. (4) آية 239 سورة البقرة. (5) زيادة فى أ. (6) يريد بالأوّل الذي يلى مادة العلم. (7) زيادة فى أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وقوله: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ... (220) يقال: قد عنت الرجل عنتا، وأعنته اللَّه إعناتا. وقوله: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ... (221) يريد: لا تزوجوا. والقراء على هذا. ولو كانت: ولا تنكحوا المشركات أي لا تروّجوهن المسلمين كان صوابا. ويقال: نكحها نكحا ونكاحا. وقوله: وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ... (221) كقوله: وإن أعجبتكم. ولو وإن متقاربان فِي المعنى. ولذلك جاز أن يجازى «1» لو بجواب إن، وإن بجواب لو فِي قوله: «وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ» «2» . وقوله: «فَرَأَوْهُ» يعنى بالهاء الزّرع. وقوله: حَتَّى يَطْهُرْنَ ... (222) بالياء. وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه إن شاء اللَّه «يتطهرن» بالتاء، والقراء بعد يقرءون «حتى يطهرن، ويطهرن» [يطهرن] «3» : ينقطع عنهن الدم، ويتطهرن: يغتسلن بالماء. وهو أحب الوجهين إلينا: يطهرن. فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ولم يقل: فِي حيث، وهو الفرج. وإنما قال: من حيث كما تقول للرجل: ايْت زيدا من مأتاه أي من الوجه الَّذِي يؤتى منه. فلو ظهر الفرج ولم يكن عَنْهُ قلت فِي الكلام: ايْت المرأة فِي فرجها. فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ يقال: ايت الفرج من حيث شئت.   (1) فى أ: «يجاب» . (2) آية 51 سورة الروم. (3) زيادة يقتضيها للسياق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وقوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ... (223) [أي] «1» كيف شئتم. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي شَيْخٌ عَنْ مَيْمُونِ «2» بْنِ مِهْرَانَ قَالَ قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْيَهُودَ تَزْعُمُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَتَى امْرَأَتَهُ مِنْ وَرَائِهَا فِي قُبُلِهَا خَرَجَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ. قَالَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَذَبَتْ يَهُودُ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ يقول: ايت الْفَرْجَ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ «3» . وقوله: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا ... (224) يقول: لا تجعلوا الحلف بالله مانعا معترضا أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ يقول: لا يمتنعن أحدكم أن يبر ليمين إنّ حلف عليها، ولكن ليكفر يمينه ويات الذي هو خير. وقوله: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ... (225) فِيهِ قولان. يقال: هُوَ «4» مما جرى فِي الكلام من قولهم: لا والله، وبلى والله. والقول الآخر: الإيمَان أربع. فيمينان فيهما الكفارة والاستغفار، وهو قولك: والله لا أفعل، ثُمَّ تفعل، وو الله لافعلن ثُمَّ لا تفعل. ففي هاتين الكفارة والاستغفار [لأن الفعل فيهما مستقبل] «5» . واللتان فيهما الاستغفار ولا كفّارة فيهما قولك: والله ما فعلت وقد فعلت، وقولك: والله لقد فعلت ولم تفعل. فيقال هاتان لغو إذ لم تكن فيهما كفارة. وكان القول الأول- وهو قول عَائِشَةَ: إن اللغو ما يجرى فِي الكلام على غير عقد- أشبه بكلام العرب.   (1) زيادة فى أ. (2) فى أ: «منصور» والصواب ما أثبت تبعا لما فى ش. وميمون بن مهران الرقىّ يروى عن ابن عباس وأبى هريرة، ماتت سنة 117. وانظر الخلاصة. (3) الظاهر أن هذا نهاية كلام ابن عباس. [ ..... ] (4) فى ش: «وهو» . (5) زيادة فى ش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وقوله: تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ... (226) التربّص إلى الأربعة. وعليه القرّاء. ولو قيل فِي مثله من الكلام: تربص أربعة أشهر كان صوابا كما قرءوا «أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ» «1» وكما قَالَ «أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً» «2» والمعنى تكفتهم «3» أحياء وأمواتا. ولو قيل فِي مثله من الكلام: كفات أحياءٍ وأمواتٍ كان صوابا. ولو قيل: تربص: أربعة أشهر كما يقال فِي الكلام: بيني وبينك سير طويل: شهر أو شهران تجعل السير هُوَ الشهر، والتربص هُوَ الاربعة «4» . ومثله «فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ» «5» وأربع شهادات. ومثله «فَجَزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ» «6» فمن رفع (مثل) فإنه أراد: فجزاؤه مثل ما قتل. قال: وكذلك رأيتها فِي مصحف عَبْد اللَّه «فَجَزاؤُهُ» بالهاء، ومن نصب (مثل) أراد: فعليه أن يجزى مثل ما قتل من النعم. فَإِنْ فاؤُ يقال: قد فاءوا يفيئون فيئا وفيوءا. والفيء: أن يرجع إلى أهله فيجامع. وقوله: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ... (228) وفي قراءة عَبْد اللَّه «بردتهن» . وقوله: إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ ... (229) وفي قراءة عَبْد اللَّه «إلا أن تخافوا» فقرأها حمزة على هذا المعنى «إِلَّا أَنْ يَخافا» ولا يعجبني ذلك. وقرأها بعض «7» أهل المدينة كما قرأها حمزة. وهي فِي قراءة أبيّ   (1) آيتا 14، 15 سورة البلد. (2) آيتا 25، 26 سورة المرسلات. (3) فى أ: «تكفتهما» . (4) جواب لو حذف أي جاز مثلا. ويكثر من المؤلف هذا. (5) فى آية 6 سورة النور. (6) آية 95 سورة المائدة. (7) هو أبو جعفر يزيد بن القعقاع أحد القراء العشرة، وانظر البحر 2/ 197. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 «إلا أن يظنا ألا يقيما حدود اللَّه» والخوف والظن متقاربان فِي كلام العرب. من «1» ذلك أن الرجل يقول: قد خرج عبدك بغير إذنك، فتقول أنت: قد ظننت ذاك، وخفت ذاك، والمعنى واحد. وقال الشاعر: أتاني كلام عن نصيب يقوله ... وما خفت يا سلام أنك عائبي «2» وقال الآخر: إذا مت فادفني إلى جنب كرمه ... تروى عظامي بعد موتى عروقها [ولا تدفنني فِي الفلاة فإنني ... أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها] «3» والخوف فِي هذا الموضع كالظن. لذلك رفع «أذوقها» كما رفعوا «4» «وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ» «5» وقد روى عَنْهُ صلى اللَّه عليه وسلم (أمرت بالسواك «6» حَتَّى خفت لأدْرَدَنَّ «7» ) كما تقول: ظن ليذهبن. وأما ما قال حمزة فإنه إنّ كان أراد اعتبار قراءة عَبْد اللَّه فلم يصبه- والله أعلم- لأن الخوف إنما وقع على (أن) وحدها إذ قال: ألا يخافوا أن لا، وحمزة قد أوقع الخوف على الرجل والمرأة وعلى أن «8» ألا ترى أن اسمهما فِي الخوف مرفوع بما لم يسم فاعله. فلو أراد ألا يخافا على هذا، أو يخافا بذا، أو من ذا، فيكون على غير   (1) فى ش، ج: «فى» وهو تحريف. (2) كذا فى ش. وفى ج «عاينى» . (3) سقط هذا البيت فى ش، ج، ولا بد منه لأنه موضع الشاهد. وهما لأبى محجن الثقفي. (4) أي القراء. (5) آية 71 سورة المائدة. [ ..... ] (6) فى ج: «بالسؤال» وما هنا عن ش. ويبدو فيه أثر الإصلاح. (7) الدرد: ذهاب الأسنان. ولفظ الحديث فى الجامع الصغير: «أمرت بالسواك حتى خفت على أسنانى» . (8) يريد أنه على قراءة حمزة (يخافا ألا يقيما) ببناء الفعل للمفعول يكون الفعل قد عمل فى نائب الفاعل: وفى أن ومعمولها، وكأن الفعل قد عمل فى أكثر من معمول واحد الرفع، وهذا غير مألوف إلا على وجه التبعية. والنحويون يصححون هذا الوجه بأن يكون (ألا يقيما) بدل اشتمال من نائب الفاعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 اعتبار قول عَبْد اللَّه [كان] «1» جائزا كما تقول للرجل: تخاف لأنك خبيث، وبأنك، وعلى أنك .... وقوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما يقال كيف قال: فلا جناح عليهما، وإنما الجناح- فيما يذهب إليه الناس- على الزوج لأنه أخذ ما أعطى؟ ففي ذلك وجهان: أن يراد الزوج دون المرأة، وإن كانا قد ذكرا جميعا فى «2» سورة الرحمن «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ» «3» وإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح لا من العذب. ومنه «نَسِيا حُوتَهُما» «4» وإنما الناسي صاحب مُوسَى وحده. ومثله فِي الكلام أن تقول: عندي دابتان أركبهما وأستقي عليهما، وإنما يركب إحداهما ويستقى على الأخرى وقد يمكن أن يكونا جميعا تركبان ويستقى عليهما. وهذا من سعة العربية التي يحتج بسعتها. ومثله من كتاب اللَّه «وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ» «5» فيستقيم فِي الكلام أن تقول: قد جعل اللَّه لنا ليلا ونهارا نتعيش فيهما وننام فيهما. وإن شئت ذهبت بالنوم إلى الليل وبالتعيش إلى النهار. والوجه الآخر أن يشتركا جميعا فِي ألا يكون عليهما جناح إذ كانت تعطي ما قد نفى عن الزوج فِيهِ الإثم، أشركت فِيهِ لأنها إذا أعطت ما يطرح فيه المأثم احتاجت هِيَ إلى مثل ذلك. ومثله قول اللَّه تبارك وتعالى: «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» «6» وإنما موضع طرح الإثم فِي المتعجل، فجعل   (1) زيادة يقتضيها السياق. (2) هذا استئناف كلام لذكر نظير لما سلف. وفى الطبري: «كما قال فى سورة ... » . (3) آية 22 سورة الرحمن. (4) آية 61 سورة الكهف. (5) آية 73 سورة القصص. (6) آية 203 سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 للمتأخر- وهو الَّذِي لم يقصر- مثل ما جعل على المقصر. ومثله فِي الكلام قولك: إن تصدقت سرا فحسن [وإن تصدقت جهرا فحسن] «1» . وفي قوله «وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» وجه آخر وذلك أن يريد: لا يقولن هذا المتعجل للمتأخر: أنت مقصر، ولا المتأخر للمتعجل مثل ذلك، فيكون قوله «فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» أي فلا يؤثمن أحدهما صاحبه. وقوله: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا يريد: فلا جناح عليهما فِي أن يتراجعا «2» ، (أن) فِي موضع نصب إذا نزعت الصفة «3» ، كأنك قلت: فلا جناح عليهما أن يراجعها، قال وكان الكسائي يقول: موضعه خفض. قال الفراء: ولا أعرف ذلك. وقوله إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما (أن) فِي موضع نصب لوقوع الظن عليها. وقوله: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا (231) كان الرجل منهم إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثانية. وكان إذا أراد أن يضر بها تركها حَتَّى تحيض الحيضة الثالثة ثُمَّ يراجعها، ويفعل ذلك فِي التطليقة الثانية. فتطويله لرجعتها هو الضرار بها. وقوله: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ (232) يقول: فلا تضيقوا عليهن أن يراجعن أزواجهن بمهر جديد إذا بانت إحداهن من زوجها، وكانت هذه أخت معقل، أرادت أن تزوج زوجها الأوّل بعد ما انقضت عدتها فقال معقل لها: وجهي من وجهك حرام إن راجعته، فأنزل اللَّه عز وجل: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ.   (1) زيادة يقتضيها السياق. (2) كذا فى ج. وفى ش: «يراجعا» . (3) يريد بها حرف الجرّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وقوله ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ ولم يقل: ذلكم، وكلاهما صواب. وإنما جاز أن يخاطب القوم «بذلك» لأنه حرف قد كثر فِي الكلام حَتَّى توهم بالكاف أنها (من الحرف) «1» وليست بخطاب. ومن قال «ذلِكَ» جعل الكاف منصوبة «2» وإن خاطب امْرَأَة أو امرأتين أو نسوة. ومن قال «ذلكم» أسقط التوهم، فقال إذا خاطب الواحد: ما فعل ذلك الرجل، وذانك الرجلان، وأولئك الرجال. [و] «3» يقاس على هذا ما ورد. ولا يجوز أن تقول فِي سائر الاسماء إذا خاطبت إلا بإخراج «4» المخاطب فِي الاثنين والجميع والمؤنث كقولك للمرأة: غلامك فعل ذلك لا يجوز نصب الكاف ولا توحيدها فِي الغلام لأن الكاف هاهنا لا يتوهم أنها من الغلام. ويجوز أن تقول: غلامك فعل ذاك وذاك، على ما فسرت لك: من الذهاب بالكاف إلى أنها من الاسم. وقوله: الرَّضاعَةَ (233) القراء تقرأ بفتح الراء. وزعم الكسائي أن من العرب من يقول: الرضاعة بالكسر. فإن كانت فهي بمنزلة الوكالة والوكالة، والدلالة والدلالة، ومهرت «5» الشيء مهارة ومهارة والرضاع والرضاع فِيهِ مثل ذلك إلا أن فتح الراء أكثر، ومثله الحصاد والحصاد. وقوله لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها يريد: لا تضارر «6» ، وهو فِي موضع جزم. والكسر فِيهِ جائز «لا تُضَارَّ والِدَةٌ» ولا يجوز رفع الراء على نية الجزم، ولكن يرفعه على   (1) أي جزء من الكلمة التي تلحق بها وهى اسم الإشارة كذا وفروعها. ولا يريد بالحرف ما قابل الاسم. (2) أي مفتوحة. [ ..... ] (3) زيادة يسيغها السياق. (4) أي ذكره وإيراده. (5) أي حذفته. ويقال أيضا: مهر فيه. (6) فى ش، ج: «تضارّوهم» ويبدو أنه تحريف عما أثبتنا. وفى الطبري: «قرأ عامة قرّاء أهل الحجاز والكوفة والشام (لا تضارّ) بفتح الراء بتأويل لا تضارر على وجه النهى، وموضعه إذا قرى كذلك جزم ... » . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 الخبر. وأما قوله «وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً» «1» فقد يجوز أن يكون رفعا على نية الجزم لأن الراء الأولى مرفوعة فِي الاصل، فجاز رفع الثانية عليها، ولم يجز (لا تضارّ) بالرفع لأن الراء إن كانت تفاعل فهي مفتوحة، وإن كانت تفاعل فهى مكسورة. فليس يأتيها الرفع إلا أن تكون فِي معنى رفع. وقد قرأ عُمَر بْن الخطاب «ولا يضارر كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ» . ومعنى لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها يقول: لا ينزعن ولدها منها وهي صحيحة لها لبن فيدفع إلى غيرها. «وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ» يعني الزوج. يقول: إذا أرضعت صبيها وألفها وعرفها فلا تضارن «2» الزوج فِي دفع ولده إليه. وقوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ (234) يقال: كيف صار الخبر عن النساء ولا خبر للأزواج، وكان ينبغي أن يكون الخبر عن الَّذِينَ؟ فذلك جائز إذا ذكرت أسماء ثُمَّ ذكرت أسماء مضافة إليها فيها معنى الخبر أن تترك الأول ويكون الخبر عن المضاف إليه. فهذا من ذلك لأن المعنى- والله أعلم- إنما أريد به: ومن مات عَنْهَا زوجها تربصت. فترك الأول بلا خبر، وقصد الثاني لأن فِيهِ الخبر والمعنى. قَالَ: وأنشدني بعضهم: بني أسد إن ابن قيس وقتله ... بغير دم دار المذلة حلت «3» فألقى (ابن قيس) وأخبر عن قتله أنه ذل. ومثله: لعلى إن مالت بي الريح ميلة ... على ابن أبى ذبّان أن يتندّما «4»   (1) آية 120 سورة آل عمران. (2) فى ش: «تضارون» وهو تحريف. (3) فى ج: «خلت» بدل «حلت» . وكأنه يريد: إن قتله دار المذلة حلت له، فجملة «حلت» خبر «دار المذلة» والرابط محذوف. (4) أبو ذبان كنية عبد الملك بن مروان، كنى بذلك لبخر كان به من أثر فساد كان فى فمه. ويعنى الشاعر بابنه هشام بن عبد الملك. وانظر اللسان (ذنب) ، والحيوان 3/ 381. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 فقال: لعلى ثُمَّ قال: أن يتندما لأن المعنى: لعل ابن أَبِي ذبان أن يتندم إن مالت بي الريح. ومثله قوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ «1» إلا أن الهاء من قوله وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ رجعت على (الذين) فكان الإعراب فيها أبين لأن العائد من الذكر قد يكون خبرا كقولك: عَبْد اللَّه ضربته. وقال: وَعَشْراً ولم يقل: «عشرة» وذلك أن العرب إذا أبهمت العدد من الليالي والأيام غلبوا عليه الليالي حَتَّى إنهم ليقولون: قد صمنا عشرا من شهر رمضان- لكثرة تغليبهم الليالي على الأيام. فإذا أظهروا مع العدد تفسيره كانت الإناث بطرح الهاء، والدّكران بالهاء كما قال اللَّه تبارك وتعالى: «سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً» «2» فأدخل الهاء فِي الأيام حين ظهرت، ولم تدخل فِي «3» الليالي حين ظهرن. وإن جعلت العدد غير متّصل بالأيام كما يتصل الخافض بما بعده غلبت الليالي أيضا على الأيام. فإن اختلطا فكانت ليالي وأياما غلبت التأنيث، فقلت: مضى له سبع، ثُمَّ تقول بعد: أيام فيها برد شديد. وأما المختلط فقول الشاعر «4» : أقامت ثلاثا بين يوم وليلة ... وكان النكير أن تضيف وتجارا فقال: ثلاثا وفيها أيام. وأنت تقول: عندي ثلاثة بين غلام وجارية، ولا يجوز هاهنا ثلاث لأن الليالي من الأيام تغلب الأيام. ومثل ذلك فى الكلام أن تقول:   (1) آية 240 سورة البقرة. (2) آية 7 سورة الحاقة: (3) سقط فى ج. (4) هو النابغة الجعدي. والبيت من قصيدة مدح فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأوّلها: خليلى عوجا ساعة وتهجرا ... ولو ما على ما أحدث الدهر أو ذرا وقد وصف فى البيت الشاهد بقرة وحشية أكل السبع ولدها، فأقامت ثلاثة أيام تطلبه حتى وجدت شلوه وبقيته فأضافت أي حزنت وأشفقت أو ضافت أي تردّدت وذهبت هنا وهنا لا تلوى على شىء من فرط أساها، وحأرت وصاحت وكان هذا كل ما وسعها، ولم يكن لها نكير ما أصابها غير ما ذكر. وتضيف بضم التاء من أضاف، أو بفتحها من ضاف. وانظر شواهد العيني على هامش الخزانة 2/ 193 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 عندي عشر من الإبل وإن عنيت أجمالا، وعشر من الغنم والبقر. وكل جمع كان واحدته بالهاء وجمعه بطرح الهاء، مثل البقر واحدته بقرة، فتقول: عندي عشر من البقر وإن نويت ذكرانا. فإذا اختلطا وكان المفسر من النوعين قبل صاحبه أجريت العدد فقلت: عندي خمس عشرة ناقة وجملا، فأنثت لأنك بدأت بالناقة فغلبتها. وإن بدأت بالجمل قلت: عندى خمسة عشر جملا وناقة. فإن قلت: بين ناقة وجمل فلم تكن مفسرة غلبت التأنيث، ولم تبال أبدأت بالجمل أو بالناقة فقلت: عندي خمس عشرة بين جمل وناقة. ولا يجوز أن تقول: عندي خمس عشرة أمة وعبدا، ولا بين أمة وعبد إلا بالتذكير لأن الذكران من غير ما ذكرت لك لا يجتزأ منها بالإناث، ولأن الذكر منها موسوم بغير سمة الأنثى، والغنم والبقر يقع على ذكرها وأنثاها شاة وبقرة، فيجوز تأنيث المذكر لهذه الهاء التي لزمت المذكر والمؤنث. وقوله مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ الخطبة مصدر بمنزلة الخطب، وهو مثل قولك: إنه لحسن القعدة والجلسة يريد القعود والجلوس، والخطبة مثل الرسالة التي لها أول وأخر، قال: سمعت بعض العرب [يقول] «1» : اللهم ارفع عنا هذه الضغطة، كأنه ذهب إلى أن لها أولا وآخرا، ولو أراد مرة لقال: الضغطة، ولو أراد الفعل لقال الضغطة كما قال المشية. وسمعت آخر يقول: غلبني [فلان] «2» على قطعة لى من أرضى يريد أرضا مفروزة مثل القطعة لم تقسم، فإذا أردت أنها قطعة من شيء [قطع منه] «3» قلت: قطعة. وقوله: أَوْ أَكْنَنْتُمْ للعرب فِي أكننت الشيء إذا سترته لغتان «4» : كننته وأكننته، قال: وأنشدوني «5» قول الشاعر: ثلاث من ثلاث قدامياتٍ ... من اللاتي تكن من الصقيع   (1) زيادة فى اللسان (خطب) . (2، 3) زيادة فى اللسان (قطع) . [ ..... ] (4) كذا فى اللسان (كنن) . وفى الأصول: «إذا سرّته لغتان» . (5) كذا فى اللسان. وفى الأصول: «أنشدنى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وبعضهم [يرويه] «1» تكن من أكننت. وأما قوله: «لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ» و «بَيْضٌ مَكْنُونٌ» فكأنه مذهب للشيء يصان، وإحداهما قريبة من الأخرى. وقوله: وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا يقول: لا يصفنَّ أحدكم نفسه فِي عدتها بالرغبة فِي النكاح والإكثار منه. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي حِبَّانُ «2» عَنِ الْكَلْبِيِّ «3» عَنْ أَبِي «4» صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: السِّرُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ النِّكَاحُ. وَأَنْشَدَ عَنْهُ بَيْتَ امْرِئِ الْقَيْسِ: أَلا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْيَوْمَ أَنَّنِي ... كَبِرْتُ وَأَلا يَشْهَدَ السِّرَّ أَمْثَالِي «5» قَالَ الفراء: وَيَرَى أَنَّهُ مِمَّا كَنَّى اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ» «6» . قوله: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ... (236) بالرفع. ولو نصب كان صوابا على تكرير الفعل على النية، أي ليعط الموسع قدره، والمقتر قدره. وهو مثل قول العرب: أخذت صدقاتهم، لكل أربعين شاةً شاة ولو نصبت الشاة الآخرة كان صوابا.   (1) زيادة فى اللسان. (2) يبدو أنه حبان بن على العنزي الكوفي. كان وجها من وجوه أهل الكوفة، وكان فقيها. وتوفى بالكوفة سنة 171، وانظر تهذيب التهذيب. (3) هو أبو النضر محمد بن السائب الكوفىّ. توفى سنة 146، وانظر الخلاصة. (4) هو باذام مولى أم هانئ. وانظر الخلاصة. (5) من قصيدته التي أوّلها: ألا عم صباحا أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان فى العصر الخالي وبسبّاسة امرأة من بنى أسد. ويروى «اللهو» فى مكان «السر» ، وانظر الخزانة 1/ 28 (6) الغائط فى أصل اللغة: المطمئن الواسع من الأرض، ويكنى به عن العذرة لأنهم كانوا إذا أرادوا قضاء الحاجة أتوا الغائط من الأرض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وقوله مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ منصوب خارجا «1» من القدر لأنه نكرة والقدر معرفة. وإن شئت كان خارجا «2» من قوله «مَتِّعُوهُنَّ» متاعا ومتعة. فأمّا حَقًّا فإنه نصب من نية «3» الخبر لا أنه من نعت المتاع. وهو كقولك فِي الكلام: عَبْد اللَّه فِي الدار حقا. إنما نصب الحق من نية كلام المخبر كأنه قال: أخبركم خبرا حقا، وبذلك حقا وقبيح أن تجعله تابعا للمعرفات أو للنكرات لأن الحق والباطل لا يكونان فِي أنفس الاسماء إنما يأتي بالإخبار «4» . من ذلك أن تقول: لي عليك المال حقا، وقبيح أن تقول: لي عليك المال الحق، أو: لي عليك مال حقّ، إلا أن تذهب به إلى أنه حق لي عليك، فتخرجه مخرج المال لا على مذهب الخبر. وكل ما كان فِي القرآن مما فِيهِ من نكرات الحق أو معرفته أو ما كان فِي معنى الحق فوجه الكلام فِيهِ النصب مثل قوله «وَعْدَ الْحَقِّ» «5» و «وَعْدَ الصِّدْقِ» «6» ومثل قوله «إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا» «7» هذا على تفسير الأوّل. وأمّا قوله «هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ» «8» فالنصب فِي الحق جائز يريد حقا، أي أخبركم أن ذلك حق. وإن شئت خفضت الحق، تجعله من صفة اللَّه تبارك وتعالى. وإن شئت رفعته فتجعله من صفة الولاية. وكذلك قوله «وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ» «9» تجعله من صفة اللَّه عز وجل. ولو نصبت كان صوابا، ولو رفع على نية الاستئناف كان صوابا كما قال «الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ   (1) يريد أنه حال من «قدره» . (2) يريد أنه مفعول مطلق. (3) يوافق هذا قولهم: إنه مفعول مطلق مؤكد للجملة السابقة. (4) كذا فى ش. وفى ج: «بأخبار» . (5) آية 22 سورة إبراهيم. (6) آية 16 سورة الأحقاف. [ ..... ] (7) آية 4 سورة يونس. (8) آية 44 سورة الكهف. (9) آية 30 سورة يونس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ» «1» وأنت قائل إذا سمعت رجلا يحدث: [حقا أي] «2» قلت حقا، والحق، أي ذلك الحق. وأما قوله فِي ص: «قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ» «3» فإن الفرّاء قد رفعت الأول ونصبته. وروى عن مجاهد وابن عَبَّاس أنهما رفعا الأول وقالا تفسيره: الحق مني، وأقول الحق فينصبان الثاني ب «أقول» . ونصبهما جميعا كثير منهم فجعلوا الأول على معنى: والحقّ «4» «لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ» وينصب الثاني بوقوع القول عليه. وقوله «ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ» «5» رفعه حَمْزَةُ والكسائي، وجعلا الحق هُوَ اللَّه تبارك وتعالى لأنها فِي حرف عَبْد اللَّه «ذلك عيسى ابن مريم قَالَ اللَّه» كقولك: كلمة اللَّه، فيجعلون (قال) بمنزلة القول كما قَالُوا: العاب والعيب. وقد نصبه قوم يريدون: ذلك عِيسَى بْن مريم قولا حقا. وقوله: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ... (237) تماسوهن وتمسوهن واحد، وهو الجماع المماسة والمس. وإنما قال إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ بالنون لأنه فعل النسوة، وفعل النسوة بالنون فِي كل حال. يقال: هن يضربن، ولم يضربن، ولن يضربن لأنك لو أسقطت النون منهن للنصب أو الجزم لم يستبن لهن تأنيث. وإنما قَالَتِ العرب «لن يعفوا» للقوم، و «لن يعفوا» للرجلين لانهم زادوا للاثنين فِي الفعل ألفا ونونا، فإذا أسقطوا نون الاثنين للجزم أو للنصب دلت الألف على الاثنين. وكذلك واو يفعلون تدل على الجمع إذا أسقطت النون جزما أو نصبا. أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وهو الزوج.   (1) آية 147 سورة البقرة. (2) زيادة اقتضاها السياق خلت منها الأصول. (3) آية 84. (4) ونصبه على طرح الخافض على نية القسم أي بالحق. (5) آية 34 سورة مريم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وقوله: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ... (238) فِي قراءة عَبْد اللَّه «وعلى الصلاة الوسطى» فلذلك آثرت القراء الخفض، ولو نصب على الحث عليها بفعل مضمر لكان وجها حسنا. وهو كقولك فِي الكلام: عليك بقرابتك والأم، فخصها بالبر. وقوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً (240) وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «كتب عليهم الوصية لأزواجهم» «1» وفي قراءة أبي: «يتوفون منكم ويذرون أزواجا فمتاع لأزواجهم» فهذه حجة لرفع الوصية. وقد نصبها قوم منهم حمزة على إضمار فعل كأنه أمر أي ليوصوا لأزواجهم وصيةً. ولا يكون نصبا فى إيقاع «وَيَذَرُونَ» عليه. غَيْرَ إِخْراجٍ يقول: من غير أن تخرجوهن ومثله فِي الكلام: أتيتك «2» رغبة إليك. ومثله: «وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ» «3» لو ألقيت «مِنْ» لقلت: غير سوء. والسوء هاهنا البرص. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ، قَالَ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ «4» عَنْ يَزِيدَ «5» بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مِقْسَمٍ «6» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ كَأَنَّهُ قَالَ: تخرج بيضاء غير برصاء.   (1) فى الأصلين: «عليكم الوصية لأزواجكم» وهو لا يتفق مع السياق. (2) يريد أنه يستوى فى هذا المثال إظهار الحرف وحذفه. تقول أتيتك رغبة إليك، وللرغبة إليك. وكذلك ما فى الآية: يستوى أن يقال: غير إخراج ومن غير إخراج. (3) آية 12 سورة النمل. (4) هو شريك بن عبد الله الكوفىّ. مات سنة 177. خلاصة. (5) كان من أئمة الشيعة الكبار. يروى عن مولاه عبد الله بن الحارث مولى مقسم. كانت وفاته سنة 137 هـ. (6) هو مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل. توفى سنة 101 هـ[ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وقوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ (245) تقرأ بالرفع والنصب. فمن رفع جعل الفاء منسوقة على صلة (الَّذِي) ، ومن نصب أخرجها من الصلة وجعلها جوابا ل (من) لأنها استفهام، والذي فِي الحديد «1» مثلها. وقوله: ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... (246) (نقاتل) مجزومة لا يجوز رفعها. فإن قرئت بالياء «يقاتل» جاز رفعها وجزمها. فأما الجزم فعلى المجازاة بالأمر، وأما الرفع فأن تجعل (يقاتل) صلة للملك كأنك قلت: ابعث لنا الَّذِي يقاتل. فإذا رَأَيْت بعد الأمر اسما نكرة بعده فعل يرجع بذكره أو يصلح فِي ذلك الفعل إضمار الاسم، جاز فِيهِ الرفع والجزم تقول فِي الكلام: علمني علما أنتفع به، كأنك قلت: علمني الَّذِي أنتفع به، وإن جزمت (أنتفع) على أن تجعلها شرطا للأمر وكأنك لم تذكر العلم جاز ذلك. فإن ألقيت «به» لم يكن إلا جزما لأن الضمير لا يجوز فى (أنتفع) ألا ترى أنك لا تقول: علمني علما أنتفعه. فإن قلت: فهلا رفعت وأنت تريد إضمار (به) ؟ قلت: لا يجوز إضمار حرفين، فلذلك لم يجز فى قوله (نقاتل) إلا الجزم. ومثله «اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ» «2» لا يجوز إلا الجزم لأن «يَخْلُ» لم يعد بذكر الأرض. ولو كان «أرضا تخل لكم» جاز الرفع والجزم كما قال: «رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ» «3» ، وكما قال اللَّه تبارك وتعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ   (1) آية 11 (2) آية 9 سورة يوسف. (3) آية 129 سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ» «1» ولو كان جزما كان صوابا لأن فِي قراءة عَبْد اللَّه: «أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُنْ لَنَا عِيدًا» «2» وفي قراءتنا بالواو «تكون» . ومنه ما يكون الجزم فِيهِ أحسن وذلك بأن يكون الفعل الَّذِي قد يجزم ويرفع فِي آية، والاسم الَّذِي يكون الفعل صلة له فِي الآية التي قبله، فيحسن الجزم لانقطاع الاسم من صلته من ذلك: «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي» «3» جزمه يحيى ابن وثاب والاعمش- ورفعه حمزة «يَرِثُنِي» لهذه العلة، وبعض القراء رفعه أيضا- لمّا كانت (وليا) رأس آية انقطع منها قوله (يرثنى) ، فحسن الجزم. ومن ذلك قوله: «وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ. يَأْتُوكَ» «4» على الجزم. ولو كانت رفعا على صلة «الحاشرين» قلت: يأتوك. فإذا كان الاسم الَّذِي بعده فعل معرفة يرجع بذكره، مما جاز فِي نكرته وجهان جزمت فقلت: ابعث إلى أخاك يصب خيرا، لم يكن إلا جزما لأن الأخ معرفة والمعرفة لا توصل. ومنه قوله: «أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ» «5» الهاء معرفة و «غَداً» معرفة فليس فِيهِ إلا الجزم، ومثل قوله: «قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ» «6» جزم لا غير. ومن هذا نوع إذا كان بعد معرفته فعل لها جاز فِيهِ الرفع والجزم مثل قوله: «فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ» «7» وقوله: «ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا» «8» ولو كان رفعا لكان صوابا كما قال تبارك وتعالى: «ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ» «9» ولم يقل: يلعبوا. فأمّا رفعه فأن تجعل «يَلْعَبُونَ» فِي موضع نصب كأنك قلت فِي الكلام: ذرهم   (1) آية 103 سورة التوبة. (2) آية 114 سورة المائدة. (3) آيتا 5 و 6 سورة مريم. (4) آيتا 36، 37 سورة الشعراء. (5) آية 12 سورة يوسف. (6) آية 14 سورة التوبة. (7) آية 64 سورة هود. (8) آية 3 سورة الحجر. (9) آية 91 سورة الأنعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 لاعبين. وكذلك دعهم وخلّهم واتركهم. وكل فعل صلح أن يقع «1» على اسم معرفة وعلى فعله ففيه هذان الوجهان، والجزم فِيهِ وجه الكلام لأن الشرط يحسن فِيهِ، ولأن الأمر فِيهِ سهل، ألا ترى أنك تقول: قل له فليقم معك. فإن رَأَيْت الفعل الثاني يحسن فِيهِ محنة «2» الأمر ففيه الوجهان بمذهب كالواحد، وفي إحدى القراءتين: «ذَرْهُمْ يأكلون ويتمتّعون ويلهيهم الأَمَلُ» «3» . وفيه «4» وجه آخر يحسن فِي الفعل الأوّل. من ذلك: أوصه يأت زيدا، أومره، أو أرسل «5» إليه. فهذا يذهب إلى مذهب القول، ويكون جزمه على شبيه بأمر ينوى له مجددا. وإنما يجزم على أنه شرط لأوله. من ذلك قولك: مر عَبْد اللَّه يذهب معنا ألا ترى أن القول يصلح أن يوضع فِي موضع (مر) ، وقال اللَّه تبارك وتعالى: «قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ» » ف «يَغْفِرُوا» فِي موضع جزم، والتأويل- والله أعلم-: قل للذين آمنوا اغفروا، على أنه شرط للامر فيه تأويل الحكاية. ومثله: «قُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» «7» فتجزمه بالشرط «قل» ، وقال قوم: بنية الأمر فِي هذه الحروف: من القول والأمر والوصية. قيل لهم: إن كان جزم على الحكاية فينبغي لكم أن تقولوا للرجل فِي وجهه: قلت لك تقم، وينبغي أن تقول: أمرتك تذهب معنا، فهذا دليل على أنه شرط للأمر. فإن قلت: فقد قال الشاعر: فلا تستطل مني بقائي ومدتي ... ولكن يكن للخير فيك نصيب «8»   (1) وذلك كالأمثلة السابقة نحو دع محمدا يأكل، فكلمة (دع) وقعت على المعرفة (محمد) وعلى فعله وهو (يأكل) وهو فعل محمد. (2) المحنة: الاختبار، وهو اسم من الامتحان. [ ..... ] (3) آية 3 سورة الحجر. (4) كذا فى ش. وفى ج: «منه» . (5) فى الأصول: «فأرسل» . (6) آية 14 سورة الجاثية. (7) آية 53 سورة الإسراء. (8) قال البغدادي فى شرح شواهد المغني 2/ 117 «خاطب هذا الشاعر ابنه بهذا البيت لما سمع أنه يتمنى موته. ولم أقف على قائله» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 قلت: هذا مجزوم بنية الأمر لأن أول الكلام نهي، وقوله (ولكن) نسق وليست بجواب. فأراد: ولكن ليكن للخير فيك نصيب. ومثله قول الآخر: من كان لا يزعم أني شاعر ... فيدن مني تنهه المزاجر فجعل الفاء جوابا للجزاء، وضمّن (فيدن) لاما يجزم [بها] «1» . وقال الآخر: فقلتُ ادعِي وَأَدْعُ فإنّ أندى ... لصوتٍ أن ينادي داعيان «2» أراد: ولادع. وفي قوله (وادع) طرف من الجزاء وإن كان أمرا قد نسق أوله على أخره. وهو مثل قول اللَّه عز وجل: «اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ» «3» والله أعلم. وأما قوله: «ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ» «4» فليس تأويل جزاء، إنما هُوَ أمر محض لأن إلقاء الواو ورده إلى الجزاء (لا يحسن فليس إلى الجزاء) ألا ترى أنه لا يحسن أن تقول ذروني أقتله يدع كما حسن «اتّبعوا سبيلنا تحمل خطاياكم» . والعرب لا تجازي بالنهي كما تجازي بالأمر. وذلك أن النهي يأتي بالجحد، ولم تجاز العرب بشيء من الجحود. وإنما يجيبونه بالفاء. وألحقوا النهي إذا كان بلا، بليس «5» وما وأخواتهن من الجحود. فإذا رَأَيْت نهيا بعد اسمه فعل فارفع ذلك الفعل. فتقول: لا تدعنه يضربه، ولا تتركه يضربك. جعلوه رفعا إذ لم يكن آخره يشاكل أوله إذ كان أوله جحد وليس فِي أخره جحد. فلو قلت: لا تدعه لا يؤذك جاز الجزم والرفع إذ كان أوله كآخره كما تقول فِي الأمر: دعه ينام، ودعه ينم إذ كان لا جحد فيهما. فإذا أمرت ثُمَّ جعلت فى الفعل (لا) رفعت لاختلافهما   (1) زيادة فى شرح شواهد المغني للبغدادى 2/ 116. (2) قائله الأعشى، ونسب إلى غيره. راجع العيني ج 4/ 392 هـ الخزانة. (3) آية 12 سورة العنكبوت. (4) آية 26 سورة غافر. (5) هذا متعلق بقوله: «ألحقوا ... » ، وفى الأصلين ش، ج: «وبليس» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 أيضا، فقلت: ايتنا لا نسيء إليك كقول اللَّه تبارك وتعالى: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً» «1» [لما كان] «2» أول الكلام أمرا وآخره نهيا فِيهِ (لا) فاختلفا، جعلت (لا) على معنى ليس فرفعت. ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: «فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ» «3» وقوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ» «4» رفع، ومنه قوله: «فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ» «5» ترفع، ولو نويت الجزاء لجاز فِي قياس النحو. وقد قرأ يحيى بْن وثاب وحمزة: «فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تخف دركا ولا تخشى» «6» بالجزاء المحض. فإن قلت: فكيف أثبتت الياء فِي (تخشى) ؟ قلت: فِي ذلك ثلاثة أوجه إن شئت استأنفت «وَلا تَخْشى» بعد الجزم، وإن شئت جعلت (تخشى) فِي موضع جزم وإن كانت فيها الياء لأن من العرب من يفعل ذلك قال بعض «7» بني عبس: ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بنى زياد فأثبتت الياء فِي (يأتيك) وهي فِي موضع جزم لأنه رآها ساكنة، فتركها على سكونها كما تفعل بسائر الحروف. وأنشدني بعض بني حنيفة: قال لها من تحتها وما استوى ... هزي إليك الجذع يجنيك الجنى   (1) آية 132 سورة طه. (2) زيادة يقتضيها السياق. (3) آية 84 سورة النساء. [ ..... ] (4) آية 105 سورة المائدة. (5) آية 58 سورة طه. (6) آية 77 سورة طه. (7) هو قيس بن زهير من قصيدة يقولها فيما كان قد شجر بينه وبين الربيع بن زياد العبسي من أجل درع أخذها الربيع من قيس، فأغار قيس على إبل الربيع وباعها فى مكة. وبعد البيت: ومحبسها على القرشىّ تشرى ... بأدراع وأسياف حداد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وكان ينبغي أن تقول: يجنك. وأنشدني بعضهم فِي الواو: هَجَوْتَ زَبَّان ثُمَّ جئتَ معتذِرًا ... من سبّ زبان لم تهجو ولم تدع والوجه الثالث أن يكون الياء صلة لفتحة الشين كما قال امرؤ القيس: ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي فهذه الياء ليست بلام الفعل هِيَ صلة لكسرة اللام كما توصل القوافي بإعراب رويها مثل قول الأعشى: بانت سعاد وأمسى حبلها انقطعا «1» وقول الآخر: أمن أم أوفى دمنة لم تكلمي «2» وقد يكون جزم الثاني إذا كانت فِيهِ (لا) على نية النهي وفيه معنى من الجزاء كما كان فى قوله «وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ» طرف من الجزاء وهو أمر. فمن ذلك قول الله تبارك وتعالى: «يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ» «3» المعنى والله أعلم: إن؟ تدخلن حطمتن، وهو نهي محض لأنه لو كان جزاء لم تدخله النون الشديدة ولا الخفيفة ألا ترى أنك لا تقول: إن تضربني أضربنك إلا فِي ضرورة شعر كقوله «4» : فمهما تشأ منه فزارة تعطكم ... ومهما تشأ منه فزارة تمنعا   (1) هذا صدر بيت عجزه: واحتلت الغور فالجدّين فالفرعا وانظر الصبح المنير 72 (2) مطلع معلقة زهير بن أبى سلمى، وعجزه: بحومانة الدراج فالمنثلم (3) آية 18 سورة النمل. (4) نسب فى سيبويه 2/ 152 لابن الخرع، وهو عوف. وقال البغدادي: «والبيت غير موجود فى ديوانه، وإنما هو من قصيدة للكميت بن ثعلبة أوردها أبو محمد الأعرابىّ فى كتابه فرحة الأديب» وانظر الخزانة 4/ 560، 561 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وقوله: وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ ... (246) جاءت (أن) فِي موضع، وأسقطت من آخر فقال فِي موضع آخر: «وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ» «1» وقال فِي موضع آخر: «وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ» «2» فمن ألقى (أن) فالكلمة على جهة العربية التي لا علة «3» فيها، والفعل فِي موضع نصب كقول اللَّه- عز وجل-: «فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ» «4» وكقوله: «فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ» «5» فهذا وجه الكلام فى قولك: مالك؟ وما بالك؟ وما شأنك: أن تنصب فعلها «6» إذا كان اسما، وترفعه إذا كان فعلا أوله «7» الياء أو التاء أو النون أو الألف كقول الشاعر: مالك ترغين ولا ترغو الخلف الخلفة: التي فِي بطنها ولدها. وأما إذا قال (أن) فإنه مما ذهب إلى المعنى الَّذِي يحتمل دخول (أن) ألا ترى أن قولك للرجل: مالك لا تصلي فِي الجماعة؟ بمعنى ما يمنعك أن تصلي، فأدخلت (أن) فى (مالك) إذ وافق معناها معنى المنع. والدليل على ذلك قول اللَّه عز وجل: «مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ» «8» وفي موضع آخر: «مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ   (1) آية 8 سورة الحديد. (2) آية 12 سورة إبراهيم. (3) أى لا ضعف فيها ولا دخل، إذ هو الوجه الكثير. وفى الطبرى: «وذلك هو الكلام الذى لا حاجة للتكلم به للاستشهاد على صحته لفشوّ ذلك على ألسن العرب» . (4) آية 36 سورة المعارج. (5) آية 88 سورة النساء. (6) يريد الحدث الذى يلى العبارات السابقة فى صورة فعل اصطلاحىّ أو غيره. [ ..... ] (7) يريد الفعل المضارع. (8) آية 12 سورة الأعراف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 السَّاجِدِينَ» «1» وقصة إبليس واحدة، فقال فيها بلفظين ومعناهما واحد وإن اختلفا. ومثله ما حمل على معنى هُوَ مخالف لصاحبه فِي اللفظ قول الشاعر «2» : يقول إذا اقلولى عليها وأقردت ... ألا هَلْ أخو عيشٍ لذيذ بدائم فأدخل الباء فِي (هَلْ) وهي استفهام، وإنما تدخل الباء فِي ما الجحد كقولك: ما أنت بقائل. فلما كانت النية فِي (هَلْ) يراد بها الجحد أدخلت لها الباء. ومثله قوله فِي قراءة عبد الله «كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ» «3» : ليس للمشركين. وكذلك قول الشاعر: فاذهب فأي فتى في الناس أحرزه ... من يومه ظلم دعج ولا جبل «4» (رد عليه بلا) «5» كأن معنى أي فتى فِي الناس أحرزه معناه: ليس يحرز الفتى من يومه ظلم دعج ولا جبل. وقال الكسائي: سمعت العرب تقول: أَيْنَ كنت لتنجو مني! لأن المعنى: ما كنت لتنجو مني، فأدخل اللام فِي (أَيْنَ) لأن معناها جحد: ما كنت لتنجو مني. وقال الشاعر: فهذى سيوف يا صدى بْن مالك ... كثير ولكن أين بالسيف ضارب «6»   (1) آية 32 سورة الحجر. (2) هو الفرزدق. والبيت من قصيدة يهجو فيها جريرا ورهطه كليبا بإتيان الأتن. وقبله: وليس كليبىّ إذا جنّ ليله ... إذا لم يجد ريح الأتان بنائم وقوله: «يقول» أي الكليبىّ، و (اقلولى عليها) أي نزا عليها (وأقردت) : سكنت. وفى اللسان (فرد) : «قال ابن برىّ: البيت للفرزدق. يذكر امرأة إذا علاها الفحل أقردت وسكنت وطلبت منه أن يكون فعله دائما متصلا» وهذا على رواية «تقول» . وقد علمت أن الأمر وراء ما ذكر ابن برىّ. (3) آية 7 سورة التوبة. (4) من قصيدة للمتنخل الهذلىّ فى رثاء ابنه أثيلة. يقول: لا تقيه من موته الظلم الدعج يستتر بها من الهلاك ولا الجبال يتحصن بها. وانظر ديوان الهذليين طبع الدار 2/ 35، وقوله: «ولا جبل» فى اللسان (فلا) : «ولا خبل» وهو تحريف. (5) هذه العبارة بين القوسين أثبتت فى ش، ج بعد قوله قبيل هذا: «ليس للمشركين» . (6) فى أمالى ابن الشجري 1/ 267: «حداد» فى مكان «كثير» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 أراد: ليس بالسيف ضارب، ولو لم يرد (ليس) لم يجز الكلمة لأن الباء من صلة (ضارب) ولا تقدم صلة اسم قبله ألا ترى أنك لا تقول: ضربت بالجارية كفيلا، حَتَّى تقول: ضربت كفيلا بالجارية. وجاز أن تقول: ليس بالجارية كفيل لأن (ليس) نظيرة ل (ما) لأنها لا ينبغي لها أن ترفع الاسم كما أن (ما) لا ترفعه. وقال الكسائي فِي إدخالهم (أن) فِي (مالك) : هُوَ بمنزلة قوله: «ما لكم فِي ألا تقاتلوا» ولو كان ذلك على ما قال لجاز فِي الكلام أن تقول: مالك أن قمت، وما لك أنك قائم لأنك تقول: فِي قيامك، ماضيا ومستقبلا، وذلك غير جائز لأن المنع إنما يأتي بالاستقبال تقول: منعتك أن تقوم، ولا تقول: منعتك أن قمت. فلذلك جاءت فِي (مالك) فِي المستقبل ولم تأت فِي دائم ولا ماض. فذلك شاهد على اتفاق معنى مالك وما منعك. وقد قال بعض النحويين: هِيَ مما أضمرت فِيهِ الواو، حذفت من نحو قولك فِي الكلام: مالك ولأن تذهب إلى فلان؟ فألقى الواو منها لأن (أن) حرف ليس بمتمكن فِي الاسماء. فيقال: أتجيز أن أقول: مالك أن تقوم، ولا أجيز: مالك القيام [فقال] «1» : لأن القيام اسم صحيح و (أن) اسم ليس بالصحيح. واحتج بقول العرب: إياك أن تتكلم، وزعم أن المعنى إياك وأن تتكلم. فرد ذلك عليه أن العرب تقول: إياك بالباطل أن تنطق، فلو كانت الواو مضمرة فِي (أن) لم يجز لما بعد الواو من الأفاعيل أن تقع على ما قبلها ألا ترى أنه غير جائز أن تقول: ضربتك بالجارية وأنت كفيل، تريد: وأنت كفيل بالجارية، وأنك تقول: رأيتك وإيانا تريد، ولا يجوز رأيتك إيانا وتريد قال الشاعر: فبح بالسرائر فِي أهلها ... وإياك فِي غيرهم أن تبوحا   (1) زيادة يقتضيها السياق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 فجاز أن يقع الفعل بعد (أن) على قوله (فِي غيرهم) ، فدلّ ذلك على أن إضمار الواو فى (أن) لا يجوز. وأما قول الشاعر: فإياك المحاين أن تحينا فإنه حذره فقال: إياك، ثُمَّ نوى الوقفة، ثُمَّ استأنف (المحاين) بأمر آخر، كأنه قال: احذر المحاين، ولو أراد مثل قوله: (إياك والباطل) لم يجز إلقاء الواو لأنه اسم أتبع اسما فِي نصبه، فكان بمنزلة قوله فِي [غير] «1» الأمر: أنت ورأيك وكل ثوب وثمنه، فكما لم يجز أنت رأيك، أو كل ثوب ثمنه فكذلك لا يجوز: (إياك الباطل) وأنت تريد: إياك والباطل. وقوله: فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ... (294) وفي إحدى «2» القراءتين: إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ. والوجه فِي (إلا) أن ينصب ما بعدها إذا كان ما قبلها لا جحد فِيهِ، فإذا كان ما قبل إلا فِيهِ جحد جعلت ما بعدها تابعا لما قبلها معرفة كان أو نكرة. فأما المعرفة فقولك: ما ذهب الناس إلا زَيْدُ. وأما النكرة فقولك: ما فيها أحد إلا غلامك، لم يأت هذا عن العرب إلا بإتباع ما بعد إلا ما قبلها. وقال اللَّه تبارك وتعالى: «مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ» «3» لأن فِي (فعلوه) اسما معرفة، فكان الرفع الوجه فِي الجحد الَّذِي ينفي الفعل عَنْهُمْ، ويثبته لما بعد إلا. وهي فِي قراءة أَبِي «4» «ما فعلوه إلا قليلا» كأنه نفى الفعل وجعل ما بعد إلا كالمنقطع عن أول الكلام كقولك: ما قام القوم، اللهم إلّا رجلا أو رجلين.   (1) زيادة يقتضيها السياق. (2) هى قراءة ابن مسعود وأبىّ والأعمش كما فى البحر 2/ 266 (3) آية 66 سورة النساء. (4) وهى أيضا قراءة ابن عامر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 فإذا نويت الانقطاع نصبت، وإذا نويت الاتصال رفعت. ومثله قوله: «فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ» «1» فهذا على هذا «2» المعنى، ومثله: «فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ» «3» ثُمَّ قال: «إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ» فأول الكلام- وإن كان استفهاما- جحد لأن لولا بمنزلة هلا ألا ترى أنك إذا قلت للرجل: (هلا قمت) أن معناه: لم تقم. ولو كان ما بعد (إلا) فِي هاتين الايتين رفعا على نية الوصل لكان صوابا مثل قوله: «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا» «4» فهذا نية وصل لأنه غير جائز أن يوقف على ما قبل (إلا) . وإذا لم تر قبل (إلا) اسما فأعمل ما قبلها فيما بعدها. فتقول: (ما قام إلا زَيْدُ) رفعت (زيدا) لإعمالك (قام) إذ لم تجد (قام) اسما بعدها. وكذلك: ما ضربت إلا أخاك، وما مررت إلا بأخيك. وإذا كان الَّذِي قبل (إلا) نكرة مع جحد فإنك تتبع ما بعد إلا ما قبلها كقولك: ما عندي أَحد إلا أخوك. فإن قدمت إلا نصبت الَّذِي كنت ترفعه فقلت: ما أتاني إلا أخاك أحد. وذلك أن (إلا) كانت مسوقة على ما قبلها فاتبعه، فلما قدمت فمنع أن يتبع شيئًا هُوَ بعدها فاختاروا الاستثناء. ومثله قول الشاعر: لمية موحشا طلل ... يلوح كأنه خلل «5»   (1) آية 98 سورة يونس. [ ..... ] (2) يريد أن (لولا) فيه للتحضيض والتوبيخ. وفيهما معنى النفي لما يطلب بها. (3) آية 116 سورة هود. (4) آية 22 سورة الأنبياء. (5) ينسب إلى كثير عزة. والخلل واحدها الخلة- بكسر الخاء وشدّ اللام- وهى بطانة كانت تغشى بها أجفان السيوف منقوشة بالذهب. وانظر العيني على هامش الخزانة 3/ 163، ويروى بدل البيت فى بعض الكتب. لمية موحشا طلل قديم ... عفاه كل أسحم مستديم وهو بهذه الصورة ينسب إلى ذى الرمة. وانظر الخزانة 1/ 531. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 المعنى: لمية طلل موحش، فصلح رفعه لأنه أتبع الطلل، فلمّا قدّم لم يجز أن يتبع الطلل وهو قبله. وقد يجوز رفعه على أن تجعله كالاسم يكون الطلل ترجمة عَنْهُ كما تقول: عندي خراسانية جارية، والوجه النصب فِي خراسانية. ومن العرب من يرفع ما تقدم فِي إلا على هَذَا التفسير. قال: وأنشدونا: بالثني أسفل من جماء ليس له ... إلا بنيه وإلا عرسه شيع «1» وينشد: إلا بنوه وإلا عرسه. وأنشد أَبُو ثروان: ما كان منذ تركنا أهل أسنمةٍ ... إلا الوجيف لها رعى ولا علف «2» ورفع غيره. وقال ذو الرمة: مقزع أطلس الأطمار ليس له ... إلا الضراء وإلا صيدها نشب «3» ورفعه على أنه بنى كلامه على: ليس له إلا الضراء وإلا صيدها، ثُمَّ ذكر فِي آخر الكلام (نشب) ويبينه أن تجعل موضعه فِي أول الكلام. كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً وفي قراءة أَبِي كأين من فئة قليلة غلبت وهما لغتان. وكذلك وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ «4» هِيَ لغات كلها معناهن معنى كم. فإذا ألقيت (من) كان فِي الاسم النكرة النصب والخفض. من ذلك قول العرب: كم رجلٍ كريم قد رَأَيْت، وكم جيشا جرارا قد هزمت. فهذان وجهان، ينصبان ويخفضان والفعل فِي المعنى واقع. فإن كان الفعل ليس بواقع وكان للاسم جاز النصب أيضا   (1) الثنى: منعطف الوادي ومنقطعه. وجماء موضع. والبيت فى وصف أسد من قصيدة طويلة لأبى زبيد الطائىّ مدونة فى الطرائف الأدبية للأستاذ عبد العزيز الميمنى 98. (2) من قصيدة لجرير يمدح فيها يزيد بن عبد الملك ويهجو آل المهلب. و (أسنمة) موضع فى بلاد تميم. والرعي: الكلأ يرعى. (3) من قصيدة التي أوّلها: ما بال عينك منها الماء ينسكب ... كأنه من كلى مفرية سرب وهو فى وصف صائد. والمقزع: الخفيف الشعر. وأطلس: أغبر. والأطمار واحدها الطمر، وهو الثوب الخلق. والضراء واحدها ضرو، وهو الكلب الضارى، يريد كلاب الصيد، والنشب: المال. (4) آية 146 سورة آل عمران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 والخفض. وجاز أن تعمل الفعل فترفع به «1» النكرة، فتقول: كم رَجُل كريم قد أتاني، ترفعه بفعله، وتعمل فِيهِ الفعل إن كان واقعا عليه فتقول: كم جيشا جرارا قد هزمت، نصبته بهزمت. وأنشدوا قول الشاعر: كم عمة لك يا جرير وخالة ... فدعاء قد حلبت على عشارى «2» رفعا ونصبا وخفضا، فمن نصب قال: كان أصل كم الاستفهام، وما بعدها من النكرة مفسر كتفسير العدد، فتركناها فِي الخبر على جهتها وما كانت عليه فِي الاستفهام فنصبنا «3» ما بعد (كم) من النكرات كما تقول: عندي كذا وكذا درهما، ومن خفض قال: طالت صحبة من للنكرة فِي كم، فلما حذفناها أعملنا إرادتها «4» ، فخفضنا «5» كما قَالَتِ العرب إذا قيل لاحدهم: كيف أصبحت؟ قال: خيرٍ عافاك اللَّه، فخفض، يريد: بخير. وأمّا من رفع فأعمل الفعل الآخر، [و] «6» نوى تقديم الفعل كأنه قال: كم قد أتاني رجل كريم. وقال امرؤ القيس: تبوص وكم من دونها من مفازةٍ ... وكم أرض جدب دونها ولصوص «7» فرفع على نية تقديم الفعل «8» . وإنما جعلت الفعل مقدما فِي النية لأن النكرات لا تسبق أفاعيلها ألا ترى أنك تقول: ما عندي شيء، ولا تقول ما شىء عندى.   (1) فى اللسان: «فيه» . (2) هو للفرزدق من قصيدة يهجو فيها جريرا. والفدع: اعوجاج وعيب فى القدم. والعشار جمع العشراء. وهى الناقة التي أتى عليها من يوم أرسل عليها الفحل عشرة أشهر. (3) كذا فى اللسان (كمم) وفى الأصول: «فتكتبا» وهو تحريف. (4) كذا فى اللسان. وفى الأصول: «أراد بها» وهو تحريف. (5) حاصل هذا أن خفض تمييزكم الخبرية بالحرف (من) محذوفا. وهذا مذهب أصحابه الكوفيين. والبصريون يرون الجر بإضافة كم. (6) زيادة من اللسان. [ ..... ] (7) قبله مطلع القصيدة: أمن ذكر سلمى أن نأتك تنوص ... فنقصر عنها خطوة أو تبوص (تنوص) أي تتحول. «فتقصر عنها خطوة» أي تتأخر عنها «أو تبوص» البوص السبق والفوت، أي تسبقها. أي أنك لا توافقها فى السير معها، وهو يخاطب نفسه. (8) يريد بالفعل فى البيت (دونها) فإنها فى معنى استقرّ دونها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وقوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ ... (258) وإدخال العرب (إلى) فِي هذا الموضع على جهة التعجب كما تقول للرجل: أما ترى إلى هذا! والمعنى- والله أعلم-: هَلْ رَأَيْت مثل هذا أو رَأَيْت هكذا! والدليل على ذلك أنه قال: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ فكأنه قال: هَلْ رَأَيْت كمثل الَّذِي حاج إِبْرَاهِيم فِي ربه «أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها» وهذا فِي جهته بمنزلة ما أخبرتك به فِي مالك وما منعك. ومثله قول اللَّه تبارك وتعالى: «قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ» «1» ثُمَّ قال تبارك وتعالى: «قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ» «2» فجعل اللام جوابا وليست فِي أول الكلام. وذلك أنك إذا قلت: من صاحب هذه الدار؟ فقال لك القائل: هِيَ لزيد، فقد أجابك بما تريد. فقوله: زَيْدُ ولزيدٍ سواء فِي المعنى. فقال: أنشدني بعض بني عامر: فأعلم أنني سأكون رمسًا ... إِذَا سار النواجع لا يسير «3» فقال السائرون لمن حفرتم ... فقال المخبرون لهم: وزير «4» ومثله فِي الكلام أن يقول لك الرجل: كيف أصبحت؟ فتقول أنت: صالح، بالرفع، ولو أجبته على نفس كلمته لقلت: صالحا. فكفاك إخبارك عن حالك من أن تلزم كلمته. ومثله قول اللَّه تبارك وتعالى «مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ   (1) آية 85 سورة المؤمنين. (2) آية 86 سورة المؤمنين. (3) «رمسا» أى مدفونا. والرمس فى الأصل الستر والدفن، فأطلق على اسم المفعول. ومن معانى الرمس التراب على القبر تعفوه المريح، ويجوز أن يراد هنا، أى يستحيل بعد ترابا. و «النواجع» جمع الناجعة، يريد الفرقة الناجعة أو القوم الناجعة، والناجع الذى يقصد بإبله المرعى والكلأ حيث يكون. (4) وزير اسم الشاعر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 رَسُولَ اللَّهِ» «1» وإذا نصبت أردت: ولكن كان رسول اللَّه، وإذا رفعت أخبرت، فكفاك الخبر مما قبله. وقوله: «وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ» «2» رفع وهُوَ أوجه من النصب، لأنه لو نصب لكان على: ولكن احسبهم أحياء فطرح الشكّ من هذا الموضع أجود. ولو كان نصبا كان صوابا كما تقول: لا تظننه كاذبا، بل أظننه صادقا. وقال الله تبارك وتعالى: «أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ» «3» إن شئت جعلت نصب قادرين من هذا التأويل، كأنه فِي مثله من الكلام قول القائل: أتحسب أن لن أزورك؟ بل سريعا إن شاء اللَّه، كأنه قال: بلى فاحسبني زائرك. وإن كان الفعل قد وقع على (أَنْ لَنْ نجمع) فإنه فِي التأويل واقع على الاسماء. وأنشدني بعض «4» بني فقعس: أجدك لن ترى بثعيلبات ... ولا بيدان ناجيةً ذمولا ولا متداركٍ والشمس طفل ... ببعض نواشغ الوادي حمولا فقال: ولا متداركٍ، فدل ذلك على أنه أراد ما أنت براءٍ بثعيلبات كذا ولا بمتداركٍ. وقد يقول بعض النحويين: إنا نصبنا (قَادِرِينَ) على أنها صرفت «5» عن نقدر، وليس ذلك بشيء، ولكنه قد يكون فِيهِ وجه آخر سوى ما فسرت لك: يكون خارجا «6» من (نجمع) كأنه فِي الكلام قول القائل: أتحسب أن لن أضربك؟ بلى قادرا على قتلك، كأنه قال: بلى أضربك قادرًا على أكثر من ضربك.   (1) آية 40 سورة الأحزاب. (2) آية 169 سورة آل عمران. (3) آية 4 سورة القيامة. (4) الشعر للمرّار بن سعيد. وثعيلبات وبيدان موضعان. والناجية: الناقة السريعة. ونواشغ الوادي أعاليه. والحمول الهوادج، والإبل عليها الهوادج. وانظر الخصائص 1/ 388 طبعة الدار. (5) يريد أن الأصل: بلى نقدر، ثم حوّل (نقدر) إلى (قادرين) وقوله: «وليس ذلك بشىء» لأنه لا وجه لنصب قادرين على هذا الوجه. (6) يريد أنه حال من فاعل (نجمع) المقدرة بعد (بلى) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 وقوله: كَمْ لَبِثْتَ وقد جرى الكلام بالإدغام للثاء لقيت التاء وهي مجزومة «1» . وفي قراءة عَبْد اللَّه (اتختم العجل) «2» (وإنى عت بربي وربكم) «3» فأدغمت الذال أيضا عند التاء. وذلك أنهما متناسبتان فِي قرب المخرج، والثاء والذال مخرجهما ثقيل، فأنزل الادغام بهما لثقلهما ألا ترى أن مخرجهما من طرف اللسان. وكذلك الظاء تشاركهن فِي الثقل. فما أتاك من هذه الثلاثة الأحرف فأدغم. وليس تركك الادغام بخطأ، إنما هُوَ استثقال. والطاء والدال يدغمان عند التاء أيضا إذا أسكنتا كقوله: «أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ» «4» تخرج الطاء فِي اللفظ تاء، وهو أقرب إلى التاء من الأحرف الأول، تجد ذلك إذا امتحنت مخرجيهما. وقوله: لَمْ يَتَسَنَّهْ جاء التفسير: لم يتغير [بمرور السنين عليه «5» ، مأخوذ من السنة] ، وتكون الهاء من أصله [من «6» قولك: بعته مسانهة، تثبت وصلا ووقفا. ومن وصله بغير هاء جعله من المساناة لأن لام سنة تعتقب عليها الهاء والواو] ، وتكون زائدةً صلةً بمنزلة قوله فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ «7» فمن جعل الهاء زائدة جعل فعلت «8» منه تسنيت ألا ترى أنك تجمع السنة سنوات فيكون تفعلت على صحة، ومن قال فِي [تصغير] «9» السنة سنينة وأن كان ذلك قليلا جاز أن يكون تسنيت تفعلت أبدلت النون بالياء لمّا كثرت النونات، كما قالوا تظنّيت وأصله الظن. وقد قالوا هو مأخوذ من قوله «مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ» «10» يريد: متغير. فإن يكن كذلك فهو أيضا مما أبدلت نونه ياء. ونرى أن معناه مأخوذ من السنة أي لم تغيره السنون. والله أعلم. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ، قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ رفعه إلى زيد   (1) أي ساكنة. (2) آية 92 سورة البقرة. [ ..... ] (3) آية 20 سورة الدخان. (4) آية 22 سورة النمل. (5، 6، 9) زيادة من اللسان. (7) آية 90 سورة الأنعام. (8) كذا فى الأصول. والمناسب: تفعلت. (10) آية 20 سورة الحجر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 ابن ثابت قال: كتب فى حجر؟؟؟ ها ولم؟؟؟ وَانْظُرْ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَنَقَطَ عَلَى الشِّينِ وَالزَّايِ أَرْبَعًا وَكَتَبَ (يَتَسَنَّهْ) بِالْهَاءِ. وإن شئت قرأتها فِي الوصل على وجهين: تثبت الهاء وتجزمها، وإن شئت حذفتها أنشدني بعضهم: فليست بسنهاء ولا رجبية ... ولكن عرايا فِي السنين الجوائح «1» والرجبية: التي تكاد تسقط فيعمد حولها بالحجارة. والسنهاء النخلة القديمة. فهذه قوة لمن أظهر الهاء إذا وصل. وقوله وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ إنما أدخلت فِيهِ الواو لنية فعل بعدها مضمر كأنه قال: ولنجعلك آية فعلنا ذلك. وهو كثير فِي القرآن. وقوله «آيَةً لِلنَّاسِ» حين بعث أسود اللحية والرأس وبنو بنيه شيب، فكان آية لذلك. وقوله «نُنْشِزُها» قرأها زَيْدُ بْن ثابت كذلك، والإنشاز نقلها إلى موضعها. وقرأها ابن عَبَّاس «ننشرها» . إنشارها: إحياؤها. واحتج بقوله: «ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ» «2» وقرأها الْحَسَن- فيما بلغنا- (ننشرها) ذهب إلى النشر والطي. والوجه أن تقول: أنشر اللَّه الموتى فنشروا إذا حيوا، كما قال الأعشى: يا عجبا للميت الناشر «3» وسمعت بعض بْني الحارث يقول: كان به جرب فنشر، أي عاد وحيي. وقوله: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ جزمها «4» ابن عبّاس، وهى فى قراءة   (1) هذا الشعر لسويد بن الصامت الأنصارىّ الصحابىّ، يذكر نخله التي يدان عليها. والعرايا جمع العرية، وهى النخلة التي يوهب ثمرها لعامها. وانظر الإصابة، واللسان (عرى) . (2) آية 22 سورة عبس. (3) قبله: حتى يقول الناس مما رأوا وهو من قصيدته التي يقولها فى منافرة علقمة وعامر بن الطفيل. وانظر الصبح المنير 105 (4) يريد أنه سكن الميم فى اعلم على أنه أمر من علم والهمزة عليه همزة وصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 أَبِي وعبد اللَّه جميعا: (قيل له اعلم) ، واحتج ابن عَبَّاس فقال: أهو خير من إِبْرَاهِيم وأفقه؟ فقد قيل له: وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ والعامة تقرأ: أعلم أن اللَّه وهو وجه حسن لأن المعنى كقول الرجل عند القدرة تتبين له من أمر اللَّه: (أشهد أن لا إله إلا اللَّه) والوجه الآخر أيضا بيّن. وقوله فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ضم الصاد العامة. وكان أصحاب عَبْد اللَّه يكسرون الصاد. وهما لغتان. فأما الضم فكثير، وأما الكسر ففي هذيل وسليم. وأنشدني الكسائي عن بعض بني سليم: وفرعٍ يصير الجيد وحف كأنه ... على الليت قنوان الكروم الدوالح «1» ويفسر معناه: قطعهن، ويقال: وجههن. ولم نجد قطعهن معروفة من هذين الوجهين، ولكني أرى- والله أعلم- أنها إن كانت من ذلك أنها من صريت تصري، قدمت ياؤها كما قَالُوا: عثت وعثيت «2» ، وقال الشاعر: صرت نظرة لو صادفت جوز دارع ... غدا والعواصي من دم الجوف تنعر «3» والعرب تقول: بات يصرى فِي حوضه إذا استقى ثُمَّ قطع واستقى فلعله من ذلك. وقال الشاعر: يقولون إن الشأم يقتل أهله ... فمن لي إن لم آته بخلود تعرب آبائي فهلا صراهم ... من الموت أن لم يذهبوا وجدودى   (1) يريد بالفرع الشعر التام. والوحف: الأسود. والليت: صفحة العنق. ويريد بقنوان الكروم عناقيد العنب، وأصل ذلك كباسة النخل، والدوالح: المثقلات بحملها. (2) يريد أنه يقال عنى أي أفسد، وذلك لغة أهل الحجاز، وعاث فى معناها وهى لغة التميميين، وكأنه يرى الأولى أصل الثانية كصرى وصار. (3) صرت نظرة أي قطعت نظرة أي فعلت ذلك. والجوز: وسط الشيء. والعواصى جمع العاصي وهو العرق، ويقال: نعر العرق: فار منه الدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وقوله: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ ...... (266) ثم قال بعد ذلك (وأصابه الكبر) ثُمَّ قال (فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ) فيقول القائل: فهل يجوز فِي الكلام أن يقول: أتود أن تصيب مالا فضاع، والمعنى: فيضيع؟ قلت: نعم ذلك جائز فِي وددت لأن العرب تلقاها مرة ب (أن) ومرة ب (لو) فيقولون: لوددت لو ذهبت عنا، [و] وددت أن تذهب عنا، فلما صلحت بلو وبأن ومعناهما جميعا الاستقبال استجازوا أن يردوا فعل بتأويل لو، على يفعل مع أن. فلذلك قال: فأصابها، وهي فِي مذهبه بمنزلة لو إذ ضارعت إن بمعنى الجزاء فوضعت فِي مواضعها، وأجيبت إن بجوابٍ لو، ولو بجواب إن قال اللَّه تبارك وتعالى «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ» «1» والمعنى- والله أعلم-: وإن أعجبتكم ثُمَّ قال وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا «2» [مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ] فأجيبت لئن بإجابة لو ومعناهما مستقبل. ولذلك قال فِي قراءة أَبِي وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُوا» «3» رده على تأويل: ودوا أن تفعلوا. فإذا رفعت (فيميلون) رددت على تأويل لو كما قال اللَّه تبارك وتعالى وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ «4» وقال أيضا وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ «5» وربما جمعت العرب بينهما جميعا قال اللَّه تبارك وتعالى وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً» «6» وهو مثل جمع العرب بين ما وإن وهما جحد قال الشاعر:   (1) آية 221 سورة البقرة. [ ..... ] (2) آية 51 سورة الروم. (3) آية 102 سورة النساء. (4) آية 9 سورة القلم. (5) آية 7 سورة الأنفال. (6) آية 30 سورة آل عمران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 قد يكسب المال الهدان الجافي ... بغير لا عصفٍ ولا اصطراف «1» وقال آخر: ما إن رأينا مثلهن لمعشر ... سود الرءوس فوالج وفيول «2» وذلك لاختلاف اللفظين يجعل أحدهما لغوا. ومثله قول الشاعر: من النفر اللاء الذين إذا هُمْ ... تهاب اللئام حلقه الباب قعقعوا «3» ألا ترى أنه قال: اللاء الذين، ومعنا هما الذين، استجيز جمعهما لاختلاف لفظهما، ولو اتفقا لم يجز. لا يجوز ما ما قام زَيْدُ، ولا مررت بالذين الذين يطوفون. وأما قول الشاعر: كما ما امرؤ في معشر غير رهطه ... ضعيف الكلام شخصه متضائل فإنما استجازوا الجمع بين ما وبين [ما] «4» لأن الأولى وصلت بالكاف، - كأنها كانت هِيَ والكاف اسمًا واحدا- ولم توصل الثانية، واستحسن الجمع بينهما. وهو فِي قول اللَّه كَلَّا لا وَزَرَ «5» كانت لا «6» موصولةً، وجاءت الأخرى مفردة فحسن اقترانهما. فإذا قال القائل: (ما ما قلت بحسنٍ) «7» جاز ذلك على غير عيب لأنه   (1) نسب فى اللسان (هدن) إلى رؤبة. والهدان: الأحمق الثقيل. والعصف: الكسب، وكذلك الاصطراف. (2) الفوالج جمع الفالج، وهو جمل ذو سنامين يجلب من السند للفحلة. والفيول جمع الفيل. (3) ينسب هذا إلى أبى الربيس أحد اللصوص، يقوله فى عبد الله بن جعفر بن أبى طالب، وكان قد سرق ناقة له. وقبله: مطية بطال لدن شب همه ... قمار الكعاب والطلاء المشعشع ويروى هذا الشعر لغير عبد الله بن جعفر. وانظر الخزانة 2/ 529. (4) زيادة اقتضاها السياق. (5) آية 11 سورة القيامة. (6) ذلك أن كلا مركبة عند الكوفيين من كاف التشبيه ولا النافية. وشدّدت اللام لتقوية المعنى. وقد نسب هذا القول صاحب المغني إلى ثعلب. (7) كذا فى ج. وفى ش: «يحسن» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 يجعل ما الأولى جحدا والثانية فِي مذهب الَّذِي. [وكذلك لو قال: من من عندك؟ جاز لأنه جعل من الأول استفهاما، والثاني على مذهب الَّذِي] «1» . فإذا اختلف معنى الحرفين جاز الجمع بينهما. وأما قول الشاعر: كم نعمةٍ كانت لها كم كم وكم إنما هذا تكرير حرف، لو وقعت «2» على الأول أجزأك من الثاني. وهو كقولك للرجل: نعم نعم، تكررها، أو قولك: اعجل اعجل، تشديدا للمعنى. وليس هذا من البابين الأولين فِي شيء. وقال الشاعر: «3» هلا سألت جموع كن ... دة يوم ولوا أَيْنَ أينا وأما قوله: (لم أره منذ يوم يوم) فإنه ينوى بالثاني غير اليوم الأول، إنما هُوَ فِي المعنى: لم أره «4» منذ يوم تعلم. وأما قوله: نحمى حقيقتنا وبع ... ض القوم يسقط بين بينا «5» فإنه أراد: يسقط هُوَ لا بين هؤلاء ولا بين هؤلاء. فكان اجتماعهما فِي هذا الموضع بمنزلة قولهم: هُوَ جاري بيت بيت، ولقيته كفة كفة «6» لأن الكفتين واحدة منك وواحدة منه. وكذلك هُوَ جاري بيت بيت معناه: بيتي وبيته لصيقان.   (1) زيادة فى ج. (2) كذا. والأنسب: «وقفت» . [ ..... ] (3) هو عبيد بن الأبرص يقوله فى أبيات يردّ بها على إمرئ القيس بن حجر، وكان توعد بنى أسد قوم عبيد إذ قتلوا أبا امرئ القيس. وكندة قوم امرئ القيس. وانظر الأغانى (بولاق) 19/ 85 (4) من ذلك قول الفرزدق: ولولا يوم يوم ما أردنا ... لقاءك والقروض لها جزاء قال الشنتمرى «أي لولا نصرنا لك فى اليوم الذي تعلم ... » وانظر الكتاب 2/ 53 (5) من قصيدة عبيد التي منها البيت السابق. وحقيقة الرجل ما يحق عليه أن يحميه كالأهل والولد. (6) أي كفاحا ومواجهة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 قال: كيف قال قوله: فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ ... (265) وهذا الأمر قد مضى؟ قيل: أضمرت (كان) فصلح الكلام. ومثله أن تقول: قد أعتقت عبدين، فإن لم أعتق اثنين فواحدا بقيمتهما، والمعنى إلّا أكن لأنه ماض فلا بد من إضمار كان لأن الكلام جزاء. ومثله قول الشاعر: إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة ... ولم تجدي من أن تقرى بها بدا «1» وقوله: وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ... (267) فتحت (أن) بعد إلا وهي فِي مذهب جزاء. وإنما فتحتها لأن إلا قد وقعت عليها بمعنى خفضٍ يصلح. فإذا رَأَيْت (أن) فِي الجزاء قد أصابها معنى خفضٍ أو نصب أو رفع انفتحت. فهذا من ذلك. والمعنى- والله أعلم- ولستم بآخذيه إلا على إغماض، أو بإغماض، أو عن إغماض، صفة «2» غير معلومة. ويدلك على أنه جزاء أنك تجد المعنى: إن أغمضتم بعض الإغماض أخذتموه. ومثله قوله: إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ «3» ومثله إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ «4» هذا كله جزاء، وقوله وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «5» ألا ترى أن المعنى: لا تقل إني فاعل إلا ومعها إن شاء اللَّه فلما قطعتها (إلا) عن معنى الابتداء، مع ما فيها من نية الخافض فتحت. ولو لم تكن فيها (إِلا) تركت على كسرتها من ذلك أن تقول: أحسن إن قبل منك. فإن أدخلت (إلا) قلت: أحسن إلا ألا يقبل منك. فمثله   (1) انظر ص 61 من هذا الجزء. (2) يريد أن حرف الجر المحذوف فى (أن تغمضوا) يصح تقديره على أو عن أو الباء فهو غير معين. (3) آية 229 سورة البقرة. (4) آية 237 سورة البقرة. (5) آية 24 سورة الكهف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 قوله وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى «1» ، وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ «2» هُوَ جزاء، المعنى: إن تصوموا فهو خير لكم. فلما أن صارت (أن) مرفوعة ب (خير) «3» صار لها ما يرافعها إن فتحت وخرجت من حد الجزاء. والناصب كذلك. ومثله من الجزاء الَّذِي إذا وقع عليه خافض أو رافع أو ناصب ذهب عَنْهُ الجزم قولك: اضربه من كان، ولا آتيك ما عشت. فمن وما فِي موضع جزاء، والفعل فيهما مرفوع «4» فِي المعنى لأن كان والفعل الَّذِي قبله قد وقعا على (من) و (ما) فتغير عن الجزم ولم يخرج من تأويل الجزاء قال الشاعر «5» : فلست مقاتلا أبدًا قريشا ... مصيبا رغم ذلك من أصابا فِي «6» تأويل رفع لوقوع مصيب على من. ومثله قول اللَّه عز وجل وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ «7» إن جعلت (من) مردودة «8» على خفض (الناس) فهو من هذا، و (استطاع) فِي موضع «9» رفع، وإن نويت الاستئناف بمن كانت جزاء، وكان الفعل بعدها جزما، واكتفيت بما جاء قبله من جوابه. وكذلك تقول فِي الكلام: أيهم يقم فاضرب، فإن قدمت الضرب   (1) آية 237 سورة البقرة. (2) آية 184 سورة البقرة. (3) فى ش، ج: (بخبر) . (4) يريد أن الفعل لا يكون مجزوما، وإذا كان ماضيا لفظا فهو مراد به الاستقبال، فهو فى تأويل المضارع المرفوع. وفى الأصول: «موقوع» وهو تحريف. (5) هو الحارث بن ظالم. والبيت من قصيدة مفضلية. وانظر شرح المفضليات لابن الأنبارى 517 [ ..... ] (6) يريد أن «أصاب» فى البيت فى موقع رفع لأن «من» مفعول «مصيب» وبهذا خرجت «من» عن معنى الجزاء، فلم يكن الفعل معها فى موضع الجزم. (7) آية 97 سورة آل عمران. (8) يريد أنها بدل من (الناس) . (9) كأنه يريد أن (استطاع) فى مكان يستطيع المرفوعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 فأوقعته على أي قلت اضرب أيهم يقوم قال بعض العرب «1» : فأيُّهم ما أخذها ركب عَلَى أيِّهم يريدُ. ومنه قول الشاعر «2» : فإني لاتيكم تشكر ما مضى ... من الأمر واستيجاب ما كان فِي غد لأنه لا يجوز لو لم يكن جزاء أن تقول: كان فِي غد لأن (كان) إنما خلقت للماضي إلا فِي الجزاء فإنها تصلح للمستقبل. كأنه قال: استيجاب أي شيء كان فِي غد. ومثل «3» إن فِي الجزاء فِي انصرافها عن الكسر إلى الفتح إذا أصابها رافع قول العرب: (قلت إنك قائم) فإنّ مكسورة بعد القول فِي كل تصرفه. فإذا وضعت مكان القول شيئا فِي معناه مما قد يحدث خفضا أو رفعا أو نصبا فتحت أن، فقلت: ناديت أنك قائم، ودعوت، وصحت وهتفت. وذلك أنك تقول: ناديت زيدا، ودعوت زيدا، وناديت «4» بزيد، (وهتفت بزيد) «5» فتجد هذه الحروف تنفرد «6» بزيد وحده والقول لا يصلح فِيهِ أن تقول: قلت زيدا، ولا قلت بزيد. فنفذت الحكاية فِي القول ولم تنفذ فِي النداء لاكتفائه بالاسماء. إلا أن يضطر شاعر إلى كسر إن فِي النداء وأشباهه، فيجوز له كقوله: «7» إني سأبدي لك فيما أبدى ... لي شجنان شجن بنجد وشجن لي ببلاد الهند   (1) فى اللسان (أىّ) : «أيهم ما أدرك يركب على أيهم يريد» . (2) هو الطرماح بن حكيم الطائىّ. وقبله: من كان لا يأتيك إلا لحاجة ... يروح بها فيما يروح ويغتدى وانظر الديوان 146 (3) كذا فى ش. وفى ح: «مثله» . (4) كذا. وقد يكون: «صحت» . (5) زيادة فى ش. (6) أي لا تحتاج إلى شىء وراءه، بخلاف القول، فلا تقول: قلت زيدا، وتسكت. (7) انظر فى هذا الرجز ص 80 من هذا الجزء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 لو ظهرت إن فِي هذا الموضع لكان الوجه فتحها. وفي القياس أن تكسر لأن رفع الشجنين دليل على إرادة القول، ويلزم من فتح أن لو ظهرت أن تقول: لي شجنين «1» شجنا بنجد. فإذا رَأَيْت القول قد وقع على شيء فِي المعنى كانت أن مفتوحة. من ذلك أن تقول: قلت لك ما قلت أنك ظالم لأن ما فِي موضع نصب. وكذلك قلت: زَيْدُ صالح أنه صالح لأن قولك (قلت زَيْدُ قائم) فِي موضع نصب. فلو أردت أن تكون أن مردودة على الكلمة التي قبلها كسرت فقلت: قلت ما قلت: إن أباك قائم، (وهي الكلمة التي قبلها) «2» وإذا فتحت فهي سواها. قول اللَّه تبارك وتعالى فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ أَنَّا «3» وإنا، قد قرئ بهما. فمن فتح نوى أن يجعل أن فِي موضع خفض، ويجعلها تفسيرًا للطعام وسببه كأنه قال: إلى صبنا الماء وإنباتنا ما أنبتنا. ومن كسر نوى الانقطاع «4» من النظر عن إنا كأنه قال: فلينظر الانْسَان إلى طعامه، ثُمَّ أخبر بالاستئناف. وقوله: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً ... (273) ولا غير إلحاف. ومثله قولك فِي الكلام: قلما رَأَيْت مثل هذا الرجل ولعلك لم تر قليلا ولا كثيرا من أشباهه.   (1) ونصبه بقوله: «سأبدى» . (2) يريد أن إن وجملتها على هذا هى الكلمة التي قبلها، وهى (ما قلت) . فإن فتحت، فالمقول شىء آخر محذوف، وأنّ فى موقع الجر أي قلت كذا لأن أباك قائم. هذا وفى الأصل: «والكلمة هى التي قبلها» ويبدو أنه مغير عما أثبتنا. (3) آية 24 سورة عبس. [ ..... ] (4) فى الأصل: «بالانقطاع» والوجه ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وقوله: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا ... (275) أي فى الدنيا لا يَقُومُونَ فِي الآخرة إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ والمس: الجنون، يقال رَجُل ممسوس. وقوله: وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا ... (278) يقول القائل: ما هذا الربا الَّذِي له بقية، فإن البقية لا تكون إلا من شيء قد مضى؟ وذلك «1» أن ثقيفا كانت تربى على قوم من «2» قريش، فصولحوا على أن يكون ما لهم على قريش من الربا لا يحط، وما على ثقيف من الربا موضوع عَنْهُمْ. فلما حل الاجل على قريش، وطلب منهم الحق نزل عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فهذه تفسير البقية. وأمروا بأخذ رءوس الأموال فلم يجدوها متيسرة، فأبوا أن يحطوا الربا ويؤخروا رءوس الأموال، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: [وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ] . وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ من قريش فَنَظِرَةٌ يا ثقيف (إلى ميسرة) وكانوا محتاجين، فقال- تبارك وتعالى-: وَأَنْ تَصَدَّقُوا برءوس الأموال خَيْرٌ لَكُمْ.   (1) هذا أخذ فى الجواب. (2) هم بنو المغيرة من بنى مخزوم، كانت عليهم ديون لبنى عمرو بن عمير من ثقيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 وقوله: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ... (281) حدّثنا محمد بن الجهم عن الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ «1» بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَ بِهَا جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ هَذِهِ، ثُمَّ قَالَ: ضَعْهَا فِي «2» رَأْسِ الثَّمَانِينَ وَالْمِائَتَيْنِ مِنَ الْبَقَرَةِ، وقوله: إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ... (282) هذا الأمر ليس بفريضة، إنما هُوَ أدب ورحمة من اللَّه تبارك وتعالى. فإن كتب فحسن، وإن لم يكتب فلا بأس. وهو مثل قوله وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا «3» أي فقد أبيح لكم الصيد. وكذلك قوله فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ «4» ليس الانتشار والابتغاء بفريضة بعد الجمعة، إنما هُوَ إذن. وقوله وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ أمر الكاتب ألا يأبى لقلة الكتاب كانوا عَلَى عهد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فأمر الَّذِي عليه الدين بأن يمل لأنه المشهود عليه. ثُمَّ قال فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً يعنى جاهلا أَوْ ضَعِيفاً صغيرا أو امْرَأَة أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ يكون عييّا بالإملاء فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ يعني صاحب الدين. فإن شئت جعلت الهاء للذي ولي الدين، وإن شئت جعلتها للمطلوب. كلّ ذلك جائز.   (1) هو أحد الأعلام الثقات. مات سنة 193 (2) رأى الآية آخر كلمة فيها. كالقافية فى البيت. فرأس آية 280 هو «تَعْلَمُونَ» والمراد بالوضع فى هذه الكلمة الوضع عقبها. وبذلك تكون هذه الآية 281. (3) آية 2 سورة المائدة. (4) آية 10 سورة الجمعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 ثُمَّ قال تبارك وتعالى فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ أي فليكن رَجُل وامرأتان فرفع بالرد على الكون. وإن شئت قلت: فهو رَجُل وامرأتان. ولو كانا نصبا أي فإن لم يكونا رجلين فاستشهدوا رجلا وامرأتين «1» . وأكثر ما أتى فِي القرآن من هذا بالرفع، فجرى هذا معه. وقوله مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما بفتح أن، وتكسر. فمن كسرها «2» نوى بها الابتداء فجعلها منقطعة مما قبلها. ومن فتحها فهو أيضا على سبيل الجزاء إلا أنه نوى أن يكون «3» فِيهِ تقديم وتأخير. فصار الجزاء وجوابه كالكلمة الواحدة. ومعناه- والله أعلم- استشهدوا امرأتين مكان الرجل كيما تذكر الذاكرة الناسية إن نسيت فلما تقدم الجزاء اتصل بما قبله، وصار جوابه مردودا عليه. ومثله فِي الكلام قولك: (إنه ليعجبني أن يسأل السائل فيعطي) فالذي يعجبك الإعطاء إن يسأل، ولا يعجبك المسألة ولا الافتقار. ومثله: استظهرت بخمسة إجمال أن يسقط مُسْلِم فأحمله، إنما استظهرت بها لتحمل الساقط، لا لأن يسقط مُسْلِم. فهذا دليل على التقديم والتأخير. ومثله فِي كتاب اللَّه وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا «4» ألا ترى أن المعنى: لولا أن يقولوا إن أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم: هلا أرسلت إلينا رسولا. فهذا مذهب بيّن.   (1) الجواب محذوف، أي لجاز، مثلا. (2) وهو حمزة. وفى هذه القراءة «فتذكر» بالرفع على الاستئناف. (3) وذلك أن الفتح على تقدير (لأن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) والأصل فى هذا: لأن تذكر إحداهما الأخرى إن تضل. (4) آية 47 سورة القصص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وقوله: وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا مَا دُعُوا إلى الحاكم. إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً ترفع وتنصب «1» . فإن شئت جعلت تُدِيرُونَها فِي موضع «2» نصب فيكون لكان مرفوع ومنصوب. وإن شئت جعلت «تُدِيرُونَها» فِي موضع رفع «3» . وذلك أنه «4» جائز فِي النكرات أن تكون أفعالها تابعة لأسمائها لأنك تقول: إن كان أحد صالح ففلان، ثُمَّ تلقى (أحدا) فتقول: إن كان صالح ففلان، وهو غير موقت «5» فصلح نعته مكان اسمه إذ كانا جميعا غير معلومين، ولم يصلح ذلك فِي المعرفة لأن المعرفة موقتة معلومة، وفعلها «6» غير موافق للفظها ولا لمعناها. فإن قلت: فهل يجوز أن تقول: كان أخوك القاتل، فترفع لأن الفعل معرفة والاسم معرفة فترفعا «7» للاتفاق إذا كانا معرفة كما ارتفعا للاتفاق فِي النكرة؟ قلت: لا يجوز ذلك من قبل أن نعت المعرفة دليل عليها إذا حصلت «8» ، ونعت النكرة متصل بها كصلة الَّذِي. وقد أنشدني المفضل الضبي: أفاطم إني هالك فتبيني ... ولا تجزعي كل النساء يئيم ولا أنبأن بأن وجهك شانه ... خموش وإن كان الحميم الحميم «9»   (1) النصب قراءة عاصم، وقرأ عامة القراء بالرفع. (2) أي على قراءة النصب إذ تكون الجملة صفة لتجارة المنصوبة خبرا، واسمها مستتر أي المعاملة والتجارة. (3) أي على أن الجملة صفة لتجارة المرفوعة فاعلا لكان التامة. [ ..... ] (4) سقط فى ج. (5) يريد بالموقت المعرفة. (6) يريد بالفعل هنا الصفة. (7) أي المعرفتان: وفى ح: «فترتفعا» . (8) أي قومت. وفى ش، ح: «جعلت» ويبدو أنه تحريف عما أثبتنا. (9) يقال خمشت المرأة وجهها إذا خدشته، ويكون ذلك عند الحزن، والحميم: القريب. ينهاها عن الحزن ومظاهره على ميت، وإن كان حميما لها قريبا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 فرفعهما. وإنما رفع الحميم الثاني لأنه تشديد «1» للأول. ولو لم يكن فِي الكلام الحميم لرفع الأول. ومثله فِي الكلام: ما كُنَّا بشيء حين كنت، تريد حين صرت وجئت، فتكتفي (كان) بالاسم «2» . ومما يرفع من النكرات قوله وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ وفي قراءة عَبْد اللَّه وأبي «وإن كان ذا عسرة» فهما جائزان إذا نصبت أضمرت فِي كان اسما كقول الشاعر «3» : لله قومى أي قوم لحرة ... إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا! وقال آخر: أعيني هلا تبكيان عفاقا «4» ... إذا كان «5» طعنا بينهم وعناقا وإنما احتاجوا إلى ضمير الاسم فِي (كان) مع المنصوب لأن بنية (كان) على أن يكون لها مرفوع ومنصوب، فوجدوا (كان) يحتمل صاحبا مرفوعا فأضمروه مجهولا. وقوله فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ» «6» فقد أظهرت الاسماء «7» . فلو قال: فإن كان نساء جاز الرفع «8» والنصب. ومثله «إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» «9» ومثله   (1) أى توكيد له. (2) يريد بالاسم هنا فاعل كان التامة. (3) فى سيبويه 1/ 22 عز ومثل هذا البيت إلى عمرو بن شأس. والبيت فيه: بنى أسد هل تعلمون بلاءنا ... إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا وقوله: «إذا كان يوما» أى إذا كان هو أى يوم الواقعة أو يوم القتال، مثلا. (4) عفاق اسم رجل. وقد يكون هذا عفاق بن مرى الذى يقول فيه صاحب القاموس: «أخذه الأحدب بن عمرو الباهلى فى قحط وشواه وأكله» . (5) أى إذا كان (هو) أى القتال والجلاد. (6) آية 11 سورة النساء. (7) يريد نون النسوة اسم كان. أى فإن كانت المتروكات أو الوارثات. (8) فالرفع على أن كان تامة، والنصب على أنها ناقصة. [ ..... ] (9) الآية 29 سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 «إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً» «1» ومن قال (تكون ميتة) جاز فِيهِ الرفع والنصب. وقلت (تكون) لتأنيث الميتة، وقوله «إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ» «2» فإن قلت: إن المثقال ذكر فكيف قال (تَكُنْ) «3» ؟ قلت: لأن المثقال أضيف إلى الحبة وفيها المعنى كأنه قال: إنها إن تك حبة وقال الشاعر: على قبضة مرجوة ظهرُ كَفّه ... فلا المرء مُسْتحيٍ ولا هُوَ طاعم لأنه ذهب إلى الكف ومثله قول الآخر «4» : وتشرق بالقول الَّذِي قد أَذَعتَه ... كما شَرِقت صدر القناة من الدم وقوله: أَبَا عرو لا تبعد فكل ابن حرة ... ستدعوه داعي موته فيجيب «5» فأنث فعل الداعي وهو ذكر لأنه ذهب إلى الموتة. وقال الآخر «6» : قد صرّح السير عن كتمان وابتذلت ... وقع المجاجن بالمهرية الذقن «7» فأنث فعل الوقع وهو ذكر لأنه ذهب إلى المحاجن. وقوله وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ أي لا يدع كاتب وهو مشغول، ولا شهيد.   (1) آية 145 سورة الأنعام. (2) آية 16 سورة لقمان. قرئ مثقال حبة بالرفع والنصب. (3) أي التي هى أصل تك، فحذفت منها النون. (4) هو الأعشى ميمون يقوله فى عمير- وهو جهام- وكان بينهما عداوة. وانظر الصبح المنير 94، والكتاب 1/ 25. وفى الشنتمرى فى حاشيته أن الأعشى يخاطب يزيد بن مسهر الشيباني، وهو خلاف ما ذكرناه. (5) ذكره فى الخزانة 1/ 377 ولم يعزه. (6) هو تميم بن أبى بن مقبل. (7) كتمان: اسم موضع، وقيل: اسم جبل. والذقن جمع الذقون، وهى من الإبل: التي تميل ذقنها إلى الأرض، تستعين بذلك على السير، وقيل هى السريعة. أي ابتذلت المهرية- وهى المنسوبة إلى مهرة- الذقن بوقع المحاجن فيها تستحث على السير، فقلبه وأنث، وقوله، «صرح السير عن كتمان» أي كشف السير عن هذا المكان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 وقوله: فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ... (283) وقرأ مجاهد «1» فرهن على جمع الرهان كما قال كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ «2» لجمع الثمار. وقوله: وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [وأجاز قوم (قلبه) بالنصب] «3» فإن يكن حقا فهو من جهة قولك: سفهت رأيك وأثمت قلبك. وقوله: غُفْرانَكَ رَبَّنا ... (285) مصدر وقع فِي موضع أمر فنصب. ومثله: الصلاة الصلاة. وجميع الاسماء من المصادر وغيرها إذا نويت الأمر نصبت. فأمّا الاسماء فقولك: اللَّه اللَّه يا قوم ولو رفع على قولك: هُوَ اللَّه، فيكون خبرا وفيه تأويل الأمر لجاز أنشدني بعضهم: إن قوما منهم عمير وأشبا ... هـ عمير ومنهم السفّاح لجديرون بالوفاء إذا قا ... ل أخو النجدة السلاح السلاح ومثله أن تقول: يا هؤلاء الليل فبادروا، أنت تريد: هذا الليل فبادروا. ومن نصب الليل أعمل فيه فعلا مضمرا قبله. ولو قيل: غفرانك ربنا لجاز. وقوله لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها. الوسع اسم فِي مثل معنى الوجد والجهد. ومن قال فِي مثل الوجد: الوجد، وفي مثل الجهد: الجهد قال فِي مثله من الكلام: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» . ولو قيل: وسعها لكان جائزا، ولم نسمعه «4» .   (1) وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف: وانظر القرطبي 7/ 49، وإتحاف فضلاء البشر 214 (2) آية 141 سورة الأنعام. (3) زيادة يقتضيها السياق. (4) هو قراءة ابن أبى عبلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وقوله رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً والإصر: العهد كذلك، قال فِي آل عِمْرَانَ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي «1» والإصر هاهنا: الإثم إثم العقد إذا ضيعوا، كما شدد على بني إسرائيل. وقد «2» قرأت القرّاء فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ يقول: فاعلموا أنتم به. وقرأ قوم: فآذنوا أي فأعلمِوا. وقال ابن عَبَّاس: فإن لم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة «3» وقال: قد يوجد الكاتب ولا توجد الصحيفة ولا الدواة.   (1) آية 81 (2) كان حق هذه الآية ذكرها فيما سبق. ولكنه لا يلتزم الترتيب. [ ..... ] (3) كان حق هذه الآية ذكرها فيما سبق. ولكنه لا يلتزم الترتيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 ومن سورة آل عِمْرَانَ ومن سورة آل عِمْرَانَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. قوله تعالى: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ... (2) حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الجهم عن الفراء الْحَيُّ الْقَيُّومُ قراءة العامة، وقرأها عُمَر بْن الخطاب وابن مَسْعُود «القيام» وصورة القيوم: الفيعول، والقيام الفيعال، وهما جميعا مدح. وأهل الحجاز أكثر شيء قولا: الفيعال من ذوات الثلاثة. فيقولون للصواغ: الصياغ. وقوله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ ... (7) مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ يعني: مبينات للحلال والحرام ولم ينسخن. وهن الثلاث الآيات فِي الأنعام أولها: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ «1» والآيتان بعدها. وقوله: هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ. يقول: هنّ الأصل. وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ وهن: المص، والر، والمر اشتبهن على اليهود لانهم التمسوا مدة أكل «2» هذه الأمة من حساب «3» الجمّل، فلمّا لم يأتهم على ما يريدون قَالُوا: خلط مُحَمَّد- صلى اللَّه عليه وسلم- وكفروا بمحمد صلى اللَّه عليه وسلم.   (1) آية 151 (2) يجوز أن يقرأ بفتح الهمزة مصدرا، ويراد به العيش، فإن العيش يلزمه الأكل. ويجوز أن يقرأ بضم الهمزة، وهو الرزق. ويقال للميت: انقطع أكله، فهو رديف الحياة والعيش. وفى ش: «كل» وهو تحريف. (3) هو الحساب المبنى على حروف أبجد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 فقال اللَّه: فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ يعني تفسير المدة. ثُمَّ قال: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ثم استأنف «وَالرَّاسِخُونَ» فرفعهم «1» ب «يَقُولُونَ» لا بإتباعهم إعراب اللَّه. وفي قراءة أَبِي (ويقول الراسخون) وفي قراءة عَبْد اللَّه «إن تأويله إلا عند اللَّه، والراسخون فِي العلم يقولون» . وقوله: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ... (1) يقول: كفرت اليهود ككفر آل فرعون وشأنهم. وقوله: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ ... (12) تقرأ بالتاء والياء. فمن جعلها بالياء فإنه ذهب إلى مخاطبة اليهود، وإلى أن الغلبة على المشركين [بعد] «2» يوم أحد. وَذَلِكَ أنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما هزم المشركين يوم بدر وهم ثلاثمائة ونيف والمشركون ألف إلا شيئا قَالَت اليهود: هذا الَّذِي لا ترد له راية، فصدقوا. فقال بعضهم: لا تعجلوا بتصديقه حَتَّى تكون وقعة أخرى. فلما نكب المسلمون يوم أحد كذبوا ورجعوا. فأنزل اللَّه: قل لليهود سيغلب المشركون ويحشرون إلى جهنم. فليس يجوز فِي هذا المعنى إلا الياء. ومن قرأ بالتاء جعل اليهود والمشركين داخلين فِي الخطاب. فيجوز فِي هذا المعنى سيغلبون وستغلبون كما تقول فِي الكلام: قل لعبد اللَّه إنه قائم، وإنك قائم.   (1) أي أن «الراسخون» مبتدأ خبره جملة «يقولون» وهذه الجملة هى الرافعة للمبتدأ كما أنها ارتفعت به لأن المبتدأ والخبر عندهم يترافعان. وقوله: «لا بإتباعهم إعراب الله» أي لا بالعطف على لفظ الجلالة. (2) زيادة اقتضاها السياق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 وفي حرف عَبْد اللَّه قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن تَنتَهُوا يُغْفَرْ لَكُم ما قَدْ سَلَفَ «1» وفي قراءتنا « [إِنْ يَنْتَهُوا] يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ» وفي الأنعام «هذا لله بزعمهم وهذا لشركائهم» «2» وفي قراءتنا «لِشُرَكائِنا» . وقوله: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا ... (13) يعنى النبىّ صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، والمشركين يوم بدر. فِئَةٌ تُقاتِلُ قرئت بالرفع وهو وجه الكلام على معنى: إحداهما تقاتل فِي سبيل اللَّه وَأُخْرى كافِرَةٌ على الاستئناف كما قَالَ الشَّاعِر «3» : فَكُنْتُ كذي رِجْلين رجلٌ صحيحة ... ورجل رمى فيها الزّمان فشلت ولو خفضت لكان جيدا: ترده على الخفض الأول كأنك قلت: كذي رجلين: كذي رجلٍ صحيحةٍ ورجلٍ سقيمةٍ. وكذلك يجوز خفض الفئة والأخرى على أول الكلام. ولو قلت: «فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ» كان صوابا على قولك «4» : التقتا مختلفتين. وقال الشاعر فِي مثل ذلك مما يستأنف: إذا مت كان الناس نصفين شامت ... وآخر مثنٍ بالذي كنت أفعل «5»   (1) آية 38 سورة الأنفال. (2) آية 136 سورة الأنعام. (3) هو كثير عزة. والبيت من قصيدته التي مطلعها: خليلىّ هذا ربع عزة فاعقلا ... قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلت (4) يريد أن انتصابهما على الحالية. (5) يروى النحويون هذا البيت بتغيير فى قافيته، فهى عندهم: «أصنع» بدل «أفعل» ويروون: «صنفان» فى مكان «نصفين» وينسب إلى العجير السلولي من شعراء الدولة الأموية. ورواية النحويين بقافية العين هى الصواب. ومطّلع القصيدة: ألما على دار لزينب قد أتى ... لها باللوى ذى المرخ صيف ومربع وقولا لها قد طالما لم تكلمى ... وراعك بالغيث الفؤاد المروع وانظر سيبويه 1/ 36 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 ابتدأ الكلام بعد النصفين ففسره. وأراد: بعض شامت وبعض غير شامت. والنصب فيهما جائز، يردهما على النصفين. وقال الآخر: حَتَّى إذا ما استقل النجم فِي غلس ... وغودر البقل ملوى ومحصود «1» ففسر بعض البقل كذا، وبعضه كذا. والنصب جائز. وكل فعل أوقعته على أسماء لها أفاعيل ينصب على الحال الَّذِي «2» ليس بشرط ففيه الرفع على الابتداء، والنصب على الاتصال بما قبله من ذلك: رَأَيْت القوم قائما وقاعدا، وقائم وقاعد لأنك نويت بالنصب القطع، والاستئناف فِي القطع «3» حسن. وهو أيضا فيما ينصب بالفعل جائز فتقول: أظن القوم قياما وقعودا، وقيام وقعود، وكان «4» القوم بتلك المنزلة. وكذلك رَأَيْت القوم فِي الدار قياما وقعودا، وقيام وقعود، وقائما وقاعدا، وقائم وقاعد فتفسره بالواحد والجمع قال الشاعر: وكتيبةٍ شعواء ذات أشلة ... فيها الفوارس حاسر ومقنع «5» فإذا نصبت على الحال لم يجز أن تفسر الجمع بالاثنين، ولكن تجمع فتقول: فيها القوم قياما وقعودا.   (1) استقل النجم: ارتفع وقد غلب النجم فى الثريا. والغلس: ظلام آخر الليل. والملوي: اليابس الذابل وإن كان الوارد ألوى، والوصف ملو. (2) سيذكر ما خرج بهذا، وهو الحال الذي هو شرط فيجب فيه النصب، نحو أكرم الجيش ظافرا وقاهرا لأعدائه، لأن المعنى على الشرط أي أكرمه إن ظفر وقهر الأعداء، فإذا قلت: رأيت الجيش راكبين وراجلين جاز الرفع والنصب لأن الحال ليس بشرط. (3) يريد بالقطع أن الوصف ليس شرطا وقيدا فى الفعل قبله. [ ..... ] (4) كذا. وقد يكون الأصل: «أي كان» . (5) «شعواء» : كثيرة متفرقة، من قولهم: شجرة شعواء: منتشرة الأغصان. و «أشلة» جمع شليل وهو الغلالة تلبس فوق الدرع، أو هو الدرع القصيرة تكون تحت الكبيرة. والحاسر: من لا مغفر له ولا درع. والمقنع هو المغطى بالسلاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وأما الَّذِي على الشرط مما لا يجوز رفعه فقوله: اضرب أخاك ظالما أو مسيئا، تريد: اضربه فِي ظلمه وفي إساءته. ولا يجوز هاهنا الرفع فى حاليه لانهما متعلقتان بالشرط. وكذلك الجمع تقول: ضربت القوم مجرّدين أو لابسين، ولا يجوز: مجردون ولا لابسون إلا أن تستأنف فتخبر، وليس بشرط للفعل ألا ترى أنك لو أمرت بضربهم فى هاتين الحالين لم يكن فعلهم إلا نصبا فتقول: اضرب القوم مجردين أو لابسين لأن الشرط فِي الأمر لازم. وفيما قد مضى يجوز أن تجعله خبرا وشرطا. فلذلك جاز الوجهان فِي الماضي. وقوله: يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ زعم بعض من روى عن ابن عَبَّاس أنه قال: رأى المسلمون المشركين فى الحزر ستمائة وكان المشركون تسعمائة وخمسين، فهذا وجه. وروى قول آخر كأنه أشبه بالصواب: أن المسلمين رأوا المشركين على تسعمائة وخمسين والمسلمون قليل ثلاثمائة وأربعة عشر، فلذلك قال: «قَدْ كانَ لَكُمْ» يعنى اليهود «آيَةٌ» فِي قلة المسلمين وكثرة المشركين. فإن قلت: فكيف جاز أن يقال «مِثْلَيْهِمْ» يريد ثلاثة أمثالهم؟ قلت: كما تقول وعندك عَبْد: أحتاج إلى مثله «1» ، فأنت محتاج إليه وإلى مثله، وتقول: أحتاج إلى مثلى عبدي، فأنت إلى ثلاثة محتاج. ويقول الرجل: معي ألف وأحتاج إلى مثليه، فهو يحتاج إلى ثلاثة. فَلَمَّا نوى أن يكون الألف داخلا فِي معنى المثل صار المثل اثنين والمثلان ثلاثة. ومثله فِي الكلام أن تقول: أراكم مثلكم، كأنك قلت: أراكم ضعفكم، وأراكم مثليكم يريد ضعفيكم، فهذا على معنى الثلاثة.   (1) فى القرطبي 4/ 6 بعد إيراد قول الفرّاء: «وهو بعيد غير معروف فى اللغة. قال الزجاج: وهذا باب الغلط، فيه غلط فى جميع المقاييس لأنا إنما نعقل مثل الشيء مساويا له، ونعقل مثليه ما يساويه مرتين» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 فإن قلت: فقد قال فى سورة الأنفال: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ «1» فكيف كان هذا هاهنا تقليلا، وفي الآية الأولى تكثيرا؟ قلت: هذه آية المسلمين أخبرهم بها، وتلك الآية لأهل الكفر. مع أنك تقول فِي الكلام: إني لأرى كثيركم قليلا، أي قد هون على، لا أني أرى الثلاثة اثنين. ومن قرأ (ترونهم) ذهب إلى اليهود لأنه خاطبهم، ومن قال (يَرَوْنَهُمْ) فعلى ذلك كما قال: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ «2» وإن شئت جعلت (يرونهم) للمسلمين دون اليهود. وقوله: وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ ... (14) واحد القناطير قنطار. ويقال أنّه ملء مسك ثور ذهبا أو فضّة، ويجوز (القناطير) «3» فِي الكلام، والقناطير ثلاثة، والمقنطرة تسعة «4» . كذلك سمعت، وهو المضاعف. وقوله: قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ ... (15) ثُمَّ قال لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ فرفع الجنات باللام «5» . ولم يجز ردها على أوّل الكلام لأنك حلت بينهما باللام، فلم يضمر خافض وقد حالت اللام   (1) آية 44 (2) آية 22 سورة يونس. وتضرب الآية مثلا لما يسمونه الالتفات وهو الانتقال من الخطاب إلى الغيبة، وما جرى هذا المجرى. وهو من تلوين الخطاب. (3) أي بالرفع عطفا على «حُبُّ الشَّهَواتِ» وقوله: «فى الكلام» أي فى غير القرآن إذ لم ترد بهذا القراءة. هذا والأقرب أن الأصل: «ويجوز القناطر فى الكلام» أي أنه يجوز حذف الياء فى الجمع فيقال القناطر. وهذا رأى الكوفيين: يجوز أن يقال فى العصافير العصافر. (4) يرى الفرّاء أن معنى «القناطر المقنطرة» : القناطير التي بلغت أضعافها أي بلغت ثلاثة أمثالها. وأقلّ القناطير ثلاثة، فثلاثة أمثالها تسعة. وفى القرطبي 4/ 31: «وروى عن الفرّاء أنه قال: القناطير جمع القنطار، والمقنطرة جمع الجمع فيكون تسع قناطير» . (5) يريد أن «جنات» مبتدأ خبره «لِلَّذِينَ اتَّقَوْا» والمبتدأ والخبر عندهم يترافعان، فرافع المبتدأ هو الخبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 بينهما. وقد يجوز أن تحول باللام ومثلها بين الرافع وما رفع، والناصب وما نصب. فتقول: رأيت لأخيك مالا، ولابيك إبلا. وترفع باللام إذا لم تعمل الفعل، وفي الرفع: قد كان لاخيك مال ولابيك إبل. ولم يجز أن تقول فِي الخفض: قد أمرت لك بألف ولاخيك ألفين، وأنت تريد (بألفين) لأن إضمار الخفض غير جائز ألا ترى أنك تقول: من ضربت؟ فتقول: زيدا، ومن أتاك؟ فتقول: زَيْدُ. فيضمر الرافع والناصب. ولو قال: بمن مررت؟ لم تقل: زيدٍ لأن الخافض مع ما خفض بمنزلة الحرف الواحد. فإذا قدمت الَّذِي أخرته بعد اللام جاز فِيهِ الخفض لأنه كالمنسوق على ما قبله إذا لم تحل بينهما بشيء. فلو قدمت الجنات قبل اللام فقيل: (بخير من ذلكم جناتٍ للذين اتقوا) لجاز الخفض والنصب على معنى تكرير الفعل بإسقاط الباء كما قال الشاعر: أتيت بعبد اللَّه فِي القد موثقا ... فهلا سعيدا ذا الخيانة والغدر «1» ! كذلك تفعل بالفعل إذا اكتسب الباء ثُمَّ أضمرا جميعا نصب كقولك: أخاك، وأنت تريد أمرر بأخيك. وقال الشاعر «2» [فِي] استجازة العطف إذا قدمته ولم تحل بينهما بشىء: ألا يا لقوم كل ما حم واقع ... وللطير مجرى والجنوب مصارع «3»   (1) فالأصل: فهلا أتيت بسعيد فلما حذف الخافض انتصب المخفوض. ومقتضى كلامه جواز الخفض، فيقال: فهلا سعيد أي فهلا أتيت بسعيد. (2) هو البعيث. وانظر اللسان (حمم) (3) حمّ: قدّر. والجنوب جمع الجنب، وهو جنب الإنسان. وانظر شرح شواهد الهمع 2/ 192 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 أراد: وللجنوب مصارع، فاستجاز حذف اللام، وبها ترتفع المصارع إذ لم تحل بينهما بشيء. فلو قلت: (ومصارع الجنوب) لم يجز وأنت تريد إضمار اللام. وقال الآخر «1» : أوعدني بالسجن والأداهم ... رجلي ورجلي شثنة المناسم أراد: أوعد رجلي بالأداهم. وقوله: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ «2» والوجه رفع يعقوب. ومن نصب «3» نوى به النصب، ولم يجز الخفض إلا بإعادة الباء: ومن وراء إِسْحَاق بيعقوب. وكل شيئين اجتمعا قد تقدم [أحدهما] «4» قبل المخفوض الَّذِي ترى أن الإضمار فِيهِ يجوز على هذا. ولا تبال أن تفرق بينهما بفاعل أو مفعول به أو بصفة. فَمَنْ ذلك أن تقول: مررت بزيد وبعمرو ومحمد [أو] «5» وعمرو ومحمد. ولا يجوز مررت بزيد وعمرو وفي الدار محمدٍ، حَتَّى تقول: بمحمد. وكذلك: أمرت لاخيك بالعبيد ولابيك بالورق. ولا يجوز: لابيك الورق. وكذلك: مر بعبد اللَّه موثقا ومطلقا زيدٍ، وأنت تريد: ومطلقا بزيد. وإن قلت: وزيدٍ مطلقا جاز ذلك على شبيه بالنسق إذا لم تحل بينهما بشىء.   (1) هو العديل بن الفرخ العجلىّ. كان الحجاج قد توعده ففرّ إلى قيصر ملك الروم. والأداهم جمع الأدهم وهو القيد، وشثنة أي غليظة خشنة. والمناسم جمع المنسم، وهو فى الأصل طرف خف البعير، استعاره لأسفل رجله. وانظر شرح شواهد الهمع 2/ 164 (2) آية 71 سورة هود. (3) يريد أن من فتح «يعقوب» فهو منصوب لا مخفوض بالفتحة لامتناعه من الصرف للعلمية والعجمة. ونصبه على تقدير ناصب يوحى به المعنى، أي وهبنا له من وراء إسحاق يعقوب. وانظر اللسان فى عقب. [ ..... ] (4، 5) زيادة اقتضاها الساق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وقوله: قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا «1» فيها ثلاثة أوجه أجودها الرفع، والنصب من جهتين: من وعدها إذ لم تكن النار مبتدأة، والنصب الآخر بإيقاع الأنباء عليها بسقوط الخفض. والخفض جائز لأنك لم تحل بينهما بمانع. والرفع على الابتداء. فإن قلت: فما تقول فِي قول الشاعر: الآن بعد لجاجتي تلحونني ... هلا التقدم والقلوب صحاح بم رفع التقدم؟ قلت: بمعنى «2» الواو فِي قوله: (والقلوب صحاح) كأنه قال: العظة والقلوب فارغة، والرطب والحر شديد، ثُمَّ أدخلت عليها هلا وهي على ما رفعتها، ولو نصبت التقدم بنية فعل كما تقول: أتيتنا بأحاديث لا نعرفها فهلا أحاديث معروفة «3» . ولو جعلت اللام فِي قوله: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ من صلة الأنباء جاز خفض الجنات والأزواج والرضوان. وقوله: الَّذِينَ يَقُولُونَ ... (16) إن شئت جعلته خفضا نعتا للذين اتقوا، وإن شئت استأنفتها فرفعتها إذ كانت آية وما هِيَ نعت له آية قبلها. ومثله قول الله تبارك وتعالى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ «4» فلمّا انقضت الآية قال (التّائبون العابدون) ، وهي في قراءة عبد الله «التائبين العابدين» .   (1) آية 72 سورة الحج. (2) يريد أن خبر المبتدأ فى مثل هذا- وهو الذي بعده واو هى نص فى المعية- هو معنى الاقتران والصحبة، فإذا قلت: كل رجل وصنعته. فكأنك قلت: كل رجل مع صنعته. وبذلك يستغنى عن تقدير الخبر الذي يقول به البصريون. وما ذكره هو مذهب الكوفيين. وترى أنه يرى أن (هلا) تدخل على الجملة الاسمية. (3) جواب لو محذوف: أي لجاز. (4) آية 111 سورة التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وكذلك: الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ ... (17) موضعها خفض، ولو كانت رفعا لكان صوابا. وقوله وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ المصلون بالأسحار، ويقول: الصلاة بالسحر أفضل مواقيت الصلاة. أخبرنا محمد ابن الجهم قال حدثنا الفراء قال حَدَّثَنِي شريك «1» عن السدي «2» فِي قوله «سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي» «3» قال: أخرهم إلى السحر. وقوله: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ... (18) قد فتحت القرّاء الألف من (أنه) ومن قوله إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ «4» . وإن شئت جعلت (أنه) على الشرط «5» وجعلت الشهادة واقعة على قوله: «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ» ، وتكون (أن) الأولى يصلح فيها الخفض كقولك: شهد اللَّه بتوحيده أن الدين عنده الإسْلام.   (1) هو شريك بن عبد الله النخعىّ الكوفي. توفى سنة 177. (2) هو أبو محمد إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبى كريمة الكوفىّ، مولى قريش. روى عن أنس وابن عباس. وهو منسوب إلى سدّة مسجد الكوفة، كان يبيع بها المقانع. وسدّة المسجد بابه أو ما حوله من الرواق. وكانت وفاته سنة 127. (3) آية 98 سورة يوسف. (4) على أن الواو تراد فى قوله «إِنَّ الدِّينَ» كأنه قال: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وأن الدين عند الله الإسلام. وهذا توجيه الكسائي. قال: «أنصبهما جميعا، بمعنى شهد الله أنه كذا وأن الدين عند الله كذا» . وهذا التخريج فيه ضعف، فإن حذف العاطف فى الكلام ليس بالقويّ. وخير من هذا أن يخرج «إِنَّ الدِّينَ ... » على البدل من «أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ» كما هو رأى ابن كيسان. وذلك أن الإسلام تفسير التوحيد الذي هو مضمون الكلام السابق، وانظر القرطبي 4/ 43. (5) يريد بالشرط العلة والسبب، فلا يكون الفعل واقعا عليه إذ يكون التقدير: لأنه أو بأنه لا إله إلا هو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 وإن شئت استأنفت (إن الدين) بكسرتها، وأوقعت الشهادة على «أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» . وكذلك قرأها حمزة. وهو أحب الوجهين إلى. وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ» . وكان الكسائي يفتحهما كلتيهما. وقرأ ابن عَبَّاس بكسر الأول وفتح (أن الدين عند اللَّه الإسْلام) ، وهو وجه جيد جعل (إنه لا إله إلا هُوَ) مستأنفة معترضة- كأن الفاء تراد فيها- وأوقع الشهادة على (أن الدين عند الله) . ومثله فِي الكلام قولك للرجل: أشهد- إني أعلم الناس بهذا- أنك عالم، كأنك قلت: أشهد- إني «1» أعلم بهذا من غيري- أنك عالم. وإذا جئت بأنّ قد وقع عليها «2» العلم أو الشهادة أو الظن وما أشبه ذلك كسرت إحداهما ونصبت الّتي يقع عليها الظن أو العلم وما أشبه ذلك نقول للرجل: لا تحسبن أنك عاقل إنك جاهل، لأنك تريد فإنك جاهل، وإن صلحت الفاء فِي إن السابقة كسرتها وفتحت الثانية. يقاس على هذه ما ورد. وقوله وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ منصوب «3» على القطع لأنه نكرة نعت به معرفة. وهو فِي قراءة عَبْد اللَّه «القائم بالقسط» رفع لأنه معرفة نعت لمعرفة. وقوله: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ (20) (ومن اتبعن) للعرب فِي الياءات التي فِي أواخر الحروف- مثل اتبعن، وأكرمن، وأهانن، ومثل قوله «دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ «4» - وَقَدْ هَدانِ» «5» - أن يحذفوا الياء مرة ويثبتوها مرة. فمن حذفها اكتفى بالكسرة التي قبلها دليلا عليها. وذلك   (1) فى تفسير الطبري: «فإنى» وهو أنسب. (2) أي على مثلها أي أن أخرى. (3) أي (قائما) . (4) آية 186 سورة البقرة. [ ..... ] (5) آية 80 سورة الأنعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 أنها كالصلة إذ سكنت وهي فِي آخر الحروف «1» واستثقلت فحذفت. ومن أتمها فهو البناء والأصل. ويفعلون ذلك فِي الياء وإن لم يكن قبلها نون فيقولون هذا غلامي قد جاء، وغلام قد جاء قال اللَّه تبارك وتعالى «فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ» «2» فِي غير نداء بحذف الياء. وأكثر ما تحذف بالإضافة فِي النداء لأن النداء مستعمل كثير فِي الكلام فحذف فِي غير نداء. وقال إبراهيم «رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ» «3» بغير ياء، وقال فى سورة الملك «فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ» «4» و «5» «نَذِيرِ» وذلك أنهن رءوس الآيات، لم يكن فِي الآيات قبلهن ياء ثانية فأجرين على ما قبلهن إذا كان ذلك من كلام العرب. ويفعلون ذلك فِي الياء الاصلية فيقولون: هذا قاض ورام وداع بغير ياء، لا يثبتون الياء فِي شيء من فاعل. فإذا أدخلوا فِيه الألف واللام قَالُوا بالوجهين فأثبتوا الياء وحذفوها. وقال الله «مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ» «6» فِي كل القرآن بغير ياء. وقال فِي الأعراف «فَهُوَ الْمُهْتَدِي» «7» وكذلك قال «يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ» «8» و «أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ» «9» . وأحب ذلك إلى أن أثبت الياء فِي الألف واللام لأن طرحها في قاض ومفترٍ وما أشبهه بما أتاها من مقارنة نون «10» الإعراب وهي ساكنة والياء ساكنة، فلم يستقم جمع بين ساكنين، فحذفت الياء لسكونها. فإذا أدخلت الألف واللام لم يجز إدخال النون، فلذلك أحببت إثبات الياء. ومن حذفها فهو يرى هذه العلة: قال: وجدت الحرف بغير ياء قبل أن تكون فِيهِ الألف واللام، فكرهت إذ دخلت أن أزيد فيه ما لم يكن. وكلّ صواب.   (1) كذا فى ش. وفى ح: «الحرف» . (2) آية 17 سورة الزمر. (3) آية 40 سورة إبراهيم. (4) آية 18. (5) آية 17. (6) آية 97 سورة الإسراء، وفيها: ومن يهد بالواو، آية 17 سورة الكهف. (7) آية 178. (8) آية 41 سورة ق. (9) آية 186 سورة البقرة. (10) يريد التنوين، وجعله نون الإعراب لأنه يدخل فى المعرب وينكب عن المبنىّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وقوله وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ وهو استفهام ومعناه أمر. ومثله قول اللَّه «فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ» «1» استفهام وتأويله: انتهوا. وكذلك قوله «هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ» «2» وهل تستطيع ربّك «3» إنما [هو] «4» مسألة. أو لا ترى أنك تقول للرجل: هَلْ أنت كاف عنا؟ معناه: اكفف، تقول للرجل: أَيْنَ أَيْنَ؟: أقم ولا تبرح. فلذلك جوزى فِي الاستفهام كما جوزى فِي الأمر. وفي قراءة عَبْد اللَّه «هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِنْ عَذَابٍ أليم. آمنوا» «5» ففسّر (هل أدلكم) بالأمر. وفي قراءتنا على الخبر. فالمجازاة فِي قراءتنا على قوله (هل أدلكم) والمجازاة فِي قراءة عَبْد اللَّه على الأمر لأنه هُوَ التفسير. وقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ (21) تقرأ: ويقتلون «6» ، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه وقاتلوا فلذلك قرأها من قرأها (يقاتلون) ، وقد قرأ بها الكسائي دهرًا يقاتلون ثُمَّ رجع، وأحسبه رآها فِي بعض مصاحف عَبْد اللَّه وقتلوا بغير الألف فتركها ورجع إلى قراءة العامة إذ وافق الكتاب فِي معنى قراءة العامة. وقوله: فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ (25) قيلت باللام. و (فى) قد تصلح فِي موضعها تقول فِي الكلام: جمعوا ليوم الخميس. وكأن اللام لفعل مضمر فِي الخميس كأنهم جمعوا لما يكون يوم الخميس.   (1) آية 91 سورة المائدة. (2) آية 112 سورة المائدة. (3) هذه قراءة الكسائي، بنصب «ربك» أي هل تستطيع سؤال ربك. [ ..... ] (4) زيادة اقتضاها السياق، وهى فى تفسير الطبري. (5) آيتا 10، 11 سورة الصف. (6) أي الثانية فى الآية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وإذا قلت: جمعوا فِي يوم الخميس لم تضمر فعلا. وفي قوله: جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ أي للحساب والجزاء. وقوله: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ (26) اللَّهُمَّ كلمة تنصبها العرب. وقد قال بعض «1» النحويين: إنما نصبت إذ زيدت فيها الميمان لأنها لا تنادى بيا كما تقول: يا زَيْدُ، ويا عَبْد اللَّه، فجعلت الميم فيها خلفا من يا. وقد أنشدني «2» بعضهم: وما عليك أن تقولي كلما ... صليت أو سبحت يا اللهم ما أردد علينا شيخنا مسلما «3» ولم نجد العرب زادت مثل هذه الميم فِي نواقص الاسماء إلا مخففة مثل الفم وابنم وهم «4» ، ونرى أنها كانت كلمة ضم إليها أم، تريد: يا اللَّه أمنا بخير، فكثرت فِي الكلام فاختلطت «5» . فالرفعة التي فِي الهاء من همزة أم لما تركت «6» انتقلت إلى ما قبلها. ونرى أن قول العرب: (هلم إلينا) مثلها إنما كانت (هَلْ) فضم إليها أم فتركت على نصبها. ومن العرب من يقول إذا طرح الميم: يا الله اغفر لى، ويا الله   (1) هو الخليل. وانظر سيبويه 1/ 310 (2) يريد الردّ على الرأى السابق. وذلك أن الميم المشدّدة لو كانت خلفا من حرف النداء لما جمع بينهما فى هذا الرجز. ويجعل أصحاب هذا الرأى الرجز من الشاذ الذي لا يعوّل عليه. (3) «يا اللهم ما» زيدت (ما) بعد اللهم. وقد ذكر ذلك الرضى فى شرح الكافية فى مبحث المنادى. والشيخ هنا الأب أو الزوج. وانظر الخزانة 1/ 358 (4) كأنه يريد هم الضمير، وأصلها هوم إذ هى جمع هو فحذفت الواو وزيدت الميم للجمعية وإن كان هذا الرأى يعزى إلى البصريين. وانظر شرح الرضى للكافية فى مبحث الضمائر. (5) أي امتزجت بما قبلها، وهو لفظ الجلالة. وفى الطبري: «فاختلطت به» . (6) أي الهمزة، يريد حذفها للتخفيف بعد نقل حركتها إلى ما قبلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 اغفر لي، فيهمزون ألفها ويحذفونها. فمن حذفها فهو على السبيل لأنها ألف ولام مثل الحارث من الاسماء. ومن همزها توهم أنها من الحرف إذ كانت لا تسقط منه أنشدني بعضهم: مبارك هُوَ ومن سماه ... على اسمك اللهم يا أللَّه وقد كثرت (اللهم) فِي الكلام حَتَّى خففت ميمها فِي بعض اللغات أنشدني بعضهم: كحلفةٍ من أَبِي رياح ... يسمعها اللهم الكبار «1» وإنشاد العامة: لاهه الكبار. وأنشدني الكسائي: يسمعها اللَّه والله كبار وقوله تبارك وتعالى: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ. (إذا «2» رَأَيْت من تشاء مع من تريد من تشاء أن تنزعه منه) . والعرب تكتفي بما ظهر فِي أول الكلام مما ينبغي أن يظهر بعد شئت. فيقولون: خذ ما شئت، وكن فيما شئت. ومعناه فيما شئت أن تكون فِيهِ. فيحذف الفعل بعدها قال تعالى: «اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ» «3» وقال تبارك وتعالى فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شاءَ رَكَّبَكَ «4» والمعنى- والله أعلم-: فِي أي صورة شاء أن   (1) هذا من قصيدة للأعشى أوّلها: ألم تروا إرما وعادا ... أودى بها الليل والنهار وقبل البيت: أقسمتم حلفا جهارا ... أن نحن ما عندنا عرار وأبو رياح رجل من بنى ضبيعة قتل رجلا فسألوه أن يحلف أو يدفع الدية فحلف ثم قتل فضربته العرب مثلا لما لا يغنى من الحلف. وانظر الخزانة 1/ 345، والصبح المنير 193. وقوله: والله كبار يقرأ لفظ الجلالة باختلاس فتحة اللام وسكون الهاء، وكبار مبالغة الكبير. (2) كذا فى ش ج. ولم يستقم وجه المعنى فيه. وكأن الأصل: أن تؤتيه إياه. (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) أن تنزعه منه. (3) آية 40 سورة فصلت. (4) آية 8 سورة الانفطار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 يركبك ركبك. ومنه قوله تعالى: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ «1» وكذلك الجزاء كله إن شئت فقم، وإن شئت فلا تقم المعنى: إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت ألا تقوم فلا تقم. وقال اللَّه فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ «2» فهذا بين أن المشيئة واقعة على الإيمَان والكفر، وهما متروكان. ولذلك قَالَت العرب: (أيها شئت فلك) فرفعوا أيا لانهم أرادوا أيها شئت أن يكون لك فهو لك. وقالوا (بأيهم شئت فمر) وهم يريدون: بأيهم شئت أن تمر فمر. وقوله: تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ... (27) جاء التفسير أنه نقصان الليل يولج فِي النهار، وكذلك النهار يولج «3» فِي الليل، حَتَّى يتناهى طول هذا وقصر هذا. وقوله وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ذكر عن ابن عَبَّاس أنها البيضة: ميتة يخرج منها الفرخ حيا، والنطفة: ميتة يخرج منها الولد. وقوله: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ ... (28) نهى، ويجزم فِي ذلك. ولو رفع على الخبر «4» كما قرأ من قرأ: لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها «5» . وقوله إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً هى أكثر كلام العرب، وقرأه القرّاء. وذكر عن الْحَسَن ومجاهد أنهما قرءا «تقية» وكلّ صواب.   (1) آية 39 سورة الكهف. [ ..... ] (2) آية 29 سورة الكهف. (3) فى ج: «فيه» والوجه ما أثبت. (4) والمعنى: لا ينبغى أن يكون ذلك. وجواب لو محذوف، أي لجاز. (5) آية 233 سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وقوله: يَعْلَمْهُ اللَّهُ ... (29) جزم على الجزاء. وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ رفع على الاستئناف كما قال اللَّه فِي سورة براءة قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ «1» فجزم الأفاعيل، ثُمَّ قال وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ رفعا على الائتناف «2» . وكذلك قوله فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ «3» ثم قال وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ ويمح فِي نية رفع مستأنفه وإن لم تكن فيها واو حذفت منها الواو كما حذفت فى قوله سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ «4» . وإذا عطفت على جواب الجزاء جاز الرفع والنصب والجزم. وأما قوله وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ «5» وتقرأ جزما على العطف ومسكنه تشبه الجزم وهي فِي نية رفع تدغم الراء من يغفر عند اللام، والباء من يعذب عند الميم كما يقال أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ «6» وكما قرأ الْحَسَن شَهْرُ رَمَضانَ «7» . وقوله: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً ... (30) ما فِي مذهب الَّذِي. ولا يكون جزاء لأن (تجد) قد وقعت على ما. وقوله وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ فإنك تردّه أيضا على (ما) فتجعل (عملت) صلة لها فِي مذهب رفع لقوله (تودّ لو أنّ بينها) ولو استأنفتها فلم توقع عليها (تجد) جاز الجزاء تجعل (عملت) مجزومة. «8» ويقول فِي تود: تود بالنصب وتود. ولو كان التضعيف   (1) آية 14 سورة التوبة. (2) يقال: ائتنف الشيء واستأنفه، ومعناهما واحد. (3) آية 24 سورة الشورى. (4) آية 18 سورة العلق. (5) آية 284 سورة البقرة. (6) آية 1 سورة الماعون. (7) آية 185 سورة البقرة. (8) أي على أن ما جازمة يكون تودّ بالفتح، حرك بذلك للتخلص من الساكنين، وأوثر الفتح للخفة، ويجوز الكسر على أصل التخلص. وهذا على لغة الإدغام، ويجوز الفك فيقال: تودد، كما هو معروف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 ظاهرا لجاز تودد. وهى فى قراءة عَبْد اللَّه وما عملت من سوء ودت فهذا دليل «1» على الجزم، ولم أسمع أحدا من القراء قرأها جزما. وقوله: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ... (33) يقال اصطفى دينهم على جميع الأديان لانهم كانوا مسلمين، ومثله مما أضمر فِيهِ شيء فألقى قوله وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها «2» . ثم قال ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ فنصب الذرية على جهتين إحداهما أن تجعل الذرية قطعا من الاسماء قبلها لانهن معرفة. وإن شئت نصبت على التكرير، اصطفى ذرية بعضها من بعض، ولو استأنفت فرفعت كان صوابا. وقوله: إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً ... (35) لبيت المقدس: لا أشغله بغيره. وقوله: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ ... (36) قد يكون من إخبار مريم فيكون وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ يسكن العين، وقرأ بها «3» بعض القراء، ويكون من قول اللَّه تبارك وتعالى، فتجزم التاء لأنه خبر عن أنثى غائبة.   (1) وجه الدلالة أن جعل ما شرطية يصرف الماضي عن المضىّ الذي لا يستقيم هنا. (2) آية 82 سورة يوسف. [ ..... ] (3) هى قراءة أبى بكر وابن عامر كما فى القرطبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وقوله: وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا ... (37) من شدد جعل زكرياء فِي موضع نصب كقولك: ضمنها زكرياء، ومن خفف الفاء جعل زكرياء فِي موضع رفع. وفي زكريا ثلاث لغات: القصر فى ألفه، فلا يستبين فيها رفع ولا نصب ولا خفض، وتمد ألفه فتنصب وترفع بلا نون لأنه لا يجرى «1» ، وكثير من كلام العرب أن تحذف المدة والياء «2» الساكنة فيقال: هذا زكرى قد حاء فيجرى لأنه يشبه المنسوب من أسماء العرب. وقوله: هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ... (38) الذرية جمع، وقد تكون فِي معنى واحد. فهذا من ذلك لأنه قد قال: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا «3» ولم يقل أولياء. وإنما قيل «طيبة» ولم يقل طيبا لأن الطيبة أخرجت على لفظ الذرّية فأنث لتأنيثها، ولو قيل ذرية طيبا كان صوابا. ومثله من كلام العرب قول الشاعر: أَبُوك خليفة ولدته أخرى ... وأنت خليفة ذاك الكمال فقال (أخرى) لتأنيث اسم الخليفة، والوجه أن تقول: ولده آخر. وقال آخر. فما تزدرى من حية جبلية ... سكاتٍ إذا ما عضّ ليس بأدردا «4»   (1) الإجراء فى اصطلاح الكوفيين الصرف. (2) لم تحذف الياء الساكنة فى الصورة التي أثبتها وفيها ياء مشدّدة تشبه ياء النسب. وقد اشتبه عليه الأمر بلغة رابعة، وهى تخفيف الياء فيكون منقوصا، ويقال: هذا زكر بتنوين الراء مكسورة. وانظر اللسان. (3) آية 5 سورة مريم. (4) «جبلية» يقال للحية ابنة الجبل، فلذلك قال: جبلية. و «سكات» : لا يشعر به الملسوع حتى يلسعه. وأدرد: صفة من الدرد، وهو ذهاب الأسنان، ومؤنثه درداء. وانظر اللسان فى (سكت) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 فقال: جبليّة، فأنّث لتأنيث اسم الحية، ثُمَّ ذكر إذ قال: إذا ما عض ولم يقل: عضت. فذهب إلى تذكير المعنى. وقال الآخر «1» : تجوب بنا الفلاة إلى سعيدٍ ... إذا ما الشاة فِي الأرطاة قالا ولا يجوز هذا النحو إلا فِي الاسم الَّذِي لا يقع عليه فلان مثل «2» الدابة والذرية والخليفة فإذا سميت رجلا بشيء من ذلك فكان فِي معنى فلان لم يجز تأنيث فعله ولا نعته. فتقول فِي ذلك: حَدَّثَنَا المغيرة الضبي، ولا يجوز الضبية. ولا يجوز أن تقول: حدثتنا لأنه فِي معنى فلان وليس فِي معنى فلانة. وأما قوله «3» : وعنترة الفلحاء جاء ملامًا ... كأنه فند من عماية أسود فإنه قال: الفلحاء «4» فنعته بشفته. قال: وسمعت أبا ثروان يقول لرجل من ضبة وكان عظيم العينين: هذا عينان قد جاء، جعله كالنعت له. وقال بعض الأعراب لرجل أقصم «5» الثنية: قد جاءتكم القصماء، ذهب إلى سنّه.   (1) هو الفرزدق. والشاة هنا الثور الوحشىّ. والأرطاة شجرة عظيمة. وقال من القيلولة. وانظر اللسان (شوه) . (2) فى ج: «من» . (3) هو شريح بن بجير الثعلبىّ، كان وقع بينه وبين بنى فزارة وعبس حرب فأعانه قومه. وقبل البيت: ولو أن قومى قوم سوء أذلة ... لأخرجنى عوف بن عمرو وعصيد وعوف وعصيد من فزارة، وعنترة من عبس. و «ملأما» : لابسا اللأمة وهى الدرع. والفند: القطعة العظيمة الشخص من الجبل. وعماية: جبل عظيم بنجد. وقوله (كأنه) يقرأ باختلاس ضم الهاء. وفى ج، ش: «كأنك» فإن صح هذا كان من باب الالتفات من الغيبة إلى الحطاب. وانظر اللسان (فلح) . (4) هو وصف المؤنث من الفلح، وهو الشق فى الشفة السفلى، فأما الشق فى الشفة العليا فهو العلم. (5) هو وصف من القصم، وهو تكسر الثنية من النصف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وقوله: فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ ... (39) يقرأ بالتذكير والتأنيث «1» . وكذلك فعل الملائكة وما أشبههم من الجمع: يؤنث ويذكر. وقرأت القراء يعرج الملائكة «2» ، وتَعْرُجُ و «تَتَوَفَّاهُمُ «3» - ويتوفاهم الملائكة» وكل صواب. فمن ذكر ذهب إلى معنى التذكير، ومن أنث فلتأنيث الاسم، وأن الجماعة من الرجال والنساء وغيرهم يقع عليه «4» التأنيث. والملائكة فِي هذا الموضع جبريل صلى اللَّه عليه وسلم وحده. وذلك جائز فِي العربية: أن يخبر عن الواحد بمذهب الجمع كما تقول فِي الكلام: خرج فلان فِي السفن، وإنما خرج فِي سفينة واحدة، وخرج على البغال، وإنما ركب بغلا واحدا. وتقول: ممن سمعت هذا الخبر؟ فيقول: من الناس، وإنما سمعه من رَجُل واحد. وقد قال اللَّه تبارك وتعالى: وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ «5» ، وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ «6» ومعناهما والله أعلم واحد: وذلك جائز فِيما لم يقصد فِيهِ قصد واحدٍ بعينه. وقوله وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ تقرأ بالكسر. والنصب فيها أجود فِي العربية. فمن فتح (أن) أوقع النداء عليها كأنه قال: نادوه بذلك أن اللَّه يبشرك. ومن كسر قال: النداء «7» فِي مذهب القول، والقول حكاية. فاكسر إن بمعنى الحكاية. وفي قراءة عَبْد اللَّه فناداه الملائكة وهو قائم يصلي فِي المحراب يا زكريا إن اللَّه يبشرك فإذا أوقع النداء على منادى ظاهر مثل (يا زَكَرِيَّا) وأشباهه كسرت (إن) لأن الحكاية تخلص، إذا كان ما فِيهِ (يا) ينادي بها، لا يخلص إليها رفع ولا نصب ألا ترى أنك تقول: يا زَيْدُ إنك قائم، ولا يجوز يا زَيْدُ أنك قائم. وإذا قلت:   (1) قرأ العامة: «فنادته الملائكة» ، بالتأنيث، وقرأ حمزة والكسائي: «فناداه الملائكة» . (2) آية 4 سورة المعارج. (3) آية 28 سورة النحل. (4) الضمير يعود على الجماعة، بتأويلها بالجمع. وهذا إن لم يكن الأصل: «عليها» . [ ..... ] (5) آية 33 سورة الروم. (6) آية 8 سورة الزمر. (7) فى ج، ش: «فى النداء» والوجه ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 ناديت زيدا أنه قائم فنصبت (زيدا) بالنداء جاز أن توقع النداء على (أن) كما أوقعته على زَيْد. ولم يجز أن تجعل إن مفتوحة إذا قلت يا زَيْدُ لأن زيدا لم يقع عليه نصب معروف. وقال فِي طه: «فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يَا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ» «1» فكسرت (إني) . ولو فتحت كان صوابا من الوجهين أحدهما أن تجعل النداء واقعا على (إن) خاصة لا إضمار «2» فيها، فتكون (أن) فِي موضع رفع. وإن شئت جعلت فِي (نودي) اسم مُوسَى مضمرا، وكانت (أن) فِي موضع نصب تريد: بأني أَنَا ربك. فإذا خلعت الباء نصبته. فلو قيل فِي الكلام: نودي أن يا زَيْدُ فجعلت (أن يا زيد) [هو المرفوع بالنداء] «3» كان صوابا كما قال الله تبارك وتعالى: «وَنادَيْناهُ أَنْ يَا إِبْراهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا» «4» . فهذا ما فى النداء إذا أوقعت (إن) قيل يا زَيْد، كأنك قلت: نودي بهذا النداء إذا أوقعته على اسم بالفعل فتحت أن وكسرتها. وَإِذَا ضممت إِلَى النداء الَّذِي قد أصابه الفعل اسما منادى فلك أن تحدث (أن) معه فتقول ناديت أن يا زَيْدُ، فلك أن تحذفها من (يا زَيْدُ) فتجعلها فِي الفعل بعده ثُمَّ تنصبها. ويجوز الكسر على الحكاية. ومما يقوى مذهب من أجاز «إِنَّ الله يبشرك» بالكسر على الحكاية قوله: «وَنادَوْا يَا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ» «5» ولم يقل: أن ليقض علينا ربك. فهذا مذهب الحكاية. وقال فِي موضع أخر «وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا» «6» ولم يقل: أفيضوا، وهذا أمر وذلك أمر لتعلم أن الوجهين صواب.   (1) آيتا 11، 12 (2) أي أن كلمة «نودى» ليس فيها مضمر مرفوع هو نائب الفاعل، وإنما المرفوع بها هو أنى .... (3) زيادة يقتضيها السياق. (4) آيتا 104- 105 سورة والصافات. (5) آية 77 سورة الزخرف. (6) آية 50 سورة الأعراف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 و «يبشرك» قرأها [بالتخفيف] «1» أصحاب عَبْد اللَّه فِي خمسة مواضع من القرآن: فِي آل عِمْرَانَ حرفان «2» ، وفي بني «3» إسرائيل، وفي الكهف «4» ، وَفِي مريم «5» . والتخفيف والتشديد صواب. وكأن المشدد على بشارات البشراء، وكأن التخفيف من وجهة الأفراح والسرور. وهذا شيء كان المشيخة يقولونه. وأنشدني بعض العرب: بشرت عيالى إذ رأيت صحيفةً ... أتتك من الحجاج يتلى كتابها وقد قَالَ بعضهم: أبشرت، ولعلها لغة حجازية. وسمعت سُفْيَان بْن عيينة يذكرها يبشر «6» . وبشرت لغة سمعتها من عكل، ورواها الكسائي عن غيرهم. وقال أَبُو ثروان: بشرني بوجه حسن. وأنشدني الكسائي: وإذا رَأَيْت الباهشين إلى العلى ... غبرا أكفهم بقاع ممحل «7» فأعنهم وابشر بما بشروا به ... وإذا هُمْ نزلوا بضنك فانزل وسائر القرآن يشدد فِي قول أصحاب عَبْد الله وغيرهم. وقوله: يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً نصبت (مصدقا) لأنه نكرة، ويحيى معرفة. وقوله: بِكَلِمَةٍ يعنى مصدّقا بعيسى.   (1) زيادة يقتضيها السياق. يريد بالتخفيف قراءة الفعل (يبشر) على وزن ينصر. (2) هما فى آيتي 39، 45. (3) فى آية 9. (4) فى آية 2. (5) فى آية 97. [ ..... ] (6) فى اللسان: «فليبشر» . (7) هذا الشعر من قصيدة مفضلية لعبد قيس بن خفاف البرجمىّ، يوصى فيها ابنه جبيلا. والباهش هو الفرح، كما قال الضبىّ، أو هو المتناول. وقوله: «وابشر بما بشروا به» فى رواية المفضليات: «وأيسر بما يسروا به» ، أي ادخل معهم فى الميسر ولا تكن بر ما تنكب عنهم فإن الدخول فى الميسر من شيمة الكرماء عندهم إذ كان ما يخرج منه يصرف لذوى الحاجات. وانظر شرح المفضليات لابن الأنبارى ص 753. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وقوله: وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مردودات على قوله: مصدقا. ويقال: إن الحصور: الَّذِي لا يأتي النساء. وقوله: أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ إذا أردت الاستقبال المحض نصبت (تكلم) وجعلت (لا) على غير معنى ليس. وإذا أردت: آيتك أنك على هَذِهِ الحال ثلاثة أيّام رفعت، فقلت: أن لا تكلّم الناس ألا ترى أنه يحسن أن تَقُولَ: آيتك أنك لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا. والرمز يكون بالشفتين والحاجبين والعينين. وأكثره فِي الشفتين. كل ذلك رمز. وقوله: إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ ... (45) مما ذكرت «1» لك فِي قوله ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً قيل فيها (اسمه) بالتذكير للمعنى، ولو أنث كما قال ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً كان صوابا. وقوله: (وجيها) قطعا «2» من عِيسَى، ولو خفضت على أن تكون نعتا للكلمة لأنها هِيَ عِيسَى كان صوابا. وقوله: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ... (46) والكهل «3» مردود على الوجيه. (ويكلّم الناس) ولو كان فِي موضع (ويكلم) ومكلما كان نصبا، والعرب تجعل يفعل وفاعل إذا كانا فِي عطوف مجتمعين فِي الكلام، قال الشاعر: بتّ أعشّيها بعضب باتر ... يقصد فى أسوقها وجائر «4»   (1) انظر ص 208 من هذا الجزء. (2) أي نصب على القطع. يريد أنه حال. (3) يريد أن «كهلا» معطوف على قوله: «وجيها» فى الآية السابقة. (4) الضمير فى «أعشيها» للإبل، يريد أنه ينحرها للضيفان. ويروى: بات يعشيها: يقصد ... وانظر الخزانة 2/ 345 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 وقال آخر: من الذريحيات جعدا آركا ... يقصر يمشى ويطول باركا «1» كأنه قال: يقصر ماشيا فيطول باركا. فكذلك (فعل) إذا كانت فِي موضع صلة لنكرة أتبعها (فاعل) وأتبعته. تقول فِي الكلام: مررت بفتى ابن عشرين أو قد قارب ذلك، ومررت بغلام قد احتلم أو محتلمٍ قال الشاعر: يا ليتني علقت غير خارج ... قبل الصباح ذات خلقٍ بارج أم الصبي قد حبا أو دارج «2» وقوله: كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ ... (49) يذهب إلى الطين «3» ، وفي المائدة (فَتَنْفُخُ فِيها) «4» ذهب إلي الهيئة، فأنث لتأنيثها، وفي إحدى القراءتين (فأنفخها) وفي قراءة عَبْد اللَّه (فأنفخها) بغير فِي، وهو مما تقوله «5» العرب: رب ليلة قد بتّ فيها وبتّها.   (1) قبله: أرسلت فيها قطما لكالكا يقول: أرسل فى إبله فحلا قطما، وهو الصئول الهائج. والكالك: بضم اللام: الصلب الضخم. والذريحيات: الحمر، يقال: أحمر ذريحىّ: شديد الحمرة. وآرك: يرعى الأراك أو يلزمه. وقوله: يقصر يمشى ... أي يقصر إذا مشى لانخفاض بطنه وتقاربه من الأرض، فإذا برك رأيته طويلا لارتفاع سنامه، أي أنه عظيم البطن، فإذا قام قصر وإذا برك طال. وانظر اللسان (لكك) . (2) «خارج» كذا بالخاء المعجمة هنا، وفى اللسان (درج) . والأقرب أنه (حارج) بالحاء المهملة أي آثم. و «بارج» أي ظاهر فى حسن. وقوله: «أم الصبى» المعروف فى الرواية «أم صبى» . وعلقت: هويت وأحببت. ويقال: درج الصبى: مشى مشيا ضعيفا. (3) فى الطبري: «الطير» وكل صحيح. (4) آية 110 (5) من ذلك قول عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير: ومن ليلة قد بتها غير آثم ... بساجية الحجلين ريانة القلب الحجل: الخلخال، والقلب: السوار. وانظر السمط 692 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 ويقال فِي الفعل أيضا: ولقد أبيت على الطوى وأظله «1» تلقى الصفات وإن اختلفت فِي الأسماء والأفاعيل. وقال الشاعر: إذا قَالَتْ حَذَامِ فأنصتُوها ... فإنّ القول ما قَالَتْ حذام «2» وقَالَ اللَّه تبارك وَتعالى وَهو أصدق قيلا: وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ «3» يريد: كالوا لهم، وقال الشاعر: ما شق جيب ولا قامتك نائحة ... ولا بكتك جياد عند أسلاب «4» وقوله: (وَما تَدَّخِرُونَ) هِيَ تفتعلون من ذخرت، وتقرأ «5» (وَمَا تَدخِرُونَ) خفيفة على تفعلون، وبعض العرب يقول: تدخرون فيجعل الدال والذال يعتقبان فِي تفتعلون من ذخرت، وظلمت «6» تقول: مظلم ومطلم، ومذكر ومدكر، وسمعت بعض بني أسد يقول: قد اتغر «7» ، وهذه اللغة كثيرة فيهم خاصة. وغيرهم: قد اثّغر. فأمّا الذين يقولون: يدّخر ويدّكر ومدّكر فإنهم وجدوا التاء إذا سكنت واستقبلتها ذال دخلت التاء فِي الذال فصارت ذالا، فكرهوا أن تصير التاء ذالا فلا يعرف الافتعال من ذلك، فنظروا إلى حرف يكون «8» عدلا بينهما فِي المقاربة، فجعلوه مكان التاء ومكان الذال.   (1) هذا شطر بيت لعنترة. وعجزه: حتى أنال به كريم المأكل (2) فقوله: أنصتوها أي أنصتوا إليها. والمشهور فى الرواية: فصدّقوها. (3) آية 3 سورة المطففين. [ ..... ] (4) فقوله: قامتك أي قامت عليك. (5) قرأ بهذا الزهري ومجاهد وأيوب السختياني. (6) كذا، والتعاقب فيهما ليس بين الدال والذال، كما هو واضح بل بين الظاء والطاء. (7) أي سقطت أسنانه الرواضع. (8) وهو الدال، ففيها شبه بالتاء والذال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وأما الذين غلبوا الذال فأمضوا القياس، ولم يلتفتوا إلى أنه حرف واحد، فأدغموا تاء الافتعال عند الذال والتاء والطاء. ولا تنكرن اختيارهم الحرف بين الحرفين فقد قَالُوا: ازدجر ومعناها: ازتجر، فجعلوا الدال عدلا بين التاء والزاي. ولقد قال بعضهم: مزجر، فغلب الزاي كما غلب التاء. وسمعت بعض بني عقيل يقول: عليك بأبوال الظباء فاصعطها فإنها شفاء للطحل «1» ، فغلب الصاد على التاء، وتاء الافتعال تصير مع الصاد والضاد طاء، كذلك الفصيح من الكلام كما قال اللَّه عز وجل: (فمن اضطرّ فى مخمصة) «2» ومعناها افتعل من الضرر. وقال اللَّه تبارك وتعالى (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) «3» فجعلوا التاء طاء فِي الافتعال. وقوله: وَمُصَدِّقاً (50) نصبت (مصدقا) على فعل (جئت) ، كأنه قال: وجئتكم مصدقا لما بين يدي من التوراة، وليس نصبه بتابع لقوله (وجيها) لأنه لو كان كذلك لكان (ومصدّقا لما بين يديه) . وقوله: وَلِأُحِلَّ لَكُمْ الواو فيها بمنزلة قوله وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ «4» . وقوله: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ (52) يقول: وجد عِيسَى. والإحساس: الوجود، تقول فِي الكلام: هَلْ أحسست أحدا. وكذلك قوله هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ «5» .   (1) هو عظم الطحال. وهو مرض. وقوله: اصعطها: هو افتعال من الصعوط وهو لغة فى السعوط بإبدال السين صادا: وهو ما يستنشق فى الأنف. (2) آية 3 سورة المائدة. (3) آية 132 سورة طه. (4) آية 75 سورة الأنعام. (5) آية 98 سورة مريم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 فإذا قلت: حسست، بغير ألف فهي فِي معنى الإفناء والقتل. من ذلك قول اللَّه عز وجل إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ «1» والحس أيضا: العطف والرقة كقول الكُميت: هَلْ من بكى الدار راجٍ أن تحس له ... أو يبكى الدار ماء العبرة الخضل «2» وسمعت بعض «3» العرب يقول: ما رَأَيْت عقيليا إلا حسست له، وحسست لغة. والعرب تقول: من أَيْنَ حسيت هذا الخبر؟ يريدون: من أَيْنَ تخبرته؟ [وربما «4» قَالُوا حسيت بالخبر وأحسيت به، يبدلون من السين ياء] كقول أبي زبيد. حسين به فهن إليه شوس «5» وقد تقول العرب ما أحست بهم أحدا، فيحذفون «6» السين الأولى، وكذلك فِي وددت، ومسست وهممت، قال: أنشدني بعضهم: هَلْ ينفعنك اليوم إن همت بهمّ ... كثرة ما تأتى وتعقاد الرتم «7»   (1) آية 152 سورة آل عمران. (2) جاء فى اللسان (حسس) . (3) هو أبو الجراح، كما فى اللسان. (4) زيادة من اللسان. [ ..... ] (5) هذا عجز بيت صدره: خلا أن العتاق من المطايا وهو من أبيات يصف فيها الأسد. وصف ركبا يسيرون والأسد يتبعهم فلم يشعر به إلا المطايا. والشوس واحده أشوس وشوسا، من الشوس وهو النظر بمؤخر العين تكبرا أو تغيظا. (6) أي بعد إلقاء حركتها على الحاء. (7) ترى أن الفرّاء روى (همت) بسكون الميم وتاء المخاطبة. وأصله: هممت. والمعروف فى الرواية (همت) بتشديد الميم مفتوحة وتاء التأنيث الساكنة، والحديث على هذه الرواية عن الزوجة، وكان الرجل إذا أراد سفرا عقد غصنين، فإذا عاد من سفره وألفى الغصنين معقودين وثق بامرأته وإلا اعتقد أنها خانته فى غيبته. والرتم جمع رتمة، وهو خيط يعقد على الإصبع والخاتم للتذكر أو علامة على شىء، واستعمله فى عقد الغصنين إذ كان علامة على أمر نواه. وانظر اللسان فى رتم. وفيه «توصى» بدل «تأتى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وقوله: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ المفسّرون يقولون: من أنصارى مع اللَّه، وهو وجه حسن. وإنما يجوز أن تجعل (إلى) موضع (مع) إذا ضممت الشيء إلى الشيء مما لم يكن معه كقول العرب: إن الذود إلى الذود إبل أي إذا ضممت الذود إلى الذود صارت إبلا. فإذا كان الشيء مع الشيء لم تصلح مكان مع إلى، ألا ترى أنك تقول: قدم فلان ومعه مال كثير، ولا تقول فِي هذا الموضع: قدم فلان وإليه مال كثير. وكذلك تقول: قدم فلان إلى أهله، ولا تقول: مع أهله، ومنه قوله: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ «1» معناه: ولا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم. والحواريون كانوا خاصة عِيسَى. وكذلك خاصة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقع عليهم الحواريون. وكان الزبير يقال له حواري رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وربما جاء فِي الحديث لابي بَكْر وعمر وأشباههما حواري. وجاء فِي التفسير أنهم سموا حواريين لبياض ثيابهم «2» . ومعنى قوله: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ (54) نزل هذا فِي شأن عِيسَى إذ أرادوا قتله، فدخل بيتا فِيهِ كوة «3» وقد أيده اللَّه تبارك وتعالى بجبريل صلى اللَّه عليه وسلم، فرفعه إلى السماء من الكوة، ودخل عليه رَجُل منهم ليقتله، فألقى اللَّه على ذلك الرجل شبه عِيسَى بْن مريم. فلما دخل البيت فلم يجد فِيهِ عِيسَى خرج إليهم وهو يقول: ما فِي البيت أحد، فقتلوه وهم يرون أنه عِيسَى. فذلك قوله وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ والمكر من الله استدراج، لا على مكر المخلوقين.   (1) آية 2 سورة النساء. (2) من التحوير أي التبييض. ويقال لمن يغسل الثياب: يحوّرها إذ كان يزيل درنها ويعيدها إلى البياض. (3) بضم الكاف وفتحها، وهى الثقب فى الحائط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وقوله: إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ (55) يقال: إن هذا مقدم ومؤخر. والمعنى فِيهِ: إني رافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد إنزالي إياك فِي الدنيا. فهذا وجه. وقد يكون الكلام غير مقدم ولا مؤخر فيكون معنى متوفيك: قابضك كما تقول: توفيت مالي من فلان: قبضته من فلان. فيكون التوفي على أخذه ورفعه إليه من غير موت. وقوله: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ (59) هذا لقول «1» النصارى إنه ابنه إذ لم يكن أب، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى علوا كبيرا إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ لا أَبَ له ولا أم، فهو أعجب أمرا من عِيسَى، ثُمَّ قال: خَلَقَهُ لا أن قوله «خَلَقَهُ» صلة لآدم إنما تكون الصلات للنكرات كقولك: رَجُل خلقه من تراب، وإنما فسّر أمر آدم حين ضرب به المثل فقال «خَلَقَهُ» على الانقطاع والتفسير، ومثله قوله مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ «2» ثم قال يَحْمِلُ أَسْفاراً والأسفار: كتب العلم يحملها ولا يدري ما فيها. وإن شئت جعلت «يَحْمِلُ» صلة للحمار، كأنك قلت: كمثل حمار يحمل أسفارا لأن ما فِيهِ الألف واللام قد يوصل فيقال «3» : لا أمر إلا بالرجل يقول ذلك، كقولك بالذي يقول ذلك. ولا يجوز فِي زَيْدُ ولا عمرو أن يوصل كما يوصل الحرف فيه الألف واللام.   (1) أي ردّ لقولهم. (2) آية 5 سورة الجمعة. (3) هذا على رأى الكوفيين. والبصريون يجعلون الجملة فى مثل هذا إذا أريد الجنس صفة، لا صلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وقوله: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ (60) رفعته بإضمار (هُوَ) ومثله فِي البقرة الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ «1» أي هُوَ الْحَق، أو ذلك الحق فلا تمتر. وقوله: تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ (64) وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه إلى كلمة عدل بيننا وبينكم وقد يقال فِي معنى عدل سوى وسوى، قال اللَّه تبارك وتعالى فى سورة طه (فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً) «2» وسوى يراد به عدل ونصف بيننا وبينك. ثم قال أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ فأن فِي موضع «3» خفض على معنى: تعالوا إلى ألا نعبد إلا اللَّه. ولو أنك رفعت (ما نعبد) «4» مع العطوف عليها على نية تعالوا نتعاقد لا «5» نعبد إلا اللَّه لأن معنى الكلمة القول، كأنك حكيت تعالوا نقول لا نعبد إلا اللَّه. ولو جزمت العطوف لصلح على التوهم لأن الكلام مجزوم لو لم تكن فِيهِ أن كما تقول: تعالوا لا نقل إلا خيرا. ومثله مما يرد على التأويل قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ «6» فصيّر (ولا تكونن) نهيا فِي موضع جزم، والأول منصوب، ومثله وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ. وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ «7» فرد أن على لام كي لأن (أن) تصلح فى موقع   (1) آية 147. (2) آية 58. (3) أي على أن المصدر بدل من «كلمة» . (4) يريد (لا نعبد) . وإنما وضع فى التفسير (ما) موضع (لا) الواردة فى التلاوة ليحقق رفع الفعل، فإنه لا ينتصب بعد ما. (5) فى الأصلين: «ألا» والوجه ما أثبت. [ ..... ] (6) آية 14 سورة الأنعام. (7) آيتا 71- 72 سورة الأنعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 اللام. فرد أن على أن مثلها يصلح فِي موقع اللام ألا ترى أنه قال فى موضع يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا «1» وفى موضع يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا «2» . وقوله: لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ (65) فإن أهل نجران قَالُوا: كان إِبْرَاهِيم نصرانيا على ديننا، وقالت اليهود: كان يهوديا على ديننا، فأكذبهم اللَّه فقال وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أي بعد إِبْرَاهِيم بدهر طويل، ثُمَّ عيرهم أيضا. فقال: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ (66) إِلَى آخر الآية. ثُمَّ بين ذلك. فقال: مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً (67) إلى آخر الآية. وقوله: لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يقول: تشهدون أن مُحَمَّدا صلى اللَّه عليه وسلم بصفاته فِي كتابكم. فذلك قوله: (تشهدون) . وقوله: لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ (71) لو أنك قلت فِي الكلام: لم تقوم وتقعد يا رَجُل؟ على الصرف «3» لجاز، فلو نصبت (وتكتموا) كان صوابا.   (1) آية 8 سورة الصف. (2) آية 32 سورة التوبة. (3) الصرف هنا ألا يقصد الثاني بالاستفهام، فإنه إن قصد ذلك كان العطف، وكان حكم الثاني حكم الأوّل، ولم ينصب. والنصب عند البصريين بأن مضمرة بعد واو المعية. وانظر ص 34 من هذا الجزء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وقوله: وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ (72) يعنى صلاة الصبح وَاكْفُرُوا آخِرَهُ يعني صلاة الظهر. هذا قالته اليهود لما صرفت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة فقالت اليهود: صلوا مع مُحَمَّد- صلى اللَّه عليه وسلم- الصبح، فإذا كانت الظهر فصلوا إلى قبلتكم لتشككوا أصحاب مُحَمَّد فِي قبلتهم لانكم عندهم أعلم منهم فيرجعوا إلى قبلتكم. فأما قوله: وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ (73) فإنه يقال: إنها من قول اليهود. يقول: ولا تصدقوا إلا لمن تبع دينكم. واللام بمنزلة قوله: عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ «1» المعنى: ردِفكم. وقوله: أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ (73) يقول: لا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم. أوقعت تُؤْمِنُوا على أَنْ يُؤْتى كأنه قال: ولا تؤمنوا أن يعطى أحد مثل ما أعطيتم، فهذا وجه. ويقال: قد انقطع كلام اليهود عند قوله وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، ثُمَّ صار الكلام من قوله قل يا مُحَمَّد إن الهدى هدى اللَّه أن يؤتى أحد مثل ما أوتى أهل الإسْلام، وجاءت (أن) لأن فِي قوله قُلْ إِنَّ الْهُدى مثل قوله: إن البيان بيان اللَّه، فقد بين أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتى أهل الإسلام. وصلحت (أحد)   (1) آية 72 سورة النمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 لأن معنى أن معنى لا كما قال تبارك وتعالى يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا «1» معناه: لا تضلون. وقال تبارك وتعالى كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ. لا يُؤْمِنُونَ بِهِ «2» أن تصلح فِي موضع لا. وقوله أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ فِي معنى حَتَّى وفي معنى إلا كما تقول فِي الكلام: تعلق به أبدا أو يعطيك حقك، فتصلح حَتَّى وإلا فِي موضع أو. وقوله: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ (75) كان الاعمش وعاصم يجزمان الهاء فِي يؤده، و «نُوَلِّهِ «3» ما تَوَلَّى» ، و «أَرْجِهْ وَأَخاهُ» «4» ، و «خَيْراً يَرَهُ» ، و «شَرًّا «5» يَرَهُ» . وفيه لهما مذهبان أما أحدهما فإن القوم ظنوا أن الجزم فِي الهاء، وإنما هُوَ فيما قبل الهاء. فهذا وإن كان توهما، خطأ. وأما الآخر فإن من العرب من يجزم الهاء إذا تحرك ما قبلها فيقول ضربته ضربا شديدا، أو يترك الهاء إذ سكنها وأصلها الرفع بمنزلة رأيتهم وأنتم ألا ترى أن الميم سكنت وأصلها الرفع. ومن العرب من يحرك الهاء حركة بلا واو، فيقول ضربته (بلا واو) ضربا شديدا. والوجه الأكثر أن توصل بواو فيقال كلمتهو كلاما، على هذا البناء، وقد قال الشاعر فِي حذف الواو: أَنَا ابن كلاب وابن أوس فمن يكن ... قناعه مغطيّا فإنّى لمجتلى «6»   (1) آخر آية فى سورة النساء. (2) آيتا 200، 201 سورة الشعراء. (3) آية 115 سورة النساء. (4) آية 111 سورة الأعراف. (5) آيتا 7، 8 سورة الزلزلة. (6) فى ج: «معطيا» وهو تصحيف عما أثبتناه. والبيت فى اللسان (غطى) . ومغطيا: مستورا من قولهم: غطى الشيء: ستره وعلاه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وأما إذا سكن ما قبل الهاء فإنهم يختارون حذف الواو من الهاء فيقولون: دعه يذهب، ومنه، وعنه. ولا يكادون يقولون: منهو ولا عنهو، فيصلون بواو إذا سكن ما قبلها وذلك أنهم لا يقدرون على تسكين الهاء وقبلها حرف ساكن، فلما صارت متحركة لا يجوز تسكينها اكتفوا بحركتها من الواو. وقوله إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً يقول: ما دمت له متقاضيا. والتفسير فِي ذلك أن أهل الكتاب كانوا إذا بايعهم أهل الإسْلام أدى بعضهم الأمانة، وقال بعضهم: ليس للاميين- وهم العرب- حرمة كحرمة أهل ديننا، فأخبر اللَّه- تبارك وتعالى- أن فيهم أمانة وخيانة فقال تبارك وتعالى «وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ» فِي استحلالهم الذهاب بحقوق المسلمين. وقوله: بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) تقرأ: تعلّمون و «1» تعلمون، وجاء فِي التفسير: بقراءتكم الكتب وعلمكم بها. فكان الوجه (تعلمون) وقرأ الكسائي وحمزة (تعلمون) لأن العالم يقع عليه يعلم ويعلم. وقوله: وَلا يَأْمُرَكُمْ ... (80) أكثر القراء على نصبها يردونها على (أَنْ يُؤْتِيَهُ الله) : ولا أن يأمركم. وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه (ولن يأمركم) فهذا دليل على انقطاعها من النسق وأنها مستأنفة، فلما وقعت (لا) فِي موقع (لن) رفعت كما قال تبارك وتعالى (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً   (1) فالتشديد قراءة ابن عامر وأهل الكوفة. والتخفيف قراءة أبى عمرو وأهل المدينة. وانظر القرطبى 4/ 123 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ «1» الْجَحِيمِ) وهى فى قراءة عَبْد اللَّه (ولن تسأل) وَفِي قراءة أبىّ (وما تسأل عن أصحاب الجحيم) . وقوله: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ (81) ولما آتيتكم، قرأها يحيى بْن وثاب بكسر اللام يريد أخذ الميثاق للذين آتاهم، ثُمَّ جعل قوله (لتؤمنن به) من الأخذ «2» كما تقول: أخذت ميثاقك لتعملن لأن أخذ الميثاق بمنزلة الاستحلاف. ومن نصب اللام فِي (لما) جعل اللام لا ما زائدة إذ أوقعت على جزاء «3» صير على جهة فعل وصير جواب الجزاء باللام وبإن وبلا وبما، فكأن اللام يمين إذ صارت تلقى بجواب اليمين. وهو وجه الكلام. وقوله: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً (83) أسلم أهل السَّمَوَاتِ طوعا. وأما أهل الأرض فإنهم لما كانت السنة فيهم أن يقاتلوا إن لم يسلموا أسلموا طوعا وكرها. وقوله: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً (91) نصبت الذهب لأنه مفسر لا يأتي مثله إلا نكرة، فخرج نصبه كنصب قولك: عندي عشرون درهما، ولك خيرهما كبشا. ومثله قوله (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) «4»   (1) آية 119 سورة البقرة. [ ..... ] (2) يريد أنه جواب القسم الذي تضمنه قوله: أخذ الله ميثاق النبيين إذ كان ذلك فى معنى القسم. (3) يريد أن (ما) فى (لما) على هذا شرطية، واللام موطئة للقسم، ولذلك أجيبت بما يجاب به القسم فى قوله: لتؤمنن به. (4) آية 95 سورة المائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 وإنما ينصب على خروجه من المقدار الَّذِي تراه قد ذكر قبله، مثل ملء الأرض، أو عدل ذلك، فالعدل مقدار معروف، وملء الأرض مقدار معروف، فانصب ما أتاك على هذا المثال ما أضيف إلى شيء له قدر كقولك: عندى قدر قفيز «1» دقيقا، وقدر حملةٍ تبنا، وقدر رطلين عسلا، فهذه مقادير معروفة يخرج الَّذِي بعدها مفسرا لأنك ترى التفسير خارجا من الوصف يدل على جنس المقدار من أي شيء هُوَ كما أنك إذا قلت: عندي عشرون فقد أخبرت عن عدد مجهول قد تم خبره، وجهل جنسه وبقي تفسيره، فصار هذا مفسرا عَنْهُ، فلذلك نصب. ولو رفعته على الائتناف لجاز كما تقول: عندي عشرون، ثُمَّ تقول بعد: رجال، كذلك لو قلت: ملء الأرض، ثُمَّ قلت: ذهب، تخبر على غير اتصال. وقوله: وَلَوِ افْتَدى بِهِ الواو هاهنا قد يستغنى عَنْهَا، فلو قيل ملء الأرض ذهبا لو افتدى به كان صوابا. وهو بمنزلة قوله: (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) «2» فالواو هاهنا كأن لها فعلا مضمرا «3» بعدها. وقوله: إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ ... (93) يذكر فِي التفسير أنه أصابه عرق النسا فجعل على نفسه إن برأ أن يحرم أحب الطعام والشراب إليه، فلما برأ حرم على نفسه لحوم الإبل وألبانها، وكان «4» أحب الطعام والشراب إليه.   (1) القفيز: مكيال للحبوب. (2) آية 75 سورة الأنعام. (3) أي كأنّ الأصل: ولو افتدى به فلن يقبل منه فحذف الجواب للدليل عليه من الكلام السابق. وكذلك قوله تعالى: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ: فالتقدير وليكون من الموقنين أريناه ملكوت السموات والأرض. (4) كذا فى ش، ج. يريد: كان كل منهما. وقد يكون الأصل: «كانا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وقوله: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ... (96) يقول: إن أول مسجد وضع للناس (لَلَّذِي ببكّة) وإنما سميت بكة لازدحام الناس بها يقال: بك الناس بعضهم بعضًا: إذا ازدحموا. وقوله: هُدىً موضع نصب متبعة للمبارك. ويقال إنما قيل: مباركا لأنه مغفرة للذنوب. وقوله: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ ... (97) يُقَالُ: الآيات المقام والحجر والحطيم، وقرا ابن عَبَّاس «فِيهِ آية بينة» جعل المقام هُوَ الآية لا غير. وقوله: وَمَنْ كَفَرَ يقول: من قَالَ ليس علي حج فَإِنَّمَا يجحد بالكفر فرضه لا يتركه «1» . وقوله: مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً ... (99) يريد السبيل فأنثها، والمعنى تبغون لها. وكذلك (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) » : يبغون لكم الفتنة. والعرب يقولون: ابغني خادما فارها، يريدون: ابتغه لي، فإذا أرادوا: ابتغ معي «3» وأعني على طلبه قَالُوا أبغني (ففتحوا الألف الأولى من بغيت، والثانية من أبغيت) «4» وكذلك يقولون: المسني «5» نارا وألمسني، واحلبني وأحلبني، وأحملني «6» واحملني،   (1) كذا فى ش، ج. وكأنّ فى الكلام سقطا، والأصل: إذ لو آمن به لا يتركه. (2) آية 47 سورة التوبة. (3) فى ح: «معنى» وفى ش: «معنا» والأنسب ما أثبت. (4) كذا ترى ما بين القوسين فى ش ج. ولم يستقم لنا وجه هذه العبارة. وقد يكون الأصل: فكسروا الألف من ابغني الأولى وفتحوها من أبغنى الثانية. (5) كذا، والظاهر أن ما هنا تحريف عن: اقبسنى نارا، وأقبسنى. (6) فاحلبنى معناها: احلب لى، وأحلبنى: أعنّى على الحلب. وانظر اللسان (عكم) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 واعكمنى وأعكمنى «1» فقوله: احلبني يريد: احلب لي أي اكفنى الحلب، وأحلبنى: أعنّى عليه، وبقيته على مثل هذا. وقوله: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ... (103) الكلام العربىّ هكذا بالباء، وربما طرحت العرب الباء فقالوا: اعتصمت بك واعتصمتك قال بعضهم: إذا أنت جازيت الإخاء بِمِثْلِهِ ... وآسيتني ثُمَّ اعتصمت حباليا فألقى الباء. وهو كقولك: تعلقت زيدا، وتعلقت بزيد. وأنشد بعضهم: تعلقت هندا ناشئا ذات مئزرٍ ... وأنت وقد قارفت «2» لم تدر ما الحلم وقوله: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ... (106) لم يذكر الفعل أحد من القراء كما قيل (لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها) «3» وقوله (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) «4» وإنما سهل التذكير فِي هذين لأن معهما جحدا، والمعنى فِيهِ: لا يحل لك أحد من النساء، ولن ينال اللَّه شيء من لحومها، فذهب بالتذكير إلى المعنى، والوجوه ليس ذلك فيها، ولو ذكر فعل الوجوه كما تقول: قام القوم لجاز ذلك. وقوله: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ يقال: (أمّا) لا بدّ لها من الفاء جوابا فأين هِيَ؟ فيقال: إنها كانت مع قولٍ مضمر، فلما سقط القول سقطت الفاء معه، والمعنى- والله أعلم- فأما الذين اسودّت وجوههم فيقال: أكفرتم،   (1) العكم: شدّ المتاع بثوب. فمعنى اعكمنى: شدّ لى المتاع، ومعنى أعكمنى: أعنّى على العكم. [ ..... ] (2) «ناشئا» هو حال من «هندا» وتراه من غير علم التأنيث. والناشئ: الذي جاوز حدّ الصغر. وقوله: «وقد قارفت» حال مقدّمة، والأصل: وأنت لم تدر ما الحلم وقد قارفت أي قاربت الحلم. يقال: قارف الشيء: قاربه. (3) آية 37 سورة الحج. (4) آية 52 سورة الأحزاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 فسقطت الفاء مع (فيقال) . والقول قد يضمر. ومنه فِي كتاب اللَّه شيء كثير من ذلك قوله (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) «1» وقوله (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) «2» وفي قراءة عَبْد اللَّه «ويقولان ربنا» . وقوله: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ ... (108) يريد «3» : هذه آيات اللَّه. وقد فسر شأنها فِي أول البقرة. وقوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ... (110) فِي التأويل: فِي اللوح المحفوظ. ومعناه أنتم خير أمة كقوله (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ) «4» ، و (إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) «5» فإضمار كان فِي مثل هذا وإظهارها سواء. وقوله: يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ... (111) مجزوم لأنه جواب للجزاء ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ مرفوع على الائتناف، ولأن رءوس الآيات بالنون، فذلك مما يقوى الرفع كما قال (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) «6» فرفع، وقال تبارك وتعالى (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) «7» .   (1) آية 12 سورة السجدة. (2) آية 127 سورة البقرة. (3) يريد أنه وضع إشارة البعيد فى مكان إشارة القريب. والمسوّغ لهذا أن المشار إليه كلام، يجوز أن يراعى فيه انقضاؤه فيكون بعيدا. وانظر ص 10 من هذا الجزء. (4) آية 86 سورة الأعراف. (5) آية 26 سورة الأنفال. (6) آية 36 سورة المرسلات. (7) آية 36 سورة فاطر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 وقوله: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ ... (112) يقول: إلا أن يعتصموا بحبل من اللَّه فأضمر ذلك، وقال الشاعر «1» : رأتني بحبليها فصَدَّت مخافةً ... وَفِي الحبل روعاء الفؤاد فروق أراد: أقبلت بحبليها، وقال الآخر «2» : حنتني حانيات الدهر حَتَّى ... كأني خاتلٍ أدنو لصيد قريب الخطو يحسب من رآني ... ولست مقيدا أنى بقيد يريد: مقيدا بقيد. وقوله: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ ... (113) ذكر أمة ولم يذكر بعدها أخرى، والكلام مبني على أخرى يراد لأن سواء لا بد لها من اثنين فما زاد. ورفع الأمة على وجهين أحدهما أنك تكره على سواء كأنك قلت: لا تستوي أمة صالحة وأخرى كافرة منها أمة كذا وأمة كذا، وقد تستجيز العرب إضمار أحد الشيئين إذا كان فِي الكلام دليل عليه، قال الشاعر «3» : عصيت إليها القلب إنى لأمرها ... سميع فما أدرى أرشد طلابها   (1) هو حميد بن ثور. والبيت من قصيدة له فى ديوانه المطبوع فى الدار ص 35. وهو فى وصف ناقته. يقال ناقة روعاء الفؤاد: حديدته ذكيته. وفروق: خائفة: كأنه يريد أنه جاء بالحبال التي يشد بها عليها الرحل للسفر فارتاعت لما هى بسبيله من عناء السير. (2) هو أبو الطمحان القينى حنظلة بن الشرقىّ، وكان من المعمرين. و «حابل» أي ينصب الحبالة للصيد. وهى آلة الصيد. والرواية المشهورة «خاتل» من الختل وهو المخادعة. وانظر اللسان (ختل) وكتاب المعمرين لأبى حاتم 47. (3) هو أبو ذؤيب الهذلىّ. والرواية المعروفة: «عصانى إليها القلب» . وانظر ديوان الهذليين (الدار) 1/ 72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 ولم يقل: أم غىّ، ولا: أم لا لأن الكلام معروف المعنى. وقال الآخر: أراك فلا أدرى أهم هممته ... وذو الهم قدمًا خاشع متضائل وقال الآخر «1» : وما أدْرِي إِذَا يمَّمْتُ وجهًا ... أريدُ الخيرَ أيُّهما يليني أألخير الَّذِي أنا أبتغيه ... أم الشر الذي لا يأتليني ومنه قول اللَّه تبارك وتعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً «2» ولم يذكر الَّذِي هُوَ ضده لأن قوله: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ «3» دليل على ما أضمر من ذلك. وقوله: يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ السجود فِي هذا الموضع اسم للصلاة لا للسجود لأن التلاوة لا تكون فِي السجود ولا فِي الركوع. وقوله تعالى: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ (118) وفي قراءة عَبْد اللَّه «وقد بدا البغضاء من أفواههم» ذكر لأن البغضاء مصدر، والمصدر إذا كان مؤنثا جاز تذكير فعله إذا تقدّم مثل وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ «4» وفَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ «5» وأشباه ذلك. وقوله: ها أَنْتُمْ أُولاءِ (119) العرب إذا جاءت إلى اسم مكنى قد وصف بهذا وهاذان وهؤلاء فرقوا بين (ها) وبين (ذا) وجعلوا المكنى بينهما، وذلك فِي جهة التقريب «6» لا فى غيرها،   (1) هو المثقب العبدىّ. وانظر الخزانة 4/ 429، وشرح ابن الأنبارى للمفضليات 574. [ ..... ] (2) آية 9 سورة الزمر. (3) الآية السابقة. (4) آية 67 سورة هود. (5) آية 157 سورة الأنعام. (6) يراد بالتقريب أن يكون محط الخبر هو مفيد الحدث من فعل أو وصف. ففى قولك هأنت ذا تغضب تقريب. والتقريب عندهم مما يكون فيه رفع ونصب ككان الناقصة. وانظر ص 12 من هذا الجزء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 فيقولون: أَيْنَ أنت؟ فيقول القائل: هأنذا، ولا يكادون يقولون: هذا أَنَا، وكذلك التثنية والجمع، ومنه ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وربما أعادوا (ها) فوصلوها بذا وهذان وهؤلاء فيقولون: ها أنت هذا، وها أنتم هؤلاء، وقال اللَّه تبارك وتعالى فِي النساء: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ «1» . فإذا كان الكلام على غير تقريب أو كان مع اسم ظاهر جعلوا (ها) موصولة بذا، فيقولون: هذا هو، وهذان هما، إذا كان على خبر يكتفى كل واحد بصاحبه بلا فعل، والتقريب لا بد فِيهِ من فعل لنقصانه، وأحبوا أن يفرقوا بذلك بين معنى التقريب وبين معنى الاسم الصحيح. وقوله: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً (120) إن شئت جعلت جزما وإن كانت مرفوعة، تكون كقولك للرجل: مد يا هذا، ولو نصبتها أو خفضتها كان صوابا لأن من العرب من يقول مد يا هذا، والنصب فِي العربية أهيؤها «2» ، وإن شئت جعلته رفعا وجعلت (لا) على مذهب ليس فرفعت وأنت مضمر للفاء كما قال الشاعر «3» : فإن كان لا يرضيك حَتَّى تردني ... إلى قطري لا إخالك راضيا وقد قرأ بعض القراء «لا يضركم» تجعله من الضير، وزعم الكسائي أنه سمع بعض أهل العالية يقول: لا ينفعني ذلك وما يضورني، فلو قرئت «لا يضركم» على هذه اللغة كان صوابا.   (1) آية 109 (2) أي أحسنها، وهو اسم تفضيل لقولهم: هيىء للحسن فى كل شىء. وأصله حسن الهيئة. (3) هو سوّار بن المضرب السعدي التميمىّ. وكان هرب من الحجاج لما عزم عليه فى محاربة الخوارج وزعيمهم قطرىّ بن الفجاءة. وموطن الشاهد: «لا إخالك» إذ جاء مرفوعا مع وقوعه فى جواب إن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وقوله: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ (121) وفي قراءة عَبْد اللَّه «تبوي للمؤمنين مقاعد للقتال» والعرب تفعل ذلك، فيقولون: ردفك وردف لك. قال الفراء قال الكسائي: سمعت بعض العرب يقول: نقدت لها مائة، يريدون نقدتها مائة، لامرأة تزوجها. وأنشدني الكسائي: أستغفرُ اللَّه ذنبًا لستُ مُحْصِيهُ ... رَبّ الْعِبَادِ إليه الوجه والعمل والكلام باللام كما قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ «1» وفَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ «2» وأنشدني: أستغفر اللَّه من جدى ومن لعبي ... وزري وكل امرئٍ لا بد متزر «3» يريد لوزري. ووزري حين ألقيت اللام فِي موضع نصب، وأنشدني الكسائي: إن أجز علقمة بْن سعدٍ سعيه ... لا تلقني أجزي بسعي واحد لأحبني حب الصبي وضمني ... ضم الهدى «4» إلى الكريم الماجد وإنما قال (لاحبني) لأنه جعل جواب إن إذ كانت جزاء كجواب لو. وقوله: وَاللَّهُ وَلِيُّهُما (122) وفي قراءة عَبْد اللَّه «والله وليهم» رجع بهما إلى الجمع كما قال اللَّه عز وجل: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ «5» وكما قال: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا «6» .   (1) آية 29 سورة يوسف. (2) آية 135 سورة آل عمران. (3) متزر من اتزر: ارتكب الوزر وهو الإثم. وقوله من جدى ومن لعبى: الأشبه: فى جدى وفى لعبى. (4) الهدىّ: العروس تزف الى زوجها. (5) آية 19 سورة الحج. (6) آية 9 سورة الحجرات. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وقوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ (128) فى نصيبه وجهان إن شئت جعلته معطوفا على قوله: لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ أي أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ وإن شئت جعلت نصبه على مذهب حَتَّى كما تقول: لا أزال ملازمك أو تعطيني، أو إلا أن تعطيني حقي. وقوله: وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ... (135) يقال [ما قبل «1» إلا] معرفة، وإنما يرفع ما بعد إلا بإتباعه ما قبله إذا كان نكرة ومعه جحد كقولك: ما عندي أحد إلا أبوك، فإن معنى قوله: وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ما يغفر الذنوب أحد إلا اللَّه، فجعل على المعنى. وهو فِي القرآن فِي غير موضع. وقوله: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ ... (140) وقرح. وأكثر القراء على فتح القاف. وقد قرأ أصحاب عَبْد اللَّه: قرح، وكأن القرح ألم الجراحات، وكأن القرح الجراح بأعيانها. وهو فِي ذاته مثل قوله: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ «2» ووجدكم وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ «3» وجهدهم، ولا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها «4» [ووسعها] . وقوله: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا يعلم المؤمن من غيره، والصابر من غيره. وهذا فِي مذهب أي ومن كما قال: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى «5» فإذا جعلت   (1) زيادة يقتضيها السياق. وهذا ذكر اعتراض على رفع المستثنى، جوابه قوله بعد: «فإن معنى قوله ... » . (2) آية 6 سورة الطلاق. والضمّ قراءة الجمهور، والفتح قراءة الحسن والأعرج، كما فى البحر. (3) آية 79 سورة التوبة. (4) آية 286 سورة البقرة. (5) آية 12 سورة الكهف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 مكان أىّ من الَّذِي أو ألفا ولا ما نصبت بما يقع عليه كما قال اللَّه تبارك: فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ «1» وجاز ذلك لأن فِي «الَّذِي» وفي الألف واللام تأويل من وأي إذ كانا فِي معنى انفصال من الفعل. فإذا وضعت مكانهما اسما لا فعل فِيهِ لم يحتمل هذا المعنى. فلا يجوز أن تقول: قد سَأَلت فعلمت عَبْد اللَّه، إلا أن تريد علمت ما هُوَ. ولو جعلت مع عَبْد اللَّه اسما فِيهِ دلالة على أي جاز ذلك كقولك: إنما سَأَلت لأعلم عَبْد اللَّه من زَيْدُ، أي لاعرف ذا من ذا. وقول الله تبارك وتعالى: لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ «2» يكون: لم تعلموا مكانهم، ويكون لم تعلموا ما هُمْ أكفار أم مسلمون. والله أعلم بتأويله. وقوله: وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ... (141) يريد: يمحص اللَّه الذنوب عن الذين آمنوا، وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ: ينقصهم ويفنيهم. وقوله: وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) خفض الْحَسَن «ويعلم الصابرين» يريد الجزم. والقراء بعد تنصبه. وهو الَّذِي يسميه النحويون الصرف كقولك: «لم آته وأكرمه إلا استخف بي» والصرف أن يجتمع الفعلان بالواو أو ثُمَّ أو الفاء أو أو، وفي أوله جحد أو استفهام، ثُمَّ ترى ذلك الجحد أو الاستفهام ممتنعا أن يكر فِي العطف، فذلك الصرف. ويجوز فِيهِ الاتباع لأنه نسق فِي اللفظ وينصب إذ كان ممتنعا أن يحدث فيهما ما أحدث   (1) آية 3 سورة العنكبوت. (2) آية 45 سورة الفتح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 فِي أوله ألا ترى أنك تقول: لست لابي إن لم اقتلك أو إن لم تسبقني فِي الأرض. وكذلك يقولون: لا يسعني شيء ويضيق عنك، ولا تكر (لا) فِي يضيق. فهذا تفسير «1» الصرف. وقوله: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) معناه: رأيتم أسباب الموت. وهذا يوم أحد يعني السيف وأشباهه من السلاح. وقوله: أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ... (144) كل استفهام دخل على جزاء «2» فمعناه أن يكون فِي جوابه خبر يقوم «3» بنفسه، والجزاء شرط لذلك الخبر، فهو على هذا، وإنما جزمته ومعناه الرفع لمجيئه بعد الجزاء كقول الشاعر «4» : حلفت له إن تدلج الليل لا يزل ... أمامك بيت من بيوتى سائر ف (لا يزل) فِي موضع رفع إلا أنه جزم لمجيئه بعد الجزاء وصار كالجواب. فلو كان «أفإن مات أو قتل تنقلبون» جاز فِيهِ الجزم والرفع. ومثله أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ «5» المعنى: أنهم الخالدون إن مت. وقوله: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً «6» لو تأخرت فقلت فِي الكلام: (فكيف إن كفرتم تتقون) جاز الرفع والجزم فِي تتقون.   (1) انظر ص 34 من هذا الجزء. (2) يريد بالجزاء أداة الشرط. (3) كذا فى ج. وفى ش: «تقوم» . (4) انظر ص 69 من هذا الجزء. (5) آية 34 سورة الأنبياء. (6) آية 17 سورة المزمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وقوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ... (146) والربيون الألوف. تقرأ: قُتِلَ وقاتل. فمن أراد قتل جعل قوله: فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ للباقين، ومن قال: قاتل جعل الوهن للمقاتلين. وإنما ذكر هذا لانهم قَالُوا يوم أحد: قتل مُحَمَّد صلى اللَّه عليه وسلم، ففشلوا، ونافق بعضهم، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، وأنزل: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ. ومعنى وكأين: وكم. وقد قال بعض المفسرين: «وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ» يريد «1» : و «معه ربيون» والفعل واقع على النبي صلى اللَّه عليه وسلم، يقول: فلم يرجعوا عن دينهم ولم يهنوا بعد قتله. وهو وجه حسن. وقوله: وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ... (147) نصبت القول بكان، وجعلت أن فِي موضع رفع. ومثله فى القرآن كثير. والوجه أن تجعل (أن) فِي موضع الرفع ولو رفع «2» القول وأشباهه وجعل النصب فى «أن» كان صوابا. وقوله: بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ ... (150) رفع على الخبر، ولو نصبته «3» : (بل أطيعوا الله مولاكم) كان وجها حسنا.   (1) يريد أن نائب الفاعل لقتل هو ضمير النبىّ. وجملة «معه ربيون كثير» حالية. [ ..... ] (2) بل قرأ بذلك حماد بن سلمة عن ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم، كما فى البحر 3/ 75. (3) نسبت هذه القراءة إلى الحسن البصري، كما فى البحر 3/ 76. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وقوله: حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ ... (152) يقال: إنه مقدم ومؤخر معناه: «حَتَّى إذا تنازعتم فى الأمر فشلتم» . فهذه الواو معناها السقوط: كما يقال: فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنادَيْناهُ «1» معناه: ناديناه. وهو فى «حَتَّى إِذا» و «فلمّا أن» «2» مقول، لم يأت فِي غير هذين. قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ «3» ثم قال: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ «4» معناه: اقترب، وقال تبارك وتعالى: حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها «5» وفي موضع آخر: فُتِحَتْ «6» وقال الشاعر: حَتَّى إذا قملت بطونكم ... ورأيتم أبناءكم شبوا وقلبتم ظهر المجن لنا ... إن اللئيم العاجز الخب «7» الخب «8» : الغدار، والخب: الغدر. وأما قوله: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ. وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ «9» وقوله: وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ. وَأَلْقَتْ مَا فِيها وَتَخَلَّتْ «10» فإنه كلام واحد جوابه فيما بعده، كأنه يقول: «فيومئذ يلاقى حسابه» . وقد قال بعض من روى عن قَتَادَة من البصريين إِذَا السّماء انشقّت. أذنت لربها وحقّت ولست أشتهى ذلك لأنها فِي مذهب «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» «11» و «إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ» «12» فجواب هذا بعده «عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ» «13» و «عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ» «14» .   (1) آيتا 103، 104 من الصافات. (2) فى الطبري «فلما» وهذا أولى لأن الآية السابقة ليس فيها (أن) . ولكنه يريد تعيين لما الحينية التي يأتى بعدها أن، احترازا من لما الجازمة أو التي بمعنى إلا. (3) آية 96 سورة الأنبياء. (4) آية 97 سورة الأنبياء. (5) آية 73 سورة الزمر. (6) آية 71 سورة الزمر. (7) انظر فى البيتين ص 107 من هذا الجزء. (8) وقد ورد فى الوصف الكسر. (9) آيتا 1، 2 سورة الانشقاق. (10) آية 3 من السورة السابقة. (11) أول سورة التكوير. ويريد بمذهب سورتى التكوير والانفطار ورود الجملة الثانية بعد (إذا) مقرونة بواو العطف. (12) أول سورة الانفطار. [ ..... ] (13) آية 14 سورة التكوير. (14) آية 5 سورة الانفطار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وقوله: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ ... (153) الإصعاد فِي ابتداء الأسفار والمخارج. تقول: أصعدنا من مكة ومن بغداد إلى خراسان، وشبيه ذلك. فإذا صعدت على السلم أو الدرجة ونحوهما قلت: صعدت، ولم تقل أصعدت. وقرأ الحسن البصرىّ: «إذ تصعدون ولا تلوون» جعل الصعود فِي الجبل كالصعود فِي السلم. وقوله: وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ ومن العرب من يقول: أخراتكم، ولا يجوز فِي القرآن لزيادة التاء فيها على كتاب المصاحف وقال الشاعر: ويتقى السيف بأخراته ... من دون كف الجار والمعصم «1» وقوله: فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ الإثابة هاهنا [فِي] معنى عقاب، ولكنه كما قال الشاعر «2» : أخاف زيادا أن يكون عطاؤه ... أداهم سودًا أو محدرجة سمرا وقد يقول الرجل الَّذِي قد اجترم إليك: لئن أتيتني لأثيبنك ثوابك، معناه: لأعاقبنك، وربما أنكره من لا يعرف مذاهب العربية. وقد قال اللَّه تبارك وتعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ «3» والبشارة إنما تكون فِي الخير، فقد قيل ذاك فى الشرّ.   (1) ورد فى اللسان (أخر) دون عزو. (2) هو الفرزدق. وزياد هو ابن أبيه، كان توعد الفرزدق ثم أظهر الرضا عنه وأنه سيحبوه إن قصده، فلم يركن لذلك الفرزدق. والأداهم جمع أدهم وهو القيد. والمحدرجة: السياط، وهو وصف من حدرجه إذا أحكم فتله. وسوط محدرج: مغار محكم الفتل. (3) آية 21 سورة آل عمران، 34 سورة التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 ومعنى قوله (غمّا بغمّ) ما أصابهم يوم أحد من الهزيمة والقتل، ثُمَّ أشرف عليهم خَالِد بْن الوليد «1» بخيله فخافوه، وغمهم ذلك. وقوله: وَلا مَا أَصابَكُمْ (ما) فِي موضع خفض على «مَا فاتَكُمْ» أي ولا على ما أصابكم. وقوله: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ ... (154) تقرأ بالتاء «2» فتكون للأمنة وبالياء فيكون للنعاس، مثل قوله يَغْلِي فِي الْبُطُونِ «3» وتغلي، إذا كانت (تغلي) فهي الشجرة، وإذا كانت (يغلي) فهو للمهل. وقوله: يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ، وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ ترفع الطائفة بقوله (أهمتهم) بما «4» رجع من ذكرها، وإن شئت رفعتها «5» بقوله يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ولو كانت نصبا لكان صوابا مثل قوله فِي الأعراف: فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ «6» . وإذا رَأَيْت «7» اسما فِي أوله كلام وفي آخره فعل قد وقع على راجع ذكره جاز فِي الاسم الرفع والنصب. فمن ذلك قوله: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ «8» وقوله: وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ «9» يكون نصبا ورفعا. فمن نصب جعل الواو   (1) أي وأبو سفيان كما فى القرطبي. وعند الطبري أن ذلك كان من إشراف أبى سفيان وعلوّه الجبل. (2) أي تغشى. (3) آية 45 سورة الدخان. (4) يريد أن «طائفة» مبتدأ خبره جملة «أهمتهم» ورافع المبتدأ عندهم فى مثل هذا ما يعود على المبتدإ من الضمير. (5) يريد على هذا الوجه أن تكون جملة «أهمتهم أنفسهم» صفة «طائفة» فأما الخبر فهو جملة: «يظنون» . (6) آية 30. (7) يريد ما يعرف فى النحو بحدّ الاشتغال. (8) آية 47 سورة الذاريات. (9) آية 48 من السورة السابقة. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 كأنها ظرف للفعل متصلة بالفعل، ومن رفع جعل الواو للاسم، ورفعه بعائد ذكره كما قال الشاعر: إن لم اشف النفوس من حي بكرٍ ... وعدى تطاه جرب الجمال «1» فلا تكاد العرب تنصب مثل (عدى) فِي معناه لأن الواو لا يصلح نقلها إلى الفعل ألا ترى أنك لا تقول «2» : وتطأ عديا جرب الجمال. فإذا رَأَيْت الواو تحسن فِي الاسم جعلت الرفع وجه الكلام. وَإِذَا رَأَيْت الواو يحسن فِي الفعل جعلت النصب وجه الكلام. وإذا رَأَيْت ما قبل الفعل يحسن للفعل والاسم جعلت الرفع والنصب سواء، ولم يغلب واحد على صاحبه مثل قول الشاعر «3» : إذا ابن أبى مُوسَى بلالا أتيته ... فقام بفأس بين وصليك جازر فالرفع «4» والنصب فِي هذا سواء. وأما قول اللَّه عز وجل: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ «5» فوجه الكلام فِيهِ الرفع لأن أما تحسن فى الاسم ولا تكون مع الفعل.   (1) قبله: ثكلتنى عند الثنية أمي ... وأتاها نعىّ عمىّ وخالى ويريد بعدىّ المهلهل. والشعر فى الأغانى طبع الدار 5/ 58. (2) وذلك أن هذه جملة حالية، وإذا كان صدرها مضارعا لا تدخل عليها الواو. (3) هو ذو الرمة. وهذا من قصيدة فى مدح بلال بن أبى بردة بن أبى موسى الأشعرىّ أمير البصرة وقاضيها. وقبل البيت الشاهد: أقول لها إذ شمر السير واستوت ... بها البيد واستنت عليها الحرائر وهو يخاطب ناقته. وتشمير السير الارتفاع به والسير فيه، والحرائر جمع الحرور وهى ريح السموم، يدعو على ناقته أن تذبح إذا بلغته الممدوح لأنه يغنيه عنها بحبائه. وانظر ديوان ذى الرمة 253 والخزانة 1/ 450. (4) من البين أنه على الرفع يقرأ «بلال» . وهو ما فى الديوان. ويقول صاحب الخزانة: «وقد رأيته مرفوعا فى نسختين صحيحتين من إيضاح الشعر لأبى علىّ الفارسىّ إحداهما بخط أبى الفتح عثمان ابن جنىّ» . (5) آية 17 سورة فصلت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وأمّا قوله: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما «1» فوجه الكلام فِيهِ الرفع لأنه غير موقت فرفع كما يرفع الجزاء، كقولك: من سرق فاقطعوا يده. وكذلك قوله وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ «2» معناهُ والله أعلم من (قَالَ الشعر) «3» اتّبعه الغاوون. ولو نصبت قوله (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) بالفعل كان صوابا. وقوله وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ «4» العرب فِي (كل) تختار الرفع، وقع الفعل على راجع الذكر أو لم يقع. وسمعت العرب تقول وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ بالرفع وقد رجع ذكره. وأنشدوني «5» فيما لم يقع الفعل على راجع ذكره: فقالوا تعرفها المنازل من منى ... وما كل من يغشى منى أَنَا عارف «6» ألفنا ديارا لم تكن من ديارنا ... ومن يتألف بالكرامة يألف فلم يقع (عارف) على كلّ وذلك أن فِي (كل) تأويل: وما من أحد يغشى مني أَنَا عارف، ولو نصبت لكان صوابا، وما سمعته إلا رفعا. وقال الآخر: قد عَلِقت أمُّ الْخِيَار تَدَّعِي ... عليَّ ذَنْبا كله لم أصنع «7» رفعا، وأنشدنيه بعض بني أسد نصبا.   (1) آية 38 سورة المائدة. (2) آية 224 سورة الشعراء. (3) كذا فى ج. وفى ش: «قرأ الشعراء» والشعراء محرفة عن الشعر. (4) آية 13 سورة الإسراء. (5) كذا فى ج. وفى ش: «أنشدنى» . (6) انظر ص 139 من هذا الجزء. (7) انظر ص 140 من هذا الجزء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 وقوله قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ فمن رفع جعل (كل) اسما فرفعه باللام فِي لله كقوله «1» وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ «2» ومن نصب (كله) جعله من نعت «3» الأمر. وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ ... (156) كان ينبغي فِي العربية أن يقال: وقالوا لإخوانهم إذ ضربوا فِي الأرض لأنه ماض كما تقول: ضربتك إذ قمت، ولا تقول ضربتك إذا قمت. وذلك جائز، والذي فِي كتاب اللَّه عربي حسن لأن القول وإن كان ماضيا فِي اللفظ فهو فِي معنى الاستقبال لأن (الذين) يذهب «4» بها إلى معنى الجزاء من من وما. فأنت تقول للرجل: أحبب من أحبك، وأحبب كل رَجُل أحبك، فيكون «5» الفعل ماضيا وهو يصلح للمستقبل إذ كان أصحابه غير موقّتين، فلو وقّته لم يجز. من ذلك أن تقول: لاضربن هذا الَّذِي ضربك إذ سلمت عليك، لأنك قد وقته فسقط عَنْهُ مذهب الجزاء. وتقول: لا تضرب إلا الذي ضربك إذ سلمت عليه، فتقول (إذا) لأنك لم توقته. وكذلك قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ «6» فقال   (1) يريد أن رفع «كله» فى الآية على أنه مبتدأ خبره ما بعده يشبه ما فى الآية التالية إذ رفع (وجوههم) على أنه مبتدأ خبره (مسودة) . ويصح فى العربية نصب (وجوههم) على أنه بدل من الموصول. (2) آية 60 سورة الزمر. [ ..... ] (3) يجعله البصريون توكيدا، كما هو معروف. (4) يريد أن اسم الموصول إذا كانت صلته عامة أشبه الجزاء إذ كان يشترك فى الموصولية مع من وما: يأتيان موصولين كالذى، ويكونان للجزاء، والماضي فى حيز الجزاء للمستقبل، فإذا جاءت إذ فى حيز الذي كان للاستقبال. (5) كذا فى ج. وفى ش: «فيقول» . (6) آية 25 سورة الحج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وَيَصُدُّونَ فردها على (كفروا) لأنها غير موقتة، وكذلك قوله إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ «1» المعنى: إلا الذين يتوبون من قبل أن تقدروا عليهم. والله أعلم. وكذلك قوله إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً» معناه: إلا من يتوب ويعمل صالحا. وقال الشاعر: فإني لاتيكم تشكر ما مضى ... من الأمر واستيجاب ما كان فِي غد «3» يريد به المستقبل: لذلك قال (كان فِي غد) ولو كان ماضيا لقال: ما كان فِي أمس، ولم يجز ما كان فِي غد. وأمّا قول الكميت: ما ذاق بؤس معيشةٍ ونعيمها ... فيما مضى أحد إذا لم يعشق فمن ذلك إنما أراد: لم يذقها فيما مضى ولن يذوقها فيما يستقبل إذا كان لم يعشق. وتقول: ما هلك امرؤ عرف قدره، فلو أدخلت فِي هذا (إذا) كانت أجود من (إذ) لأنك لم تخبر بذلك عن واحد فيكون بإذا، وإنما جعلته كالدأب فجرى الماضي والمستقبل. ومن ذلك أن يقول الرجل للرجل: كنت صابرا إذا ضربتك لأن المعنى: كنت كلما ضربت تصبر. فإذا قلت: كنت صابرا إذ ضربت، فإنما أخبرت عن صبره فِي ضربٍ واحد. وقوله: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ... (159) العرب تجعل (ما) صلة فِي المعرفة والنكرة واحدا. قال الله فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ «4» والمعنى فبنقضهم، وعَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ «5» والمعنى: عن قليل. والله أعلم. وربما جعلوه اسما وهى فى مذهب   (1) آية 34 سورة المائدة. (2) آية 60 سورة مريم. (3) انظر ص 180 من هذا الجزء. (4) آية 155 سورة النساء، 13 سورة المائدة. (5) آية 40 سورة المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 الصلة فيجوز فيما بعدها الرفع على أنه صلة، والخفض على إتباع الصلة لما قبلها كقول الشاعر: فَكَفَى بِنا فَضْلا عَلَى مَنْ غَيْرِنا ... حُبُّ النَّبِيّ محمدٍ إيانا «1» وترفع (غير) إذا جعلت صلة بإضمار (هُوَ) ، وتخفض على الاتباع لمن، وقال الفرزدق: إني وإياك إن بلغن أرحلنا ... كمن بواديه بعد المحل ممطور «2» فهذا مع النكرات، فإذا كانت الصلة معرفة آثروا الرفع، من ذلك فَبِما نَقْضِهِمْ لم يقرأه أحد برفع ولم نسمعه. ولو قيل جاز. وأنشدونا بيت عدي «3» : لم أر مثل الفتيان فى غير ال ... أيام ينسون ما عواقبها والمعنى: ينسون عواقبها صلة لما. وهو مما أكرهه لأن قائله يلزمه أن يقول: «أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ» «4» فأكرهه لذلك ولا أرده. وقد جاء، وقد وجهه بعض النحويين إلى: ينسون أي شيء «5» عواقبها، وهو جائز، والوجه الأول أحب إلى. والقراء لا تقرأ بكل ما يجوز فِي العربية، فلا يقبحن عندك تشنيع مشنع مما لم يقرأه القرّاء مما يجوز.   (1) انظر ص 21 من هذا الجزء. (2) من قصيدة له يمدح فيها يزيد بن عبد الملك ابن مروان. فقوله «وإياك» خطاب ليزيد. أي إن بلغتك الإبل أرحلنا وأوصلتنا إليك عمنا الخير وفارقنا البؤس كمن مطر واديه بعد المحل. وانظر كتاب سيبويه 1/ 269. (3) أي عدى بن زيد. وبعد البيت الشاهد: يرون إخوانهم ومصرعهم ... وكيف تعتاقهم مخالبها وغير الأيام صروفها وحوادثها المتغيرة. وانظر الخزانة 2/ 21، وأمالى ابن الشجري 1/ 74. (4) آية 28 سورة القصص. (5) يريد أن بعض النحويين جعل (ما) فى بيت عدىّ استفهامية لا موصولا، فعواقبها خبر (ما) وليست صلة. وهو غير ما أسلفه. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وقوله: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ... (161) يقرأ بعض أهل المدينة أن يغل يريدون «1» أن يخان. وقرأه أصحاب عَبْد اللَّه كذلك: أن يغل يريدون «2» أن يسرق أو يخون. وذلك جائز وإن لم يقل: يغلل فيكون مثل «3» قوله: فَإِنَّهُمْ لا يكذّبونك- ويُكَذِّبُونَكَ «4» وقرأ ابن عَبَّاس وأبو عَبْد الرَّحْمَن السلمي «أن يغل» ، وذلك أنهم ظنوا يوم أحد أن لن تقسم لهم الغنائم كما فعل يوم بدر. ومعناه: أن يتهم ويقال قد غل. وقوله: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ ... (163) يقول: هُمْ فِي الفضل مختلفون: بعضهم أرفع من بعض. وقوله: وَيُزَكِّيهِمْ ... (164) : يأخذ منهم الزكاة كما قال تبارك وتعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها» «5» . وقوله: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ... (165) يقول: تركتم ما أمرتم به وطلبتم الغنيمة، وتركتم مراكزكم، فمن قبلكم جاءكم الشر. وقوله: قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا (167) يقول: كثروا، فإنكم إذا كثرتم دفعتم القوم بكثرتكم.   (1) فهو مجهول غله أي خانه. (2) فيغل على هذا مجهول أغله أي نسبه إلى الغلول وهو الخيانة أو السرقة، فيغل: يسرق أي ينسب إلى السرقة، أو يخوّن أي ينسب إلى الخيانة. (3) يريد أن أغل وغلل فى تواردهما على معنى النسبة إلى الغلول مثل كذب وأكذب فى التوارد على معنى النسبة إلى الكذب كما جاءت القراءتان بهما فى الآية. (4) آية 32 سورة الأنعام. (5) آية 103 سورة التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 وقوله: بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) وقوله: فَرِحِينَ ... (170) [لو كانت رفعا على «بل أحياء فرحون» لجاز. ونصبها على الانقطاع من الهاء فِي «ربهم» . وإن شئت يرزقون فرحين] «1» «وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ» من أخوانهم الذين يرجون لهم الشهادة للذي رأوا من ثواب اللَّه فهم يستبشرون بهم. وقوله: أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ يستبشرون لهم بأنهم لا خوف عليهم «ولا حزن» «2» . وقوله: وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) تقرأ بالفتح والكسر. من فتحها جعلها خفضا متبعة للنعمة. ومن كسرها استأنف. وهي قراءة عَبْد اللَّه «والله لا يضيع» فهذه حجة لمن كسر. وقوله: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ ... (173) و (الناس) فِي هذا الموضع واحد، وهو نعيم بْن مَسْعُود الأشجعي. بعثه أَبُو سُفْيَان وأصحابه فقالوا: شبّط محمدا- صلى اللَّه عليه وسلم- أو خوفه حَتَّى لا يلقانا ببدر الصغرى، وكانت ميعادا بينهم «3» يوم أحد. فأتاهم نعيم فقال: قد أتوكم فِي بلدتكم فصنعوا بكم ما صنعوا، فكيف بكم إذا وردتم عليهم فِي بلدتهم وهم أكثر وأنتم أقل؟ فأنزل اللَّه تبارك وتعالى:   (1) سقط فى ش. (2) كذا فى ش. وفى ج: «ولا يحزنون» . (3) كذا فى ج، وفى ش: «يومهم» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ ... (175) يقول: يخوّفكم بأوليائه «فلا تخافوهم» ومثل ذلك قوله: لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ «1» معناه: لينذركم يوم التلاق. وقوله: «لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً» «2» المعنى: لينذركم بأسا شديدا البأس لا ينذر، وإنما ينذر به. وقوله: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ ... (178) ومن قرأ «ولا تحسبن» قال «إنما» وقد قرأها بعضهم «ولا تحسبن الذين كفرا أنما» بالتاء والفتح على التكرير: لا تحسبنهم لا تحسبن أنما نملي لهم، وهو كقوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ «3» على التكرير: هَلْ ينظرون إلا أن تأتيهم. وقوله: مَا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ ... (179) قال المشركون للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: مالك تزعم أن الرجل منا فِي النار، فإذا صبأ إليك وأسلم قلت: هُوَ فِي الجنة، فأعلمنا من ذا يأتيك منا قبل أن يأتيك حَتَّى نعرفهم، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: مَا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا تقولون أيها المشركون «حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» ثُمَّ قال: لم يكن اللَّه ليعلمكم ذلك فيطلعكم على غيبه. وقوله: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ ... (180) [يقال «4» : إنما «هُوَ» هاهنا عماد، فأين اسم هذا العماد؟ قيل: هُوَ مضمر، معناه: فلا يحسبن الباخلون البخل هُوَ خيرا لهم] فاكتفى بذكر يبخلون من البخل   (1) آية 15 سورة غافر. (2) آية 2 سورة الكهف. (3) آية 18 سورة محمد. (4) سقط فى ش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 كما تقول فِي الكلام: قدم فلان فسررت به، وأنت تريد: سررت بقدومه، وقال الشاعر: إذا نهى السفيه جرى إليه ... وخالف، والسفيه إلى خلاف «1» يريد: إلى السفه. وهو كثير فِي الكلام. وقوله: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ. يقال: هِيَ الزكاة، يأتي الَّذِي منعها يوم القيامة قد طوق شجاعا أقرع بفيه زبيبتان «2» يلدع خديه، يقول: أَنَا الزكاة التي منعتني. وقوله: وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. المعنى: يميت اللَّه أهل السَّمَوَاتِ وأهل الأرض ويبقى وحده، فذلك ميراثه تبارك وتعالى: أنه يبقى ويفنى كل شيء. وقوله: سَنَكْتُبُ مَا قالُوا ... (181) وقرىء «سيكتب ما قَالُوا» قرأها حمزة اعتبارا لأنها فِي مصحف عَبْد اللَّه. وقوله: حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ ... (183) كان هذا. والقربان نار لها حفيف وصوت شديد كانت تنزل على بعض الأنبياء. فلما قَالُوا ذلك للنبي صلى اللَّه عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى «قُلْ» يا محمد «قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ» وبالقربان الَّذِي قلتم «فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» .   (1) انظر ص 104 من هذا الجزء. (2) هما النكتتان السوداوان فوق عين الحية وهو أوحش ما يكون من الحيات وأخبثه. والشجاع: الحية الذكر أو الذي يقوم على ذنبه ويواثب الراجل والفارس. والأقرع: هو الذي تمرّط جلد رأسه لطول عمره وكثرة سمه. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 وقوله: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا ... (188) يقول: بما فعلوا كما قال: لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا «1» وكقوله: «وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ» «2» وفي قراءة عَبْد اللَّه «فمن «3» أتى فاحشة فعله» . وقوله: وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا قَالُوا: نَحْنُ أهل العلم الأول والصلاة الأولى، فيقولون ذلك ولا يقرون بمحمد صلى اللَّه عليه وسلم، فذلك قوله: وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا. وقوله: فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ. يقول: ببعيد من العذاب. (قال «4» قال الفراء: من زعم أن أو في هذه الآية على غير معنى بل فقد افترى على اللَّه لأن اللَّه تبارك وتعالى لا يشك، ومنه قول اللَّه تبارك وتعالى: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ.) وقوله: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ يقول القائل: كيف عطف بعلي على الاسماء؟ فيقال: إنها فِي معنى الاسماء ألا ترى أن قوله: وَعَلى جُنُوبِهِمْ: ونياما، وكذلك عطف الاسماء على مثلها فِي موضع آخر، فقال: «دعانا لجنبه» ، يقول: مضطجعا «أو قاعدا أو قائما» فلجنبه، وعلى جنبه سواء. وقوله: يُنادِي لِلْإِيمانِ. كما قال: «الَّذِي هَدانا لِهذا» «5» و «أَوْحى لَها» «6» يريد إليها، وهدانا إلى هذا.   (1) آية 27 سورة مريم. (2) آية 16 سورة النساء. (3) كذا فى الأصول. ولم يتبين لنا موطن هذه القراءة. (4) ثبت ما بين القوسين فى الأصول. ولأوجه له هنا. (5) آية 43 سورة الأعراف. (6) آية 5 سورة الزلزلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وقوله: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) كانت اليهود تضرب فِي الأرض فتصيب الأموال، فقال الله عزّ وجلّ: لا يغرّنك ذلك. وقوله: مَتاعٌ قَلِيلٌ ... (197) فِي الدنيا. وقوله: نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ... (198) و (ثوابا) «1» خارجان من المعنى: لهم ذلك نزلا وثوابا، مفسرا كما تقول: هُوَ لك هبةً وبيعا وصدقة. وقوله: خاشِعِينَ لِلَّهِ ... (199) معناه: يؤمنون به خاشعين «2» . وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا ... (200) مع نبيكم على الجهاد (وصابروا) عدوّكم فلا يكوننّ أصبر منكم.   (1) أي فى قوله تعالى «ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» فى الآية 195 من هذه السورة. (2) أي إنه حال من فاعل «يؤمن» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 ومن سورة النساء وقوله تبارك وتعالى: الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ... (1) قال (واحدة) لأن النفس مؤنثة، فقال: واحدة لتأنيث النفس، وهو [يعني] «1» آدم، ولو كانت (من نفس واحد) لكان صوابا، يذهب إلى تذكير الرجل «2» . وقوله: وَبَثَّ مِنْهُما العرب تقول: بث اللَّه الخلق: أي نشرهم. وقال فى موضع آخر: كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ «3» ومن العرب من يقول: أبث اللَّه الخلق. ويقولون: بثثتك ما فِي نفسي، وأبثثتك. وقوله: الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ فنصب الأرحام يريد واتقوا الأرحام أن تقطعوها. قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْن عبد الله عن الأعمش عن إِبْرَاهِيم «4» أنه خفض الأرحام، قال: هُوَ كقولهم: بالله «5» والرحم وفيه قبح لأن العرب لا ترد مخفوضا على مخفوض وقد كنى عَنْهُ، وقد قال الشاعر «6» فى جوازه «7» :   (1) ثبت فى ج، وسقط فى ش. (2) وهى قراءة إبراهيم بن أبى عبلة كما فى القرطبي. (3) آية 4 سورة القارعة. (4) هو أبو عمران إبراهيم بن يزيد النخعىّ الكوفىّ. توفى سنة 96 هـ. وقراءة الخفض قراءة حمزة وقتادة والأعمش أيضا. (5) يريد أن «الأرحام» معطوف على الضمير فى «به» . (6) هو مسكين الدارمىّ. وانظر العينىّ على هامش الخزانة 4/ 164. [ ..... ] (7) كذا فى ج، وفى ش: «جوابه» وهو تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 نعلق فِي مثل السواري سُيُوفنا ... وما بينها والكَعْبِ غوط نفانف «1» وإنما يجوز هذا فِي الشعر لضيقه. وقرأ بعضهم «2» تَسائَلُونَ بِهِ يريد: تتساءلون به، فأدغم التاء عند السين. وقوله: وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ... (2) يقول: لا تأكلوا أموال اليتامى بدل أموالكم، وأموالهم عليكم حرام، وأموالكم حلال. وقوله: إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً الحوب: الإثم العظم. ورأيت بني أسد يقولون الحائب: القاتل، وقد حاب يحوب. وقرأ الْحَسَن (إنه كان حوبا كبيرا) وقوله: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ ... (3) واليتامى فِي هذا الموضع أصحاب الأموال، فيقول القائل: ما عدل الكلام من أموال اليتامى إلى النكاح؟ فيقال: إنهم تركوا مخالطة اليتامى تحرجا، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: فإن كنتم تتحرجون من مؤاكلة اليتامى فاحرجوا «3» من جمعكم «4» بين النساء ثُمَّ لا تعدلون بينهن، فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ يعني الواحدة إلى الاربع. فقال تبارك وتعالى: ما طابَ لَكُمْ ولم يقل: من طاب. وذلك أنه ذهب   (1) السواري جمع السارية وهى الأسطوانة. والغوط: المطمئن من الأرض، والنفانف جمع النفنف وهو الهواء بين الشيئين. والبيت كناية عن طول قامتهم. (2) هم السبعة عدا عاصما وحمزة والكسائىّ. (3) الحرج: الضيق والقلق. والمراد به الكف عما يوجبه. (4) كذا فى ج. وفى ش: «جمعهم» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 إلى الفعل «1» كما قال أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يريد: أو ملك أيمانكم. ولو قيل «2» فِي هذين (من) كان صوابا، ولكن الوجه ما جاء به الكتاب. وأنت تقول فِي الكلام: خذ من عبيدي ما شئت، إذا أراد مشيئتك، فإن قلت: من شئت، فمعناه: خذ الَّذِي تشاء. وأما قوله: مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فإنها حروف لا تجرى «3» . وذلك أنهن مصروفات «4» عن جهاتهن ألا ترى أنهن للثلاث والثلاثة، وأنهن لا يضفن إلى ما يضاف إليه الثلاثة والثلاث. فكان لا متناعه من الإضافة كأن فِيهِ الألف واللام. وامتنع من الألف واللام لأن فِيهِ تأويل الإضافة كما كان بناء الثلاثة أن تضاف إلى جنسها، فيقال: ثلاث نسوة، وثلاثة رجال. وربما جعلوا مكان ثلاث ورباع مثلث ومربع، فلا يجرى أيضا كما لم يجر ثلاث ورباع لأنه مصروف، فِيهِ من العلة ما فِي ثلاث ورباع. ومن جعلها نكرة وذهب بها إلى الاسماء أجراها. والعرب تقول: ادخلوا ثلاث ثلاث، وثلاثا ثلاثا «5» . وقال الشاعر: [وإن الغلام المستهام بذكره] ... قتلنا به من بين مثنى وموحد بأربعةٍ منكم وآخر خامسٍ ... وسادٍ مع الإظلام فِي رمح معبد «6»   (1) يريد الحدث والمعنى الذي فى طاب، ولم يذهب إلى الذوات. ويقرب من هذا ما يذكر من ملاحظة الوصف. وحمل كلام الفرّاء على أن (ما) عنده مصدرية. ويبين عنه قوله: «يريد: أو ملك أيمانكم» . (2) وهى قراءة إبراهيم بن أبى عبلة كما فى القرطبي. (3) الإجراء فى اصطلاح الكوفيين: صرف الاسم وتنوينه، وعدم الإجراء: منعه من الصرف. (4) أي معدولات. (5) ثبت فى ج، وسقط فى ش. (6) ساد: لغة فى سادس. ولم يرد الشطر الأول فى أصول الكتاب. وقد جاء فى شرح التسهيل لأبى حيان فى مبحث «ما لا ينصرف» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 فوجه الكلام ألا تجرى وأن تجعل معرفة لأنها مصروفة، والمصروف خلقته أن يترك «1» على هيئته، مثل: لكع «2» ولكاع. وكذلك قوله: أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ «3» . والواحد يقال فِيهِ موحد وأحاد ووحاد، ومثنى وثناء وأنشد بعضهم: ترى النعرات الزرق تحت لبانه ... أحاد ومثنى أصعقتها صواهله «4» وقوله: فَواحِدَةً تنصب على: فإن خفتم ألّا تعدلوا على الاربع فِي الحب والجماع فانكحوا واحدة أو ما ملكت أيمانكم لا وقت «5» عليكم فِيهِ. ولو قال: فواحدة، بالرفع كان «6» كما قال فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ كان صوابا على قولك: فواحدة (مقنع «7» ، فواحدة) رضا. وقوله: ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا: ألا تميلوا. وهو أيضا فِي كلام العرب: قد عال يعول. وفي قراءة عَبْد اللَّه: (ولا يعل أن يأتيني بهم جميعا) «8» كأنه فى المعنى: ولا يشقّ عليه أن يأتيني بهم جميعا. والفقر يقال منه عال يعيل عيله وقال الشاعر «9» : ولا يدري الفقير مَتَى غناه ... ولا يدري الغنى مَتَى يعيل   (1) كذا فى ش. وفى ج: «يتركه» . (2) لكع يقال للئيم، ولكاع للئيمة، وهما لا يقالان إلا فى النداء فى مقام السب. ولكع معدول عن ألكع، ولكاع عن لكعاء. (3) آية 1 سورة فاطر. [ ..... ] (4) البيت لتميم بن أبى بن مقبل. والنعرات جمع النعرة وهى ذبابة تسقط على الدواب فتؤذيها. والصواهل واحدها الصاهلة، وهو مصدر على فاعلة بمعنى الصهيل. يريد أن صهيلة قتلها. وهو فى وصف فرس. وانظر اللسان (صهل) . (5) أي لا حدّ لكم فى ملك اليمين. (6) هذه الجملة بدل من الجملة قبلها. وجواب الشرط فى قوله: «كان صوابا» أو هى الجواب، والجملة الأخيرة بدل منها. والأظهر سقوط «كان» . (7) ثبت ما بين القوسين فى ج، وسقط فى ش. (8) أي فى قوله تعالى: «عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً» آية 83 سورة يوسف. (9) هذا هو أحيحة بن الجلاح الأوسىّ. وانظر اللسان (عيل) . والبيت من قصيدة فى جمهرة أشعار العرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وقوله: وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً (4) يعني أولياء النساء لا الأزواج: وذلك أنهم كانوا فِي الجاهلية لا يعطون النساء من مهورهن شيئًا، فأنزل اللَّه تعالى: أعطوهن صدقاتهن نحلة، يقول: هبة وعطية. وقوله: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً. ولم يقل طبن. وذلك «1» أن المعنى- والله أعلم-: فإن طابت أنفسهن لكم عن شيء. فنقل الفعل من الأنفس إليهن فخرجت النفس مفسّرة كما قالوا: أنت حسن وجها، والفعل في الاصل للوجه، فلما حول إلى صاحب الوجه خرج الوجه مفسرا لموقع الفعل. ولذلك وحد النفس. ولو جمعت لكان صوابا ومثله ضاق به ذراعي «2» ، ثُمَّ تحول الفعل من الذراع إليك: فتقول «3» قررت به عينا. قال اللَّه تبارك وتعالى: فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً «4» . وقال: سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً «5» وقال الشاعر «6» : إذا التياز ذو العضلات قُلْنَا ... إليك إليك ضاق بها ذراعا «7» وإنما قيل: ذرعا وذراعا لأن المصدر والاسم فِي هذا الموضع يدلان على معنى واحد، فلذلك كفى المصدر من الاسم. وقوله: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ ... (5) السفهاء: النساء والصبيان الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً يقول التي بها تقومون قواما وقياما. وقرأ نافع الْمَدَنِيّ (قيما) والمعنى- والله أعلم- واحد.   (1) أي دون «نفسا» . (2) كذا فى ح. وفى ش: «ذرعى» . (3) يبدو أن هذا مرتب على كلام سقط فى النسخ. والأصل: «وتقول: قرت عينك، ثم نحول الفعل» . (4) آية 26 سورة مريم. (5) آية 77 سورة هود. (6) هو القطامي. (7) هذا فى أبيات يصف بكرة أحسن القيام عليها حتى قويت وعزت على القوى أن يركيها. والتياز الرجل القوى. وانظر اللسان (تيز) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 والعرب تقول فِي جمع النساء (اللاتي) أكثر مما يقولون (التي) ، ويقولون (التي) ، ويقولون فِي جمع الأموال وسائر الأشياء سوى النساء (التي) أكثر مما يقولون فِيهِ «1» (اللاتي) . وقوله: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً (6) يريد: فإن وجدتم. وفي قراءة عَبْد اللَّه «فإن أحستم «2» منهم رشدا» . فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ يعني الأوصياء واليتامى. وقوله: وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا (أن) فِي موضع نصب. يقول: لا تبادروا كبرهم. وقوله: فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ هذا الوصى. يقول: يأكل قرضا. وقوله: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ (7) ثُمَّ قال اللَّه تبارك وتعالى: نَصِيباً مَفْرُوضاً. وإنما نصب النصيب المفروض وهو نعت للنكرة لأنه أَخْرَجَهُ مخرج المصدر. ولو كان اسما صحيحا لم ينصب. ولكنه بمنزلة قولك: لك على حق حقا، ولا تقول: لك على حق درهما. ومثله عندي درهمان هبةً مقبوضة. فالمفروض فِي هذا الموضع بمنزلة قولك: فريضة وفرضا. وقوله: يُورَثُ كَلالَةً (12) الكلالة: ما خلا الولد والوالد. وقوله: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ ولم يقل: ولهما وهذا جائز إذا جاء حرفان فِي معنى «3» واحد بأو أسندت التفسير إلى أيهما شئت. وإن شئت ذكرتهما فِيهِ   (1) فى ح، ش: «فى» والوجه ما أثبت. [ ..... ] (2) كذا فى ج. وفى ش: «أحسنتم» وهو محرف عن «أحسبتم» . وهذا ما فى الطبري: «أحسيتم» أي أحسستم. (3) أي حكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 جميعا تقول فِي الكلام: من كان له أخ أو أخت فليصله، تذهب إلى الأخ (و) «1» فليصلها، تذهب إلى الأخت. وإن قلت (فليصلهما) فذلك جائز. وفى قراءتنا إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما «2» وفى إحدى «3» القراءتين فالله أولى بهم ذهب إلى الجماع لانهما اثنان غير موقتين. وفي قراءة عَبْد اللَّه (والذين «4» يفعلون منكم فاذوهما) فذهب إلى الجمع لانهما اثنان غير موقتين، وكذلك فِي قراءته: (والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما) «5» . وقوله: غَيْرَ مُضَارٍّ يقول: يوصى بذلك غير مضار. ونصب قوله وصية من قوله: فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ- وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ مثل قولك: لك درهمان نفقةً إلى أهلك، وهو مثل قوله نَصِيباً مَفْرُوضاً. وقوله: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ... (13) معناه: هذه حدود اللَّه. وقوله: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ ... (15) وفي قراءة عَبْد اللَّه واللاتي يأتين بالفاحشة والعرب تقول: أتيت أمرا عظيما، وأتيت بأمر عظيم، وتكلمت كلاما قبيحًا، وبكلام قبيح. وقال فِي مريم لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا «6» وجِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا «7» ولو كانت فِيه الباء لكان صوابًا. وقوله: فأمسكوهن فى البيوت كن يحبسن فِي بيوت لهن إذا أتين «8» الفاحشة حتى أنزل الله تبارك وتعالى:   (1) ثبت هذا الحرف فى ج. وسقط فى ش. (2) آية 135 سورة النساء. (3) هى قراءة أبى كما فى الطبري وأبى حيان. (4) هذا فى الآية 16 من هذه السورة. (5) هذا فى الآية 38 من سورة المائدة. (6) آية 27 سورة مريم. (7) آية 89. (8) كذا فى ج. وفى ش: «أتيت» وهى محرفة عن «أتين» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 قوله: وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما.. (16) فنسخت هذه الأولى. وقوله: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ... (17) يقول: قبل الموت. فمن تاب فِي صحته أو فِي مرضه قبل أن ينزل به الموت فتوبته مقبولة. وقوله: يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ لا يجهلون أنه ذنب، ولكن لا يعلمون كنه ما فِيهِ كعلم العالم. وقوله: وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ... (18) (الذين) فِي موضع خفض. يقول: إن أسلم الكافر فِي مرضه قبل أن ينزل به الموت كان مقبولا، فإذا نزل به الموت فلا توبة. وقوله: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ... (19) كان الرجل إذا مات عن امرأته وله ولد من غيرها وثب الولد فألقى ثوبه عليها، فتزوجها بغير مهر إلا مهر الأول، ثم أضرّ بها ليرثها ما ورثت من أَبِيهِ، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ (تعضلوهن) فِي موضع نصب بأن. وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه (ولا أن تعضلوهن) ولو كانت جزما على النهى كان صوابا. وقوله: وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ ... (21) الإفضاء أن يخلو بها وإن لم يجامعها. وقوله مِيثاقاً غَلِيظاً الغليظ الذي أخذنه قوله تبارك وتعالى فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 وقوله: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ... (23) أن فِي موضع رفع كقولك: والجمع بين الأختين. وقوله: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ... (24) المحصنات: العفائف. والمحصنات: ذوات الأزواج التي أحصنهن أزواجهن. والنصب «1» فِي المحصنات أكثر. وقد روى علقمة «2» : «المحصنات» بالكسر فِي القرآن كله إلا قوله وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ هذا الحرف الواحد لأنها ذات الزوج من سبايا المشركين. يقول: إذا كان لها فى زوج فِي أرضها استبرأتها بحيضة وحلت لك «3» . وقوله كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ كقولك «4» : كتابا من اللَّه عليكم. وقد قَالَ بعض أهل النحو: معناه «5» : عليكم كتاب اللَّه. والأول أشبه بالصواب. وقلما تقول العرب: زيدا عليك، أو زيدا دونك. وهو جائز كأنه منصوب بشيء مضمر قبله، وقال الشاعر «6» : يا أيّها المائح دلوى دونكا ... إني رَأَيْت الناس يحمدونكا «7» الدلو رفع، كقولك: زَيْدُ فاضربوه. والعرب تقول: الليل فبادروا، والليل فبادروا. وتنصب الدلو بمضمر فِي الخلفة كأنك قلت: دونك دلوى دونك.   (1) يريد فتح الصاد. (2) هو علقمة بن قيس من أعلام التابعين. مات سنة 62. (3) كذا فى ح. وفى ش: «ذلك» وهو خطأ. (4) يريد أنه منصوب على أنه مفعول مطلق مؤكد لما قبله فإن معنى «حرمت عليكم» كتب عليكم. [ ..... ] (5) يريد أن (على) فيه اسم فعل أمر، و (عليكم) بمعنى الزموا. و (كتاب الله) معموله. (6) هو جاهلى من بنى أسيد بن عمرو بن تميم. وله قصة فى شرح التبريزي للحماسة 270 من طبعة بن. وانظر الخزانة 3/ 17. (7) المائح: اسم فاعل من الميح. وهو أن ينزل البئر فيملأ الدلو وذلك إذا قل ماؤها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 وقوله: وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ يقول: ما سوى ذلكم. وقوله: وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ «1» يريد: سواه. وقوله: أَنْ تَبْتَغُوا يكون موضعها رفعا يكون تفسيرا ل (ما) ، وإن شئت كانت خفضا، يريد: أحل الله لكم ماوراء ذلكم لأن تبتغوا. وإذا فقدت الخافض كانت نصبا. وقوله: مُحْصِنِينَ يقول: أن تبتغوا الحلال غير الزنا. والمسافحة الزنا. وقوله: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ... (25) يقول: إنما يرخص لكم فِي تزويج الإماء إذا خاف أحدكم أن يفجر. ثُمَّ قَالَ: وأن تتركوا تزويجهن أفضل. وقوله: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ... (26) وقال فِي موضع آخر وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ والعرب تجعل اللام التي على معنى كي فِي موضع أن فِي أردت وأمرت. فتقول: أردت أن تذهب، وأردت لتذهب، وأمرتك أن تقوم، وأمرتك لتقوم قال اللَّه تبارك وتعالى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ «2» وقال فِي موضع آخر قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ «3» وقال يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا «4» وأَنْ يُطْفِؤُا «5» وإنما صلحت اللام فِي موضع أن فِي (أمرتك) «6» وأردت لانهما يطلبان المستقبل ولا يصلحان مع الماضي ألا ترى أنك تقول: أمرتك أن تقوم، ولا يصلح أمرتك أن قمت. فلما رأوا (أن) فى غير   (1) آية 91 سورة البقرة. (2) . 71 سورة الأنعام. (3) آية 14 سورة الأنعام. (4) آية 8 سورة الصف. (5) آية 32 سورة التوبة. (6) كذا فى ش، ج. وفى الخزانة 3/ 586: «أمرت» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 هذين تكون للماضي والمستقبل استوثقوا لمعنى الاستقبال بكى وباللام التي فِي معنى كي. وربما جمعوا «1» بين ثلاثهن أنشدني أَبُو ثروان: أردت لكيما لا ترى لي عثرة ... ومن ذا الَّذِي يعطي الكمال فيكمل «2» فجمع (بين «3» اللام وبين كي) وقال اللَّه تبارك وتعالى: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ «4» وقال الآخر فِي الجمع بينهن: أردت لكيما أن تطير بقربتى ... فتتركها شنّا ببيداء بلقع «5» وإنما جمعوا بينهنّ لا تفاقهن فِي المعنى واختلاف لفظهن كما قال رؤبة: بغير لا عصفٍ ولا اصطراف «6» وربما جمعوا بين ما ولا وإن التي على معنى الجحد أنشدني الكسائي فِي بعض البيوت: (لا ما إن رَأَيْت مثلك) فجمع بين ثلاثة أحرف. وربما جعلت العرب اللام مكان (أن) فيما أشبه (أردت وأمرت) مما يطلب المستقبل أنشدني الأنفى» من بني أنف الناقة من بنى سعد:   (1) كذا فى ش. وفى ج: «رجعوا» . (2) ورد هذا البيت فى شواهد الهمع 2/ 5. وفيه: «ترانى عشيرتى» فى مكان: «ترى لى عثرة» . وفى الخزانة فى الموطن السابق: «لكيما أن» فى مكان: «لكيما» . وفى التذييل لأبى حيان: «أرادت» فى مكان «أردت» . (3) فى الخزانة: «بين اللام وكى وأن» . والجمع بين الثلاثة يأتى فى البيت الآتي. (4) آية 23 سورة الحديد. (5) الشنّ: القربة البالية. والبلقع: القفر. وانظر الخزانة 3/ 585. [ ..... ] (6) قبله: قد يطلب المال الهدان الجافي والهدان: الأحمق الثقيل فى الحرب. والعصف: الكسب. والاصطراف: افتعال من الصرف وهو التقلب والتصرف فى ابتغاء الكسب. (7) فى الخزانة 3/ 586: «أبو الجرّاح الأنفى» . وأنف الناقة من تميم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 ألم تسأل الأنفى يوم يسوقني ... ويزعم أني مبطل القول كاذبه أحاول إعناتي بما قال أم رجا ... ليضحك مني أو ليضحك صاحبه والكلام: رجا أن يضحك مني. ولا يجوز: ظننت لتقوم. وذلك أن (أن) التي تدخل مع الظن تكون مع الماضي من الفعل. فتقول: أظن (أن قد) «1» قام زَيْدُ، ومع المستقبل، فتقول: أظن أن سيقوم زَيْدُ، ومع الاسماء فتقول: أظن أنك قائم. فلم تجعل اللام فِي موضعها ولا كي فِي موضعها إذ لم تطلب المستقبل وحده. وكلما رَأَيْت (أن) تصلح مع المستقبل والماضي فلا تدخلن عليها كي ولا اللام. وقوله: فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً ... (30) وتقرأ: نصليه «2» ، وهما لغتان، وقد قرئتا، من صليت وأصليت. وكأن صليت: تصليه على النار، وكأن أصليت: جعلته يصلاها. وقوله: وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً (31) ومدخلا «3» ، وكذلك: أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ «4» وإدخال صدق. ومن قال: مدخلا ومخرجا ومنزلا فكأنه بناه «5» على: أدخلنى دخول صدق   (1) كذا فى الخزانة، وفى الطبرىّ. وفى ش: «أقدم» . وفى ج: «أن تقدم» وكل هذا تحريف. (2) هى قراءة الأعمش والنخعىّ على ما فى البحر 3/ 233، وقراءة حميد بن قيس، على ما فى القرطبي 5/ 253. (3) وهى قراءة نافع وأبى جعفر. والضم قراءة أبى عمرو وأكثر الكوفيين. (4) آية 80 سورة الإسراء. (5) يريد أنه مصدر جاء على الفعل الثلاثي المفهوم من الرباعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وأخرجني خروج صدق. وقد يكون إذا كان مفتوحا أن يراد به المنزل بعينه كما قال: رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً «1» ولو فتحت الميم كانت كالدار والبيت. وربما فتحت العرب الميم منه، ولا يقال فِي الفعل منه إلا أفعلت. من ذلك قوله: بمصبح الحمد وحيث يمسى «2» وقال الآخر «3» : الحمد لله ممسانا ومصبحنا ... بالخير صبحنا ربي ومسانا وأنشدني المفضل. وأعددت للحرب وثابة ... جواد المحثة والمرود «4» فهذا مما لا يبنى على فعلت، وإنما يبنى على أرودت. فلما ظهرت الواو فِي المرود «5» ظهرت فى المرود كما قَالُوا: مصبح وبناؤه أصبحت لا غير. وقوله: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ (32) ليس هذا بنهي محرم إنما هُوَ من اللَّه أدب. وإنما قَالَتْ أم سلمة وغيرها: ليتنا كُنَّا رجالا فجاهدنا وغزونا وكان لنا مثل أجر الرجال، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى   (1) آية 29 سورة المؤمنون. (2) «يمسى» كذا فى ش، ج، واللسان (صبح) . وفى الطبري: «نمسى» . (3) هو أمية بن أبى الصلت. وانظر الخزانة 1/ 120. (4) هذا من قصيدة لامرئ القيس. ويريد بالوثابة فرسا. وجواد المحثة أي سريعة إذا استحثثتها فى السير. وكذلك هى جواد عند المرود، أي عند الرفق بها، فهى جواد فى كل أحوالها. والمرود من أرود فى السير إذا رفق ولم يعنف. وقد روى بضم الميم وفتحها وانظر اللسان (رود) . (5) كذا فى ش، ج. يريد أن المرود- بضم الميم- المبنى على أرود صحت الواو فيه حملا على فعله، فصحت أيضا فى المرود- بفتح الميم- لحمله على المضموم. وقد يكون: «أرود» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ وقد جاء «1» : لا يتمنين أحدكم مال أخيه، ولكن ليقل: اللهم ارزقني، اللهم أعطني. وقوله: فَالصَّالِحاتُ (34) وفي قراءة عَبْد اللَّه فالصوالح قوانت «2» تصلح فواعل وفاعلات فِي جمع فاعلة. وقوله: بِما حَفِظَ اللَّهُ القراءة بالرفع. ومعناه: حافظات لغيب أزواجهن بما حفظهن اللَّه حين أوصى بهن الأزواج. وبعضهم يقرأ بِما حَفِظَ اللَّهُ فنصبه على أن يجعل الفعل واقعا كأنك قلت: حافظات للغيب بالذي يحفظ اللَّه كما تقول: بما أرضى اللَّه، فتجعل الفعل لما، فيكون فِي مذهب مصدر. ولست أشتهيه لأنه ليس بفعل لفاعل معروف، وإنما هُوَ كالمصدر. وقوله: فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا يقول: لا تبغوا عليهن عللا. وقوله: وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ جاء التفسير أن معنى تخافون: تعلمون. وهي كالظن لأن الظان كالشاك والخائف قد يرجو. فلذلك ضارع الخوف الظن والعلم ألا ترى أنك تقول للخبر يبلغك: أما والله لقد خفت ذاك، وتقول: ظننت ذلك، فيكون معناهما واحدا. ولذلك قال الشاعر: ولا تدفننّى بالفلاة فإنني ... أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها «3» وقال الآخر: أتاني كلام عن نصيب يقوله ... وما خفت يا سلام أنك عائبى   (1) أي فى الأثر. وقد نسب القرطبي قريبا من هذا الأثر إلى الكلبي، ولم نقف عليه فى الحديث. (2) فى القرطبي زيادة: «حوافظ» . [ ..... ] (3) انظر ص 146 من هذا الجزء. وانظر أيضا الخزانة 3/ 550. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 كأنه قال: وما ظننت أنك عائبي. ونقلنا فِي الحديث أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: أمرت بالسواك حَتَّى خفت لأدردن. كقولك: حَتَّى ظننت لأدردن «1» . وقوله: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها (35) يقول: حكما من أهل الرجل وحكما من أهل المرأة ليعلما من أيهما جاء النشوز. فينبغي للحكم «2» أن يأتي الرجل فينتظر ما عنده هَلْ يهوى المرأة، فإن قال: لا والله مالي فِيها حاجة، علم أن النشوز جاء من قبله. ويقول حكم المرأة لها مثل ذلك، ثُمَّ يعلماهما «3» جميعا على قدر ذلك، فيأتيا الزوج فيقولا: أنت ظالم أنت ظالم اتق اللَّه، إن «4» كان ظالما. فذلك قوله إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إذا فعلا هذا الفعل. وقوله: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً (36) أمرهم بالإحسان إلى الوالدين. ومثله وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً «5» ولو رفع الإحسان «6» بالباء «7» إذ لم يظهر الفعل كان صوابا كما- تقول فِي الكلام: أحسن إلى أخيك، وإلى المسيء الإساءة.   (1) انظر الموطن السابق. (2) سقط فى ش. (3) فى ش، ج: «يعلمهما» والوجه ما أثبت. (4) كذا فى ش، ج. وفى ا: «إذ» . (5) آية 23 سورة الإسراء. (6) ثبت فى أ، ج. وسقط فى ش. (7) يريد أن يكون «إحسان» بالرفع مبتدأ خبره (بالوالدين) . وقد قرأ بالرفع ابن أبى عيلة كما فى القرطبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى بالخفض. وفي بعض (مصاحف «1» أهل الكوفة وعتق المصاحف) ذا القربى مكتوبة بالألف. فينبغي لمن قرأها على الألف أن ينصب والجار ذا القربى فيكون مثل قوله حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى يضمر «2» فعلا يكون النصب به. وَالْجارِ الْجُنُبِ: الجار الَّذِي ليس بينك وبينه قرابه وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ: الرفيق وَابْنِ السَّبِيلِ: الضيف. وقوله: فَساءَ قَرِيناً (38) بمنزلة قولك: نعم رجلا، وبئس رجلا. وكذلك وَساءَتْ مَصِيراً «3» وكَبُرَ مَقْتاً «4» وبناء نعم وبئس ونحوهما أن ينصبا ما وليهما من النكرات، وإن يرفعا ما يليهما من معرفة غير موقتة وما أضيف إلى تلك المعرفة. وما أضيف إلى نكرة كان فِيهِ الرفع والنصب. فإذا مضى الكلام بمذكر قد جعل خبره مؤنثا مثل: الدار منزل صدق، قلت: نعمت منزلا، كما قال (وَسَاءَتْ مصيرا) «5» وقال حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً «6» ولو قيل: وساء مصيرا، وحسن مرتفقا، لكان صوابا كما تقول: بئس المنزل النار، ونعم المنزل الجنة. فالتذكير والتأنيث على هذا ويجوز: نعمت المنزل دارك، وتؤنث فعل المنزل لما كان وصفا للدار. وكذلك تقول: نعم الدار منزلك، فتذكر فعل الدار إذ كانت وصفا للمنزل. وقال ذو الرمّة:   (1) فى أبدل ما بين القوسين: «المصاحف» . (2) نحو أخص، أو أكرموا. (3) آية 97 سورة النساء. (4) آية 3 سورة الصف. (5) آية 97 سورة النساء. (6) آية 31 سورة الكهف. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 أو حرّة عيطل ثبجاء مجفرة ... دعائم الزور نعمت زورق البلد «1» ويجوز أن تذكر الرجلين فتقول بئسا رجلين، وبئس رجلين، وللقوم: نعم قوما ونعموا قوما. وكذلك الجمع من «2» المؤنث. وإنما وحدوا الفعل وقد جاء بعد الاسماء لأن بئس ونعم دلالة على مدح أو ذم لم يرد منهما مذهب الفعل، مثل قاما وقعدا. فهذا فِي بئس ونعم مطرد كثير. وربما قيل فِي غيرهما مما هُوَ فِي معنى بئس ونعم. وقال بعض العرب: قلت أبياتا جاد أبياتا، فوحد فعل البيوت. وكان الكسائي يقول: أضمر «3» حاد بهن أبياتا، وليس هاهنا مضمر إنما هُوَ الفعل وما فِيهِ. وقوله: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً «4» إنما وحد الرفيق وهو صفة لجمع لأن الرفيق والبريد والرسول تذهب به العرب إلى الواحد وإلى الجمع. فلذلك قَالَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ولا يجوز فِي مثله من الكلام أن تقول: حسن أولئك رَجُلا، ولا قبح أولئك رجلا، إنما يجوز أن توحد صفة الجمع إذا كان اسما مأخوذا من فعل ولم يكن اسما مصرحا مثل رَجُل وامرأة، ألا ترى أن الشاعر قال: وإذا هُمُ طَعِمُوا فَأَلامُ طاعِمٍ ... وإذا هُمُ جاعوا فشرّ جياع «5»   (1) هذا من قصيدة له فى مدح بلال بن أبى بردة بن أبى موسى الأشعري. ويريد بالحرة ناقة كريمة. والثبجاء: الضخمة الثبج- بالتحريك- وهو الصدر، يريد أنها عظيمة الجوف، والعيطل: الطويلة العنق. والمجفرة: العظيمة الجنب الواسعة الجوف. وأراد بدعائم الزور قوائمها. وهو منصوب من «مجفرة» على التشبيه بالمفعول به. والبلد: المفازة. جعلها زورقا وسفينة على التشبيه كما يقال: الإيل سفن الصحراء. وانظر الخزانة 4/ 119. (2) كذا فى أ، ح. وفى ش: «بين» . (3) يريد أن الفاعل عنده محذوف وهو (بهن) والباء زائدة. والفراء يرى أن الفاعل ضمير مستتر فى الفعل. (4) آية 69 سورة النساء. (5) انظر ص 33 من هذا الجزء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 وقوله: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ «1» كذلك، وقد رفعها بعضهم ولم يجعل قبلها ضميرا تكون الكلمة خارجة من ذلك المضمر. فإذا نصبت فهي «2» خارجة من قوله وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً أي كبرت هذه كلمة. وقوله: وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها ... (40) ينصب الحسنة ويضمر فِي (تك) اسم مرفوع. وإن شئت رفعت «3» الحسنة ولم تضمر شيئًا. وهو مثل قوله وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ «4» وقوله: يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ ... (42) (وتسوى) «5» ومعناه: لو يسوون بالتراب. وإنما تمنوا ذلك لأن الوحوش وسائر الدواب يوم القيامة يقال لها «6» : كوني ترابا، ثُمَّ يحيا أهل الجنة، فإذا رَأَى ذلك الكافرون «7» قال بعضهم لبعض: تعالوا فلنقل إذا سئلنا: والله ما كُنَّا مشركين،   (1) آية 5 سورة الكهف. (2) يريد أن فاعل «كبرت» ضمير تقديره (هى) يعود على المقالة المفهومة من قوله: «قالوا اتخذ الله ولدا» والبصريون يجعلون الفاعل ضميرا يعود على التمييز «كلمة» . (3) وهى قراءة الحسن والحرميين: نافع وابن كثير، كما فى البحر 3/ 251. (4) آية 280 سورة البقرة. (5) يحتمل أن يريد: (تسوى) بفتح التاء وتشديد السين والواو، وهى قراءة نافع وابن عامر وأن يريد (تسوى) بفتح التاء والسين مخففة وشد الواو، وهى قراءة حمزة والكسائي. وهذا الوجه أقرب لأنهما كوفيان كالفراء، فهما أقرب إلى ما يريد. (6) ثبت فى أ، ج. وسقط فى ش. (7) كذا فى ش، ج، وفى أ: «الكافر» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 فإذا سئلوا فقالوها «1» ختم على أفواههم وأذن لجوارحهم فشهدت عليهم. فهنالك يودون أنهم كانوا ترابا ولم يكتموا اللَّه حديثا. فكتمان الحديث هاهنا فِي التمني «2» . ويقال: إنما المعنى: يومئذ «3» لا يكتمون اللَّه حديثا ويودون لو تسوى بهم الأرض. وقوله: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ... (43) نزلت فِي نفر من أصحاب مُحَمَّد صلى اللَّه عليه وسلم شربوا وحضروا الصلاة مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل تحريم الخمر. فأنزل اللَّه تبارك وتعالى لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولكن صلوها فِي رحالكم. ثُمَّ قال وَلا جُنُباً أي لا تقربوها جنبا حَتَّى تَغْتَسِلُوا. ثم استثنى فقال إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ يقول: إلا أن تكونوا مسافرين لا تقدرون على الماء ثم قال فَتَيَمَّمُوا والتيمم: أن تقصد الصعد الطيب حيث كان. وليس التيمم إلا ضربة للوجه وضربة لليدين للجنب وغير الجنب. وقوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا ... (44) أَلَمْ تَرَ فِي عامة القرآن: ألم تخبر. وقد يكون فى العربية: أما ترى، أما تعلم.   (1) كذا فى ش، ج. وفى أ: «قالوها» . (2) أي داخل فى المتمنى، إذ هو معطوف على: «لو تسوى بهم الأرض» الذي هو معمول الودادة. [ ..... ] (3) يريد أن هذه الجملة مستأنفة وليست متعلقا للودادة. وقد أخر فى التفسير الجملة الأولى عن هذه ليبين عن استقلالها، وأنها ليست من تابع الأولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وقوله: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ ... (46) إن شئت جعلتها متصلة بقوله (أَلَمْ تَرَ إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب، من الذين هادوا يحرفون الكلم) وإن شئت كانت «1» منقطعة منها مستأنفة، ويكون المعنى: من الذين هادوا من يحرفون الكلم. وذلك من كلام العرب: أن يضمروا (من) فى مبتدأ الكلام. فيقولون: منا يقول ذلك، ومنا لا يقوله. وذلك أن (من) بعض لما هِيَ منه، فلذلك أدت عن المعنى المتروك قال اللَّه تبارك وتعالى: وَما «2» مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وقال وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها «3» وقال ذو الرمة: فظلوا ومنهم دمعه سابق له ... وآخر يثنى دمعة العين بالهمل «4» يريد: منهم من دمعه سابق. ولا يجوز إضمار (من) فِي شيء من الصفات إلا على المعنى «5» الَّذِي نبأتك به، وقد قالها الشاعر فِي (فِي) ولست أشتهيها، قال «6» : لو قلت ما فِي قومها لم تأثم ... يفضلها فِي حسب وميسم «7» ويروى أيضا (تيثم) لغة. وإنما جاز ذلك فِي (فِي) لأنك تجد معنى (من) أنه بعض ما أضيفت إليه ألا ترى أنك تقول فينا صالحون وفينا دون ذلك، فكأنك قلت: منا، ولا يجوز أن تقول: فِي الدار يقول ذلك وأنت تريد فِي الدار من يقول ذلك، إنما يجوز إذا أضفت (فى) إلى جنس المتروك.   (1) كذا فى أ، ج، وفى ش: «كان» . (2) آية 164 سورة الصافات. (3) آية 71 سورة مريم. (4) قبله: بكيت على مىّ بها إذ عرفتها ... وهجت الهوى حتى بكى القوم من أجلى وانظر الديوان 485 (5) كذا فى أ. وفى ش، ج: «هذا» . (6) أي حكيم بن معية. وانظر الخزانة 2/ 311. (7) «تأثم» كذا فى ا، ش. وفى ج: «تألم» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 وقوله: لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ يعنى: ويقولون (وراعنا) يوجهونها إلى شتم مُحَمَّد صلى اللَّه عليه وسلم. فذلك اللي. وقوله: (وأقوم) أي أعدل. وقوله: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها ... (47) فِيهِ قولان أحدهما: أن يحول الوجه إلى القفا، والآخر: أن يجعل الوجه منبتا للشعر كما كان وجه القرد كذلك. فهو رده على دبره لأن منابت شعر الآدميين فِي أدبارهم، (وهذا) «1» أشبه بالصواب لقوله أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ يقول: أو نسلخهم «2» قردة. وقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ... (48) فإن شئت جعلتها «3» فِي مذهب خفض ثُمَّ تلقى الخافض فتنصبها يكون فِي مذهب جزاء كأنك قلت: إن اللَّه لا يغفر ذنبا مع شرك ولا عن شرك. وقوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ... (49) جاءت اليهود بأولادها إلى النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم فقالوا «4» : هَلْ لهؤلاء ذنوب؟ قال: لا، قَالُوا: فإنا مثلهم ما عملناه بالليل كفّر عنا بالنهار، وما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل. فذلك تزكيتهم أنفسهم.   (1) كذا فى ش، ج. وفى أ: «فهذا» . (2) لسلخ: كشط الجلد عن الحيوان، فسلخهم إزالة إهابهم الآدمي ومظهرهم البشرى. وجعلهم قردة. ولعل هذا محرف عن: «نمسخهم» . (3) يريد «أن يشرك» أي المصدر المؤول فيها. والوجه الظاهر أنه مفعول «لا يغفر» . (4) كذا فى ج، ش. وفى ا: «فقال» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 وقوله: وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا الفتيل هُوَ ما فتلت بين إصبعيك من الوسخ، ويقال: هُوَ الَّذِي فِي بطن النواة. وقوله: يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ... (51) فأما الجبت فحيي بْن أخطب. والطاغوت كعب بْن الاشرف. وقوله: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (53) النقير: النقطة فِي ظهر النواة. و (إذًا) إذا استؤنف بها الكلام نصبت الفعل الَّذِي فِي أوله الياء أو التاء أو النون أو الألف فيقال: إذا أضربك، إذًا أجزيك. فإذا كان فيها فاء أو واو أو ثُمَّ أو (أو) حرف من حروف النسق، فإن شئت كان معناها معنى الاستئناف فنصبت بها أيضا. وإن شئت جعلت الفاء أو الواو إذا كانتا منها منقولتين «1» عَنْهَا إلى غيرها. والمعنى فى قوله (وإذا لا يؤتون) على: فلا يؤتون الناس نقيرا إذًا. ويدلك على ذلك أنه فِي المعنى- والله أعلم- جواب لجزاء مضمر، كأنك قلت: ولئن كان لهم، أو ولو كان لهم نصيب لا يؤتون الناس إذا نقيرا. وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه منصوبة فإذا لا يؤتوا الناس نقيرا وإذا رَأَيْت الكلام تاما مثل قولك: هَلْ أنت قائم؟ ثم قلت: فإذا أضربك، نصبت بإذًا ونصبت بجواب الفاء ونويت النقل. وكذلك الأمر والنهي يصلح فِي إذًا وجهان: النصب بها ونقلها «2» . ولو شئت رفعت بالفعل إذا نويت النقل فقلت:   (1) يريد بنقل حرف العطف عن «إذا» تقديره مقرونا بالفعل بعدها، وتقدير «إذا» فى آخر الجملة- وبذلك تتأخر عن الصدر فتلغى. (2) يكون النصب بوقوع تقدير النقل فى الجواب بعد الفا. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 إيته فإذا يكرمك، تريد فهو يكرمك إذا، ولا تجعلها جوابها. وإذا كان قبلها جزاء وهي له جواب قلت: إن تأتني إذا أكرمك. وإن شئت: إذا أكرمك وأكرمك فمن جزم أراد أكرمك إذا. ومن نصب نوى فِي إذا فاء تكون جوابا فنصب الفعل بإذا. ومن رفع جعل إذا منقولة إلى آخر الكلام كأنه قال: فأكرمك إذا «1» . وإذا رَأَيْت فِي جواب إذًا اللام فقد أضمرت لها (لئن) أو يمينا أو (لو) . من ذلك قوله عز وجل مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ «2» والمعنى- والله أعلم-: لو كان [معه] «3» فيهما إله لذهب كل إله بما خلق. ومثله وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ، وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا «4» ومعناه: لو فعلت لا تخذوك. وكذلك قوله كِدْتَ تَرْكَنُ «5» ثم قال: إِذاً لَأَذَقْناكَ، معناه لو ركنت لأذقناك إذًا. وإذا أوقعت (إذًا) على يفعل وقبله اسم بطلت فلم تنصب فقلت: إنا إذا أضربك. وإذا كانت فِي أول الكلام (إن) نصبت يفعل ورفعت فقلت: إنى إذا أو ذيك. والرفع جائز أنشدني بعض العرب: لا تَترُكنِّي فِيهم شطيرًا ... إني إذًا أهلِكَ أو أطيرا «6»   (1) هذا خلاف مذهب البصريين فليس عندهم إلا الجزم. (2) آية 91 سورة المؤمنون. (3) زيادة يقتضيها السياق. (4) آية 73 سورة الإسراء. (5) آية 74 من السورة السابقة. (6) الشطير: الغريب. وانظر الخزانة 3- 574. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وقوله: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ... (54) هذه اليهود حسدت النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم كثرة النساء، فقالوا: هذا يزعم أنه نبىّ وليس له هُمْ إلا النساء. فأنزل اللَّه تبارك وتعالى فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وفي آل إِبْرَاهِيم سُلَيْمَان بْن دَاوُد، وكان له تسعمائة امْرَأَة، ولداود مائة امْرَأَة. فلما تليت عليهم هذه الآية كذب بعضهم وصدق بعضهم. وهو قوله: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ ... (55) بالنبأ عن سُلَيْمَان وداود وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ بالتكذيب والإعراض. وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً ... (71) يقول: عصبًا «1» . يقول إذا دعيتم إلى السرايا، أو دعيتم لتنفروا جميعًا. وقوله: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ ... (72) اللام التي فى (من) دخلت لمكان (إن) كما تقول: إن فيها لأخاك. ودخلت اللام فى (ليبطّئنّ) وهي صلة لمن على إضمار شبيه باليمين كما تقول فِي الكلام: هذا الَّذِي ليقومن، وأرى رجلا ليفعلن ما يريد. واللام فِي النكرات إذا وصلت أسهل دخولا منها فِي من وما والَّذِي لأن الوقوف عليهن لا يمكن.   (1) هذا تفسير «ثبات» . وواحده ثبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 والمذهب فِي الرجل والذي واحد إذا احتاجا إلى صلة. وقوله: وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ «1» من ذلك، دخلت اللام فِي (ما) لمكان إن، ودخلت فِي الصلة كما دخلت فِي ليبطئن. ولا يجوز ذلك فِي عَبْد اللَّه، وزيد أن تقول: إن أخاك ليقومن لأن الأخ وزيدا لا يحتاجان إلى صلة، ولا تصلح اللام أن تدخل فِي خبرهما وهو متأخر لأن اليمين إذا وقعت بين الاسم والخبر بطل جوابها كما تقول: زَيْدُ والله يكرمك، ولا تقول زَيْدُ والله ليكرمك. وقوله: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً ... (73) العرب تنصب ما أجابت بالفاء فِي ليت لأنها تمن، وفي التمني معنى يسرني أن تفعل فأفعل. فهذا نصب كأنه منسوق كقولك فِي الكلام: وددت أن أقوم فيتبعني الناس. وجواب صحيح يكون لجحد ينوى فِي التمني لأن ما تمنى مما قد مضى فكأنه مجحود ألا ترى أن قوله يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فالمعنى: اكن معهم فأفوز. وقوله فِي الأنعام يَا لَيْتَنا» نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ هِيَ فِي قراءة عَبْد اللَّه بالفاء نرد فلا نكذب بآيات ربنا فمن قرأها كذلك جاز النصب على الجواب، والرفع على الاستئناف «3» ، أي فلسنا نكذب. وفي قراءتنا بالواو. فالرفع فِي قراءتنا أجود من النصب، والنصب «4» جائز على الصرف كقولك: لا يسعنى شىء ويضيق عنك. وقوله: وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ ... (75) و (المستضعفين) فى موضع خفض.   (1) آية 111 سورة هود. والقراءة التي أوردها لمؤلف بتشديد (إن) وتخفيف ميم (لما) قراءة أبى عمرو والكسائىّ. (2) آية 27. (3) وهى قراءة نافع وأبى عمرو وابن كثير والكسائي. (4) وهى قراءة حمزة، وحفص عن عاصم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 وقوله: الظَّالِمِ أَهْلُها خفض (الظالم) لأنه نعت للأهل، فلما أعاد الأهل على القرية كان فعل ما أضيف إليها بمنزلة فعلها كما تقول: مررت بالرجل الواسعة داره، وكما تقول: مررت برجلٍ حسنة عينه. وفي قراءة عَبْد اللَّه: «أخرجنا من القرية التي كانت ظالمة» . ومثله مما نسب الظلم إلى القرية وإنما الظلم لأهلها فِي غير موضع من التنزيل. من ذلك وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها «1» ومنه قوله: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها «2» معناه: سل أهل القرية. وقوله: فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ... (78) يشدد ما كان من جمع مثل قولك: مررت بثياب مصبغةٍ وأكبشٍ مذبحةٍ. فجاز التشديد لأن الفعل متفرق «3» فِي جمع. فإذا أفردت الواحد من ذلك فإن كان الفعل يتردد فِي الواحد ويكثر جاز فِيهِ التشديد والتخفيف مثل قولك: مررت برجل مشجج، وبثوب ممزق جاز التشديد لأن الفعل قد تردد فِيهِ وكثر. وتقول: مررت بكبشٍ مذبوح، ولا تقل مذبح «4» لأن الذبح لا يتردد كتردد التخرق، وقوله: وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ «5» يجوز فِيهِ التشديد لأن التشييد «6» بناء فهو يتطاول ويتردد. يقاس على هذا ما ورد.   (1) من ذلك آية 4 سورة الأعراف. (2) آية 82 سورة يوسف. (3) كذا فى أ، ح. وفى ش: «مفرق» . [ ..... ] (4) كذا فى ا. وفى ش: «تقول» . (5) آية 45 سورة الحج. (6) فى ا، ح، وش: «التشديد» وهو تحريف عما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 وقوله: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ... (78) وذلك أن اليهود لما أتاهم النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم بالمدينة قَالُوا: ما رأينا رجلا أعظم شؤما من هذا نقصت ثمارنا وغلت أسعارنا. فقال اللَّه تبارك وتعالى: إن أمطروا وأخصبوا قَالُوا «1» : هذه من عند اللَّه، وإن غلت أسعارهم قَالُوا: هذا من قبل مُحَمَّد (صلى اللَّه عليه وسلم) . يقول اللَّه تبارك وتعالى: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وقوله: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ (فمال) كثرت فِي الكلام، حَتَّى توهموا أن اللام متصلة ب (ما) وأنها حرف فِي بعضه. ولا تصال القراءة لا يجوز الوقف على اللام لأنها لام خافضة. وقوله: طاعَةٌ (81) الرفع على قولك: منا طاعة، أو أمرك طاعة. وكذلك قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ «2» معناه- والله أعلم-: قولوا: سمع وطاعة. وكذلك التي فى سورة مُحَمَّد صلى اللَّه عليه وسلم فَأَوْلى لَهُمْ طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ «3» ليست بمرتفعة ب (لهم) . هى مرتفعة على الوجه الَّذِي ذكرت لك. وذلك أنهم أنزل عليهم الأمر بالقتال فقالوا: سمع وطاعة، فإذا فارقوا محمّدا صلى اللَّه عليه وسلم غيروا قولهم. فقال اللَّه تبارك وتعالى فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وقد يقول بعض النحويين: وذكر فيها القتال،   (1) كذا فى أ. وفى ح، ش: «فقالوا» . (2) آية 53 سورة النور. (3) آيتا 20، 21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 وذكرت «1» (طاعة) وليست فيها واو فيجوز هذا الوجه. ولو رددت الطاعة وجعلت كأنها تفسير للقتال جاز رفعها ونصبها أما النصب فعلى: ذكر فيها القتال بالطاعة أو على الطاعة. والرفع على: ذكر فيها القتال ذكر فيها طاعة. وقوله: بَيَّتَ طائِفَةٌ القراءة أن تنصب التاء، لأنها على جهة فعل. وفي قراءة عَبْد اللَّه: «بيت مبيت منهم» غير الَّذِي تقول. ومعناه: غيروا ما قَالُوا وخالفوا. وقد جزمها حمزة وقرأها بيت طائفة. جزمها لكثرة الحركات، فلما سكنت التاء اندغمت فِي الطاء. وقوله: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ ... (83) هذا نزل فِي سرايا كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يبعثها، فإذا غلبوا أو غلبوا بادر المنافقون إلى الاستخبار عن حال السرايا، ثُمَّ أفشوه قبل أن يفشيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أو يحدّثه «2» ، فقال أَذاعُوا بِهِ يقول أفشوه. ولو لم يفعلوا حَتَّى يكون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الَّذِي يخبر به لكان خيرا لهم، أو ردوه إلى أمراء «3» السرايا. فذلك قوله وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ. وقوله: لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا قال المفسرون معناه: لعلمه الذين يستنبطونه إلا قليلا. ويقال: أذاعوا به إلا قليلا. وهو أجود الوجهين لأن علم السرايا   (1) يريد فى هذا الوجه أن تكون «طاغة» عطفا على «القتال» فى قوله: «وذكر فيها القتال» وقد أفسد هذا بأنه ليس فى الآية عاطف. (2) أي يحدّث به. يقال: حدثه الحديث وحدثه به. (3) كذا فى أ. وفى ش، ح: «أمر» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 إذا ظهر علمه المستنبط وغيره، والإذاعة قد تكون في بعضهم دون بعض. فلذلك استحسنت الاستثناء من الإذاعة. وقوله: يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها ... (85) الكفل: الحظ. ومنه قوله: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ «1» معناه: نصيبين. وقوله: وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً المقيت: المقدر والمقتدر، كالذي يعطي كل رَجُل قوته. وجاء فِي الحديث: كفى بالمرء (إثما) «2» أن يضيع من يقيت، ويقوت «3» . وقوله: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها ... (86) أي زيدوا عليها كقول القائل: السلام عليكم، فيقول: وعليكم ورحمة الله. فهذه الزيادة أَوْ رُدُّوها قيل هذا للمسلمين. وأما أهل الكتاب فلا يزادون علي: وعليكم. وقوله: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ ... (88) إنما كانوا تكلموا فِي قوم هاجروا إلى المدينة من مكة، ثُمّ ضجروا منها واستوخموها «4» فرجعوا سرا إلى مكة. فقال بعض المسلمين: إن لقيناهم قتلناهم وسلبناهم، وقال بعض المسلمين: أتقتلون قوما على دينكم أن استوخموا المدينة فجعلهم اللَّه منافقين، فقال اللَّه فما لكم مختلفين فى المنافقين. فذلك قوله (فئتين) .   (1) آية 28 سورة الحديد. (2) ثبت فى أ، ج، وسقط فى ش. (3) كذا فى أ، ج، وفى ش: «يقيت» بفتح الياء. (4) كذا فى ش، ج. وفى أ: «استوخموا المدينة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 ثُمَّ قال تصديقا لنفاقهم وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فنصب (فئتين) بالفعل «1» ، تقول: مالك قائما، كما قال اللَّه تبارك وتعالى فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ «2» فلا تبال أكان المنصوب معرفة أو نكرة يجوز فى الكلام أن تقول: مالك الناظر فِي أمرنا، لأنه كالفعل الَّذِي ينصب بكان وأظن وما أشبههما. وكل موضع صلحت فِيهِ فعل ويفعل من المنصوب جاز نصب المعرفة منه والنكرة كما تنصب كان وأظن لانهن نواقص فِي المعنى وإن ظننت أنهن تامات. ومثل مال، ما بالك، وما شأنك. والعمل فِي هذه الأحرف بما ذكرت لك سهل كثير. ولا تقل: ما أمرك القائم، ولا ما خطبك القائم، قياسا عليهن لانهن قد كثرن، فلا يقاس الَّذِي لم يستعمل على ما قد استعمل ألا ترى أنهُمْ قَالُوا: أيش عندك؟ ولا يجوز القياس على هذه فِي شيء من الكلام. وقوله: وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا يقول: ردهم إلى الكفر. وهي «3» فِي قراءة عَبْد اللَّه وأبي والله ركسهم. وقوله: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ ... (90) يقول: إذا واثق القوم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا يقاتلوه ولا يعينوا عليه، فكتبوا صلحا لم يحل قتالهم ولا من أتصل بهم، فكان رأيه فِي قتال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كرأيهم فلا يحل قتاله. فذلك قوله (يصلون) معناه: يتصلون بهم.   (1) يريد به متعلق الجارّ والمجرور. [ ..... ] (2) آية 36 سورة المعارج. (3) يريد أن الثلاثىّ لغة فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 وقوله أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ، يقول: ضاقت صدورهم عن قتالكم أو قتال قومهم. فذلك معنى قوله حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أي ضاقت صدورهم. وقد قرأ الْحَسَن «حصرة صدورهم» ، والعرب تقول: أتاني ذهب عقله، يريدون قد ذهب عقله. وسمع الكسائي بعضهم يقول: فأصبحت نظرت إلى ذات التنانير «1» . فإذا رَأَيْت فعل بعد كان ففيها قد مضمرة «2» ، ألا أن يكون مع كان جحد فلا تضمر فيها (قد مع جحد) «3» لأنها توكيد والجحد لا يؤكد ألا ترى أنك تقول: ما ذهبت، ولا يجوز ما قد ذهبت. وقوله: سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ (91) معناه: أن يأمنوا فيكم ويأمنوا فِي قومهم. فهؤلاء بمنزلة الذين ذكرناهم فِي أن قتالهم حلال إذا لم يرجعوا. وقوله: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ (92) مرفوع على قولك: فعليه تحرير رقبة. والمؤمنة: المصلية المدركة. فإن «4» لم يقل: رقبة مؤمنة، أجزأت الصغيرة التي لم تصل ولم تبلغ. وقوله: فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ كان الرجل يسلم فِي قومه وهم كفار فيكتم إسلامه، فمن قتل وهو غير معلوم إسلامه من هؤلاء أعتق قاتله رقبة ولم تدفع ديته إلى الكفار فيقووا بها على أهل الإسلام. وذلك إذا «5» لم   (1) ذات التنانير: عقبة بحذاء زبالة. (2) انظر ص 24 من هذا الجزء. (3) زيادة فى ش، ج. (4) كذا فى ش. وفى أ، ج: «فإذا» . (5) كذا فى أ. وفى ش، ج: «أنه» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 يكن بين قومه وبين النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم عهد. فإن كان عهد جرى مجرى المسلم. وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا (94) (فتثبتوا «1» - قراءة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود وأصحابه. وكذلك التي فى الحجرات «2» . ويقرأان: فتثبتوا) وهما متقاربتان «3» فِي المعنى. تقول للرجل: لا تعجل بإقامة حَتَّى تتبين وتتثبت. وقوله: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً ذكروا أنه رَجُل سلم على بعض سرايا المسلمين، فظنوا أنه عائذ بالإسْلام وليس بمسلم فقتل. وقرأه العامة: السلم. والسلم: الاستسلام والإعطاء بيده. وقوله: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ (95) يرفع «4» (غير) لتكون كالنعت للقاعدين كما قال: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ وكما قال أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ «5» وقد ذكر أن (غير) نزلت بعد أن ذكر فضل المجاهد على القاعد، فكان الوجه فِيهِ الاستثناء والنصب» . إلا أن اقتران (غير) بالقاعدين يكاد يوجب الرفع لأن الاستثناء ينبغي   (1) ثبت ما بين القوسين فى أ. وسقط فى ش، ح. (2) آية 6. (3) كذا فى أ، ج. وفى ش: «مقاربتان» . (4) كذا فى ش، ج. وفى أ: «ترفع» . (5) آية 31 سورة النور. (6) وهو قراءة نافع وابن عامر والكسائىّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 أن يكون بعد التمام. فتقول «1» فِي الكلام: لا يستوي المحسنون والمسيئون إلا فلانا وفلانا. وقد يكون نصبا على أنه حال كما قال: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ «2» ولو قرئت خفضا «3» لكان وجها: تجعل «4» من صفة المؤمنين. وقوله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ (97) إن شئت جعلت تَوَفَّاهُمُ فِي موضع نصب «5» . ولم تضمر تاء مع التاء، فيكون مثل قوله إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا «6» وإن شئت جعلتها رفعا تريد: إن الذين تتوفاهم الملائكة. وكل موضع اجتمع فِيهِ تاءان جاز فِيهِ إضمار إحداهما مثل قوله لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ «7» ومثل قوله فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ «8» . وقوله: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ (98) فِي موضع نصب على الاستثناء من مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ «9» . وقوله: يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً (100) ومراغمة مصدران. فالمراغم: المضطرب والمذهب فِي الأرض.   (1) كذا فى أ. وفى ش، ج: «فيقول» . [ ..... ] (2) آية 1 سورة المائدة. (3) وقد قرأ بذلك الأعمش وأبو حيوة، كما فى البحر 3/ 330. (4) كذا فى أ. وفى ش، ج: «تجعلوا» . (5) يريد أن يكون (توفى) فى «توفاهم» فعلا ماضيا، فيكون مبنيا على الفتح، وعبر عن الفتح بالنصب. (6) آية 70 سورة البقرة. (7) من ذلك ما فى آية 152 سورة الأنعام. (8) آية 57 سورة هود. (9) أي فى الآية السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وقوله: فَلْتَقُمْ ... (102) وكل لام أمر إذا استؤنفت ولم يكن قبلها واو ولا فاء ولا ثُمَّ كسرت. فإذا كان معها شيء من هذه الحروف سكنت. وقد تكسر مع الواو على الاصل. وإنما تخفيفها مع الواو كتخفيفهم (وهو) قال ذاك، (وهي) قَالَتْ ذاك. وبنو سليم يفتحون اللام إذا استؤنفت فيقولون: ليقم زَيْدُ، ويجعلون اللام منصوبة فِي كل جهة كما نصبت تميم لام كي إذا قَالُوا: جئت لآخذ حقّى. وقوله: طائِفَةٌ أُخْرى ولم يقل: آخرون ثُمَّ قال لَمْ يُصَلُّوا ولم يقل: فلتصل. ولو قيل: «فلتصل» كما قيل «أخرى» لجاز ذلك. وقال فِي موضع آخر: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا «1» ولو قيل: اقتتلتا فِي الكلام كان صوابا. وكذلك قوله هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ «2» ولم يقل: اختصما. وقال فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ «3» وفي قراءة أَبِي «عليه الضلالة» . فإذا ذكرت اسما مذكرا لجمع جاز جمع فعله وتوحيده كقول الله تعالى وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ «4» . وقوله: أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ «5» وكذلك إذا كان الاسم مؤنثا وهو لجمع جعلت فعله كفعل الواحدة الأنثى مثل الطائفة والعصبة والرفقة. وإن شئت جمعته فذكرته على المعنى. كل ذلك قد أتى فِي القرآن.   (1) آية 9 سورة الحجرات. (2) آية 19 سورة الحج. (3) آية 30 سورة الأعراف. (4) آية 56 سورة الشعراء. (5) آية 44 سورة القمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وقوله: وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ ... (104) قال بعض المفسرين: معنى ترجون: تخافون. ولم نجد معنى الخوف يكون رجاء إلا ومعه جحد. فإذا كان كذلك كان الخوف على جهة الرجاء والخوف، وكان الرجاء كذلك كقوله تعالى قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ «1» : هذه: للذين لا يخافون أيام اللَّه، وكذلك قوله: مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً «2» : لا نحافون لله عظمة. وهي لغة حجازية. وقال الراجز: لا ترتجِي حِينَ تلاقي الذائدا ... أسَبْعَةً لاقَتْ معا أم واحدا «3» وقال الهدلىّ «4» : إِذَا لسعته النحلُ لَمْ يرجُ لَسْعها ... وخالفها فِي بيتِ نُوب عوامِلِ ولا يَجوزُ: رجوتك وأنت تريد: خفتك، ولا خفتك وأنت تريد رجوتك. وقوله: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً (112) يُقال: كيف قَالَ «بِهِ» وقد ذكر الخطيئة والإثم؟. وَذَلِكَ جائز أن يُكْنَى عَن الفعلين وأحدهما مؤنث بالتذكير والتوحيد، ولو كثر لَجازَ الكناية عَنْهُ بالتوحيد لأن الأفاعيل يقع عليها فعل واحد، فلذلك جاز. فإن شئت ضممت الخطيئة والإثم فجعلته كالواحد. وإن شئت جعلت الْهَاء للإثم   (1) آية 14 سورة الجاثية. [ ..... ] (2) آية 13 سورة نوح. (3) كأن هذا فى وصف إبل. والذائد وصف من ذاد الإبل إذا طردها وساقها ودفعها. (4) هو أبو ذؤيب. فقوله: لم يرج لسعها: أي لم يخفه ولم يباله. و «خالفها» أي دخل عليها وأخد عسلها مراغما لها وهى لا تشتهى ذلك. ويروى «حالفها» أي لازمها. والنوب. النحل، و «عوامل» أي تعمل فى الأكل من الثمار والزهر. ويروى «عواسل» أي ذوات عسل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 خاصَّة كما قَالَ وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها «1» فجعله للتجارة. وَفِي قراءة عَبْد اللَّه وَإِذَا رأوا لَهْوًا أو تجارة انفَضُّوا إليها فجعله للتجارة فِي تقديمها وتأخيرها. ولو أتى بالتذكير فجعلا كالفعل الواحد لجاز. ولو ذكر عَلَى نِيَّة اللهو لجاز. وقال إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما «2» فثنى. فلو أتى فِي الخطيئة واللهو والإثم والتجارة مثنى لَجاز. وَفِي قراءة أبيّ إن يَكُن غنِيّ أو فقير فالله أولى بِهم وَفِي قراءة عبد الله إِنْ يَكُن غنيّ أو فقير فالله أولى بِهما فأما قول أبيّ (بِهم) «3» فإنه كقوله وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ «4» ذهبَ إلى الجمع، كذلك جاء فِي قراءة أبيّ، لأنه قد ذكرهم جَميعًا ثُمَّ وحّد الغنيّ والفقير وهما فِي مذهب الجمع كما تَقُولُ: أصبح الناس صائِمًا و «5» مفطرا، فأدّى اثنان عَن معنى الجمع. وقوله: لَهَمَّتْ طائِفَةٌ ... (113) يريد: لقد همت طائفة فأضمرت «6» . وقوله: أَنْ يُضِلُّوكَ : يُخطِّئوكَ فِي حكمك. وقوله: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ... (114) (من) فِي موضع خفض ونصب الخفض: إلا فيمن أمر بصدقة. والنجوى هنا رجال كما قال وَإِذْ هُمْ نَجْوى «7» ومن جعل النجوى فعلا كما قال   (1) آية 11 سورة الجمعة. (2) آية 135 سورة النساء. (3) ثبت فى ش، ج. وسقط فى أ. (4) آية 26 سورة النجم. (5) كذا فى ش، ج. وفى أ: «أو» . (6) أى حذفت (قد) . (7) آية 47 سورة الإسراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ «1» ف (مَنْ) حينئذ فِي موضع رفع. وأمّا النصب فأن تَجعل النجوى فعلا. فإذا استثنيت الشيء من خلافه كَانَ الوجه النصب، كما قَالَ الشاعر «2» : وقفتُ فيها أُصَيْلانًا أُسائلها ... عَيَّت جوابا وما بالربع مِن أحدِ «3» إِلا الأوارِيّ لأيًا ما أُبيِّنها ... والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد «4» وقد يكون فِي موضع رفع وإن ردّت عَلَى خلافها كما قَالَ الشاعر «5» : وبلد لَيْسَ بِهِ أنيسُ ... إلا اليعافِيرُ وَإِلا الْعِيسُ «6» وقوله: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً ... (117) يقول: اللات والعُزَّى وأشباههما من الآلهة المؤنثة. وقد قرأ ابن عباس إِن يدعون من دونه إلا أُثْنًا جمع الوثن فضم الواو فهمزها، كما قال وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ «7»   (1) آية 7 سورة المجادلة. (2) هو النابغة الذبيانىّ. (3) هذا ثانى أبيات قصيدة مدح بها النعمان بن المنذر، واعتذر له فيها وكان واجدا عليه ومطلعها: يا دارمية بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليها سالف الأمد وأصيلان تصغير أصيل وهو العشىّ. (4) الأوارىّ جمع الآرى وهو محبس الدابة. والنؤى: الحفير حول الخيمة أو الخباء يمنع الماء. والمظلومة: الأرض التي قد حفر فيها فى غير موضع الحفر. والجلد: الأرض الغليظة. [ ..... ] (5) هوجران العود النميرىّ. وانظر العيني على هامش الخزانة 3/ 107. (6) اليعافير جمع اليعفور، وهو ولد الظبية. والعيس جمع أعيس وعيساء وهما وصفان من العيسة، بكسر العين. وهو بياض يخالطه شقرة. أراد بها بقر الوحش. (7) آية 11 سورة المرسلات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وقد قرئت إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أُنُثا جمع الإناث، فيكون مثل جَمع الثمار والثمر كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ «1» . وقوله: نَصِيباً مَفْرُوضاً ... (118) جعل الله لَهُ عَلَيْهِ السبيل فهو كالمفروض. وقوله: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ ... (119) وَفِي قراءة أُبَيّ «وأُضلهم وأُمَنِّيهم» . وقوله: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا ... (125) يقول القائل: ما هَذِه الخُلَّة؟ فذُكِر أنَّ إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان يضيف الضيفان ويُطعم الطعام، فأصابَ الناس سنة جدب فعزَّ الطعام. فبعث إبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى خليل لَهُ بِمصر كانت الميرة من عنده، فبعث غلمانه معهم الغرائر والابل ليميره، فردّهم وقال: إِبْرَاهِيم لا يريد هَذَا لنفسه، إنما يريده لغيره. قَالَ: فرجع غلمانه «2» ، فمرّوا ببطحاء «3» لينة. فاحتملوا من رملها فملئوا الغرائر استحياء من أن يردّوها فارغة، فرُدّوا عَلَى إِبْرَاهِيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبروه الخبر وامرأته نائمة، فوقع عَلَيْهِ «4» النوم هَمّا، وانتبهت والناس عَلَى الباب يلتمسون الطعام «5» . فقالت للخبّازين: افتحوا هذه الغرائر واعتجنوا، ففتحوها فإذا أطيب طعام، فعجنوا واختبزوا. وانتبه   (1) آية 141 سورة الأنعام. والقراءة التي ذكرها قراءة حمزة والكسائي وخلف. ووافقهم الأعمش. والباقون يفتحون الثاء والميم. وانظر إتحاف فضلاء البشر 214 (2) كذا فى ج. وفى ش: «غلامه» . (3) البطحاء: مسيل واسع فيه دقاق الحصى. (4) كذا فى ج. وفى ش: «قائمة» . (5) هو هنا القمح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 إِبْرَاهِيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجد ريح الطعام، فقال: من أين هَذَا؟ فقالت امرأة إِبْرَاهِيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا من عند خليلك الْمصْرِيّ. قَالَ فقال إِبْرَاهِيم: هَذَا من عند خليلي الله لا من عند خليلي الْمصْرِيّ. قَالَ: فذلك خُلّته. وقوله: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى ... (127) (معناهُ: «1» قل الله يفتيكم فيهنَّ وما يُتلى) . فموضع (ما) رفع كأنه «2» قَالَ: يفتيكم فيهنّ ما يتلى عليكم. وإن شئت جعلت ما فِي موضع خفض «3» : يفتيكم الله فيهنّ وما يتلى عليكم غيرهنّ. وقوله: وَالْمُسْتَضْعَفِينَ فِي موضع خفض، عَلَى قوله «4» : يفتيكم فيهنّ وفى المستضعفين. وقوله: وَأَنْ تَقُومُوا (أن) موضع خفض عَلَى قوله: ويفتيكم فِي أن تقوموا لليتامى بالقسط. وقوله: خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً ... (128) والنشوز يكون من قِبَل المرأة والرجل. والنشوز هاهنا من الرجل «5» لامن المرأة. ونشوزه أن تكون تَحته المرأة الكبيرة فيريد أن يتزوج عليها شَابَّةً فيؤثرها فِي القسمة والجماع. فينبغي لَهُ أن يقول للكبيرة: إني أريد أن أتزوج عليك شابَّة وأوثرها عليك، فإن هي رضيت صلح ذَلِكَ لَهُ، وإن لَمْ ترض فلها من القسمة ما للشابّة.   (1) ثبت ما بين القوسين فى ج، وسقط فى ش. (2) يريد أنه معطوف على فاعل «يفتيكم» وهو يعود على لفظ الجلالة. وسوّغ ذلك الفصل بقوله: «فيهنّ» . (3) وهذا لا يجيزه البصريون لأنهم يوجبون فى العطف على الضمير المخفوض إعادة الخافض. (4) يريد أنه معطوف على الضمير فى «فيهنّ» . (5) كذا فى ج، وفى ش: «الرجال» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وقوله: وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ إنَّما عني بِهِ الرجل وامرأته الكبيرة. ضنّ الرجل بنصيبه من الشابة، وضنّت الكبيرة بنصيبها منه «1» . ثُمَّ قَالَ: وإن رضيت بالإمرة «2» . وقوله: فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ... (129) إلى الشابة، فتهجروا الكبيرة كل الهجر فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وهي فِي قراءة أُبَيّ (كالمسجونة) . وقوله: كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ ... (135) هَذَا فِي إقامة الشهادة عَلَى أنفسهم وَعَلَى الوالدين والاقربين. ولا تنظروا فِي غِنى الغَنِيّ ولا فقر الفقير فإن الله أولى بذلك. فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى [أَنْ تَعْدِلُوا] فرارًا «3» من إقامة الشهادة. وقد يُقال: لا تتبعوا الهوى لتعدلوا كما تَقُولُ: لا تتبِعنّ هواك لتُرضِي ربك، أي إني أنْهَاكَ عَن هَذَا كيما ترضِي ربك. وقوله وَإِنْ تَلْوُوا وَتَلُوا، قد قرئتا جَميعًا «4» . ونرى الَّذِينَ قالوا (تلوا) أرادوا (تلؤوا) فيهمزونَ الواو لانضمامها، ثُمَّ يتركون الْهَمْز فيتحوّل إعراب «5» الْهَمْز إلى اللام فتسقط الْهَمْزَةُ. إلا أن يكون المعنى فيها: وإن تلوا ذَلِكَ، يريد: تتولّوه أَوْ تُعْرِضُوا عنه: أو تتركوه، فهو وجه.   (1) فى ش، ج: «منها» وهو غير مناسب للمقام. [ ..... ] (2) الإمرة: الإمارة والولاية. أي رضيت بسلطان الزوج عليها إذا أعطى نصيبها ضرتها. والأقرب أن يكون هذا محرّفا عن: «بالأثرة» أي إيثار الزوج عليها ضرتها. وقوله: «وإن رضيت» شرط جوابه «فلا تميلوا» . (3) هذا على أن (أن) فى (أن تعدلوا) فى معنى لئلا كما هو عند الكوفيين، أو على تقدير خشية، كما هو عند غيرهم. وأما المعنى الثاني فعلى تقدير لام الجر داخلة على (أن تعدلوا) . (4) فالثانية قراءة ابن عامر وحمزة، ووافقهما الأعمش. والأولى قراءة الباقين. (5) يريد حركتها، وهى الضمّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ... (137) وهم الذين آمنوا بموسى ثم كفرا من بعده بعزيز، ثم آمنوا بعزيز وكفروا بعيسى «1» . وآمنت اليهود بِموسى وكفرت بعيسى. ثم قال: [ثُمَ] ازْدادُوا كُفْراً يعني اليهود: ازدادوا كفرًا بكفرهم بِمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله: أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ ... (141) جَزْم. ولو نصبت «2» عَلَى تأويل الصرف كقولك فِي الكلام: ألم نستحوذ عليكم وقد منعناكم، فيكون مثل قوله وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ «3» وهي فِي قراءة أبي ومنعناكم من الْمُؤْمِنِين فإن شئت جعلت «ومنعناكم» فِي تأويل «وقد كنا منعناكم» وإن شئت جعلته مردودًا عَلَى تأويل الم كأنه قَالَ: أمَّا «4» استحوذنا عليكم ومنعناكم. وَفِي قراءة أُبيّ أَلَمْ تُنْهَيَا عَنِ تِلْكُمَا الشّجَرَةِ وَقِيلَ لَكُمَا «5» . وقوله: فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ (145) يُقال الدرك «6» ، والدرَك، أي أسفل دَرَج فِي النار.   (1) كذا فى ج. وفى ش: «بموسى» . (2) أي «نمنعكم» وبه قرأ ابن أبى عبلة. كما فى البحر 3/ 375. (3) آية 142 سورة آل عمران. (4) سقط فى ش، وثبت فى ج. (5) فى آية 22 سورة الأعراف. (6) وهى قراءة عاصم وحمزة والكسائىّ وخلف. وفتح الراء قراءة الباقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 وقوله: فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ... (146) جاء فِي التفسير: من الْمُؤْمِنِين. وقوله: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ... (148) وَظَلَمَ «1» . وقد يكون مِنَ فِي الوجهين نصبًا عَلَى الاستثناء عَلَى الانقطاع من الأوّل. وإن شئت جعلت مِنَ رفعًا إِذَا قلت ظُلِمَ فيكون «2» المعنى: لا يُحبُّ الله أن يجهر بالسوء من القول إلا المظلوم. وهو الضيف إِذَا أراد النزول عَلَى رجل فمنعه فقد ظلمه، ورخّص لَهُ أن يذكره بما فعل لأنه منعه حقَّه. ويكون لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ كلامًا تامًّا، ثُمَّ يقول: إلا الظالِم فدعوه، فيكون مثل قول الله تبارك وتعالى لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا «3» فإن الظالِمَ لا حُجَّةَ لَهُ، وكأنّه قَالَ إلا من ظلم فخلّوه. وهو مثل قوله فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ «4» ثُمَّ استثنى فقال إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ «5» فالاستثناء من قوله إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ وليست فِيهِ أسماء. وليس الاستثناء «6» من قوله لَسْتَ عَلَيْهِمْ   (1) وهى قراءة زيد بن أسلم وابن أبى إسحاق وابن جبير وعطاء بن السائب. (2) فيكون «من ظلم» على هذا مرفوعا بالجهر. وفى البحر 3/ 382: «وحسن ذلك كون الجهر فى حيز النفى، وكأنه قيل: لا يجهر بالسوء من القول إلا المظلوم» وردّ الطبرىّ هذا الوجه بأن الجهر لم يتوجه عليه النفى، ولم يكتف بوقوعه فى حيز النفى. (3) آية 150 سورة البقرة. (4) آية 21 سورة الغاشية. [ ..... ] (5) آية 23 سورة الغاشية. (6) كذا فى ش. وفى ج: «استثناء» وكأنه لا يرى هذا الاستثناء لأن الرسول عليه الصلاة والسلام مسيطر فى دعوته على الجميع. ويرى بعضهم هذا الاستثناء، ويجعل هذا آية موادعة نسخت بآية السيف. وانظر البحر 8/ 465. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 بِمُصَيْطِرٍ ومثله مِمّا يَجوز أن يستثنى (الاسماء «1» لَيْسَ قبلها) شيء ظاهر قولك: إني لاكره الخصومة والمِرَاء، اللَّهُمَّ إِلا رَجلا يريد بذلك الله. فجازَ استثناء الرجل ولم يذكر قبله شيء من الاسماء لأن الخصومة والمِرَاء لا يكونان إلا بين الآدميّين. وقوله: قُلُوبُنا غُلْفٌ (155) أي «2» أوعية للعلم تعلمه «3» وتعقله، فما لنا لا نفهمُ ما يأتي بِهِ (مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ اللَّه تبارك وتعالى بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا. وقوله: وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ ... (157) الْهَاء هاهنا لعيسى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً الْهَاء هاهنا للعلم، كما تَقُولُ قتلته علمًا، وقتلته يقينًا، للرأي والحديث والظنّ. وقوله: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ... (159) معناهُ: من ليؤمنَّن بِهِ قبل موته. فجاء التفسير بوجهين أحدهما أن تكون الْهَاء فِي موته لعيسى، يقول: يؤمنونَ إِذَا أنزل «4» قبل موته، وتكون الملّة والدين واحدا.   (1) سقط ما بين القوسين فى ج. (2) جعل «غلف» جمع غلاف. وأصله غلف بضم للام فسكن للتخفيف. ويجعله بعضهم جمع أغلف، وهو المغطى خلقة، ويكون هذا كقوله تعالى: «وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ» . (3) كذا فى ش. وفى ج: «تفهمه» . (4) كذا فى ش. وفى ج: «نزل» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 ويُقال: يؤمن كل يهوديّ بعيسى عند موته «1» . وتَحقيق ذَلِكَ فِي قراءة أبي إِلا ليؤمنُنَّ بِهِ قبل موتهم. وقوله: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ ... (163) كما أوحينا إلى كلهم. وقوله: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ ... (164) نصبه من جهتين. يكون من قولك: كما أوحينا إلى رسل من قبلك، فإذا ألقيت (إلى) والإرسال «2» اتصلت بالفعل فكانت نصبًا كقوله يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً «3» ويكون نصبا من (قصصناهم) . ولو كَانَ رفعًا كَانَ صوابًا بِمَا عاد من ذكرهم. وَفِي قراءة أُبي بالرفع وَرُسُلٌ قَدْ قَصَصْنَاهم عليك من قَبْل ورسلٌ لَمْ نقصصهم عليك. وقوله: فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ ... (170) (خيرا) منصوب باتصاله «4» بالأمر لأنه من صفة الأمر وقد يستدل عَلَى ذَلِكَ ألم تر «5» الكناية عَن الأمر تصلح قبل الخير، فتقول للرجل: اتق الله هو خير لك أي   (1) هذا هو الوجه الآخر. والهاء فى (موته) على هذا ترجع إلى «من ليؤمن» . (2) كذا، يريد المرسلين وهو «رسل» مجرور إلى: يريد حذف الجارّ والمجرور. وقد يكون الأصل: «الرسل» . (3) آية 31 سورة الإنسان. وهو يريد فى الآية أن الأصل: (أعد للظالمين) فألقيت اللام فانتصب المجرور بها. وهذا أحد الوجوه فى الآية. وقدر بعضهم: «وعذب الظالمين» فيكون من باب الاشتغال. (4) كأنه يريد أنه نائب عن المصدر فنصب نصب المصدر لكونه إياه. وحاصل ذلك أنه مفعول مطلق. وعلل ذلك بأن الأصل: هو (أي الإيمان مثلا) خير، فانعقد من هذا اتحاد بين الإيمان وخير فلما حذف ضمير الإيمان وبقي خير الذي هو مرادف (إيمان) فكأنه قيل: آمنوا إيمانا. فانتصب خير كما ينتصب إيمان. ويذكر الناقلون مذهب الفراء أنه يقدر «آمنوا إيمانا خيرا» وهو يرجع إلى ما قلنا. (5) فى ش، ج: «ترى» وهذا خطأ، أو أن الأصل «ألا ترى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 الاتقاء خيرٌ لك، فإذا سقطت (هُوَ) اتصل بما قبله وهو معرفة فنصب، وليس نصبه عَلَى إضمار (يكن) لأن ذَلِكَ يأتي بقياس يبطل هَذَا ألا ترى أنك تَقُولُ: اتق الله تكن محسنًا، ولا يَجوز أن تَقُولُ: اتق الله محسنًا وأنت تُضمر (تكن) ولا يصلح أن تَقُولُ: انصرنا أخانا (وأنت «1» تريد تكن أخانا) . وقوله: وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ ... (171) أي تقولوا: هم ثلاثة كقوله تعالى سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ فكل ما رأيته بعد القول مرفوعًا ولا رافع معه ففيه إضمار اسم رافع لذلك الاسم. وقوله: سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ يصلح فى (أن) مِنْ وعن، فإذا ألقيتا كانت (أن) فِي موضع نصب. وَكَانَ الْكِسَائي يقول: هي فِي موضع خفض، فِي كَثِير من أشباهها. وقوله: وَلا يَجِدُونَ ... (173) ردّت عَلَى ما بعد الفاء فرفعت، ولو جزمت «2» عَلَى أن تردّ عَلَى موضع الفاء كَانَ صوابًا، كما قَالَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ «3» . وقوله: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ ... (176) (هلك) فِي موضع جزم. وكذلك قوله وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ «4» لو كَانَ مكانهما يفعل كانتا جزمًا كما قال الكميت:   (1) ثبت ما بين القوسين فى ج، وسقط فى ش. (2) كأنه يريد أنّ هذه الجملة معطوفة على قوله فى الآية 172 «ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا» وما بين ذلك اعتراض، وإلا فلا يظهر وجه لما قال، فإن التلاوة هكذا: «وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا» . (3) آية 186 سورة الأعراف. [ ..... ] (4) آية 6 سورة التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 فإن أنت تفعل فللفاعلين ... أنت المجيزين تلك الغمارا «1» وأنشد بعضهم: صعدة نابتة فِي حائرٍ ... أَيْنَما الريحُ تُمَيِّلْها تَمِلْ «2» إلا أن العرب تَختار إِذَا أتى الفعل بعد الاسم فِي الجزاء أن يَجعلوه «3» (فعل) لأن الجزم لا يتبين فِي فَعَل، ويكرهون أن يعترض شيء بين الجازم وما جزم. وقوله يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا معناهُ: أَلا تضلوا «4» . ولذلك صلحت لا فِي موضع أن. هَذِه محنة «5» ل (أن) إِذَا صلحت فِي موضعها لئلا وكيلا صلحت لا.   (1) هذا من قصيدة يمدح فيها أبان بن الوليد بن عبد الملك. وانظر بعضها فى الخزانة 1/ 82 «والمجيزين» وصف «الفاعلين» والغمار جمع الغمار، وهو الماء الكثير يغمر من دخله ويغطيه. (2) هذا من قصيدة لكعب بن جعيل. والصعدة: القناة التي تنبت مستوية فلا تحتاج إلى تثقيف، شبه بها المرأة. ووصف القناة أنها نبتت فى حائر وهو المكان المطمئن يتحير فيه الماء. وانظر الخزانة 1/ 457. (3) ومن مجىء فعل الشرط المفصول باسم من أداة الشرط فعلا مضارعا شذوذا أو ضرورة قول عبد الله بن عنمة الضبىّ من أبيات: يثنى عليك وأنت أهل ثنائه ... ولديك إن هو يستزدك مزيد وحق فعل الشرط فى ذلك أن يكون ماضيا. كما أن حق أداة الشرط فيه أن تكون (إن) دون غيرها. (4) قال الكسائي: المعنى يبين الله لكم لئلا تضلوا- ويردّ البصريون ذلك لأنهم لا يجيزون إضمار (لا) والمعنى عندهم: يبين الله لكم كراهة أن تضلوا، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وكذا فى الكشاف والبيضاوي. ورجح بأن حذف المضاف أسوغ وأشيع من حذف لا- وقال الطبري: وأن تضلوا فى موضع خفض عند بعضهم بمعنى يبين الله لكم بأن لا تضلوا، وأسقطت لا من اللفظ وهى مطلوبة فى المعنى لدلالة الكلام عليها والعرب تفعل ذلك، تقول: جئنك أن تلومنى بمعنى جئتك أن لا تلومنى، كما قال القطامي فى صفة ناقة: رأينا ما يرى البضراء فيها ... فآلينا عليها أن تباعا بمعنى الاتباع. (5) المحنة: اسم بمعنى الامتحان والاختبار. أي يتعرف بهذا حال أن ومعناها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 من سورة المائدة ومن قوله تبارك وتعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ... (1) يعني: بالعهود. [والعقود] «1» والعهود واحد. وقوله: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ وهي بقر الوحش والظباء والْحُمُر الوحشيَّة. وقوله: إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي موضع نصب بالاستثناء، ويَجوز الرفع، كما يَجوز: قام القوم إِلا زيدًا وَإِلا زيد. والمعنى فِيهِ: إِلا ما نبينه لكم من تَحريمِ ما يَحْرُم وأنتم مُحرمون، أو فِي الحرم. فذلك قوله غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ يقول: أحلّت لكم هَذِه غير مستحلّين للصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ. ومثله إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ «2» وهو «3» بمنزلة قولك (فِي قولك) «4» أحلّ لك هَذَا الشيء لا مفرطًا فِيهِ ولا متعدّيًا. فإذا جعلت (غير) مكان (لا) صار النصبُ الَّذِي بعد لا فِي غير. ولو كَانَ (محلِّين الصيد) نصبت كما قَالَ الله جل وعز وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ وَفِي قراءة عبد الله (ولا آمِّي البيتِ الحرام) . إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ: يقضى ما يشاء. وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ ... (2) كانت عَامَّةُ العرب لا يرونَ الصفا والمروة من الشعائر «5» ، ولا يطوفونَ بينهما، فأنزلَ الله تبارك وتعالى: لا تستحلّوا ترك ذلك.   (1) زيادة يقتضيها السياق خلت منها ش، ج. (2) آية 53 سورة الأحزاب. (3) كذا فى ش بحرف العطف. وفى ج: «هو» دون حرف العطف. (4) كذا. والأسوغ حذف ما بين القوسين. (5) كذا فى ش. وفى ج «شعائر» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 وقوله: وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ: ولا القتال فِي الشهر الحرام. وَلَا الْهَدْيَ وهو هَدْيُ المشركين: أن تعرضوا لَهُ ولا أن تخيفوا من قلّد بعيره. وكانت العرب إِذَا أرادت أن تُسافرَ فِي غير أشهر «1» الحُرُم قلّد أحدُهم بعيره، فيأمن بذلك، فقال: لا تخيفوا من قلّد. وَكَانَ أهلُ مكة يقلِّدونَ بلِحَاء «2» الشجر، وسائر العرب يقلدون بالوَبَر والشعر. وقوله: وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ يقول: ولا تَمْنَعُوا مَنْ أَمّ البيت الحرام أو أراده من المشركين. ثُمَّ نَسَخَتْ هَذِه «3» الآية التي فِي التوبة فَاقْتُلُوا «4» الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ إلى آخر الآية. وقوله: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ قرأها يَحْيَى بن وثَّاب والاعمش: ولا يُجْرِمنَّكم، من أجرمت، وكلام «5» العرب وقراءة القراء يَجْرِمَنَّكُمْ بفتح الياء. جاء التفسير: ولا يحملنَّكم بغض قوم. قَالَ الفراء: وسمعتُ العرب تَقُولُ: فُلان جَرِيمة أهله، يريدونَ: كاسب لأهله، وخرج يجرمهم: يكسب لَهُم. والمعنى فيها متقارب: لا يكسبنَّكم بغضُ قوم أن تفعلوا شرًّا. ف (أن) فى موضع تصب. فإذا جعلت «6» فِي (أن) (عَلَى) ذهبتَ إلى معنى: لا يحملنَّكم بغضهم عَلَى كذا وكذا، عَلَى أن لا تعدلوا، فيصلح طرح (عَلَى) كما تَقُولُ: حملتني أن أسألَ وَعَلَى أن أسأل.   (1) كذا. والكوفيون يجيزون إضافة الموصوف للوصف. (2) لحاء الشجر: قشره. (3) كذا فى ج. وفى ش: «هى» . [ ..... ] (4) آية 5. (5) فى اللسان (جرم) : «وقال أبو إسحق: يقال: أجرمنى كذا وجرمنى. وجرمت وأجرمت بمعنى واحد. وقيل فى قوله تعالى: (لا يَجْرِمَنَّكُمْ) : لا يدخلنكم فى الجرم كما يقال: آثمته أي أدخلته فى الإثم» وأبو إسحق هو الزجاج، وهو بصرى. فقول القرطبي: «ولا يعرف البصريون الضم» موضع نظر. (6) أي إذا قدّرت حرف الجرّ المحذوف الداخل على (أن) هو (على) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ وقد ثقّل «1» الشنآن بعضهم «2» ، وأكثر القُراء عَلَى تَخفيفه «3» . وقد رُوي تَخفيفه وتثقيله عَن الاعمش وهو: لا يحملنكم بغض قومٍ، فالوجه إِذَا كَانَ مصدرًا أن يثقل، وَإِذَا أردت بِهِ بغيض قوم قلت: شنآن. وأَنْ صَدُّوكُمْ فِي موضع نصب لصلاح «4» الخافض فيها. ولو كسرت «5» عَلَى معنى الجزاء لكان صوابًا. وَفِي حرف عبد الله إِنْ يَصدُّوكم فإن كسرت جعلت الفعل مستقبلا، وإن فتحت جعلته ماضيًا. وإن جعلته جزاء بالكسر صلح ذَلِكَ كقوله» أَفَنَضْرِبُ «7» عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ وَإِن، تفتح وتكسر. وكذلك أَوْلِياءَ «8» إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ تكسر. ولو فتحت لكان صوابًا، وقوله باخِعٌ «9» نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [فِيهِ] «10» الفتح والكسر. وأما قوله بَلِ «11» اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ ف (أَنْ) مفتوحة لأن معناها ماضٍ كأنك قلت: منّ عليكم أن هداكم. فلو نويت الاستقبال جاز الكسرُ فيها. والفتح الوجه «12» لمضي أوّل الفعلين. فإذا قلت: أكرمتك أن أتيتني، لَمْ يَجز كسر أن لأنّ الفعل ماضٍ. وقوله: وَتَعاوَنُوا هُوَ فِي موضع جزم. لأنها أمر، وليست بمعطوفة على تَعْتَدُوا.   (1) كذا فى ج. وفى ش: «تقول» وهو تحريف. وتثقيل الشنآن تحريك نونه بالفتح، وتخفيفه: تسكينها. (2) من هؤلاء أبو عمرو والكسائىّ وابن كثير وحمزة وحفص. (3) وهى قراءة ابن عامر وأبى بكر. (4) كذا فى ج. وفى ش: «لصالح» . (5) وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو. (6) كذا فى ج. وفى ش: «قوله» . (7) آية 6 سورة الزخرف. والكسر قراءة نافع وحمزة والكسائىّ وأبى جعفر وخلف. ووافقهم الحسن والأعمش. والباقون بالفتح، كما فى الإتحاف. (8) آية 23 سورة التوبة. (9) آية 3 سورة الشعراء. (10) زيادة يقتضيها المقام. (11) آية 17 سورة الحجرات. [ ..... ] (12) فى ش، ج: «والوجه» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 وقوله: وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ... (3) ما فِي موضع رفع بِما لَمْ يسم فاعله. وَالْمُنْخَنِقَةُ: ما اختنقت فماتت ولم تدرك. وَالْمَوْقُوذَةُ: المضروبة حتى تموت ولم تذكّ. وَالْمُتَرَدِّيَةُ: ما تردّى من فوق جبل أو بئر «1» ، فلم تدرك ذكاته. وَالنَّطِيحَةُ: ما نُطِحت حَتَّى تَموت. كل ذَلِكَ محرّم إِذَا لَمْ تُدرك ذكاته. وقوله: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ نصب ورفع. وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ: ذبح للأوثان. و (ما ذبح) فِي موضع رفع «2» لا غير. وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا رفع بِما لَمْ يسم فاعله. والاستقسام: أنّ سهامًا كانت تكون فِي الكعبة، فِي بعضها: أمرني ربي، (وَفِي موضعها: نهاني ربي «3» ) فكان أحدهم إِذَا أراد سفرًا أخرج سهمين فأجالهما، فإن خرج الَّذِي فِيهِ (أمرني ربي) خرج. وإن خرج الَّذِي فِيهِ (نهاني ربي) قعد وأمسكَ عَن الخروج. قَالَ الله تبارك وتعالى: ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ والكلام منقطع عند الفسق، والْيَوْمَ منصوب ب (يئس) لا بالفسق. الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ نصب (اليوم) ب (أُحِلّ) . وقوله: غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ مثل قوله غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ يقول: غير معتمد لاثم. نصبت (غير) لأنها حال ل (مَنْ) ، وهي خارجة من الاسم الذي فى (اضطرّ) .   (1) كذا فى ش، ج. والمناسب: «فى بئر» . (2) أي بالعطف على «الميتة» . (3) سقط ما بين القوسين فى ج. وقوله: «فى موضعها» كذا. والمناسب: فى بعضها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وقوله: وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ ... (4) يعنى الكلاب. ومُكَلِّبِينَ نصب عَلَى الحال خارجة من (لكم) ، يعني بِمكلِّبين: الرجال أصحاب الكلاب، يُقال للواحد: مكلِّب وكلّاب. وموضع (ما) رفع. وقوله: (تعلّمونهنّ) : تؤدبونهنّ أَلا يأكلن صيدهنّ. ثُمَّ قَالَ تبارك وتعالى فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ مِمَّا لَمْ يأكلن منه، فإن أكلَ فليس بِحلال لأنه إِنَّما أمسكَ عَلَى نفسه. وقوله: وَأَرْجُلَكُمْ ... (6) مردودة عَلَى الوجوه «1» . قَالَ الْفَرَّاءُ: وَحَدَّثَنِي قَيْسُ «2» بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عَاصِمٍ «3» عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ (وَأَرْجُلَكُمْ) مُقَدِّمٌ «4» وُمُؤَخِّرٌ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ «5» بْنُ أبان القريشي عَنْ أَبِي «6» إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَ «7» الْكِتَابُ بِالْمَسْحِ، وَالسُنَّةُ الْغَسْلُ. قَالَ الفراء: وَحَدَّثَنِي أَبُو شِهَاب «8» عَن رجل عن   (1) فى ش، ج «الوجه» . يريد أنها معطوفة على «وجوهكم» . (2، 3) قيس بن الربيع الأسدى الكوفىّ. مات سنة 165. وعاصم هو ابن بهدلة الكوفىّ أحد القراء السبعة. مات سنة 129. وزرّهو ابن حبيش. وهو كوفىّ أيضا. مات سنة 82 هـ. وانظر الخلاصة. (4) يريد عطف «أرجلكم» على «وجوهكم» وفيه تقديم «وامسحوا برءوسكم» وتأخير «أرجلكم» وهو ذكر للوجه السابق. (5) مات سنة 139 (6) هو عمرو بن عبد الله السبيعىّ. مات سنة 127 (7) أي على قراءة «أرجلكم» بالخفض. وهى قراءة ابن كثير وحمزة وأبى عمرو. (8) أبو شهاب: هو عبد ربه بن نافع الكنانىّ الحناط الكوفي نزيل المدائن. روى عن الأعمش وغيره وكان ثقة. توفى سنة 171 وهو أبو شهاب الأصغر. وأبو شهاب الأكبر هو موسى بن نافع الأسدى الحناط روى عن سعيد بن جبير وعطاء وغيرهما وثقه أبو نعيم، وقال أحمد: إنه منكر الحديث. توفى حوالى سنة 150 (خلاصة تذهيب الكمال) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 الشعبيّ قَالَ: نزل جبريل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمسح عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهما وَعَلَى جَميع الأنبياء. قَالَ الفراء: السنة الغسل. وقوله: أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ كناية عَن خلوة الرجل إِذَا أراد الحاجة. وقوله: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ... (8) لو لم تكن (هو) فى الكلام كانت (أقرب) نصبًا. يكنى عَن الفعل فِي هَذَا الموضع بِهو وبذلك تصلحان جَميعًا. قَالَ فِي موضع آخر إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ «1» وفى الصفّ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ «2» فلو لم تكن (هو) ولا (ذلك) فِي الكلام كانت نصبًا كقوله انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ «3» . وقوله: يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ... (19) معناهُ: كي لا تقولوا: مَا جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ مثل ما قَالَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا «4» . وقوله: إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ ... (20) يعني السبعين الَّذِينَ اختارهم موسى ليذهبوا معه إلى الجبل، سمَّاهم أنبياء لِهذا. وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً يقول: أحدكم فِي بيته مِلك، لا يُدخَل عَلَيْهِ إلا بإذن. وَآتاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ ظَلَّلَكُمْ بالغَمامِ الابيض، وأنزلَ عليكم المنّ وَالسَّلْوَى.   (1) آية 12 سورة المجادلة. (2) آية 11 (3) آية 171 سورة النساء. [ ..... ] (4) آية 176 سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وقوله: ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ... (21) ذُكِرَ أَنَّ الأرض المقدسة دِمَشْق وفِلسطون «1» وبعض الأرْدُنّ (مشددة النون) . وقوله: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا ... (24) فقال (أَنْتَ) ولو ألقيت (أنت) فقيل: اذهب وربك فقاتلا كَانَ صوابًا لأنه فِي إحدى القراءتين إنه يراكم وقبِيلُه بغير (هُوَ) وهي بهو «2» وفَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ أكثر فِي كلام العرب. وذلك أن المردود عَلَى الاسم المرفوع إِذَا أُضْمِرَ يكره لأن المرفوع خفيّ فِي الفعل، وليس كالمنصوب لأن المنصوب يظهر فتقول ضربته وضربتك، وتقول فِي المرفوع: قام وقاما، فلا ترى اسمًا «3» منفصلا فِي الاصل من الفعل، فلذلك أُوثِرَ إظهاره، وقد قال الله تبارك وتعالى أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا «4» ولم يقل (نحن) وكلّ صواب. وَإِذَا فرقت بين الاسم المعطوف بشيء قد وقع عَلَيْهِ الفعل حسن بعضَ الْحَسَن. من ذَلِكَ قولك: ضربتُ زيدًا وأنت. ولو لَمْ يكن زيد لقلت: قمت أنا وأنت، وقمت وأنت قليل. ولو كانت (إنا هاهنا قاعدين) «5» كان صوابا.   (1) تراه عامله فى الإعراب كجمع المذكر السالم. وهو أحد الوجهين فيه. والوجه الآخر أن يلزم الياء والنون كغسلين. (2) كذا فى ج. وفى ش: «هو» . يريد أن قراءة الآية السابقة (إنه يراكم هو وقبيله) أكثر لما فيها من الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه الذي هو ضمير الرفع، وكذلك الفصل فى الآية بعده. (3) سقط فى ش. (4) آية 67 سورة النمل. (5) ذلك أن يكون الظرف (هاهنا) خبر إن و (قاعدين) حال من الضمير المستتر فى متعلق الخبر أو من اسم إن وهو ضمير المتكلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وقوله: أَرْبَعِينَ سَنَةً ... (26) منصوبة بالتحريم «1» . ولو قطعت الكلام فنصبتها بقوله (يتيهون) كَانَ صوابًا. ومثله فِي الكلام أن تَقُولُ: لاعطينَّك ثوبًا ترضى، تنصب الثوب بالإعطاء، ولو نصبته بالرضا تقطعه من الكلام من (لاعطينك) كَانَ صوابًا. وقوله: فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ... (27) ولم يقل: قَالَ الَّذِي لَمْ يتقبل منه (لأقتلنّك) لأن المعنى يدلّ عَلَى أن الَّذِي لَمْ يتقبّل منه هُوَ القائِل لحسده لاخيه: لاقتلنك. ومثله فِي الكلام أن تَقُولُ: إِذَا اجتمعَ السفيه والحليم حُمِد، تنوي بالحمد الحليم، وَإِذَا رأيت الظالِم والمظلوم أعَنْتَ، وأنت تنوي: أعنت المظلوم، للمعنى الَّذِي لا يُشْكِلُ. ولو قلت: مرّبى رجلٌ وامرأة فأعَنْتُ، وأنت تريد أحدهما لَمْ يَجز حَتَّى يبيّن لانهما لَيْسَ فيهما علامة تستدل بِهَا عَلَى موضع المعونة، إلا أن تريد: فأعنتهما جَميعًا. وقوله: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ ... (30) يريد: فتابعته. وقوله: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ ... (32) جواب لقتل ابن آدم صاحبه. وقوله: وَمَنْ أَحْياها يقول: عفا عنها، والإحياء هاهنا العفو.   (1) قال العكبري (أربعين سنة) ظرف لمحرمة، فالتحريم على هذا مقدّر، وجملة (يتيهون فى الأرض) حال من الضمير المجرور- وقيل هى ظرف ل «يتيهون» فالتحريم على هذا غير مؤقت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وقوله: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ ... (33) (أن) فِي موضع رفع. فإذا أصابَ الرجل الدم والمال وأخاف السبيل صلب، وَإِذَا أصابَ القتل ولم يصب المال قتِل، وَإِذَا أصابَ المال ولم يصب القتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى «من خلاف» ويصلح مكان (من) عَلَى، والباء، واللام. ونفيه أن يُقال: من قتله فدمه هدر «1» . فهذا النفي. وقوله: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ... (38) مرفوعان بِما عاد من ذكرهما. والنصبُ فيهما جائز كما يَجوز أزيد ضربته، وأزيدًا ضربته. وإنما تختار العرب الرفع فى «السارق والسارقة» لأنهما [غير] «2» موَقَّتين، فوجِّها توجيه الجزاء كقولك: مَنْ سرق فاقطعوا يده، ف (من) لا يكون إلا رفعًا، ولو أردت سارقًا بعينه أو سارقة بعينها كَانَ النصبُ وجه الكلام. ومثله وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما «3» وَفِي قراءة عبد الله «والسارقونَ والسارقات فاقطعوا أيمانهما» . وإنّما قَالَ (أيديهما) لأن كل «4» شيء موحَّد من خَلْق الانْسَان إِذَا ذكر مضافًا إلى اثنين فصاعدًا جُمِع. فقيل: قد هشمت رءوسهما، وملاتَ ظهورهما وبطونَهما ضربَا. ومثله إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما «5» .   (1) فى اللسان (نفى) بعده: «أي لا يطالب قاتله بدمه» . (2) سقط فى ش. (3) آية 16 سورة النساء. (4) كذا فى ج. وفى ش: «لكل» . (5) آية 4 سورة التحريم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وإنَّما اختير الجمع عَلَى التثنية لأن أكثر ما تكون عَلَيْهِ الجوارح اثنين فِي الانْسَان: اليدين والرجلين والعينين. فلمّا جرى» أكثره عَلَى هَذَا ذهب بالواحد منه إِذَا أضيفَ إلى اثنين مذهب التثنية. وقد يَجوز تثنيتهما قَالَ أَبُو ذُؤيب: فتخالسا نَفْسَيْهِما بنوافذ ... كنوافِذِ العُبُط التي لا ترقَع «2» وقد يَجُوز هَذَا فيما لَيْسَ من خَلْق الانْسَان. وَذَلِكَ أن تَقُولُ للرجلين: خلَّيْتما نساءكما، وأنت تريد امرأتين، وخرقتما قُمُصكما. وإنّما ذكرت ذَلِكَ لأن من النحويين من كَانَ لا يُجيزه إِلا فِي خَلْق الانْسَان، وَكُلٌّ سواء. وقد يَجوز أن تَقُولُ فِي الكلام: السارق والسارقة فاقطعوا يَمينهما «3» لأن المعنى: اليمين من كل واحد منهما كما قال الشاعر: كلوا فِي نصف بطنِكم تعيشوا ... فإنَّ زمانكم زمن خميص «4»   (1) يريد أن الجوارح لما كثر فيها التثنية غلبت هذه الجوارح على المفردة، فدخلت الأخيرة فى باب الأولى. فإذا أضيف اثنان من المفردة الى اثنين فكأنما أضفت أربعة، فجمع اللفظ لذلك. (2) هذا من عينيته المشهورة التي يرثى بها بنيه. وهى فى المفصليات. وهو فى وصف فارسين يتنازلان. و «تخالسا نفسيهما» : رام كل منهما اختلاس نفس صاحبه وابتهاز الفرصة فيه. والنوافذ: الطعنات النافذة. والعبط: جمع العبيط، وهو ما يشق، من العبط أي الشق. وفى أمالى ابن الشجري 1/ 12: «أراد: بطعنات نوافذ. والعبط جمع العبيط، وهو البعير الذي ينحر لغير داء» . وانظر شرح المفضّليات لابن الأنبارى 883، وديوان الهذليين (الدار) 1/ 20 [ ..... ] (3) كذا فى ج. وفى ش: «يدهما» . (4) ويروى: كلوا فى بعض بطنكم تعفوا والخميص: الجائع طوى بطنه على غير زاد. وانظر الكتاب 1/ 108، والخزانة 3/ 379. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 وقال الآخر «1» : الواردونَ وتَيْم فِي ذرى سبأٍ ... قد عَضَّ أعناقَهم جِلْدُ الجواميسِ من قَالَ: (ذَرَى) «2» جعل سبأ جِيلا، ومن قَالَ: (ذُرَى) أراد موضعًا. ويَجوز فِي الكلام أن تَقُولُ: ائتني برأس شاتين، ورأس شاة. فإذا قلت: برأس شاة فإنّما أردت رأسَيْ هَذَا الجنس، وَإِذَا قلت برأس شاتين فإنك تريد بِهِ الرأس من كل شاة قَالَ الشاعر فِي غير ذَلِكَ: كأنّه وَجْه تركيَّيْنِ قد غَضِبا ... مستهدف لِطعانٍ غيرِ تذبيب «3» وقوله: وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ... (41) إن شئت رفعت قوله «سمّاعون للكذب» بمن ولم تجعل (من) فِي المعنى متصلة بِما قبلها، كما قَالَ الله: «فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ» «4» وإن شئت كان   (1) هو جرير. وهو من قصيدة فى هجاء تيم بن قيس من بكر بن وائل. والرواية فى الديوان 325: تدعوك تيم وتيم فى قرى سبأ ... قد عض أعناقهم جلد الجواميس (2) الذرى- بالفتح-: الكنّ وما يستتر به. وتقول: أنا فى ذرى فلان أي فى ظله وحمايته، فإذا أريد بسبأ القبيلة المعروفة قرئ «ذرى سبأ» بالفتح أي أن تيما يحتمون بسبأ ويمتنعون بها، ولا عصمة لهم من أنفسهم. والذرى- بالضم- جمع الذروة. وذروة الشيء: أعلاه. وعلى هذه القراءة يكون سبأ اسما للمدينة المعروفة أي أن تيما فى أعالى هذه المدينة. وقد قرأ البغدادىّ «جبلا» واحد الجبال فضبط الأوّل بالضم والثاني بالفتح، والأشبه بالصواب ما جرينا عليه من قراءته: «جيلا» بالجيم المكسورة والياء المثناة الساكنة. وانظر الخزانة 3/ 371 (3) هكذا أنشده الفرّاء «تذبيب» وتابعه ابن الشجري فى أماليه 1/ 12، وقال: «ذب فلان عن فلان: دفع عنه. وذبب فى الطعن والدفع إذا لم يبالغ فيهما» وهذا يوافق ما فى اللسان: «ويقال طعان غير تذبيب إذا بولغ فيه» . وقال البغدادي فى الخزانة 3/ 372: «والبيت الشاهد قافيته رائية لا بائية» وأورد البيت فيه «غير منجحر» فى مكان «غير تذبيب» وهو من قصيدة للفرزدق يهجو بها جريرا، أوّلها: ما تأمرون عباد الله أسألكم ... بشاعر حوله درجان مختمر (4) آية 32 سورة فاطر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 المعنى: لا يَحزنك الَّذِينَ يُسارِعونَ فِي الكفر من هؤلاء ولا «من الذين هادوا» فترفع حينئذ (سمّاعون) عَلَى الاستئناف، فيكون مثل قوله «لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ» «1» ثم قال تبارك وتعالى: «طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ» ولو قيل: سماعين، وطوّافين لكان صوابًا كما قال: «مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا» «2» وكما قَالَ: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ» «3» ثُمَّ قَالَ: «آخِذِينَ «4» ، وفاكِهِينَ «5» ، ومُتَّكِئِينَ» «6» والنصبُ أكثر. وقد قَالَ أيضًا فِي الرفع: «كَلَّا إِنَّها لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى» «7» فرفع «8» (نزَّاعة) عَلَى الاستئناف، وهي نكرة من صفة معرفة. وكذلك قوله: «لا «9» تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ» وَفِي قراءة أبيّ «إنَّها «10» لإحدى الكُبَر نَذِير لِلبشرِ» بغير ألف. فما أتاكَ من مثل هذا فى الكلام نصبته ورفعته. ونصبه عَلَى القطع وَعَلَى الحال. وَإِذَا حسن فِيهِ المدح أو الذم فهو وجهٌ ثالث. ويصلح إِذَا نصبته عَلَى الشتم أو المدح أن تنصب معرفته كما نصبت نكرته. وكذلك قوله «سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ للسّحت» عَلَى ما ذكرت لك. وقوله: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ... (45) تنصب (النفس) بوقوع (أنّ) عليها. وأنتَ فِي قوله (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بالأنف) إلى قوله (والجروح قصاص) بالخيار. إن شئت رفعت، وإن شئت   (1) آية 58 سورة النور. (2) آية 61 سورة الأحزاب. (3) آية 15 سورة الذاريات. (4) آية 16 سورة الذاريات. (5) آية 18 سورة الطور وهى بعد قوله: «إن المتقين فى جنات ونعيم» وكأن الأمر اشتبه على المؤلف. (6) آية 20 سورة الطور. (7) آيتا 15، 16 سورة المعارج. (8) وقرأ حفص من السبعة وبعض القرّاء من غيرهم بالنصب. [ ..... ] (9) آيتا 28، 29 سورة المدّثر. (10) آيتا 35، 36 سورة المدّثر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 نصبت. وقد نصب حَمْزَةُ ورفع الْكِسَائي. قَالَ الفراء: وحدّثنى إبراهيم «1» بن محمد ابن أَبِي يَحْيَى عَنْ أَبَانِ «2» بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قرأ: (والعين بالعين) رَفْعًا. قَالَ الفراء: فإذا رفعت الْعَيْن أتبع الكلام العين، وإن نصبنه فجائز. وقد كَانَ بعضهم ينصب كله، فإذا انتهى إلى (والجروح قصاص) رفع. وكل صواب، إِلا أن الرفع والنصب فِي عطوف إِنّ وأنّ إنّما يسهلان إِذَا كَانَ مع الاسماء أفاعيل مثل قوله (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا ريب فيها) «3» كَانَ النصب سهلا لأن بعد الساعة خبرها. ومثله إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ «4» ومثله وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ «5» فإذا لَمْ يكن بعد الاسم الثاني خبر رفعته، كقوله عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ «6» وكقوله فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ «7» وكذلك تَقُولُ: إِنَّ أخاكَ قائِم وزيد، رفعت (زيد) باتباعه الاسم المضمر فِي قائم. فابنِ عَلَى هَذَا. وقوله «8» : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى ... (69) فإن رفع (الصَّابِئِينَ) عَلَى أَنَّهُ عطف عَلَى (الذين) ، و (الذين) حرف عَلَى جهة واحدة «9» فِي رفعه ونصبه وخفضه، فلمّا كَانَ إعرابه واحدًا وَكَانَ نصب (إنّ) نصبا   (1) يروى عنه الشافعي والثورىّ. مات سنة 184. (2) كانت وفاته سنة 140 هـ. (3) آية 32 سورة الجاثية. وقد قرأ حمزة بالنصب والباقون بالرفع. (4) آية 128 سورة الأعراف. وقد قرأ بالنصب ابن مسعود. (5) آية 19 سورة الجاثية. (6) آية 3 سورة التوبة. (7) آية 4 سورة التحريم. (8) هذه الآية فصلت بين أجزاء الآية 45. وقد تكرر مثل هذا فى الكتاب. (9) يريد أنه مبنىّ غير معرب فلا يتغير آخره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 ضعيفًا- وضعفه أَنَّهُ يقع عَلَى (الاسم «1» ولا يقع عَلَى) خبره- جاز رفع الصابئين. ولا أستحبُّ أن أقول: إنّ عبد الله وزيد قائمانِ لتبين الإعراب فِي عبد الله. وقد كَانَ الْكِسَائي يُجيزه لضعف إنّ. وقد أنشدونا هَذَا البيت رفعًا ونصبًا: فمن يك أمسى بالمدينةِ رحلُهُ ... فإِنّي وقيَّارا بِهَا لغريب «2» وَقيَّارٌ. لَيْسَ هَذَا بِحُجَّةِ للكسائي فِي إجازته (إنّ عمرًا وزيد قائمان) لأن قيارًا قد عطف عَلَى اسم مكنّى عَنْهُ، والمكنّى لا إعرابَ لَهُ فسهل ذَلِكَ (فِيهِ «3» كما سهلَ) فِي (الذين) إذا عطفت عليه (الصابئون) وهذا أقوى فِي الجواز من (الصابئون) لانّ المكنى لا يتبين فِيهِ الرفع فِي حال، و (الذين) قد يُقال: اللذونَ فيرفع فِي حال. وأنشدني بعضهم: وَإِلا فاعلموا أَنَّا وَأنْتُم ... بُغَاة ما حيينا فِي شِقَاقِ «4» وقال الآخر: يا لَيْتَنِي وأَنْتِ يا لَمِيسُ ... ببلدٍ لَيْسَ بِهِ أنِيس وأنشدنى بعضهم: يا ليتنى وهما نخلو بمنزلة ... حتى يرى بعضنا بعضا ونأتلف   (1) سقط ما بين القوسين فى ج. (2) من أبيات لضابئ بن الحارث البرجمىّ قالها فى سجنه فى المدينة على عهد عثمان رضى الله عنه. أخذ لقذفه المحصنات. وقيار اسم فرسه. وفى نوادر أبى زيد أنه اسم جمله. وانظر الخزانة 4/ 323 والكتاب 1/ 8. (3) سقط ما بين القوسين فى ح. [ ..... ] (4) هو لبشر بن خازم الأسدى. وقبله: فإذ جزت نواصى آل بدر ... فأدّوها وأسرى فى الوثاق وانظر الخزانة: / 315، والكتاب 1/ 290. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 قَالَ الْكِسَائي: أرفع (الصابِئون) عَلَى إتباعه الاسم الَّذِي فِي هادوا، ويجعله «1» من قوله (إِنَّا هدنا إليك) «2» لا من «3» اليهودية. وجاء التفسير بغير ذَلِكَ لأنه وصف الَّذِينَ آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، ثُمَّ ذكر اليهود والنصارى فقال: من آمن منهم فله كذا، فجعلهم يهودا ونصارى. وقوله «4» : فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ... (45) كنى (عَن «5» [الفعل] بهو) وهي فِي الفعل الَّذِي يَجري منه فعل ويفعل، كما تَقُولُ: قد قدمت القافلة ففرحت بِهِ، تريد: بقدومها. وقوله (كفّارة له) يعني: للجارح والجاني، وأجر للمجروح. وقوله: وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً ... (46) ثم قال (ومصدّقا) فإن شئت جعل (مصدّقا) من صفة عيسى، وإن شئت من صفة الإنجيل. وقوله وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ متبع للمصدق فِي نصبه، ولو رفعته عَلَى أن تتبعهما قوله (فيه هدى ونور) كان صوابا. وقوله: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ ... (47) قرأها حَمْزَةُ وغيره نصبًا «6» ، وجعلت اللام فِي جهة كى. وقرئت (وليحكم) جزما على أنها لام أمر.   (1) فى الخزانة 4/ 334: «بجعله» . (2) آية 156 سورة الأعراف. (3) يريد أن «هادوا» فى قوله: «والذين هادوا» بمعنى تابوا ورجعوا إلى الحق، كما فى آية الأعراف، وليس معنى «الذين هادوا» الذين كانوا على دين اليهودية. والذين هادوا بالمعنى الأوّل يدخل فيه بعض الصابئين فيصح العطف، بخلافه على المعنى الثاني. (4) تقدم بعض هذه الآية قبل الآية السابقة. (5) فى الأصول: «عن ألهو» والظاهر أنه مغير عما أثبتنا. (6) فالميم عنده مفتوحة. وقد كسر اللام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وقوله: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ ... (49) دليل على أنّ قوله (وليحكم) جزم. لأنه كلام معطوف بعضه عَلَى بعض. وقوله: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا ... (53) مستأنفة فِي رفع. ولو نصبت «1» عَلَى الردّ عَلَى قوله (فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أو أمر من عنده) «2» كَانَ صوابًا. وهي فِي مصاحف أهل المدينة (يقول «3» الَّذِينَ آمنوا) بغير واو. وقوله: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ... (54) خفض، تجعلها لعتا (لقوم) ولو نصبت عَلَى القطع «4» من أسمائِهم فِي (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) كَانَ وجهًا. وَفِي قراءة عبد الله (أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِين غُلظاء عَلَى الكافرين) أذلة: أي رحماء بهم. وقوله: وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ ... (57) وهي «5» فِي قراءة أُبيّ (ومن الكفار) ، ومن نصبها ردّها على (الذين اتخذوا) . وقوله: وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ ... (59) (أنّ) فِي موضع نصب عَلَى قوله (هَلْ تَنْقِمُونَ منا) إلا إيماننا وفسقكم. (أن) فِي موضع مصدر، ولو استأنفت (وَإِنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسقون) فكسرت «6» لكان صوابا.   (1) والنصب قراءة أبى عمرو ويعقوب. (2) فى الآية السابقة 52. (3) وقد قرأ بذلك ابن كثير وابن عامر وأبو جعفر كما فى الإتحاف. (4) يريد بذلك النصب على الحال. وقد صرح بذلك القرطبي، ويريد بأسمائهم الضمير فى الفعلين. (5) يريد أن «الكفار» مجرور بالعطف على «الذين أوتوا الكتاب» المجرور بمن. ويذكر أن هذه القراءة يؤيدها قراءة أبىّ إذ صرّح بالجارّ. والجر على العطف قراءة أبى عمرو والكسائىّ ويعقوب. والنصب قراءة الباقين. (6) ثبت فى ج وسقط فى ش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 وقوله: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً ... (60) نصبت (مثوبة) لأنها مفسرة كقوله (أَنَا «1» أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وأعزّ نفرا) . وقوله مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ (من) فى موضع خفض تردّها على (بشرّ) وإن شئت استأنفتها فرفعتها كما قَالَ: «قُلْ «2» أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا» ولو نصبت (من) عَلَى قولك: أُنبئكم (من) كما تَقُولُ: أنبأتك خيرًا، وأنبأتك زيدًا قائِمًا «3» ، والوجه الخفض. وقوله وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ عَلَى قوله «4» : «وَجَعل منهم القِرَدَة [والخنازيرَ] «5» ومن عبد الطاغوتَ» وهي فِي قراءة أُبَيّ وعَبْد الله (وعبدوا) عَلَى الجمع، وَكَانَ أصحاب عبد الله يقرأون «وَعَبَد الطاغوتِ» عَلَى فَعَل، ويضيفونَها إلى الطاغوتِ «6» ، ويفسّرونَها: خَدَمة الطاغوت. فأراد قوم هَذَا المعنى، فرفعوا الْعَيْن فقالوا: عُبُد الطاغوتِ مثل «7» ثمار وثُمُر، يكون جمع جمع. ولو قرأ قارئ (وعَبَد الطاغوتِ) كَانَ صوابًا جيّدًا. يريد عبدة الطاغوت فيحذف الْهَاء لمكان الإضافة كما قَالَ الشاعر: قام وُلاها فسقَوها صَرْخدًا «8» يريد: ولاتها. وأما قوله (وعبد الطاغوت) فإن تكن «9» فِيهِ لغة مثل حَذِر وحَذُر وَعَجُلَ فهو وجه، وإلا فإنَّه أراد- والله أعلم- قول الشاعر «10» :   (1) آية 34 سورة الكهف. [ ..... ] (2) آية 72 سورة الحجّ. (3) حذف الجواب، أي لكان صوابا وهذا يتكرر منه. (4) أي على حذف «من» الموصولة المعطوفة على «القردة» . (5) زيادة فى اللسان (عبد) . (6) وهذه قراءة حمزة. (7) يريد أن عبدا جمع عباد الذي هو جمع عبد. وفى اللسان: «قال الزجاج: هو جمع عبيد كرغيف ورغف» . (8) أراد بالصرخد الخمر. وصرخد فى الأصل موضع ينسب إليه الشراب. (9) كذا فى ج. وفى ش: «لم تكن» وفى اللسان: «قال الفرّاء: ولا أعلم له وجها إلا أن يكون عبد بمنزلة حذر وعجل» والظاهر أن هذا حكاية عما هنا بالمعنى. (10) هو أوس بن حجر، كما فى اللسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 أَبَنِي لُبَيْنَى إِنّ أمَّكُمُ ... أَمَةٌ وإِن أباكم عَبُد «1» وهذا فِي الشعر يَجوز لضرورة القوافي، فأمّا فِي القراءة فلا. وقوله: وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ... (64) أرادوا: ممسكة عَن «2» الإنفاق والإسباغ علينا. وهو كقوله وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ «3» فى الإنفاق. بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ وَفِي حرف عبد الله بَلْ يداهُ بُسْطَانِ والعربُ تَقُولُ: الق أخاكَ بوجه مبسوط، وبوجه بُسْطٍ. وقوله: لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ... (6) يقول: من قَطْر السماء ونبات الأرض من ثمارها وغيرها. وقد يقال: إن هَذَا عَلَى وجه التوسعة كما تَقُولُ: هُوَ فِي خير من قَرْنه إلى قَدَمه. وقوله: فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ... (71)   (1) قبله: أبنى لبينى لست معترفا ... ليكون ألأم منكم أحد يريد أن «عبد» فى البيت حرك بضم الباء للوزن والأسل فيها السكون. (2) كذا فى ج. وفى ش: «على» . (3) آية 29 سورة الإسراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 فقد يكون رفع الكثير من جهتين إحداهما أن تكر «1» الفعل عليها تريد: عمي وَصَمَّ كَثِير منهم، وإن شئت جعلت عَمُوا وَصَمُّوا فعلا للكثير كما قال الشاعر «2» : يلوموننى فى اشترائى النخي ... ل أَهلِي فكلُّهم أَلْوَمُ وهذا لمن قَالَ: قاموا قومك. وإن شئت جعلت الكثير مصدرًا فقلت أي ذَلِكَ كَثِير منهم «3» ، وهذا وجه ثالث. ولو نصبت «4» عَلَى هَذَا المعنى كَانَ صوابًا. ومثله قول الشاعر «5» . وسوَّد ماءُ الْمَرْدِ فاها فلونه ... كلون النؤور وهي أدماء سَارُها ومثله قول الله تبارك وتعالى: «وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» «6» إن شئت جعلت (وأسرّوا) فعلا لقوله «لاهية قلوبهم وأسرّوا النجوى» ثم تستأنف (الذين)   (1) يريد أن يكون بدلا من الفاعل فى (عموا وصموا) . (2) هو أحيحة بن الجلاح. وكان قومه لاموه فى اشتراء النخل. وقوله: «اشترائى» كذا فى ش، ج. ويروى: «اشتراء» وقوله: «ألوم» هكذا فى ش، ج. ورواية البيت هكذا لم يلاحظ فيها الشعر الذي هذا البيت منه. وإلا فهو فيه: «يعذل» فإن قافيته لامية. وبعده: وأهل الذي باع يلحونه ... كما لحى البائع الأول [ ..... ] (3) فيكون «كثير» خبر مبتدأ محذوف هو «ذلك» وهو العمى والصم. وبقدّره بعضهم: «العمى والصم» . (4) وبه قرأ ابن أبى عبلة كما فى البحر 3/ 534. (5) هو أبو ذؤيب الهذلىّ. والبيت فى وصف ظبية. والمرد: الغض من ثمر الأراك، والنئور: النيلج، وهو دخان الشحم، يعالج به الوشم فيخضر. وسارها أي سائرها. والأدماء من الأدمة، وهى فى الظباء لون مشرب بياضا. (6) آية 3 سورة الأنبياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 بالرفع. وإن شئت جعلتها خفضًا (إن «1» شئت) عَلَى نعت الناس فِي قوله «اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حسابهم» وإن شئت كانت رفعًا كما يَجوز (ذهبوا قومك) . وقوله: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ ... (73) يكون مضافًا. ولا يَجوز التنوين فِي (ثَالِثُ) فتنصب الثلاثة. وكذلك «2» قلت: واحد من اثنين، وواحد من ثلاثة ألا ترى أَنَّهُ لا يكون ثانيًا لنفسه ولا ثالثًا لنفسه. فلو قلت: أنت ثالث اثنين لَجَازَ أن تَقُولُ: أنت ثالث اثنين، بالإضافة، وبالتنوين ونصب الاثنين وكذلك لو قلت: أنت رابع ثلاثة جاز ذَلِكَ لأنه فعل واقع. وقوله: وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ لا يكون قوله (إله واحد) إلا رفعًا لأن المعنى: لَيْسَ إله إلا إله واحد، فرددت ما بعد (إلا) إلى المعنى ألا ترى أن (من) إِذَا فُقِدت من أوّل الكلام رفعت. وقد قَالَ بعضُ الشعراء: ما من حوِيّ بين بدرٍ وصاحةٍ ... ولا شُعْبَةٍ إِلا شِبَاعٌ نسورها «3» فرأيت الْكِسَائي قد أجازَ خفضه وهو بعد إلا، وأنزل (إلا) مع الجحود بمنزلة غير، وليس ذَلِكَ بشيء لأنه أنزله بمنزلة قول الشاعر: أبنِي لُبَيْنَى لستُم بِيَدٍ ... إِلا يدٍ ليست لها عضد   (1) كذا فى ش، ج. ويبدو أنها مزيدة فى النسخ. (2) كذا فى ش، ج. وكأنه محرّف عن: «كأنك» . (3) الحوىّ: واحد الحوايا. وهى حفائر ملتوية يملؤها المطر فيبقى فيها دهرا طويلا. والشعبة مسيل صغير. وبدر ماء مشهور بين مكة والمدينة أسفل وادي الصفراء. وصاحة: هضاب حمر فى بلاد باهلة بقرب عقيق المدينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 وهذا جائز لأن الباء قد تكون واقعة فِي الجحد كالمعرفة والنكرة، فيقول: ما أنت بقائِم، والقائِم نكرة، وما أنت بأخينا، والأخ معرفة، ولا يَجوز أن تقول: ما قام من أخيكَ، كما تَقُولُ ما قام من رجل. وقوله: وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ... (75) وقع «1» عليها التصديق كما «2» وقع عَلَى الأنبياء. وَذَلِكَ لقول الله تباركَ وتعالى: «فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا «3» تَمَثَّلَ لَها» فلما كلَّمها جبريل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصدّقته وقع عليها اسم الرسالة، فكانت كالنبي. وقوله: ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ ... (82) نزلت فيمن أسلم من النصارى. ويُقال: هُوَ النَّجاشي وأصحابه. قَالَ الفراء ويُقال: النِّجَاشِيُّ. وقوله: لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا (87) هم نفرٌ من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرادوا أن يرفضوا الدُّنْيَا، ويُجبُّوا أنفسهم، فأنزلَ الله تبارك وتعالى: «لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا» أي لا تجبُّوا أنفسكم. وقوله: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ... (89) فِي حرف عبد الله: «ثلاثة أيام متتابعات» ولو نونت فِي الصيام نصبت الثلاثة كما قَالَ الله تبارك وتعالى: «أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ. يَتِيماً» «4» نصبت   (1) أي يقع عليها هذه الصفة لاتصافها بها أي أنها تصدّق. (2) كذا فى ج. وفى ش: «على» . (3) آية 17 سورة مريم. (4) آيتا 14، 15 سورة البلد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 (يتيمًا) بإيقاع الإطعام عَلَيْهِ. ومثله قوله: «أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً» «1» : تكْفِتُهم «2» أحياء وأمواتًا. وكذلك قوله «فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ» «3» ولو نصبت «4» (مثل) كانت صوابا. وهى فى قراءة عبد الله «فجزاؤه مثل ما قتل» وقرأها بعضُ أهل المدينة «فجزاءُ مِثلِ ما قَتَل» وكلُّ ذَلِكَ صواب. وأما قوله «وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ» لو نوّنت فِي الشهادة جاز النصب فِي إعراب (الله) عَلَى: ولا نكتم الله شهادةً. وأمّا من استفهم بالله فقال (الله) فإنما يخفض (الله) فِي الإعراب كما يخفض القسم، لا عَلَى إضافة الشهادة إليه. وقوله: الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ... (90) الميسر: القمار كله، والأنصاب: الأوثان، والأزلام: سهام كانت فِي الكعبة يقتسمونَ بِهَا فِي أمورهم، وواحدها زلم. وقوله: إِذا مَا اتَّقَوْا ... (93) أي اتقَوا شرب الخمر، وآمنوا بتحريمها. وقوله: تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ ... (94) فما نالته الأيدي فهو بَيْض النعام وفراخها، وما نالت الرماح فهو سائر الوحش.   (1) آيتا 25، 26 سورة المرسلات. (2) أي تضمهم، يقال: كعته أي ضمه وقبضه. والأرض تضم الأحياء على ظهرها فى دورهم، والأموات فى بطنها فى قبورهم. ويبين من هذا أن (كفاتا) مصدر كفت. وحمله على الأرض بتأويل: ذات كفات. وانظر اللسان فى المادة. (3) آية 95 سورة المائدة. [ ..... ] (4) قرأ بذلك السلمىّ كما فى البحر 4/ 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 قوله: فَجَزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ... (95) يقول: من أصاب صيدًا ناسيًا لإحرامه معتمدًا للصيد حكم عَلَيْهِ حاكمانِ عدلانِ فقيهان يسألانه: أقتلت قبل هَذَا صيدًا؟ فإن قَالَ: نعم، لَمْ يحكما عَلَيْهِ، وقالا: ينتقمُ الله منك. وإن قَالَ: لا، حكما عَلَيْهِ، فإن بلغَ قيمةُ حكمها ثَمن بَدَنة أو شاة حكما بذلك عليه هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ وإن لَمْ يبلغ ثمن شاة حكما عَلَيْهِ بقيمة ما أصاب: دراهم، ثُمَّ قوّماهُ طعامًا، وأطعمه المساكين لكل مسكين نصفُ صاع. فإن لَمْ يَجد حَكَما عَلَيْهِ أن يصوم يومًا مكان كل نصف صاع. وقوله: أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً وَالْعَدْلُ: ما عادلَ الشيء من غير جنسه، والعدل المِثْل. وَذَلِكَ أن تَقُولُ: عندي عِدْلُ غلامك وَعِدْلُ شاتك إِذَا كَانَ غلامًا يعدل غلامًا أو شاة تعدل شاة. فإذا أردت قيمته من غير جنسه نضبت الْعَيْن. وربما قَالَ بعضُ العرب: عِدله. وكأنه منهم غلط لتقارب معنى العَدْل من العِدل. وقد اجتمعوا على واحد الأعدال أَنَّهُ عِدل. ونصبك الصيام عَلَى التفسير كما تَقُولُ: عندي رطلان عسلا، ومِلء بيت قَتّا «1» ، وهو مما يفسر للمبتدئ: أن ينظر إلى (مِنْ) فإذا حسنت فِيهِ ثُمَّ أُلقيت نصبت ألا ترى أنك تَقُولُ: عَلَيْهِ عَدْلُ ذَلِكَ من الصيام. وكذلك قول الله تبارك وتعالى «فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً» «2» .   (1) القت: الرطبة واليابسة من علف الدواب. (2) آية 91 سورة آل عمران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وقوله: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ ... (96) الصيد: ما صِدْته، وطعامه ما نضب «1» عَنْهُ الماء فبقي عَلَى وجه الأرض. قوله: لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ... (101) خطبَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النّاس، وأخبرهم أنّ الله تبارك وتعالى قد فرض عليهم الحجّ، فقام رجل فقال: يا رسول الله (أَوَفي) «2» كل عام؟ فأعرض عَنْهُ. ثُمَّ عاد (فقال «3» : أفي كل عام؟ فأعرضَ عَنْهُ، ثُمَّ عادَ) فقال لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما يؤمنك أن أقول (نعم) فيجب عليكم ثُمَّ لا تفعلوا فتكفروا؟ اتركوني ما تركتكم» . و (أشياء) فِي موضع خفض لا تُجْرَى. وقد قَالَ فيها بعضُ النحويين: إِنَّما كثرت فِي الكلام وهي (أفعال) فأشبهت فَعْلاء فلم تُصرف كما لَمْ تصرف حمراء، وجمعها أشاوَى- كما جمعوا عذراء عذَارَى، وصحراء صَحَارى- وأشياوات كما قيل: حَمْرَاوات. ولو كانت عَلَى التوهم لكان أملك الوجهين بِهَا أن تُجْرَى لأن الحرف إِذَا كثر بِهِ الكلام خَفّ كما كثرت التسمية بيزيد فأجروهُ وَفِيهِ ياء زائدة تَمنع من الإجراء. ولكنا نرى أن أشياء جمعيت «4» عَلَى أفعِلاء كما جمع لَيِّن وأَلْيِناء، فحذف من وسط أشياء همزة، كَانَ ينبغي لَهَا أن تكون (أَشْيِئاء) فحذفت الْهَمْزَةُ لكثرتها. وقد قالت العرب: هَذَا من أبناوات سعد، وأُعيذكَ بأسَمَاوَاتِ الله، وواحدها أسماء وأبناء تجري، فلو مَنَعْتُ أشياء الْجَرْي لجمعهم إياها أشياوات لَمْ أُجر أسماء ولا أبناء لانهما جُمِعَتَا أسَمَاوَاتِ وأبناوات.   (1) أي غار وذهب فى الأرض، وهنا حسر عنه ماء البحر. (2) كذا فى ش. وفى ج: «أفي» . (3) سقط ما بين القوسين فى ش، وثبت فى ج. (4) أي جعلت على هذه الصيغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وقوله: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ ... (103) قد اختُلِفَ فِي السائبةِ. فقيلَ: كَانَ الرجل يسيِّب من ماله ما شاء، يذهب بِهِ إلى الَّذِينَ يقومونَ عَلَى خدمة آلهتهم. قَالَ بعضهم: السائبة إِذَا ولدت الناقة عشرة «1» أبطن كلهنّ «2» إناث سيّبت فلم تركب ولم يجزّ لَهَا وَبَر، ولم يَشْرَب لبنها إلا ولدها أو ضيف حَتَّى تَموت، فإذا ماتت أكلها الرجال والنساء وبُحِرت أذن ابن «3» ابنتها- يريد: خرقت- فالبحيرة ابنة السائبة، وهي بمنزلة أمّها. وأمّا الوصيلة فمن الشاء. إِذَا ولدت الشاة سبعة أبطن عَنَاقين عَناقين «4» فولدت فِي سابعها عَناقًا وَجَدْيًا قيل: وصلت أخاها، فلا يشرب لبنها النساء وَكَانَ للرجال، وجرت مجرى السائِبة. وأمّا الحامي فالفحلُ من الإبل كَانَ إِذَا لَقِح ولدُ ولده حَمَى ظهره، فلا يُركب ولا يجزّ لَهُ وَبَر، ولا يُمنع من مَرعًى، وأيّ إبل ضَرَب فيها لَمْ يُمنع. فقال الله تبارك وتعالى مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ هَذَا أنتم جعلتموه كذلك. قَالَ الله تبارك وتعالى وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. وقوله: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ... (105) هَذَا أمرٌ من الله عَزَّ وَجَلَّ كقولك: عليكم «5» أنفسكم. والعرب تأمر من الصفات «6» بغليك، وعندك، ودونك، وإليك. يقولون: إليك إليك، يريدون: تأخّر   (1) كذا فى ج. وفى ش: «عشر» . (2) كذا فى ج. وفى ش: «كلهم» . (3) كذا. وكأن الصواب حذف هذا اللفظ، كما يعلم مما بعد. (4) العناق: الأنثى من ولد المعز. (5) ثبت فى ج، وسقط فى ش. (6) يريد الظروف وحروف الجرّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 كما تَقُولُ: وراءك وراءك. فهذه الحروف كثيرة. وزعم الْكِسَائي أَنَّهُ سمعَ: بينكما البعير فحَذَاه. فأجازَ ذَلِكَ فِي كلّ الصفات التي قد تُفرد، ولم يُجِزه فِي اللام ولا فِي الباء ولا فِي الكاف. وسمع بعضُ العرب تَقُولُ «1» : كما أنت زيدًا، ومكانكَ زيدًا. قَالَ الفراء: وسمعتُ [بعض] «2» بني سُلَيْم يقول فِي كلامه: كما أنتَنِي، ومكانَكَني، يريد انتظرني فِي مكانك. ولا تقدّمن ما نصبته هَذِه الحروف قبلها لانّها أسماء، والاسم لا يَنصب شيئًا قبله تَقُولُ: ضربًا زيدًا، ولا تَقُولُ: زيدًا ضربًا. فإن قلته نصبت زيدًا بفعل مضمر قبله كذلك قال الشاعر: يا أيها المائِح دلوي دونكا إن شئت نصبت (الدلو) بمضمر قبله، وإن شئت جعلتها رفعًا، تريد: هذه دلوى فدونكا. لا يَضُرُّكُمْ رفع، ولو جزمت كَانَ صوابًا كما قَالَ فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تخف، ولا تَخافُ «3» جائزان. وقوله: شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ... (106) يقول: شاهدان أو وصيّان، وقد اختلفَ فِيهِ. ورفع الاثنين بالشهادة، أي ليشهدكم اثنان من المسلمين.   (1) كذا فى ش، ج. فإن كان القائل امرأة فهو صحيح، وإلا فهو نصحيف عن «يقول» إلا أن يريد ببعض العرب جماعة منهم. [ ..... ] (2) زيادة يقتضيها السياق خلت منها نسختا ش، ج. (3) آية 77 سورة طه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ من غير دينكم. هَذَا فِي السَّفَر، وله حديث طويل. إلا أنّ المعنى فِي قوله مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فمن قال: الأوليان أراد وليّى الموروث يقومان مَقَام النصرانيين إِذَا اتُّهِمَا أنهما اختانا، فيحلفانِ بعد ما حلفَ النصرانيَّانِ وَظُهِرَ عَلَى خيانتهما، فهذا وجه قد قرأ بِهِ عليّ، وذُكِرَ عَن «1» أبيّ بن كعب. حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قال الأولين يَجْعَلُهُ نَعْتًا لِلَّذِينَ. وَقَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ الأَوْلَيَانِ صَغِيرَيْنِ كَيْفَ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا. وقوله اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ معناه: فيهم كما قال وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ «2» أي فِي مُلْك، وكقوله وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ «3» جاء التفسير: عَلَى جذوع النخل. وقرأ الْحَسَن (الأوّلان) يريد: استحقَّا بِما حقَّ عليهما من ظهور خيانتهما. وقرأ عبد الله بن مسعود الأوّلِين كقول ابن عباس. وقد يكون الْأَوْلَيانِ هاهنا النصرانيِّين- والله أعلم- فيرفعهما ب (اسْتَحَقَّ) ، ويَجعلهما الأولَيَيْن باليمين لأن اليمين كانت عليهما، وكانت البيِّنَة عَلَى الطالب فقيل الأوليان بِموضع اليمين. وهو عَلَى معنى قول الْحَسَن. وقوله أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ غيرهم عَلَى «4» أيمانِهِم فتبطلها. وقوله: قالُوا لا عِلْمَ لَنا ... (109) قالوا: فيما ذكر من هول يوم القيامة. ثُمَّ قالوا: إلا ما علمتنا «5» ، فإن كانت على ما ذكر ف (ما) التي بعد (إلا) فِي موضع نصب لحسن السكوت عَلَى قوله: (لا علم لنا) ، والرفع جائز.   (1) كذا فى ج. وفى ش: «أن» . (2) آية 102 سورة البقرة. (3) آية 71 سورة طه. (4) كذا. وهو لا يريد التلاوة فإنها: «بعد أيمانهم» وإنما يريد التفسير. (5) ليس فى الآية (إلا ما علمتنا) والتلاوة (قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 وقوله: إِذْ أَيَّدْتُكَ ... (110) عَلَى فعَّلْتُكَ كما تَقُولُ: قوّيتك. وقرأ مجاهد (آيدتك) عَلَى أفعلتك. وقال الْكِسَائي: فاعلتك، وهي تَجوز. وهي مثل عاونتك. وقوله: فِي الْمَهْدِ يقول: صبيّا وَكَهْلًا فردّ الكهل عَلَى الصفة كقوله دَعانا «1» لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً. وقوله: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي ... (111) يقول: ألهمتهم كما قَالَ وَأَوْحى «2» رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً أي ألهمها. وقوله: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ ... (112) بالتاء والياء. قرأها أهلُ المدينة وَعَاصِم بن أبي النجود والأعمش بالياء: يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ وقد يكون ذَلِكَ عَلَى قولِكَ: هَلْ يستطيع فلان القيام معنا؟ وأنت تعلم أَنَّهُ يستطيعه، فهذا وجه. وذُكِرَ «3» عَن عَليّ وعائشة رحمهما الله أنهما قرآ هَلْ تستطيعُ ربَّك بالتاء، وذكر عَن مُعاذ أَنَّهُ قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تستطيعُ ربَّكَ بالتاء، وهو وجه حسن. أي هَلْ تقدر عَلَى أن تسأل ربك أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ. وقوله: تَكُونُ لَنا عِيداً ... (114) (وتَكُنْ لَنا) . وهي فِي قراءة عبد الله تَكْن لنا عِيدًا بغير واو. وما كَانَ من نكرةٍ قد وقع عليها أمر جاز في الفعل بعده الجزم والرفع. وأمّا المائدة فذكر   (1) آية 12 سورة يونس. (2) آية 68 سورة النحل. (3) كذا فى ج. وفى ش: «ذلك» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 أنَّها نزلت، وكانت خبزًا وسمكًا. نزلت- فيما ذكر- يوم الاحد مرَّتين، فلذلك اتخذوهُ عيدًا. وقال بعض المفسّرين: لم تنزل لأنه اشترط عليهم أَنَّهُ إن أنزلها فلم يؤمنوا عذبهم، فقالوا: لا حاجة لنا فيها. وقوله: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ (116) عِيسَى فِي موضع رفع، وإن شئت نصبت «1» . وأمّا ابْنَ فلا يَجوز فِيهِ إلا النصب. وكذلك تفعل فى كل اسم دعوته باسمه ونسبته إلى أبيه كقولك: يا زيدُ بن عبدِ الله، ويا زيدَ بنَ عبد الله. والنصب فِي (زيد) فِي كلام العرب أكثر. فإذا رفعت فالكلام عَلَى دعوتين، وَإِذَا نصبت فهو دعوة. فإذا قلت: يا زيد أخا تَميم، أو قلت: يا زيد ابن الرجل الصالح رفعت الأوّل، ونصبت الثاني كقول الشاعر «2» : يا زِبْرِقانُ أخا بني خَلَفٍ ... ما أنتَ وَيْلُ أبيك والْفَخْرُ وقوله: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ (119) ترفع (اليوم) ب (هذا) ، ويَجوز أن تنصبه «3» لأنه مضاف إلى غير اسم كما قالت العرب: مضى يومئذ بما فِيهِ. ويفعلون ذَلِكَ بِهِ فِي موضع الخفض قَالَ الشاعر «4» : رددنا لشعثاء الرسولَ ولا أرى ... كيومئذ شيئا تردّ رسائله   (1) كذا فى ش. وفى ج: «نصب» . (2) هو المخبل السعدىّ، يهجو الزبرقان بن بدر. وبنو خلف رهطه الأدنون من تميم. وانظر الكتاب 1/ 151، والخزانة 2/ 535. (3) وهو قراءة نافع، ووافقه ابن محيصن. (4) هو جرير. والبيت من قصيدته التي أوّلها: ألم تر أن الجهل أقصر باطله ... وأمسى عماه قد تجلت مخابله. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 وكذلك وجه القراءة فِي قوله: مِنْ «1» عَذابِ يَوْمِئِذٍ وَمِنْ «2» خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ويَجوز خفضه فِي موضع الخفض كما جازَ رفعه فِي موضع الرفع. وما أُضيفَ إلى كلام لَيْسَ فِيهِ مخفوض فافعل بِهِ ما فعلت فِي هَذَا كقول الشاعر «3» : عَلَى حينِ عاتبتُ المشيبَ عَلَى الصِّبا ... وقلتُ أَلَمَّا تَصْحُ والشيبُ وازعُ وتفعل ذَلِكَ فِي يوم، وليلة، وحين، وغَداة، وَعَشِيَّةً، وزمن، وأزمان وأيام، وليال. وقد يكون قوله: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ كذلك. وقوله: هذا «4» يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ فيه ما فى قوله: يَوْمُ يَنْفَعُ وإن قلت «هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ» كما قَالَ الله: وَاتَّقُوا «5» يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ تذهب إلى النكرة كَانَ صوابًا. والنصبُ فِي مثل هَذَا مكروهٌ فِي الصفة وهو عَلَى ذلك جائز، ولا يصلح فى القراءة.   (1) آية 11 سورة المعارج. وقراءة فتح الميم من (يومئذ) فى الآيتين لنافع والكسائىّ. وقراءة الباقين كسر الميم. (2) آية 66 سورة هود. (3) هو النابغة الذبيانىّ. وانظر الكتاب 1/ 369، والخزانة 3/ 151. (4) آية 35 سورة المرسلات. (5) آية 123 سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 من سورة الأنعام ومن سورة الأنعام: قوله تبارك وتعالى: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ (6) القرن ثمانون سنة. وقد قَالَ بعضهم: سبعون «1» . وقوله «2» : وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا (9) : فِي صورة رجل لانَّهم لا يقدرون عَلَى النظر إلى صُورة المَلَك. وقوله: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ (12) إن شئت جعلت (الرحمة) غاية كلام، ثُمَّ استأنفت بعدها لَيَجْمَعَنَّكُمْ وإن شئت جعلته «3» فِي موضع نصب كما قَالَ: كَتَبَ «4» رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ والعربُ تَقُولُ فِي الحروف التي يَصْلح معها جواب الأيْمان بأن المفتوحة وباللام. فيقولون: أرسلت إِلَيْهِ أن يقوم، وأرسلت إِلَيْهِ ليقومنّ. وكذلك قوله: ثُمَّ «5» بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ وهو فِي القرآن كَثِير ألا ترى أنك لو قلت: بدا لَهُم أن يسجنوه كَانَ صوابًا. وقوله: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ (14) مخفوض «6» فِي الإعراب تَجعله صفة من صفات الله تبارك وتعالى. ولو نصبته عَلَى المدح كَانَ صوابًا، وهو معرفة. ولو نويت الفاطر الخالق نصبته على القطع   (1) والصحيح أن القرن مائة سنة، راجع ج 9 شرح القاموس. (2) سقط ما بين القوسين فى ش، وثبت فى ج. (3) أي «ليجمعنكم» . (4) آية 54 سورة الأنعام. (5) آية 35 سورة يوسف. (6) أي «فاطر» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 إذ لَمْ يكن فِيهِ ألف ولام. ولو استأنفته فرفعته كَانَ صوابًا كما قَالَ: رَبِّ السَّماواتِ «1» وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ: وقوله: وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ (18) كلُّ شيء قهر شيئًا فهو مُسْتَعلٍ عَلَيْهِ. وقوله: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ (19) يريد: ومن بلغه القرآن من بعدكم، و (بلغ) صلة ل (من) . ونصبت (من) بالإنذار. وقوله: آلِهَةً أُخْرى ولم يقل: أُخَر لأن الآلهة جَمع، (والجمع) «2» يقع عَلَيْهِ التأنيث كما قَالَ الله تبارك وتعالى: وَلِلَّهِ «3» الْأَسْماءُ الْحُسْنى وقال الله تبارك وتعالى: فَما «4» بالُ الْقُرُونِ الْأُولى ولم يقل: الأوَل والأوّلين. وكلّ ذَلِكَ صواب. وقوله: يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ (20) ذُكِرَ أنّ عمر بن الخطاب قَالَ لعبد الله بن سَلام: ما هذه المعرفة التي تعرفون بِهَا محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: والله لأنابه إِذَا رأيته أعرفُ مني بابني وهو يلعب مع الصبيان لاني لا أشكُّ فِيهِ أَنَّهُ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولستُ أدري ما صنع النساء فِي الابن. فهذه المعرفة لصفته فِي كتابِهم. وجاء التفسير فِي قوله: خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ يُقال: لَيْسَ من مؤمن ولا كافر إلا لَهُ منزل فِي الجنة وأهل وأزواج، فمن أسلم وسعد صار إلى منزله وأزواجه   (1) آية 37 سورة النبأ. وقراءة رفع «رب» و «الرحمن» عند نافع وابن كثير وأبى عمرو وأبى جعفر، وقراءة ابن عامر وعاصم ويعقوب بجرّهما. (2) سقط ما بين القوسين فى ج، وثبت فى ش. (3) آية 180 سورة الأعراف. [ ..... ] (4) آية 51 سورة طه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 (ومن «1» كفر صار منزله وأزواجه) إلى من أسلم وسعد. فذلك قوله الَّذِينَ «2» يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ يقول: يرثونَ منازل الكفار، وهو قوله: الَّذِينَ «3» خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ. وقوله: وَاللَّهِ رَبِّنا (23) تقرأ «4» : رَبِّنَا وربَّنا خفضًا ونصبًا. قَالَ الفراء: وَحَدَّثَنِي الْحَسَن بن عيَّاش «5» أخو أبي بكر بن عياش عَن الأعمش عَن الشعبي عَن عَلقمة «6» أَنَّهُ قرأ وَاللَّهِ رَبِّنا قَالَ: معناهُ: والله يا ربَّنا. فمن قَالَ رَبِّنا جعله محلوفا به. وقوله: وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ ... (32) جعلت الدار هاهنا اسمًا، وجُعِلت الآخِرة من صفتها، وأضيفت فِي غير هَذَا الموضع «7» . ومثله مِمّا يُضاف إلى مثله فِي المعنى قوله (إِنَّ «8» هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ والحق هُوَ اليقين كما أنّ الدار هي الآخرة. وكذلك آتيتك بارحة الأولى، والبارحة الأولى. ومنه: يوم الخميس، وليلة الخميس. يُضاف الشيء إلى نفسه إِذَا اختلف لفظه كما اختلف الحق واليقين، والدار [و «9» ] الآخرة، واليوم والخميس. فإذا اتفقا لَمْ تقل العرب: هَذَا حقُّ الحقّ، ولا يقين اليقين لانهم يتوهمون إذا   (1) سقط ما بين القوسين فى ج، وثبت فى ش. (2) آية 11 سورة المؤمنون. (3) آية 15 سورة الزمر، 45 سورة الشورى. (4) النصب قراءة حمزة والكسائىّ وخلف، والجر قراءة الباقين. (5) هو أبو محمد الكوفىّ. روى عن الأعمش وغيره. مات سنة 172 هـ. وأخوه أبو بكر مات سنة 193 (6) هو علقمة بن قيس النخعىّ. مات سنة 62 (7) كما فى الآية 109 سورة يوسف. على أن ابن عامر قرأ هنا: «ولدار الاخرة» بالإضافة. (8) آية 95 سورة الواقعة. (9) سقطت الواو فى ش، ج. وما أثبتناه هو المناسب للمقام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 اختلفا فِي اللفظ أنهما مختلفان فِي المعنى. ومثله فِي قراءة عَبْد اللَّه وَذَلِكَ «1» الدينُ القَيِّمَةُ وفى قراءتنا دِينُ الْقَيِّمَةِ والقَيِّمُ والقَيِّمة بمنزلة قولك: رجل راوية وَهَّابة للأموال ووهَّاب وراو، وشبهه. وقوله: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ (33) قرأها العامَّة بالتشديد. قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَسَدِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ «2» عَنْ نَاجِيَةَ «3» بْنِ كَعْبٍ عَنْ علىّ أنه قرأ «4» يُكَذِّبُونَكَ مُخَفَّفَةً. ومعنى التخفيف- والله أعلم-: لا يجعلونك كذَّابًا، وإنَّما يريدونَ أن ما جئت بِهِ باطل لانهم لَمْ يجرّبوا عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذبًا فيكذبوه وإنَّما أكذبوه «5» أي ما جئت بِهِ كذب لا نعرفه. والتكذيب «6» : أن يُقال: كَذَبت. والله أعلم. وقوله: فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ ... (35) فافعل «7» ، مضمرة، بذلك. جاء التفسير، وَذَلِكَ معناهُ. وإنَّما تفعله العرب فِي كل موضع يُعرف فِيهِ معنى الجواب ألا ترى أنك تَقُولُ للرجل: إن استطعت أن تتصدق، إن رأيت أن تقوم مَعَنا، بترك الجواب لمعرفتك بِمعرفته به «8» . فإذا جاء   (1) آية 5 سورة البينة. (2) هو عمرو بن عبد الله الهمدانىّ الكوفىّ. توفى سنة 127 هـ. (3) صحابىّ جليل. توفى فى أيام معاوية. (4) وهى قراءة نافع والكسائىّ. [ ..... ] (5) كذا فى ج. وهو يوافق عبارة اللسان. وفى ش: «يكذبوه» . (6) حاصل هذا أن التكذيب: النسبة إلى الكذب. والإكذاب للرجل أن يجد كلامه باطلا، وإن لم يكن القائل كاذبا فيه عارفا بكذبه. (7) هذا جواب الشرط المحذوف. (8) ثبت فى ج، وسقط فى ش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 ما لا يُعرف جوابه إلا بظهوره أظهرته كقولك للرجل: إن تقم تضب خيرًا، لا بدّ فِي هَذَا من جواب لأن معناهُ لا يُعرف إِذَا طُرِح. وقوله: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ ... (38) (الطائر) مخفوض. ورفعه «1» جائز (كما «2» تَقُولُ: ما عندي من) رجل ولا امرأةٍ، وامرأةٌ من رفع قَالَ: ما عندي من رجلٍ ولا عندي امرأة. وكذلك قوله: وَما «3» يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ ثُمَّ قَالَ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ، وَلا أَكْبَرَ، وَلا أَكْبَرَ إِذَا نصبت (أصغر) فهو فِي نية خفض، ومن رفع ردّه عَلَى المعنى. وأمّا قوله وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ فإنّ الطائر لا يطير إلا بجناحيه. وهو فِي الكلام بِمنزلة قوله (لَهُ «4» تِسع وتسعونَ نَعْجَة [ولي نعجة] أنثى) ، وكقولك للرجل: كلَّمْته بِفيّ، ومشيت إِلَيْهِ عَلَى رِجْلَيَّ، إبلاغًا فِي الكلام. يُقال: إنّ كل صنف من البهائم أُمَّةٌ، والعربُ تَقُولُ صِنْف [وصَنْف «5» ] . ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ حَشْرها: موتها، ثُمَّ تُحشر مع الناس فيُقال لَهَا: كوني ترابًا. وعند ذَلِكَ يتمنّى الكافر أنه كان ترابا مثلها.   (1) وبه قرأ الحسن وعبد الله بن أبى إسحاق. (2) سقط ما بين القوسين فى ج، وثبت فى ش. (3) آية 61 سورة يونس، وآية 3 سورة سبأ، والقراءة بالوجهين فى الآية الأولى. فقرأ حمزة ويعقوب وخلف بالرفع، والباقون بالفتح. فأما فى آية سبأ فقد اتفق على الرفع إلا فى رواية عن المطوعى كما فى الإتحاف. (4) آية 23 سورة ص. وهذه قراءة ابن مسعود كما فى البديع. (5) زيادة يقتضيها السياق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 وقوله: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ ... (40) العرب لها فى (أرأيت) لغتان، ومعينان. أحدهما أن يسأل الرجل الرجل: أرأيت زيدًا بعينك؟ فهذه مهموزة. فإذا أوقعتها عَلَى الرجُل منه قلت: أرأيتكَ عَلَى غير هَذِه الحال؟ تريدُ: هَلْ رأيتَ نفسك عَلَى غير هَذِه الحال. ثم «1» تثنّى وتجمع، فتقول للرجلين: أرايتما كما، وللقوم: أَرَأَيْتموكم، وللنسوة: أَرَأَيْتُنَّكُنَّ «2» ، وللمرأة: أَرَأَيْتِكِ، تخفض التاء والكاف، لا يَجوز إلا ذَلِكَ. والمعنى الآخر أن تَقُولُ: أرأيتَكَ، وأنت تريد: أَخْبِرني (وتهمزها) «3» وتنصب التاء منها وتترك الْهَمْز إن شئت، وهو أكثر كلام العرب، وتترك التاء موحّدة مفتوحة للواحد والواحدة [والجميع «4» فِي] مؤنثه ومذكره. فتقول للمرأة: أرايتَكِ زيدًا هَلْ خرج، وللنسوة: أرايتَكُنَّ زيدًا ما فعل. وإنّما تركت العرب التاء واحدة لانهم لَمْ يريدوا أن يكون الفعل منها واقعًا عَلَى نفسها، فاكتَفْوا بذكرها فِي الكاف، ووجَّهوا التاء إلى المذكر والتوحيد إذ لَمْ يكن الفعل واقعًا. وموضع الكاف نصب وتأويله رفع كما أنك إِذَا قلت للرجل: دونك زيدًا وجدت الكاف فِي اللفظ خفضًا وَفِي المعنى رفعًا لانّها مأمورة. والعرب إِذَا أوقعَتْ فِعْل شيء عَلَى نفسه قد كُنِّيَ فِيهِ عَن الاسم قالوا فِي الأفعال التامَّة غير ما يقولون فِي الناقصة. فيُقال للرجل: قتلتَ نفسك، وأحسنت إلى   (1) سقط هذا الحرف فى ش، وثبت فى ج. (2) رسم فى اللسان (رأى) : «أرأتن كن» وظاهر أن «أرأتن» تحريف عن «أرأيتن» . (3) فى عبارة اللسان: «فتهمزها» . (4) ثبت ما بين الجاصرين فى عبارة اللسان، وسقط فى ش، ج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 نفسكَ، ولا يقولون: قتلتكَ ولا أحسنتَ إليك. كذلك قَالَ الله تبارك وتعالى فَاقْتُلُوا «1» أَنْفُسَكُمْ فِي كَثِير من القرآن كقوله وَما «2» ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فإذا كَانَ الفعلُ ناقصًا- مثل حسبت وظننتُ- قالوا: أَظُنُّني خارجًا، وأَحْسبني خارجًا، ومتى تراك خارجًا. ولم يقولوا: متى ترى نفسك، ولا متى تظنّ نفسك. وَذَلِكَ أنّهم أرادوا أن يفرقُوا بين الفعل الَّذِي قد يُلْغَى، وبين الفعل الَّذِي لا يَجوز إلغاؤه ألا ترى أنك تَقُولُ: أنا- أظنّ- خارج، فتبطل (أظنّ) ويعمل فِي الاسم فعله. وقد قَالَ الله تبارك وتعالى إِنَّ «3» الْإِنْسانَ لَيَطْغى. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ولم يقل: رأى نفسه. وربما جاء فِي الشعر: ضربتَكَ أو شَبههُ من التامّ. من ذَلِكَ قول الشاعر «4» : خُذَا حَذَرًا يا جارتَيَّ فإنَّني ... رأيتُ جِرَانَ الْعَوْدِ قد كَادَ يُصْلح لقد كَانَ لي فِي ضَرّتين عدِمتُني ... وما كنت ألقى من رزينة أبرح والعرب يقولون: عدِمتُنِي، ووجدتُني، وفقدتُني، وليس بوجه الكلام. وقوله: فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا ... (43) معنى (فَلَوْلا) فهلا. ويكون معناها عَلَى معنى لولا «5» كأنك قلت: لولا عبد الله لضربتك. فإذا رأيت بعدها اسمًا واحدًا مرفوعًا فهو بِمعنى لولا التي جوابها اللام وَإِذَا لَمْ تَر بعدها اسمًا فهي استفهام كقوله: لَوْلا «6» أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ [فَأَصَّدَّقَ   (1) آية 54 سورة البقرة. [ ..... ] (2) آية 101 سورة هود. (3) آيتا 6، 7 سورة العلق. (4) هو عامر بن الحارث النميرىّ عند صاحب القاموس تبعا للصاغاتىّ. وعند الجوهرى: المستورد. وقد لقب جران العود لهذا الشعر. والعود: البعير المسنّ وجرانه مقدّم عنقه. كان له امرأتان لا ترضيانه، فاتخذ من جران العود سوطا قدّه من جران عود نحره، وهو أصلب ما يكون. فقوله: «يا جارتى» يريد زوجتيه. (5) كذا فى ج. وفى ش: «لو لاك» . (6) آية 10 سورة المنافقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ] وكقوله: فَلَوْلا «1» إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ [تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ] وكذلك (لوما) فيها ما فِي لولا: الاستفهام والخبر. وقوله: فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ (44) يعني أبواب الرزق والمطر وهو «2» الخير فِي الدُّنْيَا لنفتنهم فِيهِ. وهو مثل قوله: حَتَّى «3» إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً ومثله وَأَنْ «4» لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ مَاءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ والطريقة طريقة «5» الشِرك أي لو استمروا عليها فعلنا ذَلِكَ بِهم. وقوله: فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ المبلس: اليائس المنقطع رجاؤه. ولذلك قيل للذي يسكت عند انقطاع حجته ولا يكون عنده جواب: قد أبلس وقد قَالَ الراجز «6» : يا صاحِ هَلْ تعرف رَسْمًا مُكْرَسَا ... قَالَ نعم أعرفه، وأبلسا أي لَمْ يُحِرْ إليّ جوابًا. وقوله: يَأْتِيكُمْ بِهِ (46) كناية عَن ذهاب «7» السمع والبصر والختم عَلَى الأفئدة. وإذا كنيت عَن الأفاعيل وإن كثرت وحَّدْت الكناية كقولك للرجل: إقبالك وإدبارك يؤذيني. وقد يُقال: إنَّ الْهَاء التي فِي «8» بِهِ كناية عن الهدى، وهو كالوجه الأوّل.   (1) آيتا 76، 77 سورة الواقعة. (2) ثبت فى ج، وسقط فى ش. (3) آية 24 سورة يونس. (4) آيتا 16، 17 سورة الجنّ (5) هذا أحد وجهين فى تفسير الطريقة. والوجه الآخر أنها طريقة الهدى والإسلام. والنعمة والخير يكونان للكافر استدراجا، وللمؤمن ابتلاه. (6) هو العجاج. و «مكرسا» أي فيه الكرس- بكسر فسكون- أي أبوال الإبل وأبعارها يتلبد بعضها على بعض فى الدار. (7) هذا تسمح فى التعبير، والمراد: كناية عن السمع والبصر الذاهبين والأفئدة المختوم عليها. (8) كذا فى ج. وفى ش: «به» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 وقوله: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ (51) يقول: يَخافونَ أن يحشروا إلى ربهم علمًا بأنه سيكون. ولذلك «1» فسّر المفسرون يَخافُونَ: يعلمون. وقوله: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ (52) يقول القائل: وكيف يَطْرد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يدعو ربه حَتَّى يُنْهَى عَن ذَلِكَ؟ فإنه بلغنا أن عيينة بن حِصْن الفَزَاري دخل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده سَلْمَان وبلال وصُهَيْب وأشباههم، فقال عُيينة: يا رسول الله لو نحَّيْتَ هَؤُلاءِ عنك لاتاك أشراف قومك فأسلموا. فأنزل الله تبارك وتعالى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ. وقوله: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ (54) تكسر الألف من (أنّ) والتي بعدها «2» فى جوابها على الائتناف، وهي قراءة «3» القرّاء «4» . وإن شئت فتحت الألف من (أنّ) تريد: كتب ربكم عَلَى نفسه أَنَّهُ من عمل. ولك فى (أنّ) التي بعد الفاء الكسر والفتح. فأمّا من «5» فتح فإنه يقول: إنَّما يَحتاج الكتاب إلى (أنّ) مرة واحدة ولكن الخبر هُوَ موضعها، فلمّا دخلت فى ابتداء   (1) كذا فى ش. وفى ج: «ذلك» . [ ..... ] (2) ثبت هذا الحرف فى ج، وسقط فى ش. (3) كذا فى ج. وفى ش: «فى قراءة» . (4) الكسر فى إنّ الأولى وإنّ الثانية قراءة ابن كثير وأبى عمرو وحمزة والكسائىّ. (5) الفتح فى الموضعين قراءة ابن عامر وعاصم ويعقوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 الكلام أعيدت إلى موضعها كما قَالَ: أَيَعِدُكُمْ «1» أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ فلمّا كَانَ موقع أنّ: أيعدكم أنكم مخرجون إِذَا متم دخلت فِي أول الكلام وآخره. ومثله: كُتِبَ «2» عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ بالفتح. ومثله: أَلَمْ «3» يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ ولك أن تكسر «4» (إِنَّ) التي بعد الفاء فِي هَؤُلاءِ الحروف عَلَى الاستئناف ألا ترى أنك قد تراه حسنًا أن تَقُولُ: «كتب أَنَّهُ من تولاهُ فهو يضله» بالفتح. وكذلك «وأصلح فهو غفور رحيم» لو كَانَ لكان صوابًا. فإذا حسُنَ دخول (هُوَ) حسن الكسر. وقوله: وليستبين سبيل المجرمين (55) ترفع (السبيل) بقوله: (وليستبين) لأن «5» الفعل لَهُ. ومن «6» أنَّثَ السبيل قَالَ: وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ. وقد يجعل «7» الفعل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتنصب «8» السبيل، يراد بِهِ: ولتستبين يا مُحَمَّد سبيلَ المجرمين. وقوله: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يقض الحقّ (57) كتبت بطرح الياء لاستقبالها الألف واللام كما كتب سَنَدْعُ «9» الزَّبانِيَةَ بغير واو، وكما كتب فَما «10» تُغْنِ النُّذُرُ بغير ياء عَلَى اللفظ. فهذه قراءة أصحاب «11»   (1) آية 35 سورة المؤمنون. (2) آية 4 سورة الحج. (3) آية 63 سورة التوبة. (4) فتح الأولى وكسر الثانية قراءة نافع وأبى جعفر. (5) وهذه القراءة بالياء فى الفعل ورفع السبيل قراءة أبى بكر وحمزة والكسائىّ وخلف. (6) وهذه قراءة ابن كثير وأبى عمرو وابن عامر وحفص. (7) كذا فى ش. وفى ج: «جعل» . (8) وهذه قراءة نافع وأبى جعفر. (9) آية 18 سورة العلق. (10) آية 5 سورة القمر. [ ..... ] (11) وهى قراءة أبى عمرو وحمزة والكسائىّ، فهى قراءة سبعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 عبد الله. وذُكِرَ عَن عَليّ «1» أَنَّهُ قَالَ: (يَقُصُّ الْحَقَّ) بالصاد. قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي سُفْيَانُ «2» بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو «3» بْنِ دِينَارٍ عَنْ رَجُلٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ (يَقْضِي بِالْحَقِّ) قَالَ الْفَرَّاءُ: وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ. وقوله: وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ (59) يَجوز رفعها. وقوله: قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً (63) يُقال: خُفْيَة وخِفْية. وفيها لغة بالواو، - ولا تصلح فِي القراءة-: خُفوة وخِفوة كما قيل: قد حلّ حبوته وحبوته وحبيته. وقوله: لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ (63) قراءة أهل الكوفة، - وكذلك هي فِي مصاحفهم- «أن «4» جِ ي ن ألف» وبعضهم «5» بالألف (أَنْجَانَا) وقراءة الناس (أنجيتنا) بالتاء. وقوله: قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ (65) كما فعل بقوم نوح: المطر والحجارة والطوفان أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ: الخسف أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً: يخلطكم شيعا ذوى أهواء.   (1) وهى قراءة نافع وابن كثير وعاصم. (2) كانت وفاته سنة 198 (3) هو أبو محمد المكىّ. توفى سنة 116 (4) رسمها هكذا، يريد أنجانا بألف بعد الجيم ممالة، فرسمها ياء للدلالة على إمالتها. وهذه قراءة حمزة والكسائي وخلف. (5) أي بعض أهل الكوفة وهو عاصم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 وقوله: وَلكِنْ ذِكْرى (69) فِي موضع نصب أو رفع النصب بفعل مضمر (ولكن) نذكرهم (ذكرى) والرفع عَلَى قوله (ولكن) هُوَ (ذكرى) . وقوله: وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً ... (70) يُقال: لَيْسَ من قوم إِلا ولَهم عيد فهم يَلْهُون فِي أعيادِهم، إلا أُمَّةَ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن أعيادهم بِرّ وصلاة وتكبير وخير. وقوله: وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ أي ترتهن «1» (والعربُ «2» تَقُولُ: هَذَا عليك بَسْل أي حرام. ولذلك قيل: أسَد باسل أي لا يُقْرَب) والعربُ تَقُولُ: أعْطِ الراقِي بُسْلته، وهو أجر الرقْية. وقوله: يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا ... (71) كَانَ أَبُو بكر الصديق وامرأته يدعوان عبد الرحمن ابنهما إلى الإسلام. فهو قوله: إِلَى الْهُدَى ائْتِنا أي أطعنا، ولو كانت «إلى الهدى أن ائتنا» لكان صوابًا كما قَالَ: إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ «3» فِي كَثِير من أشباهه، يجيء بأَنْ، ويطرحُها. وقوله: وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ ... (72) مردودة عَلَى اللام التي فِي قوله: وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ والعربُ تَقُولُ: أمرتك لتذهب (وأن «4» تذهب) فأَن فِي موضع نصب بالرد عَلَى الأمر. ومثله فى القرآن كثير.   (1) فى ش، ج: «يرتهن» . (2) ثبت ما بين القوسين فى ج، وسقط فى ش. (3) آية 1 سورة نوح. (4) ثبت ما بين القوسين فى ش، وسقط فى ج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وقوله: كُنْ فَيَكُونُ ... (73) يقال إنّ قوله: فَيَكُونُ للصُّور خاصَّة، أي يوم يقول للصور: كُنْ فَيَكُونُ. ويقال إن قوله: كُنْ فَيَكُونُ لقوله «1» هُوَ الحقّ من نعت القول، ثُمَّ تجعل فعله يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ يريد: يكون قوله الحقّ يومئذ. وقد يكون أن تقول: وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ لكل شيء فتكون كلمة مكتفية وترفع القول بالحقّ، وتنصب (اليوم) لأنه محل لقوله الحقّ. والعربُ تَقُولُ: نُفِخَ فِي الصورِ وَنُفِخَ، وَفِي قراءة عبد الله: كهيئة الطير فأنفخها فتكون طيرًا بإذني «2» وقال الشاعر: لولا ابنُ جَعْدة لَمْ يُفتَح قُهُنْدُزكم ... ولا خُراسانُ حَتَّى يُنْفَخَ الصُّورُ «3» ويُقال: إن الصُّور قَرن، ويُقال: هُوَ جَمع للصور «4» ينفخ فِي الصور فِي الموتى. والله أعلم بصواب ذَلِكَ. وقوله: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ ... (74) يُقال: آزر فِي موضع خفض ولا يُجْرى لأنه أعجميّ. وقد أجمع أهل النسب عَلَى أَنَّهُ ابن تَارَح، فكأن آزر لقب لَهُ. وقد بلغني أن معنى (آزر) فِي كلامهم مُعوج، كأنه عابه بزيغه وبِعِوجه عَن الحق. وقد قرأ بعضهم «5» لِأَبِيهِ آزَرَ بالرفع عَلَى النداء (يَا) وهو وجه حسن. وقوله: أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً نصبت الأصنام بإيقاع الفعل عليها، وكذلك الآلهة.   (1) يريد أن «قوله» فاعل «يكون» . و «الحق» نعمت القول. وقوله: «هو» المناسب: «و» . (2) هذا فى الآية 110 سورة المائدة. (3) القهندز كلمة أعجمية معناها الحصن أو القلعة فى وسط المدينة. وهو اسم لأربعة مواضع. (4) كذا. والمراد أنه جمع مرادف للصور- بضم الصاد وفتح الواو- فى أنه جمع صورة. وقد يكون الأصل: «للصورة» . [ ..... ] (5) هو يعقوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 وقوله: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ... (76) يُقال: جنّ عَلَيْهِ الليل، وَأَجَنَّ، وَأَجَنَّهُ الليل وجَنّه الليل وبالألف «1» أجود إِذَا ألقيت (عَلَى) وهي أكثر من جنَّه الليل. يُقال فِي قوله: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي قولان: إِنَّما قَالَ: هَذَا ربي استدراجًا للحجَّة عَلَى قومه ليعيب «2» آلهتهم أنّها ليست بشيء، وأن الكوكب والقمر والشمس أكبر منها ولسن بآلهة ويُقال: إنه قاله عَلَى الوجه «3» الآخر كما قَالَ الله تبارك وتعالى لِمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ «4» يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى واحتجوا هاهنا بقول إِبْرَاهِيم: لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. وقوله: وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ (83) وَذَلِكَ أنهم قالوا لَهُ: أمَا تَخاف أن تخبلك آلهتنا لسبِّك إيّاها؟ فقال لَهُم: أَفلا تخافون أنتم ذَلِكَ منها إذ سوّيتم بين الصغير والكبير والذكر والأنثى أن يغضب الكبير إذ سويتم بِهِ الصغير. ثُمَّ قَالَ لَهُم: أمن يعبد إلهًا واحدًا أحقّ أن يأمن أم من يعبد آلهة شَتَّى؟ قالوا: من يعبد إلها واحدا، فغضبوا على أنفسهم. فذلك قوله: وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ.   (1) سقط حرف العطف فى ش، وثبت فى ج. (2) كذا فى ج. وفى ش: «يعيب» . (3) يريد أن إبراهيم كان يعتقد ما ذكره أولا، يقولون: كان هذا فى صغره حيث لا يكون كفرو لا إيمان. (4) آيتا 6، 7 سورة الضحى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 وقوله: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ... (84) هذه الهاء لنوح: و (هدينا) من ذريته داود وسليمان. ولو رفع داود وسليمان عَلَى هَذَا المعنى إذ لَمْ يظهر الفعل كَانَ صوابًا كما تَقُولُ: أخذت صدقاتِهم لكل مائة (شاةٍ «1» شاةٌ) وشاةٌ. وقوله: وَالْيَسَعَ ... (86) يشدّد «2» أصحاب عبد الله اللام، وهي أشبه بأسماء العجم من الذين «3» يقولون وَالْيَسَعَ لا تكاد العرب تدخل الألف واللام فيما لا يُجْرَى مثل يزيد ويعمر إلا فِي شعر أنشد بعضهم: وَجَدْنَا الوليد بن اليزيد مباركًا ... شديدًا بَأحْنَاء الْخِلافَةِ كاهِله «4» وإنَّما أَدْخل فِي يزيد الألف واللام لَمَّا أدخلها فِي الوليد. والعربُ إِذَا فعلت ذَلِكَ فقد أمسَّت الحرف مدحًا. وقوله: فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ ... (89) يعني أهل مَكَّةَ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً يعنى أهل المدينة لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ بالآية «5» .   (1) سقط ما بين القوسين فى ج، وثبت فى ش. (2) هؤلاء عندهم تشديد اللام مفتوحة وسكون الياء. وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف. (3) هم أهل الحرمين وأبو عمرو وعاصم. (4) من قصيدة لابن ميادة الرماح بن أبرد. والوليد بن يزيد هو الخليفة الأموىّ وقد قتل سنة 126 وقوله: «بأحناء الخلافة» فالأحناء جمع الحنو وهو الجهة، والجانب. ويروى: «بأعباء الخلافة» . (5) كذا فى ج، وفى ش: «بالأمة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 وقوله: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ (91) ما عظّموهُ حقّ تعظيمه. وقوله تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ يقول: كيف قلتم: لَمْ يُنزل الله عَلَى بشر من شيء وقد أنزلت التوراة عَلَى موسى تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ والقِرطاس «1» فِي هَذَا الموضع صحيفة. وكذلك قوله: وَلَوْ «2» نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ يعنى: فى صحيفة. تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً يقول: تبدونَ ما تُحبون، وتكتمونَ صفة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله: قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ أُمر مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول قُلِ اللَّهُ أي: أنزله الله عليكم. وإن شئت قلت: قل (هُوَ) الله. وقد يكون قوله قُلِ اللَّهُ جوابًا لقوله: مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى، قُلِ اللَّهُ أنزله. وإنما اخترت رفع اللَّهَ بغير الجواب لأن الله تبارك وتعالى الَّذِي أمر محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسألهم: مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ وليست بِمسألة منهم فيجابوا، ولكنه جازَ لأنه استفهام، والاستفهام يكون لَهُ جواب. وقوله: ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ لو كانت جزمًا لكان صوابًا كما قَالَ ذَرْهُمْ «3» يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا.   (1) كذا فى ج، وفى ش: «القراطيس» . (2) آية 7 سورة الأنعام. (3) آية 3 سورة الحجر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وقوله: وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى ... (92) يُقال فِي التفسير: إنّ «1» أمّ القرى مَكَّة. وقوله: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ الْهَاء تكون لِمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وللتنزيل. وقوله: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ... (93) يُقال: إنَّها نزلت فِي مسيلمة الكذَّاب، وَذَلِكَ أنه ادّعى النبوة. وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ ومن فِي موضع خفض. يريد: ومن أظلم من هَذَا ومن هَذَا الَّذِي قال: سأنزل مثل ما أنزل الله. نزلت فِي عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح. وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يكتب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ كتب سَمِيعٌ عَلِيمٌ أو عَزِيزٌ حَكِيمٌ فيقول لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سواء حَتَّى أملّ عَلَيْهِ قوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ «2» إلى قوله: ثُمَّ «3» أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فقال ابن أبي سَرْح فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ تعجُّبًا من تفصيل خَلق الانْسَان، قَالَ فقال لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هكذا أنزِلت عَليّ، فشكّ وارتدّ. وقال: لئن كَانَ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صادقًا لقد أوحي إليّ (كما «4» أوحي إِلَيْهِ) ولئن كَانَ كاذبًا لقد قلتُ مثل ما قَالَ، فأنزل الله تبارك وتعالى فِيهِ: وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ.   (1) ثبت هذا الحرف فى ج، وسقط فى ش. [ ..... ] (2) آية 12 سورة المؤمنون. (3) آية 14 سورة المؤمنون. (4) سقط ما بين القوسين فى ش، وثبت فى ج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 وقوله: وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ ويُقال: باسطو أيديهم بإخراج أنفس الكفار. وهو مثل قوله: يَضْرِبُونَ «1» وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ ولو كانت (باسطون) كانت (أيدِيَهُمْ) ولو كانت «باسطو أيديهم أن أخرجِوا» كَانَ صوابًا. ومثله مما تركت فِيهِ أن قوله: يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا وَإِذَا طرحت من مثل هَذَا الكلام (أَن) ففيه القول مُضْمَرٌ كقوله: وَلَوْ «2» تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ يقولون: رَبَّنا. وقوله: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى ... (94) وهو جمع. والعرب تَقُولُ: [قوم «3» ] فرادى وفرادُ يا هَذَا فلا يُجرونَها، شبهت بثُلاث ورُبَاع. وفرادى واحدها فَرْد، وفِرد، وفريد وفراد «4» للجمع، ولا يَجوز فرد فِي هَذَا المعنى. وأنشدني بعضهم: ترى النُعَراتِ الزُّرْقِ تَحت لَبَانه ... فُرَادَ ومثْنَى أصعقتها صواهِله «5» وقوله: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ... (94) قرأ حمزة ومجاهد بَيْنَكُمْ يريد وصلكم. وَفِي قراءة عبد الله لَقَدْ تقطع ما بينكم وهو وجه الكلام. إِذَا جعل الفعل لبين ترك نصبًا كما قالوا: أتاني دونك من الرجال فترك نصبًا وهو فِي موضع رفع لأنه صفة. وإذا قالوا: هذا   (1) آية 50 سورة الأنفال. (2) آية 12 سورة السجدة. (3) زيادة من اللسان فى عبارة الفرّاء (فرد) (4) كذا فى ج. وفى ش: «فردان» وهو يوافق عبارة اللسان. وكأن الصواب ما أثبت. يريد أن (فراد) تأتى فى التكرير عند الجمع، وليس كذلك فرد. (5) «فراد» كذا فى اللسان، وهو المناسب. وفى ش، ج: «فرادى» . وتقدّم البيت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 دون من الرجال رفعوه فِي موضع الرفع. وكذلك تَقُولُ: بين الرجلين بين بعيد، وبون بعيد إِذَا أفردته أجريته «1» فِي العربية وأعطيته الإعراب. وقوله: فالِقُ الْإِصْباحِ ... (96) والإصباح مصدر أصبحنا إصباحًا، والإصباح «2» صُبْح كل يوم بِمجموع. وقوله: وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً الليل فِي موضع نصب فِي المعنى. فردّ الشمس والقمر عَلَى معناهُ لِمَا فرق بينهما بقوله: سَكَناً فإذا لَمْ تفرق بينهما بشيء آثروا الخفض. وقد يَجوز أن ينصب وإن لَمْ يحل بينهما بشيء أنشد بعضهم: وبينا نحنُ ننظره أتانا ... معلِّقَ شَكْوةٍ وزِنَادَ راع «3» وتقول: أنت آخذٌ حقَّك وَحَقِّ غيرك فتضيف فِي الثاني وقد نوَّنت فِي الأول لأن المعنى فِي قولك: أنت ضارب زيدًا وضاربُ زيدٍ سواء. وأحسن ذلك أن تحول بينهما بشيء كما قَالَ امرؤ القيس: فظلّ طُهَاةُ اللحم من بين مُنْضِج ... صفيفَ شِوَاءٍ أو قَدِيرٍ معجَّلِ «4» فنصب الصفيف وخفض القدير على ما قلت لك.   (1) ثبت فى ج، وسقط فى ش. (2) وقد قرأ بهذا الحسن وعيسى بن عمر. (3) نسبه سيبويه فى الكتاب 1/ 87 إلى رجل من قيس عيلان. وقوله: «ننظره» أي ننتظره. والشكوة وعاء كالدلو أو كالقربة الصغيرة أو وعاء من أدم يبرد فيه الماء. وفى رواية «وفضة» فى مكان (شكوة) وهى خريطة كالجعبة من الجلد بحمل فيها الراعي متاعه وزاده. (4) هذا من معلقته. يصف صيده وما فعل به. والصفيف: اللحم يشرح، أو هو الذي يغلى إغلاءة ثم يرفع، أو هو ما صف على الجمر ليشوى. والقدير: ما يطبخ فى القدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 وقوله: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ ... (98) يعنى فى الرحم «1» وَمُسْتَوْدَعٌ فى صلب الرجل. ويقرأ «2» فَمُسْتَقَرٌّ يعنى الولد فى الرحم وَمُسْتَوْدَعٌ فِي صلب الرجل. ورفعها عَلَى إضمار الصفة كقولك: رأيت الرجلين عاقل وأحمق، يريدُ منهما كذا وكذا. وقوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ ... (99) يقول: رزق كل شيء، يريد ما ينبت ويصلح غذاء لكل شيء. وكذا جاء التفسير، وهو وجه الكلام. وقد يَجوز فِي العربية أن تضيف النبات إلى كل شيء وأنت تريد بكل شيء النبات أيضًا، فيكون مثل قوله: إِنَّ «3» هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ واليقين هُوَ الحق. وقوله: مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ الوجه الرفع فِي القنوان لأن المعنى: ومن النخل قِنوانه دانية. ولو نصب: وأخرج من النخل من طلعها قنوانًا دانية لَجَازَ فِي الكلام، ولا يقرأ بِهَا لمكان الكتاب «4» . وقوله: وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ نصب، إلا أن جَمْع المؤنث بالتاء يَخفض فِي موضع النصب، ولو رفعت «5» الجنات تتبع «6» القنوان كان صوابا. وقوله: وَ «7» فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ الوجه فِيهِ الرفع، تجعلها تابعة للقطع. ولو نصبتها وجعلتها تابعة للرواسي والانهار كَانَ صوابًا.   (1) كذا فى ج. وفى ش: «الرجل» . (2) وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو. [ ..... ] (3) آية 95 سورة الواقعة. (4) يريد الكتابة ورسم المصحف. (5) قرأ به الأعمش، ويروى عن عاصم. (6) أي فى الإعراب لا فى حكمه «من النخل» . والتقدير: لهم جنات أو ثم جنات. (7) آية 4 سورة الرعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وقوله: وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ يريد شَجرة الزيتون وشَجر الرمان، كما قَالَ: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ «1» يريد أهل القرية. وقوله: انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ يقول: انظروا إِلَيْهِ أول ما يَعْقِد (وَيَنْعِهِ) : بلوغه وقد قرئت (وَيُنْعِهِ «2» ، ويانِعِهِ «3» ) . فأمّا قوله: وَيَنْعِهِ فمثل نضجه، ويانعه مثل ناضجه وبالغه. وقوله: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ (100) إن «4» شئت جعلت الْجِنَّ تفسيرًا للشركاء. وإن شئت جعلت نصبه عَلَى: جعلوا الجنّ شركاء لله تبارك وتعالى. وقوله: وَخَرَقُوا: واخترقوا وخلقوا واختلقوا، يريد: افْتَروْا. وقوله: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ (102) يرفع خالِقُ عَلَى الابتداء «5» ، وَعَلَى أن يكون خبرًا. ولو نصبته إذ لَمْ يكن فِيهِ الألف واللام عَلَى القطع «6» كَانَ صوابًا، وهو مثل قوله: غافِرِ «7» الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ. وكذلك: فاطِرِ «8» السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لو نصبته إِذَا كَانَ قبله معرفة تامّة جاز ذلك لأنك قد تقول: الفاطر السموات، الخالق كل شىء،   (1) آية 82 سورة يوسف. (2) وهى قراءة ابن محيصن وابن أبى إسحق. (3) وهى قراءة محمد بن السميفع. (4) كذا فى ج. وفى ش: «وإن شئت» . (5) وخبره «ذلكم الله ربكم» وفى الطبري: «يقول- تعالى ذكره-، الذي خلق كل شىء وهو بكل شى عليم هو الله ربكم» . (6) يريد نصبه على الحال. (7) آية 3 سورة غافر. (8) آية 1 سورة فاطر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 القابل التوب، الشديد العقاب. وقد يَجوز أن تَقُولُ: مررت بعبد الله مُحدِّثِ زيد، تَجعله معرفة وإن حسنت فِيهِ الألف واللام إِذَا كَانَ قد عُرِفَ بذلك، فيكون مثل قولك: مررت بوحشي قاتل حَمزة، وبابن ملجَم قاتِل عليّ، عرف بِهِ حَتَّى صارَ كالاسم لَهُ. وقوله: وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ (105) يقولون: تَعلَّمْتَ من يهود. وَفِي قراءة عبد الله وَلِيقولوا درس يعنون مُحمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهو كما تَقُولُ فِي الكلام: قالوا لي: أساء، وقالوا لي: أسأت. ومثله: قُلْ «1» لِلَّذِينَ كَفَرُوا سيغلبون وسَتُغْلَبُونَ. وقرأ بعضهم «2» (دارست) يريدُ: جادلت اليهود وجادلوك. وكذلك قَالَ ابن عباس. وقرأها مُجَاهد (دارَسْت) وفسَّرها: قرأت عَلَى اليهود وقرءوا عليك. وقد قرئت «3» (دُرِسَتْ) أي قرِئت وتليت. وقرءوا (دَرُسَتْ) وقرءوا (دَرَسَتْ) يريد: تقادمت، أي هَذَا الَّذِي يتلوه علينا شىء قد تطاول ومرّبنا. وقوله: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ (109) المقسمونَ الكفار. سألوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأتيهم بالآية التي نزلت فِي الشعراء إِنْ «4» نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ   (1) آية 12 سورة آل عمران. وقراءة الياء (سيغلبون) قراءة حمزة والكسائي وخلف. وقراءة التاء للباقين. وانظر ص 191 من هذا الجزء. [ ..... ] (2) من هؤلاء أبو عمرو وابن كثير، ووافقهما ابن محيصن واليزيدي. (3) هى قراءة قتادة والحسن وزيد بن على. (4) آية 4. والمراد بالآية فى هذه الآية آية كونية ظاهرة يكون العلم عنها ضروريا. والظاهر أن المراد هنا ما يقترحونه من الآيات، وإن لم تكن ملجئة حتى تنسق مع ختام الآية. وجرى على ذلك البيضاوي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 فسألوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينزلها وحلفوا ليؤمنن، فقال المؤمنون: يا رسول الله سل ربك ينزلها عليهم حَتَّى يؤمنوا، فأنزل الله تبارك وتعالى: قل للذين آمنوا: وما يُشعركم أنهم يؤمنون. فهذا وجه النصب فِي أنّ وما يُشعركم أنهم يؤمنون (و) نحن نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا، وقرأ بعضهم: (إنها) مكسور الألف (إذا جاءت) مستأنفة، ويجعل قوله (وما يشعركم) كلامًا مكتفيًا. وهي فِي قراءة عبد الله: وما يشعركم «1» إِذَا جاءتهم أنهم لا يؤمنون. و (لا) فِي هَذَا الموضع «2» صِلة كقوله: وَحَرامٌ «3» عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ: المعنى: حرامٌ عليهم أن يرجعوا. ومثله: مَا مَنَعَكَ «4» أَلَّا تَسْجُدَ معناهُ: أن تسجد. وهي فِي قراءة أُبي: لعلها إِذَا جاءتهم لا يؤمنون وللعرب فِي (لعلّ) لغة بأن يقولوا: ما أدري أنك صاحبها، يريدون: لعلك صاحبها، ويقولون: ما أدري لو أنّك صاحبها، وهو وجه جيد أن تَجعل (أَنّ) فِي موضع لعل. وقوله: وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ (111) هَذَا أمرٌ قد كانوا سألوهُ، فقال الله تبارك وتعالى: لو فعلنا بِهم ذَلِكَ لَمْ يؤمنوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ. وقوله: (قبلا) جمع قبيل. والقبيل: الكفيل. وإِنَّما اخترت هاهنا أن يكون الْقُبُلُ فِي معنى الكفالة لقولهم: أَوْ تَأْتِيَ «5» بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا يضمنون «6»   (1) كذا فى ش. وفى ج: «يشعرهم» . وهذه القراءة تؤيد قراءة الفتح فى «أنها» . (2) أي على القراءة الأولى. (3) آية 95 سورة الأنبياء. (4) آية 12 سورة الأعراف. (5) آية 92 سورة الإسراء. (6) كذا فى ج. وفى ش: «يمضون» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 ذلك. وقد يكون (قبلا) : من قبل وجوههم كما تقول: أتيتك قُبُلا ولَمْ آتك دُبُرا. وقد يكون القبيل «1» جَميعًا للقبيلة كأنك قلت: أو تأتينا بالله والملائكة قبيلة قبيلة وجَماعة جَماعة. ولو قرئت «2» قَبَلا عَلَى معنى: معاينةً كَانَ صوابًا، كما تَقُولُ: أنا لقيته قبلا. وقوله: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ (112) نصبت العدوّ والشياطين بقوله: جعلنا. وَقوله: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ فَإِنَّ إِبْلِيسَ- فِيمَا ذُكِرَ- جَعَلَ فِرْقَةً مِنْ شَيَاطِينِهِ مَعَ الإِنْسِ، وَفِرْقَةً مَعَ الْجِنِّ، فَإِذَا الْتَقَى شَيْطَانُ «3» الإِنْسِيِّ وَشَيْطَانُ الْجِنِّيِّ «4» قَالَ: أَضْلَلْتُ صَاحِبِي بِكَذَا وَكَذَا، فَأَضْلِلْ بِهِ صَاحِبَكَ، وَيَقُولُ «5» لَهُ (شَيْطَانُ «6» الْجِنِّيِّ) مِثْلَ ذَلِكَ. فَهَذَا وَحْيُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ حَيَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وقوله: وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) الاقتراف: الكسب تَقُولُ العرب: خرج فلان يقترف «7» أهله. وقوله: مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) من الشاكّين أنَّهم يعلمون أَنَّهُ مُنزل من ربك.   (1) كذا فى ج. وفى ش: «القبيلة» . (2) هى قراءة نافع وابن عامر وأبى جعفر. (3) كذا فى ج. وفى ش: «شياطين» . (4) كذا فى ج. وفى ش: «الجن» . (5) فى ش، ج: «تقول» . [ ..... ] (6) كذا فى ج. وفى ش: «شياطين الجن» . (7) فى الأساس: «يقترف لعياله» . وفى اللسان: «يقترف لعياله» . وكأن الحرف سقط هنا توسعا، والأصل: لأهله، وإلا فالاقتراف يتعدى إلى المال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 وقوله: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ (116) فى أكل الميتة يُضِلُّوكَ لأن أكثرهم كانوا ضُلالا. وَذَلِكَ أنهم قالوا للمسلمين: أتأكلونَ ما قَتَلتم ولا تأكلونَ ما قتلَ ربّكم! فأنزلت هَذِه الآية وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ. وقوله: هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ (117) (من) فِي موضع «1» رفع كقوله: لِنَعْلَمَ «2» أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى إذا كانت (من) بعد العلم والنظر والدراية- مثل نظرت وعلمت ودريت- كانت فِي مذهب أيّ. فإن كَانَ بعدها فعل لَهَا رفعتها بِهِ، وإن كَانَ بعدها فعل يقع عليها نصبتها «3» كقولك: ما أدرى من قام، ترفع (من) بقام، وما أدري من ضربت، تنصبها بضربت. وقوله: وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ (120) فأمّا ظَاهِره فالفجور والزنى، وأمّا باطنه فالمخالة: «4» أن تتخذ المرأة الخليل وأن يتخذها. وقوله: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ (121) يقول: أكلكم ما لَمْ يذكر اسم الله عَلَيْهِ فسق أي كفر. وكنى عَن الأكل، كما قال: فَزادَهُمْ «5» إِيماناً يريد: فزادهم قول الناس إيمانا.   (1) على أنه اسم استفهام، فهو مبتدأ، وخبره جملة «يضل» . وجملة المبتدأ والخبر فى محل نصب علق عنه العامل. وهذا مبنى على جواز عمل اسم التفضيل فى المفعول به. وهو مذهب كوفى. والبصريون يأبونه، ويجعلون «من» معمولا لفعل محذوف، تقديره: «يعلم» . (2) آية 12 سورة الكهف. (3) كذا فى ش. وفى ج: «نصبها» . (4) كذا فى ج. وفى ش: «فالمخالفة» . (5) آية 173 سورة آل عمران. يريد أن الضمير فى قوله: «وإنه لفسق» . عائد على الأكل المفهوم من قوله: «ولا تأكلوا» كما فى آية آل عمران هذه، فإن الضمير المستتر فى «فزادهم» يعود على الفول المفهوم من قوله: «قال لهم الناس» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 وقوله: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ (122) أي كَانَ ضالا فهديناه. وقوله: نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ يعني إيمانه. وقوله: الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ (124) أي من عند الله، كذلك قَالَ المفسرون. وهو فِي العربية كما تَقُولُ: سيأتيني رزق عندك، كقولك: سيأتيني الَّذِي عند الله. سيصيبهم «1» الصغار الَّذِي عنده، ولِمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينزله بِهم. ولا يَجوز فِي العربية أن تَقُولُ: جئتُ عند زيد، وأنت تريد: من عند زيد. وقد يكون قوله: صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ أنَّهم اختاروا الكفر تَعزُّزًا وأَنَفةً من اتِّبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل الله ذَلِكَ صَغَارًا عنده. وقوله: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ (125) [من «2» ] ومن فِي موضع رفع بالهاء التي عادت عليهما من ذكرهما. وقوله: يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً «3» قرأها ابن عباس وعمر (حرِجًا) . وقرأها الناس: حَرَجًا. والحرج- فيما فسر ابن عباس- الموضع الكثير الشجر الَّذِي لا تصل إِلَيْهِ الراعية. قَالَ: فكذلك صَدْر الكافر لا تصل إِلَيْهِ الحكمة. وهو فِي كسره وفتحه   (1) هذا تفسير للآية: «سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله» . (2) زيادة يقتضيها السياق. (3) وهى قراءة نافع وأبى بكر وأبى جعفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 بِمنزلة الوحَد «1» والوحِد، والفَرَد والفِرِد، والدَنَف والدِنِف: تقوله «2» العرب فِي معنى واحد. وقوله: كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ يقول: ضاق عَلَيْهِ المذهب فلم يَجد إِلا أَنْ يَصعد فِي السماء وليس يقدر. وتقرأ «3» كَأَنَّما يصَّاعَد يريد يتصاعد، (ويَصَّعَّدُ «4» ) مخففة. وقوله: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ (128) يقول: قد أضللتم كثيرا. وقوله: وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ فالاستمتاع من الإنس بالجِنّ أن الرجل كَانَ إِذَا فارق «5» فاستوحش أو قتل صيدًا من صيدهم فخاف قَالَ: أعوذ بسيد هَذَا الوادي، فيبيت آمنًا فِي نفسه. وأمّا استمتاع الجن بالإنس فما نالوا بِهم من تعظيم الإنس إيّاهم، فكان الجِنّ «6» يقولون: سُدْنا الجنّ والإنس. وقوله: امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ (130) فيقول القائل: إِنَّمَا الرسل من الإنس خاصة، فكيف قال للجنّ والإنس (منكم) ؟ قيل: هذا كقوله: مَرَجَ «7» الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ. ثم قال: يَخْرُجُ «8» مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ وإنّما يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح دون العَذْب. فكأنك قلت: يخرج من بعضهما، ومن أحدهما.   (1) فى ش، ج: «الواحد» . (2) كذا فى ج. وفى ش: «تقول» . (3) وهى قراءة أبى بكر والنخعي. (4) هى قراءة ابن كثير. ووافقه ابن محيصن. [ ..... ] (5) كأنه يريد: فارق حيه أو رفقته. (6) أي سادتهم وكبراؤهم الذين يستعاذ بهم. (7) آية 19 سورة الرحمن. (8) آية 22 سورة الرحمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 وقوله: ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ (131) إن شئت جعلت (ذَلِكَ) فِي موضع نصب، وجعلت (أن) مما يصلح فِيهِ الخافض فإذا حذفته كانت نصبًا. يريد: فعل ذَلِكَ أن لَمْ يكن مهلك القرى. وإن شئت جعلت (ذَلِكَ) رفعًا عَلَى الاستئناف إن لَمْ يظهر الفعل. ومثله: ذلِكَ «1» بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وذلِكَ «2» بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ. ومثله: ذلِكَ «3» لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ، وذلِكُمْ «4» وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ الرفع والنصب فيه كله جائز. وقوله: مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ يقول: لَمْ يَكُنْ ليهلكهم بظلمهم وهم غافلونَ لَمَّا يأتهم رسول ولا حُجَّة. وقوله فِي هود: وَما «5» كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ يقول: لم يكن ليهلكهم بظلمهم، يقول: بشركهم (وأهلها مصلحون) يتعاطَون الحقّ فيما بينهم. هكذا جاء التفسير. وفيها وجه- وهو أحبّ إليّ من ذا لأن الشرك أعظم الذنوب- والمعنى والله أعلم: لم يكن ليهلكهم بظلم منه وهم مصلحون. وقوله: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ (135) (من «6» تكون له) فِي موضع «7» رفع، ولو نصبتها «8» كَانَ صوابًا كما قَالَ الله تبارك وتعالى: وَاللَّهُ «9» يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ.   (1) آية 10 سورة الحج. (2) آية 182 سورة آل عمران. (3) آية 52 سورة يوسف. (4) آية 18 سورة الأنفال. (5) آية 117. (6) ثبت فى ج. وسقط فى ش. (7) على أنه اسم استفهام مبتدأ. والفعل معلق. (8) على أنه اسم موصول. (9) آية 220 سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 وقوله: مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِذَا «1» كَانَ الفعل فِي مذهب مصدر مؤنثًا مثل العاقبة، والموعظة، والعافية، فإنك إِذَا قدّمت فعله قبله أنَّثْتَهُ وذكّرته كما قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: فَمَنْ «2» جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ بالتذكير، وقال «3» : قَدْ «4» جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ بالتأنيث. وكذلك وَأَخَذَ «5» الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ وَأَخَذَتِ «6» فلا تهابنّ من هَذَا تذكيرًا ولا تأنيثا. وقوله: هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ (136) وبرعمهم، وزِعْمِهم، ثلاث لغات. ولم يقرأ بكسر «7» الزَّاي أحدٌ نعلمه. والعربُ قد تَجعل الحرف فِي مثل هَذَا فيقولون: الفَتْك «8» والفُتْك والفِتْك، والوُدّ والوِدّ والوَدّ، فِي أشباه لَهَا. وأجود ذَلِكَ ما اختارته القرّاء الذين يؤثر عنهم القراءة. وَفِي قراءة عبد الله «وهذا لشركائِهم» وهو كما تَقُولُ فِي الكلام: قَالَ عبد الله: إِنّ لَهُ مالا، وإِنّ لي مالا، وهو يريد نفسه. وقد قَالَ الشاعر: رَجُلانِ من ضَبَّةَ أَخبرانا ... إِنَّا رأينا رجلًا عُريانا ولو قَالَ: أخبرانا أنّهما رأيا كان صوابا.   (1) يذكر الوجه فى قراءتى «يكون» و «تكون» . والأولى قراءة حمزة والكسائي. والثانية قراءة الباقين. [ ..... ] (2) آية 275 سورة البقرة. (3) كذا فى ج. وسقط هذا الفعل فى ش. (4) آية 57 سورة يونس. (5) آية 67 سورة هود. (6) آية 94 سورة هود. (7) وإنما قرى بفتحها وضمها. والضمّ قراءة الكسائي ويحيى بن وثاب والسلمى والأعمش، وهو لغة بنى أسد. والفتح قراءة الباقين، وهو لغة أهل الحجاز. (8) هو مصدر فتك إذا ركب ما هتم به من الأمور ودعت إليه نفسه. وفى ش، وج: «القتل» وهو تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 وقوله: وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ (137) وهم قوم كانوا يَخدمون آلهتهم، فزيَّنوا لَهُم دفن البنات وهنّ أحياء. وَكَانَ أيضًا أحدهم يقول: لئن وُلد لي كذا وكذا من الذكور لانحرنّ واحدًا. فذلك قتل أولادهم. والشركاء رفع لانهم الَّذِينَ زَيَّنوا. وَكَانَ بعضهم يقرأ: «وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ» فيرفع القتل إِذَا لَمْ يسمّ فاعله، ويرفع (الشركاء «1» ) بفعل ينويه كأنه قَالَ: زيَّنه لَهم شركاؤهم. ومثله قوله: يُسَبِّحُ «2» لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ثم قال: رِجالٌ «3» لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ. وَفِي بعض «4» مصاحف أهل الشام (شركايهم) بالياء، فإن تكن مثبتة «5» عَن الأوّلين فينبغي أن يقرأ (زُيِّنَ) وتكون الشركاء هم الأولاد لانهم منهم فِي النسب والميراث. فإن كانوا يقرءون (زيّن) فلست أعرف جهتها إلا أن يكونوا فيها آخذين بلغة قوم يقولون: أتيتها عِشايا «6» ثُمَّ يقولون فِي تثنية (الحمراء «7» : حمرايان) فهذا وجه أن يكونوا قالوا: «زُيِّنَ لكثيرٍ مِنَ المشركين قتل أولادهم   (1) كذا فى ج. وسقط فى ش. (2) آية 36 سورة النور. وفتح الباء فى «يسبح» قراءة ابن عامر وأبى بكر عن عاصم. (3) آية 37 سورة النور. (4) وعليها قراءة ابن عامر. (5) كذا فى ج. وفى ش: «على» . (6) أي يبقون حرف العلة فى الطرف بعد الألف الزائدة على أصله ولا يبدلونه همزة فيقولون بنيت بنايا لا بناء. وانظر فى هذه اللغة اللسان (حمو) . وهو يريد أنه اتباعا لهذه اللغة ولما ذكر بعد من قولهم فى تثنية حمراء: حمرايان ينطق بالهمزة ياء. وعلى ذلك فالشركاء يقال فيها الشركاى. ويحمل على هذا ما فى بعض مصاحف أهل الشام. (7) فى ش: «أحمر أحمريان» وما هنا عن ج. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 شركايهم» وإن شئت جعلت (زيّن) إِذَا فتحته فعلا لإبليس ثُمَّ تُخفض الشركاء باتباع الأولاد. وليس قول «1» من قَالَ: إنَّما أرادوا مثل قول الشاعر: فزججتها متمكنًا ... زجّ الْقَلوصَ أبِي مزاده «2» بشيء. وهذا مما كَانَ يقوله نَحْويُّو أهلِ الحجاز، ولم نَجد مثله فِي العربية. وقوله: وَقالُوا مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا (139) وَفِي قراءة عبد الله «خالصٌ لذكورنا» وتأنيثه لتأنيث الأنعام لأن ما فِي بطونِها مثلها فأنث لتأنيثها. ومن ذكره فلتذكير (ما) وقد قرأ بعضهم «خالصُهُ لذكورِنا» يضيفه إلى الْهَاء وتكون الهاء لِمَا. ولو نصبت الخالص «3» والخالصة «4» عَلَى القطع وجعلت خبر ما فِي اللام التي فى قوله (لذكورنا) كأنك قلت: ما فِي بطون هَذِه الأنعام لذكورنا خالصًا وخالصةً كما قَالَ: «وَلَهُ الدِّينُ واصبا «5» » والنصبُ فِي هَذَا الموضع قليل لا يكادونَ يقولون: عبد الله قائِمًا فيها، ولكنه قياس. وقوله: وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ إن شئت رفعت «6» الميتة، وإن شئت نصبتها «7» فقلت (ميتةً) ولك أن تَقُولُ تكن «8» ويكن بالتاء والياء.   (1) قيل هذا فى توجيه قراءة ابن عامر ببناء «زين» للمفعول، ورفع «قتل» ونصب «أولادهم» ، وجرّ «شركائهم» . (2) قيل المراد: زججت الكتيبة أي دفعتها. والقلوص: الناقة الفتية، وأبو مزادة كنية رجل. (3، 4) قرأ بنصب الخالص «خالصا» ابن جبير، وبنصب الخالصة «خالصة» ابن عباس والأعرج وقتادة وابن جبير فى رواية، كما فى البحر. (5) آية 52 سورة النحل. وقد ترك جواب لو. وهو محذوف أي لساغ مثلا. (6) هو قراءة ابن عامر. (7) هى قراءة الباقين بعد ابن عامر وأبى جعفر. (8) هى قراءة ابن عامر وأبى جعفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 وقد تكون الخالصة مصدرا لتأنيثها كما تَقُولُ: العاقبة والعافية. وهو مثل قوله: إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ «1» . وقوله: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ (141) هَذِه الكروم، ثُمَّ قَالَ: وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً فى لونه وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ فِي طعمه، منه حلو ومنه حامض. وقوله: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ هَذَا لِمَن حضره من اليتامى والمساكين. وقوله: وَلا تُسْرِفُوا فِي أن تعطوا كله. وَذَلِكَ أن ثابت «2» بن قيس خلَّى بين النّاس وبين نَخله، فذُهِبَ «3» بِهِ كله ولم يبق لأهله منه شيء، فقال الله تبارك وتعالى: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. وقوله: وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً (142) يقول: وأَنشأ لَكم من الأنعام حمولة، يريدُ ما أطاقَ الحمل والعمل: والفرش: الصغار. ثُمَّ قال: وقوله: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ (143) فإنْ شِئتَ جعلت الثمانية مردودة عَلَى الحمولة. وإن شئت أضمرت لَهَا فعلا «4» . وقوله: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ الذكر زوج، والأنثى زوج، ولو رفعت «5» اثنين واثنين   (1) آية 46 سورة ص. (2) هو ثابت بن قيس بن شماس الأنصارىّ الخزرجىّ، خطيب الأنصار، قتل فى وقعة اليمامة. (3) كذا فى ش. وفى ج: «قد ذهب» . (4) أي أنشأ. (5) وقد قرأ بذلك أبان بن عثمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 لدخول (مِنْ) كَانَ صوابًا كما تَقُولُ: رأيت القوم منهم قاعد ومنهم قائم، وقاعدًا وقائِمًا. والمعنى فى قوله: قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ يقول: أجاءكم التحريم فيما حرمتم من السائبة والبَحِيرة والوَصِيلة والحام من الذكرين أم من الأنثيين؟ فلو قالوا: من قِبل الذكر حرم عليهم كل ذكر، ولو قالوا: من قبل الأنثى حرمت عليهم كل أنثى. ثُمَّ قَالَ: أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ يقول أم حرّم عليكم اشتمال الرحم؟ فلو قالوا ذَلِكَ لحرّم عليهم الذكر والأنثى لأن الرحم يشتمل عَلَى الذكر والأنثى. و (ما) فى قوله: «أمّا اشتملت» فِي موضع نصب، نصبته بإتباعه «1» الذكرين والأنثيين. وقوله: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا (144) يقول: أوَصَّاكُم الله بِهذا معاينة؟ وقوله: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً (145) ثُمَّ قَالَ جل وجهه: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً وإن شئت (تَكُون «2» ) وَفِي (الميتة) وجهان الرفع والنصب. ولا يصلح «3» الرفع فِي القراءة لأن الدم منصوب بالرد عَلَى الميتة وَفِيهِ ألف تَمنع من جواز الرفع. ويَجوز (أن تكون) لتأنيث الميتة، ثُمَّ تردّ «4» ما بعدها عليها.   (1) أي عطفه على ما ذكر. (2) وهى قراءة ابن عامر وأبى جعفر. [ ..... ] (3) بل يصلح الرفع، وقرأ به ابن عامر. وقوله: «أو دما» عطف على موضع «أن يكون» أي على المستثنى. (4) كأنه يريد أنه يصح تأنيث (تكون) بالنظر إلى «ميتة» وإن عطف عليها «دما» المذكر، وهذا كما تقول جاءت هند ومحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 ومن رفع (الميتة) جعل (يكون) فعلا لَهَا، اكتفى بيكون بلا فعل «1» . وكذلك (يكون) «2» فِي كل الاستثناء لا تَحتاج إلى فعل، ألا ترى أنك تَقُولُ: ذهب الناس إلا أن يكون أخاكَ، وأخوكَ. وإنّما استغنت كَانَ ويكون عَن الفعل كما استغنى ما بعد إلا عَن فعل يكون للاسم. فلما قيلَ: قام الناس إلا زيدًا وإلا زيد فنصب بلا فعل ورفع بلا فعل صلحت كَانَ تامة. ومن نصب: قَالَ كَانَ من عادة كَانَ عند العرب مرفوع ومنصوب، فأضمروا فِي كَانَ اسمًا مجهولا، وصيّروا الَّذِي بعده فعلا لذلك المجهول. وَذَلِكَ جائزٌ فِي كَانَ، وليس، ولم يزل، وَفِي أظنّ وأخواتها: أن تَقُولُ (أظنه زيد أخوك «3» و) أظنّه فيها زيد. ويَجوز فِي إنّ وأخواتها كقول الله تبارك وتعالى: يَا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ «4» وكقوله: إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «5» فتذكر الْهَاء وتوحدها، ولا يَجوز تثنيتها ولا جمعها مع جمع ولا غيره. وتأنيثها مع المؤنث وتذكيرها مع المؤنث جائز فتقول: إنّها ذاهبة جاريتك، وإنه ذاهبة جاريتك. فإن قلت: كيف جاز التأنيث مع الأنثى، ولم تَجز التثنية مع الاثنين؟ قلت: لأن العرب إِنَّما ذهبت إلى تأنيث الفعل وتذكيره، فلمّا جازَ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ وَأَخَذَتِ جازَ التأنيث، والتذكير. ولَما لَمْ يَجز: قاما أخواك ولا قاموا قومك، لَمْ يَجز تثنيتها ولا جَمعها. فإن قلت: أتُجيز تثنيتها فِي قول من قَالَ: ذهبا أخواك؟ قلت: لا، من قِبل أن الفعل واحد، والألف التي فيها كأنّها تدلّ عَلَى صاحِبي الفعل، والواو فى الجمع   (1) أي خبر. يريد: جعلها تامة. (2) جعل (يكون) فى الآية استثناء، وجعل ضميرها الضمير المجهول، وهو ما يسمى ضمير الشأن. وهذا مذهب كوفى. والبصريون يجعلون الضمير فى «يكون» للمطعوم، ونحوه مما يفهم من المقام. (3) سقط ما بين القوسين فى ج. (4) آية 16 سورة لقمان. (5) آية 9 سورة النمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 تدل عَلَى أصحاب الفعل، فلم يستقم أن يكنى عَن فعل واسم فِي عقدة، فالفعل واحد أبدًا لأن الَّذِي فِيهِ من الزيادات أسماء. وتقول فِي مسألتين منه يستدل بِهما عَلَى غيرهما: إنَّها أسَد جاريتك، فأنثت لأن الأسد فعل «1» للجارية، ولو جعلت الجارية فعلا «2» للأسد ولِمثله من المذكر لَمْ يَجز إلا تذكير الْهَاء. وكذلك كل اسم مذكر شبهته بمؤنث فذكّر فيه الهاء، وكل مؤنث شبهته بِمذكر ففيه تذكير الْهَاء وتأنيثها فهذه واحدة. ومتى ما ذكَّرت فعل مؤنث فقلت: قام جاريتك، أو طالَ صلاتك، (ثُمَّ «3» أدخلت عَلَيْهِ إنه) لَم يَجز إلا تذكيرها، فتقول: إنه طال صلاتك فذكَّرتها «4» لتذكير الفعل، لا يَجوز أن تؤنث وقد ذكّر الفعل. وَإِذَا رأيت الاسم مرفوعًا بالمحالّ- مثل عندك، وفوقك، وفيها- فأنِّثْ وذَكّر فِي المؤنث ولا تؤنث فِي المذكر. وَذَلِكَ أن الصفة لا يُقدر فيها عَلَى التأنيث كما يقدر (فِي «5» قام) جاريتك عَلَى أن تَقُولُ: قامت جاريتك. فلذلك كَانَ فِي الصفات الإجراء «6» عَلَى الاصل. وَإِذَا أخليت كَانَ باسم واحد جازَ أن ترفعه «7» وتَجعل لَهُ الفعل. وإن شئت أضمرت فِيهِ مَجهولا ونصبت ما بعده فقلت: إِذَا كَانَ غدًا فأتنا. وتقول: اذهب فليس «8» إلا أباكَ، وأبوك. فمن رفع أضمر أحدًا كأنه قَالَ: لَيْسَ أحد   (1) أي خبر عنها. وذلك يجعل «جاريتك» مبتدأ مؤخرا، و «أسد» خبر مقدّم. (2) بأن تكون خبرا عن «أسد» ويكون القصد مسبب ية الأسد بالجارية. (3) ثبت ما بين القوسين فى ش، وسقط فى ج. (4) كذا فى ش. وفى ج: «ذكرتها» . (5) كذا فى ج. وفى ش: «مقام» . (6) كذا فى ج. وفى ش: «للإجراء» . (7) كذا فى ج. وفى ش: «تعرفه» . [ ..... ] (8) سقط هذا الحرف فى ش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 إلا أبوك، ومن نصب أضمر الاسم المجهول فنصب لأن المجهول معرفة فلذلك نصبت. ومن قَالَ: إِذَا كَانَ غُدْوةً فأتنا لَمْ يَجز لَهُ أن يقول: إِذَا غدوةً كَانَ فأتنا، كذلك الاسم المجهول لا يتقدمه منصوبه. وَإِذَا قرنت بالنكرة فِي كَانَ صفة فقلت: إن كَانَ بينهم شرّ فلا تقربهم، رفعت. وإن بدأت بالشر وأخرت الصفة كَانَ الوجه الرفع فقلت: إن كَانَ شر بينهم فلا تقربهم، ويَجوز النصب. قَالَ وأنشدني بعضهم: فعينَيَّ هلا تبكيان عفاقا ... إذا كان طعنا بينهم وعناقا «1» فإذا أفردت النكرة بكان اعتدلَ النصبُ والرفع. وَإِذَا أفردت المعرفة بكان كَانَ الوجه النصب يقولون: لو كَانَ إلا ظله لَخابَ ظله. فهذه عَلَى ما وصفت لك. وقوله: وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما (146) حَرَّمَ عليهم الثَّرْب «2» ، وشحوم الْكُلَى. ثُمَّ قَالَ: إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما و (ما) فِي موضع نصب بالفعل بالاستثناء. و (الْحَوَايَا) فِي موضع رفع، تردّها عَلَى الظهور: إِلا ما حملت ظهورهما أو حملت الحوايا، وهي المباعر «3» وبنات «4» اللبن. والنصبُ عَلَى أن تريد (أو شحوم الحوايا) فتحذف الشحوم وتكتفى بالحوايا كما قال: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ، يريد: واسأل أهل القرية. وقوله: أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ وهى الألية. و (ما) فى موضع نصب.   (1) انظر ص 186 من هذا الجزء. (2) هو الشحم الرقيق الذي يكون على الكرش. (3) واحدها مبعر ومبعر بفتح الميم وكسرها. وهو حيث يجتمع البعر من الأمعاء. (4) بنات اللبن: ما صغر من الأمعاء. وانظر اللسان (هو) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وقوله: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً (151) إن شئت جعلت (لا تُشْرِكُوا) نهيًا أدخلت عَلَيْهِ (أَنْ) . وإن شئت جعلته خبرًا و (تشركوا) فِي موضع نصب كقولك: أمرتك ألا تذهبَ (نَصْب) إلى زيد، وأن لا تذهب (جَزْم) وإن شئت جعلت ما نسقته عَلَى (أَلَّا تشركوا به) بعضه جزمًا ونصبًا بعضه كما قَالَ: قُلْ «1» إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ، فنصب أوله ونَهى عَن آخره كما قَالَ الشاعر: حجَّ وأوصى بسليمى الاعبدا ... ألا ترى ولا تكلم أحدا ولا تُمَشِّ بفَضاء بعدَا فنوى الخبر فِي أوّله ونَهى فِي آخره. قَالَ: والجزم فِي هَذِه الآية أحبّ إليّ لقوله: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ . فجعلت أوّله نهيا لقوله: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ. وقوله: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً (153) تكسر «2» إِنَّ إِذَا نويت الاستئناف، وتفتحها من وقوع (أتل) عليها. وإن شئت جعلتها خفضًا، تريد ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ وأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ. وقوله: وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ يعني اليهودية والنصرانية. يقول: لا تتبعوها فتضلوا.   (1) آية 14 سورة الأنعام. (2) وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 وقوله: ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ (154) تَمامًا عَلَى المحسن. ويكون المحسن فِي مذهب جَمع كما قَالَ: إِنَّ الْإِنْسانَ «1» لَفِي خُسْرٍ. وَفِي قراءة عبد الله تَمَامًا عَلَى الَّذِينَ أَحْسَنوا تصديقًا لذلك. وإن شئت جعلت (الَّذِي) عَلَى معنى «2» (ما) تريد: تَمامًا عَلَى ما أحسن موسى، فيكون المعنى: تَمامًا عَلَى إحسانه. ويكون (أحسن) مرفوعًا «3» تريد عَلَى الَّذِي هُوَ أحسن، وتنصب (أحسن) هاهنا تنوي بِهَا «4» الخفض لأن العرب تَقُولُ: مررتُ بالذي هُوَ خيرٌ منك، وشرٌّ منك، ولا يقولون: مررتُ بالذي قائم لأن (خيرًا منك) كالمعرفة إذ لَمْ تدخل فِيهِ الألف واللام. وكذلك يقولون: مررتُ بالذي أخيك، وبالذي مثلك، إِذَا جعلوا صلة الَّذِي معرفة أو نكرة لا تدخلها الألف واللام جعلوها تابعة للذي أنشدني الْكِسَائي: إن الزُّبَيْريَّ الَّذِي مِثْلَ الْحَلَمْ ... مَشَّى بأسلابك فِي أَهْلِ الْعَلَم «5» وقوله: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ (155) جعلت مباركًا من نعت الكتاب فرفعته. ولو نصبته عَلَى الخروج «6» من الْهَاء فِي (أَنْزَلْنَاهُ) كان صوابا.   (1) آية 2 سورة العصر. (2) يريد أن تكون مصدرية. (3) وبه قرأ يحيى بن يعمر وابن أبى إسحق كما فى القرطبي. (4) سقط فى ش. والخفض على أنه نعت للذى. (5) الحلم واحده حلمة، وهى الصغيرة من القردان أو دودة تقع فى الجلد فتأكله. يريد أن هذا الرجل الضعيف ابترك ثيابك وسلبك. (6) يريد أن يكون حالا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 وقوله: أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ (156) (أن) فِي موضع نصب من مكانين. أحدهما: أنزلناهُ لئلا تقولوا إِنَّما أنزلَ. والآخر من قوله: واتقوا أن تقولوا، (لا) يصلح فِي موضع (أن) هاهنا كقوله: يُبَيِّنُ «1» اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا يصلح فيه لا تضلون كما قال: سَلَكْناهُ «2» فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ. لا يُؤْمِنُونَ بِهِ. وقوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ (158) لقبض أرواحهم: أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ: القيامة أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ: طلوع الشمس من مغربها. وقوله: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ (159) قرأها عَليّ «3» (فارقوا) ، وقال: والله ما فرَّقوه ولكن فارقوه. وهم اليهود والنصارى. وقرأها الناس فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكلّ وجه. وقوله: لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ يقول من قتالِهم فِي شيء، ثُمَّ نسختها: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «4» . وقوله: فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (160) من خفض يريد: فله عشر حسناتٍ أمثالها. ولو قَالَ هاهنا: فله عشر مِثلها يريد عشر حسنات مثلها كَانَ صوابًا. ومن قَالَ:   (1) آية 176 سورة النساء. [ ..... ] (2) آيتا 200، 201 سورة الشعراء. (3) وهى قراءة حمزة والكسائي. (4) آية 5 سورة التوبة. . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 عشرٌ أمثالها جعلهنّ من نعت العشر. و (مثل) يَجوز توحيده: أن تَقُولُ فِي مثله من الكلام: هم مثلكم، وأمثالكم قَالَ الله تبارك وتعالى: إِنَّكُمْ «1» إِذاً مِثْلُهُمْ فوحّد، وقال: ثُمَّ «2» لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ فجمع. ولو قلت: عَشْرٌ أَمثالها «3» كما تَقُولُ «4» : عندي خمسةٌ أثوابٌ لَجازَ. وقوله: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ: بلا إله إلا الله، والسيئة: الشِّرك. وقوله: دِيناً قِيَماً (161) و «5» «قيّما» . حَدَّثَنَا «6» مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي الْمِقْدَامِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُذَيْفَةَ قَالَ: رَآنِي أَبِي حُذَيْفَةُ رَاكِعًا قَدْ صَوَّبْتُ رَأْسِي، قَالَ ارْفَعْ رَأْسَكَ، دينا قيما. (دينا قيما) منصوب على المصدر. ومِلَّةَ إِبْراهِيمَ كذلك. وقوله: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ (165) جعلت أمة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلائف كل الأمم وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ فى الرزق (ليبلوكم) بذلك (فيما آتاكم) .   (1) آية 140 سورة النساء. (2) آية 38 سورة محمد. (3) أي بالرفع. وقد قرأ بذلك الحسن وسعيد بن جبير والأعمش. (4) سقط فى ج. (5) الأولى قراءة الكوفيين وابن عامر. والثانية قراءة الباقين. (6) هو محمد بن الجهم السمري راوى الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 ومن سورة الأعراف قلت: «1» أرأيت ما يأتي بعد حروف الهجاء مرفوعًا مثل قوله: المص كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ ومثل قوله: الم «2» تَنْزِيلُ الْكِتابِ، وقوله: الر «3» كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ وأشباه ذَلِكَ بم رفعت الكتاب فِي هَؤُلاءِ الأحرف؟ قلت: رفعته بِحروف الهجاء التي قبله كأنك قلت: الألف واللام والميم والصاد من حروف المقطع كتابٌ أنزل إليك مجموعًا. فإن قلت: كأنك قد جعلت الألف واللام والميم والصاد يؤدّين عَن جَميع حروف المعجم، وهو ثلاثة أحرف أو أربعة؟ قلت: نعم، كما أنك تقول: اب ت ث ثَمانية وعشرون حرفًا، فتكتفي بأربعة أحرف من ثَمانية وعشرين. فإن قلت: إن ألف ب ت ث قد صارت كالاسم لحروف الهجاء كما تقول: قرأت الحمد، فصارت اسمًا لفاتِحة الكتاب. قلت: إن الَّذِي تَقُولُ ليقع فِي الوَهْم، ولكنك قد تَقُولُ: ابني فى اب ت ث، ولو قلت فِي حاط لجاز ولعلمت بأنه يريد: ابني فِي الحروف المقطعة. فلما اكتفي بغير أوّلها علمنا أن أوّلها لَيْسَ لَهَا باسم وإن كان أوّلها آثر فِي الذكر من سائرها. فإن قلت: فكيف جاءت حروف (المص) (وكهيعص) مختلفة ثُمَّ أنزلا «4» منزل با تا ثا وهنّ متواليات؟ قلت: إِذَا ذكرن متواليات دللن على أب ت ث   (1) كذا فى ش، ج. يريد أن سائلا معينا وجه إليه هذا السؤال. وقد يكون الأصل: «فإن قلت» كما هو الشائع فى مثل هذا. (2) أوّل سورة السجدة. (3) أوّل سورة هود. (4) أي مجموعنا (المص) و (كهيعص) . والأنسب بالسياق: «أنزلن» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 بعينها مقطّعة، وَإِذَا لَمْ يأتين متواليات دَللن عَلَى الكلام المتصل لا عَلَى المقطع. أنشدني الحارثىّ: تعلمت باجاد وآل مزامر ... وسوَّدتُ أثوابي ولست بكاتب «1» وأنشدني بعض بني أسَد: لَمَّا رأيت أمرها فِي حُطِّي ... وَفَنَكت فِي كذب ولط «2» أخذتُ منها بقرونٍ شُمطِ ... ولم يزل ضربي لَهَا ومَعْطي حَتَّى عَلَى الرأسِ دم يغطِي فاكتفى بحطي من أبي جاد، ولو قَالَ قائل: الصبي فِي هوّز أو كلمن، لكفى ذَلِكَ من أبي جاد. وقد قال الكسائىّ: رفعت كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وأشباهه من المرفوع بعد الهجاء بإضمار (هَذَا) أو (ذَلِكَ) وهو وجه. وكأنه إِذَا أضمرَ (هَذَا) أو (ذَلِكَ) أضمر لحروف الهجاء ما يرفعها قبلها لأنها لا تكون إلا وَلَهَا موضع. قَالَ: أفرأيت ما جاء منها لَيْسَ بعده «3» ما يرافعه مثل قوله: حم. عسق، ويس، وق، وص، مما يقل أو يكثر، ما موضعه إذ لم يكن بعده مرافع؟ قلت:   (1) مرامر هو ابن مرة أو ابن مروة. وهو من أهل الأنبار، من أوّل من كتب بالعربية. ويريد بآله حروف الهجاء لأنه اشتهر بتعليمها، أو لأنه سمى أولاده الثمانية بأسماء جملها، فسمى أحدهم أبجد وهكذا الباقي. وانظر اللسان فى مرر. [ ..... ] (2) كأنه يتحدّث عن امرأة لا يرضى خلقها، حاول إصلاحها فلم تنقد له ولم تتقدّم، كأنها تستمر فى أوّل وسائل تعلمها، كالصبى لا يعدو فى تعلمه حروف الهجاء. وفنكت فى الكذب: لجت فيه وتمادت. واللط: ستر الخبر وكتمه. والمعط: الشدّ والجذب. والقرون الشمط: يريد خصل شعر رأسها المختلط فيه السواد والبياض، يريد أنها جاوزت عهد الشباب. وقوله: على الرأس، فعلى جارة. ويضح أن يقرأ: علا الرأس، فيكون (علا) فعلا و (الرأس) مفعول. (3) فى ش، ج: «قبله» . وظاهر أنه سهو من الناسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 قبله ضمير «1» يرفعه، بمنزلة قول الله تبارك وتعالى: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ «2» المعنى والله أعلم: هَذِه براءة من الله. وكذلك سُورَةٌ أَنْزَلْناها «3» وكذلك كل حرف مرفوع مع القول ما ترى معه ما يرفعه فقبله اسم مضمر يرفعه مثل قوله: وَلا تَقُولُوا «4» ثَلاثَةٌ انْتَهُوا المعنى والله أعلم: لا تقولوا هم ثلاثة، يعني الآلهة، وكذلك قوله: سَيَقُولُونَ «5» ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ المعنى والله أعلم: سيقولونَ هم ثلاثة. وقد قيل فى (كهيعص) : إنه مفسّر لأسماء الله. فقيل: الكاف من كريم، وَالْهَاء من هاد، والعين والياء من عليم، والصاد من صدوق. فإن يك كذلك (فالذكر) مرفوع بضمير لا ب (كهيعص) . وقد قيل فى (طه) إنه: يا رجل، فإن يك كذلك فليس يَحتاج إلى مرافع لأن المنادي يرفع بالنداء وكذلك (يس) جاء فيها يا إنسان، وبعضهم: يا رجل، والتفسير فيها كالتفسير فِي طه. وقوله: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ (2) يقول: لا يضيق صدرك بالقرآن بأن يكذبوك، وكما قَالَ الله تبارك وتعالى: فَلَعَلَّكَ «6» باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا. وقد قيل: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ: شك. لِتُنْذِرَ بِهِ مؤخر، ومعناه: المص كتاب أنزل إليك لِتُنْذِرَ بِهِ فلا يكن فِي صدرك حرج منه. وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ فِي موضع نصب ورفع. إن شئت رفعتها على الردّ على الكتاب كأنك قلت: كتاب حقّ وذكرى للمؤمنين والنصبُ يُرَاد به: لتنذر وتذكّر به المؤمنين.   (1) يريد مبتدأ محذوفا. (2) آية 1 سورة التوبة. (3) آية 1 سورة النور. (4) آية 171 سورة النساء. (5) آية 22 سورة الكهف. (6) آية 6 سورة الكهف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 وقوله: اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ (3) وإنما خاطب «1» النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده لأن ما أنذر بِهِ فقد أنذرت بِهِ أمته كما قال: يا أَيُّهَا «2» النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فخاطبه، ثُمَّ جعل الفعل للجميع، وأنت قد تَقُولُ للرجل: ويحك أما تتقون الله، تذهب إليه وإلى أهل بيته أو عشيرته. وقد يكون قوله: (اتبعوا) محكيا من قوله (لتنذر به) لأن الإنذار قول، فكأنه قيل لَهُ: لتقول لَهم اتبعوا كما قَالَ الله تبارك وتعالى: يُوصِيكُمُ «3» اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لأن الوصية قول. ومثله: يا أَيُّهَا «4» النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ. ثم قال: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ «5» فجمع. وقوله: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها (4) يُقال: إِنَّما أتاها البأس من قَبْل الإهلاك، فكيف تقدم الهلاك؟ قلت: لأن الهلاك والبأس يقعان معًا كَمَا تَقُولُ: أعطيتني فأحسنت، فلم يكن الإحسان بعد الإعطاء ولا قبله: إنّما وقَعا معًا، فاستجيزَ ذَلِكَ. وإن شئت كَانَ المعنى: وكم من قريةٍ أهلكناها فكان مجيء البأس قبل الإهلاك، فأضمرت كَانَ. وإنَّما جازَ ذَلِكَ عَلَى شبيه بِهذا المعنى، ولا يكون فِي الشروط التي خَلَفْتها «6» بِمقدّم معروف أن يقدم المؤخر أو يؤخر المقدم مثل قولك: ضربته فبكى، وأعطيته   (1) يريد أن الخطاب فى هذا للرسول صلى الله عليه وسلم إذ هو الموجه إليه الكلام من قبل فى قوله: كتاب أنزل إليك، وكان وجه الخطاب على هذا: اتبع ما أنزل إليك من ربك، ويذكر المؤلف أنه ذهب بالخطاب إلى الرسول وأمّته. (2) أول سورة الطلاق. (3) آية 11 سورة النساء. (4) أول سورة التحريم. (5) آية 2 سورة التحريم. (6) أي وقعت مكانها. ولو كان «خالفتها» كان المعنى أظهر. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 فاستغنى، إلا أن تدع الحروف فِي مواضعها. وقوله: (أهلكناها فجاءها) قد يكونان خبرًا بالواو: أهلكناها وجاءها البأسُ بياتا. وقوله: أَوْ هُمْ قائِلُونَ (4) ردّ الفعل إلى أهل القرية وقد قَالَ فى أولها (أهلكناها) ولم يقل: أهلكناهم فجاءهم، ولو قيل، كَانَ صوابًا. ولم يقل: قائلة، ولو قيل لكان صوابا. وقوله: أَوْ هُمْ قائِلُونَ واو «1» مضمرة. المعنى أهلكناها فجاءها بأسنا بياتًا أو وهم قائلون، فاستثقلوا نسقًا عَلَى نسق، ولو قيل لكان جائزًا كما تَقُولُ فِي الكلام: أتيتني واليًا، أو وأنا معزول، وإن قلت: أو أنا معزول، فأنت مضمو للواو. وقوله: فَما كانَ دَعْواهُمْ (5) الدعوى فِي موضع نصب لكان. ومرفوع كَانَ قوله: إِلَّا أَنْ قالُوا فأن فِي موضع رفع. وهو الوجه فِي أكثر القرآن: أن تكون أن إِذَا كَانَ معها فعل، أن تَجعل مرفوعة والفعل منصوبًا مثل قوله: فَكانَ «2» عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ وما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا «3» أَنْ قالُوا. ولو جعلت الدعوى مرفوعة (وأن) فِي موضع نصب كَانَ صوابًا كما قَالَ الله تبارك وتعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا «4» وهي فِي إحدى «5» القراءتين: لَيْسَ البر بأن تولوا.   (1) يريد: فيه واو ... أو هنا واو. (2) آية 17 سورة الحشر. (3) آية 25 سورة الجاثية. (4) آية 77 سورة البقرة. (5) نسبها فى البحر 2/ 2 إلى مصحف أبى وابن مسعود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 وقوله: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ (8) وإن «1» شئت رفعت الوزن بالحق، وهو وجه الكلام. وإن شئت رفعت الوزن بيومئذ، كأنك قلت: الوزن فِي يوم القيامة حقًّا، فتنصب الحق وإن كانت فِيهِ ألف ولام كما قال: فَالْحَقُّ «2» وَالْحَقَّ أَقُولُ الأولى منصوبة «3» بغير «4» أقول. والثانية بأقول. وقوله: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ ولم يقل (فذلك) فيوحِّد لتوحيد من، ولو وحّد لكان صوابا. و (من) تذهب بِهَا إلى الواحد وإلى الجمع. وهو كثير. وقوله: وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ (10) لا تهمز لأنها- يعني الواحدة- مفعِلة، الياء من الفعل، فلذلك لَمْ تهمز، إنّما يهمز من هَذَا ما كانت الياء فِيهِ زائدة مثل مدينة ومدائن، وقبيلة وقبائل لِمَا كانت الياء لا يعرف لَهَا أصل ثُمَّ قارفتها «5» ألف مجهولة أيضًا همزت، ومثل معايش من الواو مِمّا لا يُهمز لو جمعت، معونة قلت: (معاون) أو منارة قلت مناور. وَذَلِكَ أن الواو ترجع إلى أصلها لسكون الألف قبلها. وربما همزت العرب هَذَا وشبهه، يتوهمونَ أنها فعيلة لشبهها بوزنها فِي اللفظ وعدّة الحروف   (1) ثبتت الواو فى ش، ج. والأولى حذفها. (2) آية 84 سورة ص. (3) أي فى غير قراءة عاصم وحمزة وخلف. أما هؤلاء فقراءتهم بالرفع. (4) أي على أنه توكيد للجملة، كما تقول أنت أخى حقا. ويقول أبو حيان فى رده فى البحر 7/ 411: «وهذا المصدر الجائى توكيدا لمضمون الجملة لا يجوز تقديمه عند جمهور النحاة. وذلك مخصوص بالجملة التي جزءاها معرفتان جامدتان جمودا محضا» . (5) فى ش، ط: «فارقتها» وقد رأينا أنه مصحف عما أثبتنا. والقراف المخالطة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 كما جمعوا مسِيل الماء أمسله، شُبِّه بفعيل وهو مفعِل. وقد همزت العرب المصائب وواحدتها مصيبة شبهت بفعيلة لكثرتها فِي الكلام. وقوله: قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ (12) المعنى- والله أعلم- ما منعكَ أن تسجد. و (أن) فِي هَذَا الموضع تصحبها لا، وتكون (لا) صلة. كذلك تفعل بِما كَانَ فى أوّله جحد. و «1» ربما أعادوا عَلَى خبره جحدًا للاستيثاق من الجحد والتوكيد لَهُ كما قالوا: ما إن رأينا مثلهن لمعشر ... سود الرءوس فوالج وفيول «2» و (ما) جحد و (إن) جحد فجمعتا للتوكيد. ومثله: وَما «3» يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ. ومثله: وَحَرامٌ «4» عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ. ومثله: لِئَلَّا «5» يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ إِلا أن معنى الجحد الساقط فِي لئلا من أوّلها لا من آخرها المعنى: ليعلم أهل الكتاب ألا يقدرون. وقوله: مَا مَنَعَكَ (ما) فِي موضع رفع. ولو وضع لمثلها من الكلام جواب مصحح كَانَ رفعًا، وقلت: منعني منك أنك بَخيل. وهو مما ذكر جوابه عَلَى غير بناء أوله، فقال: (أَنَا خَيْرٌ منه) ولم يقل: منعني من السجود أني خيرٌ منه كما تَقُولُ فِي الكلام: كيف بتّ البارحة؟ فيقول: صالِح، فيرفع أو تقول: أنا بِخير، فتستدلّ بِهِ عَلَى معنى الجواب، ولو صحح الجواب لقالَ صالِحًا، أي بتُّ صالِحًا.   (1) الأظهر فى المعنى حذف الواو. (2) الفوالج جمع الفالج بكسر اللام، وهو البعير ذو السنامين، والفيول جمع الفيل للحيوان المعروف. (3) آية 109 سورة الأنعام. (4) آية 95 سورة الأنبياء. [ ..... ] (5) آية 29 سورة الحديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 وقوله: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ (16) المعنى- والله أعلم-: لاقعدنَّ لَهُمْ عَلَى طريقهم أو فِي طريقهم. وإلقاء الصفة «1» من هَذَا جائز كما قَالَ: قعدت لك وجه الطريق، وَعَلَى وجه الطريق لأن الطريق صفة فِي المعنى، فاحتمل ما يَحْتَمِله اليوم والليلة والعام إِذَا قيل: آتيك غدًا أو آتيك فِي غد. وقوله: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً (26) «ورياشا» «2» . فإن شئت جعلت رياش جَميعًا واحده الريش، وإن شئت جعلت الرياش مصدرًا فِي معنى الريش كما يُقال لِبْس ولباس قَالَ الشاعر «3» : فلمّا كشفن اللِّبْسَ عَنْهُ مَسَحْنَهُ ... بأطرافِ طَفْلٍ زانَ غَيْلا مُوَشَّما وقوله: وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى و «لباسَ «4» التقوى» يرفع بقوله: ولباس التقوى خير، ويَجعل (ذَلِكَ) من نعته. وهي فِي قراءة أبي وعبد الله جميعًا: ولباس التقوى خير. وفى قراءتنا (ذلك خير) فنصب اللباس أحب إليّ لأنه تابع الريش «5» ، (ذلك خير) فرفع خير بذلك.   (1) يريد بها الكوفيون الظرف. (2) هذه القراءة نسبها أبو عبيد إلى الحسن. وفى القرطبي نسبتها إلى عاصم من رواية المفضل الضبي وإلى أبى عمرو من رواية الحسين الجعفي. (3) هو حميد بن ثور الهلالي. والبيت من ميمبته الطويلة. وهو يصف فرسا خدمته جوارى الحي. فقوله: كشفن أي الجواري. وقوله: عنه أي عن الفرس. ولبسه: ما عليه من الجل والسرج. وقوله بأطراف طفل أي بأطراف بنان ناعم. وقوله: غيلا يريد ساعدا أو معصما ممتلئا، موشما أي مزينا بالوشم، يريد بنان الجواري. (4) أي بالنصب. وهو قراءة نافع وابن عامر والكسائي. والضم قراءة الباقين. (5) كذا فى ش. وفى ج: «الرياش» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 وقوله: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) يقول: بدأكم فِي الخلق شقيًا وسعيدًا، فكذلك تعودونَ عَلَى الشقاء والسعادة: وقوله: فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ (30) ونصب الفريق بتعودونَ، وهي فِي قراءة أُبَيّ: تعودونَ فريقين فريقًا هدى وفريقًا حقَّ عليهم الضلالة. ولو كانا رفعا كَانَ صوابًا كما قال تبارك وتعالى: كَانَ «1» لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تقاتل فى سبيل الله وأخرى كافرةو «فئة» «2» ومثله: وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ «3» . وقد يكون الفريق منصوبًا بوقوع «هَدَى» عَلَيْهِ ويكون الثاني منصوبًا بِمَا «4» وقع عَلَى عائد ذكره من الفعل كقوله: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً «5» . وقوله: وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (29) يقول: إِذَا أدركتك الصلاة وأنت عند مسجد فصلّ فِيهِ، ولا تقولن: آتي مسجد قومي. فإن كان فِي غير وقت الصلاة صليت حَيْثُ شئت. وقوله: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ (32)   (1) آية 13 سورة آل عمران. (2) يريد رفع فئة فى الآية ونصبها. ويجوز فى الآية أيضا خفض فئة بدلا من «فئتين» . وانظر ص 192 من هذا الجزء. (3) آية 7 سورة الشورى. (4) يريد النصب على الاشتغال. والعامل هنا يقدر فى معنى المذكور أي أضل. (5) آية 31 سورة الإنسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 نصبت خالصة عَلَى القطع «1» وجعلت الخبر فِي اللام التي فِي الَّذِينَ، والخالصة ليست بقطع من اللام «2» ، ولكنها قطع من لام أخرى مضمرة. والمعنى- والله أعلم-: قل هي للذين آمنوا فِي الحياة الدُّنْيَا يقول: مشتركة، وهي لَهم فِي الآخرة خالصة. ولو رفعتها كَانَ صوابًا، تردّها «3» عَلَى موضع الصفة التي رفعت لأن تِلْكَ فِي موضع رفع. ومثله فِي الكلام قوله: إنا بِخير كَثِير «4» صيدنا. ومثله قَوْل الله عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ «5» الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً. وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً.. المعنى: خلق هلوعًا، ثُمَّ فسر حال الهلوع بلا نصب لأنه نصب فِي أول الكلام. ولو رفع لجازَ إِلا أن رفعه عَلَى الاستئناف لأنه لَيْسَ معه صفة ترفعه. وإنّما نزلت هَذِه الآية أن قبائل من العرب فِي الجاهلية كانوا لا يأكلونَ أيام حجهم إلا القوت، ولا يأكلون اللحم والدسم، فكانوا يطوفون بالبيت عراةً، الرجالُ نَهارًا والنساء ليلا، وكانت المرأة تلبس شيئًا شبيهًا بالحَوْف «6» ليواريها بعض المواراة ولذلك قالت العامرية: اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أُحله قَالَ المسلمون: يا رسول الله، نحنُ أحق بالاجتهاد لربنا، فأرادوا أن يفعلوا كفعل أهل الجاهلية، فأنزل الله تبارك وتعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ يعنى اللباس. وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا حَتَّى يبلغ بكم ذلكم تَحريم ما أحللتُ لكم، والإسراف هاهنا الغلوّ فى الدين.   (1) أي على الحال. (2) يريد أنها ليست حالا من الجار والمجرور فى «للذين آمنوا فى الحياة الدنيا» بل يقدر جار ومجرور آخر هو خبر بعد خبر أي لهم خالصة يوم القيامة، إذ كان هذا حكما لهم فى حال غير الحال الأولى. (3) يريد أن تكون خبرا ثانيا. [ ..... ] (4) كذا فى ش. وفى ج: «وكثير» . وعلى النسخة الأخيرة يحتمل أن يكون شطر رجز. (5) آيات 19، 20، 21 سورة المعارج. (6) هو جلد يشقق كهيئة الإزار يلبسه الصبيان والحائض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 وقوله: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ (33) (والإثم) ما دون الحدّ (والبغي) الاستطالة عَلَى الناس. وقوله: أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ (37) يُقال: ينالهم ما قضى الله عليهم فِي الكتاب من سواد الوجوه وزرقة الأعين. وهو قوله: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ «1» ويُقال هُوَ ما ينالهم فِي الدُّنْيَا من العذاب دون عذاب الآخرة، فيكون من قوله: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ «2» مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ. وقوله: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها (38) يقول: التي سبقتها، وهي أختها فِي دينها لا فِي النسب. وما كَانَ من قوله: وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً «3» فليس بأخيهم فِي دينهم ولكنه منهم. وقوله: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ (40) ولا يَفَتَّح وتُفَتَّح. وإِنَّما يَجوز التذكير والتأنيث فِي الجمع لأنه يقع عَلَيْهِ التأنيث فيجوز فِيهِ الوجهان كما قَالَ: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ «4» و «يشهد» فمن ذكَّر قَالَ: واحد الألسنة ذكر فأبنى عَلَى الواحد إذ كَانَ الفعل يتوحد إِذَا تقدّم الاسماء المجموعة، كما تَقُولُ ذهب القوم.   (1) آية 60 سورة الزمر. (2) آية 21 سورة السجدة. (3) آية 85 سورة الأعراف. (4) آية 24 سورة النور. وقد قرأ بالياء حمزة والكسائي وخلف، وقرأ الباقون بالتاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 ورُبَّما آثرت القراء أحد الوجهين، أو يأتي ذَلِكَ فِي الكتاب بوجه فيرى من لا يعلم أَنَّهُ لا يَجوز غيره وهو جائز. ومِمّا آثروا من التأنيث قوله: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ «1» فآثروا التأنيث. ومِمّا آثروا فِيهِ التذكير قوله: لَنْ «2» يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها والذي أتى فِي الكتاب بأحد الوجهين قوله: فُتِحَتْ «3» أَبْوابُها ولو أتى بالتذكير كَانَ صوابًا. ومعنى قوله: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ: لا تصعد أعمالهم. ويُقال: إن أعمال الفجار لا تصعد ولكنها مكتوبة فى صخرة تحبت الأرض، وهي التي قَالَ الله تبارك وتعالى: كَلَّا «4» إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ. وقوله: حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ الجمل هُوَ زوج الناقة. وقد ذكر عَن ابن عباس الْجُمَّلُ يعني الحبال «5» المجموعة. ويُقال الخياط والْمَخِيط ويُراد الإبرة. وَفِي قراءة عبد الله (الْمِخْيَط) ومثله يأتي عَلَى هذين المثالين يُقال: إزار ومِئزر، ولِحاف ومِلحف، وقِناع ومِقنع، وقِرام «6» ومِقرم. وقوله: وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ (48) وَذَلِكَ أنَّهم عَلَى سُور بين الجنة والنار يُقال لَهُ الأعراف، يرون أهل الجنة فيعرفونَهم ببياض وجوههم، ويعرفونَ أهل النار بسواد وجوههم، فذلك قوله:   (1) آية 106 سورة آل عمران. يريد أن القراء اختاروا التأنيث مع احتمال الرسم للتذكير، كما أنهم فى الآيات التالية فى الحج آثروا التذكير مع احتمال الرسم للتأنيث. ولا يخفى أن القراءة مرجعها إلى التلقي. (2) آية 37 سورة الحج. (3) آية 71 سورة الزمر. (4) آية 7 سورة المطففين. (5) فى القرطبي: «وهو حبل السفينة الذي يقال له الفلس. وهو حبال مجموعة» . (6) هو ثوب من صوف ملوّن يتخذ سترا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ. وأصحاب الأعراف أقوامٌ اعتدلت حسناتهم وسيئاتهم فقصَّرت بهم الحسنات عَن الجنة، ولم تبلغ بِهم سيئاتِهم النار، كانوا موقوفين ثُمَّ أدخلهم الله الجنة بفضل رحمته. وقوله: وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً (52) تنصب الهدى والرحمة عَلَى القطع من الْهَاء فِي فصّلناه. وقد تنصبهما عَلَى الفعل «1» . ولو خفضته عَلَى الاتباع للكتاب كَانَ صوابًا كما قَالَ الله تبارك وتعالى: وَهذا «2» كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فجعله رفعًا بإتباعه للكتاب. وقوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ (53) الْهَاء فِي تأويله للكتاب. يريد عاقبته وما وعد الله فِيهِ. وقوله: فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ لَيْسَ بِمعطوفٍ عَلَى (فيشفعوا) ، إِنَّما المعنى- والله أعلم-: أو هَلْ نُردّ فنعمل غير الَّذِي كنا نعمل. ولو نصبت (نردّ) على أن تجعل (أو) بِمنزلة حَتَّى، كأنه قَالَ: فيشفعوا لنا أبدًا حَتَّى نرد فنعمل «3» ، ولا نعلم قارئًا «4» قرأ بِهِ. وقوله: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) ذكرت قريبًا لأنه لَيْسَ بقرابة فِي النسب. قَالَ: ورأيتُ العرب تؤنث القريبة فِي النسب لا يَختلفونَ فيها، فإذا قالوا: دارك منّا قريب، أو فلانة منك قريب   (1) كأنه يريد نصبه على أنه مفعول مطلق. أي هدينا به هدى ورحمنا به رحمة. [ ..... ] (2) آية 92 سورة الأنعام. (3) جواب لو محذوف، أي لجاز. (4) قرأ به ابن أبى إسحق، كما فى مختصر البديع 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 فِي القرب والبعد ذكَّروا وأنَّثوا. وَذَلِكَ أن القريب فِي المعنى وإن كَانَ مرفوعًا فكأنه فِي تأويل: هي من مكان قريب. فجعل القريب خَلَفًا من المكان كما قَالَ الله تبارك وتعالى: وَما «1» هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ وقال: وَما «2» يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ولو أنَّث ذَلِكَ فبنى عَلَى بعدَتْ منك فهي بعيدة وقَرُبت فهي قريبة كَانَ صوابًا حسنًا. وقال عروة «3» : عِشَّيَة لا عفراءُ مِنْكَ قريبة ... فتدنو ولا عفراء مِنك بعيد ومن قَالَ بالرفع وذكَّر لَمْ يَجمع قريبًا [ولم] «4» يثنه. ومن قَالَ: إنّ عفراء منك قريبة أو بعيدة ثنَّى وجَمَع. وقوله: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ نَشْرًا (57) والنَشْر من الرياح: الطيبة اللينة التي تنشئ السحاب. فقرأ بذلك أصحاب عبد الله. وقرأ غيرهم (بُشْراً) حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَسَدِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ «5» الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِي «6» عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَرَأَ (بُشْرًا) يُرِيدُ بَشِيرَةً، وَ (بَشْرًا) كَقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وتعالى: (يُرْسِلَ الرِّياحَ «7» مُبَشِّراتٍ) .   (1) آية 73 سورة هود. (2) آية 63 سورة الأحزاب. (3) هو عروة بن حزام العذرى. والبيت ورد فى اللآلى 401 مع بيت آخر هكذا: عشية لا عفراء منك بعيدة ... فتسلو ولا عفراء منك قريب وإنى لتغشانى لذكراك فترة ... لها بين جلدى والعظام دبيب ويرى أن ما أورده المؤلف رواية فى البيت غير ما ورد فى اللآلى. وفى الأغانى (الساسى) 20/ 156 ستة أبيات على روى الباء يترجح أن تكون من قصيدة بيت الشاهد على ما روى فى اللآلى. (4) سقط ما بين القوسين فى ش، ج. والسياق يقتضيه. (5) هو عمرو بن عبد الله السبيعىّ أحد أعلام النابعين، توفى سنة 127 (6) هو عبد الله بن حبيب المقري الكوفىّ، من ثقات التابعين، مات سنة 85. (7) آية 46 سورة الروم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 وقوله: فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى جواب «1» لانزلنا فأخرجنا به. يُقال: إن الناس يَموتونَ وجَميع الخلق فِي النفخة الأولى. وبينها وبين الآخرة أربعون سنة. ويبعث الله المطرَ فيُمطر أربعين يومًا كمنّي الرجال، فينبتونَ فِي قبورهم كما ينبتونَ فِي بطونِ أمهاتِهم. فذلك قوله: كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى كما أخرجنا الثمار من الأرض الميتة. وقوله: وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً (58) قراءة «2» العامة وقرأ بعضُ «3» أهل المدينة: نَكَدا يريد: لا يخرج إلا فِي نَكَد. والنِكد والنكَد مثل الدنِف والدَنف. قَالَ: وما أُبعد أن يكون فيها نكُد، ولم أسمعها، ولكني سمعتُ حذِر وحذُر وأشِر وأشُر وعجِل وعجُل. وقوله: ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ (59) تجعل «4» (غَيْرِ) نعتًا للإلَه. وقد يرفع: يجعل تابعًا للتأويل فِي إله ألا ترى أن الاله لو نزعت منه (مِنْ) كَانَ رفعًا. وقد قرى بالوجهين جَميعًا. وبعضُ بني أَسَد وقُضَاعة إِذَا كانت (غير) فِي معنى (إِلا) نصبوها، تَمَّ الكلام قبلها أو لَمْ يتم. فيقولون: ما جاءني غيرَك، وما أتاني أحد غيرَك. قَالَ: وأنشدنى المفضّل:   (1) يريد قوله تعالى: كذلك نخرج الموتى، جعله جوابا لإنزال الماء فى الأرض المجدبة وترتب النبات وحياة الأرض عليه. كأنه يقول: إن كان من أمرنا أن ننزل الماء فنحيى به الأرض الجدبة فكذلك أمرنا أن نخرج الموتى ونحييهم إذ الأمران متساويان. (2) يريد: بكسر الكاف. (3) هو أبو جعفر. (4) هذا على كسر «غير» وهى قراءة الكسائي وأبى جعفر. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 لَمْ يمنع الشربَ منها غير أن هتفت ... حمامة من سحوق ذات أوقال «1» فهذا نصبٌ وله الفعل والكلام ناقص. وقال الآخر: لا عيبَ فيها غيرَ شُهْلةِ عينِها ... كذاكَ عِتَاق الطير شُهْلا عيونُها «2» فهذا نصب والكلام تامّ قبله. وقوله: أَوَعَجِبْتُمْ (63) هَذِه واو نَسَق أدخلت عَلَيْهِ ألف الاستفهام كما تدخلها عَلَى الفاء، فتقول: أفعجبتم، وليست بأو، ولو أريد بِهَا أو لسكّنت الواو. وقوله: أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُقال فِي التفسير: مع رجلٍ. وهو فِي الكلام كقولك: جاءنا الخير عَلَى وجهك، وهُدِينا الخير عَلَى لسانِكَ، ومع وجهك، يَجوزان جَميعًا. وقوله: قالَ الْمَلَأُ (66) هم الرجال لا يكون فيهم امرأة. وكذلك القوم، والنَفَر والرّهْط. وقوله: وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً (65) وقوله: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً (73) منصوب بضمير أرسلنا. ولو رفع إذ فقد الفعل كَانَ صوابًا كما قَالَ: فَبَشَّرْناها «3» بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ وقال أيضًا: فَأَخْرَجْنا «4» بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها   (1) هو من قصيدة لأبى قيس بن الأسلت الأنصاري. وهو فى وصف ناقته. وسحوق يريد شجرة سحوقا أي طويلة. وأوقال جمع وقل وهو المقل أي الدوم إذا يبس. يريد أن الناقة كانت تشرب فلما سمعت صوت حمامة نفرت وكفت عن الشرب. يريد أنها يخامرها فزع من حدّة نفسها. وذلك محمود فيها. وقوله: من سحوق، كذا فى ش، ج، يريد أن سماعها الحمامة من قبل الشجرة وجهتها. والمعروف: فى غصون. (2) الشهلة فى العين أن يشوب سوادها زرقة. وقوله: شهلا فى اللسان (شهل) : «شهل» . (3) آية 71 سورة هود وقد قرأ «يعقوب» بالنصب وحفص وابن عامر وحمزة، وقرأ الباقون بالرفع (4) آية 27 سورة فاطر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 ثم قال: وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ فالوجه هاهنا الرفع لأن الجبال لا تتبع النبات ولا الثمار. ولو نصبتها عَلَى إضمار: جعلنا لكم (من الجبال جددًا بيضًا) كما قَالَ الله تبارك وتعالى: خَتَمَ «1» اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ أضمرَ لَهَا جَعَلَ إِذَا نصبت كما قَالَ: وَخَتَمَ «2» عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً والرفع فِي غشاوة الوجه. وقوله: وَمِنَ «3» النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ ولم يقل: ألوانهم، ولا ألوانها. وَذَلِكَ لِمكان (مِنْ) والعرب تُضمر من فتكتفي بِمن مِن مَنْ، فيقولون: مِنا مَنْ يقول ذَلِكَ ومِنّا لا يقوله. ولو جمع عَلَى التأويل كَانَ صوابًا مثل قول ذي الرّمة: فظلُّوا ومنهم دمعه سابق له ... وآخر يثنى دمعة العين بالمهل «4» وقوله: وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً كَانَ أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعًا. وقوله: وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) يقول: قد كنت فيكم أمينًا قبل أن أُبعث. ويُقال: أمين عَلَى الرسالة. وقوله: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ (78) والرجفة هي الزلزلة. والصاعقة هي النار. يُقال: أحرقتهم. وقوله: فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ يقول: رمادا جاثما.   (1) آية 7 سورة البقرة. (2) آية 23 سورة الجاثية. (3) آية 28 سورة فاطر. (4) المهل: التؤدة والسكينة. وفى الديوان 485: «بالهمل» . وكأنها الصحيحة لقوله بعد: وهل هملان العين راجع ما مضى ... من الوجد أو مدنيك يا ميّ من أهلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وقوله: فَتَوَلَّى عَنْهُمْ (79) يُقال: إنه لَمْ يعذب أمّة ونبيها فيها حتى يخرج عنها. وقوله: أَخْرِجُوهُمْ (82) يعني لُوطًا أخرجوهُ وابنتيه. وقوله: إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ يقولون: يرغبون عَن أعمال قوم لوط ويتنزهونَ عنها. وقوله: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها (85) وإصلاحها بعثة النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بالحلال وينهى عَن الحرام. فذلك صلاحها. وفسادها العمل- قبل أن يبعث النَّبِيّ- بالمعاصي «1» . وقول شعيب: قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ لَمْ يكن لَهُ آية إلا النبوة. وَكَانَ لثمود الناقة، ولعيسى إحياء الموتى وشبهه. وقوله: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ (86) كانوا يقعدون لِمن آمن بالنبي عَلَى طرقهم يتوعدونهم بالقتل. وهو الإيعاد والوعيد. إِذَا كَانَ مبهمًا فهو بألف، فإذا أوقعته فقلت: وعدتك خيرًا أو شرًّا كَانَ بغير ألف كما قَالَ تبارك وتعالى: النَّارُ «2» وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا. وقوله: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا (89) يريد: اقض بيننا، وأهل عُمَان يسمون القاضي الفاتح والفتّاح.   (1) وهذا متعلق بقوله: «العمل» كما لا يخفى. (2) آية 72 سورة الحج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 وقوله: أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ (100) ثم قال: وَنَطْبَعُ ولم يقل: وطبعنا، ونطبعُ منقطعة عَن جواب لو يدلك عَلَى ذَلِكَ قوله: فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ألا ترى أَنَّهُ لا يَجوز فِي الكلام: لو سألتني لاعطيتك فأنتَ غنيّ، حَتَّى تَقُولُ: لو سألتني لاعطيتك فاستغنيت. ولو استقامَ المعنى فى قوله: فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ أن يتصل بِما قبله جازَ أن تردّ يفعل عَلَى فعل فِي جواب لو كما قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: وَلَوْ «1» يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ فنذر مردودة على (لقضى) وفيها النون. وسهَّل ذَلِكَ أن العرب لا تقول: وذرت، ولا ودعت، إنما يقال بالياء والألف والنون والتاء، فأوثرت عَلَى فعلت إِذَا جازت قَالَ الله تبارك وتعالى: تَبارَكَ «2» الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ ثم قال: وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً فإذا أتاك جواب لو آثرت فِيهِ (فعل «3» عَلَى يفعل) وإن قلته ينفعل جاز، وعطف فعل عَلَى يفعل ويفعل عَلَى فعل جائز، لأن التأويل كتأويل الجزاء. وقوله: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ (105) ويقرأ «4» : حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ. وَفِي قراءة عبد الله: حَقِيقٌ بِأَنْ لَا أقول عَلَى الله فهذه حجة من «5» قرأ (عَلَى) ولم يضِف. والعربُ تجعل الباء فِي موضع عَلَى رميت عَلَى القوس، وبالقوس، وجئت عَلَى حال حسنة وبحال حسنة.   (1) آية 11 سورة يونس. (2) آية 10 سورة الفرقان. (3) سقط ما بين القوسين فى ج، وثبت فى ش. (4) وهى قراءة نافع. [ ..... ] (5) وهم أصحاب القراءة الأولى. وقوله: «ولم يضف» أي لم يجرّ بها ياء المتكلم كما فى قراءة نافع. وحروف الجر تسمى حروف الإضافة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 وقوله: فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ (107) هُوَ الذكر وهو أعظم الحيّات. وقوله: يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ (110) فقوله: يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ من «1» الملأ فَماذا تَأْمُرُونَ من كلام فرعون. جاز ذَلِكَ عَلَى كلامهم إياه، كأنه لَمْ يحك وهو حكاية. فلو صرّحت بالحكاية لقلت: يريد أن يخرجكم من أرضكم، فقال: فماذا تأمرونَ. ويحتمل القياس أن تَقُولُ عَلَى هَذَا المذهب: قلت لجاريتك قومي فَإِنِّي قائمة (تريد «2» : فقالت: إني قائمة) وقلّما أتى مثله فِي شعر أو غيره، قَالَ عنترة: الشاتِمَيْ عِرْضي ولم أشتِمْهُمَا ... والناذرَيْنِ إِذَا لقيتهما دمي «3» فهذا شبيه بذلك لأنه حكاية وقد صار كالمتصل عَلَى غير حكاية ألا ترى أَنَّهُ أراد: الناذرين إِذَا لقينا عنترة لنقتلنه «4» ، فقال: إِذَا لقيتهما، فأخبر عَن نفسه، وإنما ذكراه غائبا. ومعنى لقيتهما: لقيانى.   (1) أي صادر منهم إذ كان من كلامهم. (2) ثبت ما بين القوسين فى ش، وسقط فى ج. (3) البيت من معلقته. وكان قتل ضمضما المري أبا الحصين وهرم، فكانا ينالانه بالسب، ويتوعدانه بالقتل. وقبل البيت: ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب دائرة على ابني ضمضم وبعده: إن يفعلا فلقد تركت أباهما ... جزر السباع وكل نسر قشعم (4) فى ش، ج: «لقتلته» . وهو محرف عما أثبتنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 وقوله: أَرْجِهْ وَأَخاهُ (111) جاء التفسير: احبسهما عندك ولا تقتلهما، والإرجاء تأخير الأمر. وقد جزم الْهَاء حَمْزَةُ والاعمش «1» . وهي لغة للعرب: يقفونَ عَلَى الْهَاء المكنيّ عنها فِي الوصل إِذَا تحرك ما قبلها أنشدني بعضهم: أنحي عَليّ الدهر رجلا ويدا ... يُقسم لا يُصلح إلا أفسدا فيصلح اليوم ويُفسدهُ غدا وكذلك بِهاء التأنيث فيقولون: هَذِه طلحة قد أقبلت، جزم أنشدني بعضهم: لَمَّا رأى أن لادَعهْ ولا شِبَعْ ... مال إلى أرطاة حِقْف فاضطجع «2» وأنشدني القَنَاني: لستُ إذًا لزَعْبَلَهُ إنْ لَم أُغَيِّرْ بِكْلَتِي إن لَمْ أُساوَ بالطُوَل «3» بِكْلَتِي: طريقتي. كأنه «4» قَالَ: إن لَمْ أغيِّر بكلتي حَتَّى أساوي. فهذه لامرأة: امرأة طولى و [نساء «5» ] طول.   (1) وهى أيضا قراءة حفص. (2) هذا من رجز. وقبله: يا رب أبّاز من العفر صدع ... تقبض الذئب إليه فاجتمع يصف ظبيا أراده الذئب أن يفترسه فنجا منه. والأباز من وصف الظبى وهو الوثاب فعّال من أبز أي وثب. والعفر من الظباء ما يعلو بياضه حمرة. والصدع من الحيوان: الشاب القوىّ. وتقبض: جمع قوائمه ليثب على الظبى. والأرطاة شجرة يدبغ بقرظها. والحقف: المعوج من الرمل. (3) زعبلة: اسم أبيها. وقد فسر البكلة بالطريقة. ويقول ابن برى- كما فى اللسان: بكل-: «هذا البيت من مسدس الرجز جاء على التمام» . (4) الأولى: «كأنها» ، لجان الشعر لامرأة، كما يذكر. (5) زيادة يقتضيها السياق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 وقوله: إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) أدخل (أن) فى (إما) لأنها فِي موضع أمر بالاختيار. فهي فِي موضع نصب فِي قول القائل: اختر ذا أو ذا ألا ترى أن الأمر بالاختيار قد صلح فِي موضع إِمّا. فإن قلت: إن (أو) فِي المعنى بِمنزلة (إمّا وإمّا) فهل يَجوز أن يقول يا زيد أن تقوم أو تقعد؟ قلت: لا يَجوز ذَلِكَ لأن أول الاسمين فِي (أو) يكون خبرًا يَجوز السكوت عَلَيْهِ، ثُمَّ تستدرك الشك فِي الاسم الآخر، فتُمضي الكلام عَلَى الخبر ألا ترى أنك تقبول: قام أخوكَ، وتسكت، وإن بدا لك قلت: أو أبوك، فأدخلت الشك، والاسم الأول مكتفٍ يصلح السكوت عَلَيْهِ. وليس يَجوز أن تَقُولُ: ضربت إمّا عبد الله وتسكت. فلمّا آذنت (إمّا) بالتخيير من أول الكلام أحدثْتَ لَهَا أن. ولو وقعت إِمّا وإمّا مع فعلين قد وُصِلا باسم معرفة أو نكرة ولم يصلح الأمر بالتمييز فِي موقع إمّا لَمْ يحدث فيها أن كقول الله تبارك وتعالى: وَآخَرُونَ «1» مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ أَلا ترى أن الأمرَ لا يصلح هاهنا، فلذلك لَمْ يكن فِيهِ أن. ولو جعلت (أن) فِي مذهب (كي) وصيّرتها صلة ل (مرجون) يريد أُرجئوا أن يعذبوا أو يتاب عليهم، صلح ذَلِكَ فِي كل فعل تامّ، ولا يصلح فِي كَانَ وأخواتها ولا فِي ظننت وأخواتها. من ذَلِكَ أن تَقُولُ آتيكَ إما أن تعطي وإما أن تمنع. وخطأ أن تَقُولُ: أظنكَ إمّا أن تُعطي وإمّا أن تمنع، ولا أصبحت إما أن تعطي وإما أن تمنع. ولا تُدخلنّ «2» (أو) عَلَى (إما) ولا (إما) عَلَى (أو) . وربما فعلت العرب ذَلِكَ لتآخيهما فِي المعنى عَلَى التوهّم فيقولون: عبد الله إما جالس أو ناهض،   (1) آية 106 سورة التوبة. (2) يريد: لا تجعل أحد الحرفين فى الموضع الذي يصلح له الآخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 ويقولون: عبد الله يقوم وإما يقعد. وَفِي قراءة أُبَيّ: وإِنّا «1» وإيّاكم لامَّا عَلَى هدى أو فِي ضلالٍ فوضع أو فِي موضع إِمّا. وقال الشاعر: فقلت لَهن امشين إِمّا نلاقهِ ... كما قَالَ أو نشف النفوس فنعذرا «2» وقال آخر «3» : فكيفَ بنفس كلما قلت أشرفت ... عَلَى البرء من دهماء هِيض اندمالها تُهاضُ بدارٍ قد تقادم عهدُها ... وإمّا بأمواتٍ ألمَّ خيالها فوضع (وإِمّا) فِي موضع (أو) . وهو عَلَى التوهم إِذَا طالت الكلمة بعض الطول أو فرقت بينهما بشيء هنالك يَجوز التوهم كما تَقُولُ: أنت ضاربُ زيدٍ ظالِمًا وأخاهُ حين فرقت بينهما ب (ظالِم) جاز نصب الأخ وما قبله مخفوض. ومثله يَا ذَا «4» الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً وكذلك قوله إِمَّا «5» أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى. وقوله: تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (117) وتَلْقَفُ «6» . يقال لقفت» الشيء فأنا ألقفه لقفا، يجعلون مصدره لقفانا. وهى فى التفسير: تبتلع.   (1) آية 24 سورة سبأ. وفى قراءتنا: «وإنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين» . (2) «نلاقه» مجزوم فى جواب الأمر، وكذا المعطوف عليه «نشف» . وترى فى البيت أن: «أو» خلفت «إما» . [ ..... ] (3) هو الفرزدق. والشعر مطلع قصيدة طويلة يمدح فيها سليمان بن عبد الملك ويهجو الحجاج. وقوله: من دهماء أي من حب هذه المرأة. ويقال: هاض العظم: كسره بعد الجبر. (4) آية 86 سورة الكهف. (5) آية 65 سورة طه. (6) والأولى- أي سكون اللام وتخفيف القاف- قراءة حفص عن عاصم. والثانية قراءة الباقين. (7) كذا فى ج. وفى ش «تلقفت» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 وقوله: فَوَقَعَ الْحَقُّ (118) معناهُ: أن السحرة قالوا: لو كَانَ ما صنع موسى سِحرًا لعادت حبالنا وعِصيّنا إلى حالها الأولى، ولكنها فُقدت. فذلك قوله (فَوَقَعَ الحق) : فتبين الحق من السحر. وقوله: آمَنْتُمْ بِهِ (123) يقول: صدّقتموهُ. ومن قَالَ: آمنتم لَهُ يقول: جعلتم لَهُ الَّذِي أراد. وقوله: ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ (124) مشددة، وَ (لأصْلِبَنَّكم) بالتخفيف قرأها بعضُ «1» أهل مكة. وهو مثل قولك: قتلت القوم وقتَّلتهم إِذَا فشا القتل جاز التشديد. وقوله: وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ (127) لك فى (ويذرك) النصبُ عَلَى الصرف لانّها فِي قراءة أُبَيّ (أتذرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأرض وَقَدْ تركوك أن يعبدوك) فهذا معنى الصرف. والرفع لِمن أتبع آخر الكلام أوّله كما قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ مَنْ «2» ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ بالرفع «3» . وقرأ ابن عباس (وإلا هتك) وفسّرها: ويذرك وعبادتك وقال: كَانَ فرعون يُعبد ولا يَعبد. وقوله: أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا (129) قَالَ: فأمَّا الأذى الأول فقتله الأبناء واستحياؤه النساء. ثُمَّ لَمّا قالوا لَهُ: أتَذَرُ موسى وقومه ليفسدوا فِي الأرض قَالَ: أُعِيد عَلَى أبنائهم القتل وأستحيى النساء كما كَانَ فعل. وهو أذى بعد مجىء موسى.   (1) هو ابن محيصن. (2) آية 245 سورة البقرة. (3) هو قراءة غير ابن عامر وعاصم ويعقوب. أما هؤلاء فقراءتهم النصب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وقوله: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ (130) أخذهم بالسنين: القحط والجدوبة عامًا بعد عام. وقوله: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ (131) والحسنة هاهنا الخفض «1» . وقوله: لَنا هذِهِ يقولون: نستحقّها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعنى الجدوبة يَطَّيَّرُوا يتشاءموا بِمُوسى كما تشاءمت اليهود بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة، فقالوا: غلت أسعارنا وقلّت أمطارنا مذ أتانا. وقوله: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ (133) أرسل الله عليهم السماء سَبْتًا «2» فلم تقلع ليلا ونهارا، فضاقت بهم الأرض من تهدّم بيوتِهم وشُغُلهم عَن ضياعِهم، فسألوهُ أن يرفع عنهم، فرفع فلم يتوبوا، فأرسلَ الله عليهم (الجراد) فأكل ما أنبتت «3» الأرض فِي تِلْكَ السنة. وذاك أنهم رأوا من غِبّ ذَلِكَ المطر خصبًا لَمْ يروا مثله قطُّ، فقالوا: إنّما كَانَ هَذَا رحمةً لنا ولم يكن عذابًا. وضاقوا بالجراد فكان قدر ذراع فِي الأرض، فسألوهُ أن يكشف عنهم ويؤمنوا، فكشف «4» الله عنهم وبقي لَهُم ما يأكلونَ، فطغوا بِهِ وقالوا (لن نؤمن لك) فأرسل الله عليهم (القمل) وهو الدّبَى «5» الَّذِي لا أجنحة لَهُ، فأكل كلّ ما كَانَ أبقى الجراد، فلم يؤمنوا فأرسل الله (الضفادع) فكان أحدهم يصبح وهو عَلَى فراشه متراكب، فضاقوا بذلك، فلمّا كُشِفَ عنهم لَمْ يؤمنوا، فأرسل الله عليهم   (1) كذا فى ش، وفى ج: «الخصب» . ومعناهما واحد. (2) أي أسبوعا من السبت إلى السبت. (3) كذا فى ج. وفى ش: «أنبت» . (4) كذا فى ش. وفى ج: «فكشفه» . (5) الدبى: الجراد قبل أن يطير، واحدة دباة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 (الدم) فتحوّلت عيونهم وأَنْهارُهم دمًا حَتَّى موتت الأبكارُ، فضاقوا بذلك وسألوهُ أن يكشفه عنهم فيؤمنوا، فلم يفعلوا، وَكَانَ العذاب يَمكث عليهم سبتًا، وبين العذاب إلى العذاب شهر، فذلك قوله آياتٍ مُفَصَّلاتٍ ثُمَّ وعد الله موسى أن يغرق فرعون، فسار موسى من مصر ليلا. وبلغ ذَلِكَ فرعون فأتبعه- يُقال فِي ألف ألف ومائة ألف سوى كتيبته التي هو فيها، ومُجَنِّبَتَيْه «1» - فأدركهم هُوَ وأصحابه مع طلوع الشمس. فضرب موسى البحر بعصاهُ فانفرج لَهُ فِيهِ اثنا عشر طريقًا. فلمّا خرجوا تبعه فرعون وأصحابه فِي طريقه، فلما كَانَ أوَلهم يَهُمّ بالخروج وآخرهم فِي البحر أطبقه الله تبارك وتعالى عليهم فغرَّقهم. ثُمَّ سأل موسى أصحابه أن يخرج فرعون ليعاينوهُ، فأخرج هُوَ وأصحابه، فأخذوا من الأمتعة والسلاح ما اتخذوا بِهِ العِجْل. وقوله: عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ (148) كان جسدا مجوّفًا. وجاء فِي التفسير أَنَّهُ خار مرة واحدة. وقوله: وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ (149) من الندامة. ويُقال: أسقِط لغة. و (سُقِطَ فى أيديهم) أكثر وأجود. قالوا لئن لم ترحمنا ربّنا نصب «2» بالدعاء (لئن لَمْ ترحمنا ربنا) ويقرأ (لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا) والنصبُ أحبّ إليّ لأنها فِي مصحف عبد الله (قالوا ربنا لئن لَمْ ترحمنا) . وقوله: أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ (150) تقول: عجلت الشيء: سبقته، وأعجلته استحثثته «3» .   (1) تثنية مجنبة. وهى فرقة من الجيش، تكون فى إحدى جانبيه، وللجيش مجنبتان: اليمنى واليسرى. [ ..... ] (2) وهى قراءة حمزة والكسائىّ وخلف. (3) فى ش، ج: «استحيته» وهو مصحف عما أثبتنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 وقوله: وَأَلْقَى الْأَلْواحَ ذكر أنَّهما كانا لوحين. وجازَ أن يُقال الألواح للاثنين كما قَالَ فَإِنْ «1» كانَ لَهُ إِخْوَةٌ وهما أخوان وكما قَالَ إِنْ تَتُوبا «2» إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وهما قلبانِ. وقوله تبارك وتعالى: قالَ ابْنَ أُمَّ يقرأ (ابن أمَّ، وَأُمِّ) بالنصب والْخفض «3» ، وَذَلِكَ أنه كثر فِي الكلام فحذفت العرب منه الياء. ولا يكادونَ يحذفونَ الياء إِلا من الاسم المنادى يضيفه المنادِي إلى نفسه، إلا قولهم: يا ابن عمّ ويا ابن أمّ. وذلك أنه يكثر استعمالهما فِي كلامهم. فإذا جاء ما لا يستعمل أثبتوا الياء فقالوا: يا ابن أبى، ويا ابن أخى، ويا ابن خالتى، فأثبتوا الياء. ولذلك قالوا: يا ابن أمّ، ويا ابن عمَّ فنصبوا كما تنصب المفرد فِي بعض الحالات، فيُقال: حسرتا، ويا ويلتا، فكأنّهم قالوا: يا أمّاه، ويا عمّاه. ولم يقولوا ذَلِكَ فِي أخ، ولو قيل كَانَ صوابًا. وَكَانَ هارون أخاهُ لابيه وأمّه. وإنّما قَالَ لَهُ (يا ابن أم) ليستعطفه عَلَيْهِ. وقوله: فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ مِنْ أشمت، حَدَّثَنَا مُحَمَّد قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنَا سفيان بن عبينة عَن رجل- أظنه الأعرج «4» - عَن مجاهد أَنَّهُ قرأ (فلا تَشْمِت بيَ) ولم يسمعها من العرب، فقال الْكِسَائي: ما أدري لعلهم أرادوا (فلا تَشْمَت بِيَ الاعداءُ) فإن تكن صحيحة فلها نظائِر، العرب تَقُولُ فرغت: وفرِغْت. فمن قَالَ فرَغت قَالَ: أنا أفرغُ، ومن قَالَ فرِغت قَالَ أنَا أَفْرَغ، ورَكَنت وركِنْت وشمِلِهم شر، وشمَلهم، فِي كَثِير من الكلام. و (الأَعْدَاءَ) رفع لأن الفعل لَهُم، لمن قَالَ: تَشْمَت أو تشمت.   (1) آية 11 سورة النساء. (2) آية 4 سورة التحريم. (3) الخفض أي كسر الميم قراءة ابن عامر وأبى بكر عن عاصم وحمزة والكسائىّ وخلف. والنصب قراءة الباقين. (4) هو حميد بن قيس المكىّ القارئ توفى سنة 130 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 وقوله: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا (155) وجاء التفسير: اختارَ منهم سبعين رجلا. وإِنَّما استجيز وقوع الفعل عليهم إذ طرحت (من) لأنه مأخوذ من قولك: هَؤُلاءِ خير القوم، وخير من القوم. فلما جازت الإضافة مكان (مِن) ولم يتغير المعنى استجازوا أن يقولوا: اخترتكم رجلا، واخترت منكم رجلا. وقد قَالَ الشاعر «1» : فقلت لَهُ اخترها قَلُوصا سَمِينة ... ونابًا علينا مثل نابك فِي الْحَيَا فقام إليها حبتر بسلاحه ... فلله عينا حَبْتَرٍ أيّما فتى وقال الراجز «2» : تحت الَّذِي اختار لَهُ الله الشجر وقوله: أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا وَذَلِكَ أن الله تبارك وتعالى أرسلَ عَلَى الَّذِينَ معه- وهم سبعون- الرجفة، فاحترقوا، فظنّ موسى أنّهم أهلكوا باتِّخَاذ أصحابِهم العجل، فقال: أتهلكنا بِما فعلَ السفهاء منا، وإِنّما أهلكوا بمسألتهم موسى (أرنا الله جهرة) .   (1) هو الراعي النميرىّ. والشعر من قصيدة له يصف فيها أنه نزل به قوم ليلا فى سنة مجدبة وكانت إبله بعيدة عنه، فنحر ناقة من رواحلهم، وجاءت إبله فى الغدوة فأعطى رب الناقة ناقة مثلها، وزاده أخرى. والبيت الثاني فى الشعر قبل الأوّل إذ يذكر فيه أن حبترا نحر ناقة الضيف بعد أن أومأ إليه الراعي بذلك سرا لئلا يشعر صاحبها به. فأما البيت الأوّل فهو فى وصف ما حدث حين جاءت إبله فى صبح تلك الليلة. والقلوص: الفتية من الإبل. والناب: المسنة، والحيا: الشحم والسمن. وحبرّ ابن أخيه أو غلامه. وقوله: «ونابا» فى الحماسة وغيرها: «وناب» . (2) هو العجاج. والرجز من أرجوزته الطويلة فى مدح عمر بن عبيد الله بن معمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 وقوله (ثم اتخذوا «1» العجل) ليس بمردود على قوله (فأخذتهم الصاعقة) ثُمَّ اتخذوا هَذَا مردود عَلَى فعلهم الأول. وفيه وجه آخر: أن تجعل (ثم) خبرًا مستأنفًا. وقد تستأنف العرب بثم والفعل الَّذِي بعدها قد مضى قبل الفعل الأول من ذَلِكَ أن تَقُولُ للرجل: قد أعطيتك ألفًا ثُمَّ أعطيتك قبل ذَلِكَ مالا فتكون (ثُمَّ) عطفًا عَلَى خبر المخبر كأنه قَالَ: أخبرك أني زرتك اليوم، ثُمَّ أخبرك أني زرتك أمس. وأمّا قول الله عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَكُمْ «2» مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها فإن فِيهِ هَذَا الوجه لئلا يقول القائل: كيف قَالَ: خلقكم ثُمَّ جعل منها زوجها والزوج مخلوق «3» قبل الولد؟ فهذا الوجه المفسّر يدخل فِيهِ هَذَا المعنى. وإن شئت جعلت (ثم) مردودة عَلَى الواحدة أراد- والله أعلم- خلقكم من نفسٍ وحدها ثُمَّ جعل منها زوجها، فيكون (ثم) بعد خلقه آدم وَحده. فهذا ما فِي ثُمَّ. وخِلْقةُ ثُمَّ أن يكون آخِر. وكذلك الفاء. فأما الواو فإنك إنّ شئت جعلت الآخر هو الأوّل والأوّل الآخر. فإذا قلت: زرت عبد الله وزيدًا، فأيّهما شئت كان هو المبتدأ بالزيادة، وَإِذَا قلت: زرت عبد الله ثُمَّ زيدًا، أو زرت عبد الله فزيدًا كَانَ الأوّل قبل الآخِر، إلا أن تريد بالآخر أن يكون مردودًا عَلَى خبر المخبر فتجعله أوّلا.   (1) يريد قوله تعالى فى الآية 153 من سورة النساء: (يسئلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات) فإن ظاهر الآية أن اتخاذ العجل بعد أن أخذتهم الصاعقة لسؤال الرؤية، والواقع أن اتخاذ العجل سابق على هذا. فعنى المؤلف بتأويل الظاهر. (2) آية 6 سورة الزمر. (3) الأولى: مخلوقة فإن المراد بالزوج حوّاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 وقوله: وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ (160) فقال: اثنتي عشرة والسبط ذكر لأن بعده «1» أمم، فذهب التأنيث إلى الأمم. ولو كَانَ (اثني عشر) لتذكير السبط كَانَ جائزًا. وقوله: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا (137) فتنصب مشارق ومغارب تريد: فِي مشارق الأرض وفى مغاربها، وتوقع «2» (وأورشا) على قوله الَّتِي بارَكْنا «3» فِيها. ولو جعلت (وأورثنا) واقعة عَلَى المشارق والمغارب لانهم قد أورثوها وتجعل (التي) من نعت المشارق والمغارب فيكون نصبًا «4» ، وإن شئت جعلت (التي) نعتًا للارض فيكون خفضًا. وقوله: وَما ظَلَمُونا يقول: وما نقصونا شيئًا بِما فعلوا، ولكن نقصوا أنفسهم. والعربُ تَقُولُ: ظلمت سِقاءك إِذَا سقيته «5» قبل أن يُمَخض ويَخرج زُبْده. ويُقال ظلم الوادي إِذَا بلغ الماء منه موضعًا لَمْ يكن ناله فيما خلا أنشدني بعضهم: يكاد يطلع ظلمًا ثُمَّ يمنعه ... عَن الشواهِقِ فالوادِي بِهِ شِرق «6» ويُقال: إنه لأظلم من حيَّة لانَّها تأتي الجُحْر ولم تَحفره فتسكنه. ويقولون: ما ظلمك أن تفعل، يريدونَ: ما منعك أن تفعل، والأرض المظلومة: التي لَمْ ينلها   (1) كذا فى الأصول اش، ج. والأعرب: «أمما» . (2) كذا فى ا. وفى ش، ج: «ترفع» وهو تصحيف. (3) أي الأرض التي باركنا فيها. [ ..... ] (4) جواب لو محذوف، أي لجاز. (5) أي سقيت ما فيه من اللين ضيفا ونحوه. (6) فى اللسان أن هذا فى وصف سيل. فقوله: يكاد يطلع أي السيل، أي يكاد السيل يبلغ الشواهق أي الجبال المرتفعة، ولكن الوادي يمنعه عنها فهو شرق بهذا السيل أي ضيق به كمن يغص بالماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 المطر، وقال أَبُو الجراح: ما ظلمك أَنْ تفيء، لرجل شكا كثرة الأكل. ويُقال «1» صَعِق الرجل وصُعِق إِذَا أخذته الصاعقة، وَسَعِدَ وسُعِد ورَهِصت الدابة ورهصت «2» . وقوله: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ (163) والعربُ تَقُولُ: يُسْبِتونَ ويَسْبِتونَ وسَبَت وأَسبت. ومعنى أسبتوا: دخلوا فِي السبت، ومعنى يَسْبِتون: يفعلونَ سبتهم. ومثله فِي الكلام: قد أجمعنا، أي مرَّت بنا جُمعة، وجَمّعنا: شهدنا الجمعة. قَالَ وقال لي بعضُ العرب: أترانا «3» أشهرنا مذ لم نلتق؟ أراد: مرّ بنا شهر. وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ منصوب بقوله: لا تَأْتِيهِمْ. وقوله: قالُوا مَعْذِرَةً (164) إعذارًا فعلنا ذَلِكَ. وأكثر كلام العرب أن ينصبوا المعذرة. وقد آثرت القراء رفعها. ونصبها جائز «4» . فمن رفع قَالَ: هي معذرة كما قال: إِلَّا ساعَةً «5» مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ. وقوله: مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ (167) : الجزية إلى يوم القيامة.   (1) كأن هذا أملاء على قوله تعالى فى الآية 143 من هذه السورة: «فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا» ، فأخر فى الكتابة إلى هذا الموضع. وكثيرا ما يحدث مثل هذا فى الكتاب، فيذكر الشيء فى غير موضعه. (2) الرهص أن يصيب الحجر حافرا أو منسما فيذوى باطنه. (3) ثبت فى ش، ج. وسقط فى ا. (4) بل قرأ به حفص عن عاصم وزيد بن على وعيسى بن عمر وطلحة بن مصرف. (5) آية 35 سورة الأحقاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 وقوله: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ (169) وخَلْفٌ» أَضاعُوا الصَّلاةَ أي قرن، بِجزم اللام. والخلف: ما استخلفته، تقول: أعطاك الله خَلَفًا مما ذهب لك، وأنت خَلَف سَوْء، سمعته من العرب. وقوله: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ (170) ويُقرأ يُمَسِّكُونَ «2» بِالْكِتابِ ومعناهُ: يأخذونَ بِما فِيهِ. وقوله: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ (171) رفع الجبل عَلَى عسكرهم فرسخًا فِي فرسخ. نَتَقْنَا: رفعنا. ويُقال: امرأة مِنتاق إِذَا كانت كثيرة الولد. وقوله: وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ (176) : ركن إليها وسكن. ولغة يُقال: خلد إلى الأرض بغير ألف، وهي قليلة. ويُقال للرجل إِذَا بقي سواد رأسه ولحيته: إِنّه مُخْلِد، وَإِذَا لَمْ تسقط أسنانه قيل: إنه لَمخلد. وقوله: أَيَّانَ مُرْساها (187) المرسى فى موضع رفع. ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثقل عَلَى أهل الأرض والسماء أن يعلموه «3» . وقوله: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ كأنّك حفيّ عنها مقدّم ومؤخر ومعناهُ يسألونَكَ عنها كأنك حفِيّ بِهَا. ويُقال فِي التفسير كأنك حَفِيّ أي كأنك عالم بها.   (1) آية 59 سورة مريم. (2) وهى قراءة أبى بكر عن عاصم. (3) كذا فى الأصول. والأولى: «يعلموها» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 وقوله: وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ (188) يقول: لو كنت أعلم الغيب لاعددت للسنة المجدبة من السنة المخصبة، ولعرفتُ الغلاء فاستعددت له فى الرخص. هذا قول مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله: حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً (189) الماء خفيف عَلَى المرأة إِذَا حملت. فَمَرَّتْ بِهِ فاستمرت بِهِ: قامت بِهِ وقعدت. فَلَمَّا أَثْقَلَتْ: دنت ولادتها، أتاها إبليس فقال: ماذا فِي بطنك؟ فقالت: لا أدري. قَالَ: فلعله بَهيمة، فما تصنعين لي إن دعوت الله لك حتى يجعله إنسانا؟ قالت: قل، قَالَ: تسمينه باسمي. قالت: وما اسمك؟ قَالَ: الحرث. فسمَّته عبد الحارث، ولم تعرفه أَنَّهُ إبليس. وقوله: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ (190) إِذْ قالت: عبد الحارث، ولا ينبغي أن يكون عبدًا إلا لله. ويقرأ «1» : «شِرْكًا» . وقوله: أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً (191) أراد الألهة ب (ما) ، ولم يقل: من، ثُمَّ جعل فعلهم كفعل الرجال. وقال: وَهُمْ يُخْلَقُونَ ولا يملكون. وقوله: وَلا يَسْتَطِيعُونَ (192) فجعل الفعل للرجال.   (1) وهى قراءة نافع وأبى جعفر وأبى بكر عن عاصم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 وقوله: وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى (193) يقول: إِنْ يَدْعُ المشركون الآلهة إلى الهدى لا يتبعوهم. وقوله: سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ ولم يقل: أم صمتُّم. وَعَلَى هَذَا أكثر كلام العرب: أن يقولوا: سواء عليّ أقمت أم قعدت. ويَجوز: سواء عليّ أقمت أم أنت قاعد قَالَ الشاعر: سواء إِذَا ما أصلح الله أمرهم ... علينا أدثر ما لهم أم أَصارِم «1» وأنشدني الْكِسَائي: سواء عليك النفْرُ أم بِتَّ ليلة ... بأَهل القِباب مِن نُمَيْرِ بنِ عامِرِ «2» وأنشده بعضهم (أو أنت بائت) وجاز فيها (أو) لقوله: النفر لأنك تَقُولُ: سواء عليك الخير والشر، ويَجوز مكان الواو (أو) لأن المعنى جزاء كما تَقُولُ: اضربه قام أو قعد. ف (أو) تذهب إلى معنى العموم كذهاب الواو. وقوله: وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ (198) يريد الآلهة: أنّها صُوَر لا تُبصر. ولم يقل: وتراها لأن لَهَا أجسامًا وعيونًا. والعرب تَقُولُ للرجل القريب من الشيء: هُوَ ينظر، وهو لا يراهُ، والمنازل تتناظر إِذَا كَانَ بعضها بحذاء بعض.   (1) الدثر: المال الكثير. وأصارم جمع أصرام، وأصله أصاريم فحذفت الياء لضرورة الشعر. والأصرام واحده الصرم. والصرم كالصرمة الفريق القليل العدد. يريد القطعة من الإبل القليلة. (2) (النفر) يريد النفر من منى. ويوم النفر هو اليوم الثاني من أيام التشريق، وهو النفر الأوّل. والنفر الآخر فى اليوم الثالث. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 وقوله: إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ (201) وقرأ إِبْرَاهِيم النخعيّ «1» (طَيْف) وهو اللمم والذنب فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ أي منتهون إذا أبصروا. وقوله: وَإِخْوانُهُمْ (202) إخوان المشركين يَمُدُّونَهُمْ فِي الغيّ، فلا يتذكرون ولا ينتهونَ. فذلك قوله: ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ يعني المشركين وشياطينَهم. والعربُ تَقُولُ: قد قَصُر عَن الشيء وأقصر عَنْهُ. فلو قرئت (يُقْصِرُونَ «2» ) لكان صوابًا. وقوله: وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها (203) يقول: هلا افتعلتها. وهو من «3» كلام العرب جائز أن يُقال: اختار الشيء، وهذا اختياره. وقوله: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا (204) قَالَ: كَانَ الناس يتكلمون فِي الصلاة المكتوبة، فيأتي الرجل القوم فيقول: كم صليتم؟ فيقول: كذا وكذا. فنهوا عَن ذَلِكَ، فحرم الكلام فى الصلاة لما أنزلت هذه الآية.   (1) وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو والكسائي ويعقوب. (2) وهى قراءة عيسى بن عمر كما فى القرطبي. (3) يريد أن الاجتباء فى الأصل الاختيار، وأريد به هنا الاختلاق والافتعال. وأراد أن يذكر أن هذا معروف فى كلام العرب أن يقال: اختار فلان الشيء إذا اختلقه واستحدثه. ومن هذا يعرف أن هنا سقطا فى الكلام من النساخ. والأصل: «جائز أن يُقال: اختار الشيء وهذا اختياره: إذا اختلقه» كما يؤخذ من الطبري. وفيه: «وحكى عن الفرّاء أنه كان يقول: اجتبيت الكلام واختلقته وارتجلته: إذا افتعلته من قبل نفسك» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 ومن سورة الأنفال وقوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ (1) نَزلت فِي أنفال أهل بدر. وَذَلِكَ أنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رأى قِلََّة الناس وكراهيتهم للقتال قَالَ: من قتل قتيلا فله كذا، ومن أسر أسيرًا فله كذا. فلمّا فرغ من أهل بدر قام سعد بن مُعَاذ «1» فقال: يا رسول الله إن نفَّلت هَؤُلاءِ ما سمّيت لَهم بقي كَثِير من المسلمين بغير شيء، فأنزلَ الله تبارك وتعالى: قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ: يصنع فيها ما يشاء، فسكتوا وَفِي أنفسهم من ذَلِكَ كراهية. وهو قوله: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ (5) عَلَى كره منهم، فامض لأمر الله فِي الغنائم كما مضيت عَلَى مُخْرِجك وهم كارهون. ويُقال فيها: يسألونَك عَن الأنفال كما جادلوكَ يوم بدر فقالوا: أخرجتنا للغنيمة ولم تعْلمنا قتالا فنستعدّ «2» لَهُ. فذلك قوله: يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ (6) وقوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ أمر المسلمين أن يتأسوا «3» فِي الغنائم بعد ما أمضيت لهم، أمرا ليس بواجب «4» .   (1) هو سيد الأوس. شهد بدرا وأحدا، واستشهد زمن الخندق فقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «اهتز العرش لموت سعد بن معاذ» . (2) كذا فى ا. وفى ج: «فيستعدّ» . (3) أي يؤاسى بعضهم بعضا أي ينيله مما ناله ولا يضنّ عليه. (4) كذا فى ا، ج. وفى ش: «بجواب» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 وقوله: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، ثم قال «1» أَنَّها لَكُمْ فنصب (إحدى «2» الطائفتين) ب «يعد» ثُمَّ كرّها عَلَى أن يعِدكم أن إحدى الطائفتين لكم كما «3» قَالَ: فَهَلْ يَنْظُرُونَ «4» إِلَّا السَّاعَةَ ثم قال: أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فأن فِي موضع نصب كما نصبت الساعة وقوله: وَلَوْلا «5» رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ رفعهم ب «لولا» ، ثم قال: أَنْ تَطَؤُهُمْ فأن فى موضع رفع ب «لولا» . وقوله: بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) ويقرأ (مردفين) «6» فأما (مردفين) فمتتابعين، و (مردَفين) فُعِل بِهم. وقوله: وَما جَعَلَهُ اللَّهُ (10) هذه الهاء للإرداف: ما جعل الله الإرداف إِلَّا بُشْرى. وقوله: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ (11) بات المسلمونَ ليلة بدر عَلَى غير ماء، فأصبحوا مجنبِين، فوسوس إليهم الشيطانُ فقال: تزعمونَ أنكم عَلَى دين الله وأنتم عَلَى غير الماء وعدّوكم عَلَى الماء تصلون مجنبين، فأرسلَ الله عليهم السماء «7» وشربوا واغتسلوا وأذهبَ الله عنهم رِجْزَ الشيطان يعني وسوسته، وكانوا فِي رمل تغيب فِيهِ الأقدام فشدّده المطر حَتَّى اشتدّ عَلَيْهِ الرجال، فذلك قوله: وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ.   (1، 2) سقط ما بين القوسين فى ا. (3) سقط فى ا. (4) آية 18 سورة محمد. (5) آية 25 سورة الفتح. (6) أي بفتح الدال: وهى قراءة نافع وأبى جعفر ويعقوب، والكسر قراءة الباقين. (7) كذا فى ا. وفى ش، ج: «الماء» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 وقوله: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا (12) كَانَ الملك يأتي الرجل من أصحاب مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول: سمعت «1» هَؤُلاءِ القوم- يعني أبا سفيان وأصحابه- يقولون: والله لئن حملوا علينا لننكشِفَنَّ، فيحدث المسلمونَ بعضهم بعضًا بذلك فتقوى أنفسهم. فذلك وحيه إلى الملائكة. وقوله: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ علَّمهم مواضع الضرب فقال: اضربوا الرءوسَ والأيدي «2» والأرْجُل. فذلك قوله: وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ. وقوله: ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ (14) خاطب المشركين. ثُمَّ قَالَ: وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ فنصب (أنّ) من جهتين. أَمَّا إحداهما: وَذَلِكَ بأن للكافرينَ عذابَ النار، فألقيت الباء فنصبت. والنصب الآخر أن تضمر فعلا مثل قول الشاعر: تسمع للأحشاء مِنْهُ لغطًا ... ولليدين جُسْأَةً وبَدَدَا «3» أضمرَ (وترى لليدين) كذلك قال ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ واعلموا أَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ. وإن شئت جعلت (أن) فى موضع رفع تريد: ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وذلكم (أنّ   (1) سقط فى ش. [ ..... ] (2) هذا من ضرب البنان. والبنان جمع بنانة وهى أطراف أصابع اليدين والرجلين. (3) اللغط: الأصوات المبهمة. والجسأة الصلابة والغلظ والخشونة. والبدد: تباعد ما بين اليدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 للكافرين عذاب النّار) ومثله فِي كتاب الله تبارك وتعالى: خَتَمَ «1» اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ قرأها عَاصِم فيما حَدَّثَنِي المفضل، وزعم أن عاصمًا أخذها عَلَيْهِ مرتين بالنصب. وكذلك قوله: وَحُورٌ عِينٌ «2» . وقوله: ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18) ومُوهِنُ. فإن شئت أضفت، وإن شئت نوّنت ونصبت «3» ، ومثله: إِنَّ «4» اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ، وبالغ أمره وكاشِفاتُ «5» ضُرِّهِ، وكاشفات ضُرَّه. وقوله: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى (17) دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر بكفّ من تراب فحثاهُ فِي وجوه القوم، وقال: شَاهت الوجوه، أي قبحت، فكان ذَلِكَ أيضًا سبب هزمهم «6» . وقوله: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ (19) (قَالَ «7» أَبُو جهل يومئذ: اللَّهُمَّ انصر أفضل الدينين وأحقَّهُ بالنصر، فقال الله تبارك وتعالى إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ يعنى النصر.   (1) آية 7 سورة البقرة. (2) الآية 22 من سورة الواقعة. ويريد المؤلف قراءة أبى وعبد الله بن مسعود (وحورا عينا) على معنى: ويعطون هذا كله وحورا عينا كما فى البحر 8/ 206 (3) الإضافة والتنوين فى الوصفين من فعّل وأفعل وقرى بكل هذه الأوجه ما عدا النصب مع الوصف من أوهن. (4) آية 3 سورة الطلاق. وقراءة حفص بالإضافة والباقين بالتنوين ونصب أمره. (5) آية 38 سورة الزمر. قرأ بالتنوين أبو عمرو ويعقوب وقرأ الباقون بغير تنوين. (6) كذا فى ش، ج. وفى ا: «هزيمتهم» . (7) سقط ما بين القوسين فى ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 وقوله «1» : وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: كسر ألفها أحب إِليّ من فَتَحها لأن فِي قراءة عبد الله: (وإِنّ الله لمع المؤمنين) فحسّن هذا كسرها بالابتداء. ومن فَتَحها أرادَ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ يريدُ: لكثرتها ولأن الله مع الْمُؤْمِنِين، فيكون موضعها نصبًا لأن الخفض يصلح فيها. وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ (24) يقول: استجيبوا لله وللرسول إِذَا دعاكم إلى إحياء أمركم. وقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ يحول بين المؤمن وبين المعصية، وبين الكافر وبين الطاعة و (أنه) مردود على (واعلموا) ولو استأنفت فكسرت لكان صوابًا. وقوله: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ (25) أمرهم ثُمَّ نَهاهم، وَفِيهِ طَرَف من الجزاء وإن كان نهيا. ومثله قوله يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ «2» أمرهم ثُمَّ نَهاهم، وَفِيهِ تأويل الجزاء. وقوله: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ (26) نزلت فى المهاجرين خاصّة. وقوله: فَآواكُمْ يعنى إلى المدينة، وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ أي قوّاكم.   (1) الفتح قراءة نافع وابن عامر وحفص، والكسر قراءة الباقين. (2) آية 18 سورة النمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 وقوله: لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ (27) إن شئت جعلتها «1» جزمًا عَلَى النهي، وإن شئت جعلتها صرفًا ونصبتها قَالَ «2» : لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فَعَلْتَ عَظِيمُ وَفِي إحدى القراءتين (وَلا تَخونوا أماناتِكم) فقد يكون أيضًا هاهنا جزمًا ونصبًا. وقوله: إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً (29) يقول: فتحًا ونصرًا. وكذلك قوله يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ يوم الفتح والنصر. وقوله: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ (30) اجتمعَ نفرٌ من قريش فقالوا: ما ترونَ فِي مُحَمَّد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ويدخل إبليس عليهم فِي صورة رجل من أهل نَجد، فقال عَمْرو بن هشام «3» : أرى أن تَحبسوهُ فِي بيت وتُطَيِّنُوه عَلَيْهِ وتفتحوا لَهُ كُوَّة وتضيِّقوا عَلَيْهِ حَتَّى يَموت. فأبى ذَلِكَ إبليس وقال: بئس الرأي رأيك، وقال أَبُو البَخْتَرِيّ بن هشام: أرى أن يحمل عَلَى بعير ثُمَّ يطرد بِهِ حَتَّى يهلك «4» أو يكفيكموهُ بعض العرب، فقال إبليس: بئس الرأي! أتخرجونَ عنكم رجلا قد أفسدَ عامّتكم فيقع إلى غيركم! فعلّه يغزوكم بِهم. قَالَ الفاسق أَبُو جهل: أرى أن نَمشي إِلَيْهِ برجل من كل فخذ من قريش فنضر به بأسيافنا، فقال إبليس: الرأي ما رأى هَذَا «5» الفتى، وأتى جبريل عليه السلام إلى   (1) أي تخونوا فى قوله: (وتخونوا أماناتكم) يحتمل أن يكون معطوفا على المجزوم بلا الناهية، ويحتمل أن يكون منصوبا بأن مضمرة بعد واو المعية، وهو ما يعرف عند الكوفيين بالنصب على الصرف. (2) المشهور أن القائل هو أبو الأسود الدؤلي من قصيدة طويلة. وانظر الخزانة 3/ 618 (3) هو أبو جهل. [ ..... ] (4) كذا فى أ. وفى ش، ج: «يهم» . (5) سقط فى أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالخبر، فخرج من مكَّة هُوَ وَأَبُو بكر. فقوله (لِيُثْبِتُوكَ) : ليحبسوك فى البيت. (أو يخرجوك) على البعير «1» (أو يقتلوك) . وقوله: وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ (32) فى (الحق) النصب والرفع «2» إن جعلت (هو) اسمًا رفعت الحق بهو. وإن جعلتها عمادًا بِمنزلة الصلة نصبت الحق. وكذلك فافعل فِي أخوات كَانَ، وأظنّ وأخواتها كما قَالَ الله تبارك وتعالى وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ «3» تنصب الحق لأن (رَأَيْتَ) من أخوات ظننت. وكل موضع صلحت فِيهِ يفعل أو فعل مكان الفعل «4» المنصوب ففيه العماد ونصب الفعل. وَفِيهِ رفعه بِهو عَلَى أن تجعلها اسمًا، ولا بدّ من الألف واللام إِذَا وجدت إليهما السبيل. فإذا قلت: وجدت عبد الله هُوَ خيرًا منك وشرًا منك أو «5» أفضل منك، ففيما أشبه هَذَا الفعل النصب والرفع. النصب عَلَى أن ينوي الألف واللام، وإن لَمْ يمكن إدخالَهما. والرفع عَلَى أن تَجعل (هو) اسمًا فتقول: ظننت أخاكَ هُوَ أصغرُ منك وهو أصغرَ منك. وَإِذَا جئت إلى الاسماء الموضوعة مثل عَمْرو، وَمُحَمَّد، أو المضافة مثل أبيك، وأخيك رفعتها، فقلت: أظنّ زيدًا هُوَ أخوك، وأظنَّ أخاكَ هُوَ زيد، فرفعت إذ لَمْ تأت بعلامة المردود، وأتيت بِهو التي هي علامة الاسم، وعلامة المردود أن يرجع كل فعل لَمْ تكن فِيهِ ألف ولام بألف ولام ويرجع عَلَى الاسم فيكون (هُوَ)   (1) كذا بالأصل، والمعروف أن المراد إخراجه من وطنه مكة. (2) النصب قراءة العامّة. والرفع قراءة زيد بن على والمطوعىّ عن الأعمش. (3) آية 6 سورة سبأ. (4) يريد بالفعل الخبر. (5) كذا فى ا. وفى ش، ج: «و» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 عماد للاسم و (الألف واللام) عماد للفعل. فلمّا لَمْ يُقدَر عَلَى الألف واللام ولم يصلح أن تُنويا فِي زيد لأنه فلان، ولا في الأخ لأنه مُضاف، آثروا الرفع وصلح فِي (أفضل منك) لأنك تلقى (من) فتقول: رأيتك أنت الافضل، ولا يصلح ذَلِكَ فِي (زيد) ولا فِي (الأخ) أن تنوي فيهما ألفا ولا ما. وَكَانَ الْكِسَائي يجيز ذَلِكَ فيقول: رأيتُ أخاكَ هُوَ زيدًا، ورأيتُ زيدًا هُوَ أخاكَ. وهو جائز كما جاز فِي (أفضل) للنية نية الألف واللام. وكذلك جاز فِي زيد، وأخيك. وَإِذَا أمكنتك الألف واللام ثُمَّ لَمْ تأت بِهما فارفع «1» فتقول «2» : رأيتُ زيدًا هُوَ قائم ورأيتُ عمرًا هُوَ جالس. وقال الشاعر: أَجِدَّك لَن تزال نجِيَّ هَمّ ... تبيتُ اللَّيْلَ أنت لَهُ ضجيع ويَجوز النصب فِي (ليت) بالعماد، والرفع لِمَنْ «3» قَالَ: ليتك قائمَا. أنشدني الْكِسَائي: ليت الشباب هُوَ الرجِيعُ عَلَى الفتى ... والشيبُ كَانَ هُوَ البديءُ الأوّل «4» ونصب فِي (ليت) عَلَى العماد ورفع فِي كَانَ عَلَى الاسم. والمعرفة والنكرة فِي هَذَا سواء. وقوله: إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ (16) هُوَ استثناء والمتحيِّز غير مَن. وإن شئت جعلته من صفة «5» من، وهو عَلَى مذهب قولك: إِلا أن يوليهم يريد الكرَّّة، كما تَقُولُ فِي الكلام: عبد الله يأتيكَ إِلا ماشيًا، ويأتيكَ إِلا أن تمنعه الرحلة. ولا يكون (إلا) هاهنا عَلَى معنى قوله إِلى «6» طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ لأن (غير) فِي مذهب (لا) ليست فِي مذهب (إِلا) .   (1) فى ج: «فارتفع» . (2) فى ا: «فأقول» . (3) هذا راجع للنصب. (4) الرجيع: المرجوع فيه: أراد به المتأخر، والبديء: الأوّل. (5) يريد بصفتها ما بعدها من فعل الشرط، وهو (يولهم) ، يريد الضمير فى الفعل. (6) آية 53 سورة الأحزاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 وقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ (41) دخلت (أنّ) فِي أوّله وآخره لأنه جزاء بِمنزلة قوله كُتِبَ «1» عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وبِمنزلة قوله أَلَمْ «2» يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ ويجوز فى (أنّ) الآخرة أن تكسر ألفها لأن سقوطها يَجوز ألا ترى أنك لو قلت: (أعلموا أنّ ما غنمتم من شيء فلله خمسه) تصلح، فإذا صلح سقوطها صلح كسرها. وقوله: وَلِذِي الْقُرْبى: قرابة رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ: يتامى الناس ومساكينهم، لَيْسَ فيها يتامى بني هاشم ولا مساكينهُم. وقوله: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا (42) والعدوة: شاطئ الوادي الدُّنْيا مما يلى المدينة، والْقُصْوى مما يلي مكة. وقوله وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعني أبا سفيان وَالْعِيرَ، كانوا عَلَى شاطئ البحر. وقوله أَسْفَلَ مِنْكُمْ نصبت يريد: مكانا أسفلَ منكم. ولو وصفهم بالتسفل وأراد: والركب أشد تسفلا لَجازَ ورفع. وقوله وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ كتابتها عَلَى الادغام بياء واحدة، وهي أكثر قراءة القراء. وقد قرأ بعضهم «3» (حيى عن بيّنة) بإظهارها. وإِنَّما أدغموا الياء مع الياء وَكَانَ ينبغي لَهم ألا يفعلوا لأن الياء الآخرة لزمها النصب فِي فَعَلَ، فأدغموا لَما التقى حرفان متحركان من جنس واحد. ويَجوز الادغام فِي الاثنين للحركة اللازمة للياء الآخرة، فتقول للرجلين: قد حَيّا، وحَيِيا. وينبغي للجمع ألا يدغم لأنّ ياءه   (1) آية 4 سورة الحج. [ ..... ] (2) آية 63 سورة التوبة. (3) هم نافع والبزىّ عن ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم، وأبو جعفر ويعقوب وخلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 يصيبها الرفع وما قبلها مكسور، فينبغي لَهَا أن تسكن فتسقط بواو الجمع. وربما أظهرت العرب الادغام فِي الجمع إرادة تأليف الأفعال وأنْ تكون كلها مشدّدة. فقالوا فِي حَيِيت حَيُّوا، وَفِي عيِيت عَيُّوا أنشدني بعضهم: يَحِدن بِنَا عَن كلّ حَيٍّ كأنَّنا ... أخارِيس عَيُّوا بالسلام وبالنَّسْبِ «1» يريد النّسَبَ. وقال الآخر: مِن الَّذِينَ إِذَا قلنا: حَدِيثَكم ... عَيُّوا، وإن نحن حَدَّثناهُمُ شَغبوا «2» وقد اجتمعت العرب عَلَى إدغام التحيَّة والتحيّات بِحركة الياء الأخيرة فيها كما استحبّوا إدغام عيَّ وَحَيَّ بالحركة اللازمة فيها. وقد يستقيم أن تدغم الياء والياء فِي يَحْيَا ويَعْيا وهو أقل من الادغام فِي حيّ لأن يحيا يسكن ياؤها إِذَا كانت فِي موضع رفع، فالحركة فيها ليست لازمة. وجواز ذَلِكَ أنك «3» إِذَا نصبتها كقول الله تبارك وتعالى أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى «4» استقام إدغامها هاهنا ثم نؤلّف الكلام، فيكون فِي رفعه وجزمه بالإدغام فتقول (هو يحىّ وَيُمِيتُ) أنشدني بعضهم: وكأنها بين النساءِ سَبيِكةٌ ... تَمْشِي بِسُدَّةِ بَيْتها فَتُعِيُّ «5» وكذلك يَحَيَّان ويَحَيُّون.   (1) كأنه يصف إبلا سافروا عليها وتجنبوا الأحياء فى طريقهم. وأخاريس كأنه جمع أخرس، جمعه على أفاعل وأشبع الكسرة فتولدت الياء، وقد ذهب به مذهب الاسم فجمعه هذا الجمع، ولولا هذا لقال: خرس. (2) «قلنا: حديثكم» أي هاتوا حديثكم أو حدّثوا حديثكم. يرميهم بالعيّ والشغب. (3) سقط فى ش، ج. وثبت فى أ. (4) آية 40 سورة القيامة. (5) سدة البيت: فناؤه. يصف امرأة أنها منعمة يثقل عليها المشي، فلو مشت بفناء بيتها لحقها الإعباء والكلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 وقوله: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ (48) هَذَا إبليس تمثل فِي صورة رجل من بني كنانة يُقال لَهُ سُرَاقة بن جُعْشُم. قال الفرّاء: وقوله وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ «1» من قومي بني كنانة ألا يعرضوا لكم، وأن يكونوا معكم عَلَى مُحَمَّد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فلمّا عاين الملائكة عرفهم ف «نكص على عقبيه» ، فقال لَهُ الحرث «2» بن هشام: يا سراقة أفرارًا من غير قتال! فقال (إِنِّي أَرَى ما لا ترون) . وقوله: يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا (50) يريد: ويقولونَ، مضمرة كما قَالَ: وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا «3» يريد يقولون: (ربّنا) . وَفِي قراءة عبد الله وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ «4» يقولان رَبَّنا. وقوله: وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51) (أنّ) فى موضع نصب إذا جعلت (ذلك) نصبًا وأردت: فعلنا ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وب أَنَّ اللَّهَ. وإن شئت جعلت (ذلك) فِي موضع رفع، فتجعل (أنْ) فِي موضع رفع كما تَقُولُ: هَذَا ذاك. وقوله: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ (52) يريد: كذّب هَؤُلاءِ كما كذّب آلُ فرعون، فنزل بهم كما نزل بآل فرعون.   (1) كذا فى أ. وفى ش، ج: «بين» . (2) هو أخو أبى جهل. أسلم يوم الفتح. واستشهد يوم اليرموك، وقيل: فى طاعون عمواس. (3) آية 12 سورة السجدة. (4) آية 127 سورة البقرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 وقوله: فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ (57) يريد: إن أسَرتهم يا مُحَمَّد فنكل بهم من خلفهم ممن تخاف نفضه للعهد فَشَرِّدْ بِهِمْ. لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فلا ينقضونَ العهد. وربما قرئت (مَنْ خَلْفَهُمْ) بكسر (من) «1» ، وليس لَهَا معنى أستحبه مع التفسير. وقوله: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً (58) يقول: نقض عهد فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ بالنقض عَلى سَواءٍ يقول: افعل كما يفعلونَ سواء. ويُقال فِي قوله: عَلى سَواءٍ: جهرا غير سرّ. وقوله: تَخافَنَّ فِي موضع جزم. ولا تكاد العرب تدخل النون الشديدة ولا الخفيفة فِي الجزاء حَتَّى يصلوها ب (ما) ، فإذا وصلوها آثروا التنوين. وَذَلِكَ أنهم وجدوا ل (إما) «2» وهى جزاء شبيها ب (إما) من التخيير، فأحدثوا النون ليعلم بِهَا تفرقةُ بينهما ثُمَّ جعلوا أكثر جوابها بالفاء كذلك جاء التنزيل قَالَ: فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ، فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ «3» ثم قال: فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ فاختيرت الفاء لانهم إِذَا نوَّنوا فِي (إِمّا) جعلوها صَدْرًا للكلام ولا يكادونَ يؤخرونها. لَيْسَ من كلامهم: اضربه إِمّا يقومَنّ إِنَّما كلامهم أن يقدّموها، فلمّا لزمت التقديم صارت كالخارج من الشرط، فاستحبوا الفاء فيها وآثروها، كما استحبوها فِي قولهم: أمّا أخوكَ فقاعد، حين ضارعتها. وقوله: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59) بالتاء لا اختلاف فيها. وقد قرأها حَمْزَةُ «4» بالياء. وَنَرَى أَنَّهُ اعتبرها بقراءة عبد الله. وهي فِي قراءة عبد الله وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كفروا أنَّهم سبقوا إنهم لا يعجزون   (1) نسب فى البحر 3/ 509 هذه القراءة إلى أبى حيوة وإلى الأعمش بخلاف عنه. (2) فى ا: «إما» . (3) آية 77 سورة غافر. [ ..... ] (4) وكذلك ابن عامر وحفص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 فإذا لم تكن فيها (أنّهم) لَمْ يستقم للظنّ ألا يقع عَلَى شيء. ولو أراد: ولا يحسب الَّذِينَ كفروا أنهم لا يعجزون لاستقامَ «1» ، ويجعل لا (صلة) كقوله: وَحَرامٌ «2» عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ يريد: أنهم يرجعون. ولو كَانَ مع (سَبَقُوا) (أن) استقامَ ذَلِكَ، فتقول: ولا يحسب الَّذِينَ كفروا أن سبقوا. فإن قَالَ قائل: أليس من كلام العرب عسيت أذهب، وأريد أقوم معك، و (أن) فيهما مضمرة، فكيف لا يَجوز أن تقول: أظن أقوم، وأظن قمت؟ قلت: لو فعل ذَلِكَ فِي ظننت إِذَا كَانَ الفعل للمذكور أجزته وإن كَانَ اسمًا مثل قولهم: عسى «3» الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا، والْخِلْقة لانْ «4» ، فإذا قلت ذَلِكَ قلته فِي أظن فقلت: أظن أقوم، وأظن قمت لأن الفعل لك، ولا يَجوز أظن يقوم زيد، ولا عسيت يقوم زيد ولا أردت يقوم زيد وجاز والفعل لَهُ لأنك إِذَا حوّلت يفعل إلى فاعِل اتصلت بِهِ وهي منصوبة بصاحبها، فيقول: أريد قائِمًا والقيامُ لك. ولا تَقُولُ أريد قائمًا زيد، ومن قَالَ هَذَا القول قَالَ مثله فِي ظننت. وقد أنشدني بعضهم لذي الرُّمَّة: أَظَنَّ ابْنُ طرثوث عتيبة ذاهبا ... بعاديّتى تكذابه وجعائله «5»   (1) فيكون «أنهم لا يعجزون» سدّ مسدّ مفعولى «يحسبن» . وجملة «سبقوا» حال. (2) آية 95 سورة الأنبياء. (3) الغوير تصغير غار، والأبؤس جمع بأس وهو العذاب، أو بؤس وهو الشدّة. وهو مثل. وأصله أن قوما حذروا عدوّا لهم فاستكنوا منه فى غار، فقال بعضهم مشفقا: عسى الغوير أبؤسا، أي لعل البلاء يجىء من قبل الغار، فكان كذلك فقد احتال العدوّ حتى دخل عليهم من صدع كان بالغار، فأسروهم. وقيل: إن الغار انهار عليهم. وقد قيل فى المثل غير هذا. (4) كأنه يريد أن الأصل أن يقرن الخبر بأن، فكانت الخلقة فى الخبر والطبيعة فيه لأن. (5) العادية: البئر القديمة. والجعائل جمع جعالة: وهى هنا الرشوة. كان ذو الرمة اختصم هو وابن طرثوث فى بئر وأراد أن يقضى له بها. ورواية الديوان 473: «لعل ابن طرثوث» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 فهذا مذهب لقراءة حمزة يجعل (سبقوا) فِي موضع نصب: لا يَحسبن الَّذِينَ كفروا سابقين. وما أحبها لشذوذها «1» . وقوله: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ (60) يريد إناث الخيل. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ «2» أَبِي يَحْيَى رَفَعَهُ إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: الْقُوَّةُ: الرَّمْيُ. وقوله تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ. ولو جعلتها «3» نصبًا من قوله: وَأَعِدّوا لَهم ولآخرين من دونِهم كَانَ صوابًا كقوله: وَالظَّالِمِينَ «4» أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً. وقرأ أَبُو عبد الرحمن السُلَمِيّ: (ترهبونَ بِهِ عَدُوًّا لِلَّهِ وعدوّكم) كما قرأ بعضهم «5» فِي الصفّ (كونوا أَنْصَارًا لِلَّهِ) . وقوله: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها (61) إن شئت جعلت (لَهَا) كناية عَن السلم لأنها مؤنثة. وإن شئت جعلته للفَعْلة كما قَالَ إِنَّ «6» رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ولم يذكر قبله إلا فعلا، فالهاء للفعلة.   (1) إن كان يريد الشذوذ من جهة النقل فهذا غير صحيح فإنها قراءة سبعية متواترة. وإن أراد الشذوذ من جهة العربية فلها أكثر من وجه قياسى. وقد خرجت على أن المراد: ولا يحسبن من خلفهم أو فريق المؤمنين. وهذا غير ما ذكر المؤلف. (2) هو محمد بن أبى يحيى الأسلمىّ المدني. مات سنة 146 (3) ظاهر الأمر عطف «وآخرين» على «عدوّ الله» . وأبدى المؤلف وجها آخر: أن يكون هذا موصولا فى المعنى بقوله: «أعدوا لهم» فيكون العامل فيه فعلا مقدّرا من معنى الكلام السابق. والتقدير: راقبوا آخرين بما تعدونه لهم من سلاح. (4) آية 31 سورة الإنسان. (5) هم من عدا ابن عامر وعاصما وحمزة والكسائي وخلفا ويعقوب. وهذا فى الآية 14 من سورة الصف. (6) آية 153 سورة الأعراف. والفعل السابق قوله: «ثم تابوا من بعدها» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 وقوله: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ (63) : بين قلوب الأنصار من الأوس والخزرج كانت بينهم حرب، فلمّا دخل المدينة رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصلح الله بِهِ وبالإسلام ذات بينهم. وقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ (64) جاء التفسير: يكفيكَ الله ويكفي من اتبعك فموضع الكاف فِي (حَسْبَكَ) خفض. و (مَنْ) فِي موضع نصب عَلَى التفسير كما قَالَ الشاعر: إِذَا كانت الهيجاء وانشقّتِ العصا ... فحسبُك والضَّحاكَ سيفٌ مُهَنَّد «1» وليس بكثير من كلامهم أن يقولوا: حسبك وأخاك، حَتَّى يقولوا: حسبك وحسب أخيك، ولكنا أجزناهُ لأن فِي (حسبك) معنى واقع من الفعل، رددناهُ «2» عَلَى تأويل الكاف لا عَلَى لفظها كقوله إِنَّا «3» مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ فردّ الأهل عَلَى تأويل الكاف. وإن شئت جعلت (من) فى موضع رفع، وهو أحبّ الوجهين إليّ لأن التلاوة تدلّ عَلَى معنى «4» الرفع ألا ترى أَنَّهُ قَالَ: إِنْ يكن منكم عشرون صبرون يغلبوا مائتين (65) فكان النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغْزِي أصحابه عَلَى أنَّ العشرة للمائة، والواحد للعشرة، فكانوا كذلك، ثُمَّ شقّ عليهم أن يُقْرِن «5» الواحد للعشرة فنزل:   (1) نسبه فى ذيل الأمالى 140 إلى جرير. وقال فى السمط 899: «نسبه القالي لجرير. وعليه العهدة» . (2) أي رددنا المنصوب على تأويل الكاف وتقدير أنها منصوبة إذ هى فى معنى المفعول، فكأنه قيل: يكفيك. ولم يرد على لفظ الكاف فإن لفظها خفض بالإضافة. [ ..... ] (3) آية 33 سورة العنكبوت. (4) وهو أن المؤمنين بإعانة الله يكفون الرسول عليه الصلاة والسلام غوائل الأعداء، والآية الآتية تدل على هذا إذ فيها أنه تعالى ضمن للقليل من المؤمنين النصرة على من يزيد عليهم أضعافا فى العدد من المشركين. (5) يقال. أقرن الشيء: أطاقه وقدر عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ (66) فبين الله قوَّتهم أولا وآخرًا. وقد قَالَ هَذَا القول الْكِسَائي ورفع (من) . وقوله: مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى (67) معناهُ: ما كَانَ ينبغي لَهُ يوم بدر أن يقبل فداء الأسرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ: حَتَّى يغلب عَلَى كَثِير من فِي الأرض. ثُمَّ نزل: قوله: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ (68) فِي فداء الأسرى والغنائم. وقد «1» قرئت (أُسَارى) ، وكلٌّ صواب. وقوله أَنْ يَكُونَ بالتذكير «2» والتأنيث كقوله يشهد «3» عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ و (تشهد) . وقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ (72) ثم قال: أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ فِي المواريث، كانوا يتوارثونَ دون قراباتِهم ممن لَمْ يُهاجر. وَذَلِكَ قوله وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ يريد: من مواريثهم. وكسر «4» الواو فِي الولاية أعجب إليَّ من فَتَحها لانَّها إنَّما تفتح أكثر من ذلك إذا كانت   (1) وكلتا القراءتين سبعية. (2) قرأ أبو عمرو ويعقوب بالتأنيث، والباقون بالتذكير. (3) آية 24 سورة النور. وقراءة حمزة والكسائي وخلف بالياء، وقراءة الباقين بالتاء. (4) وهو قراءة حمزة والأعمش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 فى معنى النصرة، وَكَانَ الْكِسَائي يفتحها ويذهب بِهَا إلى النصرة، ولا أراهُ «1» علم التفسير. ويَخْتارونَ فِي وليته ولاية الكسر، وقد سمعنا هما بالفتح والكسر فى معنا هما جَميعًا، وقال الشاعر: دعِيهمْ فَهُمْ أَلْبٌ عَلَيَّ وِلايَةٌ ... وَحَفْرُهُمُ أَنْ يَعْلَموا ذاكَ دائب «2» ثُمَّ نزلت بعد: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ، وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ (75) فتوارثوا، ونسخت هَذِه الآخِرة الآية التي قبلها. وَذَلِكَ أَنَّ قوله: إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73) : إلا تتوارثوا «3» عَلَى القرابات تكن فتنة. وذكر أَنَّهُ فِي النصر: إلا تتناصروا «4» تكن فتنة.   (1) لأن الولاية هنا فى الميراث لا فى النصرة، وإلا تعارض مع قوله: «وإن استنصروكم فى الدين فعليكم النصر» . (2) ألب: أي مجتمعون، وقوله: علىّ ولاية: أي مجتمعون بالنصرة، يريد أنهم تألبوا وتناصروا عليه. وقوله. «حفرهم» كذا فى أ. وفى ش، ج: «خفرهم» . (3) كذا فى أ. وفى ش، ج: «يتوارثوا» . (4) كذا فى أ. وفى ش، ج: «يتناصروا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 ومن سورة براءة ومن سورة براءة «1» قوله: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مرفوعة، يضمر لَهَا (هَذِه) ومثله قوله: سُورَةٌ «2» أَنْزَلْناها. وهكذا كل ما عاينته من اسم معرفة أو نكرة جاز إضمار (هذا) و (هذه) فتقول إِذَا نظرت إلى رجل: جميلٌ والله، تريد: هَذَا جَميل. والمعنى فِي قوله (بَرَاءَةٌ) أن العرب كانوا قد أخذوا ينقُضُون عهودًا كانت بينهم وبين النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزلت عَلَيْهِ آيات من أوّل براءة، أُمِر فيها بنَبْذ عهودهم إليهم، وأن يَجعل الاجَلَ بينه وبينهم أربعةَ أشهر. فمن كانت مدّته أكثر من أربعة أشهر «3» حطّه إلى أربعة. ومن كانت مدّته أقل من أربعة أشهر رفعه إلى أربعة. وبعث فِي ذَلِكَ أبا بكر وعليًّا رحمهما الله، فقرأها عليٌّ عَلَى الناس. وقوله: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ (2) يقول: تَفَرَّقوا آمنين أربعة أشهر مدّتكم. وقوله: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (3) تابع لقوله (براءة) . وجعل لمن لَمْ يكن لَهُ عهد خمسين يومًا أجلا. وكل ذلك من يوم النحر.   (1) كذا فى ش، ج. وفى ا: «التوبة» . (2) أوّل سورة النور. (3) سقط فى أ. وثبت فى ش، ج. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 وقوله: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ (5) عَن الَّذِينَ أجلهم خمسون ليلة. فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ومعنى الأشهر الحرم: المحرّم وحده. وجاز أن يقول: الأشهر الحُرُم للمحرم وحده لأنه متصلٌ بذي الحجة وذي القعدة وهما حرام كأنه قَالَ: فإذا انسلخت الثلاثة. وقوله: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ (4) استثناء فِي موضع نصب. وهم قوم من بني كنانة كَانَ قد بقي من أجلهم تسعة أشهر. قال الله تبارك وتعالى: فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ يقول: لا تحطّوهم إلى الاربعة. وقوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (5) فِي الأشهر الحرم وغيرها فِي الحل والحرم. وقوله: وَاحْصُرُوهُمْ وحَصْرهم أن يُمنعوا من البيت الحرام. وقوله: وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ يقول: عَلَى طُرُقهم إلى البيت فقام رجل من الناس حين قرئت (براءة) فقال: يا ابن أبي طالب، فمن أراد منا أن يلقى رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بعض الأمر بعد انقضاء الاربعة فليس لَهُ عهد؟ قَالَ عَليّ: بلى، لأن الله تبارك وتعالى قد أنزلَ: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ (6) يقول: ردّه إلى موضعه ومأمنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 وقوله: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فِي موضع جزم وإن فُرِق بين الجازم والمجزوم ب (أحد) . وذلك سهل فى (إن) خاصة دون حروف الجزاء لانّها شرط وليست باسم، وَلَهَا عودة إلى الفتح فتلقى الاسم والفعل وتدور فِي الكلام فلا تعمل، فلم يحفلوا أن يفرقوا بينها وبين المجزوم بالمرفوع والمنصوب. فأمّا المنصوب فمثل قولك: إِنْ أخاكَ ضربتَ ظلمتَ. والمرفوع مثل قوله: إِنِ «1» امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ولو حولت (هَلَكَ) إلى (إنْ يهلك) لجزمته، وقال الشاعر «2» : فان أنت تفعل فللفاعلي ... ن أَنْتَ المجيزين تِلْكَ الغِمَارا ومن فرق بين الجزاء وما جزم بمرفوع أو منصوب لَمْ يفرق بين جواب الجزاء وبين ما ينصب بتقدمة المنصوب أو المرفوع تَقُولُ: إنْ عبدُ الله يَقُمْ يَقُمْ أبوه، ولا يَجوز أبوه يقم، ولا أن تَجعل مكان الأب منصوبًا بِجواب الجزاء. فخطأ أن تَقُولُ: إِن تأتني زيدًا تَضْرِب. وَكَانَ الْكِسَائي يُجيز تقدمة النصب فِي جواب الجزاء، ولا يَجوز تقدمة المرفوع، ويحتج بأن الفعل إِذَا كَانَ للأول عاد فِي الفعل راجع ذكر الأول، فلم يستقم إلغاء الأول. وأجازه فِي النصب لأن المنصوب لَمْ يعد ذكره فيما نصبه، فقال: كأن المنصوب لَمْ يكن فِي الكلام. وليس ذَلِكَ كما قَالَ لأن الجزاء لَهُ جواب بالفاء. فإن لَمْ يستقبل بالفاء استقبل بِجزم مثله ولم يلق باسم،   (1) . 176 سورة النساء. (2) هو الكميت بن زيد من قصيدته فى مدح أبان بن الوليد بن عبد الملك بن مروان. يقول: إن تفعل هذه المكارم فأنت منسوب للفاعلين الأجواد. والغمار جمع الغمرة وهى الشدة. و «المجيزين» وصف من أجاز بمعنى جاز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 إلا أن يضمر فِي ذَلِكَ الاسم الفاء. فإذا أضمرت الفاء ارتفعَ الجواب فِي منصوب الاسماء ومرفوعها لا غير. واحتج بقول الشاعر «1» : وللخيلِ أَيّامٌ فَمَنْ يَصْطَبِرْ لَهَا ... وَيَعْرِفْ لَهَا أيامها الخير تعقب فجعل (الخير) منصوبا ب (تعقب) . (والخير) فِي هَذَا الموضع نعت للأيام كأنه قَالَ: ويعرف لَهَا أيامها الصالحة تعقب. ولو أراد أن يجعل (الخير) منصوبا ب (تعقب) لرفع (تُعْقب) لأنه يريد: فالخير تعقبه. وقوله: كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ (7) عَلَى التعجب كما تَقُولُ: كيف يُسْتَبقَى مثلك أي لا ينبغي أن يستبقى. وهو فِي قراءة عبد الله (كيف يكون للمشركين عهد عند الله ولا ذمة) فجاز دخول (لا) مع الواو لأن معنى أول الكلمة جحد، وَإِذَا استفهمت بشيء من حروف الاستفهام فلك أن تدعه استفهامًا، ولك أن تنوي بِهِ الجحد. من ذَلِكَ قولك: هَلْ أنت إلا كواحد مِنّا؟! ومعناهُ: ما أنت إلا واحد منا، وكذلك تَقُولُ: هَلْ أنت بذاهب؟ فتدخل الباء كما تَقُولُ: ما أنت بذاهب. وقال الشاعر: يقول إذا اقلولى عليها وأقردت ... ألا هَلْ أَخُو عيشٍ لَذِيذٍ بدائم «2» وقال الشاعر: فاذهب فأي فتى في الناس أحرزه ... من يومه ظلم دعج ولا جبل «3»   (1) هو طفيل الغنوي. والبيت من قصيدة عدتها 76 بيتا، فالها فى غارة له على طيء أكثرها فى وصف الخيل. يقول: إن الخيل تنفع فى الغارات والدفاع عن الذمار وتبلى البلاء الحسن، فمن يعرف هذا لها ويصبر على العناية بها أعقبته الخير ودفعت عنه الضير. وأنظر الخزانة 3/ 642 (2، 3) انظر ص 164 من هذا الجزء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 فقال: ولا جبل، للجحد وأوّله استفهام ونيَّته الجحد معناهُ لَيْسَ يحرزه من يومه شيء. وزعم الْكِسَائي أَنَّهُ سمع العرب تَقُولُ: أين كنت لتنجو مني، فهذه اللام إنَّما تدخل ل (ما) التي يُراد بِهَا الجحد كقوله: ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا «1» ، وَما كُنَّا «2» لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ. وقوله: كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ (8) اكتفى ب (كيف) ولا فعل معها لأن المعنى فيها قد تقدّم فِي قوله: كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ وَإِذَا أعيد الحرف وقد مضى معناهُ استجازوا حذف الفعل كما قَالَ الشاعر «3» : وخبرتماني أنّما الموتُ فِي القُرَى ... فكيفَ وهذي هَضْبَةٌ وكثيب وقال الحطيئة: فكيفَ ولم أَعْلَمْهُمُ خَذَلوكُمُ ... عَلَى معظم ولا أديمكم قدّوا «4»   (1) آية 111 سورة الأنعام. (2) آية 43 سورة الأعراف. (3) هو كعب بن سعد الغنوي من قصيدة يرثى فيها أخاه أبا المغوار، وقد ذكره فى قوله: وداع دعا: يا من يجيب إلى الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب فقلت: ادع أخرى وارفع الصوت جهرة ... لعل أبى المغوار منك قريب يقول: إن الناس تعتقد أن فى الريف الوباء والمرض، وفى البادية الصحة وطيب الهواء، وقد مات أخوه وهو فى حر البادية بين هضبة وقليب، أي بئر لا نهر يجرى فى القرى. وورد الشطر الثاني فى اللسان (الألف اللينة) : فكيف وهاتا روضة وكثيب. (4) من قصيدته فى مدح بنى شماس بن لأى من بنى سعد. والمعظم بفتح الظاء وكسرها: الأمر العظيم. يقول: إن بنى شماس يقومون بنصرة عشيرتهم، ومع ذلك يحسدهم قومهم. وقدّ الأديم: شقه. يقول: لا يقدح فى عرضكم ولا يفسد أمركم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 وقال آخر: فهل إلى عَيْش يا نصابُ وهل فأفرد الثانية لأنه يريد بِهَا مثل معنى الأول. وقوله: فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ (11) ثم قال: فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ معناهُ: فهم إخوانكم. يرتفع مثل هَذَا من الكلام بأن يضمر لَهُ اسمه مكنيًّا عَنْهُ. ومثله فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ «1» أي فهم إخوانكم. وَفِي قراءة أُبَيّ إِن تُعَذِّبْهُم فَعِبَادُكَ «2» أي فهم عبادك. وقوله: فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ (12) يقول: رءوس الكفر إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ: لا عهودَ لَهُم. وقرأ الْحَسَن «3» (لا إيمانَ لَهُمْ) يريدُ أنهم كفرة لا إسلام لَهُم. وقد يكون معنى الْحَسَن عَلَى: لا أمانَ لَهُم، أي لا تُؤمنوهم فيكون مصدر قولك: آمنته إيمانا تريد أمانا. وقوله: وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ (13) ذَلِكَ أن خُزَاعة كانوا حلفاء للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت الديل بن بكر حلفاء لبني عبد شمس، فاقتتلت الديل وخزاعة، فأعانت قريش الديل عَلَى خُزاعة، فذلك قوله: بَدَؤُكُمْ أي قاتلوا «4» حلفاءكم.   (1) آية 5 سورة الأحزاب. (2) آية 118 سورة المائدة. وفى قراءتنا: «إن تعذبهم فإنهم عبادك» . (3) وهى قراءة ابن عامر أيضا. (4) كذا فى أ. وفى ش. ج: «قاتلوكم» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 وقوله: قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ (14) ثُمَّ جزمَ ثلاثة أفاعيل بعده يَجوز فِي كلهن النصب والجزم والرفع. ورفع قوله: وَيَتُوبُ اللَّهُ لأن معناهُ لَيْسَ من شروط الجزاء إنّما هو استئناف كقولك للرجل: ايتني أُعطك، وأُحِبُّك بعد، وأُكْرِمُكَ، استئناف لَيْسَ بشرط للجزاء. ومثله قَوْل الله تبارك وتعالى: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ «1» تمّ الجزاء هاهنا، ثُمَّ استأنفَ فقال: وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ. وقوله: أَمْ حَسِبْتُمْ (16) من الاستفهام الَّذِي يتوسّط فِي الكلام فيجعل ب (أَمْ) ليفرق بينه وبين الاستفهام المبتدأ الَّذِي لَمْ يتّصل بكلام. ولو أريد بِهِ الابتداء لكان إِمّا بالألف وإِمّا ب (هَلْ) كقوله: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ «2» وأشباهه. وقوله: وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً والوليجة: البطانة من المشركين يتخذونهم فيُفْشون إليهم أسرارهم، ويعلمونهم أمورهم. فنهوا عَن ذَلِكَ. وقوله: مَا كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ (17) وهو يعني المسجد الحرام وحده. وقرأها مُجاهد «3» وعطاء بن أبي رَبَاح: (مَسْجِد الله) . وربما ذهبت العرب بالواحد إلى الجمع، وبالجمع إلى الواحد ألا ترى الرجلَ عَلَى البِرذَون فتقول: قد أخذتَ فِي ركوب البراذين، وترى الرجل كثير الدراهم   (1) آية 24 سورة الشورى. وقد رسم «يمح» دون واو فى المصحف مع نيتها، وقد دل على هذا قوله: «ويحق» بالرفع. (2) أوّل سورة الإنسان. [ ..... ] (3) وقرأها كذلك أيضا ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 فتقول: إنه «1» لكثير الدرهم. فأدّى الجماع عَن الواحد، والواحد عَن الجمع. وكذلك قَوْل العرب: عَلَيْهِ أخلاقُ نعلين وأخلاق ثوب أنشدني أَبُو الجرّاح العُقَيْلي: جاء الشتاءُ وقمِيصِي أخلاقْ ... شراذمٌ يضحكُ مِنْه التوّاقْ «2» وقوله: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ (19) ولم يقل: سُقَاة الحاجّ وعامري ... كمن آمن، فهذا مثل قوله: وَلكِنَّ «3» الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ يكون المصدر يكفي من الاسماء، والأسماءُ من المصدر إِذَا كَانَ المعنى مستدلا عَلَيْهِ بِهما أنشدني الْكِسَائي: لعمرُكَ ما الفِتيان أن تنبُت اللِّحى ... ولكنما الفِتيانُ كلُّ فتى ندِي فجعل خبر الفتيان (أن) . وهو كما تَقُولُ: إِنَّما السخاء حاتم، وإنّما الشعر زُهَيْر. وقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا (20) ثم قال: أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ فموضع الَّذِينَ رفع بقوله: «أعظم درجة» . ولو لم يكن فيه (أعظم) جاز أن يكون مردودًا بالخفض عَلَى قوله (كمن آمن) . والعرب تردّ الاسم إِذَا كَانَ معرفة عَلَى (من) يريدون التكرير «4» . ولا يكون نعتًا لأن (من) قد تكون معرفة، ونكرة، ومجهولة، ولا تكون نعتًا كما أن (الَّذِي) قد يكون نعتا   (1) سقط فى ش، ج. وثبت فى أ. (2) ثوب أخلاق: بال. والتوّاق: ابن الراجز. ويروى النوّاق بالنون. وانظر اللسان (توق) والخزانة فى الشاهد الرابع والثلاثين. (3) آية 177 سورة البقرة. (4) أي أن يكون بدلا من «من» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 للأسماء فتقول: مررت بأخيكَ الَّذِي قام، ولا تقول: مررت بأخيكَ مَنْ قام. فلمّا لَمْ تكن نعتًا لغيرها من المعرفة لَمْ تكن المعرفة نعتا لَهَا كقول الشاعر «1» : لسنا كمن جعلتْ إيادٍ دارها ... تكرِيتَ تنظُر حَبَّها أَنْ تَحْصُدا إنما أراد تكرير الكاف عَلَى إياد كأنه قَالَ: لسنا كإياد. وقوله: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ (25) نصبت المواطن لأن كل جمع كانت فِيهِ ألف قبلها حرفان وبعدها حرفان فهو لا يُجْرَى «2» مثل صوامع، ومساجد، وقناديل، وتَماثيل، ومحاريب. وهذه الياء بعد الألف لا يعتدّ بِهَا لأنها قد تدخل فيما ليست هي منه، وتَخرج مما هي منه، فلم يعتدّوا بِهَا «3» إذ لَمْ تثبت كما ثبت غيرها. وإنما منعهم من إجرائه أَنَّهُ مثال لَمْ يأت عَلَيْهِ شيء من الاسماء المفردة، وأنه غاية للجِماع إِذَا انتهى الجماع إِلَيْهِ فينبغي لَهُ ألا يجمع. فذلك أيضًا منعه من الانصراف ألا ترى أنك لا تَقُولُ: دراهمات، ولا دنانيرات، ولا مساجدات. وربما اضطُرَّ إِلَيْهِ الشاعر فجمعه. وليس يوجد فِي الكلام ما يَجوز فِي الشعر. قَالَ الشاعر: فهنّ يجمعن حدائِداتِها «4» فهذا من المرفوض إلا فِي الشعر. ونعت (المواطن) إِذَا لَمْ يكن معتلا جرى. فلذلك قال: (كثيرة) .   (1) هو الأعشى. وإياد قبيلة كبيرة من معدّ كانوا نزلوا العراق واشتغلوا بالزرع. وتكريت: بلدة بين بغداد والموصل. وقوله: «تحصدا» المعروف: يحصدا. والحب جنس للحبة يصح تذكيره وتأنيثه. وانظر الخصائص (الدار) ج 2 ص 402. (2) إجراء الاسم عند الكوفيين صرفه وتنوينه، وعدم إجرائه منع صرفه. (3) فى ا: «إذا» . (4) فى القرطبي: فهنّ يعلكن حدائداتها ونسبه فى اللسان (حدد) إلى الأحمر. وهو فى وصف الخيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 وقوله: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ وحُنَيْن وادٍ بين مكة والطائف. وجرى (حُنَيْنٍ) لأنه اسم لِمذكَّر. وَإِذَا سميت ماء أو واديًا أو جبلا باسم مذكر لا علة فِيهِ أجريته. من ذَلِكَ حنين، وبَدْر، وأُحُد، وحِرَاء، وثَبِير، ودابِق «1» ، وواسط «2» . وإِنّما سمي واسطًا بالقصر الذي بناه الحجّاج بين الكوفة والبصرة. ولو أراد البلدة أو اسمًا مؤنثًا لقال: واسطة. وربما جعلت العرب واسط وحُنين وبدر، اسمًا لبلدته التي هُوَ بِهَا فلا يَجرونه وأنشدني بعضهم: نصروا نبِيَّهمُ وشَدّوا أَزْرَهُ ... بِحُنَيْنَ يوم تواكُلِ الأبْطَالِ «3» وقال الآخر «4» : ألسنا أكرم الثَّقَليْنِ رَجْلا ... وأعظمه ببطن حِرَاء نارا فجعل حراء اسمًا للبلدة التي هُوَ بِهَا، فكان مذكرًا يسمى بِهِ مؤنّث فلم يُجْرَ. وقال آخر: لقد ضاع قوم قلدوك أمورهم ... بدابق إذ قيل العدوّ قريب رأوا جسدًا ضخمًا فقالوا مقاتل ... ولم يعلموا أن الفؤاد نخيب «5» ولو أردت ببدر البلدة لَجازَ أن تَقُولُ مررت ببدْرَ يا هذا.   (1) دابق: قرية قرب حلب. (2) بلد بين البصرة والكوفة بناه الحجاج. (3) البيت لحسان بن ثابت. (4) هو جرير كما فى معجم البلدان. ولم نجده فى ديوانه. وقوله: «رجلا» فهو بتسكين الجيم مخفف رجل بضمها. والأقرب أن يكون: رحلا بالحاء المهملة أي منزلا. ويروى: «طرا» . (5) «جسدا» فى معجم البلدان لياقوت: «رجلا» . و «نخيب» : جبان من النخب- بسكون الخاء- وهو الجبن. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 وقوله: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (28) لا تَكاد العرب تَقُولُ: نَجِسٌ إلا وقبلها رِجْس. فإذا أفردوها قالوا: نَجَس لا غير ولا يجمع ولا يؤنث. وهو مثل دَنَف «1» . ولو أُنِّث هُوَ ومثله كَانَ صوابًا كما قالوا: هي: ضيفته وضيفه، وهي أخته سَوْغه «2» وسَوْغته، وزوجه وزوجته. وقوله: إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ. قَالَ يومئذ رجل من المسلمين: والله لا نُغْلَب، وكره ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ المسلمون يؤمئذ عشرة آلاف، وقال بعضُ الناس: اثني عشر ألفًا، فهزموا هزيمة شديدة. وهو قوله: وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ والباء هاهنا بمنزلة فِي كما تَقُولُ: ضاقت عليكم الأرض فِي رُحْبها وبُرحْبها. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْمُفَضَّلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ قُلْتُ لِلْبَرَاءِ «3» بْنِ عَازِبٍ: يَا أَبَا عُمَارَةَ أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَهُ مِنَّا إلا رجلان: أبو سفيان «4» بن الحرث آخِذًا بِلِجَامِهِ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ رِكَابِهِ آخِذًا بِثَفَرِهِ «5» . قَالَ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ لَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ، أَنَا النَّبِيُّ لا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ قَالَ: فَمَنَحَنَا الله أكتافهم.   (1) هو فى الأصل المرض الملازم، ويوصف به. (2) أي ولدت على أثره ولم يكن بينهما ولد. (3) هو من فضلاء الأوس. شهد أحدا والمشاهد. ونزل الكوفة، توفى سنة 71 أو 72. (4) هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم. (5) المروي أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فى هذا اليوم راكبا بغلة. فقوله: آخذا بثفره أي بثفر مركوبه. والثفر: السير فى مؤخر السرج. والذي فى سيرة ابن هشام أن الذي كان آخذا بالثفر أبو سفيان. فأما العباس فكان آخذا بحكمة البغلة. والحكمة- بالتحريك- طرفا اللجام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 وقوله: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً (28) يعني فقرًا. وَذَلِكَ لَمَّا نزلت: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا خاف أهل مكة أن تنقطع عنهم الميرة والتجارة. فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً. فذكروا أن تَبَالة «1» وجُرش أخصبتا، فأغناهم الله بِهما وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف. وقوله: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ (30) قرأها الثقات «2» بالتنوين وبطرح التنوين. والوجه أن ينوّن لأن الكلام ناقص (وابن) فِي موضع خبر لعزير. فوجه العمل فِي ذَلِكَ أن تنوِّن ما رأيت الكلام محتاجًا إلى ابن. فإذا اكتفى دون بن، فوجه الكلام ألا ينون. وَذَلِكَ مع ظهور اسم أبي الرجل أو كنيته. فإذا جاوزت ذَلِكَ فأضفت (ابن) إلى مكنى عَنْهُ مثل ابنك، وابنه، أو قلت: ابن الرجل، أو ابن الصالِح، أدخلت النون فِي التام منه والناقص. وَذَلِكَ أن حذف النون إِنّما كَانَ فِي الموضع الَّذِي يُجرى فِي الكلام كثيرًا، فيستخفّ طرحها فِي الموضع الَّذِي يستعمل. وقد ترى الرجل يذكر بالنسب إلى أبيه كثيرًا فيقال: من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان، فلا يجري كثيرًا بغير ذَلِكَ. وربما حذفت النون وإن لَمْ يتمم الكلام لسكون الباء من ابن، ويستثقل النون إذ كانت ساكنة لقيت ساكنًا، فحذفت استثقالا لتحريكها. قَالَ: من ذلك قراءة القرّاء: (عزيز ابن الله) . وأنشدني بعضهم: لَتجِدّني بالأميرِ بَرّا ... وَبالقناة مِدْعَسا مكرّا «3» إذا غطيف السلمىّ فرّا   (1) تبالة: بلدة من أرض تهامة فى طريق اليمن. وجرش مخلاف أي إقليم من مخاليف اليمن. (2) قرأ بالتنوين من العشرة عاصم والكسائي ويعقوب، وقرأ الباقون بطرح التنوين. (3) المدعس: المطاعن. والمكر: الذي يكر فى الحرب ولا يفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 وقد سمعت كثيرًا من القراء الفصحاء يقرءونَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ. فيحذفون النون من (أحد) . وقال آخر «1» : كيْفَ نَومي عَلَى الفراشِ ولَمَّا ... تشملِ الشامَ غارةٌ شعواءُ تُذْهل الشيخَ عَن بَنيهِ وَتُبْدِي ... عَن خِدَامِ العَقِيلةُ العذراء أراد: عَن خدامٍ، فحذف النون للساكن إذ استقبلتها. وربما أدخلوا النون فِي التمام مع ذكر الأب أنشدني بعضهم: جارية من قيس ابن ثعلبة ... كأنها حلْيَةُ سيف مُذْهَبه «2» وقال آخر «3» : وإلا يكن مال يثاب فإنه ... سيأتي ثنائي زيدًا ابنَ مُهَلْهِلٍ وَكَانَ سبب قول اليهود: عُزَيْر ابن الله أن بُخْتَ نَصَّرَ قَتَل كلّ من كَانَ يقرأ التوراة، فأُتِيَ بِعُزَيْر فاستصغره فتركه. فلمّا أحياهُ الله أتته اليهود، فأملى عليهم التوراة عَن ظهر لسانه. ثُمَّ إن رجلا من اليهود قَالَ: إن أبي ذكر أن التوراة مدفونة فِي بستان لَهُ، فاستخرجت وقو بل بها ما أملى عزيز فلم يغادر منها حرفًا. فقالت اليهود: ما جمع الله التوراة فِي صدر عُزَيْر وهو غلام إلا وهو ابنه- تعالى الله عمّا يقولون علوّا كبيرا-.   (1) هو عبيد الله بن قيس الرقيات من قصيدة يمدح فيها مصعب بن الزبير ويفتخر بقريش. ويريد بالغارة على الشام الغارة على عبد الملك بن مروان. وقوله: «خدام العقيلة» . فى الديوان: «براها العقيلة» والخدام جمع الخدمة وهى الخلخال. والبرى جمع البرة- فى وزان كرة- الخلخال أيضا. (2) هذا مطلع أرجوزة للأغلب العجلى. وأراد بجارية امرأة اسمها كلبة كان يهاجيها وانظر الخزانة 1/ 332 (3) هو الحطيئة يمدح زيد الخيل الطائىّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 وقوله: وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ. وذُكِرَ أن رجلا دخل فِي النصارى وَكَانَ خبيثًا منكرًا فلبَّس عليهم، وقال: هُوَ هُوَ. وقال: هُوَ ابنه، وقال: هُوَ ثالث ثلاثة. فقال الله تبارك وتعالى فِي قولهم ثالث ثلاثة: يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قولهم: اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى. وقوله: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ (31) قَالَ: لَمْ يعبدوهم، ولكن أطاعوهم فكانت كالربوبية. وقوله: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ (32) دخلت (إلّا) لأن فِي أَبيت طَرَفًا من الجحد ألا ترى أن (أبيت) كقولك: لَمْ أفعل، ولا أفعل، فكانه بمنزلة قولك: ما ذهب إلا زيد. ولولا الجحد إِذَا ظهر أو أتى الفعل محتملا لضميره «1» لَمْ تُجِزْ دخول إلا كما أنك لا تقول: ضربت إلا أخاكَ، ولا ذهبَ إلا أخوك. وكذلك قَالَ الشاعر «2» : وهل لِي أُمّ غيرها إِنْ تركتها ... أَبى اللهُ إِلا أن أكون لَهَا ابنما وقال الآخر: إِيَادًا وأَنْمَارها الغالبين ... إلا صدودًا وإلا ازورارا أراد: غلبوا إلا صدودًا وإلا ازورارًا، وقال الآخر: واعتلّ إلا كل فرع معرق ... مثلك لا يعرف بالتلهوق «3»   (1) أي لمعناه. فكأن أبى ونحوه متضمن لمعنى لا فهو محتمل لهذا الحرف المضمر. (2) هو المتلمس. والبيت من قصيدة له يرد فيها على من عيره أمه، مطلعها: تعيرنى أمي رجال ولا أرى ... أخا كرم إلا بأن يتكرما وهى فى مختارات ابن الشجري. (3) التلهوق: التملق. ويقال أيضا للتكلف. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 فأدخلَ (إِلا) لأن الاعتلال فِي المنع كالإباء. ولو أراد علة صحيحة لَمْ تدخل إلا لأنها لَيْسَ فيها معنى جحد. والعرب تَقُولُ: أعوذ بالله إلا منك ومن مثلك لأن الاستعاذة كقولك: اللَّهُمَّ لا تفعل ذا بي. وقوله: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ (34) ولم يقل: ينفقونهما. فإن شئت وجَّهْت الذهب والفضة إلى الكنوز فكان توحيدها من ذَلِكَ. وإن شئت اكتفيتَ بذكر أحدهما من صاحبه كما قَالَ: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها «1» فجعله للتجارة، وقوله: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً «2» فجعله- والله أعلم- للاثم، وقال الشاعر «3» فِي مثل ذَلِكَ: نحن بما عندنا وأنت بما عن ... دك راضٍ والرأي مختلفِ ولم يقل: راضونَ، وقال الآخر: إنّي ضمنت لمن أتاني ما جنى ... وأبي وَكَانَ وكنت غير غدور ولم يقل: غَدورين، وَذَلِكَ لاتفاق المعنى يُكتفى بذكر الواحد. وقوله: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ «4» إن شئت جعلته من ذَلِكَ: مما اكتفى ببعضه من بعض، وإن شئت جعلت الله تبارك وتعالى فِي هَذَا الموضع ذُكِر لتعظيمه، والمعنى للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قَالَ: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ «5» ألا ترى أنك قد تَقُولُ لعبدك «6» : قد أعتقك الله وأعتقتك، فبدأت بالله تبارك وتعالى تفويضًا إِلَيْهِ وتعظيمًا لَهُ، وإِنَّما يقصد قَصْد نفسه.   (1) آية 11 سورة الجمعة. (2) آية 112 سورة النساء. (3) هو قيس بن الخطيم. (4) آية 62 سورة التوبة. (5) آية 37 سورة الأحزاب. (6) كذا فى أ. وفى ش، ج: «لعبد» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 وقوله: مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ (36) جاء التفسير: فِي الاثني عشر. وجاء (فِيهِنَّ) : فِي الأشهر الحرم وهو أشبه بالصواب- والله أعلم- ليتبين بالنهي فيها عِظَمُ حُرْمَتها كما قال: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ «1» ثم قال: وَالصَّلاةِ الْوُسْطى فعظِّمت، ولم يرخص فِي غيرها بترك المحافظة. وَيَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُ للاربعة- والله أعلم- قوله: (فيهن) ولم يقل (فيها) . وكذلك كلام العرب لِمَا بين الثلاثة إلى العشرة تَقُولُ: لثلاث ليال خلونَ، وثلاثة أيام خلون إلى العشرة، فإذا جُزت العشرة قالوا: خلت، ومضت. ويقولون لِمَا بين الثلاثة إلى العشرة (هنّ) و (هؤلاء) فإذا جزت العشرة قالوا (هي، وهذه) إرادة أن تعرف سِمة القليل من الكثير. ويَجوز فِي كل واحد ما جاز فِي صاحبه أنشدني أَبُو القمقام الفقعسيّ: أصبحن فِي قَرْحٍ وفى دارتها ... سبع ليالٍ غير معلوفاتها «2» ولم يقل: معلوفاتهن وهي سبع، وكل ذَلِكَ صواب، إلا أن المؤْثَر ما فسَّرت لك. ومثله: وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ «3» فذكر الفعل لقلَّة النسوة ووقوع (هَؤُلاءِ) عليهن كما يقع عَلَى الرجال. ومنه قوله: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ «4» ولم يقل: انسلخت، وكل صواب. وقال الله تبارك وتعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ «5» لقلّتهن ولم يقل (تِلْكَ) ولو قيلت كَانَ صوابا.   (1) آية 238 سورة البقرة. (2) قرح: سوق وادي القرى، وهو واد بين المدينة والشام. وقوله: «أصبحن» فى اللسان (قرح) : «حبسن» . (3) آية 30 سورة يوسف. (4) آية 5 سورة التوبة. (5) آية 36 سورة الإسراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 وقوله: الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً (36) يقول: جَميعًا. والكافة لا تكون مذكرة ولا مجموعة عَلَى عدد الرجال فتقول: كافين، أو كافّات للنسوة، ولكنها (كافّة) بالهاء والتوحيد «1» فِي كل جهة لانّها وإن كانت عَلَى لفظ (فاعلة) فإنّها فِي مذهب مصدر مثل الخاصَّة، والعاقبة، والعافية. ولذلك لَمْ تُدخل فيها العرب الألف واللام لانّها آخر الكلام مع معنى المصدر. وهي فِي مذهب قولك: قاموا معًا وقاموا جَميعًا ألا ترى أن الألف واللام قد رُفِضت فِي قولك: قاموا معًا، وقاموا جميعًا، كما رفضوها فِي أجمعين وأكتعين وكلهم إذ كانت فِي ذَلِكَ المعنى. فإن قلت: فإن العرب قد تدخل الألف واللام فِي الجميع، فينبغي لَهَا أن تدخل فِي كافة وما أشبهها، قلت: لأن الجميع عَلَى مذهبين، أحدهما مصدر، والآخر اسم، فهو الَّذِي شبّه عليك. فإذا أردت الجميع الَّذِي فِي معنى الاسم جمعته وأدخلت فِيهِ الألف واللام مثل قوله: وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ «2» ، وقوله: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ «3» وأما الَّذِي فِي معنى معًا وكافَّة فقولك للرجلين: قاما جَميعًا، وللقوم: قاموا جَميعًا، وللنسوة: قمن جَميعًا، فهذا فِي معنى كلّ وأجمعين، فلا تدخله ألفا ولا ما كما لَمْ تدخل فِي أجمعين. وقوله: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ (37) كانت العربُ فِي الجاهلية إِذَا أرادوا الصَدَر عَن مِنًى قام «4» رجلٌ من بني كنانة يُقال لَهُ (نُعَيم بن ثعلبة) وَكَانَ رئيس الموسم، فيقول: أنا الَّذِي لا أعابُ ولا أجابُ ولا يردّ لي قضاء. فيقولون: صدقت، أنسئنا شهرًا، يريدون: أخَّرْ عنّا حرمة المحرم   (1) كذا فى ش، ج. وفى أ: «على» . (2) آية 56 سورة الشعراء. (3) آية 45 سورة القمر. [ ..... ] (4) كذا فى أ. وفى ش، ج: «قدم» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 واجعلها فِي صفر، وأَحِلّ المحرم، فيفعل ذَلِكَ. وإِنّما دعاهم إلى ذاك توالي ثلاثة أشهر حُرُم لا يُغيرونَ فيها، وإنما كَانَ معاشهم من الإغارة، فيفعل ذَلِكَ عامًا، ثُمَّ يرجع إلى المحرم فيحرِّمه ويُحل صَفَرًا، فذلك الانساء. تَقُولُ إِذَا أخرت الرجل بدَينه: أنساته، فإذا زدت فِي الاجل زيادة يقع عليها تأخير قلت: قد نسأت فِي أيامك وَفِي أَجَلك، وكذلك تَقُولُ للرجل: نسأ الله فِي أجلك لأن الاجل مزيد فِيهِ. ولذلك قيل للبن (نسأته) لزيادة الماء فِيهِ، ونُسئت المرأة إِذَا حبِلت أي جعل زيادة الولد فيها كزيادة الماء فِي اللبن، وللناقة: نسأتها، أي زجرتها ليزداد سيرها. والنسيء المصدر، ويكون المنسوءَ مثل القتيل والمقتول. وقوله: يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا قرأها ابن مسعود «1» يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وقرأها زيد بن ثابت «2» (يَضِلُّ) يجعل الفعل لَهُم، وقرأ الْحَسَن الْبَصْرِيّ «3» (يُضِلّ بِهِ الَّذِينَ كفروا) ، كأنه جعل الفعل لَهُم يُضِلُّون بِهِ الناس وينسئونه لهم. وقوله: (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ) يقول: لا يخرجون من تَحريم أربعة. وقوله: مَا لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ (38) معناهُ والله أعلم: (تثاقلتم) فإذا وصلتها العرب بكلام أدغموا التاء فِي الثاء لأنها مناسبة لَهَا، ويحدثونَ ألفًا لَمْ يكن ليبنوا الحرف عَلَى الادغام فِي الابتداء والوصل. وكأن إحداثهم الألف ليقع بِهَا الابتداء، ولو حذفت لاظهروا التاء لأنها مبتدأة،   (1) وكذلك قرأها حفص وحمزة والكسائي وخلف. (2) وقرأها كذلك الحرميان نافع وابن كثير وأبو عمرو. (3) قرأها كذلك يعقوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 والمبتدأ لا يكون إلا متحركًا. وكذلك قوله: حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً «1» ، وقوله: وَازَّيَّنَتْ «2» المعنى- والله أعلم-: تزينت، وقالُوا اطَّيَّرْنا «3» معناهُ: تطيرنا. والعربُ تَقُولُ: (حَتَّى إِذَا اداركوا) تجمع بين ساكنين: بين التاء من تداركوا وبين الألف من إِذَا. وبذلك كَانَ يأخذ أَبُو عَمْرو «4» بن العلاء ويردّ الوجه الأول، وأنشدني الْكِسَائي: تُولِي الضجيع إِذَا ما استافها «5» خَصِرا ... عَذْبَ المذاقِ إِذَا ما اتّابع الْقُبَلُ وقوله: وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى (40) فأوقع (جعل) عَلَى الكلمة، ثُمَّ قَالَ: وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا عَلَى الاستئناف، ولم تُرَد بالفعل. وكلمة الَّذِينَ كفروا الشرك بالله، وكلمة الله قول (لا إله إلا الله) . ويَجوز (وَكَلِمَةُ «6» اللَّهِ هِيَ العليا) ولست أستحبّ ذَلِكَ لظهور الله تبارك وتعالى لأنه لو نصبها- والفعل فعله- كَانَ أجود الكلام أن يُقال: «وكلمته هي العليا» ألا ترى أنك تَقُولُ: قد أعتق أبوكَ غلامه، ولا يكادونَ يقولون: أعتق أبوكَ غلام أبيك. وقال الشاعر فِي إجازة ذَلِكَ: متى تأتِ زيدًا قاعدًا عِنْدَ حوضه ... لِتهدِمَ ظلمًا حوضَ زيد تقارع فذكر زيدًا مرتين ولم يُكَنِّ عنه فى الثانية، والكناية وجه الكلام.   (1) آية 38 سورة الأعراف. (2) آية 24 سورة يونس. (3) آية 47 سورة النمل. (4) إنما روى هذا الوجه عن أبى عمرو عصمة الفقيمي. وليس ممن تعتبر روايته. وانظر تفسير القرطبي 7/ 204 (5) استافها. شمها. والخصر: البارد. يريد ريقها. (6) وقد قرأ بهذا يعقوب والحسن والأعمش فى رواية المطوّعى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 وقوله: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا (41) يقول «1» : لينفر منكم ذو العيال والميسرة، فهؤلاء الثقال. والخفاف: ذوو العسرة وقلَّة العيال. ويُقال: انْفِرُوا خِفافاً: نِشَاطًا (وَثِقَالا) وإن ثقل عليكم الخروج. وقوله: وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ (47) الإيضاع: السير بين القوم. وكتبت» بلام ألف وألف بعد ذَلِكَ، ولم يكتب فِي القرآن لها نظير. و «3» ذلك أنهم لا يكادونَ يستمرونَ فِي الكتاب عَلَى جهة واحدة ألا ترى أنهم كتبوا فَما تُغْنِ النُّذُرُ «4» بغير ياء، وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ «5» بالياء، وهو من سوء هجاء الأوّلين. وَلا أَوْضَعُوا مجتمع عَلَيْهِ فِي المصاحف. وأمّا قوله: أَوْ لا أَذْبَحَنَّه «6» فقد كتبت بالألف وبغير الألف. وقد كَانَ ينبغي للألف أن تُحذف من كله لانَّها لام زيدت عَلَى ألف كقوله: لاخوكَ خيرٌ من أبيك ألا ترى أَنَّهُ لا ينبغي أن تكتب بألف بعد لام ألف. وأما قوله   (1) سقط فى ش، ج. وثبت فى أ. (2) هذا على ما فى أكثر المصاحف. وقد كتبت فى بعضها واحدة، وطبع المصحف على هذا الوجه. فقوله بعد: «ولأوضعوا مجتمع عليه فى المصاحف» غير المروي عن أصحاب الرسم. والإجماع على «لأ اذبجنه» فتراه انعكس عليه الأمر: وفى المقنع 47: «وقال نصير: اختلفت المصاحف فى الذي فى التوبة، واتفقت على الذي فى النمل» . (3) قال فى الكشاف: زيدت ألف فى الكتابة لأن الفتحة كانت تكتب ألفا فى الخط العربي، والخط العربي اخترع قريبا من نزول القرآن، وقد بقي من ذلك الألف أثر فى الطباع فكتبوا صورة الهمزة ألفا وفتحتها ألفا أخرى، ونحوها: أو لا أذبحنه فى سورة النمل، ولا آتوها فى الأحزاب ولا رابع لها فى القرآن. (4) آية 5 سورة القمر. [ ..... ] (5) آية 101 سورة يونس. (6) آية 21 سورة النمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 (لا انفصام لها) «1» فتكتب بالألف لأن (لا) فى (انفصام) تبرئة، والألف من (انفصام) خفيفة. والعرب تَقُولُ: أوضع الراكب ووضعت الناقة فِي سيرها. وربما قالوا للراكب وضع قَالَ الشاعر: إِنِّي إِذَا ما كَانَ يوم ذو فزَعْ ... ألفيتني محتملا بذي أضع «2» وقوله: (يبغونكم الفتنة) المعنى: يبغونَها لكم. ولو أعانوهم عَلَى بُغائها لقلت: أبغيتك الفتنة. وهو مثل قولك: أَحِلبني واحلُبني. وقوله: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي (49) وَذَلِكَ لأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِجد «3» بن قيس: هَلْ لك فِي جِلاد بني الاصفر؟ - يعني الروم- وهي غزوة تبوك، فقال جدّ: لا، بَلْ تأذن لي، فأتخلف فإني رجل كِلف بالنساء أخافُ فتنة بنات الاصفر. وإِنَّما سمي الاصفرُ لأن حبشيًا «4» غلب عَلَى ناحية الروم وَكَانَ لَهُ بنات قد أخذن من بياض الروم وسواد الحبشة فكن صفرًا لُعسا «5» . فقال الله تبارك وتعالى أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا فِي التخلف عنك «6» . وقد عُذِل المسلمونَ فِي غزوة تبوك وثقل عليهم الخروج لبعد الشقة «7» ، وَكَانَ أيضًا زمان عسرة وأدرك الثمار وطاب الظل، فأحبّوا الإقامة، فوبّخهم الله.   (1) آية 256 سورة البقرة. (2) محتملا على صيغة اسم المفعول من احتمل إذا غضب واستخفه الغضب. وقوله: بذي كأنه يريد: بذي الناقة أو بذي الفرس. وقد يكون المراد: محتملا رحلى- على صيغة اسم الفاعل- بالبعير الذي أضعه. فذى هنا موصول على لغة الطائيين. (3) كان سيد بنى سلمة من الأنصار. وكان ممن يرمى بالنفاق ومات فى خلافة عثمان. (4) فى ا: «جيشا» . (5) جمع لعساء. وهى التي فى لونها سواد، وتكون مشربة بحمرة. (6) كذا فى أ. وفى ش، ج: «عندك» . (7) كذا فى ش، ج. وفى ا: «المشقة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 فقال عز وجل: (يا أَيُّهَا «1» الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ) . ووصف «2» المنافقين فقال: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وسفرا قاصدا لاتّبعوك) . وقوله: لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ (45) أي لا يَسْتَأْذِنُكَ بعد غزوة تبوك فِي جِهاد الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ به. ثم قال: إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ بعدها الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ وقوله: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ (52) : الظفر أو الشهادة، فهما الحسنيان. والعرب تدغم اللام من (هل) و (بل) عند التاء خاصة. وهو فِي كلامهم عالٍ كَثِير يقول: هَلْ تدري، وهتَّدْرِي. فقرأها القراء عَلَى ذَلِكَ، وإنَّما أستحبُّ فِي القراءة خاصَّة تبيان ذَلِكَ، لانَّهما منفصلانِ ليسا من حرف واحد، وإِنَّما بنى القرآن عَلَى الترسل والترتيل وإشباع الكلام فتبيانه أحب إليّ من إدغامه، وقد أدغم القرّاء «3» الكبار، وكلٌّ صواب. وقوله: أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً (53) وهو أمر فِي اللفظ وليس بأمر فِي المعنى لأنه أخبرهم أَنَّهُ لن يتقبّل منهم. وهو فِي الكلام بِمنزلة إنْ فِي الجزاء كأنك قلت: إنْ أنْفَقْتَ طوعًا أو كرهًا فليس بمقبولٍ منك. ومثله اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ «4» لَيْسَ بأمر، إِنَّما هُوَ عَلَى تأويل الجزاء. ومثله قول الشاعر «5» : أسِيئي بنا أو أحسني لا ملومةٌ ... لدينا ولا مَقْليّةٌ إن تقَلّتِ   (1) سبق ذكر لهذه الآية. (2) يريد أنهم وصفوا بما فى الآية الآتية. وهى فى الآية 42 من السورة. (3) هم حمزة والكسائىّ وخلف فى رواية هشام. (4) آية 80 سورة التوبة. (5) هو جميل فى قصيدة يتغزل فيها بثينة. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 وقوله: وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا (54) (أنهم) فِي موضع رفع لأنه اسم للمنع كأنك قلت: ما منعهم أن تقبل منهم إلا ذاك. و (أن) الأولى فِي موضع «1» نصب. وليست بمنزلة قوله: وَما أَرْسَلْنا «2» قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ هَذِه فيها واو مضمرة، وهي مستأنفة «3» لَيْسَ لَهَا موضع. ولو لَمْ يكن فِي جوابها اللام لكانت أيضا مكسورة كما تَقُولُ: ما رأيت منهم رجلا إلا إنه لَيُحْسِن، وإلا إنه يحسن. يعرِّف أنها مستأنفة أن تضع (هُوَ) فِي موضعها فتصلح وَذَلِكَ قولك: ما رأيت منهم رجلا إلا هُوَ يفعل ذَلِكَ. فدلّت (هُوَ) عَلَى استئناف إنّ. وقوله: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا (55) معناهُ: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم فِي الحياة الدُّنْيَا. هَذَا معناه، ولكنه أخِّر ومعناه التقديم- والله أعلم- لأنه إِنّما أراد: لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم فِي الحياة الدُّنْيَا إنّما يريد الله ليعذبهم بِهَا فِي الآخرة. وقوله وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ أي تَخرج أنفسهم وهم كفار. ولو جعلت الحياة الدُّنْيَا مؤخّرة «4» وأردت: إنّما يريد الله ليعذبهم بالإنفاق كرهًا ليعذبهم بذلك فِي الدُّنْيَا، لكان وجها حسنا.   (1) إذ المصدر المؤول فيها مفعول ثان لمنع. (2) آية 20 سورة الفرقان. (3) يريد أنها فى صدر جملة وليست فى موضع المفرد. وجملتها فى موضع النصب لأنها حال. (4) أي غير منوىّ تقديمها، كما فى الرأى السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 وقوله: لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً- أى حرزا- أَوْ مَغاراتٍ (57) وهي الغِيران واحدها غار فِي الجبال أَوْ مُدَّخَلًا يريد: سَرَبا فِي الأرض. لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ مسرعين الجمح هاهنا: الإسراع. وقوله: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ (58) يقول: بعيبك، ويقولون: لا يقسم بالسَّوِيَّة. فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا فلم يعيبوا. ثُمَّ إِنّ الله تبارك وتعالى بيّن لَهُم لمن الصدقات. فقال: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ (60) وهم أهل صُفَّة «1» رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كانوا لا عشائر لَهم، كانوا يلتمسونَ الفضل بالنهار، ثُمَّ يأوون إلى مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهؤلاء الفقراء. وَالْمَساكِينِ: الطوّافين على الأبواب وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وهم السعاة. وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وهم أشراف العرب، كَانَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يعطيهم ليجترّبه إسلام قومهم. وَفِي الرِّقابِ يعنى المكاتبين وَالْغارِمِينَ: أصحاب الدَّيْن الَّذِين ركبهم فِي غير إفساد.   (1) هى موضع مظلل من المسجد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ: الجهاد وَابْنِ السَّبِيلِ: المنقطع بِهِ، أو الضيف. (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) نصب على القطع. والرفع فى (فريضة) جائز لو قرئ «1» بِهِ. وهو فِي الكلام بِمنزلة قولك: هُوَ لك هبةً وهِبةٌ، وهو عليك صدقةً وصدقةٌ، والمالُ بينكما نصفين ونصفان، والمالُ بينكما شِقّ الشَعَرة وشقُّ .... وقوله: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ (61) اجتمعَ قوم عَلَى عَيب «2» النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول رجل منهم: إن هَذَا يبلّغ محمدا- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيقع بنا، ف يَقُولُونَ: إنما هُوَ أُذُنٌ سامعة إِذَا أتيناهُ صدّقَنا، فقولوا ما شئتم. فأنزلَ الله عَزَّ وَجَلَّ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ أي كما تقولون، ولكنه لا يصدقكم، إنما يصدّق المؤمنين. وهو قوله: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ: يصدق بالله. وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ: يصدّق الْمُؤْمِنِين. وهو كقوله: لِلَّذِينَ «3» هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ أي يرهبون ربهم. وأمّا قوله: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فمتصل بِما قبله. وقوله: وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا إن شئت خفضتها «4» تتبعها لخير، وإن شئت «5» رفعتها أتبعتها الأذن. وقد «6» يُقرأ: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ كقوله: قل أذن أفضل لكم و (خير) إِذَا خفض فليس عَلَى معنى أفضل إِذَا خفضت (خير) فكأنك قلت: أذن صلاح لكم، وَإِذَا قلت: (أذن خير لكم) ، فإنك قلت: أذن أصلح لكم. ولا تكون الرحمة إذا رفعت (خير) إلا رفعا. ولو نصبت الرحمة على   (1) قرأ به إبراهيم بن أبى عبلة كما فى القرطبي. (2) كذا فى أ. وفى ش، ج: «غيب» . (3) آية 154 سورة الأعراف. (4) والخفض قراءة حمزة. (5) سقط فى أ. (6) قرأ بهذا الحسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 غير هَذَا الوجه كَانَ صوابًا: (يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ويؤمن للمؤمنين، ورحمة) يفعل ذَلِكَ. وهو كقوله: إِنَّا «1» زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ. وَحِفْظاً. وقوله: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ (62) وحّد «2» (يرضوه) ولم يقل: يرضوهما لأن المعنى- والله أعلم- بمنزلة قولك: ما شاء الله وشئتُ إنما يقصد بالمشيئة قصدُ الثاني، وقوله: «مَا شاءَ اللَّهُ» تعظيم لله مقدم قبل الأفاعيل كما تَقُولُ لعبدك: قد أعتقك الله وأعتقتُك. وإن شئت أردت: يرضوهما فاكتفيت بواحد كقوله: نحن بِمَا عندنا وأنت بما عن ... دك راض والرأي مختلف ولم يقل: راضون. وقوله: إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً (66) والطائفة واحد واثنان، وإِنَّما نزل فِي ثلاثة نفر استهزأ رجلان برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والقرآن، وضحك إليهما آخر، فنزل إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ يعنى الواحد الضاحك نُعَذِّبْ طائِفَةً يعني المستهزئين. وقد جاء وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ «3» يعني واحدًا. ويقرأ: «إن يُعْفَ عَن طائفة منكم تعذّب طائفة» . و «إن يعف ... يعذّب طائفة» . وقوله: وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ (67) : يُمسكون عَن النفقة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم.   (1) آيتا 5، 6 من سورة الصافات. (2) كذا فى ش. وفى ا: «جديرأن» . (3) آية 2 سورة النور. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 وقوله: كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (69) أي فعلتم كأفعال الَّذِينَ من قبلكم. وقوله: فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ. يقول: رضوا بنصيبهم فِي الدُّنْيَا من أنصبائِهم فى الآخرة. وقوله: فَاسْتَمْتَعْتُمْ أي أردتم ما أراد الَّذِينَ من قبلكم. وقوله: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا يريد: كخوضهم الَّذِي خاضوا. وقوله: وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ (70) يقال: إنها قريات قوم لوط وهود وصالِح. ويُقال: إنهم أصحاب لوط خاصَّة. جُمعوا بالتاء عَلَى قوله: وَالْمُؤْتَفِكَةَ «1» أَهْوى. وكأنّ جمعهم إذ قيل الْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ عَلَى الشِيع والطوائف كما قيل: قتلت الفُدَيكات، نسبوا إلى رئيسهم أبي فديك» . وقوله: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ (72) رفع بالاكبر، وَعُدِلَ عَن أن يُنْسَق عَلَى ما قبله وهو مما قد وعدهم الله تبارك وتعالى، ولكنه أوثر بالرفع لتفضيله كما تَقُولُ فِي الكلام: قد وصلتك بالدراهم والثياب، وَحُسْنُ رأيي خير لك من ذَلِكَ. وقوله: وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ (74) هَذَا تعيير لَهُمْ لأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ عَلَى أهل المدينة وهم محتاجونَ، فأَثْرَوا من الغنائم، فقال: وَمَا نَقَمُوا إِلا الغِنى ف (أَنْ) فِي موضع نصب.   (1) آية 53 سورة النجم. (2) هو من رءوس الخوارج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 وقوله: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ (79) يراد بِهِ: المتطوعين «1» فأدغم التاء عند الطَّاء فصارت طاء مشددة. وكذلك (ومن «2» يَطَّوَّعْ خَيْرًا) ، (وَالْمُطَّهِّرِينَ) «3» . ولمزهم إياهم: تنقُّصُهم وَذَلِكَ أنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حثّ الناس عَلَى الصدقة، فجاء عمر بصدقة وعثمان بن عفان بصدقة عظيمة، وبعض أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جاء رجل يُقال لَهُ أَبُو عُقَيل بصاع من تَمر، فقال المنافقون: ما أخرج هَؤُلاءِ صدقاتِهم إلا رِياء، وأمّا أَبُو عقيل فإنما جاء بصاعه ليُذْكر بنفسه، فأنزل الله تبارك وتعالى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ يعني المهاجرين وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ. يعني أبا عقيل. والجُهْد لغة أهل الحجاز والوُجْد، ولغة غيرهم الجَهْد والوَجْد. وقوله: فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (83) من الرجال، خلوف وخالفون، والنساء خوالف: اللاتي يخلُفن فِي البيت فلا يبرحن. ويُقال: عبد خالف، وصاحب خالف: إِذَا كَانَ مخالفًا. وقوله: وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ (90) وهم الَّذِينَ لَهُم عُذْر. وهو فِي المعنى المعتذرونَ، ولكن التاء أدغمت عند الذَّال فصارتا جميعًا (ذالا) مشددة، كما قيل يذّكرون ويذَّكَّر. وهو مثل (يخصّمون) «4» لمن فتح الخاء، كذلك فتحت الْعَين لأن إعراب التاء صار فِي الْعَين كانت- والله أعلم-   (1) حكى فى الإعراب المفسر: المطوعين. ولولا هذا لقال: المتطوعون. (2) فى الآية 158 من سورة البقرة. ويريد المؤلف قراءة حمزة والكسائي. وقراءة العامة: تطوع (3) آية 108 سورة التوبة. (4) فى آية 49 سورة يس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 المعتذرون. وأمّا المعذِّر عَلَى جهة المْفَعِّل فهو الَّذِي يعتذر بغير عذر حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبُو حَفْصٍ الْخَرَّازُ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ «1» : (الْمُعْذِرُونَ) ، وَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْمُعَذِّرِينَ ذَهَبَ إِلَى مَنْ يَعْتَذِرُ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَالْمُعْذِرُ: الَّذِي قَدْ بَلَغَ أَقْصَى الْعُذْرِ. وَالْمُعْتَذِرُ قَدْ يَكُونُ فِي مَعْنَى الْمُعْذِرِ، وَقَدْ يَكُونُ لا عُذْرَ لَهُ. قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الَّذِي لا عُذْرَ لَهُ: يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ (94) ثم قال: (لا تعتذروا) لا عُذْرَ لَكُمْ. وقال لَبِيد فِي معنى الاعتذار بالإعذار إِذَا جعلهما واحدًا: وقوما فقولا بالذي قد علمتما ... ولا تخمشا وجهًا ولا تحلقا الشعر إلى الحول ثُمَّ اسمُ السَّلام عليكما ... ومَنْ يبكِ حولا كاملا فقد اعتذر يريد: فقد أعذر. وقوله: حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا (92) (يَجِدُوا) فِي موضع نصب بأن، ولو كانت رفعا على أن يجعل (لا) فِي مذهب (لَيْسَ) كأنك قلت: حزنًا أن لَيْسَ يَجدونَ ما يُنفقونَ، ومثله. قوله: أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا «2» . وقوله: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ «3» . وكل موضع صلحت (لَيْسَ) فِيهِ فِي موضع (لا) فلك أن ترفع الفعل الَّذِي بعد (لا) وتنصبه.   (1) كذا فى أ. وفى ش، ج: «قال» . (2) آية 89 سورة طه. (3) آية 71 سورة المائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 وقوله: الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً (97) نزلت فِي طائفة من أعراب أَسَد وغَطَفان وحاضرى المدينة. و (أجدر) كقولك: أحرى، وأخلق. وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا موضع (أن) نصب. وكل موضع دخلت فِيهِ (أن) والكلام الَّذِي قبلها مكتفٍ بما خفضه أو رفعه أو نصبه ف (أن) فِي موضع نصب كقولك: أتيتك أنك محسن، وقمت أنك مسيء، وَثَبَتُّ عندك أنك صديق وصاحب. وقد تبين لك أن (أن) فِي موضع نصب لأنك تضع فِي موضع (أن) المصدر فيكون نصبًا ألا ترى أنك تَقُولُ: أتيتك إحسانك، فدلّ الإحسان بنصبه عَلَى نصب أن. وكذلك الآخران. وأمّا قوله: وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا فإن وضعك المصدر فِي موضع (أن) قبيح لأن أخلق وأجدر يطلبن الاستقبال من الأفاعيل فكانت ب (أن) تبين المستقبل، وَإِذَا وضعت مكان (أن) مصدرًا لَمْ يتبيّن استقباله، فلذلك قبح. و (أن) فِي موضع نصب عَلَى كل حال ألا ترى أنك تَقُولُ: أظن أنك قائم فتقضي عَلَى (أن) بالنصب، ولا يصلح أن تَقُولُ: أظن قيامك، فأظن نظير لخليق ولعسى (وجدير) «1» وأجدر وما يتصرف منهن فِي (أن) . وقوله: وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ (98) يعني: الموت والقتل. يقول الله تبارك وتعالى: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وفتح السِّين من (السوء) هُوَ وجه الكلام، وقراءة أكثر القراء. وقد رفع مجاهد «2» السِّين فى موضعين: هاهنا وفى   (1) سقط ما بين القوسين فى ش، ج. وثبت فى أ. (2) وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 سورة الفتح «1» . فمن قَالَ: «دائِرَةُ السَّوْءِ» فإنه أراد المصدر من سؤته سَوْءًا ومساءة ومَسَائية وسوائية، فهذه مصادر. ومن رفع السِّين جعله اسمًا كقولك: عليهم دائرة البلاء والعذاب. ولا يَجوز ضم السِّين فِي قوله: ما «2» كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ ولا فى قوله: وَظَنَنْتُمْ «3» ظَنَّ السَّوْءِ لأنه ضد لقولك: هَذَا رجلُ صِدْق، وثوبُ صدق. فليس للسوء هاهنا معنى فِي عذاب ولا بلاء، فيضمّ. وقوله: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ (100) إن شئت خفضت الأنصار تريد: من المهاجرين ومن الأنصار. وإن شئت رفعت (الأنصار) تُتبعهم قوله: (والسابقون) ، وقد قرأ بِهَا الْحَسَن الْبَصْرِيّ. وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ: من أحسن من بعدهم إلى يوم القيامة. ورفعت (السابقونَ وَالَّذِينَ اتبعوهم) بما عاد من ذكرهم فِي قوله: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ. وقوله: وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ (101) : مرنوا عليه وجرؤوا عليه كقولك: تمردوا. وقوله: سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ. يُقال: بالقتل وعذاب القبر. وقوله: خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً (102) يقول: خرجوا إلى بدر فشهدوها. ويُقال: العمل الصالِح توبتهم من تخلفهم عَن غزوة تَبُوكَ.   (1) فى الآية 6. والكلام فى «دائرة السوء» فقط. (2) آية 28 سورة مريم. (3) آية 6 سورة الفتح. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 وَآخَرَ سَيِّئاً: تخلّفهم يوم تبوك عَسَى اللَّهُ عسى من الله واجب إن شاء الله. وَكَانَ هَؤُلاءِ قد أوثقوا أنفسهم بسَوَاري المسجد، وحلفوا ألا يفارقوا ذَلِكَ حَتَّى تنزل توبتهم، فلما نزلت قالوا: يا رسول الله خذ أموالنا شكرًا لتوبتنا، فقال: لا أفعلُ حَتَّى ينزل بذلك عليّ قرآن. فأنزل الله عَزَّ وجل: قوله: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً (103) فأخذ بعضًا. ثُمَّ قَالَ: تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ: استغفر لَهُم فإن استغفارك لَهُم تسكن إِلَيْهِ قلوبهم، وتطمئنُ بأن قد تابَ الله عليهم. وقد «1» قرئت (صلواتك) . والصلاة أكثر. وقوله: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ (106) هم ثلاثة نَفَرٍ مسمَّون، تخلّفوا عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزوة تبوك، فلمّا رجع قَالَ: (ما عذركم) ؟ قالوا: لا عذر لنا إلا الخطيئة، فكانوا موقوفين حَتَّى نزلت توبتهم فِي قوله: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ (117) وقوله: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا (118) وهم كعب بن مالك، وهلال بن أُمَيَّة، ومرارة.   (1) وهى قراءة غير حفص وحمزة والكسائي وخلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 وقوله: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً (107) هم بنو عَمْرو بن عوف من الأنصار، بنَوا مسجدهم ضرارًا لِمسجد قُبَاءَ. ومسجد قباء أول مسجد بني عَلَى التقوى. فلمّا قدم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزوة تبوك أمر بإحراق مسجد الشقاق وهدمه. ثُمَّ قال: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً (108) يعني مسجد بني عَمْرو. ثُمَّ انقطعَ الكلام فقال: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ. ثم قال: فِيهِ رِجالٌ الأولى صلة لقوله: (تقوم) والثانية رفعت الرجال. وقوله: أَسَّسَ (104) وأَسَّسَ «1» ، ويَجوز أساس، وآساس. ويخيَّل إليّ أني قد سمعتها فِي القراءة. وقوله: لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ (110) يعنى مسجد النفاق (ريبة) يقال: شكّا (إلا أن تقطّع) و (تقطّع) «2» معناهُ: إلا أن يموتوا. وقرأ الْحَسَن (إلى أن تَقَطَّع) بمنزلة حَتَّى، أي حَتَّى تَقَطَّع. وهي فِي قراءة عبد الله ولو قُطِّعت قلوبُهم حجة لمن قال إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ بضم التاء.   (1) وهى قراءة نافع وابن عامر. والأولى بالبناء للفاعل قراءة الباقين. (2) الجمهور على قراءة (تقطع قلوبهم) وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص ويعقوب كذلك إلا أنهم فتحوا التاء (تقطع قلوبهم) وروى عن يعقوب وأبى عبد الرحمن (تقطع) مخفف القاف مبنيا لما لم يسم فاعله. وروى عن شبل وابن كثير (تقطع قلوبهم) أي أنت تفعل ذلك بهم (من تفسير القرطبي) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 وقوله: فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ (111) قراءة أصحاب عبد الله يقدمون المفعول بِهِ قبل الفاعل. وقراءة العوام «1» : (فَيَقْتُلون ويُقتلون) . وقوله: وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا خارج من قوله: بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ وهو كقولك: عَليّ ألف درهم عِدَّةٌ صحيحة، ويَجوز الرفع لو قيل. وقوله: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ (112) استؤنفت بالرفع لتمام الآية قبلها وانقطاع الكلام، فحسن الاستئناف. وهي فِي قراءة عبد الله «التائبين العابدين» فِي موضع خفض لأنه نعت للمؤمنين: اشترى من الْمُؤْمِنِين التائبين. ويَجوز أن يكون (التائبين) فِي موضع نصب عَلَى المدح كما قَالَ: لا يبعدن قومي الَّذِينَ هم ... سم العداة وآفة الجزر «2» النازلين بكل معترك ... والطيبينَ معاقِدَ الأزْر وقوله: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ (115) سأل المسلمون النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمن مات من المسلمين وهو يصلي إلى القبلة الأولى، ويستحل الخمر قبل تَحريمها، فقالوا: يا رسول الله أمات إخواننا ضُلالا؟ فأنزلَ الله تبارك وتعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ يقول: ليسوا بضلال ولم يصرفوا عَن القبلة الأولى، ولم ينزل عليهم تحريم الخمر.   (1) يريد غير حمزة والكسائي وخلف أصحاب القراءة الأولى. (2) انظر ص 105 من هذا الجزء. وقد ضبط فيه «الجزر» و «الأزر» بضم ما قبل الروى. والصواب تسكينها كما هنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 وقوله: مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ (117) وكاد تزيغ «1» . [من] «2» قال: كادَ يَزِيغُ جعل فى (كاد يزيغ) اسمًا «3» مثل الَّذِي فِي قوله: عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ «4» وجعل (يزبغ) بِهِ ارتفعت القلوب مذكرًا كما قَالَ الله تبارك وتعالى: لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها «5» ولا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ «6» ومن قال (تزيغ) جعل فعل القلوب مؤنثًا كما قَالَ: نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا «7» وهو وجه الكلام، ولم يقل (يطمئن) وكل فعل كَانَ لِجماع مذكر أو مؤنث فإن شئت أنثت فعله إِذَا قدمته، وإن شئت ذكّرته. وقوله: وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً (120) يريد بالموطئ الأرض وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً فِي ذهابِهم ومجيئهم إلا كتب لَهُم. وقوله: وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً (122) لِمَا عُيِّر المسلمون بتخلفهم عن غزوة تبوك جعل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبعث السرية فينفرونَ جَميعًا، فيبقى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده، فأنزل الله تبارك وتعالى: وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً يعني «8» : جميعًا ويتركوك وحدك. ثُمَّ قَالَ: فَلَوْلا نَفَرَ معناهُ: فهلا نفر مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ليتفقّه الباقون الذين تخلفوا ويحفظوا عَلَى قومهم ما نزل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من القرآن.   (1) قراءة الياء لحفص وحمزة. وقراءة التاء للياقين. (2) زيادة خلت منها الأصول. (3) كأنه يريد: ضمير الشأن والحديث. وهذا تأويل البصريين. (4) آية 11 سورة الحجرات. (5) آية 37 سورة الحج. (6) آية 52 سورة الأحزاب. (7) آية 113 سورة المائدة. (8) كذا فى ش، ج. وفى ا: «يريد» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ يقول: ليفقِّهوهم. وقد قيل فيها: إن أعراب أسد قدموا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فغلت الأسعار وملئوا الطرق بالعذرات، فأنزل الله تبارك وتعالى: فَلَوْلا نَفَرَ يقول: فهلا نفر منهم طائفة ثُمَّ رجعوا إلى قومهم فأخبروهم بما تعلّموا. وقوله: يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ (123) يريد: الاقرب فالاقرب. وقوله: وَإِذا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ (124) يعني: المنافقين يقول بعضهم لبعض: هَلْ زادتكم هَذِه إيمانًا؟ فأنزل الله تبارك وتعالى «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً ... وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ» والمرض هاهنا النفاق. وقوله: أَوَلا يَرَوْنَ (126) (وترون) «1» بالتاء. وَفِي قراءة عبد الله «أو لا ترى أنهم» والعربُ تَقُولُ: ألا ترى للقوم وللواحد كالتعجب، وكما قيل «ذَلِكَ أزْكَى لهم، وذلكم» وكذلك (ألا ترى) و (ألا ترون) . وقوله: وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ (127) فيها ذكرهم وعيبهم قَالَ بعضهم لبعض هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ إن قمتم، فإن خفي لَهُم القيام قاموا. فذلك قوله: ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ دعاء عليهم.   (1) قراءة الخطاب لحمزة ويعقوب، وقراءة الغيبة للباقين. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 وقوله: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ (128) يقول: لَمْ يبق بطن من العرب إلا وقد ولدوه. فذلك قوله مِنْ أَنْفُسِكُمْ. وقوله: عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ (ما) فِي موضع رفع معناهُ: عزيز عَلَيْهِ عنتكم. ولو كَانَ نصبًا: عزيزًا عَلَيْهِ ما عنتم حريصًا رءوفًا رحيمًا، كَانَ صوابًا، عَلَى قوله لقد جاءكم كذلك. والحريص الشحيح أن يدخلوا النار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 ومن سورة يونس قوله: أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا (2) نصبت (عجبا) ب (كان) ، ومرفوعها أَنْ أَوْحَيْنا وكذلك أكثر ما جاء فِي القرآن إِذَا كانت (أن) ومعها فعل: أن يجعلوا الرفع فِي (أَنْ) ، ولو جعلوا (أَنْ) منصوبة ورفعوا الفعل كَانَ صوابًا. وقوله: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا (4) رفعت المرجع ب (إِلَيْهِ) ، ونصبت قوله (وَعْدَ الله حقّا) بخروجه منهما «1» . ولو كَانَ رفعًا كما تَقُولُ: الحق عليك واجب وواجبًا كَانَ صوابًا. ولو استؤنف (وعد الله حق) «2» كَانَ صوابًا. (إِنَّهُ يبدأ الخلق) مكسورة لأنها مستأنفة. وقد فَتَحها بعضُ القرّاء «3» . ونُرى أَنَّهُ جعلها اسمًا للحق وجعل (وَعْدَ اللَّهِ) متصلا بقوله (إليه مرجعكم) ثم قال: «حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ» ف (أَنَّهُ) فِي موضع رفع كما قَالَ الشاعر: أحقًّا عباد الله أن لست لاقيا ... بُثَيْنَة أو يلقى الثريا رقيبُها «4» وقال الآخر: أحقا عباد الله جُرْأَةُ محلق ... عليّ وقد أعييت عادا وتبّعا «5»   (1) يريد أنه مصدر مؤكد للجملة السابقة. (2) وقرأ بهذا إبراهيم بن أبى عبلة. (3) من هؤلاء أبو جعفر والأعمش. (4) رقيب الثريا النجم الذي لا يطلع حتى تغيب الثريا. وهو الإكليل. فقوله: أو يلقى الثريا كناية عن الاستحالة، يقول: إنه لا يلقاها أبدا. (5) كأن محلقا رجل بعينه. وترى المصدر فى البيت صريحا، وما قبله المصدر فيه مؤول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 وقوله: جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ (5) ولم يقل: وقدّرهما. فإن شئت جعلت تقدير المنازل للقمر خاصَّة لأن به تعلم الشهور. وإن شئت جعلت التقدير لَهما جَميعًا، فاكتفى بذكر أحدهما من صاحبه كما قَالَ الشاعر «1» : رَماني بأمرٍ كنت منه ووالدي ... بريئًا ومن جُولِ الطَويّ رماني وهو مثل قوله وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ «2» ولم يقل: أن يرضوهما. وقوله: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ (11) يقول: لو أجيب الناس فِي دعاء أحدهم على ابنه وشيهه بقولهم: أماتك الله، ولعنك الله، وأخزاكَ الله لهلكوا. و (استعجالهم) منصوب بوقوع الفعل: (يعجل) كما تَقُولُ: قد ضربت اليوم ضربتك، والمعنى: ضربت كضربتك، وليس المعنى هاهنا كقولك: ضربت ضربًا لأن ضربًا لا تضمر الكاف فِيهِ لأنك لَمْ تشبهه بشيء، وإنما شبهت ضربك بضرب غيرك فحسنت فِيهِ الكاف. وقوله لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ويقرأ: (لَقَضى إليهم أجلهم) «3» . ومثله فَيُمْسِكُ «4» الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ و (قضى عليها الموت) .   (1) هو ابن أحمر، أو هو الأزرق بن طرفة كما قال ابن برىّ. والطوىّ: البئر، وجولها: جدارها. وقوله: من جول الطوىّ رمانى مثل. يريد أن ما رمانى به يعود قبحه عليه، فإن من كان فى البئر ورمى بشىء من جدارها عاد عليه ما رمى به إذ ينجذب إلى أسفل. ويروى: «ومن أجل الطوى» وهو الصحيح لأن الشاعر كان بينه وبين خصمه منازعة فى بئر. وانظر اللسان فى جال. (2) آية 62 سورة التوبة. (3) وهى قراءة ابن عامر ويعقوب. وما قبله قراءة الباقين. (4) آية 42 سورة الزمر. وقد قرأ بالبناء للمفعول حمزة والكسائي وخلف، وقرأ الباقون بالبناء للفاعل ونصب الموت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 وقوله: مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ (12) يقول: استمر عَلَى طريقته الأولى قبل أن يصيبه البلاء. وقوله: قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ (16) وقد ذكر عَن الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ: «ولا أدرأتُكم بِهِ» فإن يكن فيها لغة سوى دريت وأدريت فلعلّ الْحَسَن ذهب إليها. وأمّا أن تصلح من دريت أو أدريت فلا لأن الياء والواو إِذَا انفتح ما قبلهما وسكنتا صحَّتا ولم تنقلبا إلى ألف مثل قضيت ودعوت. ولعل الْحَسَن ذهب إلى طبيعته وفصاحته فهمزها لأنها تضارع درأت الحد وشبهه. وربما غلطت العرب فِي الحرف إِذَا ضارعه آخر من الْهَمْز فيهمزونَ غير المهموز سمعت امرأة من طيئ تَقُولُ: رثأت زوجي بأبياتٍ. ويقولون لبَّأْت بالحج وحَلات السَويق فيغلطون لأن حَلات قد يُقال فِي دفع العِطاش من الإبل، ولبَّأت ذهب إلى اللبأ «1» الَّذِي يؤكل، ورثأت زوجي ذهبت إلى رثيئة اللبن وَذَلِكَ إِذَا حلبت الحليب عَلَى الرائب. وقوله: وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ (21) العرب تجعل (إِذَا) تكفي من فعلت وفعلوا. وهذا الموضع من ذَلِكَ: اكتُفي ب (إِذَا) من (فعلوا) ولو قيل (من بعد ضراء مستهم مكروا) كَانَ صوابًا. وهو فِي الكلام والقرآن كَثِير. وتقول: خرجت فإذا أنا بزيد. وكذلك يفعلونَ ب (إذْ) كقول الشاعر «2» : بينما هنَّ بالأراكِ مَعًا ... إذ أتى راكب عَلَى جمله   (1) هو أول اللبن عند الولادة. (2) هو جميل بن معمر العذرىّ. وقوله: «بينماهن» فى رواية الخزانة 4/ 199: «بينما نحن» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 وأكثر الكلام فِي هَذَا الموضع أن تطرح (إذ) فيقال: بينا تَبغيه العَشَاء وطَوْفِه ... وقع العشاءُ بِهِ عَلَى سِرْحَانِ «1» ومعناهما واحد ب (إذ) وبطرحها «2» . وقوله: الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ (22) قراءة العامة. وقد ذكر عَن زيد بن ثابت (ينشركم) قرأها أَبُو جَعْفَر «3» المدني كذلك. وكل صواب إن شاء الله. وقوله: جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ يعني الفُلْك فقال: جاءتها، وقد قَالَ فِي أوّل الكلام وَجَرَيْنَ بِهِمْ ولم يقل: وجرَت، وكل صواب تَقُولُ: النساء قد ذهبت، وذهبن. والفلك تؤنث وتذكر، وتكون واحدة وتكون جمعًا. وقال فِي يس فِي الْفُلْكِ «4» الْمَشْحُونِ فذكّر الفلك، وقال هاهنا: جاءتها، فأنث. فإن شئت جعلتها هاهنا واحدة، وإن شئت: جماعًا. وإن شئت جعلت الْهَاء فِي (جَاءَتْهَا) للريح كأنك قلت: جاءت الريح الطيبة ريح عاصف. والله أعلم بصوابه. والعربُ تَقُولُ: عاصف وعاصفة، وقد أعصفت الريح، وعَصَفت. وبالألف لغة لبني أسد أنشدني بعض بني دَبِير: حَتَّى إِذَا أعصفت ريح مزعزِعة ... فيها قِطار ورعد صوته زجل «5»   (1) التبغى: الطلب. والسرحان: الذئب. والطوف: الطواف. يريد أنه حين طلب الخير لنفسه أصابه الهلاك، وقد ضرب له مثلا من يبغى العشاء فيصادفه ذئب يأكله، وهو مثل لهم قال فى مجمع الأمثال: «يضرب فى طلب الحاجة يؤدّى صاحبها إلى التلف» . وفى أصله أقاويل مختلفة. (2، 3) وكذلك ابن عامر. (4) فى الآية 41 [ ..... ] (5) مزعزعة: شديدة تحريك الأشجار: وقطار جمع قطر، يريد: ما قطر وسال من المطر. وزجل: مصوّت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 وقوله: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ (23) إن شئت جعلت خبر (البغي) فِي قوله (على أنفسكم) «1» ثم تنصب «2» (متاع الحياة الدنيا) كقولك: مُتْعَةً فِي الحياة الدُّنْيَا. ويصلح الرفع «3» هاهنا عَلَى الاستئناف كما قَالَ لَمْ «4» يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ أي ذلك (بلاغ) وذلك (متاع الحياة الدنيا) وإن شئت جعلت الخبر فِي المتاع. وهو وجه الكلام. وقوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى (26) فِي موضع رفع. يُقال إن الحسنى الحسنة. (وزيادة) حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الأَحْوَصِ سَلامُ «5» بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصدّيق رحمه الله قال: للذين أحسنوا الحسنى وزيادة: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَيُقَالُ (للذين أحسنوا الحسنى) يريد حسنة مثل «6» حسناتهم (وزيادة) زيادة التضعيف كقوله فَلَهُ «7» عَشْرُ أَمْثالِها. وقوله: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها (27) رفعت الجزاء بإضمار (لَهُم) كأنك قلت: فلهم جزاء «8» السيئة بمثلها كما قَالَ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ «9» وفَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ «10» والمعنى: فعليه صيام ثلاثة أيام، وَعَلَيْهِ فدية. وإن شئت رفعت الجزاء بالباء فِي قوله: جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها والأوّل أعجب إلىّ.   (1) فى ش، ج قبلها: «إن شئت» وهى زيادة من الناسخ. (2) وهى قراءة حفص وابن أبى اسحق. (3) وهو قراءة العامة غير حفص. (4) آية 45 سورة الأحقاف. (5) هو الكوفي أحد الأثبات الثقات. توفى سنة 179 كما فى شذرات الذهب. (6) كذا فى أ. وفى ش، ج: «من» . (7) آية 160 سورة الأنعام. (8) سقط فى أ (9، 10) آية 196 سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 وقوله: كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً و (قطعا) «1» . والقِطْع قراءة العامة. وهي فِي مصحف أُبَيّ كأنما يَغْشَى وجوهَهم قِطع من الليل مظلم فهذه حجة لمن قرأ بالتخفيف. وإن شئت جعلت المظلم وأنت تَقُولُ قِطْع قطعًا «2» من الليل، وإن شئت جعلت المظلم نعتًا للقطع، فإذا قلت قطعًا كَانَ قطعًا من الليل خاصة. والقطع ظلمة آخر الليل فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ «3» . وقوله: فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ (28) ليست من زُلْت إنّما هي من زِلْتُ ذا من ذا: إِذَا فرقت أنت ذا من ذا. وقال فَزَيَّلْنا لكثرة الفعل. ولو قَلَّ لقلت: زِلْ ذا من ذا كقولك: مِزْ ذا من ذا. وقرأ بعضهم فزايلنا بينهم وهو مثل قوله يُراؤُنَ ويرءّون «4» وَلا تُصَعِّرْ «5» ، ولا تصاعر والعربُ تكاد توفّق بين فاعلت وفعّلت فِي كَثِير من الكلام، ما لَمْ تُرد فَعَلت بي وفعلتُ بك «6» ، فإذا أرادوا هذا لم تكن إلا فاعلت. فإذا أردت: عاهدتك وراءيتك وما يكون الفعل فِيهِ مفردًا فهو الَّذِي يحتمل فعلت وفاعلت. كذلك يقولون: كالمت فلانًا وكلّمته، وكانا متصارمين فصارا يتكالمان ويتكلّمان.   (1) هذه قراءة ابن كثير والكسائي ويعقوب. (2) يريد أن يكون المظلم حالا من الليل، وكذا فى الوجه الآتي فى المتحرك. ولو كان «نعتا» كان أظهر، ويكون المراد بالنعت الحال. (3) آية 81 سورة هود. (4) آية 142 سورة النساء. وقد قرأ بتشديد الهمزة ابن أبى إسحق. [ ..... ] (5) آية 18 سورة لقمان. قرأ نافع وأبو عمرو والكسائي وخلف «تصاعر» والباقون «تصعر» . (6) يعنى إذا كان الفعل بين اثنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 وقوله: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ (30) قرأها عبد الله بن مسعود: (تتلو) «1» بالتاء. معناها- والله أعلم-: تتلو أي تقرأ كُلُّ نفس عملها فِي كتاب كقوله وَنُخْرِجُ «2» لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً وقوله فَأَمَّا «3» مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ. وقوله اقْرَأْ «4» كِتابَكَ قوَّة لقراءة عبد الله. وقرأها مجاهد «5» (تبلو كل نفسٍ ما أسلفت) أي تخْبره وتراه. وكلٌّ حسن. حَدَّثَنَا مُحَمَّد قَالَ حَدَّثَنِي الفراء قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّيْمِيّ عَن مُغيرة عَن مجاهد أَنَّهُ قرأ (تبلو) بالباء. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: حَدَّثَنِي بَعْضُ الْمَشْيَخَةِ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (تَبْلُو) تَخْبُرُ، وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ. وقوله وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ (الحق) تجعله من صفات الله تبارك وتعالى. وإن شئت جعلته نصبًا تريد: ردوا إلى الله حقًّا. وإن شئت: مولاهم حقًّا. وكذلك قوله: فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ (32) فِيهِ ما فِي الأولى. وقوله تعالى: كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ (33) وقد يقرأ (كَلِمَةُ رَبِّكَ) و (كلمات ربك) . قراءة أهل المدينة عَلَى الجمع. وقوله: عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ: حَقَّت عليهم لانهم لا يؤمنون، أو بأنهم لا يؤمنون، فيكون موضعها نصبًا إِذَا ألقيت الخافض. ولو كسرت فقلت:   (1) وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف. (2) آية 13 سورة الإسراء. (3) آية 19 سورة الحافة. (4) آية 14 سورة الإسراء. (5) هى قراءة غير حمزة والكسائي وخلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 «إنهم» كَانَ صوابًا عَلَى الابتداء. وكذلك قوله آمَنْتُ «1» أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وكسرها أصحابُ» عبد الله عَلَى الابتداء. وقوله: أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى (35) يقول: تعبدونَ ما لا يقدر عَلَى النُقْلة من مكانه، إِلا أن يحول وتنقلوه. وقوله: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى (37) المعنى- والله أعلم-: ما كَانَ ينبغي لمثل هَذَا القرآن أن يُفترى. وهو فِي معنى: ما كَانَ هَذَا القرآن ليفترى. ومثله وَما كانَ «3» الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً أي ما كان ينبغى لَهُم أن ينفروا لانهم قد كانوا نَفَروا كافة، فدلّ المعنى عَلَى أَنَّهُ لا ينبغي لَهُم أن يفعلوا مرة أخرى. ومثله وَما كانَ «4» لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ أي ما ينبغي لنبي أن يَغُلّ، ولا يُغَلَّ «5» . فجاءت (أنْ) عَلَى معنى ينبغي كما قال مَا لَكَ «6» أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ والمعنى: منعك، فأدخلت (أن) فِي (مالك) إذ كَانَ معناها: ما منعك. ويدلّ عَلَى أن معناهما واحد أَنَّهُ قَالَ لَهُ فِي موضع: (ما منعك) «7» ، وَفِي موضع (مالك) وقصة إبليس واحدة. وقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ (44) للعرب فِي (لكن) لغتان: تشديد النون وإسكانها. فمن شدّدها نصب بِهَا الاسماء، ولم يلها فَعَل ولا يَفْعَلُ. ومَنْ خفَّف نونها وأسكنها لم يعملها فى شىء اسم   (1) آية 90 سورة يونس. (2) وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف. (3) آية 122 سورة التوبة. (4) آية 161 سورة آل عمران. (5) يشير إلى القراءتين فى الآية. وانظر ص 246 من هذا الجزء. (6) آية 32 سورة الحجر. (7) كما فى الآية 12 من سورة الأعراف. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 ولا فعل، وَكَانَ الَّذِي يعمل فِي الاسم الَّذِي بعدها ما معه، ينصبه أو يرفعه أو يخفضه من ذَلِكَ قوله وَلكِنَّ «1» النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ وَلكِنَّ «2» اللَّهَ رَمى (وَلكِنَّ «3» الشَّياطِينَ كَفَرُوا) رُفعِت هَذِه الأحرف بالأفاعيل التي بعدها. وأمّا قوله مَا كانَ «4» مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ فإنك أضمرت (كَانَ) بعد (لكن) فنصبت بِهَا، ولو رفعته عَلَى أن تضمر (هُوَ) : ولكن هُوَ رسول الله كَانَ صوابًا. ومثله (وَما كانَ «5» هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) و (تصديق) . ومثله (مَا كانَ «6» حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) (وتصديق) . فإذا ألقيت من (لكن) الواو التي فِي أولها آثرت العرب تَخفيف نونها. وَإِذَا أدخلوا الواو آثروا تشديدها. وإِنَّما فعلوا ذَلِكَ لأنها رجوع عمّا أصاب أول الكلام، فشبِّهت ببل إذْ كَانَ رجوعًا مثلها ألا ترى أنك تَقُولُ: لَمْ يقم أخوك بَلْ أبوك ثُمَّ تَقُولُ: لَمْ يقم أخوك لكن أبوك، فتراهما بِمعنى واحد، والواو لا تصلح فِي بَلْ، فإذا قالوا (ولكن) فأدخلوا الواو تباعدت من (بَلْ) إذ لَمْ تصلح الواو فِي (بَلْ) ، فآثروا فيها تشديد النون، وجعلوا الواو كأنها واو دخلت لعطف لا لِمعنى بَلْ. وإنّما نصبت العرب بِهَا إِذَا شُددت نونها لأن أصلها: إن عبد الله قائم، فزيدت عَلَى (إن) لام وكاف فصارتا جميعًا حرفًا واحدًا ألا ترى أن الشاعر قَالَ: ولكنني من حبّها لكميد «7»   (1) الرفع والتخفيف قراءة الكسائىّ وحمزة وخلف. وقرأ الباقون بالتشديد والنصب. (2) آية 17 سورة الأنفال. وقراءة الرفع والتخفيف لابن عامر وحمزة والكسائىّ وخلف. (3) آية 102 سورة البقرة. والتخفيف والرفع للقرّاء الذين سلف ذكرهم آنفا. (4) آية 40 سورة الأحزاب. (5) آية 37 سورة يونس. (6) آية 111 سورة يوسف. (7) كميد وصف من كمد كفرح: أصابه الكمد وهو أشدّ الحزن. ويروى «لعميد» ، وهو فعيل فى معنى مفعول من عمده المرض أو العشق إذا فدحه وهدّه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 فلم تدخل اللام إلا لأن معناها إنّ. وهى فيما وصلت به من أوّلها بمنزلة قول الشاعر: لِهنَّكِ من عَبْسِيَّةٍ لوسِيمةٌ ... عَلَى هَنَواتٍ كاذبٍ من يقولها «1» وصل (إنّ) هاهنا بلام وهاء كما وصلها ثَمَّ بلام وكاف. والحرف قد يوصل «2» من أوّله وآخره. فمما وصل من أوله (هذا) ، و (ها ذاك) ، وصل ب (ها) من أوله. ومما وصل من آخره. قوله: إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ «3» ، وقوله: لتذهبن ولتجلسن. وصل من آخره بنون وب (ما) . ونرى أن قول العرب: كم مالك، أنها (ما) وصلت من أولها بكاف، ثُمَّ إن الكلام كَثِر ب (كم) حَتَّى حذفت الألف من آخرها فسكنت ميمها كما قالوا: لِمَ قلت ذاك؟ ومعناهُ: لِمَ قلت ذاك، ولما «4» قلت ذاك؟ قَالَ الشاعر: يا أبا الاسود لِم أسلمتني ... لِهموم طارقات وذِكر وقال بعضُ العرب فِي كلامه وقيل لَهُ: منذكم قعد فلان؟ فقال: كَمُذْ أخذتَ فِي حديثك، فردُّه الكاف فِي (مذ) يدل عَلَى أن الكاف فِي (كم) زائدة. وإنهم ليقولون: كيف أصبحت، فيقول: كالخير، وكخير. وقيل لبعضهم: كيف تصنعونَ الأقِط؟ فقال: كهين. وقوله: فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (46) (ثم) هاهنا عطف. ولو قيل: ثَمَّ الله شهيد عَلَى ما يفعلون. يريد: هنالك الله شهيد على ما يفعلون «5» .   (1) عبسية يريد امرأة من بنى عبس. والهنوات جمع هنة وهى ما يقبح التصريح به، يريد الفعلات القبيحة. وانظر الخزانة 4/ 326. (2) فى ش، ج: «يوصل بها» . (3) آية 93 سورة المؤمنون. (4) تراه أثبت ألف ما مع الجارّ، وبعض النحويين يمنعه. (5) حذف جواب لو على عادته، أي لجاز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 وقوله: إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) إن شئت جعلت (ماذا) استفهامًا محضًا عَلَى جهة التعجب كقوله: ويلَهم ماذا أرادوا باستعجال العذاب؟! وإن شئت عظّمت أمر العذاب فقلت: بِماذا استعجلوا! وموضعه رفع إِذَا جعلت الْهَاء راجعة عَلَيْهِ، وإن جعلت الْهَاء فِي (منه) للعذاب وجعلته «1» فِي موضع نصب أوقعت عَلَيْهِ الاستعجال. وقوله: آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) (الآن) حرف بني عَلَى الألف واللام لَمْ تخلع «2» منه، وترك عَلَى مذهب الصفة لأنه صفة فِي المعنى واللفظ كما رأيتهم فعلوا فى (الذي) و (الذين) فتركوهما عَلَى مذهب الأداة، والألف واللام لهما غير مفارقتين. ومثله قول الشاعر: فإن الألاءِ يعلمونك منهم ... كعلمي مظَّنُّوكَ ما دمت أشعرا «3» فأدخل الألف واللام عَلَى (ألاء) ثُمَّ تركها مخفوضة فِي موضع النصب كما كانت قبل أن تدخلها الألف واللام. ومثله قوله: وأنى حُبست اليوم والامس قبله ... ببابك حَتَّى كادت الشمس تغرب «4»   (1) حذف جواب (إن) على عادته، أي لجاز. وقد يكون الجواب: «أوقعت» . وربما كان الأصل «جعلته» دون واو، وهو الجواب. وقوله: «أوقعت» تفسير وتعليل له. (2) فى اللسان (أين) : «يخلعا» . [ ..... ] (3) «كعلمى» فى ا: «كعلم» . (4) من قصيدة لنصيب يخاطب فيها عبد العزيز بن مروان وكان وفد عليه فى مصر فحجب عنه. وقبله: ألا هل أتى الصقر ابن مروان أننى ... أرد لدى الأبواب عنه وأحجب وقوله: «وأنى حبست اليوم» فالأقرب فتح «أن» عطفا على «أننى» فى البيت قبله. ويصح الرفع على الاستئناف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 فأدخل الألف واللام عَلَى (أمس) ثُمَّ تركه مخفوضًا عَلَى (جهته الأولى) «1» . ومثله قول الآخر «2» : تفقَّأ فوقه القَلَع السواري ... وَجُنَّ الخازبَازَ بِهِ جنونا فمثل (الآن) بأنها كانت منصوبة «3» قبل أن تدخل عليها الألف واللام، ثُمَّ أدخلتهما فلم يغيراها. وأصل الآن إنما كَانَ (أوان) حذفت منها الألف وغيِّرت واوها إلى الألف كما قالوا فِي الراح: الرَيَاح أنشدني أَبُو القمقام الفقعسي: كأن مَكَاكِيَّ الجِوَاء غُدَيَّةً ... نشاوَى تساقَوا بالرَيَاح الْمُفَلْفَل «4» فجعل الرياح والاوان عَلَى جهة فَعَل ومرة عَلَى جهة فعال كما قالوا: زمن وزمان. وإن شئت جعلت (الآن) أصلها من قولك: آن لك أن تفعل، أدخلت عليها الألف واللام، ثُمَّ تركتها عَلَى مذهب فَعَلَ فأتاها النصبُ من نصب فَعل. وهو وجه جيِّد كما قالوا: نَهَى رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن قيل وقال وكثرة السؤال،   (1) فى اللسان: «جهة الألاء» . (2) هو ابن أحمر الباهلي. وهو فى وصف الهجل المذكور فى البيت قبله: بهجل من قسا ذفر الخزامى ... تهادى الجربياء به الحنينا والهجل: المطمئن من الأرض. وقسا: موضع، والخزامى: نبت طيب الرائحة. والجربياء ريح الشمال. وتفقأ أصله: تنفقأ أي تنشق. والقلع: جمع القلعة وهى السحابة العظيمة، والسواري التي تأتى ليلا. والخازباز أراد به عشبا، أو ذبابا. والكلام فى صفة روض فى الهجل، ففيه العشب الذي جن وهو كناية عن طوله وعمومه، أو الذباب الذي يغشى الرياض، وجنونه هزجه وصوته. وانظر الخزانة 3/ 109 (3) يريد فتح الزاى فى الخازباز، وهذا إحدى اللغات فى الكلمة. ومن اللغات كسر الزاى. ويقال أيضا الخزباز كقرطاس. (4) المكاكي ضرب من الطيور. والجواء واد فى نجد. وغدية تصغير غدوة. والرياح الخمر، والمفلفل: الذي وضع فيه الفلفل. والبيت من معلقة امرئ القيس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 فكانتا كالاسمين فهما منصوبتان. ولو خفضتا عَلَى أنهما أخرجنا من نِيَّة الفعل كَانَ صوابًا سمعتُ العرب تَقُولُ: من شُبَّ إلى دُبَّ بالفتح، ومن شُبٍّ إلى دُبٍّ يقول «1» : مذ كَانَ صغيرًا إلى أن دَبّ، وهو فَعَلَ. وقوله: وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ (54) يعني الرؤساء من المشركين، أسَرُّوها من سفلتهم الَّذِينَ أضلوهم، فأسروها أي أخفوها. وقوله: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا (58) هَذِه قراءة العامة. وقد ذكر عَن زيد «2» بن ثابت أنه قرأ (فيذلك فلتفرحوا) أي يا أصحاب مُحَمَّد، بالتاء. وقوله: هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ: يجمع الكفار. وقوّى قول زيد أنها فِي قراءة أُبَيّ (فبذلك فافرحوا) وهو «3» البناء الَّذِي خُلِق للأمر إِذَا واجهتَ بِهِ أو لَمْ تواجه إلا أن العرب حذفت اللام من فعل المأمور المواجه لكثرة الأمر خاصَّة فِي كلامهم فحذفوا اللام كما حذفوا التاء من الفعل. وأنت تعلم أن الجازم أو الناصب لا يقعان إلا عَلَى الفعل الَّذِي أوله الياء والتاء والنون والألف. فلما حُذفت التاء ذهبت باللام وأحدثت الألف «4» فِي قولك: اضرب وافرح لأن الضَّاد ساكنة فلم يستقم أن يُستأنف بحرف ساكن، فأدخلوا ألفًا خفيفة يقع بها الابتداء كما قال: (ادّاركوا) . (واثّاقلتم) . وَكَانَ الْكِسَائي يعيب قولهم (فلتفرحوا) لأنه وجده   (1) كذا فى ش، ح. وفى ا: «يريد» . (2) وهى قراءة رويس عن يعقوب. (3) أي الأمر باللام كما جاء فى قراءة زيد. (4) يريد همزة الوصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 قليلا فجعله عيبًا، وهو الاصل. ولقد سمعت عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي بعض المشاهد (لتأخذوا مصافكم) «1» يريد بِهِ خذوا مصافكم. وقوله: وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً (61) يقول: الله تبارك وتعالى شاهد عَلَى كل شيء. (وما) هاهنا جحد لا موضع لَهَا. وهي كقوله مَا يَكُونُ «2» مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ يقول: إلا هُوَ شاهدهم. وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ و (أصغر وأكبر) . فمن نصبهما «3» فإنما يريد الخفض: يُتبعهما المثقال أو الذرة. ومن رفعهما أتبعهما معنى المثقال لأنك لو ألقيت من المثقال (من) كَانَ رفعًا. وهو كقولك: ما أتاني من أحد عاقلٍ وعاقلٌ. وكذلك قوله ما «4» لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ. وقوله: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (63) (الَّذِينَ) فِي موضع رفع لأنه نعت جاء بعد خبر إنّ كما قَالَ إِنَّ «5» ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ وكما قَالَ قُلْ «6» إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ والنصب فِي كل ذَلِكَ جائز عَلَى الاتباع للاسم الأوّل وعلى تكرير (إنّ) .   (1) المصاف جمع مصف، وهو الموقف فى الحرب وموضعها الذي تكون فيه الصفوف. (2) آية 7 سورة المجادلة. (3) وهم عامة القراء عدا حمزة ويعقوب وخلف، فقد قرءوا بالرفع. (4) تكرّر هذا فى القرآن. ومنه الآية 65 سورة الأعراف. يريد أنه جاء فى «غيره» الرفع على المحل والجرّ على اللفظ. والجرّ قراءة الكسائىّ وأبى جعفر. والرفع قراءة الباقين. [ ..... ] (5) آية 64 سورة ص. (6) آية 48 سورة سبأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 وَإِنَّمَا رفعت العرب النعوت إِذَا جاءت بعد الأفاعيل «1» فِي (إنّ) لانهم رأوا الفعل «2» مرفوعًا، فتوهّموا أن صاحبه مرفوع فِي المعنى- لانهم لَمْ يَجدوا فِي تصريف المنصوب اسمًا منصوبًا وفعله مرفوع- فرفعوا النعت. وَكَانَ الْكِسَائي يقول: جعلته- يعني النعت- تابعًا للاسم المضمر فِي الفعل «3» وهو خطأ وليس بِجائز لأن (الظريف) «4» وما أشبهه أسماء ظاهرة، ولا يكون الظاهر نعتًا «5» لمكنيّ إلا ما كَانَ مثل نفسه وأنفسهم، وأجمعين، وكلهم لأن هَذِه إنّما تكون أطرافًا لأواخر الكلام لا يُقال مررت بأجمعين، كما يُقال مررت بالظريف. وإن شئت جعلت قوله الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ رفعا. بقوله: هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا (63) وذكر أن البشرى فِي الحياة الدُّنْيَا الرؤيا الصالِحة يراها المسلم أو ترى لَهُ، وَفِي الآخرة الجنة. وقد يكون قوله: هُمُ الْبُشْرى ما بشرهم بِهِ فِي كتابه من موعوده، فقال وَ «6» يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ فِي كَثِير من القرآن. ثُمَّ قَالَ (لا تبديل لكلمات الله) أي لا خُلْف لوعد الله. وقوله: وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ (65) المعنى الاستئناف. ولم يقولوا هم ذاك، فيكون حكاية. فأمَّا قوله وَقَوْلِهِمْ «7» إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ فإنها كسرت لأنها جاءت بعد القول، وما كان بعد القول من (إن)   (1، 2، 3) يريد بالفعل والأفاعيل خبر إنّ. (4) أي فى نحو قولك: إنّ محمدا قائم الظريف. ويريد بصاحب الفعل اسم إنّ. (5) يريد بالنعت التابع الشامل للبدل والتوكيد والنعت. (6) آية 2 سورة الكهف. (7) آية 157 سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 فهو مكسور عَلَى الحكاية فِي قَالَ ويقولون وما صُرِفَ من القول. وأمّا قوله مَا قُلْتُ «1» لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي فإنك فتحت (أن) لأنها مفسّرة ل (ما) ، (وما) قد وقع عليها القول فنصبها وموضعها نصب. ومثله فِي الكلام: قد قلت لك كلامًا حسنا: أن أباك شريف وأنك عاقل، فتحت (أنّ) لأنها فسرت الكلام، والكلام منصوب. ولو أردت تكرير القول عليها كسرتها. وقد تكون (أن) مفتوحة بعد القول إِذَا كَانَ القول رافعًا لَهَا أو رافعة لَهُ من ذَلِكَ أن تَقُولُ: قولُك مذ اليوم أن الناس خارجون كما تَقُولُ: قولك مذ اليوم كلام لا يفهم. وقوله وَلا تَقُولَنَّ «2» لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ المعنى: لا تقولنَّ لشيءٍ: إِنِّي فاعلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلا بالاستثناء: إلا أن تَقُولُ: إن شاء الله. ولو أردت: لا تقولنّ لشيء إني فاعلٌ ذَلِكَ: لا تقل إلا أن يشاء الله. كَانَ كأنه أُمر أن يقول إن شاء الله وحدها، فلا بدّ من أن مفتوحة بالاستثناء خاصة ألا ترى أنك قد تأمره إِذَا حلف فتقول: قل إن شاء الله، فلمّا أريدت الكلمة وحدها لَمْ تكن إلا مكسورة. وقوله: قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ (69) ثم قال: مَتاعٌ فِي الدُّنْيا (70) أي ذلك متاع فى الدنيا. و «3» التي فِي النحل مثله، وهو كقوله (لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ) «4» كله مرفوع بشيء مضمر قبله إمّا (هُوَ) وإما (ذاك) .   (1) آية 117 سورة المائدة. (2) آيتا 23، 24 سورة الكهف. (3) فى قوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يفلحون. متاع قليل ولهم عذاب أليم» (آية 117) . (4) آية 35 سورة الأحقاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 وقوله: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ (71) والإجماع: الإعداد والعزيمة عَلَى الأمر. ونصبت الشركاء بفعل مضمر كأنك قلت: فأجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم. وكذلك هي فِي قراءة عبد الله. والضمير «1» هاهنا يصلح إلقاؤه لأن معناه يشا كل ما أظهرت كما قَالَ الشاعر «2» : ورأيت زوجك فِي الوغى ... متقلِّدًا سيفًا وَرُمْحًا فنصبت الرمح بضمير الحمل غير أن الضمير صلح حذفه لانهما سلاح يعرف ذا بذا، وفعل هَذَا مع فعل هَذَا. وقد قرأها الْحَسَن (وشركاؤكم) بالرفع، وإِنّما الشركاء هاهنا آلهتهم كأنه أراد: أجمعوا أمركم أنتم وشركاؤكم. ولست أشتهيه لِخلافه للكتاب، ولأن المعنى فِيهِ ضعيف لأن الآلهة لا تعمل ولا تُجْمع. وقال الشاعر: يا ليت شِعْرِي والمنى لا تنفع ... هَلْ أَغدُوَنْ يومًا وأمريِ مُجْمَعُ فإذا أردت جمع الشيء المتفرق قلت: جمعت القوم فهم مجموعون كما قَالَ الله تبارك وتعالى (ذَلِكَ «3» يَوْمٌ مَجْمُوعٌ له الناس وذلك يوم مشهود) وَإِذَا أردت كسب المال قلت: جَمَّعت المال كقول الله تبارك وتعالى الَّذِي «4» جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ وقد يَجوز جَمَع مالا وعدَّده. وهذا من نحو قتلوا وقتّلوا.   (1) يريد الفعل المحذوف العامل للنصب، وهو هنا: «ادعوا» . (2) هو عبد الله بن الزبعرى. وانظر كامل المبرّد بشرح المرصفى 3/ 234. (3) آية 103 سورة هود. [ ..... ] (4) آية 2 سورة الهمزة. وقراءة التشديد لابن عامر وحمزة والكسائي من السبعة. وقرأ الباقون بالتخفيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 وقوله ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وقد قرأها بعضهم «1» : (ثُمَّ أَفْضُوا إِليّ) بالفاء. فأما قوله (اقضوا إلىّ) فمعناهُ: امضوا إِليّ، كما يُقال قد قضى فلان، يُراد: قد مات ومضى. وأمّا الإفضاء فكأنه قَالَ: ثُمَّ توجَّهُوا إِليّ حَتَّى تصلوا «2» ، كما تَقُولُ: قد أفضت إليّ الخلافة والوجع، وما أشبهه. وقوله: بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ (74) يقول: لَمْ يكونوا ليؤمنوا لك يا مُحَمَّد بِما كذبوا بِهِ فِي الكتاب الأوّل، يعني اللوح المحفوظ. وقوله: قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا (77) يقول القائل: كيف أدخل ألف الاستفهام فِي قوله (أسحر هذا) وهم قد قالوا (هَذَا سِحْرٌ) بغير استفهام؟ قلت: قد يكون هَذَا من قولهم عَلَى أَنَّهُ سحر عندهم وإن استفهموا كما ترى الرجل تأتيه الجائزة فيقول: أحقّ هَذَا؟ وهو يعلم أَنَّهُ حقّ لا شك فِيهِ. فهذا وجه. ويكون أن تزيد الألف فِي قولهم وإن كانوا لَمْ يقولوها، فيخرج الكلام عَلَى لفظه وإن كانوا لَمْ يتكلموا بِهِ كما يقول الرجل: فلان أعلم منك، فيقول المتكلم: أقلتَ أحدٌ أعلم بذا مني؟ فكأنه هُوَ القائل: أأحد أعلم بِهذا مني. ويكون عَلَى أن تَجعل القول بِمنزلة الصلة لأنه فضل فِي الكلام ألا ترى أنك تَقُولُ للرجل: أتقول عندك مال؟ فيكفيك من قوله أن تَقُولُ: ألك مال؟ فالمعنى قائم ظهرَ القولُ أو لم يظهر.   (1) نسبها ابن خالويه فى البديع إلى أبى حيوة. (2) فى ا: «تضلوا» ويبدو أنها مصحفة عما أثبتنا. وفى ش، ج: «تملوا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 وقوله: أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا (78) اللفت: الصرف تَقُولُ: ما لفتك عَن فلان؟ أي ما صرفك عَنْهُ. ويقول القائل: كيف قالوا (وتكون لكما الكبرياء فى الأرض) فإنّ «1» النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صُدِّق صارت مقاليدُ أمّته ومُلْكُهم إِلَيْهِ، فقالوه عَلَى مُلك ملوكهم من التكبر. وقوله: مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ (81) (ما) فِي موضع الَّذِي كما تَقُولُ: ما جئت بِهِ باطل. وهي فِي قراءة عبد الله (ما جِئتم بِهِ سِحر) وإنما قال (السحر) بالألف واللام لأنه جواب لِكلام قد سبق ألا ترى أنهم قالوا لِما جاءهم بِهِ موسى: أهذا سحر؟ فقال: بَلْ ما جئتم بِهِ السحر. وكل حرف ذكره متكلم نكرة فرددْتَ عليها لفظها فِي جواب المتكلم زدت فيها ألفا ولاما كقول الرجل: قد وجدت درهمًا، فتقول أنت: فأين الدرهم؟ أو: فأرني الدرهم. ولو قلت: فأرني درهمًا، كنت كأنك سألته أن يريكَ غير ما وجده. وَكَانَ مُجاهد «2» وأصحابه يقرءون: ما جئتم بِهِ السحرُ: فيستفهم ويرفع السحر من نِيَّة الاستفهام، وتكون (ما) فِي مذهب أيّ كأنه قَالَ: أي شيء جئتم بِهِ؟ آلسحر هُوَ؟ وَفِي حرف أُبَيّ (ما أتيتم بِهِ سحر) قَالَ الفراء: وأشكّ فِيهِ. وقد يكون (مَا جِئْتُمْ بِهِ السحر) تجعل السحر منصوبًا كما تَقُولُ: ما جئت بِهِ الباطل والزور. ثُمَّ تجعل (ما) فِي معنى جزاء و (جئتم) فِي موضع جزم إِذَا نصبت، وتضمر الفاء فى قوله إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ فيكون جوابا للجزاء. والجزاء لا بدّله أن   (1) هذا جواب السؤال. (2) وهى قراءة أبى عمرو وأبى جعفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 يُجاب بِجزم مثله أو بالفاء. فإن كَانَ ما بعد الفاء حرفًا من حروف الاستئناف وَكَانَ يرفع أو ينصب أو يجزم صلح فِيهِ إضمار الفاء. وإن كَانَ فعلا أوّله الياء أو التاء أو كَانَ عَلَى جهة فَعَل أو فعلوا لَمْ يصلح فِيهِ إضمار الفاء لأنه يُجزم إِذَا لَمْ تكن الفاء، ويرفع إِذَا أدخلت الفاء. وصلح فيما «1» قد جُزِم قبُل أن تكون الفاءُ لأنها إن دخلت أو لم تدخل فما بعدها جزم كقولك للرجل: إن شئت فقم ألا ترى أنّ (قم) مجزومة ولو لَمْ يكن فيها الفاء، لأنك إِذَا قلت إن شئت قم جزمتها بالأمر، فكذلك قول الشاعر «2» : من يفعلِ الحسناتِ اللهُ يشكرها ... والشرُّ بالشرِّ عِند اللَّهِ مثلانِ ألا ترى أن قولك: (الله يشكرها) مرفوع كانت فِيهِ الفاء أو لَمْ تكن، فلذلك صلح ضميرها «3» . وقوله: فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ (83) ففسر المفسرون الذرية: القليل. وكانوا- فيما بلغنا- سبعين أهل بيت. وإنما سموا الذرية لأن آباءهم كانوا من القبط وأمهاتهم كن من بنى إسرائيل، فسموا الذرّية كما قيل لأولاد أهل فارس الَّذِينَ سقطوا إلى اليمن فسموا ذراريهم الأبناء لأن أمهاتهم من غير جنس آبائهم. وقوله: عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ، وإنما قال (وملئهم) وفرعون واحد لأن الملك إِذَا ذُكِرَ بخوف أو بسفر أو قدوم من سفر ذهب الوهم إِلَيْهِ وإلى من معه ألا ترى أنك تَقُولُ: قدم الخليفة فكثر الناس، تريد: بمن معه، وقدم   (1) يريد فعل الأمر فإنه عندهم فعل مضارع مجزوم بلام الأمر حذفت اللام وحرف المضارعة لكثرة الاستعمال. (2) نسبه الكاتبون على شواهد سيبويه إلى عبد الرحمن بن حسان. ورواه جماعة لكعب بن مالك الأنصارىّ. ويرى بعضهم أن الرواية: «من يفعل الخير فالرحمن يشكره» فغيره النحويون. وانظر الخزانة 3/ 644 (3) أي إضمار الفاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 فغلت الأسعار لأنك تنوي بقدومه قدوم من معه. وقد يكون أن تريد بفرعونَ آل فرعون وتحذف الآل فيجوز كما قال وَسْئَلِ «1» الْقَرْيَةَ تريد أهل القرية والله أعلم. ومن ذَلِكَ قوله: يا أَيُّهَا «2» النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ. وقوله: وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً (87) كَانَ فرعون قد أَمَر بتهديم المساجد، فأُمِر موسى وأخوه أن يُتَّخذ المساجد فِي جوف الدور «3» لتخفى من فرعون. وقوله: وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً إلى الكعبة. وقوله: رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا (88) ثُمَّ قَالَ موسى (ربنا) فعلت ذَلِكَ بهم (لِيُضِلُّوا) الناس (عَن سبيلك) وتقرأ (لَيِضلُّوا) هم (عَن سبيلك) وهذه لام كي. ثُمَّ استأنف موسى بالدعاء عليهم فقال: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ. يقول: غَيِّرها. فذُكر أنها صارت حجارة. وهو كقوله مِنْ «4» قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً. يقول: نمسخها. قوله: وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ. يقول: واختم عليها. قوله: فَلا يُؤْمِنُوا. كلّ ذَلِكَ دعاء، كأنه قَالَ اللَّهُمَّ فَلا «5» يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ وإن شئت جعلت (فلا يؤمنوا) جوابا لمسئلة «6» موسى عليه   (1) آية 82 سورة يوسف. (2) أول سورة الطلاق. (3) كذا فى ش، ج. وفى ا: «البيوت» . (4) آية 47 سورة النساء. (5) فالفعل (يؤمنوا) مجزوم بلا التي للدعا. (6) أي فى قوله: اطمس وما عطف عليه. [ ..... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 السَّلام إيَّاه لأن المسألة خرجت عَلَى لفظ الأمر، فتجعل (فلا يؤمنوا) فِي موضع نصب عَلَى الجواب، فيكون كقول الشاعر «1» : يَا ناقَ سِيرِي عَنَقًا فسِيحا ... إلى سُلَيْمَان فنستريحا وليس الجواب يسهل فِي الدعاء لأنه لَيْسَ بشرط. وقوله: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما (89) نُسبت الدعوة إليهما وموسى كَانَ الداعي وهارون المؤمّن، فالتأمين كالدعاء. ويقرأ» (دعواتكما) . وقوله: فَاسْتَقِيما أُمِرَا بالاستقامة عَلَى أمرهما والثبات عَلَيْهِ إلى أن يأتيهما تأويل الإجابة. ويُقال: إنه كَانَ بينهما «3» أربعون سنة. قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ قرأها أصحاب «4» عبد الله بالكسر عَلَى الاستئناف. وتقرأ (أنه) عَلَى وقوع الإيمان عليها. زعموا أن فرعون قالها حين ألجمه الماء. وقوله: فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ (93) يعني بني إسرائيل أنهم كانوا مجتمعين عَلَى الإيمان بِمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يُبْعث، فلمّا بُعث كذَّبه بعض وآمن بِهِ بعض. فذلك اختلافهم. و (العلم) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وصفته.   (1) هو أبو النجم فى أرجوزة يمدح فيها سليمان بن عبد الملك. والعنق ضرب من سير الإبل. (2) تنسب هذه القراءة إلى على وأبى عبد الرحمن السلمى. (3) أي بين هذه الإجابة من الله وتأويلها أي وقوع مضمونها وهو هلاك فرعون وقومه. (4) هذه قراءة حمزة والكسائي وخلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 وقوله: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ (94) قاله تبارك وتعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يعلم أَنَّهُ غير شاك، ولم يشكك عَلَيْهِ السَّلام فلم يسأل. ومثله فِي العربية أنك تَقُولُ لغلامك الَّذِي لا يشك فِي مُلكك إياه: إن كنت عبدي فاسمع وأطع. وقال الله تبارك وتعالى لنبيه عيسى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَأَنْتَ «1» قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وهو يعلم أَنَّهُ لَمْ يقله، فقال الموفق معتذرًا بأحسن العذر: إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ. وقوله: فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها (98) وهي فِي قراءة أُبَيّ (فهلا) ومعناها: أنهم لَمْ يؤمنوا، ثُمَّ استثنى قوم يونس بالنصب عَلَى الانقطاع مما قبله: ألا ترى أن ما بعد (إِلا) فِي الجحد يتبع ما قبلها، فتقول: ما قام أحد إلا أبوك، وهل قام أحد إلا أبوك لأن الأب من الاحد فإذا قلت: ما فيها أحد إلا كلبًا وحمارًا، نصبت لأنها منقطعة مما قبل إلا إذ لم تكن من جنسه، كذلك كان قوم يُونُس منقطعين من قوم غيره من الأنبياء. ولو كَانَ الاستثناء هاهنا وقع عَلَى طائفة منهم لكان رفعًا. وقد يَجوز الرفع فيها كما أن المختلف فِي الجنس قد يتبع فِيهِ ما بعد إلا ما قبل إلا كما قَالَ الشاعر: وبلدٍ ليس به أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس   (1) آية 116 سورة المائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 وهذا قوة للرفع، والنصب فِي قوله: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ. لأن اتباع الظن لا ينسب إلى العلم. وأنشدونا بيت النابغة: ... ... وما بالربع من أحد «1» إلا أوارىّ ما إن لا أُبَيِّنها قَالَ الفراء: جمع فِي هَذَا البيت بين ثلاثة أحرف من حروف الجحد: لا، وإنْ، وما. والنصب فِي هَذَا النوع المختلف من كلام أهل الحجاز، والاتباع من كلام تَميم. وقوله: وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (100) : العذاب والغضب. وهو مضارع لقوله الرجز، ولعلهما لغتانِ بدّلت السِّين زايًا كما قيل الأسد والأزد «2» .   (1) ما أورده للنابغة من بيتين هما: وقفتُ فيها أُصَيْلانًا أُسائلها ... عَيَّت جوابًا وما بالربع من أحد إِلا أَواري ما إن لا أبينها ... والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد وقوله: «ما إن لا أبينها» . فالرواية المشهورة: «لأياما أبينها» . وتقدم البيتان فى ص 288 من هذا الجزء. (2) وهو أبو حى من اليمن. ومن أولاده الأنصار. تم بحمد الله وتوفيقه طبع الجزء الأوّل من كتاب معانى القرآن للفراء ويتلوه إن شاء الله الجزء الثاني، وأوّله سورة هود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 فهرس تفسير الفرّاء تاريخ تدوين هذا التفسير 1 ألف (اسم) والكلام على حذفها وإثباتها 2 أم الكتاب تفسير «أم الكتاب» والكلام على «الْحَمْدُ لِلَّهِ» 3 الكلام على «عَلَيْهِمْ» ولغاته وعلى (أمّ) واللغات فيه 5 قوله تعالى: «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» ووجوه الإعراب فيه 7 قوله تعالى: «وَلَا الضَّالِّينَ» ووجوه الكلام فى «لَا» 8 سورة البقرة قوله تعالى: «الم» الاختلاف فى قراءته ورسمه 9 قوله تعالى: «ذلِكَ الْكِتابُ» والكلام على اسم الإشارة ووجوه صلاحيته 10 القول فى قوله: «هُدىً لِلْمُتَّقِينَ» ووجوه الإعراب فيه 11 قوله تعالى: «خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ» الآية، ووجوه الإعراب فيه 13 قوله سبحانه: «فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ» والقول فى إسناد الفعل إلى غير من هو له 14 قوله عز وجل: «مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً» وبيان أنه مثل للفعل لا للأعيان 15 قوله تعالى: «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ» ووجوه الإعراب فيه والقراءات 16 قوله تعالى: «أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ» وما بعده من الآيات 17 قوله تعالى: «يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ» ووجوه إعرابه وقراءاته 17 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 قوله تعالى: «كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ. وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ» 18 قوله تعالى: «وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ» . وقوله: «فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ» 19 قوله سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا» وفيه وجوه من المعاني 20 قوله تعالى: «كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً» ووجوه المعاني والإعراب فيه 23 قوله عز من قائل: «ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ» ومعانى الاستواء 25 قوله سبحانه «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ» . وقوله: «وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ» وما فى ذلك من وجوه المعاني واللغة والإعراب 26 قوله تعالى: «اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ» ومعانيه والكلام على الياء 28 قوله: «وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا» ووجوه المعاني والإعراب فيه وفى أمثاله 30 قوله تعالى: «وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ» الآية وفيه معنيان 31 قوله تعالى: «وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً» وفيه وجوه من الإعراب 31 قوله تعالى: «وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ» وفيه وجوه من المعاني والإعراب 32 قوله سبحانه: «وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ» وفيه الكلام على ما يسميه الكوفيون واو الصرف 33 قوله سبحانه: «وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً» الآية وفيه وجوه من المعاني فى «إِذْ» 35 معنى قوله تعالى: «وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ» و «أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» وفيه وجوه من المعاني فى النظر والأربعين والإتمام بعشر 36 القول فى معانى قوله تعالى: «وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ» ، وقوله: «الْمَنَّ وَالسَّلْوى» وما فى ذلك من خلاف فيهما 36 قوله تعالى: «وَقُولُوا حِطَّةٌ» فيه وجوه من المعاني والإعراب 38 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 معنى قوله تعالى. «اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ» الآية إلى قوله: «اهْبِطُوا مِصْراً» وفيه وجوه من التفسير واللغة 40 قوله تعالى: «أَتَتَّخِذُنا هُزُواً» وما فيه من المعاني والإعراب والشواهد 43 تفسير الفارض والبكر والعوان 44 الفرق بين ما الاستفهامية وأي 46 قوله تعالى: «اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها» وتفسير الضرب فيه 48 قوله تعالى: «لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ» وفيه فى الأمانى وجوه 49 معنى «أَيَّاماً مَعْدُودَةً» ومعنى «فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ» 50 تفسير قوله تعالى: «وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ» وبيان العماد فى العربية 50 الكلام على «بلى» 52 وجه الرفع فى قوله تعالى: «لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ» ووجه الجزم ومعنى أخذ الميثاق 53 قوله تعالى: «وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ» ووجه الرفع فى مصدق 55 قوله تعالى: «بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ» ومذهب العرب فى شروا ونعم وبئس 56 قوله تعالى: «بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» وفيه الكلام على الجزاء بأن وإن 58 قوله سبحانه: «فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ» فيه القول فى لما وجوابها وكون الثانية وجوابها جوابا للأولى 59 قوله تعالى: «فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ» فى معناه وجهان 59 قوله تعالى: «فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ» . وقوله: «وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ» ومعنى وراء 60 قوله تعالى: «فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ» فيه الكلام على تفعلون للماضى 60 قوله تعالى: «وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ» والكلام على حذف المضاف 61 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 قوله تعالى: «فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ» وامتناع اليهود عن تمنى الموت 62 قوله تعالى: «قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ» ومعنى الالتفات فيه 63 قوله: «وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ» وتعاقب على وفى فى الكلام 63 قوله تعالى: «فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما» الآية فيه وجهان من الإعراب 64 قوله تعالى: «ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ» ومعنى «نُنْسِها» والقراءات فيه 64 قوله تعالى: «لَمَنِ اشْتَراهُ» ووجوه الإعراب فى اللام، ومن 65 قوله تعالى: «لا تَقُولُوا راعِنا» الآية، معنى «راعِنا» من قول اليهود وتفسير (انظرنا) 69 قوله تعالى: «وَلَا الْمُشْرِكِينَ» وإعرابه 70 قوله تعالى: «أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ» فيه بحث (أم) 71 تفسير (سواء) و (هودا) 73 قوله تعالى: «مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ» الآية والمراد بخائفين 74 معنى: «قانِتُونَ» وإعراب «كُنْ فَيَكُونُ» 74 القول فى «تَشابَهَتْ» وتشّابهت، وإعراب «وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ» 75 تفسير «كلمات» و «عَهْدِي» و «مَثابَةً» 76 تفسير «وَأَمْناً» وإعراب «وَاتَّخِذُوا» وتفسير «طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ» 77 تفسير «وَمَنْ كَفَرَ» و «إِذْ يَرْفَعُ» وما فيه من إعراب وقراءة 78 قوله تعالى «إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ» وإعرابه ومعناه 79 قوله تعالى: «وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ» ووجوه الإعراب فيه 80 قوله تعالى: «بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ» . وقوله: «لا نُفَرِّقُ» و «صِبْغَةَ اللَّهِ» وما فى ذلك من المعاني 82 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 تفسير قوله سبحانه «أُمَّةً وَسَطاً» وقوله: «وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ» وفيه معنى وجيه 83 معنى الشطر فى الآية 84 إعراب قوله: «وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» الآية 84 تفسير قوله تعالى: «وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ» وقوله: َ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ» وفى ص 90 أيضا 85 إعراب قولهَ يْنَ ما تَكُونُوا» وفيه بحث أين وأمثالها متصلة بما 85 القول فى إعراب قوله: «إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ» وفيه كلام على «إلا» الاستثنائية 89 قوله تعالى: «وَاخْشَوْنِي» والكلام على ياء المتكلم وواو الجمع والاكتفاء بالكسرة والضمة 90 القول فى إعراب قوله تعالى: «كَما أَرْسَلْنا» وقوله: «وَاشْكُرُوا لِي» 92 قوله تعالى: «وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ» والكلام على إعرابه وما يماثله 93 قوله تعالى: «إِنَّا لِلَّهِ» وبيان أن العرب لم تمل إن مع اللام إلا فى هذا الحرف 94 تفسير قوله تعالى: «فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما» وقوله: «اللَّاعِنُونَ» 95 إعراب قوله تعالى: «عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ» 96 تفسير قوله تعالى: «تَصْرِيفِ الرِّياحِ» وقوله: «يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ» وإعراب قوله: «وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ» 97 إعراب قوله تعالى: «أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ» 98 تفسير قوله سبحانه: «وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا» وفيه وجوه من العربية 99 إعراب قوله تعالى: «صُمٌّ بُكْمٌ» وقوله: «إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ» وفيه الكلام على «إِنَّما» و «ما» 100 تفسير وإعراب قوله تعالى: «وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ» 102 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 قوله تعالى: «فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ» وقوله: «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ» وفيه وجوه من الإعراب والتأويل 103 قوله تعالى: «وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ» وما يماثله فى القرآن ووجوه إعرابه وشواهده 105 تفسير قوله تعالى: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ» 108 قوله تعالى: «فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ» وتفسيره ووجوه إعرابه 109 معنى قوله تعالى: «حَياةٌ» وقوله: «كُتِبَ» حيث ورد فى القرآن، وقوله: «الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ» 110 معنى «جَنَفاً» والكلام على صيام من قبلنا، فى قوله تعالى: «كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» 111 إعراب «أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ» و «فَعِدَّةٌ» و «فِدْيَةٌ» و «شَهْرُ رَمَضانَ» 112 تفسير قوله: «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ» . وقوله تعالى: «وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» والكلام على لام كى 113 تفسير قوله تعالى: «فَإِنِّي قَرِيبٌ» وتفسير الرفث 114 قوله تعالى: «الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ» 114 قوله تعالى: «وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ» 115 تفسير قوله تعالى: «عَنِ الْأَهِلَّةِ» . وقوله «لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ من أبوابها» وما كان تفعله قريش 115 تفسير قوله تعالى: «وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» 116 تفسير قوله تعالى: «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ» ومذهب العرب فى الإحصار 117 إعراب قوله: «فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» . وقوله: «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ» . وقوله: «لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ» 118 تفسير وإعراب قوله تعالى: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ» 119 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 تفسير وإعراب قوله تعالى: «فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ» الآية. فيه كلام على «لا» التبرئة 120 تفسير قوله تعالى: «فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ» وفيه ما كانت تفعله العرب فى الجاهلية 122 قوله تعالى: «وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ» فيه الكلام على أيام التشريق 122 تفسير قوله سبحانه: «وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ» 123 قوله تعالى: «وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ» 124 قوله تعالى: «هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ» وما فيه من العربية 124 قوله تعالى: «سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ» الآية وما فيه من وجوه العربية 125 قوله تعالى: «زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا» فيه وجوه من العربية والتفسير وبحث فى الضمير المفرد أريد به الجمع 125 تفسير قوله تعالى: «فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ» 131 قوله تعالى: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ» فيه كلام على الاستفهام ابتداء 132 قوله تعالى: «وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ» وفيه الكلام على الفعل الذي يتطاول 132 لحتى ثلاثة معان. وهو بحث قيم 134 قوله تعالى: «يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ» وفيه بحوث عربية 138 تفسير وإعراب قوله تعالى: «قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» الآية 141 قوله تعالى: «وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى» الآية 141 قوله تعالى: «وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ» وما فيه من الاستفهام المقدر 142 قوله تعالى: «وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ» . وقوله: «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ» الآية 143 تفسير قوله تعالى: «حَتَّى يَطْهُرْنَ» . وقوله: «مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ» 143 تفسير قوله تعالى: «فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ» . وقوله: «وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ» 144 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 تفسير قوله تعالى: «بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ» 144 تفسير قوله تعالى: «تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ» 145 وجوه القراءات فى قوله تعالى: «إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ» 145 تفسير قوله تعالى: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ» 147 تفسير قوله تعالى: «وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً» . وقوله: «فَلا تَعْضُلُوهُنَّ» 148 وجوه العربية فى قوله تعالى: «الرَّضاعَةَ» . وقوله: «لا تُضَارَّ والِدَةٌ» 149 قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ» . الآية وكيف صار الخبر عن النساء 150 قوله تعالى: «وَعَشْراً» وفيه الكلام على تأنيث العدد وتذكيره 151 قوله تعالى: «مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ» 152 تفسير قوله تعالى: «لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا» معنى السر 153 الإعراب فى قوله تعالى: «عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ» 153 قوله تعالى: «مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا» وما فيه من وجوه الإعراب 154 قوله تعالى: «مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ» . وقوله: «إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ» الآية 155 قوله تعالى: «وَالصَّلاةِ الْوُسْطى» . وقوله: «وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً» 156 قوله تعالى: «غَيْرَ إِخْراجٍ» وتفسيره وفيه الكلام على قوله تعالى: «مِنْ غَيْرِ سُوءٍ» 156 قوله تعالى: «ابْعَثْ لَنا مَلِكاً» وفيه بحث فى إضمار حرفين وفى الاسم بعده فعل وهو نكرة أو معرفة بعد الأمر 157 العرب لا تجازى بالنهى كما تجازى بالأمر 160 وجوه الإعراب فى قوله تعالى: «وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ» . وقوله: «وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» وفى ثبوت (أن) وسقوطها 163 بحث فى مثل (ما أنت بقائل) ومثل (إياك أن تتكلم) 164 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 قوله تعالى: «فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ» وفيه بحث فى (إلا) 166 قوله تعالى: «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ» الآية وفيه بحث فى (كم) و (كأين) 168 قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ» الآية، إدخال العرب (إلى) فِي هذا الموضع على جهة التعجب 170 إدغام التاء فى التاء المجزومة 172 قوله تعالى: «لَمْ يَتَسَنَّهْ» وفيه وجوه من العربية 172 قوله: «وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ» إدخال الواو لنية فعل مضمر بعدها 173 قوله تعالى: «فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ» وما فى هذا اللفظ من المعنى 174 قوله تعالى: «أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ» وفيها وجوه من التفسير والعربية 175 استجاز العرب الجمع بين كلمتين من لفظ واحد، أحدهما لغو أو اختلفا معنى، أو للتأكيد 176 قوله تعالى: «فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ» وقوله: «إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ» والكلام على إضمار كان، وأن بعد إلا 178 القول فى (إن) الجزائية و (أن) 180 قوله: «لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً» 181 قوله تعالى: «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا. وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا» الربا فى الجاهلية 182 قوله تعالى: «وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ» 183 قوله تعالى: «إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ» وتفسير آية الدين ووجوه الإعراب فيها 183 قوله تعالى: «فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ» 188 قوله تعالى: «غُفْرانَكَ» وما فيه من الإعراب 188 تفسير قوله تعالى: «وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً» 189 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 سورة آل عمران قوله تعالى: «الْحَيُّ الْقَيُّومُ» معنى القيوم 190 قوله تعالى: «مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ» 190 قوله تعالى: «وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» 191 قوله تعالى: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ» وتفسير القراءتين 191 قوله تعالى: «آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا» فيه وجوه من الإعراب 192 الحال الذي ينصب على غير الشرط 193 الحال الذي ينصب على الشرط 194 تفسير قوله تعالى: «يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ» 194 تفسير قوله تعالى: «الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ» 195 تحول اللام بين أوّل الكلام وآخره وفيه وجوه 195 قوله تعالى: «النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا» فيه ثلاثة أوجه 198 قوله تعالى: «الَّذِينَ يَقُولُونَ» فيه وجهان 198 تفسير قوله تعالى: «وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ» 199 وجوه الإعراب فى قوله تعالى: «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» 199 إن شئت استأنفت «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ» 200 للعرب فى الياءات فى أواخر الحروف طريقان كقوله تعالى: «أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ» 200 قوله تعالى: «أَأَسْلَمْتُمْ» وتأويله 202 قوله تعالى: «وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ» ووجوه القراءات فيه 202 قوله تعالى: «لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ» والقول فى اللام 202 قوله تعالى: «قُلِ اللَّهُمَّ» والقول فى زيادة العرب الميم فى الأسماء 203 كثرت اللهم فى الكلام 204 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 قوله تعالى: «تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ» واكتفاء العرب بما ظهر فى أوّل الكلام 204 تفسير قوله تعالى: «تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ» 205 قوله تعالى: «لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ» نهى وخبر 205 قوله تعالى: «يَعْلَمْهُ اللَّهُ» جزاء وما بعده استئناف 206 قوله تعالى: «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ» ما فى مذهب الذي 206 قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ» وتفسيره وقوله «ذُرِّيَّةً» فى نصبه وجهان 207 قوله تعالى: «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ» ووجه إسكان العين 207 قوله تعالى: «وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا» تشديدا وتخفيفا واللغات فى زكريا 208 قوله تعالى: «هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً» الذرّية جمع ومفرد 208 قوله تعالى: «فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ» بالتذكير والتأنيث 210 قوله تعالى: «أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ» بفتح أن وكسرها ووجه ذلك 210 «يُبَشِّرُكَ» بالتخفيف والتشديد وشواهد ذلك 212 قوله تعالى: «أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ» بنصب «تُكَلِّمَ» وبرفعه ووجه ذلك 213 قوله تعالى: «وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا» فيه أعاريب 213 قوله تعالى: «فَأَنْفُخُ فِيهِ» وفيه قراءتان 214 قوله تعالى: «وَما تَدَّخِرُونَ» تعاقب الدال والذال فى تفعلون 215 وجه نصب قوله تعالى: «ومُصَدِّقاً» 216 تفسير قوله تعالى: «فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ» واللغات فى أحس 216 تفسير قوله تعالى: «مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ» وورود «إِلَى» موضع (مع) ومعنى الحواريين 218 تفسير قوله تعالى: «وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ» ومعنى المكر 218 تفسير قوله تعالى: «إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ» 219 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 تفسير قوله تعالى: «إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ» وبيان أن الصلات تكون للنكرات 219 تفسير قوله تعالى: «تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ» الآية وفيه وجوه من الإعراب 220 تفسير آيات من قوله تعالى: «لِمَ تُحَاجُّونَ» إلى قوله: «لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ» 221 تفسير قوله تعالى: «وَقالَتْ طائِفَةٌ» إلى قوله: «أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ» 222 قوله تعالى: «مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ» وفيه وجوه من العربية 223 تفسير قوله تعالى: «إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً» وقوله: «تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ» فيه قراءتان 224 قوله تعالى: «وَلا يَأْمُرَكُمْ» بالنصب والرفع 224 قوله تعالى: «لَما آتَيْتُكُمْ» فيه قراءتان 225 قوله تعالى: «فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً» والكلام على التمييز 225 تفسير قوله تعالى: «إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ» 226 تفسير قوله تعالى: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ» الآيات 227 قوله تعالى: «تَبْغُونَها عِوَجاً» فيه وجوه من العربية 227 قوله تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً» والكلام على الباء 228 قوله تعالى: «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ» وجه التأنيث فى هذه الأحرف ووجه التذكير فى مثله 228 تأويل قوله تعالى: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ» 229 قوله تعالى: «يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ» مجزوم وما بعده مستأنف ووجه ذلك 229 قوله تعالى: «إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ» وفيه إضمار 230 قوله تعالى: «لَيْسُوا سَواءً» الآية وفى رفع «أُمَّةٌ» وجهان 231 قوله تعالى: «ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ» وفيه الفرق بين (ها) و (ذا) 231 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 قوله تعالى: «وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا» وفيه أعاريب 232 قوله تعالى: «تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ» وفيه قراءتان ووجوههما وشواهد ذلك 233 قوله تعالى: «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ» وقوله: «وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ» 234 قوله تعالى: «إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ» فيه قراءتان وتفسير قوله تعالى: «وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا» 234 قوله تعالى: «وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا» وقوله: «وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا» وبيان الصرف عند الكوفيين 235 قوله تعالى: «أَفَإِنْ ماتَ» وفيه معنى الاستفهام يدخل على جزاء 236 قوله تعالى: «وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ» الآية وتفسير ذلك 237 قوله تعالى: «بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ» 237 تفسير قوله تعالى: «حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ» وفيه الكلام على طرح الواو 238 تفسير قوله تعالى: «إِذْ تُصْعِدُونَ» وفيه الإثابة بمعنى العقاب 239 قوله تعالى: «يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ» فيه قراءتان ووجوه من الإعراب 240 قوله تعالى: «وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ» فيه: الذين يذهب بها إلى معنى الجزاء 243 قوله تعالى: «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ» جعل العرب (ما) صلة 244 قوله تعالى: «ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ» وفيه قراءتان وتفسيرهما 246 قوله تعالى: «فَرِحِينَ» وفيه وجوه، وقوله: «الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ» وتفسير (الناس) 247 تفسير آيات: «إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ» إلى قوله: «هُوَ خَيْراً لَهُمْ» 248 تفسير قوله تعالى: «سَيُطَوَّقُونَ» وقوله: «حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ» 249 تفسير قوله تعالى: «يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا» 250 تفسير قوله تعالى: «لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا» وقوله: «اصْبِرُوا وَصابِرُوا» 251 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 سورة النساء قوله تعالى: «الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ» إلى قوله: «تَسائَلُونَ بِهِ» 252 تفسير قوله تعالى: «وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ» 253 تفسير قوله تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى» 253 قوله تعالى: «مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ» وبيان أن هذه حروف لا تجرى (لا تصرف) 254 تفسير قوله تعالى: «ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا» 255 تفسير قوله تعالى: «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ» وقوله: «وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ» 256 تفسير آيات: «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً» «لِلرِّجالِ نَصِيبٌ» «يُورَثُ كَلالَةً» 257 تفسير قوله تعالى: «وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ» 258 تفسير قوله تعالى: «لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً» وقوله: «وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ» 259 تفسير قوله تعالى: «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ» الآية 260 تفسير قوله تعالى: «لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ» وقوله: «يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ» وفيه الكلام على اللام 261 تفسير قوله تعالى: «نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً» 263 تفسير قوله تعالى: «وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ» 264 تفسير قوله تعالى: «فَالصَّالِحاتُ» 265 تفسير قوله تعالى: «فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ» وقوله: «وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً» 266 قوله تعالى: «فَساءَ قَرِيناً» وفيه الكلام على نعم وبئس 267 تفسير قوله تعالى: «لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ» 269 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 تفسير قوله تعالى: «لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى» وقوله: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا» ومعنى (ترى) 270 قوله تعالى: «مِنَ الَّذِينَ هادُوا» إضمار (من) فى مبتدإ الكلام 271 تفسير قوله تعالى: «مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً» 272 تفسير وإعراب قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ» وقوله: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ» 272 تفسير الجبت، والنقير وإعراب: «فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً» 273 تفسير قوله تعالى: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ» وقوله: «فَانْفِرُوا ثُباتٍ» 275 قوله تعالى: «وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ» وفيه وجوه من الإعراب 275 قوله تعالى: «يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ» نصب الفعل بعد الفاء فى جواب التمني 276 قوله تعالى: «فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ» وفيه وجوه من اللغة 277 تفسير قوله تعالى: «وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» الآية 278 قوله تعالى: «وَيَقُولُونَ طاعَةٌ» وفيه مثله وجوه من الإعراب 278 تفسير قوله تعالى: «وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ» 279 تفسير قوله تعالى: «يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها» وقوله: «إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ» 280 تفسير قوله تعالى: «فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ» الآية 280 تفسير قوله تعالى «إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ» الآية 281 قوله تعالى «أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ» وفيه إضمار قد 282 تفسير قوله تعالى: «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ. فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ» . 282 تفسير قوله تعالى: «إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا» 283 قوله تعالى: «غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ» فيه الرفع والنصب 283 قوله تعالى: «الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ، وقوله تعالى: «يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً» 284 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 قوله تعالى: «فَلْتَقُمْ» فيه الكلام على لام الأمر 285 قوله تعالى: «طائِفَةٌ أُخْرى» إذا ذكرت اسما مذكرا لجمع جاز جمع فعله وتوحيده 285 تفسير قوله تعالى: «وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ» 286 قوله تعالى: «وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً» وفيه أعاريب 286 قوله تعالى: «لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ» 287 تفسير قوله تعالى: «إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً» 288 تفسير قوله تعالى: «وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا» تفسير الخلة 289 قوله تعالى: «يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ» وتفسير قوله «خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً» 290 تفسير قوله تعالى: «كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ» الآية 291 قوله تعالى: «أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ» وفيه أعاريب 292 قوله تعالى: «لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ» الآية وفيه وجوه من الإعراب 293 تفسير قوله تعالى: «قُلُوبُنا غُلْفٌ» وقوله: «ما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ» 294 قوله تعالى: «لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ» وما فى الضمير من المعنى 294 قوله تعالى: «وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ» وقوله: «فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ» وفى ذلك أعاريب 295 قوله تعالى: «وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ» وقوله: «إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ» الآية 296 سورة المائدة تفسير قوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» الآية 298 تفسير قوله تعالى: «لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ» الآية 298 تفسير قوله تعالى: «وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ» وفيه قراءتان وإعرابان 299 قوله تعالى: «أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» وفيه وجوه من الإعراب 300 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 تفسير قوله تعالى: «وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ» الآية وفيه أعاريب 301 قوله تعالى: «وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ» الآية 302 قوله تعالى: «وَأَرْجُلَكُمْ» وجه النصب 302 قوله تعالى: «اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى» وقوله: «إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ» وتفسير ذلك 303 قوله تعالى: «فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا» وفيه وجوه من العربية 304 قوله تعالى: «أَرْبَعِينَ سَنَةً» وجهان فى نصبها 305 تفسير قوله تعالى: «قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ» وقوله: «وَمَنْ أَحْياها» 305 تفسير قوله تعالى: «إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» الآية 306 قوله تعالى: «السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ» الآية فيه وجوه من العربية 306 اختيار الجمع على التثنية فى مثل «أَيْدِيَهُما» 307 قوله تعالى: «وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ» فيه وجوه للرفع 308 قوله تعالى: «وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها» الآية وفيه وجوه من الإعراب 309 قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا» الآية ووجه الرفع فى «الصَّابِئُونَ» 310 قوله تعالى: «فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ» . وقوله: «وَمُصَدِّقاً» . وقوله: «وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ» نصبا وجزما 312 قوله تعالى: «وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا» استئناف. وقوله: «أَذِلَّةٍ» يجوز فيه النعت والقطع 313 قوله تعالى: «وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ» 313 قوله تعالى: «مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ» الآية فيه أعاريب 314 قوله تعالى: «وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ» . وتفسير قوله: «لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ» 315 قوله تعالى: «فَعَمُوا وَصَمُّوا» رفع «كَثِيرٌ» من جهتين 315 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 قوله تعالى: «ثالِثُ ثَلاثَةٍ» بالإضافة 317 تفسير قوله تعالى: «وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ» . وقوله: «ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ» 318 تفسير قوله تعالى: «لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ» . وإعراب قوله: «فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ» 318 تفسير قوله تعالى: «الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ» الآية وقوله تعالى: «تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ» 319 تفسير قوله تعالى: «فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ» وقوله: «أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً» 320 تفسير قوله تعالى: «لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ» وفيه حديث: «اتركونى ما تركتكم» 321 إعراب «أَشْياءَ» وفيه وجوه من العربية 321 تفسير قوله تعالى: «ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ» الآية 322 قوله تعالى: «عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ» والعربُ تأمر من الصفات بعليك وعندك إلخ 322 تفسير قوله تعالى: «شَهادَةُ بَيْنِكُمْ» فيه شهادة غير المسلم على وصية المسلم فى السفر 323 قوله تعالى: «إِذْ أَيَّدْتُكَ» الآية، وتفسير الوحى إلى الحواريين 325 تفسير قوله تعالى: «هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ» ووجه القراءتين. وقوله تعالى: «تَكُونُ لَنا عِيداً» 326 قوله تعالى: «يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ» . وقوله تعالى: «هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ» وفى ذلك أعاريب 326 سورة الأنعام تفسير قوله تعالى: «مِنْ قَرْنٍ» . وقوله: «لَجَعَلْناهُ رَجُلًا» 328 قوله تعالى: «كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ» فيه أن المفتوحة فى جواب الأيمان 328 قوله تعالى: «فاطِرِ السَّماواتِ» فيه وجوه من الإعراب 328 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 قوله تعالى: «لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ» 329 تفسير قوله تعالى: «يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ» . وقوله: «خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ» 329 قوله تعالى: «وَاللَّهِ رَبِّنا» وقوله «وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ» وفيهما وجوه من العربية 330 قوله تعالى: «فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ» فيه قراءتان 331 قوله تعالى: «فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً» العرب تضمر الجزاء فى الموضع الذي يعرف فيه 331 قوله تعالى: «وَلا طائِرٍ يَطِيرُ» وسنن العرب فى ذلك 332 قوله تعالى: «قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ» وفيه للعرب لغتان ومعنيان 333 قوله تعالى: «فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا» معنى (لولا) 334 تفسير قوله تعالى: «فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ» المبلس المنقطع رجاؤه 335 قوله تعالى: «يَأْتِيكُمْ بِهِ» وفيه: إذا كنيت عن الأفاعيل وحدت الكناية ولو كثرت الأفاعيل 335 تفسير قوله تعالى: «وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ» 336 قوله تعالى: «أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً» وجه العربية فى فتح أن وكسرها 336 إذا صلح (هو) بدل أن جاز الكسر 337 قوله تعالى: «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ» طرح الياء لاستقبالها أل 337 قوله تعالى: «وَلا حَبَّةٍ» يجوز رفعها، وقوله «تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً» يجوز الضم والكسر 338 تفسير قوله تعالى: «قُلْ هُوَ الْقادِرُ» الآية 338 أعياد الأمم لهو إلا أمة محمد فأعيادها برّ وصلاة وتكبير وخير 339 قوله تعالى: «أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ» ، وقوله «يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى» ، وقوله «وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ» 339 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 تفسير قوله تعالى: «كُنْ فَيَكُونُ» وتفسير الصور 340 الوجه فى إعراب «آزَرَ» ومعناه 340 العربية فى قوله: «جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ» الآية 341 تفسير قوله تعالى: «وَتِلْكَ حُجَّتُنا» الآية 341 تفسير قوله تعالى: «وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ» فيه القول فى اليسع، وتفسير قوله تعالى «فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ» 342 تفسير قوله تعالى: «وَما قَدَرُوا اللَّهَ» الآيات وفيه وجوه من العربية 343 تفسير قوله تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً» ، وسبب ردة عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح 344 قوله تعالى: «جِئْتُمُونا فُرادى» والقول فى «فُرادى» و «تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ» 345 قوله تعالى: «فالِقُ الْإِصْباحِ» وفيه أعاريب 346 تفسير قوله تعالى: «فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ» وقوله «نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ» الآية وفيه من العربية وجوه 347 قوله تعالى: «خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ» فيه وجوه من الإعراب 348 تفسير قوله تعالى: «وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ» فيه وجوه من المعاني 349 تفسير قوله تعالى: «وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ» 349 تفسير قوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ» الآية 350 تفسير قوله تعالى: «يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ» وقوله «وَلِيَقْتَرِفُوا» وقوله «مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ» 351 تفسير قوله تعالى: «يُضِلُّوكَ» وإعراب قوله «هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ» 352 تفسير قوله تعالى: «وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ» وقوله «وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ» 352 قوله تعالى: «سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ» 353 قوله تعالى: «فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ» الآية ومعنى «حَرَجاً» 353 تفسير قوله تعالى: «يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ» وقوله تعالى «يا مَعْشَرَ الْجِنِّ» الآيات 354 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 العربية فى قوله تعالى: «ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى» ومعان من التفسير 355 قوله تعالى: «فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ» إِذَا كَانَ الفعل فِي مذهب مصدر مؤنثًا وتقدم فعله جاز تذكيره وتأنيثه 355 قوله تعالى: «بِزَعْمِهِمْ» فيه ثلاث لغات 356 تفسير قوله تعالى: «وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» وفيه أعاريب 357 قوله تعالى: «ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ» 358 قوله تعالى: «جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ» إلى قوله «حَمُولَةً وَفَرْشاً» 359 قوله تعالى: «ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ» 359 تفسير قوله تعالى: «قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ» 360 قوله تعالى: «قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً» فيه بحث فى تأنيث الفعل وتذكيره 360 قوله تعالى: «حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما» الآية وتفسير «شُحُومَهُما» 363 قوله تعالى: «قُلْ تَعالَوْا» الآيات، فيها أعاريب 364 قوله تعالى: «تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ» فيه من وجوه الإعراب أن «الَّذِي» يصح أن تكون مصدرية 365 قوله تعالى: «أَنْ تَقُولُوا» منصوب من مكانين، تفسير «أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ» و «الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ» 366 قوله تعالى: «فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها» فيه وجوه من الإعراب 366 قوله تعالى: «دِيناً قِيَماً» وتفسير قوله تعالى «خَلائِفَ الْأَرْضِ» 367 سورة الأعراف الكلام على إعراب أوائل السور من الحروف وهو بحث قيم 368 تفسير كهيعص، طه، يس 370 تفسير قوله: «فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ» 370 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 إنذار الله النبي إنذار للامة، قد يكون الفعل للجميع فى خطاب الواحد والعكس 371 قوله تعالى: «وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ» الآية ، وفيه تقديم أحد الفعلين وقد وقعا معا 371 تفسير وإعراب قوله تعالى: «أَوْ هُمْ قائِلُونَ. فَما كانَ دَعْواهُمْ» 372 مثل معايش لا يهمز إلا إذا كانت الياء زائدة 373 يجتمع حرفان للجحد للتوكيد 374 الصفة عند الكوفيين (الظرف) وذكر ما يجوز القاؤها فيه 375 تفسير وإعراب قوله تعالى: «وَرِيشاً» 375 نصب مثل قوله تعالى: «فَرِيقاً هَدى» وجواز رفعه 376 قوله تعالى: «خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ» جواز نصبه ورفعه 377 تفسير قوله تعالى: «نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ» وقوله: «لَعَنَتْ أُخْتَها» 378 قوله تعالى: «لا تُفَتَّحُ لَهُمْ» وجواز التذكير والتأنيث فى الجمع 378 قوله تعالى: «أَصْحابُ الْأَعْرافِ» وتفسير ذلك 379 إعراب: «هُدىً وَرَحْمَةً» وتفسير قوله: «إِلَّا تَأْوِيلَهُ» وقوله: «إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ» 380 تفسير قوله تعالى: «يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً» 381 إعراب قوله تعالى: «ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ» 382 واو نسق تدخل عليها همزة الاستفهام 383 قوله تعالى: «وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً» ينصب بفعل مقدر ورفعه جائز 383 قوله تعالى: «وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ» . معنى الرجفة 384 قوله تعالى: «لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ» وقوله: «وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ» 385 قوله تعالى: «افْتَحْ بَيْنَنا» فى لغة أهل عمان اقض 385 قوله تعالى: «وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ» وفيه عطف فعل على يفعل وعكسه 386 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 قوله تعالى: «حَقِيقٌ عَلى» والعرب تجعل الباء فى موضع على 386 قوله تعالى: «يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ» 387 قوله تعالى: «أَرْجِهْ وَأَخاهُ» العرب يقفونَ عَلَى الْهَاء المكنيّ عنها فِي الوصل 388 قوله تعالى: «إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ» القول فى إما وأو 389 قوله تعالى: «تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ» 390 قوله تعالى: «فَوَقَعَ الْحَقُّ» وقوله: «لَأُصَلِّبَنَّكُمْ» وقوله: «وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ» 391 تفسير قوله تعالى: «أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا» 391 تفسير قوله تعالى: «فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ» 392 قوله تعالى: «أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ» 393 قوله تعالى: «فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ» والقول فى أشمت وشمت 394 قوله تعالى: «وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ» وفيه استجاز العرب: اخترت رجلا واخترت منكم 395 قوله تعالى: «ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ» ثم للاستئناف 396 قوله تعالى: «مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها» اللغة فى «ظلم» 397 قوله تعالى: «إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ» وقوله: «مَعْذِرَةً» رفعا ونصبا 398 قوله: «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ» وقوله: «يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ- وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ» 399 تفسير قوله تعالى: «أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ» وقوله: «أَيَّانَ مُرْساها» 399 قوله تعالى: «حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ» وقوله: «جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ» 400 قوله تعالى: «سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ» 401 قوله تعالى: «وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ» المراد الآلهة 401 قوله تعالى: «وَإِخْوانُهُمْ» وقوله: «اجْتَبَيْتَها» كان الناس يتكلمون فى الصلاة 402 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 سورة الأنفال قوله تعالى: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ» 403 قوله تعالى: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ» فى أمر الغنائم 403 قوله تعالى: «إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ» ذكر حال المسلمين ليلة بدر 404 تفسير قوله تعالى: «إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ» حديث الملائكة للصحابة 405 قوله تعالى: «وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ» النصب على نزع الخافض 405 قوله تعالى: «إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ» 406 قوله تعالى: «اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ» وقوله: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً» 407 تفسير قوله تعالى: «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا» ودخول إبليس فى تآمر المشركين على الرسول عليه السلام 408 قوله تعالى: «إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ» بالنصب والرفع على أن (هو) اسما أو عمادا 409 قوله تعالى «إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ» 410 قوله تعالى «: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ» يجوز فتح الآخرة وكسرها 411 قوله تعالى: «حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ» يجوز الإدغام والإظهار وفيه شواهد 411 ظهور إبليس فى صورة رجل وقال: إنى جار لكم 413 تفسير واعراب قوله تعالى: «وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ. كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ» 413 قوله تعالى: «فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ» وقوله: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً» بيان أن العرب لا تكاد تدخل نون التوكيد فى الجزاء حتى يصلوها بما 414 قوله تعالى: «لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا» الآية فى كلام العرب: عسيت أذهب 414 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 قوله تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ» ومعنى القوة، وقوله: «فَاجْنَحْ لَها» كناية عن السلم لأنها مؤنثة 416 قوله تعالى: «وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ» وقوله: «حَسْبَكَ اللَّهُ» وتفسير وإعراب ذلك 417 كان صلى الله عليه وسلم يغزى أصحابه واحد بعشرة 417 قوله تعالى: «مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى» نزلت فى يوم بدر 418 قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا» الآية فى المواريث وفيه معنى الولاية بالفتح والكسر 418 سورة براءة قوله تعالى: «بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ» الآيات وفيه نبذ العهود التي كانت مع المشركين 418 قوله تعالى: «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ» وعموم قوله: «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ» 421 إعراب قوله: «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ» والكلام على ما فيه من التنازع 422 قوله تعالى: «كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ» والتعجب فيه على معنى الجحد 423 قوله تعالى: «كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ» استجازوا حذف الفعل إذا أعيد الحرف بعد مضى معناه 424 قوله تعالى: «فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ» وقوله: «فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ» 425 نقض قريش عهد النبي عليه السلام بقتالهم حلفاءه ونزول الآية فيهم 425 قوله تعالى: «قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ» الآية وفيها جزم ثلاثة أفاعيل، ويجوز فيها النصب والجزم والرفع 426 قوله تعالى: «أَمْ حَسِبْتُمْ» من الاستفهام الذي يتوسط الكلام 426 قوله تعالى: «مَا كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ» تذهب العرب بالواحد إلى الجمع والعكس 426 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 المصدر يكفى من الأسماء والعكس إذا كان المعنى مستدلا عليه بها 427 قوله تعالى: «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ» الإجراء عند الكوفيين الصرف والتنوين 428 تفسير قوله تعالى: «وَيَوْمَ حُنَيْنٍ» وفيه أعاريب 429 قوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ» تقول العرب: رجس نجس 430 تفسير قوله تعالى: «إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ» وفيه معجزة لرسول الله يوم حنين 430 وقوله تعالى: «وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ» فيه وجوه من العربية وشواهدها 431 قوله تعالى: «وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ» فى يأبى طرف من الجحد لذا دخلت إلا 433 قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ» والكلام على توحيد الضمير 434 تفسير قوله تعالى: «مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ» الضمير عند العرب لما بين الثلاثة إلى العشرة وأكثر إفرادا وجمعا وتذكير الفعل وتأنيثه 435 تفسير قوله تعالى: «كَافَّةً» والكلام فى مثلها 436 الكلام على النسيء 436 قوله تعالى: «اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ» وأمثالها 437 قوله تعالى: «جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى» 438 قوله تعالى: «انْفِرُوا» الآية، وقوله: «وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ» وما فى ذلك من الرسم وفى أمثاله 439 تفسير قوله تعالى: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي» وفيمن نزل 440 قوله تعالى: «لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ» . وقوله: «قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا» الآية 441 قوله تعالى: «أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً» أمر لفظا وهو بمنزلة الجزاء 441 قوله تعالى: «إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا» فيه الكلام على إن وأن بعد إلا 442 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 قوله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ» وتفسير أهلها 443 قوله تعالى: «وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ» ومن نزلت فيهم 444 قوله تعالى: «وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ» وبيان وجه توحيد الضمير 445 تفسير قوله تعالى: «إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ» وبيان هذه الطائفة 445 تفسير قوله تعالى: «كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» . وقوله «وَالْمُؤْتَفِكاتِ» 446 تفسير قوله تعالى: «الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ» وقوله: «فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ» وقوله: «الْمُعَذِّرُونَ» 447 الإعراب فى قوله تعالى: «حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ» 448 تفسير قوله تعالى: «الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً» الآية، فيه: أجدر وأخلق يطلبن الاستقبال 449 قوله تعالى: «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ» الآية وقوله: «وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ» 450 قوله تعالى: «خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً» نزلت فيمن شهد بدرا، وتخلف عن تبوك 450 تفسير قوله تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً» الآية، وقوله: «وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ» نزلت فيمن تخلفوا عن تبوك 451 قوله تعالى: «الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً» الآية وفيه الكلام على مسجد قباء 452 قوله تعالى: «التَّائِبُونَ» الآية على الاستئناف، والخفض والنصب على النعت والمدح 453 تفسير قوله تعالى: «وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً» نزلت فيمن سأل عنهم المسلمون ممن صلى إلى القبلة فمات 453 قوله تعالى: «مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ» وقوله: «وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً» وقوله: «لِيَنْفِرُوا كَافَّةً» 454 قوله تعالى: «يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ» الآيات 455 قوله تعالى: «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ» الآية 456 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 سورة يونس إعراب قوله تعالى: «أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً» ، وقوله: «إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ» الآية 457 وجه توحيد الضمير فى قوله تعالى: «وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ» 458 قوله تعالى: «وَلا أَدْراكُمْ بِهِ» وفيه: تغلط العرب فتهمز مالا يهمز 459 قوله تعالى: «إِذا لَهُمْ مَكْرٌ» الآية، إذا الفجائية 459 قوله تعالى: «الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ» الآية، يقال: عصفت وأعصفت 460 تفسير وإعراب قوله تعالى: «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى» الآية 461 قوله تعالى: «جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها» فيه وجهان من الإعراب 461 قوله تعالى: «فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ» من زلت لا من زلت وفيه قراءة 462 قوله تعالى: «هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ» وقوله تعالى: «حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ» بالإفراد والجمع 463 تفسير قوله تعالى: «وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى» أن بمعنى اللام 464 للعرب فِي لكن لغتان تشديد النون وإسكانها 464 إذا ألقيت الواو من (لكن) آثرت العرب تخفيفها 465 قد يوصل الحرف من أوله وآخره 466 قوله تعالى: «ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ» 466 قوله تعالى: «ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ» . الآن حرف بني عَلَى الألف واللام لَمْ تخلع منه 467 إيراد الكلام على مذهب فعل كما قالوا: نهى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَن قيل وقال» 468 قوله تعالى: «هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» فيه قراءتان ووجوه من العربية 469 قوله تعالى: «وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ» الآية وقوله: «الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ» 470 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 العرب ترفع النعوت إِذَا جاءت بعد الأفاعيل فِي إنّ 471 قوله تعالى: َهُمُ الْبُشْرى» الرؤيا الصالحة. وقوله: «إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ» استئناف 471 قوله تعالى: «مَتاعٌ فِي الدُّنْيا» وأمثاله مرفوع بمضمر 472 قوله تعالى: «فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ» الضمير هاهنا يصلح إلقاؤه 473 قوله تعالى: «أَسِحْرٌ هذا» وجه الاستفهام هنا وفى شبهه 474 قوله تعالى: «ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ» فيه الرفع والنصب 475 تفسير قوله تعالى: «فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ» ومعنى الذرية هنا 476 تفسير قوله تعالى: «رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ» الآية ومعنى دعاء موسى عليه السلام 477 كيف نسبت الدعوة لموسى وهارون والداعي موسى إلخ 478 بنو إسرائيل كانوا مجتمعين على الإيمان بمحمد فلما بعث آمن بعض وكذب آخرون 478 قوله تعالى: «فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ» 479 قوله تعالى: «فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ» لولا للتحضيض 479 قوله تعالى: «وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ» ومعنى الرجس هنا 480 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 [ الجزء الثاني ] بسم الله الرحمن الرحيم ومن سورة هود قوله: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ [1] . رَفَعْتَ الكتاب بالهجاء الَّذِي قبله، كأنَّك قلت: حروف الهجاء هذا القرآن. وإن شئت أضمرت لَهُ ما يرفعه كأنّك قلت: الر هذا الكتاب. وقوله (ثُمَّ فُصِّلَتْ) بالحلال والحرام. والأمرُ والنهي. لذلك جاء قوله (أَلَّا تَعْبُدُوا) [2] ثم قال (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) [3] . أي فُصِّلت آياته ألَّا تعبدوا وأن استغفروا. فأن فِي موضع نصب بإلقائك الخافض «1» . وقوله: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ [5] . نزلت فِي بعض مَن كَانَ يَلْقَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِما يُحبُّ، وينطوي لَهُ على العداوة والبغض. فذلك الثَّنْيُ هُوَ الإخفاء. وقال الله تبارك وتعالى أَلا حِينَ يستغشون ثيابهم يعلم الله ما يُخفونَ من عداوة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ) «2» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ «3» عَنْ رَجُلٍ أَظُنُّهُ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ (تَثْنُونِي صُدُورُهُمْ) وهو فِي العربية بِمنزلة تَنثني كما قال عنترة:   (1) وهو الباء والأصل: بألا تعبدوا.. وأن استغفروا. وانظر الطبري. (2) سقط ما بين القوسين فى ا. ومحمد هو ابن الجهم راوى الكتاب. (3) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي توفى سنة 149 هـ. وانظر غاية النهاية تحت رقم 1959. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 وقولَك للشيء الَّذِي لا تناله ... إذا ما هُوَ احلولى أَلا ليتَ ذاليا «1» وهو من الفعل: افعوعلت. وقوله: وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها [6] فمستقرها: حَيْثُ تأوي ليلًا أو نَهارًا. ومستودَعها: موضعها الَّذِي تَموتُ فِيهِ أو تُدْفَن. وقوله: لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سَاحِرٌ مبين [7] . (وسِحْرٌ مُبِينٌ) . فمن قَالَ: (سَاحِرٌ «2» مُبِينٌ) ذهبَ إلى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قولهم. ومَن قال: (سِحْرٌ) ذهبَ إلى الكلام. (حَدَّثَنَا «3» مُحَمَّدٌ قَالَ) حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو إِسْرَائِيلَ «4» عَنِ الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ «5» عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ فِي ثَلاثَةِ مَوَاضِعَ سَاحِر: فِي آخِرِ الْمَائِدَةِ «6» وَفِي يُونُسَ «7» وَفِي الصَّفِّ «8» . قَالَ الْفَرَّاءُ: وَلَمْ يَذْكُرِ الَّذِي «9» فِي هُودٍ. وَكَانَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ يَقْرَأُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ وَيَجْعَلُ هَذَا رَابِعًا يَعْنِي فِي هُودٍ. وقوله: إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا [11] فِي موضع نصب بالاستثناء من قوله: (وَلَئِنْ «10» أَذَقْناهُ) يعنى   (1) قبله مطلع القصيدة. وهو: ألا قاتل الله الطلول البواليا ... وقاتل ذكراك السنين الخواليا وانظر مختار الشعر الجاهلى 380. (2) الأولى: (ساحر) قراءة حمزة والكسائي وخلف والثانية: (سحر) قراءة الباقين. (3) سقط ما بين القوسين فى ا. (4) هو إسماعيل بن خليفة الكوفي مات سنة 169 هـ. وانظر الخلاصة. [ ..... ] (5) هو لقيط بن صبرة. وهو من الصحابة كما فى الخلاصة. (6) فى الآية 110. (7) ورد فى يونس فى الآيات 2، 76، 79. (8) فى الآية 6. (9) . 2: «التي» (10) فى الآية 10 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 الْإِنْسَان ثُمَّ استثنى من الْإِنْسَان لأنه فِي معنى الناس، كما قَالَ تبارك وتعالى: (وَالْعَصْرِ «1» إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) فاستثنى كثيرًا من لفظِ واحدٍ لأنه تأويل جِمَاع. وقوله- عَزَّ وَجَلَّ-: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ [12] . يقول: يضيق صدرك بِما نوحيه إليك فلا تُلقيه إليهم مخافة أن يقولوا: لولا أنزل عليك كنزٌ. فإن فِي قوله: (أَنْ يَقُولُوا) دليلٌ على ذَلِكَ. وهي بِمنزلة قوله: (يُبَيِّنُ «2» اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) و (من) تحسن فيها ثُمَّ تُلْقَى، فتكون فِي موضع نصب كما قَالَ- عَزَّ وَجَلَّ: (يَجْعَلُونَ «3» أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) أَلا ترى أنَّ (مِنْ) تحسن فِي الْحَذَر، فإذا ألقيت انتصب بالفعل لا بإلقاء (من) كقول الشاعر «4» : وأغفرُ عوراء الكريم اصطناعَه ... وأُعْرض عَن ذات اللئيم تَكَرُّمَا وقوله: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ [13] ثم قال جلّ ذكره: (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) [14] ولم يقل: لك وقد قَالَ فِي أوَّلِ الكلام (قُلْ) ولم يقل: قولوا وهو بِمنزلة قوله: (عَلى «5» خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) . وقوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها [15] ثم قال: (نُوَفِّ) لأن المعنى فيها بعد كانَ. وَكَانَ «6» قد يبطل فِي المعنى لأن القائل يقول: إن كنت تعطينى سألتك، فيكون كقولك: إن   (1) فى أول سورة العصر. (2) خاتمة سورة النساء. (3) الآية 19 سورة البقرة. (4) هو حاتم الطائي. وهو من قصيدة يتمدح فيها بمكارم الأخلاق. وقوله: «اصطناعه» فالرواية المشهورة: «ادخاره» والعوراء الكلمة القبيحة. وانظر الخزانة فى الشاهد التاسع والسبعين بعد المائة. (5) الآية 83 سورة يونس. وهو يريد بالتمثيل أنه إذا أسند إلى الرئيس فعل ذهب الوهم إلى من معه. وانظر ص 476 ج 1 من هذا الكتاب. (6) فى ا: «كأن كان» يريد أن (كان) في الآية فى حكم المزيدة، فكأن فعل الشرط (يريد) فهو مضارع كالجواب فقد توافقا من هذه الجهة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 أعطيتني سألتك. وأكثر ما يأتي الجزاء على أن يتَّفق هُوَ وجوابه. فإن قلت: إن تفعل أفعل فهذا حسن. وإن قلت: إن فعلت أفعل كان مستجازا. والكلام إن فعلتَ فعلتُ. وقد قَالَ فِي إجازته زُهَير: ومن هاب أسباب المنايا ينلْنَه ... ولو نالَ أسباب السَّماء بسُلَّم «1» وقوله: (وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) يقول: من أراد بعمله من أهل الْقِبلة ثواب الدُّنْيَا عُجِّلَ لَهُ ثوابُه ولم يُبخس أي لَمْ يُنْقَص فِي الدُّنْيَا. وقوله: [أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ [17] (فالذي على «2» البينة من ربه مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) يعني جبريل «3» عَلَيْهِ السَّلَام يتلو القرآن، الْهَاء للقرآن. وتَبيانُ ذَلِكَ: ويتلو القرآن شاهد من الله (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) رفعتَ الكتاب بِمِن. ولو «4» نصبت على: ويتلو من قبله كتابَ موسى (إِماماً) منصوب على «5» القطع من (كِتابُ مُوسى) فِي الوجهين. وقد قيل فى قوله: (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) : يعني الإنجيل يتلو القرآن، وإن كَانَ قد أُنْزِلَ قبله. يذهب إلى أَنَّهُ يتلوه بالتصديق. ثُمَّ قَالَ: ومن قَبْلِ الإنجيل كتاب موسى. ولم يأت لقوله: (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) جواب «6» بيّن كقوله فى سورة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَفَمَنْ كانَ» عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) وربما تركت العرب جواب   (1) هو من معلقته. (2) سقط ما بين القوسين فى ش، ج [ ..... ] (3) فى ا: «جبرئيل» وهو لغة فيه. (4) جواب لو محذوف أي لجاز. (5) أي على الحال. (6) والجواب المحذوف أو الخبر: كمن كان يريد الدنيا كما فى البيضاوي. (7) الآية 14 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 الشيء المعروف معناهُ وإن تُرِكَ الجواب قَالَ الشَّاعِر «1» : فأقسمُ لو شَيْء أتانا رَسولُه ... سِوَاك ولكن لَمْ نجد لك مَدْفَعا وقال الله- تبارك وتعالى وهو أصدق من قول الشاعر-: (وَلَوْ أَنَّ «2» قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) فلم يؤت «3» لَهُ بِجوابٍ والله أعلم. وقد يفسره بعض النحويين يعني أن جوابه «4» : (وَهُمْ يكفرون ولو أنّ قرآنا) والأوَّل أشبه بالصواب. ومثله: (وَلَوْ تَرى «5» إِذِ الْمُجْرِمُونَ) (وَلَوْ يَرَى «6» الَّذِينَ ظَلَمُوا) وقوله فِي الزمر: (أَمَّنْ «7» هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) ولم يؤت لَهُ بِجواب. وكفى «8» قوله: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) من ذَلِكَ. فهذا مما تُركَ جوابه، وكفى منه ما بعده، كذلك قَالَ فِي هود: (مَثَلُ «9» الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا) ولم يقل: هَلْ يستوون. وَذَلِكَ أن الأعمى والأصمَّ من صفة واحد والبصير والسميع من صفة واحدٍ كقول القائل: مررتُ بالعاقل واللبيب وهو يعني واحدًا. وقال الشاعر «10» : وما أدْرِي إِذَا يمَّمْتُ وجهًا ... أريدُ الخير أيُّهما يليني أألخير الَّذِي أنا أبتغيه ... أم الشر الذي لا يأتلينى   (1) أي امرؤ القيس. يريد: لو شىء أتانا رسوله سواك دفعناه بدليل قوله: ولكن لم نجد لك مدفعا. وفي الديوان 242: «أجدك لو شىء ... » (2) الآية 31 سورة الرعد. (3) أي أن الجواب محذوف. وهو (لكان هذا القرآن) . (4) هذا على أن جواب الشرط قد يتقدم وهو مذهب كوفى. وعند غيرهم أنه دليل الجواب. (5) الآية 12 سورة السجدة. والجواب محذوف تقديره: لرأيت أمرا فظيعا. (6) الآية 93 سورة الأنعام والجواب محذوف تقديره: لرأيت أمرا عظيما. (7) الآية 9 سورة الزمر. (8) فالجواب تقديره: كالعاصى. والمراد نفى استوائهما كما نفى استواء الذين يعلمون والذين لا يعلمون. (9) فى الآية 24 [ ..... ] (10) انظر ص 231 من الجزء الأول من هذا الكتاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 قَالَ: أيُّهما وإنما ذكر الخير وحده لأن المعنى يُعرف: أن المبتغي للخير مُتّق للشر وكذلك قَوْل الله جل ذكره: (سَرابِيلَ «1» تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) [أي] وتقي البرد. وهو كذلك وإن لَمْ يُذكر. وقوله: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) فيقال: مِن أصناف الكفار. ويُقال: إن كلَّ كافر حِزْب. وقوله: وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ [20] . هم رءوس الْكَفَرة الَّذِينَ يُضلون. وقوله: (مَا كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) على وجهين. فسَّره بعض المفسرين: يضاعف لَهُم العذاب بِما كانوا يستطيعون السمع «2» ولا يفعلون. فالباء حينئذ كَانَ ينبغي لَهَا أن تدخل، لأنه قَالَ: (وَلَهُمْ «3» عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) فِي غير موضع من التنزيل أدخلت فِيهِ الباء، وسقوطها جائز كقولك «4» فِي الكلام: بأحسن ما كانوا يعملونَ وأحسنَ ما كانوا يعملون. وتقول فِي الكلام: لأجزيَّنك بِما عملت، وما عملت. ويُقال: مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كانوا يبصرون: أي أضلَّهُم الله عَن ذَلِكَ فِي اللوح المحفوظ. وقوله: (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ) [22] كلمة كانت فِي الأصل بِمنزلة لا بُدَّ أنَّك قائمٌ ولا محالة أنَّك ذاهب، فجرت على ذَلِكَ، وكثر استعمالهم إيَّاها، حَتَّى صَارت بِمنزلة حقًّا ألا ترى أن العرب تَقُولُ: لا جَرَمَ لآتينك، لا جرمَ قد أحسنت. وكذلك فسّرها المفسرونَ بِمعنى الحقِّ. وأصلها من جرمت   (1) الآية 81 سورة النحل. (2) سقط في ا. (3) الآية 10 سورة البقرة. (4) الأولى: كقوله تعالى. فإن الاستعمالين واردان فى الكتاب العزيز فالأول فى الآية 96 سورة النحل، والثاني فى الآية 7 سورة العنكبوت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 أي كسبت الذنب وجَرَّمته. وليس قول من قَالَ إنّ جَرَمت كقولك: حَقُقت أو حُقِقت بشيء وإنَّما لبس على قائله قول الشاعر «1» : ولقد طَعنْتُ أبا عُيَيْنة طَعْنَةً ... جرَمت فزارةُ بعدها أن تغضبا فرفعوا (فزارة) قالوا: نجعل الفعل لفزارة كأنه بِمنزلة حُقَّ لَهَا أو حقَّ لَهَا أن تغضب وفزارة منصوبة فِي قول الفراء أي جَرَمَتهم الطعنةُ أن يغضبوا. ولكثرتها فى الكلام حذفت منها الميم فبنو فزارة يقولون: لا جَرَ أنك قائم. وتوصل من أوَّلها بذا، أنشدني بعضُ بني كلاب: إن كلابًا وَالِدِي لاذا جَرَمْ ... لأَهْدِرَنَّ اليوم هدرًا صادقا «2» هدر المعنَّى ذي الشقاشيق اللَّهُمَّ «3» وموضع أن مرفوع كقوله: أحقًّا عبادَ الله جرأة محلق ... علي وقد أعييت عاد وتبعا وقوله: وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ [23] . معناهُ: تَخْشَعوا لربِّهم وإلى ربِّهم. وربَّما جعلت العرب (إلى) فِي موضع اللام. وقد قَالَ الله عزّ   (1) هو أسماء بن الضريبة. وقيل: عطية بن عفيف. وقوله: «أن تغضبا» كذا فى الأصول. والرواية: «يغضبوا» وقبله: يا كرز إنك قد قبلت بفارس ... بطل إذا هاب الكمأة وجببوا كان كرز قد طعن أبا عيينة حصن بن حذيفة الفزاري فى يوم الحاجر فقتل به فرثاه الشاعر. وقوله: «جببوا» أي فروا ونفروا من القتال. وانظر الخزانة 4/ 310، واللسان فى المادة. (2) «هدرا صادقا» كذا فى الأصول، وهو لا يستقيم فى الرجز المعروف عن العرب. وقد كتبها بعض الفضلاء «هدرا فى النعم» ولم أقف على سنده. وهدر البعير ترديد صوته فى حنجرته. (3) المعنى: فحل الإبل الذي حبس أو رغب عن ضرابه. والشقاشيق جمع شقشقة وهى كالرئة تخرج من فم البعير إذا هاج واغتلم. وأصله الشقاشق فزاد الياء. واللهم: الذي يلتهم كل شىء: يفتخر أنه من كلاب، وأنه سيصول في أقرانه كما يصول الفحل الهائج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 وجلّ: (بِأَنَّ «1» رَبَّكَ أَوْحى لَها) وقال: (الْحَمْدُ «2» لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) وقال: (يَهْدِيهِمْ «3» إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً) وقال: (فَأَوْحى «4» إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ) وقد يَجوز فِي العربية أن تَقُولَ: فلان يُخْبِت إلى الله تريد: يفعل ذَلِكَ بوجهه إلى الله لأن معنى الإخبات الخشوع، فيقول: يفعله بوجهه إلى الله ولله. وجاء فِي التفسير: وأَخْبتوا فَرَقا «5» من الله فمن يشاكل معنى اللام ومعنى إلى إذا أردت بِهِ لمكان هذا ومن أجل هذا. وقوله: (مَا نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) [27] رفعَتَ الأراذل بالاتِّباع «6» وقد وقع الفعل فِي أول الكلام على اسمه. ولا تكادُ العرب تجعل المردود بإلا إلا على المبتدأ لا على راجع ذكره. وهو جائز. فمن البين الَّذِي لا نظر فِيهِ أن تَقُولُ: ما قام احد إلا زيد. وإن قلت: ما أحدٌ قام إلا زيد فرفعت زيدًا بِما عاد فِي فعل أحد فهو قليل وهو جائز. وإنَّما بَعُد على المبتدأ لأنه كناية، والكناية لا يُفرق فيها بين أحدٍ وبين عبد الله، فلمّا قبح أن تَقُولَ: ما قام هُوَ إلا زيد، وحسن: ما قام أحد إلا زيد تبيّن ذَلِكَ لأن أحدًا كأنه لَيْسَ فِي الكلام فحسُن الرد على الفعل. ولا يُقال للمعرفة أو الكناية أحد إذ شاكل «7» المعرفة كأنه «8» لَيْسَ فِي الكلام ألا ترى أنك تَقُولُ ما مررت بأحد إلا بزيد (فكأنك «9» قلت: ما مررت إلا بزيد) لأن أحدًا لا يُتَصوّر فِي الوهم أَنَّهُ مَعْمود «10» لَهُ. وقبيح أن تَقُولَ: لَيْسَ أحد مررت بِهِ إلا بزيد لأن الْهَاء لها صورة كصورة   (1) الآية 5 سورة الزلزلة (2) الآية 43 سورة الأعراف (3) الآية 175 سورة النساء (4) الآية 13 سورة إبراهيم (5) أي خوفا (6) الظاهر أنه يريد أنه مرفوع فى المعنى بالاتباع في قوله: «اتبعك» يريد أنه فاعل الاتباع فى الحقيقة وإن كان الفعل واقعا على (الذين) اسم الموصول فهو اسمه. [ ..... ] (7) أي الكناية (8) أي كأن أحدا. (9) سقط ما بين القوسين فى ش. (10) في ا: «مصمود» والصمد والصمد: القصد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 المعرفة، وأنت لا تَقُولُ: ما قمت إلا زيد فهذا وجه قبحه. كذلك قَالَ: (ما نَراكَ) ثُمَّ كأنه حذف (نراك) وقال: (ما اتّبعك إلا الذين هم أراذلنا) فان على هذا ما ورد عليك إن شاء الله: (بادِيَ الرَّأْيِ) لا تَهمز (بادِيَ) لأن المعنى فيما يظهرُ لنا [و «1» ] يبدو. ولو قرأت «2» (بادىء «3» الرأي) فهمزت تريد أوّل الرأي لكان صوابًا. أنشدني بعضهم: أضحى لخالي شبهي بادي بدي ... وصار للفحل لساني ويدي «4» فلم يهمز ومثله مما تقوله العرب فِي معنى ابدأ بِهذا أوّل، ثُمَّ يقولون. ابدأ بِهذا آثرًا ما وآثِر ذي أثيرِ (وأثير «5» ذي أثير) وإثرَ ذى أثير، وابدأ بهذا أوَّل ذاتِ يدين وأدْنَى دَنِيّ. وأنشدونا: فقالوا ما تريد فقلت ألهو ... إلى الإصباح آثِر ذى أثير «6» وقوله: بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ [27] مثل قوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ «7» إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) لأنَّهم كذبوا نوحًا وحده، وخرج على جهة الجمع، وقوله (فَإِلَّمْ «8» يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) فلكم أريد بِهَا النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله: (فَاعْلَمُوا) ليست للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إنَّما هي لكفّار مكة ألا ترى أنه قال (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) . وقوله: (وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) .   (1) زيادة من اللسان فى (بدأ) و (بدا) . (2) قرأ بالهمز أبو عمرو. (3) كذا في ا. وفى ش، ج: «بادى بابتداء الرأى» وفيها تحريف. (4) فى ا: «شبه» فى مكان «شبهى» يريد أن ظاهره فى الشبه لخاله، فى الفعل باليد أو اللسان فهو ينزع إلى الفحل أي إلى أبيه، وفي اللسان (بدا) أنه تعدى شرخ الشباب وصارت أعماله أعمال الفحولة والكهول. (5) ما بين القوسين فى ب. (6) هذا البيت من قصيدة لعروة بن الورد. كان قد سبى امرأة من كنانة وعاشرها مدة طويلة حتى كان له منها ولد. ثم عرفها أهلها وافتدوها منه بمال وتحينوا سكره فى ذلك، فلما أيقن أنه سيفارقها طلب أن يلهو بها ليلته. وانظر الأغانى (الدار) 3/ 87. (7) أول سورة الطلاق. (8) الآية 14 سورة هود. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 يعني الرسالة. وهي نعمة ورحمة. وقوله: (فَعُمِّيَتْ عليكم) قرأها يَحْيَى بن وثّاب والأعمش وَحَمْزَة «1» . وهي فِي قراءة أُبَيّ (فعمَّاهَا عَلَيْكُمْ) وسمعت العرب تَقُولُ: قد عُمِّيَ عليَّ الْخَبَر وَعَمِيَ عليَّ بِمعنى واحد. وهذا مِمَّا حوّلت العرب الفعل إِلَيْهِ وليس لَهُ، وهو فِي الأصل لغيره ألا ترى أن الرجل الَّذِي يَعْمَى عَن الخبر أو يُعَمَّى عَنْهُ، ولكنّه فِي جوازه مثل قول العرب: دخل الخاتم فِي يدي والخُفّ فِي رِجْلي، وأنت تعلم أن الرجل التي تُدخل فِي الخفّ والأصبع فِي الخاتِم. فاستخفّوا بذلك إذا «2» كَانَ المعنى معروفًا لا يكُون لذا فِي حال، ولذا فِي حال إنَّما هُوَ لواحد. فاستجازوا ذَلِكَ لِهذا. وقرأه العامّة (فعميت) وقوله (أَنُلْزِمُكُمُوها) العرب تسكّن الميم التي من اللزوم فيقولون: أَنُلْزِمْكمُوهَا. وَذَلِكَ أن الحركات قد توالت فسَكنت الميم لحركتها وحركتين بعدها وأنَّها مرفوعة، فلو كانت منصوبة لَمْ يُسْتَثْقَلْ فتخفَّفَ. إنَّما يستثقلون كسرة بعدها ضمةٌ أو ضمةً بعدها كسرة أو كَسْرَتينِ متواليتين أو ضمَّتينِ متواليتين. فأمَّا الضمَّتان فقوله: (لَا يَحْزُنُهُمُ «3» ) جزموا النون لأن قبلها ضمَّة فخففت كما قَالَ (رُسْل) «4» فأمّا الكسرتان فمثل قوله الإبل إذا خُفّفت. وأمّا الضمة والكسرة فمثل قول الشاعر: وناعٍ يُخَبِّرْنَا بِمُهْلَك سَيّدٍ ... تَقَطَّعَ «5» من وجدٍ عَلَيْهِ الْأَنَامِلُ وإن شئتَ تُقطَّع. وقوله فِي الكسرتين: إذا اعوججن قلت صاحب قوّم «6»   (1) وكذلك قرأها الكسائي وحفص عن عاصم. (2) ا: «إذ» [ ..... ] (3) الآية 103 سورة الأنبياء. (4) ب: «وأما» . (5) ضبط فى ا: «تقطع» بصيغة الماضي. (6) هذا رجز بعده: بالدون أمثال السفين العوم قال الأعلم: «والدو: الصحراء. وأراد بأمثال السفين رواحل محملة تقطع الصحراء قطع السفين البحر» وانظر سيبوية 2/ 297. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 يريدُ صاحبي فإنّما يستثقل الضم والكسر لأن لمخرجيهما مؤونة على اللسان والشفتين تنطمّ «1» الرَّفعة بِهما فيثقل الضمَّة ويُمالُ أحد الشِّدْقين إلى الكسرة فترى ذَلِكَ ثقيلًا. والفتحة تَخرج من خَرْقِ الفم بلا كُلْفة. وقوله: وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ [30] . يقول: من يَمنعني من الله. وكذلك كل «2» ما كَانَ فِي القرآن منه فالنصر على جهة المنع. وقوله: فَعَلَيَّ إِجْرامِي [35] . يقول: فَعَليّ إثمي. وجاء فِي التفسير فَعَلَيَّ آثامي، فلو قرئت: أجرامي على التفسير كَانَ صوابًا. وأنشدني أَبُو الجراح: لا تَجعلوني كذوي الأجرام ... الدَّهْمَسِيَّيْنِ ذوِي ضِرغام «3» فجمع الْجُرْم أجرامًا. ومثل ذلك (وَاللَّهُ «4» يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) و (أَسْرَارهم) وقد قُرئ بِهما «5» . ومنه (وَمِنَ «6» اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) و (أدبار السّجود) فمن قَالَ: (إِدْبَارَ) أراد المصدر. ومن قَالَ (أسرار) أراد جَمْع السِّر. وقوله: (فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) [36] يقول: (لا تستَكِنْ ولا تَحْزَن) . وقوله: (بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) [37] كقوله (ارْجِعُونِ «7» ) يَخْرج على الجمع ومعناهُ واحد على ما فسَّرت لك من قوله (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) لنوح وحده، و (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) .   (1) ش: «وضم» . (2) سقط فى ا. (3) «الدهمسيين» نسبة إلى الدهمسة وهى السرار أي الذين يتسترون لخبثهم. وضرغام علم. يريد آل هذا الرجل. (4) الآية 26 سورة محمد. (5) قرأ بكسر الهمزة حفص وحمزة والكسائي وخلف. وقرأ الباقون بفتحها. (6) الآية 40 سورة ق. قرأ نافع وابن كثير وحمزة وأبو جعفر وخلف بكسر الهمزة، والباقون بفتحها. (7) الآية 99 سورة المؤمنين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 وقوله: وَفارَ التَّنُّورُ [40] هو تنّور الخابر: إذا فار الماء من أَحرّ مكان فِي دارك فهي آية العذاب فأسر بأهْلِكَ. وقوله (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) والذكر والأنثى من كل نوع زوجان. وقوله (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) حَمَلَ معه امرأة لَهُ سِوَى التي هلكت، وثلاثةَ بَنينَ ونسوتهم، وثَمانين إنسانًا سوى ذَلِكَ. فذلك قوله (وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) و (الثمانون «1» ) هُوَ القليل. وقوله: وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ [41] (إن شئت جعلت مجراها ومرساها) فِي موضع رَفع بالياء كما تَقُولُ: إجراؤهَا وإرسَاؤَهَا بسم الله وبأمر الله. وإن شئت جعلت (بِسْمِ اللَّهِ) ابتداء مكتفيًا بنفسه، كقول القائل عند الذبيحة أو عند ابتداء المأكل وشبهه: بسم الله ويكون (مجريها ومرسيها) فِي موضع نصب يريد بسم الله فِي مجراها وَفِي مرساها. وسمعت العرب تَقُولُ: الحمد لله سِرَارَكَ «2» وإهلالك «3» ، وسُمع منهم الحمدُ لله ما إهلالَك إلى سرارك يريدون ما بين إهلالك إلى سرارك. والمجرى والمرسى ترفع ميميهما قرأ بذلك إِبْرَاهِيم النَّخْعِيّ والحسن وأهل المدينة. حَدَّثَنَا مُحَمَّد قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو معاوية «4» عَن الأعمش عَن مسلم «5» بن صبيح عَن مسروق أَنَّهُ قَرأها (مَجْراها) بفتح الميم و (مرسها) بضم الميم. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ عَنْ عَرْفَجَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بن مسعود قرأها (مجراها) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَرَفْعِ الْمِيمِ مِنْ مُرْسِيهَا. وقرأ مجاهد (مُجْرِيها ومُرسِيها) يَجعله من صفات الله عَزَّ وَجَلَّ، فيكون فِي مَوْضع خفض فِي الإعراب لأنه معرفة. ويكون نَصْبًا لأن مثله قد يكون نكرة لحسن الألف واللام فيهما ألا ترى   (1) ب: «فالثمانون) . (2) سرار القمر خفاؤه فى أواخر الشهر. وإهلاله حيث يظهر هلاله. يقال هذا عند رؤية الهلال. (3) سرار القمر خفاؤه فى أواخر الشهر. وإهلاله حيث يظهر هلاله. يقال هذا عند رؤية الهلال. [ ..... ] (4) هو محمد بن خازم الضرير مات سنة 195 هـ كما فى الخلاصة. (5) هو أبو الضحى العطار الكوفي توفى فى خلافة عمر بن عبد العزيز كما فى الخلاصة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 أنك تَقُولُ فِي الكلام: بسم الله المجريها والمرساها. فإذا نزعت منه الألف واللام نصبته «1» . ويدلك على نكرته قوله: (هذا «2» عارِضٌ مُمْطِرُنا) وقوله: (فَلَمَّا رَأَوْهُ «3» عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) فَأضافوهُ إلى معرفة، وجعلوهُ نعتًا لنكرة. وقال الشاعر «4» : يا رُبَّ عابِطِنا لو كَانَ يأْمُلكم ... لا قى مباعدةً منكم وحرمانا وقال الآخر: وَيَا رب هاجي مِنْقَرٍ يبتغي بِهِ ... ليَكْرُم لَمّا أعوزته المكارِمُ وسمع الْكِسَائي أعرابيًّا يقول بعد الفطر: رُبّ صائمه لن يصومه وقائمه لن يقومه. وقوله: (سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ [43] (قالَ) نوحٌ عَلَيْهِ السَّلَام (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) فَمَنْ فِي موضع نصب لأن المعصوم خِلاف للعاصم والمرحوم معصوم. فكأنه نصبه بِمنزلة قوله (مَا لَهُمْ بِهِ «5» مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ) ومَن استجازَ رفع الاتباع أو الرفعَ فِي قوله: وبلدٍ لَيْسَ بِهِ «6» أنيسُ ... إلَّا الْيَعَافِيرُ وإلّا العيس لم يجزله الرفع فِي (مَن) لأن الَّذِي قَالَ: (إِلَّا اليعافير) جعل أنيس الْبَرّ اليعافير والوحوش، وكذلك قوله (إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ) يقول: علمهم ظنّ وأنت لا يجوزُ لك فِي وجه أن تَقُولَ: المعصوم عَاصِم. ولكن لو جعلت العاصم فِي تأويل معصوم كأنك قلت: لا معصوم اليوم من أمر الله لَجازَ رفع (مَن) ولا تنكرن أن يخرج المفعول على فاعل ألا ترى قوله (مِنْ «7» ماءٍ دافِقٍ) فمعناه والله أعلم: مدفوق   (1) على أنه سال. (2) الآية 24 سورة الأحقاف. (3) الآية 24 سورة الأحقاف. (4) هو جرير من قصيدة يهجو فيها الأخطل (5) الآية 157 سورة النساء. (6) فى ا: «بلد ليس بها» وبلد محرف عن بلدة كما هى رواية سيبويه 1/ 365. واليعافير أولاد الظباء واحدها يعفور. والعيس بقر الوحش لبياضها. (7) الآية 6 سورة الطارق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 وقوله (فِي عِيشَةٍ «1» راضِيَةٍ) معناها مرضيَّة، وقال الشاعر «2» : دعِ المكارمَ لا ترحل لِبُغْيتها ... واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي معناهُ المكسوّ. تستدلّ على ذَلِكَ أنك تَقُولُ: رضيتُ هذه المعيشة ولا تقول: رَضِيَتْ ودُفِق الماء ولا تَقُولُ: دَفَق، وتقول كُسِيَ العريان ولا تَقُولُ: كسا. ويقرأ (إِلَّا مَنْ رُحِم) أيضًا «3» . ولو قيلَ لا عَاصِم اليوم من أمر الله إِلَّا من رُحِمَ كأنَّك «4» قلت: لا يعصم «5» اللهُ اليوم إِلَّا من رُحِمَ ولم نسمع «6» أحدًا قرأ بِهِ. وقوله: (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) [44] وهو جبل بحضَنَين «7» من أرض الموْصِل ياؤه مشدّدة وقد حدِّثتُ أن بعض «8» القراء قرأ (عَلَى الْجُودِي) بإرسال الياء. فإن تكن صحيحة فهي مما كَثُر بِهِ الكلام عند أهله فخُفِّف، أو يكون قد سمي بفعل أنثى مثل حُطيِّ وأصِرّي وصَرِّي، ثُمَّ أُدخلت عَلَيْهِ الألف واللام. أنشدني بعضهم- وهو المفضّل-: وكفرتَ قومًا هُمْ هَدَوْكَ لأقدِمي ... إذ كَانَ زَجْرَ أبيك سأسأ واربق «9»   (1) الآية 21 سورة الحاقة. (2) هو الحطيئة. والبيت من قصيدة يهجو فيها الزبرقان بن بدر التميمي. (3) سقط فى ا. (4) كذا فى ا. وفى شىء: «فإنك» . ويصح أن يكون جواب لو بإسقاط الفاء. (5) ب: «يعصم» . [ ..... ] (6) فى الكشاف أنه قرىء به. ولم يذكر القارئ. (7) كذا فى الأصول. ولم أقف عليه فى البلدان. وقد يكون: «بحصنين» تثنيه حصن لما يتحصن به. وفى القاموس أن حصنين بلد وقلعة بوادي لية ولية فى بلاد العرب وليس فى الموصل. ولم يعين البلد ولم يعرف أين هوه. (8) هو الأعمش برواية المطوعى كما فى الإتحاف. (9) «أقدمى» يقولها الفارس لفرسه يأمرها بالإقدام فى الحرب، وفى الحديث فى يوم بدر أنه سمع صوت يقول: أقدم حيزوم وحيزوم فرس جبريل عليه السلام، وقد جعل هذا زجرا والمعروف فى زجر الفرس اجدم. وسأسأزجر الحمار. يقول كفرت قوما علموك الغزو ورشحوك للسيادة، وقد كنت قبل تركب الحمار وترعى الغنم. وقوله: اربق أي اربط الغنم فى حبل يجمعها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 وأنشدني بعض بني أسَد: لَمَّا رأيت أنّها فِي حُطّي ... وفَتكت فِي كذبي ولَطِّي «1» والعرب إذا جعلت مثل حُطّي وأشباهه اسمًا فأرادوا أن يغيِّروه عَن مذهب الفعل حوّلوا الياء ألفًا فقالوا: حُطَّا، أصِرًّا، وصِرَّا. وكذلك ما كَانَ من أسماء العجم آخره ياء مثل ماهي وشاهي وشُنِّي حوَّلوه إلى ألف فقالوا: ماها وشاها وشنَّا. وأنشدنا «2» بعضهم: أتانَا حِمَاسٌ بابن ماها يسوقه ... لِتُبغِيه خيرًا وَلَيْسَ بفاعلِ (وَحالَ «3» بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ) أي حالَ بين ابن نوح وبين الجبل الماء. وقوله: (يا أَرْضُ «4» ابْلَعِي) يُقالُ بَلِعَتْ وبَلَعَتْ. وقوله: يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [46] الَّذِي وعدتك أن أنجيهم ثُمَّ قَالَ عَزَّ وجلّ: (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (وَعَامَّةُ الْقُرَّاءِ «5» عَلَيْهِ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ «6» عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِذَلِكَ يَقُولُ: سُؤَالُكَ إِيَّايَ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ. وَعَامَّةُ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ. (حَدَّثَنَا «7» الْفَرَّاءُ) قَالَ: وَحَدَّثَنِي «8» أَبُو اسحق الشَّيْبَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو رَوْقٍ «9» عَنْ مُحَمَّدِ «10»   (1) تقدم هذا الرجز ببعض تغيير مع صلة له فى الجزء الأول ص 369. (2) ا: «أنشد» . (3) هذا فى الآية 43. (4) فى الآية 44. (5) سقط ما بين القوسين فى ا. (6) ش: «حسان» . (7) سقط ما بين القوسين فى ش. (8) هو سليمان بن أبى سليمان فيروز مات سنة 138 كما فى الخلاصة. (9) هو عطية بن الحارث الهمداني الكوفي كما فى الخلاصة. (10) كانت وفاته سنة 131 هـ. [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 بْنِ حُجَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» يَقْرَأُ (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (حَدَّثَنَا «2» الْفَرَّاءُ) قَالَ وَحَدَّثَنِي «3» ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ قَالَ، لَا أَرَاهُ إِلَّا ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ أَقْرَؤُهَا؟ قَالَ (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) وقوله: (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ويُقرأ: تسأَلَنيِّ بإثبات الْيَاء وتشديد النون ويَجوز أن تقرأ (فَلا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ) بنصب النون، ولا توقعها إلا على (ما) وليس فيها ياء فِي الكتاب والقراء قد اختلفوا فيما يكون فِي آخره الياء وتُحذف فِي الكتاب: فبعضهم يُثبتها، وبعضهم يلقيها من ذلك (أَكْرَمَنِ) «4» و (أَهانَنِ) «5» (فَمَا آتَانِ «6» اللهُ) وهو كثيرٌ فِي القرآن. وقوله: (بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) [48] يعني ذُرِّية من معه من أهل السعادة. ثم قال: (وَأُمَمٌ) من أهل الشقاء (سَنُمَتِّعُهُمْ) ولو كانت (وَأُمَمًا سَنُمَتِّعهُمْ) نصبًا لجازَ توقع عليهم «7» (سَنُمَتِّعُهُمْ) كما قَالَ (فَرِيقاً «8» هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) . وقوله: (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ [49] ) يصلح مكانها (ذَلِكَ) مثل قوله (ذلِكَ «9» مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ) والعرب تفعل «10» هذا فِي مصادر الفعل إذا لَمْ يذكر مثل قولك: قد قَدِمَ فلان، فيقول الآخر: قد فرحت بِهَا وبه. فمَن أنّث ذهب بها إلى القدْمة، ومن ذكر ذهب إلى القدوم. وهو مثل قوله (ثُمَّ تابُوا «11» مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا) .   (1) وهى قراءة الكسائي (2) ش: «حدثنى به» (3) ش: «حدثنى به» (4) الآية 15 سورة الفجر (5) الآية 16 سورة الفجر (6) الآية 36 سورة النمل (7) ش: «أن توقع» (8) الآية 30 سورة الأعراف (9) الآية 100 سورة هود (10) ش: «مثل هذا» (11) الآية 153 سورة الأعراف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 وقوله: (مَا كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ) يقول: لَمْ يكن عِلْمُ نوح والأمَمِ بعده من علمك ولا علم قَومك (مِنْ قَبْلِ هذا) يعني القرآن. وقوله: يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً [52] يقول: يجعلها تَدِرُّ عليكم عند الحاجة إلى المطر، لا أن تَدِرّ ليلًا ونَهارًا. وقوله (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) ذكروا أَنَّهُ كَانَ انقطعَ عنهم الولد ثلاث سنين. وقال (قُوَّةً) لأن الولد والمال قوة. وقوله: إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ [54] كذَّبوه ثُمَّ جعلوه مختلِطًا «1» وَادَّعَوْا أنَّ آلهتهم هى التي خبلته لعيبه آلهتهم. فهنالك قَالَ: إني أُشهدُ الله وأُشهدكم أني برىء منها. وقوله: وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً [57] رُفِع: لأنه جاء بعد الفاء. ولو جُزِمَ كَانَ كما قَالَ (مَنْ «2» يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) كَانَ «3» صوابًا. وَفِي قراءة عبد الله (وَلَا تَنْقُصُوهُ) جزمًا. ومعنى لا تضرّوهُ يقول: هلاككم إذا أهلككم لا ينقصه شيئا. و (عاد) مُجْرًى «4» فِي كل القرآن لَمْ يُختلف فِيهِ. وقد يُتْرك إجراؤه، يُجعل اسمًا للأُمَّة التي هُوَ منها، كما قَالَ الشاعر: أحقًّا عبادَ الله جرأة محلق ... علي وقد أعييت عاد وتبّعا وسمع الكسائىّ بعض العرب يقول: إن عادَ وَتَبَّعَ أمَّتان. وقوله: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً [64] . نصبت صالحًا وهودًا وما كَانَ على هذا اللفظ بإضمار (أرسلنا) .   (1) يقال: اختلط:؟؟؟ عقله. (2) الآية 186 سورة الأعراف. والجزم قراءة حمزة والكسائي وخلف كما فى الاتحاف. (3) هذه الجملة بدل من قوله: «كان كما قال..» [ ..... ] (4) أي مصروف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 وقد اختلف القراء فى (ثمود) فمنهم من أجراهُ فِي كلّ حال. ومنهم من لَمْ يُجرِهِ فِي حال. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي قيس عَن أبى إسحق عَن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخمىّ عَن أبيه أَنَّهُ كَانَ لا يُجري (ثَمود) فِي شيء من القرآن (فقرأ «1» بذلك حَمْزَةُ) ومنهم من أجرى (ثمود) فِي النصب لأنّها مكتوبة بالألف فِي كل القرآن إلا فِي موضع واحد (وَآتَيْنا «2» ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) فأخذ بذلك الْكِسَائي فأجراها فِي النصب ولم يُجرها فِي الخفض ولا فِي الرفع إِلَّا فى حرف واحد: قوله (أَلا إِنَّ «3» ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) فسألوهُ «4» عَن ذَلِكَ فقال: قرئت فِي الخفض «5» من الْمُجْرَى وقبيح أن يَجتمعَ الحرف مرتين فِي موضعين ثُمَّ يَختلف، فأجريته لقربه منه. وقوله: كَفَرُوا رَبَّهُمْ [68] جاء فِي التفسير: كفروا نعمة ربهم. والعربُ تَقُولُ: كفرتك. وكفرت بك، وشكرتك وشكرتُ بك وشكرت لك. وقال الْكِسَائي: سمعتُ العرب تَقُولُ: شكرتُ بالله كقولِهم: كفرت بالله. وقوله: فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ [63] يقول: فما تزيدونني غير تَخسير لكم وتضليل لكم، أي كُلّما اعتذرتُم بشيء هُوَ يزيدكم تَخسيرًا. وليس غير تخسير لي أنا. وهو كقولك للرجل ما تزيدني إلَّا غضبًا أي غضبا عليك. وقوله: سَلاماً قالَ سَلامٌ [69] قرأها «6» يحيى ابن وَثَّاب وإبراهيم النخعي. وذُكِرَ عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قرأ بِهَا. وهو فِي المعنى سلام كما قالوا حِلّ وَحَلَالٌ، وحرم وحرام لأن   (1) سقط ما بين القوسين فى ا (2) الآية 59 سورة الإسراء (3) الآية 68 سورة هود (4) ا: «فسألته» (5) كذا فى الأصول. والأولى: «النصب» (6) وهى قراءة حمزة والكسائي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 التفسير جاء: سَلَّمُوا عَلَيْهِ فردّ عليهم. فترى أن معنى سِلْم وسلام واحد والله أعلم. وأنشدني بعض العرب: مررنا فقلنا إيه سِلْم فسلَّمت ... كما اكتلَّ بالبرق الغمامُ اللوائحُ «1» فهذا دليلٌ على أنَّهم سَلَّموا فردَّت عليهم. وقرأهُ العامّة (قالوا سلاما قال سلام) نصبَ الأول ورفع الثاني. ولو كانا جَميعًا رفعًا ونصبًا كَانَ صوابًا. فمن رَفعَ أضمرَ (عليكم) وإن لَمْ يظهرها كما قَالَ الشاعر: فقلنا السَّلام فاتقت من أميرها ... فما كَانَ إلا وَمْؤها بالحواجب «2» والعربُ تَقُولُ: التقينا فقلنا: سَلامٌ سلام. وحُجَّة أخرى فِي رفعه الآخر «3» أن القوم سَلَّمُوا، فقال حين أنكرهم: هُوَ سلام إن شاء الله فمن أنتم لإنكاره إيَّاهم. وهو وجه حسن. ويُقال فِي هذا المعنى: نحن سِلْم لأن التسليم لا يكون من قومٍ عَدُوّ. وقوله: (فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) أن فِي موضع نصب توقع «4» (لَبِثَ) عليها، كأنك قلت: فما أبطأ عَن مجيئه بعجل: فلمَّا ألقيت الصفة وقع الفعلُ عليها. وقد تكون رفعًا تجعل لبث فعلًا لأن كأنك قلت فما أبطأ مجيئُه «5» بعجلٍ حنيذ: والحنيذ: ما حَفَرت لَهُ فِي الأرض ثُمَّ غممته. وهو من فعل أهل البادية معروف. وهو محنوذ فى الأصل «6» فقيل: حنيذ، كما قيل: طَبيخ للمطبوخ، وقتيل للمقتول. وقوله: فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ [70] أي إلى الطعام. وذلك أنها كانت   (1) إيه: طلب للحديث. واكتل الغمام: تبسم وهو تكشفه بضوء البرق (2) أميرها: الذي له عليها الولاية والأمر يريد زوجها، ومؤها: إشارتها (3) ش: «الأخرى» أي الكلمة الأخيرة (4) ا: «بوقوع» (5) فى الأصول: «عن مجيئه» وهو سهو من الناسخ (6) ش: «الأرض» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 سُنَّة فِي زمانِهم إذا ورد عليهم القوم فأُتُوا بالطعام فلم يَمسّوه ظنّوا أنَّهم عَدُوٌّ أو لصوص. فهناك أوجس فِي نفسه خِيفةً فرأَوا ذَلِكَ فِي وجهه، فقالوا: لا تَخَفْ، فضحكت عند ذَلِكَ امرأته وكانت قائمة وهو قاعد (وكذلك هي فِي قراءة عبد الله: وامرأته قائمة وهو قاعد) مثبتة «1» فضحكت فبشرت بعد الضحك. وإنَّما ضحكت سرورًا بالأمن «2» فأتبعوها البشرى بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب. وقد يقول بعض المفسرين: هذا مقدّم ومؤخّر. والمعنى فِيهِ: فبشَّرناها بإسحاق فضحكت بعد البشارة وهو مِمّا قد يَحتمله الكلام والله أعلم بصوابه. وأما قوله (فَضَحِكَتْ) : حاضت فلم نسمعهُ من ثقة وقوله (يَعْقُوب) يرفع وينصب وَكَانَ حَمْزَةُ ينوي بِهِ «3» الخفض يريد: ومن وراء إسحاق بيعقوب. ولا يَجوز الخفض إلا بإظهار الباء. وَيَعْقُوب هاهنا ولد الولد والنصب فِي يَعْقُوب بِمنزلة قول الشَّاعِر «4» جئني بِمثل بني بَدْرٍ لقومهم ... أَوْ مثلَ أُسرة منظور بن سَيَّار أو عامِرَ بن طُفَيْل فِي مُركَّبِه ... أو حارثًا يوم نادى القومُ يا حارِ وأنشدني بعضُ بني باهلة: لو جيت بالْخُبْزِ لَهُ مُيَسِّرًا ... والبيضَ مطبوخًا معًا والسُّكَّرا «5» لم يرضه ذلك حتى يسكرا   (1) سقط ما بين القوسين فى ش [ ..... ] (2) كذا فى ش. وفى الطبري: «بالأمن منهم لما قالوا لابراهيم: لا تخف «وفى ا: «بالأمر» (3) ا: «بها» أي بالكلمة (4) هو جرير والبيتان من قصيدة فى ديوانه يهجو فيها الأخطل وبين البيت الأول والثاني بيت فى الديوان 242 وهو: أو مثل آل زهير والقنا قيض ... والخيل فى رهج منها وإعصار وقد ورد البيت الأول فى الكتاب لسيبوية 1/ 48 (5) فى الأصول: «بالخير» فى مكان «بالخبز» والظاهر ما أثبت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 فنصب على قولك: وجِئتَ بالسكَّر، فلمّا لَمْ يُظهر الفعل مع الواو نصب كما تأمر الرجل بالمرور على أخيه فتقول: أخاكَ أخاكَ تريد: امرر به. وقوله: هؤُلاءِ بَناتِي [78] قَالَ بعضهم: بَنات نفسه. ويُقال: بنات قومه. وَذَلِكَ جائزٌ فِي العربية لأن الله عَزَّ وَجَلَّ قَالَ (النَّبِيُّ «1» أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) وهو فِي بعض القراءة (وهو أب لَهُم) فهذا من ذلك. وقوله: يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً [72] وَفِي قراءة عبد الله (شَيْخٌ) فذكروا أنّها كانت بنت ثَمان وتسعين سنة، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام أكبر منها بسنة. ويُقال فِي قوله (رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ) البركات: السعادة. وقوله: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ [74] ولم يقل: جادلنا. ومثله فِي الكلام لا يأتي إلا بفعل ماض كقولك. فلمّا أتاني أتيته. وقد يَجوز فلمّا أتاني أثبُ عَلَيْهِ كأنه قَالَ: أقبلت أَثِب عَلَيْهِ. وجداله إيَّاهم أَنَّهُ حين ذهبَ عَنْهُ الخوف قَالَ: ما خَطْبُكم أيُّها المرسلون، فلمّا أخبروهُ أنَّهم يريدونَ قوم لوط قَالَ: أتُهلكونَ قومًا فيهم لوط قالوا: نحن أعلم بمن فيها. وقوله أَوَّاهٌ [75] دعَّاء ويقال: هُوَ الَّذِي يتأوَّهُ من الذنوب. فإذا كانت مِنْ يتأوَّه «2» من الذنوب فهي من أوِّهْ لَهُ وهي لغة فِي بني عَامِر أنشدني أَبُو الجراح: فأوِّهْ من الذكرى إذا ما ذكرتها ... ومن بُعد أرض بيننا وسماء   (1) الآية 6 سورة الأحزاب (2) أي من هذا الفعل وفى ا: «ممن» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 أَوِّهْ على فَعِّلْ يقول فِي يَفْعَلُ «1» : يتأوَّه. ويَجوز فِي الكلام لِمَنْ قَالَ: أَوَّهْ مقصورًا «2» أن يقول فِي يتفعّل يتأَوَّى ولا يقولها بالهاء. وقوله: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ [80] يقول: إلى عشيرة. وقوله: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ [81] قراءتنا من أسريتُ بنصب الألف وهمزِهَا. وقراءة أهل «3» المدينة (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) من سَريت. وقوله: (بِقِطْعٍ) يقول: بظلمة من آخر الليل. وقوله: (إِلَّا امْرَأَتَكَ) منصوبة بالاستثناء: فأسْر بأهلك إلا امرأتَك. وقد كَانَ الْحَسَن يَرْفعها «4» يعطفها على (أَحَدٌ) «5» أي لا يلتفت منكم أحد إلّا امرأتك وليسَ فِي قراءة عبد الله (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) وقوله: (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) . لَمَّا أَتَوْا لُوطًا أخبروهُ أن قومهم «6» هالكونَ من غَدٍ فِي الصبح، فقال لَهُم لوط: الآن الآن. فقالت الملائكة: أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ. وقوله: مِنْ سِجِّيلٍ [82] يقال: من طين قد طُبخ حَتَّى صار بمنزلة الأرحاء (مَنْضُودٍ) يَقول: يتلو بعضهُ بعضًا عليهم. فذلك نَضْدُه. وقوله: مُسَوَّمَةً [83] زَعموا أنَّها كانت مخطَّطة بِحمرة وسواد فِي بياض، فذلك تسويمها أي   (1) يريد المضارع. والأولى: «يتفعل» كالذى بعده (2) ش: «مهموزا» ويريد بالقصر سكون الهاء وحبسها عن الحركة والهاء فى هذه الصيغة للسكت فلذلك جاء المضارع: يتأوى، بخلاف الصيغة الأولى (3) سقط ما بين القوسين فى ا (4) كذا فى الأصول. والأولى: «قومه» (5) هى قراءة نافع وابن كثير وأبى جعفر (6) هى أيضا قراءة «ابن كثير وأبى عمرو» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 علامتها «1» . ثم قال (مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) يقول: من ظالِمي أمَّتك يا مُحَمَّد. ويُقال «2» : ما هى من الظالمين يعنى قوم لوط الّذى لم يكن تخطئهم. وقوله: إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ [84] يقول: كثيرةً أموالُكم فلا تنقصوا المكيالَ وأموالكم كثيرة يُقال رخيصةً أسعارُكم (ويُقال «3» ) : مدَّهِنين «4» حَسنةً سحنتكم. وقوله: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ [86] . يقول: ما أبقى لكم من الحلال خيرٌ لكم، ويقال بقيّة الله خير لكم أي مراقبة الله خير لكم. وقوله: أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ويقرأ (أَصَلاتُكَ «5» تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ [87] معناهُ: أَوْ تأمرك أن نترك أن تفعل (فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) فأن مردودة «6» على (نترك) . وفيها وجه آخر تجعل الأمر كالنهي كأنه قَالَ: أصلواتك تأمرك بذا وتنهانا عَن ذا. وهي حينئذ مردودة عَلى (أن) الأولى لا إضمارَ فِيهِ كأنّك قلت: تنهانا أن نفعل فِي أموالنا ما نشاء كما تَقُولُ: أضْرِبُكَ أن تسيئ كأنه قَالَ: أنْهَاكَ بالضربِّ عَن الإساءة. وتقرأ (أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنَا مَا تَشَاء) و (نشاء) «7» جميعا.   (1) ب: «علاماتها» (2) ا: «بل» [ ..... ] (3) سقط ما بين القوسين في ا (4) هذا الضبط من ا. والادهان استعمال الدهن أو التطلى به، وكان المعنى من الأول فان الدهن علامة الخصب، مقتضى الذي فى القاموس ضبطه: «مدهنين» بفتح الدال وتشديد الدال المفتوحة اسم مفعول من دهنه، وهم الذين تظهر عليهم آثار النعيم (5) هى قراءة حفص وحمزة والكسائي وخلف كما فى الإتحاف (6) يريد أنها متعلقة بنترك لا بتأمر (7) فى الكشاف أنها قراءة ابن أبى عبلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 وقوله: (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) استهزاء منهم بِهِ. وقوله: لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي [89] . يقول: لا تحملنكم عداوتي أن يُصيبكم. وقد يكون: لا يكسبنكم. وقوله: (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) يقول: إنَّما هلكوا بالأمس قريبًا. ويُقال: إن دارهم منكم قريبة وقريب. وقوله: أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا [92] : رميتم بأمر الله وراء ظهوركم كما تَقُولُ: تعظّمون أمر رهطي وتتركونَ أن تعظّموا الله وتخافوه. وقوله: مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ [93] (مَن) فِي موضع رفع إذا جعلتها استفهامًا. ترفعها بعائد ذكرها. وكذلك قوله (وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ) وإِنَّما أدخلت العرب (هُوَ) فِي قوله (وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ) لأنَّهم لا يقولونَ: مَنْ قَائِمٌ وَلَا مَن قاعد، إنَّما كلامهم: من يقوم ومن قامَ أو من القائِم، فلمَّا لَمْ يقولوهُ لِمعرفة أو لِفعل أو يفعل أدخلوا هُوَ مع قائِم ليكونا جَميعًا فِي مقام فَعَل ويفعل لأنَّهما يقومان مقام اثنين. وقد يَجوز فِي الشعر وأشباهه من قائِم قَالَ الشاعر» : مَنْ شَارب مُرْبِح بالكَأس نَادَمني ... لا بالحَصُورِ وَلا فيها بسوَّار وربما تهيَّبت العرب أن يستقبلوا مَنْ بنكرة فيخفضونها فيقولون: مِنْ رجلٍ يتصدَّق فيخفضونه على تأويل: هَل مِن رجلٍ يتصدق. وقد أنشدونا هذا البيت خَفْضًا ورفعًا: مِنْ رسول إلى الثريّا ثأنى ... ضقت ذرعا بهجرها والكتاب «2»   (1) هو الأخطل. والحصور: البخيل الممسك. والسوار: الذي تسور الخمرة فى رأسه سريعا فهو يعربد ويثب على من يشاربه. ويروى: «وشارب» . ويروى: «بسآر» والسآر: الذي يسئر فى الشراب أي يبقى منه (2) من أبيات لعمر بن أبى ربيعة وانظر الديوان 430 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 وإن جعلتهما مَنْ ومِن «1» فِي موضع (الَّذِي) نصبت كقوله (يعلم «2» المفسد من المصلح) وكقوله (وَلَمَّا يَعْلَمِ «3» اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) . وقوله: مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ [100] فالحصيدُ كالزرع المحصُود. ويُقال: حَصَدهم بالسِّيف كما يُحصد الزرع. وقوله: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ [105] كتب بغير الياء وهو فِي موضع رفع، فإن أثبتَّ فِيهِ الياء إذا وصلت القراءة كَانَ صَوَابًا. وإن حذفتها فِي القطع والوصل كان صوابا. قد قرأ بذلك «4» القرّاء فمر حَذفها. إذا وصل قَالَ: الياء ساكنة، وكلّ ياء أو واو تسكنَان وما قبل الواو مضموم وما قبل الياء مكسور فإن العرب تحذفهما وتَجتزئ بالضمة من الواو، وبالكسرة من الياء وأنشدَ فِي بعضُهم: كفاكَ كفٌّ ما تُليق دِرْهمًا ... جُودًا وأخرى تُعطِ بالسيفِ الدَّمَا «5» ومَن وصل باليَاء وسكتَ بِحذفها قَالَ: هِيَ إذا وَصلتُ فِي موضع رفع فأثبتها وهي إذا سَكتُّ عليها تسكن فحذفتها. كما قيل: لَمْ يَرْم ولم يَقض. ومثله قوله: (مَا كُنَّا «6» نَبْغِ) كُتبت بحذف الياء فالوجه فيها أن تثبت الياء إذا وصَلت وتحذفها إذا وقفت. والوجه الآخر أن تَحذفها فِي القطع والوصل، قرأ بذلك حمزة. وهو جائز.   (1) هما بدلان من الضمير فى (جعلتهما) يريد: (مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ) . وهذا مقابل قوله فيما سبق: «فى موضع إذا جعلتها استفهاما» (2) الآية 220 سورة البقرة (3) الآية 142 سورة آل عمران (4) قرأ بإثبات الياء وصلا نافع وأبو عمرو والكسائي وأبو جعفر. وأثبتها فى الوصل والوقف ابن كثير ويعقوب وقرأ الباقون بحذف الياء. وصلا ووقفا (5) يقال. ألاقه: حبسه. يصفه بالجود والغلظة على عدوه. (6) الآية 64 سورة الكهف. وقد أثبت الياء فيها وصلا نافع وأبو عمرو والكسائي وأبو جعفر. وأثبتها فى الوصل والوقف ابن كثير ويعقوب. وحذفها وصلا ووقفا الباقون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 وقوله: لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ [106] فالزفير أوَّلُ نَهِيقِ الحمار وشبهه، والشهيق من آخره. وقوله: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ [107] ، [108] . يقول القائل: ما هَذَا الاستثناء وقد وعد الله أَهْلَ النار الخلود وأهلَ الجنَّة الخلود؟ ففي «1» ذَلِكَ معنيان أحدهما أن تَجْعَله استثناء يَستثنيه وَلَا يفعله كقولك: والله لأضربنّكَ إِلَّا أن أرى غير ذَلِكَ، وعزيمتك على ضربه، فكذلك قال (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) ولا يشاؤه والله أعلم، والقول الآخر أن العرب إذا استثنت شيئًا كبيرًا «2» مع مثله أو مع ما هُوَ أكبرُ منه كَانَ مَعْنى إلَّا ومعنى الواو سواء، فمن ذَلِكَ قوله (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) سِوَى ما يشاء من زيادة الخلود فيجعل (إِلَّا) مكان (سِوَى) فيصلح. وكأنّه قَالَ: خالدينَ فيها مقدارَ ما كانت السموات وَكَانَت الأرض سوى ما زادهم من الخلود «3» [و] الأبد. ومثله فِي الكلام أن تَقُولُ: لي عَلَيْكَ ألف إلا الألفين اللذين من قِبَل فلان أفلا ترى أَنَّهُ فِي المعنى: لي عَلَيْكَ سوى الألفين. وهذا أحَبّ الوجهين إليَّ، لأن الله عَزَّ وَجَلَّ لا خُلْف لوعده، فقد وصل الاستثناء بقوله (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) فاستدل على أن الاستثناء لهم بالخلود غير منقطع عنهم. وقوله: وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ [111] قرأت القراء بتشديد (لَمَّا) وتَخفيفها وتشديد «4» إن وتَخفيفها) فمن قَالَ (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا) جعل (ما) اسمًا للناس كما قَالَ (فَانْكِحُوا «5» مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) ثُمَّ جعَلَ اللام التي فيها جَوَابًا لإنّ، وجعل اللام الّتى فى (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) لاما دخلت على نيَّة يمين فيها: فيما بين ما وصلتها كما تَقُولُ هذا مَن ليذهبنَّ، وعندى ما لغيره خير منه.   (1) شروع فى الجواب عن السؤال [ ..... ] (2) سقط فى ا (3) زيادة من تفسير الطبري فى روايته لعبارة الفراء (4) سقط ما بين القوسين فى ا (5) الآية 3 سورة النساء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 ومثله (وَإِنَّ «1» مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) وأمّا مَن شدّد (لَمّا) فإنه- والله أعلم- أراد: لِمن مَا لَيُوَفِّينَّهم، فلمّا اجتمعت ثلاث «2» ميمَات حذف واحدة فبقيت اثنتان فأدغمت فِي صاحبتها كما قال الشاعر: وإنى لممّا أُصدر الأمرَ وَجْهَهُ ... إذا هُوَ أعيا بالسبيل مصادرُه «3» ثُمَّ يُخفّف «4» كما قرأ بعض القراء (والبغي «5» يعظكم) بِحذف الياء (عند «6» الياء) أنشدني الْكِسَائي: وَأَشمتَّ الغداة بنا فأضحوا ... لَدَيَّ تَبَاشَرُونَ بِما لِقينَا معناه (لديّ «7» ) يتباشرونَ فحذف لاجتماع الياءات ومثله: كأنّ من آخرها القادم ... مخرم نجد قارع المخارم «8» أراد: إلى القادم فحذف اللام عند اللام. وأمَّا مَن جعل (لَمَّا) بِمنزلة إلَّا فإنه وجه لا نعرفه وقد قالت العرب: بالله لمّا قمت عنا، وإلّا فمت عنا، فأمّا فى الاستثناء فلم يقولوه فِي شعر ولا غيره ألا ترى أن ذَلِكَ لو جاز لسمعت فِي الكلام: ذهب الناسَ لَمّا زيدا. وأمّا الَّذِينَ خَفَّفوا (إن) فإنهم نصبوا كلا بِ (ليوفّينّهم) ، وقالوا: كأنّا قلنا: وإن ليوفّينّهم   (1) الآية 72 سورة النساء (2) وذلك أن نون (من) تقلب ميما (3) «بالسبيل» كذا فى الأصول. وفى الطبري: «بالنهيل» ويبدو أنه الصواب. وعليه ففى العبارة قلب أي أعيا النبيل الحاذق بمصادره. (4) أي فى البيت فيروى: «وإنى لما» كما هو فى الطبري. (5) الآية 90 سورة النحل (6) سقط ما بين القوسين فى ا (7) سقط ما بين القوسين فى ا (8) ورد فى اللسان فى (قدم) . وقادم الرحل: الخشبة التي فى مقدم كور البعير بمنزلة قربوس السرج ومخرم الأكمة والجبل منقطعه، وهى أفواه الفجاج. والفارع العالي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 كُلَّا. وهو وجه لا أشتهيه. لأن اللام إِنَّما «1» يقع الفعل الَّذِي بعدها عَلَى شيء قبله فلو رفعت كلّ لصلح ذَلِكَ كما يصلح أن تقول: إن زيد لقائِم ولا يصلح أن تَقُولُ: إن زيدًا لأضربُ لأن تأويلها كقولك: ما زيدًا إلا أضرب فهذا خطأ فِي إلَّا وَفِي اللام. وقرأ الزهرىّ (وإنّ كلّا لمّا ليوفّينّهم) ينونها فجعل اللم «2» شديدًا كما قَالَ (وَتَأْكُلُونَ «3» التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا) فيكون فِي الكلام بِمنزلة قَوْلك: وإن كلا حقّا ليوفينهم، وإن كلا شديدًا ليوفينّهم. وإذا عجَّلت العرب باللام فِي غير موضعها أعادوها إِلَيْهِ كقولك: إنَّ زيدًا لإليكَ لمحسن، كَانَ موقع اللام فِي المحسن «4» ، فلمّا أدخلت فِي إليكَ أُعيدت فِي المحسن ومثله قول الشاعر: ولو أنَّ قَوْمِي لَمْ يكونوا أَعِزَّة ... لَبَعْدُ لقد لاقيتَ لا بدّ مَصْرَعا «5» أدخلها فِي (بَعد) وليس بِموضعها ومثله قول أبي الجراح: إني لبحمد الله لصالِح. وقوله: زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ [114] بضمّ اللام تَجعله واحدًا مثل الْحُلُم. والزُلَف جَمع زُلْفَة وزُلَف وهي قراءة العامَّة وهي ساعة من الليل ومعناهُ: طَرَفَيِ النَّهَارِ وصلاة الليل المفروضة: المغرب والعشاء وصلاة الفجر، وطرفي النهار: الظهر والعصر. وقوله: فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ [116] يقول لَمْ يكن منهم «6» أحد كذلك إلا قليلًا أي هَؤُلَاءِ كانوا ينهونَ فنجوا. وهو استثناء على الانقطاع مِمّا قبله كما قَالَ عزّ وجل (إِلَّا «7» قَوْمَ يُونُسَ) ولو كانَ رفعًا كَانَ صوابًا. وقوله: (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ)   (1) كذا فى الأصول. والمناسب: «لا» أو الأصل: «على شىء بعده» وقد يكون الأصل: «على شىء هو قبله» على كل شىء الفعل قبله. وراجع الطبري. (2) ا: «اللام» [ ..... ] (3) الآية 19 سورة الفجر. (4) ا: «لمحسن» (5) فى الطبري: «مصرعى» (6) فى الأصول: «منكم» والمناسب ما أثبت (7) الآية 98 سورة يونس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 بقول: اتّبعوا فِي دنياهم ما عُوِّدوا من النعيم وإيثار اللذات على أمر الآخرة. ويُقال: اتّبعوا ذنوبَهم وأعمالَهم السّيئة إلى النار. وقوله: وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ [117] . يقول: لَمْ يكن ليهلكهم وهم مصلحونَ فيكونَ ذَلِكَ ظلمًا. ويُقال: لَمْ يكن ليهلكهم وهم يتعاطونَ الحقّ فيما بينهم وإن كانوا مشركين والظلم الشرك. وقوله: وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ [118] إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ [119] يقول: (لَا يَزالُونَ) يعني أهل الباطل (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) أهل الحقّ (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) يقول: للشقاء وللسعادة. ويُقال: (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) : للاختلاف والرحمة. وقوله: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ [119] : صارَ قوله عَزَّ وَجَلَّ (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) يمينًا كما تَقُولُ: حَلِفي لأضربنَّك، وبدا لي لأضربنّك. وكلّ فعل كَانَ تأويله كتأويل بلغني، وقيل لي، وانتهى إليّ، فإن اللام وأن تصلحان فِيهِ. فتقول: قد بدا لي لأضربنّك، وبد الى أن أضربك. فلو كَانَ: وَتَمَّت كلمة ربك أن يملأ جهنم كَانَ صوابًا وكذلك (ثُمَّ بَدا لَهُمْ «1» مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) ولو كَانَ أن يسجنوهُ كَانَ صوابًا. وقال: (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ [120] ) فى «2» هذه السورة. ومن سورة يوسف قَوْلُ الله عَزَّ وَجَلَّ: بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ [3]   (1) الآية 35 سورة يوسف (2) يذكر وجه تأنيث اسم الإشارة وأن المراد السورة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 (هذَا الْقُرْآنَ) منصوب بوقوع الفعل عَليه. كأنك قلت: بوحينا «1» إليك هذا القرآن. ولو خفضت (هذا) و (القرآن) كَانَ صوابًا: تجعل (هذا) مكرورًا «2» على (ما) تَقُولُ: مررتُ بِما عندك متاعِك تجعل المتاع مردودًا على (مَا) ومثله فِي النحل: (وَلا تَقُولُوا» لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ) و (الْكَذِبِ) على ذَلِكَ. وقوله: يَا أَبَتِ «4» لا تقفْ عليها بالهاء وأنت خافض لَهَا فِي الوصل لأن تِلْكَ الْخَفْضة تدلّ على الإضافة إلى المتكلم. ولو قرأ قارئ (يا أَبَتُ) لجازَ (وَكَانَ «5» الوقفُ عَلَى الْهَاء جائِزًا. ولم يقرأ بِهِ أحد نعلمه. ولو قيل: يا أبَتَ لجاز) الوقوف عليها (بالهاء «6» ) من جهة، ولم يجز من أخرى. فأمّا جواز الوقوف على الْهَاء فأن تجعل الفتحة فيها من النداء ولا تنوي أن تصلها بألف الندبة فكأنه كقول الشاعر «7» : كِلِينِي لِهَمٍّ يا أمَيْمَةَ نَاصِبِ وأمّا الوجه الَّذِي لا يَجوز الوقف على الْهَاء فأن تنوي: يا أبتاهُ ثُمَّ تَحذف الْهَاء والألف لأنَّها فِي النِّيَّة متّصلة بالألف كاتّصالِها فِي الخفض بالياء من المتكلّم. وأمّا قوله: (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) [4] فإن العرب تجعل العدد ما بين أحد عشر   (1) لو أتى بمصدر (أَوْحَيْنا) لقال: «بإمحائنا» ولكنه أتى بمصدر الثلاثي إذ كان فى معنى الإيحاء. (2) يريد أن يكون بدلا. (3) الآية 116 سورة النحل (4) قرأ بالخفض ابن كثير ويعقوب وهما يقفان بالهاء، كما فى الإتحاف. (5) سقط ما بين القوسين فى ا. (6) سقط ما بين القوسين فى ا، ب. (7) هو النابغة. وعجزه: وليل أقاسيه بطيء الكواكب وقد روى «أميمة» بالضم والفتح وهو يريد رواية الفتح وانظر مختار الشعر الجاهلى 153. [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 إلى تسعة عشر منصوبًا فِي خفضه ورفعه. وَذَلِكَ أنَّهم جعلوا اسمين معروفين «1» واحدًا، فلم يضيفوا الأوَّل إلى الثاني فيخرجَ من معنى العدد. ولم يرفعوا آخره فيكون بِمنزلة بعلبكَ إذا رفعوا آخرها. واستجازوا أن يضيفوا (بعل) إلى (بَكّ) لأن هذا لا يُعرف فِيهِ الانفصال من ذا، والخمسة تنفرد من العشرة والعشرة من الخمسة، فجعلوهما بإعراب واحد لأن معناهما فِي الأصل هذه عشرة وخمسة، فلمّا عُدِلا عَن جهتهما أُعطيا إعرابًا واحدًا فِي الصرف «2» كما كَانَ إعرابُهما واحدًا قبل أن يُصرفا. فأمَّا «3» نصب كوكب فإنه خرج مفسِّرًا للنوع من كل عدد ليعرف ما أخبرتَ عَنْهُ. وهو فِي الكلام بِمنزلة قولك: عندي كذا وكذا دِرْهَمًا. خرج الدرهم مفسرًا لكذا وكذا لأنَّها واقعة على كلّ شيء. فإذا أدخلتَ فِي أحد عشر الألف واللام أدخلتهما فِي أوَّلها فقلت: ما فعلت الخمسةَ عَشَرَ. ويَجوز ما فعلت الخمسة العشرَ، فأدخلت عليهما الألف واللام مرتين لتوهّمهم انفصَال ذا من ذا فِي حال. فإن قلت: الخمسة العشر لَمْ يجز لأن الأوّل غير الثاني ألا ترى أن قولهم: ما فعلت الخمسة الأثواب لمن أجازه تَجد الخمسة هي الأثواب ولا تَجد العشر الخمسة. فلذلك لَمْ تصلح إضافته بألف ولام. وإن شئت أدخلت الألف واللام أيضًا فِي الدرهم الَّذِي يَخرج مفسرًا فتقول: ما فعلت الخمسة العشر الدرهم «4» ؟. وإذا أضفت الخمسة العشر «5» إلى نفسك رفعت الخمسة. فتقول: ما فعلت خمسةُ عشري؟: ورأيتُ خمسةَ عَشْرِي، (ومررتُ بِخمسة «6» عشري) وإنَّما عُرِّبت الخمسة لإضافتك العشر، فلمّا أضيف العشر إلى الياء منك لَمْ يستقم للخمسة أن تُضاف إليها وبينهما عشر فأضيفت إلى عشر لتصير اسمًا، كما صارَ ما بعدها بالإضافة اسما. سمعتها من أبى فقعس الأسدى   (1) ش: «مرفوعين» . (2) يريد صرفهما عن حالة الإفراد إلى التركيب. (3) ا: «وأما» . (4) ا: «الدراهم» . (5) ش، ب: «العشر الدرهم» . (6) سقط ما بين القوسين فى ا، ش. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 وأبي الهيثم الْعُقَيْلِي: ما فعلت خمسةُ عشرِك؟ ولذلك لا يصلح للمفسر أن يصحبهما لأن إعرابيهما قد اختلفا. ب: اختلف، وإنَّما يخرج الدرهم والكوكب مفسرًا لهما جَميعًا كما يخرج الدرهم من عشرين مفسرًا لكلّها. فإذا أضفتَ العشرين دخلَتْ فِي الأسماء وبطلَ عنها التفسير. فخطأ أن تَقُولَ: ما فَعَلَتْ عِشروك درهمًا، أو خمسة عشرك درهمًا. ومثله أنك تَقُولَ: مررتُ بضارب زيدًا. فإذا أضفت الضارب إلى غير زيد لَمْ يصلح أن يقع عَلَى زيد أبدًا. ولو نويت بِخمسة عشر أن تضيف الخمسة إلى عشر فِي شعر لجازَ، فقلت: ما رأيتُ خمسة عشرٍ قطُّ «1» خيرًا منها، لأنك نويت الأسماء ولم تنو العدد. ولا يَجوز للمفسر أن يدخل هاهنا كما لَمْ يَجز فِي الإضافة أنشدني الْعُكْليّ أَبُو ثرْوان: كُلِّف من عَنائه وشِقْوته ... بنتَ ثَماني عَشرةٍ من حِجَّته «2» ومن الْقُرَّاء «3» من يسكن الْعَين من عَشَر «4» فِي هذا النوع كله «5» ، إلا اثنا عشر. وَذَلِكَ أنَّهم استثقلوا كثرة الحركات، ووجدوا الألف فِي (اثنا) والياء فِي (اثنى) ساكنة فكرهوا تسكين العين وإلى جنبها ساكن (ولا يَجوز «6» تسكين الْعَين فِي مؤنث العدد لأن الشِّين من عشرة يسكن فلا يستقيم تسكين الْعَين والشين معًا) . وأمّا قوله (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) فإن هذه النون والواو إنّما تكونان «7» فِي جَمع ذُكْران الجن والإنس وما أشبههم. فيُقال: الناس ساجدونَ، والملائكة والجن ساجدون: فإذا عدوت هذا   (1) سقط فى ش وب. (2) فى مختصر الشواهد للعينى فى باب العدد أنه رجز لم يدر راجزه. وقيل: قاله نفيع بن طارق. (3) هو أبو جعفر كما فى الإتحاف. (4) ش، ب: «عشرة» . (5) سقط فى ا. (6) سقط ما بين القوسين فى ش. (7) ا: «يكون» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 صار المؤنث والمذكر إلى التأنيث. فيقال: الْكِباش قد ذُبِّحن وذُبِّحت ومذبَّحات. ولا يَجوز مذبّحون. وإنَّما جازَ فِي الشمس والقمر والكواكب بالنون والياء لأنَّهم وُصفوا بأفاعيل الآدميين (ألا ترى «1» أن السجود والركوع لا يكون إلا من الآدميين فأُخرج فعلهم على فعال الآدميَّين) ومثله (وَقالُوا «2» لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) فكأنَّهم خاطبوا رجالًا إذ كلمتهم وكلّموها. وكذلك (يا أَيُّهَا «3» النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) فَمَا أتاكَ مواقعًا لفعل الآدميين من غيرهم أجريته على هذا. [قوله] «4» (يا بُنَيَّ) و (يا بُنيِّ) «5» لغتان، كقولك: يا أَبَتَ ويا أَبَتِ لأن مَن نصب أراد النُّدبة: يا أبتاهُ فحذفها. وإذا تركت الْهَمْزَةَ من (الرُّؤْيَا) قالوا: الرّؤيا طلبًا «6» للهمزة. وإذا كَانَ من شأنِهم تَحويل الْهَمْزَةِ: قالوا: لا تقصص رُيّاك فِي الكلام، فأمّا فِي القرآن فلا يَجوز لِمخالفة الكتاب. أنشدني أَبُو الجرَّاح: لِعرض من الأعراض يُمسي حَمَامُه ... ويُضحي على أفنانِهِ الغينِ يَهْتِفُ أحبّ إلى قلبي من الديك رُيَّة ... وبابٍ إذا ما مال للغلق يَصرِف «7» أراد: رُؤْية، فلمّا ترك الْهَمْز وجاءت واو ساكنة بعدها ياء تحولتا ياء مُشددَّة، كما يُقال: لويته لَيًّا وكويته كيًّا والأصلُ كَوْيا ولَوْيا. وإن أشرت «8» إلى الضمة قلت: ريّا فرفعت الرَّاء فجائز.   (1) سقط ما بين القوسين فى ا [ ..... ] (2) الآية 21 سورة فصلت. (3) الآية 18 سورة النمل. (4) الفتح لحفص والكسر للباقين. (5) الفتح لحفص والكسر للباقين. (6) أي مراعاة لها كأنها موجودة، ومن ثم تجب القلب والإدغام. (7) العرض: الوادي فيه شجر. والغين جمع الغيناء وهى الخضراء من الشجر وهو بدل من (أفنانه) و (يصرف) : يصوت. وقوله: (رية) فى اللسان (عرض) : «رنة» ولا شاهد فيه. (8) هو ما يسمى فى كتب النحو بالإشمام وهو أن تأتى بحركة بين الضمة والكسرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 وتكون هذه الضمة مثل قوله (وَحِيلَ «1» ) (وَسِيقَ «2» ) وَزَعَمَ الْكِسَائي أَنَّهُ سمع أعرابيًّا يقول (إِنْ كُنْتُمْ «3» لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) . وقوله: (وكذلك يجتبيك ربّك) [6] جواب لقوله (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) فقيل لَهُ: وهكذا يَجْتَبيكَ رَبُّكَ. كذلك وهكذا سواء فِي المعنى. ومثله فِي الكلام أن يقول الرجل قد فعلت اليوم كذا وكذا من الخير فرأيت عاقبته محمودة، فيقول لَهُ القائل: هكذا السعادة، هكذا التوفيق و (كَذلِكَ) يصلح فيه. و (يَجْتَبِيكَ) بصطفيك. قوله: (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) [8] والعُصْبَة: عَشرة فما زاد. وقوله: (أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) [9] جواب للأمر ولا يصلح الرفع فِي (يَخْلُ) لأنه لا ضمير فِيهِ. ولو قلت: أعِرْني ثوبًا ألبس لجازَ الرفع والجزم لأنّك تريد: أَلْبَسُه فتكون رفعًا من صلة النكرة. والجزم على أن تَجعله شرطًا. قوله: (وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ) [10] واحدة «4» . وقد قرأ أهلُ الحجاز (غَيَابَاتِ) على الجمع (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) قرأهُ العامَّة بالياء لأن (بعض) ذكر وإن أُضيفَ إلى تأنيث. وقد قرأ «5» الْحَسَن- فيما ذُكِرَ «6» عَنْهُ- ب: ذكروا (تَلْتَقِطْهُ) بالتاء وَذَلِكَ أنه ذهب إلى السّيارة والعرب إذا أضافت المذكر إلى المؤنث وهو فعل لَهُ «7» أو هُوَ بعض لَهُ قالوا فِيهِ بالتأنيث والتذكير. وأنشدونا:   (1) فى الآية 54 سورة سبأ. (2) فى الآيتين 71، 73 سورة الزمر. (3) الآية 43 سورة يوسف. وقد ضبط «للريا» بكسر الراء وفقا لما ا. وفى اللسان (رأى) ضبط بضم الراء. (4) يريد (غيابة) بالإفراد. وهو مقابل (غيابات) فى القراءة الأخرى. والإفراد قراءة غير نافع وأبى جعفر. أما هما فقرأ ا (غيابات) كما فى الإتحاف. وقوله «أهل الحجاز» فالأولى. «أهل المدينة» . (5) سقط فى ا (6) ا: «ذكروا» . (7) سقط فى ا. [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 عَلَى قَبْضة مَوْجُوءة ظهرُ كَفّه ... فلا المرء مُسْتحيٍ ولا هُوَ طاعم «1» ذهب إلى الكفّ وألغى الظهر لأن الكف يجزىء من الظهر فكأنه قَالَ: موجوءة كفُّه وأنشدني الْعُكْليّ أَبُو ثَرْوان: أرى مَرَّ السنين أخذنَ مني ... كما أخَذ السِّرار من الهلِال وقال ابن مقبل: قد صرّح السير عَن كُتْمان وابتذلتْ ... وَقْعُ المحاجن بالْمَهْرِيَّة الذُّقُنِ «2» أراد: وابتذلت المحاجن وألغى الوقع. وأنشدني الْكِسَائي: إذا ماتَ منهم سَيّد قام سَيّد ... فَدَانَتْ لَهُ أهل الْقُرى والكنائسِ ومنه قول الأعشى: وَتَشرَقُ بالقول الَّذِي قد أَذَعتَه ... كما شَرِقت صدر القناة من الدَّم وأنشدني يونس الْبَصْرِيّ: لَمّا أتى خبرُ الزُّبَير تهدّمت ... سورُ المدينة والجبالُ الْخُشّعُ «3» وإنّما جازَ هذا كله لأن الثاني يكفي من الأوّل ألا ترى أَنَّهُ لو قَالَ: تلتقطهُ السيَّارة لجاز وكفى من (بعض) ولا يجوز أن يقول: قد ضربتني غلامُ جاريتك لأنك لو ألقيت الغلام لَمْ تدل الجارية على معناه.   (1) سبق ص 32 فى 187 من الجزء الأول. وفيه: «مرجوة» فى مكان «موجوءة» ويبدو أن الصواب ما هنا. (2) انظر ص 187 من الجزء الأول. (3) هو لجرير من قصيدة يهجو فيها الفرزدق. وكان قاتل الزبير بن العوام غدرا رجلا من رهط الفرزدق، فعيره جرير بهذا. وانظر الديوان 270. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 وقوله: لا تَأْمَنَّا [11] تشير «1» إلى الرَّفْعة، وإن تركت فصواب، كلٌّ قد قُرئ بِهِ وقد قرأ يَحْيَى بن وثّاب: (تيمنّا) . وقوله يرتع ويلعب [12] مَنْ سَكّن الْعَين أخذه من القيد والرَّتْعَة «2» وهو يفعل حينئذ ومن قَالَ (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) فهو يفتعل من رعيت، فأسقط الياء للجزم. وقوله: وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ [18] معناهُ: مكذوب: والعرب تَقُولُ للكذب. مكذوب وللضعف «3» : مضعوف، وليس لَهُ عَقْد رَأْي ومعقودُ رأْيٍ فيجعلونَ المصدر فِي كَثِير من الكلام مفعولًا. ويقولون: هذا أمر لَيْسَ لَهُ مَعْنِيّ يريدونَ مَعْنًى، ويقولون للجَلَد: مجلود قَالَ الشاعر: إن أخا المجلود من صبرا «4» وقال الآخر «5» : حَتَّى إذا لَمْ يتركوا لعظامه ... لَحمًا ولا لفؤادِهِ معقولَا وقال أَبُو ثَرْوان: إنّ بني نُمَير لَيْسَ لحدّهم «6» مكذوبة ومعنى قوله (بِدَمٍ كَذِبٍ) أنهم قالوا ليعقوب: أكله الذئب. وقد غمسوا قميصه فِي دم جَدْيٍ. فقال: لقد كَانَ هذا الذئب رفيقًا بابْني، مزَّق جلده ولم يُمَزق ثيابه. قَالَ: وقالوا: اللصوص قتلوه، قَالَ: فلم تركوا قميصه! وإنّما يريدونَ الثيابَ. فلذلك قيل (بِدَمٍ كَذِبٍ) ويَجوز فِي العربية أن تَقُولُ: جاءوا على قميصه بدم كذبًا كما تَقُولُ: جاءوا بأمرٍ باطل وباطلا، وحق وحقا.   (1) يريد الإشمام. (2) هو الاتساع فى الخصب واللهو. (3) فى الأصول: «للضعيف» وما أثبت عن اللسان فى حكاية كلام الفراء فى (كذب) (4) الشطر فى اللسان (جلد) : واصبر فان أخا المجلود من صبرا. (5) هو الراعي النميري. (6) ب: «لجدهم» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 وقوله: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) مثل قوله: (فَصِيامُ «1» ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) (فَإِمْساكٌ «2» بِمَعْرُوفٍ) ولو كَانَ: فَصَبْرًا جَميلًا يكون كالآمر لنفسه بالصبر لجاز. وهي فِي قراءة أُبَيّ (فَصَبْرًا جَمِيلًا) كذلك على النصب بالألف. وقوله: (يَا بُشْرى «3» [19] هذا غُلامٌ) (وَيَا بُشْرَايَ «4» ) بنصب الياء، وهي لغة فِي بعض قيس. وَهُذَيْلٌ: يا بُشْرَى. كل ألف أضافها المتكلم إلى نفسه جعلتها ياء مشدَّدة. أنشدني القاسم بن مَعْن: تَركوا هوَيّ وأعْنَقوا لَهواهم ... ففقدتهم ولكل جَنْب مَصْرع «5» وقال لي بعض بني سُلَيم: آتيكَ بِمولَيَّ فإنَّهُ أروى منّى. قال: أنشدنى المفضّل: يطوّف بي عكبّ فِي مَعَدّ ... ويطعُن بالصُمُلَّة فِي قَفَيَّا فإن لم تثأروا لي من عِكَبّ ... فلا أرويتما أبدًا صَدَيَّا «6» ومن قرأ (يا بُشْرى) بالسكون فهو كقولك: يا بُنَيّ لا تفعل، يكون مفردًا فِي معنى الإضافة. والعربُ تَقُولُ: يا نفسِ اصبري ويا نِفس اصبري وهو يعني نفسه فِي الوجهين و (يَا بُشْرَايَ) فِي موضع نصب. ومن قَالَ: يا بشَريَّ فأضافَ وغيَّرَ الألف إلى الياء فإنه طلب «7» الكسرة التي تلزم ما قبل   (1) الآية 196 سورة البقرة، والآية 89 سورة المائدة. (2) الآية 29، سورة البقرة. (3) القراءة الأولى لعاصم وحمزة والكسائي، والأخرى للباقين. (4) القراءة الأولى لعاصم وحمزة والكسائي، والأخرى للباقين. (5) هو من عينية أبى ذؤيب المشهورة. [ ..... ] (6) الشعر للمنخل اليشكري. وعكب اللخمي صاحب سجن النعمان بن المنذر. والصملة: العصا. وقوله. «يثأروا» فى ش: «تثأروا» والرواية: «تثأرا» ليناسب قوله بعد: «فلا أرويتما» وفى الشعر: ألا من مبلغ الحرين عتى ... مغلغلة وخص بها أبيا والحران الحر وأخوه أبى وانظر اللسان (حرر) . (7) يريد أنه مال إلى الكسرة فأتى بالياء التي هى مناسبة للكسرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 الياء من المتكلم فِي كل حال ألا ترى أنك تقول: هذا غلامى فتحفض الميم فِي كل جهات الإعراب فحطُّوها إذا أضيفت إلى المتكلم ولم يحطُّوها عند غير الياء فِي قولك: هذا غلامك وغلامه لأن (يا بشرى) من البشارة والإعراب يتبيّن عند كل مكنّى إلّا عند الياء. وقوله: (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً) ذَلِكَ أن الساقي الَّذِي التقطه قَالَ للذين كانوا معه: إن سَألكم أصحابُكم عَن هذا الغلام فقولوا: أبضعَناهُ أهلُ الماء لنبيعهُ بِمصر. وقوله: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ [20] قيلَ: عشرين. وإنَّما: قيلَ معدودة ليُستدل بِهِ على القلَّة لأنَّهم كانوا لا يَزِنُونَ الدراهم حَتَّى تبلغ أُوقِيَّة، والأُوقيَّة كانت وزن أربعين درهما. وقوله: (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) يقول: لَمْ يعلموا منزلته من الله عَزَّ وجلّ. وقوله: (وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) [23] قرأها عبد الله بن مسعود وأصحابه حَدَّثَنَا الفرّاء قال: حدثنى بن أبى يحيى عن أبي حبيب عن الشّعبىّ عن عبد الله ابن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى عليه وسلم (هَيْتَ) وَيُقَالُ: إِنَّهَا لُغَةٌ لِأَهْلِ حَوْرَانَ سَقَطَتْ إِلَى مَكَّةَ فَتَكَلَّمُوا بِهَا. وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقْرَءُونَ هِيتَ لَكَ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَلَا يَهْمِزُونَ وَذُكِرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَرَءَا (هِئْتُ لَكَ) يُرَادُ بِهَا: تَهَيَّأَتْ لَكَ وقد قَالَ الشاعر: أنّ الْعِراق وَأَهْلَهُ ... سَلْمٌ عَلَيْكَ فَهَيْتَ هَيْتَا «1» أي هَلُمَّ. وقوله: (إِنَّهُ رَبِّي) يعني مولاهُ الَّذِي اشتراهُ. يقول: قد أحسنَ إليَّ فلا أخونُه. وقوله: أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ [24] ذكروا أنُّهُ رأى صورة يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام.   (1) قبله. أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتيتا وهو يريد عليا رضي الله عنه. ويروى «عنق» إليك أي ماثلون فى مكان (أسلم عليك) ويروى (إن العراق) بكسر النون. وانظر الخصائص 1/ 279. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 وقوله: وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ [25] يعني يوسف وامرأة العزيز وجدا العزيز وابن عمّ لامرأته على الباب، فقالت: (مَا جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً) فقال: هى راودتنى عن «1» [نفسى فذكروا أن ابن عمّها قَالَ: (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فلمّا رأوا القميصَ مقدودًا من دُبر قَالَ ابن العم (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) ثُمَّ إن ابن العم طلبَ إلى يوسف فقال: (أَعْرِضْ عَنْ هذا) أي اكتمه، وقال للأخرى: (اسْتَغْفِرِي) زوجك (لِذَنْبِكِ) . قوله: (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) [26] . قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي قيس بْن الربيع عنْ أَبِي حصين عن سعيد ابن جُبَير فِي قوله: (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) قَالَ: صبيّ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي قيس عَن رجلٍ عَن مُجاهد أَنَّهُ رجلٌ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُعَلَّى بن هلال عَن أبي يَحْيَى عَن مُجاهد فى قوله: (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) قَالَ: حكم حاكم من أهلها. ولو كَانَ فِي الكلام: (أَنْ إِنْ كَانَ قميصُه) لصلح لأن الشهادة تُستقبل ب (أن) ولا يُكتفى بالجزاء فإذا اكتفت فإنَّما ذهبَ بالشهادة إلى معنى القول كأنه قَالَ: وقال قائل من أهلها، كما قَالَ: (يُوصِيكُمُ «2» اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فذهبَ بالوصية إلى القول، وأنشدني الْكِسَائي: وخَبَّرْتُمَا أَن إِنَّمَا بَيْنِ بيَشَةٍ ... ونَجْرَان أَحْوَى «3» والمحَلِّ قريب   (1) سقط ما بين القوسين فى ا (2) الآية 11 سورة النساء. (3) أحوى وصف من الحوة، وهو سواد يضرب إلى الخضرة ويوصف به الشجر الأخضر والنبات الأخضر، وكأنه يريد أن ما بين بيشة ونجران كثير الشجر والنبات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 (والجناب «1» خصيب) فأدخل (أن) على (إِنَّما) وهي بِمنزلتها قَالَ: وسمعتُ الفراء قَالَ: زعم القاسم بن مَعن أن بِئشة وزئنة أرضان مهموزتان. وقوله: قَدْ شَغَفَها حُبًّا [30] أي قد خرق شَغَاف «2» قلبها وتقرأ «3» (قَدْ شَعَفَهَا) بالعين وهو من قولك: شُعِف بِهَا. كأنّه «4» ذَهَبَ بِهَا كلّ مذهب. والشَعَف: رءوس الجبال. وقوله: (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) يُقال: اتخذت لَهُنّ مجلسًا. ويُقال: إنّ مُتْكًا غير مهموز، فسمعت «5» أَنَّهُ الْأُتْرُجُّ. وَحَدَّثَنِي شيخ من ثقات أهل البصرة أَنَّهُ قَالَ: الزُّمَاوَرْدُ «6» . وقوله: وقطّعن أيديهنّ يقول: وَخَدشنها ولم يُبِنَّ أيديهن، مِن إعظامه، وذلك قوله: (حاشَ لِلَّهِ) أعظمته أن يكون بشرًا، وقلن: هذا مَلَكٌ. وَفِي قراءة «7» عبد الله (حَاشَا لِلَّهِ) بالألف، وهو فِي معنى مَعَاذَ الله. وقوله: (مَا هَذَا بَشَراً) نصبت (بَشَراً) لأن الباء قد استعملت فِيهِ فلا يكاد أهل الحجاز ينطقونَ إِلَّا بالباء، فلمّا حذفوها أحبُّوا أن يكون لَهَا أثر فيما خَرَجت منه فنصبوا عَلَى ذَلِكَ ألا ترى أن كلّ ما في القرآن أتى بالباء إِلَّا هذا، وقوله: (مَا هُنَّ «8» أُمَّهاتِهِمْ) وأمّا أهلُ نَجدٍ فيتكلمونَ بالباء وغير الباء فإذا أسقطوها رفعوا. وهو أقوى الوجهين فِي العربية. أنشدني بعضهم: لَشتَّانَ ما أَنْوِي وينوي بنو أبى ... جميعا فما هذان مستويان   (1) هذه رواية أخرى فى تمام البيت فى مكان «والمحل قريب» . (2) شغاف القلب غلافه. (3) ش: «يقرأ» وهى قراءة الحسن وابن محيصن. (4) هذا تفسير لقراءة العين فى الآية. (5) ا: «وسمعت» . (6) هو طعام يتخذ من البيض واللحم. (7) قرأ أبو عمرو بالألف فى الوصل. (8) الآية 2 سورة المجادلة. [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 تَمَنَّوْا ليَ الموتَ الَّذِي يَشْعَب الفتى ... وكلُّ فتًى والموتُ يلتقيانِ «1» وأنشدوني: ركابُ حُسَيْلٍ أشهرَ الصيفِ بُدَّن ... ونَاقةُ عَمْرو ما يُحَلُّ لَهَا رَحْلُ ويزعمُ حِسْلٌ أَنَّهُ فَرْع قومِهِ ... وما أنت فرع يا حُسيل ولا أصْلُ «2» وقال الفرزدق: أمَا نحنُ راءُو دارِها بعد هذه ... يدَ الدهر إلا أنْ يمرّ بِهَا سَفْرُ «3» وإذا قدّمت الفعل قبل الاسم رفعت الفعل واسمه فقلت: ما سامعٌ هذا وما قائمٌ أخوك. وذلك أن الباء لم تستعمل هاهنا ولم تدخل ألا ترى أَنَّهُ قبيح أن تَقُولُ: ما بقائم أخوكَ لأنَّها إنَّما تقعُ فِي المنفيّ إذا سَبَق الاسم، فلمَّا لَمْ يمكن فِي (ما) ضمير الاسم قبح دخول الباء. وحسُنَ ذَلِكَ فِي (لَيْسَ) : أن تَقُولُ: لَيْسَ بقائم أخوكَ لأن (لَيْسَ) فعل يقبل المضمر، كقولك: لست ولسنا ولم يُمكن ذَلِكَ فِي (ما) . فإن قلت: فإني أراهُ لا يمكن فِي (لا) وقد أدخلت العرب الباء فِي الفعل التي تليها «4» فقالوا «5» : لا بالْحَصُورِ ولا فِيهَا بسوَّارِ قلت: إن (لا) أشبه بليس من (ما) ألا ترى أنك تَقُولُ: عبد الله لا قائم ولا قاعد، كما تَقُولُ: عبد الله لَيْسَ قاعدًا ولا قائِمًا، ولا يَجوز عبد الله ما قائم ولا قاعد فافترقتا هاهنا.   (1) ورد هذا البيت الثاني فى شواهد النحو فى مبحث المبتدأ، ونسبه العيني إلى الفرزدق. ويشعب: يفرق. (2) فرع القوم: الشريف فيهم. (3) من قصيدة له في مدح بنى ضبة. وانظر ديوانه 315: وقوله: «بها» فى ا: «لها» والسفر: المسافرون ويد الدهر: طول الدهر. (4) أراد بالفعل الكلمة فأنث اسم الموصول لها. وأراد بالفعل هنا الوصف وفى ب: «الفعل يليها» (5) الشطر من بيت تقدم للأخطل. ونسبه إلى العرب لما سمعهم ينشدونه هكذا ويقرونه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 ولو حملت الباء عَلَى (ما) إذا وليها الفعل تَتَوهّم فيها ما توهّمت فِي (لا) لكان وجهًا، أنشدتني امرأة من غَنِيّ: أمَا واللهِ أنْ لو كنتَ حُرًّا ... وما بالحُرّ أنتَ ولا الْعَتِيقِ «1» فأدخلت الباء فيما يلي (مَا) فإن ألقيتَها رفعت ولم يَقْوَ النصب لقلَّة هذا. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الفراء قَالَ: وَحَدَّثَنِي دِعامة بن رجاء التَّيمي- وَكَانَ غرّا- عَن أبي الْحُويرث الحنفيّ أَنَّهُ قَالَ: (ما هذا بِشِرًى) أي ما هذا بِمشترِي. وقوله: رَبِّ السِّجْنُ [33] السِّجن: الْمَحْبِسُ. وهو كالفعل. وكل موضع مشتق من فعلٍ فهو يقوم مقام الفعل كما قالت العرب: طلعت الشمسُ مَطْلَعًا وغَرَبت الشمس مغربا، فجعلوهما خلفًا من المصدر وهما اسمان، كذلك السِّجن. ولو فتحت السِّين لكان مصدرًا بينًا. وقد قرىء: (ربّ السّجن) . وقوله: فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ [34] ولم تكن منه مسألة إنما قال: (إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ) فجَعله الله دعاء لأن فِيهِ معنى الدعاء، فلذلك قال: (فاستجاب له) ومثله فِي الكلام أن تَقُولَ لعبدك: إلَّا تطِع تعاقَب، فيقول: إِذًا أطيعك كأنّك قلت لَهُ: أطع فأجابك. وقوله: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ [35] آيات البراءة قَدّ القميص من دبر (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) فهذه اللام فِي اليمين وَفِي كل ما ضارع القول. وقد ذكرناهُ. أَلَا ترى قوله: (وَظَنُّوا «2» ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) (وَلَقَدْ «3» عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ) دخلت هذه اللام و (ما) مع الظنّ (والعلم) لأنَّهما فِي معنى القول واليمين.   (1) انظر الخزانة 2/ 133. (2) الآية 48 سورة فصلت. (3) الآية 102 سورة البقرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 وقوله: إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [36] يقول: من العالِمينَ قد أحسنْتَ الْعِلْمَ. حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابن «1» الْغَسيل الْأَنْصَارِيّ عَن عكرمة قَالَ: الْحِين حينان: حين لا يدرك وهو قوله عَزَّ وَجَلَّ: (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) (قَالَ «2» الفراء فهذا يقلّ ويكثر) ليست لَهُ غاية. قَالَ عكرمة: وحينٌ يُدركَ وهو قوله: (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ) يعني ستَّة أشهر. وقوله: (إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ) [37] يقول: بسببه وألوانه. وقوله: (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) العرب لا تَجمع اسمين قد كُنِّيَ عنهما لَيْسَ بينهما شىء إلّا أن ينووا التكرير وإفهام المكلّم فإذا أرادوا ذلك قالوا: أنت أنت فعلت، وهو هو أخذها. ولا يَجوز أن نَجعل الآخرة تَوكيدًا للأولى، لأن لفظهما واحد. ولكنهم إذا وصلوا الأول بناصب أو خافض أو رافع أدخلوا لَهُ اسمه فكان توكيدًا. أمّا المنصوب فقولك: ضربتك أنت، والمخفوض: مررت بك أنت، والمرفوع: قمت أنت. وإنما فعلوا ذلك لأن الأول قلَّ واختلف لفظه، فأدخلوا اسمه المبتدأ. فإذا قالوا: أنت فينا أنت رَاغب ففرقوا بينهما بصفة «3» قالوا ذَلِكَ، وكأنه فِي مذهبه بِمنزلة قوله: (كُتِبَ «4» عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) كأنّ الأوّل مُلْغًى والاتّكاء والْخَبَر عَن الثاني. وكذلك قوله: (أَيَعِدُكُمْ «5» أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ) ثم قال: (أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) وهما جَميعًا فِي معنى واحد، إلا أن ذَلِكَ جازَ حينَ فُرق بينهما بإذا. ومثله: (وَهُمْ «6» بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) . وقوله: (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي) [38] تهمِز وتُثبت فيها الياء. وأصْحَابنا يروون عَن الأعمش   (1) فى الأصول: «العسيل» والظاهر ما أثبت. والغسيل حنظلة بن أبى عامر الأنصاري، وأولاده ينسبون اليه. وانظر التاج فى غسل. (2) ما بين القوسين كتب فى ابعد قوله. «ستة أشهر» . (3) يريد الجار والمجرور: (فينا) . (4) الآية 4 سورة الحج. (5) الآية 35 سورة المؤمنين. (6) الآية 4 سورة لقمان. [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 (مِلَّةَ آبَايَ إِبْرَاهِيم) و (دُعَايَ «1» إِلَّا فِرَارًا) بنصب الياء لأنَّه يترك الْهَمْز ويقصرُ الممدود فيصير بِمنزلة مَحْيَايَ وهدايَ. وقوله: (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ [41] ) ذكروا أَنَّهُ لَمّا عبَّر لَهما الرؤيا فقال للآخر: تصلبُ رجعا عَن الرُّؤْيَا، فقالا: لَمْ نرَ شيئًا فقال يوسف: (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) . وقوله: (فَأَنْساهُ [42] الشَّيْطانُ) . يقول: أنسى الشيطان يوسَف أن يَجعل ذكره ومستغاثه إلى الله. ويُقال: أنسى الشيطان الساقي أن يذكر أمر يوسف. وقوله: (ذِكْرَ رَبِّهِ) يقول: ذكر يوسف لِمولاه. وقوله: (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) ذكروا أَنَّهُ لبث سبعًا بعد خَمس والبضع ما دون العشرة. وقوله: (إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ) [43] هُوَ من كلام العرب: أن يقول الرجل: إني أخرج إلى مكَّة وغير ذَلِكَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ للنوم ولو أراد الخبر لقال: إني أفعلُ إني أقوم فيُستدلّ على أنها رُؤيا «2» لقوله: أرى، وإن لَمْ يذكر نومًا. وقد بيَّنها إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فقال: إِنِّي «3» أَرَى في المنام أنّى أذبحك) وقوله: أَضْغاثُ أَحْلامٍ [44] رفع، لأنهم أرادوا: ليس هذه بشى إِنَّما هي أضغاثُ أحلام «4» . وهو كقوله: (مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ «5» ) كفروا فقالوا: لَم يُنزل شيئًا، إنَّما هي   (1) الآية 6 سورة نوح (1) (2) كذا. والأولى: «بقوله» . (3) الآية 102 سورة الصافات. (4) سقط فى ا. (5) الآية 24 سورة النحل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 أساطير الأولين. ولو كَانَ (أضغاثَ أَحْلامٍ) أي أنك «1» رأيت أضغاثَ أحلام كَانَ صوابًا. وقوله: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [45] الأمة: الحين من الدَّهْرِ. وقد ذُكِرَ عَن بعضهم «2» (بَعْدَ أَمَهٍ) وهو النسيان. يُقال رجلٌ مأموه كأنه الَّذِي لَيْسَ معه عقله وقد أمه الرجل. وقوله: وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ [46] لو كَانَ الخضر منصوبة تُجعل نعتًا للسبع حسن ذَلِكَ. وهي إذ خُفَضت نعْت للسنبلات. وقال الله عَزَّ وَجَلَّ: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ «3» خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) ولو كانت (طباقٍ) كَانَ صوابًا وقوله: دَأَباً [47] وقرأ بعض «4» قرّائنا (سبع سنين دأبا) : فَعَلًا. وكذلك كل حرف فُتِحَ أوَّله وَسُكِّنَ ثانيه فتثقيله جائزٌ إذا كَانَ ثانيه همزة أو عينًا أو غينًا أو حاءً أو خاء أو هاء. وقوله: يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ [48] يقول ما تقدَّمتم فِيهِ لَهُنَّ من الزرع. وقوله: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ: [52] قَالَ ذَلِكَ يوسف لَمّا رجعَ إِلَيْهِ الساقي فأخبره «5» ببراءة النسوة إيَّاه. فقال يوسف (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) وهو متصل بقول امرأته (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذلِكَ) وربّما وُصل الكلامُ بالكلام، حَتَّى كأنه قولُ واحدٍ وهو كلام اثنين، فهذا من ذَلِكَ. وقوله (مِنْ أَرْضِكُمْ «6» بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ) اتّصل قول فرعون بقول الملأ: وكذلك قوله (إِنَّ «7» الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا   (1) ش: «كأتك» . (2) هو الحسن كما فى الإتحاف. (3) الآية 15 سورة نوح. (4) هو حفص. (5) كذا. والمناسب: «بتبرئة» (6) الآية 35 سورة الشعراء. يريد الفراء، أن قوله «يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره» من كلام فرعون، وقوله: «فَماذا تَأْمُرُونَ» من خطاب الملأ لفرعون. ويرى جمهور المفسرين أن الكل من كلام فرعون، وأنه غشيه الدهش حتى استأمر رعيته ونسى مكانه فيما يزعم فى الألوهية. (7) الآية 34 سورة النمل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 قَرْيَةً أَفْسَدُوها) إلى قوله (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) انقطع كلامها عند قوله (أَذِلَّةً) ثم قال عزّ وجلّ (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) ويقال: إنه من قول سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام. وقوله: قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ [51] لَمَّا دَعَا النسوة فبرّأته قالت: لَمْ يبق إلا أن يُقِبل عليّ بالتقرير فأقرَّت، فذلك قوله: (حَصْحَصَ الْحَقُّ) يقول: ضاق الكذب وتَبيَّن الحقّ. وقوله: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي [53] (ما) فِي موضع نصب. وهو استثناء منقطع مِمّا قبله: ومثله (إِلَّا حاجَةً «1» فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها) ومثله فى سورة يس (فَلا صَرِيخَ «2» لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا) إِنَّما هُوَ- والله أعلم- إلا أن يُرحموا. و (أن) تضارع (ما) إذا كانتا فِي معنى مصدر. وقوله: وَلا تَقْرَبُونِ [60] فِي موضع جزم، والنون فِي موضع نصب حذفت ياؤها. ولو جعلتها رفعًا فنصبت النون كَانَ صوابًا على معنى قوله ولستم تقربونَ بعد هذه كقوله (فَبِمَ «3» تُبَشِّرُونَ) و (الَّذِينَ «4» كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) . وقوله: وَقالَ لِفِتْيانِهِ [62] و (لِفِتْيَتِهِ) قراءتان «5» مستفيضتان. وقوله: (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا) قيل فيها قولان: أحدهما أن يوسف خاف ألَّا يكون عند أبيه دراهم، فجعل البضاعة فِي رحالِهم ليرجعوا. وقيل إنَّهم إن عرفوا أنَّها بضاعتهم وقد اكتالوا ردُّوهَا على يوسف ولم يستحلّوا إمساكها.   (1) الآية 68 سورة يوسف. (2) الآيتان 43، 44. [ ..... ] (3) الآية 54 سورة الحجر. (4) الآية 27 سورة النحل. (5) القراءة الأولى لحفص وحمزة والكسائي وخلف. والثانية لغيرهم، كما فى الاتحاف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 قوله: فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ [63] قرأ أصحابُ «1» عبد الله (يَكْتَلْ) وسائر الناس (نَكْتَلْ) كلاهما صواب من قال (نَكْتَلْ) جعله معهم فِي الكيل. ومن قَالَ (يَكْتَلْ) يصيبه كيل لنفسه فجعل الفعل لَهُ خاصة لأنَّهم يُزادونَ بِهِ كيلَ بعير. [قوله] : فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً «2» [64] و (حفظا «3» وهي فِي قراءة عبد الله (والله خيرُ الحافظين) وهذا شاهدٌ للوجهين جَميعًا. وَذَلِكَ أنك «4» إذا أضفتَ أفضل إلى شيء فهو بعضه، وحذف المخفوض يَجوز وأنت تنويه. فإن شئتَ جعلته خيرهم حفظًا فحذفتَ الْهَاء والميم وهي تُنوي فِي المعنى وإن شئت جعلت (حافِظاً) تفسيرًا لأفضل. وهو كقولك: لك أفضلهم رجلًا ثُمَّ تلغِي الْهَاء والميم فتقول لك أفضل رجلًا وخير رجُلًا. والعربُ: تَقُولُ لك أفضلها كبشًا، وإنَّما هُوَ تفسير الأفضل. حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو لَيْلَى السِّجِسْتَانِيُّ عَنْ أَبِي حَرِيزٍ «5» قَاضِي سِجِسْتَانَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَرَأَ (فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً «6» وَقَدْ أَعْلَمْتُكَ أَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ (خَيْرُ الْحَافِظِينَ) وَكَانَ هَذَا- يَعْنِي أَبَا لَيْلَى- مَعْرُوفًا بِالْخَيْرِ. وَحَدَّثَنَا بِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَرَأَ (فَلَا أُقْسِمُ «7» بِمَوْقِعِ النُّجُومِ) (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) «8» يَقُولُونَ: مُؤَدُّونَ فِي السِّلاحِ أَدَّى يُؤَدِّي. وقوله: يَا أَبانا مَا نَبْغِي [65] كقولك فِي الكلام ماذا تَبْغي؟ ثُمَّ قَالَ (هذِهِ بِضاعَتُنا) كأنهم طيّبوا بنفسه «9» . و (ما) استفهام فِي موضع نصب. ويكون معناها جحدًا كأنَّهم قالوا: لسنَا نريدُ منكَ دراهم. والله أعلم بصواب ذلك.   (1) وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف. (2) القراءة الأولى لحفص وحمزة والكسائي وخلف. والأخرى للباقين. لأ (3) القراءة الأولى لحفص وحمزة والكسائي وخلف. والأخرى للباقين. لأ (4) سقط فى ا. (5) ش: «جرير» . (6) ش: «حفظا» . (7) الآية 75 سورة الواقعة. وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف. (8) الآية 56 سورة الشعراء. وهى قراءة عاصم وحمزة والكسائي وخلف وابن ذكوان وهشام. (9) كذا. وكأن الباء زائدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 وقوله: إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ [66] يقول: إِلَّا أَن يَأتيكم من الله مَا يَعذركم. وقوله: يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ [67] يقول: لا تدخلوا مصر من طريق واحد. كانوا صِبَاحًا تأخذهم الْعَين. [وقوله] : وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ [68] يقول: إنه لذو علم لتعليمنا إيّاه ويُقال: إنه لذو حفظ «1» لِما علمناه. وقوله: فَلا تَبْتَئِسْ [69] معناهُ: لا تستكن من الحزن والبُؤْس. يَقول: لا تَحْزن. وقوله: فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ [70] «2» جواب وربّما أدخلت العرب فِي مثلها الواو وهي جَواب على «3» حَالِها كقوله فِي أول السورة (فَلَمَّا «4» ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) والمعنى- والله أعلم-: أوحينا إِلَيْهِ. وهي فِي قراءة عبد الله (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ وَجَعَل السِّقَايَةَ) ومثله فِي الكلام: لَمَّا أتاني وأثِبَ عَلَيْهِ كأنه قَالَ: وثبتُ عَلَيْهِ. وربّما أدخلت العرب فِي جواب لَمَّا لكن. فيقول الرجل: لَمَّا شتَمني لكن أثِبُ عَلَيْهِ، فكأنه استأنف الكلام استئنافًا، وتوهَّم أنّ ما قبله فِيهِ جوابه. وقد جاء (الشعر «5» فِي كل ذَلِكَ) قال امرؤ القيس: فلمّا أَجزنا سَاحة الحيَّ وانتحى ... بنا بطنُ خَبْت ذي قِفافٍ عقنقل «6»   (1) ا: «حظ» . (2) فى الأصول: «جوابا» ولا وجه للنصب. [ ..... ] (3) ش: «فى» . (4) الآية 10. (5) كذا. والأنسب: «فى الشعر كل ذلك» . (6) البيت من معلقته. «انتحى» : اعترض. والخبت: المتسع من بطون الأرض. والقفاف جمع قف وهو ما ارتفع من الأرض. والعقنقل: المنعقد المتداخل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 وقال الآخر: حَتَّى إذا قمِلت بطونُكم ... ورأيتمُ أبناءكم شبوا وقلبتم ظهر المجن لنا ... إن اللّئيم العاجزُ الْخَبُّ «1» قمِلت: سمِنت وكبِرَت. قوله: قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ [72] . وقوله: الصُّواع ذكر. وهو الإناءُ الَّذِي كَانَ الملكُ يشرب فِيهِ. والصاعُ يؤنَّث ويُذَكَّر. فمن أنَّثه قَالَ: ثلاث أصْوُع مثل ثلاث أَدْؤُر. ومن ذكّره قَالَ: ثلاثة أصواع مثل أبواب. وقوله (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) يقول: كفيل. وزعيم القوم سيّدهم. وقوله: تَاللَّهِ [73] العربُ لا تَقُولُ تالرحمنِ ولا يَجْعلونَ مكانَ الواو تَاء إِلَّا فِي الله عَزَّ وَجَلَّ. وَذَلِكَ أنَّها أكثرُ الأيْمَانِ مُجْرى فِي الكلام فتوهّموا أنّ الواو منها لكثرتِها فِي الكلام، وأبدلوها تاء كما قالوا: التّراث، وهو من ورث، وكما قَالَ: (رُسُلَنا «2» تَتْرا) وهي من المواترة، وكما قالوا: التُّخْمَة وهي من الْوَخَامة، والتُّجَاه وهي من واجهك. وقوله (لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ) يقول القائل: وكيف علموا أنهم لَمْ يأتوا للفساد ولا للسرقة؟ فذُكر أنَّهم كانوا فِي طريقهم لا يُنزلون بأَحد ظلمًا، ولا ينزلونَ فِي بساتين الناس فيُفسدوها فذلك قوله (مَا جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ) يقول: لو كنا سارقين ما رددنا عليكم البضاعة التي وجدناها فِي رِحَالِنا. وقوله: قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ [75] (من) فِي معنى جزاء وموضعها رفع بالهاء التي عادت. وجواب الجزاء الفاء فِي قوله: (فَهُوَ جَزاؤُهُ) ويكون قوله (جَزاؤُهُ) الثانية   (1) المجن: الترس، ويقال: قلب له ظهر المجن إذا كان ووادا له ثم تغير عن مودته. والخب: الخداع. وانظر الخزانة 4/ 414. (2) الآية 44 سورة المؤمنين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 مرتفعة بالمعنى المحمَّل فِي الجزاء وجوابه. ومثله فِي الكلام أن تَقُولَ: ماذا لي عندك؟ فيقول: لك عندي إن بشّرتني فلك ألف درهم، كأنه قَالَ: لك عندي هذا. وإن شئت جَعلت (مَن) فِي مذهب (الَّذِي) وتُدخل الفاء فِي خبر (مَنْ) إذا كانت على معنى (الَّذِي) كما تَقُولُ: الَّذِي يقوم فإنَّا نَقوم معه. وإن شئتَ جعلت الجزاء مرفوعًا بِمَنْ خاصَّة وصلتها، كأنك قلت: جزاؤه الموجودُ فِي رَحْله. كأنك قلت: ثوابه أن يُسْتَرقّ، ثُمَّ تستأنف أيضًا فتقول: هُوَ جزاؤه. وكانت سنَّتهم أن يسترقّوا مَن سَرق. ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ اسْتَخْرَجَها [76] ذَهَبَ إلى تأنيثِ السَّرقة. وإن يكن الصُّواع فِي معنى الصَّاع فلعلّ هذا التأنيث من ذَلِكَ. وإن شئت جعلته لتأنيث السِّقَاية. وقوله (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) (مَنْ) فِي موضع نصب، أي نرفعُ مَنْ نَشَاءُ دَرجاتٍ. يقول: نفضِّل من نشاء بالدرجات. ومن «1» قَالَ (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) فيكون (مَنْ) فِي موضع خفض. وقوله (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) يقول: لَيْسَ مِنْ عالِم إِلَّا وفوقه أعلم منه. وقوله: (فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ) [77] أَسَرَّ الكلمة. ولو قَالَ: (فأسرَّهُ) ذهب إلى تذكير الكلام كَانَ صَوَابًا كقوله (تِلْكَ «2» مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) و (ذلِكَ «3» مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) (وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ) : أضمرها فِي نفسه ولم يظهرهَا. وقوله: مَعاذَ اللَّهِ [79] نَصْب لأنه مصدر، وكل مصدر تكلّمت العرب فِي معناهُ بفَعَل أو يفعل فالنصبُ فِيهِ جائز. ومن ذَلِكَ الحمدَ لله لأنّك قد تَقُولُ فِي موضعه يَحمد الله. وكذلك أعوذ بالله تصلح فى معنى معاذ الله.   (1) هم غير عاصم وحمزة والكسائي وخلف. (2) الآية 49 سورة هود. (3) الآية 44 سورة آل عمران الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 وقوله: خَلَصُوا نَجِيًّا [80] و [نجوى] قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ) وقوله: (قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ) (ما) التي مع (فرّطتم) فِي موضع رفع كأنه قال: ومن قبلِ هذا تفريطكم فِي يوسف. فإن «1» شئت جعلتها نصبًا، أي ألم تعلموا هذا وتعلموا من قبلُ تفريطكم فِي يوسف. وإن شئت جعلت (ما) صلة كأنه قال «2» : ومن قبلُ فرَّطتم فى يوسف. وقوله: إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ [81] ويقرأ (سُرِّق) ولا أشتهيها لأنّها شاذَّة. وكأنه ذهب إلى أَنَّهُ لا يستحلّ أن يسرَّقَ ولم يَسرِق: وذُكِرَ أن ميمون بن مِهْران لقي رجاءَ بن حَيوَة بِمكَّة، وَكَانَ رجاء يقول: لا يصلح الكذب فِي جد ولا هزل. وَكَانَ ميمون يقول: ربّ كَذْبة هي خير من صدق كَثِير. قَالَ فقال ميمون لرجاء: من كَانَ زَمِيلَك؟ قَالَ: رجل من قيس. قَالَ: فلو أنك إذ مررت بالبِشْر «3» قالت لك تغلِب: أنت الغاية فِي الصدق فمن زميلك هذا؟ فإن كَانَ مِنْ قيس قتلناه، فقد علمتَ ما قتلتْ قيسٌ مِنَّا، أكنت تَقُولُ: مِنْ قيس أم من غير قيس؟ قال: بَلْ من غير قيس. قَالَ: فهي كانت أفضل أم الصدق؟ قَالَ الفراء: قد جعل الله عَزَّ وَجَلَّ للأنبياء من المكايد ما هُوَ أكثر من هذا. والله أعلم بتأويل ذلك. وقوله: وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ يقول: لَمْ نَكُن نَحفظ غيبَ ابنك ولا ندري ما يصنعُ إذا غابَ عنا. ويُقال: لو علمنا أن هذا يكون لَمْ نُخرجه معنا. وقوله: أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [83] الصبرُ الجميل مرفوع لأنه عَزَّى نفسَه وقال: ما هُوَ إلا الصبر، ولو أمرهم بالصبر لكان النصب أسهل، كما قال الشاعر:   (1) كذا. والأولى: «وإن» . (2) سقط فى ا. (3) البشر: جبل من منازل تغلب. وبين تغلب وقيس حروب وغارات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 يشكو إِليَّ جَمَلي طُول السُّرى ... صَبْرًا جَميلًا فَكِلانا مبتلى «1» وقوله: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) يقول: لا شكوى فِيهِ إلَّا إلى الله جلّ وعزّ. قالو: تَاللَّهِ تَفْتَؤُا: [85] معناه لا تزال تذكر يوسف و (لا) قد تضمر مع الأيمان لأنّها إذا كانت خبرًا لا يضمر فيها (لا) لَمْ تكن إلا بِلَام ألا ترى أنك تَقُولُ: والله لآتينَّكَ، ولا يَجوز أن تَقُولُ: والله آتيك إِلَّا أن تكون تريد (لا) فلمَّا تبيّن موضعُها وقد فارقت الخبر أُضمرت، قَالَ امرؤ القيس: فقلتُ يَمينَ الله أبرحُ قاعدًا ... ولو قطعوا رأسي لديكِ وأَوْصَالِي «2» وأنشدني بعضهم: فلا وأبي دَهْمَاء زالت عزيزةً ... عَلَى قَوْمها ما فَتَّلَ الزَّنْدَ قادِح يريدُ: لا زالت. وقوله: (حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً) ] يُقال: رجل حَرَض وامرأة حَرَض وقومٌ حَرَض، يكون موحَّدًا عَلَى كلِّ حَالٍ: الذكر والأنثى، والجميع فِيهِ سَوَاء، ومن العرب من يقول للذكر: حارِض، وللأنثى حارضة، فيثنّى هاهنا ويُجمع لأنه قد خرج على صورة فاعل وفاعل «3» يُجمع. والحارض: الفاسد فِي جسمه أو عقله. ويقال للرجل: إنه لحارض أي أحمق. والفاسد فِي عقله أيضًا. وأمَّا حَرَض فتُرك جَمعه لأنه مصدر بِمنزلة دَنَف وضَنَى «4» . والعربُ تَقُولُ: قوم دَنَف، وضَنًى وَعدْل، وَرِضًا، وزَوْر، وعَوْد، وضَيْف. ولو ثُنّي وجمع لكان صَوَابًا كما قالوا: ضيف وأضياف. وقال عزّ وجلّ (أَنُؤْمِنُ «5» لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) وقال فِي موضع آخر: (مَا أَنْتُمْ «6» إِلَّا بَشَرٌ) والعرب إلى التثنية أسرع منهم إلى جَمعه لأن الواحد قد يكون فى معنى   (1) ورد فى كتاب سيبويه 1/ 162. (2) من قصيدة له فى الديوان 32. [ ..... ] (3) ا: «الفاعل» . (4) الضنى فى الأصل المرض المخامر كلما ظن برؤه نكس. (5) الآية 47 سورة المؤمنين. (6) الآية 15 سورة يس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 الجمع ولا يكون فِي معنى اثنين ألا ترى أنك تَقُولُ: كم عندك من درهم ومن دراهم، ولا يَجوز: كم عندك من درهمين. فلذلك كثرت التثنية ولم يُجمع. وقوله: وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ [88] ذكروا أنَّهم قَدمِوا مصر ببضاعة، فباعوها بدراهم لا تَنْفُق فِي الطعام إِلَّا بغير سعر الجياد، فسألوا يوسف أن يأخذها منهم ولا ينقصهم. فذلك قوله: (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا) بفضل ما بين السِّعرين. وقوله: يَأْتِ بَصِيراً [93] أي يرجع بَصِيرًا. وقوله: لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ [94] يقول: تكذّبون وتُعَجِّزون وتضعفِّون. وقوله: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي [98] قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ «1» (عَن) شريك عَن السُّدِّي فِي هذه الآية أخرهم «2» إلى السّحر (قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا «3» وَزَادَنَا حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَخَّرَهُمْ إِلَى السَّحَرِ) لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ. وقوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [105] فآيات السَّموات الشمسُ والقمر والنجوم. وآيات الأرض الجبال والأنهار وأشباه ذَلِكَ. وقوله: وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [106] يقول: إذا سألتهم مَن خلقكم؟ قالوا: الله، أو من رزقكم؟ قالوا: الله، وهم يشركون بِهِ فيعبدونَ الأصنام. فذلك قوله: (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) . وقوله: أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [108] يقول: أنا ومن اتّبعني، فهو يدعو على بصيرة كما أدعو. وقوله: وَلَدارُ الْآخِرَةِ [109] أُضِيفت الدار إلى الآخرة وهي الآخرة وقد تضيف العرب الشيء   (1) ا: «قال حدثنى» . (2) أي أخر الاستغفار لهم. (3) سقط ما بين القوسين فى ا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 إلى نفسه إذا اختلف لفظه كقوله (إِنَّ «1» هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) والحق هُوَ اليقين. ومثله أتيتك بارحة الأولى، وعام الأوَّل وليلة الأولى ويوم الخميس. وجميعُ الأيّام تُضافُ إلى أنفسها لاختلاف لفظها. وكذلك شهر ربيع. والعربُ تَقُولُ فِي كلامها- أنشدني بعضهم-: أَتَمْدَحُ فَقْعَسًا وتَذمّ عَبْسًا ... أَلا لِلَّهِ أُمُّكَ من هَجِين «2» ولو أقوت «3» عَلََيْكَ ديارُ عَبْس ... عرفتَ الذُّلَّ عِرفان اليقين وإنَّما معناهُ عرفانًا ويقينًا. وقوله: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا [110] . خفيف. وقرأها أهل المدينة بالتثقيل، وقرأها ابنُ عباس بالتخفيف، وفسّرها: حَتَّى إذا استيأس الرُّسُل من قومهم أن يؤمنوا، وظن قومُهم أن الرسل قد كُذِبوا جاءهم نصرنا. وحُكِيَت عَن عبد الله (كُذِّبُوا) مشدّدة وقوله: (فنجى من نشاء) القراءة بنونين «4» والكتابُ أَتى بنون واحدة. وقد قرأ عاصم (فنجّى من نشاء) فجعلها نونًا، كأنه كره زيادة نون ف (مَنْ) حينئذ فِي موضع رفع. وأمّا الَّذِينَ قرءوا بنونين فإن النون الثانية، تخفى ولا تخرج من موضع الأولى، فلمّا خفيت حذفت، ألا ترى أنك لا تَقُولُ فننجي بالبيان. فلمّا خفيت الثانية حذفت واكتفى بالنون الأولى منها، كما يكتفى بالحرف من الحرفين فيدغم ويكون كتابُهما واحدًا. وقوله: مَا كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ [111] منصوب، يُرادُ بِهِ: ولكن كَانَ تصديقَ ما بين يديه من الكتب: التوراة والإنجيل. ولو رفعت التصديق كَانَ صوابًا كما تَقُولُ: ما كان   (1) الآية 95 سورة الواقعة. (2) الهجين: عربى ولد من أمة أو من أبوه خير من أمه. (3) أقوت: أقفرت وخلت. (4) قرأ «فتنجى» غير ابن عامر وعاصم ويعقوب. أما هؤلاء فقد قرءوا: «فنجى» على صيغة المبنى للمفعول من نجى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 هذا قَائِمًا ولكن قاعدًا وقاعد. وكذلك قوله: (مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ) و (رَسُولَ اللَّهِ) فَمن رفع لَمْ يُضْمر كان «1» أراد: ولكن هو رسول الله. ومن سورة الرعد قول الله جلّ وعزّ: الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها «2» . جاء فِيهِ قولان. يقول: خلقها مرفوعة بلا عمدٍ، ترونها: لا تَحتاجونَ مع الرؤية إلى خبر. وَيُقال: خلقها بِعَمَدٍ لا ترونها، لا ترون تِلْكَ الْعَمَد. والعربُ قد تقدم الحجة من آخر الكلمة إلى أوّلها: يكون ذَلِكَ جائزًا. أنشدني بعضهم: إذا أعجبتك الدهر حالٌ من امرئ ... فدَعْه وواكِل حالَه واللياليا يجئنَ على ما كَانَ من صالِحٍ بِهِ ... وإن كَانَ فيما لا يرى الناس آليا «3» معناهُ وإن كَانَ (فيما يرى «4» ) الناس لا يألو. وقال الآخر: ولا أراها تزالُ ظالِمةً ... تُحدث لى نكبة وتنكؤها «5» ومعناها: أراها لا تزال. وقوله قبل هذه الآية: وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ [1] فموضع (الَّذِي) رفع تستأنفه على الحق، وترفع كل واحد بصاحبه. وإن شئت جعلت (الَّذِي) فى موضع خفض تريد: تلك   (1) فى الأصول: «كأنه» والمناسب ما أثبت. (2) ورد الشعر فى شواهد العيتى فى مبحث المفعول معه على هامش الخزانة 3/ 99 من غير عزو. (3) فى الأصول: «فيما لا يرى» والصواب ما أثبت. [ ..... ] (4) فى الأصول: «فيما لا يرى» والصواب ما أثبت. (5) هو إبراهيم بن هرمه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 آيات الكتاب وآيات الَّذِي أنزل إليك من ربك فيكون خفضًا، ثُمَّ ترفع (الحق) أي ذَلِكَ الحق، كقوله فِي البقرة (وَإِنَّ «1» فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) فنرفع على إضمار ذَلِكَ الحق أو هُوَ الحق. وإن شئت جعلت (الَّذِي) خفضًا فخفضت (الحق) فجعلته من صفة الَّذِي ويكون (الَّذِي) نعتًا للكتاب مردودًا عَلَيْهِ وإن كَانَت فِيهِ الواو كما قَالَ الشاعر: إلى الملكِ الْقَرْمِ وابن الهمام ... وليث الْكَتِيبة فِي الْمُزْدَحَمِ «2» فعطف بالواو وهو يريدُ واحدًا. ومثله فِي الكلام: أتانا هذا الحديث عَن أبي حَفْص والفاروق وأنت تريد عمر بن الخطاب رَحِمَهُ الله. وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ [3] أي بسط الأرض عَرْضًا وطولًا. وقوله: (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) الزوجان اثنان الذكر والأنثى والضربان. يُبيّن ذَلِكَ قوله (وَأَنَّهُ خَلَقَ «3» الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) فتبيّن أنَّهُمَا اثنان بتفسير الذكر والأنثى لَهما. وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ [4] يقول: فيها اختلاف وهي مُتجاورات: هذه طيّبة تُنبت وهذه سَبَخَة لا تُخرج شيئًا. ثُمَّ قال: (وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ) فلك فِي الزرع وما بعده الرفع. ولو خفضت كَانَ صَوَابًا. فمن رفع جعله مردودًا على الجنات ومن خفض جعله مردودًا على الأعناب أي من أعناب ومن كذا وكذا. وقوله: (صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) الرفعُ فِيهِ سَهل لأنه تفسير لحال النخل. والقراءة بالخفض «4» ولو كَانَ رفعًا كَانَ صوابًا. تريد: منه صنوان ومنه غير صنوان. والصّنوان النّخلات يكون   (1) الآيتان 146، 147 سورة البقرة. (2) سبق هذا الشعر فى ص 105 من الجزء الأول. (3) الآية 45 سورة النجم. (4) قرأ بالرفع ابن كثير وأبو عمرو وحفص ويعقوب. وقرأ بالخفض غيرهم، كما فى الإتحاف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 أصْلُهنَّ واحدًا. وجاء فِي الحديث عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ عَمّ الرجل صِنْو أبيه ثُمَّ قَالَ: (تُسْقَى بِماءٍ واحِدٍ) و (يُسْقى) «1» فمن قَالَ بالتاء ذهبَ إلى تأنيث الزروع والجِنَّات والنخل. ومن ذكَّر ذهبَ إلى النبت: ذَلِكَ كله يسقى بِماء واحدٍ، كله مختلف: حامض وحلو. ففي هذه آية. وقوله: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ [6] يقول: يستعجلونك بالعذاب وهم آمنون لَهُ، وهم يرونَ العقوبات المثُلات فِي غيرهم مِمّن قد مضى. هي الْمَثُلَات وتَميم تَقُولُ: الْمُثْلات، وكذلك قوله: (وَآتُوا «2» النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ) حجازية. وتَمِيم: صُدْقَات، واحدها «3» صُدْقَة. قَالَ الفراء: وأهل الحجاز يقولون: أعطها صدقتها، وتميم نقول: أعطها صُدْقتها فِي لغة تَميم. وقوله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ [7] قَالَ بعضهم: نبيّ. وقال بعضهم: لكل قومٍ هادٍ يَتَّبِعُونَهُ، إِمَّا بِحقٍ أَو بباطل. وقوله: وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ [8] (تَغِيضُ) يقول: فما تنقص من التسعة الأشهر التي هي وقت الحمل (وَما تَزْدادُ) أي تزيد على التسعة أو لا ترى أن العرب تَقُولُ: غاضت المياهُ أي نقصت. وَفِي الحديث «4» : إذا كَانَ الشتاء قيظًا، وَالْوَلَدُ غيظًا، وغاضت الكرامُ غَيْضًا وفاضت اللئامُ فيضًا. فقد تبيّن النقصانُ فِي الغيض. وقوله: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ [10] . (من) و (من) فى موضع   (1) هذه قراءة ابن عامر وعاصم ويعقوب. (2) الآية 4 سورة النساء. (3) كذا. والأولى: «واحدتها» (4) هذا الحديث فى أشراط الساعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 رفع، الذي رفعهما جميعا سواء، ومعناهما: أن من أسرَّ القولَ أو جهر بِهِ فهو يعلمه، وكذلك قوله: (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) أي ظَاهِرٌ بالنهار. يقول: هُوَ يعلمُ الظاهِر والسر وكلٌّ عنده سواء. وقوله: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ [11] المعقِّبَات: الملائكة، ملائكة الليل تُعَقِّب ملائكة النَّهار «1» يحفظونه. والمعقِّبَات: ذُكران إِلَّا أَنَّهُ جميع جَمع ملائكة معقبَّة، ثُمَّ جُمِعَتْ معقبَّة، كما قَالَ: أبناوات سَعْدٍ «2» ، ورجالات جَمع رجال. ثُمَّ قَالَ عزّ وجلّ (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) فرجع إلى التذكير الَّذِي أخبرتك وهو المعنى. والمعقِّبَات من أمر الله عَزَّ وَجَلَّ يَحفظونه، وليس يُحفظ من أمره إنَّما هُوَ تقديم وتأخير والله أعلم، ويكون (يَحْفَظُونَهُ) ذَلِكَ الحفظ من أمر الله وبأمره وبإذنه عَزَّ وَجَلَّ كما تَقُولُ للرجل: أجيئك مِنْ دعائك إِيَّاي وبدعائك إيَّاي وَاللَّهُ أعلم بصواب ذَلِكَ. وقوله: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً: [12] خوفًا على المسافر وطمعًا للحاضر. وقوله: (وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) السحاب وإن كَانَ لفظه واحدًا فإنه جمع، واحدته سَحَابة. جُعل نعته على الجمع كقوله (مُتَّكِئِينَ «3» عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ) ولم يقل: أَخضر، ولا حسن، ولا الثقيل، للسحاب. ولو أتى بشيء من ذَلِكَ كَانَ صوابًا كقوله: (جَعَلَ لَكُمْ «4» مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) فإذا كَانَ نعت شيء من ذا يرجع إلى صغر أو كبر لَمْ تقله إلَّا على تأويل الجمع. فمن ذَلِكَ أن تَقُولُ: هذا تمر طيّب، ولا تقول تمر   (1) بعده فى اللسان فى سوق عبارة الفراء: «وملائكة النهار تعقب ملائكة الليل» . (2) اسم لأكثر من قبيلة فى العرب، منهم سعد تميم وسعد قيس وسعد هذيل، كما فى القاموس. (3) الآية 76 سورة الرحمن. (4) الآية 80 سورة يس. [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 صغير ولا كبير من قبل أن الطيب عامٌّ فِيهِ، فوحِّد، وأن الصغر والكبر والطول والقِصَر فِي كل تَمرة على حدتها. قوله: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ: [14] لا إله إلا الله (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) يعني الأصنام لا تُجيبُ داعيها بشيء إلا كما ينال الظمآن المشرف على ماء لَيْسَ معه ما يستقي بِهِ. وَذَلِكَ قوله عَزَّ وجلّ: (إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ) ثُمَّ بَيَّن الله عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ فقال: (لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ) . وقوله: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً: [15] فيقالُ: مَنِ الساجد طوعًا وكرهًا من أهل السموات والأرض؟ فالملائكةُ «1» تسجدُ طوعًا، ومن دخل فِي الإسلام رغبة فِيهِ أو وُلِد عَلَيْهِ من أهل الأرض فهو أيضًا طائع. ومن أُكْرِه على الإسلام فهو يسجدُ كَرْهًا (وَظِلالُهُمْ) يقول: كل شخصٍ فظِلّه بالغداة والعشي يسجد معه. لأن الظلّ يَفِيء بالعَشيّ فيصير فَيْئًا يسجد. وهو كقوله: (عَنِ الْيَمِينِ «2» وَالشَّمائِلِ) فِي المعنى والله أعلم. فمعنى الجمع والواحد سواء. قوله: أَمْ هَلْ تَسْتَوِي «3» الظُّلُماتُ وَالنُّورُ [16] : ويقرأ (أَمْ هَلْ يَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ) وتقرأ (تَسْتَوِي) بالتاء. وهو قوله: (وَأَخَذَ الَّذِينَ «4» ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) وَفِي موضع آخر: (وَأَخَذَتِ «5» ) . وقوله: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها [17] : ضربه مثلًا للقرآن إذا نَزَلَ عليهم لقوله: (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) يقول قبلته القلوب بأقدارها وأهوائها.   (1) هذا شروع فى الجواب. (2) الآية 48 سورة النحل. (3) هى قراءة أبى بكر وحمزة والكسائي وخلف. (4) الآية 67 سورة هود. (5) فى الآية 94 سورة هود. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 وقوله: (فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً) يذهب لا منفعة له، كذلك ما سكن فِي قلب من لَمْ يؤمن وعبد آلهته وصارَ لا شيء فِي يده (وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) فهذا مَثَلُ المؤمن. ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ) من الذهب والفضة والنُّحاس زَبَد كزَبَد السيل يعني خَبثه الَّذِي تُحصّله النار فتخرجه من الذهب والفضَّة بِمنزلة الزَّبَدِ فِي السيل. وأمَّا قوله: (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ) يقول: يوقدونَ عَلَيْهِ فِي النار يبتغونَ بِهِ الْحُلِيَّ والمتاع ما يكون من النحاس والحديد هو زبد مثله. وقوله: (فَيَذْهَبُ جُفاءً) ممدود أصله الْهَمْز يقول: جَفأ الوادي غُثَاءه «1» جَفْئا. وقيل: الجفاء: كما قيل: الْغُثَاء: وكل مصدر اجتمع بعضه إلى بعض مثل الْقُماش «2» والدُّقاق «3» والغُثَاء والحُطَام فهو مصدر. ويكون فِي مذهب اسم على هذا المعنى كما كَانَ العطاء اسمًا على الإعطاء، فكذلك الْجُفَاءُ والقماش لو أردت مصدره قلت: قمشته قمشًا. والجُفَاء أي يذهب سريعًا كما جاء. وقوله: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ [23] سَلامٌ عَلَيْكُمْ [24] . يقولون: سَلام عليكم. القول مضمر كقوله: (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ «4» عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا [27] أي يقولون: ربنا ثُمَّ تركت وقوله: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ [27] . أي يوسع وَيَقْدِر (أي «5» يَقْدِر ويقَتِّر) ويُقال يبسط الرزق لِمن يشاء ويقدر لَهُ فِي ذلك أي   (1) الغثاء ما يحمله السيل من ورق الشجر البالي والزبد وغيره وجف الوادي له: رميه إياه. (2) القماش: ما يجمع من هنا وهناك. (3) الدقاق: فتات كل شىء. (4) الآية 12 سورة السجدة. (5) سقط ما بين القوسين فى ا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 يخير «1» لَهُ. قَالَ ابن عباس: إن الله عَزَّ وَجَلَّ خلق الخلق وهو بِهم عالِم، فجعل الغنى لبعضهم صلاحا والفقر لبعضهم صلاحا، فذلك الخيارُ للفريقين. وقوله: طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ [29] رفع «2» . وَعَلَيْهِ القراءة. ولو نصب طُوبى والحسن كَانَ صَوَابًا كما تَقُولُ العرب: الحمدُ لله والحمدَ لِلَّهِ. وطوبى وإن كانت اسمًا فالنصبُ يأخذها كما يُقال فِي السبّ: الترابُ لَهُ والترابَ لَهُ. والرفع فِي الأسماء الموضوعة أجود من النصب. وقوله: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ [31] لَمْ يأت «3» بعده جواب لِلَوْ فإن «4» شئت جعلت جوابها متقدّما: وهم يكفرون- 86 ب ولو أنزلنا عليهم الَّذِي سألوا. وإن شئت كَانَ جوابه متروكًا لأن أمره معلوم: والعربُ تَحذف جواب الشيء إذا كَانَ معلومًا إرادةَ الإيجاز، كما قال الشاعر: وأقسم لو شَيْء أتانا رَسولُه ... سواكَ ولكن لَمْ نَجد لك مَدْفَعا وقوله: (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) قَالَ المفسرونَ: ييأس: يعلم. وهو فِي المعنى على تفسيرهم لأن الله قد أوقع إلى المؤمنين أَنَّهُ لو يشاء الله لَهَدى الناس جَميعًا فقال: أفلم ييأسوا عِلْمًا. يقول: يؤيسهم العلم، فكان فيهم «5» العلم مضمرًا كما تَقُولُ فِي الكلام: قد يئست منك ألا تفلح علما كأنك قلت: علمته علما.   (1) يقال: خار الله لك فى الأمر: جعل لك الخير فيه. (2) أنظر كتاب سيبويه 1/ 166. (3) ا: «فلم» . (4) سبق له هذا فى تفسير قوله تعالى فى سورة هود: «أفمن كان على بينه من ربه ... » [ ..... ] (5) فى عبارة الطبري: «فيه» وكذا فى اللسان (يأس) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 وقال الْكَلْبِيِّ عَن أَبِي صالِح عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ييأس فِي معنى يعلم لغة للنَخَع. قَالَ الفراء: ولم نَجدها فِي العربية إلا على ما فسّرت. وقول الشاعر «1» : حَتَّى إِذَا يئسَ الرماة وَأَرْسَلُوا ... غُضْفًا دواجِنَ قافِلًا أعصامها معناهُ حَتَّى إذا يئسوا من كل شيء مما يُمكن إلا الَّذِي ظهرَ لَهُم أرسلوا. فهو معنى حتى إذا علمُوا أن لَيْسَ وجه إلا الَّذِي رأوْا أرسلوا. كَانَ ما وراءه يأسًا. وقوله: (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ) القارعة: السريّة من السرايا (أَوْ تَحُلُّ) أنت يا مُحَمَّد بعسكرك (قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ) . وقوله: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [33] . ترك جوابه ولم يقل: ككذا وكذا لأن المعنى مَعلوم. وقد بيّنه ما بعده إذ قال: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) كأنه فِي المعنى قَالَ: كشركائِهم الَّذِينَ اتخذوهم، ومثله قول الشاعر: تَخَيَّرِي خُيِّرت أُمَّ عالِ ... بين قصير شَبْرُه تِنْبَالِ «2» أذاكِ أم منخرق «3» السربال ... ولا يزال آخر الليالي مُتلِفَ مال ومفيدَ مال تخّيري بين كذا وبين منخرق السربال. فلمّا أن «4» أتى بِهِ فِي الذكر كفى من إعادة الإعراب «5» عليه.   (1) هو لبيد فى معلقته والبيت فى وصف كلاب الصيد والغضف كلاب الصيد لغضف آذانهن وهو إقبالها على القفا. و «دواجن» ألفن البيوت. و «قافلا» يابسا. والأعصام القلائد. (2) الشير: القد والقامة. والتنبال: القصير. (3) منخرق السربال كأنه كناية عمن يشتغل فى خدمة أهله، فينخرق سرياله، والسربال الثوب والقميص (4) سقط فى ا. (5) أي البيان والتصريح بما هو معلوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 وقوله: (فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) باطل «1» المعنى، أي أَنَّهُ ظاهر فِي القول باطل المعنى. ويقرأ: (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) وبعضهم (وَصَدُّوا) يجعلهم «2» فاعلين. وقوله: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ [35] يقول: صفات الجنة. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ الْمَشْيَخَةِ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ أَنَّ عَلِيًّا قَرَأَهَا: (أَمْثَالُ الْجَنَّةِ) قَالَ الْفَرَّاءُ أَظُنُّ دُونَ «3» أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَجُلا قَالَ: وَجَاءَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ذَلِكَ وَالْجَمَاعَةُ عَلَى كِتَابِ الْمُصْحَفِ. وقوله: (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) هُوَ الرافع. وإِن شئت للمَثَل الأمثال فِي المعنى كقولك: حِلْية فلان أسمر وكذا وكذا. فليس الأسمر بِمرفوع بالحلية، إنَّما هُوَ ابتداء أي هُوَ أحمر أسمر، هُوَ كذا. ولو دخل فِي مِثْل هذا أنّ كَانَ صوابًا. ومثله فِي الكلام مَثَلك أنك كذا وأنك كذا. وقوله: (فَلْيَنْظُرِ «4» الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ أَنَّا) من وَجْه (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ومن قال (أَنَّا صَبَبْنَا «5» الْماءَ) بالفتح أظهر «6» الاسم لأنه مردودٌ على الطعام بالخفض أو مستأنف أي طعامُه أنا صَببنا ثم فعلنا. وقوله لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ [38] جاء التفسير: لكل كتاب أجل. ومثله (وَجاءَتْ «7» سَكْرَةُ   (1) فى الأصول: «باطن» والتصويب من تفسير الطبري. (2) القراءة الأولى لعاصم وحمزة والكسائي وخلف، والأخرى لغيرهم. (3) أي سقط فى الإسناد رجل بين الكلبي والسلمى. (4) الآيتان 24، 25 سورة عبس. وكسر (إنا) قراءة غير عاصم وحمزة والكسائي وخلف، والفتح قراءة هؤلاء كما فى الإتحاف. (5) الآيتان 24، 25 سورة عبس. وكسر (إنا) قراءة غير عاصم وحمزة والكسائي وخلف، والفتح قراءة هؤلاء كما فى الإتحاف. (6) كذا فى ا. وفى ش: «أضمر» . (7) الآية 19 سورة ق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) وَذَلِكَ عَنْ أبي بكر الصديق رَحِمَهُ الله: (وجاءت سكرة الموت بالحقّ) لأن الحقّ 87 اأتى بِهَا وتأتي بِهِ. فكذلك تَقُولُ: لكلِّ أجلٍ مؤجل ولكل مؤجَّل أجل والمعنى واحد والله أعلم. قوله: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ [39] (وَيُثَبِّتُ) مشدّد قراءة أصحاب عبد الله وتقرأ و (يُثْبِتُ «1» ) خفيف. ومعنى تفسيرها أَنَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- تُرفع إِلَيْهِ أعمال العبد صغيرها وكبيرها، فيثبت ما كَانَ فِيه عقاب أو ثواب ويَمْحو ما سوى ذَلِكَ. وقوله: وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ [40] وأنت حىّ. (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) يكون بعد موتك (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) . وقوله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها [41] جاء: أو لَمْ ير أهل مكة أنا نفتحُ لك «2» ما حولَها. فذلك قوله (نَنْقُصُها) أي أفلا يَخافونَ أن تنالَهم. وقيل (نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) بموت العلماء. وقوله: (لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) يقول: لا رادّ لِحُكْمِهِ إذا حَكَم شيئًا «3» والمعقب الَّذِي يَكُرّ على الشيء. وقول لبيد: حَتَّى تهجَّر فِي الرَّوَاحِ وَهَاجَهُ ... طلبُ المعقِّب حَقَّهُ المظلومُ «4» من ذَلِكَ لأن (المعقِّب صاحب الدين يرجع على صاحبه فيأخذه منه، أو من أُخِذَ منه شيء فهو راجع ليأخذه.   (1) هذه قراءة ابن كثير وأبى عمرو وعاصم ويعقوب. [ ..... ] (2) ا: «عليك» . (3) شىء: «بيننا» . (4) هذا من شعره فى وصف الحمار الوحشي وأتانه، يبحث معها عن أرض يستطيبها. والتهجر: السير فى الهاجرة وهى شدة الحر يذكر أنه أثاره على السير طلب ما يرعاه، وقد أجدبت الأماكن التي كان يرتادها فكأنما أصابه ظلم فى ذلك فهو يدفعه بطلب المرعى فى موضع آخر فهو يغذ السير ولا يبالى الهاجرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 وقوله: وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ [42] على الجمع «1» وأهل المدينة (الكافِر) . وقوله: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [43] يُقال عبد الله بن سَلَام. وَ (مِنْ عِنْدِه «2» ) خفض مردود على الله عَزَّ وَجَلَّ. حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي شَيْخٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ رَفَعَهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ يُسْلِمُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتْلُو (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ وَحَدَّثَنِي شَيْخٌ عَنْ رَجُلٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكتاب) وَيَقْرَأُ (وَمِنْ عِنْدِهِ عِلْمُ الْكِتَابِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ من (من) . ومن سورة إبراهيم قَوْل الله عَزَّ وَجَلَّ: إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [1] اللَّهِ الَّذِي [2] . يُخْفض فِي الإعراب ويُرْفع «3» . الخفضُ على أن تُتبعه (الْحَمِيدِ) والرّفع عَلَى الاستئناف لانفصاله من الآية كقوله عَزَّ وَجَلَّ (إِنَّ «4» اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) إلى آخر الآية، ثم قال (التَّائِبُونَ «5» ) وفى قراءة عبد الله (التائِبينَ) كل ذَلِكَ صواب. وقوله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [4] . يقول: ليفهمهم وتلزمَهم الْحُجَّة. ثُمَّ قَالَ عَزَّ وجلّ (فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ) فرفع لأن النيّة فِيهِ الاستئنَاف لا العطف عَلَى مَا قَبْلَه. ومثله (لِنُبَيِّنَ «6» لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ مَا نَشاءُ) ومثله   (1) هى قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف. (2) هى قراءة الحسن والمطوعى، كما فى الإتحاف. (3) الرفع قراءة نافع وابن عامر وأبى جعفر. والخفض قراءة غيرهم. (4) الآية 111 سورة التوبة. (5) فى الآية 112 سورة التوبة. (6) الآية 5 سورة الحج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 فى براءة (قاتِلُوهُمْ «1» يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ) ثم قال (وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) فإذا رأيت الفعل منصوبًا وبعده فعل قد نُسِقَ عَلَيْهِ بواو أو فاء أو ثُمَّ أو أوْ فإن كَانَ يشاكل معنى الفعل الذي قبله نسقته عليه. وإن رأيته غير مشاكِل لمعناهُ استأنفته فرفعته. فمن المنقطع ما أخبرتُكَ بِهِ. ومنه قول الله عَزَّ وَجَلَّ (وَاللَّهُ «2» يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ) رفعت (وَيُرِيدُ الَّذِينَ) لأنها لا تشاكل (أَنْ يَتُوبَ) ألا ترى أَنَّ ضمّك إيَّاهُمَا لا يَجوز، فاستأنفت أو رددته عَلَى قوله (وَاللَّهُ يُرِيدُ) ومثله (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ «3» ) فيأبَى فِي موضع رفع لا يَجوز إلا ذَلِكَ. ومثله قوله: والشعر لا يَسْطيعُه من يظلمه ... يريد أن يعربه فيُعجِمُه «4» وكذلك تَقُولُ: آتيك أن تأتيني وأكرمك فتردّ (أكرمكَ) عَلَى الفعل الأول لأنه مُشاكل لَهُ وتقول آتيك أن تأتِيَني وتحسنَ إليّ فتجعل (وتحسن) مردودًا عَلَى ما شاكلها ويُقاس عَلَى هذا. وقوله: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [5] . يقول: خوّفهم بأيَّام عادٍ وثَمُود وأشباههم بالعذاب وبالعفو عَن آخرين. وهو فِي المعنى كقولك: خذهم بالشدّة واللين. وقوله هاهنا: وَيُذَبِّحُونَ [6] وفى موضع آخر (يذبحون «5» ) بغير واو وفى موضع آخر   (1) الآية 14 من سورة التوبة. (2) الآية 27 سورة النساء. (3) الآية 32 سورة التوبة. (4) هذا من رجز ينسب إلى الحطيئة قاله حين احتضاره. وانظر الخزانة فى الشاهد 149. (5) الآية 49 سورة البقرة. [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 (يقتلون «1» ) بغير واو. فمعنى الواو أنَّهم يَمسُّهم العذابُ غير التذبيح كأنه قَالَ: يعذبونكم بغير الذبح وبالذبح. ومعنى طرح الواو كأنه تفسير لصفات العذاب. وإذا كَانَ الخبر من العذاب أو الثواب مُجْمَلًا فِي كلمة ثُمَّ فسرته فاجعله بغير الواو. وإذا كَانَ أوّله غير آخره فبالواو. فمن المجمل قول الله عَزَّ وَجَلَّ (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ «2» يَلْقَ أَثاماً) فالأثام فِيهِ نيّة العذاب قليله وكثيره. ثُمَّ فسَّره بغير الواو فقال (يُضاعَفْ «3» لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ولو كَانَ غير مُجمل لَمْ يكن ما لَيْسَ بِهِ تفسيرًا لَهُ، ألا ترى أنك تَقُولُ عندي دابتَّان بغلٌ وبِرْذَوْن ولا يَجوز عندي دابتَّان وبغل وبِرذَوْنٌ وأنت تريدُ تفسير الدَّابتين بالبغل والبِرذون، ففي هَذَا كفاية عَمَّا نترك من ذَلِكَ فقس عَلَيْهِ. وقوله (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) يقول: فِيما كَانَ يَصْنعُ بكم فرعونُ مِنْ أصْنَافِ الْعَذَابِ بلاء عظيم من الْبَليَّة. ويُقال: فى ذلكم نعم من ربّكم عظيمة إذ أنجاكم منها. والبَلاء قد يكون نعمًا، وعذابًا. ألا ترى أنك تَقُولُ: إن فلانًا لحسن البلاء عندك تريدُ الإنعام عليك. وقوله: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ [7] معناهُ: أعلم ربّكم ورُبَّما قالت العرب فِي معنى أفعلت تفعَّلت فهذا من ذَلِكَ والله أعلم. ومثله: أوعدني وتوعَّدني وهو كَثِير. وقوله فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ [9] جاء فيها أقاويل. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانُوا إِذَا جَاءَهُمُ الرَّسُولُ قَالُوا لَهُ: اسْكُتْ وَأَشَارُوا بِأَصَابِعِهِمْ إِلَى أَفْوَاهِ أَنْفُسِهِمْ كَمَا تُسَكِّتُ أَنْتَ- قَالَ: وأشار لنا الفراء بأصبعه السبابة عَلَى فِيهِ- ردًّا عليهم وتكذيبًا. وقال بعضهم: كانوا يكذّبونهم ويردّونَ القول بأيديهم إلى أفواهِ الرسل وأشار لنا الفراء هكذا بظهر كفه إلى من يُخاطبه. قَالَ: وأرانا ابن عبد الله الإشارة فى الوجهين (وأرانا «4» الشيخ ابن العباس بالإشارة بالوجهين) وقال بعضهم: فردّوا   (1) الآية 141 سورة الأعراف. (2) الآية 68 سورة الفرقان. (3) الآية 69 سورة الفرقان. (4) سقط ما بين القوسين فى ا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 أيديهم فى أفواههم يقول رَدُّوا ما لو قبلوه لكان نِعَمًا وأيادي من الله فِي أفواههم، يقول بأفواههم أي بألسنتهم. وقد وجدنا من العرب من يجعل (فِي) موضع الباء فيقول: أدخلك الله بالجنَّة يريد: فِي الجنة. قَالَ: وأنشدني بعضهم: وأرغب فيها عَن لَقِيطٍ ورَهْطه ... ولكنني عَن سِنْبِس لستُ أرغبُ فقال: أرغب فيها يعني بنتا له. أي إنى أرغبُ بِهَا عَن لقيط «1» . وقوله: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا [13] قال (أَوْ لَتَعُودُنَّ) فجعل فيها لا ما كجواب اليمين وهي فِي «2» معنى شرط، مثله من الكلام أن تَقُولَ: والله لأضربنّك أو تُقِرَّ لي: فيكون معناهُ معنى حَتَّى أو إلا، إِلَّا أنَّها جاءت بِحرف نَسَق. فمن العرب من يَجعل الشرط مُتْبعًا للذي قبله، إن كانت فِي الأول لام كَانَ فِي الثاني لام، وإن كَانَ الأول منصوبًا أو مجزومًا نَسَقوا عَلَيْهِ كقوله: (أَوْ لَتَعُودُنَّ) ومن العرب من ينصب ما بعد أوْ ليُؤذن نصبُه بالانقطاع عمّا قبله. وقال الشاعر «3» : لَتقعُدِنَّ مَقعدَ الْقَصِيِّ ... مِنِّي ذي القاذُورة الْمَقْلِيّ أَوْ تحلفي بربِّك العليِّ ... أَنِّي أَبُو ذيَّالِكِ الصبيّ فنصب (تحلفي) لأنه أراد: أن تحلفي. ولو قال أو لتحلفنّ كَانَ صوابًا ومثله قول امرئ القيس: بكى صاحبي لَمَّا رأى الدرب دونه ... وأيقنَ أنّا لاحقان بقيصرا «4»   (1) فى الطبري بعده: «ولا أرغب بها عن قبيلتى» فأفاد أن الشاعر من سنبص. وسنبس حى من طىء. (2) سقط فى ا. (3) هو بعض العرب، قدم من سفر فوجد امرأته قد ولدت غلاما فانكره. وانظر اللسان (ذا) فى حرف الألف اللينة فى أواخر الجزء العشرين وفى ب: «ليقعدن» . (4) من قصيدة له قالها حين ذهب إلى قيصر. وانظر الديوان ص 65 وما بعدها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 فقلت له لا تبك عينك إما ... نُحاولُ مُلْكًا أَوْ نَموتَ فَنُعْذرا فنصب آخره ورفع (نُحاول) عَلَى معنى إِلا أو حَتَّى. وَفِي إحدى القراءتين: (تُقَاتِلُونَهُمْ «1» أَوْ يُسْلِمُوا) والمعنى- والله أعلم- تقاتلونَهم حَتَّى يُسلموا. وقال الشاعر «2» : لا أستطيعُ نُزوعًا عَن مودّتها ... أَوْ يصنعَ الحبُّ بي غير الَّذِي صَنَعا وأنت قائل فِي الكلام: لست لأبي إن لَمْ أقتلك أو تسبقَْني فِي الأرض فتنصب (تسبقني) وتجزمها. كأنّ الجزم فِي جوازه: لستُ لأبي إن لَمْ يَكن أحدُ هذين، والنصبُ عَلَى أنّ آخره منقطع عَن أوله كما قالوا: لا يسعُني شيء ويَضيقَ عنك، فلم يَصْلُح أن تردّ (لا) عَلَى (ويضيق) فعلم أنها منقطعة من معناها. كذلك قولُ العرب: لو تُرِكْتَ وَالأسَدَ لأكلك لَمَّا جاءت الواو ترُدُّ اسمًا عَلَى اسم قبله، وقبح أن تردّ الفعل الَّذِي رَفَع الأوّل عَلَى الثاني نصب ألا ترى أنك لا تَقُولُ لو تُركت وتُرك الأسدُ لأكلك. فمِن هاهنا أتاهُ النصب. وجاز الرفع لأن الواو حرف نَسَق معروف فجاز فِيهِ الوجهان للعلتين. وقوله: ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي [14] معناهُ: ذَلِكَ لمن خاف مقامه بين يَدَيّ ومثله قوله: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ «3» ) معناهُ: رزقي إِيَّاكُم أنكم تكذِّبُون والعرب تُضيف أفعالها إلى أنفسها وإلى ما أوقعت عَلَيْهِ، فيقولون: قد ندمت عَلَى ضربي إيّاك وندمت عَلَى ضربك فهذا من ذَلِكَ وَاللَّهُ أعلم. وقوله: وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ [17] فهو يُسيغه. والعربُ قد تجعل (لا يَكادُ) فيما قد فُعل وفيما لَمْ يُفعل. فأمَّا ما قد فُعِل فهو بَيّن هنا من ذَلِكَ لأن الله عَزَّ وَجَلَّ يقول لَمَّا جعله لهم طعاما   (1) الآية 16 سورة الفتح. وهذه القراءة فى قراءة أبى وزيد بن على كما فى البحر 8/ 94. وهى من القراءات الشاذة. (2) هو الأحوص. (3) الآية 82 سورة الواقعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 (إِنَّ «1» شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ) فهذا أيضًا عذاب فِي بطونِهم يُسيغونه. وأَمَّا ما دخلت فِيهِ (كاد) ولم يفعل فقولك فِي الكلام: ما أتيته ولا كدِتُ، وقول الله عَزَّ وَجَلَّ فِي النور (إِذا «2» أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) فهذا عندنا- والله أعلم- أَنَّهُ لا يراها. وقد قَالَ ذَلِكَ بعضُ الفقهاء لأنَّها لا تُرى فيما هُوَ دون هَذَا من الظلمات، وكيفَ بِظلمات قد وُصفت بأشدّ الوصف. وقوله: ويأتيه الموت من كلّ مكان: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ: قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (يأتيه الموت) يَعْنِي: يَأْتِيهِ الْعَذَابُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ. حَدَّثَنِي هشيم عَن العوام بن حوشب عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ: من كل شَعَرة. وقوله: (وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) العربُ إذا كَانَ الشيء قد مات قالوا: ميْت وميِّت. فإن قالوا: هُوَ ميت إن ضربته قالوا: مائت وميّت. وقد قرأ بعضُ القراء (إِنَّكَ «3» مَائِتٌ وَإِنَّهُمْ مَائِتُون) وقراءة العوام عَلَى (ميّت) . وكذلك يقولون هَذَا سيّد قومه وما هُوَ بسائدهم عَن قليل، فيقولون: بسائدهم وسيّدهم، وكذلك يفعلونَ فِي كل نعت مثل طمع، يقال: طَمِعٌ إذا وُصف بالطمع، ويُقال هُوَ طامع أن «4» يُصيب منك خيرًا، ويقولون: هُوَ سكران إذا كَانَ فِي سكره، وما هُوَ ساكر عَن كثرة الشراب، وهو كريم إذا كَانَ موصوفًا بالكرم، فإن نويت كَرَمًا يكون منه فيما يُستقبل قلت: كارم. وقوله: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ [18] . أضافَ الْمَثَلَ إليهم ثُمَّ قَالَ (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ) والمثل للأعمال والعرب تفعل   (1) الآيات 43- 45 سورة الدخان (2) الآية 40 سورة النور (3) فى الآية 30 سورة الزمر. وهذه القراءة قراءة الحسن وابن محيصن، كما فى الإتحاف [ ..... ] (4) ا: «إذ» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 ذَلِكَ: قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ (وَيَوْمَ «1» الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) والمعنى تَرَى وجوهَهم مسودّة. وَذَلِكَ عربيّ لأنَّهم يَجدونَ المعنى فِي آخر الكلمة فلا يبالونَ ما وقع عَلَى الاسم المبتدأ. وَفِيهِ أن تكرَّ ما وقع عَلَى الاسم المبتدأ عَلَى الثاني كقوله (لَجَعَلْنا لِمَنْ «2» يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً) فأعِيدَت اللام فِي البيوت لأنَّها التي تُرادُ بالسقف ولو خفضت ولم تظهر اللام كَانَ صوابا كما قال الله عز وجل (يَسْئَلُونَكَ «3» عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) . فلو خفض قارئ الأعمال فقال (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ) كَانَ جائزًا ولم أسمعه في القراءة. وقد أنشدني بعضهم: ما للجمَالِ مَشْيِهَا وئيدًا ... أجندلًا يحملن أَمْ حديدًا «4» أرادَ ما للجمال ما لمشيها وئيدًا. وقال الآخر «5» : ذرِيني إِن أمركِ لن يُطاعا ... وما ألفيتني حِلْمِي مُضَاعَا فالحلمُ منصوبٌ بالإلقاء عَلَى التكرير ولو رفعته كَانَ صَوَابًا. وقال (فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) فجعل العصوف تابعًا لليوم فِي إعرابه، وإنَّما العصُوف للريح. وَذَلِكَ جائز عَلَى جهتين، إحداهما أن العصوفَ وإن كَانَ للريح فإن اليوم يوصف بِهِ لأن الريح فِيهِ تكون، فجاز أن تَقُولَ يوم عاصف كما تَقُولُ: يوم بارد ويوم حار. وقد أنشدني بعضهم: يومين غيمين ويوما شمسا   (1) الآية 60 سورة الزمر (2) الآية 33 سورة الزخرف (3) الآية 217 سورة البقرة (4) من رجز للزباء فى قصة لها. ووئيدا: له صوت شديد يريد شدة وطئها الأرض من ثقل ما تحمله فيسمع لوقعها صوت. وانظر شواهد العيني على هامش الخزانة 2/ 448. (5) هو عدى بن زيد العبادي، كما فى شواهد العيني فى البدل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 فوصف اليومين بالغيمين وإنَّما يكون الغيم فيهما. والوجه الآخر أن يريد فِي يوم عَاصِفِ الريحِ فتحذف الريح لأنَّها قد ذكرت فِي أوّل الكلمة كما قَالَ الشاعر: فيضحكُ عرفانَ الدروع جلودُنا ... إذا جاء يوم مظلمُ الشمس كاسفُ يريد كاسف الشمس فهذان وجهان. وإن نويت أن تجعل (عاصف) من نعت الريح خاصَّة فلما جاء بعد اليوم أتبعته إعراب اليوم وَذَلِكَ من كلام العرب أن يُتبعوا الخفض الخفض إذا أشبهه. قَالَ الشاعر: كأَنَّما ضربت قدّام أعينِها ... قُطْنا بِمستحصِد الأوتارِ محلوج «1» وقال الآخر «2» : تريكَ سُنَّة وجه غيرِ مُقرفَةٍ ... مَلْسَاءَ لَيْسَ بِهَا خال وَلَا نَدَبُ قَالَ: سمعتُ الفراء قَالَ: قلت لأبي ثَرْوان وقد أنشدني هَذَا البيت بِخفض: كيف تَقُولُ: تريكَ سُنَّة وجه غير مقرفة؟ قَالَ: تريكَ سنّة وجه غَيْرَ مقرفة. قلت لَهُ: فأنشد فخفض (غير) فأعدتُ القول عَلَيْهِ فقال: الَّذِي تَقُولُ أنت أجود مِمّا أقول أنا وَكَانَ إنشاده عَلَى الخفض. وقال آخر «3» : وإيَّاكم وَحَيَّةَ بطنِ وادٍ ... هَمُوزِ النابِ ليسَ لكم بِسِيّ وَمِمَّا يرويه نحويُّونا الأوَّلون أن العرب تَقُولُ: هَذَا جُحْرُ ضَبّ خَرِبٍ. والوجهُ أن يقول: سُنَّةَ وجه غيْرَ مقرفة، وحَيَّةَ بطنِ واد هَموزَ النابِ، وهذا جُحْرٍ ضبّ خربٌ. وقد ذكر عن   (1) أراد بمستحصد الأوتار مندفا متينا. وقوله: «محلوج» من صفة (قطنا) وكان حقه النصب، ولكنه جره على المجاورة. (2) هو ذو الرمة فى بائيته المشهورة. والسنة: الصورة. والمقرفة. التي دنت من الهجنة، وهو عيب. والندب الأثر من الجراح. وانظر الديوان 4 (3) هو الحطيئة كما فى اللسان (سوا) والهمز: العض. وسى: مساو وانظر الخصائص 3 هما 22 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 يَحْيَى بن وثّاب أَنَّهُ قرأ (إِنَّ «1» اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) فخفض المتين وبه أَخَذَ الأعمش. والوجه أن يرفع (المتين) أنشدني أَبُو الْجَرّاح الْعُقَيْلي: يا صاحِ بَلِّغ ذَوِي الزوجَاتِ كُلِّهم ... أن لَيْسَ وصلٌ إذا انحلّت عُرا الذَّنْب «2» فأتبع (كل) خفض (الزوجات) وهو منصوب لأنه نعت لذوي. وقوله: مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ [22] أي الياء منصوبة لأن الياء من المتكلم تسكن إذا تَحرك ما قبلها وتُنصب إرادة الْهَاء «3» كما قرئ (لَكُمْ «4» دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (ولي دين) فنصبت وجُزِمت. فإذا سَكن ما قبلها رُدّت إلى الفتح الَّذِي كَانَ لَهَا. والياء من (مُصْرِخِيّ) ساكنة والياء بعدها من المتكلم سَاكنة فحرِّكت إلى حَركة قد كانت لَهَا. فهذا مُطَّرِد فِي الكلام. ومثله (يَا بَنِيَّ «5» إِنَّ اللَّهَ) ومثله (فَمَنْ تَبِعَ «6» هُدايَ) ومثله (مَحْيايَ «7» وَمَماتِي) . وقد خفض الياء من قوله (بِمُصْرِخِيّ) الأعمش «8» ويحيى بن وثَّاب جَميعًا. حَدَّثَنِي القاسم بن مَعْن عَن الْأَعْمَش عَن يَحْيَى أَنَّهُ خفض الياء. قَالَ الفراء: ولعلها من وَهْم القراء طبقة يَحْيَى فإنه قل من سلم منهم من الوهم. ولعله ظَنَّ أن الباء فِي (بِمصرخي) خافضة للحرف كله، والياء من المتكلم خارجة من ذَلِكَ. ومِمّا نرى أنَّهم أوهموا فِيهِ قوله (نُوَلِّهِ «9» مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) ظنّوا- والله   (1) الآية 58 سورة الذاريات (2) هو لأبى الغريب وهو أعرابى أدرك دولة العباسيين. وانظر الخزانة 2/ 325. (3) أي هاء السكت كأن تقول فى غلامى: غلاميه (4) الآية 6 سورة الكافرين. وهو يريد القراءة بالياء (دينى) وهى قراءة سلام كما فى البحر المحيط، وهى من الشواذ (5) الآية 132 سورة البقرة [ ..... ] (6) الآية 38 سورة البقرة (7) الآية 162 سورة الأنعام (8) وقرأ به حمزة كما فى الإتحاف (9) الآية 115 سورة النساء. وهو يريد قراءة تسكين الهاء فى (نوله) و (نصله) وهى قراءة أبى عمرو وأبى بكر وحمزة كما فى الإتحاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 أعلم- أن الجزم فِي الْهَاء وَالْهَاء فِي موضع نصب، وقد انجزم الفعل قبلها بسقوط الياء منه. ومِمّا أوهموا فِيهِ قوله (وَمَا «1» تَنَزَّلَتْ بِهِ الشّياطونُ) وحدث مَنْدَلُ بن عَليّ الْعَنْزِيّ عَن الأعمش قَالَ: كنتُ عند إِبْرَاهِيم النَّخَعيّ وطلحة بن مُصَرِّف [يقرأ] (قَالَ «2» لِمَنْ حوله ألا تستمعون) بنصب اللام من (حوله) فقال إبراهيم: ما تزال تأتينا بحرف أشنع، إنما هي (لِمَنْ حَوْلَهُ) قال قلت: لا، إنما هي (حوله) قال: فقال إِبْرَاهِيم يا طلحة كيف تَقُولُ؟ قَالَ: كما قلتَ (لِمَنْ حَوْلَهُ) قَالَ الأعمش. قلت: لحنتما لا أجالسكما اليوم. وقد سمعت بعض العرب يُنشد: قَالَ لَهَا هَلْ لك يا تافيّ ... قالت لَهُ مَا أنتَ بالمرضِيّ «3» فخفض الياء من (فِيّ) فإن يك ذَلِكَ صحيحًا فهو مِمَّا يلتقي من الساكنين فيُخفض الآخر منهما، وإن كَانَ لَهُ أصل فِي الفتح: ألا ترى أنهم يقولون: لَمْ أره مُذُ اليوم ومُذِ اليوم والرفعُ فِي الذالِ هُوَ الوجه لأنه أصل حركة مُذْ والخفضُ جائز، فكذلك الياء من مصرخيّ خُفضت وَلَهَا أصل فِي النصب. وقوله (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ) هَذَا قول إبليس. قَالَ لَهُم: إني كنت كفرت بِما أشركتمون يعني بالله عَزَّ وَجَلَّ (مِنْ قَبْلُ) فجعل (ما) فِي مذهب ما يؤدي عَن الاسم 89 ب. وقوله: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ [27] رفعَت المثل بالكاف التي فِي شجرة. ولو نصبت المثل «4» . تُريد: وضرب الله مثلَ كلمةٍ خبيثة. وهي فِي قراءة أُبَيّ (وضربَ مَثَلًا كَلِمَةً خَبِيثَةً) كشجرة خبيثة وكل صواب.   (1) الآية 210 سورة الشعراء. وهذه القراءة تنسب إلى الحسن (2) الآية 25 سورة الشعراء (3) من أرجوزة للأغلب العجلى، وانظر الخزانة 2/ 257 (4) الجواب محذوف أي لجاز. وفى الكشاف أنها قراءة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 وقوله: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [27] يُقال: بلا إله إلا الله فهذا فِي الدُّنْيَا. وإذا سُئِلَ عنها فِي القبر بعد موته قالَها إذا كَانَ من أهل السعادة، وإذا كَانَ من أهل الشقاوة «1» لَمْ يقلها. فذلك قوله- عَزَّ وَجَلَّ- (وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ) عنها أي عَن قول لا إله إلا الله (وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ) [29] أي لا تنكروا لَهُ قدرةً «2» ولا يُسألُ عما يفعل. وقوله: جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها [29] منصوبة على تفسير (دارَ الْبَوارِ) فردّ عليها ولو رفعت على الائتناف إذا انفصلت من الآية كَانَ صوابًا. فيكون الرفعُ عَلَى وجهين: أحدهما الابتداء. والآخر أن ترفعها بعائِد ذِكْرها كما قَالَ (بِشَرٍّ «3» مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) . وقوله: قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ [31] جُزِمَتْ (يُقِيمُوا) بتأويل الجزاء. ومعناهُ- والله أعلم- معنى أمر كقولك: قل لعبد الله يذهب عنا، تريد: اذهب عنا فجُزِمَ بِنيّة الجواب للجزم، وتأويله الأمر، ولم يجزم عَلَى الحكاية. ولو كَانَ جَزمُه عَلَى مَحْض الحكاية لَجَازَ أن تَقُولَ: قلت لكَ تذهبْ يا هَذَا «4» وإِنَّما جزمَ كما جُزِمَ قوله: دَعْهُ يَنَمْ، (فَذَرُوها «5» تَأْكُلْ) والتأويل- والله أعلم- ذَروهَا فَلْتَأْكُل. ومثله (قُلْ «6» لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ) ومثله (وَقُلْ «7» لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) . وقوله- تبارك وتعالى-: وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ [34] تضيف (كلّ) إلى (ما) وهي قراءة العامة. وقد قرأ بعضهم «8» (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ) وكأنَّهم ذهبوا إلى أنا لَمْ نسأل الله   (1) ا: «الشقوة» (2) ش، ب «قوة» (3) الآية 72 سورة الحج (4) ا: «فتى» (5) الآية 73 سورة الأعراف، والآية 64 سورة هود (6) الآية 14 سورة الجاثية [ ..... ] (7) الآية 53 سورة الإسراء (8) هى قراءة الحسن والأعمش كما فى الإتحاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 عَزَّ وَجَلَّ شمسَا ولا قمرًا ولا كثيرًا من نعمه، فقال: وآتاكم من كلٍّ ما لَمْ تسألوهُ فيكون (ما) جحدًا. والوجهُ الأول أعجبُ إليّ لأن المعنى- والله أعلم- آتاكم من كلِّ مَا سَألْتُموهُ لو سألتموه، كأنك قلت: وآتاكم كل سُؤْلكم، أَلا ترى أنك تَقُولُ للرجل لَمْ يسأل شيئًا: والله لأعطينّك سُؤْلَكَ: ما بلغته مسألتك وإن لم تسأل. وقوله: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ [35] أَهلُ الحجاز يقولون: جَنبني «1» ، هي خفيفة. وأهل نَجد يقولون: أَجنبني شرَّه وجَنِّبني شرَّه. فلو قرأ «2» قارئ: (وَأَجْنِبْنِي وَبَنِيَّ) لأصابَ ولم أسمعه من قارئ. [قوله: إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي.. [37]] وقال (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) ولم يأت منهم بشيء يقع عَلَيْهِ الفعل. وهو جائز: أن تَقُولَ: قد أصَبنا من بني فلان، وقتلنا من بني فلان وإن لم تقل: رجالًا، لأن (مِن) تؤدي عَن بَعض القوم كقولك: قد أصبنا من الطعام وشربنا من الماء. ومثله (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ «3» الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ) . وقوله (تَهْوِي إِلَيْهِمْ) يقول: اجعل أَفئِدَةً من الناس تريدهم كقولك: رأيتُ فلانًا يَهْوِي نَحوك أي يريدك. وقرأ بعضُ القرّاء (تَهْوِي إِلَيْهِم) بنصب الواو، بِمعنى تهواهم كما قال (رَدِفَ «4» لَكُمْ) يريدُ ردفكم، وكما قالوا: نَقدت لَهَا مائة أي نَقدتها. وقوله: لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ [43] رفعت الطرف بيرتد واستأنفت الأفئدة فرفعتها بِهواء كما قَالَ فِي آل عمران (وَما يَعْلَمُ «5» تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) استأنفتهم فرفعتهم بيقولون لا بيعلم.   (1) سقط فى ب (2) فى الكشاف أنه قرئ بها (3) الآية 50 سورة الأعراف (4) الآية 72 سورة النمل (5) الآية 7 سورة آل عمران الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 وقوله: يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ: [44] رفع تابع ليأتيهم وليسَ بِجواب للأمر ولو كَانَ جوابًا لَجَازَ نصبه ورفعه، كما قَالَ الشاعر «1» : يَا ناقَ سِيرِي عَنَقًا فسِيحا ... إلى سليمان فنستريحا والرفع على الاستئناف. والائتناف بالفاء فِي جواب الأمر حسن، وَكَانَ شيخٌ لنا يُقال لَهُ: العلاء بن سَيابة- وهو الَّذِي علم مُعَاذا الْهَرَّاء وأصحابه- يقول: لا أنصب بالفاء جَوَابًا للأمر. وقوله: وَتَبَيَّنَ لَكُمْ [45] وأصْحَابُ عبد الله: (وَنُبَيِّنْ «2» لَكُمْ) . وقوله: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ [46] . فأكثر القراء عَلَى كسر اللام ونصب الفعل من قوله (لِتَزُولَ) يريدونَ: ما «3» كانت الجبالُ لتزول من مكرهم. وقرأ عبد الله بن مسعود (وَمَا كانَ مكرُهم لتزولَ منه الجبال) حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي جاز لَنَا مِنَ الْقُرَّاءِ يُقَالُ لَهُ غَالِبُ بْنُ نَجِيحٍ- وَكَانَ ثِقَةً وَرِعًا- أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقْرَأُ: (وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ) بِنَصْبِ «4» اللامِ الأُولَى وَرَفْعِ الثَّانِيَةِ. فَمَنْ قَرَأَ: (وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ) فَعَلَى مَعْنَى قِرَاءَةِ عَلِيٍّ أَيْ مَكَرُوا مَكْرًا عَظِيمًا كَادَتِ الْجِبَالُ تَزُولُ مِنْهُ. وقوله: فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ [47] أضفت (مُخْلف) إلى الوعد ونصبت الرسل عَلَى التأويل «5» . وإذا كَانَ الفعل يقع عَلَى شيئين مختلفين مثل كسوتك الثوب وأدخلتك الدار فابدأ   (1) هو أبو النجم العجلى. كما فى شواهد العيني وكما فى كتاب سيبويه 1/ 421 (2) أي بالجزم، وقد نسب القرطبي هذه القراءة إلى أبى عبد الرحمن السلمى. انظر تفسيره 9/ 379 والجزم بالعطف على قوله: «أو لم تكونوا» وفى البحر المحيط 5/ 436 أنه روى عنه أيضا الرفع (3) أي أن «إن» نافية (4) هى قراءة الكسائي (5) جعله على التأويل إذا كان الأصل تقديمه على «وعده» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 بإضافة الفعل إلى الرجل فتقول: هُوَ كاسي عَبدِ الله ثوبًا، ومُدْخلُه الدار. ويَجوز: هُوَ كاسي الثوب عبدَ الله وَمُدْخل الدار زيدًا، جاز ذَلِكَ لأن الفعل قد يأخذ «1» الدار كأخذه عبد الله فتقول: أدخلت الدار وكسوت الثوب. ومثله قول الشاعر: ترى الثور فيها مُدخلَ الظلِّ رأسَه ... وَسائره بادٍ إلى الشمس أجمعُ «2» فأضافَ (مُدْخل) إلى (الظل) وَكَانَ الوجه أن يضيف (مدخل) إلى (الرأس) ومثله: رُبّ ابن عمَّ لسُلَيمى مشمعلّ ... طبَّاخَ ساعَاتِ الكرى زاد الكسلْ «3» ومثله: فرِشْني بخير لا أكونَنْ ومِدْحتي ... كناحت يوم صخرةً بعَسِيل «4» وقال آخر: يا سارقَ الليلةِ أهلَ الدار «5» فأضافَ سَارقًا إلى الليلة ونصب (أهل الدار) وَكَانَ بعض النحويين ينصب (الليلة) ويَخفض (أهل) فيقول: يا سارق اللَّيْلَةَ أهلِ الدار. وكناحت يومًا صخرةٍ   (1) أن يعمل وينصب (2) يصف هاجرة ألجأت الثيران إلى كنسها، فترى الثور قد أدخل رأسه فى ظل كناسه لما يجده من شدة الحرارة وسائر جسده بارز للشمس وانظر سيبويه 1/ 92 [ ..... ] (3) من رجز لجبار بن جزء ابن أخى الشماخ. والمشمعل: الجاد فى الأمور الخفيف فيما يأخذ فيه. والكرى النوم. وهو يصف عمه الشماخ وسلمى امرأة الشماخ وكان ابن عمها. يمدح الشماخ بخفته فى خدمة إخوانه فهو يطبخ زاد الكسلان فى وقت النوم ويكفيه أمره. وانظر ديوان الشماخ 109، وكتاب سيبويه 1/ 90 والخزانة 2/ 172- (4) راشه: نفعه وأصلح حاله والعسيل: مكنسة العطار، وهو شعر يكنس به الطيب، والمراد أنه لا فائدة فيه كمن ينحت الصخرة بهذه المكنسة. (5) رجز ورد فى كتاب سيبويه 1/ 89. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 وليس ذَلِكَ «1» حسنًا فِي الفعل ولو كَانَ اسمًا لكان الَّذِي قالوا أَجْوز. كقولك: أنت صَاحِبُ اليومَ أَلْفِ دينارٍ، لأن الصَّاحِب إِنَّما يأخذ واحدًا ولا يأخذ الشيئين، والفِعل قد ينصب الشيئين، ولكن إذا اعترضت صفة بين خافض وما خَفَض جاز إضافته مثل قولك: هذا ضارب فى الدار أخيه، ولا يَجوز إلا فِي الشعر، مثل قوله: تَرَّوَحَ فِي عِمِّيَّةٍ وأَغاثه ... عَلَى الماء قوم بالهراوات هُوجُ «2» مؤخِّر عَن أنيابه جلدِ رأسه ... لَهُنّ كأشباه الزِّجَاج خُرُوج «3» وقال الآخر «4» : وكرَّار دونَ الْمجْحَرِينَ جَوادِه ... إذا لَمْ يُحام دون أنثى حليلُهَا وزعم الْكِسَائي أنَّهم يؤثرونَ النصب إذا حالوا بين الفعل المضاف بصفة فيقولون: هُوَ ضارِبُ فِي غير شيء أخاهُ، يتوهَّمُونَ إذ حالوا بينهما أنَّهم نوَّنوا. وليس قول من قَالَ (مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِه) ولا (زَيَّنَ «5» لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) بشيء، وقد فُسِّرَ «6» ذَلِكَ. ونحويُّو أهل المدينة يُنشدونَ قوله: فَزَجَجَتُها مُتَمكِّنًا ... زَجَّ الْقَلوصَ أبي مزاده «7»   (1) ا: «بحسن» . (2) العمية: الضلالة والكبر. والهراوات العصى. و «هوج» ضبط في ا: «هوج» وهو لا يستقيم مع البيت الذي بعده «خروج» فالظاهر أن يضبط «هوج» بسكون الواو جمع أهوج، ويراد به المتسرع العجل. (3) كأنه يريد بتأخير جلد رأسه عن أنيابه أنه كالأسد يكشر عن أسنانه ويبديها ولا يطبق رأسه على أسنانه فيخفيها. وبذكر أن أنيابه لها خروج أي بروز وظهور كأطراف الزجاج. والزجاج جمع زج، وهو الحديدة فى أسفل الرمح. (4) هو الأخطل يمدح همام بن مطرف التغلبي. والمحجر: الملجأ الذي غشيه عدوه. يصفه بالشجاعة والإقدام، فاذا فر الرجال عن أزواجهم منهزمين وأسلموهن للعدو كر جواده يدافع عنهم. وانظر كتاب سيبويه 1/ 90. (5) هذه قراءة ابن عامر. (6) انظر ص 357 من الجزء الأول. (7) انظر ص 358 من الجزء الأول من هذا الكتاب، وشرح المفصل 3/ 19. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 قَالَ الفراء: باطل والصواب: زَجَّ الْقَلوصِ أبُو مزاده قوله: سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ [50] عَامَّةُ القراء مُجْمِعونَ عَلَى أنَّ القطِران حرف «1» واحد مثل الظَّرِبان. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَّرَهَا (مِنْ قَطِرانٍ» ) : قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ، قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَلِكَ. قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا، وَهُوَ مِنْ قوله: (قالَ «3» آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) . ومن سورة الحجر قوله عَزَّ وَجَلَّ: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ [4] يُقال: كيف دخلت (رب) عَلَى فعل لَمْ يكن لأن مودَّة الَّذِينَ كفروا إِنَّما تكون فِي الآخرة؟ فيقال: إن القرآن نزل وعدُه ووعيده وما كَانَ فِيهِ، حَقًّا «4» فإنه عِيان، فجرى الكلامُ فيما لَمْ يكن منه كمجراهُ فِي الكائن. ألا ترى قوله عَزَّ وَجَلَّ: (وَلَوْ تَرى «5» إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) وقوله: (وَلَوْ تَرى «6» إِذْ فَزِعُوا) كأنه ماض وهو منتظر لصدقه فِي المعنى، وأن القائل يقول إذا نَهَى أو أمر فعصاهُ المأمور: أما والله لرُبّ ندامةٍ لكَ تَذكرُ قولي فيها، لعلمه أَنَّهُ سيندم ويقول: فقول الله عَزَّ وَجَلَّ أصْدق من قول المخلوقين.   (1) هذا مقابل الوجه الآتي فى القراءة عن ابن عباس فانه حرفان: قطر وآن. (2) هذا تفسير للآنى. والقطر هو النحاس أو الصفر المذاب. (3) الآية 96 سورة الكهف. (4) متعلق بقوله: «نزل» . [ ..... ] (5) الآية 12 سورة السجدة. (6) الآية 51 سورة سبأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 وقوله: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ [4] لو لَمْ يكن فِيهِ الواو كَانَ صَوَابًا كما قَالَ فِي موضع آخر: (وَما أَهْلَكْنا «1» مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) وهو كما تَقُولُ فِي الكلام: مَا رأيتُ أحدًا إلا وَعَلَيْهِ ثياب وإن شئت: إلا عَلَيْهِ ثياب. وكذلك كل اسم نكرة جاء خبره بعد إلَّا، والكلام فِي النكرة تام فافعل ذَلِكَ بصلتها بعد إِلَّا. فإن كَانَ الَّذِي وقع عَلَى النكرة ناقصًا فلا يكون إلا بطرح الواو. من ذَلِكَ، ما أظن درهمًا إلا كافيَك ولا يَجوز إلا وهو كافيك، لأن الظنّ يَحتاجُ إلى شيئين، فلا تعترض بالواو فيصير الظن كالمكتفي من الأفعال باسم واحد. وكذلك أخوات ظننت وَكَانَ وأشباهُها وإن وأخواتها (وإنّ «2» ) إذا جاء الفعلُ بعد (إلَّا) لَمْ يكن فِيهِ الواو. فخطأ أن تَقُولُ: إن رجلًا وهو قائم، أو أظن رجلًا وهو قائم، أو ما كَانَ رجل إلا وهو قائم. ويَجوز فِي لَيْسَ خاصة أن تَقُولَ: لَيْسَ أحد إلا وهو هكذا «3» ، لأن الكلام قد يُتوهم تَمامه بليس وبِحرف نكرة ألا ترى أنك تَقُولُ: لَيْسَ أحد، وما من أحد فجازَ ذَلِكَ فيها ولم يَجُز فِي أَظن، ألا ترى أنك لا تَقُولُ مَا أظنّ أَحدًا. وقال الشاعر: إذا ما سُتورُ البيت أُرْخين لَمْ يكن ... سراج لنا إلا ووجهُك أنور فلو قيل: إِلَّا وجهك أَنْور كَانَ صوابًا. وقال آخر: وما مَسَّ كفي من يد طاب ريحها ... من الناس إلا ريحُ كفَّيك أَطيبُ فجاء بالواو وبغير الواو. ومثله قوله: (وَما «4» أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ)   (1) الآية 208 سورة الشعراء. (2) كذا فى الأصول. ويظهر أنها زيادة من الناسخ. (3) ش: «كهذا» . (4) الآية 20 سورة الفرقان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 فهذا الموضع لو كَانَ فِيهِ الواو صَلح ذَلِكَ. وإذا أدخلت فِي (كَانَ) جَحْدًا صلح ما بعد (إِلَّا) فيها بالواو وبِغير الواو. وإذا أدخلت الاستفهام وأنت تنوي بِهِ الجحد صلح فيها بعد (إلا) الواو وطرح الواو. كقولك: وَهل كَانَ أحد إِلا وله حرص عَلَى الدُّنْيَا، وإلا لَهُ حرص عَلَى الدُّنْيَا. فأمّا أصبح وأمسى ورأيت فإن الواو فيهنّ أسهل، لأنهن/ 91 اتوامّ (يعني «1» تامّات) فِي حال، وَكَانَ وليس وأظن بُنينَ عَلَى النقص. ويَجوز أن تَقُولُ: لَيْسَ أحد إلا وله معاش: وإن ألقيت الواو فصواب، لأنَّكَ تَقُولُ: لَيْسَ أحد فتقف فيكون كلاما. وكذلك لا فى التبرئة وغيرها. تَقُولُ: لَا رجل ولا مِن رجل يَجوز فيما يعود بذكره بعد إِلَّا الواو وغير الواو فِي التمام ولا يجوز ذَلِكَ فِي أظن من قبل أن الظن خِلْقته الإلغاء: أَلَا ترى أنك تَقُولُ: زيد قائم أظن، فدخول (أظن) للشك فكأنه مستغنى عَنْهُ، وليس بنفي ولا يكون عَن النفي مُستغنيًا لأنّك إنّما تُخبر بالخبر عَلَى أَنَّهُ كائن أو غير كائن، فلا يُقال للجحد: إنه فَضل من الكلام كما يُقال للظن. وقوله: مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ [5] ولم يقل (تستأخر) لأن الأمَّة لفظها لفظٌ مؤنَّثٌ، فأُخرج أول الكلام عَلَى تأنيثها، وآخره عَلَى معنى الرجال. ومثلها (كُلَّ مَا جاءَ «2» أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ) ولو قيل: كذبته كَانَ صوابًا وهو كَثِير. وقوله: لَوْ ما تَأْتِينا [7] ولولا ولو ما لغتان فِي الخبر والاستفهام فأمّا الخبر فقوله (لَوْلا «3» أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) . وقال الشاعر: لو ما هوى عرس كميت لم أبل   (1) سقط ما بين القوسين فى ا. (2) الآية 44 سورة المؤمنين. (3) الآية 31 سورة سبأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 وهما ترفعانِ ما بعدهما. وأمّا الاستفهام فقوله: (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) وقوله (لَوْلا أَخَّرْتَنِي «1» إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) وَالمعنى- وَاللهُ أعلم-: هلّا أَخَّرْتني. وقد استعملت العرب (لولا) فى الخبر وكثربها الكلام حَتَّى استجازوا أن يقولوا: لولاك ولولاي، والمعنى فيهما كالمعنى فِي قولك: لولا أنا ولولا أنت فقد توضع الكاف عَلَى أنها خفض والرفع فيها الصواب. وَذَلِكَ أنا لَمْ نَجد فيها حرفًا ظاهرًا خُفِض، فلو كَانَ مِمّا يخفض لأوشكت أن ترى ذَلِكَ فِي الشعر فإنه الَّذِي يأتي بالمستجاز: وإنّما دعاهم إلى أن يقولوا: لولاك فِي موضع الرفع لأنهم يجدونَ المكنّى يستوي لفظه فِي الخفض والنصب، فيقال: ضربتك ومررت بك ويَجدونه يستوي أيضًا فِي الرفع والنصب والخفض، فيقال ضربنا ومريّنا، فيكون الخفض والنصب بالنون ثُمَّ يُقال قمنا ففعلنا فيكون الرفع بالنون. فلمّا كَانَ ذَلِكَ استجازوا أن يكون الكاف فِي موضع (أنت) رفعًا إذْ كَانَ إعراب المكنّى بالدلالات لا بالحركات. قَالَ الشاعر: أيطمعُ فينا مَنْ أراقَ دماءَنا ... وَلَوْلاكَ لَمْ يعرض لأحسابنا حَسَمْ وقال آخر: وَمنزلةٍ لولَايَ طِحْتَ كَمَا هَوَى ... بِأَجْرامِهِ مِنْ قُلَّةِ النِّيق مُنْهوِي «2» وقوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [9] يُقال: إنَّ الْهَاء التي فِي (لَهُ) يُراد بِهَا القرآن (حافِظُونَ) أي راعون: ويُقال: إن الْهَاء لِمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وإنا لمحمد لحافظون. وقوله: كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ [12] الْهَاء فِي (نَسْلُكُهُ) للتكذيب أي كذلك نسلك التكذيب. يقول: نجعله فِي قلوبِهم ألَّا يؤمنوا.   (1) الآية 10 سورة المنافقين. (2) من قصيدة ليزيد بن الحكم الثقفي يعاتب فيها ابن عمه عبد الرحمن بن عثمان. وانظر كتاب سيبويه 1/ 388. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 وقوله: وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا [14] يعني الملائكة فظلَّت تصعد من ذَلِكَ الباب وتنزل (لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) ويقال (سكرت «1» ) ومعناهما متقارب. فأما سكّرت فحبست، العرب: تَقُولُ: قد سَكَرت الريحُ إذا سَكَنَت وركدت. ويُقال: أُغشيت، فالغشاء والحيس قريبٌ من السّواء. وقوله: فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ [18] يقول: لا يخطنه، إِمّا قَتَلَهُ وَإِمَّا خبَّله. وقوله: وَالْأَرْضَ مَدَدْناها [19] أي دَحَوْنَاها وهو الْبَسْطُ (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها) أي فِي الجبال (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) يقول: من الذهب والفضَّة والرَّصَاص والنّحاس والحديد فذلك الموزون. وقوله: وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ [20] أراد الأرض (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) فمن فِي موضع نصب يقول: جعلنا لكم فيها المعايش والعبيد والإماء. قد جاء أنَّهم الوحوش والبهائم و (مَن) لا يُفرد بِهَا البهائم ولا ما سوى الناس. فإن يَكن ذَلِكَ عَلَى ما رُوي فَنَرى أنهم أُدخل فيهم المماليك، عَلَى أنا ملّكنا كم العبيد والإبل والغنم وما أشبه ذَلِكَ، فجازَ ذَلِكَ. وقد يُقال: إن (مَن) فِي موضع خفض يُراد: جعلنا لكم فيها معايش ولِمن. وما أقلّ ما ترد العرب مخفوضًا عَلَى مخفوض قد كُنِيَ عَنْهُ. وقد قَالَ الشاعر «2» : تُعلَّق فِي مثل السواري سُيُوفنا ... وما بينها والكَعْبِ غَوْط نفانف فردّ الكعب عَلَى (بينها) وقال آخر: هلَّا سألت بذي الجماجم عنهم ... وأبى نعيم ذى اللّواء المحرق   (1) هى قراءة بن كثير. (2) هو مسكين الدارمي كما فى الحيوان. والسواري جمع سارية وهى الأسطوانة يريد أنهم طوال القامات. والغوط: المتخنض من الأرض. والنفانف جمع نفنف وهو الهواء بين الجبلين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 فردّ (أبي نعيم) عَلَى الْهَاء فِي (عنهم) . وقوله: وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ [22] وتقرأ (الريح) قرأها حَمْزَةُ «1» . فمن قَالَ الرِّيحَ لَوَاقِحَ) فجمع اللواقحَ والريحُ واحدة لأن الريح فِي معنى جَمع ألا ترى أنك تَقُولُ: جاءت الريح من كل مكان، فقيل: لواقح لذلك. كما قيل: تركته فِي أرض أغفال وسَبَاسب «2» (قَالَ «3» الفراء: أغفال: لا علم فيها) ومهارق «4» وثوب أخلاق. ومنه قول الشاعر: جاء الشتاءُ وقمِيصِي أخلاقْ ... شراذمٌ يضحكُ مِنْه التَّواقْ «5» وأمّا من قال (الرياح لواقح) فهو بَيّن. ولكن يُقال: إِنَّما الريح مُلَقِحة تُلْقِح الشجر. فكيفَ قيل: لواقح؟ ففي ذَلِكَ معنيان أحدهما أن تَجعل الريح هي التي تَلْقَح بِمرورها عَلَى التراب والماء فيكون فيها اللَّقَاح، فيقال: ريح لاقح. كما يُقال: ناقة لاقح. ويشهد عَلَى ذَلِكَ أنَّهُ وصف ريح العذاب فقال: (عليهم «6» الريح العقيم) فجَعلها عقيمًا إِذْ لَمْ تَلْقَح. والوجهُ الآخر أن يكون وصفها باللَّقْح وإن كانت تُلِقح كما قيل: ليل نائم والنوم فِيهِ، وسرّ كاتم وكما قيل: الناطق المبروز والمختوم «7»   (1) وهى أيضا قراءة خلف. [ ..... ] (2) جمع سبسب. وهى المفازة أو الأرض البعيدة المستوية. (3) سقط ما بين القوسين فى ش. (4) جمع مهرق. وهو هنا: الصحراء الملساء. (5) فى اللسان (خلق) أن التواق ابن الراجز. (6) الآية 41 سورة الذاريات. (7) هذا عجز بيت للبيد وصدره: أو مذهب جدد على ألواحه وقبله: فكأن معروف الديار بقادم ... براق غول فالرجام وشوم فقوله: «أو مذهب» عطف على قوله: «وشوم» فقد شبه معروف الديار فى دقته بالوشوم أو بالمذهب أي لوح كتابة مطلى بالذهب عليه خط بارز أو مبرز، وخط مختوم: غير واضح. وانظر الخصائص 1/ 193. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 فجعله مبروزًا عَلَى غير «1» فعل، أي إن ذلك من صفاته فجاز مفعول لمُفْعَل، كما جازَ فاعِل لِمفعول إذ لَمْ «2» يردَّ البناء عَلَى الفعل. وقوله: وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ [24] وَذَلِكَ أنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إن الله وملائكته يُصلُّونَ عَلَى الصفوف الْأُوَلِ فِي الصلاة، فابتدرها الناس وأراد بعض المسلمين أن يبيع داره النائية ليدنو من المسجد فيدركَ الصفّ الأول فأنزل الله- عَزَّ وَجَلَّ- (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) «3» فإنَّا نجزيهم عَلَى نيّاتِهم فقرَّ الناسُ. [قوله: مِنْ صَلْصالٍ [26]] . ويُقال: إن الصلصال طين حُرّ خُلِطَ برمل فصار يصلصل كالفَخَّار والمسْنون: المتغير والله أعلم أخذ من سَنَنْتُ الْحَجَر عَلَى الحجر، والذي يَخرج مما بينهما يُقال لَهُ: السَّنين. وقوله: مِنْ نارِ السَّمُومِ [27] . يُقال: إنَّها نارُ دونها الْحِجَاب. قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي حبان عَنْ رَجُلٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ- الْجَانَّ أَبَا الْجِنِّ مِنْ نَارِ السَّمُومِ وَهِيَ نَارٌ دُونَهَا الْحِجَابُ (وَهَذَا الصَّوْتُ الَّذِي تَسْمَعُونَهُ عِنْدَ الصَّوَاعِقِ مِنَ انْعِطَاطِ «4» الْحِجَابِ) . وقوله: فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ [29] . سُجود تَحيَّة وطاعة لا لربوبيّة وهو مثل قوله فى يوسف (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) «5» .   (1) ولو جاء على الفعل لقال: «مبرز» من أبرزه، ولا يقال: برزه. (2) هذا الضبط من ا، وهو من الرد. ولو ضبط «يرد» من الإرادة كان له وجه. (3) ا: «وإنا» . (4) سقط ما بين القوسين فى ش. والانعطاط: الانشقاق. (5) الآية 100 سورة يوسف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 وقوله: إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [40] ويقرأ (الْمُخْلِصِينَ) «1» فمَن كسر اللام جعل الفعل لَهُم كقوله تبارك وتعالى (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ) «2» ومن فتح فالله أخلصهم كقوله: (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ «3» بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) وقوله: هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ [41] . يقول: مرجعهم إليّ فأجازيهم. وهو كقوله تبارك وتعالى (إِنَّ رَبَّكَ «4» لَبِالْمِرْصادِ) فِي الفجر. فيجوز فِي مثله من الكلام أن تَقُولَ لِمَن أوعدته: طريقك عَليّ وأنا عَلَى طريقك: ألا ترى أَنَّهُ قَالَ (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) فهذا كقولك: أنا على طريقك. (صِراطٌ عَلَيَّ) أي هَذَا طريقٌ عَليّ وطريقُك عَليّ. وقرأ بعضهم «5» (هَذَا صِرَاطٌ عَليٌّ) رَفع يجعله نعتًا للصراط كقولك: صراط مرتفع مستقيم. وقوله: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ [44] يعنى: من الكفّار (جُزْءٌ مَقْسُومٌ) يقول: نصيب معروف. والسبعة الأبواب أطباق بعضها فوق بعض. فأسفلها الهاوية، وأعلاها جهنم. وقوله: أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ [54] لو لَمْ يكن فيها (عَلَى) لكان صوابًا أيضًا. ومثله (حَقِيقٌ «6» عَلى أَنْ لا أَقُولَ) وَفِي قراءة عبد الله (حَقِيقٌ بِأَنْ لَا أَقُولَ) ومثله فِي الكلام أتيتك أنك تعطي فلم أجدك تُعطي، تريد: أتيتكَ عَلَى أنك تعطي فلا أراك كذلك. وقوله: (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) النون منصوبة لأنه فعل لَهُم لَمْ يذكر مفعول «7» . وهو جائز فى الكلام.   (1) كسر اللام لغير نافع وعاصم وحمزة والكسائي وأبى جعفر وخلف كما فى الإتحاف (2) الآية 146 سورة النساء. (3) الآية 46 سورة ص. [ ..... ] (4) الآية 14. (5) هى قراءة يعقوب والحسن كما فى الإتحاف. (6) الآية 105 سورة الأعراف. (7) كذا. والأولى: «مفعوله» أو سقط «له» والأصل: «له مفعول» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 وقد كَسَر أهل «1» المدينة يريدونَ أن يجعلوا النون مفعولًا بِهَا. وكأنّهم شدّدوا النون فقالوا (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قالُوا) ثم خفّفوها والنِّيَّة عَلَى تثقيلها كقول عَمْرو بن معدي كرب: رأته كالثُّغَام يُعَلُّ مِسْكًا ... يسوء الفالياتِ إذا فَلَيْنِي «2» فأُقسم لو جعلتُ عَليّ نَذْرًا ... بطعنةِ فارس لقضَيتُ دَيْنِي وقد خففت العرب النون من أن الناصبة ثُمَّ أنفذوا لَهَا نصبها، وهي أشد من ذا. قَالَ الشاعر: فلو أَنْكِ فِي يوم الرخاء سألتني ... فراقَكِ لَمْ أبخل وأنت صديق فما رُدَّ تزويج عَليه شهادة ... وما رُدَّ من بعد الْحَرار عَتِيقُ «3» وقال آخر «4» : لقد علم الضَّيْفُ والْمُرْمِلُونَ ... إذا اغبرَّ أُفْقٌ وهبَّتْ شَمَالا بأنْك الربيعُ وغيث مَرِيع ... وقدْمًا هناك تكون الثِّمَالا وقوله: وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ [66] أنَّ مفتوحة عَلَى أن ترد عَلَى الأمر فتكون فِي موضع نصب بوقوع القضاء عليها. وتكون نَصْبًا آخر بسقوط الخافض منها أي قضينا ذَلِكَ الأمر بِهذا. وهي فِي قراءة عبد الله (وَقُلْنَا إِنّ دابِرَ) فعلى هَذَا لو قرىء بالكسر لكان وجها. وأما (مُصْبِحِينَ) إذا أصبحوا، ومشرقين إذا أشرقوا. وَذَلِكَ إذا شرقت الشمس. والدابر: الأصل. شرقت: طلعت، وأشرقت: أضاءت.   (1) يريد نافعا. (2) الهاء فى (رأته) لشعره، الثغام ثنت له نور أبيض شبه به الشيب. ويعل: يطيب شيئا بعد شىء. وانظر سيبويه 2/ 154، والخزانة 2/ 445. (3) مخاطب أو أنه وقد سألته الطلاق. ويريد بيوم الرخاء، ما قبل إحكام عقد لنكاح والحرار الحرقة والخلوص من الرق. وانظر الخزانة 2/ 465. (4) أي شخص آخر وهو جنوب أخت عمرو ذى الكلب ترثيه. والمرملون: الذين نفدت أزوادهم ويقال: أرمل، واغبرار الأفق يكون فى الشتاء لكثرة الأمطار وهو زمن الجدب. والمريع الخصيب. والشمال الغياث. وانظر الخزانة 4/ 352. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 وقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [85] يُقال: للمتفكرين. ويُقال للناظرين المتفرسين. قوله: الأَيْكَةِ [78] قرأها الأعمش وعاصم والحسن البصرىّ: (الأيكة) بالهمز فِي كل القرآن. وقرأها أهلُ المدينة كذلك إلا فِي الشعراء وَفِي ص فإنَّهم جَعلوها بغير ألف ولام ولم يُجروها. ونرى- والله أعلم- أنّها كتبت فِي هذين الموضعين عَلَى ترك الْهَمْز فسقطت الألف لتحرك اللام. فينبغي أن تكون القراءة فيها بالألف واللام لأنَّها موضع واحد فِي قول الفريقين، والأيكة: الغيضة. وقوله: وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ [79] يقول: بطريق لَهم يَمرونَ عليها فِي أسفارِهم. فجعل الطريق إمامًا لأنّه يُؤَمّ ويُتَّبع. وقوله تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمنين [82] أن تَخرَّ عليهم. ويُقال: آمنين للموت. وقوله: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي [87] يعني فاتحة الكتاب وهي سبع آيات فِي قول أهل المدينة وأهل العراق. أهل المدينة يعدون «1» (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) آية. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرّحيم آيَةٌ مِنَ الْحَمْدِ. وَكَانَ حَمْزَةُ يَعُدُّهَا آيَةً وَآتَيْنَاكَ (الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) . وقوله: إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ [89] كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ [90] يقول: أنذرتكم ما أُنزل بالمقتسِمين. والمقتسمون رجال من أهل مكَّة بعثهم أهل مكَّة عَلَى عِقَابَها «2» أيَّام الحج فقالوا: إذا سألكم الناس عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقولوا: كاهن. وقالوا لبعضهم قولوا: ساحر، ولبعضهم: يفرق   (1) أي لما لم يعدوا البسملة آية من الفاتحة عدوا أنعمت عليهم آية وبذلك كانت الآيات سبعا أما من عد البسملة آية فلا يعد (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) آية. (2) العقاب جمع عقبة وهى المرقى فى الجبل أو الطريق فيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 بين الاثنين ولبعضهم قولوا: مجنون، فأنزلَ الله تبارك وتعالى بِهم خزيًا فماتوا أو خمسة منهم شرَّ مِيتة فسمّوا المقتسمين لأنَّهم اقتسموا طرق مكّة. وقوله: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [91] يقول: فَرَّقُوه إذ جعلوه سِحرًا وكذبًا وأساطيرَ الأولين. والعِضُونَ فِي كلام العرب: السحر بعينه. ويُقال: عضَّوهُ أي فَرَّقُوهُ كَما تُعضَّى الشاة والْجَزور. وواحدة الْعِضِين عِضَة رفعها عِضُون ونصبها وخفضها عِضِين. ومن العرب من يجعلها بالياء عَلَى كل حال ويُعْرِبُ نونها فيقول: عِضِينُك، ومررتُ بعضِينِك وسنينك وهي كثيرة فِي أَسَد وَتَمِيم. وَعَامِر. أنشدني بعض بني عَامِر: ذرانِي من نَجْدٍ فإن سِنِينَه ... لعبنَ بنا شِيبا وشَّيبننا مُرْدا مَتى نَنج حَبْوًا من سنينٍ ملحّة ... نشمّر لأخرى تنزل الأعصم الفردا «1» وأنشدنى فِي بعض بني أسد: مثل الْمَقَالِي ضُربت قُلينُها «2» من القلة وهي لُعبة للصبيان، وبعضهم: إلى بُرين الصُّفْر الْمَلْويات «3» وواحد الْبُرِينِ بُرة. ومثل ذَلِكَ الثُّبين «4» وعِزِينٌ «5» يَجوز فِيهِ ما جاز فى العضين والسنين.   (1) الشعر للصمة بن عبد الله القشيري كما فى شواهد العيني فى مبحث الإعراب 1/ 170 على هامش الخزانة. والأعصم من الظباء والوعول: ما فى ذراعيه أو إحداهما بياض وسائره أسود أو أحمر. والعصم تسكن أعالى الجبال. (2) المقالى جمع المقلى أو المقلاء، والقلون جمع القلة. والقلة والمقلاء عودان يلعب بهما الصبيان. فالقلة خشبة قدر ذراع تنصب والمقلاء يضرب به القلة. وفى شفاء العليل فى حرف الناف أنها كات تسمى فى أيام المؤلف عقلة. (3) البرون جمع البرة وهى الحلقة من صفر أو غيره تجعل فى أنف البعير والصفر النحاس. (4) جمع ثبة وهى الجماعة والعصبة من الفرسان. وتجمع الثبة أيضا على ثبات. [ ..... ] (5) العزون جمع العزة وهى العصبة من الناس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 وإنَّما جاز ذَلِكَ فِي هَذَا المنقوص الَّذِي كَانَ عَلَى ثلاثة أحرف فنقصت لامه، فلمّا جَمعوهُ بالنون توهّموا أَنَّهُ فُعُول إذ جاءت الواو وهي وَاوُ جماع، فوقعت فِي موضع الناقص، فتوهّموا أنها الواو الأصلية وأَنَّ الحرف عَلَى فُعُول أَلا ترى أنَّهم لا يقولون ذَلِكَ فِي الصالِحين والمسلمين وما أشبهه. وكذلك قولهم الثبات واللغات، وربُّما «1» عرَّبوا التاء منها بالنصب والخفض وهي تاء جِمَاع ينبغي أن تكون خفضًا فِي النصب والخفض، فيتوهَّمون أنَّها هاء، وأن الألف قبلها من الفعل. وأنشدني بعضهم: إذا ما جَلَاها بالأيام تحيرت ... ثباتا عليها ذلّها واكتثابها «2» وقال أَبُو الجراح فِي كلامه: ما من قوم إلا وقد سمعنا لغاتهم- قَالَ قَالَ الفراء: رجع أَبُو الجراح فِي كلامه عَن قول لغاتَهم- ولا يَجوز ذَلِكَ فِي الصالِحات والأخوات لأنّها تامة لَمْ يُنقص من واحدها شيء، وما كَانَ من حرف نُقص من أوّله مثل زِنة ولدة ودِيَة فإنه لا يُقاس عَلَى هَذَا لأن نقصه من أوَّله لا من لامه فما كَانَ منه مؤنثًا أو مُذكرًا فأجرهِ عَلَى التامّ مثل الصالِحين والصالِحات تقولُ رأيت لداتِك ولِدِيكَ ولا تقل لِدِينَك ولا لداتَك إلا أن يغلط بِهَا الشاعر فإنه ربَّما شبّه الشيء بالشيء إذا خرج عَن لفظه، كما لَمْ يُجْرِ «3» بعضهم أَبُو سمَّان والنون من أصله من السمن لشبهه بلفظ رَيّان وشبهه. وقوله: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [94] ولم يقل: بِما تُؤْمر بِهِ- والله أعلم- أراد: فاصدع بالأمر. ولو كَانَ مكان (ما) مَنْ أو ما مما يرادُ بِهِ الْبَهَائِم لأدخلت بَعدها الباء كما تَقُولُ: اذهب إلى من تؤمر بِهِ واركب ما تؤمر بِهِ، ولكنه فِي المعنى بِمنزلة المصدر ألا ترى أنك تقول: ما أحسن   (1) الأسوغ حذف الواو. (2) من قصيدة لأبى ذؤيب الهزلى. والبيت فى الحديث عن مشتار العسل. يقول: إنه اجتلى النحل بالأيام وهو الدخان أي أبرزها وأظهرها حين دخن عليها، وحينئذ تجمعت وتحيرت عصبا وفرقا وهى ذليلة إذ أحست أن المشتار غلبها وانظر ديوان الهذليين 1/ 79. (3) أي يصرف وينون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 ما تنطلق لأنك تريد: ما أحسن انطلاقك، وما أحسن ما تأمر إذا أَمَرْتَ لأنَّكَ تريدُ مَا أحسنَ أمرك. ومثله قوله «1» (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ) كأنه قيل لَهُ: افعل الأمر الَّذِي تؤمر. ولو أريد بِهِ إنسان أو غيره لَجازَ وإن لَمْ يظهر الباء لأن العرب قد تَقُولُ: إني لآمرك وآمر بك وأكفرك وأكفر بك فِي معنى واحد. ومثله كَثِير، منه قولهم: إذا قَالَتْ حَذَامِ فأنصتُوها ... فإنّ القول ما قالت حَذَامِ «2» يريدُ: فأنصتوا لَهَا، وقال الله تبارك وتعالى (أَلا إِنَّ «3» ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ) وهي فِي موضع (يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ) و (كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) واصدع: أظهر دينك. ومن سورة النحل [قوله: سبحانه وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ] . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي عِمَاد بن الصلت الْعُكْلي عَن سَعِيد بْن مسروق أَبِي سُفْيَان عَن الربيع بن خَيْثَم «4» أَنَّه قرأ (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا تُشْرِكُونَ) الْأُولى والتي بَعْدَها كلتاهما «5» بالتاء: وتقرأ بالياء. فمن قَالَ بالتاء فكأنه خاطبهم ومن قرأ بالياء فكأنَّ القرآن نَزَلَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ (سُبْحانَهُ) يعجِّبه من كفرهم وإشراكهم. وقوله: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ [2] بالياء، و (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) بالتاء «6» . وقراءة أصحاب عبد الله (ينزّل الملائكة) بالياء.   (1) الآية 102 سورة الصافات. (2) سبق هذا البيت فى ص 215 من الجزء الأول. (3) الآية 68 سورة هود. (4) فى ا: «خثيم، بتقدم المثلثة على الياء. والتصويب من الخلاصة. وكانت وفاته سنة 64 هـ (5) وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف. (6) هذه قراءة ردح عن يعقوب، ووافته الحسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 وقوله: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ [5] نصبت (الأنعامَ) بخلقها لَمَّا كانت فِي الأنعام واو. كذلك كل فعل عاد عَلَى اسم بِذكرِه، قبل الاسم واو أو فاء أو كلام يُحتمل نُقْلة الفعل إلى ذَلِكَ الحرف الَّذِي قبل الاسم ففيه وجهان: الرفعُ والنصب. أَمَّا النصب فأن تَجْعَل الواو ظَرْفًا للفعل. والرفع أن تَجْعَل الواو ظرفًا للاسم الَّذِي هى معه. ومثله (وَالْقَمَرَ «1» قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) (وَالسَّماءَ بَنَيْناها «2» بِأَيْدٍ) وهو كَثِير. ومثله: (وَكُلَّ إِنسانٍ «3» أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ) (وَكُلَّ شَيْءٍ «4» أَحْصَيْناهُ) . والوجه فِي كلام العرب رفع كُلّ «5» فِي هذين الحرفين، كَانَ فِي آخره راجع من الذكر أو لَمْ يكن لأنه فِي مذهب ما من شيء إِلَّا قد أحصيناهُ فِي إمام مُبين والله أعلم. سمعت العرب تُنشد: ما كُلُّ مَنْ يظَّنُّنِي أنا مُعْتب ... ولا كلُّ ما يُرْوَى عَليَّ أقول «6» فلم يوقع عَلَى (كلّ) الآخرة (أقول) ولا عَلَى الأولى (مُعْتب) . وأنشدني بعضهم: قد عَلِقت أمُّ الْخِيَار تَدَّعِي ... عليَّ ذَنْبا كلُّه لَمْ أصْنع وقرأ علىّ بعض العرب بسورة يس. (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) رفعًا قرأها غير مَرّة. وأمّا قوله: (وَكُلُّ شَيْءٍ «7» فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) فلا يكون إلا رفعًا لأن المعنى- والله أعلم-   (1) الآية 39 سورة يس. (2) الآية 47 سورة الذاريات. (3) الآية 13 سورة الإسراء. (4) الآية 12 سورة يس والآية 29 سورة النبأ. [ ..... ] (5) أي لفظ كل فى الآيتين الأخيرتين. (6) انظر ص 140 من الجزء الأول. (7) الآية 52 سورة القمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 كلُّ فعلهم فِي الزبر مكتوب، فهو مرفوع بِفي و (فَعلوه) صلة لشيء. ولو كانت (فِي) صلة لفعلوه فِي مثل هَذَا من الكلام جاز رفع كل ونصبها كما تَقُولُ: وكلّ رجل ضربوه فِي الدار، فإن أردت ضَرَبوا كلّ رجل فِي الدار رفعت ونصبت. وإن أردت: وكلّ من ضربوه هُوَ فِي الدار رفعت. وقوله: (لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) وهو ما ينتفع بِهِ من أوبارها. وكتبت بغير هَمز لأن الهمزة إذا سكن ما قبلها حذفت من الكتاب، وَذَلِكَ لِخفاء الْهَمْزَة إذا سُكت عليها، فلمّا سكن ما قبلها ولم يقدِروا عَلَى همزها فِي السكت كَانَ سكوتهم كأنه عَلَى الفاء. وكذلك قوله: (يُخْرِجُ الْخَبْءَ) و (النَّشْأَةَ) «1» و (مِلْءُ الْأَرْضِ) واعمل فِي الْهَمْز بِمَا وجدت فِي هذين الحرفين. وإن كتبت الدِّفء فِي الكلام بواو فِي الرفع وياء فِي الخفض وألف فِي النصب كَانَ صَوَابًا. وَذَلِكَ عَلَى ترك الْهَمْز ونقل إعراب الْهَمْزَةِ إلى الحرف الَّذِي قبلها. من ذَلِكَ قول العرب. هَؤُلَاءِ نَشء صِدْق، فإذا طرحُوا الْهَمْزَةَ قالوا: هَؤُلَاءِ نَشُو صِدْق ورأيت نَشَا صِدْق ومررتُ بِنَشي صدق. وأجود من ذَلِكَ حذف الواو والألف والياء لأن قولهم: يسل أكثر من يسال، ومسلة أكثر من مسالة وكذلك بين الْمَر وزوجه إذا تركت الْهَمْزَةُ. والمنافع: حملهم عَلَى ظهورها، وأولادُها وألبانها. والدفء: ما يلبسونَ منها، ويبتنونَ من أوبارها. وقوله: حِينَ تُرِيحُونَ [6] أي حين تريحونَ إبلكم: تردّونَها بين الرعي ومباركها يُقالُ لها الْمُرَاح. والسروح بالغداة (قَالَ «2» الفرّاء) إذا سعت للرعى.   (1) كذا وقد يكون النشأ حتى تكون الهزة بسكت عليها. (2) سقط ما بين القوسين فى ا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 وقوله: بِشِقِّ الْأَنْفُسِ [7] أكثر الْقُرَّاء عَلَى كسر الشِّين ومعناها: إِلَّا بجَهْد الأنفس. وكأنه اسم وكأن الشَّقّ فِعْل كما تُوهِّم أن الْكُرْه الاسم وأن الْكَرْه الفعل. وقد قرأ بِهِ بعضهم «1» (إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) وقد يجوز فى قوله: (بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) أن تذهب إلى أن الْجَهد ينقص من قوة الرجل ونَفْسه حَتَّى يجعله قد ذَهَب بالنصف من قوّته، فتكون الكسرة عَلَى أَنَّهُ كالنصف والعرب تَقُولُ: خذ هَذَا الشِّقّ لشقّة الشاة ويُقال: المالُ بيني وبينك شَقّ الشعرة وشِقّ الشَّعَرة وهما متقاربان، فإذا قالوا شققت عليْكَ شَقًّا نصبوا ولم نسمع غيره. وقوله: وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ [8] تنصبها بالردّ عَلَى خَلَق. وإن شئت جعلته منصوبًا عَلَى إضْمَار سَخّر: فيكون فِي جَواز إضماره مثل قوله: (خَتَمَ «2» اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) من «3» نصب فِي البقرة نصب الغشاوة بإضمار (وجعل) ولو رفعت (الخيلَ والبغالَ والحميرَ) كَانَ صوابًا من وجهين. أحدهما أن تَقُولَ: لَمّا لَمْ يكن الفعل معها ظاهرًا رفعته عَلَى الاستئناف. والآخر أن يُتوهّم أن الرفع فِي الأنعام قد كَانَ يصلح فتردّها عَلَى ذَلِكَ كأنك قلت: والأنعامَ خلقها، والخيلُ والبغالُ عَلَى الرفع. وقوله عزّ وجلّ: (لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) ، ننصبها: ونجعلها زينة عَلَى فعل مضمر، مثل وَحِفْظاً «4» مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ) أي جعلناها. ولو لَمْ يكن فِي الزينة ولا فى (وَحِفْظاً) واو لنصبتها بالفعل الَّذِي قبلها لا بالإضمار. ومثله أعطيتك درهمًا ورغبة فِي الأجر، المعنى أعطيتكه رغبةً. فلو ألقيت الواو لَمْ تَحتج إلى ضَمير لأنه متصل بالفعل الَّذِي قبله. وقوله: وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ [9] يقال: هداية الطرق. ويقال السبيل، الإسلام   (1) هو أبو جعفر كما فى الإتحاف وقد وافقه اليزيدي راوى أبى عمرو، وخالف فى هذا أبا عمرو. (2) الآية 7 سورة البقرة. (3) هو المفضل كما فى البحر المحيط 1/ 49. (4) الآية 9 سورة الصافات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 (وَمِنْها جائِرٌ) ، يقال: الجائر اليهوديّة والنصرانية. يدلّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ «1» القول قوله (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) . وقوله: تُسِيمُونَ [10] ترعون إبلكم. وقوله: مَواخِرَ فِيهِ [14] واحدها «2» ماخِرة وهو صوت جَرْي الْفُلْك بالرياح، وقد مَخَرت تَمْخَر وتمخُرُ. وقوله: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [16] يُقال: الْجَدْي والفَرْقَدان. وقوله: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ [17] جعل (مَنْ) لغير الناس لَمَّا مَيَّزه فجعله مع الخالِق وصَلح، كما قَالَ: (فَمِنْهُمْ «3» مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) والعرب تَقُولُ: اشتبه عَليّ الراكب وحمله فما أدرى من ذا من «4» ذا، حيث جمعهما واحدهما إنسان صلحت (مَن) فيهما جَميعًا. وقوله: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ [21] رفعته بالاستئناف. وإن شئت رددته إلى أَنَّهُ خبر للذين فكأنه قَالَ: والذين تَدْعونَ من دون الله أَمْوات. الأموات فِي غير هَذَا الموضع أنَّها لا رُوح فيها يعني الأصنام. ولو كانت نصبًا عَلَى قولك يُخلقونَ أمواتًا عَلَى القطع «5» وَعَلَى وقوع الفعل أي ويخلقونَ «6» أمواتًا ليسوا بأحياء. وقوله: (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) يقول: هي أموات فكيف تشعر متى تُبعث، يعنى   (1) هذا بدل من قوله: «هذا» . (2) الأولى: «واحدتها» . (3) الآية 45 سورة النور. (4) فى تفسير الطبري: «ومن ذا» . (5) كانه يريد الحال. [ ..... ] (6) كأن الأصل: لا يخلقون أمواتا، وهذا بالبناء للفاعل وما قبله بالبناء للمفعول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 الأصنام. ويقال للكفار: وما يشعرون أيّان. وقرأ أَبُو عبد الرحمن السُّلَميّ (أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) بكسر ألف (إِيَّان) وهي لغة لسُلَيم وقد سمعت بعض العرب يقول: متى إيوان «1» ذاك والكلام أوان ذَلِكَ. وقوله: وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ [30] جَنَّاتُ عَدْنٍ [31] . ترفع الجنات لأنه اسم لنعم كما تَقُولُ: نعم الدار دارٌ تنزلها. وإن شئت جَعلت (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) مكتفيًا بِما قبله، ثُمَّ تستأنف الجنات فيكون رفعها على الاستئناف. وإن شئت رفعتها بما عاد من ذكرها فى (يَدْخُلُونَها) . وقوله: إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ [38] قَرأها أصحابُ «2» عبد الله (يَهِّدي) يريدون: يهتدي مَن يُضلّ. والعربُ تَقُولُ للرجل: قد هَدَّى الرجلُ يريدون: اهتدى. ومثله (أَمَّنْ لا يَهِدِّي «3» إِلَّا أَنْ يُهْدى) ، حَدَّثَنَا «4» مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَسَن بن عيَّاش أخو أبي بكر بن عَيّاش وقيس بن الربيع وغيرهما عَن الأعمش عَن الشعبي عَن عَلقمة أَنَّهُ قرأ (لا يهدى من يضل) كذلك. وقرأها أهلُ الحجاز (لا يُهْدَى من يُضلُّ) وهو وجهٌ جيّد لأنّها فِي قراءة أُبَيّ (لا هَادي لِمَن أضلّ الله) ومَنْ فِي الوجهين جَميعًا فِي موضع رفع ومن قَالَ (يُهْدَى) كانت رَفعًا إذ لَمْ يسم فاعلها ومن «5» قَالَ (لا يَهْدِي) يريد: يَهتدي يكون الفعل لمن.   (1) كذا فى الأصول. وفى اللسان (أون) نقلا عن الكسائي، وفيه (أين) نقلا عن الفراء: «أوان» وكأن ما هنا إن صح نشأ من إشباع كسرة الهمزة. (2) هى قراءة عاصم وحمزة والكسائي وخلف كما فى الإتحاف. (3) الآية 35 سورة يونس وهو يريد قراءة حمزة والكسائي وخلف بفتح الياء وإسكان الهاء وتخفيف الدال (4) سقط ما بين القوسين فى ا. (5) كذا والأولى حذف الواو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 وقوله: بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا [38] بَلى ليبعثنَّهم وعدًا عَلَيْهِ حقًّا. ولو كَانَ رفعًا عَلَى قوله: بَلى ذَلِكَ وعد عَلَيْهِ حقٌّ كَانَ صوابًا. وقوله: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [40] القول مرفوع بقوله: (أَنْ نَقُولَ) كما تَقُولُ: إِنَّما قولنا الحق. وأَمَّا قوله (فَيَكُونُ) فهي منصوبة «1» بالردّ عَلَى نقول. ومثلها التي فِي يس منصوبة، وقد رَفعها أكثرُ القراء. وَكَانَ الْكِسَائي يردّ الرفع فِي النحل 94 ب. وَفِي يس «2» وهو جائز عَلَى أن تجعل (أَنْ تَقُولَ لَهُ) كلامًا تامًا ثُمَّ تُخبر بأنه سيكون، كما تَقُولُ للرجل: إِنَّما يكفيه أن آمره ثُمَّ تَقُولُ: فيفعلُ بعد ذَلِكَ ما يُؤمر. وقوله: (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا [41] ذُكِرَ أنَّها نزلت فِي عَمَّار وصُهَيْب وبِلال ونظرائِهم الَّذِينَ عُذِّبُوا بمكّة (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) : نزول المدينة، ولنحَلِّلَنَّ لَهُم الغنيمة. و (الذين) موضعها رفع. وقوله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا [43] ثم قال: بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ [44] بعد إلا وَصِلَةُ ما قبل إلا لا تتأخر بعد إِلّا. وَذَلِكَ جائز عَلَى كلامين. فمن ذَلِكَ أن تَقُولُ: ما ضربَ زَيْدًا إِلّا أخوك، وما مر بزيد إِلّا أخوك. (فإن قلت ما ضرب [سقط فى ا] إلا أخوك زيدًا أو ما مرّ إلا أخوك بزيد) فإنه عَلَى كلامين تريدُ مَا مَرّ إِلَّا أخوك ثُمَّ تَقُولُ: مَرّ بزيد. ومثله قولُ الأعشى: وليس مُجيرًا إن أتى الحيَّ خائِفُ ... ولا قائلًا إِلَّا هُوَ المتَعَيَّبَا «3»   (1) النصب قراءة ابن عامر والكسائي. (2) فى الآية 82. (3) من قصيدة له يهجو فيها عمرو بن المنذر ويعاتب بنى سعد بن قيس. ويذكر هذا فى وصف الغريب عن قومه وما يلاقيه من هوان وعجز، فهو لا يستطيع أن يجير خائفا، وإذا قيل فى المجلس قول معيب نسب إليه. والمتعيب من تعيبه عابه ونقصه، وهو وصف للقول. وانظر ديوانه نشر الدكتور كامل حسين ص 113. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 فلو كَانَ عَلَى كلمة واحدة كَانَ خطأ لأن المتعيّب من صلة القائِل فأخّره ونوى كلامين فجازَ ذَلِكَ. وقال الآخر: نُبِّئْتُهُمْ عَذَّبُوا بالنار جارتهُمْ ... وهل يعذِّب إِلَّا اللهُ بالنّارِ «1» ورأيتُ الْكِسَائي يجعل (إِلّا) مع الجحد والاستفهام بِمنزلة غير فينصب ما أشبه هَذَا عَلَى كلمة واحدة، واحتجّ بقول الشاعر «2» : فلم يَدْرِ إِلَّا اللهُ ما هيَّجت لَنَا ... أَهِلَّةُ أناءِ الديار وشامُهَا ولا حجَّة لَهُ فِي ذَلِكَ لأنّ (ما) فِي موضع أي «3» فلها فعل مضمر عَلَى كلامين. ولكنه حَسُن قوله، يقول الله عَزَّ وَجَلَّ (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا) «4» فقال: لا أجد المعنى إِلَّا لو كَانَ فيهما آلهة غير الله لفسدتا، واحتجّ بقول الشاعر «5» : أبنِي لُبَيْنَى لستُم بِيَدٍ ... إِلا يدٍ ليست لَهَا عَضد فقال لو كَانَ المعنى إِلَّا كَانَ الكلام فاسدًا فِي هَذَا لأنِّي لا أقدر فِي هَذَا البيت عَلَى إعادة خافض بضمير وقد ذهب هاهنا مذهبًا. وقوله: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ [47] جاء التفسير بأنه التنقص. والعربُ تَقُولُ: تَحوَّفته بالحاء: تنقّصته من حَافَاته. فهذا الَّذِي سَمعت. وقد أتى التفسير بالخاء و (هو «6» معنى) . ومثله ممّا قرىء   (1) «جارتهم» كذا فى ا، ش. والمعروف فى الرواية: «جارهم» . (2) هو ذو الرمة. والأنآء جمع نؤى، وهو ما يحفر حولى البيت يمنع المطر، والأهلة جمع هلال، وهو هنا ما استقوس واعوج من الأنآء، والشام جمع شامة وهى العلامة. وانظر الديوان 636. (3) يريد أن (ما) استفهامية كأى الاستفهامية وليست موصولة فهى ليست معمولة للفعل السابق لأن الاستفهام له الصدر. (4) الآية 22 سورة الأنبياء. (5) هو أوس بن حجر. وانظر الكتاب 1/ 362، وشرح المفصل 2/ 90، واللسان فى (عبد) . [ ..... ] (6) فى الطبري «هما بمعنى» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 بوجهين قوله (إِنَّ «1» لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا) و (سبخا) «2» بالحاء والخاء. والسَّبخ: السعة. وسمعت العرب تَقُولُ: سَبِّخي صُوفك وهو شبيه بالندف، والسَّبح نحو من ذَلِكَ، وكلّ صَواب بِحمد الله. وقوله: يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ [48] الظِّلّ يرجع عَلَى كل شيء من جوانبه، فذلك تفيّؤه. ثُمَّ فَسَّر فقال: (عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ) فوحّد اليمين وجَمَع الشمائل. وكل ذَلِكَ جائز فِي العربية. قَالَ الشاعر «3» : بِفِي الشامتين الصخر إن كَانَ هدّني ... رَزِيّة شِبْلَيْ مُخْدر فِي الضراغم ولم يقل: بأفواهِ الشامتين. وقال الآخر «4» : الواردون وثيم فى ذراسبأ ... قد عضَّ أعناقَهم جلدُ الجواميس وقال الآخر/ 95: فباست بنى عبس وأستاه طيّئ ... وباست بني دُودان حَاشَا بني نَصْرِ فجمع وَوَحَّد. وقال الآخر: كلوا فِي نصف بطنِكم تعيشوا ... فإنَّ زمانكم زَمَنٌ خميصُ «5» فجاء التوحيد لأن أكثر الكلام يُواجه بِهِ الواحد، فيقال: خذ عَن يمينك وعن شِمالك لأن المكلم واحد والمتكلّم كذلك، فكأنه إذا وَحّد ذهب إلى واحد من القوم، وإذا جَمَع فهو الَّذِي لا مسألة فِيهِ. وكذلك قوله:   (1) الآية 7 سورة المزمل. (2) هذه قراءة ابن يعمر وعكرمة وابن أبى عبلة كما فى البحر المحيط 8/ 363. وهى قراءة شاذة. (3) هو الفرزدق يرثى ابنين له. والمخدر: الأسد، والضراغم جمع ضرغم وهو الأسد أيضا. وانظر الديوان 764. (4) هو جرير فى هجاء عمر بن لجأ التيمي. والرواية فى الديوان طبعة بيروت 252: «تدعوك ثيم وثيم ... أراد بعض جلد الجواميس أنهم أسرى وفى أعناقهم أطواق من جلد الجواميس. (5) ورد فى أمالى ابن الشجري 1/ 311 و 2/ 38 و 343. وفيه: «تعفوا» فى مكان «تعيشوا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 بنى عقيل ماذه الخنافِقُ ... المالُ هَدْيٌ والنساءُ طالِقُ وجبل يأوي إِلَيْهِ السارق «1» فقال: طالق لأن أكثر ما يجري الاستحلاف بين الخصم والخصم، فجرى فِي الجمع عَلَى كثرة الْمُجرى فِي الأصل. ومثله (بِفِي الشامتين) وأشباهه. وقوله: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ [49] فقال: (مِنْ دابَّةٍ) لأن (ما) وإن كانت قد تكون عَلَى مذهب (الَّذِي) فإنها غير مؤقّتة، وإذا أبهمت غير موقّتة أشبهت الجزاء، والجزاء تدخل (من) فيما جاء من اسم بعده من النكرة. فيُقال: من ضربه من رجُل فاضربوه. ولا تسقط من فى هَذَا الموضع. وهو كَثِير فِي كتاب الله عزّ وجلّ. قال الله تبارك وتعالى (مَا أَصابَكَ «2» مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) وقال (وَمَنْ «3» يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) وقال «4» (أَوَلَمْ «5» يَرَوْا إِلى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) ولم يقل فِي شيء منه بطرح (مِنْ) كراهية أن تَشبه أن تكون حالًا لِمَن وَمَا، فجعلوهُ بِمَن ليدلّ عَلَى أَنَّهُ تفسير لِمَا ومن لأنهما غير مؤقّتتين، فكان دخول (من) فيما بعدهما تفسيرا لمعناهما، وَكَانَ دخول (مِن) أدلَّ عَلَى ما لَمْ يوقّت مِن مَنْ وما، فلذلك لَمْ تُلْقَيَا «6» . ومثله قول الشاعر: حاز لك الله ما آتاكَ من حسن ... وحيثما يقض أمرًا صالِحًا تكُنِ وقال آخر. عُمرا حَييت ومَن يشناكَ من أحد ... يَلْق الهوان ويلق الذلّ والغِيرا «7»   (1) الخنافق جمع خنفقيق وهى الداهية. وانظر الخصائص 2/ 62. (2) الآية 79 سورة النساء. (3) الآية 124 سورة النساء. (4) فى ا، ش، ب: «قوله» والمناسب ما أثبت وهو متصل بما قبله. (5) الآية 48 سورة النحل. (6) فى الطبري: «تلغيا» . (7) غير الدهر أحداثه وفى ب: «العبرا» ويظهر أنه تحريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 فدلّ مجيء أحدها هنا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يرد أن يكون ما جاء من النكرات حالًا للأسماء التي قبلها، ودلّ عَلَى أَنَّهُ مترجم «1» عَن «2» معنى من وما. ومما يدل أيضًا قول الله عَزَّ وَجَلَّ (وَما أَنْفَقْتُمْ «3» مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) لأن الشيء لا يكون حالًا، ولكنه اسم مترجم. وإنَّما ذكرت هَذَا لأن العرب تَقُولُ: لله دَرُّه من رجل، ثُمَّ يُلقون (من) فيقولون لله دره رجلًا. فالرجل مترجم (لِمَا «4» قبله) وليس بِحال، إنَّما الحال التي تنتقل مثل القيام والقعود، ولم تُرد لله دَرّه فِي حال رجوليته فقط، ولو أردت ذَلِكَ لَمْ تمدحه كل المدح لأنك إذا قلت: لله درّك قائِمًا، فإنَّما تمدحه فِي القيام وحده. فإن قلت: فكيف جاز سقوط من فِي هَذَا الموضع؟ قلت من قبل أن الَّذِي قبله مؤقت فلم أُبَلْ أن يخرج بطرح من كالحال، وَكَانَ فِي الجزاء غير موقت فكرهُوا أن تفسَّر حال عَن اسم غير موقّت فألزموها من. فإن قلت: 95 ب قد قالت العرب: ما أتاني من أحد وما أتاني أحد فاستجازوا إلقاء من. قلت: جاز ذَلِكَ إذ لَمْ يكن قَبل أحد وما أتى مثله شىء يكون الأحد لَهُ حالًا فلذلك قالوا: ما جاءني من رجل وما جاءني رجل. وقوله: وَلَهُ الدِّينُ واصِباً [52] معناهُ: دائمًا. يُقال: وَصَبَ يَصِب: دام. ويُقال: خالِصًا. وقوله: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [53] (ما) فِي معنى جزاء وَلَهَا فعل مضمر، كأنك قلت: ما يكن بكم من نعمة فمن الله لأن الجزاء لا بد لَهُ من فعل مجزوم، إن ظهر فهو جزم وإن لَمْ يظهر فهو مضمر كما قَالَ الشاعر:   (1) ضبط فى ابفتح الجيم والظاهر كسرها. [ ..... ] (2) ا: «على» . (3) الآية 39 سورة سبأ. (4) سقط فى ا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 إنِ الْعَقْلُ فِي أموالنا لا نضق بِهِ ... ذراعًا وإن صبرًا فَنعرفُ للصبر «1» أراد: إن يكن فأضمرها. ولو جعلت (ما بِكُمْ) فِي معنى (الَّذِي) جاز وجعلت صلته (بِكم) و (ما) حينئذ فِي موضع رفع بقوله (فَمِنَ اللَّهِ) وأدخل الفاء كما قَالَ تبارك وتعالى (قُلْ إِنَّ «2» الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) وكل اسم وصل، مثل من وما والذي فقد يَجوز «3» دخول الفاء فِي خبره لأنه مضارع للجزاء والجزاء قد يُجاب بالفاء. ولا يَجوز أخوك فهو قائم لأنه اسم غير موصول وكذلك مالك لي. فإن قلت: مالك جاز أن تَقُولَ: فهو لي. وإن ألقيت الفاء فصواب. وما ورد عليك فقسه عَلَى هَذَا. وكذلك النكرة الموصولة. تَقُولُ: رجل يقول الحق فهو أحب إليّ من قائل الباطل. وإلقاء الفاء أجود فِي كله من دخولها. والجُؤار «4» : الصوت الشديد. والثور يُقال لَهُ: قد جأرَ يَجْأَرُ جُؤارًا إذا ارتفعَ صوته من جوع أو غيره بالجيم. وكذلك (فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) وقوله: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ [57] نصب «5» لأنها مصدر، وفيها معنى من التعوّذ والتنزيه لله عَزَّ وَجَلَّ. فكأنّها بِمنزلة قوله (مَعاذَ «6» اللَّهِ) وبمنزلة (غُفْرانَكَ «7» رَبَّنا) . وقوله: (لَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) (ما) فِي موضع رفع ولو كانت نصبًا عَلَى: ويَجعلونَ لأنفسهم ما يشتهونَ لكان ذَلِكَ صوابًا. وإنمَّا اخترت الرفع لأن مثل ذا من الكلام يجعل مكان لهم لأنفسهم   (1) ورد البيت فى أمالى ابن الشجري 2/ 236، وقال: «أراد» إن يكن العقل أي إن تكن الدية، وقوله: (وإن صبرا) أي وإن نصبر صبرا بمعنى نحبس حبسا» وقوله: «نحبس» بالبناء للمفعول، وكانه يريد الحبس للقصاص، وقوله: فنعرف للصبر أي نخضع له ونقر. (2) الآية 8 سورة الجمعة. (3) ش: «يجاز» . (4) أي فى قوله تعالى فى الآية (فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) . (5) الحديث عن (سبحانه) . (6) فى الآيتين 23، 79 سورة يوسف. (7) فى الآية 285 سورة البقرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 ألا ترى أنك تَقُولُ: قد جعلت لنفسك كذا وكذا، ولا تَقُولُ: قد جعلت لك. وكل فعل أو خافض ذكرته من مكني عائد عَلَيْهِ مكنيًّا فاجعل مخفوضه الثاني بالنفس فنقول أنت لنفسك لا لغيرك، ثُمَّ تَقُولُ فِي المنصوب أنت قتلت نفسك وَفِي المرفوع أهلكتْكَ نفسك ولا تَقُولُ أهْلَكتك. وإنَّما أراد بإدخال النفس تفرقة ما بين نفس المتكلم وغيره. فإذا كَانَ الفعل واقعًا من مكنيّ عَلَى مكنيّ سواه لَمْ تُدخل النفس. تَقُولُ غلامك أهلك مالك ثُمَّ تكني عَن الغلام والمال فتقول: هُوَ أهلكه، ولا تَقُولُ: هُوَ أهلك نفسه وأنت تريدُ المال، وقد تقوله العرب فِي ظننت وأخواتها من رأيت وعلمت وحسبت فيقولون: أظنُّني قائِمًا، ووجدتُني صالِحًا لنقصانِهما وحاجتهما إلى خبر سوى الاسم. وربما اضطر الشاعر فقال: عدمتُني وفقدتُني فهو جائز، وإن كَانَ قليلًا قَالَ الشاعر- وهو جِرَان الْعَوْد-: لقد كَانَ بي عَن ضَرَّتين عدِمتُني ... وعمَا ألاقي منهما متَزحَزَح هي الْغُول والسعلاة حَلْقي منهما ... مُخَدَّشُ ما فوق التراقي مكدَّح وقوله: ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا [58] ولو كَانَ (ظل وجهه مسودٌّ) لكان صوابًا تجعل الظّلول للرجل ويكون «1» الوجه ومسود فِي موضع نصب كما قَالَ (وَيَوْمَ «2» الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) والظلول إذا قلت [96 ا] (مُسْوَدًّا) للوجه. وقوله: أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ [59] الْهُون فِي لغة قريش: الهوان وبعض بني تَميم يجعل الهون مصدرًا للشيء الهين. قَالَ الْكِسَائي: سمعتُ العرب تَقُولُ: إن كنت لقليل هون المئونة مذ اليوم. وقال: سمعت   (1) فى ش، ر «قد يكون» . (2) الآية 60 سورة الزمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 الهوان فِي مثل هَذَا المعنى من بني «1» إنسان قَالَ قَالَ «2» لبعير لَهُ ما بِهِ بأس غير هوانه، يقول: إنه هين خفيف الثمن. فإذا قالت العرب: أقبل فلان يَمْشِي على هَوْنه لَمْ يقولوه إلا بفتح الْهَاء، كقوله (يَمْشُونَ «3» عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) وهي السكينة والوقار. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي شُرَيك عَن جابر عَن عِكْرمة ومجاهد في قوله (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) قالا: بالسكينة والوقار، وقوله: (أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ) يقول: لا يدرى أيّهما يفعل: أيمسكه أم يدسه فِي التراب، يقول: بدفنها أم يصبر عليها وعلى مكروهها وهى الموؤدة، وهو مثل ضربه الله تبارك وتعالى: ثم فسر المثل في قوله: لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ [60] ولو كَانَ (مَثَلُ السَّوْءِ) نصبًا لجازَ، فيكون فِي المعنى عَلَى قولك: ضَرَب للذين لا يؤمنون مثل السوء، كما كَانَ فِي قراءة أُبَيّ (وضربَ «4» مَثَلًا كَلِمَةً خَبِيثَةً) وقراءة العوام هاهنا وَفِي إِبْرَاهِيم بالرفع لَمْ نسمع أحدًا نَصَب. وقوله: وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى [62] أنّ فِي موضع نصب لأنه عبارة عَن الكذب. ولو قيل «5» : (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) تجعل الكذب من صفة الألسنة واحدها كذُوبٌ وكُذُب، مثل رسولُ ورُسُل. ومثله قوله (وَلا تَقُولُوا «6» لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ) ، وبعضهم يخفض (الكذب) يجعله مخفوضًا باللام التي فِي قوله (لِمَا) لأنه عبارة عَن (ما) والنصب فِيهِ وجه الكلام، وبه قرأت العوام. ومعناهُ: ولا تقولوا لوصفها الكذب. وقوله (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) يقول: مَنسيّون فِي النار. والعربُ تَقُولُ: أفرطت منهم ناسا أي   (1) كذا و (إنسان) على هذا أبو قبيلة ولم أقف عليه. وقد يكون «فى» أي فم. (2) كذا بتكرر (قال) وكأن (قال) الأولى فاعلها الفراء و (قال) الثانية فاعلها العربي. [ ..... ] (3) الآية 63 سورة الفرقان. (4) الآية فى قراءة الناس غير أبى: «ومثل كلمة خبيثة» فى الآية 26. (5) جواب لو محذوف أي لجاز. وهى قراءة معاذ بن جبل وبعض أهل الشام كما فى البحر 5/ 506 (6) الآية 116 سورة النحل. وجاءت قراءة الكذب جمع الكذوب عن معاذ وابن أبى عبلة وبعض أهل الشام كما فى البحر 5/ 545 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 خلفتهم ونسيتهم. وتقرأ «1» (وأَنَّهُمْ مُفْرِطُونَ) بكسر الرَّاء، كانوا مُفرطين فِي سوء العمل لأنفسهم فِي الذنوب. وتقرأ «2» (مفرِّطُونَ) كقوله (يَا حَسْرَتى «3» عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) يقول: فيما تركت وضيّعت. وقوله: نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ [66] العرب تَقُولُ لكل ما كَانَ من بطون الأنعام ومن السماء أو نَهر يَجري لقوم: أسْقَيت. فإذا سَقَاكَ الرَّجُلُ ماء لِشَفَتِكَ قالوا: سَقَاه. ولم يقولوا: أسْقَاهُ كما قَالَ الله عزّ وجل (وَسَقاهُمْ «4» رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) وقال (وَالَّذِي «5» هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) وربما قالوا لِمَا فِي بطون الأنعام ولماء السماء سَقى وأسقى، كما قَالَ لبيد: سَقَى قومي بني مَجْد وأسقى ... نُميرا والقبائل من هلال «6» رعوه مربعا وتصيّفوه ... بلا وبإ سُمَيّ ولا وَبَالِ وقد اختلف الْقُراء فقرأ بعضهم «7» (نُسْقِيكُمْ) وبعضهم (نُسْقِيكم) . وَأمَّا قوله (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) ولم يقل بطونها فإنه قيل- والله أعلم- إنَّ النَّعَمَ والأنعام شيء واحد، وهما جَمعان، فرجع التذكير إلى معنى النَّعم إذ كَانَ يؤدي عَن الأنعام أنشدني بعضهم: إذا رَأَيْت أنجمًا من الأسد ... جَبْهته أو الخرَاة والكَتَدْ بال سُهَيْل فِي الفضيح. ففسد ... وطاب أَلْبَانُ اللقاح وبرد «8»   (1) هى قراءة نافع. (2) هى قراءة أبى جعفر. (3) الآية 56 سورة الزمر. (4) الآية 21 سورة الإنسان. (5) الآية 79 سورة الشعراء. (6) مجد: أم كلب وكلاب ابني ربيعة بن عامر بن صعصعة. وانظر الخصائص 1/ 370. (7) هى قراءة نافع وابن عامر وأبى بكر عن عاصم ويعقوب. وقراءة الباقين بضم النون. (8) انظر ص 129 من الجزء الأول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 فرجع إلى اللبن لأن اللبن والألبان يكون فِي معنى واحد. وقال الْكِسَائي (نُسْقِيكُمْ مِمَّا بطونه) : بطون ما ذكرناهُ، وهو صواب، أنشدني بعضهم: مثل الفراخ نَتَقَتْ حَواصلهْ» وقال الآخر: كذاك ابنة الأعيار خافى بسالة الرجال وأصلال الرجال أقاصِرُهْ «2» ولم يقل أقاصرهم. أصلال «3» الرجال: الأقوياء منهم. وقوله (سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) يقول: لا يَشرَق باللبن ولا يُغَصّ بِهِ. وقوله تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً [67] هي الخمر قبل أن تُحَرَّم. والرزق الْحَسَن الزبيب والتمر وما أشبههما. وقوله: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [68] ألهمَها ولم يأتها رسول. وقوله: (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) وهي سقوف البيوت. وقوله: (ذُلُلًا) [69] نعت للسبل. يُقال: سبيل ذَلُول وذُلُل للجمع ويقال: إن الذلل نعت للنحل أي ذللت لأن يخرج الشراب من بطونها. وقوله (شِفاءٌ لِلنَّاسِ) يعني العسل دواء ويقال (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) يرادُ بالهاء القرآن، فِيهِ بيان الحلال والحرام:   (1) انظر ص 130 من الجزء الأول. (2) الأعيار جمع العير ومن معانيه السيد والملك، وكأن هذا هو المراد هنا. وقوله: «كذاك» فى اللسان (قصر) : «إليك» وأقاصره جمع الأقصر. يقول لها: لا تعيبينى بالقصر فإن أصلال الرجال ودهاتهم أقاصرهم. وانظر ص 129 من الجزء الأول. [ ..... ] (3) هو جمع صل، وهو فى الأصل الحية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 وقوله: لِكَيْلا يَعْلَمَ [70] . يقول: لكيلا يعقل من بعد عقله الأول (شَيْئاً) وقوله: فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ [71] فهذا مثل ضرب الله للذين قالوا: إن عيسى ابنه تعالى الله عَمَّا يقول الظالِمونَ عُلُوًّا كبيرًا، فقال: أنتم لا تشركون عبيدكم فيما ملكتم فتكونون «1» سواء فِيهِ، فكيف جعلتم عبده شريكًا لَهُ تبارك وتعالى. وقوله: وَحَفَدَةً [72] : والحفدة الأختان «2» ، وقالوا الأعوان. ولو قيل: الْحَفَد: كَانَ صوابًا لأن واحدهم حافد فيكون بِمنزلة الغائب والغَيْب والقاعد والقَعَد. وقوله: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً [73] نصبت (شَيْئاً) بوقوع الرزق عَلَيْهِ، كما قَالَ تبارك وتعالى (أَلَمْ نَجْعَلِ «3» الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً) أي تكفت «4» الأحياء والأموات. ومثله (أَوْ إِطْعامٌ «5» فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً) ولو كَانَ الرزق مع الشيء لَجازَ خفضه: لا يملك لَهم رزق شيء من السموات. ومثله قراءة من قرأ (فجزاءُ «6» مِثلِ ما قتلَ من النَّعَمِ) . وقوله: (وَلا يَسْتَطِيعُونَ) وقال فِي أول الكلام (يَمْلِكُ) وَذَلِكَ أنَّ (ما) فى مذهب جمع لآلهتم التي يَعبدون، فوُحِّد (يَمْلِكُ) عَلَى لفظ (ما) وتوحيدها، وجُمع فِي (يَسْتَطِيعُونَ) عَلَى المعنى. ومثله قوله (وَمِنْهُمْ «7» مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) وَفِي موضع آخر (وَمِنْهُمْ «8» مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ)   (1) فى الطبري: «فتكونوا» بالنصب فى جواب النفي، وقد جاء الرفع هنا على الاستئناف. (2) فى الطبري عن بعضهم: «هم الأختان أختان الرجل على بنانه» وفيه عن بعضهم: «هم الأصهار» فالأختان على هذا: أزواج البنات. وفى القاموس أن الختن الصهر أو كل من كان من قبل المرأة كالأب والأخ. (3) الآيتان 25، 26 سورة المراسلات. (4) أي تضم وتجمع. (5) الآيتان 14، 15 سورة البلد. (6) الآية 95 سورة المائدة، وهو يريد القراءة بإضافة (جزاء) إلى (مثل) وهى قراءة غير عاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف كما فى الإتحاف. (7) الآية 25 سورة الأنعام، والآية 16 سورة محمد. (8) الآية 42 سورة يونس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 ومثله (وَمَنْ «1» يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً) و (يَعْمَلْ صالِحاً) فمن ذكره رَدّ آخره عَلَى أوّله «2» ، ومن أنَّثَ ذهب إلى أن (مَن) فِي موضع تأنيث، فذهبَ إلى تأنيثها. وأنشدنا بعضُ العرب: هَيَا أُمَّ عَمْرو مَنْ يكن عُقْرَ دارِهِ ... جواءُ عدِيّ يأكلِ الحشرات «3» ويسودَّ من لفح السّموم جبينُهُ ... ويَعْرَ وإن كانوا ذوي نَكرات «4» فرجع فِي (كانوا) إلى معنى الجمع وَفِي قراءة عبد الله- فيما أعلم- (ومنكم «5» من يكون شيوخًا) ولم يقل (شَيْخًا) وقد قَالَ الفرزدق: تَعَشَّ فإن واثقتني لا تَخونُني ... نكن مثل مَن يا ذئبُ يصطحبان وأنت امرؤ يا ذئب والغدرُ كنتما ... أُخَيَّيْنِ كانا أُرضِعَا بِلِبانِ «6» فثنى (يصطحبان) وهو فعل لمن لأنه نواه ونفسه. وقوله: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً [75] ضرب مثلًا للصنم الَّذِي يعبدون أَنَّهُ لا يقدر عَلَى شيء، (وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) أي يحمله، فقال: هَلْ يستوي هَذَا الصنم (وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) فقال: لا تُسوُّوا بين الصنم وبين الله تبارك وتعالى. وقوله: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ [80] يعنى الفساطيط «7» للسفر، وبيوت العرب التي   (1) الآية 31 سورة الأحزاب. وقراءة الياء لحمزة والكسائي وخلف، وقراءة التاء لغيرهم (2) هو التذكير فى (يقنت) . (3) عقر الدار أصلها، ويفسر بمحلة القوم. وقوله: «جواء عدى» ففى ش: «حوى» والجواء الواسع من الأودية، وهو أيضا موضع بالصمان فى نجد كما فى معجم البلدان، والحوى من معانيه الحوض الصغير. (4) «نكرات» جمع نكرة- بالتحريك- وهو اسم من الإنكار، يراد به استنكار ما لا يوافقهم وذلك من سمات القدرة والحفيظة. (5) كأن ذلك بدل قوله تعالى: «ومنكم من يرد إلى أرذل العمر» في الآيتين 70 سورة النحل، 5 سورة الحج. [ ..... ] (6) كان الفرزدق طرقه فى سفره ذئب فألقى إليه كتف شاة مشوية وذكر ذلك فى هذه القصيدة، واللبان الرضاع. وانظر الديوان 870، وأمالى ابن الشجري 2/ 311 (7) جمع الفسطاط وهو بيت من الشعر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 من الصوف والشعر. والظعن يثقل فِي القراءة ويخفف «1» لأن ثانيه عين، والعربُ تفعل ذَلِكَ بِما كَانَ ثانيه أحد الستة «2» الأحرف مثل الشعر والبحر والنهر. أنشدني بعضُ العرب: لَهُ نَعْل لا تَطَّبي الكلبَ ريحُها ... وَإِن وُضِعْتَ بين المجالس شمّت «3» وقوله (أَثاثاً وَمَتاعاً) المتاع إلى حين يقول يكتفون بأصوافها إلى أن يَموتوا. ويُقال إلى الحين بعد الْحين. وقوله: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [81] . ولم يقل: البرد، وهي تقي الحر والبرد، فترك لأن معناهُ معلومٌ- والله أعلم- كقول الشاعر: وما أدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ وجهًا ... أريدُ الخيرَ أيُّهما يليني يريد أي الخير والشر يليني لأنه إذا أراد الخير فهو يتقي الشرّ وقوله (لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) وبلغنا عَن ابن عباس أَنَّهُ قرأ (لعلكم تَسْلمون) من الجراحات. وقوله: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ [83] يعني الكفارَ إذا قيل لَهُم، من رزقكم؟ قالوا: الله، ثُمَّ يقولون: بشفاعة آلهتنا فيُشركونَ فذلك إنكارهم (نِعْمَتَ «4» اللَّهِ) . [قوله] : فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ [86] آلهتهم ردّت عليهم قولهم (إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) أي لَمْ ندعكم إلى عبادتنا. وقوله: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ [92] : من بعد إبرام. كانت تغزل   (1) التخفيف أي إسكان العين لابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف. والتثقيل أي فتح العين للباقين. (2) يريد أحرف الحلق. وهى الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء. (3) من قصيدة لكثير فى رثاء عبد العزيز بن مروان. و «تطبى» : تدعو وتستميل يريد أن نعله من جلد مدبوغ فلا يقبل عليها الكلب. يصفه برقة نعله وطيب ريحها. وانظر الخصائص 2/ 9 (4) ا: «نعمته» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 الغزل من الصوف فتُبْرمه ثُمَّ تأمر جارية لَهَا بنقضه. ويُقال: إنها رَيطة (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ) يقول: دَغَلا وخديعة. قوله (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) يقول: هي أكثر، ومعناهُ لا تغدروا بقوم لقلّتهم وكثرتكم أو قلّتكم وكثرتهم، وقد غررتموهم بالأيمان فسكنوا إليها 97 ب. وموضع (أدنى) نصب. وإن شئت رفعت كما تَقُولُ: ما أظن رجلًا يكون هُوَ أفضل منك وأفضل منك، النصب عَلَى الْعِمَاد «1» ، والرفع عَلَى أن تجعل (هُوَ) اسمًا. ومثله قول الله عَزَّ وَجَلَّ (تَجِدُوهُ «2» عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) نَصْب، ولو كَانَ رفعًا كَانَ صَوَابًا. وقوله: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ [101] إذا نسخنا آية فيها تشديد مكان «3» آية ألين منها قَالَ المشركون: إنما يتقوله من نفسه ويتعلّمه من عائش مملوك كَانَ لِحُوَيطب بن عبد العزى كَانَ قد أسلم فحسن إسلامه وَكَانَ أعجم، فقال الله عَزَّ وَجَلَّ: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ [103] يَميلونَ إِلَيْهِ ويهوونه (أَعْجَمِيٌّ) فقال الله: وَهَذَا لِسَانُ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والقرآن عربيّ. وقوله «4» : فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ [86] فكسرت «5» لأنّها من صلة القول. ومن فَتَحها لو لَمْ تكن فيها لام فِي قوله لكاذبون جعلها تفسيرا للقول: ألقو إليهم إنكم كاذبون فيكون نصبًا لو لَمْ يكن فيها لام كما تَقُولُ: ألقيت إليك أنك كاذب. ولا يَجوز إلا الكسر عند دخول اللام، فتقول: ألقيت إليك إنك لكاذب. وقوله: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا [110] يقول: عذّبوا. نزلت فى عمّار   (1) هو ضمير الفصل عند البصريين (2) الآية 20 سورة المزمل (3) كذا. وكأن الأصل: «بمكان» أي بوجود آية ألين منها، فسقطت الباء فى «بمكان» من الناسخ. (4) سبق كلام على هذه الآية (5) أي (إنكم) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 بن ياسر وأصحابه الَّذِينَ عُذبوا، حَتَّى أشرك بعضهم بلسانه وهو مؤمنٌ بقلبه فغفر الله لَهُم، فذلك قوله (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) بعد الفعلة «1» . وقوله: قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً [112] يعني مكة أنها كانت لا يُغارُ عليها كما تفعل العرب: كانوا يتغاورون (مُطْمَئِنَّةً) : لا تنتقل كما تنتجع العرب الخصب بالنُّقْلة. وقوله (مِنْ كُلِّ مَكانٍ) : من كلّ ناحية (فَكَفَرَتْ) ثم قال (بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) ومثله فِي القرآن كَثِير. منه قوله (فَجاءَها «2» بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) ولم يقل: قائلة. فإذا قَالَ (قائِلُونَ) ذهب إلى الرجال، وإذا قَالَ (قائلة) فإنّما يعني أهلها، وقوله (فَحاسَبْناها «3» حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً فَذاقَتْ) . وقوله (لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) ابتُلوا بالجوع سبع سنين حَتَّى أكلوا العظامَ المحرقة والجِيفَ. والخوفَ بُعُوث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسراياه. ثُمَّ إن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهم فحمل إليهم الطعام وهم مشركون. قال الله عَزَّ وَجَلَّ لَهُم، كُلُوا (وَاشْكُرُوا «4» ) . وقوله: لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ [119] كل من عمل سوءًا فهو جاهل إذا عمله. وقوله: أُمَّةً قانِتاً [120] : مُعلمًا للخير. وقوله: إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ [124] أتى موسى أصحابه فقال: تفرّغوا لله يوم الجمعة فلا تعلموا فيه شيئا، فقالوا: لا، بَلْ يوم السبت، فرغ الله فِيهِ من خَلْق السموات والأرض، فشُدد عليهم فِيهِ. وأتى عيسى النصارى بالجمعة أيضًا فقالوا: لا يكون عيدهم بعد عيدنا فصاروا إلى الأحد. فذلك اختلافهم وتقرأ «5» (إنما جَعَل 98 السبتَ نصبًا، أي جعل الله تبارك وتعالى.   (1) يريد تفسير الضمير فى «بعدها» (2) الآية 4 سورة الأعراف. (3) الآيتان 8، 9 سورة الطلاق. [ ..... ] (4) ورد ذلك في الآية 114 (5) هى قراءة الحسن والمطوعى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 وقوله: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [126] (نزلت فِي حَمْزَةَ «1» ) لِمّا مَثَّل المشركون بحمزة يوم أحد فقال النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأمثّلَنّ بسبعين شيخًا من قريش فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) ثُمَّ أمره بالصبر فقال (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ثُمَّ أمره بالصبر عزمًا فقال: وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [127] . وقوله (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) فالضيق ما ضاق عَنْهُ صدرك، والضيق ما يكون فِي الَّذِي يتسع مثل الدار والثوب وأشباه ذَلِكَ وإذا رأيت الضَّيق وقع فِي موقع الضيق كَانَ عَلَى وجهين: أحدهما أن يكون جَمعًا واحدته ضَيْقَة كما قَالَ «2» : كَشَف الضَّيْقة عَنّا وَفَسَحْ والوجهُ الآخر أن يُراد بِهِ شيء ضَيِّق فيكون مخففًا، وأصله التشديد مثل هين ولين تريد هيّن ليّن. ومن سورة بنى إسرائيل قوله: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. الحرم كله مسجد، يعني مكة وحرمها (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) : بيت المقدس (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) بالثمار والأنهار. وقوله: (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) يعني النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أُسْرِيَ بِهِ ليريه تِلْكَ الليلة العجائب. وأُري الأنبياء حَتَّى وصفهم لأهل مكة، فقالوا: فإن لنا إبلا فى طريق الشام فأخبرنا   (1) هذه الجملة فى ا، ش، ب بعد «يوم أحد» والمناسب وضعها حيث وضعت (2) هو الأعشى. وصدره: فلئن ربك من رحمته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 بأمرها، فأخبرهم بآيات وعلامات، فقالوا: متى تقدَمُ؟ فقال: يوم كذا مع طلوعِ الشمس يقدُمها جَمل أورق. فقالوا: هَذِه علامات نعرف بِهَا صِدْقه من كذبه. فغدوا من وراء العقبة يستقبلونها، فقال قائل: هَذِه والله الشمسُ قد شَرَقت ولم تأتِ. وقال آخر: هَذِه والله العيرُ يقدُمها جَمل أورق كما قَالَ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ لَمْ يؤمنوا. وقوله: أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا [2] يُقال: رَبًّا، ويُقال: كافيًا. وقوله: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا [3] منصوبة عَلَى النداء ناداهم: يا ذُرِّية من حملنا مع نوح، يعني فِي أصلاب الرجال وأرحام النساء مِمّن لَمْ يُخْلَق. وقوله: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ [4] . أعلمناهم أنهم سيفسدون مرتين. وقوله: (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) يقول: عقوبة أولى المرتين، وهو أول الفسادين (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ «1» عِباداً لَنا) يعني بُخْتَنصر فسَبَى وقتل. وقوله: (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) يعني: قتلوكم بين بيوتكم (فَجاسُوا) فِي معنى أخذوا وحاسوا أيضًا بالحاء فِي ذَلِكَ المعنى. وقوله: ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ [6] يعني عَلَى بختنصَّر جاء رجل بعثه الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى بختنصر فقتله وأعاد الله إليهم ملكهم وأمرهم، فعاشوا، ثُمَّ أفسدوا وهو آخر الفسادين. وقوله: فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ [7] يقول القائل: أين جواب (إذا) ؟ ففيه وجهان. يقال: فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم ليسُوء الله وجوهكم «2» لِمن قرأ بالياء. وقد يكون   (1) ا: «عليهم» (2) هى قراءة ابن عامر وأبى بكر وحمزة وخلف، كما في الإتحاف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 ليسوء العذاب وجوهكم. وقرأها أبي بن كعب 98 ب (لِنَسُوءن وجوهَكم) بالتخفيف يعني النون. ولو جعلتها مفتوحة اللام كانت جَوَابًا لإذا بلا ضمير فعل. تَقُولُ إذا أتيتني لأسُوءَنَّك ويكون دخول الواو فيما بعد (لنسوءن) بِمنزلة قوله (وَكَذلِكَ نُرِي «1» إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ) نريه «2» الملكوت، كذلك الواو فى (وَلِيَدْخُلُوا) تضمر لَهَا فعلًا «3» بعدها، وقد قُرئت (لِيَسُوءُوا وجوهكم) الذين «4» يدخلون. وقوله: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [9] . يقول: لشهادة أن لا إله إلا الله. (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ) أوقعت البشارة عَلَى قوله (أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) ويَجوز أن يكون المؤمنون بُشروا أيضًا بقوله (وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) لأن الكلام يحتمل أن تَقُولُ: بشرت عبد الله بأنه سيعطى وأن عدّوه سيُمنع، ويكون «5» . ويبشر الَّذِينَ لا يؤمنون بالآخرة أنا أعتدنا لَهم عذابًا أليمًا، وإن لَمْ يوقع التبشير عليهم كما أوقعه عَلَى المؤمنين قبل (أنَّ) فيكون بِمنزلة قولك فِي الكلام بَشّرت أن الغيث آتٍ فِيهِ معنى بشرت الناس أن الغيث آتٍ وإن لَمْ تذكرهم. ولو استأنفْت (وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) صلح ذَلِكَ ولم أسمع أحدًا. قرأ بِهِ. وقوله: وَيَدْعُ الْإِنْسانُ [11] حذفت الواو منها فِي اللفظ ولم تُحذف فِي المعنى لأنَّها فِي موضع رفع، فكان حذفها باستقبالها اللام السَّاكنة. ومثلها (سَنَدْعُ «6» الزَّبانِيَةَ) وكذلك   (1) الآية 75 سورة الأنعام (2) يريد أن متعلق الجار والمجرور فى قوله: «وليكون» هو فعل مقدر مؤخر وهو (نريه الملكوت) (3) أي وليد خلوا المسجد قدرنا ذلك وكتبناه (4) هذا تفسير للضمير فى (ليسوءوا) (5) هذا وجه آخر والمراد بالتبشير هنا الإخبار، ولا يراعى فى الخير أنه سار (6) الآية 18 سورة العلق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 (وَسَوْفَ «1» يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ) وقوله (يَوْمَ «2» يُنادِ الْمُنادِ) وقوله (فَما تُغْنِ «3» النُّذُرُ) ولو كن بالياء والواو كَانَ صَوَابًا. وهذا من كلام العرب. قَالَ الشاعر: كفاكَ كفٌّ ما تُليق دِرْهمًا ... جُودًا وأخرى تُعْطِ بالسيف الدَّمَا «4» وقال بعضُ الأنصار: لَيْسَ تَخفى بشارتي قَدْر يومٍ ... ولقد تُخْفِ شِيمتي إعساري «5» وقوله: (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ) يريد كدعائه بالخير فِي الرغبة إلى الله عَزَّ وَجَلَّ فيما لا يحب الداعي إجابته، كدعائه عَلَى ولده فلا يُستجابُ لَهُ فِي الشر وقد دعا بِهِ. فذلك أيضًا من نِعَم الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ. وقوله: فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ [12] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي مِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أبى الأسود الدّؤلي رَفَعَهُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: هُوَ اللَّطْخُ الَّذِي فِي الْقَمَرِ. وقوله: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ [13] وهو عمله، إن خيرًا فخيرًا وإن شرًا فشرًا (وَنُخْرِجُ لَهُ) قرأها يَحْيَى بن وثّاب بالنون «6» وقرأها غيره بالياء «7» مفتوحة: (وَيَخْرُجُ لَهُ) طائره، منهم مجاهدو الحسن. وقرأ أَبُو جَعْفَر المدني (ويُخرج ... له كتابًا) معناهُ: ويُخْرِج لَهُ عمله كتابًا. وكلٌّ حسن.   (1) الآية 146 سورة النساء (2) الآية 41 سورة ق. [ ..... ] (3) الآية 5 سورة القمر (4) تليق: تمسك. يصفه بالكرم والشجاعة. وقد ورد البيت فى اللسان (لوق) من غير عزو (5) «بشارتى» كذا فى ا، ش. وفى اللسان (يسر) : يسارتى» واليسارة الغنى. وهذه الرواية ظاهرة. والبشارة الجمال وحسن المظهر. يريد أنه لا تظهر عليه الكآبة نوما. (6) وكذا قرأها أكثر المفسرين. (7) هى قراءة يعقوب، وقد وافقه الحسن وابن محيصن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 وقوله: اقْرَأْ كِتابَكَ [14] : فيها- والله أعلم- (يُقال) مضمرة. مثل قوله (وَيَوْمَ تَقُومُ «1» السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ) ومثل قوله (فَأَمَّا الَّذِينَ «2» اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ) المعنى- والله أعلم-: فيقال: أكفرتم. وقوله: أَمَرْنا مُتْرَفِيها [16] قرأ الأعمش 99 اوعاصم ورجال من أهل المدينة (أَمَرْنا) خفيفة حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي سفيان بن عيينة عن حميد الأعرج عن مجاهد (أَمَرْنا) خفيفة. وفسّر بعضهم (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) بالطاعة (فَفَسَقُوا) أي إن المترف إذا أُمر بالطاعة خالفَ إلى الفسوق «3» . وَفِي قراءة أُبي بن كعب (بعثنا فيها أكابر مجرميها) وقرأ الْحَسَن (آمرَنا) وروى عَنْهُ (أمِرنا) ولا ندري أنّها حُفظت عَنْهُ لأنا «4» لا نعرف معناها هاهنا. ومعنى (آمرنا) بالمد: أكثرنا. وقرأ أَبُو العالية الرياحي (أمَّرنا مُتْرفيها) وهو موافق لتفسير ابن عباس، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: سلَّطْنَا رؤساءها ففسقوا فيها. قوله: كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [14] وكل ما فِي القرآن من قوله (وَكَفى بِرَبِّكَ) (وَكَفى بِاللَّهِ) و (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ) فلو ألقيت الباء كَانَ الحرف مرفوعًا كما قَالَ الشاعر «5» : ويُخبرني عَن غائب الْمَرْء هَدْيُه ... كَفَى الْهَدْيُ عَمَّا غَيَّب المرءُ مُخْبِرا وإنّما يَجوز دخول الباء فِي المرفوع إذا كَانَ يُمدح بِهِ صاحبه ألا ترى أنك تَقُولُ: كفاكَ بِهِ ونَهاكَ بِهِ وأكرم بِهِ رجلًا، وبئس بِهِ رجلًا، ونعم بِهِ رجلًا، وطاب بطعامك طعامًا، وجادَ بثوبك ثوبًا. ولو لَمْ يكن مدحًا أو ذمًا لَمْ يجز دخولها ألا ترى أن الَّذِي يقول: قامَ أخوكَ أو قعد أخوك   (1) الآية 46 سورة غافر (2) الآية 106 سورة آل عمران. (3) ب: «الفسق» (4) روى عن أبى زيد أن (أمر) بكسر الميم كأمر بفتحها بمعنى أكثر. وانظر البحر 6/ 20 (5) هو زيادة بن زيد العدوى كما فى اللسان (هدى) . والهدى: السيرة والسمت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 لا يَجوز لَهُ أن يقول: قام بأخيك ولا قعد بأخيك إلا أن يُريد قام بِهِ غيره وقعد بِهِ. وقوله: عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [18] أي ذَلِكَ منا لِمن نريد. وقوله: كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ أوقعت عليهما نُمد أي نُمدهم جَميعًا أي نرزق المؤمن والكافر من عطاء ربّك. وقوله: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا [23] كقولك: أمر ربك وهي فِي قراءة عبد الله (وَأَوْصَى ربَك) وقال ابن عباس هي (وَوَصَّى) التصقت واوها. والعربُ تَقُولُ تركته يقضي أمور الناس أي يأمر فيها فينفذ أمره. وقوله (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) معناهُ: وأوصى بالوالدين إحسانًا. والعرب تَقُولُ أوصيكَ بِهِ خيرًا، وآمرك بِهِ خيرًا. وَكَانَ معناهُ: آمرك أن تفعل بِهِ ثُمَّ تحذف (أنْ «1» ) فتوصل الخير بالوصية وبالأمر، قَالَ الشاعر: عجبتُ من دَهْمَاء إذ تشكونا ... ومن أبي دهماء إذ يوصينا خيرًا بِهَا كأننا جافونا وقوله: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ) فإنه ثنى «2» لأن الوالدين قد ذكر قبله فصار الفعل عَلَى عددهما، ثُمَّ قَالَ (أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) على الائتناف «3» كقوله (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا «4» ) ثم استأنف فقال: (كَثِيرٌ مِنْهُمْ) وكذلك قوله (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا «5» النَّجْوَى) ثم استأنف فقال: (الَّذِينَ ظَلَمُوا) وقد قرأها ناس كَثِير (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ) جعلت (يَبْلُغَنَّ) فعلًا لأحدهما. فكررت «6» ب فكرت عَلَيْهِ كلاهما.   (1) يريد (أن) ومعمولها من الفعل (2) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف. (3) كأن المراد أن يكون الكلام على تقدير فعل أي إن يبلغ أحدهما أو كلاهما كما جاء فى إعراب العكبري والمعروف أن (أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) بدل من الضمير فى (يَبْلُغَنَّ) ، وكذا ما بعده مما جعله على الائتناف هو يدل من الضمير فى الفعل قبله عند الكثير، وعند الفراء فاعل لفعل مقدر. (4) الآية 71 سورة المائدة [ ..... ] (5) الآية 3 سورة الأنبياء (6) يريد: عطفت. وفى ا، ش: «فكرت» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 وقوله (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) قرأها عَاصِم بن أبي النجود والأعمش (أُفِّ) خفضًا بغير نون. وقرأ العوامّ (أفّ) فالذين خفضوا ونوَّنوا ذهبوا إلى أنها صوت لا يُعرف معناهُ إلا بالنطق بِهِ فخفضوه كما تُخفض الأصوات. من ذَلِكَ قول العرب: سمعت طاقٍ طاقٍ لصوت الضرب، ويقولون: سمعت تغٍ تغٍ لصوت الضحك. والذين لَمْ ينونوا وخفضوا قالوا: أفّ عَلَى ثلاثة أحرف، وأكثر الأصوات إنما يكون عَلَى حرفين مثل صَهْ ومثل يغ ومَهْ، فذلك الَّذِي يُخفض ويُنَوَّن فِيهِ لأنه متحرك الأول. ولسنا بمضطرين إلى حركة الثاني من الأدوات وأشباهِها فيُخْفَض «1» فخفض بالنون: وشبهت أفَّ بقولك مُدَّ ورُدَّ إذ كانت عَلَى ثلاثة أحرف. ويدل عَلَى ذَلِكَ أن بعض العرب قد رفعها فيقول أفُّ لك. ومثله قول الراجز: سألتُها الوصلَ فقالت مِضِّ ... وحَرَّكت لي رأسها بالنَغْض «2» كقول «3» القائل (لا) يقولها بأضراسه. ويُقال: ما علّمك أهلك إلا (مضِّ «4» ومِضُّ) وبعضهم: إلا مِضّا يوقع عليها الفعل. وقد قَالَ بعضُ العرب: لا تقولن له أُفا ولا تُفّا يجعل كالاسم فيصيبه الخفض والرفع [والنصب] ثبت فِي ب والنصب «5» بلا نون يَجوز كما قالوا رُدّ. والعربُ تَقُولُ: جعل يتأفف من ريح وجدها، معناهُ يقول: أفِّ أفِّ. وقد قَالَ الشاعر «6» فيما نُوّن: وقفنا فقلنا إِيهِ عَن أمّ سالِمٍ ... وَمَا بال تكليم الديار البلاقع   (1) فى الأصول: «فخفض» والمناسب ما أثبت. ويريد بالأدوات نحو ليت (2) النغض تحريك الرأس (3) فى اللسان (مضض) فى نقل عبارة الفراء: «مض كقول القائل ... » وهى ظاهرة. (4) فى ا: «مض» وفى ش، ب «إض ومض» وما أثبت من اللسان فى (مضض) (5) ا، ش: «إحنا» وما أثبت من اللسان فى الموضع السابق (6) هو هو ذو الرمة، وإيه استزادة فى الحديث وأصلها التنوين. ولذلك يقول الفراء: «فيما نون» . وانظر الديوان 356. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 فحذف النون لأنها كالأداة، إذ كانت عَلَى ثلاثة أحرف، شُبِّهت بقولِهم: جَيْر «1» لا أفعل ذَاك، وقد قَالَ الشاعر «2» : فقُلْن عَلَى الفردوس أوَّل مشرب ... أجل جير إن كانت أبيحت دعاثره وقوله: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ [24] بالضم قرأها العوام. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي هُشيم عَنْ أبي بشر جَعْفَر بن إياس عَن سعيد بن جبير أَنَّهُ قرأ (واخفض لهما جناحَ الذِّلّ) بالكسر. قَالَ: حَدَّثَنَا الفراء وَحَدَّثَنِي الحكم بن ظُهير عَن عَاصِم بن أبي النجود أَنَّهُ قرأها (الذِّلّ) بالكسر. قَالَ أَبُو زكريا: فسألتُ أبا بكر عنها «3» فقال: قرأها عَاصِم بالضم. والذُلّ من الذلة أن يتذلل وليس بذليل فِي الخلقة، والذلة والذل مصدر «4» الذليل والذِّل مصدر للذلول مثل الدابَّة والأرض. تَقُولُ: جَمَل ذَلُول، ودابة ذَلُول، وأرض ذَلول بينة الذل. وقوله: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ [28] يقول: إذا أتتك قرابتك أو سواهم من المحتاجين يسألونك فأعرضت لأنه لا شيء عندك تعطيهم فقل لهم: قولا ميسورا، يقول: عِدْهُم عِدة حَسَنةً. ثُمَّ نَهاهُ «5» أن يعطي كل ما عنده حَتَّى لا يبقى محسورًا لا شيء عنده. والعرب تَقُولُ للبعير: هُوَ محسور إذا انقطعَ سيره وحسرت الدابة إذا سرتها حَتَّى ينقطع سيرها. وقوله: (يَنْقَلِبْ «6» إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) يحسر عند أقصى بلوغ المنظر.   (1) جبر بمعنى نعم أو حتا. وهو يجرى مجرى القسم. (2) هو مضرس بن ربعى الأسدى. والفردوس موضع فى بلاد بنى يربوع. والدعائر جمع دعثور وهو الخوض المتهدم وأصله دعاثيره فحذف الياء للضرورة، والضمير فى «دعائره» للفردوس أو للمشرب. يقول: إن النسوة ارتحلن وذكرن أن أول منهل يصادفنه فى رحلتهن فى الفردوس، فأجابهن الشاعر: حقا ذلك تشربن من هذا الموضع إن أبيحت حياضه ولم تمنع. هذا ويذكر البغدادي فى شرح شواهد المغني فى مبحث جير أن الرواية فى البيت: وقلن ألا الفردوس أول محضر ... من الحي إن كانت أبيرت دعاثره وانظر أبياتا مع هذا فى معجم البلدان فى (الفردوس) (3) فى ش: «عنهما» والمناسب ما أثبت أي عن هذه القراءة. وأبو بكر هو أحد رواة عاصم. (4) أي كلاهما مصدر الذليل. والأولى: «مصدرا الذليل» . (5) أي فى قوله تعالى فى الآية التالية: «وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا» (6) الآية 4 سورة الملك. [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 وقوله: خِطْأً كَبِيراً [31] وقرأ الْحَسَن خَطَاء «1» كبيرًا بالمد. وقرأ أَبُو جَعْفَر المدني (خَطَأ كبيرًا) قَصَر وهمز. وكل صواب. وكأن الخطأ الإثم. وقد يكون فِي معنى خَطَأ بالقصر. كما قالوا: قِتْب «2» وقَتَب، وحِذْرٌ وَحَذَرٌ، ونجسٌ ونَجَسٌ. ومثله قراءة من قرأ (هم «3» أولاء على أثرى) و (إثرى) . وقوله: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً [33] فِي الاقتصاص أو قبول الدية. ثُمَّ قَالَ: (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) فقرئت بالتاء «4» والياء. فمن قَالَ بالياء ذهبَ إلى الولي أي لا يقتلنَّ غير قاتله. يقول فلا يُسرف لولي فِي القتل. قَالَ: حدّثنا القراء قَالَ وَحَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ مِنْدَلٌ وَجَرِيرٌ وَقَيْسٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ أَنَّهُ قَرَأَ (فَلا تُسْرِفْ) بِالتَّاءِ. وَفِي قراءة أُبَيّ (فلا يُسْرِفوا فِي القتل) . وقوله (إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) يُقال: إن وليَّه كَانَ منصورًا. ويُقال الْهَاء للدم. إن دم المقتول كَانَ منصورًا لأنه ظلم. وقد تكون الْهَاء للمقتول نفسه، وتكون للقتل لأنه فعل فيجري مجرى الدم والله أعلمُ بصواب ذَلِكَ. وقوله: حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ [34] حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الأَشُدُّ. مَا بَيْنَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ إِلَى ثَلاثِينَ. وقوله: وَلا تَقْفُ [36] أكثر القراء يجعلونها من قفوت، فتحرَّك الفاء إلى الواو، فتقول (وَلا تَقْفُ) وبعضهم قَالَ (ولا تَقُفْ «5» ) والعربُ تَقُولُ قُفْت أثره وقفوته. ومثله يعتام ويعتمى «6»   (1) المنسوب إلى الحسن فى الإتحاف فتح الخاء وسكون الطاء. (2) القتب والقتب: إكاف البعير. (3) الآية 84 سورة طه. (4) القراءة بالتاء لحمزة والكسائي وخلف، وبالياء لغيرهم. (5) فى البحر نسبتها إلى معاذ القارئ. (6) أي يختار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 وقاع الجمل الناقة وقعا إذا ركبها، وعاث وعَثَى من الفساد. وهو كَثِير، منه شاك السلاح وشاكي السلاح، وجُرْف هارٌ وهارٍ. وسمعت بعض قُضَاعة يقول: اجتحى ماله واللغة الفاشية اجتاح ماله. وقد قَالَ الشاعر: ولو أني رأيتك من بعيد ... لعاقكَ من دعاء النِّيب عَاقِي يريد: عائق حَسِبْتَ بُغَامَ راحِلَتي عَنَاقًا ... وما هِيَ وَيْبَ غَيْرِكَ بالعَنَاق «1» وقوله: كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً [38] وقرأ بعض «2» أهل الحجاز (كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) . وقوله: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ [44] . أكثر القراء عَلَى التاء. وهي فِي قراءة عبد الله (سبَّحت لَهُ السموات السبع) فهذا يقوِّي الَّذِينَ قرءوا بالتاء. ولو قرئت «3» بالياء لكان صوابا كما قرءوا (تَكادُ «4» السَّماواتُ) و (يكادُ) «5» وإنَّما حسنت الياء لأنه عدد قليل، وإذا قلَّ العدد من المؤنث والمذكر كانت الياء فِيهِ أحسن من التاء قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ فِي المؤنث القليل (وَقالَ نِسْوَةٌ «6» فِي الْمَدِينَةِ) ، وقال فِي المذكر (فَإِذَا «7» انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) فجاء بالتذكير. وَذَلِكَ أن أول فعل المؤنث إذا قلّ يكون بالياء، فيقال: النسوة يقمن 100 ب. فإذا تقدم الفعل سقطت النون من آخره لأن الاسم ظاهر فثبت الفعل من أوله على   (1) انظر ص 62 من الجزء الأول. (2) القراءة الأولى لابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف وافقهم الحسن والأعمش والقراءة الآخرة للباقين. (3) هى قراءة نافع وابن كثير وابن عامر وأبى بكر وأبى جعفر ورويس كما فى الإتحاف. (4) الآية 90 سورة مريم. (5) هى قراءة نافع والكسائي. (6) الآية 30 سورة يوسف. (7) الآية 5 سورة التوبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 الياء، ومن أنث ذهبَ إلى أن الجمع يقع عَلَيْهِ (هَذِه) فأنَّث لتأنيث (هَذِه) والمذكر فِيهِ كالمؤنث ألا تَرى أنك تَقُولُ: هَذِه الرجال، وهذه النساء. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي قيس بن الربيع عن عمار الدهني عَن سعيد بن جبير قَالَ: كل تسبيح فِي القرآن فهو صلاة، وكل سلطان حُجّة، هَذَا لقوله (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) . وقوله: عِظاماً وَرُفاتاً: الرفات: التراب لا واحد لَهُ، بِمنزلة الدُّقَاق والحطام. وقوله: أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ [51] قالوا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرأيت لو كُنّا الموت من يميتنا؟ فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ (أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) يعني الموت نفسه أي لبعث الله عليكم من يميتكم. وقوله (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) يُقال أنغض رأسه أي حرَّكه إلى فوق وإلى أسفل. وأرانا ذَلِكَ أَبُو زكريا «1» فقال برأسه، فألصقه بِحَلْقِه ثُمَّ رفعه كأنه ينظرُ إلى السّقف. والرأس ينغض وينغض. والثنيّة إذا تحركت: قيل نغضت سنة. وإنما يسمى الظليم نَغضًا لأنه إذا عجل مشيه ارتفع وانخفض. وقوله: (وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ) يعني البعث. وقوله: وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا [54] يقول: حافظا وربّا. وقوله: زَبُوراً [55] قال الفراء وَحَدَّثَنِي أَبُو بكر قَالَ كَانَ عَاصِم يقرأ (زَبُوراً) بالفتح فِي كل القرآن. وقرأ حَمْزَةُ بالضم. وقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ [57] يعني الجن الَّذِينَ كانت خُزاعة تعبدهم. فقال الله عز وجل (أُولئِكَ) يعني الجن الَّذِينَ (يَدعونَهم) يبتغونَ إلى الله. ف (يَدْعُونَ) فعل للذين يعبدونهم. و (يَبْتَغُونَ) فعل للجنّ به «2» ارتفعوا.   (1) أي أشار برأسه وفعل. وفى النهاية: العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال، وتطلقه على غير الكلام واللسان فتقول: قال بيده أي أخذ وقال برجله أي مشى.» [ ..... ] (2) يريد أن الضمير فى (يبتغون) ارتفع بالفعل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 وقوله: وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها [58] بالموت (أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً) بالسيف. وقوله: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ [59] (أنْ) فِي موضع نصب (إِلَّا أَنْ كَذَّبَ) أن فِي موضع رفع كما تَقُولُ: ما منعهم الإيمان إلَّا تكذيبهم. وقوله (النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) جعل الفعل لَهَا. ومن «1» قرأ (مَبْصَرة) أراد: مثل قول عنترة. والكفر مَخبثَة لنفس المنعم «2» فإذا وضعت مفعلة فِي معنى فاعل كفت من الجمع والتأنيث، فكانت موحدة مفتوحة الْعَين، لا يجوز كسرها. العرب تَقُولُ: هَذَا عُشْب مَلْبَنَة «3» مسمنة «4» ، والولد مبخلة مجبنة. فما ورد عليك منه فأخرجه عَلَى هَذه الصورة. وإن كَانَ من الياء والواو فأظهرهما. تَقُولُ: هَذَا شراب مَبْولة، وهذا كلام مهيبة للرجال «5» ، ومتيهة، وأشباه ذَلِكَ. ومعنى (مبصرة) مضيئة، كما قَالَ الله عز وجل (والنَّهارَ مُبْصِراً) : «6» مضيئا. وقوله: إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ [60] يعني أهل مكة أي أَنَّهُ سيفتح لك (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً) يريد: ما أريناكَ ليلة الإسراء إلا فتنة لَهُم، حَتَّى قَالَ بعضهم: ساحر، وكاهن، وأكثروا. (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) هي شجرة الزَّقوم، نصبتها بجعلنا. ولو رُفعت تُتْبَع الاسم «7» الَّذِي فِي فتنة من الرؤيا كَانَ صوابًا. ومثله فِي الكلام جعلتك عاملًا وزيدا وزيد.   (1) هو قتادة كما فى البحر 6/ 53 (2) صدره: نبئت عمرا غير شاكر نعمتى وهو من معلقته. (3) أي يغزر عليه اللبن إذا رعى. (4) أي يكثر السمن فى لبن المال إذا رعاه. (5) ش، ب: «للرجل» (6) الآيات 67 سورة يونس، 86 سورة النمل، 61 سورة غافر. (7) كأنه يريد الضمير فى (فتنة) وعند الكوفيين أن الخبر الجامد يتحمل ضميرا. وفى العكبري أن الرفع قراءة شاذة وأنه على جعل (الشجرة) مبتدأ محذوف الخبر أي فتنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 وقوله: لَأَحْتَنِكَنَّ 101 ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا [62] يقول: لأستولينّ عليهم (إِلَّا قَلِيلًا) يعنى المعصومين. وقوله: وَاسْتَفْزِزْ [64] يقول استخفّ (بِصَوْتِكَ) بدعائك (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) يعني خيل المشركين ورجالهم. وقوله (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) كل مال خالطه حرام فهو شركُهُ. وقوله (وَعِدْهُمْ) أي قل لَهُم: لا جنّة ولا نار. ثُمَّ قَالَ الله تبارك وتعالى (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) . وقوله: لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً [69] يُقال: ثائرًا وطالبًا. فتبيع فِي معنى تابع. وقوله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ [71] قراءة العوامّ بالنون. و (يدعوا «1» ) أيضًا لله تبارك وتعالى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الفراء قَالَ: وسألني هُشيم فقَالَ: هَلْ يجوز (يوم يدعوا كُلُّ أناس) روَوه عَن الْحَسَن فأخبرته أني لا أعرفه، فقال: قد سألتُ أهل العربية عَن ذَلِكَ فلم يعرفوه «2» . وقوله: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى [72] يعنى: فى نعم الدُّنْيَا التي اقتصصناها عليكم (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ) فى نعم الآخرة (أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا) . والعرب إذا قالوا: هُوَ أفعل منك قالوه فِي كل فاعل وفَعِيل، وما لا يزاد فِي فعله شيء عَلَى ثلاثة أحرف. فإذا كان على فعللت مثل زخرفت، أو أفعلت مثل احمررت واصفررت لَمْ يقولوا: هُوَ أفعل منك إلا أن يقولوا: هُوَ أشد حمرةً منك، وأشد زخرفةً منك. وإنما جازَ فِي العمى لأنه لَمْ يُرد بِهِ عمى الْعَين، إنّما أراد بِهِ- والله أعلم- عَمَى القلب. فيُقال: فلان أعمى من فلان فِي القلب   (1) هى قراءة الحسن. (2) فى الكشاف أن هذا جاء على قلب الألف واوا فى لغة من يقول: أفعو فى أفعى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 و (لا تقل) «1» : هُوَ أعمى منه فِي الْعَين. فذلك أَنَّهُ لَمَّا جاء عَلَى مذهب أحمر وحمراء تُركَ فِيهِ أفعل منك كما تُرِكَ فِي كثيره «2» . وقد تَلْقَى بعض النحويين يقول: أُجيزه فِي الأعمى والأعشى والأعرج والأزرق، لأنا قد نقول: عمي وزرق وعرج وعَشِي ولا نقول: صَفِر ولا حَمِر ولا بيض. وليس ذَلِكَ بشيء، إنما ينظر فِي هَذَا إلى ما كَانَ لصاحبه فِيهِ فعل يقلّ أو يكثر، فيكون أفعل دليلًا عَلَى قلة الشيء وكثرته ألا ترى أنك قد تَقُولُ: فلان أقوم من فلان وأجمل لأن قيام ذا وجَمَالَه قد يزيد عَلَى قيام الآخر وجماله، ولا تَقُولُ لأعميين: هَذَا أعمى من هَذَا، ولا لميتين: هَذَا أموت من هَذَا. فإن جاءك منه شيء فِي شعر فأجزته احتمل النوعان «3» الإجازة: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي شيخ من أهل البصرة أَنَّهُ سمع العرب تَقُولُ: ما أسود شعره. وسئل الفراء عَن الشيخ فقال: هَذَا بشار الناقط. وقال الشاعر «4» : أمّا الملوك فأنتَ اليومَ ألأمهم ... لُؤمًا وأبيضهم سِرْبَالَ طبَّاخ فمن قَالَ هَذَا لزمه أن يقول: الله أبيضك والله أسْوَدك وما أسْوَدَك. ولُعبة للعرب يقولون أبيضي حالا «5» وأسيدي حالا «6» والعربُ تَقُولُ مُسْوِدة مُبيضة إذا ولدت السُّودان والبيضان وأكثر ما يقولون: مُوضحة إذا ولدت البيضان وقد يقولون مسيدة 101 ب. وقوله: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ [76] لَمّا قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة حسدته اليهود وثَقُلَ عليهم مكانه، فقالوا: إنك لتعلم أن هَذِه البلاد ليست ببلاد الأنبياء، إنما بلادهم   (1) ا: «لم يقل» . (2) كأنه يريد مازاد على ثلاثة أحرف كاحمر. (3) كأنه يريد بالنوعين ما ليس له فعل ثلاثى، وماله فعل ثلاثى ولا تفاوت فيه ولا تفاضل. (4) هو طرفة بن العبد، يقوله فى هجاء عمرو بن هند، كما فى التاج. والسربال: الثوب. كنى ببياض سربال طباخه عن قلة طبخه فيبقى سرباله نظيفا، وهذا يراد به البخل وأنه لا يبذل طعامه، إذ لو كان كذلك لاسود سربال طباخه ويقول ابن الكلبي: إن هذا الشعر منحول لطرفة. وانظر الخزانة 3/ 484 [ ..... ] (5، 6) فى القاموس: «حبالا» وقد نقل هذا عن الصاغاني. وفى التكملة له «حالا» كما هنا فيبدو أنه الصواب. ولم أقف على وصف هذه اللعبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 الشام. فإن كنت نبيًّا فاخرج إِلَيْهِ، فإن الله سينصرك. قَالَ: فعسكر النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أميالٍ من المدينة فأنزل الله: (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ) ليستخفونك وإذا لا يلبثون من الأرض (خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا) يقول: إنك لو خرجت ولم يؤمنوا لنزل بِهم العذاب. وقوله: سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ [77] نصب السنة عَلَى العذاب المضمر، أي يُعذبون كسنة من قد أرسلنا (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا) . وقوله: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ [78] . جاء عَن ابن عباس قَالَ: هُوَ زَيغوغتها وزوالها للظهر. قَالَ أَبُو زكريّا: ورأيت العرب تذهب بالدلوك إلى غياب الشمس أنشدني بعضهم: هَذَا مَقَام قدَمَيْ رَبَاحِ ... ذبَّبَ حَتَّى دَلَكتْ بِراحِ يعني الساقي ذبَّب: طرد الناس. براح يقول: حَتَّى قَالَ «1» بالراحة عَلَى الْعَين فينظر هَلْ غابت قَالَ: هكذا فسَّروه. وقوله (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) : أوّل ظلمته للمغرب والعشاء. وقوله (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) أي وأقم قرآن الفجر (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) يعني صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار. وقوله: نافِلَةً لَكَ [79] ليست لأحد نافلة إلا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه لَيْسَ من أحد إلا يخاف عَلَى نفسه، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد غُفِرَ لَهُ ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فعمله نافلة. وقوله: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ [80] قَالَ لَهُ فِي المنصرف لِمَا رجع من معسكره إلى المدينة حين أراد الشام (وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) إلى مكة.   (1) ا: «يقال» وقال بالراحة: أشار بها. ورواه غير الفراء: «براح» بفتح الباء. وبراح اسم الشمس. وانظر اللسان (برح) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 وقوله: كانَ يَؤُساً [83] إذا تركت الهمزة من قوله (يؤوسا) فإن العرب تَقُولُ يَوْسًا ويَووسًا تجمعون «1» بين ساكنين وكذلك (وَلا يَؤُدُهُ «2» حِفْظُهُما) وكذلك (بِعَذابٍ «3» بَئِيسٍ) يقول بيس و (بييس) و (يؤوده) يجمعون بين ساكنين. فهذا كلام العرب: والقراء يقولون (يووسا) و (يووده) فيحركون الواو إلى الرفع و (بَيِيسٍ) يحركون الياء الأولى إلى الخفض. ولم نَجد ذَلِكَ فِي كلامهم، لأن تَحريك الياء والواو أثقل من ترك الْهَمْزَةِ، فلم يكونوا ليَخْرجوا من ثقل إلى ما هُوَ أثقل منه. وقوله: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ [84] : ناحيته. وهي الطريقة والجديلة. وسمعت بعض العرب من قضاعة يقول: وعبد الملك إذا ذاك عَلَى جديلته وابن الزبير عَلَى جديلته. والعربُ تَقُولُ: فلان عَلَى طريقة صالِحة، وخيْدَبة صالِحة، وسُرْجُوجة. وعُكْل تَقُولُ: سِرْجيجة. وقوله: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [85] يقول: مِن علم ربي، لَيْسَ من علمكم. وقوله: إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [87] استثناء «4» كقوله (إِلَّا حاجَةً «5» فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها) . وقوله: عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ [88] جواب «6» لقوله (لئن) والعربُ إذا أجابت (لئن) ب (لا) جعلوا ما بعد لا رفعًا لأن (لئن) كاليمين، وجواب اليمين ب (لا) مرفوع. وربما جَزَم الشاعر، لأن (لئن) «7» إن التي يُجازي بِهَا زيدت عليها لام، فوجّه الفعل فيها إلى فعل، ولو أُتي بيفعل لجاز جزمه. وقد جزم بعضُ الشعراء بلئن، وبعضهم بلا التي هى جوابها. قال الأعشى:   (1) أي إذا حذفت الهمزة خلفتها واو ساكتة فتجتمع ساكنة مع الواو الأولى، وهذا الرأى من الفراء لا يعرف لغيره. (2) الآية 255 سورة البقرة (3) الآية 165 سورة الأعراف (4) يريد أنه استثناء منقطع بمعنى لكن الاستدراكية، كما فى آية يوسف (5) الآية 68 سورة يوسف (6) أي قوله: لا يأتون» (7) ا: «بعد إن» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 لَئِنْ مُنِيتَ بِنا عَن غِبِّ مَعْرَكةٍ ... لا تلفنا من دماء القوم ننتفل «1» 102 اوأنشدتنى امرأة عقيلية فصيحة: لئِن كَانَ ما حُدِّثْتُهُ اليومَ صادِقًا ... أَصُمْ فِي نهار الْقَيْظِ للشَّمسِ بادِيَا وأَرْكَبْ حمارًا بين سرجٍ وفروةٍ ... وأعْرِ من الخاتام صُغْرَى شماليا «2» قَالَ وأنشدني الْكِسَائي للكميت بن معروف: لئن تَكُ قد ضاقْت عليكم بُيوتُكُمْ ... لَيَعْلَمُ ربي أن بيتي واسعُ «3» وقوله (لِبَعْضٍ ظَهِيراً) الظهير العون. وقوله: مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [90] . الَّذِي ينبع، ويقال: ينبع لغتان. و (تَفْجُرَ) قرأها يَحْيَى بن وثاب وأصحاب عبد الله بالتخفيف «4» . وكأن الفجر مرة واحدة و (فَتُفَجِّرَ) فكأن التفجير من أماكن. وهو بِمنزلة فتحت الأبواب وفتحتها. وقوله: كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً [92] . و (كِسَفاً) الكسف «5» : الجماع. قَالَ: سمعت أعرابيًا يقول لبزاز ونحن بطريق مكة: أعطنى كشفة أي قطعة. والكشف مصدر. وقد تكون الكسف جمع كسفة وكسف. وقوله (أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا) أي كفيلًا. وقوله: أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ [93] . المعنى: إلى السماء. غير أن جوازه أنهم قالوا: أو تضع سُلَّمًا فترقى عَلَيْهِ إلى السماء، فذهبت (فى) إلى السلّم.   (1) البيت فى معلقته، والانتفال: التبرؤ، ومنيت: ابتليت. (2) انظر ص 67 من الجزء الأول (3) انظر ص 66 من الجزء الأول (4) قراءة التخفيف العاصم والكسائي وحمزة ويعقوب وخلف وافقهم الحسن والأعمش. وقراءة التشديد للباقين (5) قرأ بفتح السين نافع وابن عامر وعاصم وأبو جعفر، وقرأ الباقون بإسكانها [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 وقوله: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا [94] أن فِي موضع نصب (إِلَّا أَنْ قالُوا) (أن) فِي موضع رفع. (أَوْ يَكُونَ «1» لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي حبّان عن الكلبىّ قال: الزخرف: الذهب. وقوله: لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ [102] قرأها ابن عباس وابن مسعود (علمت) بنصب التاء. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي هشيم عَن أبي بشر عَن سعيد بن جبير (لَقَدْ عَلِمْتَ) مثله بنصب التاء. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي قَيْسٌ وَأَبُو الأَحْوَصِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ شَيْخٍ مِنْ مُرَادٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ مَا عَلِمَ عَدُوُّ «2» اللَّهِ، إِنَّمَا عَلِمَ مُوسَى. وَكَانَ يَقْرَأُ (عَلِمْتُ) بِرَفْعِ التَّاءِ. وفسره الكلبي بإسناده عَلَى قراءة عليّ وتفسيره. وأما ابن عباس وابن مسعود فقالا: قد قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ (وَجَحَدُوا «3» بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) قَالَ الفراء: والفتح أحبّ إِليَّ وقال «4» بعضهم: قرأ الْكِسَائي بالرفع، فقال: أخالفه أشدَّ الخلاف. وقوله: يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً [102] ممنوعًا من الخير. والعرب تَقُولُ: ما ثَبَرك عَن ذا أي ما منعك منه وصرفك عنه. وقوله: جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً [104] من هاهنا وهاهنا وكلّ جانب. وقوله: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ [106] نصبت القرآن بأرسلناك أي ما أرسلناك إلا مبشّرا ونذيرا وقرآنا أيضًا كما تَقُولُ: ورحمة لأن القرآن رحمة. ويكون نصبه بفرقناهُ عَلَى راجع ذكره. فلما كانت الواو قبله   (1) هذا وتفسيره فى الآية 93 السابقة. ومكانه قبل قوله: «أو ترقى فى السماء» (2) يريد فرعون (3) الآية 14 سورة النمل (4) الظاهر أن هذا من المستملي، أي قال المستملي للفراء: إن بعض القراء نسب إلى الكسائي القراءة بالضم فقال الفراء إنى أخالفه فى هذا ولا أقبل قراءته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 نصب. مثله (وَفَرِيقاً «1» حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) وأما (فَرَقْناهُ) بالتخفيف فقد قرأه أصحاب «2» عبد الله. والمعنى أحكمناهُ وفصَّلناهُ كما قال (فِيها «3» يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) أي يفصل. وروي عَن ابن عباس (فَرَّقْنَاهُ يقول: لَمْ ينزل فِي يوم ولا يومين. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مالك عن ابن عباس (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ) مخففة. وقوله: أَيًّا ما تَدْعُوا [110] (ما) قد يكون صلة، كما قَالَ تبارك وتعالى (عَمَّا قَلِيلٍ «4» لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) وتكون فِي معنى أي معادة لِمَا اختلف لفظهما: وقوله: (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا) أي قصدا. ومن سورة الكهف قوله تبارك وتعالى: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً المعنى: الحمد لله الَّذِي أنزل عَلَى عبده الكتاب قَيّما، ولم يجعل لَهُ عوجًا. ويُقال فى القيّم: قيّم على الكتب أي أنه بصدّقها. وقوله (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً) مع البأس أسماء «5» مضمرة يقع عليها الفعل قبل أن يقع عَلَى البأس. ومثله فِي آل عمران (إِنَّما ذلِكُمُ «6» الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) معناهُ: يخوفكم أولياءه. وقوله: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ معناهُ ولا لأسلافهم: آبائهم وآباء آبائهم [ولا] يعنى الآباء الذين هم لأصلابهم فقط.   (1) الآية 30 سورة الأعراف (2) هى قراءة عامة القراء. وقرأ بالتشديد ابن محيصن (3) الآية 4 سورة الدخان (4) الآية 40 سورة المؤمنين (5) والأصل لينذركم أو لينذر المشركين. وكأن المراد بالأسماء الجنس فيصدق بالواحد (6) الآية 175 سورة آل عمران الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 وقوله: (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) نصبها أصحاب عبد الله، ورفعها الْحَسَن وبعض «1» أهل المدينة. فمن نصب أضمر فِي (كَبُرَتْ) : كبرت تِلْكَ الكلمة كلمة. ومن رفع لَمْ يضمر شيئًا كما تَقُولُ: عظم قولك وكبر كلامك. وقوله فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ [6] أي مخرج نفسك قاتل نفسك. وقوله: (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا) تكسرها «2» إذا لَمْ يكونوا آمنوا عَلَى نيّة الجزاء، وتفتحها إذا أردت أنها قد مضت مثل قوله فِي موضع آخر: (أَفَنَضْرِبُ «3» عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ) و (أن كنتم) . ومثله قول الشاعر: أتجزع أن بان الخليط المودّع ... وجبل الصّفا من عزّة المتقطع وقوله: صَعِيداً [8] الصعيد التراب. والجُرز: أن تكون الأرض لا نبات فيها. يُقال: جرِزَت الأرض وهي مجروزة. وجرزَها الجرادُ أو الشاء أو الإبل فأكلن ما عليها. وقوله: أَمْ حَسِبْتَ [9] يخاطب محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ) الكهف: الجبل «4» الَّذِي أَوَوْا إِلَيْهِ. والرقيم: لوح رصاص كتبت فِيهِ أنسابهم ودينهم وممَّ هربوا. وقوله: هَيِّئْ [10] كتبت الْهَمْزَةُ بالألف (وهَيَّأ) بهجائه. وأكثر ما يكتب الْهَمْز عَلَى ما قبله. فإن كان ما قبله مفتوحا كتبت بالألف. وإن كَانَ مضمومًا كتب بالواو، وإن كَانَ مكسورًا كُتِبت بالياء. وربما كتبتها العرب بالألف فِي كل حال لأن أصلها ألف. قالوا نراها إذا ابتدئت   (1) وقد نسبت هذه القراءة إلى ابن محيصن (2) الكسر قراءة العامة (3) الآية 5 سورة الزخرف والكسر قراءة نافع وحمزة والكسائي وأبى جعفر وخلف، وافقهم الحسن والأعمش، والباقون بالفتح (4) فى الطبري: «الكهف كهف الجبل» وهى أولى. فالكهف هو المغارة فى الجبل [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 تكتب بالألف فِي نصبها وكسرها وضمّها مثل قولك: أُمِرُوا، وأمرت، وقد جئت «1» شيئًا إمرًا فذهبوا هَذَا المذهب. قَالَ: ورأيتها «2» فِي مصحف عبد الله (شَيْأً) فِي رفعه وخفضه بالألف. ورأيتُ يستهزءون يستهزأون بالألف وهو القياس. والأول أكثر فِي الكتب، وقوله: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ [11] بالنوم «3» . وقوله: (سِنِينَ عَدَداً) العدد هاهنا فِي معنى معدودة والله أعلم. فإذا كَانَ ما قبل العدد مُسَمًّى مثل المائة والألف والعشرة والخمسة كَانَ فِي العدد وجهان: أحدهما: أن تنصبه عَلَى المصدر فتقول: لك عندي عشرة عَدَدًا. أخرجت العدد من العشرة لأن فِي العشرة معنى عُدَّت، كأنك قلت: أُحصيت وعُدَّت عَدَدًا وَعَدّا. وإن شئت رفعت العدد، تريد: لك عشرة معدودة فالعدد هاهنا مع السنين بِمنزلة قوله تبارك وتعالى فِي يوسف (وَشَرَوْهُ «4» بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) لأن الدراهم ليست بِمسمَّاة «5» بعدد. وكذلك ما كَانَ يُكال ويوزن تخرجه (إذا جاء «6» ) بعد أسمائه عَلَى الوجهين «7» . فتقول لك عندي عشرة أرطال وزنًا ووزن وكيلًا وكيلٌ عَلَى ذَلِكَ. وقوله: 103 ا- لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى [12] رفعت أيَّا بأحصى لأن العلم لَيْسَ بواقع عَلَى أيّ إنَّما هُوَ: لتعلم بالنظر والمسألة وهو كقولك اذهب فاعلم لي أيُّهم قام، أفلا ترى أنك إنما توقع العلم عَلَى من تستخبره. ويُبين ذَلِكَ أنك تَقُولُ: سل عبد الله أيهم قام فلو حذفت عبد الله لكنت لَهُ مريدًا، ولمثله من المخبرين.   (1) فى الآية 71 سورة الكهف: «لقد جئت شيئا إمرا» (2) أي الهمزة (3) ش: «فى النوم» (4) الآية 20 سورة يوسف (5) ش، ب: «بمسميات» (6) سقط ما بين القوسين فى ا (7) ب: «وجهين» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 وقوله: (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) فيقال: إن طائفتين من المسلمين فِي دهر أصحاب الكهف اختلفوا فِي عددهم. ويُقال: اختلف الكفار والمسلمون. وأما (أَحْصى) فيقال: أصوب: أي أيهم قَالَ بالصواب. وقوله: (أَمَداً) الأمد يكون نصبه عَلَى جهتين إن شئت جعلته خرج من (أَحْصى) مفسِّرًا، كما تَقُولُ: أيّ الحزبين أصوب قولًا وإن شئت أوقعت عَلَيْهِ اللُّبَاث: للباثهم أمدًا. وقوله: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ [16] يعني أصحاب الكهف «1» فقال: وإذ اعتزلتم جَميع ما يعبدون من الآلهة إلّا الله. و (ما) فِي موضع نصب. وَذَلِكَ أنهم كانوا يشركون بالله، فقال: اعتزلتم الأصنام ولم تعتزلوا الله تبارك وتعالى ولا عبادته: وقوله: (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ) جواب لإذْ كما تَقُولُ: إذ فعلت ما فعلت فتُبْ. وقوله: (مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً) كسر «2» الميم الأعمش والحسن، ونصبها أهلُ المدينة وَعَاصِم. فكأن الَّذِينَ فتحوا الميم وكسروا الفاء أرادوا أن يفرقوا بين المرفق من الأمر والمرفق من الْإِنْسَان وأكثر العرب عَلَى كسر الميم من الأمر ومن الْإِنْسَان. والعرب أيضًا تفتح الميم من مرفق الْإِنْسَان. لغتان فيهما. وقوله تَتَزاوَرُ [17] وقرئت (تزَّاوَرُ) «3» وتريد (تَتَزاور) فتدغم التاء عند الزَّاي. وقرأ بعضهم (تَزْوَرّ) «4» وبعضهم «5» (تَزْوَارّ) مثل تَحْمَر وتَحْمَارّ. والازورار فِي هَذَا الموضع أنها كانت تطلع   (1) أي فقال الله فى الحديث عن قولهم. أو فقال بعضهم. وقد يكون الأولى: فقالوا. (2) فى الإتحاف أن فتح الميم قراءة نافع وابن عامر وأبى جعفر، وأن الكسر للباقين، ومنهم عاصم. وقد نسب الفراء الفتح إلى عاصم، فكأنه فى بعض الروايات عنه. (3) قرأ (تزوار) ابن عامر ويعقوب، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف (تزوار) بتخفيف الزاى وافقهم الأعمش. وقرأ الباقون (تزاور) بتشديد الزاى. (4) قرأ (تزوار) ابن عامر ويعقوب، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف (تزوار) بتخفيف الزاى وافقهم الأعمش. وقرأ الباقون (تزاور) بتشديد الزاى. (5) فى البحر 6/ 107 أن هذه قراءة أبى رجاء وأيوب السختياني وابن أبى عبلة. وهى قراءة شاذة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 عَلَى كهفهم ذات اليمين ولا تدخل عليهم، وذات الشمال. والعربُ تَقُولُ: قرضته ذات اليمين وحذوته وكذلك ذات الشمال وقُبُلًا ودُبُرًا، كل ذَلِكَ أي كنت بِحذائه من كل ناحية. وقوله: ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [18] الْوَصِيد: الفناء. والوصيد والأصيد لغتان مثل الإكاف «1» والوكاف «2» ، ومثل أرَّخت الكتاب وورخته، ووكدت الأمر وأكدّته، ووضعته يتنا «3» وأَتْنا «4» ووتْنَا «5» يعني الْوَلد. فأمّا قول العرب: واخيت ووامرت وواتيت وواسيت فإنها بنيت على المواخاة والمواساة والمواتاة والمؤامرة، وأصلها الهمز كما قيل: هو سول منك، وأصله الْهَمْز فبُدِّل وَاوًا وبُني على السؤال. وقوله «6» : (فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) أي ناحية متّسعة. وقوله: (وَلَمُلِئْتَ) بالتخفيف قرأه عَاصِم والأعمش وقرأ «7» أهل المدينة (وَلَمُلِّئْتَ مِنْهُمْ) مشددًا. وهذا خوطب بِهِ مُحَمَّد صلّى الله عليه وسلم. وقوله: بِوَرِقِكُمْ [19] قرأها عَاصِم والأعمش بالتخفيف «8» وهو الْوَرِق. ومن العرب من يقول الْوِرْق، كما يقال كَبِد وكِبْدٌ وكَبْدٌ، وَكَلِمَةٌ وَكَلْمَةٌ وكِلْمَة. وقوله (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى) يُقال: أحَلّ ذَبيحة لأنهم كانوا مَجوسًا. وقوله: أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ [21] أظهرنا وأطلعنا. ومثله فِي المائدة (فَإِنْ عُثِرَ «9» ) : اطّلع (واحد «10» الأيقاظ يقظ ويقظ) .   (1) هو برذعة الحمار. (2) هو برذعة الحمار. [ ..... ] (3) هو أن تخرج رجلا المولود قبل يديه. (4) هو أن تخرج رجلا المولود قبل يديه. (5) هو أن تخرج رجلا المولود قبل يديه. (6) هذا فى الآية 17 (7) ش، ب: «قرأها» . (8) أي بإسكان الراء. والتخفيف عند عاصم فى رواية أبى بكر، أما رواية حفص عنه فكسر الراء. (9) الآية 107 سورة المائدة. (10) ما بين القوسين مكانه فى الآية 17 السابقة ففيها: «وتحسبهم أيقاظا وهم رقود» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 قوله: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [22] قَالَ ابن عباس: كانوا سبعة وثامنهم كلبهم. وقال ابن عباس: أنا من القليل الَّذِينَ قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) . ثم قال الله تبارك وتعالى لنبيه عَلَيْهِ السَّلَام (فَلا تُمارِ فِيهِمْ) يا محمد (إِلَّا مِراءً ظاهِراً) إلا أن تحدّثهم بِهِ حديثًا. وقوله: (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ) فِي أهل الكهف (مِنْهُمْ) من النصارى (أَحَداً) وهم فريقان أتوه من أهل نجران: يعقوبي ونُسطوري. فسألهم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن عددهم، فنُهِيَ. فذلك قوله (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) . وقوله: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً [23] إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [24] إلا أن تَقُولَ: إن شاء الله (ويكون مع القول «1» : ولا تقولنه إلا أن يشاء الله) أي إلا ما يُريد الله. وقوله (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) قَالَ ابن عباس: إذا حلفت فنسيت أن تستثني فاستثن متى ما ذكرت ما لَمْ تَحْنَث. وقوله: ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ [25] مضافة «2» . وقد قرأ كَثِير من القراء (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) يريدونَ ولبثوا فِي كهفهم سنين ثلاثمائة فينصبونها بالفعل. ومن العرب من يضع السنين فِي موضع سنة فهي حينئذ فِي موضع خفض لمن أضاف. ومن نَوَّن عَلَى هَذَا المعنى يريدُ الإضافة نصب السنين بالتفسير للعدد كقول عنترة: فيها اثنتان وأربعونَ حَلُوبةً ... سُودا كخافية الْغُرابِ الْأَسْحَمِ «3» فجعل (سودًا) وهي جمع مفسِّرة كما يفسّر الواحد.   (1) سقط ما بين القوسين فى ا. (2) هذه قراءة حمزة والكسائي وخلف، وافقهم الحسن والأعمش. (3) هذا من معلقته. وقوله: «فيها» أي في حمولة أهل محبوبته التي يتغزل بها. والحلوبة: المحلوبة يريد؟؟؟. وخافية الغراب آخر ريش الجناح مما يلى الظهر. والأسحم: الأسود. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 وقوله: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ [26] يريدُ الله تبارك وتعالى كقولك فِي الكلام: أكرم بعبد الله ومعناهُ: ما أكرم عبد الله وكذلك قوله (أَسْمِعْ «1» بِهِمْ وَأَبْصِرْ) : ما أسمعهم ما أبصرهم. وكل ما كَانَ فِيهِ معنى من المدح والذم فإنك تَقُولُ «2» فِيهِ: أظرف بِهِ وأكرم بِهِ، ومن الياء والواو: أطيب بِهِ طعامًا، وأجود بِهِ ثوبًا، ومن المضاعف تظهر فِيهِ التضعيف ولا يجوز الإدغام، كما لَمْ يجز نقص الياء ولا الواو لأن أصله ما أجوده وما أشده وأطيبه فترك عَلَى ذَلِكَ، وأمّا أشدد بِهِ فإنه ظهر التضعيف لسكون اللام من الفعل، وترك فِيهِ التضعيف فلم يدغم لأنه لا يثنى ولا يؤنث، لا تقول للاثنين: أشدَّا بِهما، ولا للقوم أشِدُّوا بِهم. وإنّما استجازت العرب أن يقولوا مُدّ فِي موضع أمدد لأنهم قد يقولون فِي الاثنين: مُدَّا وللجميع: مُدُّوا، فبُني الواحدُ عَلَى الجميع. وقوله (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) ترفع إذا كَانَ «3» بالياء عَلَى: وليس يُشرك. ومن «4» قَالَ (لا تُشْرِكْ) جزمها لأنها نَهْي. وقوله: مُلْتَحَداً [27] الْمُلْتَحد: الملجأ. وقوله: بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ [28] قرأ «5» أَبُو عبد الرحمن السلمي (بالغُدْوةِ والْعَشِيِّ) ولا أعلمُ أحدًا قرأ غيره. والعربُ لا تُدخل الألف واللام فِي الغدوة لأنها معرفة بغير ألف ولام سمعت أبا الجراح يقول: ما رأيتُ كغُدْوة قَطُّ، يعني غداة يومه. وذاك أنَّها كانت باردة ألا ترى أن العرب لا تضيفها فكذلك لا تُدخلها الألف واللام. إنّما يقولون: أتيتك غَدَاة الخميس، ولا يقولون: غُدْوَة الخميس. فهذا دليل على أنها معرفة.   (1) الآية 38 سورة مريم. (2) سقط فى ا. (3) ا: «كانت» . [ ..... ] (4) هو ابن عامر، وافقه المطوعى والحسن. (5) هى قراءة ابن عامر من السبعة. وقد ورد تنكير غدوة حكاه سيبويه والخليل عن العرب، فعلى هذا جاءت هذه القراءة ولا يصح إنكارها. وانظر البحر المحيط 4/ 136 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 وقوله (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ) الفعل للعينين: لا تنصرف عيناك عنهم. وهذه نزلت فِي سلمان وأصحابه. وقوله (وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) متروكًا قد تُرك فِيهِ الطاعة وغُفِلَ عنها. ويُقال إنه أفرط فِي القول فقال: نحن رءوس مُضَر وأشرافها، وليس كذلك. وهو عيينة ابن حصن. وقد ذكرنا «1» حديثه فى سورة الأنعام. وقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ [30] خبر (الَّذِينَ آمَنُوا) فِي قوله (إِنَّا لا نُضِيعُ) وهو مثل قول الشاعر: إن الخليفة إنّ الله سَرْبله ... سِرْبَالَ مُلْكٍ بِهَا تُزْجَى الخواتيمُ «2» كأنه فِي المعنى: إنا لا نضيعُ أجر من عمل صالِحًا فتُرِكَ الكلام الأول واعتُمد على الثاني بنيّة التكرير كما قال (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ «3» ) ثم قال (قِتالٍ فِيهِ) يريد: عَن قتال فِيهِ بالتكرير ويكون أن تجعل (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا) فِي مذهب جزاء، كقولك: إن من عمل صالِحًا فإِنّا لا نضيع أجره، ب: فتضمر فتضمّن الفاء فِي قوله (فإنّا) وإلقاؤها جائز. وهو أحبُّ الوجوه إليّ. وإن شئت جعلت خبرهم مؤخّرًا كأنك قلت: إن الَّذِينَ آمنوا وعملوا الصالِحات أولئكَ لَهم جنَّات عدن. وقوله: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ [31] لو ألقيت (مِنْ) مِنَ الأساور كانت نصبًا. ولو ألقيت (مِنْ) مِنَ الذهب جاز نصبه عَلَى بعض القبح، لأن الأساورَ لَيْسَ بِمعلوم عددها، وإنما يحسن «4»   (1) انظر ص 336 من الجزء الأولى. (2) «بها» كذا والسربال مذكر فكأنه أراد الحلة. وفى الطبري: «به» وقوله: «تزجى» أي تدفع وتساق. وفى الطبري: «ترجى» . (3) الآية 217 سورة البقرة. (4) ا: «حسن» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 النصب فِي المفسر إذا كَانَ معروف العدد، كقولك: عندي جُبَّتان خَزّا، وأسواران ذهبًا، وثلاثة أساور ذهبًا. فإذا قلت: عندي أساورُ ذهبًا فلم تبيّن عددها كَانَ بِمن، لأن المفسر ينبغي لِمَا قبله أن يكون معروف المقدار. ومثله قَوْل الله تبارك وتعالى (وَيُنَزِّلُ «1» مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) المعنى: فيها جبال بَرد، فدخلت (من) لأن الجبال غير معدودة فِي اللفظ. ولكنه يَجوز كأنك تريد بالجبال والأساور الكثيرة، كقول القائل: ما عنده إلا خاتمان ذهبًا قلت أنت: عنده خواتم ذهبًا لمّا أن كَانَ ردًّا عَلَى شيء معلوم العدد فأنزل الأساورَ والجبال من بَرد عَلَى هَذَا المذهب. فأما (يُحَلَّوْنَ) فلو قَالَ قائل: يَحْلَون لجازَ، لأن العرب تَقُولُ: امرأة حالية، وقد حليت فهي تحلى إذا لبست الْحُلِيّ فهي تحلى حُلِيًّا وحَلْيًا. وقوله (نِعْمَ الثَّوابُ) ولم يقل: نعمت الثواب، وقال (وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) فأنَّثَ الفعل عَلَى معنى الجنَّة ولو ذكر بتذكير المرتفق كَانَ صوابًا، كما قَالَ (وَبِئْسَ «2» الْمِهادُ) ، وبئس «3» القرار) ، (وَبِئْسَ «4» الْمَصِيرُ) وكما قال (بِئْسَ «5» لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) يريد إبليس وذريته، ولم يقل بئسوا. وقد يكون (بئس) لإبليس وحده أيضًا. والعرب تُوحد نعم وبئس وإن كانتا بعد الأسماء فيقولون: أما قومك فنعموا قومًا، ونعم قومًا، وكذلك بئس. وإنما جازَ توحيدها لأنهما ليستا «6» بفعل يلتمس معناه، إنما أدخلوهما لتدلا عَلَى المدح والذم، ألا ترى أن لفظهما لفظ فَعَل «7» وليس معناهما كذلك، وأنه لا يُقال منهما يبأس الرجل زيد، ولا ينعم الرجل أخوك، فلذلك استجازوا الجمع   (1) الآية 43 سورة النور. (2) الآية 197 سورة آل عمران. وورد فى مواضع أخر. (3) الآية 29 سورة إبراهيم. (4) الآية 126 سورة البقرة. وورد فى مواطن أخر. (5) الآية 50 سورة الكهف. (6) ا: «ليسا» . (7) يريد لفظ الفعل الماضي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 والتوحيد فِي الفعل. ونظيرهما (عَسى أَنْ يَكُونُوا «1» خَيْراً مِنْهُمْ) وَفِي قراءة عبد الله (عسوا أن يَكونوا خيرًا منهم) ألا ترى أنك لا تَقُولُ، هُوَ يَعْسِي كما لَمْ تقل يَبْأَس. وقوله: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها [33] ولم يقل: أتتا. وَذَلِكَ أن (كِلْتَا) ثنتان لا يُفرد واحدتهما، وأصله كُلّ كما تَقُولُ للثلاثة: كل: فكان القضاء أن يكون للثنتين ما كَانَ للجمع، لا أن يفرد للواحدة شىء فجاز توحيده 104 ب عَلَى مذهب كلّ. وتأنيثه جائز للتأنيث الَّذِي ظهر فِي كلتا. وكذلك فافعل بكلتا وكِلا وكُلّ إذا أضفتهنّ إلى معرفة وجاء الفعل بعدهن، فاجمع ووحِّد. من التوحيد قوله (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ «2» يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) ومن الجمع (وَكُلٌّ أَتَوْهُ «3» داخِرِينَ) و (آتوه) مثله. وهو كَثِير فِي القرآن وسائر الكلام. قَالَ الشاعر: وكلتاهما قد خُطّ لي فِي صحيفتي ... فلا العيشُ أهواهُ ولا الموتُ أرْوح وقد تفرد العربُ إحدى كلتا وهم يذهبونَ بإفرادها إلى اثنتيها، أنشدني بعضهم. فِي كِلْت رجليها سُلَامَى واحدة ... كلتاهما مقرونة بزائده «4» يريد بكلت كلتا. والعرب تفعل ذَلِكَ أيضًا فِي (أىّ) فيؤنثون ويذكّرون، والمعنى التأنيث، من ذلك قول الله تبارك   (1) الآية 11 سورة الحجرات. [ ..... ] (2) الآية 95 سورة مريم. (3) الآية 87 سورة النمل. (4) ورد هذا الرجز فى الخزانة فى الشاهد الثالث عشر. وفيها أنه فى وصف نعامة. والسلامى: عظم فى فرسن البعير، وعظام صغار طول إصبع أو أقل فى اليد والرجل والفرسن للبعير بمنزلة الحافر للفرس والضمير فى كلتاهما للرجلين. والشطر الأخير مؤكد لما فى الشطر الأول فالزائدة هى السلامى. وقد ضبط «كلت» بالكسر، والذي فى الخزانة والإنصاف ضبطه بالفتح، وقد يسر هذا للبصريين أن يقولوا: الأصل كلتا فحذفت الألف. والأقرب إلى مذهب الفراء والكوفيين الجر بالكسر إذ يجعلونها مفرد كلتا. وفى الخزانة أورد عبارة الفراء هكذا. «وقد تفرد العرب إحدى كلتى بالإحالة وهم يذهبون بافرادها إلى اثنينيتها وأنشد فى بعضهم البيت. يعنى الظليم يريد بكلت كلّى» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 وتعالى (وَما تَدْرِي «1» نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) ويَجوز فِي الكلام بأيَّة أرض. ومثله (فِي أىّ «2» صورة) يجوز فِي الكلام فِي أيَّة صورة. وقال الشاعر: بأيّ بلاء أَمْ بأيَّة نعمة ... يقدّم قبلي مسلم والمهلب ويجوز أيتهما قَالَ ذاك. وقالت ذاك أجود. فتذكر وقد أدخلت الْهَاء، تتوهم أن الْهَاء ساقطة إذا جاز للتأنيث (بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) وكذلك يَجوز أن تَقُولُ للاثنتين «3» : كلاهما وكلتاهما. قَالَ الشاعر: كلا عقبيه قد تشعّب رأسُهَا ... من الضرب فِي جنْبِي ثَفال مباشر الثفال: البعير البطيء فإن قَالَ قائل: إنما استجزت توحيد (كِلْتَا) لأن الواحد منهما لا يُفرد فهل تجيز: الاثنتان قام وتوحد، والاثنان قام إذ لَمْ يفرد لَهُ واحد؟ قلت: إن الاثنين بنيا عَلَى واحد ولم يُبن (كلا) عَلَى واحد، ألا ترى أن قولك: قام عبد الله كلُّه خطأ، وأنك تَجد معنى الاثنين عَلَى واحد كمعنى الثلاثة وزيادات «4» العدد، ولا يَجوز إلا أن تَقُولُ: الاثنان قاما والاثنتان قامَتَا. وهي فِي قراءة عبد الله. كُلّ الجنتين آتى أُكُله ومعناه كل شيء من ثمر الجنتين آتى أكله. ولو أراد جمع الثنتين ولم يرد كل الثمر لَمْ يجز إلا كلتاهما، ألا ترى أنك لا تَقُولُ: قامت المرأتان كلهما، لأن (كل) لا تصلح لإحدى المرأتين وتصلح لإحدى الجنتين. فقس عَلَى هاتين كل ما يتبعض مما يقسم أولا يقسم.   (1) الآية 34 سورة لقمان. (2) الآية 8 سورة الانفطار. (3) ا، ش، ب «للاثنين» والمناسب ما أثبت. (4) يريد أربعة فما قوقها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 وقوله (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً) يقال: كيف جَازَ التشديد وإنَّما النهر واحد؟ قلت: لأن النهر يمتد حَتَّى صار التفجر كأنه فِيهِ كله فالتخفيف فِيهِ والتثقيل جائزان. ومثله (حَتَّى تَفْجُرَ «1» لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) يثقّل ويخفّف «2» . (قوله: وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ [34] ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي المعلَّى بن هلال الْجَعَفِيّ عَن ابن أبي نجيح عَن مجاهد قَالَ: ما كَانَ فِي القرآن من ثُمُر بالضم «3» فهو مال، وما كَانَ من ثَمَر مفتوح فهو من الثمار. وقوله: خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً [36] مردودة عَلَى الجنة وَفِي بعض مصاحف «4» أهل المدينة (منْهُمَا مُنْقَلَبًا) مردودة عَلَى الجنتين. وقوله: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي [38] معناهُ: لكن أنا هُوَ الله ربي تُرك همزة الألف من أنا، وكثر بِهَا الكلام «5» ، فأدغمت النون من (أنا) مع النون من (لكن) ومن العرب من يقول: أنا قلت ذاك بِتمام الألف فقرئت لكنّا عَلَى تِلْكَ اللغة وأثبتوا الألف فِي اللغتين فِي المصحف: كما قالوا: رأيت يزيدا وقواريرا فثبتت «6» فيهما الألف فِي القولين «7» إذا وقفت. ويَجوز الوقوف بغير ألف فِي غير القرآن فِي أنا. ومن العرب من يقول إذا وقف: أَنَّهُ وهي فِي لغة جيدة. وهي فِي علياتميم وسُفْلَى قيس وأنشدني أَبُو ثروان: وترمينني بالطّرْف أيْ أنت مذنب ... وتقلينني لكن إيّاك لا أَقلي يريد: لكن أنا إياك لا أقلي، فترك الْهَمْز فصار كالحرف الواحد. وزعم الْكِسَائي   (1) الآية 90 سورة الإسراء. (2) التخفيف لعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف وافقهم الحسن والأعمش، والتثقيل للباقين. (3) قرأ بالفتح هنا، وفى الآية الآتية «وأحيط بثمره» عاصم وأبو جعفر وروح، وقرأ الباقون بالضم. وفى اللسان (ثمر) أن يونس لم يقبل هذه التفرقة فكأنهما عنده سواء. (4) هى قراءة نافع وابن كثير وابن عامر وأبى جعفر وافقهم ابن محيصن. (5) فى ا: فى «الكلام» . (6) ا: «تثبت» . (7) أي عند من يقول فى الوصل: «لكنا» بالألف وهم ابن عامر وأبو جعفر ورويس، وعند من يقول فى الوصل: «لكنا» بدون ألف وهم الباقون. [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 أَنَّهُ سمع العرب تَقُولُ لكن والله، يريدون: لكن أنا والله. وقال الْكِسَائي: سمعتُ بعض العرب يقول: إنّ قائم يريد إن أنا قائم فترك الْهَمْز: وأدغم فهي نظير «1» للكن. وقوله: ما شاءَ اللَّهُ [39] مَا، فِي موضع رفع، إن شئت رفعته بإضمار (هُوَ) تريد: هُوَ ما شاء الله. وإن شئت أضمرت ما شاء الله كَانَ فطرحت (كان) وكان موضع (ما) نصبا بشاء، لأن الفعل واقع عَلَيْهِ. وجاز طرحُ الجواب كما قَالَ (فَإِنِ «2» اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ) لَيْسَ لَهُ جواب لأن معناهُ «3» معروف. وقوله: (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ) (أنا) إذا نصبت (أقلَّ) عماد «4» . وإذا رفعت (أقل) فهي اسم والقراءة بِهما «5» جائزة. وقوله: صَعِيداً زَلَقاً [40] الزلق: التراب الَّذِي لا نبات فِيهِ محترق «6» رميم [قوله:] ماؤُها غَوْراً [41] العرب تَقُولُ: ماء غَوْر، وماءان غَوْر، ومياه غور بالتوحيد فِي كل شيء. وقوله: خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها [42] عَلَى سقوفها. وقوله: وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ ينصرنه [43] ذهب إلى الرجال. ولو قيل: تنصره يذهب إلى الفئة- كما قَالَ (فِئَةٌ) تُقَاتِلُ فِي «7» سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ- لجاز: وقوله: هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ [44] رفع «8» من نعت (الْوَلايَةُ) وَفِي قراءة أُبَيّ   (1) ش: «نظيرة» . (2) الآية 35 سورة الأنعام. (3) يريد أن معنى الجواب لا يحتاج إلى ذكره وهو: «فافعل» كما ذكره المؤلف فى ص 331 من الجزء الأول. (4) هو ضمير الفصل عند البصريين. (5) قراءة النصب للجمهور. وقراءة الرفع لعيسى بن عمر. وهى قراءة شاذة. وانظر البحر 6/ 129. (6) كذا. وكأن الأصل. «فما فيها محترق رميم» أي الشجر الذي كان فى الجنة. (7) الآية 13 سورة آل عمران. (8) الرفع قراءة أبى عمر والكسائي والباقون بالجر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 (هُنَالِكَ الْوَلايةُ الحقُّ َّلِلَّهِ) وإن شئت خفضت تجعله من نعت (الله) والولاية «1» الملك. ولو نصبت «2» (الْحَقِّ) عَلَى معنى حقًّا كَانَ صوابًا. وقوله: تَذْرُوهُ الرِّياحُ [45] من ذَرَوْت وذَرَيْت لغة، وهي كذلك فِي قراءة عبد الله (تَذْرِيهِ الريح) ولو قرأ قارئ (تذريه الريح) من أذريت أي تلقيه كَانَ وجهًا وأنشدني المفضل: فقلتُ لَهُ صوِّب ولا تجهدنَّه ... فيُذرك من أُخرى القطاة فتزلق «3» تَقُولُ «4» : أذريت الرجل عَن الدابة وعن «5» البعير أي ألقيته. وقوله: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ [46] يُقال هي الصلوات الخمس ويُقال هي سبحان الله والحمدُ لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وقوله: (وَخَيْرٌ أَمَلًا) (يقول خير ما يؤْمَل) والأمل للعمل الصالِح خير من الأمل للعمل السيّء. وقوله وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ [47] و (تَسِيرُ «6» الْجِبالُ) . وقوله: (وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) يقول: أبرزنا أهلها من بطنها. ويُقال: سُيرت عنها الجبال فصارت كلها بارزة لا يستر بعضها بعضا.   (1) هذا على القراءة بكسر الواو. وهى لحمزة والكسائي وخلف. فأما على فتح الواو فمعناها الموالاة والنصرة. (2) هى قراءة عمرو بن عبيد كما فى الكشاف. (3) من قصيدة لامرىء القيس. وهو فى البيت يخاطب غلامه وقد حمله على فرس جواد للصيد ويقال: صوب الفرس إذا أرسله للجرى. والقطاة من الفرس: موضع الردف. يقول لا تجهده فى العدو فيصرعك. وانظر الديوان 174، ص 206 من الجزء الأول. (4) ا: «يقال» . (5) سقط فى ا. (6) هى قراءة ابن كثير وأبى عمرو وابن عامر. [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 وقوله (فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ) هذه القراءة (ولو «1» قرئت «ولم نغْدِرْ» كَانَ صوابًا) ومعناهما واحد يقال: ما أغدرت منهم أحدًا، وما غادرت وأنشدني بعضهم «2» : هَلْ لك والعائض منهم عائِض ... فِي هجمة يغدر منها القابض سُدْسا ورُبعا تحتها فرائض قَالَ، الفراء سدس ورُبْع من أسنان الإبل. وقوله فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [50] أي خرج «3» عَن طاعة ربه. والعربُ تَقُولُ، فَسقت الرُّطَبة من (جلدها «4» ) وقشرها لخروجها منه وكأن الفأرة إنها سميت فويسقة لخروجها من جحرها عَلَى الناس. وقوله: وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً [52] يقال: جعلنا تواصلهم فِي الدُّنْيَا (مَوْبِقاً) يقول مَهْلِكًا لَهُم فِي الآخرة ويُقال: إنه وادٍ فى جهنم. وقوله: فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها [53] أي علموا. وقوله: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا [55] يُقال: الناس هاهنا فِي معنى رجل واحد. وقوله (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) أن فِي موضع رَفع وقوله (سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) يقول: سنتنا فِي إهلاك الأمم المكذبة. وقوله (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا) : عيانا. وقد تكون (قُبُلًا «5» ) لهذا المعنى. وتكون (قُبُلًا) كأنه جمع قَبيل وقُبُل أي عذاب متفرق يتلو بعضه بعضا.   (1) ما بين القوسين فى ش وفى ابدله: «ولم تغدر جائزة لو قرئت» . (2) ا، ب «بعض بنى فقعس» والرجز لأبى محمد الفقعسي كما فى اللسان (عرض) وهو يخاطب امرأة خطبها إلى نفسه ورغبها أن تنكحه. والهجمة من الإبل أولها الأربعون إلى ما زادت وأراد أنها إبل كثيرة لا يقدر القابض على سوقها فهو يترك بعضها. وقوله: والعائض منك عائض أي الذي يعطيك عوضا أوقع الشيء موقعه فهو عائض. وبروى: والعارض منك عائض والسدس جمع سدبس وهو فى أسنان الإبل قبل البازل والبازل يكون فى تاسع سنيه والربع جمع رباع للذى ألقى الرباعية وهى السن بين الثنية والناب وهو فى الإبل فى السنة السابعة. والفرائض ما يؤخذ من الإبل فى الزكاة وكأنه يريد أن معها ما يؤخذ فى زكاتها. (3) ا: «من» . (4) سقط فى ا. (5) هذه قراءة غير عاصم وحمزة والكسائي وأبى جعفر وخلف والأعمش أما هؤلاء فقراءتهم ضم القاف والباء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 وقوله: لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا [58] (الموئل «1» الْمَنْجَى) وهو الملجأ فِي المعنى واحد. والعربُ تَقُولُ: إنه ليوائل إلى موضعه يريدون: بذهب إلى موضعه وحِرْزه. وقال الشاعر: لا وألت نفسك خلَّيتها ... للعامريّين ولم تُكْلَم «2» (يريد «3» : لا نجت) . وقوله: لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً [59] يقول: لإهلاكنا إيّاهم (مَوْعِداً) أجلًا وقرأ «4» عَاصِم (لَمهْلَكهِمْ) فتح الميم واللام ويَجوز (لمهِلكهم) بكسر اللام تبنيه عَلَى هَلَك يَهْلِك. فمن أراد الاسم «5» مِمّا يُفْعَل منه مكسور الْعَين كسر مفعلًا. ومن أراد المصدر فتح الْعَين. مثل المضرب والمضرب والمدبّ والمدبّ والمفرّ المفرّ فإذا كَانَ يفعل مفتوح الْعَين آثرت العرب فَتَحها فِي مفعل، اسمًا كَانَ أو مصدرًا. وربما كسروا الْعَين فِي مفعل إذا أرادوا بِهِ الاسم. منهم من قَالَ (مَجْمَعَ «6» الْبَحْرَيْنِ) وهو القياس «7» وإن كَانَ قليلًا. فإذا كَانَ يفعل مضموم الْعَين مثل يدخل ويخرج آثرت العرب فِي الاسم منه والمصدر فتح الْعَين إلا أحرفًا من الأسماء ألزموها كسر الْعَين فِي مفعل. من ذَلِكَ المسجد والمطلع والمغرب والمشرق والمسقط والمفرق والمجزر والمسكن والمَرْفِق من رَفَق يَرْفُق والمنسِك من نسك ينسك، والمنبت.   (1) فى افى مكان ما بين القوسين: «منجى مقصور» . (2) ورد فى اللسان (وأل) وفيه ا: «واءلت» . (3) فى ا: «يقول: لا نجت نفسك» . (4) أي فى رواية أبى بكر أما فى رواية حفص فيفتح الميم وكسر اللام والباقون بضم الميم وفتح اللام (5) أي اسم الزمان والمكان. (6) ورد فى الآية 60 سورة الكهف. وقرأ بكسر الميم الضحاك وعبد الله بن مسلم كما فى البحر 6/ 144. (7) كذا وكأنه يريد بالقياس أن الأصل الفرق بين المصدر والاسم فالفتح للمصدر والكسر للاسم فهذا هو القياس فى الأصل، ولكن خولف فى بعض المواطن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 فجعلوا الكسر علامة للاسم، والفتح علامة للمصدر. وربما فتحه بعض العرب (فِي الاسم «1» ) وقد قرئ مسكن «2» ومسكَن. وقد سمعنا المسجد والمسجَد وهم يريدون الاسم، والمطلَع والمطلِع. والنصب فِي كلّه جائزِ وإن لَمْ تسمعه فلا تنكرنه إن أتى. وما كَانَ من ذوات الياء والواو من دعوت وقضيت فالمفعل منه فِيهِ مفتوح اسمًا كَانَ أو مصدرًا، إلا المأقِي من الْعَين فإن العرب كسرت هَذَا الحرف. وبعضُ العرب يُسمّي مأوَى الإبل مَأوِي فهذان نادران. وإنّما امتنعوا من (كسر «3» الْعَين) فِي الياء والواو لأن الياء والواو تذهبان فِي السكت للتنوين الَّذِي يلحق، فردّوها إلى الألف إذ كانت لا تسقط فِي السكوت. وإذا كَانَ المفعل من كال يكيل وشبهه من الفعل فالاسم منه مكسور، والمصدر مفتوح من ذلك مال مميلا ومما لا تذهب بالكسر إلى الأسماء، وبالفتح إلى المصادر. ولو فتحتهما جَميعًا أو كسرتهما فِي المصدر والاسم لَجاز. تَقُولُ العرب: المعاش. وقد قالوا: المعيش. وقال رؤبة ابن العجّاج: إليك أشكو شدّة المعيش 106 ا ... ومرّ أعوام نتَفْن ريشي نتف الْحُبَارَى عَن قَرَا رَهِيشِ «4» القَرَا: الظهر، وقال الآخر: أنا الرجل الَّذِي قد عبتموهُ ... وما فيكم لَعيّاب معاب «5»   (1) سقط فى ا. (2) ورد فى الآية 15 سورة سبأ «لقد كان سبأ. فى مسكنهم آية جنتان» قرأ بفتح الكاف حفص وحمزة، وقرأ بكسرها الكسائي وخلف. [ ..... ] (3) ا: «الكسر» . (4) الرهيش من الإبل: المهزولة. (5) ورد البيت فى اللسان والتاج (عيب) . وفيهما: «فيه» فى مكان «فيكم» . وكأن المعنى هنا أنكم ليس عندكم شىء تعابون به إذ إن العيب يكون للاديم الصحيح، فأما الأديم الفاسد فلا مجال للعيب فيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 ومثله مَسَار ومَسِير، وما كَانَ يشبهه فهو مثله. وإذا كَانَ يفعل مفتوحًا من ذوات الياء والواو مثل يخاف ويَهاب فالاسم والمصدر منه مفتوحان مثل المخاف والمهاب: وما كَانَ من الواو مضمومًا مثل يقوم ويقول ويعود ويقود وأشباهه فالاسم والمصدر فِيهِ «1» مفتوحان، وإنّما فتحوهُ إذا نووا الاسم ولم يكسروه كما كُسِرَ المغرب لأنهم كرهوا تَحول الواو إلى الياء فتلتبس الواو بالياء. وما كَانَ أوّله وَاوًا مثل وزنت وورثت ووجِلت فالمفعل فِيهِ اسمًا كَانَ أو مصدرًا مكسور مثل قولهَ لَّنْ «2» جْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) وكذلك يَوْحَل ويَوْجَل المفعل منهما مكسور (فِي الوجهين «3» ) وزعم الْكِسَائي أَنَّهُ سمع مَوْجَل ومَوْحَل. قَالَ الفراء: وسمعت أنا موضع. وإنّما كسروا ما أوّله الواو، لأن الفعل فِيهِ إذا فتح يكون عَلَى وجهين. فأما الَّذِي يقع «4» فالواو منه ساقطة مثل وَزَن يَزِنُ. والذي لا يقع «5» تثبت «6» واوه فِي يفعل. والمصادر تستوي فِي الواقع وغير الواقع. فلم يَجعلوا فِي مصدريهما فرقًا «7» ، إنَّما تكون الفروق فِي فعل يفعل. وما كَانَ من الْهَمْز فإنه مفتوح فِي الوجهين. وكأنَّهم بَنَوه عَلَى يفعل لأن ما لامه همزة يأتي بفتح الْعَين من فَعَل ومن فَعِل. فإن قلت: فلو «8» كسروه إرادة الاسم كما كسروا مجمعًا «9» . قلت:   (1) ا: «منه» . (2) الآية 48 سورة الكهف. (3) سقط فى ا. ويريد الاسم والمصدر. (4) يريد الكوفيون بالفعل الواقع المتعدى، وبالذي لا يقع اللازم. (5) يريد الكوفيون بالفعل الواقع المتعدى، وبالذي لا يقع اللازم. (6) مثل وجل يوجل. (7) كأنه يريد أنه لو أريد الفرق لكان المصدر من وزن الموزن بكسر العين، ومن وجل الموجل بفتحها. «وقد يقال: هلا استويا فى فتح العين، كما هو الأصل فى المصدر. (8) جواب لو محذوف أي فماذا يكون مثلا. (9) ش، ب: «مجمع» على حكاية الرفع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 لَمْ يأت. وكأنهم أنزلوا المهموز. بِمنزلة الياء والواو لأن الْهَمْز قد يُترك فتلحقهما «1» . وما كَانَ مفعل مُشتقًا من أفعلت فلك فِيهِ ضم الميم من اسمه ومصدره. ولك أن تُخرجه عَلَى أوَّليته قبل أن تزاد عَلَيْهِ «2» الألف. فتقول: أخرجته مُخرجًا ومَخْرَجًا، وأنزلته مُنْزَلًا ومَنْزِلًا. وقرئ (أَنْزِلْنِي «3» مُنْزَلًا «4» مُبارَكاً) (وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) و (مُنْزَلًا «5» ) . وما كَانَ مما يعمل بِهِ من الآلة مثل «6» المروحة والمطرقة وأشباه ذَلِكَ مما تكون فِيهِ الْهَاء «7» أو لا تكون فهو مكسور الميم منصوب الْعَين مثل المدرع والملحف والمطرق وأشباه ذَلِكَ. إلا أنهم. قالوا: المطهرة والمِطهرة، والمرقاة والمرقاة والمسقاة والمسقاة. فمن كسرها شبّهها بالآلة التي يُعمل بِهَا. ومن فتح قَالَ: هَذَا موضع يُفعل فِيهِ فجعله مخالفًا ففتح «8» الميم ألا ترى أن المروحة وأشباهها آلة يعمل بِهَا، وأن المطهرة والمرقاة فِي موضعهما لا تزولان يعمل «9» فيهما. وما كَانَ مصدرًا مؤنثًا فإن العرب قد ترفع عينه مثل المقدرة وأشباهه «10» . ولا يفعلون ذَلِكَ فِي مذكر ليست فِيهِ الْهَاء لأن الْهَاء إذا أدخلت «11» سقط عنها بناء فعل يفعل فصارت اسمًا مختلفًا، ومفعل يبنى عَلَى يفعل، فاجتنوا الرَّفعة فِي مفعل، لأن خِلقة يفعل التي يلزمها الضم كرُم يكرُم فكرهوا «12» أن يُلزموا الْعَين من 106 ب مفعل ضمَّة فيَظنَّ الجاهل أن فِي مفعل فرقًا يلزم كما يلزم فَعِلَ يَفعَل الْفُروق، ففتحت إرادة أن تَخلط بِمصادر الواقع. فأمّا قول الشاعر:   (1) أي تدركهما فى الحكم، وهو فتح العين فى المفعل. (2) ا: «عليها» أي على أوليته. [ ..... ] (3) الآية 29 سورة المؤمنين. (4، 5) قراءة فتح الميم لأبى بكر، وقراءة الضم للباقين. (6) ا: «نحو» . (7) ا: «و» . (8) ا: «بفتح» . (9) ا: «بفعل» . (10) ا: «أشباهها» . (11) ا: «دخلت» . (12) ا: «فتركوا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 لِيوم رَوْعٍ أو فَعَال مَكْرُم «1» فإنه جمع مَكْرُمة ومَكْرُم. ومثله قول الآخر «2» : بثين الزمي لا إنه إن لزمتِه ... عَلَى كثرة الواشينَ أيُّ مَعُونِ أراد جمع معونة. وَكَانَ الْكِسَائي يقول: هما مفعل نادران «3» لا يُقاس عليهما وقد ذهب مذهبًا. إلا أني أجد الوجه الأول أجمل للعربية مِمّا قَالَ. وقد تقلب فِيهِ الياء إلى الواو فيقال: وكنت إذا جارى دعا لمضُوفةٍ ... أشمِّر حَتَّى يَنْصُف الساق مئزري «4» جعلها مفعُلة وهي من الياء فقلبها إلى الواو لضمّة ما قبلها، كما قالوا: قد سُور بِهِ. وقد قالت العرب فِي أحرف فضمّوا الميم والعين، وكسروا الميم والعين جميعًا. فمِمّا ضموا عينه وميمه قَوْلهم: مُكْحُلة ومُسْعُط ومُدْهُن ومُدُقّ. ومما «5» كسروا ميمه وعينه مِنْخِر ومِنْتِن. ومما زادوا عَلَيْهِ ياء للكسر، وواوًا للضم مسكين ومِنديل ومنطيق. والواو نَحو مُغْفُور وَمُغْثُور وهو الَّذِي يسقط عَلَى الثُّمام ويقال «6» للمنخر: منخور وهم «7» طيّىء. والذين ضمّوا أوله وعينه شبهوا الميم بِما هُوَ من الأصل، كأنه فُعلول. وكذلك الَّذِينَ كسروا الميم والعين شبّهوه بفعليل وفعلل.   (1) هو لأبى الأخزر الحماني: وقبله: مروان مروان أخو اليوم اليمى وانظر شرح شواهد الشافية للبغدادى 68 (2) هو جميل. وانظر المرجع السابق 68 (3) ا: «نادرتان» . (4) هو لأبى جندب الهذلي. والمضوفة: الأمر يشفق منه ويخاف، وانظر ديوان الهذليين 3/ 92 (5) ا: «ما» . [ ..... ] (6) ا: «تقول» . (7) يريد أصحاب هذه اللغة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 وما كَانَ من ميم زائدة أدخلتها عَلَى فعل رباعى قد زيد على ثلاثيّه شيء من الزيادات فالميم منه فِي الفاعل والمفعول بِهِ والمصدر مضمومة. من ذَلِكَ قولك رجل مُستضرَبٌ (ومُسْتضَربٌ «1» ) ومستطعِم ومستطعَم. يكون المستطعم- بالفتح- مصدرًا ورجلًا وكذلك المضارب هُوَ الفاعل والمضارب- بالفتح- مصدر ورجل. وكل الزيادات عَلَى هَذَا لا ينكسر، ولا يَختلف فِيهِ فِي لغات ولا غيرها إلا أن من العرب- وهم قليل- من يقول في المتكبِّر: متكبَّر كأنهم بنوه عل يتكبَّر. وهو من لغة الأنصار. وليس مِمَّا يُبنى عَلَيْهِ. قَالَ الفراء: وحدّثت أن بعض العرب يكسر الميم فِي هَذَا النوع إذا أدغم فيقول هم المطّوّعة والمسّمع المستمع. وهم من الأنصار. وهي من المرفوض. وقالت العرب: مَوْهَب فجعلوه اسمًا موضوعًا عَلَى غير بناء، ومَوْكَل «2» اسمًا موضوعًا. ومنه مَوْحَد لأنهم لَمْ يريدوا مصدر وَحَد، إنَّما جُعل اسمًا فِي معنى واحد مثل مَثْنَى وثُلاث ورُبَاع. وأمّا قولهم: مَزيد ومَزْوَد فهما أيضًا اسمان مختلفان عَلَى غير بناء الفعل ولك فِي الاختلاف أن تفتح ما سبيله الكسر إذا أشبه بعض الْمُثُل، وتضم المفتوح أو تكسره إذا وجهته «3» إلى مثال من أسمائهم كما قيل معفور للدى يسقط عَلى الثمام وميمه زائدة فشبه «4» بفُعلول، وكما قالت العرب (فِي المصير وهو «5» من صِرْت مُصْران للجميع) ومَسيلِ الماء وهو مفعِل: مُسْلان للجميع فشبَّهوا مفعلا بفَعِيل ألا ترى أنهم قالوا سُؤته مسائية وإنَّما هي مساءة عَلَى مَفْعَلة فزيدت عليها الياء من آخرها كما تزاد عَلَى فعالة نَحو كراهة وكراهية وطَبَانة «6» وطبانِيَة. وقوله: وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ [60] يريد: لا أزال حتى أبلغ، لَمْ يرد: لا أبرح مكاني. وقوله (فَلَنْ أَبْرَحَ «7» الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي) غير معنى أزال، هَذِه إقامة. وقوله (لَنْ نَبْرَحَ «8» عَلَيْهِ عاكِفِينَ)   (1) سقط فى ا. (2) هو اسم حصن أو جبل. (3) ا: «واجهته» . (4) ا: «فيشبه» . (5) فى ش: «مصير وهو من صرت فجمعوه مصران» . (6) الطبانة والطبانية «الفطنة» وفى هامش ا: «رجل طبن أي فطين» . (7) الآية 80 سورة يوسف. (8) الآية 91 سورة طه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 : لن نزال عَلَيْهِ عاكفين. ومثلها ما فتئت وما فتأت- لغة- ولا أفتأ أذكرك. وقوله (تَاللَّهِ «1» تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) معناهُ: لا تزال تذكر يوسف. ولا يكون تزال وأفتأ وأبرح إذا كانت فِي معناهما إلا بجحد ظاهر أو مضمر. فأمّا الظاهر فقد تراهُ فِي القرآن (وَلا يَزالُونَ «2» مُخْتَلِفِينَ) (وَلا يَزالُ «3» الَّذِينَ كَفَرُوا) (فَما زالَتْ تِلْكَ «4» دَعْواهُمْ) وكذلك (لا أَبْرَحُ) والمضمر فِيهِ الجحدُ قول الله (تَفْتَؤُا) ومعناهُ: لا تفتأ. لا تزال تذكر يوسف: ومثله قول الشاعر: فلا وأبي دَهْمَاء زالت عزيزةً ... عَلَى قَوْمها ما فتَّل الزَّنْدَ قادِحُ» وكذلك قول امرئ القيس: فقلتُ يَمينَ الله أبرحُ قاعدًا ... ولو قطعُوا رأسي لديك وأوصالِي قوله: (أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) الْحُقُب فِي لغة قيس: سنَة. وجاء التفسير أَنَّهُ ثَمانون سنة. وأما قوله: مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ فبحر فارس والروم. وإنّما سمي فتى موسى لأنه كَانَ لازمًا لَهُ يأخذ عَنْهُ العلم. وهو يوشع بن نون. وقوله: (نَسِيا حُوتَهُما [61] وإنّما نسيه يوشع فأضافه إليهما، كما قَالَ (يَخْرُجُ «6» مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) وإنَّما يخرج من الملح دون العذب. وقوله (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) كَانَ مالِحًا فلمّا حَيِيَ بالماء «7» الَّذِي أصابه من الْعَين فوقع فِي البحر جمد طريقه فى البحر فكان كالسرب. وقول: واتّخذ سبيله. يقول: اتخذ موسى سبيل الحوت (فِي الْبَحْرِ عَجَباً) .   (1) الآية 85 سورة يوسف. (2) الآية 118 سورة هود. (3) الآية 31 سورة الرعد، والآية 55 سورة الحج. (4) الآية 15 سورة الأنبياء. [ ..... ] (5) آخر هذا البيت فى اعن بيت امرئ القيس. وسبق البيتان فى سورة يوسف. (6) الآية 220 سورة الرحمن. (7) ش: «فى الماء» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 ثُمَّ قَالَ حين أخبره بقصَّة الحوت: ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ [64] أي هَذَا الَّذِي كُنَّا نبغي. وقوله حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً [70] يقول: حَتَّى أكون أنا الَّذِي أسألك. وقوله: لِيَغْرَق أهلها [71] قرأها يَحْيَى «1» بن وثّاب والحسن بالرفع والياء وقرأها سائرُ الناس (لِتُغْرِقَ أَهْلَها) . وقوله: لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ [73] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ- وَكَانَ مِنْ أَفَاضِلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ- عَنْ رَجُلٍ عَنِ الْمِنْهَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: لَمْ يَنْسَ وَلَكِنَّهَا مِنْ مَعَارِيضِ الْكَلامِ. وقوله (وَلا تُرْهِقْنِي) يقول: لا تُعجلني. وقوله: أَقَتَلْتَ نَفْساً (زَكِيَّةً) [74] مَرَّ بغلام لَمْ تجن جناية رآها موسى فقتله. وقوله (زَكِيَّةً) قرأها عَاصِم ويحيى بن وثاب والحسن (زَكِيَّةً) وقرأها أهل الحجاز وأبو الرحمن السُّلَمي (زَاكيةً) بألف «2» . وهي مثل قوله (وَجَعَلْنا «3» قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) (وقسيّة) «4» . وقوله: فَلا تُصاحِبْنِي [76] و (فَلَا تَصْحَبْنِي «5» ) نَفْسُكَ ولا تصحبني أنت كل ذَلِكَ صواب والله مَحْمُود. وقوله: فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما [77] (سألوهم الْقِرَى: الإضافة فلم يفعلوا. فلو قرئت «6» (أَنْ يُضَيِّفُوهُما) كَانَ صَوَابًا. ويُقال القرية أنطاكية) [وقوله] (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) يقال: كيف يريد   (1) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش. (2) ا: «بالألف» . (3) الآية 13 سورة المائدة. والقراءة الأخيرة لحمزة والكسائي وافقهما الأعمش. والأولى للباقين. (4) هذه القراءة تروى عن روح عن يعقوب. (5) جاء نظم الكلام فى اهكذا: «وقال: القرية انطاكية. القرى: الإضافة. سألوهم الإضافة فلم يفعلوا. فلو قرئت يضيفوهما كان صوابا» . (6) وردت هذه القراءة عن ابن محيصن والمطوعى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 الجدار أن ينقض؟ وَذَلِكَ «1» من كلام العرب أن يقولوا: الجدارُ يريد أن يسقط. ومثله قول الله (وَلَمَّا سَكَتَ «2» عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) والغضب لا يسكت (إنما يسكت «3» صاحبه) وإنّما معناه: سكن، وقوله: (فَإِذا «4» عَزَمَ الْأَمْرُ) [و] إنما يعزم الأمر أهلهُ وقد قَالَ الشاعر: إن دهرًا يَلُفَّ شملي بجُمْلٍ ... لزمان يَهُمُّ بالإحسانِ «5» 107 ب وقال الآخر: شكا إِليَّ جَمَلي طُول السُّرى ... صَبْرًا جَميلًا فَكِلانا مُبْتَلَى «6» . والجملُ لَمْ يَشْك، إنما تُكلم بِهِ عَلَى أَنَّهُ لو نطق لقال ذَلِكَ. وكذلك قول عنترة. فازوَرَّ من وَقْع الْقَنَا بِلبانه ... وشكا إليّ بعبرة وتَحمحُمِ «7» وقد ذكرت (يَنْقَاض) للجدار والانقياض: الشِّقّ فِي طول الجدار «8» وَفِي طيّ البئر وَفِي سِنّ الرَّجُل يقال: انقاضت سِنَّة إذا انشقت طولًا. فقال موسى لو شئت [لَمْ تُقِمه حَتَّى يَقرونا فهو الأجر. وقرأ «9» مُجاهد] (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) وأنشدني القنانِيّ. تَخِذَهَا سُرِّيَّةً تُقَعِّده «10» وأصلها اتّخذ: افتعل. وقوله: هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ [78] . [ولو نصبت الثانية كَانَ صوابًا، يتوهم أَنَّهُ كان (فراق ما بينى «11» وبينك) ] .   (1) هذا جواب السؤال. (2) الآية 154 سورة الأعراف. (3) سقط ما بين القوسين فى ا. (4) الآية 21 سورة محمد. (5) يعزى إلى حسان. [ ..... ] (6) سبق هذا البيت فى سورة يوسف. (7) هذا البيت من معلقته. وهو فى الحديث عن فرسه فى حومة الحرب. والازورار: الميل. والقنا: الرماح. واللبان: الصدر، والتحمحم: صوت مقطع ليس بالصهيل. (8) ا: «الحائط» . (9) هى قراءة ابن كثير وأبى عمرو ويعقوب وافقهم ابن محيصن واليزيدي والحسن: (10) تقعده: تخدمه. والسرية: الأمة تتخذ للفراش وبعد لها بيت. (11) ا: «بينى وبينك فراق بغير نون» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 وقوله: وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ [79] يقول: أمامهم مَلِك. وهو كقوله (مِنْ «1» وَرائِهِ جَهَنَّمُ) أي أنها بين يديه. ولا يَجوز أن تَقُولَ لرجل وراءك: هُوَ بين يديك، ولا لرجل هُوَ بين يديك: هُوَ وراءك، إنما يَجوز ذَلِكَ فِي المواقيت من الأيام والليالي والدهر أن تَقُولَ: وراءك بَرد شديد: وبين يديك بَرْد شديد لأنك أنت وراءه فجاز لأنه شيء يأتي، فكأنه إذا لحقك صارَ من ورائك، وكأنك إذا بلغته صار بين يديك. فلذلك جاز الوجهان. وقوله: فَخَشِينا [80] : فعلمنا. وهي فِي قراءة أُبَيّ (فخافَ ربُّك أن يرهقهما) عَلَى معنى: علم ربُّكَ. وهو مثل قوله (إِلَّا أَنْ «2» يَخافا) قَالَ: إلا أن يعلما ويظنّا. والخوفُ والظن يُذهب بِهما مذهب العلم. وقوله: خَيْراً مِنْهُ زَكاةً [81] صلاحا «3» (وَأَقْرَبَ رُحْماً) يقول: أقرب أن يُرْحما بِهِ. وهو مصدر رحمت. وقوله: كَنْزٌ لَهُما [82] يقال: علم. وقوله (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) نصب: فَعَل ذَلِكَ رحمة منه. وكل فعل رأيته مفسِّرًا للخبر الَّذِي قبله فهو منصوب. وتعرفه بأن ترى هُوَ وهي تصلحان قبل المصدر، فإذا ألقيتا اتّصل المصدر بالكلام الَّذِي قبله فنصب، كقوله (فَضْلًا «4» مِنْ رَبِّكَ) وكقوله (إِنَّكَ لَمِنَ «5» الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) معناهُ: إنك من المرسلين وهو تنزيل العزيز (وهذا «6» تنزيل العزيز الرحيم) وكذلك قوله (فِيها «7» يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) معناهُ: الفرق فيها أمر من عندنا. فإذا ألقيت ما يرفع المصدر اتصل بِما قبله فنصب.   (1) الآية 16 سورة إبراهيم. (2) الآية 229 سورة البقرة. (3) سقط فى ا. (4) الآية 57 سورة الدخان. (5) الآيات 3- 5 سورة يس. (6) سقط ما بين القوسين فى ا. (7) الآيتان 4، 5 سورة الدخان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 وقوله: فَأَتْبَعَ سَبَباً [85] قرئت (فأتبع «1» ) و (اتَّبَع «2» ) وأَتْبَع أحسن من اتَّبع، لأن اتبعت الرجل إذا كَانَ يسير وأنت تسير وراءه. وإذا قلت أتبعته بقطع الألف فكأنك قفوته. وقوله: حَمِئَةٍ [86] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (حَمِئَةٍ) قَالَ: تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ سَوْدَاءَ. وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي سفيان ابن عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قرأ (حمئة) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَرَأَ (حَامِيَةٍ) وذكر بعض المشيخة عَن خُصيف عَن أبي عبيدة (أن ابن «3» مسعود قرأ) (حامِيَةٍ) . وقوله (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) موضع «4» أن كلتيهما نَصب. ولو رفعت كَانَ صوابًا أي فإنما هُوَ هَذَا أو هَذَا. وأنشدنى بعض العرب: فسيرا فإما حاجة تقضيانها ... وإما مقيل صالح وصديق 108 اولو كَانَ قوله (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ «5» وَإِمَّا فِداءً) رفعًا كَانَ «6» صوابًا والعرب تستأنف بإمّا وَإِمَّا. أنشدني بعض بني عُكْلٍ: ومن لا يزل يستودع الناس مَاله ... تَرِبْهُ عَلَى بعض الخطوبِ الودائع ترى الناس إمّا جاعلوه وقاية ... لمالهم أو تاركوه فضائع   (1) القراءة بقطع الهمزة لابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف، وافقهم الأعمش. والقراءة بوصل الهمزة للباقين. [ ..... ] (2) وهى قراءة نافع وابن كثير وأبى عمرو وحفص ويعقوب. وافقهم اليزيدي. والباقون عندهم (حامية) . (3) ا: «عن ابن مسعود» . (4) ا: «فموضع» . (5) الآية 4 سورة محمد. (6) ا: «لكان» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 وقايةً ووِقاءَهُمْ. والنصبُ عَلَى افعل بنا هَذَا أو هَذَا، والرفعُ عَلَى هُوَ «1» هَذَا أو هذا. وقوله: فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى [88] أي فله جزاءً الحسنى نَصَبت الجزاء عَلَى التفسير وهذا مما فسرت لك. وقوله (جَزاءً الْحُسْنى) مضاف «2» . وقد تكون الحسنى حسناته فهو جزاؤها. وتكون الحسنى الجنة، تضيف الجزاء إليها، وهي هو، كما قال (حَقُّ «3» الْيَقِينِ) و (دِينُ «4» الْقَيِّمَةِ) (وَلَدارُ «5» الْآخِرَةِ خَيْرٌ) ولو جعلت (الْحُسْنى) رفعًا وقد رفعت الجزاء ونوَّنت فِيهِ كَانَ وجهًا. ولم يقرأ بِهِ «6» أحد. فتكون كقراءة مسروق (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ «7» الدّنيا بزينة الكواكب) فخفض الكواكب ترجمة عَن «8» الزينة. وقوله: لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً [90] يقول: لا جبل ولا ستر ولا شجر هم عراة. وقوله: يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ [94] همزهما عَاصِم ولم يهمزهما غيره [وقوله: (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً) ] الخراج «9» الاسم الأول. والخرج كالمصدر كأنه الْجُعْلُ. وقوله: ما مَكَّنِّي [95] أدغمت نونه فِي النون التي بعدها. وقد ذكر عَن مجاهد (ذكره أَبُو طلحة «10» الناقط ما يحضرني عَن غيره) قَالَ: (ما مَكَّنَني) بنونين ظاهرتين وهو الأصل. وقوله: حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ [96] .   (1) سقط فى ا. (2) القراءة الأولى لحفص وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب، وافقهم الأعمش. وقراءة الإضافة هذه للباقين. (3) الآية 95 سورة الواقعة. (4) الآية 5 سورة البينة. (5) الآية 109 سورة يوسف. (6) ش «فيه» . (7) الآية 6 سورة الصافات. وهذه القراءة بتنوين (زينة) قراءة حمزة وحفص، وافقهما الحسن والأعمش. (8) ش: «على» . (9) قراءة الخراج بالألف لحمزة والكسائي وخلف وافقهم الحسن والأعمش. وقراءة الخرج للباقين. [ ..... ] (10) سقط ما بين القوسين فى ا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 و (الصَّدَفَيْنِ) «1» و (الصّدفين «2» ) سَاوَى وسوَّى بينهما واحد. [قوله: آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ] : قرأ حمزة والأعمش (قال أتوني) (مقصورة) قنصبا «3» القطر بها وجعلاها «4» (من «5» جيئونى) و (آتوني) أعطوني. إذا طولت الألف كَانَ جيدًا (آتِنا غَداءَنا «6» ) : آتوني قِطرا أفرغ عَلَيْهِ. وإذا لَمْ تطوّل الألف أدخلت الياء فِي المنصوب فقلت «7» ائتنا بغدائنا. وقول حَمْزَةَ والأعمش صواب جائز من وجهين. يكون مثل قولك: أخذت الْخِطَام وأخذت بالخطام. ويكون عَلَى ترك الهمزة الأولى فِي (آتُونِي) فإذا أسقطت الأولى همزت الثانية. وقوله: جَعَلَهُ دَكَّاءَ [98] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي قيس بن الربيع عَن سعيد بن مسروق عَن الشعبي عَن الربيع بن خَيْثم الثوري أن رجلًا قرأ عليه (دكا «8» ) فقال (دكّاء) «9» فخّمها. قَالَ الفراء: يعني: أطلها. وقوله: وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ [100] : أبرزناها حَتَّى نظر إليها الكفار وأعرضت هي: استبانت وظهرت. وقوله: لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً [101] كقولك: لا يستطيعونَ سمع الهدى فيهتدوا. وقوله: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا [102] قراءة أصحاب عبد الله ومجاهد (أفحسب) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ «10» الْخُرَاسَانِيُّ عن الصلت   (1) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب بضم الصاد والدال، وافقهم اليزيدي وابن محيصن والحسن. وقرأ أبو بكر بضم الصاد وإسكان الدال، وقرأ الباقون بفتح الصاد والدال. (2) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب بضم الصاد والدال، وافقهم اليزيدي وابن محيصن والحسن. وقرأ أبو بكر بضم الصاد وإسكان الدال، وقرأ الباقون بفتح الصاد والدال. (3) ا: «فنصب» «وجعلها» . (4) ا: «فنصب» «وجعلها» . (5) أي بمعنى جيئونى. (6) الآية 62 سورة الكهف. (7) ا: «قلت» . (8) هذه قراءة غير عاصم وحمزة والكسائي وخلف. (9) هذه قراءة غير عاصم وحمزة والكسائي وخلف. (10) ش، ب: «الفضل» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 بْنِ بَهْرَامَ عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَرَأَ (أَفَحَسْبُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فَإِذَا قُلْتَ (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) . فَأَنْ رَفْعٌ وَإِذَا قلت (أَفَحَسِبَ) كانت أن تصبا. قوله: عَنْها حِوَلًا [108] : تحوّلا. ومن سورة مريم قوله: ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا [1] الذكر مرفوع بكهيعص. وإن شئت أضمرت: هَذَا ذكر رحمة ربِّك. والمعنى ذكر ربك عبده برحمته فهو تقديم وتأخير. (زَكَرِيَّا) فِي موضع نصب. وقوله: وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا [4] يقول: لَمْ أشق بدعائك، أجبتني إذ دعوتك. وقوله: الْمَوالِيَ [5] هم بنو (عم «1» الرجل) وورثته والَولِيّ وَالْمَوْلَى «2» فِي كلام العرب واحد «3» وَفِي قراءة عبد الله (إِنَّما مَوْلاكُمُ اللهُ «4» ورَسُولُهُ) مكان (وَلِيُّكُمُ) وذكر فِي خَفَّتِ «5» الموالي أَنَّهُ قلَّت، ذُكِرَ عن عثمان (بن عفان «6» ) . وقوله 108 ب: يرثنى [6] تقرأ جزمًا ورفعًا: قرأها يَحْيَى «7» بن وثاب جزما والجزم الوجه لأن   (1) ا: «العم» . (2) ا: «الموالي» . (3) وهو هنا ابن العم. [ ..... ] (4) الآية 55 سورة المائدة. (5) كذا. وكأن الأصل: «ذكر فى خفت خفت» والمراد أن هذه الصيغة «خفت» من الخفة رويت عن عثمان رضى الله عنه. (6) ا: «رحمه الله» . (7) وهى قراءة أبى عمرو والكسائي وافقهما اليزيدي والشنبوذى. وقرأ الباقون بالرفع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 (يَرِثُنِي) من آية سوى الأولى فحسن الجزاء. وإذا رفعت كانت صلة للوليّ: هب لي الذي يرثنى. ومثله (ردءا «1» يصدّقنى) و (يُصَدِّقْنِي) . وإذا أوقعت الأمر عَلَى نكرة: بعدها فعل فِي أوّله الياء والتاء والنون والألف «2» كَانَ فِيهِ وجهان: الجزمُ عَلَى الجزاء والشرط، والرفع عَلَى أَنَّهُ صلة للنكرة بِمنزلة الَّذِي، كقول القائل: أعِرْنِي دابَّة أركبها، وإن شئت أركبُها: وكذلك (أَنْزِلْ «3» عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا) ولو قَالَ (تَكُنْ «4» لَنَا) كَانَ صوابًا. فإذا كَانَ الفعلُ الَّذِي بعد النكرة لَيْسَ للأوّل ولا يصلح فِيهِ إضمار الْهَاء إن كَانَ الفعل واقعًا عَلَى الرجل فليس إلا الجزم كقولك: هَبْ لي ثوبًا أَتَجَمّل «5» مع الناس لا يكون (أَتجمَّل) إِلَّا جَزْمًا لأن الْهَاء لا تصلح فِي أتجمل. وتقول: أَعِرْنِي دابَّة أركب يا هذا لأنك تقول أركبها فتضمر الْهَاء فيصلح ذَلِكَ. وقوله: لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا [7] لَمْ يسم أحد بيحيى قبل يَحْيَى بن زكريّا. وقوله: مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا «6» و (عِتِيًّا) «7» وقرأ ابن عباس (عُسِيًّا) وأنت قائل للشيخ إذا كبر، قد عَتَا وعسا كما يُقال للعود إذا يَبِس. وقوله: قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ [9] أي خَلْقُه عَليّ هَيِّن. وقوله: آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ [10] (أن) فِي موضع رفع أي آيتك هَذَا. و (تُكَلِّمَ) منصوبة بأن ولو رُفعت (كما قَالَ «8» : أَفَلا يرون إن لا يرجع إليهم قولا:) كان صوابا.)   (1) الآية 34 سورة القصص. وقراءة الرفع لحمزة وعاصم، وقراءة الجزم للباقين. (2) ا: «الأول» والألف أول حروف الهجاء. (3) الآية 114 سورة المائدة. (4) ورد الجزم عن المطوعى أحد رواة الأعمش فى القراءات الشاذة. (5) فى ش: «أتجمل به» ولو كان كذلك لصح الرفع لوجود الرابط. (6) كسر العين لحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وافقهم الأعمش، والضم للباقين. (7) كسر العين لحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وافقهم الأعمش، والضم للباقين. (8) فى ابدل ما بين القوسين: «تكلم كان صوابا كما قال: افلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 وإذا رأيت (أن) الخفيفة «1» معها (لا) فامتحنها بالاسم المكنّي مثل الْهَاء والكاف. فإن صلحا كَانَ فِي الفعل الرفع والنصب وإن لَمْ يصلحا لَمْ يَكن فِي الفعل إلا النصب ألا ترى أَنَّهُ جائز أن تَقُولَ: آيتك أنك لا تكلم الناس والذي لا يكون إلا نصبًا. قوله (يُرِيدُ اللَّهُ «2» أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا) لأن الْهَاء لا تصلح فِي (أن) فقس على هذين. وقوله (ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) يُقال: من غير خَرَس. وقوله وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا [13] الحنان: الرحمة (ونصب «3» حَنَانًا أي) وفعلنا ذَلِكَ رحمةً لأبويه «4» (وَزَكاةً) يقول: وصلاحًا. ويُقال: وتزكية لهما. وقوله: إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا [16] يقال «5» : فِي مَشْرُقَة «6» دارِ أهلها. والعربُ تَقُولُ: هُوَ مني نَبْذَة «7» ونُبْذَة. وقوله. فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً [17] كانت إذا أتاها الحيض ضربت حِجابَا. وقوله «8» : فَأَوْحى إِلَيْهِمْ [11] أي أشار إليهم. والعربُ تَقُولُ: أوحى إليّ ووَحَى وأومأ إليّ وَوَمَى بِمعنى واحد، ووَحَى يحى و (ومِي يَمِي) «9» وإنه ليحي إلى وَحْيا ما أعرفه. وقوله: لِأَهَبَ لَكِ [19] الْهِبَة من الله، حكاها جبريل لَهَا، كأنه هُوَ الواهب. وَذَلِكَ كَثِير فِي القرآن خاصة. وَفِي قراءة «10» عبد الله (لِيَهَبَ لَكِ) والمعنى: ليهب الله لك. وأما تفسير   (1) ا: «المخففة» . (2) الآية 176 سورة آل عمران. [ ..... ] (3) سقط ما بين القوسين في ا. (4) ا: «لأبويك» . (5) ا: «يقول» . (6) المشرقة- مثلثة الراء-: موضع القعود فى الشمس بالشتاء. (7) أي فى ناحية. (8) هذا فى الآية 11، فهو مذكور فى غير مكانه. (9) هما فى الأصل: ومأ يمأ دخلهما التخفيف. (10) هى قراءة أبى عمرو ويعقوب. وفى بعض الروايات عن نافع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 (لِأَهَبَ لَكِ) فإنه كقولك أرسَلني بالقول لأهب لك فكأنه قال: قَالَ: ذا لأهب لك والفعل لله تعالى. وقوله وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا [20] البغيّ: الفاجرة. وقوله: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ [21] خلقه علىّ هيّن. وقوله: مَكاناً قَصِيًّا [22] (قاصيًا) بِمعنى واحد. أنشدني بعضهم. لَتقعُدِنَّ مَقعدَ الْقَصِيِّ ... مِنِّي ذي القاذُورة الْمَقْلِيّ «1» وقوله: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ [23] من جئت كما تَقُولُ: فجاء بِهَا المخاض إلى جذع النخلة. فلمّا ألقيت الباء جعلت فِي الفعل ألفًا كما تَقُولُ: آتيتك زيدًا تريد: أتيتك بزيد. ومثله «2» (آتُونِي زُبَرَ «3» الْحَدِيدِ) فلمّا ألقيت الباء زدت ألفًا «4» وإِنَّما هُوَ ائتوني بزُبَر الحديد. ولغة أخرى لا تصلح فِي الكتاب «5» وهي تَميمية: فأشاءها المخاض، ومن أمثال العرب «6» : شرٌّ ما ألجأك إلى مُخَّة عُرْقُوبِ. وأهل الحجاز وأهل العالية يقولون: شرّ ما أجاءك إلى مُخَّة عرقوب، والمعنى واحد. وتَميم تَقُولُ: شرّ ما أشاءك إلى مُخّة عرقوب. وقوله (وَكُنْتُ نَسْياً) 109 أصحاب عبد الله قرءوا «7» نسيا) بفتح «8» النون. وسائر العرب تكسر النون وهما لغتان مثل الجسر والجسر والحجر والْحَجْر والْحِجْر والوَتْر والوِتْر. والنِّسْي: ما تلقيه المرأة   (1) سبق هذا الرجز فى سورة إبراهيم (ص 66) . (2) ا: «منه» . (3) الآية 96 سورة الكهف. (4) سقط الواو فى ا. (5) ا: «القراءة» . (6) فى اللسان عن الأصمعى: «وذلك أن العرقوب لامخ فيه، وإنما يحوج إليه من لا يقدر على شىء» . [ ..... ] (7) ش: «يقولون» . (8) الفتح قراءة حفص وحمزة. والكسر قراءة الباقين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 من خرق اعتلالها (لأنه «1» إذا رُمي بِهِ لَمْ يُرَدّ) وهو اللَّقي مقصور. وهو النَّسي «2» ولو أردت بالنَّسْي مصدر النسيان كَانَ صوابًا. بِمنزلة قولك: حِجْرًا محجورًا: حرامًا محرمًا، نسيًا منسيًا. والعربُ تَقُولُ: نسيته نِسْيَانًا، ونسيا، أنشدني بعضهم: من طاعة الربّ وعَصْي الشيطان يريد: وعصيان الشيطان «3» . وكذلك أتيته إتيانًا وأتْيًا. قَالَ الشاعر: أَتْيُ الفواحش فيهم معروفة ... ويرون فعل المكرُمات حَرَامَا «4» وقوله: فَناداها مِنْ تَحْتِها [24] و (نَادَاها مَنْ «5» تَحْتها) وهو الملك فِي الوجهين جَميعًا. أي فناداهَا جبريل من تحتها، وناداها من تحتها: الَّذِي تحتها وقوله (سَرِيًّا) السرِيّ: النهر. وقوله: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [25] العربُ تَقُولُ: هَزّ بِهِ وهزَّه، وخذ الْخِطَام وخذ بالخطام، وتعلق زيدًا وتعلق بزيد، وخُذْ برأسه وخذ رأسه، وامدد بالحبل (وامدد الحبل «6» ) قال الله (فَلْيَمْدُدْ «7» بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ) معناه: فليمدد سببا (إلى السّماء) وكذلك فِي قوله (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) لو كانت: وهُزّي جذع النخلة كَانَ صوابًا.   (1) ما بين القوسين ورد فى ابعد قوله بعد: «وهو النسى» . (2) بعده فى ش: «والنسى مثله» ولا حاجة إليه. (3) سقط فى ا. (4) «معروفة» جاء تأنيثها وهى خبر عن (أتى» لاكتسابه التأنيث من إضافته إلى «الفواحش» . (5) القراءة الأولى بكسر الميم من (من) لنافع وحفص وحمزة والكسائي وأبى جعفر وروح وخلف وافقهم الحسن والأعمش. والقراءة بالفتح للباقين. (6) الخطام: ما يوضع فى أنف البعير ليقتاد به. (7) الآية 15 سورة الحج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 وقوله: (يَسَّاقط) ويُقرأ (تسَّاقط «1» عَلَيْكِ) وتَسَاقط «2» وتُسَاقِط «3» (بالتاء) «4» فمن قرأها يَسَّاقط ذهب إلى الجذع. وقد قرأها البراء بن عازب بالياء، وأصحاب عبد الله (تساقط) يريدونَ النخلة، فإن شئت شدّدت وإن شئت خففت. وإن قلت (تُسَاقِطْ عليك) كَانَ صوابًا. والتشديد والتخفيف فِي المبدوء بالتاء والتشديد فِي المبدوء بالياء خاصَّة. ولو قرأ قارئ تُسْقِط عليك رطبًا يذهب إلى النخلة أو قَالَ يَسْقط عليك رُطبًا يذهب إلى الجذع كان صوابا. وقوله (جَنِيًّا) الْجَنِيِّ والْمَجْنِيّ واحد وهو مفعول بِهِ. وقوله: وَقَرِّي عَيْناً [26] جاء فِي التفسير: طِيبي نَفسًا. وإنما نصبت الْعَين لأن الفعل كَانَ لَهَا، فصيرته للمرأة. معناهُ: لتقرر عينك، فإذا حول الفعل عَن صاحبه إلى ما قبله نصب صاحب الفعل عَلَى التفسير. ومثله (فَإِنْ طِبْنَ «5» لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) وإِنَّما معناه: فإن طابت أنفسهن لكم، وَضَاقَ بِهِ ذرعًا وضقت بِهِ ذَرْعًا، وسؤت بِهِ ظَنًّا إنَّما (معناهُ «6» : ساء به ظنّي) وكذلك مررت برجل حسنٍ وجهًا إنما كَانَ «7» معناه: حسن وجهه، فحولت فعل الوجه إلى الرجل فصار الوجه مفسرًا. فابن عَلَى ذا ما شئت. وقوله: (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) أي صمتًا. وقوله: لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا [27] الْفِريّ: الأمر العظيم. والعربُ تَقُولُ: يَفْرِي الْفَرِيّ إذا هُوَ أجادَ العمل أو السَّقْيَ ففضل الناس قيل هذا فيه. وقال الراجز «8» .   (1، 2، 3) قراءة (يساقط) بالياء وتشديد السين لأبى بكر فى بعض طرقه وليعقوب. (تساقط) بفتح التاء، وتخفيف السين لحمزة وافقه الأعمش. وقرأ حفص (تساقط) بضم التاء وتخفيف السين. وقرأ الباقون بفتح التاء وتشديد السين (تساقط) . (4) سقط ما بين القوسين فى ا. (5) الآية 4 سورة النساء. (6) فى ش: «إنما هو ساء به ظنا» وقد يكون الأصل: «ظنه» فى مكان «ظنه» ليستقيم الكلام. (7) سقط فى ش. [ ..... ] (8) فى اللسان عن الفراء أنه زرارة بن صعب يخاطب العامرية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 قد أَطعمتني دَقَلًا حَجْرِيَّا ... قد كنت تفرين به الْفَرِيَّا «1» أي قد كنت تأكلينه أكلًا كثيرا «2» . وقوله: يا أُخْتَ هارُونَ [28] كَانَ لَهَا أخ يُقالُ لَهُ هَارونَ من خيار بني إسرائيل ولم يكن من أبويها فقيل: يا أخت هارون فِي صلاحه. أي إن أخاك صالح وأبواك أبواك كالتغيير لَها. أي أهل بيتك صالِحون وقد أتيتِ أمرا عظيما. وقوله: فَأَشارَتْ إِلَيْهِ [29] إلى ابنها. ويُقال إن المهد حِجْرهَا وحَجْرها. ويُقال: سَريره والحِجْر أجود «3» . وقوله: وَجَعَلَنِي مُبارَكاً [31] يتعلم منى حيثما كنت. وقوله جَبَّاراً [32] الجبَّار: الَّذِي يقتل عَلى الغضب، ويضرب عَلَى الغضب. وقوله وَبَرًّا بِوالِدَتِي نصبته عَلَى وجعلني نبيًّا وجعلني بَرًّا. مُتبع للنبي كقوله (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً «4» ) ثم قال (وَدانِيَةً «5» عَلَيْهِمْ ظِلالُها) (دانية) مردودة على (مُتَّكِئِينَ «6» فِيها) كما أن البر مردودة عَلَى قوله (نَبِيًّا) . وقوله: وَالسَّلامُ عَلَيَّ [33] جاء فِي التفسير السَّلامة علَيّ. وقوله: قَوْلَ الْحَقِّ [34] فِي قراءة عبد الله (قَالُ اللهِ الحقّ) والقول والقال فى معنى واحد.   (1) ورد الرجز فى اهكذا: قد أطعمتنى دقلا حوليا ... مسوسا مدودا حجريا قد كنت تفرين به الفريا والحولي: الذي أتى عليه حول أي عام. والدقل: نوع من التمر ردىء. والحجر منسوب إلى حجر وهى قصبة اليمامة. (2) ا: «شديدا» وفى اللسان عقب إيراد الرجز: «أي كنت تكثرين فيه القول وتعظيمينه» . (3) أي فى اللغة. (4) الآية 12 سورة الإنسان. (5) فى الآية 14. (6) فى الآية 13. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 والحق فِي هَذَا الموضع يُرادُ بِهِ الله. ولو أريدَ بِهِ قول الحق فيضاف القول إلى الحق ومعناهُ القول الحق كَانَ صوابًا كما قيل: (إِنَّ «1» هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) فيضاف الشيء إلى مثله ومثله قَوْل الله (وَعْدَ الصِّدْقِ «2» الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) ومعناهُ الوعد الصدق. وكذلك (وَلَدارُ «3» الْآخِرَةِ خَيْرٌ) إِنَّما هُوَ: والدار الآخرة. وقد قرأت القراء بالنصب «4» (قَوْلَ الْحَقِّ) وهو كَثِير يريدون بِهِ: حقًّا. وإن نصبت القول وهو فِي النيَّة من نعت عيسى كَانَ صَوَابًا، كأنك قلت: هَذَا عبد الله أخاهُ بعينه. والعربُ تنصب «5» الاسم المعرفة فِي هَذَا وَذَلِكَ وأخواتهما. فيقولون: هَذَا عبدُ الله الأسد عاديًا «6» كما يقولون: أسدًا عاديًا. وقوله: مَا كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ [35] (أن) فِي موضع رفع. وقوله: وَإِنَّ اللَّهَ [36] تقرأ (وَأَنَّ «7» اللَّهَ) فمن فتح أراد: ذَلِكَ أنّ الله ربي وربكم. وتكون رفعًا وتكون (فِي تأويل «8» ) خفض عَلَى: ولأن الله كما قَالَ (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ «9» مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ) ولو فتحت (أنّ) على قوله (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ. (وأن الله) كَانَ وجهًا. وَفِي قراءة أُبَيّ (إن الله ربي وربكم) بغير واو فهذا دليل على أنها مكسورة. وقوله: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ [41] اقصص قِصَة إِبْرَاهِيم: اتْلُ عليهم. وكذلك قوله فيمن ذكر من الأنبياء (أي) «10» اقصُصْ عليهم قصصهم.   (1) الآية 95 سورة الواقعة. (2) الآية 16 سورة الأحقاف. (3) الآية 109 سورة يوسف. (4) النصب قراءة ابن عامر وعاصم ويعقوب وافقهم الحسن والشنبوذى والباقون قرءوا بالرفع. (5) هذا النصب عند الكوفيين على التقريب، وهو عندهم من العوامل. وانظر ص 12 من الجزء الأول. (6) ا: «غاديا» . (7) الفتح لنافع وابن كثير وأبى عمرو وأبى جعفر ورويس وافقهم ابن محيصن واليزيدي. والكسر للباقين. [ ..... ] (8) ا: «بتأويل» . (9) الآية 131 سورة الأنعام. (10) سقط فى ا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 وقوله: إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ [45] يريد: إني أعلم. وهو مثل قوله (فَخَشِينا «1» أَنْ يُرْهِقَهُما) أي فعلمنا. وقوله: لَأَرْجُمَنَّكَ [46] لأسبّنّك. وقوله: (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) طويلًا يُقال كنت عنده مَلْوةً من دهر ومُلْوةً ومِلْوةً ومُلَاوَةً من دهر وهذيل تَقُولُ: مِلاوة، وبعض العرب مَلاوة. وكله من الطول. وقوله: كانَ بِي حَفِيًّا [47] : كَانَ بي عالِمًا لطيفًا يُجيبُ دعائي إذا دعوته. وقوله: عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا [48] يقول: إن دعوته لَمْ أَشْقَ بِهِ. وقوله: وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا [50] : ثناء حسنا فى كلّ الأديان. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرو بن أبي المقدام عَن الحكم بن عُتيبة عَن مُجاهد فِي قوله (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ «2» صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) قَالَ: ثناء حَسَنًا. وقوله: وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ [52] (من «3» الجبل) لَيْسَ للطور يمين ولا شِمال، إنَّما هُوَ الجانب الَّذِي يلي يمينك كما تقول: عن يمين القبلة وعن شمالها. وقوله (وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) (اسم لَيْسَ بِمصدر «4» ولكنه) كقولك: مُجالس وجَليس. والنجيّ وَالنَّجْوَى قد يكونان اسمًا ومصدرًا. وقوله: وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا [55] ولو أتت: مرضَوّا كَانَ صَوَابًا لأن أصلها   (1) الآية 80 سورة الكهف. (2) الآية 84 سورة الشعراء. (3 و 4) سقط فى ا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 الواو ألا ترى أنّ الرضوان بالواو. والذين قالوا مرضيّا بنوه عَلَى رضِيت (ومَرْضُوًّا «1» لغة أهل الحجاز) . وقوله: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا [57] ذُكِرَ أن إدريس كَانَ حُبِّبَ إلى ملك الموت حَتَّى استأذنَ ربَّهُ فِي خُلّته. فسأل إدريس ملك الموت أن يريه النار فاستأذنَ ربه فأراها إياهُ ثُمَّ (استأذنَ «2» ربَّه) فِي الجنّة فأراها إيّاه فدخلها. فقال له ملك الموت: اخرج فقال: والله لا أخرج منها أبدًا لأن الله قَالَ (وَإِنْ «3» مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) فقد وردتها يعني النار وقال (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ «4» ) فلستُ بِخارج منها إلا بإذنه. فقال الله: بإذني دخلها فدعه. فذلك قوله (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) . وقوله: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خلف: الخلف يُذهَب بِهِ إلى الذم. والخَلَف الصالِح. وقد يكون فى الرديء خلف وَفِي الصالِح خَلْف لأنهم قد يذهبون بالخلف إلى القرن بعد القرن. وقوله: جَنَّاتِ عَدْنٍ [61] نَصْب. ولو رفعت عَلى الاستئناف كَانَ صوابًا. وقوله (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) ولم يقل: آتيا. وكل ما أتاك فأنت تأتيه ألا ترى أنك تَقُولُ أتيت عَلَى خمسين سنة وأتت عَليّ خمسون سنة. وكل ذَلِكَ صواب. وقوله: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا [62] ليس هنالك بكرة ولا عشي، ولكنهم يُؤتَون بالرزق عَلَى مقادير من «5» الْغُدُوّ والعشيّ فِي الدُّنْيَا. وقوله: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ [64] يعني الملائكة وقوله: لَهُ (مَا بَيْنَ أَيْدِينا) من أمر الدنيا (وَما خَلْفَنا) من أمر الآخرة (وَما بَيْنَ ذلِكَ) يُقال ما بين النفختين، وبينهما أربعون سنة.   (1) سقط ما بين القوسين فى ا. (2) ا: «استأذنه» . (3) الآية 71 سورة مريم. (4) الآية 48 سورة الحجر. (5) سقط فى ا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 وقوله: لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا [66] و (أَخْرُجُ) قراءتان «1» . وقوله: أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ [67] وهي فِي قراءة أُبَيّ (يَتَذَكَّرُ) وقد قرأت القراء (يَذْكُرُ) عَاصِم وغيره «2» . وقوله: خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا [73] : مجلسًا. والندِيّ والنادي لغتان. وقوله: أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً [74] الأثاث: المتاع. والرِّئي: المنظر، والأثاث لا واحد لَهُ، كما أن المتاع لا واحد لَهُ. والعرب تجمع المتاع أمتعة وأماتيع ومُتُعًا. ولو جمعت الأثاث لقلت: ثلاثة آثّة، وأثت لا غير. وأهل المدينة يقرءونها بغير همز (وَرِيًّا) وهو وجه جَيّد لأنه مع آيات لسن بِمهموزات الأواخر. وقد ذُكِرَ عَن بعضهم أَنَّهُ ذهب بالريِّ إلى رَويت «3» . وقد قرأ بعضهم (وَزِيًّا) بالزاي. والزِّيُّ: الهيئة والمنظر. والعربُ تَقُولُ: قد زَيَّيْت الجارية أي زَيَّنْتَها وهَيَّأتها. وقوله: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً [76] بالناسخ والمنسوخ. قرىء: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي [77] بغير «4» هَمز. وقوله: وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ [80] يعني ما يزعم الْعَاصي» بن وائل أَنَّهُ لَهُ فِي الجنة فتجعله لغيره (وَيَأْتِينَا فَرْدًا: خاليًا من المال والولد. وقوله: لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا [81] يقول: ليكونوا لهم شفعاء فى الآخرة.   (1) القراءة الأولى بضم الهمزة قراءة الجمهور. والقراءة الأخرى للحسن وأبى حيوة كما فى البحر 6/ 207. (2) هى نافع وابن عامر. وقرأ الباقون بالتشديد. (3) أي رويت أبدانهم وأجسامهم من التنعم والرفاهية. [ ..... ] (4) هى قراءة الكسائي. (5) كتب بالياء. وهو أحد وجهين فيه. وانظر شرح القاري على الشفاء 1/ 54. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 فقال الله: كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [82] يكونون عليهم أعوانًا «1» . وقوله: أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ [83] (فى الدنيا) (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) : تزعجهم إلى المعاصي وتغريهم بِهَا. وقوله: إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا [84] يُقال: الأيَّام «2» والليالي والشهور والسنون. وقال بعضُ المفسرين: الأنفاس. وقوله: نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً [85] الوفد: الركبان. وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً [86] مشاة عطاشا. وقوله: لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ [87] : لا يملكون أن يشفعوا (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) والعهد لا إله إلا الله. و (من) فِي موضع نصب عَلَى الاستثناء ولا تكون خفضًا بضمير اللام ولكنها تكون نصبًا عَلَى معنى الخفض كما تَقُولُ فِي الكلام: أردت المرور اليوم إلا العدوّ فإني لا أمُرّ بِهِ فتستثنيه من المعنى ولو أظهرت الباء فقلت: أردت المرور إلا بالعدو لخفضت. وكذلك لو قيل: «3» لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعةَ إِلَّا لمن اتّخذ عند الرحمن [110 ب] عهدا. [قوله: لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً [77]] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي المغيرة عَن إِبْرَاهِيم أَنَّهُ كَانَ يقرأ (مَالُهُ «4» وَوُلْدُهُ) وَفِي كهيعص (مالًا وَوَلَداً) قال الفراء وكذلك   (1) ا: «عونا» . (2) أي الذي يعد الأيام ... (3) فى الطبري أن هذا الكلام على هذا الوجه يكون متصلا بقوله: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» أي لا يملك هؤلاء الشَّفَاعةَ إِلَّا لمن اتّخذ عند الرحمن عهدًا. (4) الآية 21 سورة نوح. وضم الواو فى (ولده) قراءة غير نافع وابن عامر وعاصم وأبى جعفر أما هؤلاء فعندهم فتح الواو واللام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 قرأ يَحْيَى بن وَثّاب. ونصب عَاصِم الواو. وثقّل فِي كل القرآن. وقرأ مُجاهد (مالُه ووُلْدُه إلَّا خَسَارًا) بالرفع ونصب سائر «1» القرآن. وقال الشاعر: ولقد رأيت معاشرا ... قد ثَمّروا مَالًا وَوُلْدًا فخفف (وثَمروا) «2» والوُلْد والوَلَد لغتان مثل (ما قالوا) «3» : الْعَدمَ وَالْعُدْمُ (والوُلْد والولد) «4» وهما واحد. (وليس «5» بِجمع) ومن أمثال العرب وُلْدُكِ مَن دَمَّى عقبيك. وقال بعضُ الشعراء: فليتَ فلانًا مات فِي بطن أمه ... وليت فلانا كان وُلْدَ حمار فهذا واحد. وقَيْس تَجعل الْوُلْد جَمْعًا وَالْوَلَدَ وَاحدًا. وقوله: وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا [90] : كسرا. وقوله: أَنْ دَعَوْا [91] لأن دَعَوا، ومن أَن دَعَوا، وموضع (أن) نصب لاتصالِها. وَالْكِسَائي كَانَ يقول: (موضع أن) خفض. وقوله: إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً [93] ولو قلت: آتٍ الرحمن عبدًا كَانَ صوابًا. ولم أسمعهُ من قارئ. وقوله: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا [89] قرأت القرَّاء بكسر الألف، إلا أبا عبد الرحمن السُّلَمِي فإنه قرأها بالفتح (أَدّا) ومن العرب من يقول: لقد جئت بشيء آدٍ مثل مادّ. وهو فِي الوجوه كلها: بشيء عظيم.   (1) كذا. والاولى: «فى سائر القرآن» . (2) سقط فى ش، ب وضبط فى ا: «ثمروا» فى النظم بالبناء للمعقول وهنا بالبناء للفاعل. (3) ا: «قولهم» . (4) سقط فى ا. (5) سقط فى ا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 وقوله: يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ [90] ويَنْفَطِرْنَ. وَفِي قراءة عبد الله (إن تكاد السّماوات لتتصَدَّع منه) وقرأها حَمْزَةُ (يَنْفَطِرْنَ) عَلَى هَذَا المعنى. وقوله: وُدًّا [96] يقول: يجعل الله لَهم وُدّا فِي صدور المؤمنين. وقوله: أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً [98] الركز: الصوت. من سورة طه قوله طه [11] حرف «1» هجاء. وقد جاء فِي التفسير طه: يا رجل، يا إنسان حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ حَدَّثَنِي عَاصِمٌ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: قَرَأَ رجل على ابن مسعود طه بِالْفَتْحِ «2» قَالَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ طِهِ «3» بِالْكَسْرِ قَالَ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ يَا با عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَيْسَ أَنَّمَا أُمِرَ أَنْ يَطَأَ قَدَمُهُ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ طِهِ. هَكَذَا أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ بعضُ القراء يقطّعها طِ هِـ قرأها أَبُو عَمْرو بن العلاء طاهي «4» هكذا. وقوله: إِلَّا تَذْكِرَةً [3] نصبها على قوله: وما أَنْزَلْنا إِلَّا تَذْكِرَةً. وقوله: تَنْزِيلًا [4] ولو كانت (تنزيلٌ) (عَلَى الاستئناف) «5» كَانَ صوابًا. وقوله: يَعْلَمُ السِّرَّ [7] : ما أسررته (وَأَخْفى) : ما حَدَّثت بِهِ نفسك. وقوله: إِنِّي آنَسْتُ ناراً [10] : وَجدْتُ نارًا. والعربُ تَقُولُ: اخْرُج فاستأنس هَل ترى شيئًا. ومن أمثال العرب بعد اطّلاع إيناس «6» . وبعضهم يقول بعد طلوع إيناس.   (1) المراد الجنس فهما حرفان وفى الطبري: «حروف هجاء» . (2) سقط فى ا. والمراد عدم الإمالة. (3) سقط فى ش. والمراد بالكسر الإمالة. [ ..... ] (4) أي بفتح الطاء وإمالة الهاء للكسر. (5) ما بين القوسين مؤخر فى ش عن قوله: «كان صوابا» . (6) الاطلاع هنا: النظر. والإيناس الوجود واليقين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 وقوله: (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ) الْقَبَس مثل النار فِي طَرَف العود أو فِي الْقَصَبة. وقوله: (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) يعني هاديًا. فأجزأ المصدر من الهادي. وَكَانَ موسى قد أخطأ الطريق. وقوله «1» : يَا مُوسى [11] إنى [12] إن جَعَلت النداء واقعًا عَلَى (موسى) كسرت «2» (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) وإن شئت أوقعت النداء عَلَى (أنِّي) وَعَلَى (موسى) وقد قرىء «3» بذلك. وقوله: (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) ذُكِر أنهما كانتا من جلد حمارٍ ميّتٍ فأمر بخلعهما 111 الذلك. وقوله (طوى) قد تكسر طاؤه فيُجرَى. ووجه الكلام (الإجراء إذا كسرت «4» الطَّاء) وإن جعلته اسمًا لِمَا حول الوادي جَازَ «5» ألا يُصرف كما قيل «6» (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ «7» إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ) فأجرو حنينًا لأنه اسم للوادي. وقال الشاعر «8» فِي ترك إجرائه: نصروا نبِيَّهمُ وشَدّوا أَزْرَهُ ... بِحُنَيْنَ يوم تواكُلِ الأبطال نوى أن يجعل (حنين) اسمًا للبلدة فلم يُجْرِه. وقال الآخر «9» : ألَسْنَا أكرم الثقلين رَحْلا ... وأعظمه ببَطن حِراء نارَا فلم يُجر حراء وهو جبل لأنه جعله اسما للبلدة التي هو بها.   (1) فى ش مكان «وقوله» : «نودى» وسقط فيها «إنى» . (2) الفتح قراءة ابن كثير وأبى عمرو وأبى جعفر وافقهم ابن محيصن واليزيدي، والكسر قراءة الباقين. (3) الكسر مع الإجراء أي التنوين عن الحسن والأعمش. (4) ا: «إذا كسر إجراؤه» . (5) هى قراءة أبى زيد عن أبى عمرو كما فى البحر 6/ 231. (6) ا: «قالوا» . (7) الآية 25 سورة التوبة. (8) هو حسان بن ثابت كما فى اللسان. (9) نسبه فى معجم البلدان (حراء) إلى جرير. وفيه: «وأعظمهم» . وما هنا: وأعظمه» أي أعظم من ذكر وهو جائز فى كلامهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 وأمَّا من ضمَّ «1» (طُوَى) فالغالبُ عَلَيْهِ الانصراف. وقد يَجوز ألا يُجرى يُجعل عَلَى جهة فُعل مثل زُفَر وعُمَر ومُضَر قَالَ الفراء «2» : يقرأ (طوى) مجراة. وقوله: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ [13] وتقرأ [وَأَنَّا اخترناكَ] مردودة عَلَى [نودي] نودي أنَّا اخترناكَ، «3» وَإِنَّا اخترناكَ فإذا كسرها استأنفها «4» . وقوله: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [14] ويقرأ: (لِذِكْرَا) بالألف فمن قَالَ (ذِكْرَا) فجعلها بالألف كَانَ عَلَى جهة «5» الذكرى. وإن شئت جَعَلْتَها ياء إضافة حُوِّلَت ألفًا لرءوس الآيات كما قَالَ الشاعر: أطوِّف ما أطوِّف ثُمَّ آوِي ... إِلَى أمَّا ويُرِويني النقيعِ «6» والعربُ تَقُولُ بأبا وَأُمَّا يريدون: بأبي وَأُمِّي. ومثله (يَا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ «7» ) وإن شئت جعلتها ياء» إضافة وإن شئت ياء» نُدْبة و (يَا «10» حَسْرَتى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) [قوله: أَكادُ أُخْفِيها [15] قرأت القراء (أَكادُ أُخْفِيها) بالضَمِّ. وَفِي قراءة أُبَيّ (إِنّ الساعة آتية أكاد أخفيها من نفسي فكيف أظهركم عليها) وقرأ سعيد بن جُبير (أَخْفِيها) بفتح الألف حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي الْكِسَائي عَن مُحَمَّد بن سهل عن وقاء عَن سعيد بن جُبَيْر أَنَّهُ قرأ (أَخْفِيها) بفتح الألف من خفيت. وخفيت: أظهرت وخفيت: سترت. قَالَ الفراء قَالَ الْكِسَائي والفقهاء يقولون «11» . قال الشاعر «12» :   (1) الضم مع التنوين لابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف. وقرأ الباقون بالضم بلا تنوين. وهذا غير من سبق لهم الكسر. (2) ش: «وأبو زكريا» وهو الفراء. [ ..... ] (3) هذه قراءة حمزة بفتح الهمزة. (4) ا: «إذا» والكسر قراءة السلمى وابن هرمز كما فى البحر 6/ 231. (5) ا: «وجه» . (6) النقيع: المحض من اللبن يبرد. (7) الآية 31 سورة المائدة. (8 و 9) أي الياء فى الأصل قبل قلبها ألفا. وقبله «ياء ندبة» الأولى: ألف ندبة. (10) الآية 56 سورة الزمر. (11) ما بعده فى امطموس لم أتمكن من قراءته. (12) هو امرؤ القيس بن عابس الكندي. كما فى اللسان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 فإن تدفنوا الداء لا نخفِه ... وإن تبعثوا الحرب لا نَقْعُدِ يريد لا نُظهره. وقوله: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها [16] يريدُ الإيمان ويُقال عَن الساعة: عَن إتيانها. وجازَ أن تَقُولَ: عنها وأنت تريد الإيمان كما قَالَ (ثُمَّ «1» إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا) ثُمَّ قَالَ (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) يذهب إلى الْفَعْلةِ. وقوله: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى [17] يعني عصاهُ. ومعنى (تِلْكَ) هَذِه. وقوله: (بِيَمِينِكَ) فِي مذهب صلة لتلك لأن تِلْكَ وهذه توصلان كما توصل الذي قال الشاعر «2» . عدش ما لعبادٍ عليكِ إمارة ... أمِنتِ وهذا تحملين طليقُ وعَدَسْ «3» زجر للبغل يريد الَّذِي تحملين طليق. وقوله: وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي [18] أضرب بِهَا الشجر اليابس ليسقط ورقها فترعاهُ غنمه «4» (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) يعني حوائج «5» جعل أخرى نعتًا للمآرب وهي جمع. ولو قَالَ: أُخَر، جاز كما قَالَ الله (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ «6» ) ومثله (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى «7» ) . وقوله. سِيرَتَهَا الْأُولى [21] أي طريقتها الأولى. يقول: يردّها عصا كما كانت.   (1) الآية 110 سورة النحل. (2) هو يزيد بن مفرغ الحميرى. وكان هجا عباد بن زياد والى سجستان فسجته فى العذاب فأمر الخليفة معاوية رضي الله عنه فأطلق، وقدمت إليه بغلة ليركبها فقال قصيدة فيها هذا البيت. وقوله «أمنت» كتب فوقها فى ا: «نجوت» وهى رواية أخرى. وانظر اللسان (عدس) . (3) والمراد هنا البغلة إذ هو يخاطبها ويناديها. (4) كذا. والأولى. غنمى. (5) سقط فى ا. [ ..... ] (6) الآية 185 سورة البقرة. (7) الآية 180 سورة الأعراف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 وقوله: وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ [22] الْجَنَاح فِي هَذَا الموضع من أسفل الْعَضد إلى الإبط. وقوله: (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي برص. وقوله: آية أخرى، المعنى هي آية أخرى وهذه آية أخرى، فلمّا لَمْ يأت بهي ولا بِهذه قبل الآية اتّصلت بالفعل فنصبت. وقوله: مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى [23] ولو قيل: الكبر كان صوابا، هى بِمنزلة (الْأَسْماءُ الْحُسْنى) و (مَآرِبُ أُخْرى) . وقوله. وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي [27] كانت فِي لسانه رُتَّة «1» . وقوله: هارُونَ أَخِي [30] إِن شئت أوقعت (اجْعَلْ) عَلَى (هارُونَ أَخِي) وجعلت الوزير «2» فعلًا لَهُ. وإن شئت جعلت (هارُونَ أَخِي) مترجمًا عَن «3» الوزير، فيكون نصبًا بالتكرير. وقد يَجوز فِي (هارون) الرفع عَلَى الائتناف لأنه معرفة مفسر لنكرة كما قَالَ الشاعر: فإن لَهَا جَارين لن يَغْدِرا بِهَا ... رَبيبُ النَّبِيّ وابن خير الخلائق وقوله: اشْدُدْ بِهِ [31] دعاء: «4» (اشْدُدْ بِهِ) يا ربّ (أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ) يا رب (فِي أَمْرِي) . دعاء من موسى وهي فِي إحدى القراءتين (أَشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأُشْرِكْهُ فِي أمري) بضم «5» الألف. وذكر عَن الْحَسَن «6» (اشْدُدْ بِهِ) جزاء للدعاء لقوله (اجْعَلْ لِي) (وأشركه) بضم الألف فى (أشركه) لأنها فعل لموسى.   (1) الرتة: حبسة فى اللسان. (2) يريد أن فيه وصف هارون والحديث المنسوب إليه. وهو فى اصطلاح البصريين هنا المفعول الثاني. (3) هو فى الاصطلاح البصري هنا: بدل. (4) ش، ب: «على» . (5) سقط فى ش، ب. (6) هى قراءة ابن عامر سواء هى القراءة السابقة وكأنهما فى الأصل من نسختين جمعتا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 وقوله: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى [37] قبل هَذِه. وهو ما لطف لَهُ إذ وقع إلى فرعون فحببّه إليهم حَتَّى غَذَوه. فتلك المنَّة الأخرى (مع هَذِه الآية) . وقد فسَّره إذ قَالَ: إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ مَا يُوحى [38] أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فى اليمّ ثم قال: (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ) هُوَ جزاء أخرج «1» مُخرج الأمر كَانَ البحر أُمر. وهو مثل قوله: (اتَّبِعُوا «2» سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ) المعنى. والله أعلم: اتبعُوا سبيلنا نَحمل عنكم خطاياكم. وكذلك وعدها الله: ألقيه فِي البحر يُلْقِه اليمّ بالساحل. فذكر أن البحر ألقاهُ إلى مشرَعة «3» آل فرعون، فاحتمله جواريه إلى امرأته. وقوله: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) حُبِّبَ إِليّ (كلّ «4» من رآه) . وقوله: (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي [39] إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ) [40] ذكر المشي وحده، ولم يذكر أنها مشت حَتَّى دخلت عَلَى آل فرعون فدلتهم عَلَى الظِّئر وهذا فِي التنزيل كَثِير مثله قوله: (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ) ولم يقل فأرسل فدَخَل فقال يوسف. وهو من كلام العرب: أن تجتزىء (بحذف «5» كَثِير) من الكلام وبقليله إذا كَانَ المعنى معروفا. وقوله: (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) ابتليناكَ بالغم: غمّ القتل ابتلاء. وقوله (عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) يريدُ عَلَى ما أراد الله من تكليمه. وقوله: وَلا تَنِيا [42] يريد: ولا تَضعُفا ولا تفتُرا عَن ذكري وفى ذكرى سواء.   (1) ا: «خرج» . (2) الآية 12 سورة العنكبوت. (3) المشرعة: الموضع من النهر يكون موردا للشاربة. (4) ش: «من كان يراه» . (5) ش: «بالحذف» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 وقوله: قَوْلًا لَيِّناً [34 حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن أبان القرشي قَالَ: كَنَّياه. قَالَ مُحَمَّد بن أبان قَالَ يكنى: أبا مُرّة، قَالَ الفراء. ويُقال: أبو الوليد. وقوله: أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا 45 و (يَفْرُطَ) يريد فِي العجلة إلى عقوبتنا. والعربُ تَقُولُ: فَرَطَ منه أمر. وأفرط: أسْرَف، وَفَرَّطَ: تَوانى ونسي. وقوله: إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ 47 ويجوز رَسُول ربك لأن الرسول قد يكون للجمع وللاثنين والواحد. قَالَ الشاعر «1» : أَلِكْني إليها وخير الرسو ... ل أعلمهم بنواحي الخبَرْ أراد: الرُّسْلَ. وقوله: وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى [47] يريد: والسلامة عَلَى من اتّبع الهدى، ولِمن اتبع الهدى سواء «2» قَالَ أمر موسى أن يقول لفرعون (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) . وقوله: إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [48] دليلٌ «3» عَلَى معنى قوله: يَسْلم من اتبع الهدى. وقوله: قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يَا مُوسى [49] يكلم الاثنين ثُمَّ يجعل الخطاب لواحد لأن لكلام إنما يكون من الواحد لا من الجميع. ومثله مما جُعِل الفعل عَلَى اثنين وهو لواحد. قوله: (نَسِيا «4» حُوتَهُما) وإنّما نسيه واحد ألا ترى أَنَّهُ قَالَ لموسى (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) ومثله (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ «5» ) وإنما يخرج من الملح.   (1) هو أبو ذؤيب. وانظر ديوان الهذليين 1/ 146. وألكنى إليها: كن رسولى إليها. [ ..... ] (2) ا: «والمعنى واحد» . (3) ا: «يدلك» . (4) الآية 61 سورة الكهف. (5) الآية 22 سورة الرحمن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 وقوله: (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) [يُقال: أعطى الذكر من الناس امرأة مثله من صنفه، والشاة شاة، والثور بقرة. وقوله: (ثُمَّ هَدى) ألهم الذكر المأْتَى. وقوله: فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي أي لا ينساه و (رَبِّي) فِي موضع رفع تضمر الْهَاء فِي يضله (وَلا يَنْسى) وتقول: أضللت الشيء إذا ضاع مثل الناقة والفرس وما انفلت منك. وإذا أخطأت الشيء الثابت موضعه مثل الدار والمكان قلت: ضلَلته وضللته لغتان ولا تقل «1» أضللت ولا أضللته. وقوله: أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى [53] مختلف الألوان الطعوم «2» . وقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى [54] يقول: فِي اختلاف ألوانه وَطَعِمه آيات لذوي العقول. وتقول للرجل. إنه لذو نُهْية إذا كان ذا عقل. وقوله: تارَةً أُخْرى [55] مردودة على قوله (مِنْها خَلَقْناكُمْ) لا مردودة على (نُعِيدُكُمْ) لأن الأخرى والآخر إنما يردّان «3» عَلَى أمثالهما. تَقُولُ فِي الكلام: اشتريت ناقةً ودارًا وناقة أخرى فتكون (أُخْرى) مردودة عَلَى الناقة التي هي مثلها ولا يَجوز أن (تكون «4» مردودة) على الدار. وكذلك قوله منها خلقناكم كقوله (منها أخرجناكم، ونخرجكم بعد الموت (مرة أخرى «5» ) وقوله: فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً يَقول: اضرب بيننا أجلًا فضَربَ. وقوله (مَكاناً سُوىً) و (سوى) وأكثر كلام العرب سواء بالفتح وللدّ إذا كَانَ فِي معنى نِصْفٍ وَعدْلٍ فتحوه ومدّوه   (1) ا: «تقول» . (2) ش: «الطعام» . (3) ا: «هو يردان» وهو ضمير الحال والشأن. (4) ا: «ترد» . (5) ا: «تارة أخرى والتارة هى المرة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 كقول الله (تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) والكسر والضم بالقصر عربيّان ولا يكونان إلا مقصورين وقد قرىء «1» بهما: وقوله: يَوْمُ الزِّينَةِ [59] ذكر أَنَّهُ جعل موعدهم يوم عيد، ويُقال: يوم سوق كانت تكون لَهُم يتزينونَ فيها. وقوله: (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) يقول: إذا رأيت الناس يُحشرونَ من كل ناحيةٍ ضَحًى فذلك الموعد. وموضع (أن) رفع تردّ عَلَى اليوم، وخفضٌ ترد عَلَى الزينة أي يوم يحشر الناس. وقوله: (فَيُسْحِتَكُمْ) [61] «2» وسحت «3» أكثر وهو الاستئصَال «4» : يستأصلكم بعذاب. وقال الفرزدق: وعض زمان يا ابن مروَانَ لَمْ يدع ... من المال إلا مُسْحَتًا أو مُجَلَّف «5» والعربُ تَقُولُ سَحَتَ وَأَسْحَت بِمعنى واحد «6» . قَالَ: قيل للفراء: إن بعض الرواة يقول: ما بِهِ من المال إلا مسحت أو مجلف: قَالَ لَيْسَ هَذَا بشيء حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي. أَبُو جَعْفَر الرؤاسيّ عَن أبي عَمْرو بن العلاء قَالَ: مرّ الفرزدق بعبد الله بن أبي إسحاق الحضرميّ النحوي فأنشده هَذِه القصيدة. عَزَفتَ بأعشاش وما كدت تعزف ... حتى انتهى إلى هذا البيت ...   (1) الضم لابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب وخلف والكسر للباقين. (2) ا: «إلى» . (3) فى اللسان: «يسحت» بضم الياء. (4) ش: «الاستئصال» . (5) المجف: الذي بقيت منه بقية. [ ..... ] (6) أي المستملي. وهو محمد بن الجهم يريد أن بعض الرواة استنكر الرواية التي أوردها الفراء وفيها عطف المرفوع (مجلف) على المنصوب (مسحتا) فذكر قولا ليس فيه هذا الخلاف فقال الفراء إن هذا ليس الرواية ولرفع (مجلف) وجه إذ المراد: أو هو مجلف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 وعضّ زمان يا ابن مروان لَمْ يَدَع ... من المال إلا مُسْحَت أو مجلّف «1» فقال عبد الله للفزدق: علام رفعت؟ فقال لَهُ الفرزدق: عَلَى ما يسوءك. وقوله: فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ [62] يعني السَّحَرة قَالَ بَعضهم لبعض: إن غَلَبَنَا موسى اتَّبعناهُ وأسرُّوها من فرعون وأصحابه. وقوله: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [83] قد اختلف فِيهِ القراء فقال بعضهم: هُوَ لحن ولكنا نمضي عَلَيْهِ لئلا نُخالف الكتاب. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ «2» عَنْ هَاشِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قوله فِي النِّسَاءِ (لكِنِ «3» الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ .... وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) وَعَنْ قوله فِي الْمَائِدَةِ (إِنَّ الَّذِينَ «4» آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) وعن قوله ( «5» إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) فقالت: يا ابن أَخِي هَذَا كَانَ «6» خَطَأً مِنَ الْكَاتِبِ. وقرأ أَبُو عمرو (إِنَّ هَذَيْنِ لساحران) واحتج أَنَّهُ بلغه عَن «7» بعض أصحاب مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إن فِي المصحف لحنًا وستقيمه العرب. قَالَ الفراء: ولست أشتهي عَلَى (أن أخالف «8» الكتاب وقرأ بعضهم «9» (إِنْ هذان لساحران)   (1، 2) هذه رواية أخرى فى البيت فيها رفع (مسحت) وقد خرج على أن (لم يدع) فيها معنى لم يتقار ولم يبق فجاء الرفع لهذا. وانظر اللسان فى سحت والخزانة 2/ 347. ويريد الفراء إدحاض ما روى له فى البيت وأنه خلاف الرواية. (3) سقط فى ا. (4) الآية 162 (5) الآية 69 سورة طه (6) ليس هنا خطأ فلكل ما ورد فى هذه الآيات وجه عربى صحيح. وسيذكر المؤلف توجيها لما هنا. (7) فى هامش ا: هو عثمان بن عفان رضي الله عنه. (8) ا: «خلاف» . (9) هو حفص، وابن كثير غير أنه يشدد نون (هذان) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 خفيفة «1» وَفِي قراءة عبد الله: (وأسروا النجوى أن هذان ساحران) وَفِي قراءة أُبَيّ (إنْ ذان إلا ساحران) فقراءتنا «2» بتشديد (إنّ) وبالألف عَلَى جهتين. إحداهما عَلَى لغة بني الحارث بن كعب: يجعلونَ الاثنين فِي رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف. وأنشدني رجلٌ من الأسد عنهم. يريد بني الحارث: فأَطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مسَاغًا لِناباه الشجاعُ لصَمّما «3» قَالَ: وما رأيت أفصح من هَذَا الأسدي وحكى هَذَا الرجل عنهم: هَذَا خطُّ يَدَا أخي بعينه. وَذَلِكَ- وإن كَانَ قليلًا- أقيس لأن العرب قالوا: مسلمون فجعلوا الواو تابعة للضمة (لأن الواو «4» لا تُعرب) ثُمَّ قالوا: رأيت المسلمين فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم. فلمّا رأوا أن «5» الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحًا: تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلانِ فِي كل حَالٍ. وقد اجتمعت العرب عَلَى إثبات الألف فِي كِلا الرجلين فِي الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلا بنى كنانة فإنهم يقولون: رأيت كلى الرجلين ومررت بكلَيِ الرجلين. وهي قبيحة قليلة، مَضَوْا عَلَى القياس. والوجهُ الآخر أن تَقُولُ: وجدت الألف (من «6» هَذَا دِعامة وليست بلام فعل، فلمّا ثنّيت زدتُ عليها نونًا ثُمَّ تركت الألف) ثابتة عَلَى حالِها لا تزول عَلَى «7» كل حال كما قالت العرب (الَّذِي) ثُمَّ زادوا نونًا تدل عَلَى الجماع، فقالوا: الَّذِينَ فِي رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) فِي رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللّذون) .   (1) سقط فى ا. (2) هى قراءة نافع وابن عامر وأبى بكر وحمزة والكسائي وأبى جعفر ويعقوب وخلف. (3) هو للمتلمس كما فى اللسان (صمم) والشجاع: الذكر من الحيات. وصمم: عض فى العظم. (4) هى قراءة نافع وابن عامر وأبى بكر وحمزة والكسائي وأبى جعفر ويعقوب وخلف. (5) سقط فى ا. [ ..... ] (6) سقط ما بين القوسين فى ا. (7) ا: «فى» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 وقوله: وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى [63] الطريقة: الرجال الأشراف وقوله (المثلى) يريد الأمثل «1» يذهبون بأشرافكم فقال المثلى ولم يقل المثل مثل (الْأَسْماءُ الْحُسْنى) وإن شئت جعلت (المثلى) مؤنثة لتأنيث الطريقة. والعرب تقول للقوم: هَؤُلَاءِ طريقة قومهم وطرائق قومهم: أشرافهم، وقوله (كُنَّا طَرائِقَ «2» قِدَداً) من ذَلِكَ. ويقولون للواحد أيضًا: هَذَا طريقة قومه ونَظُورة قومه وبعضهم: ونظيرة قومه، ويقولون للجمع بالتوحيد والجمع: هَؤُلَاءِ نَظُورة قومهم ونظائر قومهم. وقوله: فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ [64] الإجماع: الإحكام والعزيمة على 113 االشيء. تَقُولُ أجمعت الخروج وَعَلَى الخروج مثل أزمعت قَالَ الشاعر: يا ليت شِعْرِي والمنى لا تنفع ... هَلْ أَغْدُوَنَّ يومًا وأمري مُجْمَعُ يريد قد أُحكم وعُزِم عَلَيْهِ. ومن «3» قرأ (فاجْمَعوا) يقول: لا تتركوا من كيدكم شيئًا إِلَّا جئتم به. وقوله (مَنِ اسْتَعْلى) من غلب. وقوله: إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى [65] و (أن) فِي موضع نصب. والمعنى اختر إحدى هاتين. ولو رفع إذ لَمْ يظهر الفعل كَانَ صوابا، كأنه خبر، كقول الشاعر: فسيرا فإما حاجة تقضيانها ... وإما مقيل صالح وصديق ولو رفع قوله (فإمّا مَنٌّ «4» بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءٌ) كانَ أيضًا صَوَابًا. ومذهبه كمذهب قوله (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ «5» أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) والنصب فى قوله (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) وَفِي قوله (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً)   (1) فى الطبري: «تأنيث الأمثل» . (2) الآية 11 سورة الجن. (3) ا: «تدعوا» . (4) التلاوة «فإما منا بعد وإما فداء» فى الآية 4 سورة محمد. (5) الآية 229 سورة البقرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 أجود من الرفع لأنه شيء لَيْسَ بعام مثل ما ترى من معنى قوله (فَإِمْساكٌ) و (فَصِيامُ «1» ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) لَمّا كَانَ المعنى يعم الناس فِي الإمساك بالمعروف وَفِي صيام الثلاثة الأيام فِي كفارة اليمين كان كالجزاء فرفع لذلك. والاختيار إنما هي فعلة واحدة، ومعنى (أفلح) عاش ونَجا. وقوله: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى [66] (أنّها) فِي موضع رفع. ومن قرأ (تُخَيَّلُ) أو (تَخَيَّل) فإنها فِي موضع نصب لأن المعنى تتخيل بالسعي لَهُم وتُخَيِّل كذلك، فإذا ألقيت الباء نصبت كما تَقُولُ: أردت بأن أقوم ومعناهُ: أردت القيام، فإذا ألقيت الباء نصبت. قَالَ الله (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ «2» ) ولو ألقيت الباء نصبت فقلت: ومن يُرد فِيهِ إلحادًا بظلمٍ. وقوله: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى [67] أحسّ ووجد. وقوله: إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ سِحْرٍ [69] جعلت (ما) فِي مذهب الَّذِي: إن الَّذِي صنعوا كيد سحر، وقد قرأه «3» بعضهم (كَيْدُ ساحِرٍ) وكل صواب، ولو نصبت (كَيْدَ سحر) كَانَ صوابًا، وجعلت (إنَّما) حرفًا واحدًا كقوله (إِنَّما تَعْبُدُونَ «4» مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً) . وقوله: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) جاء فِي التفسير أَنَّهُ يُقتل حيثما وُجِد. وقوله: فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ [71] ويصلح فِي مثله من الكلام عَن وَعَلَى والباء. وقوله (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) يصلح (عَلَى) فِي موضع (فِي) وإِنَّما صَلحت (فِي) لأنه يرفع فِي الخشبة فِي طولها فصلحت (فِي) وصلحت (عَلَى) لأنه يرفع فيها فيصير عليها، وقد   (1) الآية 196 سورة البقرة والآية 89 سورة المائدة. (2) الآية 25 سورة الحج. (3) القراءة الأولى لحمزة والكسائي وخلف. والأخيرة للباقين. (4) الآية 17 سورة العنكبوت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 قال الله (وَاتَّبَعُوا «1» ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) ومعناهُ فِي ملك سُلَيْمَان. وقوله (أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى) يقول: وأدْوَم. وقوله: لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى مَا جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا [72] فالذي «2» فِي موضع خفض: وَعَلَى الَّذِي. ولو أرادوا بقولهم (وَالَّذِي فَطَرَنا) القسم بها كانت خفضًا وَكَانَ صوابًا، كأنَّهم قالوا: لن نؤثرك والله. وقوله (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قاضٍ) : افعل ما شئت. وقوله (إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) إنما حرف واحد، لذلك نصبت (الحياة) ولو قرأ قارئ برفع (الحياة) لَجازَ، يجعل (ما) فِي مذهب الَّذِي كأنه قَالَ: إن الَّذِي تقضيه هَذِه الدُّنْيَا. وقوله: وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ [73] مَا فِي موضع نصب مردودة «3» عَلَى معنى الخطايا. وذُكِرَ فِي التفسير أن فرعون كَانَ أكره السّحرة 113 ب عَلَى تَعلّم السحر «4» . وقوله: لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى [77] رفع عَلَى الاستئناف بلا كما قَالَ (وَأْمُرْ أَهْلَكَ «5» بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) وأكثر ما جاء فِي جواب الأمر بالرفع مع لا. وقد قرأ حَمْزَةُ (لا تَخَفْ دَرَكًا) فجزمَ عَلَى الجزاء ورفع (ولا تخشى) عَلَى الاستئناف، كما قَالَ (يُوَلُّوكُمُ «6» الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) فاستأنفَ «7» بثم، فهذا مثله. ولو نوى حَمْزَةُ بقوله (وَلا تَخْشى) الجزم وإن كانت فِيهِ الياء كَانَ صَوَابًا كما قَالَ الشاعر: هُزِّي إليك الجذع يجنيك الجنى «8»   (1) الآية 102 سورة البقرة. (2) ا: «والذي» . (3) ا: «مردود» : [ ..... ] (4) ا: «تعليم» . (5) الآية 132 سورة طه. (6) الآية 111 سورة آل عمران. (7) ا: «استأنف» . (8) انظر ص 161 من الجزء الأول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 ولم يَقل: يَجنك الجنى. وقال الآخر «1» : هَجَوْتَ زَبَّان ثُمَّ جئتَ معتذِرًا ... من سبّ زَبَّان لَمْ تهجو ولم تَدَعِ «2» وقال الآخر «3» : أَلَمْ يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زيادِ «4» فأثبت فِي (يأتيك) الياء وهي فِي موضع جزم لسكونِها فجازَ «5» ذَلِكَ. وقوله: فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي [81] الكسرُ فِيهِ أحبّ إليّ «6» من الضم لأن الحلول ما وقع من يَحُلّ، ويَحِلُ: يجب، وجاء التفسير بالوجوب لا بالوقوع. وكل صواب إن شاء الله. وَالْكِسَائي جعله عَلَى الوقوع وهي فِي قراءة الفراء بالضم مثل الْكِسَائي سُئِلَ عَنْهُ فقاله، وَفِي قراءة «7» عبد الله أو أبي (إن شاء الله) (ولا يَحُلَّنَّ عليكم غضبي ومن يحلل عَلَيْهِ) مضمومة. وأما قوله (أَمْ أَرَدْتُمْ «8» أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ) فهى مكسورة. وهي مثل الماضيتين، ولو ضُمَّت كَانَ صَوَابًا فإذا قلت حَل بِهم العذاب كانت يحل بالضم لا غير، فإذا قلت: عَلَى أو قلت يحل لك كذا وكذا فهو بالكسر. وقوله: ثُمَّ اهْتَدى [82] : علم أن لذلك ثوابا وعقابا. وقوله: قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي [84] وقد قرأ بعضُ القراء (أُولايَ عَلَى أَثَرِي) بترك   (1) ا: «آخر» . (2) الشعر لأبى عمرو بن العلاء وهو زبان. يخاطب الفرزدق وكان هجاه ثم اعتذر إليه. وانظر معجم الأدباء 11/ 158. وانظر ص 162 من الجزء الأول. (3) ا: «آخر» . (4) هو لقيس بن زهير العبسي. وانظر ص 161 من الجزء الأول. (5) ا: «جاز» . (6) سقط فى ا. (7) ا: «حرف» . (8) الآية 86 سورة طه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 الْهَمْز، وشبِّهت بالإضافة إذا تُرك الْهَمْز، كما قرأ يَحْيَى بن وثاب (مِلّة آبايَ «1» إِبْرَاهِيم) (وَتَقَبَّل «2» دُعَايَ رَبَّنَا) . وقوله: مَا أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا [87] برفع الميم. (هَذَا قراءة القراء) ولو قرئت بِمَلْكِنا (وملكنا «3» ) كَانَ صوابًا. ومعنى (مُلكنا) فِي التفسير أنا لَمْ نملك الصواب إِنَّما أخطأنا. وقوله (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) يعني ما أخذوا من قوم فرعون حين قَذَفَهم البحرُ من الذهب والفضة والحديد، فألقيناه فِي النار. فكذلك فعل السامري فاتَّبَعناهُ. فلما خلصت فضّة ما ألقوا وذهبه صوره السامري عجلًا وَكَانَ قد أخذ قبضة من أثر فرس كانت تحت جبريل (قَالَ «4» السامري لموسى «5» : قُذِفَ فِي نفسي أني إن ألقيت تِلْكَ القبضة عَلَى ميت حيي، فألقى تِلْكَ القبضة فِي أنف الثور وَفِي دبره فحيي وخار) قَالَ الفراء: وَفِي تفسير الكلبي أن الفرس كانت الحياة فذاك قوله (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) يقول زيَّنته لي نفسي. ومن قرأ بملكنا بكسر الميم فهو الملك يملكه الرجل تَقُولُ لكل شيء ملكته: هَذَا ملك يميني للمملوك وغيره مما مُلك والملك مصدر ملكته مَلْكًا ومَلَكة: مثل غلبته غَلْبًا وغَلَبَةً. والملك السلطان وبعض بني أسد يقول مالي مُلْك، يقول: مالي شيء أملكه وملك الطريق ومَلْكه: وجهه «6» . قَالَ الشاعر: أقامت عَلَى ملك الطريق فَمَلكه ... لها ولمنكوب المطايا جوانبه «7»   (1) الآية 38 سورة يوسف. [ ..... ] (2) الآية 40 سورة ابراهيم. (3) ا: «بكسر الميم وفتح الميم» . (4) ما بين القوسين جاء فى ابعد قوله. «كانت الحياة» . (5) سقط فى ا. (6) فى اللسان: «وسطه» . (7) يصف ناقة أنها تمشى فى وسط الطريق، وأن غيرها من المطايا يمشى فى جانبه لما أصابها من الحجارة والحصى فى أخفافها. والمنكوب ما أصاب الحجر رجله وظفره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 114 اويقال «1» مع ملك الطريق: فَمِلكه. أقامت عَلَى عُظم الطريق وَعَلَى سجح الطريق وَعَلَى سننه وسنُنَه: وقوله: فَنَسِيَ [88] يعني أن موسى نسي: أخطأ الطريق فأبطأ عنهم فاتخذوا العجل فعَيَّرهم الله فقال. أفلا يرونَ أن العجل لا يتكلم ولا يملك لَهم ضرًّا ولا نفعًا. وقوله: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً [96] القبضة بالكف «2» كلّها. والقبضة بأطراف الأصابع. وقرأ الْحَسَن قبصة بالصاد والقُبْصَة والقبضة جميعًا «3» : اسم التراب بعينه فلو قرئتا كَانَ وجهًا: ومثله مما قد قرئ بِهِ (إِلا من «4» اغترف غرفة بيده) و (غُرْفَةً) . والغُرْفة: المغروف، والغَرفة: الْفَعلة. وكذلك الْحُسْوة والحَسْوة والخُطْوة والخَطْوة والأُكلة والأَكلة. والأُكلة المأكول «5» والأكلة المرة. والخُطوة ما بين القدمين فِي المشي، والخَطْوة: المرَّة. وما كَانَ مَكسورًا فهو مصدر مثل إنه لحسن المشية والجلسة والقِعدة. وقوله: فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ [97] أي لا أُمَسّ ولا أَمَسُ، أُوِّلَ ذَلِكَ أن موسى أمرهم ألا يؤاكلوهُ ولا يخالطوهُ ولا يبايعوه. وتقرأ (لا مَسَاسِ) وهي لغة فاشية: لا مَسَاسِ لا مَسَاسِ مثل نزال ونظار من الانتظار. وقوله (الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) و (ظَلْتَ) «6» و (فَظَلْتُمْ «7» تَفَكَّهُونَ) و (فَظَلْتُمْ) إنما جاز الفتح والكسر لأن معناهما ظللتم، فحذفت اللام الأولى: فمن كسر الظاء جعل كسرة اللام الساقطة فِي الظاء. ومن فتح الظاء قَالَ: كانت مفتوحة فتركتُها على فتحها.   (1) الظاهر أنه يريد أن فى البيت رواية أخرى بكسر الميم. وفى ش: وملكه» . (2) ش: «فى الكف» . (3) سقط فى: ا (4) الآية 249 سورة البقرة. وقراءة فتح (غرفة) لنافع وابن كثير وأبى عمرو وأبى جعفر. والضم للباقين. (5) ا: «الطعام» . (6) الكسر رواية المطوعى عن الأعمش. (7) الآية 65 سورة الوقعة. وقد قرأ، بالكسر أبو حيوة، وجاء فى رواية عن أبى بكر كما فى البحر 8/ 211 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 ومثله مسَسْت ومسِست تَقُولُ العرب قد مَسْتُ ذَلِكَ ومِسْته، وهممت بذلك وهَمْت، وَوَدِدْتُ وَوَدَدْتُ «1» كذا فى ب أنك فعلت ذاكَ، وهل أحسست صاحبك وهل أحسْت. وقوله (لَنُحَرِّقَنَّهُ) بالنار و (لَنُحَرِّقَنَّهُ) «2» لنَبْرُدَنَّه بالحديد بَرْدًا من حرقت أحرُقه وأَحرِقه لغتان. وأنشدني المفضل: بذي فَرِقَيْنِ يوم بَنُو حَبيبٍ ... نيُوبَهَمُ علينا يَحْرِقُونا «3» حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ (لَنُحَرِّقَنَّهُ) لنبردنّه. وقوله: يَوْمَئِذٍ زُرْقاً [102] يُقال نحشرهم عِطَاشًا ويُقال نحشرهم عُميًا. وقوله: يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ [102] التخافت: الكلام المخفي. وقوله أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً [104] أجودهم قولًا فِي نفسه وعندهم (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) وكذب. وقوله: يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً [105] يقلعها. وقوله: قاعاً صَفْصَفاً [106] القاع مستنقع الماء والصفصف الأملس الَّذِي لا نبات فيه. وقوله: وَلا أَمْتاً [107] الأمتُ: موضع النبك من الأرض: ما ارتفعَ «4» منها ويُقال: مسايل الأودية (غير «5» مهموز) ما نسفّل وقد سمعت العرب يقولون: ملأ الْقِرْبَةَ مَلأ لا أمْتَ فيها إذا لَمْ يكن فيها استرخاء. ويُقال سِرْنَا سيرًا لا أَمْت فيه ولا وهن «6» فيه ولا ضعف.   (1) لم يذكر الصيغة بعد الحذف. وهى: ودت، ودت. [ ..... ] (2) هى رواية عن أبى جعفر وقراءة الأعمش. (3) هو لعامر بن شقيق الضبي كما فى اللسان (حرق) . فى ا: «بنى حبيب» . وذو فرقين: موضع. وفى ياقوت أنه علم بشمالى قطر. (4) هذا تفسير للنبك. (5) سقط فى ا. وهو يريد أن مسايل غير مهموز وليس مسائل. (6) ب. «ونى» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 وقوله: يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ [108] يتَّبِعونَ صوت الداعي للحشر (لا عِوَجَ لَهُ) يقول لا عوج لَهُم عَن الداعي فجازَ أن يقول (لَهُ) لأن المذهب إلى الداعي وصوته. وهو كما تَقُولُ فِي الكلام: دَعَوْتني دعوةً لا عِوَج لك عنها أي إني لا أعوج لك ولا عنك. وقوله: (إِلَّا هَمْساً) يُقال: نقل الأقدام إلى المحشر. ويُقال: إنه الصّوت الخفىّ. وذكر عن 114 ب ابن عباس أَنَّهُ تَمثَّل: وَهُنَّ يمشينَ بنا هميسًا ... إن تصدق الطير ننِك لَميسا فهذا «1» صوت أخفاف الإبل فِي سيرها. وقوله: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ [109] (من) فِي موضع نصب لا تنفع إلا من أذن لَهُ أن يشفع فِيهِ. وقوله: (وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا) كقولك «2» : ورضي منه عمله وقد يقول الرجل. قد رضيت لك عملك ورضيته منك. وقوله: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ [110] يعني ملائكته الَّذِين عَبَدهم من عبدهم. فقال: هم «3» لا يعلمون ما بين أيديهم وما خلفهم، هُوَ الَّذِي يعلمه. فذلك قوله: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) . وقوله: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ [111] . يُقال نصبت لَهُ وعملت لَهُ وذُكر أيضًا أَنَّهُ وضع المسلم يديه وجبهته وركبتيه إذا سجد وركع وهو فِي معنى العربية أن يقول الرجل عنوت لك: خضعت لك وأطعتك. ويُقال الأرض لَمْ تَعْنُ بشيء أي لَمْ تُنبت شيئًا، ويُقال: لَمْ تَعْنِ بشيء والمعنى واحد كما قيل: حَثوت عَلَيْهِ «4» التراب وحثيت   (1) ا: «وهو» . (2) ا: «كذلك» . (3) ا: «فهم» . (4) ا: «عليك» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 التراب. والعَنْوة فِي قول العرب: أخذت هَذَا الشيء عَنْوة يكون غلبة ويكون عَن تسليم وطاعة ممن يؤخذ منه الشيء قَالَ الشاعر «1» . فما أخذوها عَنْوة عَن موَّدةٍ ... ولكن بضرب المشرفي استقالَها فهذا عَلَى معنى الطاعة والتسليم بلا قتال. وقوله: فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً [112] تَقُولُ العرب: هضمت لك من حَقّي أي حططته، وجاء عَن عَليّ بن أبي طالب فِي يوم الْجَمَل أَنَّهُ قيل لَهُ «2» أهضم أم قصاصٌ قَالَ: ما عُمِل بِهِ فهو تَحت قديَّ هاتين فجَعَله هَدرًا وهو النقص. وقوله: أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً [113] . شرفًا وهو مثل قول الله (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) أي شرفٌ ويُقال (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) عذابًا أي يتذكرون حلول العذاب الَّذِي وُعِدُوه. وقوله: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [114] كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتاهُ جبريل بالوحي عَجِلَ بقراءته قبل أن يستتم جبريل تلاوته، فأُمِرَ ألَّا يعجل حَتَّى يستتمّ جبريل تلاوته، وقوله (فَنَسِيَ) ترك ما أُمِرَ بِهِ. وقوله: وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [115] صَريمةً ولا حَزْمًا فيما فَعَل. وقوله: فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى [87] ولم يقل: فتشقيا لأنّ آدم هُوَ المخاطب، وَفِي فعله اكتفاء من فعل المرأة. ومثله قوله فِي ق (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ «3» ) اكتفى «4» بالقَعِيد من صَاحِبه لأن المعنى معروف. ومعنى (فَتَشْقى) تأكل من كدّ يدك وعملك.   (1) هو كثير كما فى اللسان. وفيه: «ولكن ضرب المشرفي» . (2) سقط فى ا. (3) الآية 17 سورة ق. (4) والأصل: عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، فحذف أحدهما. والمنقول عن الفراء فى البحر 8/ 123 أن لفظ (قعيد) يدل على الاثنين والجمع. فلا حذف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 وقوله: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها [118] أن فيها فِي موضع نَصْبٍ لأن إنّ وليت ولعل إذا ولين صفةً نَصبت «1» ما بعدها فأنّ من ذَلِكَ. وقوله: وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها [119] . نصب أيضًا. ومن «2» قرأ (وَإِنَّكَ لا تَظْمَأُ) جعله مردودًا عَلَى قوله (إنَّ) التي قبل (لك) ويَجوز أن تستأنفها فتكسرها بغير عَطف عَلَى شيء ولو جعلت (وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ) بالفتح مستأنفة تنوي بِهَا الرفع عَلَى قولك ولك أنك لا تظمأ فيها ولا تضحَى كان صوابا. وقوله: (وَلا تَضْحى) : لا تُصيبك شمس مؤذية وذكر فِي بعض التفسير (وَلا تَضْحى) : لا تَعْرق والأول أشبه بالصواب «3» قَالَ الشاعر: رأت رجلًا أمَّا إذا الشمس أعرضت ... فيَضْحَى وأمّا بالعشي فيخصر فقد بيّن. ويُقال: ضحِيت. وقوله: وَطَفِقا يَخْصِفانِ [121] هُوَ فِي العربية: أقبلَا يخصفانِ وجعلا يَخْصِفَانِ. وكذلك قوله (فَطَفِقَ «4» مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) (وقيل «5» ههنا) : جعلَا يُلصقان عليهما ورق التين وهو يتهافت عنهما. وقوله: ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ «6» [122] ، اختاره (فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) أي هداه للتوبة. وقوله: (مَعِيشَةً ضَنْكاً) [124] والضَّنْكُ: الضّيِّقَة الشديدة. وقوله: (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) أعمى عَن الحجة، ويُقال: إنه يخرج من قبره بصيرا فيعمى فى حشره.   (1) ا: «نصب» . [ ..... ] (2) هما نافع وأبو بكر. (3) هو عمر بن أبى ربيعة. وانظر ديوانه (شرح الشيخ محيى الدين) 94. (4) الآية 33 سورة ص. (5) سقط فى ا. (6) الآية 193 سورة الأعراف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 وقوله: (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ [128] يبيّن لهم إذا نظروا (كَمْ أَهْلَكْنا) و (كم) فِي موضع نصب لا يكون غيره. ومثله فى الكلام: أو لم يبين لك من يعمل خيرًا يُجزَ بِهِ، فجملة الكلام فيها معنى رفع. ومثله أن تَقُولُ: قد تبيّن لي أقام عبد الله أم زيد، فِي الاستفهام معنى رفع. وكذلك قوله: (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) فيه شىء برفع (سَواءٌ عَلَيْكُمْ) ، لا يظهر مع الاستفهام. ولو قلت: سواء عليكم صمتكم ودعاؤكم تبيّن الرفع الَّذِي في الجملة. وقوله: يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) يعنى أهل مكّة. وكانوا يتّجرون ويسيرن فِي مساكن عادٍ وثَمود، فيمرونَ فيها. فالمشيُ لكفار أهل مكة (والمساكن «1» ) للمهلكين. فقال: أفلم يخافوا أن يقع بهم ما وقع بالذين رأوا مساكنهم وآثار عذابهم. وقوله: (وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى [129] يريد: ولولا كلمة وأجل مُسمى لكان لِزامًا (مقدم «2» ومؤخر) وهو- فيما ذكروا- ما نزل «3» بهم فِي وقعة بدر من القتل. وقوله: وَأَطْرافَ النَّهارِ [130] وإنَّما للنهار طرفان فقال المفسرون: (وَأَطْرافَ النَّهارِ) صلاة الفجر والظهر والعصر (وهو) «4» وجه: أن تَجعل الظهر والعصر من طرف النهار الآخر، ثُمَّ يضم إليهما الفجر فتكون أطرافًا. ويكون لصلاتين فيجوز «5» ذَلِكَ: أن يكونا طرفين فيخرجا مخرج الجماع، كما قَالَ (إِنْ تَتُوبا «6» إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) وهو أحب الوجهين إليّ، لأنه قَالَ (وَأَقِمِ الصَّلاةَ «7» طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) وتنصب لأطراف بالردّ على قبل طلوع الشمس وقبل   (1) ا: «لا» . (2) سقط فى ا. (3) ش: «وقعة بدر ما نزل بهم فى وقعة بدر» وهو جمع بين نسخين. (4) ا: «فهو» . (5) ا: «ويجوز» . (6) الآية 5 سورة التحريم. (7) الآية 114 سورة هود. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 الغروب. وإن شئت خفضت أطراف تريد وسبّحه من الليل ومن أطراف النهار، ولم أسمعها «1» فِي القراءة، ولكنها مثل قوله (وَمِنَ اللَّيْلِ «2» فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) (وإدبارَ السجودِ) وقرأ حَمْزَةُ «3» وإدبارَ السجود. ويَجوز فِي الألف الفتح والكسر ولا يحسن كسر الألف إلا فِي القراءة. وقوله (لَعَلَّكَ تَرْضى) و (ترضى) ومعناهما واحد لأنك إذا رضيت فقد أرضيت. وَكَانَ حَمْزَةُ وأصحاب عبد الله يقرءونها ترضَى. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بكر وأخوه الْحَسَن بن عياش عَن عَاصِم عَن أبي عبد الرحمن أَنَّهُ قرأ لعلك (تُرضَى بضم التاء) . وقوله: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ [131] يريد: رجالًا منهم. وقوله (زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) نصبت الزهرة عَلَى الفعل «4» متعناهم بِهِ زهرةً فى/ 115 ب الحياة وزينة فيها. و (زهرة) وإن كَانَ معرفة فإن العرب تَقُولُ: مررتُ بِهِ الشريف الكريم. وأنشدني بعض بني فَقْعس: أبعد الَّذِي بالسَّفح سفح كُواكبٍ ... رهينةَ رَمْس من تراب وجندل «5» فنصب الرهينة بالفعل، وإنما وقع عَلَى الاسم الَّذِي هُوَ الرهينة خافض فهذا أضعف من (متَّعنا) وأشباهه. وقوله: لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً [132] . أجرًا عَلَى ذَلِكَ. وكذلك قوله (وَرِزْقُ «6» رَبِّكَ) يريد: وثواب ربك.   (1) رويت عن الحسن كما فى الإتحاف. (2) الآية 40 سورة ق. قرأ نافع وابن كثير وحمزة وأبو جعفر وخلف بكسر الهمزة وافقهم ابن محيصن والأعمش. وقرأ الباقون بفتح الهمزة. وظاهر كلام المؤلف أن بعضهم قرأ بخفض الراء عطفا على (الليل) ولم أقف عليه. [ ..... ] (3) سقط ما بين القوسين فى ا. (4) يريد أنها نصبت على الحال. (5) كواكب: جبل. والرمس: القبر. (6) فى الآية 131 سورة طه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 وقوله: أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ [134] من قبل الرسول (لَقالُوا) كيف أهلكنا من قبل أن أرسلَ إلينا رسولٌ. فالهاء لِمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويُقال إن الْهَاء للتنزيل. وكلٌّ صواب وقوله: فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى [135] مَنْ ومَنْ فِي موضع رفع. وكلّ ما كَانَ فِي القرآن مثله فهو مرفوع إذا كَانَ بعده رافع مثل قوله (فَسَتَعْلَمُونَ «1» مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ومثله «2» «لِنَعْلَمَ «3» أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى» ومثله (أَعْلَمُ مَنْ «4» جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ولو نصب كَانَ صوابًا، يكون بِمنزلة قول الله (اللَّهُ يَعْلَمُ «5» الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) . وقوله: (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ) الذين لم يضلّوا (وَمَنِ اهْتَدى) ممّن كان ضالا فهدى. ومن سورة الأنبياء وقوله: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ [2] لو كَانَ المحدث نصبًا أو رفعًا لكان «6» صوابًا. النصبُ عَلَى الفعل: ما يأتيهم مُحْدثًا. والرفعُ عَلَى الردّ عَلَى تأويل «7» الذكر لأنك لو ألقيت (من)   (1) الآية 29 سورة الملك. (2) سقط ما بين القوسين فى ا. (3) الآية 12 سورة الكهف. (4) الآية 85 سورة القصص. (5) الآية 220 سورة البقرة. (6) ا: «كان» . (7) يريد بتأويله ما يصير إليه وهو الرفع إذ حرف الجر زائد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 لرفعت الذكر. وهو كقولك: ما من أحدٍ قائم «1» وقائمٌ وقائمًا. النصب فِي هَذِه «2» عَلَى استحسان «3» الباء، وَفِي الأولى عَلَى الفعل. وقوله: لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ [3] منصوبة «4» عَلَى العطف عَلَى قوله (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) لأن قوله وهم يلعبون بِمنزلة لاعبين، فكأنه: إلا استمعوه لاعبين لاهيةً قلوبهم. ونصبه أيضًا من إخراجه «5» من الاسم المضمر فِي (يَلْعَبُونَ) يلعبون كذلك لاهية قلوبهم. ولو رفعت (لاهِيَةً) تُتبعها «6» يلعبون كَانَ صوابًا كما تقول: عبد الله يلهو ولا عب. ومثله قول الشاعر: يَقْصِدُ فِي أَسْوُقها وجائر «7» ورفع أيضًا عَلَى الاستئناف لا بالرد عَلَى يلعبون. وقوله (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) إنما قيل: وأسروا لأنها للناس الَّذِين وصفوا باللهو واللعب و (الَّذِينَ) تابعة للناس مخفوضة كأنك قلت: اقترب للناس الَّذِينَ هَذِه حالهم. وإن شئت جعلت (الَّذِينَ) مستأنقة مرفوعة، كأنك جعلتها تفسيرًا للأسماء «8» التي فِي أسروا كما قَالَ (فَعَمُوا «9» وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ.)   (1) سقط فى ش. (2) ا: «هذا» والمراد المثال: ما من أحد قائما (3) كذا. والمراد حذف الباء وسقوطها، وفى اما يقرب من «استحساف» وكأن معناه الإزالة والإسقاط، فان من معانى إعادة القشر. يقال: حسف الجلدة: قشرها، وتحسفت أوبار الإبل: تطايرت. [ ..... ] (4) يريد أنه حال كما أن الجملة السابقة حال من الضمير فى (استمعوه) . (5) يريد أنه حال من الضمير فى (يلعبون) . (6) يريد أن تكون خبرا لهذه الجملة. (7) هو رجز قبله: بات يعشيها بعضب باتر والظاهر أنه يريد إبلا أخذ يعقرها وينحرها فيضرب بالسيف فى سوقها فيقصد السيف ويصيب السوق تارة وتارة يجور عن القصد. وانظر شواهد العيني فى العطف، وأمالى ابن الشجري 2/ 167. (8) يريد الضمير فى (أسروا) وجعله أسماء لأنه جمع يقوم مقام الأسماء. (9) الآية 71 سورة الأنعام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 وقوله: قالَ رَبِّي [4] و (قُل «1» ربي) وكل صواب. وقوله: أَضْغاثُ أَحْلامٍ، بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ [5] رُدّ ببل «2» عَلَى معنى تكذيبهم، وإن لَمْ يظهر قبله الكلام بِجحودهم، لأن معناهُ خطاب وإخبار عَن الجاحدين. وقوله: (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) كالآيات التي جاء بِهَا الأولون. فقال الله «ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها [6] ممن جاءته آية فكيف يؤمن هَؤُلَاءِ. وقوله: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ [7] أي أهل الكتب «3» التوراة والإنجيل. وقوله: وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ [8] وحد الجسد ولم يجمعه وهو عربي لأن الجسد كقولك شيئًا مجسدًا لأنه مأخوذ من فعل «4» فكفى من الجمع، وكذلك قراءة من قرأ (لِبُيُوتِهِمْ «5» سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) والمعنى سقوف ثم قال «6» (لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) يقول: لَمْ نجعلهم جسدًا إلا ليأكلوا الطعام (وَما كانُوا خالِدِينَ) بأكلهم وشربهم، يعنى الرجال المرسلين 116 اولو قيل: لا يأكل الطعام كَانَ صوابًا تجعل الفعل للجسد، كما تَقُولُ. أنتما شيئان صالِحان، وشيء صالِح وشيء صالِحان. ومثله (أَمَنَةً «7» نُعاساً تغشى طائفة) و (يَغْشى) مثله (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ «8» طَعامُ الْأَثِيمِ)   (1) القراءة الأولى لحفص وحمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش. والأخيرة للباقين. (2) يريد أن (بل) واردة على كلام مفهوم من المقام وهو جحد ونفى. وفى الطبري: «يقول تعالى ذكره: ما صدقوا بحكمة هذا القرآن ولا أنه من عند الله ولا أقروا بأنه وحي أوحاه الله إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم بل قال بعضهم ... » . (3) كأن المراد الجنس إذ هما كتابان. وقد يكون الأصل: الكتاب فكتب بحذف الألف. (4) ا: «الفعل» . (5) فى ا: «لبيوتهم فيمن قرأ. سقفا من فضة» وهو فى الآية 33 سورة الزخرف وقراءة «سقفا» بالإفراد لابن كثير وأبى عمرو وأبى جعفر وافقهم الحسن وابن محيصن. (6) ا: «يقول» . (7) الآية 154 سورة آل عمران. والقراءة بالتاء لحمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش. وقراءة الياء للباقين. (8) الآيتان 43، 44 سورة الدخان. وقراءة (يغلى) بالياء لابن كثير وحفص ورويس. وقراءة (تغلى) بالتاء للباقين. [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 ثُمَّ قَالَ (كَالْمُهْلِ تَغْلِي) للشجرة و (يَغْلِي) للطعام وكذلك قوله (أَلَمْ يَكُ «1» نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) وتمنى. وقوله: كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ [10] شرفكم. وقوله: إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ [12] : يهربون وينهزمون. وقوله: فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ [15] يعنى قولهم: إنا كنّا ظالمين، أي لَمْ يزالوا يردِّدونَها. وَفِي هَذَا الموضع يصلح التذكير. وهو مثل قوله (ذلِكَ «2» مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) و (تِلْكَ «3» مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) . وقوله: لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً [17] قَالَ الْفَرَّاءُ حَدَّثَنِي «4» حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اللَّهْوُ: الْوَلَدُ بِلُغَةِ حَضْرَمَوْتَ. وقوله: (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) جاء فى «5» التفسير: ما كنا فاعلين و (إن) قد تكون فِي معنى (ما) كقوله (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) «6» وقد تكون إن «7» التي فِي مذهب جزاء «8» فيكون: إن كنا فاعلين ولكنا لا نفعل. وهو أشبه الوجهين بِمذهب العربية والله أعلم. وقوله: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [22] إلا فِي هَذَا الموضع بِمنزلة سوى كأنك قلت: لو كَانَ فيهما آلهة سوى (أو غير) «9» الله لفسد أهلهما «10» (يعني أهل السماء والأرض) .   (1) الآية 37 سورة القيامة. وقراءة الياء لحفص ويعقوب وهشام وافقهم ابن محيصن والحسن. وقراءة الياء للباقين. (2) الآية 44 سورة آل عمران. (3) الآية 49 سورة هود. (4) ا: «حدثنا» . (5) سقط فى ا. (6) الآية 23 سورة فاطر. (7) ا: «على إن» . (8) ا: «الجزاء» . (9) سقط فى ا. (10) ا: «أهلها» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 وقوله: سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ [26] معناه: بَلْ هم عبادٌ مكرمون. ولو كانت: بَلْ عبادًا مكرمين مردودة عَلَى الولد أي لَمْ نتَّخذهم ولدًا ولكن اتخذناهم عبادًا مكرمين (قالَ صَواباً) . وقوله: أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما [30] فُتِقت السماء بالقطر والأرض بالنبت (وقال «1» ) (كانَتا رَتْقاً) ولم يقل: رتقين (وهو) كما قال (ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً) . وقوله: (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) خفض ولو كانت «2» : حيّا كَانَ صَوَابًا أي جعلنا كل شيء حيًّا من الماء. وقوله: وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً [32] ولو «3» قيل: محفوظا يُذهب بالتأنيث إلى السماء وبالتذكير إلى السقف كما قَالَ (أَمَنَةً نُعاساً تَغْشى) و (يَغْشى) وقيل (سَقْفاً) وهي سموات لأنها سقف عَلَى الأرض كالسقف عَلَى البيت. ومعنى قوله (مَحْفُوظاً) : حُفظت (مِنَ الشَّياطِينِ «4» ) بالنجوم. وقوله: (وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ) فآياتها قمرها وشمسها ونجومها. قد قرأ مجاهد (وهم عَن آيتها معرضون) فَوَحد (وجعل «5» ) السماء بِما فيها آية وكلٌّ صواب. وقال «6» : فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [33] لغير الآدميين للشمس والقمر «7» والليل والنهار، وَذَلِكَ أن السباحة من أفعال الآدميين فقيلت بالنون كما قيل: (وَالشَّمْسَ «8» وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) لأن السجود من أفعال الآدميين. ويُقال: إن الفلك موج مكفوف «9» يجرين فيه.   (1) ا: «فقال» . (2) ا: «نصب» . (3) الجواب محذوف أي لكان صوابا مثلا. (4) فى اتأخير ما بين القوسين عما بعده. [ ..... ] (5) ا: «فجعل» . (6) ش، ب: «قوله» . (7) سقط فى ا. (8) الآية 4 سورة يوسف. (9) كأن المراد أنه محفوظ من التسفل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 وقوله أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ [34] دخلت «1» الفاء فِي الجزاء وهو (إن) وَفِي جوابه لأن الجزاء متصل بقرآن قبله. فأدخلت فِيهِ ألف الاستفهام عَلَى الفاء من الجزاء. ودخلت الفاء فِي قوله (فهم) لأنه جواب للجزاء. ولو حُذفت الفاء من قوله (فهم) كَانَ صوابًا من وجهين أحدهما أن تريد الفاء فتضمرها، لأنها لا تغير (هم) عَن رفعها فهناك يصلح الإضمار. والوجهُ الآخر أن يراد تقديم (هم) إلى الفاء فكأنّه 116 ب قيل: أفهم الخالدون إن مت. وقوله: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ [35] ولو نوَّنت فِي (ذائقة) ونصبت (الموت) كَانَ صوابًا. وأكثر ما تختار العرب التنوين والنصب فِي المستقبل. فإذا كَانَ معناهُ ماضيًا لَمْ يكادوا يقولون إلا بالإضافة. فأمّا المستقبل فقولك: أنا صائم يوم الخميس إذا كَانَ خميسًا مستقبلًا. فإن أخبرت عَن صوم يوم خميس ماض قلت: أنا صائم يوم الخميس فهذا وجه العمل. ويختارون أيضًا التنوين. إذا كَانَ مع الجحد. من ذَلِكَ قولهم: ما هُوَ بتارك حقّه، وهو غير تارك حقه، لا يكادونَ يتركونَ التنوين. وتركه كَثِير جائز وينشدونَ قول أبي الأسود: فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكرِ الله إلا قليلَا «2» فمن حذف النون ونصب قَالَ: النية التنوين مع الجحد، ولكني أسقطت النون للساكن الَّذِي لقيها وأعملت معناها. ومن خفض أضاف. وقوله: أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ [36] يريد: يعيب آلهتكم. وكذلك قوله: سمعنا «3» فثى   (1) ش: «ودخلت» . (2) كان أبو الأسود تزوج امرأة فلم ير فيها ما يرضيه فقال شعرا لذويها منه هذا البيت يذكر فى شعره أن خال امرأ لم يبله فخانه وأفشى سره فما جزاؤه أليس. جزاؤه الصوم والهجران فقالوا: نعم فقال: تلك صاحبتكم وهى طالق. وانظر الأغانى 12/ 310 من طبعة الدار. (3) الآية 60 سورة الأنبياء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 يذكرهم يقال له إبراهيم) أي يعيبهم. وأنت قائل للرجل: لئن ذكرتني لتند منّ وأنت تريد: بسوء قَالَ عنترة: لا تذكري مُهْرِي وما أطعمتُهُ ... فيكونَ جِلْدُكِ مثل جلدِ الأشهبِ «1» أي لا تعيبيني بأثرة مهري فجعل الذكر عيبًا. وقوله: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ [37] وَعَلَى عجلٍ «2» كأنك قلت: بنيته وخلقته من العجلة وَعَلَى العجلة. وقوله: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ [38] (مَتى) فِي موضع نصب، لأنك لو أظهرت جوابها رأيته منصوبًا فقلت: الوعد يوم كذا وكذا (ولو «3» ) جعلت (متى) فِي موضع رفع كما تَقُولُ: متى الميعاد؟ فيقول: يومُ الخميس وَيَوْمَ الخميس. وقال الله (مَوْعِدُكُمْ «4» يَوْمُ الزِّينَةِ) فلو نصبت «5» كَانَ صوابًا. فإذا جعلت الميعاد فِي نكرة من الأيام والليالي والشهور والسنين رفعت فلقت: ميعادك يوم أو يومان، وليلة وليلتان كما قال الله (غُدُوُّها «6» شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) والعربُ تَقُولُ: إنّما البرد شهران وإنما الصيف شهران. ولو جاء «7» نصبًا كَانَ صوابًا. وإنما اختاروا الرفع لأنك أبهمت الشهرين فصارا جميعًا كأنهما وقت للصيف. وإنما اختاروا النصب فِي المعرفة لأنها حينٌ معلومٌ مسند إلى الَّذِي بعده، فحسنت الصفة، كما أنك تَقُولُ: عبد الله دونٌ من الرجال، وعبد الله دونكَ فتنصب. ومثله اجتمع الجيشان فالمسلمون جانبٌ والكفار   (1) كانت لعنترة زوجة لا تزال تلومه فى فرس كان يؤثره ويطعمه ألبان إبله فقال فيها هذا الشعر. ورواية ديوانه: «الأجرب» فى مكان «الأشهب» . والأشهب من الشهبة وهى بياض يصدعه سواد، وقد يكون من الجرب. يريد أنك إن دمت على هذا نفرت منك وكان جلدك كجلد الأجرب فلا أقربك. (2) يريد أنه يقال فى اللغة ما فى الآية وهذا أيضا. ولا يريد أن هذا قراءة. (3) : «فلو» . (4) الآية 59 سورة طه. (5) ا: «نصب» . (6) الآية 12 سورة سبا. [ ..... ] (7) ا: «كان» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 جانب. فإذا أضفت نصبت فقلت: المسلمون جانب صاحبهم، والكفار جانب صاحبهم فإذا «1» لَمْ تضف الجانب صيرتهم هم كالجانب لا أنهم فِيهِ فقس عَلَى ذا «2» وقوله: وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [39] . وقوله: (فَمَنْ يَنْصُرُنِي «3» مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ) : فمن يمنعني. ذَلِكَ معناهُ- والله أعلم- فِي عامّة القرآن. وقوله: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ [42] . مهموزة (ولو «4» ) تركت 117 اهمز مثله فِي غير القرآن قلت: يكلوكم بواو ساكنة أو يكلاكم بألف ساكنة مثل يَخشاكم: ومن جعلها وَاوًا ساكنة قَالَ كَلان بالألف تترك منها النبرة «5» . ومن قَالَ: يكلاكم قَالَ: كليت مثل قضيت. وهي من لغة قريش. وكلٌّ حسن، إلا أنهم يقولون فِي الوجهين مكلوَّةٌ بغير همز، ومكلوٌّ بغير همز أكثر مما يقولون مكليَّة. ولو قيل مَكْلِيّ فِي قول الَّذِينَ يقولون كليتُ كَانَ صوابًا. وسمعتُ بعض العرب ينشد قول الفرزدق: وما خاصم الأقوام من ذى خصومة ... كورها، مَشْنِيّ إليها حليلُها «6» فبنى عَلَى شنيت بترك النبرة. وقوله (مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ) يريدُ: من أمر الرحمن، فحذف الأمر وهو يراد كما قَالَ فِي موضع آخر (فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ) يريدُ: من يمنعني من عذاب الله. وأظهر المعنى فِي موضع آخر فقال (فَمَنْ يَنْصُرُنا «7» مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا) .   (1) ا: «وإذا» . (2) ا: «هذا» . (3) الآية 63 سورة هود. (4) ا: «فلو» (5) النبرة: الهمزة. (6) الورهاء: الحمقاء. والشنآن: البغض. كانت النوار امرأة الفرزدق كرهته وأرادت فراقه فخاصمته عند ابن الزبير فقال قصيدة فى هذا المعنى. وانظر الديوان 606. (7) الآية 29 سورة غافر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 وقوله: لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ [43] يعني الآلهة لا تمنع أنفسها (وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) يعني الكفار يعني يُجارون (وهي «1» منا لا تُجار) ألا ترى أن العرب تَقُولُ (كَانَ لنا «2» جارًا) ومعناهُ يُجيرك ويمنعك فقال (يُصْحَبُونَ) بالإجارة «3» . وقوله: وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ [45] ترفع (الصم) لأن الفعل لَهُم. وقد قرأ أَبُو عبد الرحمن «4» السلمي (ولا تسمع الصم الدعاء) ، نصب (الصم) بوقوع الفعل عَلَيْهِ. وقوله: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ [47] القسط من صفة الموازين وإن كَانَ موحدًا. وهو بِمنزلة قولك للقوم: أنتم رضًا وَعَدْلٌ. وكذلك الحق إذا كَانَ من صفة واحدٍ أو اثنين أو أكثر من ذَلِكَ كَانَ واحدا. وقوله: (لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) وَفِي «5» يوم القيامة. وقوله: عَزَّ وَجَلَّ (أَتَيْنا بِها) ذهب إلى الحبَّة، ولو كَانَ أتينا بِهِ (كَانَ «6» صوابًا) لتذكير المثقال. ولو رفع المثقال كما قَالَ (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ «7» فَنَظِرَةٌ) كَانَ صوابًا، وقرأ مجاهد (آتَيْنَا بِهَا) بِمدّ الألف يريدُ: جازينا بِهَا عَلَى فاعلنا. وهو وجهٌ حسنٌ: وقوله: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً [48] هُوَ من صفة الفرقان ومعناهُ- والله أعلم- آتينا موسى وهارونَ الفرقان ضياء وذكرًا، فدخلت الواو كما قَالَ (إِنَّا زَيَّنَّا «8» السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظاً) جعلنا ذلك، وكذلك (وَضِياءً وَذِكْراً) آتينا ذلك.   (1) سقط فى ا. (2) ا: «أنالك جار» . (3) ا: «للاجارة» . (4) هى قراءة ابن عامر. وقد وافقه الحسن. (5) يريد أن اللام بمعنى فى. (6) أخر فى اعن «لتذكير المثقال» . [ ..... ] (7) الآية 280 سورة البقرة وقد قرأ بالرفع نافع وأبو جعفر. وقرأ الباقون بالنصب. (8) يريد أن الضياء من صفة الفرقان وإن عطف عليه بالواو. وفى ابعد قوله: ضياء: «هو من صفة الفرقان. وهو كقولك: آتينا موسى وهارون الفرقان ضياء وذكرا» . والآيتان 6 و 7 من سورة الصافات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 وقوله: وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ [50] المبارك رفع من صفة الذكر. ولو كَانَ نصبًا عَلَى قولك: أنزلناهُ مباركًا كَانَ صوابًا. وقوله: وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ [51] هُداهُ، إذ كان فِي السرب «1» حَتَّى بلغه الله ما بلّغه. ومثله (وَلَوْ شِئْنا «2» لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) : رُشدها. وقوله: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ [57] كانوا أرادوا الخروج إلى عيدلهم، فاعتلّ عليهم إبراهيم، فتخلّف (فَقالَ «3» ) : إِنِّي سَقِيمٌ) ، فلما مضوا كسر آلهتهم إلا أكبرها، فلما رجعوا قَالَ قائل منهم: أنا سمعت إبراهيم يقول: وتالله لأكيدنّ أصنامكم. وهو قوله (سَمِعْنا فَتًى «4» يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) : يذكرهم بالعيب (والشتم «5» ) وبِما قَالَ من الكيد. وقوله: فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً [58] قرأها يَحْيَى «6» بن وثاب (جِذَاذًا) وقراءة الناس بعد 117 ب (جُذاذاً) بالضم. فمن قال (جُذاذاً) فرفع الجيم فهو واحد مثل الْحُطَام والرُفات. ومن قَالَ (جِذَاذًا) بالكسرِ فهو جمع كأنه جَذِيذ وجِذَاذ مثل خفيف وخِفَاف. وقوله: عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ [61] : على رءوس الناس (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) عَلَيْهِ بما شهد بِهِ الواحد. ويُقال: لعلهم يشهدونَ أمره وما يُفعل بِهِ. وقوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا [63] هَذَا، قَالَ بعضُ «7» الناس بَلْ فَعَلَّهُ كبيرهم مشدّدة يريد: فلعلّه   (1) السرب: بيت فى الأرض لا منفذ له. والمراد المغارة التي ولدته أمه فيها خوفا من نمرود وكان يذبح الأبناء وقد مكث فيها زمنا. وانظر تاريخ الطبري (طبعة المعارف) 1/ 234. (2) الآية 13 سورة السجدة. (3) ا: «فقال» . (4) فى الآية 60 من سورة الأنبياء. (5) سقط فى ا. (6) وهى قراءة الكسائي وافقه الأعمش وابن محيصن. (7) هو محمد بن السميقع فى النيسابورى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 كبيرهم، وقال بعض الناس: بَلْ فَعَله كبيرهم إن كانوا ينطقون. فجعل فِعْلَ الكبير مُسندًا إِلَيْهِ إن كانوا ينطقون وهم لا ينطقون. والمذهب الذي العوامّ عليه: بل فعله كما قَالَ يوسف (أَيَّتُهَا «1» الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) ولم يسرقوا. وقد أيّد الله أنبياءه بأكثر من هذا. وقوله: ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ [65] يقول: رجعوا عند ما عرفوا من حجة إِبْرَاهِيم فقالوا: (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) (والعلم «2» والظن بِمنزلة اليمين. فلذلك لقيت العلم بما) فقال: (عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ) كقول القائل: والله ما أنت بأخينا. وكذلك قوله: (وَظَنُّوا «3» ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ.) ولو أدخلت العرب (أنْ) قبل (ما) فقيل: علمتُ أن ما فيك خير وظننت أن ما فيك خير كَانَ صوابًا. ولكنهم إذا لقي شيئًا من هَذِه الحروف أداة مثل (إن) التي معها اللام أو استفهام كقولك «4» : اعلم لي «5» أقامَ «6» عبد الله أم زيد (أو لئن) «7» ولو اكتفوا بتلك الأداة فلم يُدخلوا عليها (أَنْ) ألا ترى قوله (ثُمَّ بَدا «8» لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) لو قيل: أن ليسجُنُنَّه كَانَ صوابًا كما قَالَ الشاعر: وخَبَّرْتُمَا أَن إِنَّمَا بَيْنِ بيَشَةٍ ... ونَجْرَان أَحْوَى والمحلُّ خَصِيب «9» فأدخل أن عَلَى إنما فلذلك أجزنا دخولها عَلَى ما وصفت لك من سائر الأدوات. وقوله: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً «10» [72] النافلة ليعقوب خاصَّة لأنه ولد الولد، كذلك بلغني. وقوله: وَلُوطاً آتَيْناهُ [74] نصب لوط من الْهَاء التي رجعت عَلَيْهِ من (آتَيْناهُ) ، والنصب الآخر   (1) الآية 70 سورة يوسف (2) سقط ما بين القوسين فى ا. (3) الآية 48 سورة فصلت. (4) ش: «كقولهم» . (5) ش: «أن لى» . وفى ا: «أقام لى» . وما هنا عن ج. وقوله: «أو لئن» سقط فى ا [ ..... ] (6) ش: «أن لى» . وفى ا: «أقام لى» . وما هنا عن ج. وقوله: «أو لئن» سقط فى ا (7) ش: «أن لى» . وفى ا: «أقام لى» . وما هنا عن ج. وقوله: «أو لئن» سقط فى ا (8) الآية 35 سورة يوسف (9) سبق هذا البيت فى تفسير قوله تعالى فى سورة يوسف «وشهد شاهد من أهلها» ص 37. (10) ا: «فالنافلة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 عَلَى إضمار (واذكر لوطا) أو (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) أو ما يذكر فى أوّل السورة وإن لَمْ يذكر فإن الضمير إنَّما هُوَ من الرسالة أو من الذكر ومثله (وَلِسُلَيْمانَ «1» الرِّيحَ) فنصب (الريح) بفعل مضمر معلوم معناهُ: إمّا سخرنا، وإما آتيناهُ. وكذلك قوله: (وَنُوحاً «2» إِذْ نادى) فهو عَلَى ضمير الذكر. وقوله: (وَداوُدَ «3» وَسُلَيْمانَ) وجميع ما يأتيك من ذكر الأنبياء فِي هذه السورة نصبتهم عَلَى النَّسَق عَلَى المنصوب بضمير الذكر. وقوله: إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ [78] النفش بالليل، وكانت غنمًا لقوم وقعت «4» فِي كرْمِ آخرين فارتفعوا إلى داود، فقضى لأهل الكرم بالغنم، ودفع الكرم إلى أهل الغنم فبلغ ذَلِكَ سُلَيْمَان ابنه، فقال: غيرُ هَذَا كَانَ أرفق بالفريقين. فعزم عَلَيْهِ داود ليَحْكُمنّ. فقال: أرى أن تُدفعَ الْغَنَم إلى أهل الكرم فينتفعوا بألبانِها وأولادها وأصوافِها، ويُدفعُ الكرم إلى أرباب الشاء 118 افيقوموا عَلَيْهِ حَتَّى يعود كهيئته يوم أُفسد، فذُكر أن القيمتين كانتا فِي هَذَا الحكم مستويتين: قيمة ما نالوا من الغنم وقيمة ما أفسدت الغنم من الكرم. فذلك قوله: (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) . وقوله «5» : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ) . وَفِي بعض «6» القراءة: (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمَا شَاهِدِين) وهو «7» مثل قوله: (فَإِنْ كانَ «8» لَهُ إِخْوَةٌ) يريد: أَخَوين فما زاد. فهذا كقوله: (لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) إذ جمع اثنين.   (1) الآية 81 سورة الأنبياء (2) الآية 76 سورة الأنبياء (3) الآية 78 سورة الأنبياء (4) ا: «فوقعت» (5) زيادة يقتضيها السياق (6) هى قراءة ابن عباس، كما فى البحر 6/ 331 (7) أي قراءة الجمهور: «لحكمهم» (8) الآية 11 سورة النساء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وقوله: وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ [80] و (ليُحْصِنَكُم) «1» و (لنحْصِنَكُم «2» ) فمن قَالَ: (ليُحصنكم) بالياء كان لتذكير الّلبوس. ومن قال: (لِتُحْصِنَكُمْ) بالتاء ذهب إلى ثأنيث الصنعة. وإن شئت جَعَلته لتأنيث الدروع لأنّها هي اللبوس. ومن قرأ: (لنُحصنكم) ، بالنون يقول: لنحصنكم نحنُ: وَعَلَى هَذَا المعنى يَجوز (ليُحصنكم) بالياء الله من بأسكم أيضًا. وقوله: تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ [81] كانت تجري بسليمان إلى كلّ موضع ثُمَّ تعود بِهِ من يومه إلى منزله. فذلك قوله (تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ) . وقوله: وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ [82] دون الْغَوْص. يريدُ سوى الغوص. من البناء. وقوله: (وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) للشياطين «3» . وَذَلِكَ أنهم كانوا يُحفظون من إفساد ما يعملون فكان «4» سُلَيْمَان إذا فرغ بعض الشياطين من عمله وكّله بالعمل الآخر، لأنه كَانَ إذا فرغ مِمّا يعمل فلم يكن لَهُ شُغُل كَرَّ عَلَى تَهديم ما بَنَى فذلك قوله: (وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) . وقوله: وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ [84] ذُكر «5» أَنَّهُ كَانَ لأيُّوب سبعة بنين وسبع بنات فماتوا فِي بلائه. فلمّا كشفه الله عَنْهُ أحيا الله لَهُ بنيه وبناتِهِ، وولد لَهُ بعد ذَلِكَ مثلهم. فذلك قوله: (أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً) فعلنا ذَلِكَ رَحمة. وقوله: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ [87] يريد أن لن نقدر عَلَيْهِ من العقوبة ما قَدرنا. وقوله: (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ) يُقال: ظلمة البحر، وبطن الحوت «6» ومِعاها (مقصور) الذي كان فيه يونس فتلك الظلمات.   (1) قراءة التاء لابن عامر وحفص وأبى جعفر وافقهم الحسن وقراءة النون لأبى بكر ورويس وقراءة الياء للباقين: [ ..... ] (2) قراءة التاء لابن عامر وحفص وأبى جعفر وافقهم الحسن وقراءة النون لأبى بكر ورويس وقراءة الياء للباقين: (3) سقط فى ا (4) ا: «وكان» (5) ش: «ذلك» (6) أي معى الحوت وكأنه أنثه ذهابا به إلى السمكة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 وقوله: وَكَذلِكَ نُنْجِي «1» الْمُؤْمِنِينَ [88] القراء يقرءونها بنونين، وكتابها بنون واحدة. وَذَلِكَ أن النون الأولى متحركة والثانية ساكنة، فلا تظهر الساكنة عَلَى اللسان، فلمّا خفيت حُذفت. وقد قرأ عَاصِم «2» - فيما أعلم- (نُجِّي) بنون واحدة ونصب (المؤمنين) كأنه احتمل اللحن ولا نعلم «3» لَهَا جهة إلا تِلْكَ لأن ما لَمْ يسم فاعله إذا خلا باسم رفعه، إلا أن يكون «4» أضمر المصدر فِي نُجّي فنوى بِهِ الرفع ونصب (المؤمنين) فيكون كقولك: ضُرب الضربُ زيدًا، ثُمَّ تُكنى عَن الضرب فتقول: ضُرِبَ زيدًا. وكذلك نُجِّيَ النجاءُ المؤمنين. وقوله: وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ [90] يقول: كانت عقيمًا فجعلناها تَلد فذلك صلاحها. وقوله: أَحْصَنَتْ فَرْجَها [91] ذكر المفسرون أَنَّهُ جَيب درعها «5» ومنه نُفخ فيها. وقوله: وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً (ولم يقل آيتين) لأن شأنهما واحد. ولو قيل: آيتين لكان صوابًا لأنها وَلدت وهي بكر، وتكلّم عيسى فِي المهد فتكون آيتين إذ اختلفتا. وقوله: إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً [92] تنصب (أُمَّةً واحِدَةً) عَلَى القطع «6» . وقد رفع الْحَسَن (أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحدة) عَلَى أن يجعل الأمة خبرًا ثُمَّ يَكُرّ عَلَى الأمة الواحدة بالرفع عَلَى نية الخبر أيضًا كقوله: (كَلَّا إِنَّها «7» لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى) .   (1) رسمت فى المصحف بنون واحدة (نجى) ، كما ذكر المؤلف (2) هى رواية أبى بكر عنه أما رواية حفص عنه فتنجى بنونين وقد قرأ أيضا بنون واحدة ابن عامر (3) ا: «نعرف» (4) لم يرتض هذا الوجه ابن جنى وخرج القراءة على أن أصلها: ننحى بنون مضمومة فنون مفتوحة من التنجية ثم حذفت النون الثانية إذ لو كان ماضيا كما يقدر الفراء لا نقحت اللام. وانظر الخصائص 1/ 398 (5) درع المرأة: قميصها (6) ا: فقيل: آية» (7) الآيتان 15، 16 سورة المعارج وقراءة رفع (نزاعة) لغير حفص فعنده النصب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 وَفِي قراءة أُبَيّ فيما أعلم: (إنها لإحدى «1» الكبر نذير للبشر) الرفع عَلَى التكرير ومثله: (ذُو الْعَرْشِ «2» الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) . وقوله: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها [95] قرأها ابن عباس. حَدَّثَنِي بذلك غير واحد، منهم هُشيم عَن داود عَن عكرمة عَن ابن عباس، وسفيان عَن عمير وعن ابن عباس. وَحَدَّثَنِي عَمْرو بن أبي المقدام عَن أبيه عَن سعيد بن جبير (وَحِرْمٌ) وَحَدَّثَنِي بعضهم عَن يَحْيَى بن وثاب وإبراهيم النخعىّ (وحرم على) وأهل المدينة والحسن (وَحَرامٌ) «3» بألف. وحرام أفشى فِي القراءة. وهو بِمنزلة قولك: حِلّ وحلال، وحرم وحرام. وقوله: وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ [96] والحدب كل أكمة (ومكان «4» مرتفع) . وقوله: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ [97] معناهُ- والله أعلم-: حَتَّى إذا فتحت اقترب. ودخول الواو فِي الجواب فِي (حَتَّى إِذا) بمنزلة قوله (حَتَّى «5» إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) . وَفِي قراءة عَبْد اللَّه فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ «6» جَعَل السَّقَايَةَ) وَفِي قراءتنا بغير واو. ومثله فِي الصافات (فَلَمَّا أَسْلَما «7» وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ) معناهُ ناديناهُ، وقال امرؤ القيس: فلمّا أَجزنا سَاحة الحيَّ وانتحى ... بنا بطنُ خَبْت ذي قِفافٍ عقنقل «8» يريد انتحى.   (1) الآيتان 35، 36 سورة المدثر (2) الآيتان 15، 16 سورة البروج [ ..... ] (3) وهى قراءة أبى بكر وحمزة والكسائي وافقهم الأعمش والباقون بفتح الحاء والراء وبألف بعد هى (حرام) . (4) فى ا: «مرتفعة» (5) الآية 73 سورة الزمر (6) الآية 70 سورة يوسف (7) الآيتان 103، 104 من سورة الصافات (8) البيت من معلقته. وانتحى: اعترض. والخبت: المتسع من بطون الأرض. والقفاف جمع القف: ما ارتفع من الأرض والعقنقل: الوادي العظيم المتسع وانظر الديوان 15 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 وقوله: (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) تكون (هي) عمادًا يصلح فِي موضعها (هُوَ) فتكون كقوله: (إِنَّهُ أَنَا «1» اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ومثله قوله: (فَإِنَّها «2» لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) فجاء التأنيث لأن الأبصار مؤنثة والتذكير للعماد. وسمعت بعض العرب يقول: كَانَ مرة وهو ينفع الناس أحسابهم فجعل (هُوَ) عمادًا. وأنشدني بعضهم: بِثَوْبٍ ودِينارٍ وشاةٍ ودِرهمٍ ... فَهَل هُوَ مَرفوعٌ بِما هاهنا راسُ وإن شئت جعلت (هي) للأبصار كنيت عنها ثُمَّ أظهرت الأبصار لتفسرها كما قَالَ الشاعر «3» : لعمرُ أبيها لا تَقُولُ ظَعينتي ... ألا فَرّعني مالكُ بن أبي كعب فذكر الظعينة وقد كَنَى عنها فِي (لعمر) «4» . وقوله: حَصَبُ جَهَنَّمَ [98] ذُكر أن الحصب فِي لغة أهل اليمن الحطب. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي قيس بن الرَّبِيعِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ الْكَاهِلِيِّ عَنْ رَجُلٍ سَمِعَ عَلِيًّا يَقْرَأُ (حَطَبُ) بِالطَّاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي يَحْيَى الْمَدَنِيُّ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ رَفَعَهُ إِلَى عَائِشَةَ أَنَّهَا قَرَأَتْ «5» (حَطَبُ) كَذَلِكَ. وبإسنادٍ لابن أبي يَحْيَى عَن ابن عباس أَنَّهُ قرأ «6» (حَضَب) بالضاد. وكلُّ ما هيَّجت بِهِ النار أو أوقدتها بِهِ فهو حَضَب. وأمّا الْحَصب فهو فِي معنى لغة نَجد: ما رميت بِهِ فِي النار، كقولك: حصبت الرجل أي رميته.   (1) الآية 9 سورة النمل (2) الآية 46 سورة الحج. (3) هو مالك بن أبى كعب من شعر يقوله فى حرب كانت بينه وبين رجل من بنى ظفر وانظر الأغانى الدار 16/ 234 وما بعدها. (4) أي في قوله. «لعمر أبيها» (5) ا: «قرأته» (6) ا: «قرأها» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 وقوله: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ [104] بالنون وبالتاء (تُطْوَى «1» ) ولو قيل (يَطْوِي) كما قيل (نَطْوِي) بالنون جَاز. واجتمعت القراء عَلَى (السِّجِلِّ «2» ) بالتثقيل. وأكثرهم يقول (للكتابِ) وأصحاب «3» عبد الله (لِلْكُتُبِ) والسجل: الصحيفة. فانقطعَ الكلام عند الكتب، ثُمَّ استأنف فقال (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) فالكاف للخلق «4» كأنك قلت «5» : نعيد الخلق كما بدأناهم (أَوَّلَ مَرَّةٍ «6» ) . وقوله (وَعْداً عَلَيْنا) كقولك حقًّا علينا. وقوله: أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ [105] يقال: أرض الجنّة. ويقال: إنها الأرض التي وعدها بنو إسرائيل، مثل قوله: (وَأَوْرَثْنَا «7» الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا. وقوله: إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً [106] أي فِي القرآن. وقوله: يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ [108] وجه الكلام (فتح أنَّ «8» ) لأن (يُوحى) يقع عليها. و (إنّما) بالكسر يَجوز. وَذَلِكَ أنها أداة كما وصفت لك من قول الشاعر: ... أَنْ إِنَّما بَيْنَ بيشةٍ فتلقى (أن) كأنه قيل: إنما يوحى إلى أن إنّما إلهكم إله واحد.   (1) هى قراءة أبى جعفر (2) عن الحسن فيه تسكين الجيم وتخفيف اللام كما فى الإتحاف والسين أيضا مكسورة كما فى القاموس [ ..... ] (3) هى قراءة حفص وحمزة والكسائي وخلف. وافقهم الأعمش. (4) يريد أنها متعلقة في المعنى بضمير الخلق فى (نعيده) . (5) ا: «كأنك قدمتها فقلت» . (6) سقط فى ا. (7) الآية 137 سورة الأعراف. (8) ا: «الفتح» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 وقوله: قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ [112] جَزم «1» : مسألة سألها ربه. وقد قيل «2» : قل ربّي «3» أحكم بالحق ترفع (أحكم) وتَهمز ألفها. ومن قَالَ قل ربي «4» أحكم بالحق كَانَ موضع ربي رفعًا ومن قال: ربّ احكم موصولة كانت فِي موضع نصب بالنداء. وقوله: إِنْ أَدْرِي [111] رفع على معنى ما أدرى. ومن سورة الحج قوله: تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ [2] رفعت القراء (كُلُّ مُرْضِعَةٍ) لأنّهم جعلوا الفعل لهما. ولو قيل: تُذْهِل كلَّ مرضعة وأنت تريد الساعة أنها تُذهل أهلها كَانَ وجهًا. ولم أسمع «5» أحدًا قرأ بِهِ والمرضعة: الأمّ «6» . والمرضِع: التي معَها صَبّي تُرضعه. ولو قيل «7» فِي الأم: مرضع لأنّ الرضاع لا يكون إلا من الإناث فيكون مثل قولك: طامث «8» وحائض. ولو قيل فِي التي معَها صبي: مرضعة كَانَ صوابًا. وقوله: (وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى وَمَا هُمْ بسَكْرَى) اجتمع الناس والقراء عَلَى (سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي هشيم عَن مغيرة عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ «9» (وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى وَمَا هُمْ بسكرى) وهو وجه   (1) سقط فى ا. وهو يريد سكون الميم فى احكم وقد جرى على (قل) بصيغة الأمر وهى قراءة غير حفص. أما هو فيقرأ بصيغة الماضي. (2) هى قراءة ابن عباس وعكرمة والجحدري وابن محيصن كما فى البحر 6/ 345. (3 و 4) رسم فى ش: «رب» . (5) قرأ به ابن أبى عبلة واليماني كما فى البحر 6/ 350. (6) سقط فى ا. (7) الجواب محذوف أي جاز. وقوله: «لأنّ الرضاع لا يكون إلا من الإناث» دليل عليه. (8) الطامث: الحائض. (9) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف، وافقهم الأعمش. [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 جيدّ فِي العربية: (لأنه بِمنزلة الْهَلكى والجرحى، وليس بمذهب النشوان والنشاوى «1» . والعرب تذهب بفاعل وفَعِيل وفَعِل إذا كانَ صاحبه كالمريض أو الصريع أو الجريح فيجمعونه عَلَى الفعلى فجعلوا الفعلى علامةً لِجمع كل ذي زمانةٍ وضرر وهلاك. ولا يبالونَ أكان واحده فاعلًا أم «2» فعيلًا أم «3» فعلان فاختير سكرى بطرح الألف من هول ذَلِكَ اليوم وفزعه. ولو قيل (سَكْرى) عَلى أن الجمع يقع عَلَيْهِ «4» التأنيث فيكون كالواحدة كَانَ وجهًا، كما قَالَ الله: (وَلِلَّهِ «5» الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (والْقُرُونِ «6» الْأُولى) والناسَ. جماعة فجائز أن يقع ذَلِكَ عليهم. وقد قالت العرب: قد جاءتك الناس: وأنشدني بعضهم: أضحت بنو عامر غضبى أنوفهم ... أتى عفوت فلا عارٌ ولا باس فقال: غضبي للأنوف عَلَى ما فسرت لك. وقد ذُكِرَ أن بعض القراء قرأ (وَتَرَى النَّاسَ) وهو وجه جيد يريد: مثل قولك رُئِيتَ «7» أنك قائم ورُئيتُك قائِمًا فتجعل (سُكارى) فِي موضع نصب لأن (تُرَى) تَحتاج إلى شيئين تنصبهما. كما يحتاج الظنّ. وقوله: كُتِبَ عَلَيْهِ [4] الهاء للشيطان المريد فى (عليه) وفى (أنّه يضلّه) ومعناهُ قُضِي عَلَيْهِ أَنَّهُ يضلّ من اتبعه. وقوله: مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ [5] يقول: تماما «8» وسقطا. ويجوز 119 ب مخلّقة وغير مخلّقة على الحال:   (1) ا: «النشوي» . (2) ش، ب: «أو» . (3) ش، ب: «أو» . (4) ش، ب: «على» . (5) الآية 180 سورة الأعراف. (6) الآية 43 سورة القصص. (7) كذا. وكأن الصواب: أريت. وكذا قوله بعد: «رئيتك قائما» كأن الصواب: أريتك قائما. (8) ضبط فى ابكسر التاء وفيها الفتح أيضا. يقال ولدته لتمام بالوجهين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 والحال تُنصَب فِي معرفة الأسماء ونكرتها. كما تَقُولُ: هَلْ من رجل يُضرب مجرَّدًا. فهذا حال وليس بنعت. وقوله: (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ مَا نَشاءُ) استأنف (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ) ولم يرددها عَلَى (لنبين) ولو قرئت (ليُبَيِّن) يريد الله ليُبَيِّن لكم كَانَ صوابًا ولم أسمعها «1» . وقوله: (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) : إلى أسفل العمر (لِكَيْلا يَعْلَمَ) يقول لكيلا يعقل من بعد عقله الأول (شَيْئاً) . قوله: (وَرَبَتْ) قرأ «2» القراء (وربت) من تَرْبو. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عبد الله التميمي عَن أبي جَعْفَر المدني أَنَّهُ قرأ (اهتَّزت ورَبَأت) مهموزة فإن كَانَ ذهب إلى الرَّبيئة الَّذِي يحرس القوم فهذا مذهب، أي ارتفعت حَتَّى صَارت كالموضع للربيئة. فإن لَمْ يكن أراد (من «3» هَذَا) هَذَا فهو من غلط قد تغلطه العرب فتقول: حَلأت «4» السَّوِيق، ولبَّأت «5» بالحجّ، ورثأت «6» الميّت. وهو كما قرأ الْحَسَن (وَلَأَدْرَأتكم «7» بِهِ) يهمز. وهو مِمّا يُرفَض من القراءة. وقوله: ثانِيَ عِطْفِهِ [9] منصوب عَلَى: يُجادل ثانيًا عطفه: معرضًا عَن الذكر. وقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [11] نزلت فى أعاريب من بنى أشد انتقلوا إلى المدينة بذراريهم، فامتنوا بذلك عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالوا: إنما يُسلم الرجل (بعد «8» الرجل) من القبيلة. وقد أتيناك بذرارينا. وكانوا إذا أعطوا من الصدقة وسَلمت مواشيهم وخيلهم قالوا: نعم الدين هَذَا. وإن لم يعطوا من الصدقة ولم تسلم مواشيهم انقلبوا عَن الإسلام. فذلك قوله   (1) هى قراءة ابن أبى عبلة كما فى البحر. (2) ا: «قرأت» (3) سقط في ا. (4) أي حليت السويق وليست بالحج ورثيت الميت. والسويق طعام يتخذ من الحنطة والشعير. (5) أي حليت السويق وليست بالحج ورثيت الميت. والسويق طعام يتخذ من الحنطة والشعير. (6) أي حليت السويق وليست بالحج ورثيت الميت. والسويق طعام يتخذ من الحنطة والشعير. [ ..... ] (7) الآية 16 سورة يونس (8) سقط فى ا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 (يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطمأنّ به) يقول: أقام عَلَيْهِ (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ) «1» ورجع. وقوله: (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) غُبِنهما. وذُكِرَ عَن حُمَيْد الأعرج وحده أَنَّهُ قرأ (خاسِر الدُّنْيَا والآخرة) وكلّ صواب: والمعنى واحد. وقوله: يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ [12] يعنى الأصنام. ثم قال: يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ [13] فجاء التفسير: يَدْعو من ضرّه أقرب من نفعه. وقد حالت اللام بينهما. وكذلك هي فِي قراءة عبد الله (يَدْعو من ضَرُّه) ولم نَجد العرب تَقُولَ ضربت لأخاكَ ولا رأيتُ لزيدًا أفضل منك. وقد اجتمعت القراء على ذلك. فترى أن جواز ذَلِكَ لأن (مَنْ) حرف لا يتبيّن فيه الاعراب، فأجيز «2» ب: فاستجيز الاعتراض باللام دون الاسم إذ لَمْ يتبين فِيهِ الإعراب. وذُكِرَ عَن العرب أنهم قالوا: عندي لَما غيرُه خير منه، فحالوا باللام دون الرافع. وموقع اللام كَانَ ينبغي أن يكون فى (ضَرُّه) وَفِي قولك «3» : عندي ما لغيره خيرٌ منه. فهذا وجه القراءة للاتباع. وقد يكون قوله: (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ يَدْعُوا) فتجعل (يَدْعُوا) من صلة (الضَّلالُ الْبَعِيدُ) وتضمر فى (يَدْعُوا) الْهَاء، ثُمَّ تستأنف الكلام باللام، فتقول لَمَنْ ضرّه أقرب من نفعه لبئس المولي) كقولك فِي مذهب الجزاء لَمَا فعلت لهو خير لك. وهو وجه قويّ فِي العربية. ووجهٌ آخر لَمْ يُقرأ بِهِ. وَذَلِكَ أن تكسر اللام فِي (لِمن) وتريد يدعو إلى من 120 اضرّه أقرب من نفعه، فتكون اللام بِمنزلة إلى، كما قَالَ (الْحَمْدُ «4» لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) وإلى هَذَا وأنت قائل فِي الكلام: دعوت إلى فلانٍ ودعَوت لفلانٍ بمعنى واحد. ولولا كراهية خلاف الآثار والاجتماع   (1) سقط فى ا (2) ا: «فاستجيز» (3) ا: «قوله» (4) الآية 43 سورة الأعراف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 لكان وجهًا جيدًا من القراءة. ويكون «1» قوله (يَدْعُوا) التي بعد (الْبَعِيدُ) مكرورة على قوله (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ) يدعو مكرّرة، كما تَقُولُ: يدعو يدعو دائبًا، فهذا قوّه لمن نضب اللام ولم يوقع (يدعو) عَلَى (مَنْ) والضلال البعيد الطويل. وقوله: مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ [15] جزاء جوابه فى قوله (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ) والهاء فى (قوله «2» ) (يَنْصُرَهُ اللَّهُ) للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أي من كَانَ منكم يظن أن الله لن ينصر محمدًا بالغلبة حَتَّى يظهر دين الله فليجعل فِي سماء بيته حبلًا ثُمَّ ليختنق بِهِ «3» فذلك «4» قوله (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) اختناقًا وَفِي قراءة عبد الله (ثُمَّ ليقطعه) يعني السبب وهو الحبل: يقول (فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ) إذا فعل ذَلِكَ غَيظه. وَ (مَا يَغِيظُ) فِي موضع نصب: وقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا [17] إلى قوله (وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) ثم قال (إِنَّ اللَّهَ) فجعل فِي خبرهم (إنّ) وَفِي أول الكلام (إنّ) وأنت لا تَقُولُ فِي الكلام: إن أخاكَ إنه ذاهب، فجاز ذَلِكَ لأن المعنى كالجزاء، أي من كَانَ مؤمنًا أو عَلَى شيء من هَذِه الأديان ففصلُ بينهم وحسابُهم عَلَى الله. وربما قالت العرب: إنّ أخاكَ إن الدين عَلَيْهِ لكثير، فيجعلونَ (إنّ) فِي خبره إذا كَانَ إنما يرفع باسم مضاف إلى ذكره «5» كقول الشاعر «6» : إن الخليفة إن الله سربَله ... سربال مُلكٍ بِهِ ترجَى الخواتيم ومن قَالَ «7» هَذَا لَمْ يقل: إنك إنك قائم، ولا يقول: إنّ أباكَ إنه قائم لأن الاسمين قد اختلفا فحسن رفض الأول، وجعل الثاني كأنه هُوَ المبتدأ فحسُن للاختلاف وقبح للاتّفاق.   (1) هذا الوجه غير ما قبله. (2) ا: «أن لن ينصره» . (3) سقط في ا. (4) ش، ب: «كذلك» . (5) أي الضمير العائد عليه. (6) هو جرير من قصيدة يمدح بها بنى مروان والرواية فى الديوان 431 (طبع بيروت) : يكفى الخليفة أن الله سربله (7) ا: «ذلك» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 وقوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ [18] يريد: أهل السموات (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) يعني كل خلق من الجبال ومن الجن وأشباه ذَلِكَ (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) من أهل الطاعة (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) فيقال. كيف رفع الكثير وهو لَمْ يسجد؟ فالجواب فِي ذَلِكَ أَنَّ قوله (حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) يدلّ عَلَى أَنَّهُ: وكثير أبَى السّجود، لأنه لا يحِقّ عَلَيْهِ العذاب إلا بترك «1» السجود والطاعة. فترفعه بما عاد من ذكره فِي قوله (حَقَّ عَلَيْهِ) فتكون (حَقَّ عَلَيْهِ) بمنزلة أَبَى. ولو نصبت: وكثيرًا حق العذاب كَانَ وجهًا بمنزلة قوله (فَرِيقاً هَدى «2» وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) ينصب «3» إذا كَانَ فِي الحرف واو وعاد ذكره بفعل قد وقع عَلَيْهِ. ويكون فِيهِ الرفع لعودة ذكره كما قَالَ الله (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) «4» وكما قال (وَأَمَّا ثَمُودُ «5» فَهَدَيْناهُمْ) . وقوله (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) يقول: ومن يشقه الله فما لَهُ من مُسعد. وقد تقرأ «6» (فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) يريد: من إكرام. وقوله: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [19] فريقين «7» أهل دينين. فأحد الخصمين المسلمون، والآخر اليهود والنصارى. وقوله (اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) فِي دين ربهم. فقال اليهود والنصارى للمسلمين: ديننا خيرٌ من دينكم لأنا سبقناكم. فقال المسلمون: بَلْ ديننا خيرٌ من دينكم. لأنّا آمنّا بنبينا والقرآن، وآمنّا بأنبيائكم وكتبكم، وكفرتم بنبيِّنا وكتابنا. فعلاهم المسلمون بالحجة وأنزل الله هذه الآية.   (1) ا: «بتركه» . [ ..... ] (2) الآية 30 سورة الأعراف. (3) ا: «فينصب» . (4) الآية 224، سورة الشعراء. (5) الآية 17 سورة فصلت. (6) هى قراءة ابن أبى عبلة كما فى البحر 6/ 359. (7) هو حال من الضمير فى «اختصموا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 وقوله: (اخْتَصَمُوا) ولم يقل: اختصما لأنهما جَمعان ليسا برجلين، ولو قيل: اختصما كَانَ صَوَابًا. ومثله (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) يذهب إلى الجمع. ولو قيل «1» اقتتلتا لجازَ، يذهب إلى الطائفتين. وقوله: يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ: [20] يُذابُ بِهِ. تَقُولُ: صَهَرْت الشحم بالنار. وقوله: وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [21] ذُكِرَ أنهم يطمعونَ (فِي الخروج) «2» من النار حَتَّى إذا همّوا بذلك ضربت الخزنة رءوسهم بالمقامع «3» فتخسف رءوسهم فيُصب فِي أدمغتهم الحميم فيَصْهَر شحوم بطونِهم، فذلك قوله فِي إِبْرَاهِيم (وَيُسْقى «4» مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) مِمّا يذوبُ من بطونِهم وجلودهم. وقوله: (يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) يكره عليه. وقوله: وَلُؤْلُؤاً [23] قرأ «5» أهل المدينة هَذِه والتي فِي الملائكة «6» (وَلُؤْلُؤاً) بالألف «7» وقرأ الأعمش «8» كلتيْهما بالخفض. ورأيتها فِي مصاحف عبد الله والتي فِي الحج خاصَّة (ولُؤْلُأ) (وَلَا تَهَجَّأْه) . «9» وَذَلِكَ أن مصاحفه قد أجرى الْهَمْز فيها بالألف فِي كل حال إن كَانَ ما قبلها مكسورًا أو مفتوحًا أو غير ذَلِكَ. والتي فِي الملائكة كتبت فِي مصاحفنا (ولؤلؤ) بغير ألف والتي فى الحج (وَلُؤْلُؤاً) بالألف فخفضهما ونصبُهما جائز. ونصب التي فِي الحج أمكن- لمكان الألف- من التي فِي الملائكة. وقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [25] ردّ يفعلون «10» على فعلوا «11» لأن   (1) ا: «قال» . (2) ا: «بالخروج» . (3) سقط فى ا. (4) الآيتان، 16، 17 من سورة إبراهيم. (5) ش: «قرأها» . (6) أي سورة فاطر. (7) وهى قراءة نافع وعاصم وأبى جعفر، وقراءة يعقوب هنا. (8) وهى قراءة غير من ذكر. [ ..... ] (9) سقط فى ا. أي لا تراع فى النطق هجاء هذه الحروف فتقول: لولا بالألف من غير همز. (10) يريد بيفعلون المضارع ويفعلوا الماضي. (11) يريد بيفعلون المضارع ويفعلوا الماضي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 معناهما كالواحد فِي الَّذِي «1» وغير الَّذِي. ولو «2» قيل: إن الَّذِينَ كفروا وصدُّوا لَمْ يكن فيها ما يُسأل عَنْهُ. وردُّكَ يفعلون عَلَى «3» فَعلوا لأنك أردت إن الَّذِينَ كفروا يصدون بكفرهم. وإدخالك الواو كقوله (وَلِيَرْضَوْهُ «4» وَلِيَقْتَرِفُوا) أضمرت فعلًا «5» فِي الواو مع الصدّ كما أضمرته هاهنا «6» . وإن شئت قلت: الصد منهم كالدائم فاختيرَ لَهُم يفعلونَ كأنك قلت: إن الَّذِينَ كفروا ومن شأنهم الصد. ومثله (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ «7» بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ) وَفِي قراءة عبد الله (وقاتَلوا الَّذِينَ يأمرون «8» بالقسط) وقال (الَّذِينَ آمَنُوا «9» وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ) مثل ذَلِكَ. ومثله فِي الأحزاب فِي قراءة عبد الله (الَّذِينَ «10» بَلَّغُوا رِسَالات اللهِ ويَخْشَوْنَهُ) فلا بأس أن تردّ فَعَل عَلَى يفعل كما قَالَ (وَقَاتلُوا الَّذِينَ يأمرونَ) ، وأن ترد يفعل عَلَى فعل، كما قَالَ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) . وقوله: (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) فالعاكف من كَانَ من أهل مكّة. والبادِ مَن نَزع إِلَيْهِ بحج أو عمرة. وقد اجتمعَ «11» القراء عَلَى رفع (سَواءً) هَاهُنا. وأما قوله 121 افى الشريعة «12» :   (1) ش: «الذين» . (2) ش: «فلو» . (3) ش، ب: «إلى» . (4) الآية 113 سورة الأنعام. والأولى أن يذكر صدر الآية: «وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وليرضوه» : (5) كأنه يريد أن التقدير: إن الذين كفروا يخالفون ويصدون «وهذا جواب غير السابق» . (6) أي فى قوله «وليرضوه» والأصل: «ليغروهم ولتصغى ... وليرضوه» . (7) الآية 21 سورة آل عمران. (8) والآية في قراءة الجمهور: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ» . (9) الآية 28 سورة الرعد. (10) الآية 39 من سورة الأحزاب وقراءة الجمهور: «الذين يبلغون» . (11) خالف فى هذا حفص فقرأه بالنصب. [ ..... ] (12) ا: «الجاثية» وهما واحد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 (سَواءً مَحْياهُمْ «1» مَماتُهُمْ) فقد نصبها الأعمش وحده، ورفعها سائرُ القراء. فمن نصبَ «2» أوقع عَلَيْهِ (جَعَلْناهُ) ومن رفع جَعل الفعل واقعًا عَلَى الْهَاء واللام التي فِي الناس، ثُمَّ استأنف فقال: (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) ومن شأن العرب أن يستأنفوا بسواء إذا جاءت بعد حرف قد تم بِهِ الكلام فيقولون: مررت برجلٍ سواء عنده الخير والشر. والخفض جائز. وإنما اختاروا الرفعَ لأن (سَواءً) فِي مذهب واحد، كأنك قلت: مررت عَلَى رجل واحد عنده الخير والشر. ومن خفض أراد: معتدل عنده الخير الشرّ. ولا يقولون: مررت عَلَى رجل معتدلٌ عنده الخير والشر لأن (معتدل) فعل مصرَّح، وسواء فِي مذهب مصدر. فإخراجهم «3» إيّاه إلى الفعل كإخراجهم مررت برجلٍ حَسْبِك من رجل إلى الفعل. وقوله: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) دخلت الباء فِي (إلحاد) لأن تأويله: ومن يُرد بأن يُلحد فِيهِ بظلم. ودخول الباء فِي (أن) أسهل منه فِي الإلحاد وما أشبهه لأن (أن) تضمر الخوافض معها كثيرًا، وتكون كالشرط فاحتملت دخول الخافض وخروجه لأن الإعراب لا يتبيّن فيها، وقلّ فِي المصادر لتبين الرفع والخفض فيها «4» . أنشدني أَبُو الجراح: فلمّا رَجَت بالشُّرب هَزّلها العصا ... شَحِيح لَهُ عند الإزاء نَهِيم «5» (قَالَ الفراء «6» : نَهِيم من الصوت) . وقال امرؤ القيس: ألا هَلْ أتاها والحوادِثُ جَمَّة ... بأن امرأ القيس بنَ تَمْلِك بيقرا «7»   (1) الآية 21 سورة الجاثية. (2) أي سواء هنا، وقد علمت أنه حفص. (3) ا: «وإخراجهم» . (4) سقط فى ا. (5) الإزاء: مصب الحوض. والنهيم: صوت توعد وزجر. (6) سقط فى ا. (7) بيقر: هاجر من أرض إلى أرض، وبيقر: خرج إلى حيث لا بدري، وبيقر: نزل الحضر وأقام هناك وترك قومه بالبادية وخص بعضهم به العراق وكلام امرئ القيس يحتمل جميع ذلك كما فى اللسان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 فأدخل الباء عَلَى (أنّ) وهي فِي موضع رفع كما أدخلها على (بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) وهو فِي موضع نصب. وقد أدخلوها عَلَى (مَا) إذا أرادوا بِهَا المصدر، يعني الْبَاء. وقال قيس بن زُهَير: ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد «1» وهو فِي (ما) أقل منه فِي (أن) لأنّ (أن) أفل شَبَهًا بالأسماء من (ما) . وسمعتُ أعرابيًا من ربيعة وسألته عَن شيء فقال: أرجو بذاك، يريد: أرْجُو ذاكَ. وقد قرأ بعضُ القراء (وَمَن تَرِدْ فِيهِ بإلحادٍ) من الورود، كأنه أراد: مَن وَرَده أو تورَّده. ولست أشتهيهَا، لأن (وردت) يطلب الاسم، ألا ترى أنك تَقُولُ: ورَدنا مكة ولا تَقُولُ: وردنا فِي مكة. وهو جائز تريد النزول «2» . وقد تَجوز فِي لغة الطائيين لأنهم يقولون: رغبت «3» فيك، يريدون: رغبت بك. وأنشدني بعضهم فِي بنت لَهُ: وأرغب فيها عَن لَقِيطٍ ورَهْطه ... ولكنني عَن سنْبس لست أرغبُ «4» (يعني «5» بنته) . وقوله: وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ [26] ولم يقل: بَوَّأنا إِبْرَاهِيم. ولو كَانَ بمنزلة قوله (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي «6» إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) فإن شئت أنزلت (بَوَّأْنا) بمنزلة جعلنا. وكذلك سمعت فِي التفسير. وإن شئت كَانَ بمنزلة قوله (قُلْ عَسى «7» أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ) معناه: ردفكم. وكلّ صواب.   (1) سبق البيت. (2) ش، ب: «أردنا النزول» . (3) أي يقولون: رغبت فيك عن فلان أي رغبت بك عنه أي رأيت لك فضلا على فلان فزهدت فى فلان ولم أرده. (4) سنبس أبو حي من طيئ. (5) سقط فى اكما سقط فى ش، ب: «فى بنت لم» . (6) الآية 93 سورة يونس. [ ..... ] (7) الآية 72 سورة النمل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 وقوله: يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ [27] (يأتين) فعل النوق وقد/ 121 ب قرئت (يأتون) يذهب إلى الركبان. ولو قَالَ: وَعَلَى كل ضامر تأتي تَجعله فعلًا موحدًا لأن (كل) أضيفت «1» إلى واحدة، وقليل فِي كلام العرب أن يقولوا: مررت عَلَى كل رجل قائمين وهو صواب. وأشدّ منه فِي الجواز قوله (فَما مِنْكُمْ مِنْ «2» أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) وإنّما جاز الجمع فِي أحد، وَفِي كل رجل لأن تأويلهما قد يكون فِي النية موحدًا وجمعًا. فإذا كَانَ (أحدًا) وكل متفرقة من اثنين لَمْ يَجز إلا توحيد فعلهما من ذَلِكَ أن تَقُولُ: كلُّ رجل منكما قائم. وخطأ أن تَقُولُ قائمون أو قائمان لأن المعنى قد رَدّه إلى الواحد. وكذلك ما منكما أحد قائمون أو قائمان، خطأ لتلك «3» العلة. وقوله: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [29] (اللام ساكنة) «4» (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا) اللامات سواكن. سَكَّنهن أهل المدينة وَعَاصِم والأعمش، وكسرهن أبو عبد الرحمن السلمى والحسن فِي الواو وغير الواو. وتسكينهم إيّاها تخفيف كما تَقُولُ: وهو قَالَ ذَلِكَ، وهي قالت ذاك، تسكن الْهَاء إذا وصلت بالواو. وكذلك ما كَانَ من لام أمر وصلت بواو أو فاء، فأكثر كلام العرب تسكينها. وقد كسر بعضهم (ثُمَّ لْيَقْضُوا) وَذَلِكَ لأن الوقوف عَلَى (ثُمَّ) يحسن ولا يحسن فِي الفاء ولا الواو: وهو وجه، إلا أن أكثر القراءة عَلَى تسكين اللام فِي ثُمَّ: وأمّا التَّفث فنحر البدن وغيرها من البقر والغنم وحَلق الرأس، وتقليم الأظافر «5» وأشباهه. وقوله: وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ [30] فى سورة المائدة. من المنخنقة والموقوذة والمتردّية والنطيحة إلى آخر الآية.   (1) ا: «أضيف» . (2) الآية 47 سورة الحاقة. (3) ا: «بتلك» . (4) سقط فى ا. (5) فى الطبري أن هذه قراءة أبى عمرو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 وقوله: فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ [31] مما رد من يفعل عَلَى فعل. ولو نصبتها فقلت «1» : فتخطفه الطير كَانَ وجهًا. والعرب قد تُجيب بكأنما. وَذَلِكَ أنها فِي مذهب يُخَيَّل إليّ وأظنّ فكأنها مردودة عَلَى تأويل (أنّ) ألا ترى أنك تَقُولُ: يخيل إليّ أن تذهب فأذهب معك. وإن شئت جعلت فِي (كأنما) تأويل جحد كأنك قلت: كأنك عربي فتكرمَ، والتأويل: لست بعربي فتكرم: وقوله: فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [32] يريد: فإن الْفَعْلةَ كما قَالَ (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ «2» ) ومن بعده جائز. ولو قيل: فإنه من تَقْوَى القلوب كَانَ جائزًا. وقوله: لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى [33] يعني الْبُدْن. يقول: لكم أن تنتفعوا بألبانها وركوبها إلى أن تُسَمّى «3» أو تُشعر «4» فذلك الأجل المسمى. وقوله: (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) ما كَانَ من هدْي للعمرة أو للنذر «5» فإذا بلغ البيت نُحر. وما كَانَ للحج نُحر بِمنى. جعل ذَلِكَ بِمنى لتطهر مكة. وقوله: (الْعَتِيقِ) أعتق من الجبابرة. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: العتيق: أُعْتِقَ مِنَ الْجَبَابِرَةِ. ويُقال: من الغرق زمن نوح. وقوله: وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ [35] خفضت (الصَّلاةِ) لَمَا حذفت النون وهي فِي قراءة عبد الله (والمقيمين الصلاة) ولو نصبت (الصلاة) وقد حذفت النون كَانَ «6» صوابًا. أنشدني بعضهم:   (1) فى الطبري أن هذه قراءة أبى عمرو. (2) الآية 153 سورة الأعراف. (3) أي تعين للهدى. (4) أي يحز سنامها حتى يسيل منه الدم فيعلم أنها شعيرة. (5) ش: «لنذر» . (6) ا: «لكان» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 أسَيِّدُ ذو خُرَيِّطَةٍ نَهارًا ... من المتلقِّطي قَرَدَ القمام «1» (وقرد «2» ) وإنما 122 اجاز النصب مع حذف النون لأن العرب لا تَقُولُ فِي الواحد إلا بالنصب. فيقولون: هُوَ الآخذ حقّه فينصبون «3» الحق، لا يقولون إلا ذَلِكَ والنون مفقودة، فبنَوا الاثنين والجميع عَلَى الواحد، فنصبوا بحذف النون. والوجه فِي الاثنين والجمع الخفض لأن نونهما قد تظهر إذا شئت، وتحذف إذا شئت، وهي فِي الواحد لا تظهر. فلذلك نصبوا. ولو خُفِض فِي الواحد لجاز ذَلِكَ. ولم أسمعه إلا فِي قولهم: هُوَ الضاربُ الرجلِ، فإنهم يخفضونَ الرجل وينصبونه فمن خفضه شبَّهه بِمذهب قولهم: مررت بالحسن الوجه فإذا أضافوهُ «4» إلى مكني قالوا: أنت الضاربة وأنتما الضارباهُ، وأنتم الضاربوه. وَالْهَاء فِي القضاء عليها خفض فِي الواحد والاثنين والجمع. ولو نويت بِهَا النصب كَانَ وجهًا، وَذَلِكَ أن المكني لا يتبين فِيهِ الإعراب. فاغتنموا الإضافة لأنّها تتصل بالمخفوض أشد مما تتصل بالمنصوب، فأخذوا بأقوى الوجهين فِي الاتصال. وَكَانَ ينبغي لِمَن نصب أن يقول: هُوَ الضارب إياه، ولم أسمع ذَلِكَ. وقوله: صَوافَّ [36] : معقولة وهي فِي قراءة عبد الله (صَوافِنَ) وهي القائمات. وقرأ الْحَسَن (صوافِيَ) يقول: خوالصَ لله. وقوله: (الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) القانع: الَّذِي يَسْألك (فما أعطيته من شيء «5» ) قبله. والمعتر: ساكت يتعرض لك عند الذبيحة، ولا يسألك.   (1) من قصيدة للفرزدق يمدح فيها هشام بن عبد الملك. وقبله: سيبلغهن وحي القول عنى ... ويدخل رأسه تحت القرام فقوله: «أسيد» فاعل «سيبلغهن» وهو تصغير أسود ويريد الرسول بينه وبين حبائبه وعنى به امرأة فقوله: أسيد أي شخص أسود. والخريطة: وعاء من أدم أو غيره يشد على ما فيه. والقرد: ما نلبد من الوبر والصوف. والقمام الكناسة وانظر اللسان (قرد) والديوان 835. (2) سقط فى ا. يريد أنه روى بنصب (قرد) وكسره. [ ..... ] (3) ا: «ينصبون» . (4) ش: «أضافوا» . (5) ا «فإذا أعطيته شيئا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 وقوله: لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها [37] اجتمعوا عَلَى الياء. ولو قيل (تنال) كَانَ صوابًا. ومعنى ذَلِكَ أن أهل الجاهلية كانوا إذا نحروها نضحوا الدماء حول البيت. فلما حَجّ المسلمونَ أرادوا مثل ذَلِكَ فأنزلَ الله عَزَّ وَجَلَّ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم: الإخلاص إليه. وقوله: إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ [38] و (يدفع «1» ) وأكثر القراء عَلَى (يُدافِعُ) وبه أقرأُ. وقرأ أَبُو عبد الرحمن السلمي (يدافع) ، (وَلَوْلا دِفَاعُ الله) وكلّ صواب. وقوله: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ [39] (يُقاتَلُونَ «2» ) ومعناهُ: أذِنَ الله للذين يقاتلون أن يقاتلوا. هذا إذا أنزلت (فَاقْتُلُوا» الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) وقرئت (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) والمعنى أذن لَهُم أن يقاتلوا وكلٌّ صواب. وقوله: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ [40] يقول لَمْ يخرجوا إلا بقولهم: لا إله إلا الله. فإن شئت جعلت قوله: (إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) فِي موضع خَفض تَردَّه عَلَى الباء فِي (بِغَيْرِ حَقٍّ) وإن شئت جَعلت (أنْ) مستثناةً كما قَالَ (إِلَّا ابْتِغاءَ «4» وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) . وقوله: لهدّمت صوامع وبيع وهي مُصَلّى النصارى والصوامع للرهبان وأما الصلوات فهي كنائس اليهود والمساجد (مساجد «5» الإسلام) ومعنى التهديم أن الله قَالَ قبل ذَلِكَ (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) يدفع بأمره وأتباعه عَن دين كل نبيّ إلى أن بعث الله محمدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلم.   (1) هى قراءة ابن كثير وأبى عمرو وعاصم وأبى جعفر ويعقوب. ووافقهم ابن محيصن واليزيدي. والباقون قرءوا: «يدافع» . (2) فتح التاء لنافع وابن عامر وحفص وأبى جعفر وكسرها للباقين. أما (أذن) فقد ضم الهمزة نافع وأبو عمرو وعاصم وأبو جعفر ويعقوب، وفى رواية عن خلف، وفتحها الباقون. (3) الآية 5 من سورة التوبة. (4) الآية 20 سورة الليل. (5) ا: «مساجدنا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 وقوله: فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ [45] البئر والقصر يخفضان عَلَى العطف عَلَى العروش وإذا نظرت فِي معناها وجدتها ليست تحسن فيها «1» (عَلَى) لأن العروش أعالي البيوت، والبئر فِي الأرض وكذلك القصر، لأن القرية لَمْ تَخْوِ عَلَى القصر. ولكنه أتبع «2» بعضه بعضًا، كما قَالَ (وَحُورٌ «3» عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ) ولو «4» خفضت البئر 122 ب والقصر- إذا نويت أنهما ليسا من القرية- بِمن كأنك قلت: كم من قرية أهلكت، وكم من بئر ومن قصر. والأول أحُبّ إليّ. وقوله: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [47] . ويُقال يوم من أيام عذابِهم فِي الآخرة كألف سنة مما تَعدون فِي الدُّنْيَا. وقوله: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ [46] الْهَاء (هاء عماد «5» ) تُوَفَّى «6» (بِهَا) إنّ. يَجوز مكانها (إنّه) وكذلك هي قراءة عبد الله (فإنه لا تعمى الأبصَار ولكن تعمى القلوب التي فِي الصّدور) والقلبُ لا يكون إلا فِي الصدر، وهو توكيد مما تزيده العرب عَلَى المعنى المعلوم كما «7» قيل (فَصِيامُ «8» ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) والثلاثة والسبعة معلوم أنهما عشرة. ومثل ذَلِكَ نظرت إليك بعيني. ومثله قول الله (يَقُولُونَ «9» بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) وَفِي قراءة «10» عبد الله (إِنَّ «11» هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ أنثى) فهذا أيضا من التوكيد وإن   (1) فى الطبري: «فيهما» . (2) أي اتباعا فى اللفظ من غير أن يكون اتباعا فى المعنى كما فى قول الشاعر: علفتها تبنا وماء باردا ويخرج النحويون هذا على إضمار عامل مناسب للمعطوف. (3) الآيتان 22، 23 سورة الواقعة. وهو يريد قراءة خفض (حور) عطفا على قوله. «بأكواب وأباريق» فهذا عطف فى اللفظ لا فى المعنى لأن المعنى أن يطاف عليهم بالأكواب وبالحور، وهذا لا يليق بالحور. (4) جواب الشرط محذوف أي لجاز. (5) ش، ب: «الهاء عماد» . (6) أي تكف عن أن تطلب غيرها. وهى عند البصريين ضمير الشأن. [ ..... ] (7) ا: «كما» . (8) الآية 196 سورة البقرة. (9) الآية 167 سورة آل عمران. (10) ا: «حرف» . (11) الآية 23 سورة ص. وقراءة الجمهور: «نعجة واحدة» وقراءة (أنثى) من الشواذ المخالفة لرسم المصحف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 قَالَ قائل. كيف انصرفَ من العذاب إلى أن قال: (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ) فالجواب فِي ذَلِكَ أنهم استعجلوا العذاب فِي الدُّنْيَا فأنزل الله عَلَى نبيه (وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ) أي فِي أن ينزل بِهم العذاب فِي الدنيا. فقوله (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ) من عذابِهم أيضًا. فهو متّفق: أنهم يعذَّبون فِي الدُّنْيَا والآخرة أشدّ. وقوله: مُعاجِزِينَ [51] قراءة العوامّ (معاجزين) ومعنى معاجزين معاندين ودخول (فِي) كما تَقُولُ: سعيت فِي أمرك وأنت تريد: أردت بك خَيْرًا أو شرًا. وقرأ مجاهد «1» وعبد الله بن الزبير (مُعجِّزِينَ) يقول: مثبِّطينَ. وقوله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا [52] فالرسول النَّبِيّ المرسل، والنبي: المحدث «2» الَّذِي لَمْ يرسل. وقوله (إِلَّا إِذا تَمَنَّى) التمني: التلاوة، وحديث النفس أيضًا. وقوله: فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً [63] رفعت (فَتُصْبِحُ) لأن المعنى فِي (أَلَمْ تَرَ) معناهُ خبر كأنك قلت فِي الكلام: اعلم أن الله يُنزل من السماء ماء فتصبح الأرض. وهو مثل قول الشاعر «3» : ألم تسأل الربع القديم فينطقُ ... فهل تُخبرنك اليوم بَيْداء سَمْلَق أي قد سألته فنطق. ولو جعلته استفهامًا وجعلت الفاء شرطًا لنصبت: كما قَالَ الآخر: ألم تسأل فتخبرك الديارا ... عَن الحي المضلل حَيْثُ سارا «4» والجزم فِي هَذَا البيت جائز كما قَالَ: فقلت لَهُ صَوِّب ولا تجهدنّه ... فيذرك من أخرى العطاة فتزلق «5»   (1) هى قراءة ابن كثير وأبى عمرو. (2) المحدث. الملهم الذي يلقى فى نفسه الشيء فيخبر به. (3) هو جميل وفى ا: «وهل يخبرنك» . والسملق القاع الأملس لا شجر فيه. (4) ا: «حيث صارا» . (5) سبق فيما سبق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 فجعل الجواب بالفاء كالمنسوق عَلَى ما قبله. وقوله (مَنْسَكاً) «1» و (مَنْسِكًا) [67] قد قرئ بِهما «2» جَميعًا. والمنسك لأهل الحجاز والمنسك لبني أسد، والمنسَك فِي كلام العرب: الموضع الَّذِي تعتاده وتألفه ويقال: إن لفلان مَنْسِكًا يعتاده فِي خير كَانَ أو غيره. والمناسك بذلك «3» سميت- والله أعلم- لترداد الناس عليها بالحج والعمرة. وقوله: يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا [72] يعني مشركي أهل مكة، كانوا إِذَا سَمِعوا الرجل 213 امن المسلمين يتلو القرآن كادوا يبطشون بِهِ. وقوله (النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ) ترفعها لأنها معرفة فسرت الشر وهو نكرة. كما تَقُولُ: مررتُ برجلين أبوك وأخوكَ. ولو نصبتها بما عاد من ذكرها ونويت بِهَا الاتصال بما قبلها كَانَ وجهًا. ولو خفضتها على الباء «4» (فأنبئكم) «5» بشرّ من ذلكم بالنار كَانَ صوابًا. والوجه الرفع. وقوله: الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [73] الطالب الآلهة والمطلوب الذباب. وَفِيهِ معنى المثل. وقوله: ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [74] أي ما عظَّموا الله حقّ تعظيمه. وهو كما تَقُولُ فِي الكلام: ما عرفت لفلان قَدْره أي «6» عظمته وقصَّر بِهِ «7» صاحبه. وقوله: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا [75] اصطفى منهم جبريل وميكائيل وملك الموت وأشباههم. ويصطفى من الناس الأنبياء.   (1) ا: «المنسك والمنسك» . (2) الكسر لحمزة والكسائي وخلف ووافقهم الأعمش. والفتح للباقين. (3) . 2: «لذلك» . (4) يريد أن تكون بدلا من شر. [ ..... ] (5) ا: «أنبئكم» . (6) ب: «إذا» . (7) كأن هذه جملة حالية أي وقد قصر به صاحبه وفى ش، ب: «صاحبك» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [77] كَانَ الناس يسجدون بلا ركوع، فأمروا أن تكون صلاتهم بركوع قبل السجود. وقوله: فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [78] من ضيق. وقوله: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ) نصبتها عَلَى: وسَّع عَليكم كملَّة أبيكم إِبْرَاهِيم لأن قوله (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) يقول: وسّعه وسمَّحه كملة إِبْرَاهِيم، فإذا ألقيت الكاف نصبت. وقد تنصب (مِلَّة إِبْرَاهِيمَ) عَلَى الأمر بِهَا لأن أول الكلام أمر كأنه «1» قَالَ: اركعوا والزموا مِلّة إِبْرَاهِيم. وقوله: (مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا) يعنى القرآن. ومن سورة المؤمنين قوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ [5] إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ [6] المعنى: إِلَّا من أزواجهم اللاتي أَحَلَّ الله لهم من الأربع لا تجاوز «2» . وقوله: (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) (ما) فِي موضع خفض. يقول: لَيْسَ عليهم فِي الإماء وقت «3» ، ينكحون ما شاءوا. فذلك قوله: حفظوا فروجهم إلا من هذين (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) فيه. يقول: غير مذنبين. وقوله: الْفِرْدَوْسَ [11] قَالَ الكلبي: هُوَ البستان بلغة الروم. قَالَ الفراء: وهو عربي أيضًا. العرب «4» تسمي البستان الفردوس. وقوله: [من سلالة] [12] والسّلالة التي تسلّ من كلّ تربة.   (1) فى الأصول «لأنه» وما أثبت عن الطبري. (2) ش: «تجاوزوا» . (3) أي حد. يقال: وقت الشيء إذا بين حده ومقداره. (4) ش: «والعرب» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 وقوله: فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً [14] و (العظم «1» ) وهي فِي قراءة عبد الله (ثُمَّ جعلنا «2» النطفة عظمًا وعَصَبًا فكسوناهُ لَحمًا) فهذه حُجّة لِمَن قَالَ: عَظْمًا وقد قرأها بعضهم (عظمًا) . وقوله: (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) يذهب إلى الْإِنْسَان وإن شئت: إلى العظم والنطفة» والعصب، تجعله كالشيء الواحد. وقوله: بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ [15] تقرأ (لَمَيِّتُونَ) و (لمائتون «4» ) وميّتون أكثر، والعرب تَقُولُ لمن لم يَمت: إنك ميّت «5» عَن قليل ومائت. ولا يقولونَ للميت الَّذِي قد مات، هَذَا مائت إنما يقال فِي الاستقبال، ولا يجاوز بِهِ الاستقبال. وكذلك يُقال: هَذَا سيد قومه اليوم، فإذا أخبرت أَنَّهُ يكون سيدهم عَن قليل قلت: هَذَا سائد قومه عَن قليل وسيد. وكذلك الطمع، تَقُولُ: هُوَ طامع فيما قِبلك غدًا. فإذا 123 ب وصفته بالطمع قلت: هُوَ طمع. وكذلك الشريف تقول: إنه لشريف قومه «6» ، وهو شارف عن قليل. وهذا الباب كله فِي العربية عَلَى ما وصفت لك «7» . وقوله: وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ [17] يعني السموات كل سماء طريقة (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) عما خلقنا (غافِلِينَ) يقول: كنا لَهُ حافظين. وقوله: وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ [20] وهى شجرة الزيتون (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) وقرأ الْحَسَن (تُنْبِتُ بالدهنِ) وهما لغتانِ يُقال نبتت وأنبتت كقول زهير:   (1) هذه قراءة لابن عامر وأبى بكر. (2) فى الطبري: «خلقنا» . (3) أخذت فى اعن (العصب) . (4) هى قراءة زيد بن على وابن أبى عبلة وابن محيصن كما فى البحر 6/ 399 (5) أخرى في اعن (مائت) . (6) ا: «القوم» . (7) سقط فى ث، ب. [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 رأيتُ ذوي الحاجات حول بيوتهم ... قَطِينًا لَهم حَتَّى إِذَا أنبت البقلُ «1» (ونبت) «2» وهو كقولك: مَطَرت السماء وأمطرت. وقد قرأ أهلُ «3» الحجاز. (فَأَسْرِ «4» بِأَهْلِكَ) موصولة من سريت. وقراءتُنا (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) (من أسريت) وقال الله (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا) (وهو «5» أجود) وَفِي قراءة عبد الله (تُخْرجُ الدهن) . وقوله: (وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) يقول: (الآكلون يصطبغون «6» بالزيت. ولو كَانَ (وصِبْغًا) عَلَى (وَصِبْغًا أنبتناه) فيكون. بِمنزلة قوله (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظاً «7» ) . وَذَلِكَ أن الصبغ هُوَ الزيت بعينه. ولو كَانَ خلافه لكان خفضًا لا يجوز غيره. فمن ذَلِكَ أن تَقُولَ: مررت بعبد الله ورجلًا ما شئت من رجل، إِذَا جعلت الرجل من صفة عبد الله نصبته. وإن كَانَ خلافه خفضته لأنك تريد: مررت بعبد الله وآخر. وقرأ أهلُ «8» الحجاز (سِيناء) بكسر السّين والمدّ، وقرأ عاصم وغيره (سيناء) ممدودة مفتوحة السِّين. والشجرة منصوبة بالرد عَلَى الجنات، ولو كانت مرفوعة إذ لَمْ يصحبها الفعل كَانَ صَوَابًا، كمن قرأ (وَحُورٌ عِينٌ «9» ) أنشدنى بعضهم:   (1) من قصيدة فى مدح هرم بن سنان وقومه. وقبله: إذا السنة الشهباء بالناس أجحفت ... وقال كرام المال فى السنة الأكل والشهباء: البيضاء من الجدب لكثرة الثلج ليس فيها نبات. والقطين: الساكن النازل فى الدار، يكون للواحد والجمع كما فى البيت. يقول: إن ذوى الحاجات يقصدونهم فى زمن الجدب، حتى يأتى الربيع وينبت البقل. (2) هذه رواية فى البيت وقد سقط هذا فى ش. (3) هم نافع وابن كثير وأبو جعفر. (4) الآية 65 سورة الحجر. (5) سقط فى ش، ب. (6) أي يتخذونه إداما. والصبغ: الإدام المائع كالخل والزيت. (7) الآيتان 6، 7 سورة الصافات. (8) هم نافع وابن كثير وأبو جعفر. وقرأ بالكسر أيضا أبو عمرو البصري. (9) الآية 22 سورة الواقعة. يريد المؤلف أن التقدير: ولهم حور عين. وهو وجه فى الآية. والرفع قراءة حمزة والكسائي وأبى جعفر. وقرأ الباقون بالجر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 ومن يأت مَمْشَانا يصادِف غنيمةً ... سِوَارًا وخَلخالا وبُرْدً مُفَوَّفِ «1» كأنه قَالَ: ومع ذَلِكَ برد مفوف. وأنشدني آخر: هزئت حُمَيدة أن رأت بي رُتّة ... وفمًا بِهِ قَصَم وجلدٌ أسودُ «2» كأنه قَالَ: ومع ذَلِكَ جلد «3» أسود. وقوله: جِنَّةٌ [25] هُوَ الجنون. وقد يقال للجن الْجِنَّة، فيتفق الاسم والمصدر. وقوله (فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) لَمْ يُرَد بالحين حين موَقّت. وهو فِي المعنى كقولك. دعه إلى يوم «4» ولم ترد: إلى يوم معلوم واحدٍ من ذي «5» قَبل: ولا إلى مقدار يوم معلوم. إنما هُوَ كقولك إلى يوم ما. وقوله: وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ [33] المعنى مما تشربون منه. وجاز حذف (منه) لأنك تَقُولُ: شربت من مائك «6» . فصارت (ما تشربون) بمنزلة شرابكم. ولو حذفت (من «7» ) (تأكلون) «منه» كَانَ صوابًا. وقوله: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ [35] أعيدت (أنكم) مرتين ومعناهما «8» واحد. إلا أن ذَلِكَ حَسن لَمَّا فرقت بين (أنكم) وبين خبرها بإذا. وهي فِي قراءة عبد الله (أيعدكم إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) وكذلك تفعل «9» بكل اسم أوقعت عَلَيْهِ (أنّ) بالظن وأخوات الظن، ثُمَّ اعترض عَلَيْهِ الجزاء دون خبره. فإن   (1) ش. «ممسانا» والبرد المفوف: الرقيق. (2) الرتة: حبسة فى اللسان. وعن المبرد: هى كالريح تمنع الكلام فاذا جاء شىء منه اتصل كما فى المصباح. والقصم: انكار السن. يقال: رجل أقصم الثنية إذا كان منكسرها من النصف. (3) ش. «جلدى» . (4) سقط فى ا. (5) افيما يستانف ويجىء من الأيام. [ ..... ] (6) ا: «شرابك» . (7) ش، ب: «منه مما تأكلون» (8) ا: «معناها» . (9) ا: «فافعل» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 شئت كرّرت اسمه، وإن شئت حذفته/ 124 اأوّلا وآخِرًا. فتقول: أظنّ أنك إن خرجت أنك نادم. فإن حذفت (أنك) الأولى أو الثانية صلح. وإن ثبتتا صلح. وإن لَمْ تعرض بينهما بشىء لم يجز. فحطأ أن تقول أظن أنك أنك نادم «1» إلا أن تُكرِّرَ كالتوكيد. وقوله: هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ [36] لو لَمْ تكن فِي (ما) اللام كَانَ صوابًا. ودخول اللام عربي. ومثله فِي الكلام هَيْهَات لك، وهيهات أنت مِنّا، وهيهات لأرضك. قَالَ الشاعر «2» : فأيْهات أيهات العقِيقُ ومَن بِهِ ... وأيهات وصل بالعقيق نُواصله فمن لَمْ يدخل اللام رَفع الاسم. ومعنى هيهات بعيد كأنه قال: بعيد (لِما تُوعَدُونَ) «3» وبعيد العقيق وأهله. ومن أدخل اللام قَالَ هيهات أداة ليست بِمأخوذة من فعل بمنزلة بعيد وقريب، فأدخلت لَهَا اللام كما يقال: هَلُمّ لك إذ لَمْ تكن مأخوذة من فعل. فإذا قَالوا: أقبِل لَمْ يقولوا: أقْبِل لك لأنه يحتمل ضَمير الاسم. فإذا وقفت عَلَى هيهات وقفت بالتاء «4» فِي كلتيهما لأن من العرب من يخفض التاء، فدل ذَلِكَ عَلَى أنها ليست بِهَاء التأنيث «5» فصارت بمنزلة دراك «6» ونظار. ومنهم من يقف عَلَى الْهَاء لأن من شأنه نصبها فيجعلها كالهاء. والنصب الَّذِي فيهما «7» أنهما أداتان جُمِعتا فصارتا بمنزلة خمسة عشر. وإن   (1) ا: «قادم» . (2) أي جرير. وأيهات لغة فى هيهات. وقوله: «وصل» فى ا: «حبا» وكأنه مصحف عن «حب» أي: أي محبوب. وانظر ديوانه طبعة بيروت 385 (3) آخر فى اعن «أهله» (4) ا: «على التاء» (5) ا: «تأنيث» (6) دراك اسم فعل أمر بمعنى أدرك، ونظار كذلك اسم فعل أمر بمعنى انتظر (7) أي فى هيهات هيهات. وفى ا: «فيها» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 قلت إن كل واحدة مستغنية بنفسها يجوز الوقوف عليها فإن نصبها كنصب قوله «1» : قمت ثمّت جلست، وبمنزلة قول الشاعر «2» : ماويّ بَلْ رُبَّتما غارةٍ ... شَعْوَاءَ كاللذْعة بالميِسَم فنصب هَيْهَات بمنزلة هَذِه الْهَاء التي فِي رُبَّت لأنها دخلت عَلَى رُبّ وَعَلَى ثُمَّ، وكانا أداتين، فلم يغيرهما عَن أداتهما فنُصبا «3» . قَالَ الفراء: واختار «4» الْكِسَائي الْهَاء، وأنا أقف عَلَى التاء. وقوله: فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً [41] كغُثَاء الوادي يُبَّسًا «5» بالعذاب. وقوله: ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا [44] أكثر العرب عَلَى ترك التنوين، تنزل بمنزلة تقوى ومنهم من نون فيها وجعلها ألفًا كألف الإعراب، فصارت فِي تغير «6» واوها بمنزلة التراث والتُجاه. وإن شئت جعلت بالياء منها كأنها أصلية «7» فتكون بمنزلة المعزَى تنون ولا تنون «8» . ويكون الوقوف «9» عليها حينئذ بالياء وإشارة «10» إلى الكسر. وإن جعلتها ألف إعراب لَمْ تُشر لأنك لا تشير إلى ألفات الإعراب بالكسر، ولا تَقُولُ رأيت زيدي «11» ولا عمري. وقوله: وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ [50] الربوة: ما ارتفع من الأرض. وقوله: (ذاتِ قَرارٍ)   (1) ا: قولك» (2) هو ضمرة بن ضمرة النهشلي كما فى شواهد العيني فى مبحث حروف الجر. وماوى مرخم ماوية اسم امرأة. والغارة الشعواء: الفاشية المتفرقة. والميسم: الأداة يكوى بها (3) ا: «فنصبت» [ ..... ] (4) فى ا: «وكان الكسائي يختار الوقوف على الهاء، وأنا أختار التاء فى الوقف على هيهات» . (5) جمع يابس (6) يريد أن التاء أصلها واو فأبدلت تاء كما فى تاءى التراث والتجاه أصلهما واو (7) أي ملحقة (8) إنما يترك التنوين إذا قدرت الألف للتأنيث ولم تجعل كالأصلية. (9) ا: «الوقف» (10) يريد الإماتة (11) كتبت الألف فيهما ياء للامالة كما يكتب الفتى والندى. ورسما فى ا: «زيدا وعمرا» وكتب فوق كل «منهما: بمال» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 منبسطة وقوله (وَمَعِينٍ) : الماء الظاهر والجاري. ولك أن تَجعل المعين مفعولًا من العيون، وأن تجعله فَعيلًا من الماعون ويكون أصله المعن. قَالَ الفراء: (المعنُ «1» الاستقامة) ، وقال عُبَيْد بن الأبرص: واهية أو معين مَعْنٍ ... أو هضبة دونَها لُهُوب «2» وقوله: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ [51] أراد النَّبِيّ «3» فجمع كما يُقال فِي الكلام للرجل الواحد: أيّها 124 ب القوم كفوا عنا أذاكم. ومثله (الَّذِينَ «4» قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) الناس واحد (معروف كَانَ «5» رجلًا من أشجع يقال له نعيم ابن مسعود) . وقوله: وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ [52] قرأها عَاصِم «6» والأعمش بالكسر عَلَى الائتناف «7» . وقرأها أهل الحجاز والحسن (وأنّ هَذِه أمتكم) والفتحُ على قوله (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وعليم «8» بأن هَذِه أمتكم. فموضعها خفض لأنها مردودة عَلَى (مَا) وإن شئت كانت منصوبة بفعل مضمر كأنك قلت: واعلم هَذَا. وقوله: فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ [53] : فرَّقوه. تفرقوا يهود ونصارى. ومن قَالَ (زُبُراً)   (1) سقط فى ا (2) من معلقته. وقبله فى وصف دمعه: عيناك دمعاهما سروب ... كأن شأنيهما شعيب وسروب: جار.. والشأن: مجرى الدمع. والشعيب: القربة المنشقة، فقوله: «واهية» وصف «شعيب» واللهوب جمع لهب وهو مهواة ما بين الجبلين. يشبه مجارى دمعه بقربة واهية منشقة أو ماء حار أو ماء هضبة عالية ودونها مهاو ومهابط (3) فى الطبري أنه عيسى عليه السلام (4) الآية 173 سورة آل عمران (5) فى ا: «وهو نعيم بن مسعود كان رجلا من أشجع» : (6) وكذلك حمزة والكسائي وخلف [ ..... ] (7) ا: «الاستئناف» (8) سقط فى ا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 أراد: قطعًا مثل قوله (آتُونِي «1» زُبَرَ الْحَدِيدِ) والمعنى فِي زُبُر وزُبَر واحدٌ «2» . والله أعلم. وقوله (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) يقول: معجبون بدينهم. يرون أنهم عَلَى الحق. وقوله: فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حتّى حين) : فِي جهالتهم. وقوله: أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ [55] (ما) فِي موضع الَّذِي، وليست بحرف واحد. وقوله: نُسارِعُ لَهُمْ [56] يقول: أيحسبون أن ما نعطيهم فى هَذِه الدُّنْيَا من الأموال والبنين أنا جعلناهُ لَهُم ثوابًا. ثُمَّ قَالَ (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) أنما هُوَ استدراج منا لهم: وقوله: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا [60] الفراء عَلَى رفع الياء ومد الألف فِي (آتَوْا) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي مِنْدَلٌ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَرَأَتْ أَوْ قَالَتْ مَا كُنَّا نَقْرَأُ إِلا (يَأْتُونَ مَا أَتَوْا) وَكَانُوا أَعْلَمَ بِاللَّهِ مِنْ أَنْ تَوْجَلَ قُلُوبُهُمْ. قَالَ الْفَرَّاءُ يَعْنِي بِهِ الزَّكَاةَ تَقُولُ: فَكَانُوا أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يُؤْتُوا زَكَاتَهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ. وقوله (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ) : وَجِلَةٌ «3» من أنهم. فإذا ألقيت (مِن) نصبت. وكل شيء فِي القرآن حذفت منه خافضًا فإن الْكِسَائي كَانَ يقول: هُوَ خفض عَلَى حَالِهِ. وقد فسرنا أَنَّهُ نصب إِذَا فُقِدَ الخافض. وقوله: أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ [61] يبادرون بالأعمال (وَهُمْ لَها سابِقُونَ) يقول: إليها سابقون. وقد يقال (وَهُمْ لَها سابِقُونَ) أي سبقت لهم السّعادة.   (1) الآية 96 سورة الكهف (2) أي كلاهما جمع زبرة بمعنى قطعة (3) يريد أن الكلام على تقدير من داخلة على (أنهم) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 وقوله: وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ [63] يقول: أعمال منتظرة مما سيعملونَها، فقال (مِنْ دُونِ ذلِكَ) . وقوله: يَجْأَرُونَ [64] : يضجّون. وهو الْجُؤار. وقوله: عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ [66] وَفِي قراءة عبد الله (عَلَى أدباركم تنكصُون) يقول: ترجعون وهو النكوص. وقوله: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ [67] «1» (الْهَاء للبيت العتيق) تقولون: نحن أهله، وإذا كَانَ الليل وسمرتم هجرتم القرآن والنبي فهذا من الْهِجران، أي تتركونه وترفضونه. وقرأ ابن عباس «2» (تَهْجُرُونَ) من أهجرت. والهُجْر أنهم كانوا يسبّون النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَلَوا حول البيت ليلًا. وإن «3» قرأ قارئ (تَهْجُرُونَ) يجعله كالهَذَيان، يقال: قد هَجَرَ الرجل فِي منامه إِذَا هذى، أي إنكم تقولون فِيهِ ما لَيْسَ فِيهِ ولا يضره فهو كالهذيان. وقوله: أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ [69] أي نسب رسولهم. وقوله: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ [71] يقال: إن الحق هُوَ الله. ويُقال: إنه التنزيل، لو نزل بما يريدون (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) قال الكلبىّ (وَمَنْ فِيهِنَّ) من خَلْق. وَفِي قراءة عبد الله (لفسدت السّماوات والأرض وما بينهما) وقد يجوز فِي العربية أن يكون ما فيهما ما بينهما 125 الآن السماء كالسقف عَلَى الأرض، وأنت قائل: فِي البيت كذا وكذا، وبين أرضه وسمائه كذا وكذا، فلذلك جازَ أن تُجعل الأرض والسماء كالبيت. وقوله (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) : بشرفهم.   (1) ا: «البيت العتيق» (2) وهى قراءة نافع، وافقه ابن محيصن (3) جواب الشرط محذوف أي كان مصيبا، مثلا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 وقوله: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً «1» [72] يقول: عَلَى ما جئت بِهِ، يريد: أجرًا، فأجر ربّك خير. وقوله: لَناكِبُونَ [74] يقول: لَمُعْرِضُون عَن الدين. والصراط هاهنا الدين. وقوله: وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ [80] يقول: هُوَ الَّذِي جعلهما مختلفين، كما تَقُولُ فِي الكلام: لك الأجر والصلة أي إنك تؤجَر «2» وتصل. وقوله: قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [84] (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ [85] هَذِه «3» لا مسألة «4» فيها لأنه قد استفهم بلام فرجعت فِي خبر المستفهم. وأما الأخريان «5» فإن أهل المدينة وعامة أهل الكوفة يقرءونها (لِلَّهِ) ، (لله) وهما فِي قراءة أبي كذلك (لِله) (لِلَّهِ) (لله) ثلاثهنَّ. وأهل «6» البصرة يقرءونَ الأخريين (اللهُ) (اللهُ) وهو فِي العربية أبين لأنه مردود مرفوع ألا ترى [أن] قوله: (قُلْ مَنْ رَبُّ «7» السَّماواتِ) مرفوع لا خفض فِيهِ، فجرى جوابه عَلَى مبتدأ بِهِ. وكذلك هي فِي قراءة عبد الله (لِلَّهِ) (الله) . والعلة فِي إدخال اللام فِي الأخريين فِي قول أبيّ وأصحابه أنك لو قلت لرجل: من مولاك؟ فقال: أنا لفلان، كفاك من أن يقول: مولاي فلان. فلما كَانَ المعنيان واحدًا أُجري ذَلِكَ فِي كلامهم. أنشدني بعض بني عَامِر: وأعلمُ أنني سأكون رمسًا ... إِذَا سار النواجع لا يسير «8» (يعني» الرمس) فقال السائلونَ لمن حفرتم ... فقال المخبرون لهم: وزير   (1) أثبت (خراجا) كما فى الكتاب. وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف. وقراءة غيرهم (حرجا) (2) كذا وقد يكون: «تأجر» (3) ا: «هذا» (4) يريد أن الكلام جاء على مقتضى الظاهر فلا يقال فيه: لم أي هكذا؟ (5) يريد قوله تعالى: «سيقولون لله قل أفلا تتقون» وقوله: «سيقولون لله قل فأنى تسحرون» (6) الذي قرأ كذلك أبو عمرو ويعقوب البصريان [ ..... ] (7) الآية 86 سورة آل عمران (8) الرمس: القبر يريد: سأكون ملازم رمس. والنواجع يريد الفرق النواجع. وهم الذين يطلبون الكلأ ومساقط الغيث، يقال فى ذلك: نجع الأرض وأنجعها. وفى الطبري: «النواعج» والنواعج من الإبل: البيض الكريمة (9) سقط فى ش. وهو يعنى الضمير فى (يسير) أنه الرمس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 فرفع أراد: الميت وزير. وقوله: فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [89] : تصرفون. ومثله تؤفكون. أُفِك وسُحر وصُرف سَوَاء. وقوله: وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ [91] إِذًا جواب لكلام مضمر. أي لو كانت معه آلهة (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) يقول: لاعتزل كل إله بخلقه، (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ) يقول: لبغى بعضهم عَلَى بعض ولغلب بعضهم بعضا. وقوله: عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ [92] وجه الكلام الرفع «1» عَلَى الاستئناف. الدليل عَلَى ذَلِكَ دخول الفاء فِي قوله (فَتَعالى) ولو خفضت لكان وجه الكلام أن يكون (وتَعالى) بالواو لأنه إِذَا خفض فإنما أراد: سُبْحان الله عالم الغيب والشهادة وتعالى. فدلّ دخول الفاء أَنَّهُ أراد: هُوَ عالم الغيب والشهادة فتعالى ألا ترى أنك تَقُولُ: مررتُ بعبد الله المحسن وأحسنت إِلَيْهِ. ولو رفعت (المحسن) لَمْ يكن بالواو لأنك تريد: هُوَ المحسن فأحسنت إِلَيْهِ. وقد يكون الخفض فِي (عالم) تُتبعه ما قبله «2» وإن كَانَ بالفاء لأن العرب قد تستأنف بالفاء كما يستأنفونَ بالواو. وقوله: رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي [94] هَذِه الفاء جواب للجزاء لقوله (إِمَّا تُرِيَنِّي) اعترض النداء بينهما كما: تَقُولُ إن تأتني يا زيد فعجِّل. ولو لَمْ يكن قبله جزاء لَمْ يجز أن تَقُولَ: يا زيد فقم، ولا أن تَقُولُ يا رب فاغفر لي لأن النداء مستأنف، وكذلك الأمرُ بعده مستأنف لا تدخله الفاء ولا الواو. لا تَقُولُ: يا قوم فقوموا، إلا أن يكون جوابًا لكلام قبله، كقول قائل: قد أقيمت الصلاة، فتقول: يا هَؤُلَاءِ فقوموا. فهذا جَوازه. وقوله: قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ [99] فجعل الفعل كأنه لجميع «3» وإنما دعا ربه. فهذا ممّا جرى على   (1) الرفع لنافع وأبى بكر وحمزة والكسائي وخلف وأبى جعفر. والخفض للباقين (2) ا: «مما» (3) ا: «لجمع» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 ما وصف الله بِهِ نفسه من قوله (وقد خلقناكَ «1» من قبل) فِي غير مكان من القرآن. فجرى هَذَا عَلَى ذَلِكَ. وقوله: وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ [100] البرزخ من يوم يَموت إلى يوم يبعث. وقوله (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً) يقول حاجزًا. والحاجز والمهلة متقاربان فِي المعنى، وَذَلِكَ أنك تَقُولُ: بينهما حاجز أن يتزاورا، فتنوي بالحاجز المسافة البعيدة، وتنوي الأمر المانع، مثل اليمين والعداوة. فصار المانع فِي المسافة كالمانع فِي الحوادث، فوقع عليهما البرزخ. وقوله: قالُوا رَبَّنا «2» غَلَبَتْ عَلَيْنا شقاوتُنا [106] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ (وَقَيْسٌ «3» ) عن أبى إسحاق، وزهير ابن مُعَاوِيَةَ أَبُو خَيْثَمَةَ الْجُعْفِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ (شَقَاوَتِنَا «4» ) بِأَلِفٍ وَفَتْحِ الشِّينِ. قيل للفراء أأخبرك زهير؟ فقال: يا هَؤُلَاءِ إني لَمْ أسمع «5» من زهير شيئًا. وقرأ أهل المدينة وَعَاصِم (شِقْوَتُنا) وهي كثيرة. أنشدني أَبُو ثرْوان: كُلِّف من عَنائه وشِقْوته ... بنتَ ثمانِي عَشْرَةٍ من حِجَّتِه «6» قَالَ الفراء: لولا عبد الله ما قرأتُها إلا (شِقْوَتُنا) .   (1) الآية 9 سورة مريم. وقد أورد المؤلف قراءة حمزة والكسائي وقد وافقهما الأعمش. أما الباقون فقراءتهم «خلقتك» . وقوله: «فى غير مكان من القرآن» فكأنه يريد لفظ (خلقنا) فهو الذي يتكرر في القرآن واقعا على الإنسان أو على غيره. (2) الآية 106 سورة المؤمنون (3) ا: «قال الفراء: وحدثنا قيس» . وهذه أسانيد عن أبى إسحاق. والظاهر أنه السبيحى عمرو بن عبد الله من التابعين. وكانت وفاته سنة 127 كما فى الخلاصة (4) هذه قراءة حمزة والكسائي وخلف وافقهم الحسن والأعمش. والباقون (شِقْوَتُنا) بكسر الشين وإسكان القاف بلا ألف (5) كانه يستجيز فى (حدثنى) أن يكون الحديث بالواسطة (6) يرد هذا الرجز فى كتب النحو فى مبحث العدد. وفي العيني أنه قيل إن قائله نفيع بن طارق. وقوله. «من حجته» ففى كتابة يس على التصريح ما يفيد أن المراد: فى حجته أي أنه علقها حين كان فى الحج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 وقوله: سِخْرِيًّا (110) و (سخريّا) . وقد قرىء «1» بِهما جَميعًا. والضم أجود. قَالَ الَّذِينَ كسروا ما كَانَ من السُّخرة «2» فهو مرفوع، وما كَانَ من الْهُزُؤ فهو مكسور. وقال الْكِسَائي: سمعت العرب تقول: بحر لجّى ولجّى، ودُريّ ودِريٌّ منسوب إلى الدُّرّ، والكُرْسِيّ والكِرْسِيّ. وهو كَثِير. وهو فِي مذهبه بمنزلة قولهم الْعُصِيّ «3» والعِصيّ والأُسوة والإسوة. وقوله: أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) كسرها «4» الأعمش عَلَى الاستئناف، ونصبها من سواه عَلَى: إني جزيتهم الفوز بالجنة، فأنّ فِي موضع نصب. ولو جعلتها نصبًا من إضمار الخفض جزيتهم لأنهم «5» هم الفائزونَ بأعمالِهم فِي السّابق. وقوله: لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ (113) أي لا ندرى (فاسأل) الحفظة هم العادون. وقوله: قُل كم لبثتم (112) قراءة أهل «6» المدينة (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ) وأهل الكوفه (قل كم لبثتم) . ومن سورة النور قوله: سُورَةٌ أَنْزَلْناها [1] ترفع السّورة بإضمار هَذِه سورة أنزلناها. ولا ترفعها براجع ذكرها لأن النكرات لا يُبتدأُ بِهَا قبل أخبارها، إلا أن يكون ذَلِكَ جوابًا ألا ترى أنك لا تقول: رجل   (1) الضم لنافع وحمزة والكسائي وأبي جعفر وخلف وافقهم الأعمش، والكسر للباقين. (2) أي الاستعباد وتكليف المشاق. [ ..... ] (3) أي فى جمع العصا. (4) الكسر لحمزة والكسائي، والفتح للباقين. (5) كذا. والأولى: «بأنهم» . (6) قرأ (قل) ابن كثير وحمزة والكسائي. وافقهم ابن محيصن والأعمش. وقرأ الباقون (قال) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 قام، إنما الكلام أن تَقُولَ: قام رجل. وقَبُح تقديم النكرة قبل خبرها «1» أنها توصل «2» ثُمَّ يخبر عنها بخبر سوى الصلة. فيقال: رجل يقوم أعجب إليّ من رجل لا يقوم: فقبح إذ كنت كالمنتظر للخبر بعد الصلة. 126 او حسن فِي الجواب لأن القائل يقول: من فِي الدار؟ فتقول: رَجُل (وإن قلت «3» (رَجُلٌ فيها) فلا بأس لأنه كالمرفوع بالردّ لا بالصفة. ولو نصبت «4» السورة عَلَى قولك: أنزلناها سورة وفرضناها كما تَقُولُ: مُجرَّدًا ضربته كَانَ وجهًا. وما رأيت أحدًا «5» قرأ بِهِ. ومن قَالَ (فرضناها) يقول: أنزلنا فيها فرائض مختلفة. وإن شاء: فرضناها عليكم وَعَلَى من بعدكم إلى يوم القيامة. والتشديد لهذين الوجهين حسن. وقوله: الزَّانِيَةُ والزّانى فاجلدوا كلّ واحد منهما «6» رفعتهما بِما عاد من ذكرهما فِي قوله (كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما) ولا ينصب مثل هَذَا لأن تأويله الجزاء (ومعناهُ «7» ) - والله أعلم- من زَنَى فافعلوا بِهِ ذلك. ومثله (وَالشُّعَراءُ «8» يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) معناهُ- والله أعلم: من قَالَ الشعر اتّبعه الغواة. وكذلك (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) ، (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما «9» ) ولو أضمرت قبل كل ما ذكرنا فعلًا كالأمر جاز نصبه، فقلت: الزانية والزاني فاجلدوا:   (1) أي لأنها. (2) يريد وصفها. (3) سقط فى أ. (4) النصب قراءة عمر بن عبد العزيز ومجاهد وعيسى بن عمر الثقفي وغيرهم كما فى البحر 6/ 427. وهى من الشواذ. ويريد الفراء أنها تنصب على الحال. وفى البحر: «وقال الفراء: سورة حال من الهاء والألف. والحال من المكنى يجوز أن يتقدم عليه» . ولم نر هذا النص فى نسخنا. (5) قد علمت أنه قرىء به فى الشواذ. (6) قرأ بالتخفيف من العشرة غير ابن كثير وأبى عمرو. أما هما فقرءا بالتشديد. (7) ش: «المعنى» . (8) الآية 224 سورة الشعراء. (9) الآية 16 سورة النساء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 وهي فِي قراءة عبد الله محذوفة الياء (الزانِ) مثل ما جرى فِي كتاب الله كثيرا من حذف الياء من الداع والمناد والمهتد وما أشبه ذَلِكَ. وقد فُسّر. وقوله: (وَلا تَأْخُذْكُمْ) اجتمعت القراء عَلَى التاء إلا أبا عبد الرحمن فإنه قرأ (ولا يَأخُذْكم) بالياء. وهو صواب كما قَالَ (وَأَخَذَ «1» الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) وَفِي الرأفة والكأبة والسَّأمة لغتان السَّأمة فعلة والسَّآمة مثل فعالة والرأفة والرآفة والكابة والكآبة وَكَانَ السَّأمة والرأفة مرة، والسآمة المصدر، كما تَقُولُ: قد ضَؤُل ضآلةً، وقُبح قباحَة. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ وَمِنْدَلٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الطَّائِفَةُ: الْوَاحِدُ فَمَا فَوْقَهُ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَكَذَلِكَ حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ وَاحِدٌ فَمَا فَوْقَهُ. وَذَلِكَ للبكرين لا للمحصنين ومعنى الرأفة يقول: لا ترأفوا بالزانية والزاني فتعطلوا حدود الله. وقوله: الزَّانِي لا يَنْكِحُ «2» يُقال: الزاني لا يزني إلا بزانية من بغايا كن بالمدينة، فهم أصحاب الصفة أن يتزوجوهنّ فيأووا إليهن ويُصيبوا من طعامهن، فذكروا ذَلِكَ للنبي عَلَيْهِ السَّلَام فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ هَذَا، فأمسكوا عَن تزويجهن لَمَّا نزل (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) يعنى الزاني. وقوله: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ «3» (وبالكسر «4» ) بالزنى (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا) الْحُكَّامِ (بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) القاذف لا تُقبل لَهُ شهادة، توبته فيما   (1) الآية 67 سورة هود. [ ..... ] (2) النصب قراءة عيسى الثقفي ويحيى بن يعمر وشيبة وغيرهم وهى شاذة. (3) الآية 4 سورة النور. (4) سقط فى ش. ويريد كسر الصاد فى المحصنات. وهى قراءة الكسائي وقراءة غيره فتح الصاد: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 بينه وبين ربه، وشهادته «1» ملقَاة. وقد كَانَ بعضهم يرى شهادته جائزةً إِذَا تابَ ويقول: يقبل «2» الله توبته ولا نقبل نحنُ شهادته! وقوله: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ [6] بالزنَى نزلت فِي عَاصِم بن عدي لَمَّا أنزل الله الأربعة الشهود، قَالَ: يا رسول الله إن دخل أحدنا فرأى عَلَى بطنها رجلًا (يعني امرأته) احتاج أن يخرج فيأتي بأربعة شهداء إلى ذَلِكَ «3» ما قد قضى حاجته وخرج. وإن قتلته قتلت 126 ب بِهِ. وإن قلت: فُعِل بِهَا جُلدت الحد. فابتُلِي بِهَا. فدخل عَلَى امرأته وَعَلَى بطنها رجل، فلا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينهما. وَذَلِكَ أنها كذبته فينبغي أن يبتدئ الرجل فيشهد فيقول: والله الَّذِي لا إله إلا هُوَ إني صادق فيما رميتها بِهِ من الزنى، وَفِي الخامسة، وإن عَلَيْهِ لعنة الله إن كَانَ من الكاذبين فيما رماها بِهِ من الزنى: ثُمَّ تَقُولُ المرأة فتفعل مثل ذَلِكَ، ثُمَّ تقوم فِي الخامسة فتقول: إن عليها غضب الله إن كَانَ من الصادقين فيما رماها بِهِ من الزنى. ثُمَّ يفرق بينهما فلا يجتمعانِ أبدًا. وأما رفع قوله (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ) فإنه من جهتين. إحداهُما: فعليه أن يشهد فهي «4» مضمرة، كما أضمرت ما يرفع (فَصِيامُ «5» ثَلاثَةِ) وأشباهه، وإن شئت جعلت رفعه بالأربع الشهادات: فشهادته أربع شهادات كأنك قلت والذي يوجب من الشهادة أربع، كما تَقُولُ: من أسلم فصلاته خمس. وَكَانَ الأعمش وَيَحْيَى يرفعان «6» الشهادة والأربع، وسائر القراء يرفعونَ الشهادة وينصبونَ الأربع لأنهم يضمرون للشهادة ما يرفعها، ويوقعونها عَلَى الأربع. ولنصب الأربع وجه آخر. وَذَلِكَ أن   (1) أي مطروحة لا اعتداد بها. وقد يكون الأصل: «ملغاة» . (2) الكلام على الاستفهام الإنكارى فالهمزة محذوفة. (3) أي إلى أن يحصل ذلك وهو الإتيان بأربعة شهداء، وقوله: «ما قد قضى حاجته» أي يكون الزاني قضى حاجته وخرج فكلمة (ما) زائدة. (4) أي (عليه) . (5) الآية 196 سورة البقرة، والآية 89 سورة المائدة. (6) قرأ برفع (أربع) حفص وحمزة والكسائي وخلف. وقرأ الباقون بالنصب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 يجعل (بالله إنّه لمن الصّادقين) رافعة «1» للشهادة كما تَقُولُ: فشهادتي «2» أن لا إله إلا الله، وشهادتي إن الله لواحد. وكل يمين فهي تُرفع بجوابها، العرب تَقُولُ: حِلفٌ صادقٌ لأقومن، وشهادة عبد الله لتقومن. وَذَلِكَ أن الشهادة كالقول. فأنت تراهُ حسنًا أن تَقُولَ: قَوْلي لأقومن وقولي إنك لقائم «3» . و (الخامسة) فِي الآيتين مرفوعتان «4» بِما بعدهما من أنّ وأنّ. ولو نصبتهما عَلَى وقوع الفعل كَانَ صوابًا: كأنك قلت: وليشهد الخامسة بأن لعنة الله عَلَيْهِ. وكذلك فعلها «5» يكون نصب الخامسة بإضمار «6» تشهد الخامسة «7» بأن غضبت الله عليها. وقوله: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ [10] متروك الجواب لأنه معلوم المعنى. وكذلك كل ما كَانَ معلوم الجواب فإن العرب تكتفي بترك جوابه ألا ترى أن الرجل يشتم صاحبه فيقول المشتوم: أما والله لولا أبوك، فيعلم أَنَّهُ يريد لشتمتك، فمثل هَذَا يُترك جوابه. وقد قَالَ بعد ذَلِكَ فبيَّن جوابه فقال (لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (وما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ) فذلك يُبين لك المتروك. وقوله: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ [11] اجتمع القراء عَلَى كسر الكاف. وقرأ حُميد «8» الأعرج، كُبْره بالضم. وهو وجه جيد فِي النحو لأن العرب تَقُولُ: فلان تولى عُظْم كذا وكذا يريدون أكثره. وقوله: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ [15] كَانَ الرجل يلقى الآخر فيقول: أما بلغك كذا كذا   (1) أي خبر عنها. ومذهب الكوفيين أن المبتدأ والخبر يترافعان. (2) أ: «شهادتى» . (3) أ: «قائم» . (4) أنفق فى القراءة على رفع الأولى. أما الأخيرة فقد نصبها حفص. (5) أ، ش، ب: «فعله» والمناسب ما أثبت. [ ..... ] (6) ش، ب: «فى تشهد» . (7) ش: «فى الخامسة» . (8) وهى أيضا قراءة يعقوب وسفيان الثوري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 فيذكر قصة عائشة لتشيع الفاحشة. وَفِي قراءة عبد الله (إذ تَتَلَقَّوْنه) وقرأت عائشة (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ) وهو الْوَلْق أي تردّدونه. والوَلْق فِي السير والوَلْق فِي الكذب بِمنزلته إِذَا استمر فِي السير والكذب فقد وَلَق. وقال الشاعر «1» : إنّ الْجُلَيد زَلِق وزُمَّلقْ ... جاءت بِهِ عَنْس من الشام تَلِقْ مجوَّع البطن كِلابيّ الْخُلُقْ ويقال فِي الْوَلْق من الكذب: هُوَ الْأَلْق والإِلْق! وفعلت منه: ألقت وأنتم تألقونه. وأنشدني بعضهم: من لي بالمزرَّرِ اليلامق ... صاحب إدهان وألق آلق «2» وقوله: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ [22] والائتلاء: الْحِلف. وقرأ بعض «3» أهل المدينة (ولا يَتَأَلَّ أولو الفضل) وهي مخالفة للكتاب، من تألّيت. وَذَلِكَ أن أبا بكر حلف ألا يُنفق عَلَى مسطح بن أُثاثة وقرابته الَّذِينَ ذكروا عائشة. وكانوا ذوي جَهد «4» فأنزل الله (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) فقال أَبُو بكر: بلى يا رب. فأعادهم إلى نفقته. وقوله: يَوْمَ تَشْهَدُ [24] القراء على التاء (يَوْمَ تَشْهَدُ) وقرأ يَحْيَى «5» بْن وثاب وأصحاب عَبْد اللَّه (يشهد) التاء لتأنيث الألسنة والياء لتذكير اللسان، ولأن الفعل «6» إِذَا تقدم كَانَ كأنه لواحد الجمع. وقوله: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ [26] الخبيثاتُ من الكلام للخبيثين من الرجال. أي ذَلِكَ من فعلهم ومِمَّا «7» يليقُ بِهم. وكذلك قوله (وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ) الطّيّبات من الكلام للطّيّبين من الرجال.   (1) هو الشماخ. يقوله فى هجو جليد الكلابي على ما فى اللسان فى (ولق) . ونسب فيه فى (زلق) إلى القلاخ ابن حزن المنقري. والزملق: الذي ينزل قبل أن يجامع. والزملق: الخفيف الطائش. والعنس: الناقة الصلبة. وفى ش، ب: «عيس» وهى الإبل البيض. (2) اليلامق جمع اليلمق. وهو القباء المحشو. والإدهان: الغش والخداع. (3) هو أبو جعفر وافقه الحسن. وهى قراءة ابن عياش بن ربيعة وزيد بن أسلم. (4) الجهد: كثرة العيال والفقر. (5) وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف. (6) أي الذي هو واحد الألسنة فروعى فى فعل الألسنة مفردها. وقوله: «ولأن الفعل» فكان الأصل سقوط الواو ليكون تعليلا لما قبله. (7) أ: «ما» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 ثم قال (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ) يعني عائشة وصفوان بن الْمُعَطَّل الَّذِي قُذِفَ معها. فقال (مبرّءون) للاثنين كما قَالَ (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فلكلّ واحد) يريدُ أخوين فما زاد، لذلك حُجِبَ بالاثنين. ومثله (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) يريد داود وسليمان. وقرأ ابن عباس (وكُنّا لحكمهما شاهدين) فدلّ عَلَى أنهما اثنان. وقوله: حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا [27] يقول: تستأذنوا. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) : تَسْتَأْذِنُوا قَالَ: هَذَا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ إِنَّمَا هُوَ حَتَّى تُسَلِّمُوا وَتَسْتَأْذِنُوا. وأمروا أن يقولوا: السَّلَام عليكم أأدخل؟ والاستئناسُ فِي كلامِ العرب: اذهب فاسْتأنس هَلْ ترى أحدًا. فيكون هَذَا المعنى: انظروا «1» من فِي الدار. وقوله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ [29] وهي البيوت التي تُتخذ للمسافرين: الخانات وأشباهها. وقوله (فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) أي منافع لكم. يقول تنتفعونَ بِهَا وتستظلونَ بِهَا من الحر والبرد (قَالَ الفراء الفندقُ مثل الخان «2» قَالَ: وسمعتُ أعرابيًا من قُضاعة يقول فنتق) . وقوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [31] الزينة: الوشاح والدُّمْلُج «3» (إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْها) مثل الكحل والخاتم والخَضَاب (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ) يقول لتُخَمِّر نَحرها وصدرها بِخمار. وَذَلِكَ أن نساء الجاهلية كنّ يسدلن خُمرهن من ورائهن فينكشفُ ما قدامها، فأمرن بالاستتار. ثُمّ قَالَ مكرّرا (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) يعني الوشاح والدملوج «4» لغة (إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ) من النسب إلى قوله (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) .   (1) ا: «انظر» . (2) سقط ما بين القوسين في ا. (3) الدملج: المعضد وهى حلية تلبس فى العضد. (4) يريد أنه لغة فى الدملج. [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 وقوله (أَوْ نِسائِهِنَّ) يقول: نساء أهل دينهن. يقول: لا بأسَ أن تنظر المسلمة إلى جسد المسلمة. ولا تنظرْ إليها يهودية ولا نصرانية. ورُخّص أن يرى ذَلِكَ من لَمْ يكن لَهُ فِي النساء أَرَب، مثل الشيخ الكبير والصبي الصغير الَّذِي لَمْ يدرك، والعنين. وَذَلِكَ قوله (أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) : التُّبَّاع والأجراء (قَالَ الفراء يُقال إِرْب وأَرَب) . وقوله (لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) لَمْ يبلغوا أن يطيقوا النساء. وهو كما تَقُولُ: ظهرت عَلَى القرآن أي أخذته وأطقته. وكما تَقُولُ للرجل: صارع فلان فلانًا وظهر عَلَيْهِ أي أطاقه وغالبه. وقوله (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) يقول: لا تضربن رجلها بالأخرى فيسمع صوت الخلخال. فذلك قوله (لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ) وَفِي قراءة عبد الله (لِيُعْلَمَ مَا سُرَّ «1» 127 ب مِنْ زِينَتِهِنَّ) . وأمّا قوله (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) فإنه يُخفض «2» لأنه نعت للتابعين، وليسوا بموَقتينَ «3» فلذلك صَلحت (غير) نعتًا لَهُم وإن كانوا معرفة. والنصب جائز قد قرأ بِهِ عَاصِم «4» وغير عَاصِم. ومثله (لا يَسْتَوِي «5» الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) والنصب فيهما جَميعًا عَلَى القطع «6» لأن (غير) نكرة. وإن شئت جعلته عَلَى الاستثناء فتوضع «7» (إلا) فِي موضع (غير) فيصلح. والوجه الأول أجود.   (1) كذا. وكأنه محرف عن (أسر) . (2) الخفض لغير ابن عامر وأبى بكر عن عاصم وأبى جعفر، أما هؤلاء فقراءتهم النصب. (3) أي بمعينين. (4) أي فى رواية أبى بكر. أما فى رواية حفص فالخفض، كما علم آنفا. (5) الآية 95 سورة النساء. قرأ بالرفع ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة ويعقوب. وقرأ الباقون بالنصب. (6) يريد الحال. (7) أ، ب: «فتضع» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 وقوله: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ [32] يعني «1» الحرائر. والأيامى القرابات نَحو البنت والأخت وأشباههما «2» . ثُمَّ قَالَ (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) يقول: من عبيدكم وإمائكم ولو كانت (وإماءكم) تردة عَلَى الصالِحين لَجاز. وقوله (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ) للأحرار خاصة من الرجال والنساء. وقوله: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ [33] يعني المكاتبة. و (الذينَ) فِي موضع رفع كما قال (وَالَّذانِ «3» يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما) والنصبُ جائز. وقوله (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) يقول «4» إِذَا رجوتم عندهم وفاء وتأديةً للمكاتبة (وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ) حث الناس عَلَى إعطاء المكاتبين. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حدثنا الفراء قَالَ حَدَّثَنَا حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: يُعْطِيهِ ثُلُثَ مُكَاتَبَتِهِ. يَعْنِي الْمَوْلَى يَهِبُ لَهُ «5» ثُلُثَ مُكَاتَبَتِهِ. وقوله (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) الْبِغَاء: الزنى. كَانَ أهل الجاهلية يُكرهون الإماء ويلتمسون منهن الْغَلَّةَ فيفجُرن، فنُهي أهل الإسلام عَن ذَلِكَ (وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ) لهنّ (غَفُورٌ رَحِيمٌ) . وقوله: وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ [34] قرأ يحيى بن وثّاب (مبيّنات) بالكسر. والناس بعد (مُبَيِّناتٍ «6» ) بفتح الياء، هَذِه والتي فى سورة النساء «7» الصغرى. فمن قَالَ (مُبَيِّناتٍ) جعل الفعل واقعًا عليهنّ، وقد بيّنهن الله وأوضحهنّ (ومبيّنات) : هاديات واضحات.   (1) سقط فى ا. (2) ا: «شبهها» . (3) الآية 16 سورة النساء. (4) ا: «إن» . (5) ا: «للمكاتب» . (6) قرأ بالفتح نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر وأبو جعفر ويعقوب، وقرأ بالكسر الباقون. (7) يريد سورة الطلاق. وهو يريد ما فى الآية 11 منها «رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ» قرأ بالفتح نافع وابن كثير وأبو عمرو وشعبة وأبو جعفر ويعقوب. وقرأ بالكسر غيرهم. [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 وقوله: كَمِشْكاةٍ [35] المشكاة الْكُوّة التي ليست بنافذة. وهذا مثل ضربه الله لقلب المؤمن والإيمان فِيهِ. وقوله (الزُّجاجَةُ) اجتمعَ القراء عَلَى ضم الزجاجة. وقد يُقال زجاجة وزجاجة. وقوله (كوكب درّىء) يخفض «1» أوله يهمز، حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي بذلك المفضل الضبي قَالَ قرأها عَاصِم كذلك (دِرِّيء) بالكسر. وقال أبو بكر بن عيّاش: قرأها عاصم «2» (درّىء) بضم الدَّال وَالْهَمْز. وذُكر عَن الأعمش أنه قرأ (درّىء) و (درّىّ) بِهمزٍ وغير همز رُويا عَنْهُ جَميعًا ولا تُعرف جهة ضم أوله وهمزه لا يكون فِي الكلام فُعيل إلا عجميًا. فالقراءة إِذَا ضممت أوله بترك الْهَمْز. وإذا همزته كسرت أوّله. وهو من قولك: دَرَأ الكوكب إِذَا انحط كأنه رُجم «3» بِهِ الشيطان فدمَغه «4» . ويُقال فِي التفسير: إنه واحد من الخمسة: المشترِي وزُحَل وعطارد والزُهرة والمريخ. والعربُ «5» قد تسمي الكواكب العظام التي لا تعرف أسماءها الدراريّ بغير همز. ومن العرب من يقول: كوكب دِرِّيٌّ فينسبُهُ إلى الدُّرّ فيكسر أوَّله ولا يهمز كما قالوا: سُخْرِيّ وسِخْرِيّ، ولُجّيّ ولِجّيّ. وقوله (تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ) (تذهب «6» إلى الزجاجة. إذا قال (توقد) «7» . ومن قال (يُوقَدُ) «8» ذهب إلى المصباح ويقرأ (تَوَقَّدُ) «9» مرفوعة مشددة. ويقرأ (تَوَقّدَ) بالنصب والتشديد. من قَالَ (تَوَقَّدُ) ذهب إلى الزجاجة. ومن قَالَ (توقّد) نصبًا ذهب إلى المصباح) وكلّ صواب.   (1) هى قراءة أبى عمرو والكسائي. (2) أي فى رواية أبى بكر لا فى رواية حفص. وهذه أيضا قراءة حمزة. (3) ش، ب: «زجر» . (4) سقط فى ا. (5) ا: «يعد» . (6) من هنا إلى قوله: «نصب ذهب إلى المصباح» هو ما فى ا. وفى ش، ب بدله: «مرفوعة. وتقرأ تَوَقّدَ) بالنصب والتشديد. من قَالَ (تَوَقَّدُ) ذهب إلى الزجاجة. ومن قال (توقد) فنصب ذهب إلى المصباح» . (7) وهى قراءة أبى بكر وحمزة والكسائي وخلف، وافقهم الأعمش. (8) هى قراءة نافع وابن عامر وحفص (9) هى قراءة ابن محيصن والحسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 وقوله (شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) وهي شجرة الزيت تَنْبُت عَلَى تَلْعة «1» من الأرض، فلا يسترها عَن الشمس شيء. وهو أجود لزيتها فيما ذُكر. والشرقية: التي تأخذها الشمس إِذَا شرقت، ولا تصيبها إِذَا غربت لأن لَهَا سترًا. والغربية التي تصيبها الشمس بالعشي ولا تصيبها بالغداة، فلذلك قَالَ لا شرقية وحدها ولا غربية وحدها ولكنها شرقية غربية 128 ا. وهو كما تَقُولُ فِي الكلام: فلان لا مسافر ولا مقيم إِذَا كَانَ يسافر ويقيم، معناه: أَنَّهُ لَيْسَ بمنفرد بإقامة ولا بسفر. وقوله (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) انقطع الكلام هاهنا ثُمَّ استأنف فقال (نُورٌ عَلى نُورٍ) ولو كَانَ: نورًا عَلَى نورٍ كَانَ صوابًا تَخرجه من الأسماء المضمرة من الزجاجة والمصباح. وقوله: يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ [36] قرأ الناس «2» بكسر الباء. وقرأ عَاصِم (يُسَبِّحُ) بفتح الباء. فمن قَالَ (يُسَبِّحُ) رفع الرجال بنيَّة فعل مجدد. كأنه قَالَ يُسبِّح لَهُ رجال لا تلهيهم تِجَارة. ومن قَالَ (يُسَبِّحُ) بالكسر جَعَله فعلًا للرجال ولم يضمر سواهُ. وقوله: لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ [27] فالتجارة لأهل الجلب، والبيع ما باعه الرجل عَلَى يديه. كذا جاء فِي التفسير «3» . وقوله (تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) يقول: من كَانَ فِي دنياه شاكًّا أبصر ذَلِكَ فِي أمر آخرته، ومن كَانَ لا يشك ازداد قلبُه بصرًا لأنه لَمْ يره فِي دنياهُ: فذلك تقلبها. وأما قوله: فِي بيوت أذن الله أن ترفع [36] . فإن دخول (فِي) لذكر «4» المصباح الَّذِي وصفه فقال: كمثل مصباح فِي مسجد. ولو جَعلت (فى)   (1) التلعة هنا: ما ارتفع من الأرض. (2) هم غير ابن عامر وأبى بكر. أما هما فقراءتهما بالفتح. وقراءة أبى بكر هى المرادة بقوله: «وقرأه عاصم» . (3) سقط فى ا. (4) ش، ب: «لذكره» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 لقوله (يُسَبِّحُ) كَانَ جائزًا «1» ، كأنه: قَالَ فِي بيوت أذن الله أن ترفع يسبج لَهُ فيها رجال. وأمّا قوله (أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) أي تبنى. وأمّا قوله (وَإِقامِ «2» الصَّلاةِ) فإن المصدر من ذوات الثلاثة إِذَا قلت: أفعلت كقيلك: أقمت وأجرت وأجبت يقال فيه كله: إقامة وإجارة وإجابة لا يسقط منه الْهَاء. وإنّما أدخلت لأن الحرف قد سقطت منه الْعَين، كَانَ ينبغي أن يُقال: أقمته إقوامًا وإجوابًا فلمّا سُكنت «3» الواو وبعدها ألف الإفعال فسكنتا سقطت «4» الأولى منهما. فجعلوا فِيهِ الْهَاء كأنها تكثير للحرف. ومثله مما أسقط منه بعضه فجعلت فِيهِ الْهَاء قولهم: وعدته عِدة ووجدت فِي المال جِدَةَ، وزِنَة ودِيَة وما أشبه ذَلِكَ، لِمَا أسقطت الواو من أوّله كُثر من آخره بالهاء. وإنما استجيزَ سقوط الْهَاء من قوله (وَإِقامِ الصَّلاةِ) لإضافتهم إيّاه، وقالوا: الخافض وما خَفَض بِمنزلة الحرف الواحد. فلذلك أسقطوها فِي الإضافة. وقال الشاعر: إن الخليطَ أجَدّوا البين فانجرَدُوا ... وأخلفُوكَ عِدَ الأمر الَّذِي وَعَدوا يريدُ عِدَة الأمر فاستجازَ إسقاط الْهَاء حين أضافها. وقوله: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ [39] القيعة جِماع القاع واحدها قاع كما قالوا: جارٌ وجيرة. والقاعُ من الأرض: المنبسط الَّذِي لا نبت فِيهِ، وَفِيهِ يكون السراب. والسراب ما لصق بالأرض، والآل الَّذِي يكون ضحى كالماء بين السماء والأرض. وقوله (حَتَّى إِذا جاءَهُ) يعنى السّراب (لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) وهو مثل للكافر كَانَ يحسب أَنَّهُ عَلَى شيء فلمّا قدم عَلَى ربه لَمْ يجد له عملا، بمنزلة السراب (وَوَجَدَ اللَّهَ) عند عمله يقول: قدم عَلَى الله فَوَفَّاهُ حسابه.   (1) ا: «صوابا» . [ ..... ] (2) فى الآية 37 سورة النور. (3) أي يعد نقل حركتها إلى ما قبلها (4) ش، ب: «فسقطت» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 قوله: أَوْ كَظُلُماتٍ [40] والظلمات مثل لقب الكافر، أي أَنَّهُ لا يعقل ولا يُبصر، فوصف قلبه بالظلمات. ثُمَّ قَالَ: (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) فقال بعضُ المفسرين: لا يراها، وهو المعنى لأن أقل من الظلمات التي وصفها الله لا يَرَى فيها الناظر كفّه. وقال بعضهم إنما هُوَ «1» مثل ضربه الله فهو يراها ولكنه لا يرها إلا بطيئًا كما تَقُولُ: ما كدت أبلغ إليك وأنت قد بلغت. وهو وجه العربية. ومن العرب 128 ب من يُدخل كاد ويكاد فِي اليقين فيجعلها بمنزلة الظن إِذَا دخل، فيما هُوَ يقين كقوله (وَظَنُّوا «2» ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) فِي كثيرٍ من الكلام. وقوله: وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ [41] وتسبيحه ترفع كلا بِما عاد إِلَيْهِ من ذكره وهى الهاء فى (صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) وإن شئت جعلت العلم لكل، أي كل قد عاد صلاته وتسبيحه فإن شئت جعلت الهاء صلاة نفسه وتسبيحا. إن شئت: تسبيح الله وصلاته التي نُصليها لَهُ وتسبيجها، وَفِي القول الأول: كل قد علم الله صلاته وتسبيحه. ولو أتت كُلًّا قَد علم بالنصب عَلَى قولك: علم الله صَلاة كُلٍّ وتسبيحه فتنصب لوقوع الفعل عَلَى راجع ذكرهم. أنشدني بعض العرب: كُلًّا قَرعنا فِي الحروب صَفَاته ... ففررتم وأطلتم الْخِذلانَا «3» ولا يَجوز أن تَقُولُ: زيدًا ضربتَهُ. وإنّما جاز فِي كل لأنّها لا تأتي إلا وقبلها كلام، كأنها مُتَّصِلَةٌ بِهِ كما تَقُولُ: مررت بالقوم كلهم ورأيتُ القوم كلا يقول ذَلِكَ، فلما كانت نعتًا مستقصًى بِهِ كانت مسبوقَةً بأسمائها وليس ذَلِكَ لزيد ولا لعبد «4» الله ونحوهما لأنها أسماء مبتدآت. وقد قَالَ بعضُ النحويين: زيدًا ضربته، فنصَبَهُ بالفعلِ كما تنصبه إِذَا كان قبله كلامٌ. ولا يَجوز ذَلِكَ إلا أن تنوي التكرير، كأنه نوى أن يوقع ب: يقع الضرب عَلَى زيد قبل أن يقع عَلَى الْهَاء، فلمّا تأخر الفعل أدخل الْهَاء على التكرير. ومثله ممّا يوضحه.   (1) ا: «هذا» . (2) الآية 48 سورة فصلت. (3) الصفاة: الصخرة الملساء. ويقال: قرع صفاته إذا آذاه ونال منه. (4) ا: «عبد الله» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 قولك: بزيد مررت بِهِ. ويدخل عَلَى من قَالَ زيدًا ضَربتُهُ عَلَى كلمة «1» أن يقول: زيدًا مَررتُ بِهِ وليس ذَلِكَ بشيء لأنه لَيْسَ قبله شيء يكون طرفًا للفعل. وقوله: يُزْجِي سَحاباً [43] يسوقه حيثُ يريد. والعرب تَقُولُ: نحنُ نُزْجي المطىّ أي نسوقه. وقوله (يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) يقول القائل: بين لا تصلح «2» إلا مضافة إلى اثنين فما زاد، فكيف قَالَ (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) وإنما هُوَ واحدٌ؟ قلنا: هُوَ واحد فِي اللفظ ومعناه جمع ألا ترى قوله (يُنْشِئُ «3» السَّحابَ الثِّقالَ) ألا ترى أن واحدته سحابة، فإذا ألقيت الْهَاء كَانَ بمنزلة نخلة ونخل وشجرة وشجر، وأنت قائل: فلان بين الشجر وبين النخل، فصلحت (بين) مع النخل وحده لأنه جمع فِي المعنى. والذي لا يصلح من ذَلِكَ قولك: المال بين زيد، فهذا خطأ حَتَّى تَقُولَ: بين زيد وعمرو وإن نويت بزيد أَنَّهُ اسم لقبيلة جاز ذَلِكَ كما تَقُولُ: المال بين تَميم تريد: المال «4» بين بني تَميم وقد قَالَ الأشهب بن رُمَيلة: قفا نسألْ منازل آل ليلى ... بتُوضِح بين حَوْمَل أو عرادا «5» أرادَ بِحومَل منزلًا جامعًا فصلحت (بين) فِيهِ لأنه أراد بين أهل حومل أو بين أهل عراد. وقوله (فَتَرَى الْوَدْقَ) الْوَدْق: المطَرُ. وقوله (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ) يعذب بِهِ من يشاء. قوله (مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) والمعنى- والله أعلم- أن الجبال فِي السماء من برد خلقة مخلوقة، كما تقول فى الكلام، الآدمىّ من لحم ودم ف (من) هاهنا تسقط فتقول: الآدمىّ لحم ودم،   (1) أي على أن يكون جملة واحدة لا على نية التكرير. (2) ا: «يصلح.. مضافا» . (3) الآية 12 سورة الرعد. (4) سقط في ا. (5) توضح وحومل وعراد مواضع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 والجبال بَرد. وكذا سمعت تفسيره. وقد يكون فِي العربية أمثال الجبال ومقاديرُهَا من الْبَرَد، كما نقول: عندي بيتان تِبنًا، والبيتان ليسا من التبن، إنما تريد: عندي «1» قدر بيتين من التبن. فمن فِي هَذَا الموضع إِذَا أسقطت نصبت ما بعدها، كما قَالَ (أَوْ عَدْلُ «2» ذلِكَ صِياماً) وكما قال (مِلْءُ «3» الْأَرْضِ ذَهَباً) . وقوله (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) وقد قرأها أبو جعفر (يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) 129 اوقوله: وَاللَّهُ خَالِقُ كُلِّ دَابَّةٍ [45] و (خَلَق «4» ) وأصحاب عبد الله قرأوا (خالق) ذُكِرَ عَن أبي إسحاق السبيعي- قَالَ الفراء: وهو الهمداني- أَنَّهُ قَالَ: صليت إلى جنب عبد الله بن مَعْقل فسمعته يقول (وَاللَّهُ خَالِقُ كل دابَّة) والعوام بعدُ (خَلَقَ كُلَّ) . وقوله (كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) يُقال: كيف قَالَ (مَنْ يَمْشِي) وإنما تكون (مَن) للناس وقد جعلها هاهنا للبهائم؟ قلت: لَمَّا قَالَ (خالق كل دابَّة) فدخل فيهم الناسُ كنى عنهم فقال (منهم) لِمخالطتهم الناس، ثم فسّرهم بِمن لَمّا كنى عنهم كناية الناس خاصة، وأنت قائل فِي الكلام: من هذان المقبلان لرجل ودابَّته، أو رجل وبعيره. فتَقوله بِمن وبِما لاختلاطهما، ألا ترى أنك تَقُولُ: الرجل وَأباعِرهُ مقبلون فكأنهم «5» ناس إِذَا قلت: مقبلونَ. وقوله: مُذْعِنِينَ [49] : مطيعينَ غير مستكرَهينَ. يقال: قد أذعنَ بِحقي وأمعنَ بِهِ واحِدٌ، أي أقرّ بِهِ طائِعًا. وقوله عَزَّ وَجَلَّ: أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ الله عليهم ورسوله [50] فجعل الحيف منسوبا إلى الله   (1) ش: «قدر بيتبن» . (2) الآية 95 سورة المائدة. [ ..... ] (3) الآية 91 سورة آل عمران. (4) قراءة (خالق) لحمزة والكسائي وخلف. وقراءة (خلق) للباقين. (5) ا: «كأنهم» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 وإلى رسوله، وإنما المعنى للرسول، ألا ترى أَنَّهُ قَالَ (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) ولم يقل (ليحكما) وإنّما بدئ بالله إعظامًا لَهُ، كما تَقُولُ: ما شاء الله وشئت وأنت تريد ما شئت، وكما تَقُولُ لعبدك: قد أعتقك الله وأعتقتك. وقوله: إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ [51] لَيْسَ هَذَا بخبر ماض يُخبر عَنْهُ، كما تَقُولُ: إنَّما كنتُ صبيًّا، ولكنه: إنَّما كَانَ ينبغى أن يكون قول المؤمنين إذ دُعُوا أن يقولوا سمعنا. وهو أدب من الله. كذا جاء التفسير. وقوله: فَإِنْ تَوَلَّوْا [54] واجه القوم ومعناه: فإن تتَولَّوا. فهي فِي موضع جزم. ولو كانت لقومٍ غير مخاطبين كانت نَصْبًا لأنها بِمنزلة قولك: فإن قَامُوا. والجزاء يصلح فِيهِ لفظ فَعَل ويَفعل، كما قال (فَإِنْ فاؤُ «1» فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . وقوله (فَإِنْ تَوَلَّوْا «2» فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ) هَؤُلَاءِ غير مُخاطبين. وأنت تعرف مجزومه من منصوبه بالقراءة بعده ألا ترى قوله (فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) ولم يقل: وعليهم. وقال (وَإِنْ «3» تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ) فهذا يدل عَلَى فعلوا. وقوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ [55] الْعِدَة قول يصلح فيها أنْ وجواب اليمين. فتقول: وعدتك أن آتيك، ووعدتك لآتينَّكَ. ومثله (ثُمَّ «4» بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) وإنّ أنْ تصلح فِي مثله من الكلام. وقد فُسِّرَ فِي غير هَذَا الموضع. وقوله (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ) قرأها عَاصِم بن أبي النجود والأعمش (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ) بالتشديد. وقرأ   (1) الآية 226 سورة البقرة (2) الآية 129 سورة التوبة. (3) الآية 137 سورة البقرة. (4) الآية 35 سورة يوسف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 الناس «1» (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ) خَفيفة وهما متقاربان. وإذا قلت للرجل قد بُدّلت فمعناه غُيِّرت وغَيِّرت حالك ولم يأت مكانك آخر. فكل ما غُيِّر عَن حاله فهو مُبَدَّل بالتشديد. وقد يَجوز مُبْدَل بالتخفيف وليس بالوجه: وإذا جعلت الشيء مكان الشيء قلت: قد «2» أبدلته كقولك (أبدل لي «3» ) هَذَا الدرهم أي أعطني مَكَانه. وبَدّل جائزة «4» فمن قال (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) فكأنه جعل سبيل الخوف أمْنًا. ومن قَالَ (وليُبْدِلَنّهم) بالتخفيف قَالَ: الأمن خلاف الخوف فكأنه جَعل «5» مكان الخوف أَمْنًا أي ذهبَ بالخوفِ وَجَاءَ بالأمن. وهذا من سعة العربية وقال أَبُو النجم: عزل الأمير للأَمير المبدَل فهذا يوضح الوجهين جَميعًا. وقوله: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [57] قرأها حَمْزَةُ «6» (لا يَحْسَبنَّ) بالياء هاهنا «7» . وموضع (الَّذِينَ) رفع. وهو قليلٌ أن تعطل (أظنّ) من الوقوع عَلَى أن أو عَلَى اثنين سِوَى مرْفوعها. وكأنه جَعَلَ (مُعْجِزِينَ) اسمًا وجعل (فِي الْأَرْضِ) خبرًا لَهم كما تَقُولُ: لا تحسبنّ 129 ب الَّذِينَ كفروا رجالًا فِي بيتك، وهم يريدون أنفسهم. وهو ضعيف فِي العربية. والوجه أن تُقرأ بالتاء لكون الفعل واقعًا عَلَى (الَّذِينَ) وَعَلَى (معجزين) وكذلك قرأ حَمْزَةُ فِي الأنفال (ولا يحسبن «8» الذين كفروا سبقوا) .   (1) قرأ بالتخفيف ابن كثير وأبو بكر ويعقوب. (2) سقط في ا. (3) ش، ب: «أبدلنى» . (4) ا: «جائز» . (5) ا: «قال جعل» . (6) وكذا ابن عامر. (7) بعده فى ش: «وفى الأنفال» وقد أثبتنا ما فى امن التصريح بالآية بعد. [ ..... ] (8) الآية 59. وقد قرأ (يحسبن) بالياء ابن عامر وحمزة وحفص. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 وقوله: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [58] يعني الرجال والنساء. ثُمَّ قَالَ (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ) الصبيان (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) ثُمَّ فسرهُنَّ فقال (مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) عند النوم. ثم قال (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) فنصبها عَاصِم «1» والأعمش، ورفع غيرهما. والرفع فِي العربية أحبُّ إليّ. وكذلك أقرأ. وَالْكِسَائي يقرأ بالنصب لأنه قد فسرها فِي المرات وفيما بعدها فكرهت أن تُكر ثالثة «2» واخترت الرفع لأن المعنى- والله أعلم- هَذِه الخصال وقت العورات لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ. فمعها ضمير يرفع الثلاث. كأنك قلت: هَذِه ثلاث خصال كما قال (سُورَةٌ «3» أَنْزَلْناها) أي هذه سورة، وكما قَالَ (لَمْ يَلْبَثُوا «4» إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) . وأمّا قوله (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ) فإنه أيضا مُستأنف كقولك فِي الكلام: إنما هم خَدَمكم، وطوَّافون عليكم. ولو كَانَ نصْبًا لكان صوابًا تخرجه «5» من (عليهم) لأنها معرفةو (طَوَّافُونَ) نكرة ونصبه «6» كما قَالَ (مَلْعُونِينَ «7» أَيْنَما ثُقِفُوا) فنصب لأن فِي الآية قبلها ذكرهم «8» معرفة، و (مَلْعُونِينَ) نكرة. وقوله: وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [59] يقول: لا يدخلن عليكم فِي هَذِه الساعات إلا بإذن ولا فِي غير هَذِه الساعات إلا بإذن. وقوله (كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يريد الأحرار.   (1) أي فى رواية أبى بكر لا في رواية حفص. وكذلك قرأ بالنصب حمزة والكسائي: (2) ش: «ثلاثة» . (3) أول سورة النور. (4) الآية 35 سورة الأحقاف. (5) أي يكون حالا. (6) سقط في ا. (7) الآية 61 سورة الأحزاب. (8) أي ذكر أصحاب الحال فى قوله: «لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 وقوله: وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً [60] لا يطمعن فِي أن يتزوجن من الكبر (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ) و (من ثيابِهنّ) وهو الرداء. فرخّص للكبيرة أن تضعه، لا تريدُ لذلك التزين. ثُمَّ قال (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ) فلا يضعن الأردية (خَيْرٌ لَهُنَّ) وَفِي قراءة عبد الله (أن يضعن من ثيابهم) . وقوله: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ [61] إلى آخر الآية، كانت الأنصار يتنزهون عَن مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض، ويقولون: نُبصر طيب الطعام ولا يبصره فنسبقه إِلَيْهِ، والأعرج لا يستمكن من القعود فينال ما ينال الصحيح، والمريض يضعف عَن الأكل. فكانوا يعزلونَهم. فنزل: ليس عليكم فى مؤاكلتهم حرج. و (فى) تصلح مكان (على) هاهنا كما تقول: ليس عَلَى صلة الرحم وإن كانت قاطعة إثم، وليس فيها إثم، لا تبالي «1» أيَّهما قلت. ثُمَّ قَالَ (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) إلى آخر الآية. لَمّا أنزل الله (لا تَأْكُلُوا «2» أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً) ترك الناس مؤاكلة الصغير والكبير ممن أذن الله فِي الأكل معه ومنه، فقال: وليس عليكم (فِي أنفسكم «3» ) فِي عيالكم أن تأكلوا منهم ومعهم إلى قوله (أَوْ صَدِيقِكُمْ) معناهُ: أو بيوت صديقكم، وقبلها (أَوْ بُيُوتِ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) يعني بيوت عبيدكم وأموالهم «4» فذلك قوله (مَفاتِحَهُ) خزائنه وواحد المفاتِح مَفتح إِذَا أردت بِهِ المصدر وإِذَا كَانَ من المفاتيح التي يفتح بِهَا- وهو الإقليد- فهو مِفْتَح ومفتاح. وقوله (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) إِذَا دخلَ عَلَى أهله فليُسَلّم. فإن لَمْ يكن فى بيته أحد فليقل السّلام   (1) ا: «ولا تبال» . (2) الآية 29 سورة النساء. (3) سقط في ا. (4) ش: «أموالكم» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 علينا من ربنا، وإذا دخل المسجد قَالَ: السلامُ عَلَى رسول الله، السلامُ علينا وَعَلَى خيار «1» عباد الله الصالِحين، ثُمَّ قَالَ: (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أي من أمر الله أمركم بِها تفعلون تَحيَّة منه وطاعةً لَهُ. ولو كانت رفعًا 130 اعلى قولك: هي تَحيَّةٌ من عند الله (كَانَ صوابًا) وقوله: وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ [62] كَانَ المنافقونَ يشهدونَ الْجُمُعَةَ مع النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيذكرهم ويعيبهم بالآيات التي تنزل فيهم، فيضجرونَ من ذَلِكَ. فإن خفي لأحدهم القيام قامَ فذلك قوله: قَدْ يَعْلَمُ الله الذين يتسلّلون منكم لواذا [63] أي يستتر (هذا «2» بهذا) وإنّما قالوا: لو إذا لأنها مصدر لاوَذت، ولو كانت مصدرًا لِلُذْتُ لكانت لِيَاذًا أي لذت لياذًا، كما تَقُولُ: قمت إِلَيْهِ قيامًا، وقاومتك قِوَامًا طويلًا. وقوله: (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) يقول: لا تَدْعوه يا مُحَمَّد كما يدعو بعضكم بعضًا. ولكن وقِّروه فقولوا: يا نبي اللَّه يا رَسُول اللَّه يا أبا القاسم. ومن سورة الفرقان قوله: تَبارَكَ [1] : هُوَ من البركة. وهو فِي العربية كقولك تقدَّس ربُّنا. البركة والتقدس «3» العظمة وهما بعد سواء. وقوله: لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ [7] جواب بالفاء لأن (لولا) بمنزلة هلّا.   (1) سقط في ا. [ ..... ] (2) ا: «ذا بذا» . (3) ا: «التقديس» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 قوله: أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ [8] له مرفوعان عَلَى الردِّ عَلَى (لولا) كقولك «1» فِي الكلام أو هلّا يُلقى إِلَيْهِ كنز وقد قرئت (نأكُلُ منها) و (يأكلُ بالياء «2» والنون) . وقوله: فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا [9] يقول: لا يستطيعونَ فِي أمرك حيلةً. وقوله: تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ [10] جزاء (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) مجزومة مردودة على (جعل) و (جعل) فِي معنى جَزْمِ، وقد تكون رفعًا وهي فى ذلك مجزومة لأنها لام لقيت لام فسكنت. وإن رفعتها «3» رفعًا بيّنًا فجائز (ونصبها «4» جائز على الصّرف) . وقوله: تَغَيُّظاً وَزَفِيراً [12] هُوَ كتغيظ الآدميّ إِذَا غضب فَغَلَى صَدْرُه وظهر فى كلامه. وقوله: ثُبُوراً واحِداً [13] الثبور مصدر، فلذلك قال (ثُبُوراً كَثِيراً) لأن المصادر لا تُجمع: ألا ترى أنك تَقُولُ: قعدت قُعُودًا طويلًا، وضربته ضربًا كثيرًا فلا تُجمع. والعربُ تَقُولُ: ما ثَبَرَك عَن ذا؟ أي ما صَرفك عَنْهُ. وكأنهم دَعَوا بما فعلوا، كما يقول الرجل: وا ندامتاه. وقوله: كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا [16] يقول: وعدهم الله الجنة فسألوها إيّاهُ فِي الدُّنْيَا إذ قالوا (رَبَّنا «5» وَآتِنا مَا وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) يريدُ عَلَى ألسنة رسلك، وهو يوم القيامة غير مسئول. وقد يكون فِي الكلام أن تَقُولَ: لأعطينَّكَ ألفًا وعدًا مسئولًا أي هُوَ واجبٌ لك فتسأله لأن المسئول واجب، وإن لَمْ يُسْأَلْ كالدَّين. وقوله: سُبْحانَكَ مَا كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ [18] .   (1) ش، ب: «كقيلك» . (2) فى ا: «نأكل بالنون ويأكل بالياء» . وقد قرأ حمزة والكسائي وخلف بالنون وافقهم الأعمش، وقرأ الباقون بالياء. (3) والرفع قراءة أبى بكر وابن كثير وابن عامر. (4) فى ا: «قال قيل للفراء: فهل تجيز (ويجعل) بالنصب على الصرف؟ قال: نعم» . والنصب على الصرف هنا هو عند البصريين النصب بأن مضمرة بعد واو المعية. (5) الآية 194 سورة آل عمران. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 قالت الأصنام: ما كَانَ لنا أن نعبد غَيْرَكَ فكيفَ ندعُو إلى عبادتنا! ثُمَّ قالت: ولكنك يا رب متَّعْتَهُمْ بالأموال والأولاد حَتَّى نَسُوا ذكرك. فقال الله للآدميين (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) يقول: (كذّبتكم الآلهة بما تقولون) وتقرأ (بِما يقولون) بالياء (والتاء «1» ) فمن قرأ بالتاء فهو كقولك كذّبكَ يكذّبك. ومن قرأ بالياء قَالَ: كذّبوكم بقولهم. والقراء مجتمعة عَلَى نصب النون فِي (نَتَّخِذَ) إلا أبا جَعْفَر المدنيّ فإنه قرأ (أن نُتَّخَذَ) بضم النون (من دُونِكَ) فلو لَمْ تكن فِي الأولياء (مِنْ) كَانَ وَجهًا جيدًا، وهو عَلَى (شذوذه «2» و) قلّة من قرأ بِهِ قد يَجوز عَلَى أن يَجعل الاسم «3» فِي (من أولياء) وإن كانت قد وقعت فى موقع الفعل 130 ب وإنَّما آثرت قول الجماعة لأن العرب إنما تُدخل (من) فِي الأسماء لا فِي الأخبار ألا ترى أنهم يقولون: ما أخذت من شيء وما عندي من شيء، ولا يقولون ما رأيتُ عبد الله من رجل. ولو أرادوا ما رأيت من رجل عبد الله فجعلوا عبد الله هُوَ الفعل جاز ذَلِكَ. وهو مذهب أبي جَعْفَر المدني. وقوله (قَوْماً بُوراً) والبور مصدر واحد وجمع والبائر الَّذِي لا شيء فِيهِ. تَقُولُ: أصبحت منازلهم بورًا أي لا شيء فيها. فكذلك أعمال الكفار باطل. ويُقال: رجل بُور وقوم بُور. وقوله: إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ [20] (لَيَأْكُلُونَ) صلة لاسم «4» متروك اكتفى بِمن المرسلين منه كقيلك فِي الكلام: ما بعثت إليك من الناس إلا من إنه ليطيعُكَ، ألا ترى أن (إنه ليطيعَكَ) صلة لمن. وجازَ ضميرها «5» كما قَالَ (وَما مِنَّا «6» إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) معناه- والله أعلم- إلا من له مقام وكذلك قوله (وَإِنْ «7» مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) ما منكم إلا من يردها، ولو لَمْ تكن اللام جوابا لإنّ كانت إنّ مكسورة أيضا، لأنها مبتدأة، إذ كانت صلة.   (1) سقط فى ا. (2) سقط فى ا. (3) أي يكون هو المفعول الثاني. (4) يريد من الموصولة. (5) أي حذفها. (6) الآية 164 سورة الصافات. (7) الآية 71 سورة مريم. [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 وقوله (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ) كَانَ الشريف من قريش يقول: قد أسلم هَذَا من قبلي- لمن هُوَ دونه- أفأسْلم بعده فتكون لَهُ السابقة فذلك افتتان بعضهم ببعض. قال الله (أَتَصْبِرُونَ) قَالَ الفراء يقول: هُوَ هَذَا الَّذِي ترون. وقوله: لا يَرْجُونَ لِقاءَنا [21] . لا يَخافونَ لقاءنا وهي لغة تِهامية: يضعونَ الرجاء فِي موضع الخوف إِذَا كَان معه جحد «1» . من ذَلِكَ قول الله (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ «2» لِلَّهِ وَقاراً) أي لا تخافون له عظمة. وأنشدنى بعضهم: لا ترتجِي حِينَ تلاقي الذائدا ... أسَبْعَةً لاقَتْ مَعًا أم وَاحِدَا «3» يريد: لا تَخاف ولا تبالي. وقال لآخر: إِذَا لسعته النحل لَمْ يَرْج لَسْعَهَا ... وحَالَفَها فِي بيتِ نُوب عَوَامِلِ «4» يُقال: نَوْب «5» ونُوب. ويُقال: أَوْب وأُوب من الرجوع قَالَ الفراء: والنُّوب ذكر النحل. وقوله (وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) جاء الْعُتُوُّ بالواو لأنه مصدر مصرح. وقال فِي مريم (أَيُّهُمْ أَشَدُّ «6» عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) فَمَن جَعَله بالواو كَانَ مصدرًا محضًا. ومن جعله بالياء قَالَ: عاتٍ وعُتِيّ فلمّا جَمَعُوا بُني جمعهم عَلَى واحدهم. وجازَ أن يكون المصدر بالياء أيضًا لأن المصدر والأسماء تتفق فِي هَذَا المعنى: ألا ترى أنهم يقولون: قاعد وقوم قعود، وقعدت قعودًا. فلمّا استويا هَاهُنَا فِي الْقُعُود لَمْ يبالوا أن يستويا فى العتو والعتىّ.   (1) ا: «الجحد» (2) الآية 13 سورة نوح (3) انظر ص 286، من الجزء الأول (4) ش: «حالفها» وا: خالفها» وهما روايتان وانظر ص 286 من الجزء الأول (5) المعروف فى كتب اللغة ضم النون ولم أقف على فتحها للنحل، وكذا لم أقف على الأوب فيه (6) الآية 69 من سورة مريم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 وقوله: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ [22] اليوم لَيْسَ بصلة للبشرى فيكون نصبهُ بِهَا. ولكنك مضمر للفاء كقيلك فِي الكلام: أمّا اليوم فلا مال. فإذا ألقيت الفاء فأنت مضمر لمثل اليوم بعد لا «1» . ومثله فِي الكلام: عندنا لا مال إن أردت لا مال عندنا فقدّمت (عندنا) لَمْ يجز. وإن أضمرت (عندنا) ثانية بعد (لا مالَ) صلح ألا ترى أنك لا تَقُولُ: زيدًا لا ضارب (يا هَذَا «2» ) كما تَقُولُ: لا ضارِبَ زيدا. وقوله: (وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) حَرَامًا محرّمًا أن يكون لَهم البشرى. وَالْحِجْرُ: الحرام، كما تَقُولُ: حَجَر التاجر عَلَى غُلامه، وحجر عَلَى أهله. وأنشدني بعضهم: فهممتُ أن ألقى إليها مَحْجَرًا ... وَلِمثلِها يُلْقى إِلَيْهِ المحجرُ «3» قال الفراء: ألقى وإلقى «4» من لقيت أي مثلها يُركب منه المحرم. وقوله: وَقَدِمْنا إِلى 131 مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ [23] عمدنا بفتح العين: (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) أي باطلا، والهباء ممدود غير مهموز فِي الأصل يصغر هُبَيٌّ كما يصغر الكساء كُسَيّ. وجُفَاء الوادي مهموز فِي الأصل إن صغرته قلت هذا جفىء. مثل جُفَيع ويُقاس عَلَى هذين كلُّ ممدود من الْهَمْز ومن الياء ومن الواو «5» . وقوله: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [24] قَالَ: بعض المحدثين يُرَون أَنَّهُ يفرغ من حساب الناس فِي نصف ذَلِكَ اليوم فيقيل أهل الجنة فِي الجنة وأهل النار فِي النار. فذلك قوله (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا) وأهل الكلام إِذَا اجتمع لَهُم أحمق وعاقل لَمْ يستجيزوا أن يقولوا: هَذَا أحمق الرجلين ولا أعقل الرجلين، ويقولون لا نَقُولُ: هَذَا أعقل الرجلين إلا   (1) ب، وش: «بعده» (2) سقط فى ا (3) هو لحميد بن ثور والرواية فى الديوان 84: «أغشى» و «يغشى» (4) يريد أن بعض العرب يكسر حرف المضارعة فيقول: إلقى (5) سقط من ا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 لعاقلين تفضّل أحدهما عَلَى صاحبه. وقد سمعت قول الله (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) فجعل أهل الجنة خيرًا مستقرًا من أهل النار، وليس فِي مستقر أهل النار شيء من الخير فاعرف ذَلِكَ من خَطائهم. وقوله: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ [25] ويقرأ (تَشَقَّقُ) بالتشديد وقرأها الأعمش «1» وَعَاصِم (تَشَقَّقُ السَّماءُ) بتخفيف الشِّين فمن قَرَأ تَشَّقق أراد تتشقق بتشديد الشِّين والقاف فأدغم كما قَالَ (لا يَسَّمَّعُونَ «2» إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) ومعناهُ- فيما ذكروا- تشُّقق السماء (عَن الغمام «3» ) الأبيض ثُمَّ تنزل «4» فِيهِ الملائكة وَعَلَى وعن والياء فِي هَذَا الموضع (بمعنى «5» واحد) لأن العرب تَقُولُ: رميت عَن القوس وبالقوس وَعَلَى القوس، يُراد بِهِ معنًى واحد. وقوله: لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ [29] يُقال: النَّبِيّ ويُقال: القرآن. فِيهِ قولان. وقوله: وَقالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [30] مَتروكًا. ويُقال: إنهم جعلوهُ كالهَذيان والعربُ تَقُولُ (هَجَر «6» الرجل) فِي منامه إِذَا هَذَى أو رَدَّدَ الكلمة. وقوله: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا [31] يقول: جعلنا بعض أمة كل نبي أشدَّ عَلَيْهِ من بعض وَكَانَ الشديد العداوة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو جهل بن هشام. وقوله: لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ [32] يُقال: إنها «7» من قول المشركين. أي هلا أنزل عَلَيْهِ القرآن جملةً، كما أنزلت التوراة على موسى. قال الله (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا) لنثبّت به فؤادك. كان ينزّل الآية والآيتين فمكان بَيْنَ نُزول أوله وَآخره عشرون سنة (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا)   (1) وكذا أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف. (2) الآية 9 سورة الصافات (3) ش: «بالغمام» [ ..... ] (4) ا: «تتنزل» (5) ا: «كالواحد» (6) ا: «الرجل يهجر» (7) يريد قوله: «كذلك» فى التلاوة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 نَزلناهُ تنزيلًا. ويُقال: إن (كذلك) من قول الله، انقطعَ الكلام من قِيلهم (جُمْلَةً وَاحِدَةً) قَالَ الله: كذلك أنزلناهُ يا مُحَمَّد متفرقًا لنثبّت به فؤادك. وقوله: وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [33] بمنزلة قوله (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا) فِي معنى الكلام والنصب. وقوله: فَقُلْنَا اذْهَبا [36] وَإِنَّما أُمِر موسَى وحده بالذهاب فِي المعنى، وهذا بمنزله قوله (نَسِيا «1» حُوتَهُما) ، وبمنزلة قوله (يَخْرُجُ «2» مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) وإنَّما يَخرج من أحدهما وقد فُسِّرَ شأنه. وقوله: وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ [37] نصبتهم بأغرقناهم وإن شئت بالتدمير المذكور قبلهم. وعادا وثمود وأصحاب الرّسّ وقرونا [38] منصوبون بالتدمير قَالَ الفراء يُقال: إن الرس بئر. وقوله: وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً [39] أهلكناهم وأبدناهم إبادَةً. وقوله: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [43] كَانَ أحدهم يَمرُّ بالشيء الْحَسَن من الحجارة فيعبده فذلك قوله (اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) . وقوله: كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ [45] ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. وقوله (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) يقول دائمًا. وقوله (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا) يقول: إذا كان فى موضع 131 ب شمس كَانَ فِيهِ قبل ذَلِكَ ظِلّ، فجعلت الشمس دليلًا عَلَى الظل. ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قبضا يسيرا [46] يعني الظل إِذَا لحقته الشمس قُبِضَ الظل قبضا يسيرا، يقول: هيّنا خفيّا.   (1) الآية 61 سورة الكهف (2) الآية 22 سورة الرحمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 وقوله: وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً [48] قرأ أصحاب عبد الله (الرياح) ثلاثة مواضع. منها حرفان فِي قراءتنا، وحرف فِي النحل وليس فِي قراءتنا، مكان قوله (وَالنُّجُومَ «1» مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) (والرياح مُسَخَّراتٍ بأمرِهِ) وَهذَا وَاحدٌ يعني «2» الَّذِي فِي الفرقان. والآخر فِي الروم (الرِّياحَ «3» مُبَشِّراتٍ) وَكَانَ عَاصِم يقرأ ما كَانَ من رحمة الرياح «4» وما كَانَ من عذاب «5» قرأه ريح. وقد اختلف القراء فِي الرحمة فمنهم من قرأ الريح ومنهم من قرأ الرياح ولم يختلفوا فِي العذاب بالريح ونرى أنهم اختاروا الرياح للرحمة لأن رياح الرحمة تكون من الصبا والجنوب والشمال من الثلاث) «6» المعروفة. وأكثر ما تأتي بالعذاب وما لا مطر فِيهِ الدَّبُورُ لأن الدَّبُور لا تكاد تُلْقِح فسميت ريحًا موحدة لأنها لا تدور كما تدور اللواقح. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي قيس بْن الربيع عَن أَبِي إِسْحَاقَ عَن الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ ومسروق بن الأجدع أنهما قرءا (نَشْرًا «7» ) وقد قرأت القراء (نُشُرًا «8» ) و (نُشْرًا «9» ) وقرأ عاصم (بُشْراً) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْس عَن أبي إسحاق عَن أبي عبد الرحمن أَنَّهُ قرأ (بُشُرًا) كأنه بشيرة وبُشُر. وقوله: وَأَناسِيَّ كَثِيراً [49] واحدهم إنْسِيّ وإن شئت جعلته إنسانًا ثُمَّ جَمَعته أناسيّ فتكون الياء عوضًا من النون والإنسان فِي الأصل إنْسِيَان لأن العرب تصغره أنيسيان. وإذا قالوا: أناسين   (1) الآية 12 سورة النحل (2) الذي قرأ بالإفراد ابن كثير (3) الآية 46 (4) ا: «بالرياح» . (5) ا: «العذاب» (6) ش، ب: «الثلاثة» . (7) ضبط فى ابفتح النون وسكون الشين. وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف (8) هذه قراءة نافع وابن كثير وأبى عمرو وأبى جعفر ويعقوب. [ ..... ] (9) هذه قراءة ابن عامر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 فهو بيِّن مثل بُستانٍ وبَساتِينَ، وإذا قالوا (أَناسِيَّ كَثِيراً) فخففوا الياء أسقطوا الياء التي تكون فيما بين عين الفعل ولامه مثل قراقير «1» وقراقر، ويبين جواز أناسي بالتخفيف قول العرب أناسيةٌ كثيرة ولم نسمعه فِي القراءة. وقوله: وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً [53] البرزخ: الحاجز، جعل بينهما حاجزًا لئلا تغلب الملوحة العذوبة. وقوله: (وَحِجْراً مَحْجُوراً) (من ذَلِكَ «2» أي) حرامًا مُحرّمًا أن يغلب أحدهما صاحبه. وقوله: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً [54] فأما النسب فهو النَّسَب الَّذِي لا يحل نكاحه، وأما الصهر فهو النسب الَّذِي يحل نكاحه كبنات العم والخال وأشباههن من القرابة التي يَحل تزويجها. وقوله: وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً [55] المظاهر المعاون والظهير الْعَوْن. وقوله: قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ [60] ذكروا أن مسيلمة كَانَ يُقالُ لَهُ الرحمن، فقالوا: ما نعرفُ الرحمن إلا الَّذِي باليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، فأنزلَ الله (قُلِ ادْعُوا «3» اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) . وقوله: (أَنَسْجُدُ لِما يأمُرُنا) و (تَأْمُرُنا «4» ) فمن قرأ بالياء أراد مُسيلمة: ومن قرأ بالتاء جاز أن يريد (مسيلمة أيضًا) ويكون للأمر أنَسْجُدُ لأمرك إيّانا ومن قرأ بالتاء والياء يُراد بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وهو بِمنزلة قوله «5» ) (قُلْ لِلَّذِينَ «6» كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ) و (سَيغلبونَ) والمعنى لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم.   (1) جمع قرقور وهى السفينة، أو هى العظيمة من السفن. (2) سقط فى ا. (3) الآية 110 سورة الإسراء. (4) قرأ بالياء حمزة والكسائي وافقهما الأعمش. وقرأ الباقون بالتاء. (5) ا: «ذلك المذهب» . (6) الآية 12 سورة آل عمران وقد قرأ بالياء حمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش، وقرأ الباقون بالتاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 وقوله: وجَعَلَ فيها سُرُجًا [61] قراءة العوام (سِراجاً «1» ) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا [الْفَرَّاءُ] قَالَ حَدَّثَنِي هُشَيْم عَن مُغِيرَة «2» عَن إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قرأ (سُرُجًا) . وكذلك قراءة أصحاب عبد الله فمن قرأ (سراجًا) ذهبَ إلى الشمس وهو وجه حسَن لأنه قد قال (وَجَعَلَ «3» الشَّمْسَ سِراجاً) ومن قَالَ (سُرُجًا) ذهب إلى المصابيح إذ كانت يُهتدى بِهَا، جعلها كالسُرُج والمصباح كالسراج «4» فى كلام العرب 132 اوقد قال الله (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) «5» وقوله: جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً [62] يذهب هَذَا ويجيء هَذَا، وقال زُهير فِي ذَلِكَ: بِها العينُ والآرام يَمْشِينَ خِلْفَةً ... وأطلاؤهَا يَنْهَضْنَ من كل مَجْثَم «6» فمعنى قولُ زهير: خلفة: مختلفتات فِي أنها ضربان فِي ألوانِها وهيئتها، وتكون خلفة فِي مشيتها. وقد ذُكِرَ أن قوله (خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ) أي من فاته عمل من الليل استدركه بالنهار فجَعَل هَذَا خَلَفًا من هَذَا. وقوله: (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ) وهي فِي قراءة أُبَيّ (يَتَذكَّر) حجة لِمن شدّد وقراءة أصحاب عبد الله وَحَمْزَة وكثير من الناس (لِمَنْ أراد أن يَذْكُرَ) بالتخفيف، ويَذْكُر ويتذكر يأتيان بِمعنى واحدٍ، وَفِي قراءتنا (وَاذْكُرُوا «7» ما فِيهِ) وَفِي حرف عبد الله (وتَذكَّروا ما فِيهِ) . وقوله: عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً [63] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي   (1) قرأ حمزة والكسائي وخلف (سرجا) بضم السين والراء وافقهم الأعمش. وقرأ الباقون (سراجا) . (2) ا: «المغيرة» (3) الآية 16 سورة نوح (4) ا: «السراج» (5) الآية 35 سورة النور. (6) هذا البيت من معلقته. وقوله: «بها» أي بديار من يتغزل بها، والعين: البقر واحدها أعين وعيناء أطلق عليها هذا لسعة عيونها، والآرام: الظباء الخوالص البياض، والأطلاء الصغار من البقر والظباء، والمجثم ما تربض فيه وترقد. (7) الآية 63 سورة البقرة. [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 شَريك عَن جابر الْجُعْفِيّ عَن عكرمة ومُجاهد في قوله (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) قَالَ: بالسكينة والوقار. وقوله (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) كَانَ أهل مكة إِذَا سَبُّوا المسلمين رَدُّوا عليهم رَدًّا جَميلًا قبل أن يؤمروا بقتالِهم. وقوله: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً [64] جاء فِي التفسير أن من قرأ شيئًا من القرآن فِي صلاة وإن قلت، فقد بات ساجدًا وقائمًا. وذكروا أنَّهما الركعتان بعد المغرب وبعد العشاء ركعتان. وقوله: إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً [65] يقول مُلِحًّا دائمًا. والعرب تَقُولُ: إن فلانًا لَمُغْرَم بالنِّسَاء إِذَا كَانَ مولعًا بهنّ، وإني بك لمغرمٌ إِذَا لَمْ تصبر عَن الرجل ونُرَى أن الغريم إنما سُمّي غريمًا «1» لأنه بطلب حَقّه ويُلح حَتَّى يقبضه. وقوله: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا [67] بكسر التاء. قرأ أَبُو عبد الرحمن وَعَاصِم «2» (ولم يُقْتِروا) من أقترت. وقرأ الْحَسَن (وَلَمْ يَقْتُرُوا) وهي من قَتَرت كقول من قرأ يَقْتُروا بضم الياء. واختلافهما كاختلاف قوله (يَعْرِشُونَ «3» ) و (يعرشون) و (يَعْكُفُونَ) و (يعكفون) ومعناهُ (لَمْ يُسْرِفُوا «4» ) فيجاوزوا فِي الإنفاق إلى المعصية (وَلَمْ يَقْتُرُوا) : لَمْ يقصروا عمّا يَجب عليهم (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) ففي نصب القوام وجهان إن شئت نصبت القوام بضمير اسم فِي كَانَ (يكون ذَلِكَ «5» الاسم من الإنفاق) أي وَكَانَ الإنفاق «6» (قَوَامًا بين ذلك) كقولك:   (1) ش، ب: «لذلك» وكان الأصل: «بذلك» . (2) الذي فى الإتحاف أن هذه قراءة نافع وابن عامر وأبى جعفر. وفيه أن (يقتروا) بفتح الياء وكسر التاء قراءة ابن كثير وأبى عمرو ويعقوب وافقهم ابن محيصن والحسن واليزيدي. وقرأ بضم التاء الباقون ومنهم عاصم. (3) الآية 137 سورة الأعراف والآية 68 سورة النحل. (4) الآية 138 سورة الأعراف (5) سقط فى ش (6) ا: «انفاقهم» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 عدلًا بين ذَلِكَ أي بين الإسراف والإقتار. وإن شئت جعلت (بين) فِي معنى رفع كما تَقُولُ: كَانَ دونَ هذا كافيًا لك، تريد: أقلُّ من هَذَا كَانَ كافيًا لك، وتجعل (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ) كَانَ الوسط من ذَلِكَ قَوَامًا. والقوَام قَوَام الشيء بين الشيئين. ويُقال للمرأة: إنَّها لحسنة الْقَوَام فِي اعتدالها. ويُقال: أنت قِوَام أهلِكَ أي بك يَقوم أمرُهم وشأنهم وقيَام وَقِيَمٌ وَقَيِّمٌ فِي معنى قِوَامٍ. وقوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً [68] يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ [69] قرأت القراء بِجزم (يُضاعَفْ) ورفعه عَاصِم «1» بن أبي النجود. والوجه الجزم. وَذَلِكَ أن كُلّ مجزوم فسَّرته ولم يكن فعلًا «2» لِما قبله فالوجه فِيهِ الجزم، وما كَانَ فعلًا لِما قبله رَفَعْته. فأما المفسر للمجزوم فقوله (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) ثُمَّ فسر الأثام، فقال (يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) ومثله فِي الكلام: إن تكلمني تُوصِني بالخير والبِرّ أقبل منك ألا ترى أنك فسّرت الكلام بالبر ولم يكن فعلًا لَهُ، فلذلك جزمت. ولو كَانَ الثاني فِعلًا للأوّل لرفعته، كقولك إن تأتنا تطلب الخير تَجده ألا ترى أنك تجد «3» (تطلب) فعلا للاتيان 132 ب كقيلك: إن تأتنا طالبًا للخير تَجده. قَالَ الشاعر «4» : مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْءِ نَارِهِ ... تَجِد خير نار عندَهَا خَيْرُ موقِد فرفع (تَعْشو) لأنه أراد: متى تأته عاشيًا. ورفع عاصم (يضاعف له) لأنه أراد الاستئناف كما تَقُولُ: إن تأتنا نُكرمك نعطيك كل ما تريد، لا عَلَى الجزاء. وقوله: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [72] يقول: لا يحضرون مجالس الكذب والمعاصي.   (1) أي فى رواية أبى بكر. وقرأ بالرفع أيضا ابن عامر. (2) يريد ألا يكون مطلوبا لما قبله فى المعنى، ومن المطلوب لما قبله أن يكون حالا كما فى الشواهد الآتية. (3) ا: «أن تطلب فعل للإتيان» . (4) أي الخطيئة. ويقال: عشا إلى النار: رآها ليلا من بعيد فقصدها مستضيئا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 ويُقال (أعياد المشركين «1» لا يشهدونها) لأنها زُور وكذب إذ كانت لغير الله. وقوله (بِاللَّغْوِ مرّوا كراما) ذُكِر أنهم كانوا إِذَا أجَروا ذكر النساء كَنَّوْا عَن قبيح الكلام فيهنَّ. فذلك مرورهم بِهِ. وقوله: (لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) [73] يُقال: إِذَا تُلي عليهم القرآن لَمْ يقعدوا عَلَى حالِهم الأولى كأنهم لَمْ يسمعُوه. فذلك الخرور. وسمعتُ العرب تَقُولُ: قَعَدَ يشتمني، وأقبلَ يشتمني. وأنشدني بعض العرب: لا يُقنع الجارية الْخِضَابُ ... ولا الوشاحَان ولا الْجِلْبَابُ من دون أن تلتقِيَ الأرْكَابُ ... وَيَقْعُدَ الْهَنُ لَهُ لُعَابُ قَالَ الفراء: يُقال لموضع المذاكير: رَكَب. ويقعد كقولك: يصير. وقوله: وَذُرِّيَّاتِنا [74] قرأ أصحابُ عبد الله (وَذُرِّيَّتِنَا) والأكثر (وَذُرِّيَّاتِنَا) وقوله (قُرَّةَ أَعْيُنٍ) ولو قيل: (عَيْنٍ) كَانَ صَوَابًا كما قالت (قُرَّتُ عَيْنٍ «2» لِي وَلَكَ) ولو قرئت: قُرَّاتِ أَعْيُن لأنَّهم كَثِير كَانَ صَوَابًا. والوجه التقليل (قُرَّةَ أَعْيُنٍ) لأنه فعلٌ والفِعْلُ لا (يَكاد يجمع «3» ) ألا ترى أَنَّهُ قَالَ (لا تَدْعُوا «4» الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) فلم يجمعه وهو كثيرٌ. والقُرَّة مَصْدَرٌ. تَقُولُ: قرّت عينك قرّة. وقوله (لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) ولم يقل: أئمةً وهو واحد يَجوز فِي الكلام أن تَقُولَ: أصحاب مُحَمَّد أئمة الناس وإمام الناس كما قالِ نَّا رَسُولُ «5» بِّ الْعالَمِينَ) للاثنين ومَعناهُ: اجعلنا أئمة يُقتدى بنا. وقال مجاهد: اجعلنا يقتدى بِمن قبلنا حَتَّى يَقْتَدِي بنا من بعدنا.   (1) ا: «لا يشهدون أعياد المشركين» (2) الآية 9 سورة القصص. (3) ا: «يكادون يجمعونه» . (4) الآية 14 سورة الفرقان. [ ..... ] (5) الآية 16 سورة الشعراء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 وقوله: وَيُلَقَّوْنَ [75] و (يلقّون فيها) «1» كل قد قُرئ بِهِ و (يَلْقَوْنَ) أَعْجَبُ إِليّ لأن القراءة لو كانت عَلَى (يُلقَّون) كانت بالباء فِي العربية لأنك تَقُولُ: فلان يُتَلقّى بالسلام وبالخير. وهو صواب يُلَقَّوْنه ويلقون بِهِ كما تَقُولُ: أخذت بالخطام وأخذته. وقوله: ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي [77] ما استفهام أي ما يصنعُ بكم (لَوْلا دُعاؤُكُمْ) لولا دعاؤُه إياكم إلى الإسلام (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) نصبت اللزام لأنك أضمرت فِي (يكون) اسمًا إن شئت كَانَ مجهولًا فيكون بمنزلة قوله فِي قراءة أُبَيّ (وإنْ كَانَ «2» ذَا عُسْرَةٍ) وإن شئت جعلت «3» فسوف يكون تكذيبكم عذابًا لازمًا «4» ذكر أنه ما نزل بهم يوم بَدْر. والرفعُ فِيهِ جائز لو أتى. وقد تَقُولُ الْعَرب: لأضربَنَّكَ ضَرْبةً تكون لَزَام يا هَذَا، تخفض كما تَقُولُ: دَراكِ ونَظَار. وأنشد. لا زلت مُحتمِلًا عليّ ضغينةً ... حَتَّى المماتِ تكونُ مِنْكَ لَزَامِ قَالَ «5» : أنشدناهُ فِي المصادر. ومن سورة الشعراء قوله: باخِعٌ نَفْسَكَ [3] قاتل نفسك (أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) موضع (أن) نصب لأنها جزاء، كأنك قلت: إن لَمْ يؤمنوا فأنتَ قاتل نفسك. فلمّا كَانَ ماضيًا نصبت (أن) كما تَقُولُ أتيتك أن أتيتني. ولو لَمْ يكن ماضيًا لقلت: آتيك إن تأتنِي. ولو كانت مجزومة وكسرت   (1) القراءة الأولى لأبى بكر وحمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش. والقراءة الأخرى للباقين. (2) الآية 280 سورة البقرة. (3) أ: «كان» . (4) فى أبعده: «يوم بدر» . (5) أي مستملى الكتاب وهو؟؟؟ بن الجهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 (إن فيها كَانَ صوابًا.) ومثله قول الله (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ «1» شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ) و (إن صدّوكم) . وقوله (من الشهداء «2» أن تضلّ) و (إن تَضِلّ) وكذلك (أَفَنَضْرِبُ «3» عَنْكُمُ الذكر صَفْحًا إن كنتم) و (أن كنتم) وَجْهَان جَيِّدَان. وقوله: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً [4] ثم قال (فظلّت) ولم يقل (فَتَظلل) كما قَالَ (ننزل) وَذَلِكَ صواب: أن تعطف عَلَى مجزوم الجزاء بِفَعَلَ لأن الجزاء يصلح فِي موضع فعل يفعل، وَفِي موضع يفعَل فعل، ألا ترى أنك تَقُولُ: إن زرتني زرتكَ وإن تَزرني أزركَ والمعنى واحد. فلذلك صلح قوله (فَظَلَّتْ) مَرْدودة عَلَى يفعل، وكذلك قوله (تَبارَكَ «4» الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ) ثم قال (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) فردّ يفعل عَلَى فعل وهو بمنزلة رده (فظلّت) على (ننزّل) وكذلك جواب الجزاء يُلقى يفعْل بِفَعَل، وفَعَل بيفعل كقولك: (إن قمت أقم، وإن تقم قمت. وأحسن الكلام أن تَجعل جواب يفعل بمثلها، وفعل بمثلها كقولك: إن تَتْجُرْ تَرْبَح، أحسن من أن تَقُولُ: إن تَتْجُر ربِحْتَ. وكذلك إن تجرت ربجت أحسن من أن تَقُولُ: إن تَجَرت تربح. وهما جائزان. قَالَ الله (مَنْ كانَ «5» يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ) فقال (نُوَفِّ) وهي جواب لكان. وقال الشاعر «6» : إن يَسْمَعُوا سُبَّةً طارُوا بِهَا فرَحًا ... مني وما يَسْمَعُوا من صَالِح دَفَنوا فَرَدّ الجواب بفعل وقبله يَفْعَل قَالَ الفراء «7» : إن يسمعوا سُبّة عَلَى مثال غيَّة) . وقوله: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ [4] والفعْل للأعناق فيقول القائل: كيف لَمْ يقل:   (1) الآية 2 سورة المائدة. (2) الآية 282 سورة البقرة. (3) الآية 5 سورة الزخرف. (4) الآية 10 سورة الفرقان. (5) الآية 15 سورة هود. (6) هو قعنب بن أم صاحب. وقوله: «سبة» فى ش «سيئة» مخفف سيئة. (7) سقط ما بين القوسين في ش وسية مخفف سيئة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 خاضعة: وَفِي ذَلِكَ وُجُوه كلها صواب. أوّلها أن مُجاهدًا جعلَ الأعناق: الرجال الكبراء. فكانت الأعناق هاهنا بمنزلة قولك: ظلت رءوسهم رءوس القوم وكبراؤهم لَهَا خاضعين للآية «1» . والوجه الآخر أن تجعل الأعناق الطوائف، كما تَقُولُ: رأيتُ الناس إلى فُلان عُنقًا واحدة فتجعل الأعناق الطوائف والعُصَبَ وأحبُّ إليّ من هذين الوجهين فِي العربية أن الأعناق إِذَا خضعت فأربابها خاضعونَ فجعلت الفعل أولًا للأعناق ثُمَّ جعلت (خاضِعِينَ) للرجال كما قَالَ الشاعر: عَلَى قَبْضة مَوْجُوءة ظهرُ كَفّه ... فلا المرء مُسْتحيٍ ولا هُوَ طَاعِمُ «2» فأنث فعل الظهر لأن الكف تَجمع الظهر وتكفي منه: كما أنك تكتفي بأن تَقُولَ: خَضَعت لك رَقبتي ألا ترى أن العرب تَقُولُ: كلُّ ذي عينٍ ناظرٌ وناظِرَةٌ إليك لأن قولك: نظرت إليك عيني ونظرتُ إليك بِمعنى واحد فتُركَ (كُلّ) وله الفعل ورُدّ إلى الْعَين. فلو قلت: فظلت أعناقهم لَهَا خاضعة كَانَ صوابًا. وقد قَالَ الْكِسَائي: هَذَا بمنزلة قول الشاعر: تَرى أرْباقَهُم متقلّديها ... إذا صدىء الحديدُ على الْكُمَاةِ «3» ولا يشبه هَذَا ذَلِكَ لأن الفعل فِي المتقلدين قد عاد بذكر الأرباق فصلح ذَلِكَ لعودة الذكر. ومثل هَذَا قولك: ما زالت يدُك باسطها لأن الفعل مِنْكَ عَلَى اليد واقعٌ فَلَا بُدَّ من عودة ذكر الَّذِي فِي أول الكلام. ولو كانت فظلت أعناقهم لَهَا خاضعيها كَانَ هَذَا البيت حُجّة لَهُ. فإذا أوقعت الفعل عَلَى الاسم ثُمَّ أضفته فلا تكتف بفعل المضاف إلا أن يوافق فعل الأول كقولك ما زالت يدُ عبد الله منفقًا ومنفقة فهذا من الموافق 133 ب لأنك تَقُولُ يدُه منفقة وهو منفقٌ ولا يجوز كانت يده باسطًا لأنه باسط لليد واليد مبسوطة، فالفعل مختلف، لا يكفي فعل ذا من ذا، فإن أعدت ذكر اليد صلح فقلت: ما زالت يده باسطها.   (1) هذا تفسير قوله: «لها» . [ ..... ] (2) سبق هذا البيت فى 187 من الجزء الأول. وفيه «مرجوة» فى مكان «موجوءة» . (3) الأرباق جمع الربق وهو حبل فيه عدة عرا يشد فيها صغار الشاء لئلا ترضع. والكماة: الشجعان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 وقوله: أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ [7] يقول: حسن، يقال: هُوَ كما تَقُولُ للنخلة: كريمة إِذَا طابَ حِمْلها، أو أكثر كما يُقال للشاة وللناقة كريمة إِذَا غَزُرتا. قَالَ الفراء: مِن كل زوجٍ من كل لَون. وقوله: فى كلّ هذه السّورة (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) فِي علم الله. يقول: لَهم فِي القرآن وتنزيله آية ولكن أكثرهم فِي «1» علم الله لن يؤمنوا. وقوله: قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ [11] . فقوله: (أَلا يَتَّقُونَ) لو كَانَ مكانها: ألا تتقون كَانَ صوابًا لأن موسى أُمِرَ أن يقول لَهم ألا تتقون. فكانت التاء تَجوز لِخطابِ موسى إياهم. وجازت الياء لأن التنزيل قبل الخطاب، وهو بمنزلة قول الله (قُلْ «2» لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) و (سيغلبون) . وقوله: وَيَضِيقُ صَدْرِي [13] مرفوعة لأنها مردودة عَلَى (أخاف) ولو نُصبت بالرد على (يكذبون) كانت نصبًا صوابًا. والوجه الرفع لأنه أخبر أن صدره يضيق وذكر العلة التي كانت بلسانه، فتلك مِمَّا لا تَخاف لأنَّها قد كانت. وقوله: (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) ولم يذكر معونة ولا مؤازرة. وَذَلِكَ أن المعنى معلوم كما تَقُولُ: لو أتاني مكروهٌ لأرسلت إليك، ومعناهُ: لتعينني وتغيثني. وإذا كَانَ المعنى معلومًا طُرح منه ما يرد الكلام إلى الإيجاز. وقوله: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ [19] قتله النفس فالفعلة منصوبة الفاء لأنها مرة واحدة. ولا تكون وهي مرة فعلة. ولو أريد بِهَا مثل «3» الجلسة والمشية جاز كسرها. حدّثنا أبو العباس   (1) ش: «على» . (2) الآية 12 سورة آل عمران. (3) سقط فى ا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي موسى الْأَنْصَارِيّ عَن السري بن إِسْمَاعِيل عَن الشعبي أَنَّهُ قرأ (وَفَعَلت فِعْلَتكَ) بكسر الفاء ولم يقرأ بِهَا غيره. وقوله: (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) وأنت الآن من الكافرين لنعمتي أي لتربيتي إياكَ وهي فِي قراءة عبد الله (قَالَ فعلتها إذًا وأنا من الجاهلين) والضالين «1» والجاهلين «2» يكونان بِمعنى واحد لأنك تَقُولُ: جهلت الطريق وضللته. قَالَ الفراء: إِذَا ضاعَ منك الشيء فقد أضللته. وقوله: فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً [21] التوراة. وقوله: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ [22] يقول: هى- لعمرى- نعمة إذ رَبَّيْتَنِي ولم تستعبدني كاستعبادك بني إسرائيل. فأن تدل عَلَى ذلك. ومثله فِي الكلام أن تترك أحد عبديك أن تضربه وتضرب الآخر، فيقول المتروك هَذِه نعمة عَليّ أن ضربت فلانا وتركتنى. ثم يحذف (وتركتنى) والمعنى قائم معروف. والعربُ تَقُولُ: عبَّدت العبيد وأعبدتهم. أنشدني بعض العرب: علام يُعْبِدُني قَومي وقد كثرت ... فيهم أبا عرُمَا شاءُوا وعِبْدان «3» وقد تكون (أن) رفعًا ونصبًا. أمّا الرفع فعلى قولك وتلك نعمة تَمُنّها عليّ: تعبيدُك بني إسرائيل والنصب: تمنَّها عَليَّ لتعبيدك بني إسرائيل. ويقول القائل: أين جَواب قوله: (قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ) [25] فيقال: إنه إنَّما أراد بقوله: (أَلا تَسْتَمِعُونَ) إلى قول موسى. فردّ موسى لأنه المراد بالجواب فقال: الَّذِي أدعوكم إلى عبادته (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) [26] وكذلك قوله: (قال ربّ المشرق والمغرب) [28] يقول: أدعوكم إلى عبادة ربّ المشرق والمغرب وما بينهما.   (1) كذا. وقد راعى الحكاية. ولولا هذا لقال: «الضالون والجاهلون» (2) كذا. وقد راعى الحكاية. ولولا هذا لقال: «الضالون والجاهلون» (3) نسب فى اللسان (عبد) إلى الفرزدق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 وقوله: أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ [51] وجه الكلام أن تفتح (أَنْ) لأنَّها ماضية وهي فِي مذهب جزاء. ولو كُسرت ونُوي بِما بعدها الجزم كَانَ صوابًا. وقوله: (كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) يقولون: أول مؤمني أهل زماننا. وقوله: إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ. [54] يقول عُصْبَة قليلة وقليلون وكثيرون وأكثر كلام العرب أن يقولوا: قومك قليل وقومنا كَثِير. وقليلونَ وكثيرونَ جائز عربي وإنما جازَ لأن الْقِلّة إنّما تدخلهم جَميعًا. فقيل: قليل، وأوثر قليل عَلَى قليلين. وجازَ الجمع إذ كانت الْقِلة تلزم جَميعهم فِي المعنى فظهرت أسماؤهم عَلَى ذَلِكَ. ومثله أنتم حَيٌّ واحد وحيّ واحِدُونَ. وَمَعْنَى وَاحِدُونَ واحدٌ كما قَالَ الكميت: فردّ قواصِي الأحياء منهم ... فقد رَجَعوا كحيّ واحدينا «1» وقوله: حاذِرُونَ [56] وحِذرُونَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى السِّجِسْتَانِيُّ عَنْ أَبِي جَرِيرٍ «2» قَاضِي سِجِسْتَانَ أَنَّ ابن مسعود قرأ «3» (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) يَقُولُونَ: مُؤَدُّونَ فِي السِّلاحِ. يقول: ذَوو أداةِ من السلاح. و (حَذِرُونَ) وَكَأنَ الحاذِر: الَّذِي يَحذرك الآن. وكأن الحذِر: المخلوق حَذِرًا لا تلقاه إلّا حذرا. وقوله: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [61] وَ (لَمُدركونَ «4» ) مفتعلونَ من الإدراك كما تَقُولُ: حفرت واحتفرت بمعنى واحد، فكذلك (لمدركون) و (لمدّركون) معناهما واحد والله أعلم.   (1) هو من قصيدته المذهبة في هجائه قبائل اليمين والدفاع عن مضر. وانظر حديثا عنها فى الشاهدين 16، 24 من الخزانة. (2) فى اما يقرب من «حريز» . (3) وهى قراءة ابن ذكوان وهشام فى بعض الطرق وعاصم وحمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش. وقرأ الباقون «حذرون» . (4) ظاهر ما هنا أنه بفتح الراء من أدرك المتعدى، وقد ورد فى اللسان ادراك متعديا ولازما. وفى البحر أن هذه القراءة- وهى قراءات الأعرج وعبيد بن عمير- فيها كسر الراء من أدرك اللازم. وفيه: «وقال أبو الفضل الرازي: وقد يكون أدرك على افتعل بمعنى أفعل متعديا. فلو كانت القراءة من ذلك لوجب فتح الراء ولم يبلغنى ذلك عنهما يعنى عن الأعرج وعبيد بن عمير» وانظر البحر 7/ 20. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 وقوله: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ [77] أي كُلَّ آلهةٍ لَكم فلا أعبدها إلا رب العالمين فإني أعبده. ونصبه بالاستثناء، كأنه قَالَ هم عدوّ غير معبود إلا رب العالمين فإني أعبده. وإنما قالوا (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) أي لو عبدتم كانوا لي يوم القيامة ضِدًّا وَعَدُوًّا. وقوله: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [84] حَدَّثَنِي عَمْرو بن أبي المقدام عَن الحكم عَن مجاهد قَالَ: ثناء حسنًا. وقوله: وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ [111] وذُكِرَ أن بعض «1» القراء قرأ: وأتباعك الأرذلونَ ولكني لَمْ أجده عَن القراء المعروفين وهو وجه حسن. وقوله: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ [128] و (رَيْع) لغتان «2» مثل الرِّيرِ والرار وهو المخّ الردئ. وتقول رَاعَ الطَّعَامُ إِذَا كَانَ لَهُ رَيْعٌ «3» . وقوله: وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ [129] معناه: كيا تخلدوا. وقوله: وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ [130] : تقتلونَ عَلَى الغضب. هَذَا قول الكلبي. وقال غيره (بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) بالسوط. [قوله: خُلُقُ الْأَوَّلِينَ [137] وقراءة الْكِسَائي «4» (خَلْق الأوَّلِينَ) قَالَ الفراء: وقراءتي (خلق الأولين) فمن قرأ (خلق) يقول: اختلاقهم وكذبهم ومن قرأ (خلق الأولين) يقول: عادة الأولين أي وراثة أبيكَ عَن أول. والعربُ تَقُولُ: حَدِّثنا بأحاديث الْخَلْق «5» وهي الخرافات المفتعلة وأشباهها فلذلك اخترت الخلق.   (1) هو يعقوب. ورويت هذه القراءة عن ابن عباس وأبى حيوة. (2) والمعنى هنا المرتفع من الأرض أو من كل فج أو كل طريق. [ ..... ] (3) الريع: النماء والزيادة، هذا إذا كان الطعام الحنطة، فإن كان المراد به الدقيق فريعه زيادته على كيله قبل الطحن. (4) وهى قراءة غير نافع وابن عامر وعاصم وحمزة وخلف الأعمش أما هؤلاء فقراءتهم بضم الحاء واللام. (5) هذا الضبط عن اللسان فى المادة. وضبط فى ابضم الخاء واللام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 وقوله: هَضِيمٌ [148] يقول: مادام فِي كوافيره وهو الطَّلْع. والعرب تُسَمِّي الطلع الْكُفُرِّي والكوافِيرُ واحدته كافورة، وكُفُراةٌ واحدة الْكُفُرّي. وقوله: بُيُوتاً فارِهِينَ [149] حَاذِقينَ و (فَرِهينَ) أشِرِين. وقوله: إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ [153] قالوا لَهُ: لست بِمَلك إنّما أنت بشر مثلنا. والمسحّر: المجوّف، كأنه- والله أعلم- من قولك: انتفخ سَحْركَ «1» أي أنك تأكل الطعام والشراب وتُسَحّر بِهِ وتعلّل. وقال الشاعر «2» : فإن تسألينا فيم نحنُ فإنّنا ... عصافير من هذا الأنام المسحّر 134 ب/ يريدُ: المعَلَّل والمخدوع. ونرى أنّ الساحر من ذلك أخذ. وقوله: لَها شِرْبٌ [155] لَهَا حظ من الماء. والشِّرْب والشُّرْب مصدران. وقد قالت العرب: آخرها «3» أقلّها شُرْبًا وَشِرْبًا وَشَرْبًا. وقوله: وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ [166] ما جعلَ لكم من الفروج. وَفِي قراءة عبد الله (ما أصلح لكم ربكم) . وقوله: إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ [171] والغابرون الباقون. ومن ذَلِكَ قول الشاعر: وهو الحارث بن حِلِّزَة: لا تكْسَعِ الشَّوْلَ بأغبارهَا ... إنّك لا تدرى من الناتج «4»   (1) السحر: الرئة، ويقال: انتفخ سحره للجبان يملأ الخوف جوفه فتنتفخ رئته. (2) هو لبيد كما فى اللسان. (3) فى اللسان: «وأصله فى سقى الإبل لأن آخرها يرد وقد نزف الحوض» . (4) الشول جمع شائلة وهى الناقة أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر فجف لبنها والناتج الذي يتولى ولادة الحيوان. ويقال: كسع الناقة بغبرها إذا ترك فى خلفها بقية من اللبن يريد بذلك أن يغزر لبنها. وأن يقوى نسلها يقول: احلب شولك للأضياف، ولا تكسعها، فقد يغير عليها عدو فيكون نتاجها لك دونه. وانظر اللسان فى كسع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 الأغبارها هنا بقايا اللبن فِي ضروع الإبل وغيرها، واحدها غُبْر. قَالَ وأنشدني بعض بني أسد وهو أَبُو الْقَمْقام: تَذُبُّ منها كُلَّ حَيزَبُونِ ... مَانِعَةٍ لغبرها زبون «1» وقوله: وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ [184] قرأها عَاصِم والأعمش بكسر الجيم وتشديد اللام، ورفعها آخرون. واللام مشدّدة فِي القولين: (وَالْجِبِلَّةَ) . وقوله: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ [197] يقول: يعلمونَ عِلْم مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نبي فِي كتابِهم. (الآية) منصوبة و (أن) فِي موضع رفع. ولو قلت: أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ آيةٌ) بالرفع «2» (أَنْ يعلمه) تجعل (أنْ) فِي موضع نصب لَجازَ ذَلِكَ. وقوله: وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ [198] الأعجم فِي لسانه. والأعجمي المنسوب إلى أصله إلى العجم وإن كَانَ فصيحًا. ومن قَالَ: أعجم قال للمرأة عجماء إِذَا لَمْ تُحْسن العربية ويَجوز أن تَقُولُ عَجَمي تريد أعجمي تنسبه إلى أصله. وقوله: كَذلِكَ سَلَكْناهُ [200] يقول: سلكنا التكذيب فِي قلوب المجرمين كي لا يؤمنوا بِهِ (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) وإن كَانَ موقع كي فِي مثل هَذَا (لا) وأن جميعًا صلح الجزم فِي (لا) والرفع. والعربُ تَقُولُ: ربطت الفرس لا يتفَلَّتْ جزمًا ورفعًا. وأوثقت العبد لا يَفِرر «3» جزمًا ورفعًا. وإنما جزم لأن تأويله إن لَمْ أربطه فَرَّ فجزم عَلَى التأويل. أنشدني بعضُ بني عُقَيْلٍ: وحتى رأينا أحسن الفعل بيننا ... مساكتة لا يقرف الشرّ قارف «4»   (1) «يذب» فى اللسان «يذهب» : (حزبن) والحيزبون الناقة الشهمة الحديدة. وفسرت هنا بالسيئة الخلق. والزبون: التي تضرب برجلها عند الحلب. (2) هذه قراءة ابن عامر. (3) هذا لا يأتى إلا على الجزم حيث فك التضعيف. والأولى: «يفر» ليجرى فيه الرفع. (4) يقال: اقترف الشر:؟؟؟. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 يُنْشَدُ رفعًا وجزمًا. وقال آخر: لو كنتَ إذ جئتنا حَاولت رُؤْيتنا ... أو جئتنا ماشيًا لا يُعْرف الفرسُ رفعًا وجزمًا وقوله: لطالما حلأ نماها لا ترد ... فخلّياها والسِّجالَ تبتردْ «1» من ذَلِكَ. وقوله: نَزَلَ بِهِ الرّوح الأمين [193] كذا قرأها القراء. وقرأها الأعمش وَعَاصِم «2» والحسن (نَزَّلَ بِهِ) بالتشديد. ونصبوا (الرُّوحَ الأمِين) وهو جبريل (عَلى قَلْبِكَ) يتلوه عليك. ورَفع أهل المدينة (الرُّوحُ الْأَمِينُ) وخَفَّفُوا (نَزَلَ) وهما سواء فِي المعنى. وقوله: وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ [196] وإنّ هَذَا القرآن لفي بَعض زُبُر الأولين وكتبهم. فقال: (فى زبر) وإنَّما هُوَ فِي بعضها، وَذَلِكَ واسع لأنك تَقُولُ: ذهب الناس وإنما ذهب بعضهم. وقوله: إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ [208] . وَفِي موضع آخر: (إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) «3» وقد فُسر هَذَا. وقوله: ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ [209] ذكرى فِي موضع نصب أي ينذرونهم تذكرة وذِكْرى. ولو قلت: (ذِكْرى) فِي موضع رفع أصبت، أي: ذَلِكَ ذكرى، وتلك ذكرى. وقوله: وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ [210] ترفع النون.   (1) يقال: حلأ الماشية عن الماء: طردها أو حبسها عن الورود ومنعها أن ترده. والسجال جمع سجل وهو الدلو. والحديث عن الإبل. وفى اللسان (حلأ) أن نسوة تمثلن بالبيت لامرأة تزوجها عاشق لها. (2) أي فى رواية أبى بكر أما رواية حفص عنه فالتخفيف وكذا قرأ بالتخفيف نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر. (3) الآية 4 سورة الحجر. [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 قَالَ الفراء: وجاء عَن الْحَسَن (الشياطون) وكأنه من غلط الشيخ ظنّ أنه بِمنزلة المسلمين والمسلمون. وقوله: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ [212] يعني الشياطين برجْم الكواكب. وقوله: يَراكَ حِينَ تَقُومُ [218] وتقلّبك فى السّاجدين [219] يقول: يرى تقلبك 135 افى المصلين. وتقلّبه قيامُهُ وركوعُهُ وسُجُوده. وقوله: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ [221] كانت الشياطين قبل أن تُرجم تأتي الكهنة مثل مسيلمة الكذاب وطُليحة وسجاح فيُلقونَ إليهم بعض ما يسمعون ويكذبون. فذلك (يُلْقُون) إلى كهنتهم (السّمع) الذي سمعوا (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) . وقوله: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ [224] نزلت فِي ابن الزّبَعْري وأشباهه لأنهم كانوا يهجون النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمين. وقوله: (يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) غُواتهم الَّذِينَ يرونَ سَبَّ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام. ثُمَّ استثنى شعراء المسلمين فقال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [227] لأنهم رَدُّوا عليهم: فذلك قوله: (وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) وقد قرئت (يتّبعهم الغاوون) و (يتبعهم «1» ) وكل صواب. ومن سورة النمل تلك آيات القرآن وكتاب مبين. خَفْض (وَكِتابٍ مُبِينٍ) يريد: وآيات كتاب مبين، ولو قرىء «2» (وكتابٌ مبينٌ) بالردّ عَلَى الآيات يريد: وَذَلِكَ كتاب مبين. ولو كان نصبا   (1) هى قراءة نافع. (2) جواب الشرط محذوف أي لساغ مثلا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 عَلَى المدح كما يُقال: مررت عَلَى رجل جَميل وطويلًا شَرْمَحًا «1» ، فهذا وجه، والمدحُ مثل قوله: إلى الملك القرم وابنِ الْهُمَام ... وليثَ الْكَتِيبة فِي المزدَحَمْ «2» والمدح تنصب معرفته ونكرته. وقوله: هُدىً وَبُشْرى [2] رفع. وإن شئت نصبت. النصب عَلَى القطع «3» ، والرفع عَلَى الاستئناف. ومثله فِي البقرة: (هُدىً «4» لِلْمُتَّقِينَ) وفى لقمان: (هدى «5» ورحمة) للمحسنين) مثله. وقوله: أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ [7] نوَّن عَاصِم «6» والأعمش فِي الشهاب والقبس، وأضافه أهل المدينة: (بِشِهابٍ قَبَسٍ) وهو بمنزلة قوله: (وَلَدارُ «7» الْآخِرَةِ) مِمّا يُضاف إلى اسمه «8» إِذَا اختلف أسماؤه «9» . وقوله: نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ [8] تجعل (أَنْ) فِي موضع نصب إِذَا أضمرت اسم موسى فِي (نُودِيَ) وإن لَمْ تُضمر اسم موسى كانت (أن) فِي موضع رفع: نودي ذَلِكَ «10» . وَفِي حرف أُبَيّ: (أَنْ بُورِكَتِ النار) (وَمَنْ حَوْلَها) يعني الملائكة. والعربُ تَقُولُ: باركك الله وبارك فيك وبارك عليك.   (1) من معانيه القوى والطويل. (2) انظر ص 105 من الجزء الأول. (3) يريد النصب على الحال. (4) الآية 2. (5) الآية 3. (6) وكذا حمزة والكسائي وخلف ويعقوب. (7) الآية 109 سورة يوسف. (8) ا: «نفسه» . (9) فى الطبري: «أسماه» . (10) ا: «ذاك» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 وقوله: إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ [9] هَذِه الْهَاء هَاء «1» عِمَاد. وهو اسم لا يظهر. وقد فسّر. وقوله: [كَأَنَّها جَانٌّ [10]] الجانّ: الحيَّة: التي ليست بالعظيمة ولا الصغيرة. وقوله: (وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) : لَمْ يلتفت. وقوله: (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) ثُمَّ استثنى فقال: (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) ثُمَّ بدّل حسنا بعد سوء) [11] فهذا مغفورٌ لَهُ. فيقول القائل. كيف صُيِّرَ خائفا؟ قلت: فى هذه وجهان: أحدهما أن تَقُولُ: إن الرّسَل معصُومة مغفورٌ لَهَا آمنة يوم القيامة. ومن خلطَ عَمَلًا صالِحًا وآخر سَيّئًا فهو يَخاف ويرجو: فهذا وجه. والآخر أن تجعل الاستثناء من الَّذِينَ تُركوا فِي الكلمة لأن المعنى: لا يخافُ المرسلونَ إنما الخوف عَلَى غيرهم. ثُمَّ استثنى فقال: إلّا من ظلم فإن هَذَا لا يخاف يقول: كَانَ مشركًا فتابَ وعمل حَسَنًا فذلك مغفورٌ لَهُ لَيْسَ بِخائف. وقد قَالَ بعضُ النحويين: إن (إلا) فِي اللغة بِمنزلة الواو، وإنّما مَعْنَى هَذَه الآية: لا يَخافُ لَديّ المرسلونَ ولا من ظلم ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا. وَجَعلوا مثله قول «2» الله: (لِئَلَّا يَكُونَ «3» لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي ولا الَّذِينَ ظلموا. ولم أجد العربية تحتمل ما قالوا، لأني لا أجيزُ قام الناس إلا عبد الله، وهو قائم إنما الاستثناء أن يخرج الاسم الَّذِي بعد إلا من معنى الأسماء قبل إلا. وقد أُرَاهُ جائزًا أن تَقُولَ: عليك ألف سوى ألف آخر، فإن وضعت (إِلَّا) فِي هَذَا الموضع صَلَحت وكانت (إِلا) فِي تأويل مَا قالوا. فأمّا مجرّدة 135 ب قد استُثني قليلها من كثيرها فلا. ولكن مثله مما يكون فِي معنى إلا كمعنى الواو وليست بها.   (1) هو المعروف عند البصريين بضمير الشأن. (2) ش: «فى قول» . [ ..... ] (3) الآية 150 سورة البقرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 قوله: (خالِدِينَ «1» فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) هُوَ فِي المعنى: إلا الَّذِي شاء ربك من الزيادة. فلا تجعل إلا (فِي «2» منزلة) الواو ولكن بمنزلة سِوَى. فإذا كانت سوى فِي موضع إلا صلحت بِمعنى الواو لأنك تَقُولُ: عندي مال كَثِير سوى هَذَا أي وهذا عندي كأنك قلت: عندي مالٌ كَثِير وهذا. وهو فِي سوى أنفذ منه فِي إلا لأنك قد تَقُولُ: عندي سوَى هَذَا، ولا تقول: إلّا هذا. وقوله: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ [12] معناهُ: افعل هَذَا فهي آية فِي تسع. ثم قال (إِلى فِرْعَوْنَ) ولم يقل: مرسل ولا مبعوث لأن شأنه معروف أَنَّهُ مبعوث إلى فرعون. وقد قَالَ الشاعر: رأتني بحبليها فصَدَّت مخافةً ... وَفِي الحبل رَوْعَاء الفؤاد فَرُوق «3» أراد: رأتني أقبلت بحبليها: بحبلي النّاقة فأضمرَ فعلًا، كأنه قَالَ: رأتني مقبلا. وقوله (وَإِلى «4» ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) نصب بإضمار (أرسلنا) . وقوله: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا [14] يقول: جحدوا بالآيات التسع بعد ما استيقنتها أنفسهم أنّها من عند الله، ظلمًا وَعُلُوًّا. وَفِي قراءة عَبْدِ الله (ظُلْمًا وَعُليًّا) مثل قوله: (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ «5» عِتِيًّا) و (عتيّا) . وقوله: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ [16] كان لداوود- فيما ذكروا- تسعة عشر ولدًا ذكرًا، وإنّما خُصَّ سُلَيْمَان بالوراثة لأنها وراثة الْمُلك. وقوله (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) : معنى كلام الطير، فجعله كمنطق الرجل إذ فهم، وقد قال الشاعر:   (1) الآيتان 107، 108 سورة هود. (2) ا: «بمنزلة» . (3) انظر ص 230 من الجزء الأول. (4) الآية 73 سورة الأعراف. (5) الآية 8 سورة مريم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 عجبتُ لَهَا أَنَّى يكون غِناؤها ... رَفيعًا ولم تَفتح بِمنطقها فما فجعله الشاعر «1» كالكلام لَمّا ذهبَ بِهِ إلى أنها تبكي. وقوله: وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ [17] كانت هَذِه الأصناف مع سُلَيْمَان إِذَا ركب (فَهُمْ يُوزَعُونَ) يُرد أولهم عَلَى آخرهم حَتَّى يَجتمعوا. وهي من وزعت الرجل، تَقُولُ: لأزعَنَّكم عَن الظلم فهذا من ذلك. وأمّا قوله: أَوْزِعْنِي [19] فمعناه: ألهمنى. وقوله: فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ [22] قرأها الناس بالضم، وقرأها عَاصِم بالفتح: فَمَكَثَ. وهي فِي قراءة عبد الله (فتمكَّث) ومعنى (غَيْرَ بَعِيدٍ) غير طويل من الإقامة. والبعيد والطويل متقاربان. وقوله (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ) قَالَ بعض العرب: أَحَطُّ فأدخل الطَّاء مكانَ التاء. والعربُ إِذَا لقيت الطاءُ التاء فسكنت الطَّاء قبلها صيَّروا الطَّاء تاء، فيقولون: أَحَتُّ، كما يحوّلونَ الظاء تاء فِي قوله (أَوَعَتَّ «2» أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) والذال والدال تاء مثل (أَخَتُّمْ) «3» ورأيتُها فِي بعض مصاحف عبد الله (وَأَخَتُّمْ) ومن العرب من يُحَوِّلُ التاء إِذَا كانت بعد الطَّاء طاء فيقول: أَحَط. وقوله (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) القراء عَلَى إجراء (سَبأ) لأنه- فيما ذكروا- رجل وكذلك فأجره إن كَانَ اسمًا لجبل. ولم يُجرِهِ أَبُو عمرو بن العلاء. وزعم الرؤاسيّ أَنَّهُ سأل أبا عَمْرو عَنْهُ فقال: لست أدري ما هُوَ. وقد ذهبَ مذهبًا إذ لَمْ يَدْر ما هُوَ لأن العرب إِذَا سمَّت بالاسم المجهول تركوا إجراءه كما قال الأعشى:   (1) هو حميد بن ثور. وهو فى الحديث عن حمامة تغرد وفى ديوانه 27: «فصيحا» فى مكان «رفيعا» . (2) فى الآية 136 سورة الشعراء. وهى فى المصحف: «أوعظت ... » . (3) فى الآية 81 سورة آل عمران. وهى فى المصحف: «وأخذتم» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 وتدفن منه الصّالحات وإن يسىء ... يكن ما أساء النارَ فِي رأسِ كَبْكَبا «1» 136 افكأنه جهل الكبكَبَ. وسَمعت أبا السَّفاح السَّلُولي يقول: هَذَا أَبُو صُعْرورَ قد جاء، فلم يُجره لأنه لَيْسَ من عادتهم فِي التسمية. قَالَ الفرّاء: الصعرور شبيه بالصمغ. وقال الشاعر فِي إجْرائه: الواردونَ وتيم فِي ذرا سبإ ... قد عض أعناقهم جلد الجواميس ولو جعلته اسمًا للقبيلة إن كَانَ رجلًا أو جعلته اسمًا لِمَا حوله إن كَانَ جبلًا لَمْ تُجره أيضًا. وقوله: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ [25] تقرأ (ألّا يَسْجدوا) ويكون (يَسْجُدُوا) فِي موضع نصب، كذلك قرأها حَمْزَةُ. وقرأها أَبُو عبد الرحمن «2» السلمي والحسن وحُمَيْد الأعرج مخففة (أَلَا يَسْجُدُوا) عَلَى معنى أَلَا يا هَؤُلَاءِ اسْجُدُوا فيضمر هَؤُلَاءِ، ويكتفي منها بقوله (يا) قَالَ: وسمعتُ بعض العرب يقول: أَلَا يا ارحمانا، أَلَا يا تَصَدَّقا علينا قَالَ: يعنيني وزميلي. وقال الشاعر- وهو الأخطل- ألا يا اسلمي يا هند هندَ بني بَدْر ... وإن كَانَ حَيَّانَا عِدًى آخِر الدهر حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي بعضُ المشيخة- وهو الْكِسَائي- عَن عيسى الهمداني قَالَ: ما كنت أسمع المشيخة يقرءونها إلا بالتخفيف عَلَى نية الأمر. وهي فِي قراءة عبد الله (هَلّا تَسجدونَ لله) بالتاء فهذه حُجّة لمن خَفّف. وَفِي قراءة أُبَيّ (أَلَا تَسْجدونَ لله الَّذِي يعلم سِرّكم وما تَعلنون) وهو وجه الكلام لأنها سَجدة ومن قرأ (أَلّا يَسْجُدوا) فشدّد فلا ينبغي لَهَا أن تكون سجدة لأن المعنى: زين لهم الشيطان ألّا يسجدوا والله أعلم بذلك.   (1) قبله: ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى ... مصارع مظلوم مجرا ومسحبا وكبكب: اسم جبل. وانظر اللسان (كبكب) (2) وقرأ أيضا بالتخفيف الكسائي ورويس وأبو جعفر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 وقوله (يُخْرِجُ الْخَبْءَ) مهموز. وهو الغيب غيبُ السموات وغيب الأرض. ويُقال: هُوَ الماء الَّذِي يَنزلُ من السماء والنبت من الأرض وهي فِي قراءة عبد الله (يخرج الخبء من السّموات) وصلحت (فِي) مكان (من) لأنك تَقُولُ: لأستخرجنّ العلم الَّذِي فيكم منكم، ثُمَّ تُحذف أيّهما شئت أعنى (من) و (فى) فيكون المعنى قائِمًا عَلَى حالِه. وقوله: ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ [28] يقول القائل: كيف أمره أن يتولّى عنهم وقد قال (فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ) وَذَلِكَ فِي العربية بيّن أَنَّهُ استحثّه فَقَالَ: اذهب بكتابي هذا وعجّل ثم أخّر (فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ) ومعناها التقديم. ويقال: إنه أمر الهدهد أن يُلقي الكتاب ثُمَّ يتوارى عنها ففعل: ألقى الكتاب وطار إلى كوة فِي مجلسها. والله أعلم بصواب ذَلِكَ. وقوله: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ [29] جعلته كريمًا لأنه كَانَ مختومًا، كذلك حُدّثت. ويُقال: وصفت الكتاب بالكرم لقومها لأنها رأت كتابَ مَلِكٍ عندها فجعلته كريمًا لكرم صاحبه. ويُقال: إنها قالت (كَرِيمٌ) قبل أن تعلم أَنَّهُ من سُلَيْمَان. وما يعجبني ذَلِكَ لأنها كانت قارئة قد قرأت الكتاب قبل أن تخرج إلى ملئها. وقوله: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [30] مكسورتانِ أعني إنّ وإنّ. ولو فُتحتا جَميعًا كان جائزا، على قولك: أُلقِيَ إليّ أَنَّهُ من سُلَيْمَان وأنه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فموضعهما رفع عَلَى التكرير عَلَى الكتاب: ألقي إليّ أَنَّهُ من سُلَيْمَان وإن شئت كانتا فِي موضع نصب لسقوط الخافض منهما. وهي فِي قراءة أُبَيّ (وَأَنْ بِسمِ الله الرحمن الرحيم) ففي ذَلِكَ حُجّة لِمن فتحهما لأن (أَنْ) إِذَا فُتِحَت ألقها مع الفعل أو ما يُحكى لَمْ تكن إلّا مخفّفة النون. وأما قوله: أَلَّا تَعْلُوا [31] فألفها مفتوحة لا يَجوز كسرها. وهي فِي موضع رفع إِذَا كررتها عَلَى (أُلْقِيَ) ونصب عَلَى: ألقِي إلى الكتاب بذا، وألقيت الباء فنصبت. وهي فِي قراءة عبد الله (وإنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) فهذا يدلُ عَلَى الكسر لأنها معطوفة عَلَى: إنى ألقى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 إليّ وإنه من سُلَيْمَان. ويكون فِي قراءة أُبَيّ أن تجعل (أَن) التي فِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هي (أن) التي فِي قوله (أَنْ لا تَعْلُوا عَلَى) كأنها فِي المعنى. ألقي إليّ أن لا تعلوا عليّ. فلمّا وُضعت فِي (بسم الله) كُرِّرت عَلَى موضعها فِي (أَنْ لا تَعْلُوا) كما قَالَ الله (أَيَعِدُكُمْ «1» أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ) فأنكم مكررة ومعناها واحد والله أعلم. ألا ترى أن المعنى: أيعدكم أنكم مخرجونَ إِذَا كنتم ترابا وعظاما. وقوله: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي [32] جعلت المشورة فُتْيا. وَذَلِكَ جائز لسعة العربية. وقوله (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً) وَفِي قراءة عبد الله (ما كنتُ قاضيةً أمرا) والمعنى واحد. تَقُولُ لا أقطع أمرًا دونَكَ، ولا أقضي أمرًا دونكَ. وقوله: قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً [34] جواب لقولهم (نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) فقالت: إِنّهم إن دخلوا بلادكم أذلوكم وأنتم ملوك. فقال الله (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) . وقوله: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ [35] نقصت الألف من قوله (بِمَ) لأنها فِي معنى بأي شيء يرجع المرسلون وإذا كانت (مَا) فِي موضع (أيّ) ثُمَّ وصلت بحرف خافض نُقصت الألف من (ما) ليعرف الاستفهام من الخبر. ومن ذَلِكَ قوله: (فِيمَ «2» كُنْتُمْ) و (عَمَّ يَتَساءَلُونَ «3» ) وإن أتممتها فصواب. وأنشدنى المفضّل: إنا قتلنا بقتلانا سَراتكم ... أهلَ اللِّوَاءِ ففِيما يكثر الْقِيلُ «4» وأنشدني المفضَّل أيضًا: عَلَى ما قام يشتمنَا لَئِيمٌ ... كخنزير تمرَّغ فِي رماد «5»   (1) الآية 35 سورة المؤمنين. (2) الآية 97 سورة النساء. (3) الآية 1 سورة النبأ. [ ..... ] (4) . 2: «القتل» فى مكان «القيل» ويظهر أنه تحريف عما أثبت. (5) هو لحسان بن ثابت. وفى شواهد العيني فى مباحث الوقف: «ويروى فى دمان موضع فى رماد ويروى فى دمال. وكل هذا ليس بشىء فان القصيدة داليه» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 وقوله: إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ [35] وهي تعني سُلَيْمَان كقوله (عَلى خَوْفٍ «1» مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) وقالت (بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) وَكَانَ رسولُها- فيما ذكروا- امرأة «2» واحدة فجمعت وإنما هُوَ رسول، لذلك قال (فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ) يريد: فلما جاء الرسول سُلَيْمَان، وهي فِي قراءة عبد الله (فلما جاءوا سُلَيْمَان) لِمَا قَالَ (الْمُرْسَلُونَ) صلح (جاءوا) وصلح (جاء) لأن المرسل كَانَ واحدًا. يدلّ عَلَى ذَلِكَ قول سليمان (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ) . وقوله: لا قِبَلَ لَهُمْ بِها [37] وهي فِي مصحف عبد الله (لَهُمْ بهم) وهو سَواء. وقوله: أَتُمِدُّونني بِمَالٍ [36] هي فِي قراءة عبد الله «3» بنونين وباء مثبتة. وقرأها حَمْزَةُ. (أَتُمِدُّونِّي بِمالٍ) يريد قراءة عبد الله فأدغم النون فِي النون فَشَدَّدَها. وقرأ عَاصِم بن أبي النَّجُود (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) بنونين بغير ياء. وكلٌّ صَواب. وقوله: (فما آتَانِ اللهُ) ولم يقل «4» (فَما آتانِيَ اللَّهُ) لأنها محذوفة الياء من الكتاب. فمَنْ كَانَ ممن يستجيز الزيادة فِي القرآن من الياء والواو اللاتي يحذفن مثل قوله (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ «5» بِالشَّرِّ) فيثبتُ الواو وليست فِي المصحف، أو يقول المنادى للمناد «6» جاز له أن يقول فى (أَتُمِدُّونَنِ) بإثبات الياء، وجاز لَهُ أن يُحرّكها إلى 137 االنصب كما قيل (وَما لِيَ «7» لا أَعْبُدُ) فكذلك يجوز (فَما آتانِيَ اللَّهُ) ولست أشتهي ذَلِكَ ولا آخذ بِهِ. اتّباعُ المصحف إِذَا وجدتُ لَهُ وجهًا من كلام العرب وقراءة القرّاء أحَبُّ إليّ من خلافه. وقد كَانَ أَبُو عَمْرو يقرأ (إِنَّ هذينِ «8» لساحران) ولست   (1) الآية 83 سورة يونس. (2) كذا. وفى الطبري: «امرأ واحدا» وهو ظاهر القرآن. ويمكن أن يطلق الرسول على الأنثى باعتبار أنه فى الأصل بمعنى الرسالة ويطلق على حاملها من ذكر أو أنثى. (3) وهى قراءة نافع وأبى عمرو وأبى جعفر. (4) قرأ بإثبات الياء مفتوحة نافع وأبو عمرو وأبو جعفر وحفص. (5) الآية 11 سورة الاسراء. (6) فى الآية 41 سورة ق. (7) الآية 22 سورة يس. (8) الآية 63 سورة طه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 أجترئ عَلَى ذَلِكَ وقرأ (فَأَصَّدَّقَ «1» وَأَكُونَ) فزاد وَاوًا فِي الكتاب. ولست أَسْتحبُّ ذَلِكَ. قوله: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ [37] هَذَا من قول سُلَيْمَان لرسولها، يعني بلقيس. وَفِي قراءة عبد الله (ارجعوا إليهم) وهو صَوَاب عَلَى ما فسّرت لك من قوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) «2» من الذهاب بالواحد إلى الَّذِينَ مَعَهُ، فِي كثيرٍ من الكلام. وقوله: عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ [39] والعِفريت: القويّ النافذ. ومن العرب من يقول للعفريت: عِفْرية. فمن قَالَ: عِفْرِية قَالَ فِي جمعه: عَفَارٍ «3» . ومنْ قالَ: عِفْريت قَالَ: عفاريت وَجَازَ أن يقول: عَفَارٍ وَفِي إحدى القراءتين (وَمَا أُهِلَّ «4» بِهِ للطواغِي) يريد جمع الطاغوت. وقوله (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) يعني أن يقوم من مجلس القضاء. وَكَانَ يجلس إلى نصف النهار. فقال: أريد أعجل (من ذَلِكَ) «5» . وقوله: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ [40] يقول: قبل أن يأتيك الشيء من مدّ بصرك فقال ابن عباس في قوله (عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) (يا حَيُّ «6» يا قيُّوم) فذُكِرَ أنّ عرشها غارفى موضعه ثُمَّ نَبَع عند مجلس سُلَيْمَان. وأمّا قوله: نَكِّرُوا لَها عَرْشَها [41] فإنه أمرهم بتوسعته ليمتحِنَ عقلها إِذَا جاءت. وَكَانَ «7» الشياطين قد خافت أن يتزوَّجَها سُلَيْمَان فقالوا: إن فِي عقلها شيئًا، وإن رِجْلها كرجل الحمارِ: فأمر سُلَيْمَان بتغيير العرش لذلك، وأمر بالماء فأجري من تحت الصَّرْح وَفِيهِ السمك. فلمّا جاءت قيل لها   (1) الآية 10 سورة المنافقين. (2) الآية 1 سورة الطلاق. (3) ا: «عفارى» . (4) ليس فى الكتاب العزيز آية يكون فيها هذا. ولعله يريد: «والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها» فى الزمر. وقد قرأ الحسن «الطواغيت» . [ ..... ] (5) ا: «منك» . (6) هذا بيان للعلم عنده. (7) ا: «كانت» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 (أَهكَذا عَرْشُكِ) فعرفت وأنكرت. فلم تقل، هُوَ هُوَ، ولا ليس به. فقالت (كَأَنَّهُ هُوَ) ثُمَّ رفعت ثوبَها عَن ساقيها، وظنّت أنها تسلكُ لُجَّةً، واللُّجَّة: الماء الكثير. فنظر إلى أحسن ساقين ورجلين: وَفِي قراءة عبد الله (وَكَشَفَتْ «1» عَنْ رِجْلَيْهَا) . وقوله: وَصَدَّها مَا كانَتْ تَعْبُدُ [43] يَقولُ: هي عاقلة وإنّما صدها عَن عبادة الله عبادة الشمس والقمر. وَكَانَ عادة من دين آبائها، معنى الكلام: صدّها من أن تعبد الله ما كانت تعبدُ أي عبادتها الشمس والقمر. و (ما) فِي موضع رفعٍ. وقد قبلَ: (إن صدَّها) منَعَها سُلَيْمَان ما كانت تعبد. موضع (ما) نصب لأن الفعل لسليمان. وقال بعضهم: الفعل لله تعالى: صَدَّهَا الله ما كانت تعبد. وقوله: (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) كُسرت الألف عَلَى الاستئناف. ولو قرأ قارئ (أنَّها) يردّهُ «2» عَلَى موضع (ما) فِي رفعِه: صدّها عَن عبادة الله أنها كانت من قوم كافرين. وهو كقولك: منعني من زيارتك ما كنت فِيهِ من الشغل: أنَى كنت أغدُو وأروح. فأنّ مفسّرة لِمعنى ما كنت فيه من الشغل. وقوله: فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ [45] ومعنى (يَخْتَصِمُونَ) مختلفون «3» : مؤمن ومُكذب. وقوله: قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ [47] يقول: فِي اللوح المحفوظ عند الله. تشاءمون بي وتَطَيَّرُونَ بي، وَذَلِكَ كله من عند الله. وهو بمنزلة قوله (قالُوا طائِرُكُمْ «4» مَعَكُمْ) أي لازم لكم ما كَانَ من خيرٍ أو شَر فهو فِي رقابكم لازم. وقد بيّنه الله فِي قوله (وَكُلَّ إِنسانٍ «5» أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) .   (1) وهى قراءة شاذة. وقراءة الناس: «وكشفت عن ساقيها» (2) أي يكون بدلا أو بيانا من (ما كانت تعبد) . (3) فى الطبري: «يختلفون» . (4) الآية 19 سورة يس. (5) الآية 13 سورة الإسراء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 وقوله: قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ [49] وهي فِي قراءة عبد الله (تَقاسَمُوا بِاللَّهِ) ليس فيها (قالوا) . وقوله: (لَنُبَيِّتَنَّهُ) التاء والنون والياء كلّ قد قرىء به فمن قال (تَقاسَمُوا) فجعل (تَقاسَمُوا) خبرًا فكأنه قَالَ: قالوا متقاسمين: لنُبَيِّتَنَّهُ بالنون. ثُمَّ يَجوز الياء عَلَى هَذَا المعنى فتقول: قالوا ليبيتُنّه بالياء، كما تَقُولُ: قالوا لنقومنّ وليقومنّ. ومن قال: تقاسموا فجعلها فِي موضع جَزْمِ فكأنه قَالَ: تحالفوا وأقسموا لتبيّتنه بالتاء والنون تجوز من هَذَا الوجه لأن الَّذِي قَالَ لَهُم تَقاسموا معهم فِي الفعل داخل، وإن كَانَ قد أمرهم ألا ترى أنك تَقُولُ: قومُوا نذهب إلى فلان، لأنه أمرهم وهو معهم فِي الفعل. فالنون أعجب الوجوه إليّ، وإن الْكِسَائي يقرأ بالتاء، والعوامّ عَلَى النون. وهي فِي قراءة عبد الله (تَقاسَمُوا) (ثُمَّ لنُقْسِمَنَّ ما شَهِدْنَا مَهْلِكَ أهله) وقد قَالَ الله (تَعالَوْا «1» نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) لأنهم دَعوهم ليفعلوا جَميعًا ما دَعَوا إِلَيْهِ. وقرأها أهل المدينة وَعَاصِم والحسن بالنون، وأصحابُ عبد الله بالتاء. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي سفيان ابن عيينة عَن حميد الأعرج عَن مجاهد أَنَّهُ قرأ (ليُبَيِّتُنَّهُ) باليَاء. وقوله: فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ [51] تقرأ بالكسر «2» عَلَى الاستئناف مثل قوله: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ «3» إِلى طَعامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ) يستأنف وهو يفسر بِهِ ما قبله وإن ردّه عَلَى إعراب ما قبله قَالَ (أَنَّا) بالفتح «4» فتكون (أَنَّا) فِي مَوْضِع رفع، تجعلها تابعة للعاقبة. وإن شئت جَعَلتها نصبًا من جهتين: إحداهما أن تردَّها عَلَى موضع (كيف) والأخرى أن تَكُرَّ «5» (كَانَ) كأنّك قلت: كَانَ عاقبة مكرهم تدميرنا إيَّاهم. وإن شئت جَعَلتها كلمةً واحدة فجعلت (أَنَّا) فِي موضع نصبٍ كأنّك قلت: فانظر كيف كَانَ عاقبة مكرهم تدميرنا إياهم. وقوله: وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ تعلمون أنها فاحشة.   (1) الآية 64 سورة آل عمران. (2) الفتح لعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف وافقهم الأعمش والحسن. والباقون بكسرها. (3) الآيتان 24، 25 سورة عبس. والكسر لغير عاصم وحمزة والكسائي وخلف أما هؤلاء فقرءوا بالكسر (4) الآيتان 24، 25 سورة عبس. والكسر لغير عاصم وحمزة والكسائي وخلف أما هؤلاء فقرءوا بالكسر (5) أي تنوى تكرارها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 وقوله: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى [59] . قيل للوط: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) على هلاك من هلك (وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) (آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا تُشْرِكُون) «1» يقول: أعبادةُ الله خير أم عبادة الأصنام: وقوله: فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ [60] فقال: (ذاتَ) ولم يقل: ذوات وكل صواب. وإنّما جازَ أن يقول (ذات) للحدائق وهي جمع لأنك تَقُولُ، هَذِه حدائق كما تَقُولُ: هذه حديقة. ومثله قول الله (وَلِلَّهِ «2» الْأَسْماءُ الْحُسْنى) ولم يقل الحسن و (الْقُرُونِ الْأُولى «3» ) ولو كانت حدائق ذوات بَهجة كَانَ صوابًا. وقال الأعشى فِي توحيدها: فسوف يُعقبُنيهِ إن ظفرت بِهِ ... ربٌّ غفورٌ وبِيض ذات أطهار ولم يقل: ذوات أطهار. وإنما يُقال: حديقة لكل بستان عَلَيْهِ حَائط. فما لَمْ يكن عَلَيْهِ حائط لَمْ يقل لَهُ: حديقة. وقوله: (أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ) مردود على قوله (أَمَّنْ خَلَقَ) كذا وكذا. ثُمَّ قَالَ (أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ) خلَقَه. وإن شئت جعلت رفعه بِمع كقولك: أمع الله ويلكم إله! ولو جاء نصبًا أإلَهًا مع الله عَلَى أن تضمر فعلًا يكون بِهِ النصب كقولك: أتجعلونَ إلهًا مع الله، أو أتتّخذونَ إلهًا مع الله. والعربُ تَقُولُ: أثعلبًا وتفرّ كأنهم أرادوا: أتُرَى ثعلبًا وتَفِرّ. وقال بعض «4» الشعراء: أَعبدًا حلَّ فِي شعبى غريبا ... ألؤما لا أبالك واغترابَا يريد: أتجمع اللؤم والاغتراب. وسمعت بعض العرب يقول لأسير أسره ليلا، فلمّا 138 ا   (1) أثبتت قراءة التاء كما جاء فى ش، ا. وهى قراءة غير عاصم وأبى عمرو ويعقوب. أما هؤلاء فقراءتهم «يشركون» بالياء [ ..... ] (2) الآية 180 سورة الأعراف (3) الآية 51 سورة طه (4) هو جرير. وانظر كتاب سيبويه 1/ 170 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 أصبح رَآه أسود، فقال أعبدًا سائر الليلة، كأنه قَالَ: ألا أراني أسَرْت عبدًا منذ ليلتى. وقال آخر: أجخفا تميميًّا إِذَا فتنة خَبَتْ ... وجُبْنًا إِذَا ما المشرفيّة سُلَّت «1» فهذا فِي كل تعجُّب خَاطَبُوا صاحبه، فإذا كَانَ يتعجب من شيء ويُخاطب غيره أعملوا الفعل فقالوا: أثعلب ورجل يفرّ منه، لأن هَذَا خطاب لغير صاحب الثعلب. ولو نصب عَلَى قوله أيفرّ رَجُل من ثعلب فتجعل العطف كأنه السَّابق. يُبْنَى عَلَى هذا. وسمعتُ بعض بني عُقَيل ينشد لِمجنون بني عَامِر: أألبرق أم نارا لليلى بدت لنَا ... بِمُنْخَرقٍ من سَارياتِ الجنائبِ وأنشدني فيها: بَلِ البرقَ يبدو فِي ذرَى دفئية ... يضيء نشاصًا مشمخرّ الْغَواربِ وأنشدني فيها: ولو نارَ ليلى بالشريف بدت لنا ... لحُبَّت إلينا نارُ من لَمْ يصاقِب فنصب كل هَذَا ومعه فعله عَلَى إضمار فعل منه، كأنه قَالَ أأرى نارًا بَلْ أرى البرق. وكأنه قَالَ. ولو رأيتُ نار ليلى. وكذلك الآيتان الآخريان فِي قوله (أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ) . وقوله: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [65] رفعت ما بعد (إلا) لأن فِي الَّذِي قبلها جحدًا وهو مرفوع. ولو نصبت كَانَ صوابًا. وَفِي إحدى القراءتين (ما فعلوهُ «2» إلا قليلًا منهم) بالنصب. وَفِي قراءتنا بالرفع. وكل صواب، هَذَا إِذَا كَانَ الجحد الَّذِي قبل إلا مع أسماء معرفة «3» فإذا كَانَ مع نكرة لَمْ يقولوا إلا الإتباع لِمَا قبل (إلّا) فيقولون: ما ذهب أحد إلّا   (1) الجخف أن يفتخر بأكثر مما عنده. والمشرفية: السيوف. (2) الآية 66 سورة النساء وقراءة النصب لابن عامر (3) ش: «معروفة» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 أبوك، ولا يقولون: إلا أباكَ. وَذَلِكَ أن الأب كأنه خلف من أحد لأن ذا واحد وذا واحد فآثروا الإتباع، والمسألة الأولى ما قبل (إلا) جمع وما بعد (إلا) واحد منه أو بعضه، وليس بكلّه. وقوله: (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) [66] معناهُ: لعلَّهم تدارك علمهم. يقول: تتابع علمهم فِي الآخرة. يريد: بعلم الآخرة أنها تكون أو لا تكون، لذلك قَالَ (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) وهي فِي قراءة أُبي (أَم تدارك عِلْمُهُم فِي الآخرة) بأَمْ. والعربُ تجعل (بَلْ) مكان (أم) و (أم) مكان (بل) إذا كان فى أوّل الكلام استفهام، مثل قول الشاعر: فو الله ما أدْرِي أَسَلْمَى تَغَوّلَتْ ... أَمِ النَّوْمُ أَمْ كلّ إلى حَبيبُ «1» فمعناهن: بَلْ. وقد اختلف القراء فِي (ادّارك) فقرأ يَحْيَى والحسن وشيبة وَنَافِع «2» (بَلِ ادَّاركَ) وقرأ مُجاهد وَأَبُو جَعْفَر المدني (بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخرة) من أدركت ومَعناهُ، كأنه قَالَ: هَلْ أدرك علمهم علم الآخرة. وبلغني عَن ابن عباس أَنَّهُ قرأ (بَلَى أَدَّارك) يستفهم ويشدد الدَّال ويَجعل فِي (بَلى) ياء. وهو وجه جيد لأنه أَشبه بالاستهزاء بأهل الجحد كقولك للرجل تكذبه: بَلَى لعمري لقد أدركت السلف فأنت تروي ما لا نروي وأنت تكذبه. وقرأ القراء أإنّا لمخرجون [67] و (إنَّنَا) «3» وهي فِي مصاحف أهل الشام (إنَّنا) . وقوله: عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ: [72] جاء فِي التفسير: دنا لكم بعضُ الَّذِي تستعجلون، فكأن اللام دخلت إِذْ كَانَ المعنى دنا كما قال الشاعر: 138 ب فقلت لَهَا الحاجَاتُ يطرحن بالفتى ... وهمٌّ تعَنّاني مُعَنًّى ركائبُهُ «4» فأدخل الباء فِي الفتى لأن معنى (يَطرحن) يرمين، وأنت تَقُولُ: رَميت بالشيء وطرحته،   (1) ا: «والله» فى مكان «فو الله» . و «تغولت» : تلونت (2) وكذا عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف (3) هى قراءة ابن عامر والكسائي (4) ب: «تغشائى» فى مكان: «تعنانى» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 وتكون اللام داخلة: والمعنى ردفكم كما قَالَ بعضُ العرب: نفذت لَهَا مائة وهو يريد: نفذتها مائة. وقوله: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [76] وَذَلِكَ أن بني إسرائيل اختلفوا حَتَّى لَعَنَ بعضهم بعضًا، فقال الله: إنّ هَذَا القرآن ليقصّ عليهم الهدى مما اختلفوا فِيهِ لو أخذوا بِهِ: وقوله: وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ [81] لو قلت بهادٍ العميَ كَانَ صوابًا. وقرأ حَمْزَةُ (ومَا أنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ عَن ضلالَتِهم) لأنها فِي قراءة عبد الله (وما إن تهدي العمي) وهما جحدان اجتمعا كما قَالَ الشاعر- وهو دريد بن الصمة-: ما إنْ رَأَيْتُ ولا سَمعتُ بِهِ ... كاليوم طالِيَ أيْنق جرب «1» وقوله: وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ [82] معناهُ إِذَا وجب السَّخط عليهم وهو كقوله (حَقَّ «2» عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) فِي موضع آخر. وقوله (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ) اجتمعَ القراء عَلَى تشديد (تكلّمهم) وهو من الكلام. وَحَدَّثَنِي بعضُ المحدثين أَنَّهُ قَالَ (تُكَلِّمهم) و (تَكْلِمُهم) وقوله (أن الناسَ) «3» تفتح وتكسر. فمن فَتَحها أوقع عليها الكلام: تكلمهم بأن الناس، وموضعها نصب. وَفِي حرف عبد الله (بأن الناس) وَفِي حرف أبي (تُنَبِّئهم أن الناس) وهما حُجّة لمن فتح وأهل المدينة (تكلِّمُهُم إِنّ الناسَ) فتكون (إنّ) خبرًا مسْتأنفًا ولكنه معنى وقوع الكلام. ومثله (فَلْيَنْظُرِ «4» الإِنْسَانُ إلى طعامه) من قال (أنّا) جَعَله مخفوضًا مردودًا عَلَى الطعام إلى أَنَّا صببنا الماء. ومن كسره قَالَ: إنا أخبر بسبب الطعام كيف قدره الله. وقوله: (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ) [87] ولم يقل فيفزعُ، فجعل فَعَل مردودة عَلَى يفعل.   (1) سبق هذا البيت (2) الآية 63 سورة القصص (3) الفتح لعاصم وحمزة والكسائي وخلف وافقهم الحسن والأعمش. والكسر للباقين (4) الآية 24 سورة عبس [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي المعنى: وإذا نفخ فِي الصُّور ففزع ألا ترى أن قولك. أقوم يوم تقوم كقولك: أقوم إذا تقوم، فأجيبت بفَعَل، لأن فعل ويفعل تصلحان مع إِذَا. فإن قلت فأين جواب قوله (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فى الصّور) ؟ قلت: قد يكون فِي فَعَل مضمر مع الواو كأنه قَالَ: وَذَلِكَ يوم ينفخ فِي الصور. وإن شئت قلت: جوابه متروك كما قَالَ (وَلَوْ تَرى «1» إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ) . وقوله (وَلَوْ يَرَى «2» الَّذِينَ ظَلَمُوا) [87] قد تُرك جوابه. والله أعلم. وقوله (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) الْقُرَّاء عَلَى تطويل الألف يريدونَ: فاعلوه. وقصرها «3» حَمْزَةُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ حَدَّثَنِي عِدَّةٌ مِنْهُمُ الْمُفَضَّلُ الضَّبِّيُّ وَقَيْسٌ وَأَبُو بَكْرٍ كُلُّهُمْ عَنْ جَحْشِ بْنِ زِيَادٍ الضَّبِّيِّ عَنْ تَمِيمِ بْنِ حَذْلَمٍ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ (وَكُلٌّ آتَوْهُ دَاخِرِينَ) بِتَطْوِيلِ الأَلِفِ. فَقَالَ (وَكُلٌّ أَتَوْهُ) بِغَيْرِ تَطْوِيلِ الأَلِفِ وهو وجه حسن مردود على قوله (فَفَزِعَ) كما تَقُولُ فِي الكلام: رآني ففرّ وَعَاد وهو صَاغِر. فكان ردُّ فَعَل عَلَى مثلها أعجب إليّ مع قراءة عبد الله. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ وَحَدَّثَنِي عبد الله بن إدريس عَن الأعمش عَن تَميم عَن عبد الله بِمثل حديث أبي بكر وأصحابه. وقوله: وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ [89] قراءة القراء بالإضافة. فقالوا (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) و (يَوْمَئِذٍ) وقرأ عبد الله بن مسعود فِي إسنادٍ بعضهم بعض الَّذِي حدثتك (مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) قرأها عليهم تَميم هكذا (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) فأخذها بالتنوين والنصب. والإضافة أعجبُ إليّ وإن كنت أقرأ بالنصب لأنه فَزَع معلوم، ألا ترى أَنَّهُ قَالَ (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) فصيّره 139 امعرفة. فإن أضِيفَهُ فيكون معرفةً أعجبُ إليّ. وهو صواب. وقوله: وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ [92] وَفِي إحدى القراءتين (وَأَنِ اتْلُ) بغير واو مجزومة على جهة   (1) الآية 51 سورة سبأ. (2) الآية 165 سورة البقرة. (3) وكذا حفص وخلف، وافقهم الأعمش. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 الأمر. قد أسقطت منها الواو للجزم عَلَى جهة الأمر كما قَالَ (قُلْ إِنِّي «1» أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ) فجعل الواو مردودة بالنهي عَلَى حرف قد نصب بأن لأن المعنى يأتي فِي (أمرت) بالوجهين جَميعًا، ألا ترى أنك تَقُولُ: أَمَرْت عبد الله أن يقوم، وأَنْ قُمْ. وقال الله (وَأُمِرْنا «2» لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ) فهذا مثل قوله (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) . ومن سورة القصص قوله: وَيَرَى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما [6] هكذا قراءة أصحاب «3» عبد الله بالياء والرفع. والناس بعد يقرءونها «4» بالنّون: (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما) بالنصب. ولو قرئت بالياء ونصب فرعون، يريد: ويُرِيَ الله فرعونَ كَانَ الفعل لله. ولم أسمع أحدًا قرأ بِهِ. وقوله: عَدُوًّا وَحَزَناً [8] هذه لأصحاب «5» عبد الله والعوامّ (حزنا) وكأن الْحُزْن الاسمُ والْغَمّ وما أشبهه، وكأن الحزن مصدر. وهما بمنزلة الْعُدم والعَدَم. وقوله: وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ [9] رفعت (قُرَّتُ عَيْنٍ) بإضمار (هُوَ) ومثله فِي القرآن كَثِير يرفع بالضمير. وقوله: (لا تَقْتُلُوهُ) وَفِي قراءة عبد الله (لا تقتلوهُ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَك) وإنما ذكرت هَذَا لأني سَمِعْتُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ مَرْوَانَ السُّدِّيُّ يَذْكُرُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عبّاس أنه قال: إنها قالت (قرة عين لى ولك لا) وَهُوَ لَحْنٌ «6» . وَيُقَوِّيكَ عَلَى رَدِّهِ قِرَاءَةُ عَبْدِ الله.   (1) الآية 14 سورة الأنعام (2) الآية 71 سورة الأنعام (3) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف وافقهم الحسن والأعمش (4) ا: «يقرءون» (5) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف وافقهم الأعمش. (6) أي لمخالفته رسم المصحف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 وقوله: (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) يعني بني إسرائيل. فهذا وجه «1» . ويَجوز أن يكون هَذَا من قَوْل الله. وَهُمْ لا يشعرون بأن موسى هُوَ الَّذِي يسلبهم مُلكهم. وقوله: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً [10] قد فَرَغَ لهمّه، فليس يَخلط هَمّ موسى شىء وقوله (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) يعني باسم موسى أَنَّهُ ابنُها وَذَلِكَ أن صدرها ضاقَ بقول آل فرعون: هُوَ ابن فرعون، فكادت تُبدي [بِهِ] أي تظهره. وَفِي قراءة عبد الله (إِنْ كادت لَتُشعِرُ بِهِ) وَحَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي يَحْيَى بِإِسْنَادٍ لَهُ أَنَّ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ قَرَأَ (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَزِعًا «2» ) مِنَ الْفَزَعِ. وقوله: وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ [11] قصّى أثره. (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) . يقول: كانت على شاطىء البحر حَتَّى رأت آل فرعون قد التقطوه. وقوله (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) يعني آل فرعون لا يشعرون بأخته. وقوله: وحرّمنا عليه المراضع يقول: منعناه من قبول ثدى إلّا ثدى أُمّه. وقوله: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ [15] وإنّما قَالَ (عَلَى) ولم يقل: ودخل المدينة حين غفلة، وأنت تَقُولُ: دخلت المدينة حين غفل أهلها، ولا تَقُولُ: دخلتها عَلَى حين غفل أهلها. وَذَلِكَ أن الغفلة كانت تُجزئ من الحين، ألا ترى أنك تَقُولُ: دخلت عَلَى غفلة وجئتُ عَلَى غفلة، فلما كَانَ (حين) كالفضل فِي الكلام، والمعنى: فِي غفلة أدخلت فِيهِ (عَلَى) ولو لَمْ تكن كانَ صوابًا. ومثله قول الله (عَلى فَتْرَةٍ «3» مِنَ الرُّسُلِ) ولو كَانَ عَلَى حين فترة من الرسل لكان بمنزلة هَذَا. ومثله قوله العجير: ..... ومن يكن ... فتى عامَ عام الماءِ فَهْو كبير «4»   (1) ا، ب: «وجهه» (2) في الطبري: «فازعا» (3) الآية 19 سورة المائدة (4) البيت بتمامه- كما فى اللسان-: رأتنى تحادبت الغداة ومن يكن ... فتى عامَ عام الماءِ فَهْو كبير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 كذلك أنشدني الْعُقَيْلِي. فالعام الأول فَضْل. وقوله: (فَوَكَزَهُ مُوسى) يريد: فلكزه» . وفى قراءة عبد الله (فنكزه) ووهزه أيضًا لغة. كلٌّ سواء. وقوله (فَقَضى عَلَيْهِ) يعني قتله. وندم «2» موسى فاستغفرَ الله فغفر لَهُ. وقوله: رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ [17] قَالَ ابن عباس: لَمْ يستثن فابتُلِي، فجعل (لَنْ) خبرًا لموسى. وَفِي قراءة عبد الله (فَلَا تَجْعَلْنِي ظَهِيرًا) فقد تكون (لَنْ أكُونَ) عَلَى هَذَا المعنى دُعاءً من موسى: اللَّهُمَّ لن أكون لَهُمْ ظهيرًا فيكون دعاءً وَذَلِكَ أنّ الَّذِي من شيعته لقيه رجل بعد قتله الأول فتسخر الَّذِي من شيعة موسى، فمرّ بِهِ موسى عَلَى تِلْكَ الحال فاستصرخه- يعني استغاثه- فقال لَهُ موسى: (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) أي قد قتَلت بالأمس رجلًا فتدعوني «3» إلى آخر. وأقبل إليهما فظنّ الَّذِي من شيعته أَنَّهُ يريده. فقالَ (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) ولم يكن فرعون علم من قتل القبطي الأول. فترك القبطي الثاني صاحب موسى من يده وأخبر بأن موسى القاتل. فذلك قول ابن عباس: فابتلي بأن صاحبه الَّذِي دَلّ عليه. وقوله: وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ [22] يريد: قصَد ماءَ مَدْيَنَ. ومَدْين لَمْ تصرف لأنها اسم لتلك البلدة. وقال الشاعر «4» رُهبانُ مَدْينَ لو رأوكِ تَنَزَّلُوا ... والعُصْمُ من شَعَفِ العقولِ الفادر وقوله (أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) : الطريق إلى مدين ولم يكن هاديًا «5» لطريقها.   (1) هو الضرب بجمع الكف [ ..... ] (2) هذا تفسير للآية 16 «قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ» (3) ا: «وتدعونى» (4) هو كثير كما فى معجم البلدان (مدين) . والعصم جمع الأعصم وهو الوعل. والعقول جمع عقل وهو الملجأ. وشعف العقول رءوسها وأعاليها. والفادر: الوعل المسن أو الشاب. وكأنه من صفة العصم فيكون مرفوعا. وقد جاء صفة للجمع لما كان الجمع على زنة المفرد. (5) أي مهتديا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 وقوله عَزَّ وَجَلَّ. وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تذودان [23] : تحبسَان غنمهما. ولا يَجوز أن تَقُولُ ذُدْتُ الرجل: حبسته. وإنَّما كَانَ الذِّيَادُ حَبْسًا للغنم لأن الغنم والإبل إذا أراد شىء منها أن يشذّ ويذهب فرددته فذلك ذَوْد، وهو الحبس. وَفِي قراءة عبد الله (وَدُونَهُمُ امْرَأَتَانِ حَابِسَتَانِ) فَسَألَهُمَا عَن حبسهما فقالتا: لا نقوى عَلَى السقي مع الناس حَتَّى يُصْدِروا. فأتى أهل الماء فاستوهبهم دَلْوًا فقالوا: استقِ إن قويت، وكانت الدلو يحملها الأربعونَ ونَحوهم. فاستقى هُوَ وحدَهُ، فسَقي غنمهما، فذلك قول إحدى الجاريتين (إِنَّ خَيْرَ «1» مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) فقُوّته إخراجه الدلو وَحده، وأمانته أن إحدى الجاريتين قالت: إن أبى يدعوك، فقامَ معها فمرّت بين يديه، فطارت الريحُ بثيابِها فألصقتها بجسدها، فقال لَهَا: تأخّري فإن ضللت فدُليني. فمشت خلفه فتلك أمانته. وقوله: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ [27] يقول: أن تجعل ثوابي أن ترعى عليّ غنمي ثماني حجج (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) يقول: فهو تطوّع. فذكر ابن عباس أَنَّهُ قضى أكثر الأجلين وأطيبهما. وقوله: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ [28] فجعل (ما) وهي صلة من صلات الجزاء مع (أيّ) وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه (أيَّ الأجلينَ مَا قضَيْت فَلَا عُدْوَانَ عَلَيّ) وهذا أكثر فِي كلام العرب من الأوّل. وقال الشاعر: وأيّهما ما أتبَعَنَّ فإنني ... حَريصٌ عَلَى إثْرِ الَّذِي أنَا تابِعُ وسمع الْكِسَائي أعرابيًا يقول: فأيُّهم ما أخذها ركب عَلَى أيِّهم، يريدُ فِي لُعبة لَهُم. وَذَلِكَ جائز أيضًا حسن. وقوله: أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ [29] قرأها عاصم (أو جذوة) بالفتح والقراءة بكسر «2» الجيم   (1) فى الآية 26 سورة القصص (2) الرفع لحمزة وخلف وافقهما الأعمش. والكسر لغير عاصم وهؤلاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 أو 140 ابرفعها. وهي مثل أوطأتك عِشوة وعُشوةً وعَشَوة والرّغوة والرُّغوة والرِّغْوة. ومنه رَبْوةً ورُبْوة ورِبْوة. وقوله: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ [32] و (الرَّهَبِ) قرأها أهل المدينة (الرّهَب) وَعَاصِم «1» والأعمش (الرُّهْبِ) . وقوله: رِدْءاً يُصَدِّقُنِي [34] تقرأ جزمًا ورفعًا «2» . من رفعها جعلها صلة للردء ومن جزم فعلى الشرط. والرِّدْءُ: الْعَوْن. تَقُولُ: أردأت الرجل: أعنته. وأهل المدينة يقولونَ (رِدًا يُصَدِّقْنِي) بغير هَمزٍ والجزم عَلَى الشرط: أرسله معى يصدّقنى مثل (يَرِثُنِي «3» وَيَرِثُ) . وقوله: فَذانِكَ بُرْهانانِ [32] اجتمع القراء «4» عَلَى تخفيف النون من (ذَانِكَ) وكثير من العرب يقول (فذانّك) و (هذانّ) قائمان (وَالَّذانِ «5» يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) فيشدِّدونَ النون. وقوله: (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ) يريد عَصَاهُ فِي هَذَا الموضع. والجناح فِي الموضع الآخر: ما بين أسفل الْعَضد إلى الرُّفع وهو الإبط. وقوله: فَأَوْقِدْ لِي يَا هامانُ عَلَى الطِّينِ [38] يقول: اطبخ لي الآجُر وهو الأجور والآجُرّ. وأنشد: كأنّ عينيه من الغوّور ... قَلْتان فِي جَوف صَفًا منقور عُولي بالطين وبالأجور «6» وقوله: قالوا سحران تظاهر [48] يعنون التوراة والقرآن، ويُقال (سَاحرَان تَظَاهَرَا) يعنونَ مُحَمَّدًا وموسى صلى الله عليهما وسلم. وقرأ عاصم «7» والأعمش (سِحْرانِ) .   (1) أي فى رواية أبى بكر. فأما فى رواية حفص فيفتح الراء وسكون الهاء (2) الرفع لحمزة وعاصم. والجزم للباقين (3) الآية 6 سورة مريم (4) هذا فيما يلغه. وقد قرأ بالتشديد ابن كثير وأبو عمر ورويس راوى يعقوب (5) الآية 16 سورة النساء وقد قرأ بالتشديد ابن كثير (6) هذا الرجز فى وصف بعير. والقلت: النقرة فى الجبل تمسك الماء. والصفا: الحجر الصلد الضخم لا ينبت (7) وكذا حمزة والكسائي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ، قَالَ وَحَدَّثَنِي غير واحد عَن إسماعيل ابن أبي خالد عَن أبي رزين أَنَّهُ قرأ (سحران تظاهرا) . قَالَ: وقال سفيان بن عيينة عَن حميد قَالَ: قَالَ مجاهد: سألتُ ابن عباس وعنده عكرمة فلم يجبني، فلمّا كانت «1» فِي الثالثة قَالَ عكرمة أكثرت عَلَيْهِ (سَاحِرَان تَظَاهَرَا) فلم ينكر ابن عباس، أو قَالَ: فلو أنكرها لغيّرها. وكان عكرمة يقرأ (سِحْرانِ) بغير ألف ويَحتج بقوله: (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ) وقرأها أهلُ المدينة والحسن (سَاحِرَان تَظَاهَرَا) . وقوله: أَتَّبِعْهُ [49] رَفْع «2» لأنها صلة للكتاب لأنه نكرة وإذا جزمت «3» - وهو الوجه- جعلته شرطًا للأمر. وقوله: وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ [51] يقول: أنزلنا عليهم القرآن يتبع بعضه بعضًا. وقوله: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ [53] يُقال: كيف أسلموا قبل القرآن وقبل مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَذَلِكَ «4» أنهم كانوا يجدونَ صفة النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كتابِهم فصدقوا بِهِ. فذلك إسلامهم. و (مِنْ قَبْلِهِ) هَذِه الْهَاء للنبي عَلَيْهِ السَّلَام. ولو كانت الهاء كناية عن القرآن كان صوابًا، لأنهم قد قالوا: إنه الحق من ربنا، فالهاء هاهنا أيضًا تكون للقرآن ولمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [56] يكون الحبّ عَلَى جهتين هاهنا: إحداهما: إنك لا تهدي من تُحبَّه للقرابة. والوجه الآخر يريد: إنك لا تهدي من أحببت أن يَهتدي كقولك: إنك لا تَهدي من تريد، كما تراه كثيرا فِي التنزيل (وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أن يهديه.   (1) كأنه يريد: فلما كانت المسألة. [ ..... ] (2) هذا فى الآية التالية 49. وفى ابعد تلاوة الآية: «جزم» يريد الجزم فى «أتبعه» (3) الرفع قراءة زيد بن على كما فى البحر المحيط. وهى قراءة شاذة. والجزم هو القراءة المعول عليها. (4) هذا شروع فى الجواب عن السؤال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 وقوله: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً [57] قالت قريش: يا مُحَمَّد ما يمنعنا أن نؤمن بك ونصدقك إلا أن العرب عَلَى ديننا، فنخاف أن نصطلم «1» إِذَا آمنا بك. فأنزل الله (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ) نسكنهم (حَرَماً آمِناً) لا يخاف من دخله أن يقام عَلَيْهِ حَدّ ولا قصاص فكيف يخافون أن تستحل العرب قتالهم فِيهِ. وقوله: (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) و (تُجْبَى «2» ) ذُكِّرت يُجبى، وإن كانت الثمرات مؤنثة لأنك فرقت بينهما بإليه، كما قَالَ الشاعر: 140 ب إن امرأ غَرَّهُ منكُنَّ واحدة ... بعدي وَبَعْدَك فِي الدُّنْيَا لَمغرور وقال آخر «3» : لقد ولد الأخيطل أمُّ سَوْءٍ ... عَلَى قمَع اسْتِها صُلُب وشامُ وقوله: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها [58] بطرتها: كفرتَها وخسِرتها ونصبك المعيشة من جهة قوله (إِلَّا مَنْ «4» سَفِهَ نَفْسَهُ) إنما المعنى والله أعلم- أبطرتها معيشتها كما تَقُولُ: أبطرك مالك وَبطِرتَه، وأسْفهك رأيك فسفهته. فذُكرت المعيشة لأن الفعل كَانَ لَهَا فِي الأصل، فحوّل إلى ما أضيفت «5» إِلَيْهِ. وكأن نصبه كنصب قوله (فَإِنْ طِبْنَ «6» لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) ألا ترى أن الطيب كَانَ للنفس، فلمّا حوَّلته إلى صاحب النفس خرجت النفسُ منصوبة لتفسِّر معنى الطيب. وكذلك ضقنا بِهِ ذَرْعًا إنما كان المعنى: ضاق به ذرعنا.   (1) الاصطلام: الاستئصال. (2) هى قراءة نافع وأبى جعفر ورويس راوى يعقوب (3) هو جرير يهجو الأخطل. والقمع بزنة عتب وضرب: ما يوضع فى فم السقاء ونحوه ثم يصب فيه الماء والشراب، استعاره لفرجة الاست. والصلب جمع صليب. والشام جمع شامة وهى علامة تخالف البدن وكانت أم الأخطل كالأخطل نصرانية (4) الآية 130 سورة البقرة (5) ا «أضيف» (6) الآية 4 سورة النساء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 وقوله: (لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا) معناهُ: خرِبت من بعدهم فلم يُعمر منها إلا القليل، وسائرها خراب. وأنت ترى اللفظ كأنَّها سُكنت قليلًا ثُمَّ تُركت، والمعنى عَلَى ما أنبأتك بِهِ مثله: ما أعطيتك دراهمك إلَّا قليلًا، إنّما تريد: إلا قليلًا منها. وقوله: (حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها) [59] أُمّ الْقُرَى مكة. وإنّما سميت أمّ القرى لأن الأرض- فيما ذكروا- دحِيت من تَحتها. وقوله: فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ «1» [66] يقول القائل: قَالَ الله (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) كيف قال هنا: (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) فإن التفسير يقول: عَمِيت عليهم الحجَج يومئذ فسكتوا فذلك قوله (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) فِي تِلْكَ الساعة، وهم لا يتكلمون. قوله: فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ [67] وكل شيء فِي القرآن من (عسى) فذُكر لنا أنها واجبة. وقوله: مَا كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [68] يُقال «2» الْخِيرة والخَيْرَة والطِّيرَة والطَّيْرة. والعربُ تَقُولُ: أعطني الْخَيْرَة منهن والخِيَرَة منهن والخِيَرة وكل ذَلِكَ الشيء المختار من رجل أو امرأة أو بَهيمة، يَصْلُح إحدى هَؤُلَاءِ الثلاث فِيهِ. وقوله: إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً [71] دائما لانهار معه. ويقولون: تركته سَرْمَدًا سمْدًا، إتباع. وقوله: جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [73] . إن شئت جعلت الْهَاء راجعة عَلَى الليل خاصة وأضمرت للابتغاء هاء أخرى تكون للنهار، فذلك جائز. وإن شئت جعلت الليل والنهار كالفعلين لأنَّهما ظُلْمة وضوء، فرجعت الْهَاء فِي (فيه) عليهما جميعا، كما تقول:   (1) الآية 27 سورة الصافات، والآية 25 سورة الطور (2) فى اللسان فى نقل عبارة الفراء. قبل هذا الكلام: «أي ليس لهم أن يختاروا على الله» وكان هذا من نسخة غير ما وقع لنا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 إقبالك وإدبارك يؤذيني لأنهما فعل والفعل يَرَدّ كثيره وتثنيته إلى التوحيد، فيكون ذَلِكَ صوابًا. وقوله: إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ [76] وكان ابن عمّه (فَبَغى عَلَيْهِمْ) وبَغْيه عليهم أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كانت النبوة لموسى، وَكَانَ المذبح والقُرْبَان الَّذِي يُقرّب فِي يد هارون فما لى؟ وقوله: (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) نَوؤها بالعُصْبة أن تُثقلهم، والعُصْبة هاهنا أربعونَ رجلًا ومفاتِحه: خزائنه. والمعنى: ما إن مفاتحه لتُنيء العصبة أي تميلهم من ثقلها فإذا أدخلت الباء قلت: تنوء بِهم وتُنيء بهم، كما قال (آتُونِي «1» أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) والمعنى: ائتوني بقِطْرٍ أُفرغ عَلَيْهِ، فإذا حذفت الباء زدت فِي الفعل ألفًا فِي أوله. ومثله (فَأَجاءَهَا «2» الْمَخاضُ) معناهُ: فجاء بِهَا المخاض. وقد قَالَ رجلٌ من أهل العربية: إن المعنى «3» : ما إن الْعُصْبَة لتنوءُ بِمفاتِحه فحوّل الفعل إلى المفاتِح كما قَالَ الشاعر: إن سراجًا لكريم مفخره ... تَحْلَى بِهِ الْعَيْنُ إِذَا ما تَجْهَرُه «4» وهو الَّذِي يَحْلَى بالعينِ. فإن كَانَ سَمِعَ بِهذا أثرًا فهو وجه. وإلا فإن الرجل جَهل المعنى. ولقد أنشدني بعض العرب: حَتَّى إِذَا ما التأمت مَوَاصِلُهْ ... وناءَ فِي شقّ الثِّمالِ كاهِلُهْ يعني الرامي لِمَا أخذ القوس ونزع مال عَلَى شِقّه. فذلك نَوْؤه عليها. ونُرى أن قول العرب: ما ساءك وناءك من ذَلِكَ، ومعناهُ ما سَاءك وأناءك، إلا أَنَّهُ ألقى الألف لأنه مُتبع لساءك، كما قالت العرب: أكلت طعامًا فهنأني ومرأني، ومعناهُ، إِذَا أفردت: وأمرأني، فحذفت منه الألف لِمَا أن أتبع ما لا ألف فيه.   (1) الآية 96 سورة الكهف. (2) الآية 23 سورة مريم. (3) انظر ص 99، 131 من الجزء الأول. [ ..... ] (4) يريد أنه خرجه على القلب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 وقوله: (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ) ذكروا أن موسى الَّذِي قَالَ لَهُ ذَلِكَ لأنه من قومه وإن كَانَ عَلَى غير دينه. وجمعه هاهنا وهو واحد كقول الله (الَّذِينَ «1» قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) وإنَّما كَانَ رَجُلًا من أشجع وقوله (الْفَرِحِينَ) ولو قيل: الفارحين كَانَ صوابًا، كأنَّ الفارحين: الَّذِينَ يفرحونَ فيما يستقبلونَ، والفرحين الَّذِينَ هم فِيهِ الساعة، مثل الطامع والطمع، والمائت والميت، والسالس والسَّلس. أنشدني بعض بني دُبَيْر، وهم فصحاء بني أسد: ممكورةٌ غَرْثَى الوشاحِ السَّالِسِ ... تضحك عَن ذي أُشُر عُضارس «2» العضارس البارد وهو مأخوذ من الْعَضْرس وهو البرد. يُقال: سَالِس وسلِس. وقوله: إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي [78] : عَلَى فضلٍ عندي، أي كنت أهله ومستحقًا لَهُ، إذ أعطيته لفضل علمي. ويُقال: (أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) ثُمَّ قَالَ (عِنْدِي) أي كذاك أرى كما قَالَ (إِنَّما أُوتِيتُهُ «3» عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) . وقوله: (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) يقول: لا يسأل المجرم عَن ذنبه. الْهَاء والميم للمجرمين. يقول: يعرفون بسيماهم. وهو كقوله: (فَيَوْمَئِذٍ «4» لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) ثم بيّن فقال: (يُعْرَفُ «5» الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) وقوله: وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ [80] يقول: ولا يلقى أن يقول ثَوَابُ اللَّهِ خير لمن آمن وعمل صالحا إلا الصابرون. ولو كانت: ولا يلقاه لكان صوابًا لأنه كلام والكلام يُذهب بِهِ إلى التأنيث والتذكير. وَفِي قراءة عبد الله (بَل هي آيَاتٌ بيِّنات) وَفِي قراءتنا (بَلْ هُوَ «6» آيات) فمن قال   (1) الآية 173 سورة آل عمران. (2) الممكورة: الحسنة الساقين. وغرثى الوشاح: «خميصة البطن دقيقة الخصر» . والسالس: اللين. والأشر: تحزيز الأسنان. ويريد بذي أشر ثغرها. (3) الآية 49 سورة الزمر. (4) الآية 39 سورة الرحمن. (5) الآية 41 سورة الرحمن. (6) الآية 49 سورة العنكبوت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 (هي) ذهبَ إلى الآيات، ومن قَالَ (هُوَ) ذهبَ إلى القرآن. وكذلك (تِلْكَ «1» مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) و (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ «2» ) ومثله فِي الكلام: قد غمّني ذاك وغمّتني تلك منك. وقوله: وَيْكَأَنَّ اللَّهَ [82] فِي كلام العرب تقرير. كقول الرجل: أما ترى إلى صنع الله. وأنشدني: ويكأن من يكن له نشب يح ... بب ومن يفتقر يعش عيش ضُرّ «3» قَالَ الفراء: وأخبرني شيخ من أهل البصرة قَالَ: سمعت أعرابية تَقُولُ لزوجها: أين ابنك ويلك؟ فقال: ويكأنه وراء البيت. معناهُ: أما ترينه وراء البيت. وقد يذهب بعض النحويين إلى أنهما كلمتان يريد وَيْكَ أَنَّهُ، أراد ويلك، فحذف اللام وجعل (أنّ) مفتوحة بفعل مضمر، كأنه قَالَ: ويلك أعلم أَنَّهُ وراء البيت، فأضمر (أعلم) . ولم نَجد العرب تُعمل الظن والعلم بإضمار مضمر فِي أنّ. وَذَلِكَ أَنَّهُ يبطل إِذَا كَانَ بين الكلمتين أو فِي آخر 141 ب الكلمة، فلمّا أضمره جرى مَجْرَى الترك ألا ترى أَنَّهُ لا يَجوز فِي الابتداء أن تَقُولَ: يا هَذَا أنك قائم، ولا يا هَذَا أن قمت تريد: علمت أو أعلم أو ظننت أو أظن. وأمّا حذف اللام من (ويلك) حَتَّى تصير (ويك) فقد تقوله العرب لكثرتها فِي الكلام قَالَ عنترة: ولقد شفى نفسي وَأبرأ سُقمها ... قولُ الفوارس وَيْكَ عَنْتَرَ أقدم «4» وقد قَالَ آخرون: إن معنى (وَيْكَأَنَّ) أنّ (وَيْ) منفصلة من (كأنّ) كقولك للرجل: وَيْ، أمَا ترى ما بين يديك، فقال: وَيْ، ثُمَّ استأنف (كأن) يعني (كأن الله يبسط الرزق) وهى تعجّب، و (كأنّ) فِي مذهب الظن والعلم. فهذا وجه مستقيم. ولم تكتبها العرب منفصلة،   (1) الآية 49 سورة هود. (2) الآية 44 سورة آل عمران. (3) فى اللسان (وى) أنه لزيد بن عمرو بن نفيل. ويقال لنبيه بن الحجاج. والنشب: المال والعقار. (4) هذا من معلقته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 ولو كانت عَلَى هَذَا لكتبوها منفصلة. وقد يَجوز أن تكون كَثر «1» بِهَا الكلام فوصلت بما ليست منه كما اجتمعت العرب عَلَى كتاب (يا بن أمّ) (يا بنؤمّ) «2» قال: وكذا رأيتها فِي مُصحف عبد الله. وهي فِي مصاحفنا أيضا. وقوله: لَخَسَفَ بِنا [82] قراءة العامة (لَخَسَفَ) وقد قرأها شَيْبَة «3» والحسن- فيما أعلم- (لَخَسَفَ بِنا) وهى فى قراءة عبد الله (لا نخسف بنا) فهذا حجّة لمن قرأ (لخسف) . وقوله: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ [85] . يقول: أَنْزَلَ عليك القرآن (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) ذكروا أن جبريل قَالَ يا مُحَمَّد أشتقت إلى مولدك ووطنك؟ قَالَ: نعم. قَالَ فقال لَهُ ما أنزل عَلَيْهِ (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) يعني إلى مكة. والمعاد هاهنا إنما أراد بِهِ حَيْثُ ولدت وليس من العود «4» . وقد يكون أن يجعل قوله (لَرادُّكَ) لمصيرك إلى أن تعود إلى مكة مفتوحة لك فيكون المعاد تعجّبا (إِلى مَعادٍ) أَيّما مَعاد! لِمَا وعده من فتح مكة. وقوله: وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [86] : إلا أن ربك رحمك (فأنزل «5» عليك) فهو استثناء منقطع. ومعناهُ: وما كنت ترجو أن تعلم كتب الأولين وقصصهم تتلوها عَلَى أهل مكة ولم تحضرها ولم تشهدها. والشاهد عَلَى ذلك قوله فى هذه السّورة (وَما كُنْتَ ثاوِياً «6» فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) أي إنك تتلو عَلَى أهل مكة قصص مدين وموسى ولم تكن هنالك ثاويًا مقيمًا فنراه وتسمعه. وكذلك قوله (وَما كُنْتَ «7» بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ) وهأنت ذا تتلو قصصهم وأمرهم. فهذه الرحمة من ربّه.   (1) ش: «أكثر» . (2) فى الآية 94 سورة طه. (3) وهى قراءة حفص ويعقوب. [ ..... ] (4) فى الطبري أنّه على هذا من العادة أي لرادك إلى عادتك من الموت أو حيث ولدت. (5) سقط فى ا: (6) الآية 45. (7) الآية 44. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 وقوله: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [88] إلا هُوَ. وقال الشاعر: أستغفرُ اللَّه ذنبًا لستُ مُحْصِيهُ ... رَبّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ أي إليه أوجّه عملى. ومن سورة العنكبوت قوله: الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا [2] (يُتركوا) «1» يقع فيها لام الخفض، فإذا نزعتها منها كانت منصوبة. وقلمّا يقولون: تركتك أن تذهب، إنما يقولون: تركتك تذهب. ولكنها جُعلت مكتفية بوقوعها عَلَى الناس وحدهم. وإن جعلت (حَسِبَ) مَكرورة عليها كَانَ صوابًا كأن المعْنى: أحسب الناس أن يتركوا، أحسبوا (أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) . وقوله: اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ [12] هُوَ أمر فِيهِ تأويل جزاء، كما أن قوله (ادْخُلُوا «2» مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ) نَهْي فِيهِ تأويل الجزاء. وهو كَثِير فِي كلام العرب. قَالَ الشاعر «3» : فقلتُ ادعِي وَأَدْعُ فإنّ أندى ... لصوتٍ أن يُنادي داعيان أراد: ادعِي ولأَدْعُ فإن أندى. فكأنه قَالَ: إن دعوت دعوت. وقوله: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ [13] يعنى أوزارهم 142 ا (وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ) يقول: أوزار من أضلّوا.   (1) كذا. والصواب: «أن يقولوا» . والأصل: «لأن يقولوا» . (2) الآية 18 سورة النمل. (3) هو مدثار بن شيبان النمري. وقبله. تقول خليلتى لما اشتكينا ... سيدركنا بنو القرم الهجان ويقال فلان: أندى صوتا أي أبعد مذهبا وأرفع صوتا وانظر اللسان (ندى) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 وقوله: إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً [17] (إنّما) فِي هَذَا الموضع حرف واحد، وليست على معنى (الذي) (وتخلقون إفكا) مردودة عَلَى (إنما) كقولك: إنما تفعلونَ كذا، وإنما تفعلون كذا. وقد اجتمعوا عَلَى تخفيف (تَخْلُقُونَ) إِلا أبا عَبْد الرَّحْمَن السُّلَميّ فإنه قَرَأَ (وتَخَلّقُونَ إِفْكا) ينصب التاء ويُشدد اللام وهما فى المعنى سواء. وقوله: النَّشْأَةَ [20] القراء مجتمعونَ عَلَى جزم الشِّين وقصرها، إلا الْحَسَن «1» الْبَصْرِيّ فإنه مدها فِي كل القرآن فقال (النشَاءَة) ومثلها مما تقوله العرب الرأفة، والرآفة، والكَأبة والكآبة كلٌّ صواب. وقوله: وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ [22] يقول: القائل: وكيف وصفهم أنهم لا يعجزون فِي الأرض ولا فِي السماء، وليسوا من أهل السماء؟ فالمعنى- والله أعلم- ما أنتم بِمعجزين فِي الأرض ولا من فِي السماء بِمعجزٍ. وهو من غامض العربية للضمير الَّذِي لَمْ يظهر فِي الثاني. ومثله قول حسان: أمَن يهجو رسول الله منكم ... ويَمدحُهُ وينصرهُ سَوَاءُ «2» أراد: ومن ينصره ويَمدحه فأضمر (مَنْ) وقد يقع فِي وَهْم السَّامِعِ أن المدح والنصر لمن هَذِه الظاهرة. ومثله فِي الكلام: أكرِم مَن أتاكَ وأتى أباك، وأكرم مَن أتاك ولم يأت زيدًا، تريد: ومن لَمْ يأتِ زيدًا. وقوله: وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ [25] نصبها حَمْزَةُ «3» وأضافها ونصبها عَاصِم «4» وأهل المدينة، ونوَّنوا فيها (أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ) ورفع ناسٌ منهم الْكِسَائي بإضافة. وقرأ الْحَسَن (مَوَدّةٌ بَيْنَكُمْ) يرفع ولا يضيف. وهي فِي قراءة أُبَيّ (إنّما مودّة بينهم فى الحياة الدّنيا)   (1) وكذا قرأ بالمد ابن كثير وأبو عمر، وافقهما ابن محيصن واليزيدي. (2) ش: ب «فمن» فى مكان» أمن» . (3) وكذا حفص عن عاصم، ورسح عن يعقوب. (4) أي فى رواية أبى بكر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 وَفِي قراءة عَبْد اللَّه (إنّما مَوَدَّةُ بَيْنِكم) وهما شاهدان لِمن رَفَع. فمن رفع فإنما يرفع بالصفة بقوله (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وينقطع الكلام عند قوله (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً) ثُمَّ قَالَ: ليست مودتكم تِلْكَ الأوثان ولا عبادتكم إيّاها بشيء، إنّما مودة ما بينكم فِي الحياة الدُّنْيَا ثُمَّ تنقطع. ومن نصب أوقع عليها الاتخاذ: إنما اتخذتموها مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فى الحياة الدنيا. وقد تكون رفعًا عَلَى أن تجعلها خبرًا لِمَا وتجعل (ما) عَلَى جهة (الَّذِي) كأنك قلت: إن الَّذِينَ اتخذتموهم أوثانًا مودة بينكم فتكون المودة كالخبر، ويكون «1» رفعها عَلَى ضمير (هي) كقوله (لَمْ يَلْبَثُوا «2» إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) ثُمَّ قَالَ (بَلاغٌ) أي هَذَا بلاغ، ذَلِكَ بلاغ. ومثله (إِنَّ «3» الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) ثم قال (مَتاعٌ «4» فِي الدُّنْيا) أي ذَلِكَ متاع فِي الحياة الدُّنْيَا وقوله (يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ) : يتبرأ بعضكم من بعض والعابد والمعبود فِي النار. وقوله: إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي [26] هذا من قيل إِبْرَاهِيم. وَكَانَ مهاجره من حَرَّان إلى فلسطين. وقوله: وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا [27] الثناء الْحَسَن وأن أهل الأديان كلهم يتولَّونه. ومن أجره أن جعلت النبوة والكتاب فِي ذرّيته. وقوله: وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ [29] قَطْعه: أنهم كانوا يعترضونَ الناس من الطرق بعلمهم الخبيث، يعني اللواط. ويُقال: وتقطعُونَ السبيل: تقطعُونَ سبيلَ الْوَلَد بتعطيلكم/ 142 النساء وقوله (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) فى مجالسكم. والمنكر منه الحذف «5» ، والصفير، ومضغ   (1) هذا وجه آخر للرفع: (2) الآية 35 سورة الأحقاف. (3) الآية 69 سورة يونس. [ ..... ] (4) الآية 70 سورة يونس. (5) هو الرمي بحصاة أو نوى أو نحوهما، تأخذ بين سبابتيك تحذف به أو بمخذفة من خشب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 الْعِلك، وحَلّ أزرار الأقبية والقُمُصِ، والرمي بالبُنْدُق «1» . ويُقال «2» : هي ثماني عشرة خَصْلة من قول الكلبي لا أحفظها. وقال غيره: هي عشرٌ. وقوله: وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ [38] فِي دينهم. يقول: ذوو بصائر. وقوله: كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً [41] ضربه مثلًا لِمن اتخذ من دون الله وَلِيًّا أَنَّهُ لا ينفعه ولا يضره، كما أن بيت العنكبوتِ لا يقيها حرًّا ولا بردًا. والعنكبوت أنثى. وقد يُذكرها بعضُ العرب. قَالَ الشاعر: عَلَى هَطّالهم منهم بيوتٌ ... كأنَّ العنكبوت هُوَ ابتناهَا «3» وقوله: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [45] . يقول: ولذكر الله إياكم بالثواب خيرٌ من ذكركم إياهُ إِذَا انتهيتم. ويكون: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر وأحقّ أن يَنْهَى. وقوله: فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [47] بِمحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويُقال: إنه عبد الله بن سلام (وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) يعني الَّذِينَ آمنوا من أهل مكة. وقوله: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ [48] من قبل القرآن (مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) ولو كنت كذلك (لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) يعني النصارى الَّذِينَ وجدوا صفته ويكون (لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) أي لكان أشد لريبة من كذب من أهل مكة وغيرهم. ثُمَّ قَالَ: بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ [49] يريد القرآن وَفِي قراءة عبد الله (بَلْ هي آيَاتٌ) يريد: بَلْ آيات القرآن آيات بيّنات: ومثله (هذا بَصائِرُ «4» لِلنَّاسِ) ولو كانت هَذِه بصائر للناس كَانَ صوابًا. ومثله (هذا «5» رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) لو كان: هذه رحمة لجاز.   (1) البندق كرات من طين يرمى بها. (2) ش: «قال» أي الفراء. (3) هطال: جبل. وقد كتب فى افوق (هطالهم) : «جبلهم» . (4) الآية 20 سورة الجاثية. (5) الآية 98 سورة الكهف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 وقوله: وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى [53] يقول: لولا أن الله جعَل عذاب هَذِه الأمة مؤخرًا إلى يوم القيامة- وهو الأجل- لجاءهم العذاب. ثم قال (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً) يعني القيامة فذكر لأنه يريد عذاب القيامة. وإن شئت ذكرته عَلَى تذكير الأجل. ولو كانت وَلَتأْتِيَنَّهُم كَانَ صوابًا يريدُ القيامة والساعة. وقوله: وَيَقُولُ ذُوقُوا [55] وهي فِي قراءة عبد الله (ويُقال ذوقوا) وقد قرأ بعضهم «1» (وَنَقُولُ) بالنون وكل صواب. وقوله: يَا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ [56] هَذَا لمسلمة أهل مكة الَّذِينَ كانوا مقيمين مع المشركين. يقول (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) يعني المدينة أي فلا تُجاوروا أهل الكفر. وقوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ [58] قرأها العوام (لنبوّئنّهم) وَحَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَرَأَهَا (لَنُثْوِيَنَّهُمْ) وقرأها كذلك يَحْيَى «2» بن وثّاب وكلّ حسن بوّأته منزلا وأثويته منزلا. وقولوا: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ [60] نزلت فِي مؤمني أهل مكة، لَمَّا أمروا بالتحول عنها والخروج إلى المدينة قالوا: يا رسول الله لَيْسَ لنا بالمدينة منازل ولا أموال فمن أين المعاش؟ فأنزل الله (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) لا تدّخرُ رزقها ولا تَجمعه، أي كذلك جميع هوام الأرض كلها إلا النملة فإنها تدّخرُ رزقها لسنتها. وقوله: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ [64] حياة لا موت فيها. وقوله: إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ [65] يقول: يُخلصون الدعاء والتوحيد إلى الله فِي البحر، فإذا نجّاهم صاروا إلى عبادة الأوثان.   (1) هم غير نافع وعاصم وحمزة والكسائي وخلف أما هؤلاء فقد قرءوا بالياء. (2) وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 وقوله: وَلِيَتَمَتَّعُوا [66] قرأها عَاصِم والأعمش عَلَى جهة الأمر والتوبيخ بجزم اللام وقرأها أهل الحجاز (وليتمتّعوا) مكسورة على جهة كى. ومن سورة الروم [قوله: غُلِبَتِ الرُّومُ [2] القراء مجتمعون على (غُلِبَتِ) إلا ابن عمر فإنه قرأها (غُلِبَتِ الرُّومُ) فقيل لَهُ: علامَ [143] غَلَبُوا؟ فقال: عَلَى أدنى رِيف الشأم. والتفسير يرد قول ابن عمر. وَذَلِكَ أن فارس ظفرت بالروم فحزن لذلك المسلمون، وفرح مشركو أهل مكة لأن أهل فارس يعبدونَ الأوثان ولا كتاب لَهُم، فأحبهم المشركون لذلك، ومال المسلمون إلى الروم، لأنهم ذَوو كتاب ونبوة. والدليل عَلَى ذَلِكَ قول الله (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) ثُمَّ قَالَ بعد ذَلِكَ: ويوم يغلبون يَفْرَحُ المؤمنون إِذَا غَلَبوا. وقد كَانَ ذَلِكَ كله. وقوله: (مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) كلامُ العرب غَلبته غَلَبةً، فإذا أضافوا أسقطوا الْهَاء كما أسقطوها فِي قوله (وَإِقامَ «1» الصَّلاةِ) والكلامُ إقامة الصلاة. وقوله: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [4] القراءة بالرفع بغير تنوين لأنَّهما فِي المعنى يراد بهما الإضافة إلى شيء لا محالة. فلمّا أدّتا عَن معنى ما أُضيفتا إِلَيْهِ وسَمُوهما بالرفع وهما مخفوضتان ليكون الرفع دليلًا عَلَى ما سقطَ مما أضفتهما إِلَيْهِ. وكذلك ما أشبههما، كقول الشاعر: إنْ تأتِ من تحت أجئها من عل «2»   (1) الآية 37 سورة النور. (2) الرواية فى اللسان (يعد) : إن يأت من تحت أجئه من عل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 ومثله قول الشاعر «1» : إذا أنا لم أو من عليك ولم يَكُنْ ... لقاؤكِ إلا من وراءُ وَرَاءُ ترفع إِذَا جعلته غاية ولم تذكر بعده الَّذِي أضفته إِلَيْهِ فإن نويت أن تُظهره أو أظهرته قلت: لله الأمر من قبل ومن بعد: كأنك أظهرت المخفوض الَّذِي أسندت إِلَيْهِ (قَبْل) و (بعد) . وسمع الْكِسَائي بعض بني أسد يقرؤها (لله الأمرُ من قبل ومن بعدُ) يخفض (قبل) ويرفع بعد) عَلَى ما نوى وأنشدني (هُوَ يعني) «2» الْكِسَائي: أكابِدَها حتى أعرّس بعد ما ... يكون سُحُيْرًا أو بُعَيْدَ فأهْجَعَا أراد بُعَيْدَ السّحر فأضمره. ولو لَمْ يُرد ضمير الإضافة لرفع فقال: بُعَيْدُ. ومثله قول الشاعر «3» : لَعَمْرُكَ ما أدري وإنى لأوجل ... على أيّنا تعدو المنَّيةُ أوّلُ رفعت (أول) لأنه غاية ألا ترى أنها مسندة إلى شيء هي أوله كما تعرف أن (قبل) لا يكون إلا قبل شيء، وأنّ (بعد) كذَلِكَ. ولو أطلقتهما بالعربية فنوَّنت وفيهما معنى الإضافة فخفضت فِي الخفض ونوَّنت فِي النصب والرفع «4» لكان صوابًا، قد سُمع ذَلِكَ من العرب، وجاء فِي أشعارها، فقال بعضهم: وساغَ لي الشرابُ وكنتُ قبلا ... أكاد أغصّ بالماء الحميم «5» فنوَّنَ وكذلك تَقُولُ: جئتك من قبل فرأيتك. وكذلك قوله:   (1) هو عتى بن مالك العقيلي وانظر اللسان (ورى) . (2) سقط ما بين القوسين فى ا. (3) هو معن بن أوس المزني. [ ..... ] (4) سيأتى له أن التنوين فى الرفع خاص بضرورة الشعر. (5) فى التصريح فى مبحث الإضافة أنه لعبد الله بن يعرب. وفى البيت رواية أخرى: «الفرات» بدل «الحميم» ومن يثبت الرواية الأخيرة يفسر الحميم بالبارد، وإن كان المشهور فيه الحار فهو على هذا من الأضداد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا ... كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ «1» فهذا مخفوض. وإن شئت نوّنت وإن شئت لَمْ تنون عَلَى نيتك. وقال الآخر «2» فرفع: كَأنَّ مِحَطّا فِي يَدي حارثيَّةٍ ... صَنَاعٍ علت منّي بِهِ الْجِلدَ من علُ الْمِحَطّ: منقاش تشم بِهِ يدها. وأمّا قول الآخر: هتكت بِهِ بيوتَ بني طريفٍ ... عَلَى ما كَانَ قبلٌ من عِتاب فنوَّن ورفع فإن ذَلِكَ لضرورة الشعر، كما يُضطّر إِلَيْهِ الشاعر فينون فِي النداء المفرد فيقول: يا زيدٌ أقبل قَالَ: قَدَّمُوا إذْ قيل قيسٌ قَدِّمُوا ... وارفعُوا المجدَ بأطرافِ الْأَسَل وأنشدني بعض بني عُقيل: ونحنُ قتلنا الْأَسْدَ أسد شَنُوءَة ... فما شرِبُوا بعدٌ عَلى لذة خَمْرَا ولو رده إلى النصب إذ نون كَانَ وجهًا كما قَالَ: وساغَ لي الشراب وكنت قبلًا ... أكادُ أغَصَّ بالماءِ الْحَميمِ وكذلك النداء لو رُدّ إلى النصب إِذَا نُوِّن فِيهِ كَانَ وجهًا كما قَالَ: فطِر خالدًا إن كنتَ تَسْطيع طَيْرةً ... وَلَا تَقَعَنْ إِلَّا وقلبُكَ حَاذِرُ ولا تنكرنَّ أن تضيف قبل وبعد وأشباههما وإن لَمْ يظهر فقد قَالَ «3» : إِلَّا بُدَاهةَ أو عُلالَة ... سابح نهد الجزاره   (1) هذا البيت من معلقة امرئ القيس فى وصف الفرس. (2) ا: «آخر» وهو النمر بن تولب، كما فى اللسان (حطط) . (3) أي الأعشى.. وقبله: ولا نقاتل بالعصى ولا نرامى بالحجارة يذكر أن قومه يحاربون راكبين الخيل ويقال لأول جرى الفرس بداهته، وللجرى الذي يكون بعده علالته. يقال: فرس ضخم الجزارة ونهد الجزارة إذا كان غليظ اليدين والرجلين كثير عصبهما: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 وقال الآخر: يا من يرى عارِضًا أكفكفُهُ ... بين ذِرَاعيْ وَجَبْهةِ الْأَسَدِ وسمعت أبا ثَرْوَان الْعُكْلِيّ يقول: قطع الله الغداة يد ورجل من قاله. وإنّما يَجوز هَذَا فِي الشيئين يَصْطَحبان مثل اليد والرجل، ومثل «1» قوله: عندي نصف أو ربع درهمٍ، وجئتك قبل أو بعد العصر. ولا يجوز فِي الشيئين يتباعدان مثل الدار والغلام: فلا تُجيزنّ: اشتريت دارَ أو غُلام زيد ولكن عَبْدَ أَوْ أَمَةَ زيدٍ، وعين أو أذُن، ويد أو رِجْل، وما أشبهه. وقوله: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا [7] يعني أهل مكة. يقول: يعلمون التجارات والمعاش، فجعل ذَلِكَ علمهم. وأمَّا بأمْرِ الآخرة فعَمون «2» . وقوله: إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى [8] يقول: ما خلقناهما (إِلَّا بِالْحَقِّ) للثواب والعقاب والعمَل (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) : القيامة. وقوله: وَأَثارُوا الْأَرْضَ [9] : حرثوها (وَعَمَرُوها أَكْثَرَ) مما كانوا يعمرون. يقول: كانوا يعمرون أكثر من تعمير أهل مكة فأُهلكوا. وقوله: ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى [10] . تنصب العاقبة بكان، وتجعل مرفوع (كَانَ) فِي (السّوءى) . ولو رفعت العاقبة ونصبت (السّوءى) كان صوابا. و (السّوءى) فِي هَذَا الموضع: العذاب، ويقال: النار. وقوله (أَنْ كَذَّبُوا) لتكذيبهم، ولأن كذبوا. فإذا ألقيت اللام كَانَ نصبا. وقوله: يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ [12] : ييأسونَ من كل خير، وينقطع كلامهم وحججهم. وقرأ   (1) ش: «مثله» (2) جمع عم وهو الضال عن الصواب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 أَبُو عبد الرحمن السلمي (يُبْلَسُ المجرمُونَ) بفتح اللام. والأولى أجود. قَالَ الشاعر «1» : يا صاحِ هَلْ تعرف رَسْمًا مُكْرَسَا ... قَالَ نعم أعرفه وأبلسا وقوله: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ [17] يقول: فصلّوا الله (حِينَ تُمْسُونَ) وهى المغرب «2» والعشاء (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) صلاة الفجر (وَعَشِيًّا) صلاة العصر (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) صلاة الظهر. وقوله: لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ [22] يريد العالم من الجن والإنس ومن «3» قرأها (لِلْعالِمِينَ) فهو وجه جيد لأنه قد قَالَ (لَآياتٍ «4» لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) و (لَآياتٍ «5» لِأُولِي الْأَلْبابِ) . وقوله: وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً [24] . وقبل ذَلِكَ وبعده (أَنْ أَنْ) وكلٌّ صواب. فمن أظهر (أنْ) فهي فِي موضع اسم مرفوع كما قَالَ (وَمِنْ آياتِهِ «6» مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) فإذا حذفت (أنْ) جعلت (من) مؤدية عَن اسم متروك يكون الفعل صلة لَهُ كقول الشاعر «7» : وما الدهر إلا تارتانِ فمنهُما ... أمُوتُ وأخرى أبتغى العيش أكدح 144 ب/ كأنه أراد: فمنهما ساعة أموتها، وساعة أعيشها. وكذلك من آياته آية للبرق «8» وآية لكذا. وإن شئت: يريكم من آياته البرق فلا تضمر (أن) ولا غيره. وقوله: أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ [25] يقول: أَنْ تَدُومَا قائمتين بأمره بغير عَمَدٍ. وقوله: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [27] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حدث الْحَسَن بن عمارة عَن الحكم عَن مجاهد أَنَّهُ قَالَ: الإنشاءة أهونُ عَلَيْهِ من الابتداء. قَالَ أَبُو زكريّاء:   (1) هو العجاج. والمكرس: الذي صار فيه الكرس، وهو الأبوال والأبعار (2) ش، ب: «من المغرب» (3) هو حفص. (4) هذا يتكرر فى القرآن وجاء فى هذه السورة فى الآيتين 24، 28 (5) الآية 190 سورة آل عمران. (6) الآية 23 من هذه السورة. (7) هو ابن مقبل. وانظر كتاب سيبويه 1/ 376. [ ..... ] (8) يريد أن الأصل: من آياته آية يريكم فيها البرق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 ولا أشتهي ذَلِكَ والقولُ فِيهِ أَنَّهُ مثل ضربه الله فقال: أتكفرونَ بالبعث، فابتداء خلقكم من لا شيء أشد. فالإنشاءة من شيء عندكم يأهل الكفر ينبغي أن تكون أهون عَلَيْهِ. ثُمَّ قال (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) فهذا شاهدٌ أَنَّهُ مثل ضربه الله. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) : عَلَى الْمَخْلُوقِ، لأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: كُنْ فَيَكُونُ وَأَوَّلُ خَلْقِهِ نُطْفَةٌ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ. وقوله: كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ [29] نصبتَ الأنفس لأن تأويل الكاف والميم فِي (خِيفَتِكُم) مرفوع. ولو نويت بِهِ- بالكاف «1» والميم- أن يكون فِي تأويل نصب رفعت ما بعدها. تَقُولُ فِي الكلام: عجبتُ من موافقتك كثرة شرب الماء، وعجبتُ من اشترائك عبدًا لا تَحتاج إِلَيْهِ. فإذا وقع مثلها فِي الكلام فأجره بالمعنى لا باللفظ. والعرب تَقُولُ: عجبت من قيامكم أجمعون وأجمعين، وقيامكم كُلُّكم وكُلِّكم. فمن خفض أتبعه اللفظ لأنه خفض فِي الظاهر. ومن رفع ذهب إلى التأويل. ومثله (لِإِيلافِ «2» قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) أوقعت الفعل «3» من قريش عَلَى (رِحْلَةَ) والعربُ تَقُولُ: عجبتُ من تساقطها بعْضُها فوق بعض، وبعضها، على مثل ذلك: هذا إذا كنوا. فإذا قالوا سمعت قرع أنيابه بعضِها بَعْضًا خفضوا (بعض) وهو الوجه فِي الكلام لأن الَّذِي قبله اسم ظاهر، فأتبعوه إيَّاه. ولو رفعت (بعضها) كان على التأويل. وقوله: فِطْرَتَ اللَّهِ [30] يريد: دين الله منصوب عَلَى الفعل، كقوله (صِبْغَةَ «4» اللَّهِ) . وقوله (الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) يقول: المولود عَلَى الْفِطرة حَتَّى يكون أبواهُ اللذان ينصرانه أو يهوِّدانهِ. ويُقال فطرة الله أن الله فطرَ العباد عَلَى هَذَا: عَلَى أن يعرفوا أنّ لهم ربّا ومدبّرا.   (1) هذا بدل من الضمير فى (به) أي بالمذكور. (2) صدر سورة قريش. (3) يريد (إيلاف) المضاف لقريش. (4) الآية 138 سورة البقرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 وقوله: مُنِيبِينَ [31] منصوبة عَلَى الفعل، وإن شئت عَلَى القطع. فَأَقِمْ وجهك ومن معك مُنيبين مقبلين إِلَيْهِ. وقوله: (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) . (مِنَ الَّذِينَ فارقوا «1» دِينَهُمْ) فهذا «2» وجهٌ. وإن شئت استأنفت فقلت: من الَّذِينَ فارقوا دينهم وكانوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لديهم فرحون. كأنك قلت: الَّذِينَ تفرقوا وتشايعوا كل حزب بما فِي يده فرح. وقوله: (أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) [35] كتابًا فهو يأمرهم بعبادة الأصنام وشركهم. وقوله: لِيَرْبُوَا [39] قرأها عَاصِم والأعمش وَيَحْيَى بن وثاب بالياء «3» ونصب الواو. وقرأها أهل الحجاز (لتربو) أنتم. وكلّ صواب ومن قرأ «4» (لِيَرْبُوَا) كَانَ الفعل للربا. ومن قَالَ (لتُرْبُوا) فالفعل للقوم الَّذِينَ خُوطبوا. دَلّ عَلَى نصبه سُقوط النون. ومعناهُ يقول «5» : وما أعطيتم من شيء لتأخذوا أكثر منه فليس ذَلِكَ بزاك عند الله (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ) بها (وَجْهَ اللَّهِ) فتلك تربو للتضعيف. وقوله: (هُمُ الْمُضْعِفُونَ) أهل للمضاعفة كما تَقُولُ العرب أصبحتم مُسْمِنين معطِشين إِذَا عطشت إبلهم أو سَمنت. وسمع الْكِسَائي العرب تَقُولُ: أصبحت مُقْويًا أي إبلك قوية، وأصبحت مُضعفًا أي إبلك ضعاف تريد ضعيفة من الضُّعف. وقوله: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ [41] يقول: أجدَبَ الْبَرّ، وانقطعت مادة البحر بذنوبِهم، وَكَانَ ذَلِكَ ليذاقوا الشدة بذنوبِهم فِي العاجل. وقوله: يَصَّدَّعُونَ [43] : يتفرقون. قَالَ: وسمعت العرب تَقُولُ: صدعت غنمي صدعتين كقولك: فرقتها فرقتين.   (1) هذا فى الآية 32 وقوله: «فارقوا» فهذه قراءة حمزة والكسائي. وقراءة غيرهما: «فرقوا» . (2) وهو أن يكون (من الذين فارقوا) بدلا من (من المشركين) . (3) وكذا غير نافع وأبى جعفر ويعقوب. أما هؤلاء فبالتاء. (4) ا: «قال» . (5) سقط فى ا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 وقوله: إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ [50] قرأها عَاصِم «1» والأعمش (آثَارِ) وأهل الحجاز (أَثرَ) وكلّ صواب. وقوله: فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا [51] يخافون هلاكه بعد اخضراره، يعني الزرع. وقوله: بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ [53] و (من «2» ضلالتهم) . كل صَواب. ومن قَالَ (عَنْ ضَلالَتِهِمْ) كأنه قَالَ: ما أنت بصارف العمى عَن الضلالة. ومن قَالَ (مِنْ) قَالَ: ما أنت بمانعهم من الضلالة. وقوله: يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ [55] يَحلفونَ حين يخرجون: ما لبثوا فِي قبورِهم إلا ساعة. قَالَ الله: كذبوا فِي هَذَا كما كذبوا فِي الدُّنْيَا وجحدوا. ولو كانت: ما لبثنا غير ساعة كَانَ وجهًا لأنه من قولهم كقولك فِي الكلام: حلفوا ما قاموا، وحلفوا ما قمنا. ومن سورة لقمان قوله: هُدىً وَرَحْمَةً [3] أكثر القراء عَلَى نصب الْهُدَى والرحمة عَلَى القطع. وقد رفعها حَمْزَةُ عَلَى الائتِناف لأنّها مُسْتَأنَفَة فِي آية منفصلة من الآية قبلها. وهي فِي قراءة عبد الله (هُدًى وبُشْرَى) . وقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [6] نزلت فِي النضر بن الحارث الداريّ. وَكَانَ يشتري كتب الأعاجم فارسَ والروم وكتب أهل الحيرة (ويحدّث «3» ) بها أهل مكة وإذا سمع القرآن أعرض عَنْهُ واستهزأ بِهِ. فذلك قوله (وَيَتَّخِذَها هُزُواً) وقد اختلف القراء فى (وَيَتَّخِذَها)   (1) أي فى رواية حفص. أما فى رواية أبى بكر فبالإفراد. وكذا قرأ بالجمع حمزة والكسائي وخلف. (2) لا يريد أن هذا قراءة، بل يريد أن (عن) و (من) فى هذا سواء. (3) ا: «فيحدث» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 فرفع «1» أكثرهم، ونصبها يَحْيَى بن وثاب والأعمش وأصحابه. فمن رفع ردّها على (يشترى) ومن نصبها ردّها عَلَى قوله (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) : وليتَّخذهَا. وقوله (وَيَتَّخِذَها) يذهب إلى آيات القرآن. وإن شئت جعلتها للسبيل لأن السَّبيل قد تؤنّث قال (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي «2» أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ) وَفِي قراءة أُبَيّ (وَإِنْ «3» يَرَوْا سَبيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخذوها سَبيلًا وإِنْ يَرَوْا سبيلَ الغيّ يَتّخذوهَا سبيلًا) . حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي حبان عَن ليث عَن مجاهد فِي قوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) قَالَ: هُوَ الْغِناء قَالَ الفراء: والأوّل تفسيره عَن ابن عباس. وقوله: وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [10] لئلّا تميد بكم. و (أن) فِي هَذَا الموضع تكفي من (لا) كما قَالَ الشاعر: والمهرُ يأبى أن يزال مُلْهِبا «4» معناهُ: يأبى أن لا يزال. وقوله: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ [11] من ذِكْره «5» السموات والأرضُ وإنزاله الماء من السماء وإنباته (فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ) تعبدون (مِنْ دُونِهِ) يعني: آلهتهم. ثُمَّ أكذبهم فقال (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) . [قوله: وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ [12] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حدّثنا الفراء قال: 145 احدّثنى حِبَّان عَن بعض من حدَّثه قَالَ: كَانَ لقمان حبشيّا مجدّعا «6» ذا مشفر «7» .   (1) النصب لحفص وحمزة والكسائي وخلف، وافقهم الأعمش. والرفع للباقين. [ ..... ] (2) الآية 108 سورة يوسف. (3) الآية 146 سورة الأعراف. وقراءة الجمهور: «لا يتخذوه» . (4) الملهب: الشديد الجري المثير للغبار. وقد ألهب الفرس: اضطرم جريه. (5) يريد: مما يرجع إليه اسم الإشارة: (هذا) . (6) أي مقطوع الأطراف والأعضاء. والمشفر: الشفة الغليظة. (7) المشفر للبعير كالشفة للانسان. وقد استعير هنا للانسان على التشبيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 وقوله: وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً [15] أي أحسن صحبتهما. وقوله: يَا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ [16] يَجوز نصب المثقال ورفعُه. فمن «1» رفع رفعه بتكُنْ واحتملت النكرة ألا يكون لَهَا فعل فِي كَانَ وليس وأخواتها. ومن نصب جعل فِي (تكن) اسمًا مضمرًا مجهولًا مثل الْهَاء التي فى قوله (إِنَّها إِنْ تَكُ) ومثل قوله (فَإِنَّها «2» لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) وجاز تأنيث (تَكُ) والمثقال ذكر لأنه مُضاف إلى الحبة والمعنى للحبة، فذهب التأنيث إليها كما قَالَ: وتشرق بالقول الَّذِي قد أَذَعتَه ... كما شَرِقت صَدْرُ القناة من الدمِ ولو كَانَ: (إن يَكُ مثقالَ حَبَّةٍ) كَانَ صوابًا وجازَ فِيهِ الوجهان «3» . وقوله فتكن فى صخرة يقال: إنّها الصخرة التي تحت الأرض: وهي سِجِّين: وتُكتب فيها أعمال الكفار. وقوله (يَأْتِ بِهَا اللَّهُ) فيجازي بِهَا. وقوله: وَلَا تُصَاعِرْ [18] قرأها أهلُ المدينة وَعَاصِم بن أبي النجود والحسن: (تُصَعِّرْ) بالتشديد: وقرأها يَحْيَى «4» وأصحابه بالألف (ولا تُصاعِرْ) يقول: لا تَمَيِّلْ خَدَّكَ عَن الناس من قولك: رجل أصعر. ويَجوز ولا تُصْعِر ولم أسمع بِهِ. وقوله: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [19] يقول: إِنّ أَقْبَحَ الأصواتِ لَصَوْتُ الحمير. وأنت تَقُولُ: لَهُ وجه منكر إِذَا كَانَ قبيحًا. وقال (لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) ولو قيل: أصوات الحمير لكان صوابًا. ولكن الصوت وإن كَانَ أُسْنِدَ إلى جمع فإن الجمع فِي هَذَا الموضع كالواحد. وقوله: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً [20] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قال: حدّثنا محمد،   (1) الرفع لنافع وأبى جعفر. (2) الآية 46 سورة الحج. (3) أي رفع (مثقال) ونصبه. (4) هذه قراءة نافع وأبى عمر والكسائي وخلف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَصِيفٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ (نِعَمَهُ) وَاحِدَةً «1» . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَوْ كَانَتْ (نِعَمَهُ) «2» لَكَانَتْ نِعْمَةٌ دُونَ نِعْمَةٍ أَوْ قَالَ نِعْمَةٌ فَوْقَ نِعْمَةٍ، الشَّكُّ مِنَ الْفَرَّاءِ. وقد قرأ قومٌ (نعمه) عَلَى الجمع. وهو وجه جيد لأنه قد قال (شاكِراً «3» لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ) فهذا جَمع النَّعَم وهو دليلٌ عَلَى أنّ (نعمه) جَائِز. وقوله: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ [22] قرأها القرّاء بالتخفيف، إلا أبا عبد الرَّحْمَن فإنه قرأها «4» (وَمَنْ يُسْلِمْ) وهو كقولك للرجل أسْلِم أمرك إلى الله وسَلِّم. وقوله: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ [27] ترفع «5» (الْبَحْرُ) ولو نصبته كَانَ صوابًا كما قرأت القراء (وَإِذا قِيلَ «6» إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها) و (الساعةَ) وَفِي قراءة عبد الله (وبَحْر يمدّه سبعة أبحر) يقول: يكون مدادا كالمداد المكتوب بِهِ. وقول عبد الله يقوي الرفع. والشيء إِذَا مَدَّ الشيء فزاد فكان زيادةً فِيهِ فهو يَمُدُّه تَقُولُ دجلة تَمُدّ بئارنا وأَنْهارنا، والله يُمِدّنا بِهَا. وتقول: قد أمددتك بألفٍ فَمَدُّوكَ، يُقاس عَلَى هَذَا كل ما ورد. وقوله: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ [28] إلا كبعث نفس واحدة. أضمرَ البعث لأنه فعل كما قَالَ (تَدُورُ «7» أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ (مِنَ الْمَوْتِ) المعنى- والله أعلم-: كدوران عين الَّذِي يُغْشَى عليه/ 145 ب من الموت، فأضمرَ الدوران والعين جَميعًا. وقوله: بِنِعْمَتِ اللَّهِ [31] وقد قرئت (بِنِعماتِ الله) وقلَّما تفعل العرب ذَلِكَ بِفعلةٍ: أن تُجمع عَلَى التاء إنَّما يَجمعونَها عَلَى فعل مثل سِدْرَة وسِدْرَ، وخِرْقة وخِرَق. وإنَّما كرهوا جَمْعه بالتاء لأنهم يُلزمونَ   (1) فى الطبري أن ابن عباس فسرها بالإسلام. (2) هذه قراءة غير نافع وأبى عمرو وحفص وأبى جعفر. (3) الآية 121 سورة النحل. (4) وكذا قرأها الأعمش. [ ..... ] (5) النصب لأبى عمرو ويعقوب وافقهما اليزيدي. والرفع للباقين. (6) الآية 32 سورة الجاثية. والنصب قراءة حمزة، وافقه الأعمش. وقرأ الباقون بالرفع. (7) الآية 19 سورة الأحزاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 أنفسهم كسر ثانية إِذَا جُمِعَ كما جمعوا ظُلمة ظلمات «1» فرفعوا ثانيها إتباعًا لرفعة أولها، وكما قالوا: حسراتٌ فأتبَعُوا ثانيها أولها. فلمّا لزمهم أن يقولوا: بِنِعِمات استثقلوا أن تتوالى كسرتان فِي كلامهم لأنّا لَمْ نجد ذَلِكَ إلا فِي الإبل وحدها. وقد احتمله بعضُ العرب فقال: نِعِماتٌ وسِدِراتٌ. قوله: كُلُّ خَتَّارٍ [32] الختّار: الغدّار وقوله (مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) فشبّهه بالظلل والموج واحد لأن الموج يركب بعضه بعضًا، ويأتي شيء بعد شيء فقال (كَالظُّلَلِ) يعنى السحاب. وقوله: بِاللَّهِ الْغَرُورُ [33] ما غَرّكَ فهو غَرُور، الشيطان غَرور، والدنيا غَرور. وتقول غررته غُرورًا ولو قرئت ولا يغرنّكم بالله الغرور يريد زينة الأشياء لكان صوابًا. وقوله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ [34] فِيهِ تأويل جحد المعنى: ما يعلمه غيره (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً) خرج هَذَا عَلَى الجحد. والمعنى الظاهرُ والأوَّل معروف بالضمير للجحد. وقوله (بِأَيِّ أَرْضٍ) وبأيّة أرض. فمن قال (بِأَيِّ أَرْضٍ) اجتزأ بتأنيث الأرض من أن يُظهِر فِي أيّ تأنيثًا آخر، ومن أنَّث قَالَ قد اجتزءوا بأي دون ما أضيفَ إِلَيْهِ، فلا بدّ من التأنيث كقولك: مررتُ بامرأة، فتقول: أيّة، ومررت برجلين فتقول أيّين: ومن سورة السجدة قوله: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [7] يقول: أحسنه فجعله حسنًا. ويقرأ «2» (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) قرأها «3» أَبُو جَعْفَر المدني كأنه قَالَ: ألهم خَلْقه كل ما يحتاجون إِلَيْهِ فالخلق، منصوبون   (1) ا: «وظلمات» . (2، 3) القراءة الأولى لنافع وعاصم وحمزة والكسائي وخلف وافقهم الحسن والأعمش. والقراءة الأخيرة بسكون اللام للباقين، هذا وفى ش: «فقرأها» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 بالفعل الَّذِي وقع عَلَى (كلّ) كأنك قلت أعلمهم كل شيء وأحسنهم. وقد يكون الخلق منصوبًا كما نُصب «1» قوله (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا «2» ) فِي أشباه لَهُ كثيرة من القرآن كأنك قغت: كلَّ شيء خَلْقًا منه وابتداء بالنعم. وقوله: ضَلَلْنا [10] و (ضَلِلْنا «3» ) لغتان. وقد ذكر عَن الْحَسَن وغيره أَنَّهُ قرأ (إِذَا صَلِلنا) حَتَّى لقد رُفعت «4» إلى عليّ (صَلِلنا) بالصاد ولست أعرفها، إلا أن تكون لغةً لَمْ نسمعها إنما تَقُولُ العرب: قد صَلّ «5» اللحمُ فهو يَصِلّ، وأصلّ يُصِلّ، وخَمّ يَخِمّ وأخمّ يُخمُّ. قَالَ الفراء: لو كانت: صللنا بفتح اللام لكان صوابًا، ولكني لا أعرفها بالكسر. والمعنى فِي (إذا ضللنا فى الأرض «6» ) يقول: إِذَا صارت لحومنا وعظامنا ترابًا كالأرض. وأنت تَقُولُ: قد ضلّ الماء فِي اللبن، وضلّ الشيء فِي الشيء إِذَا أخفاهُ وغلبه. وقوله: إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً [15] كَانَ المنافقونَ إِذَا نودي بالصلاة فإنْ خَفُوا عَن أعين المسلمين تركوها، فأنزل الله. (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها) إِذَا نودوا إلى الصلاة أتوها فركعوا وسَجدوا غير مستكبرين.. وقوله: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ [16] يُقال: هُوَ النوم قبل العشاء. كانوا لا يضعون جنوبَهم بين المغرب والعِشَاء حَتَّى يُصلّوها. ويُقال: إنَّهم كانوا فِي ليلهم كلِّه (تَتَجافى «7» ) : تقلق (عَنِ الْمَضاجِعِ) عَن النوم فِي الليل/ 146 اكلّه (خَوْفاً وَطَمَعاً) .   (1) ا: «نصبت» . (2) الآية 5 سورة الدخان. (3) كسر اللام قراءة يحيى بن يعمر وابن محيصن وأبى رجاء وطلحة وابن وثاب كما فى البحر 7/ 200 وهى قراءة شاذة. (4) أي نسبت إليه. (5) أي أنتن. وسقط (قد) فى ب (6) هذه قراءة ابن عامر وأبى جعفر فى قوله تعالى: «إذا» وفى قراءة غيرهما. «أئذا» . (7) أي جنوبهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 وقوله: ما أُخْفِيَ [17] وكلّ ينصب بالياء لأنه فعل ماض كما تَقُولُ: أُهلِكَ الظالِمون. وقرأها حَمْزَةُ (ما أُخْفِيَ لَهم من قُرَّةِ أَعْيُنٍ) بإرسال «1» الياء. وَفِي قراءة عبد الله (ما نُخْفِي لَهُمْ من قُرَّةِ أَعْيُنٍ) فهذا اعتبار وقوّة لِحمزة. وكل صواب. وإذا قلت (أخفى لهم) وجعلت (ما) فِي مذهب «2» (أي) كانت (ما) رفعًا بِمَا لَمْ تُسَمّ فاعله. ومن قرأ (أُخْفِيَ لَهم) بإرسال الياء وجعل (ما) فِي مذهب (أيّ) كانت نصبًا فِي (أُخْفِيَ) و (نُخْفِي) ومن جعلها بمنزلة الشيء أوقعَ عليها (تَعْلَمُ) فكانت نصبًا فِي كل الوجوه. وقد قرئت (قُرَّاتِ أَعْيُنٍ) ذُكرت عَن أبي هريرة. وقوله: أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ [18] ولم يقل: يستويان لأنها عام، وإذا كان الاثنان غير مصمود «3» لهما ذَهَبَا مذهب الجمع تَقُولُ فِي الكلام: ما جعل الله المسلم كالكافر فلا تسوّينّ بينهم، وبينما. وكل صواب. [قوله: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى [21]] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ الله عَن منصور عَن إِبْرَاهِيم أو عَن مجاهد- شك الفراء- فِي قوله (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى) قَالَ مصائبُ تصيبهم فِي الدُّنْيَا دون عذاب الله يوم القيامة. [قوله: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا [24]] القراء جَميعًا عَلَى (لَمَّا صَبَرُوا) بتشديد الميم ونصب اللام. وهي فِي قراءة عبد الله (بِما صَبَروا) وقرأها الْكِسَائي وَحَمْزَة (لِمَا صَبروا) عَلَى ذَلِكَ. وموضع (ما) خَفض إِذَا كسرت اللام. وإذا فتحت وشدَّدت فلا موضع لَهَا إنما هى أداة.   (1) أي إطلاقها وإسكانها. (2) أي جعلتها استفهامية. [ ..... ] (3) أي غير مقصودين، يقال: صمده وصمد إليه: قصده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 وقوله: (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا) [26] (كم) فِي موضع رفع ب (يَهْدِ) كأنك قلت: أولم تهدهم القرون الْهَالِكة. وَفِي قراءة عبد الله فى سورة طه (أولم يَهْد لَهم من أهلكنا) وقد يكون (كَمْ) فِي موضع نصب بأهلكنا وَفِيهِ تأويل الرفع فيكون بمنزلة قولك: سواء عليّ أزيدًا ضربتَ أم عمرًا، فترفع (سواء) بالتأويل. وتقول: قد تبيّن لي أقام زيد أم عَمْرو، فتكون الجملة مرفوعة فِي المعنى كأنك قلت: تبيَّن لي ذاك. وقوله: إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ [27] والجُرُز: التي لا نباتَ فيها: ويُقال للناقة: إنها لَجُرَاز إِذَا كانت تأكل كل شيء، وللإنسان: إنه لَجرُوز إِذَا كَانَ أكولًا، وسيف جُرَاز إِذَا كَانَ لا يُبقي شيئًا إلا قطَعَهُ. ويُقال «1» : أرضُ جُرُز وجُرْز، وأرْض جَرَز وَجَرْزٌ، لبني تَميم، كل لو قرئ بِهِ لكان حَسَنًا. وهو مثل الْبُخُل والبُخْل والبَخُل والبَخْل والرُغب والرهب والشغل فِيهِ أربع مثل ذلك. وقوله: قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ [29] يعني فتح مكة (لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ) فذكر ذَلِكَ لمن قتله خالد بن الوليد من بني كنانة يومئذ، قالوا: قد أسلمنا، فقال خالد: إن كنتم أسلمتم فضَعُوا السلاح ففعلوا، فلمّا وضعوهُ أثْخَنَ «2» فيهم لأنهم كانوا قتلوا عوفًا أبا عبد الرحمن بن عوف وجدًّا لِخالد قبل ذَلِكَ: المغيرة. ولو رفع (يَوْمَ الْفَتْحِ) عَلَى أول الكلام لأن قوله (مَتى هذَا الْفَتْحُ) (مَتَى) فِي موضع رفع ووجه الكلام أن يكون (متى) فِي موضع نصب وهو أكثر. ومن سورة الأحزاب [قوله: اتَّقِ اللَّهَ] (قَالَ الفراء «3» ) يقول القائل فِيمَ أُمِرَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالتقوى.   (1) سقط فى ا. (2) يقال: أثخن فى العدو: بالغ فى إضعافه ونهكه. (3) ا: «سمعت الفراء يقول» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 فالسبب فِي ذَلِكَ أَنَّ أبا سفيان بن حَرْب وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السّلمىّ قدموا إلى «1» المدينة، فنزلوا عَلَى عبد الله بن أُبيّ بن سَلُول ونظرائه من المنافقين، فسألوا رسول الله أشياء يكرهها، فهمّ بهم المسلمون فنزل (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ) فِي نقض العهد لأنه كانت بينهم موادَعة فأُمِرَ بأَلَّا «2» ينقض العهد (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) من أهل مكّة (وَالْمُنافِقِينَ) من أهل المدينة فيما سألوكَ. وقوله: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [4] إنّما جرى ذكر هَذَا لرجل كَانَ يُقال لَهُ جميل بن أوس ويكنى أبا معمرٍ. وَكَانَ حافظًا للحديث كثيرهُ، فكان أهل مكة يقولون: لَهُ قلبان وعقلان من حفظه فانهزم يوم بدر، فمَرّ بأبي سفيان وهو فِي العير، فقال: ما حالُ الناس يا أبا معمر؟ قَالَ: بين مقتول وهارب. قَالَ: فما بالُ إحدى نعليك فِي رجلك والأخرى فِي يدك؟ قَالَ: لقد ظننت أنهما جَميعًا فِي رِجْليّ فعلم كذبهم فِي قولهم: لَهُ قلبانِ. ثُمَّ ضم إِلَيْهِ (وَما جَعَلَ) . وقوله: وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ [4] أي هَذَا باطل كما أن قولكم فِي جَميل باطل. إِذَا قَالَ الرجل: امرأته عَلَيْهِ كظهر أمه فليس كذلك، وَفِيهِ من الكفارة ما جعل الله. وقوله (تُظاهِرُونَ) خفيفة قرأها يَحْيَى «3» بن وثاب. وقرأها الْحَسَن (تُظَهِّرُونَ) مشدّدةً بغير ألفٍ. وقرأها أهل المدينة (تَظَّهَّرُونَ) بنصب «4» التاء، وكلّ صَوَاب معناه متقارب العرب تقول: عقّبت «5» وعاقبت «6» ، (عَقَّدْتُمُ «7» الْأَيْمانَ) و (عاقدتم) (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ «8» )   (1) سقط فى ا. (2) ا: «ألا» . (3) المعروف أن هذه قراءة عاصم. أما ابن وثاب فإنه قرأ- فيما نقل ابن عطية- بضم التاء وسكون الظاء وكسر الهاء مضارع أظهر، وفيما حكى أبو بكر الرازي بتخفيف الظاء وتشديد الهاء: تظهرون: وانظر البحر 7/ 211 (4) سقط فى ا. (5، 6) ذكر هذا الفراء عند قوله تعالى فى سورة الممتحنة: «وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ» وقد فسر هذا بأن تكون لكم العقبة أي التوبة ومعنى هذا الغنيمة. (7) الآية 89 سورة المائدة. وقراءة (عاقدتم) لابن ذكوان عن ابن عامر. (8) الآية 18 سورة لقمان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 و (لا تصاعر) اللهمّ لا تراءبى «1» ، وترأبّى. وقد قرأ بذلك قوم فقالوا: (يراءون «2» ) و (يُرءُّون) مثل يُرَعُّونَ. وقد قرأ بعضهم (تَظَاهَرُونَ) وهو وجه جَيِّد لا أعرفُ «3» إسْنَاده. قوله: (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) . كَانَ أهل الجاهلية إِذَا أعجب أحدهم جَلَدُ الرجل وظُرْفُه ضمَّة إلى نفسه، وَجَعَل لَهُ مثل نصيب ذكر من ولده من ميراثه. وكانوا ينسبونَ إليهم، فيُقال: فلان بن فلان للذي أقطعه إِلَيْهِ. فقال الله (ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) . وهو باطل (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ) غير ما قُلتم. ثُمَّ أمرهم فقال: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ [5] أي انسبُوهم إلى آبائِهم. وقوله (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ) فانسبوهم إلى «4» نسبة مواليكم الَّذِينَ لا تعرفونَ آباءهم: فلان بن عبد الله، بن عبد الرحمن ونحوه. وقوله: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) فيما لم تقصدوا له من الخطأ، إنما الإثم فيما تعمَّدتم. وقوله (وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (ما) فِي موضع خفض مردودة عَلَى (ما) التي مع الخطأ. وقوله: (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) وَفِي قراءة عبد الله أو أُبي (النَّبِيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لَهُم) ، وكذلك كل نبي. وجرى ذَلِكَ لأن المسلمين كانوا متواخين «5» ، وَكَانَ الرجل إِذَا مات عَن أخيه الَّذِي آخاهُ وَرِثه «6» دون عصبته وقرابته فأنزل الله (النَّبِيُّ أَوْلى) من المسلمين بِهذه المنزلة، وليس يرثهم، فكيف يرث المؤاخي أخاه! وأنزل (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) فى الميراث (فِي كِتابِ اللَّهِ) أي ذَلِكَ فِي اللوح المحفوظ عند الله. وقوله (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ) . إن شئت جعلت (من) دخلت ل (أولى) بعضهم أولى ببعض   (1) أي لا تنكل بي. ومعناه: لا تر عدوى ما يشمت به. ذكر هذا المعنى فى الأساس تفسيرا لقولهم أرى الله بفلان. (2) الآية 143 سورة النساء والآية 6 سورة الماعون. (3) قرأ بذلك حمزة والكسائي وخلف. [ ..... ] (4) كذا. والأولى حذف هذا الحرف. (5) أصله: «متآخيين» فسهل الهمزة. (6) أي ورثه أخوه. وقد يكون «ورثه» من التوريث فيكون الفعل للميت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 من الْمُؤْمِنِين والمهاجرين بعضهم ببعض، وإن شئت جعلتها- يعني مِن- يراد بِهَا: وأولو الأرحام من الْمُؤْمِنِين والمهاجرين أولى بالميراث. وقوله: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [9] يريد: وأرسلنا جنودًا لَمْ تروها من الملائكة. وهذا يوم الخندق وهو يوم الأحزاب. وقوله: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ [10] ممّا يلى مكّة (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) مما يلي المدينة. وقوله (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ) : زاغت عَن كل شيء فلم تلتفت إلا إلى عدوّها. وقوله (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) ذُكر أن الرجل منهم كانت تنتفخ رئته حَتَّى ترفع قلبه إلى حنجرته من الفزع. وقوله (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا) ظنون المنافقين. ثم قال الله: هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً [11] . يقول: حُرِّكُوا تَحريكًا إلى الفتنة فعُصِمُوا. وقوله: ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [12] وهذا قول مُعَتِّب بن قُشير الْأَنْصَارِيّ وحده. ذكروا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ معولًا من سلمان فِي صخرة اشتدّت عليهم، فضرب ثلاث ضربات، مع كل واحدة كلمع البرق. فقال سلمان: والله يا رسول الله لقد رأيت فيهنّ عجبًا قَالَ فقال النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام: لقد رأيت فِي الضربة الأولى أبيض «1» المدائن، وَفِي الثانية قصُور اليمن، وَفِي الثالثة بلاد فارس والروم. وليفتحنّ الله عَلَى أمتي مبلغ مَدَاهُنّ. فقال معتَّبٌ حين رأى الأحزاب: أيعدُنا مُحَمَّد أن يُفتح لنا فارس والروم وأحدُنا لا يقدر أن يضرب «2» الخلاء فَرَقًا «3» ؟ ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا. وقوله: لا مُقامَ لَكُمْ [13] قراءة الْعَوامّ بفتح الميم إلا أبا عبد الرحمن «4» فإنه ضَمّ الميم فقال   (1) المدائن كانت قصبة الفرس فى أيّام الأكاسرة. وأبيض المدائن قصورها البيض. (2) أي يذهب للتغوط. (3) أي خوفا. (4) وكذا حفص. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 (لا مقام لكم) فمن قَالَ (لا مُقامَ) فكأنه أراد: لا موضع قيام. ومن قرأ (لا مُقام) كأنه أراد: لا إقامة لكم (فَارْجِعُوا) . كل القراء الَّذِينَ نعرف عَلَى تسكين الواو من (عَوْرَةٌ) وذُكر عَن بعض القراء أَنَّهُ قَرأ (عَوِرة) عَلَى ميزان فعلة وهو وجه. والعرب تَقُولُ: قد أعور منزلك إِذَا بدت منه عَوْرة، وأعور الفارس إِذَا كَانَ فِيهِ موضع خَلَل للضرب. وأنشدني أَبُو ثَرْوان. لَهُ الشَّدَّةُ الْأُولى إذا القرن أعورا يعنى الأسد. وإنما أرادوا بقولهم: إن بيوتنا عورة أي مُمْكِنة للسُرَّاق لخلوتِها من الرجال. فأكذبهم الله، فقال: ليست بعورة. وقوله: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها [14] يعنى نواحى المدينة (ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ) يقول: الرجوع إلى الكفر (لَآتَوْها) يقول. لأعطُوا الفتنة. فقرأ عَاصِم والأعمش بتطويل الألف. وقصرها أهل المدنية: (لأتَوْها) يريد: لفعلوها. وَالَّذِينَ طَوَّلوا يقولون: لمَّا وقع عليها السؤال وقع عليها الإعطاء كما تَقُولُ: سألتني حاجةً فأعطيتُكها وآتيتكها. وقد يكون التأنيث فى قوله (لَآتَوْها) للفَعْلة، ويكون التذكير فِيهِ جائزًا لو أتى، كما تَقُولُ عند الأمر يفعله الرجل: قد فعلتها، أما والله لا تذهب بِهَا، تريد الْفَعْلةَ. وقوله: (وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً) يقول: لَمْ يكونوا ليلبثوا بالمدينة إلا قليلًا بعد إعطاء الكفر حَتَّى يهلكوا. وقوله: وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ [16] مرفوعة لأن فيها الواو وإذا كانت الواو كَانَ فِي الواو فعل مضمر، وَكَانَ معنى (إذًا) التأخير، أي ولو فعلوا ذَلِكَ لا يلبثونَ خلافك إلا قليلًا إذًا. وهي فِي إحدى الْقِراءتين (وإذًا لا يَلْبَثوا) بطرح النون يراد «1» بِهَا النصب. وَذَلِكَ جائز، لأن الفعل متروك   (1) ا: «به» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 فصارت كأنها لأوَّل الكلام، وإن كانت فيها الواو. والعربُ تَقُولُ: إذًا أكسر أنفك، إذًا أضربك، إذًا أغُمَّكَ إِذَا أجابوا بِهَا متكلمًا. فإذا قالوا: أنا إذًا أضربُك رفعوا، وجعلوا الفعل أولى باسمه من إذًا كأنَّهم قالوا: أضربك إذًا ألا ترى أنهم يقولون: أظنُّكَ قائما، فيعملون الظنّ إذا بدءوا به/ 147 ب وإذا وقع بين الاسم وخبره أبطلوه، وإذا تأخر بعد الاسم وخبره أبطلوه. وكذلك اليمين يكون لَهَا جواب إِذَا بُدئ بِهَا فيُقال: والله إنك لعاقل، فإذا وقعت بين الاسم وخبره قالوا: أنت والله عاقل. وكذلك إِذَا تأخرت لَمْ يكن لَهَا جواب لأن الابتداء بغيرها. وقد تنصب العرب بإذًا وهي بين الاسم وخبره فِي إنّ وحدها، فيقولون: إني إذًا أضربك، قَالَ الشاعر: لا تَترُكنِّي فِيهم شطيرًا ... إني إذًا أهلِكَ أوْ أطيرَا «1» والرفع جائز. وإنّما جاز في (إنّ) ولم يَجز فِي المبتدأ بغير (إنّ) لأن الفعل لا يكون مقدمًا فِي إنَّ، وقد يكون مقدّمًا لو أسقطت. وقوله: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ [19] منصوب عَلَى القطع «2» ، أي مِنَ «3» الأسماء التي ذُكِرت: ذكر منهم. وإن شئت من قوله: يعوِّقون هاهنا عند القتال ويشحون عَن الإنفاق عَلَى فقراء المسلمين. وإن شئت من القائلين لإخوانهم (هَلُمَّ) وهم هكذا. وإن شئت من قوله: (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا أَشِحَّةً) يقول: جُبَنَاء عند الْبَأس أشِحَّةً عند الإنفاق عَلَى فقراء المسلمين. وهو أحبها إليّ. والرفعُ جائز عَلَى الائتنَاف ولم أسمع أحدًا قرأ بِه و (أَشِحَّةً) يكون عَلَى الذم، مثل ما تنصب من الممدوح عَلَى المدح مثل قوله (مَلْعُونِينَ) .   (1) الشطير: الغريب وانظر الخزانة 4/ 574. (2) يريد النصب على الحال. وقوله: «من الأسماء التي ذكرت منهم» أي من أوصاف المنافقين المذكورين فى قوله تعالى: «إذ يقول المنافقون والذين فى قلوبهم مرض» . (3) يريد «المعوقين» فى قوله تعالى: «قد يعلم الله المعوقين منكم» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 وقوله: (سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) . آذوكم بالكلام عند الأمن (بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) : ذَرِبَةٍ. والعربُ تَقُولُ: صَلقُوكم. ولا يَجوز فِي القراءة لِمخالفتها إيّاه: أنشدني بعضهم: أصْلَق نَابَاهُ صِيَاح الْعُصْفور ... إِنْ زَلّ فوه عَن جَواد مئشير «1» وَذَلِكَ إِذَا ضرب النّابُ الناب فسمعتَ صَوْته. وقوله: يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ [20] عَن أنباء العسكر الَّذِي فِيهِ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقرأها الْحَسَن (يَسَّاءلون) والعوامّ على (يَسْئَلُونَ) لأنّهم إنّما يسْألونَ غيرهم عَن الأخبار، وليسَ يسأل بعضهم بعضًا. وقوله: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ [21] كَانَ عَاصِم بن أبي النجود يقرأ (أُسْوَةٌ) برفع الألف فِي كلّ القرآن وَكَانَ يَحْيَى بن وثاب يرفع بعضًا ويكسرُ بعضًا. وهما لغتان: الضَّمُّ فِي قيس. والحسنُ وَأهْل الحجاز يقرءون (إسْوَةٌ) بالكسر فِي كلّ القرآن لا يختلفونَ. ومعنى الْأُسوة أنهم تَخَلّفوا عَنْهُ بالمدينة يوم الخندق وهم فِي ذَلِكَ يُحبونَ أن يظفر النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إشفاقًا عَلَى بلدتهم، فقال: لقد كَانَ فِي رسول الله إِسْوة حسنة إذ قاتل يوم أحد. وَذَلِكَ أيضًا قوله (يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا) فهم فِي خوف وفَرَق (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) (يقول فِي غير «2» المدينة) وهي فِي قراءة عبد الله (يحسبونَ الأحزابَ قد ذهبوا، فإذا وجدوهم لَمْ يذهبوا وَدُّوا لو أنهم بادُونَ فى الأعراب) . وقوله (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ) خَصَّ بِهَا الْمُؤْمِنِين. ومثله فِي الخصوص قوله: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ «3» ) هذا «4» (لِمَنِ اتَّقى) قتل الصّيد.   (1) هو للمجاج فى وصف حمار وحشي. يقاتل حمارا آخر عن أتنه وهو الجواد: يجود بجريه. والمئشير وصف من الأشر يستوى فيه المذكر والمؤنث. وإطلاق نابه للغيظ من الجواد الذي ينازعه. وانظر أراجيز البكري 155. (2) سقط فى ا. (3) الآية 202 سورة البقرة. [ ..... ] (4) سقط فى ا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 وقوله: (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ [22] صَدَّقوا فقالوا (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ) كَانَ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام قد أخبرهم بمسيرهم إليهم فذلك قوله (وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) ولو كانت «1» : وما زادوهم يريد الأحزاب. وقوله: (وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً) أي ما زادهم النظر/ 148 اإلى الأحزاب إلّا إيمانا. وقال فى سورة أُخْرَى: (لَوْ خَرَجُوا «2» فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا) ولو كانت: ما زادكم إلا خبالًا كَانَ صَوَابًا، يريد: ما زادكم خروجهم إلا خبالًا. وهذا من سعة العربية التي تسمع بِهَا. وقوله: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [23] رفع الرجال ب (من) (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) : أجله. وهذا فِي حَمْزَةَ وأصحابه. وقوله: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ [25] وقد كانوا طمعوا أن يصطلموا المسلمين لكثرتهم، فسَلَّط الله عليهم رِيحًا باردة، فمنعت أحدهم من أن يُلجم دابته. وجالت الخيل فِي العسكر، وتقطعت أطنابهم «3» فهزمهم الله بغير قتال، وضربتهم الملائكة. فذلك قوله: (إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) يعني الملائكة. وقوله: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ [26] هؤلاء بنو قريظة. كانوا يهودا، وكانوا قد آزروا أهل مكة عَلَى النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام. وهي فِي قراءة عبد الله (آزروهم) مكان (ظاهَرُوهُمْ) (مِنْ صَياصِيهِمْ) : من حصُونهم. وواحدتها صَيصِية «4» وهي طرَف الْقَرْن والجبل. وصيصية غير مهموز.   (1) جواب لو محذوف أي لجاز مثلا. (2) الآية 47 سورة التوبة. (3) الأطناب جمع طنب. وهو حبل الخباء والسرادق ونحوهما. (4) ش، ب: «صيصة» وكلاهما وارد فى اللغة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 وقوله: (فَرِيقاً تَقْتُلُونَ) يعني قَتل رجالهم واستبقاء ذراريهم. وقوله: (وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً) كل الْقُراء قد اجتمعوا عَلَى كسر السِّين. وتأسُرُون لغة ولم «1» يقرأ بِهَا أحد. وقوله: وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها [27] عَنَى خَيْبَر، ولم يكونوا نالوها، فوعدهم إيّاها الله. قوله: مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ [30] اجتمعت القراء عَلَى قراءة (مَنْ يَأْتِ) بالياء واختلفوا فِي قوله «2» : (وَيَعْمَلْ صالِحاً) فقرأها عَاصِم والحسن وأهل المدينة بالتاء: وقرأها الأعمش «3» وَأَبُو عبد الرحمن السُّلَمِيّ بالياء. فالذين قرءوا بالياء أتْبَعُوا الفعل الآخر ب (يَأْتِ «4» ) إذْ كَانَ مذكرًا. وَالَّذِينَ أنّثوا قالوا لَمّا جاء الفعل بعدهنّ «5» عُلِمَ أَنَّهُ للأنثى، فأخرجناهُ عَلَى التأويل. والعربُ تَقُولُ: كم بيع لك جارية، فإذا قالوا: كم جاريةً بيعت لك أنّثوا، والفعل فِي الوجهين جَميعًا لكم، إلا أن الفعل لَما أتى بعد الجارية ذُهِبَ بِهِ إلى التأنيث، ولو ذكر كَانَ صوابًا، لأن الجارية مفسِّرة لَيْسَ الفعل لَهَا، وأنشدني بعض العرب: أيا أُمَّ عَمْرو مَنْ يكن عُقْرَ دارِهِ ... جواءُ عدِيّ يأكلِ الحشرات ويسودَّ من لفح السموم جبينه ... ويعرو إن كانوا ذوي بكرات «6» وجواءَ عَدِيٍّ. قَالَ الفراء: سمعتها أيضًا نصبًا ولو قَالَ: (وإن كَانَ) كَانَ صوَابًا وكل حَسَنٌ. ومن يَقْنُت [31] بالياء لم يختلف القراء فيها.   (1) فى البحر 7/ 225 أنه قرأ بها أبو حيوة. (2) أي فى الآية: 31. (3) وكذا حمزة والكسائي وخلف. (4) كذا. والأحسن: «يأت» . (5) أي ما بعد من يدل على النساء كقوله: «منكن» . (6) ا: «نكرات» في مكان «بكرات» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 وقوله: (نُؤْتِها) قرَأها أهل الحجاز بالنون. وقرأها يَحْيَى «1» بن وثّاب والأعمش وَأَبُو عبد الرحمن السُّلَميّ بالياء. وقوله: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ [32] يقول: لا تُلَيِّن «2» القول (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) أي الفجور (وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً) : صَحِيحًا لا يُطْمِع فاجرًا. [قوله] : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [33] من الوقار. تَقُولُ للرجل: قد وَقَرَ فِي منزله يقر وُقورًا. وقرأ عَاصِم وأهل «3» المدينة (وَقَرْنَ) بالفتح. ولا يكون ذَلِكَ من الوقار، ولكنا «4» نُرى أنهم أرادوا: وَاقْرَرْن فِي بيوتكنّ فحذفوا الرّاء الأولى، فحوَّلت فَتَحها فِي القاف كما قالوا: هَلْ أحَسْتَ صاحبك، وكما قَالَ (فَظَلْتُمْ «5» ) يريد: فظلِلْتم. ومن العرب من يقول: واقرِرْنَ فِي بيوتكُنّ، فلو قَالَ قائل: وقِرنَ بكسر القاف يريد واقررن/ 148 ب بكسر الرَّاء فيحوّل كسرة الرَّاء (إِذَا سقطت «6» ) إلى القاف كَانَ وجهًا. ولم نَجد ذَلِكَ فِي الوجهين جَميعًا مستعملًا فِي كلام العرب إلّا فى فعلت وفعلتم وفعلن فأمّا فِي الأمر والنهي المستقبل فلا. إلا أنا جَوَّزْنَا ذَلِكَ لأن اللام فِي النسوة ساكنة فِي فعلن ويفعلن فجازَ ذَلِكَ «7» . وقد قَالَ أعرابيّ من بني نُمَيْر: يَنْحَطْنَ من الْجَبَل يريد: ينحططن. فهذا يقوّي ذَلِكَ. وقوله: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) قَالَ «8» : ذَلِكَ فِي زمن ولد فِيهِ إِبْرَاهِيم النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام. كانت المرأة إِذْ ذاك تلبس الدرع «9» من اللؤلؤ غير مَخيط الجانبين. ويقال: كانت تلبس   (1) وكذا حمزة والكسائي وخلف. (2) ا، ش كذا فى الأصول. وهو صحيح فإن الفعل يتعدى بالتضعيف والهمزة والصواب ما أثبت. (3) أي نافع وأبو جعفر. [ ..... ] (4) ا: «لكنها» . (5) الآية 65 سورة الواقعة. (6) ضرب على هذه الجملة فى ا (7) ش: «لذلك» : (8) أي الفراء. (9) درع المرأة: قميصها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 الثياب تبلغ «1» المال لا تواري جَسَدها، فأُمِرْنَ ألا يفعلنَ مثل ذَلِكَ. قوله: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ [35] ويقول القائل: كيف ذكر المسلمين والمسلمات والمعنى بأحدهما كافٍ؟ وَذَلِكَ أنّ امرأة قالت: يا رسول الله: ما الخير إلا للرجال. هم الذين يؤمرونَ ويُنهون. وذكرت غير ذَلِكَ من الحج والجهاد. فذكرهن الله لذلك. وقوله: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [36] نزلت فِي زينب بنت جَحْش الأسدية. أراد رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يزوِّجها زيد بن حارثة، فذكر لَهَا ذَلِكَ، فقالت: لا لعمر الله، أنا بنت عمتك وأيِّم نساء قريش. فتلا عليها هَذِه الآية، فرضيت وسَلَّمت، وتزوَّجها زيد. ثُمَّ إن النبي عَلَيْهِ السَّلَام أتى منزل زيد لِحاجة، فرأى زينب وهي فِي درعٍ وخمارٍ، فقال: سبحان مقلب القلوب. فلمّا أتى زيدٌ أهله أخبرته زينب الخبر، فأتى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشكوها إِلَيْهِ. فقال: يا رسول الله إنّ في زينب كِبْرًا، وإنّها تؤذيني بلسانِها فلا حاجة لي فيها. فقال لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتّق الله وأمسك عليك زوجك. فأبى، فطلّقها، وتزوّجها النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام بعد ذَلِكَ، وَكَانَ الوجْهَان جَميعًا: تزوجها زيد والنبي عَلَيْهِ السَّلَام من بَعْد، لأن الناس كانوا يقولون: زيد بن مُحَمَّد وإنما كَانَ يتيمًا فِي حِجره. فأراهم الله أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بأبٍ، لأنه قد كَانَ حَرَّمَ أن ينكح الرجل امرأة أبيه، أو أن ينكح الرجلُ امرأة ابنه إِذَا دخل بِهَا. وقوله: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ [37] من تزويجها (مَا اللَّهُ) مظهره. (وَتَخْشَى النَّاسَ) يقول: تستحى من الناس (وَاللَّهُ أَحَقُّ) أَن تستحي منه. ثُمَّ قَالَ: (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ) .   (1) كذا. وكأن المراد أنها تبلغ المال الكثير تشترى به. وقد يكون الأصل: تبلغ المآكم. والمآكم جمع المأكمة وهى العجيزة، أو تبلغ المئات أي من الدنانير أو الدراهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 وقوله: مَا كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ [38] من هَذَا ومن تسع النسوة، ولم تحلّ لغيره وقوله: (سُنَّةَ اللَّهِ) يقول: هَذِه سُنَّة قد مضت أيضًا لغيرك. كان لداوود وسليمان مِنَ النساء ما قد ذكرناهُ، فُضِّلا بِهِ، كذلك أنت. ثُمَّ قَالَ: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ [39] فضّلناهم بذلك، يعنى الأنبياء. و (الذين) فِي موضع خفض إن رددته عَلَى قوله: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) وإن شئت رفعت عَلَى الاستئناف. ونصبُ «1» السُّنَّةِ عَلَى القطع، كقولك: فعل ذَلِكَ سُنة. ومثله كَثِير فِي القرآن. وفي قراءة عبد الله: (الَّذِينَ بَلَّغُوا رِسَالات اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ) هَذَا مثل قوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا «2» وَيَصُدُّونَ) يُرَدّ يفعل عَلَى فعَل، وفَعَل عَلى يفعل. وكلٌّ صواب. وقوله: مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ [40] دليل على أمر تزوّج زينب (وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ) معناهُ: ولكن كَانَ رسول الله. ولو رفعت عَلَى: ولكن هُوَ رسول الله كَانَ صوابًا وقد قرئ بِهِ «3» . والوجه النصب. وقوله: (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) كسرها الأعمش وأهل الحجاز، ونصبها- يعني التاء- عَاصِم والحسن وهي فِي قراءة عبد الله: (ولكن نبيًّا خَتَم النبيِّين) فهذه حُجَّةٌ لِمَن قَالَ (خاتم) بالكسر، ومن قَالَ (خاتَمَ) أراد هُوَ آخر النبيين، كما قرأ علقمة فيما ذُكِرَ «4» عَنْهُ (خاتَمُهُ «5» مِسْكٌ) أي آخره مسك. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأحوص سَلَّام ابن سُليم عَن الأشعث بن أبي الشعثاء المحاربيّ قَالَ: كَانَ عَلقمة يقرأ (خاتَمُهُ مِسْكٌ) ويقول: أمَا سمعتَ المرأة تَقُولُ للعطّار: اجْعل لي خاتمه مسكا أي آخره.   (1) ش: «نصبت» . (2) الآية 25 سورة الحج. (3) قرأ بذلك زيد بن على وابن أبى عبلة كما فى البحر 7/ 236. (4) ا: «ذكروا» . (5) الآية 26 من سورة المطففين. وهى فى قراءة الجمهور: «ختامه مسك» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 وقوله: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ [43] يغفر لكم، ويستغفر لكم ملائكته. قوله: وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ [50] وَفِي قراءة عبد الله (وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ وَاللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) فقد تكون المهاجرات من بنات الخال والخالة، وإن كَانَ «1» فِيهِ الواو، فقال: (واللَّاتِي) . والعرب تنعَت بالواو وبغير الواو كما قَالَ الشاعر: فإنّ رُشيدًا وابنَ مَرْوان لَمْ يكن ... ليفعل حَتَّى يُصدر الأمرَ مُصْدَرَا وأنت تَقُولُ فِي الكلام: إن زرتني زرتُ أخاكَ وابن عمك القريب لك، وإن قلت: والقريب لكَ كَانَ صوابًا. وقوله (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً) نصبتها ب (أحللنا) وَفِي قراءة عبد الله (وامْرَأَةً مُؤْمِنَةً وَهَبَتْ) لَيْسَ فيها (إِنْ) ومعناهما واحد كقولك فِي الكلام: لا بأسَ أن تسترقَّ عبدًا وُهب لك، وعبدًا إن وهب لك، سواء. وقرأ بعضهم (أنْ وَهَبَتْ) بالفتح عَلَى قوله: لا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَنكحها فِي أن وهبت، لا جُناحَ عَلَيْهِ فِي هبتها نفسها. ومن كسر جعله جزاء. وهو مثل قوله (لا يَجْرِمَنَّكُمْ «2» شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ) و (إن صدّوكم) (إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ) مكسورة لم يختلف فيها. وقوله (خالِصَةً لَكَ) يقول: هَذِه الخصلة خالصة لك ورُخصة دون الْمُؤْمِنِين، فليس للمؤمنين أن يتزوَّجوا امرأة بغير مهر. ولو رفعت (خالصة) لك عَلَى الاستئناف كَانَ صوابًا كما قَالَ (لَمْ يَلْبَثُوا «3» إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ) أي هَذَا بلاغ: وما كَانَ من سُنّة الله، وصبغة الله وشبهه فإنه منصوب لاتصاله بِما قبله عَلَى مذهب حقًّا وشبهه. والرفعُ جائز لأنه كالجواب ألا ترى   (1) ا: «كانت» . (2) الآية 2 سورة المائدة. [ ..... ] (3) الآية 35 سورة الأحقاف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 أن الرجل يقول: قد قام عبد الله، فتقول: حقًّا إِذَا وصلته. وإذا نويت الاستئناف رفعته وقطعته مِمّا قبله. وهذه محض القطع الَّذِي تسمعه من النحويين. وقوله: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ [51] بِهمز وغير همز. وكلّ صواب (وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) هَذَا أيضًا مِمّا خُصّ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن يَجعل لمن أحبّ منهن يومًا أو أكثر أو أقلّ، ويعطّل من شاء منهن فلا يأتيه «1» . وقد كَانَ قبل ذَلِكَ لكل امرأة من نسائه يوم وليلة. وقوله: (ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ) يقول: إِذَا لَمْ تجعل لواحدة منهنَّ يومًا وكنّ فى ذلك/ 149 ب سواء، كَانَ أحرى أن تطيب أنفسهن ولا يحزن. ويُقال: إِذَا علمن أن الله قد أباحَ لك ذَلِكَ رَضِين إذْ كَانَ من عند الله. ويُقال: إنه أدنى أن تقرّ أعينهنّ إِذَا لَمْ يحلّ لك غيرهنّ من النساء وكلّ حَسَن. وقوله: (وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ) رفع لا غير، لأن المعنى: وترضى كل واحدة. ولا يَجوز أن تجعل (كلّهن) نعتًا للهاء فِي الإيتاء لأنه لا معنى لَهُ ألا ترى أنك تَقُولُ: لأكرمنّ القوم ما «2» أكرموني أجمعين، وليس لقولك (أجمعون) معنًى. ولو كَانَ لَهُ مَعنى لَجازَ نصبه. وقوله: وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ [52] (أَنْ) فِي موضع رفع كقولك: لا يحلّ لك النساء والاستبدال بِهنّ. وقد اجتمعت القراء على (لا يَحِلُّ) بالياء. وَذَلِكَ أن المعنى: لا يَحلّ لك شيء من النساء، فلذلك اختيرَ تذكير الفعل. ولو كَانَ المعنى للنساء جَميعًا لكان التأنيث أجود فِي العربية. والتاء جائزة لظهور النساء بغير من. وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ. فغير منصوبة لأنها نعت للقوم، وهم معرفة و (غير) نكرة فنصبت على الفعل   (1) أي من شاء. وجاء التذكير مراعاة للفظ (من) . (2) ا: «ما» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 كقوله (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ «1» غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) ولو خفضت (غَيْرَ ناظِرِينَ) كَانَ صوابًا لأن قبلها (طَعامٍ «2» ) وهو نكرة، فتجعل فعلهم تابعًا للطعام لرجوع ذكر الطعام فِي (إِناهُ) كما تَقُولُ العرب: رأيت زيدًا مع امرأة محسن إليها، ومحسنًا إليها. فمن قَالَ: (محسنًا) جعله من صفة زيد، ومن خفضه فكأنه قَالَ: رأيتُ زيدًا مع التي يُحسن إليها. فإذا صَارت الصلة للنكرة أتبعتها، وإن كَانَ فعلًا لغيرها. وقد قَالَ الأعشى: فقلتُ لَهُ هَذِه هَاتِهَا ... فجاء بأدماءَ مقتَادِهَا فجعل المقتاد تابعًا لإعراب الأدماء لأنه بمنزلة قولك: دماء يقتادَها فخفضته لأنه صلة لَهَا. وقد ينشد بأدماء مقتادِها تخفض الأدماء لإضافتها إلى المقتاد. ومعناهُ: بملء يَدَيْ من اقتادها ومثله فِي العربية أن تَقُولُ: إِذَا دعوت زيدًا فقد استغثت بزيد مستغيثه. فمعنى زيد مدح أي أنه كافى مستغيثه. ولا يَجوز أن تخفض عَلَى مثل قولك: مررت عَلَى رجل حسَنِ وجهه لأن هَذَا لا يصلح حَتَّى تسقط راجع ذكر الأول فتقول: حسن الوجه. وخطأ أن تَقُولَ: مررت عَلَى امرأة حسنةِ وجهِها وحسنةِ الوجه صواب. وقوله: (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ) فِي موضع خفض تُتبعه الناظرين كما تَقُولُ: كنت غير قائم ولا قاعدٍ وكقولك للوصي: كُلْ من مال اليتيم بالمعروف غير متأثّل مالًا، ولا وَاقٍ مالكَ بِماله. ولو جعلت المستأنسين فِي موضع نصب تتوهَّم أن تُتبعه بغير «3» لَمّا أن حُلْت بينهما بكلام. وكذلك كل معنى احتمل وجهين ثُمَّ فرّقت بينهما بكلام جازَ أن يكون الآخر معربًا بخلاف الأول. من ذَلِكَ قولك: ما أنت بِمحسن إلى مَن أحسن إليكَ ولا مُجْمِلًا، تنصب المجمل وتخفضه: الخفض على   (1) الآية 1 سورة المائدة. (2) ا: «طعاما» . (3) كذا. والأولى: «غير» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 إتباعه «1» المحسن والنصب أن تتوهم أنك قلت: ما أنت مُحسنًا. وأنشدني بعضُ العرب: ولستُ بذي نَيْرب فِي الصديق ... ومنَّاعَ خَيْرٍ وسبّابهَا ولا من إِذَا كَانَ فِي جانِب ... أضاعَ العشيرة واغتابها «2» وأنشدني أَبُو القمقام: أَجِدُّكَ لستَ الدهر رائي رامةٍ ... ولا عاقِلٍ إلا وأنت جَنيب ولا مصعد فِي الْمُصْعِدينَ لَمنعِجٍ ... ولا هابطًا ما عشت هَضْب شَطِيب «3» ويُنشد هَذَا البيت: مُعَاوِيَ إننا بَشَرٌ فَأسْجحْ ... فلسنا بالجبالِ ولا الحديدَا «4» ويُنشد (الحديدا) خفضًا ونصبًا. وأكثر ما سمعته بالخفض. ويكون نصب المستأنسين عَلَى فعلٍ مُضمر، كأنه قَالَ: فادخلوا غير مستأنسين. ويكون مع الواو ضميرُ دخولٍ كما تَقُولُ: قم ومطيعًا لأبيكَ. والمعنى فِي تفسير الآية أنّ المسلمين كانوا يدخلونَ عَلَى النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي وقت الْغَدَاء، فإذا طعِمُوا أطالوا الجلوس، وسَألوا أزواجه الحوائج. فاشتد ذَلِكَ عَلَى النبىّ صلى الله عليه وسلم، حتّى   (1) ا: «إتباعها» . (2) البيتان لعدى بن خزاعى كما فى اللسان (ترب) . وفى ا: «فلست» والنيرب: الشر والنميمة. والهاء فى (سبابها) للعشيرة. وفى اللسان عن ابن برى أن صواب إنشاده: ولست بذي نيرب فى الكلام ... ومناع قومى وسبابها ولا من إذا كان فى معشر ... أضاع العشيرة واغتابها ولكن أطاوع ساداتها ... ولا أعلم الناس ألقابها (3) رامة وعاقل ومنعج وشطيب مواضع فى بلاد العرب. و (جنيب) من معانيه الأسير. (4) هو لعقيبة الأسدى كما فى كتاب سيبويه 1/ 34. وأورد سيبويه بعده بيتا على النصب وهو: أديروها بنى حرب عليكم ... ولا ترموا بها الغرض البعيدا وأورد الأعلم أن هناك رواية بالخفض وأن بعد البيت: أكلتم أرضنا فجرزتموها ... فهل من قائم أو من حصيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 أنزل الله هَذِه الآية، فتكلم فِي ذَلِكَ بعضُ الناس، وقال: أننهى أن ندخل عَلَى بناتِ عَمِّنا إِلَّا بإذنٍ، أو من وراء حجاب. لئن مَاتَ مُحَمَّد لأتَزوَّجَنَّ بعضهنّ. فقام «1» الآباء أَبُو بكر وذووه، فقالوا: يا رسول الله، ونحنُ أيضًا لا ندخل عليهن إلَّا بإذن، ولا نسألهن الحوائج إلا من وراء حجاب، فأنزلَ الله (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ) «2» إلى آخر الآية. وأَنْزَلَ فِي التزويج (وَما كانَ «3» لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) . وقوله: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا [58] نزلت فِي أهل الفسق والفجور، وكانوا يتبعون الإماء بالمدينة فيفجرونَ بِهنّ، فكان المسلمونَ فِي الأخبية لَمْ يَبْنوا ولم يستقروا. وكانت المرأة من نساء المسلمين تتبرّز للحاجة، فيعرض لَهَا بعض الفجّار يُرى أنها أمَة، فتصيح بِهِ، فيذهب. وَكَانَ الزِّيُّ واحدًا فأُمِرَ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام (قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ «4» ) والجِلباب: الرداء. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ، قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ أَبُو كُدَيْنة عَن ابن عون عَن ابن سيرين فِي قوله: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ [59] . هكذا: قَالَ تُغَطّي إحدى عينيها وجبهتها والشِّق الآخر، إلّا العين. وقوله: لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ [60] المرجفونَ كانوا من المسلمين. وَكَانَ المؤلفة قلوبهم يُرجفونَ بأهل الصُّفّة. كانوا يشنعونَ عَلَى أهل الصُّفَّة أنهم هم الَّذِينَ يتناولونَ النساء لأنهم عُزّاب. وقوله (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) أي لنسلّطَنَّكَ عليهم، ولنُولعنّك بهم. وقوله: مَلْعُونِينَ [61] منصوبة عَلَى الشتم، وَعَلَى الفعل أي لا يجاورونك فيها إلا ملعونين.   (1) كذا. والأولى: وقام. (2) فى الآية 55 سورة الأحزاب. (3) في الآية 53 سورة الأحزاب. (4) فى الآية 59 سورة الأحزاب. [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 والشتم عَلَى الاستئناف، كما قال: (وَامْرَأَتُهُ «1» حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) لمن نصبه. ثُمَّ قَالَ (أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا) فاستأنف. فهذا جزاء. وقوله. (إِلَّا قَلِيلًا) [60] . حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ 150 ب حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا يَسِيرًا، حَتَّى يَهْلَكُوا. وقد يَجوز أن تجعل القلة من صفتهم صفة الملعونين، كأنك قلت: إلا أقلاء ملعونين لأنّ قوله (أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا) يدلّ عَلَى أنَّهم يَقِلّون ويتفرّقون. قوله: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ [66] والقراء عَلَى (تُقَلَّبُ) ولو قرئت (تَقَلَّبُ) «2» و (نقلّب) «3» كانا وجهين. وقوله: وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا [66] يوقف عليها بالألف. وكذلك (فَأَضَلُّونَا «4» السَّبِيلَا) و (الظُّنُونَا) «5» يوقف عَلَى الألف لأنها مثبتة فيهنّ، وهي مع آيات بالألف، ورأيتها فِي مصاحف عبد الله بغير ألف. وَكَانَ حَمْزَةُ والأعمش يقفانِ عَلَى هَؤُلَاءِ الأحرف بغير ألف فيهنّ. وأهل الحجاز يقفونَ بالألف. وقولهم أحبّ إلينا لاتّباع الكتاب. ولو وُصلت بالألف لكان صوابًا لأن العرب تفعل ذَلِكَ. وقد قرأ بعضهم «6» بالألف فِي الوصل والقطع «7» وقوله: إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا [67] واحدة منصوبة. وقرأ الْحَسَن (سَاداتنا) وهي فِي موضع نصب.   (1) الآية 4 سورة المسد. (2) قرأ بها الحسن وعيسى وأبو جعفر الرؤاسى كما فى البحر 7/ 252. (3) ضبطت فى ابفتح حروفها كأنها فعل ماض، وليس على اللام شدة. وما أثبت قراءة نسبها أبو حيان فى المرجع السابق إلى أبى حيوة وعيسى البصري. (4) فى الآية 67 سورة الأحزاب. (5) فى الآية 10 سورة الأحزاب. (6) وهم نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر. ويريد بالقطع الوقف. (7) وهم نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر. ويريد بالقطع الوقف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 وقوله: لَعْنًا كثيرًا [68] قراءة العوام بالثاء «1» ، إلا يَحْيَى بن وثّاب فإنه قرأها (وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً «2» ) بالباء «3» . وهي فِي قراءة «4» عبد الله. قَالَ الفراء: لا نجيزه. يعني كثيرًا. وقوله: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ ... وَيَتُوبَ [73] بالنصب عَلَى الإتباع وإن نويت بِهِ الائتناف رفعته، كما قَالَ (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ «5» وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ) إلا أن القراءة (وَيَتُوبَ) بالنصب. ومن سورة سبا قوله: عَلَّامِ الْغَيْبِ [3] قَالَ رأيتها فِي مصحف عبد الله (عَلَّامِ) «6» عَلَى قراءة أصحابه «7» . وقد قرأها عاصم (عالِمِ الْغَيْبِ) خفضًا فِي الإعراب من صفة الله. وقرأ أهل الحجاز (عالِم الْغَيْبِ) رفعًا عَلَى الائتناف إذ حالَ بينهما كلام كما قَالَ: (رَبِّ «8» السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ) فرفع. والاسم قبله مخفوض فِي الإعراب. وكلٌّ صواب. وقوله: (لا يَعْزُبُ عَنْهُ) و (يَعْزِبُ) لغتان قد قُرِئ بهما. والكسرُ «9» أحبّ إلي. وقوله: عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ [5] قراءة القراء بالخفض «10» . ولو جُعل نعتًا للعذاب فرفع «11»   (1) كذا فى ا. وفى ش: «بالباء» . (2) ش: «كثيرا» . (3) ش: «بالثاء» . (4) وهى قراءة عاصم. (5) الآية 5 سورة الحج. (6) فى ش، ب «ع لا م» مقطعة. وما أثبت من اوكتب فوقها «هجا» وكأنه يريد أنه كتب فى الأصل بحروف الهجاء مقطعة كما فى ش. (7) وهى قراءة حمزة والكسائي. [ ..... ] (8) الآية 37 سورة النبأ. والقراءة التي أثبتها المؤلف قراءة حمزة والكسائي وخلف. (9) قرأ به الكسائي. (10) الرفع لابن كثير وحفص ويعقوب. والخفض للباقين. (11) الرفع لابن كثير وحفص ويعقوب. والخفض للباقين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 لَجاز كما قرأت القراء (عالِيَهُمْ «1» ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ) و (خضر) «2» وقرءوا (فِي لَوْحٍ «3» مَحْفُوظٍ) لِلَّوح و (مَحْفُوظٍ «4» ) للقرآن. وكل صواب. وقوله: وَيَرَى الَّذِينَ [6] (يرى) فِي موضع نصب. معناهُ: ليجزي الَّذِينَ، وليرى الَّذِينَ (قرأ الآية «5» ) وإن شئت استأنفتَهَا فرفعتها، ويكون المعنى مُستأنفًا لَيْسَ بِمردود عَلَى كيْ. وقوله (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) نصبت (العلم) لَخروجه مِمَّا لَم نُسمّ فاعله. ورفعت (الذينَ) ب (يرى) . وإنّما مَعْناهُ: ويرى الَّذِينَ أوتوا التوراة: عبد الله بن سَلام وأصحابُه من مُسْلمة أهل الكتاب. وقوله (هُوَ الْحَقَّ) (هُوَ) عماد للذي. فتنصب (الحق) إِذَا جعلتها عمادًا. ولو رفعت (الحق) عَلَى أن تجعل (هُوَ) اسمًا كَانَ صوابًا. أنشدني الْكِسَائي: ليت الشباب هُوَ الرجِيعُ عَلَى الفتى ... والشيبَ كَانَ هو البديء الأوّل «6» فرفع فِي (كَانَ) ونصب فِي (ليت) ويَجوز النصب فِي كل ألف ولام، وَفِي أفعل منك وجنسه. ويَجوز فِي الأسماء الموضوعة للمعرفة. إلا أن الرفع فِي الأسماء أكثر. تَقُولُ: كَانَ عبدُ الله هُوَ أخوك، أكثر من، كَانَ عبد الله هُوَ أخاك. قَالَ الفراء: يجيز هَذَا ولا يجيزه غيره من النحويين. وَكَانَ أبو مُحَمَّد هُوَ زيدٌ كلامُ العرب الرفع. وإنما آثروا الرفع فِي الأسماء لأن الألف واللام أحدثنا 151 اعمادا لِمَا هي فِيهِ. كما أحدثت (هُوَ) عمادًا للاسم الَّذِي قبلها. فإذا لَمْ يَجدوا فِي الاسم الَّذِي بعدها ألفًا ولامًا اختاروا الرفع وشبَّهوها بالنكرة لأنهم لا يقولون إلا كان عبد الله هُوَ قائم. وإنما أجازوا النصب فِي أفضل منك وجنسه لأنه لا يوصل فِيهِ إلى إدخال الألف واللام، فاستجازوا إعمال معناهما وإن لَمْ تظهر «7» . إذ لَمْ يمكن إظهارها «8» . وأما قائم فإنك تقدر فِيهِ عَلَى الألف   (1، 2) الآية 21 سورة الإنسان ممن قرأ بالرفع نافع وحفص، وممن قرأ بالخفض ابن كثير وأبو بكر. (3) الآية 22 سورة البروج. والرفع لنافع والخفض للباقين. (4) الآية 22 سورة البروج. والرفع لنافع والخفض للباقين. (5) هذه الزيادة فى ا. أي قرأ الفراء أو محمد بن الجهم الراوي الآية. (6) كأنه يريد بالرجيع الذي يرجع ويبقى. (7) كذا. والمناسب: «تظهر» و «إظهارهما» ولكنه اعتبر الألف واللام حرفا واحدا إذ كان مؤداهما واحدا. (8) كذا. والمناسب: «تظهر» و «إظهارهما» ولكنه اعتبر الألف واللام حرفا واحدا إذ كان مؤداهما واحدا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 واللام، فإذا لَمْ تأتِ بهما جعلوا هُوَ قبلها «1» اسما ليست بعماد إذ لم يُعمد الفعل بالألف واللام قَالَ الشاعر: أَجِدَّك لَن تزال نجِيَّ هَمّ ... تبيتُ اللَّيْلَ أنت لَهُ ضَجيعُ وقوله: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ [7] العرب تدغم اللام عند النون إِذَا سكنت اللام وتحركت النون. وَذَلِكَ أنها قريبة المخرج منها. وهي كثيرة فِي القراءة. ولا يقولون ذَلِكَ في لامٍ قد تتحرَّك فِي حال مثل ادخل وقل لأن (قل) قد كَانَ يُرفع «2» ويُنصب ويدخل عَلَيه الجزم، وهل وبل وأَجَلْ مجزومات أبدًا، فشُبِّهْنَ إِذَا أُدْغِمن بقوله (النار) إِذَا أدغمت اللام من النار فِي النون منها. وكذلك قوله (فَهَلْ تَرى «3» لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) تدغم اللام عند التاء من بَلْ وهل وأجل. ولا تدغم فِي اللام التي قد تتحرك فِي حال. وإظهارهما «4» جائز لأن اللام ليست بموصولة بما بعدها كاتصال اللام من النار وأشباه ذَلِكَ. وإنما صرت أختار (هَلْ «5» تستطيع) و (بَلْ «6» نَظُنُّكُمْ) فأظهر لأن القراءة من المولّدين مصنوعة لَمْ يأخذوها بطباع الأعراب، إنما أخذوها بالصنعة. فالأعرابي ذَلِكَ جائز لَهُ لِمَا يجري عَلَى لسانه من خفيف الكلام وثقيله. ولو اقتسْتُ فِي القراءة عَلَى ما يخفّ عَلَى ألسن العرب فيخففون أو يدغمون «7» لخفّفت قوله (قُلْ أَيُّ «8» شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) فقلتُ: أَيْش أكبر شهادة، وهو كلام العرب. فليس القراءة عَلَى ذَلِكَ، إنما القراءة عَلَى الإشباع والتمكين ولأن الحرف لَيْسَ بِمتصل مثل الألف واللام: ألا ترى أنك لا تقف على الألف   (1) كذا. والمناسب: «قبلهما» والعذر ما علمت. (2) يريد أن متصرفات مادة قل من الفعل ومنها المضارع، فهو يرفع وينصب ويجزم. (3) الآية 8 سورة الحاقة. [ ..... ] (4) أي إظهار اللام والتاء. (5) الآية 112 سورة المائدة. والقراءة بالتاء للكسائى. وقراءة غيره بالياء. (6) الآية 27 سورة هود (7) فى اعكس هذا الترتيب فى الذكر. (8) الآية 19 سورة الأنعام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 واللام مما هي فِيهِ. فلذلك لَمْ أظهر اللام «1» عند التاء وأشباهها. وكذلك قوله: (اتَّخَذْتُمُ «2» ) و (عُذْتُ «3» بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ) تظهر وتدغم. والإدغام أحبّ إليّ لأنها متصلة بحرف لا يوقف عَلَى ما دونه. فأما قوله (بَلْ رانَ «4» عَلى قُلُوبِهِمْ) فإن اللام تدخل فِي الرَّاء دخولًا شديدًا، ويثقل عَلَى اللسان إظهارها فأدغمت. وكذلك فافعل بِجميع الإدغام: فما ثقل عَلَى اللسان إظهاره فأدغم، وما سهل لك فِيهِ الإظهار فأظهر ولا تدغم. وقوله: لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [7] أَفْتَرَى على الله كذبا [8] هَذِه الألف استفهام. فهي مقطوعة فِي القطع «5» والوصل لأنها ألف الاستفهام، ذهبت الألف التي بعدها لأنها خفيفة زائدة تذهب فِي اتصال الكلام. وكذلك قوله: (سَواءٌ عَلَيْهِمْ «6» أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ) وقوله (أَسْتَكْبَرْتَ) «7» قرأ «8» الآية مُحَمَّد بن الجهم، وقوله (أَصْطَفَى «9» الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) ولا يَجوز أن تكسر الألف هاهنا لأن الاستفهام يذهب. فإن قلت: هَلّا إِذَا اجتمعت ألفان طوّلت كما قال (آلذَّكَرَيْنِ «10» (آلْآنَ) «11» قلت: إنما طولت الألف فِي الآن وشبهه لأن ألفها كانت مفتوحة، فلو أذهبتها لم تجد بين الاستفهام والخبر/ 151 ب فَرقًا، فجعل تطويل الألف فرقًا بين الاستفهام والخبر، وقوله (أَفْتَرى) كانت ألفها مكسورة وألف الاستفهام مفتوحة فافترقا، ولم يحتاجا إلى تطويل الألف.   (1) أي لام أل. (2) هذا يتكرر فى القرآن. ومنه الآية 51 من سورة البقرة: «وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل» وكتب فى افوقه: «اتختم» تبيينا لصورة الإدغام. (3) الآية 27 سورة غافر، والآية 20 سورة الدخان وكتب فى افوقه: «عت» تبيينا أيضا لصورة الإدغام: (4) الآية 14 سورة المطففين. (5) أي الواقف. (6) الآية 6 سورة المنافقين. (7) الآية 75 سورة ص (8) أي أتم الآية محمد بن الجهم الراوي للكتاب. (9) الآية 153 سورة الصافات. [ ..... ] (10) الآية 143 سورة الأنعام. (11) الآية 91 سورة يونس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 وقوله: أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [9] يقول: أما يعلمونَ أنهم حيثما كانوا فهم يرون بين أيديهم من الأرض والسماء مثل الَّذِي خلفهم، وأنهم لا يخرجون منها. فكيف يأمنون أن نخسف بِهم الأرض أو نُسقط عليهم من السماء عذابًا. وقوله: يَا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ [10] اجتمعت القراء الَّذِينَ يُعرفونَ عَلَى تشديد (أَوِّبِي) ومعناهُ: سبّحي. وقرأ بعضهم «1» (أُوبِي مَعَهُ) من آب يؤوب أي تصرّفى معه. و (الطَّيْرَ) منصوبة عَلَى جهتين: إحداهما أن تنصبها بالفعل بقوله: ولقد آتينا داود منا فضلًا. وسخَّرنا لَهُ الطير. فيكون مثل قولك: أطعمته طعامًا وماءً، تريدُ: وسقيته ماءً. فيجوز ذَلِكَ. والوجهُ الآخر بالنداء، لأنك إِذَا قلت: يا عَمْرو والصَلْت أقبِلا، نصبت الصلت لأنه إنما يدعى بيا أيّها، فإذا فقدتها كَانَ كالمعدولِ عَن جهته فنُصب. وقد يَجوز رفعه عَلَى أن يتبع ما قبله. ويَجوز رفعه عَلَى: أوِّبي أنت «2» والطير. وأنشدني بعض العرب فِي النداء إِذَا نُصب لفقده يا أيّها: ألا يا عَمْرو والضحاك سِيرَا ... فقد جاوزتما خَمرَ الطريقِ الخَمَر: ما سترك من الشجر وغيرها (وقد يجوز «3» ) نصب (الضحاك) ورفعه. وقال الآخر: يا طلحة الكامل وابن الكامل والنعت يجري فِي الحرف المنادي، كما يجري المعطوف: يُنصَب ويرفع، ألا ترى أنك تَقُولُ: إن أخاك قائم وزيد، وإن أخاك قائم [و «4» ] زيدا «5» فيُجرى المعطوف فِي إنّ بعد الفعل مجرى النعت بعد الفعل. وقوله: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) أسِيلَ لَهُ الحديد، فكان يعمل بِهِ ما شاء. كما يعمل بالطين.   (1) هو الحسن كما فى الإتحاف. (2) أي بالعطف على الضمير المرفوع فى قوله: «أوبى» . (3) ش، ب: «فيجوز» . (4) زيادة يقتضيها السياق. وقوله «زيدا» فى الأصول: «زيد» والمناسب ما أثبت. (5) زيادة يقتضيها السياق. وقوله «زيدا» فى الأصول: «زيد» والمناسب ما أثبت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 وقوله- عزّ وجلّ- أن أعمل سابغات [11] الدروع (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) يقول: لا تجعل مسمار الدرع دقيقا فيقلق، ولا غليظًا فيقصِم الْحَلَق. وقوله: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ [12] منصوبة عَلَى: وسخرنا لسليمان الريح. وهي منصوبة فى الأنبياء «1» (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً) أضمر: وسَخَّرنا- والله أعلم- وقد رفع عَاصِم «2» - فيما أعلم- (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) لَما لَمْ يظهر التسخير أنشدني بعضُ العرب: ورأيتم لِمُجاشعٍ نَعَمًا ... وبني أبيه جَامِلٌ رُغُب «3» يريد: ورأيتم لبني أبيه، فلما لَمْ يظهر الفعل رُفع باللام. وقوله: (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) يقول: غدوّها إلى انتصاف النهار مسيرة شهر وروحتها كذلك. وقوله: (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) مثل (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) والقِطْر: النحاس. وقوله: (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) [13] ذُكر أنها صور الملائكة والأنبياء، كانت تصور فِي المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادةً. والمحاريب: المساجد. وقوله: (وَجِفانٍ) وهى القصاع الكبار (كَالْجَوابِ) الحياض التي للإبل (وَقُدُورٍ راسِياتٍ) يقول: عظام لا تُنزل عَن مواضعها. وقوله: تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ [14] همزها عَاصِم والأعمش. وهي العصا العظيمة التي تكون مع الراعي: أُخذت من نسأت البعير: زجرته ليزداد سيره كما يُقال: نَسأت اللبن إذا صببت عليه الماء وهو النّسىء. ونُسئت المرأة إِذَا حبلت. ونسأ الله فِي/ 152 اأجلك أي زاد الله فِيهِ، ولم يهمزها أهلُ الحجاز ولا الْحَسَن. ولعلهم أرادوا لغة قريش فإنهم يتركون الهمز. وزعم لى   (1) الآية 81. (2) أي فى رواية أبى بكر. فأمّا حفص عن عاصم فنصب. (3) الجامل جماعة الجمال. ورغب: ضخم واسع كثير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 أَبُو جَعْفَر الرؤاسي أَنَّهُ سأل عنها أبا عَمْرو فقال (مِنْساتَهُ) بغير همزٍ، فقال أَبُو عمرو: لأني لا أعرفها فتركتُ همزها. ولو جاء فِي القراءة: مِن سِاتِهِ فتجعل (سَاةً) حرفًا واحدًا فتخفضه بِمن. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَكَذَلِكَ حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: تَأْكُلُ مَنْ عصاه. والعرب تسمّى رأس القوس السّية، فيكون من ذلك، يجوز فتحها وكسرها، يعنى فتح السين، كما يقال: إنّ به لضعة وضعة، وقحة وقحة من الوقاحة ولم يقرأ بها «1» أحد علمناه. وقوله: (دَابَّةُ الْأَرْضِ) : الأرضة. وقوله: (فَلَمَّا خَرَّ) سُلَيْمَان. فيما ذكر أكلت العصا فَخَرّ. وقد كَانَ الناس يُرونَ أنَّ الشياطين تعلم السرّ يكون بين اثنين فلما خرّ تبين أمرُ الجن للإنس أنهم لا يعلمون الغيب، ولو علموهُ ما عملوا بين يديه وهو ميت. و (أَنْ) فِي موضع رفع: (تبيّن) أَنْ لو كانوا. وذُكِرَ عَن ابن عباس أَنَّهُ قَالَ: تبينت الإنس الجن، ويكون المعنى: تبينت الإنس أمر الجن، لأن الجن إِذَا تبيّن أمرها للإنس فقد تبيّنها الإنس، ويكون (أَنْ) حينئذٍ فِي موضع نصب بتبيَّنت. فلو قرأ قارئ تَبَيَّنَتِ الجنّ أن لو كانوا بجعل الفعل للإنس ويضمرهم فِي فعلهم فينصب الجن يفعل الإنس وتكون (أن) مكرورة عَلَى الجن فتنصبها. وقرأ قوله: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ [15] يحيى «2» (فِي مَسْكَنِهِمْ) وهي لغة يَمانيّة فصيحة. وقرأ حَمْزَةُ «3» فِي (مَسْكَنِهِمْ) وقراءة العوام (مَسَاكِنِهِمْ) يريدونَ: منازلهم. وكلّ صواب. والفراء يقرأ قراءة يحيى.   (1) قرأت بذلك فرقة منهم عمر بن ثابت عن ابن جبير كما البحر 7/ 267. (2) هى قراءة الكسائي وخلف. (3) وكذا حفص. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 وقوله: (آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) والمعنى: عَن أيمانِهم وشمائلهم. والجنتان مرفوعتان لأنهما تفسير للآية. ولو كَانَ أحد الحرفين «1» منصوبًا بكان لكان صوابا. وقوله: (وَاشْكُرُوا لَهُ) انقطع هاهنا الكلام (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) هَذِه بلدة طيبة ليست بسبخة. وقوله: سَيْلَ الْعَرِمِ [16] كانت مُسَنَّاة «2» كانت تحبس الماء عَلَى ثلاثة أبواب منها، فيسقونَ من ذَلِكَ الماء من الباب الأول، ثُمَّ الثاني، ثُمَّ الآخر، فلا بنفد حَتَّى يثوب الماء من السنة المقبلة. وكانوا أنعم قوم عيشًا. فلما أعرضوا وجحدوا الرسل بثق الله عليهم الْمُسَنَّاة، فغرَّقت أرضهم ودفن بيوتَهم الرمل، ومُزّقوا كل مُمَزّق، حَتَّى صاروا مثلًا عند العرب. والعربُ تَقُولُ: تفرقوا أيادي سبا وأيدي سَبًا قَالَ الشاعر «3» : عينًا ترى النّاس إليها نَيْسَبَا ... من صَادرٍ ووارِدٍ أيدي سَبَا يتركونَ همزها لكثرة ما جرى عَلَى ألسنتهم ويُجرونَ سَبَا، ولا يُجرونَ: من لَمْ يُجر ذهب إلى البلدة. ومن أجرى جعل سَبَا رجلًا أو جبلًا، ويهمز. وهو فِي القراءة كَثِير بالهمز لا أعلم أحدًا ترك همزه أنشدني: الواردونَ وتَيْم فِي ذرى سبأٍ ... قد عَضَّ أعناقَهم جِلْدُ الجواميس وقوله (ذَواتَيْ أُكُلٍ) يثقّل الْأُكُل. وخفّفه بعض «4» أهل الحجاز. وقد يقرأ بالإضافة «5»   (1) يريد آية وجنتان. وقد قرأ ابن أبى عبلة «جنتين» كما فى البحر 7/ 270. [ ..... ] (2) بناء فى الوادي ليرد الماء، وفيه مفاتح للماء بقدر ما يحتاج إليه. (3) هو دكين الراجز. والنيسب: الطريق المستقيم الواضح يريد سالكين هذا الطريق. وفى اللسان (نسب) عن ابن برى أن الذي فى رجز دكين: ملكا ترى الناس إليه نيسبا ... من داخل وخارج أيدى سبا ويروى: من صادر أو وراد. (4) هما نافع وابن كثير مع التنوين. (5) هى قراءة أبى عمرو ويعقوب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 وغير/ 152 ب الإضافة. فأما الأعمش وَعَاصِم «1» بن أبي النجود فثقلا ولم يضيفا فنوّنا. وذكروا فِي التفسير أَنَّهُ «2» البرير وهو ثمر الأراك. وأما الأثل فهو الَّذِي يعرف، شبيه بالطرفاء، إلا أَنَّهُ أعظم طولًا. وقوله: (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) قَالَ الفراء ذكروا أَنَّهُ السَّمُر واحدته سَمُرَة. وقوله: وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ [17] هكذا قرأه يَحْيَى «3» وَأَبُو عبد الرحمن أيضًا. والعوام «4» : (وَهَلْ يُجَازَى إلا الْكَفُور) . وقوله: (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ) موضع (ذلك) نصب ب (جزيناهم) . يقول القائل: كيف خصّ الكفور بالمجازاة والمجازاة للكافر وللمسلم وكل واحد؟ فيقال: إن جازيناهُ بمنزلة كافأناه، والسيئة للكافر بمثلها، وأما المؤمن فيُجزَى لأنه يزاد ويتفضَّل عَلَيْهِ ولا يُجازى. وقد يُقال: جازيت فِي معنى جزَيت، إلا أن المعنى فِي أبين الكلام عَلَى ما وصفت لك ألا ترى أَنَّهُ قد قال (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ) ولم يقل (جازيناهم) وقد سمعت جازيت فِي معنى جزيت وهي مثل عاقبت وعقبت، الفعل منك وحدك. و (بناؤها) «5» - يعني- فاعلتُ عَلَى أن تَفَعل ويُفعل بكَ. وقوله: وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ [18] جعل ما بين القرية إلى القرية نصف يوم، فذلك تقديره للسير. وقوله: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا [19] قراءة العوام. وتقرأ عَلَى الخبر (رَبُّنَا بَعَّدَ بَيْنَ أسفارنا) و (باعِدْ) وتقرأ عَلَى الدعاء (رَبَّنَا بَعِّدْ) وتقرأ (رَبَّنَا بَعُدَ بَيْن أسفارنا) تكون   (1) وكذا ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو جعفر. (2) أي الخمط. (3) القراءة الآخرة «يجازى» بالياء لنافع وابن كثير وأبى عمرو وابن عامر وأبى بكر وأبى جعفر. والقراءة الأولى «نجازى» بالنون للباقين (4) القراءة الآخرة «يجازى» بالياء لنافع وابن كثير وأبى عمرو وابن عامر وأبى بكر وأبى جعفر. والقراءة الأولى «نجازى» بالنون للباقين (5) ا: «بناء» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 (بَيْنَ) فِي موضع رفع وهي منصوبة. فمن رفعها جعلها بمنزلة قوله (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) وقوله: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ [20] نصبت الظن بوقوع التصديق عَلَيْهِ. ومعناهُ أَنَّهُ قَالَ (فَبِعِزَّتِكَ «1» لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) قَالَ الله: صدّق عليهم ظنّه لأنه إنما قاله بظنّ لا بعلم. وتقرأ (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) نصبت الظن عَلَى قوله: ولقد صَدَق عليهم فِي ظنه. ولو قلت: ولقد صدق عليهم إبليس ظنُّه ترفع إبليس والظن كَانَ صوابًا عَلَى التكرير: صدق عليهم ظنّه، كما قال (يَسْئَلُونَكَ «2» عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) يريد: عَن قتال فِيهِ، وكما قَالَ (ثُمَّ «3» عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) ولو قرأ قارئ ولقد صدق عليهم إبليس ظنُّه يريد: صدقه ظنُّه عليهم كما تَقُولُ صدقك ظنّك والظنّ يخطىء ويُصيب. وقوله: وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ [21] يُضلّهم بِهِ حُجّة، إلا أنا سلَّطناهُ عليهم لنعلم من يؤمن بالآخرة. فإن قَالَ قائل: إن الله يعلم أمرهم بتسليط إبليس وبغير تسليطه. قلت: مثل هَذَا كَثِير فِي القرآن. قَالَ الله (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ «4» حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) وهو يعلم المجاهد والصابر بغير ابتلاء، ففيه وجهان. أحدهما أن العرب تشترط للجاهل إِذَا كلمته بشبه هَذَا شرطًا تُسنده إلى أنفسها وهي عالمة ومخرج الكلام كأنه لمن لا يعلم. من ذَلِكَ أن يقول القائل: النار تُحرق الحطب فيقول الجاهل: بَلِ الحطب يُحرق النار، ويقول العالم: سنأتي بحطب ونار لنعلم أيّهما يأكل صاحبه فهذا وجهٌ بَيّن. والوجه/ 153 االآخر أن تقول (لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ) معناهُ: حَتَّى نعلم عندكم «5» فكأن الفعل لَهُم فِي الأصل. ومثله مما يدلك عَلَيْهِ قوله (وَهُوَ الَّذِي «6» يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)   (1) الآيتان 82، 83 سورة ص (2) الآية 217 سورة البقرة. (3) الآية 71 سورة المائدة. (4) الآية 31 سورة محمد. (5) أي فى المتعارف عندكم أن العلم يكون بوسيلة تؤدى إليه. [ ..... ] (6) الآية 27 سورة الروم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 عندكم يا كفرة ولم يقل: (عندكم) يعني: وليس فِي القرآن (عندكم) وَذَلِكَ معناهُ. ومثله قوله (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ «1» الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) عند نفسك إذ كنت تقوله فِي دنياك. ومثله ما قَالَ الله لعيسى (أَأَنْتَ «2» قُلْتَ لِلنَّاسِ) وهو يعلم ما يقول وما يجيبه بِهِ فردّ عَلَيْهِ عيسى وهو يعلم أن الله لا يحتاج إلى إجابته. فكما «3» صلح أن يسأل عما يعلم ويلتمس من عبده ونبيه الجواب فكذلك يشرط من فعل نفسه ما يعلم، حَتَّى كأنه عند الجاهل لا يعلم. وقوله: إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [23] أي لا ينفع شفاعة ملك مقرّب، ولا نبيّ حَتَّى يُؤذن لَهُ فِي الشفاعة. ويقال: حَتَّى يؤذن لَهُ فيمن يشفع، فتكون (مَنْ) للمشفوع له. وقوله: (حَتَّى إِذا فُزِّعَ) قراءة الأعمش وَعَاصِم بن أبي النجود وأبي عبد الرحمن السُّلمي وأهل المدينة. وقراءة الْحَسَن البصري (فرّغ) وقراءة مجاهد «4» (حتّى إذا فزّغ) يجعل الفعل لله وأما قول الْحَسَن فمعناهُ حتى إذا كشف عنه الفزع عن قلوبهم وفرّغت منه. فهذا وجه. ومن قال فزّع أو فَزَّع فمعناهُ أيضًا: كُشف عَنْهُ الفزع (عَن) تدل عَلَى ذَلِكَ كما تَقُولُ: قد جُلِّيَ عنك الفزع. والعربُ تَقُولُ للرجل: إنه لمغَلَّب وهو غالب، ومغَلَّب وهو مغلوب: فمن قَالَ: مغلب للمغلوب يقول: هُوَ أبدًا مغلوب. ومن قَالَ: مغلب وهو غالب أراد قول الناس: هُوَ مغلَّب. والمفزع يكون جبانًا وشُجاعًا فمن جعله شجاعًا قَالَ: بمثله تنزل الأفزاع. ومن جعله جبانًا فهو بيّن. أراد: يَفزع من كلّ شىء. وقوله: (قالُوا الْحَقَّ) فالمعنى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ بين نبيّنا وبين عيسى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِما وسَلَّمَ فَترة، فلما نزل جبريل عَلَى مُحَمَّد- عليهما السَّلَام- بالوحي ظنّ أهل السموات أَنَّهُ قيام السَّاعة. فقال   (1) الآية 49 سورة الدخان. (2) الآية 116 سورة المائدة. (3) ا: «كما» . (4) هى قراءة ابن عامر ويعقوب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 بعضهم: (ماذا قالَ رَبُّكُمْ) فلم يدروا، ولكنهم قالوا: قَالَ الحق. ولو قرئ (الْحَقّ) بالرفع أي هُوَ الحق كَانَ صوابًا. ومن نصب أوقع عَلَيْهِ القول: قالوا قالَ الحق. وقوله: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً [24] قَالَ المفسرون معناه: وإنا لعلى هُدًى وأنتم فِي ضلال مبين، معنى (أو) معنى الواو عندهم. وكذلك هُوَ فِي المعنى. غير أن العربية عَلَى غير ذَلِكَ: لا تكون (أو) بمنزلة الواو. ولكنها تكون فِي الأمر المفوض، كما تَقُولُ: إن شئت فخذ درهمًا أو اثنين، فله أن يأخذ واحدًا أو اثنين، وليس لَهُ أن يأخذ ثلاثة. وَفِي قول من لا يُبصر العربية ويجعل (أو) بمنزلة الواو يَجوز لَهُ أن يأخذ ثلاثة لأنه فِي قولهم بمنزلة قولك: خذ درهمًا واثنين. والمعنى فى قوله (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ) : إنا لضالون أو مهتدون، وإنكم أيضًا لضالون أو مهتدونَ، وهو يعلم أن رسوله المهتدي وأن غيره الضال: الضالون. فأنت تَقُولُ فِي الكلام للرجل: إن أحدنا لكاذب فكذبته تكذيبًا غير مكشوف. وهو فِي القرآن وَفِي كلام العرب كَثِير: أن يوّجه الكلام إلى أحسن مذاهبه إِذَا عُرف كقولك: والله لقد قدم فلان وهو كاذب/ 153 ب فيقول العالم: قل: إن شاء الله أو قل فيما أظن فيُكذّبه بأحسن من تصريح التكذيب، ومن كلام العرب أن يقولوا. قاتله الله: ثُمَّ يستقبحونها، فيقولون: قاتعه وكاتعه. ويقولون جوعًا دعاء عَلَى الرجل، ثُمَّ يستقبحونها فيقولون: جُودًا، وبعضهم: جُوسًا. ومن ذَلِكَ قولهم: وَيْحَك وويسكَ، إنما هي ويلك إلا أنها دونها بمنزلة ما مضى. وقوله: قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ [30] ولو قرئت «1» : ميعادٌ يَوْمٌ. ولو كانت فِي الكتاب (يومًا «2» ) بالألف لَجاز، تريد: ميعاد فِي يوم. وقوله: لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ [31] : التوراة لَمَّا قَالَ أهل الكتاب: صفةُ مُحَمَّد فِي كتابنا كفر أهل مكة بالقرآن وبالذي بين يديه: الذي قبله التوراة.   (1) جواب لو محذوف أي لجاز. (2) هى قراءة ابن أبى عبلة واليزيدي كما فى البحر 7/ 282. وهى قراءة شاذة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 وقوله: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ [33] المكر لَيْسَ لليل ولا للنهار، إنما المعنى: بَلْ مكركم «1» بالليل والنهار. وقد يَجوز أن نضيف الفعل إلى الليل والنهار، ويكونا كالفاعلين، لأن العرب تَقُولُ: نهارك صائم، وليلك نائم، ثُمَّ تضيف الفعل إلى الليل والنهار، وهو فِي المعنى للآدميين، كما تَقُولُ: نام لَيْلُكَ وعَزَم الأمرُ، إنما عَزَمه القوم. فهذا مما يُعرف معناه فتتسع بِهِ العرب. وقوله: زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ [37] (مَنْ) فِي موضع نصب بالاستثناء. وإن شئت أوقعت عليها التقريب، أي لا تقرِّب الأموال إلا من كَانَ مطيعًا. وإن شئت جعلته رفعًا، أي ما هُوَ إلا من آمن. ومثله (لا يَنْفَعُ «2» مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) وإن شئت جعلت (مَنْ) فِي موضع نصب بالاستثناء. وإن شئت نصبًا بوقوع ينفع. وإن شئت رفعًا فقلت: ما هُوَ إلا من أتى الله بقلبٍ سُلَيْم. وقوله: (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي) إن شئت جعلت (التي) جامعة للأموال والأولاد لأن الأولاد يقع عليها (التي) فلمّا أن كانا جَمْعًا صلح للتي أن تقع عليهما. ولو قَالَ: (باللتين) كَانَ وجهًا صوابًا. ولو قَالَ: باللذين كما تَقُولُ: أمّا العسكر والإبل فقد أقبلا. وقد قالت العرب: مرّت بنا غَنَمان سُودان «3» ، فقال: غَنَمان: ولو قَالَ: غَنَم لجاز. فهذا شاهد لمن قال (بالتي) ولو وجهت (التي) إلى الأموال واكتفيت بِهَا من ذكر الأولاد صلح ذَلِكَ، كما قَالَ مرَّار الأسَدي: نحن بِمَا عندنا وأنت بِمَا ... عِندك راضٍ والرأيُ مختلفُ «4» وقال الآخر: إنّي ضمنت لمن أتاني ما جنى ... وأبي وكان وكنت غير غدور «5»   (1) ش: «مكرهم» . (2) الآيتان 88، 89 سورة الشعراء. (3) جمع أسود. وقد جمع باعتبار الجمع، ولو راعى اللفظ لقال: سوداوان. (4) فى كتاب سيبويه 1/ 37 نسبته إلى قيس بن الخطيم. (5) فى كتاب سيبويه 1/ 38 نسبته إلى الفرزدق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 ولم يقل: غير غَدُورين. ولو قَالَ: وما أموالكم ولا أولادكم بالذين، يذهب بِهَا إلى التذكير للأولاد لَجَاز. وقوله: (لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ) لو نصبت بالتنوين الَّذِي فِي الجزاء كَانَ صوابًا. ولو قيل «1» (لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ) ولو قلت: جزاءٌ «2» الضِّعْفُ كما قَالَ (بِزِينَةٍ «3» الْكَواكِبِ) (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ) و (الغرفة) «4» . وقوله: وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ [44] أي من أين كذبوا بك ولم يأتهم كتابٌ ولا نذيرٌ بِهذا. قَالَ الله: وَكَذَّبَ الذين من قبلهم [45] وما بلغ أهل مكة معشار الَّذِينَ أهلكنا من القوّة فى الأجسام والأموال. ويقال: ما بلغوا معشار ما آتيناهم فِي الْعِدّة. والمعشار فِي الوجهين الْعُشْر. وقوله: قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ [46] أي يكفيني منكم أن يقوم الرجل منكم وحده، أو هو وغيره، ثم تنفكروا هَلْ جربتم عَلَى مُحَمَّد كذبًا أو رأوا «5» بِهِ جنونًا ففي ذَلِكَ ما يتيقنون «6» أَنَّهُ بنىّ. وقوله: عَلَّامُ الْغُيُوبِ [48] رفعت (علّام) وهو الوجه لأن النعت إِذَا جاء بعد الخبر رفعته العرب فِي إنّ، يقولون: إن أخاك قائم الظريف. ولو نصبوا كَانَ وجهًا. ومثله (إِنَّ «7» ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) لو قرئ نصبًا كَانَ صوابًا، إلا أن القراءة الجيّدة الرّفع.   (1) هى قراءة رويس عن يعقوب. (2) هى قراءة كما فى البحر 2/ 286. [ ..... ] (3) الآية 6 سورة الصافات. (4) هذه قراءة حمزة. (5، 6) كذا. والأنسب: «أو رأيتم» . وكذا قوله: «يتيقنون» الأنسب: «تتيقنون» . (7) الآية 64 سورة ص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 وقوله وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ [52] قرأ الأعمش وَحَمْزَة وَالْكِسَائي بالهمز يَجعلونه من الشيء البطيء من نأشت من النئيش، قَالَ الشاعر: وجئت نئيشا بعد ما فاتك الخبر وقال آخر» : تَمَنَّى نئيشًا أن يكون أطاعني ... وقد حَدَثت بعد الأمور أمورُ وقد ترك همزها أهل الحجاز وغيرهم، جَعلوها من نُشْته نَوْشًا وهو التناول: وهما متقاربان، بمنزلة ذِمْتُ الشيء وذأمته أي عبته: وقال الشاعر «2» : فهْي تَنُوش الحوض نَوْشًا من عَلَا ... نَوْشًا بِهِ تقطع أجواز الْفَلَا وتناوش القومُ فِي القتال إِذَا تناول بعضهم بعضًا ولم يتدانوا كل التداني. وقد يَجوز همزها وهي من نُشت لانضمام الواو، يعني التناوش مثل قوله (وَإِذَا الرُّسُلُ «3» أُقِّتَتْ) . وقوله: وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [53] يقولون لَيْسَ بنبي وقد باعدهم الله أن يعلموا ذَلِكَ لأنه لا علم لَهُم، إنما يقولون بالظن وبالغيب أن ينالوا أَنَّهُ غير نبىّ.   (1) هو نهشل بن حرى كما فى اللسان (ناش) . وقبله: ومولى عصانى واستبد برأيه ... كما لم يطع فيما أشار قصير فلما رأى ما غب أمرى وأمره ... وناءت بأعجاز الأمور صدور (2) هو غيلان بن حريث كما فى اللسان (نوش) والضمير فى «فهى» للابل. وقوله: «من علا» أي من فوق يريد أنها عالية الأجسام طوال الأعناق. وهذا النوش الذي ترتوى به يعينها على قطع الفلوات. والأجواز جمع جوز وهو الوسط. (3) الآية 11 سورة المرسلات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 ومن سورة فاطر قوله: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ [1] هَذَا فِي الأجنحة التي جعلها لجبريل وميكائيل يعني «1» بالزيادة فِي الأجنحة. وقوله: وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ [2] ولم يقل: لَهَا، وقد قَالَ قبل ذَلِكَ (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) فكان التأنيث فِي (لَهَا) لظهور الرحمة. ولو قَالَ: فلا مُمسك لَهُ لَجاز، لأن الْهَاء إنما ترجع عَلَى (ما) ولو قيل فِي الثانية: فلا مرسل لَهَا لأن الضمير عَلَى الرحمة جاز، ولكنها لَمَّا سقطت الرحمة من الثاني ذكّر على (ما) . قوله: اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [3] وما كَانَ فِي القرآن من قوله (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) فمعناهُ: احفظوا، كما تَقُولُ: اذكر أياديّ عندك أي احفظها. وقوله: (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) تقرأ (غيرُ) و (غَيرِ) قرأها شقيق «2» بن سَلَمة (غَيْرِ) وهو وجه الكلام. وقرأها عَاصِم «3» (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) فمن خفض فِي الإعراب جعل (غير) من نعت الخالق. ومن رفع قَالَ: أردت بغير إلا، فلما كانت ترتفع ما بعد (إلا) جعلت رفع ما بعد (إِلَّا) فِي (غير) كما تَقُولُ: ما قام من أحد إلا أبوك. وكل حسنٌ. ولو نصبت (غَير) إِذَا أريد بِهَا (إِلا) كَانَ صوابًا. العرب تقول: ما أتاني أحد غَيْرك. والرفع أكثر «4» ، لأن (إلا) تصلح فِي موضعها. وقوله: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً [8] يقول: شُبّه عَلَيْهِ عمله، فرأى سيئه حسنًا. ثم قال/ 154 ب (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) فكان الجواب متبعا بقوله   (1) كأن المراد: يعنى بالزيادة الزيادة فى الأجنحة. (2) وهى قراءة حمزة والكسائي وأبى جعفر. (3) وكذا غير من ذكر فى الحاشية السابقة. (4) سقط فى ا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 (فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) واكتُفي بإتباع الجواب بالكلمة الثانية لأنها كافية من جواب الأولى: ولو أخرج الجواب كله كَانَ «1» : أفمن زين لَهُ سوء عمله ذهبت نفسك، أو تذهب نفسك لأن قوله (فَلا تَذْهَبْ) نهي يدل عَلَى أن ما نُهِيَ عَنْهُ قد مضى فِي صدر الكلمة. ومثله فِي الكلام: إِذَا غضبت فلا تقتل، كأنه كَانَ يقتل عَلَى الغضب، فنُهي عَن ذَلِكَ. والقراء مجتمعون على (تَذْهَبْ نَفْسُكَ) وقد ذَكر بعضهم عَن أبي جَعْفَر المدنيّ (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ) وكلّ صوابَ. وقوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً [10] فإن (الْعِزَّةَ) «2» معناهُ: من كَانَ يريد عِلْم العزة ولمن هي فإنها لله جميعًا، أي كل وجهٍ من العزّة فلله. وقوله: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) الْقُراء مجتمعونَ عَلَى (الْكَلِمُ) إلا أبا عبد الرحمن فإنه قرأ (الكلام الطيب) وكل حسنٌ، و (الْكَلِم) أجود، لأنها كلمة وكلم. وقوله (الكلمات) فِي كَثِير من القرآن يَدلّ عَلَى أن الكلم أجود: والعربُ تَقُولُ كلمة وكَلِم، فأمّا الكلام فمصدر. وقد قَالَ الشاعر: مالك تَرْغين ولا يَرْغُو الْخَلِفْ ... وَتضْجَرين والمطيّ مُعترِف «3» فجمع الْخَلفة بطرح الْهَاء، كما يُقال: شجرة وشجر. وقوله: (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) أي يرفع الكلم الطيب. يقول: يُتقبّل الكلام الطيب إِذَا كَانَ معه عمل صالِح. ولو قيل: (والعملَ الصَّالِحَ) بالنصب عَلَى معنى: يرفع الله العملَ الصالِح، فيكون المعنى: يرفع الله (العمل «4» الصالِح) ويَجوز عَلَى هَذَا المعنى الرفع، كما جازَ النصبُ لمكان الواو فِي أوَّله.   (1) ا: «لكان» . (2) يريد تفسير قوله: «فلله العزة» وفى ش: «فإن» . (3) ترغين من الرغاء. وهو صياح الإبل. والخلف جمع خلفة وهى الناقة الحامل. والمعترف الصابر. [ ..... ] (4) سقط فى ا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 وقوله: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ [11] يقول: ما يُطَوَّل من عمر، وَلا يُنْقَصُ من عمره، يريدُ آخر غير الأول، ثُمَّ كُني عَنْهُ «1» بالهاء كأنه الأول. ومثله فِي الكلام: عندي درهم ونصفه يعني نصف آخر. فجازَ أن يكنى عَنْهُ بالهاء لأن لفظ الثاني قد يظهر كلفظ الأول. فكنى عَنْهُ ككناية الأوّل. وفيها قول آخر: (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) يقول: إِذَا أتى عَلَيْهِ الليلُ والنهار نَقَصَا من عمره، وَالْهَاء فِي هَذَا المعنى للأول لا لغيره، لأن المعنى ما يطوّل ولا يذهب منه شيء إلا هُوَ محصًى فِي كتاب، وكل حسن وكأنّ الأول أشبه بالصواب. وقوله: وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا [12] يريدُ: من البحرين جَميعًا: من الْمِلح والعَذْب. (وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً) من الملح دون العذب. وقوله: (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ) ومَخْرها: خرقها للماء إِذَا مَرَّتْ فِيهِ، واحدها ماخِرة. وقوله. وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها [18] يقول: إن دعت داعية ذات ذُنُوبٍ قد أثقلتها إلى ذنوبها ليُحمل عنها شيء من الذنوب لَمْ تَجد ذَلِكَ. ولو كَانَ الَّذِي تدعوهُ أبًا أو ابنًا. فذلك قوله: (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) ولو كانت: ذو قربى لَجازَ لأنه لَمْ يُذكر فيصير نكرة. فمن رفع لَمْ يضمر فِي (كَانَ) شيئًا، فيصير مثل قوله: (وَإِنْ كانَ «2» ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ) ومن نصب أضمر. وهي فِي قراءة أُبَيّ: (وإنْ كَانَ ذَا عُسْرَةٍ) عَلَى ذَلِكَ. وإِنَّما أنّث (مُثْقَلَةٌ) يذهب إلى الدابة أو إلى النفس، وهما يعبِّران عَن الذكر والأنثى، كما قَالَ: (كُلُّ نَفْسٍ «3» ذائِقَةُ الْمَوْتِ) للذكر والأنثى.   (1) ا: «عنها» . (2) الآية 280 سورة البقرة. (3) الآية 185 سورة آل عمران. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 وقوله: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ [19] فالأعمى هاهنا الكافر، والبصير المؤمنُ. وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ [20] الظلمات: الكفر، والنور: الإيمان. وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ [21] الظل: الجنة، والحرُور: النار. وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ [22] الأحياء: المؤمنون، والأموات: الكفار. وقوله: جُدَدٌ بِيضٌ [27] الْخُطط والطرق تكون فِي الجبال كالعُروق، بيض وسُود وحمر، واحدها جُدّة. وقال امرؤ القيس، يصف الحمار: كأنّ سَرَاتَيه وجُدَّةُ مَتْنِه ... كنائِن يجري فوقَهنّ دَلِيص والجُدّة: الْخُطّة السوداء فِي متن الحمار. وقال الفراء. يقال: قد أدلصت الشيء ودلصته إِذَا برق، وكل شيء يبرق، نحو المرآة والذهب والفضة فهو دَليص. قَالَ: الطُّرُق جَمع طريق. والطُرق جمع طُرْقة. وقوله: كَذلِكَ [28] من صلة الثمرات. واختلاف ألوانها أي من الناس وغيرهم كالأول. ثُمَّ استأنف فقال: (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) . وقوله: يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ [29] جواب لقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أولئك يرجون (تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) ف (يرجونَ) جواب لأول الكلام. وقوله: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ [32] هذا الكافر (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) فهؤلاء أصحاب اليمين (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) وهذه موافقٌ تفسيرها تفسير التي «1» فِي الواقعة. فأصحاب الميمنة هم «2»   (1) يريد الآيات 8، 9، 10. (2) فى الأصول: «وهم» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 المقتصدون. ويقال: هم الولدان. وأصحاب المشأمة الكفّار. والمشأمة النار. والسّابقون السّابقون هؤلاء أهل الدرجات العلى أولئك المقرّبون فِي جناتِ عَدْنٍ. قوله: جَنَّاتُ عَدْنٍ [33] ومعنى عدنٍ إقامة بِهِ. عَدَن بالموضع. وقوله: أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [34] الحزن للمعاش وهموم الدُّنْيَا. ويُقال: الحزن حَزَنَ الموت. ويُقال الحزن بالجنة والنار لا ندري «1» إلى أيّهما نصير «2» . وقوله: دارَ الْمُقامَةِ [35] هي «3» الإقامة «4» . والمقامة: المجلس الَّذِي يُقام فِيهِ. فالمجلس مفتوح لا غير كما قَالَ الشاعر «5» : يومانِ يومُ مقاماتٍ وأنديةٍ ... ويومُ سير إلى الأعداء تأويبِ وقرأ السُّلمي (لَغُوب) كأنه جعله ما يُلغب، مثل لَغُوب «6» والكلام لُغُوب بضم اللام، واللغوب: الإعياء. وقوله: وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ [37] يعنى محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وذُكر الشيب. وقوله: أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ [40] أي إنهم لَمْ يخلقوا فِي الأرض شيئًا. ثم قال: (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) أي فِي خلقها، أي أعانوه عَلَى خلقها. وقوله: وَلَئِنْ زالَتا [41] بمنزله قوله: ولو زالتا (إِنْ أَمْسَكَهُما) (إنْ) بمعنى (ما) وهو بمنزلة قوله: (وَلَئِنْ «7» أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ) . وقوله: (وَلَئِنْ «8» أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) المعنى معنى (لو) وهما متآخيتان يجابان بجواب واحد.   (1، 2) ا: «يدرى» .. «ويصير» . (3) سقط فى ا. (4) ش: «المقامة» . (5) هو سلامة بن جندل، كما فى اللسان (أوب) . والتأويب: سير النهار أجمع. (6) كذا ولم يظهر وجهه. وقد يكون: «لعوب» وهى المرأة الحسنة، وهى تحمل المرء على اللعب. (7) الآية 51 سورة الروم. (8) الآية 145 سورة البقرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 وقوله: اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ [43] أي فعلوا ذلك استكبارا (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) أضيف المكر إلى السيّء وهو هُوَ كما قَالَ: (إِنَّ هَذَا «1» لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) وتصديق ذلك فى قراء عبد الله (ومكرًا سَيِّئًا) وقوله (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) الهمزة فى (السّيّئ) مخفوضة/ 155 ب. وقد جزمها الأعمش وَحَمْزَة لكثرة الحركات، كما قال (لا يَحْزُنُهُمُ «2» الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) وكما قَالَ الشاعر: إِذَا اعْوَجَجْن قُلْتُ صاحب قَوِّمِ «3» يريدُ صاحب قوم فجزم الباء لكثرة الحركات. قَالَ الفراء: حَدَّثَنِي الرؤاسي عَن أبي عمرو ابن العلاء (لا يحزنهم) جزم. ومن سورة يس قوله: يس [1] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَنِ الْحَسَنِ نَفْسَهُ قَالَ: يس: يَا رَجُلُ. وَهُوَ فِي الْعَرَبِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ حَرْفِ الهجاء كقولك: حم وأشباهها. القراءة بوقف النون من يس. وقد سمعت من العرب من ينصبها فيقول: (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) كأنه يجعلها متحركة كتحريك الأدوات إِذَا سكن ما قبلها مثل لَيْتَ ولعلّ ينصب منها ما سكن الَّذِي يلي «4» آخر حروفه. ولو خُفض كما خُفض جَيْرِ «5» لا أفعل ذَلِكَ خُفضت لمكان الياء التي فِي جير.   (1) الآية 95 سورة الواقعة. [ ..... ] (2) الآية 103 سورة الأنبياء. (3) بعده: بالدو أمثال السفين العوم والدو: الصحراء. وأراد بأمثال السفين إبلا محملة تقطع الصحراء قطع السفن البحر. وانظر كتاب سيبويه والأعلم 2/ 297. (4) أي يكون بقربه. والحرف هنا قبله، وإن كان المتعارف فى الذي يلى أن يكون متأخرا. (5) جير بمعنى حقا. وتستعمل بمعنى اليمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 وقوله: عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [4] يكون خيرا بعد خبر: إنك «1» لمن المرسلين، إنك «2» على صراط مستقيم. ويكون: إنك لمن الَّذِينَ أرسلوا عَلَى صراط مستقيم عَلَى الاستقامة. وقوله: تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ [5] القراءة بالنصب، عَلَى قولك: حقًّا إنك لَمِنَ المرسلين تنزيلًا حقًّا. وقرأ أهل الحجاز بالرفع، وَعَاصِم والأعمش ينصبانِها. ومن رفعها جعلها خبرًا ثالثًا: إنك «3» لتنزيل العزيز الرحيم. ويكون رفعه عَلَى الاستئناف كقولك: ذَلِكَ تنزيل العزيز الرحيم كما قَالَ (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا «4» ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ) أي ذَلِكَ بلاغ. وقوله: لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آباؤُهُمْ [6] يُقال: لتنذر قومًا لَمْ يُنذَر آباؤهم أي لَمْ تنذرهم ولا أتاهم رسول قبلك. ويُقال: لتنذرهم بما أنذر آباؤهم، ثُمَّ تُلقي الباء، فيكون (ما) فِي موضع نصب كما قَالَ (أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً «5» مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) . وقوله: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ [8] . فكنى عَن هي، وهي للأيمان ولم تُذكر. وَذَلِكَ أن الْغُلّ لا يكون إلا باليمين، والعنق، جامعًا لليمين، والعُنق، فيكفي ذكر أحدهما من صاحبه، كما قَالَ (فَمَنْ «6» خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ) فضمّ الْوَرثة إلى الوصيّ ولم يُذكروا لأن الصلح إنّما يقع بين الوصي والورثة. ومثله قول الشاعر: وما أدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ وجهًا ... أريدُ الخير أيُّهما يليني أألخير الَّذِي أنا أبتغيه ... أم الشرّ الذي لا يأتلينى   (1) فى الأصول: «وقوله: إنك» . (2) ش: «يريد إنك» . (3) ا: «إنه» وكونه خبرا ثالثا يقضى بإثبات ما أثبت وهو فى ش. وبعد فلا يتجه هذا الإعراب لأن التنزيل من صفة القرآن لا من صفة الرسول عليه الصلاة والسلام. (4) الآية 35 سورة الأحقاف. (5) الآية 13 سورة فصلت. (6) الآية 182 سورة البقرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 فكنى عَن الشر وإنما ذكر الخير وَحده، وَذَلِكَ أن الشر يُذكر مع الخير، وهي فِي قراءة عبد الله (إنا جعلنا فِي أيمانهم أغلالا فهى إلى الأذْقَانِ) فكفَتِ الْأَيْمَان من ذكر الأعناق فِي حرف عبد الله، وكَفَت الأعناق من الْأَيْمَان فِي قراءة العامّة. والذَقَن أَسْفل اللحيين. والمقمَح: الغاضّ بصره بعد رفع رأسه. ومعناه: إنا حبسناهم عَن الإنفاق فِي سبيل الله. وقوله: فَأَغْشَيْناهُمْ [9] أي فألبسنا أبصارهم غشاوة. ونزلت هَذِه الآية فِي قوم أرادوا قتل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بني مخزوم، فأتوه فِي مصلاه ليلًا، فأعمى الله أبصارهم عَنْهُ، فجعلوا يسمعونَ صوته بالقرآن «1» ولا يرونه. فذلك قوله (فَأَغْشَيْناهُمْ) وتقرأ (فأعشيناهم) بالعين. أغشيناهم عَنْهُ لأن الْعَشْو بالليل، إِذَا أمسيت وأنت لا ترى شيئًا فهو الْعَشْو. وقوله: وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا [12] أمّا ما قدّموا فما أسلفوا من أعمالهم. وآثارهم ما استنّ به من بعدهم. وهو/ 156 امثل قوله (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ «2» وْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) . وقوله (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) القراء مجتمعونَ عَلَى نصب (كُلّ) لِمَا وقع من الفعل عَلَى راجع ذكرها. والرفع وجه جيّد قد سمعت ذَلِكَ من العرب لأن (كُلّ) «3» بمنزلة النكرة إِذَا صحبها الجحد فالعرب تَقُولُ: هَلْ أحد ضربته، وَفِي (كلّ) مِثْل هَذَا التأويل، ألا ترى أن معناهُ: ما من شيء إلا قد أحصيناه. وقوله: إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ [14] والثالث قد كَانَ أرسل قبل الاثنين فكُذِّبَ. وقد تراهُ فِي التنزيل كأنه بعدهما. وإنَّما معنى قوله (فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) : بالثالث الَّذِي قبلهما كقولك: فعززنا بالأول. والتعزيز يقول: شدّدنا أمرهما بما علمهما الأول شمعون. وكانوا أرسلوا إلى أنطاكية «4» . وهي فِي قراءة عبد الله (فَعَزَّزنا بالثالث) لأنه قد ذكر فى المرسلين «5» ، وإذا   (1) ا: «بالقراءة» . (2) الآية 13 سورة القيامة. (3) كذا. وكأنه منعها الصرف لأنه أراد الكلمة، فاجتمع فيها العلمية لأنها علم على اللفظ، والتأنيث. (4) هى مدينة من أعمال حلب فى سورية. [ ..... ] (5) أي فى قوله تعالى فى الآية السابقة «إذ جاءها المرسلون» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 ذُكرت النكرة فِي شيء ثُمَّ أعيدت خرجت معرفة كقولك للرجل: قد أعطيتك درهمين، فيقول: فأين الدرهمان؟ وقرأ عَاصِم «1» (فَعَززْنا) خفيفة. وهو كقولك: شدّدنا وشددنا. وقوله: لَنَرْجُمَنَّكُمْ [18] . يريد: لنقتلنكم. وعامة ما كَانَ فِي القرآن من الرجم فهو قتل «2» ، كقوله (وَلَوْلا «3» رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) . وقوله: طائِرُكُمْ مَعَكُمْ [19] القراء مجتمعون على (طائِرُكُمْ) بالألف. والعرب تقول: طيركم معكم. وقوله: (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) قراءة العامة بالهمز وكسر ألف (إِنْ) . وقرأ أَبُو رَزِين- وَكَانَ من أصحاب عبد الله- (أأن ذكّرتم) ومن كسر قال «4» (أَإِنْ) جعله جزاء أدخل عَلَيْهِ ألف استفهام. وقد ذُكِرَ عَن بعض القرّاء (طائركم معكم أين ذُكِّرْتُم) و (ذُكِرتم) يريد: طائركم معكم حيثما كنتم. والطائر هاهنا: الأعمال والرزق. يقول: هُوَ فِي أعناقكم. ومن جعلها (أَين) فينبغي لَهُ أن يخفّف (ذكرتم) وقد خَفّف أَبُو جَعْفَر المدني (ذُكرتم) ولا أحفظ عَنْهُ (أين) . وقوله: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ [25] . أي فاشهدوا لي بذلك. يقوله حبيب للرسل الثلاثة. وقوله: بِما غَفَرَ لِي رَبِّي [27] و (بما) تكون فِي موضع (الَّذِي) وتكون (ما) و (غفر) فِي موضع مصدر. ولو جعلت (ما) فِي معنى (أي) كَانَ صوابًا. يكون المعنى: ليتهم يَعلمون بأي شيء غَفَر لي رَبِّي. ولو كَانَ كذلك لجازَ لَهُ فِيهِ: (بِمَ غفر لي رَبِّي) بنُقصان الألف، كما تقول:   (1) أي في رواية أبى بكر. أما حفص فعنده التشديد. (2) سبق له فى الكلام على الآية 46 من سورة مريم أن فسر الرجم بالسب. (3) الآية 91 سورة هود. (4) سقط فى ا. وهو بدل من (كسر) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 سَلْ عَمَّ شئت، وكما: قَالَ (فَناظِرَةٌ «1» بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) وقد أتَمَّها الشاعر وهي استفهام فقال: إنا قتلنا بقتلانا سَراتكم ... أهلَ اللِّوَاءِ ففِيما يُكثَر الْقِيلُ «2» وقوله: إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً [29] نصبتها القراء، إلا أبا جَعْفَر، فإنه رفعها، عَلَى ألا يُضمِر فِي (كانت) اسمًا. والنصب إِذَا أضمْرت فيها كما تَقُولُ: اذهب فليس إلا الله الواحد القهار والواحد القهار، عَلَى هَذَا التفسير، وسمعتُ بعض العرب يقول لرجل يصفه بالخِبّ «3» : لو لَمْ يكن إلا ظِلَّة لَخَاب «4» ظِلُّه. والرفع والنصب جائزان. وقد قرأت القراء (إِلَّا أَنْ تَكُونَ «5» تِجارَةً حاضِرَةً) بالرفع والنصب. وهذا من ذَاكَ. وقوله (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) وَفِي قراءة عبد الله (إن كانت إلَّا زَقْيَةً) والزَقْيَة والزَقْوة لغتان. يقال زَقَيت وَزَقوت. وأنشدني بعضهم وهو يذكر امرأة: تلد غلامًا عَارِمًا يؤذيكِ ... ولو زَقَوت كَزُقاء الدّيك وقوله: يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ [30] المعنى: يا لَهَا حسرةً عَلَى العباد. وقرأ بعضهم (يا حسرة العباد) والمعنى فِي العربية واحد. والله أعلم. والعرب إِذَا دعت نكرة موصولة بشيء آثرت النصب، يقولون: يا رجلًا كريمًا أقبل، ويا راكبًا عَلَى البعير أقبل. فإذا أفردوا رفعوا أكثر/ 156 ب مما ينصبون. أنشدني بعضهم: يا سيّدا ما أنت من سَيِّدٍ ... موطّأ الأعقابِ رَحْبِ الذراع قوّال معروف وفعّاله ... نَحّار أُمَّات الرِّبَاع الرِّتَاع «6»   (1) الآية 35 سورة النمل. (2) السراة الأشراف واحدها سرى. (3) الخب: الخبث. وخاب بتشديد الباء: خدع ومكر. (4) الخب: الخبث. وخاب بتشديد الباء: خدع ومكر. (5) الآية 29 سورة النساء. والنصب لعاصم وحمزة والكسائي وخلف. والرفع لغيرهم. (6) من قصيدة مفضلية للسفاح بن بكير اليربوعي، يرثى فيها يحيى بن شداد اليربوعي وقوله: ما أنت من سيد تعجب من سيادته وفضله. و «موطأ الأعقاب» الرواية فى المفضليات: «موطأ البيت» والمراد هنا أن الناس يتبعونه ويطئون عقبه لأصالة رأيه. وفى الأساس: «وفلان موطأ العقب أي كثير الأتباع» وأمات الرباع: النوق التي لها رباع وهى جمع ربع كصرد لما ينتج فى الربيع. والرتاع من صفة أمات وهى التي ترعى فى الخصب. وانظر المفضلية 292 والخزانة 2/ 536. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 أنشدنيه بعض بني سُلَيْم (موطّأ) بالرفع، وأنشدنيه الْكِسَائي (موطأ) بالخفض. وأنشدني آخر: ألا يا قتيلًا ما قتيلَ بني حِلْس ... إِذَا ابتلَّ أطرافُ الرماح من الدَّعْسِ «1» ولو رفعت النكرة الموصولة بالصفة كَانَ صوابًا. قد قالت العرب: يا دار غيرها البلى تغييرا تريد: يا أيتها الدار غيَّرهَا. وسمعت أبا الجراح يقول لرجل: أيا مجنونُ مَجْنُونُ، إتباع «2» . وسمعت من العرب: يا مهتمُّ بأمرنا لا تهتمّ، يريدون: يا أيها المهتمّ. وقوله: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا [31] (كَمْ) فِي موضع نصب من مكانين: أحدهما أن توقع (يَرَوْا) عَلَى (كَمْ) وهي فِي قراءة عبد الله (ألم يروا مَن أهلكنا) فهذا وجه. والآخر أن توقع (أهلكنا) عَلَى (كم) وتجعله استفهامًا، كما تَقُولُ: علمت كم ضربت غلامك. وإذا كَانَ قبل مَن وأيّ وكم رأيت وما اشتُقّ منها، أو الْعِلم وما اشتقّ منه وما أشبه معناهما، جازَ أن توقع ما بعدكم وأيّ ومن وأشباهها عليها، كما قَالَ الله (لِنَعْلَمَ «3» أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) ألا ترى أنك قد «4» أبطلت العلم عَن وقوعه عَلَى أيّ، ورفعت أيّا بأحصى. فكذلك تنصبُها بفعل لو وقع عليها. وقوله (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ) فُتحت ألفها لأن المعنى: ألم يروا أنهم إليهم لا يرجعون. وقد كسرها الْحَسَن الْبَصْرِيّ، كأنه لَمْ يوقع الرؤية عَلَى (كم) فلم يوقعها «5» عَلَى (أنّ) وإن شئت كسرتها عَلَى الاستئناف وجعلت كم منصوبة بوقوع يروا عليها. وقوله: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ [32] شدّدها الأعمش وعاصم. وقد خفّفها قومٌ كَثِير منهم من قرَّاء أهل المدينة وبلغني أن عليًّا خَففها. وهو الوجه لأنَّها (ما) أدخلت عليها لام تكون جوابا   (1) بنوحلس: بطين من الأزد كما فى اللسان (حلس) . والدعس: الطعن. (2) سقط فى ا، ب وكأنه يريد أن «مجنون» الآخرة إتباع للأولى. (3) الآية 12 سورة الكهف. [ ..... ] (4) ا: «إذ» . (5) ا: «توقعها» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 لإنْ كأنك قلت: وإن كلّ لَجميع لدينا محضرون. ولم يثقلها من ثقلها إلا عَن صواب. فإن شئت أردت: وإن كل لمن ما جميع، ثُمَّ حُذفت إحدى الميمات لكثرتهنّ كما قَالَ. غداة طفتْ عَلْماءِ بكرُ بن وائل ... وَعُجْنَا صدورَ الخيل نَحو تَميم والوجه الآخر من التثقيل أن يجعلوا (لَمَّا) بمنزلة (إلا) مع (إِنْ) خاصة، فتكون فِي مذهبها بمنزلة إنما إِذَا وضعت فِي معنى إلا، كأنها لَمْ ضُمّت إليها ما فصارا جَميعًا (استثناء «1» وخرجتا من حد الجحد. ونَرى أن قول العرب (إِلَّا) إنما جمعوا بين إن التي تكون جحدًا وضمّوا إليها (لا) فصارا جَميعًا حرفًا واحدًا وخرجا من حد الجحدِ إذ جمعتا فصارا حرفًا واحدًا. وكذلك لمّا. ومثل ذَلِكَ قوله: لولا، إنما هي لو ضمت إليها لا فصارتا حرفًا واحدًا) . وَكَانَ الْكِسَائي ينفي هَذَا القول. ويقول: لا أعرفُ جهة لَمّا فِي التشديد فِي القراءة. وقوله: لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وما عملت أيديهم [35] وَفِي قراءة عبد الله (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ «2» ) وكل صواب. والعربُ تضمر الْهَاء فِي الَّذِي ومن وما، وتظهرها. وكل ذَلِكَ صواب (وما عَمِلت) (ما) إن شئت فِي موضع خفض: ليأكلوا من ثَمره ومما «3» عملت أيديهم. وإن شئت جعلتها جحدًا فلم تجعل لَهَا موضعًا. ويكون المعنى: أنا جعلنا لَهُم الجنات والنخيل والأعناب ولم تعمله أيديهم (أَفَلا يَشْكُرُونَ) . وقوله: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها [38] إلى مقدار «4» مجاريها: المقدار المستقر. من قَالَ: (لا مستقرّ لها) أو (لا مستقرّ/ 157 الها) فهما وجهان حَسَنانِ، جعلها أبدًا جاريةً. وأمّا أن يخفض «5» المستقرَّ فلا أدري ما هُوَ.   (1) ما بين القوسين من ا. وفى ش مكانه: «حرفا واحدا وخرجا من حد الجحد» . (2) القراءة الأولى «عملت» لأبى بكر وحمزة والكسائي وخلف. والقراءة الاخيرة (عملته) للباقين. (3) ا: «ما» . (4) ا: «مقادير» . (5) الظاهر أنه يريد كسر القاف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 وقوله: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ [39] الرفع فِيهِ أعجب إليّ من النصب، لأنه قال (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ) ثُمَّ جعل الشمس والقمر مُتبعَين لليل وهما فِي مذهبه آيات مثله. ومن نصب أراد: وقدَّرنا القمر منازلَ، كما فعلنا بالشمس. فردّه عَلَى الْهَاء «1» من الشمس فِي المعنى، لا أَنَّهُ أوقع عَلَيْهِ ما أوقعَ عَلَى الشمس. ومثله فِي الكلام: عبد الله يقوم وجاريته يضربها، فالجارية مردودة عَلَى الفعل لا عَلَى الاسم، لذلك نصبناهَا لأن الواو التي فيها للفعل المتأخّر. وقوله: (كَالْعُرْجُونِ) والعُرْجون ما بين الشماريخ «2» إلى النابت فِي النخلة. والقديم فِي هَذَا الموضع: الَّذِي قد أتى عَلَيْهِ حول. وقوله: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ [40] يقول: تطلع ليلًا، ولا أن يسبق الليل النهار، يقول: ولا القمر لَهُ أن يطلُع نهارًا، أي لا يكون لَهُ ضوء. ويُقال: لا ينبغي للشمس أن تُدِركَ القمر فتُذهب «3» ضوءه، ولا أن يسبق الليل النهار فيظلمه. وموضع (أن تدرك) رفع. [قوله: نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [37] فإن قَالَ قائل: مَا قوله: (نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) ؟ فإنما معناه: نسلخ عَنْهُ النهار: نرمي بالنهار «4» عَنْهُ فتأتي الظلمة. وكذلك النهار يُسلخ منه الليل فيأتي الضوء. وهو عربيٌّ معروف، ألا ترى قوله: (آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها) أي خرج منها وتركها. وكذلك الليل والنهار. وقوله: وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ [42] : من مثل فلك نوح (ما يَرْكَبُونَ) يقول: جعلنا لَهُم السفن مثلت عَلَى ذَلِكَ المثال. وهي الزواريق «5» وأشباهها مما يَركب فِيهِ الناس. ولو قرأ قارئ: من مَثَلِهِ كَانَ وجهًا يريد من مثاله: ولم أسمع أحدًا قرأ به.   (1) كأنه يريد بالهاء الضمير فى «تجرى» وفى اما يصح أن يقرأ: «أنها» بدل الهاء. (2) الشماريخ ما يكون عليه البلح. (3) ا: «فيذهب» . (4) ا: «النهار» . (5) جمع الزورق، وهو السفينة الصغيرة. والمعروف فى جمعه الزوارق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 وقوله: ذُرِّيَّتَهُمْ [41] إنّما يخاطب أهل مكة، فجعل الذرية التي كانت مع نوحٍ لأهل مكة لأنها أصل لهم، فقال: (ذُرِّيَّتَهُمْ) وهم أبناء الذُّرِّية. وقوله: فَلا صَرِيخَ لَهُمْ [43] الصريخ: الإغاثة. وقوله: إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا [44] يقول: إلا أن نفعل ذَلِكَ رحمةً. وقوله (وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) يقول: بقاء إلى أجَلٍ، أي نرحمهم فنمتعهم إلى حين. وقوله: اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ [45] من عذاب الآخرة (وَما خَلْفَكُمْ) من عذاب الدُّنْيَا مما لا تأمنونَ من عذاب ثَمُود ومن مضى. وقوله: إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ [46] جواب للآية، وجواب لقوله (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا) فلما أن كَانُوا معرضين عَن كل آية كفى جوابُ واحدةٍ من ثنتين لأن المعنى: وإذا قيل لَهُم: اتقوا أعرضوا، وإذا أتتهم آية أعرضوا. وقوله: وَهُمْ يَخِصِّمُونَ [49] قرأها «1» يَحْيَى بن وثّاب (يَخصمون) وقرأها عَاصِم (يَخِصِّمُونَ) ينصب الياء ويكسر الخاء. ويَجُوز «2» نصب الخاء لأن التاء كانت تكون منصوبة فنقل إعرابُها إلى الخاء. والكسر أكثر وأجود. وقرأها أهل الحجاز (يَخْصّمونَ) يشدّدون ويَجمعون بين ساكنين. وهي فِي قراءة أُبَيّ بن كعب (يَخْتَصِمُون) فهذه حجة لمن يشدد. وأمّا معنى يَحْيَى بن وثاب فيكون عَلَى معنى يفعلون من الخصومة كأنه قَالَ: وهم يتكلمونَ ويكون عَلَى وجه آخر: وهم يخصمون: وهم فِي أنفسهم يخصِمُونَ من وعدهم الساعة. وهو وجه حسن أي تأخذهم الساعة لأن المعنى: وهم عند أنفسهم يَغلبونَ من قَالَ لَهُم: إن الساعة آتية. وقوله: فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً [50] يقول: لا يستطيع/ 157 ب بعضهم أن يوصى إلى   (1) وهى قراءة حمزة. (2) وهى قراءة ورش وابن كثير وغيرهما. [ ..... ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 بعض. (وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) أي لا يرجعونَ إلى أهلهم قولًا. ويُقال: لا يرجعون: لا يستطيعون الرجوع إلى أهليهم من الأسواق. وقوله: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا [52] يُقال: إن الكلام انقطعَ عند المرقد. ثُمَّ قالت الملائكة لَهُم: (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) ف (هَذَا) و (ما) فِي موضع رفع كأنك قلت: هَذَا وعد الرحمن. ويكون (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا) فيكون (هَذَا) من نعت المرقد خفضًا و (ما) فِي موضع رفع: بعثكم وعد الرحمن. وَفِي قراءة عبد الله بن مسعود (مَنْ أَهَبَّنَا من مرقدنا هَذَا) والبعث فِي هَذَا الموضع كالاستيقاظ تَقُولُ: بعثت ناقتي فانبعثت إِذَا أثارها. وقوله: فاكِهُونَ [55] بالألف. وتقرأ (فكِهون «1» ) وهي بمنزلة حَذِرون وحاذرون وهي فِي قراءة عبد الله (فاكهينَ) بالألف. وقوله: عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ [56] و (عَلَى الأرائك متكئين) منصوبًا عَلَى القطع. وَفِي قراءتنا رفع، لأنها منتهى الخبر. وقوله (فِي ظُلَلٍ «2» ) أراد «3» جمع ظُلَّة وظُلَل. ويكون أيضًا (ظِلَالًا «4» ) وهي جمع لظُلَّة كما تَقُولُ: حُلّة وحُلل فإذا كثرت فهي الحلال. والجِلال «5» والقلال «6» . ومن قال: (فى ظلال) فهى جمع ظلّ «7» . وقوله: سَلامٌ قَوْلًا [58] وَفِي قراءة عبد الله (سلامًا قولًا) فمن رفع قَالَ: ذَلِكَ لَهُم سلام قولًا، أي لَهُم ما يدّعونَ مُسَلّم خالص، أي هُوَ لهم خالص، يجعله خبرا لقوله (لَهُمْ ما يَدَّعُونَ)   (1) وهى قراءة أبى جعفر. (2) فى الأصول: «ظلال» والمناسب لما بعده ما أثبت. (3) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف. (4) هى قراءة غير من ذكر فى الحاشية السابقة. (5) الجلال جمع الجلة. وهى وعاء يتخذ من خوص يوضع فيه التمر والقلال جمع القلة. يريد أن الجلال والقلال من وادي الحلال. (6) الجلال جمع الجلة. وهى وعاء يتخذ من خوص يوضع فيه التمر والقلال جمع القلة. يريد أن الجلال والقلال من وادي الحلال. (7) ش: «ظلة» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 خالص. ورُفع عَلَى الاستئناف يريد ذَلِكَ لَهُم سَلام. ونصب القول إن شئت عَلَى أن يخرج من السَّلَام كانك قلت قاله قولًا. وإن شئت جعلته نصبا من قوله (لَهُمْ ما يَدَّعُونَ) (قولًا) كقولك: عِدَة من الله. وقوله: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ [65] وَفِي قراءة عبد الله (ولِتُكَلِّمَنَا) كأنه قَالَ: نختم عَلَى أفواههم لتكلمنا. والواو فِي هَذَا الموضع بمنزلة قوله (وَكَذلِكَ «1» نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ) وقوله: نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ [61] قرأ عَاصِم والأعمش وحَمْزَة (نُنَكِّسْهُ) بالتشديد. وقرأ الْحَسَن وأهل المدينة (نَنْكُسْهُ) بالتخفيف وفتح النون وقوله: فَمِنْها رَكُوبُهُمْ [72] اجتمعَ القراء عَلَى فتح الرّاء لأن المعنى: فمنها ما يركبون. ويقوّي ذَلِكَ أن عائشة قرأت (فمنها رَكُوبَتُهم) ولو قرأ «2» قارئ: فمنها رُكوبهم كما تَقُولُ: منها أكلهم وشربهم ورُكوبهم كان وجها. وقوله: مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ [80] ولم يقل: الْخُضْر. وقد قَالَ الله (مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ «3» خُضْرٍ) ولم يقل: أخضر. والرَفْرَف ذكر مثل الشجر. والشجر أشدّ اجتماعًا وأشبه بالواحد من الرفرف ألا ترى اجتماعه كاجتماع الْعُشب والحصى والتمر، وأنت تَقُولُ: هَذَا حَصًى أبيض وحَصًى أسود، لأن جمعه أكثر فِي الكلام من انفراد واحده. ومثله الحنطة السمراء، وهي واحدة فِي لفظ جمع. ولو قيل حنطة سمركان صوابًا ولو قيل الشجر الْخُضُر كَانَ صوابًا كما قيل الحنطة السمراء «4» وقد قَالَ الآخر: بهر جاب ما دام الأراك به خضرا «5»   (1) الآية 75 سورة الأنعام. (2) قرأ بذلك الحسن والمطوعى عن الأعمش. (3) الآية 76 سورة الرحمن. (4) كذا فى الأصول. والمناسب: «السمر» . (5) هرجاب: اسم موضع. وقد ورد الشطر فى اللسان (هرجب) . وفى ا: «قام» فى مكان «دام» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 فقال: خُضْرًا ولَم يقل: أخضر. وكل صواب. والشجر يؤنث ويُذكر. قَالَ الله (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) فأنّث. وقال (وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ) فذكر ولم يقل: فيها. وقال (فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) فذكّر. ومن سورة الصافات قوله: وَالصَّافَّاتِ [1] تخفض التاء من (الصافات) ومن (التاليات) لأنه قسمٌ. وكانَ ابن مسعود يُدغم (وَالصَّافَّاتِ صفا) / 158 اوكذلك (فَالتَّالِياتِ) (فَالزَّاجِراتِ) يُدغم التاء منهن والتبيان أجود لأن القراءة بنيت عَلَى التفصيل والبيان. وهذه الأحرف- فيما ذكروا- الملائكة. قوله: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ [6] تُضاف الزينة إلى الكواكب. وهي قراءة العامة. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي قيس وَأَبُو معاوية عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق أنه قرأ «1» (بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) يخفض الكواكب بالتكرير فيَرُدّ معرفة عَلَى نكرة، كما قَالَ (لَنَسْفَعاً «2» بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) فردّ نِكرة عَلَى معرفة. ولو نصبت «3» (الْكَواكِبِ) إِذَا نَوَّنت فِي الزينة كَانَ وجهًا صوابًا. تريد: بتزييننا الكواكب. ولو «4» رفعت الكواكب) تريد: زيَّناها بتزيينها الكواكب تجعل الكواكب هي التي زيَّنت السماء. وقوله: لا يَسَّمَّعُونَ [9] قرأها أصحاب «5» عبد الله بالتشديد عَلَى معنى يتسمعونَ. وقرأها الناسُ (يَسْمَعُونَ) وكذلك قرأها ابن عباس وقال: هم (يتَسَمَّعُونَ ولا يسمعون «6» ) .   (1) هى قراءة حفص وحمزة. (2) الآيتان 15، 16 سورة العلق. [ ..... ] (3) هى قراءة أبى بكر عن عاصم. (4) جواب لو محذوف أي لكان صوابا. (5) هى قراءة حفص وحمزة والكسائي وخلف. (6) فى الأصول: «يسمعون ولا يتسمعون» والمناسب. ما أثبت. يريد ابن عباس أن المنفي السماع لا التسمع أي محاولة السماع فهذا حاصل منهم فى مذهيه. عند من قرأ من بالتشديد فهم يمنعون من طلب السماع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 وَمَعْنَى (لا) كقوله (كَذلِكَ «1» سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) لو كَانَ فِي موضع (لا) (أَنْ) صلح ذَلِكَ، كما قَالَ (يُبَيِّنُ «2» اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تضلّوا) وكما قَالَ (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ «3» رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) «4» ويصلح فِي (لا) عَلَى هَذَا المعنى الجزم. العرب تَقُولُ: ربطت الفرس لا ينفلت، وأوثقت عبدي لا يفِررْ. وأنشدني «5» بعض بني عقيل: وَحَتَّى رأينا أحسنَ الْوُدّ بيننا ... مساكتةً لا يقرِفِ الشرَّ قَارفُ وبعضهم يقول: لا يَقْرفُ الشرّ والرفع لغة أهل الحجاز. وبذلك جاء القرآن. وقوله: مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً [8] بضم الدَّال. ونصبها أَبُو عبد الرحمن السلمي. فمن ضمها جعلها مصدرًا كقولك: دَحرته دُحُورًا. ومن فَتَحها جعلها اسمًا كأنه قَالَ: يقذفونَ بداحرٍ وبِما يَدْحَرُ. ولست أشتهيها لأنها لو وجِّهت عَلَى ذَلِكَ عَلَى صحة لكانت فيها الباء كما تقول: يقذفون بالحجارة، ولا نقول يُقذفونَ الحجارة. وهو جائز قَالَ الشاعر: نُغَالِي اللحم للأضياف نِيئًا ... وتُرخصه إِذَا نِضجَ الْقُدورُ «6» والكلام: نغالى باللحم. وقوله: (عَذابٌ واصِبٌ) (وَلَهُ الدِّينُ «7» واصِباً) دائم خالص.   (1) الآيتان 12، 13 سورة الحجر. (2) الآية 176 سورة النساء. (3) الآية 15 سورة النحل، والآية 10 سورة لقمان. (4) سقط هذا الحرف فى ا. (5) ا: «أنشد» . (6) ورد البيت فى اللسان (غلا) وفيه: «القدير» فى مكان «القدور» والقدير ما يطبخ فى القدر، والقدور جمع قدر، وهو هى ما يوضع فيه الطعام فرواية اللسان أجود. وإن كان يراد بنضج القدور نضج ما فيها يريد أنهم يشترون اللحم غاليا، ويبذلون للضيفان إذا نضج عن سماحة لا يحرصون عليه حرصهم على المتاع الغالي النفيس. (7) الآية 52 سورة النحل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 قوله: مِنْ طِينٍ لازِبٍ [11] اللازب: اللاصق. وقيس تَقُولُ: طين لاتب. أنشدني بعضهم: صُدَاع وتوْصيم العظام وفَترة ... وغثيٌ مع الإشراق فِي الْجَوْف لاتب «1» والعربُ تَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بضربةِ لازِب ولازم، يبدلونَ الباء ميمًا لتقارب المخرج. وقوله: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ [12] قرأها الناس بنصب «2» التاء ورفعها «3» والرفع أحبّ إليّ لأنها قراءة عَليّ وابن مسعود وعبد الله بن عَبَّاسٍ. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي مِنْدَلُ بْنُ عَليّ الْعَنْزِيّ عَن الأعمش قَالَ: قَالَ شقيق: قرأتُ عند شُرَيح (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) فقال: إن الله لا يَعْجب من شيء، إنها يَعجب من لا يعلم. قَالَ: فذكرت ذَلِكَ لإبراهيم النَّخَعيّ فقال: إن شرُيحًا شاعر يُعجبه عِلمه، وعبد الله أعلم بذلك منه. قرأها (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) . قَالَ أَبُو زكريّا: والعجب 158 ب وإن أُسند إلى الله فليسَ معناهُ من الله كمعناهُ من العباد، ألا ترى أَنَّهُ قال (فَيَسْخَرُونَ «4» مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ) وليس السُّخْرِي من الله كمعناهُ (من العباد «5» ) وكذلك قوله (اللَّهُ «6» يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (لَيْسَ ذَلِكَ من الله كمعناهُ من العباد) ففي ذَا بيانٌ (لكسر «7» قول) شُرَيح، وإن كَانَ جائزًا لأن المفسرين قالوا: بَلْ عَجِبْتَ يا محمد ويسخرون هم. فهذا وجه النصب. وقوله: كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ [28] يقول: كنتم تأتوننا من قبل الدين، أي تأتوننا تخدعوننا بأقوى الوجوه. واليمين: القدرة والقوّة. وكذلك قوله (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) أي بالقوّة والقدرة.   (1) جاء فى اللسان (لتب) بيت قبله. وهو: فإن يك هذا من نبيذ شربته ... فانى من شرب النبيذ لتائب وفيه «غم» فى مكان «غثى» . وتوصيم العظام: الفتور فيها. والغثى التهيؤ للقىء والدنو منه مما تجيش به المعدة. (2) الرفع لحمزة والكسائي وخلف. والفتح لغيرهم. (3) الرفع لحمزة والكسائي وخلف. والفتح لغيرهم. [ ..... ] (4) الآية 79 سورة التوبة. (5) سقط ما بين القوسين فى ا: (6) الآية 15 سورة البقرة. (7) ش: «الكسر لقول» والمراد إصعافه وتزييفه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 وقال الشاعر «1» : إِذَا ما غاية رُفِعت لمجدٍ ... تلقاها عَرَابةُ باليمين أي بالقدرة والقوة. وقد جاء فِي قوله (فَراغَ «2» عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) يقول: ضربهم بيمينه التي قالها (وَتَاللَّهِ «3» لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) . وقوله: لا فِيها غَوْلٌ [47] لو قلت: لا غَوْلَ فيها كَانَ رفعًا ونصبًا. فإذا حُلْتَ بين لا وبينَ الغول بلامٍ أو بغيرها من الصفات «4» لَمْ يكن إلّا الرفع. والغول يقول: ليس فيها غِيلَةَ وغَائلة وغُول وغَوْل. وقوله: (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) و (يُنْزَفُونَ) وأصحابُ عبد الله يقرءون (يُنْزِفُون) وله معنيان. يُقال: قد أنزفَ الرجل إِذَا فنيت خَمْره، وأنزف إِذَا ذهب عقله. فهذان وجهان. ومن قال (ينزفون) يقول: لا تذهب عقولهم وهو من نُزِف الرجلُ فهو مَنْزوف. وقوله: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ [54] هَذَا رجل مِنْ أهل الجنة، قد كَانَ لَهُ أخ من أهل الكفر، فأحبّ أن يَرَى مكانه فيأذنَ الله لَهُ، فيطلع فِي النار، ويخاطبه. فإذا رآهُ قَالَ (تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) وَفِي قراءة عبد الله (إِنْ كِدْت لَتُغْوِين) ، ولولا رحمة «5» ربى (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) أي معك فِي النار مُحضرًا. يقول الله (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) وهذا من قول الله. وقد قرأ بعضُ «6» القراء (قالَ هَلْ أَنتم مُطْلِعُونِ فَأُطْلِعَ) فكسر النون. وهو شاذٌّ لأن العرب لا تختار عَلَى الإضافة إِذَا أسندوا فاعلًا مجموعًا أو موحدًّا إلى اسم مكنّى عَنْهُ. فمن ذَلِكَ أن   (1) هو الشماخ، وقبله: رأيت عرابة الأوسى يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين (2) الآية 93 سورة الصافات. (3) الآية 57 سورة الأنبياء. (4) يريد حروف الجر وما فى معناها من الظروف. (5) التلاوة «نعمة ربى» ولكنه ذكر تفسيرها. (6) هو ابن محيصن، كما فى الإتحاف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 يقولوا: أنت ضاربي. ويقولون للاثنين: أنتما ضارباي، وللجميع: أنتم ضاربي، ولا يقولوا للاثنين: أنتما ضاربانني ولا للجميع: ضاربونَني. وإنّما تكون هَذِه النون فِي فعل ويفعل، مثل (ضربوني «1» ويضربني وضربني) . وربما غلط الشاعر فيذهب إلى المعنى، فيقول: أنتَ «2» ضاربُني، يتوهم أَنَّهُ أراد: هَل تضربني، فيكون ذَلِكَ عَلَى غير صحَّة. قَالَ الشاعر: هَلِ الله من سَرْو الْعَلَاةِ مُرِيحنِي ... ولَمَّا تَقَسَّمْني النِّبَارُ الكوانِسُ «3» النِّبْر: دابة تشبه الْقُرَاد. وقال آخر: وما أدري وظنِّي كلُّ ظنّ ... أمسلمني إلى قوم شراح «4» 159 ايريد: شراحيل ولم يقل: أمسلميّ. وهو وجه الكلام. وقال آخر: هم القائلونَ الخيرَ والفاعلونَه ... إِذَا ما خَشُوا من محدث الأمر مُعْظَما «5» ولم يقل: الفاعلوه. وهو وجه الكلام. وإنّما اختاروا الإضافة فِي الاسم المكنى لأنه يختلط بِما قبله. فيصير الحرفان كالحرف الواحد. فلذلك استحبُّوا الإضافة فِي المكنيّ، وقالوا: هما ضاربان زيدًا، وضاربَا زيدٍ لأن زيدًا فِي ظهوره لا يَختلط بِما قبله لأنه لَيْسَ بِحرف واحدٍ والمكنى حرف.   (1) ش: «يضربوننى ويضربونى» . (2) الظاهر أن الأصل: «أأنت» سقطت همزة الاستفهام فى النسخ، وذلك ليستقيم تفسيره بالاستفهام. (3) سر والعلاة: اسم موضع. (4) ورد هذا البيت فى شواهد العيني على هامش الخزانة 1/ 385. وفيها: «قومى» فى مكان «قوم» وفيها أن الرواية ليست كما ذكر الفراء وإنما هى: فما أدرى وظنى كل ظن ... أيسلمني بنو البدء اللقاح وعلى هذه الرواية لا شاهد فى البيت [ ..... ] (5) ورد هذا البيت فى كتاب سيبويه 1/ 96: وفيه أن الرواة زعموا أنه مصنوع. وانظر الخزانة 2/ 187 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 فأمَّا «1» قوله (فَاطَّلَعَ) فإنه يكون عَلَى جهة فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ، كما تَقُولُ: دعَا فأجيب «2» يَا هَذَا. ويكون: هَل أنتم مُطْلِعِونِ فَأَطَّلِعَ أنا فيكون منصوبًا بِجواب الفاء. وقوله: شَجَرَةٌ تَخْرُجُ [64] وهي فِي قراءة عبد الله (شَجَرةً نابتة «3» فى أصل الجحيم) . وقوله: كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [65] فإن فِيهِ فِي العربية ثلاثة أوجه. أحدها أن تشبه طَلْعها فِي قبحه برءوس الشياطين لأنها موصوفة بالقبح، وإن كانت لا تُرى. وأنت قائل للرجل: كأنه شيطان إِذَا استقبحته. والآخر أن العرب تسمّي بعض الحيّات شيطانًا. وهو حَيّة ذو عرف «4» . قَالَ الشاعر، وهو يذم امرأة لَهُ: عنجرد تحلف حين أحلف ... كمثل شيطانِ الحماط أعرف «5» ويُقال: إنه نبت قبيح يسمى برءوس الشياطين. والأوجه الثلاثة يذهب إلى معنى واحد فِي القبح. وقوله: لَشَوْباً [67] الْخَلْط يُقال: شاب الرجل طَعَامه يشوبُه شَوْبًا. وقوله: فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ [70] أي يسرعونَ بسيرهم. والإهراع: الإسْرَاع فِيهِ، شبيه بالرِّعدة (ويُقال «6» قد أُهْرِعَ إهراعًا) . وقوله: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ [78] (يقول: «7» أَبقينا لَهُ ثناءً حَسَنًا فِي الآخرين ويقال: (تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ) أي تركنا عَلَيْهِ هَذِه الكلمة كما تَقُولُ: قرأت من القرآن   (1) ا: «وأما» . (2) ا: «وأجيب» . (3) ا: «ثابتة» . (4) أي شعر نابت فى محدب رقبتها كما فى المصباح. (5) العنجرد: المرأة الخبيثة السيئة الخلق. والحماط: شجر تألفه الحيات. (6) ا: «وأما» . (7) سقط ما بين القوسين فى ا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) فيكون «1» فِي الجملة فِي معنى نصبٍ ترفعها بالكلام، كذلك (سَلامٌ عَلى نُوحٍ) ترفعه «2» بِعَلَى، وهو فِي تأويل نَصْبٍ. ولو كَانَ: تركنا عَلَيْهِ سَلامًا كَانَ صوابًا. وقوله: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ [83] يقول: إِنّ من شيعة مُحَمَّد لإبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يقول: عَلى «3» دينه ومنهاجه، فهو من شيعته، وإن كَانَ إِبْرَاهِيم سابقًا لَهُ. وهذا مثل قوله (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) أَيْ ذرية من (هُوَ منهم) «4» فجعلها ذريتهم وقد سبقتهم. وقوله: إِنِّي سَقِيمٌ [89] أي مطعون من الطاعون. ويُقال: إنها كلمة فيها مِعْراض «5» ، أي إنه كُلُّ من كَانَ فِي عنقه الموت فهو سقيم، وإن لَمْ يكن بِهِ حين قالها سُقْم ظاهر. وهو وجهٌ حسن. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ أبو كدينة عن الحسن ابن عمارة 159 ب عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيِّ فِي قوله (لا تُؤاخِذْنِي «6» بِما نَسِيتُ) قَالَ: لَمْ يَنْسَ وَلَكِنَّهَا مِنْ مَعَارِيضِ الْكَلامِ وقد قال عُمَر فِي قوله: إنّ فِي معاريض الكلام لَمَا يُغنينا عَن الكذب. وقوله: فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ [93] أي مال عليهم ضربًا، واغتنم خَلوتَهم من أهل دينهم. وَفِي قراءة عبد الله (فَرَاغَ عَليهم صَفْقًا باليمين) وكأن الروغ هاهنا أنّه اعتلّ رَوْغًا ليفعل بآلهتهم ما فعل. وقوله: فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ [94] قرأها الأعمش «7» (يُزِفُّونَ) كأنَّها من أزففت. ولم نسمعها   (1) أي قوله: «الحمد لله رب العالمين» . (2) أي ترفع (سلام) (3) ش: «من» . (4) كذا وفى الطبري: «من هم منه» أي ذرية نوح عليه السلام، وهم من نسله. وكأن هذا هو الصواب. وقد يوجه ما هنا بأن المراد أن هذه الذرية ذرية نوح الذي هو من جنسهم. (5) المعراض التورية. يقال: عرفته فى معراض كلامه وفى لحن كلامه وفحوى كلامه بمعنى كما فى المصباح. (6) الآية 73 سورة الكهف. ومن يحمل الآية على المعراض يذكر أن موسى عليه الصلاة والسلام أراد شيئا آخر نسيه غير ما يريده صاحبه، كما فى البيضاوي. [ ..... ] (7) وهى قراءة حمزة: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 إلّا زَفَفْت: تَقُولُ للرجل: جاءنا يَزِفّ. ولعلّ قراءة الأعمش من قول العرب: قد أطردْت الرجل أي، صيّرته طريدًا، وطَرَدْته إِذَا أنت قلت لَهُ: اذهب عنّا فيكون (يُزِفّون) أي جَاءوا عَلَى هَذِه الهيئة بمنزلة المزفوفة عَلَى هَذِه الحال فتدخل الألف كما تَقُولُ للرجل: هُوَ محمودٌ إِذَا أظهرت حمده، وهو مُحَمَّد إِذَا رأيت أمره إلى الحمد ولم تنشر حمده. قَالَ: وأنشدني المفضل: تَمَّنى حُصَين أن يسود جِذَاعَه ... فأَمْسَى حُصَين قد أَذَلّ وَأَقَهَرا «1» فقال: أَقْهَرَ أي صار إلى حَالِ القهر وإنما هُوَ قُهِرَ. وقرأ الناس بعدُ (يَزِفُّونَ) بفتح الياء وكسر الزَّاي وقد قرأ بعضُ القراء (يَزِفونَ) بالتخفيف كأنها من وَزَف يَزف وزعم الْكِسَائي أَنَّهُ لا يعرفها. وقال الفراء: لا أعرفها أيضًا إلا أن تكون لَمْ تقع إلينا. وقوله: هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [100] ولم يقل: صالِحًا، فهذا بمنزلة قوله: ادْنُ فأصِب من الطعام، وهو كَثِير: يَجْتزأ بمن عَن المضمر كما قَالَ الله (وَكانُوا فِيهِ «2» مِنَ الزَّاهِدِينَ) ولم يقل: زاهدينَ من الزاهدين. وقوله: بِغُلامٍ حَلِيمٍ [101] يريد: فِي كِبَره «3» . [قوله] : فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ [102] يقول: أطاقَ أن يعينه على عمله وَسَعْيه. وَكَانَ إِسْمَاعِيل يومئذ ابن ثلاث عشرة (فَانْظُرْ ماذا تَرى) وتُقرأ (تُرَى) «4» حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي هُشَيْم عَن مُغِيرَة عَن إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قرأ (فَانْظُرْ ماذا تَرى) قَالَ الفراء: وَحَدَّثَنِي حَفْص بن غِيَاث عَن الأعمش عَن عمارة بن عمير عَن الأسود أَنَّهُ قرأها (تَرَى) وأن يَحْيَى بن وثّاب قرأها (تُرِي) وقد رُفع (تُرِي) إلى عبد الله بن مسعود قَالَ الفراء، وحدثنى قيس عن   (1) ورد فى اللسان (قهر) منسوبا إلى المخبل السعدي يهجو الزيرقان وهو حصين وقومه المعروفين بالجذاع: ورواية الفراء: أذل وأقهر بالبناء للفاعل هى رواية الأصمعى، كما فى اللسان، ويرويان بالبناء للمفعول. (2) الآية 20 سورة يوسف: (3) عبارة الطبري: «يعنى: بغلام ذى حلم إذا هو كبر، فأما فى طفولته فى المهد فلا يوصف بذلك. (4) هى قراءة حمزة والكسائي وخلف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 مغيرة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ (فَانْظُرْ مَاذا تَرى) : تشير، و (ماذا تَرى) : تَأمر قَالَ أَبُو زكريا: وأرى والله أعلم- أنه لم يستشره فِي أمر الله، ولكنه قَالَ: فانظر ما تريني من صبرك أو جزعك، فقال (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) وقد يكون أن يطلع ابنه عَلَى ما أمر بِهِ لينظر ما رأيه وهو ماضٍ عَلَى ما أُمِرَ بِهِ. وقوله فَلَمَّا أَسْلَمَا وتلّه للجبين [103] يقول: أسْلَما أي فَوَّضَا وأطاعَا وَفِي قراءة عبد الله (سَلَّمَا) يقول سَلّمَا من التسليم، كما تَقُولُ: إِذَا أصابتك مُصيبة فسَلّم لأمر الله أي فارْضَ بِهِ. وقد قَالَ (افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) ولم يقل (بِهِ) كأنه أراد: افعل الأمر الَّذِي تؤمره. ولو كانت (بِهِ) كَانَ وجهًا جيدًا وَفِي قراءة عبد الله (إني أَرَى فِي المنامِ افعل ما أُمِرْت بِهِ) . ويُقال أين جواب قوله (فَلَمَّا أَسْلَما) ؟ وجوابها فى قوله (وَنادَيْناهُ) والعرب 160 اتدخل الواو فى جواب فلمّا (وحتّى إذا) وتُلقيها. فمن ذَلِكَ قول الله (حَتَّى إِذا جاؤُها «1» فُتِحَتْ) وفى موضع آخر (وَفُتِحَتْ) «2» وكلّ صَوَابٌ. وَفِي قراءة عَبْد اللَّه (فَلَمَّا «3» جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ وَجَعَل السِّقَايَةَ) وَفِي قراءتِنَا بغير واو وقد فسرناهُ «4» فِي الأنبياء «5» . وقوله: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [107] والذِّبْح الكبش وكلّ ما أعددته للذَبْح فهو ذِبْح. ويُقال: إنه رَعَى فِي الجنة أربعين خريفًا فأعظم بِهِ. وقال مجاهد (عَظِيمٍ) متقبَّل. وقوله: وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ [116] فجعلهَما كالجمع، ثُمَّ ذكرهما «6» بعد ذَلِكَ اثنين وهذا من سعة العربيّة:   (1) الآية 71 سورة الزمر (2) الآية 73 سورة الزمر. (3) الآية 70 سورة يوسف (4) ش: «فسرناها» . (5) أي عند الكلام على قوله تعالى فى الآية 97: «واقترب الوعد الحق» . (6) أي فى قوله: «وآتيناهما الكتاب المستبين» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 أن يُذهب بالرئيس: النَّبِيّ والأمير وشبهه إلى الجمع لِجنوده وأتباعه، وإلى التوحيد لأنه واحد فِي الأصل. ومثله (عَلى خَوْفٍ «1» مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) وفى موضع آخر «2» (وَمَلَأَهُ) ورُبّما ذهبت العرب بالاثنين إلى الجمع كما يُذهب بالواحِدِ إلى الجمع ألا ترى أنك تُخاطب الرجل فتقول: ما أحسنتم ولا أجملتم، وأنت تريده بعينه، ويقول الرجل لِلْفُتْيا يُفتي بِهَا: نحن نقول: كذا وكذا وهو يريد نفسه. ومثل ذلك قوله فى سورة ص (وَهَلْ أَتاكَ «3» نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) ثُمَّ أعاد ذكرهما بالتثنية إذ قَالَ: خَصْمَانِ بغى بعضنا على بعض. وقوله: وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [123] ذُكِرَ أَنَّهُ نبيٌّ، وأنّ هَذَا الاسم اسم من أسماء العبرانية كقولِهم: إِسْمَاعِيل وإسحاق والألف واللام منه، ولو جعلته عربيًا من الألْيَس «4» فتجعله إفعالًا مثل الإخراج والإدخالِ لَجَرى «5» . ثُمَّ قال: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ [130] فجعله بالنون. والعجميُّ من الأسماء قد يفعل بِهِ هَذَا العرب. تَقُولُ: ميكالُ وميكائيل وميكائل وميكائين بالنون. وهي فِي بني أسد يقولون: هَذَا إسماعين قد جاء، بالنون، وسائر العرب باللام. قَالَ: وأنشدني بعض بني نُمَير لضب صاده بعضهم: يقول أهلُ السوق لَمَّا جينا ... هَذَا وَربِّ البيت إسرائينا «6» فهذا وجه لقوله: إلياسينَ. وإن شئت ذهبت بإلياسين إلى أن تجعله جمعا «7» . فتجعل أصحابه   (1) الآية 83 سورة يونس. (2) الآية 103 سورة الأعراف. وتكرر فى مواطن أخرى (3) الآية 21 سورة ص. [ ..... ] (4) الأليس: الذي لا يبرح بيته. ويقال أيضا: رجل أليس: شجاع. (5) أي لصرف ونون. (6) ا: «رب» فى مكان «أهل» وقوله: «إسرائين» أي ممسوخ إسرائين، وكان بعض العرب يعتقد أن الضباب كانت من بنى إسرائيل فمسخت. وانظر شواهد العيني على هامش الخزانة 2/ 425. (7) شىء: «جميعا» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 داخلين فِي اسمه، كما تَقُولُ للقوم رئيسهم الْمُهَلّب: قد جاءتكم المهالبة والمهلَّبون، فيكون بمنزلة قوله: الأشعرِين والسَّعْدِين وشبهه. قَالَ الشاعر «1» : أنا ابن سعدٍ سَيّدِ السَّعْدِينا وهو فِي الاثنين أكثر: أن يضم أحدهما إلى صاحبه إِذَا كَانَ أشهر منه اسمًا كقول الشاعر «2» : جزاني الزَّهدمان جزاء سَوءٍ ... وكنتُ المرءَ يُجزَى بالكرامَهْ واسم أحدهما زَهْدَم. وقال الآخر «3» : جزى الله فيها الأعورَين ذَمَامةً ... وفروة ثَغْر الثورة المتضاجِم واسم أحدهما أَعور: وقد قرأ بعضهم (وَإِنَّ الْيَأْسَ) يجعل اسْمه يأسًا، أدخل عَلَيْهِ الألف واللام. ثُمَّ يقرءون (سَلامٌ عَلَى آل «4» ياسينَ) جاء التفسير فِي تفسير الكلبي عَلَى آل ياسين: عَلَى آل مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والأوّل أشبه بالصواب- والله أعلم- لأنها فِي قراءة/ 160 ب عبد الله (وَإِنّ إدريسَ لَمِنَ المرسَلِينَ) (سَلَامٌ عَلَى إدراسِين) وقد يشهد عَلَى صواب هَذَا قوله: (وَشَجَرَةً «5» تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ) ثُمَّ قَالَ فِي موضع آخر (وَطُورِ «6» سِينِينَ) وهو معنى واحد وموضع واحد والله أعلم. وقوله: أَتَدْعُونَ بَعْلًا [125] ذكروا أَنَّهُ كَانَ صنمًا من ذهب يُسمَّى بعلا، فقال (أَتَدْعُونَ بَعْلًا) أي هَذَا الصنم ربًّا. ويُقال: أتدعون بعلًا ربًّا سوى الله. وذُكر عَن ابن عباس أن ضالّة «7»   (1) هو رؤية. وورد هذا الشطر فى كتاب سيبويه 1/ 289، والرواية فيه: «أكرم» بالنصب على المدح ويريد بسعد سعد بن زيد مناة بن تميم وفيهم الشرف والعدد. (2) هو قيس بن زهير كما فى اللسان (زهدم) ، قال أبو عبيدة: الزهدمان هما زهدم وكردم. وانظر اللسان (3) هو الأخطل كما فى اللسان (ثغر) وفيه «ملامة» فى مكان «ذمامة» . والذمامة: العار وفى الطبري: «دمامة» أي قبح خلقه وفروة لقب لمن يهجوه. والثغر للدابة فرجها والمتضاجم: المائل أو المعوج الفم. وهو من وصف فروة وحقه النصب، ولكنه جر للمجاورة. (4) فى الطبري: «اليأسين» وهو الموافق لما قبله. (5) الآية 20 سورة المؤمنين. (6) الآية 2 سورة التين. (7) أي وجدت وعرفت ليهدى إليها صاحبها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 أُنشدت، فجاء صاحبها فقال: أنا بعلها. فقال ابن عباس: هَذَا قول الله (أَتَدْعُونَ بَعْلًا) أي ربّا. وقوله: اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ [126] تقرأ نصبًا «1» ورفعًا «2» . قرأها بالنصب الربيع بن خيثم. وقوله. الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [140] السفينة إِذَا جهزت وملئت وقع عليها هَذَا الاسم. والفُلك يذكر ويؤنث ويُذهب بِهَا إلى الجمع قَالَ الله (حَتَّى إِذا «3» كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) فجعلها جَمعًا. وهو بمنزلة الطفل يكون واحدًا وجَمعًا، والضيفُ والبَشَر مثله. وقوله: وَهُوَ مُلِيمٌ [142] وهو الَّذِي قد اكتسبَ اللَّوْمَ وإن لَمْ يلم. والموم الذي قد لِيم باللسان. وهو مثل قول العرب أصبحت مُحمقًا معطِشًا أي عندك الحمق والعطش. وهو كثير فى الكلام. وقوله. المدحضين [141] المغلوبين. يُقال: أدحض الله حُجَّتك فَدَحضت. وهو فِي الأصل أن يَزْلَق الرَّجُل. وقوله: مِنْ يَقْطِينٍ [146] قيل عند ابن عباس: هُوَ ورق الْقَرْع. فقال: ومَا جعل ورق الْقَرع من بين الشجر يقطينًا! كل وَرَقةٍ اتسعت وسَترت فهي يقطين. وقوله: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [147] أو هاهنا فِي معنى بَلْ. كذلك «4» فِي التفسير مع صحته فِي العربية. وقوله: فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ [148] وَفِي قراءة عبد الله (فمتعناهم حَتَّى حين) وحتى وإلى فِي الغايات مع الأسماء سواء. وقوله: فَاسْتَفْتِهِمْ [149] أي سلهم سل أهل مكة.   (1) النصب لحفص وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف، والرفع للباقين. (2) النصب لحفص وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف، والرفع للباقين. (3) الآية 22 سورة يونس. [ ..... ] (4) كذا. والأسوغ: جاء فى التفسير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 وقوله: لَكاذِبُونَ [152] أصطفى [153] استفهام وَفِيهِ توبيخ لَهُم. وقد تُطرح ألف الاستفهام من التوبيخ. ومثله قوله (أَذْهَبْتُمْ «1» طَيِّباتِكُمْ) يُستفهم بِهَا ولا يستفهم. ومعناهما جَميعًا واحد. وألف (أَصْطَفَى) إِذَا لَمْ يُستفهم بِهَا تذهب فِي «2» اتّصال الكلام، وتبتدئها بالكسر. وقوله: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [158] يُقال: الْجِنَّة هاهنا الملائكة. جعلوا بينه وبين خلقه نسبا. (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ) أنّ الذين قالوا هذا القول (لَمُحْضَرُونَ) فى النار. وقوله: فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ [161] يريد: وآلهتكم التي تعبدون (مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ) بمضلّين. وما أنتم عَلَيْهِ [162] أي عَلَى ذَلِكَ الدين بمضلين. وقوله (عليه) و (به) و (له) سواء. وأهل نَجد يقولون: بمُفتنينَ. أهل الحجاز فتنت الرجل، وأهل نَجد يقولون: أفتنتُه. وقوله: إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ [163] إلا من قُدّر لَهُ أن يَصْلَى الجحيم فِي السابق من علم الله. وقرأ الْحَسَن (إِلَّا من هُوَ صَالُ الجحيم) رفع اللام فيما ذكروا فإن كَانَ أراد واحدًا فليس بِجائز لأنك لا تَقُولُ: هَذَا قاضٌ ولا رامٌ. وإن يكن عَرَف فيها لغة مقلوبة مثل عاثَ وعثا فهو صواب. قد قالت العرب. جُرُفٌ هارٌ وهَارٍ وهو شاكُ السّلاح 161 اوشاكى «3» السّلاح وأنشدني بعضهم: فلو أَنِّي رميتك من بَعيد ... لَعاقَكَ عَن دعاء الذئبِ عَاقِي «4» يريد: عائِق. فهذا مما قُلِب. ومنه (وَلا تَعْثَوْا «5» ) ولا تعِيثوا لغتان. وقد يكون أن تجعل (صالو) جَمعًا كما تَقُولُ: من الرجال من هُوَ إخوتك، تذهب بِهُوَ إلى الاسم المجهول، وتُخرج فعله عَلَى الجمع كما قَالَ الشاعر:   (1) الآية 20 سورة الأحقاف. (2) ش: «إلى» . (3) فى الأصول: «شاك» والأولى ما أثبت: كما فى الطبري. (4) يم فى ش: «عاق» . (5) الآية 60 سورة البقرة. وتكرر فى مواطن أخرى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 إِذَا ما حَاتم وُجد ابن عمّي ... مَجَدنَا من تكلّم أجْمَعينَا «1» ولم يقل تكلّموا. وأجود ذَلِكَ فِي العربية إِذَا أخرجت الكناية أن تخرجها عَلَى المعنى والعدد لأنك تنوي تَحقيق الاسم. وقوله: وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ [164] ، هَذَا من قول الملائكة. إلى قوله (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) يريد: (المصَلُّون) وَفِي قراءة عبد الله (وإِنْ كُلَّنا لَمَّا لَهُ مقامٌ معلوم) . وَفِي مريم (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي «2» السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) ومعنى إن ضربت لزيدًا كمعنى قولك: ما ضربت إلا زيدًا، لذلك ذكرت هذا. وقوله: وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ [167] يعني أهل مكة (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ) يقول: كتابًا أو نُبُوَّةً (لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) . قال الله: فَكَفَرُوا بِهِ [170] والمعنى: وقد أرسل إليهم مُحَمَّد بالقرآن، فكفروا بِهِ. وهو مضمر لَمْ يُذكر لأن معناهُ معروف مثل قوله (يُرِيدُ أَنْ «3» يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) ثم قال (فَماذا تَأْمُرُونَ) «4» فوصل قول فرعون بقولِهم لأن المعنى بيّن. وقوله: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا [171] التي سبقت لَهُم السعادة. وهي فِي قراءة عبد الله (ولقد سبقت كلمتنا عَلَى عبادنا المرسَلين) وَعَلَى تصلح فِي موضع اللام لأن مَعْنَاهُمَا يرجع إلى شَيء واحدٍ. وكأن المعنى: حَقّت عليهم ولهم، كما قَالَ (عَلى «5» مُلْكِ سُلَيْمانَ) ومعناهُ: فِي مُلك سُلَيْمَان. فكما أُوخِيَ بين فِي وَعَلَى إذَا اتّفقَ المعنى فكذلك فُعِلَ هذا.   (1) مجدنا أي غلبنا فى المجد. (2) الآية 93. وقراءة الجمهور: «إلا آتى الرحمن» . (3) الآية 110 سورة الأعراف. (4) هذا على أن «فماذا تأمرون» من قول فرعون لا من قول الملأ: (5) الآية 102 سورة البقرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 وقوله: فإذا نزل بساحتهم معناه: بهم. والعرب تجتزىء بالسَّاحة والعَقوة «1» من القوم. ومعناهما وَاحدٌ: نزل بك العذاب وبساحتك سوَاء. وقوله: (فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) يريد: بئس صَبَاحُ. وهي فِي قراءة عبد الله (فَبئس صَبَاحُ المنذرينَ) وَفِي قراءة عبد الله آذنتكم بإذانة المرسلين لتسألن عَن هَذَا النبأ العظيم، قيل لَهُ إنما هي وأذنت لكم فقال هكذا عندى. ومن سورة ص قوله ص، وَالْقُرْآنِ [1] جَزَمَها القراء، إِلَّا الْحَسَن فإنه خفضها بلا نون لاجتماع السَّاكنين. كانت بمنزلة من قرأ (ن وَالْقَلَمِ) و (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) جُعلت بمنزلة الأداة كقول العرب: تركته (حاث «2» باث) و (خاز باز «3» ) يخفضان لأن الذي بلى آخر الحرف ألف. فالخفض مع الألف، والنصبُ مع غير الألف. يقولون: تركته حَيْثَ بَيْثَ، ولأجعلنّك حَيْصَ «4» بَيْصَ إِذَا ضُيّق عَلَيْهِ. وقال الشاعر: لَمْ يَلتحِصني حَيْص بَيْصَ الحاصي «5» يريدُ الحائص فقلبَ كَمَا قَالَ: (عاقِ «6» ) يريد: عائق. وص فى معناها «7» كقولك: / 161 ب وجب والله، ونزل والله، وحَقّ والله. فهي جواب   (1) عقوة الدار ساحتها وما حولها. (2) أي إذا تركته مختلط الأمر كما فى التاج. (3) من معانى الخازباز أنه ذباب يكون فى الروض. [ ..... ] (4) الذي فى كتب اللغة أن يقال: تركته فى حيص بيص. (5) الذي فى اللسان بيت لأمية بن أبى عائذ الهذلي هو: قد كنت خراجا ولو جا صيرفا ... لم تلتحصتى حيص بيص الحاص وهو من قصيدة فى ديوان الهذليين 2/ 192. و «لم تلتحصنى» : لم تثبطنى. والحاص من أسماء الشدة والداهية. والرواية هنا: «يلتحصنى» و «الحاصى» يريد كما يقول الفراء-: الحائص كأنه قال: لم يثبطنى المثبط: (6) أي فى قول الشاعر: فلو أَنِّي رميتك من بَعيد ... لَعاقَكَ عَن دعاء الذئب عاقى (7) ا: «معناهما» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 لقوله (وَالْقُرْآنِ) كما تَقُولُ: نزلَ والله. وقد زعم قوم أنّ جَوَاب (وَالْقُرْآنِ) (إِنَّ ذلِكَ «1» لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) وَذَلِكَ كلام قد تأخّر تأخُّرًا كثيرًا عَن قوله (والقرآن) وجرت بينهما قِصص مختلفة، فلا نَجد ذَلِكَ مُستقيمًا فِي العربية والله أعلم. ويُقال: إن قوله (وَالْقُرْآنِ) يمين اعترض كلام دون مَوقع جوابها، فصَار جوابها جوابًا للمعترضِ ولها، فكأنه أراد: والقرآن ذى الذكر لَكَمْ أهلكنا، فلمّا اعترض قوله: بَلِ الَّذِينَ كفروا فى عزّة وشقاق: صارت (كم) جَوَابًا للعزة ولليمين. ومثله قوله (وَالشَّمْسِ «2» وَضُحاها) اعترض دون الجواب قوله (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها) فصارت (قَدْ أَفْلَحَ) تابعة لقوله (فَأَلْهَمَها) وكفى من جَواب القسم، وكأنه كَانَ: وَالشَّمْسِ وضحاها لقد أفلح. وقوله: فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ [3] يقول: لَيْسَ بحين فِرار. والنَوْص: التأخّر فِي كلام العرب، والبَوْص: التقدم وقد بُصْته. وقال امرؤ القيس: أمِن ذكر ليلى إذ نَأَتكَ تَنُوص ... وتَقْصُر عنها خُطوةً وتَبُوص فمناص مَفْعَل مثل مقام. ومن العرب من يضيف لات فيخفض. أنشدوني: ... لات ساعةِ مَنْدَمِ «3» ولا أحفظ صَدره. والكلام أن ينصب بِهَا لأنها فِي معنى لَيْسَ. أنشدني المفضل: تذكّرَ حبّ ليلى لاتَ حينا ... وأضحى الشيب قد قطعَ القرينَا   (1) فى الآية 64. (2) صدر سورة الشمس. (3) روى ابن السكيت فى كتاب الأضداد بيتا هو: ولتعرفن خلائقا مشمولة ... ولتندمن ولات ساعة مندم ويحتمل أن يكون ما يعنيه الفراء. وانظر الخزانة 2/ 147. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 فهذا نصب. وأنشدني بعضهم: طلبوا صُلحنا ولاتَ أوانِ ... فأجبنَا أن لَيْسَ حِينَ بقَاءِ «1» فخفض (أوانِ) فهذا خَفْض. قَالَ الفراء: أقف عَلَى (لاتَ) بالتاء، وَالْكِسَائي يقف بالهاء. قوله: لَشَيْءٌ عُجابٌ [5] ، وقرأ أَبُو عبد الرحمن السُّلمي (لشيء عُجَّابٌ) والعربُ تَقُولُ: هَذَا رجل كريم وكُرَّام وَكُرَام، والمعنى كله واحدٌ مثله قوله تعالى (وَمَكَرُوا «2» مَكْراً كُبَّاراً) معناه: كبيرًا فشدّد. وقال الشاعر. كحلفة من أبي رياح ... يسمعها الْهِمَّةُ الْكُبار الهمّ والهمةُ الشيخ الفاني. وأنشدني الْكِسَائي: يسمعها الله والله كبار وقال الآخر «3» : وآثرت إدلاجي عَلَى ليل حُرَّة ... هَضيم الْحَشَا حُسّانَة المتجرَّد وقال آخر: نَحن بذلنا دونَها الضِّرَابا ... إنا وجدنا ماءها طُيّابَا يريد: طَيِّبًا وقال فِي طويل، طُوَال الساعدين أشم. طوال الساعدين أشمّ «4»   (1) من قصيدة لأبى زبيد الطائي. وانظر الخزانة 2/ 153. (2) الآية 22 سورة نوح. (3) هو الحطيئة كما فى اللسان (دلج) والإدلاج سير الليل كله. وهضيم الحشا: ضامرة البطن، وذلك مما يستحسن فى النساء. وحسانة المتجرد أي حسنة عند تجردها من ثيابها وعريها. (4) لم أقف على تكملة هذا. وفى اللسان (طول) البيت الآتي لطفيل: طوال الساعدين يهز لدنا ... يلوح سنانه مثل الشهاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 وقال الآخر: جاء بصيد عَجَب من العجب ... أزيرق العينين طُوَّالِ الذَّنَبْ «1» فشدّ الواو عَلَى ذَلِكَ المجرى. فكلّ نعت نعتّ بِهِ اسمًا ذكرًا أو أنثى أتاكَ عَلَى فُعَّال مُشَدَّدًا ومُخَفَّفًا فهو صَواب. وقوله. وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا [6] انطلقوا بِهذا القول. فأن فِي موضع نصب لفقدها الخافض، كأنك قلت: انطلقوا مشيًا ومُضِيًا 162 اعلى دينكم. وهي فِي قراءة عبد الله (وانطلق الملأ منهم يمشون أن اصبروا عَلَى آلهتكم) ولو لَمْ تكن (أن) لكان صوابًا كما قال (وَالْمَلائِكَةُ «2» باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا) ولم يقل: أَنْ أخرجوا لأن النية مضمر فيها القول. وقوله: مَا سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ [7] يعني اليهودية والنصرانية. وقوله: أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ [8] وهي فِي قراءة عبد الله (أَمْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الذكر) وهذا مما وصفت لك فِي صدر الكتاب: أن الاستفهام إِذَا توسّط الكلام ابتدئ بالألف وبأم. وإذا لَمْ يسبقه كلام لَمْ يكن إلا بالألف أو بهل. وقوله: فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ [10] يريد: فليصعدوا فِي السموات، وليسوا «3» بقادرين عَلَى ذلك أي لم يصدقوك وليسوا بقادرين عَلَى الصعود إلى السموات فما هم! فأين يذهبون. وقوله: جُنْدٌ مَا هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ [11] يقول مغلوب «4» عَن أن يصعد إلى السّماء. و (مَا) هاهنا صلة. والعرب تجعل (ما) صلة فِي المواضع التي دخولها وخروجها فيها سواء، فهذا من ذلك.   (1) ا: «جاءا» فى مكان «جاء» . (2) الآية 93 سورة الأنعام. (3) سقط حرف الواو فى ا. [ ..... ] (4) ا: «على» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 وقوله (عَمَّا قَلِيلٍ «1» لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) من ذلك. وقوله (فَبِما «2» نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) من ذَلِكَ لأن دخولها وخروجها لا يغير المعنى. وأمّا قوله (إِلَّا الَّذِينَ «3» آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ) فإنه قد يكون عَلَى هَذَا المعنى. ويكون أن تجعل (ما) اسمًا وتجعل (هم) صلة لِمَا ويكون المعنى: وقليل ما تجدّنَّهم فتوجّه (ما) والاسم إلى المصدر ألا ترى أنك تَقُولُ: قد كنت أراك أعقل مما أنت فجعلت (أنت) صلةً لِمَا والمعنى. كنت أرى عقلك أكثر مِما هُوَ، ولو لَمْ ترد المصدر لَمْ تجعل (ما) للناس، لأن من هي التي تكون للناس وأشباههم. والعرب تَقُولُ: قد كنت أراك أعقل منك ومعناهما «4» واحد، وكذلك قولهم: قد كنت أراهُ غير ما هُوَ المعنى: كنت أراهُ عَلَى غير ما رأيتُ منه. وقوله: إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ [14] وَفِي قراءة عبد الله (إِنْ كُلُّهُم لَمّا كَذَب الرُّسُلَ) . وقوله: مَا لَها مِنْ فَواقٍ [15] من راحةٍ ولا إفاقة. وأصْله من الإفاقة فِي الرضاع إِذَا ارتضعت الْبَهْمَةُ أمَّها ثُمَّ تركتها حَتَّى تُنْزل شيئًا من اللبن، فتلك الإفاقة والفُواق بغير همزٍ. وجاء عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: العيادة قدر فواق ناقة. وقرأها الْحَسَن وأهل المدينة وَعَاصِم بن أبى النجود (فواق) بالفتح وهي لغة جَيّدة عالية، وضم «5» حَمْزَةُ وَيَحْيَى والأعمش وَالْكِسَائي. وقوله: عَجِّلْ لَنا قِطَّنا [16] الْقِطّ: الصَّحيفة المكتوبة. وإنما قالوا ذَلِكَ حِينَ نزل (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ «6» بِيَمِينِهِ) فاستهزءوا بذلك، وقالوا: عَجِّل لنا هَذَا الكتاب قبل يوم الحساب. والقِطّ فِي كلام العرب. الصكّ وهو الخط والكتاب.   (1) الآية 40 سورة المؤمنين. (2) الآية 155 سورة النساء، والآية 13 سورة المائدة. (3) الآية 24 سورة ص. (4) أي معنى قوله: «كنت أراك أعقل مما أنت» وقوله: «كنت أراك أعقل منك» . (5) ا: «الضم» . (6) الآية 19 سورة الحاقة، والآية 7 سورة الانشقاق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 وقوله: ذَا الْأَيْدِ [17] يريد: ذا القوّة. وقوله: وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً [19] ذكروا أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَبَّح أجابته الجبال بالتسبيح، واجتمعت إِلَيْهِ الطير فسبحت. فذلك حشرها ولو كانت: والطير محشورة بالرفع لَمَّا لَمْ يظهر الفعل مَعَها كَانَ صوابًا. تكون مثل قوله (خَتَمَ «1» اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) وقال الشاعر: ورأيتم لمجاشعٍ نَعَمًا ... وبني أبيه جَامل رُغُب ولم يقل: جَاملًا رُغبًا والمعنى: ورأيتم لَهم جاملًا رُغُبًا. فلمّا لَمْ يظهر الفعل جاز رفعه. وقوله: وَشَدَدْنا مُلْكَهُ [20] اجتمعت القراء عَلَى تَخفيفها ولو قَرَأ قارئ (وَشَدَّدنا) بالتشديد كَانَ وجهًا حسنًا. ومعنى التشديد أن محرابه كَانَ يحرسه ثلاثة وثلاثون ألفًا. وقوله: وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ [20] . قَالَ الفراء: حَدَّثَنِي عَمْرو بن أبي المقدام عَن الحكم بن عتيبَة عَن مُجاهد فِي قوله (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) قَالَ: الشهود والأيمان. وقال بعضُ المفسرين: فصْل الخطاب أمّا بعد. وقوله: إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ [21] إذ دخلوا [22] قد يُجاء بإذ مرّتين، (وَقَد) «2» يكون معناهما كالواحد كقولك: ضَربتك إذ دخلت عَليّ إذ اجترأت، فيكون الدخول هو الاجتراء. ويكون أن تجعل أحدهما «3» عَلَى مذهب لِمَا، فكأنه قَالَ: إذ تسَوَّرُوا المحراب لَمَّا دخلوا. وإن شئت جعلت لِمَا فِي الأول. فإذا كانت لَمّا أولًا وآخرًا فهي بعد صاحبتها كما تَقُولُ: أعطيته لمَّا سألني. فالسؤال قبل الإعطاء فِي تقدّمه وتأخّره. وقوله: (خَصْمانِ) رفعته بإضمار (نحن خصمان) والعرب تضمر للمتكلّم والمكلّم المخاطب ما يرفع   (1) الآية 7 سورة البقرة. (2) ش، ب: «فقد» . (3) ا: «إحداهما» وكلاهما جائز باعتبار اللفظ أو الكلمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 فِعْله. ولا يَكادونَ يفعلونَ ذَلِكَ بغير المخاطب أو المتكلم. من ذَلِكَ أن تَقُولَ للرجل: أذاهب، أو أنْ يقول المتكلم: واصلكم إن شاء الله ومحسن إليكم. وَذَلِكَ أن المتكلم والمكلَّم حاضِران، فتعرف معنى أسمائهما إِذَا تركت. وأكثره فِي الاستفهام يقولون: أجادّ، أمنطلق. وقد يكون فى غير الاستفهام. فقوله (خَصْمانِ) من ذَلِكَ. وقال الشاعر: وَقولًا إِذَا جاوزتما أرض عَامِرٍ ... وجاوزتما الحيَّيْنِ نَهْدًا وَخَثْعما نَزيعانِ من جَرْم بن زَبَّان إنهم ... أبوا أن يميروا فِي الهزاهز مِحجَما وقال الآخر: تَقُولُ ابنَة الْكَعبيّ يوم لقيتُها ... أمُنْطلق فِي الجيش أم متثاقِلُ وقد جاء فِي الآثار للراجع من سَفر: تائبونَ آئبونَ، لربنا حامدون. وقال: من أمثال العرب: مُحسنَة فِهيلي. قَالَ الفراء: جاء ضيف إلى امرأة ومَعه جِرابُ دقيق، فأقبلت تأخذ من جرابه لنفسها، فلمّا أقبل أخذت من جِرابها إلى جرابه. فقال: ما تصنعين؟ قالت: أزيدك من دقيقي. قَالَ: محسنة فهيلي. أي أَلْقِي. وجاء فِي الآثار: مَن أعانَ عَلَى قتل مؤمنٍ بشَطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبًا «1» بَيْنَ عينيه: يائس من رحمة الله. وكلّ هَذَا بضمير ما أنباتك بِهِ. ولو جاء فِي الكتاب: خصْمَين بغى بعضُنَا لكان صَوَابًا بضمير أتيناكَ خصمين، جئناكَ خَصْمين فلا تَخفنا. ومثله قول الشاعر: وقالت ألا يا اسمع نِعظك بخُطَّةٍ ... فقلت سَميعًا فانطقى وأصيبى 163 اأي سميعًا أسمعُ منك، أو سميعًا وَعَظْتِ. والرفعُ فيه جائز على الوجوه الاول.   (1) فى ش، ب بعده: «ومكتوب» وكتب هذا فى افوقه. ومعنى هذا أنهما روايتان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 وقوله (وَلا تُشْطِطْ) يقول: ولا تَجُر: وقد يقول بعضُ العرب: شططتَ عليّ فِي السَّوم، وأكثر الكلام أشططت. فلو قرأ قارئ (وَلَا تَشْطِطْ) كأنه يذهب به إلى معنى التباعد و (تَشْطُطْ) أيضًا. العرب تَقُولُ: شطَّت الدار فهي تَشِطّ وتَشُطّ. وقوله (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) إلى قَصْدِ الصراط. وهذا مِمَّا تدخل فِيهِ (إلى) وتخرج منه. قَالَ الله (اهْدِنَا» الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) وقال (وَهَدَيْناهُ «2» النَّجْدَيْنِ) وقال (إِنَّا هَدَيْناهُ «3» السَّبِيلَ) ولم يقل (إلى) فحذفت إلى من كل هَذَا. ثُمَّ قَالَ فِي موضع آخر (أَفَمَنْ «4» يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ) وقال (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ «5» وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) ويُقال هديتك للحق وَإِلَيْهِ قَالَ الله (الَّذِي «6» هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ) وكأن قوله (اهْدِنَا الصِّراطَ) أعلمنا الصراط، وَكَأنَّ قوله (اهدنا إلى الصراط) أرشِدْنَا إِلَيْهِ والله أعلم بذَلِكَ. وقوله: إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً [23] وَفِي قراءة عبد الله (كانَ لَهُ) وربّما أدخلت العرب (كَانَ) عَلَى الخبر الدائم الَّذِي لا ينقطع. ومنه قول الله فِي غير موضع (وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) (وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) فهذا دائم. والمعنى البيّن أن تُدخل (كَانَ) عَلَى كل خبر قد كَانَ ثُمَّ انقطع كما تَقُولُ للرجل: قد كنت موسرًا، فمعنى هَذَا: فأنت الآن مُعْدِم. وَفِي قراءة عبد الله (نَعْجةً أُنْثَى) والعربُ تؤكد التأنيث بأُنثاه، والتذكير بمثل ذَلِكَ، فيكون كالفضل «7» فِي الكلام فهذا من ذَلِكَ. ومنه قولك للرجل: هَذَا والله رجل ذكر. وإنما يدخل هذا   (1) الآية 6 سورة الفاتحة (2) الآية 10 سورة البلد. (3) الآية 3 سورة الإنسان. [ ..... ] (4) الآية 35 سورة يونس. (5) الآية 30 سورة الأحقاف. (6) الآية 43 سورة الأعراف. (7) أي كالزيادة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 فِي المؤنث الَّذِي تأنيثه «1» فِي نفسه مثل المرأة والرجل والجمل والناقة. فإذا عَدَوت ذَلِكَ لَمْ يَجز. فخطأ أن تَقُولَ: هَذِه دارٌ أنثى، ومِلحفة أنثى لأن تأنيثها فِي اسمها لا فِي معناها. فابن عَلَى هَذَا. وقوله (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) أي غلبني. ولو قرئت (وَعَازَّني) يريد: غَالبني كَانَ وَجْهًا. وقوله: لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ [24] المعنى فِيهِ: بسؤاله نعجتك، فإذا ألقيت الْهَاء من السؤال أضفت الفعل إلى النعجة. ومثله قوله (لا يَسْأَمُ «2» الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) ومعناهُ من دعائه بالخير: فلمّا ألقى الْهَاء أضاف الفعل إلى الخير وألقى من الخير الباء، كقول الشاعر: ولستُ مُسَلِّمًا ما دمتُ حيًّا ... عَلَى زَيْدٍ بتَسليم الأمِير «3» إنّما معناهُ: بتسليمي عَلَى الأمير. ولا يصلح أن تذكر الفاعل بعد المفعول بِهِ فيما ألقيت منه الصفة. فمن قَالَ: عجبتُ من سؤال نعجتك صاحبك لَمْ يَجز لَهُ أن يقول: عجبت من دعاء الخير الناس، لأنك إِذَا أظهرت الآخر مرفوعًا فإنَّما رَفعُه بنيَّةِ أن فَعل أو أن يفعل، فلا بُدَّ من ظهور الباء وما أشبهَهَا من الصفات. فالقول فِي ذَلِكَ أن تَقُولَ عَجِبْتُ من دعاءٍ بالخير زَيْدٌ، وعجبتُ من تسليمٍ عَلَى الأمير زيدٌ. وجازَ فِي النعجة لأن الفعل يقع عليها بلا صفة فتقول: سألتك نعجة، ولا تَقُولُ: سالتك بنعجة. فابن عَلَى هَذَا. وقوله (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) أي علمَ. وكل ظنٍّ أدخلته عَلَى خبر فجائز أن تجعله عِلْمًا إلا أَنَّهُ علم 163 ب مالا يعاين. وقوله: الصَّافِناتُ الْجِيادُ [31] يعني الخيل، كَانَ غَنِمَها سُلَيْمَان بن داود من جيش قاتله فظفر بِهِ. فلما صَلَّى الظهر دعا بِهَا، فلم يزل يعرضها حَتَّى غابت الشمس ولم يصلّ العصر. وَكَانَ عندهم مهيبًا. لا يبتدأ بشيء حَتَّى يَأمر بِهِ، فلم يذكر الْعَصْر. ولم يَكُن ذَلِكَ عَن تجبّر منه،   (1) يريد ما يعرف بالمؤنث الحقيقي: (2) الآية 49 سورة فصلت: (3) ا: «فلست» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 فلمّا ذكرها قَالَ (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) يقول: آثرت حُبّ الخيل، والخير فِي كلام العرب: الخيل. والصافناتِ- فيما ذكر الكلبي بإسناده- القائِمة عَلَى ثلاث قوائم وقد أقامت الأخرى عَلَى طرف الحافر من يدٍ أو رجلٍ. وهي فِي قراءة عبد الله (صَوَافِنَ «1» فإذا وَجَبَتْ) يريد: معقولة عَلَى ثلاث. وقد رأيتُ العرب تجعل الصَّافِن القائم عَلَى ثلاث، أو عَلَى غير ثلاث. وأشعارهم تدل عَلَى أنها القيام خاصة والله أعلم بصوابه: وَفِي قراءة عبد الله (إني أحببت) بغير (قَالَ) ومثله ممّا حذفت فِي قراءتنا منه القول وأثبت فِي قراءة عبد الله (وَإِذْ «2» يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ من البيتِ وإسْمَاعيلَ وَيَقُولانِ) وليسَ فِي قراءتنا ذَلِكَ. وكلّ صواب. وقوله: فَطَفِقَ [33] يريد أقبل يمسح: يضرب سوقها وأعناقها. فالمسحُ القطع. وقوله: عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً [34] يريدُ: صَنَمًا. ويُقال: شيطان. وقوله: لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [35] فيريد سُخرة الريح والشياطين. وقوله: رُخاءً حَيْثُ أَصابَ [36] والرُخَاء: الريح اللينة التي لا تعصف. وقوله (حَيْثُ أَصابَ) : حَيْثُ أراد. وقوله: هَذَا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ [39] . يقول فمُنّ بِهِ أي أعط، أو أمسك، ذاك إليك. وَفِي قراءة عبد الله: (هَذَا فامنن أو أمسك عطاؤنا بغير حساب) مقدّم ومؤخّر. وقوله: بِنُصْبٍ وَعَذابٍ [41] . اجتمعت القراء عَلَى ضم النون من (نُصْبٍ) وتخفيفها «3» . وذكروا أن أبا جَعْفَر «4» المدني قَرأ (بِنَصَبٍ وعذابٍ) ينصب النون والصاد. وكلاهما فِي التفسير واحد.   (1) الآية 36 سورة الحج وقراءة الجمهور: «صواف فإذا وجبت» (2) الآية 127 سورة البقرة (3) يريد تخفيف الصاد أي تسكينها. (4) فى الإتحاف أن هذه قراءة يعقوب والحسن. وأما قراءة أبى جعفر فضم النون والصاد معا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 وذكروا أَنَّهُ المرض وما أصابه من الْعَناء فِيهِ. والنُّصْبُ والنَّصَبُ بمنزلة الْحُزن والْحَزَن، والْعُدْمِ والْعَدَمِ، والرُّشْد والرَشَد، والصُّلْب والصَّلَب: إِذَا خُفِّفَ ضُمّ أوله ولم يثقل لأنهم جعلوهما عَلَى سَمْتين «1» : إِذَا فتحُوا «2» أوّله ثقّلوا، وإذا ضَمُّوا أوله خَفَّفُوا، قَالَ: وأنشدني. بعض العرب: لئِن بعثت أم الْحُميدَينِ مَائِرا ... لقد غنِيت فِي غير بؤسٍ ولا جُحد «3» والعرب تَقُولُ: جَحِد عيشُهم جحَدًا إِذَا ضاق واشتدّ، فلمّا قَالَ: جُحْد وضمّ أوله خَفَّف. فابن عَلَى ما رأيت من هاتين اللغتين. وقوله: ضِغْثاً [44] والضِّغْث: ما جمعته من شيء مثل حُزمة الرَّطْبَة «4» ، وما قام عَلَى ساقٍ واستطالَ ثُمَّ جمعته فهو ضغث. وقوله: وَاذْكُرْ عِبادَنا [45] . قرأت القراء (عبادنا) يريدونَ: إِبْرَاهِيم وولده وقرأ «5» ابن عباس: (واذكر عَبْدنا إِبْرَاهِيم) وقال: إنما ذكر إِبْرَاهِيم. ثُمَّ ذكرت ذرِّيّتُه من بعده. ومثله: (قالوا «6» نَعْبُدُ إلهَكَ وَإِلَهَ أبيِك) عَلَى هَذَا المذهب فِي قراءة ابن عباس. والعامّة (آبائِكَ) وكلّ صواب. وقوله (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) يريد: أولي القوَّة والبصر فِي أمر الله. وهي فِي قراءة عبد الله: (أولِي الْأَيْدِ) بغير ياء، فقد يكون لَهُ وجهان. إن أراد: الأيدى وحذف الياء   (1) السمت: الطريق والمذهب. (2) فى الأصول: «وإذا فتحوا» والمناسب ما أثبت. (3) ورد هذا البيت فى اللسان عن الفراء فى اللسان (جحد) من غير عزو. [ ..... ] (4) الرطبة: ما تأكله الدابة ما دام رطبا. (5) وهى قراءة ابن كثير. (6) الآية 133 سورة البقرة وقراءة الإفراد (أبيك) مروية عن الحسن كما فى الإتحاف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 فهو صواب مثل: الجوار «1» والمناد «2» . وأشباه ذاك. وقد يكون فِي قراءة عبد الله من القوة من التأييد. وقوله: إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ [46] فردّ (ذِكْرَى الدَّارِ) وهى معرفة على (خالصة) وهى نكرة. وهى كقراءد مسروق (بِزِينَةٍ «3» الْكَواكِبِ] ومثله/ 164 اقوله (هَذَا «4» وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها) فردّ جهنّم وهى معرفة على (لَشَرَّ مَآبٍ) وهي نكرة. وكذلك قوله: (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ «5» لَحُسْنَ مَآبٍ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً) والرفعُ فِي المعرفة كلها جائز عَلَى الابتداء. أنشدني بعضُ العرب: لعمرك ما نخلي بدارِ مَضِيعَةٍ ... ولا ربُّهَا إن غاب عنها بخائفِ وإن لَهَا جَارين لن يَغْدِرا بِهَا ... رَبيبُ النَّبِيّ وابن خير الخلائفِ فرفع عَلَى الابتداء. وقد قرأ أهلُ الحجاز (بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) أضافوها. وهو وجهٌ حسنٌ. ومنه: (كَذلِكَ «6» يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) ومن قَالَ (قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ) جَعَلَ القلب هُوَ المتكبّر. وقوله: وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ [48] قرأه أصحاب «7» عبد الله بالتشديد. وقرأه العوام (اليسع) بالتخفيف. والأوَّل أشبه بالصواب وبأسماء الأنبياء من بنى إسرائيل. حدّثنا أبو العباس   (1) فى الآية 32 سورة الشورى. (2) الآية 41 سورة ق. (3) الآية 6 سورة الصافات. (4) الآيتان 55، 56 سورة ص. (5) الآيتان 49، 50 سورة ص. (6) الآية 35 سورة غافر. وقراءة تنوين قلب قراءة أبى عمرو. (7) وهى قراءة حمزة والكسائي وسلف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّيْمِيّ عَن مُغيرة عَن إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قرأ (واللَّيْسَع) بالتشديد. وأما قولهم (وَالْيَسَعَ) فإن العرب لا تُدخل عَلَى يفعَل إِذَا كَانَ فِي معنى فلانٍ ألفًا ولامًا. يقولون: هَذَا يَسَع، وهذا يَعْمر، وهذا يزيد. فهكذا الفصيح من الكلام. وقد أنشدني بعضهم: وجدنا الوليد بن اليزيد مباركًا ... شديدًا بأحناء الْخِلافة كاهلُهْ فلمَّا ذَكَر الوليد فِي أول الكلمة بالألف واللام أتبعه يزيد بالألف واللام وكلّ صواب. وقوله (وَذَا الْكِفْلِ) يُقال إنه سُمي ذا الكفل أن مائة من بني إسرائيل انفلتوا من القتل فآواهم وَكَفَلَهُمْ. ويُقال: إنه كَفَلَ لله بشيء فوفى بِهِ. والْكِفْلُ فِي كلام العرب: الْجَدّ والحَظّ فلو مُدح بذلك كَانَ وَجْهًا عَلَى غير المذهبين الأوّلين. وقوله: جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ [50] ترفع (الْأَبْوابُ) لأن المعنى: مفتَّحَةً لَهم أبْوابها. والعربُ تجعل الألف واللام خَلفا من الإضافة فيقولون: مررتُ عَلَى رجلٍ حَسَنَةٍ الْعَيْنُ قَبِيحٍ الأنفُ والمعنى: حسنةٍ عَيْنُه قَبِيحٍ أنفهُ. ومنه قوله (فَإِنَّ الْجَحِيمَ «1» هِيَ الْمَأْوى) فالمعنى- والله أعلم-: مأواهُ. ومثله قول الشاعر: ما ولدتكم حيّة بنة مالك ... سِفَاحًا وَمَا كانت أحاديث كاذب ولكن نرى أقدامنا فِي نعالكم ... وآنُفَنا بين اللحى والْحَواجِبِ ومعناهُ: ونرى آنفنا بين لِحاكم وحواجبكم فِي الشبة. ولو قَالَ: (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) عَلَى أن تجعل المفتحة فِي اللفظ للجنات وَفِي المعنى للأبواب، فيكون مثل قول الشاعر «2» . ومَا قَوْمِي بثعلبة بن سَعْدٍ ... ولا بفزارة الشعر الرقابا   (1) الآية 39 سورة النازعات. (2) هو الحارث بن ظالم المري، كما فى كتاب سيبويه 1/ 103. وهو من قصيدة مفضلية ينتفى فيها من نسبه فى بغيض بن ريث بن غطفان ويعلن التحاقه بقريش وكان قد فر لحدث أحدثه وفى ا: «فما قومى» والشعر جمع أشعر وهو الكثير الشعر. والشعرى مؤنث أشعر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 والشُعْرى رقابا. ويروى: الشُّعْر الرقابا. وقال عَدِيّ: مِن وَلِيٍّ أوْ أخي ثِقَةٍ ... والبعيد الشاحِط الدّارا «1» وكذلك تجعل معنى الأبواب فِي نَصْبها، كأنك أردت: مفتَّحة الأبواب ثُمَّ نوَّنت فنصبت. وقد يُنشَد بيت النابغة: ونأخذ بعده بذُناب دَهْرٍ ... أجبَّ الظهرَ ليسَ لَهُ سَنَامُ «2» وأَجَبِّ الظهر. / 164 ب وقوله: وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ [52] مرفوعة لأن (قاصِراتُ) نكرة وإن كانت مضافة إلى معرفة ألا ترى أن الألف واللام يحسنان فيها كقول الشاعر: «3» من القاصرات الطَّرْفِ لو دَبّ مُحْوِلِ ... من الذَّرّ فوق الإتْب منها لأثَّرا (الإتب «4» : المئزر) فإذا حسنت الألف واللام فِي مثل هَذَا ثُمَّ ألقيتهما فالاسم نكرة. وربما شبَّهت العرب لفظه بالمعرفة لِمَا أضيف إلى الألف واللام، فينصبونَ نعته إِذَا كَانَ نكرة فيقولون: هَذَا حَسَن الوجه قائمًا وذاهبًا. ولو وضعت مكان الذاهب والقائم نكرة فيها مدح أو ذمّ آثرت الإتباع، فقلتُ: هَذَا حَسَنُ الوجه موسر، لأنَّ الْيَسَارة مدح. ومثله قول الشاعر: ومَنْ يُشوِه يوم فإن وراءه ... تباعة صيّاد الرّجال غشوم «5»   (1) ا: «وأخى» فى مكان «أو أخى» . (2) هذا من مقطوعة فى النعمان بن المنذر حين كان مريضا. وقبله. فإن يهلِك أَبُو قابوسَ يهِلِك ... ربيعُ الناسِ والشهر الحرام وأبو قابوس كنية النعمان. وذناب دهر: ذيله. وفى ابعد (دهر) : «عيش» وهو إشارة إلى رواية أخرى و «أجب الظهر» مقطوعه. وهذا على تمثيل الدهر أو العيش الضيق ببعير لا سنام له ولا خير فيه. وانظر الخزانة 4/ 95. [ ..... ] (3) هو امرؤ القيس. والمحول: الذي أتى عليه حول أي عام. (4) سقط ما بين القوسين فى ا. (5) يريد أن الشيب أخذه ونال منه. ويريد بصياد الرجال الموت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 قَالَ الفراء: (وَمَنْ يُشوِه) أي يأخذ شَوَاه وأطايبه. فخفض الغشوم لأنه مدح، ولو نصب لأن لفظه نكرة ولفظ الَّذِي هُوَ نعت لَهُ معرفة كَانَ صوابًا كما قالوا: هَذَا مِثْلك قائِمًا، ومثلك جَميلًا. وقوله عَزَّ وَجَلَّ: فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ [57] رفعت الحميم والغسّاق بِهذا مقدّمًا ومؤخرًا. والمعنى هَذَا حميم وغسَّاق فليذوقوه. وإن شئت جعلته مستأنفًا، وجعلت الكلام قبله مكتفيًا كأنك قلت: هذا فليذوقوه، ثُمَّ قلت: منه حميم ومنه غسّاق كقول الشاعر: حَتَّى إِذَا ما أضاءَ الصُّبْحُ فِي غَلَسٍ ... وغودر البقلُ مَلْوِيّ ومحصودُ ويكون (هَذَا) فِي موضع رفعٍ، وموضع نصبٍ. فمن نصب أضمرَ قبلها ناصِبًا كقول الشاعر «1» : زيادتنا نُعمان لا تَحْرِمَنَّها ... تَقِ الله فينا والكتابَ الَّذِي تتلو ومن رفع رفع بالهاء التي فِي قوله: (فَلْيَذُوقُوهُ) كما تَقُولُ فِي الكلام: اللَّيْلَ فبادرُوه واللَّيْلُ. والغساق تشدّد سينُه وتُخفف «2» شددها يَحْيَى بن وثاب وعامّة أصحاب عبد الله، وخففها الناس بَعْدُ. وذكروا أن الغساق بارد يُحرق كإحراق الحميم «3» . ويُقال: إنه ما يَغْسِق ويسيل من صديدهم وجلودهم. وقوله: وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ [58] قرأ الناس (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ) إلّا مجاهدا «4» فإنه قرأ   (1) هو عبد الله بن همام السلولي. وانظر اللسان (وفى) . (2) وهى قراءة حفص وحمزة والكسائي وخلف. (3) هو الحار. (4) وهى قراءة أبى عمرو ويعقوب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 (وَأُخَرُ) كأنه ظنّ أن الأزواج لا تكون من نعتٍ وَاحِدٍ «1» . وإذا كَانَ الاسم فعلًا جاز أن ينعت بالاثنين والكثير كقولك فِي الكلام: عذاب فلان ضروب شتّى وضربان مختلفان. فهذا بيّن. وإن شئت جعلت الأزواج نعتًا للحميم وللغساق ولآخر، فهنّ ثلاثة، وأن تجعله صفة لواحد أشبهُ، والذي قَالَ مجاهد جائز، ولكني لا أستحبّه لاتّباع الْعَوَامّ وبيانه فِي العربيّة. وقوله: هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ [59] هي الأمَّة تدخل بعد الأمة النار. ثُمَّ قال: (لا مَرْحَباً بِهِمْ) الكلام متصل، كأنه قول واحد، وإنما قوله: لا مرحبا بهم) من قول «2» أهل النار، وهو كقوله: (كُلَّما دَخَلَتْ «3» أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) وهو فِي اتّصاله كقوله: (يُرِيدُ «4» أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ) فاتصل قول فرعون بقولِ أصحابه. وقوله: قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا [61] معناه: من شرع لنا وسنّه (فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً/ 165 ب فِي النَّارِ) . وقوله: أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا [63] قَالَ زهير عَن أبان عَن مجاهد- قَالَ الفراء ولم أسمعه من زهير- (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) ولم يكونوا كذلك. فقرأ أصحابُ عبد الله بغير استفهامٍ، واستفهم الْحَسَن وَعَاصِم وأهل المدينة، وهو من الاستفهام الَّذِي معناه التعجب «5» والتوبيخ فهو يَجوز بالاستفهام وبطرحِهِ. وقوله: إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ [70] إن شئت جعلت (أَنَّما) فِي موضع رفع،   (1) ا: «الواحد» . (2) أي وقوله: «هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ» من كلام الملائكة. وهذا أحد أوجه الآية. (3) الآية 38 سورة الأعراف. (4) الآية 110 سورة الأعراف. (5) ا: «أو» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 كأنك قلت: ما يوحى إلي إلا الإنذار. وإن شئت جعلت المعنى: ما يوحى إليّ إلا لأني نذير ونبي فإذا ألقيتَ اللام كَانَ موضع (أنَّما) نصبًا. ويكون فِي هَذَا الموضع: ما يوحى إليّ إلا أنك نذير مبين لأن المعنى حكاية، كما تَقُولُ فِي الكلام: أخبروني أني مسيء وأخبروني أنك مسيء، وهو كقوله: رَجُلانِ من ضَبَّةَ أَخبرانا ... إِنَّا رأينا رجلًا عُرْيَانَا والمعنى: أخبرانا أنهما رأيا، فجازَ ذَلِكَ لأن أصله الحكاية. وقوله: بيدَيّ اسْتكبرت اجتمع القراء عَلَى التثنية ولو قرأ قارئ (بيدي) يريد يدًا عَلَى واحدة كَانَ صدابا كقول الشاعر: أيها المبتغى فناء قريشٍ ... بيد الله عُمرها والفناء والواحد من هَذَا يكفي من الاثنين، وكذلك العينان والرجلان واليدان تكتفي إحداهما من الأخرى لأن معناهما واحد. وقوله: قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ [84] قرأ الْحَسَن وأهل الحجاز بالنصب قيهما. وقرأ الأعمش وَعَاصِم وأكبر منهم «1» : ابن عباس ومجاهد بالرفع فِي الأولى والنصب فِي الثانية. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي بِهرام- وَكَانَ شيخًا يقرىء فِي مسجد المطمورة ومسجد الشعبيين- عَن أبان بن تَغْلِب عَن مجاهد أَنَّهُ قرأ (فالحقُّ مني والحقَّ أقولُ) : وأقول الحقَّ. وهو وجه: ويكون رفعه عَلَى إضمار: فهو الحقّ. وذُكِرَ عَن ابن عباس أَنَّهُ قَالَ: فأنا الحقُّ. وأقولُ الْحَقَّ. وقد يكون رفعه بتأويل جَوابَه لأن العرب تَقُولُ: الحقُّ لأقومَنَّ، ويقولون: عَزْمَةٌ صادقة لآتينَّك لأن فِيهِ تأويل: عَزْمة صادقة أن آتيك.   (1) كذا: والأولى «منهما» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 ويبين ذَلِكَ قوله: (ثُمَّ بَدا لَهُمْ «1» مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) أَلَا ترى أَنَّهُ لا بد لقوله (بَدا لَهُمْ) من مرفوع مضمر فهو فِي المعنى يكون رفعًا ونصبًا. والعربُ تنشد بيت امرئ القيس: فقلتُ يَمينَ الله أبرحُ قاعدًا ... ولو قطّعوا رَأْسِي لديكِ وَأوصالِي والنصبُ فِي يمين أكثر. والرفعُ عَلَى ما أنبَأتُك بِهِ من ضمير (أن) وَعَلى قولك عَلَيّ يمين. وأنشدونا: فإنّ عليّ الله إن يحملونني ... عَلَى خُطّة إلا انطلقتُ أسيرها ويروى لا يحملونني. فلو ألقيت إن لقلت عَليّ الله لأضربنك أي عليّ هَذِه اليمين. ويكون عَلَيّ الله أن أضربك فترفع (الله) بالجواب. ورفعه بعلى أحبُّ إليَّ. ومن نَصَب (الحقَّ والحقَّ) فعلى معنى قولك حقًّا لآتينّك، والألف واللام وطرحهما سواء. وهو بمنزلة قولك حَمْدًا لله والحمدُ لله. ولو خفض الحق الأول خافِضٌ يجعله الله تعالى يعني فِي «2» الإعراب فيقسم بِهِ كَانَ صوابًا والعربُ تُلقي الواو من القسم ويخفضونه سمعناهم يقولون: الله لتفعلنّ فيقول/ 165 ب المجيب: أَلله لأفعلنّ لأن المعنى مستعمل والمستعمل يَجوز فِيهِ الحذف، كما يقول القائل للرجل: كيف أصبحت؟ فيقول: خيرٍ يريد بِخَيْرٍ، فلما كثرت فِي الكلام حذفت. وقوله: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ [88] نبأ القرآن أَنَّهُ حَقّ، ونبأ مُحَمَّد عَلَيْهِ السلام أنه نبىّ. وقوله: (بَعْدَ حِينٍ) يقول: بعد الموت وقبله: لَمّا ظهر الأمر غلموه، ومن مات علمه يقينا.   (1) الآية 35 سورة يوسف. [ ..... ] (2) سقط فى ا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 ومن سورة الزمر قوله: تَنْزِيلُ الْكِتابِ [1] ترفع (تَنْزِيلُ) بإضمار: هَذَا تنزيل، كما قَالَ: (سُورَةٌ أَنْزَلْناها «1» ) ومعناه: هذه سورة أنزلناها وإن شئت جعلت رفعه بِمَن. والمعنى: من الله تنزيل الكتاب ولو نصبته وأنت تأمر باتباعه ولزومه كَانَ صوابًا كما قَالَ الله (كِتابَ «2» اللَّهِ عَلَيْكُمْ) أي ألزمُوا كتابَ الله. وقوله: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ [2] منصوب بوقوع الإخلاص عَلَيْهِ. وكذلك ما أشبهه فى القرآن مثل (مُخْلِصِينَ «3» لَهُ الدِّينَ) ينصب كما نُصب فِي هَذَا. ولو «4» رفعت (الدين) بِلَهُ، وجعلت الإخلاص مُكتفيًا غير واقع كأنك قلت: اعبد الله مُطيعًا فَلَه الدين. وقوله: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ [3] (الَّذِينَ) فِي موضع رفع بقول مضمر. والمعنى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) يقولون لأوليائهم وهى الأصنام: ما نعبدكم إلا لتقربونا إلى الله. وكذلك هي فِي (حرف «5» ) أُبَيّ وَفِي حرف عبد الله (قالوا ما نعبدهم) والحكاية إِذَا كانت بالقول مضمرًا أو ظاهرًا جازَ أن يجعلَ الغائب كالمخاطب، وأن تتركه كالغائب، كقوله: (قُلْ لِلَّذِينَ «6» كَفَرُوا سيغلبون) و (سَتُغْلَبُونَ) بالياء والتاء عَلَى ما وصفتُ لك. وقوله: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها [6] يقول القائل: كيف قَالَ: (خلقكم) لبني آدم. ثم قال: (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) والزوجُ مخلوق قبل الولد؟ ففي ذَلِكَ وجهان من العربيّة:   (1) أول سورة النور. (2) الآية 24 سورة النساء. (3) الآية 14 سورة غافر. وورد فى مواطن أخرى. (4) جواب لو محذوف أي لكان صوابا، (5) ا: ب «قراءة» . (6) الآية 12 سورة آل عمران. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 أحدهما: أن العرب إِذَا أخبرت عَن رجل بفعلين رَدّوا الآخر بِثُمَّ إِذَا كَانَ هُوَ الآخر فِي المعنى. وربما جعلوا (ثُمَّ) فيما معناهُ التقديم ويَجعلونَ (ثُمَّ) من خبر المتكلم. من ذَلِكَ أن تَقُولَ: قد بلغني ما صنعت يومك هَذَا، ثُمَّ ما صنعت أمس أعجب. فهذا نَسَق من خبر المتكلم. وتقول: قد أعطينك اليوم شيئًا، ثُمَّ الَّذِي أعطيتك أمس أكثر، فهذا من ذَلِكَ. والوجه الآخر: أن تجعل خَلْقَه الزوج مردودًا عَلَى (وَاحدة) كأنه قَالَ: خلقكم من نفسٍ وحدها، ثُمَّ جعل منها زوجها. ففي (واحدةٍ) معنى خَلقها واحدة. قَالَ: أنشدني بعضُ العرب: أعددتَه للخَصْم ذي التعدّي ... كوّحتَه منك بدون الْجَهْدِ «1» ومعناهُ الَّذِي إِذَا تعدى كوَّحتَه، وكوَّحته: غلبته وقوله: وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [7] يقول: يرضى الشكر لكم. وهذا مثل قوله: (فَاخْشَوْهُمْ «2» فَزادَهُمْ إِيماناً) أي فزادهم قولُ الناس، فإن قَالَ قائل: كيف قال (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) وقد كفروا؟ قلتُ: إنه لا يرضى أن يكفرو. فمعنى الكفر: أن يكفروا. وليسَ معناهُ الكفر بعينه. ومثله مما يبيّنه لك أنك تَقُولُ: لست أحب الإساءة، وإني لأحب أن يُسيء فلان فيُعذَّب «3» فهذا «4» مما يبيّن لك معناهُ. وقوله: نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ [8] . يقول: ترك الَّذِي كَانَ يدعوه إِذَا «5» مسّه، الضر يريد الله تعالى. فإن قلت: فهلّا قيل: نسى من   (1) ورد فى اللسان (كوح) عن أبى عمرو. (2) الآية 173 سورة آل عمران. (3) ش: «ويعذب» . (4) ش: ب «وهذا» . (5) ا: «إذ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 كَانَ يَدْعُو؟ قلت: إن (ما) قد تكون فى موضع (من) قال الله (قُلْ يا أَيُّهَا «1» الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) يعني الله. وقال (فَانْكِحُوا «2» مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) فهذا وجه. وبه جاء التفسير، ومثله (أَنْ «3» تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) وقد تكون (نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ) يراد «4» : نسيَ دعاءه إلى الله من قبل. فإن شئت جعلت الْهَاء التي فِي (إِلَيْهِ) لِمَا «5» . وإن شئت جعلتها «6» لله وكل مستقيم. وقوله (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا) 166 افهذا تهدُّد وليس بأمر محض. وكذلك قوله: (فَتَمَتَّعُوا «7» فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وَمَا أشبهه. وقوله: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ [9] قرأها يَحْيَى بن وَثّاب بالتخفيف. وذُكر ذَلِكَ عَن نَافِع وَحَمْزَة وفسروها يريد: يا من هو قانت. وهو وجه حسن، العرب تدعو بألف، كما يدعون بيَا. فيقولون: يا زيدُ أقبل، وأزيدُ أقبل. قال الشاعر: أبنِي لُبَيْنَى لستُم بِيَدٍ ... إِلا يدٍ ليسَت لَهَا عَضُد وقال الآخر: أضمر بن ضمرة ماذا ذكر ... ت مِنْ صِرْمة أُخذت بالْمُرارِ «8» وهو كَثِير فِي الشعر فيكون المعنى مردودًا بالدعاء كالمنسوق «9» ، لأنه ذكر الناسي الكافر، ثم   (1) الآيات 1- 3 سورة الكافرين. (2) الآية 3 سورة النساء. [ ..... ] (3) الآية 75 سورة ص. (4) ش: «يريد به» . (5) أي على الوجه الأول. (6) أي على الوجه الثاني. (7) الآية 55 سورة النحل، والآية 34 سورة الروم. (8) الصرمة: القطعة من الإبل. والمرار موضع. وفى ا: «بالمراد» . (9) ا: «على المنسوق» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 قَصّ قصة الصالِح بالنداء، كما تَقُولُ فِي الكلام: فلان لا يصلّى ولا يصوم فيامن يُصلي ويصوم أبشر فهذا هُوَ معناه. والله أعلم. وقد تكون الألف استفهامًا بتأويل أم لأن العرب قد تضع (أَمْ) فِي موضع الألف إِذَا سَبَقَها كلام، قد وصفت من ذَلِكَ ما يُكتفى بِهِ. فيكون المعنى أمَن هُوَ قانت (خفيف) كالأول الَّذِي ذُكِرَ بالنسيان والكفر. ومن قرأها بالتشديد فإنه يريد معنى الألف. وهو الوجه: أن تجعل أم إِذَا كانت مردودة عَلَى معنى قد سَبق قلتها بأم. وقد قرأ بِهَا الْحَسَن وَعَاصِم وَأَبُو جَعْفَر المدني. يريدون: أمْ مَنْ. والعرب تَقُولُ: كَانَ هَذَا حين قلت: أأخوكَ أم الذئب. تقال هَذِه الكلمة بعد المغرب إِذَا رأيت الشخص فلم تَدْر ما هُوَ. ومنه قولك: أَفتِلكَ أم وَحْشِيّة، وقولك أذلك أم جأْب «1» يطارد أُتنا «2» . فإن قَالَ قائل فأين جواب (أَمَّنْ هُوَ) فقد تبيّن فِي الكلام أَنَّهُ مضمر، قد جرى معناه فِي أوّل الكلمة، إذ ذكر الضال ثُمَّ ذكر المهتدي بالاستفهام فهو دليلٌ عَلَى أَنَّهُ يريد: أهذا مثل هَذَا أو أهذا أفضل أم هَذَا. ومن لَمْ يعرف مذاهب العرب ويتبين لَهُ المعنى فِي هَذَا وشبهه لَمْ يكتف ولم يشتف ألا ترى قول الشَّاعِر: فأقسمُ لو شَيْء أتانا رَسولُه ... سِوَاك ولكن لَمْ نَجد لك مَدْفعَا أنّ معناهُ: لو أتانا رسولُ غيرِك لدفعنَاهُ، فعلم المعنى ولم يُظهر. وجرى قوله: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) «3» عَلَى مثل هَذَا. وقوله (آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً) نُصِب عَلَى قوله: يَقنت ساجدًا مرة وقائمًا مرة، أي مطيع فِي الحالين. ولو رفع كما رُفعَ القانت كَانَ صوابًا. والقنوت: الطاعة.   (1) الجأب: الحمار الغليظ من حمار الوحش والأتن جمع أتان وهى الحمارة. (2) الجأب: الحمار الغليظ من حمار الوحش والأتن جمع أتان وهى الحمارة. (3) فى الآية 22 من هذه السورة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 وقوله: أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ [19] . يقال: كيف اجتمع استفهامان فِي معنى واحد؟ يُقال: هَذَا مِمّا يُرادُ بِهِ استفهامٌ واحدٌ فيسبق الاستفهام إلى غير موضعه يُردّ الاستفهام إلى موضعه الَّذِي هُوَ لَهُ. وإنَّما الْمَعْنَى- والله أعلم-: أفأنتَ تُنْقِذُ من حَقّت عَلَيْهِ كلمةُ العذاب. ومثله من غير الاستفهام قوله: (أَيَعِدُكُمْ «1» أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) فردّ (أنّكم) مرّتين، والمعنى- والله أعلم-: أيعدكم أنكم مخرجونَ إِذَا متم وكنتم ترابًا. ومثله قوله: (لا تَحْسَبَنَّ «2» الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) فرَدّ (تَحْسَبَنَّ) مرّتين ومعناهما- والله أعلم- لا تحسبن الَّذِينَ يفرحونَ بما أتوا بِمفازةٍ من العذاب. ومثله كَثِير فِي التنزيل وغيره من كلام العرب. وقوله: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [22] و (عَن ذكرِ الله) كلّ صواب. تَقُولُ: اتّخمتُ من طعامٍ أكلته وعن طعام أكلته، سَواءً فِي المعنى. وكأنّ قوله: قسَت من ذكره أنهم جعلوه كذبًا فأقسى قلوبهم: زادها قَسْوة. وكأن من قَالَ: قست عَنْهُ يريد: أعرضت عنه. وقوله: كِتاباً مُتَشابِهاً [23] أي غير مختلف لا ينقض بعضه بعضًا. وقوله (مَثانِيَ) أي مكرّرًا يكرّر فِيهِ ذكر الثواب والعقاب. وقوله: (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) : تقشعر خوفًا من آية العذاب إِذَا نزلت (ثُمَّ تَلِينُ) عند نزول آية رَحْمة. وقوله: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ [24] . يُقال: إِنّ الكافر تنطلقُ بِهِ الْخَزنة إلى النار مغلولًا، فيُقذف بِهِ فِي النار، فلا يتقيها إلا بوجهه وجوابه من المضمر «3» الَّذِي ذكرت لك.   (1) الآية 35 سورة المؤمنين. (2) الآية 188 سورة آل عمران. (3) أي أهذا الذي يتقى بوجهه سوء العذاب خير أم من ينعم فى الجنان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 وقوله: فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ [29] مختلفونَ. هَذَا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن. فجعل الَّذِي فِيهِ شركاء الَّذِي يَعبد الآلهة المختلفة. وقوله (رَجُلًا سَالِمًا لرجُلٍ) هُوَ المؤمن الموحّد. وقد قرأ العوامّ (سَلَماً) وَسَلَمٌ وسالِم متقاربان فِي المعنى، وكأن (سَلَماً) مصدر لقولك: سَلِم لَهُ سَلَمًا والعرب تَقُولُ: رَبِحَ رِبْحًا ورَبَحًا، وَسَلِمَ سلمًا وسَلَمًا وسلامة. فسالِم من صفة الرجل، وسَلَمَ مصدرٌ لذلك. والله أعلم. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ التَّيْمِيُّ- وَلَيْسَ بِصَاحِبِ هُشَيْمٍ- عَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ (وَرَجُلًا سَالِمًا) قَالَ الفراء: وَحَدَّثَنِي ابن عيينة عَن عبد الكريم الجزري عَن مجاهد أَنَّهُ قرأ (سالِمًا) . وقوله: هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا [29] ولم يقل مثلين، لأنهما جَميعًا ضُرِبا مثلًا واحدًا، فجرى المثل فيهما بالتوحيد. ومثله (وَجَعَلْنَا «1» ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) ولم يقل: آيتين لأن شأنهما واحد. ولو قيل مَثَلين أو آيتين كَانَ صوابًا لأنهما اثنان فِي اللفظ. وقوله: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ [33] (الَّذِي) غير موقّت، فكأنه فِي مذهب جماع فِي المعنى. وَفِي قراءة عبد الله (وَالَّذِينَ جاءوا بالصدق وصَدّقوا بِهِ) فهذا دليل أنّ (الَّذِي) فِي تأويل جَمْع. وقوله: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عِبَادَهُ [36] قرأها يَحْيَى «2» بن وثاب وَأَبُو جَعْفَر المدني (أليس الله بكافٍ عباده) عَلَى الجمع. وقرأها الناس (عَبْدَهُ) وَذَلِكَ أن قريشًا قالت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما تخاف أن تَخْبِلَكَ آلهتُنا لعيبكَ إيّاها! فأنزلَ الله (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) محمّدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكيف يخوِّفونَكَ بِمن دونه. والذين قالوا (عباده) قالوا:   (1) الآية 50 سورة المؤمنين. [ ..... ] (2) وهى أيضا قراءة حمزة والكسائي وخلف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 قد همّت أمم الأنبياء بهم، ووعدوهم مثل هذا، فقالوا الشعيب (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ.) فقال الله (أليس الله بكافٍ عباده) أي محمدا عَلَيْهِ السَّلَام والأنبياء قبله، وكلٌّ صواب. وقوله: هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ [38] وممسكات رحمته [38] نوَّن فيهما عَاصِم والحسن وشَيْبَة المدني. وأضافَ «1» يَحْيَى بن وثاب. وكل صواب. ومثله (إِنَّ اللَّهَ «2» بالِغُ أَمْرِهِ) و (بالِغُ أَمْرِهِ) و (مُوهِنُ «3» كَيْدِ الْكافِرِينَ) و (مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) وللإضافة معنى مضى من الفعل. فإذا رأيت الفعل قد مضى فِي المعنى فآثر الإضافة فِيهِ، تَقُولُ أخوك أخذ حقه، فتقول هاهنا: أخوك آخذُ حقِّه. ويقبح أن تَقُولَ: آخذٌ حقَّه. فإذا كَانَ مستقبلًا لَمْ يقع بعد قلت: أخوكَ آخِذٌ حقّه عَن قليل، وآخذُ حقِّه عَن قليل: ألا ترى أنك لا تَقُولُ: هَذَا قاتلٌ حَمْزَةَ مُبغضًا، لأن معناهُ ماضٍ فقبح التنوين لأنه اسم. وقوله: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها [42] والمعنى فِيهِ يتوفى الأنفس حين موتها، ويتوفى التي لَمْ تمت فِي منامها عند انقضاء أجلها. ويُقال: إن توفِّيهَا نومُها. وهو أحبّ الوجهين إليّ لقوله (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) . ولقوله: (وَهُوَ الَّذِي «4» يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) وتقرأ «5» (قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) (وقُضِيَ عَليها الموتُ) . وقوله: بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ [49] خرجت (هي) بالتأنيث لتأنيث الفتنة. ولو قيل: بل هو فتنة لكان   (1) وهى قراءة أبى عمرو ويعقوب. (2) الآية 3 سورة الطلاق. قرأ حفص بغير تنوين، والباقون بالتنوين. (3) الآية 18 سورة الأنفال قرأ حفص بالخفض من غير تنوين. (4) الآية 60 سورة الأنعام. (5) قرأ بالبناء للمفعول حمزة والكسائي وخلف. وقرأ الباقون بالبناء للفاعل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 صوابًا كما قَالَ (هَذَا رَحْمَةٌ «1» مِنْ رَبِّي) ومثله كَثِير فِي القرآن. وكذلك قوله: (قَدْ قالَهَا «2» الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أنثت إرادة الكلمة ولو قيل: قد قاله الَّذِينَ من قبلهم كَانَ صوابًا. ومثله فِي الكلام أن تَقُولُ: قد «3» فعلتها وفعلت ذاك: ومثله. قوله: (وَفَعَلْتَ «4» فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) يَجوز مكانها لو أتى: وفعلت فِعلكَ. وقوله: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [53] هي فِي قراءة عبد الله (الذنوبَ جَميعًا لِمن يشاء) قَالَ الْفَرَّاءُ: وَحَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَهَا كَمَا هِيَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ (يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا لِمَنْ يَشَاءُ) وَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِي وَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ وَذَوِيهِ. وقوله: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتى [56] أي افعلوا وأنيبوا وافعلوا (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ) ألّا يقول أحدكم غدا (يا حَسْرَتى) ومثله قوله: (وَأَلْقى فِي «5» الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) أي لا تميد. وقوله: (يا حَسْرَتى) : يا ويلتا مُضاف إلى المتكلم يَحوّل العرب الياء إلى الألف فِي كلّ كلام كَانَ معناهُ الاستغاثة، يَخرج عَلَى لفظ الدعاء. وربّما قيل: يا حَسْرَتِ «6» كما قالوا: يا لَهفِ عَلَى فلانٍ، ويا لَهَفَا عَلَيْهِ قَالَ: أنشدني أبو ثروان العكلىّ. تزورونها أو لا أزور نِساءكم ... ألهَفِ لأولاد الإماء الحواطِبِ فخفض كما يُخفض المنادَى إِذَا أضافه المتكلم إلى نفسه.   (1) الآية 98 سورة الكهف: (2) الآية 50 سورة الزمر. (3) سقط فى ا. (4) الآية 19 سورة الشعراء. (5) الآية 15 سورة النحل، والآية 10 سورة لقمان. (6) رسمت هكذا فى ابالتاء المفتوحة إذ كانت فى نية الإضافة إلى الياء المحذوفة فكانت فى الحشو لا فى الآخر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 وربَّما أدخلت العرب الْهَاء بَعدَ الألف التي فى (حَسْرَتى) فيخفضونها مَرة، ويرفعونَها. قَالَ: أنشدني أَبُو فَقْعَس، بعضُ «1» بني أسد: يا ربِّ يا ربّاهِ إيّاك أسَلْ ... عَفْراء يا ربّاهِ من قبل الأجَل «2» فخفض، قَالَ: وأنشدني أَبُو فَقْعَسٍ: يا مرحباهِ بِحمار ناهِيَهْ ... إِذَا أتى قرّبته للسَّانية «3» والخفضُ أكثر فِي كلام العرب، إلا فِي قولهم: يا هَناه «4» ويا هَنْتَاه، فالرفع فِي هَذَا أكثر من الخفض لأنه كثُر «5» فِي الكلام فكأنه حَرف واحدٌ مدعو. وقوله: لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [58] النصب فِي قوله (فَأَكُونَ) جَواب لِلو. وإن شئت جَعلته مردودًا عَلَى تأويل أَنْ، تُضمرهَا فِي الكرَّة، كما تَقُولُ: لو أَنَّ لي أن أكُرَّ فأكونَ. ومثله مِمَّا نُصِبَ عَلَى ضمير أنْ قوله: (وَما «6» كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ) المعْنَى- والله أعلم- ما كَانَ لبشرٍ أن يُكلمه الله إلا أن يُوحي إِلَيْهِ أو يرسل. ولو رفع (فيُوحي) إِذَا لَمْ يظهر أن قبله ولا معه كَانَ صوابًا. وقد قرأ به «7» بعض القراء. قال: وأنشدني بعض بنى أسد:   (1) كذا فى ا، وفى الخزانة 3/ 262: «لبعض» . (2) بعده: فإن عفراء من الدنيا الأمل وانظر الخزانة فى الموطن السابق. وأسل أصلها: اسأل فخفف. [ ..... ] (3) فى الخزانة 1/ 400 «ناجية» فى مكان «ناهية» وفيها أن بنى ناجية قوم من العرب، وكأن ناهية هنا اسم امرأة، والسانية: الدلو العظيمة وأداتها. وأراد بتقريب الحمار للسانية أن يستقى عليه من البئر بالدلو العظيمة. وانظر الخزانة. (4) يا هناه أي رجل، ويا هنتاه أي يا امرأة. (5) ش: «كثير» . (6) الآية 51 سورة الشورى. (7) قرأ نافع وابن ذكوان راوى ابن عامر برفع «يرسل» و «فيوحى» . وهذا غير ما يعنيه الفراء، فانه يريد رفع «فيوحى» مع نصب «يرسل» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 يَحُلّ أحَيْدَه ويُقالُ بَعْلٌ ... ومثلُ تموُّلٍ مِنْهُ افتقارُ فما يُخطئكِ لا يخطئكِ منه ... طَبَانِيَةٌ فيحظل أو يغار «1» فرفع. وأنشدنى آخر: فمالك منها غير ذِكرى وحِسْبة ... وتسأل عَن ركبانها أينَ يَمَّمُوا «2» وقال الْكِسَائي: سمعتُ من العرب: ما هي إِلَّا ضَرْبة من الأسَد فيحطِمُ ظهره، (و) يحطم ظهرَه. قَالَ: وأنشدني الأسَدِي: عَلى أَحْوذِيَّيْنِ استقلت عَشِيَّة ... فما هي إلا لَمْحة فتغيب «3» وقوله: بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها [59] القراء مجتمعونَ عَلَى نصب الكاف وأن المخاطب ذَكَر. قَالَ الفراء وَحَدَّثَنِي شيخ عَن وِقَاء بن إياسٍ بسنده أَنَّهُ قرأ (بَلَى قد جاءَتْكِ آيَاتِي) فكذَّبْتِ بِهَا واستكبرت (فخفض الكاف والتاء كأنه يُخاطب النفس. وهو وجه حسَن لأنه ذكر النفس فخاطبها أوَّلًا، فأجْرى الكلام الثاني عَلَى النفس فِي خطابها. وقوله: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [60] ترفع (وجوههم) و (مسودّة) لأنّ الفعل قد وقع عَلَى (الَّذِينَ) ثُمَّ جاء بعد (الذينَ) اسم لَهُ فعل فرفعته بفعله، وَكَانَ فِيهِ معنى نصب. وكذلك فالفعل بكل اسم أوقعتَ عَلَيْهِ الظنّ والرأي وما أشبههما فارفع ما يأتي بعده من الأسماء إِذَا كَانَ معها أفاعيلها بعدها كقولك: رأيت عبد الله أمرُه مستقيم. فإن قدمت   (1) ورد البيت الثاني فى اللسان مع بيتين آخرين فى (حظل) وهى منسوبة للبحترى الجعدي فى رجل شديد الغيرة على امرأته. فهو ينزل فى السفر وحده، وهذا معنى «أحيده» وأصله وحيده تصغير وحده. والطبانية الفطنة أي أنه فطين لمن ينظر إلى حليلته، فهو إما يحظل أي يكفها عن الظهور والتعرض للنظار أو يغضب ويغار والحظل: الحجر والتضييق. وكتب فى هامش 1: «حظلت عليه وحجزت عليه» يريد الكاتب تفسير الحظل، بالحجر. (2) فى الطبري والبحر المحيط «حسرة» مكان «حسبة» ويبدو أنه الصواب فلا معنى لحسبة هنا. (3) من قصيدة لحميد بن ثور. وهو فى وصف القطاة: ويريد بالأحوذيين جناحيها يصفهما بالخفة: وانظر شواهد العيني على هامش الخزانة 1/ 177: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 الاستقامة» نصبتها، ورفعت الاسم، فقلت: رأيتُ عبد الله مستقيمًا أمرُه، ولو نصبت الثلاثة فِي المسألة الأولى عَلَى التكرير كَانَ جائزًا، فتقول: رأيتُ عبد الله أمرَهُ مستقيمًا. وقال عدي «2» ابن زيد. ذرِيني إِن أمركِ لن يُطاعا ... وما ألفيتني حِلْمي مُضَاعا فنصب الحلم والمضاع عَلَى التكرير. ومثله: ما للجمال مشيها وئيدا «3» فخفض الجمال والمشي عَلَى التكرير. ولو قرأ قارئ (وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) عَلى هَذَا لكان صوابًا. وقوله: بِمفازاتِهم [61] جمع «4» وقد قرأ أهل المدينة (بِمَفازَتِهِمْ) بالتوحيد «5» . وكل صواب. تَقُولُ فِي الكلام: قد تَبيَّن أمر القوم وأمورُ القوم، وارتفع الصوت والأصوات (ومعناهُ «6» ) واحد قَالَ الله (إِنَّ أَنْكَرَ «7» الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) ولم يقل: أصواتٌ وكل صواب. وقوله: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ [66] تنصب (الله) - يعني فِي الإعراب- بِهذا الفعل الظاهر لأنه رد كلام. وإن شئت نصبته بفعل تُضمره قبله لأن الأمر والنهي لا يتقدمهما إلا الفعل. ولكن العرب تَقُولُ: زيد فليقم، وزيدًا فليقم، فمَن رفعه قَالَ: أرفعه بالفعل الذي بعده   (1) يريد لفظ مستقيم: (2) جاء الشاهد فى كتاب سيبويه 1/ 77 منسوبا إلى رجل من بجيلة أو خثعم: وجاء فى الخزانة 2/ 368 وذكر صاحبها الاختلاف فى قائله وصحح ما ذكره الفراء، وذكر عن الحماسة البصرية بعده أربعة أبيات (3) من رجز ينسب إلى الزباء فى قصة طويلة وانظر شواهد العيني على هامش الخزانة 1/ 448 (4) قرأ بالجمع أبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف وقرأ بالتوحيد الباقون. (5) قرأ بالجمع أبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف وقرأ بالتوحيد الباقون. (6) ا: «فمعناه» [ ..... ] (7) الآية 19 سورة لقمان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 إِذْ لَمْ يظهر الَّذِي قبله. وقد يرفع أيضًا بأن يُضمر لَهُ مثل الَّذِي بعده كأنك قلت: لينظر زيد فليقم. ومن نصبه فكأنه قَالَ: انظروا زيدًا فليقم. وقوله: (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [67] ترفع القبضة. ولو نصبها ناصب، كما تَقُولُ: شهر رمضان انسلاخ شعبان أي هَذَا فِي انسلاخ هذا. وقوله: (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) ترفع السموات بمطويات إِذَا رفعت المطويات. ومن قَالَ (مَطْوِيَّاتٌ) رفع السموات بالباء التي فِي يمينه، كأنه قَالَ: والسموات فِي يمينه. وينصبُ المطويَّاتِ عَلَى الحال أو عَلَى القطع «1» . والحال أجود. وقوله: فِي الصُّورِ [68] قَالَ: كَانَ الكلبي يقول: لا أدري ما الصور. وقد ذُكِرَ أَنَّهُ القرن وذكر عَن الْحَسَن أو عَن قتادة أَنَّهُ قَالَ: الصور جماعة الصورة. وقوله: طِبْتُمْ [73] أي زكوتم (فَادْخُلُوها) . وقوله: وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ [74] يعنى الجنّة.   (1) كأنه يريد بالقطع أن تكون منصوبة بفعل محذوف نحو أعنى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 [الجزء الثالث] بسم الله الرّحمن الرّحيم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 ومن سورة المؤمن «1» قوله عزَّ وَجَلَّ: غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ (3) . جعلها كالنعت للمعرفة وهي نكرة ألا ترى أنك تَقُولُ: مررت برجل شديد القلب، إلّا أَنَّهُ وقع معها قوله: «ذي الطول» ، وهو معرفة فأجرين مجراه. وقد يكون خفظها عَلَى التكرير فيكون المعرفة والنكرة سواء. ومثله قوله: «وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ، ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ، فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ «2» » فهذا عَلَى التكرير [163/ 1] لأن فعّال نكرة محضة، ومثله قوله: «رفيع الدرجات ذو العرش «3» » ، فرفيع نكرة، وأجرى «4» عَلَى الاستئناف، أَوْ عَلَى تفسير المسألة الأولى. وقوله: وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ (5) . ذهب إلى الرجال، وفي حرف عَبْد اللَّه «برسولها» «5» ، وكلّ صواب وقوله: وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ (8) . وبعضهم يقرأ «جنة عدن» واحدة، وكذلك هِيَ فِي قراءة عَبْد اللَّه: واحدة «6» . وقوله: وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ (8) . من نصبٌ من مكانين: إن شئتَ جعلتَ (ومن) مردودة عَلَى الهاء والميم فِي «وَأَدْخِلْهُمْ» ، وإن شئت عَلَى الهاء والميم فِي: «وعدتهم» .   (1) وهى سورة غافر، مكية إلا آيتي 56، 57 فمدنيتان، وآياتها 85 نزلت بعد الزمر. (2) سورة البروج الآيات: 14، 15، 16. (3) سورة غافر آية 15. (4) فى ب، ح فأجرى. (5) قرأ الجمهور «برسولهم» . وقرأ عبد الله «برسولها» عاد الضمير إلى لفظ الأمة (البحر المحيط 7/ 449) . (6) وهى قراءة زيد بن على والأعمش (البحر المحيط 7/ 452) وكذا هى فى مصحف عبد الله (انظر المصاحف للسجستانى) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 وقوله: يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ (10) . المعني فِيهِ: ينادَوْن أنّ مقت اللَّه إياكم أكبر من مقتكم أنفسكم يوم القيامة لأنهم مقتوا أنفسهم إذ تركوا الْإِيمَان، ولكن اللام تكفي من أن تَقُولُ فِي الكلام: ناديت أن زيدًا قائم «1» ، وناديت لزيد قائم، ومثله: «ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ» «2» الآية، اللام بمنزلة أنّ فى كل كلام ضارع «3» القول مثل: ينادون، ويخبرون، وما أشبه ذَلِكَ «4» . وقوله: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ (15) . الروح فِي هَذَا الموضع: النبوة لينذر من يلقى عَلَيْهِ الروحَ يوم التلاق. وإنما قيل «التلاق» لأنه يلتقى فِيهِ أهل السماء وأهل الأرض. وقوله: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ (16) . هم فى موضع رفع بفعلهم بعده، و [هو] «5» مثل قولك: آتيك يوم أنت فارغ لي. وقوله: الْآزِفَةِ (18) . وهى: القيامة. وقوله: كاظِمِينَ (18) . نصبت عَلَى القطع من المعنى الَّذِي يرجع من ذكرهم فِي القلوب والحناجر، والمعنى: إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين. وإن شئت جعلت قطعه من الهاء في قوله: «وأنذرهم» ، والأول أجود فِي العربية. ولو كانت «كاظمون» مرفوعة عَلَى قولك: إذ القلوب لدى الحناجر إذ هُمْ كاظمون، أَوْ على الاستئناف كَانَ صوابًا. وقوله: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (18) .   (1) فى ح: إن لزيدا قائم. (2) سورة يوسف آية: 35. (3) في ح: «ضاع» خطأ. (4) في ح، ش: وأشباه ذلك. (5) زيادة فى ب، ح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 تقبلَ شفاعته، ثُمَّ قَالَ: «يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ» يعني: اللَّه عزَّ وجلَّ، يُقال: إنّ للرجل نظرتين: فالأولى مباحة لَهُ، والثانية محرمة عَلَيْهِ، فقوله: «يعلم خائنة» الأعين في النظرة الثانية، وما تخفى الصدور فِي النظرة الأولى. فإن كانت النظرة الأولى تعمُّدًا كَانَ فيها الإثْمُ أيضًا، وإن لم يكن تَعَمَّدَها فهي مغفورة. وقوله: أَوْ أَنْ يُظْهِرَ «1» فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (26) . رفع (الفساد) الْأَعْمَش «2» ، وعاصم جعلا «3» لَهُ الفعل. وأهل المدينة والسلمي قرءوا: [وأن] «4» يُظهرَ «5» فِي الأرض الفسادَ، نصبوا الفساد، وجعلوا يظهر لموسى. وأهل المدينة «6» يلقون «7» الألف الأولى يقولون: وأن يظهر، وكذلك [هِيَ] «8» فِي مصاحفهم. وفي مصاحف أهل العراق: «أَوْ أن يَظْهَرَ» [المعنى «9» ] أَنَّهُ قال: إنى أخاف التبديل على [163/ ب] دينكم، أَوْ أن يتسامع النَّاس [بِهِ] «10» ، فيصدقوه فيكون فيه فساد على دينكم. وقوله: [وَ] «11» يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (32) قرأها العوام على التناد بالتخفيف، وأثبت الْحَسَن «12» وحده [فِيهِ] «13» الياء، وهي من تنادي القوم. [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] 1» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي حبان عن الأجلح   (1) فى ا، ب: يظهر. [ ..... ] (2) وهى كذلك قراءة الأعرج، وابن وثاب وعيسى (البحر المحيط 7/ 460) . (3) فى ب: وجعلا. (4) سقط فى ب، ش. (5) فى ب: يطهر. (6) قرأ نافع وأبو عمرو وأبو جعفر بواو النسق، ويظهر بضم الياء وكسر الهاء من أظهر معدى ظهر بالهمزة، وفاعله ضمير موسى عليه الصلاة والسلام. و (الفساد) بالنصب على المفعول به، ووافقهم اليزيدي (الإتحاف: 378) (7) فى ب: لا يثبتون. (8) زيادة فى ب. (9) فى ب: والمعنى. (10) سقط فى ب. (11) سقط فى كل من ب، ش، وفى ش يا قيوم خطأ. (12) أثبت الياء وصلا فقط ورش وابن وردان، وفي الحالين ابن كثير ويعقوب (الإتحاف 378) . (13) فى ب، ش فيها. (14) زيادة من ح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 عَنِ الضحاك بْن مزاحم أَنَّهُ قَالَ: تَنْزِلُ «1» الملائكةُ من السموات، فتحيط بأقطار الأرض، ويُجَاء بجهنم، فإذا رأوها هالتهم، فندوا فِي الأرض كما تند الإبل، فلا يتوجهون قُطْرًا إلا رأوا ملائكة فيرجعون من حيث جاءوا، وذلك قوله: «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا «2» مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» «3» وذلك قوله: «وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا، وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ» «4» وذلك قوله: «وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا» «5» . قَالَ الأجلح، وقرأها الضحاك: «التنادّ» مشددة الدال «6» . قَالَ حبان: وكذلك فسّرها الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الفراء: ومن قرأها «التناد» [خفيفة] «7» أراد يوم يدعو أهل الجنة أهل النار، وأَهل النار أهل الجنة «8» ، وأصحاب الأعراف رجالًا يعرفونهم. وقوله: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ (35) . أي: كبر ذَلِكَ الجدال مقتًا، وَمثله: «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ» «9» أضمرت في كبرت قولهم: «اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً» ومن رفع الكلمة لم يضمر، وَقرأ الْحَسَن بذلك برفع الكلمة «10» «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ» . وقوله: عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) . يضيف القلب إلى المتكبر، ومن نوّن جعل القلب هو المتكبر الجبار، وهى فى قراءة عبد الله   (1) ضبطها فى ب: تنزل خطأ. [ ..... ] (2) فى ب تنفدوا وهو تصحيف. (3) سورة الرحمن الآية 33. (4) سورة الفجر الآيتان 22، 23. (5) سورة الفرقان الآية 25. (6) وهى قراءة ابن عباس، وأبى صالح، والكلبي، والزعفراني، وابن مقسم (انظر المحتسب 2/ 243) . (والبحر المحيط 7/ 464) . (7) زيادة من ب. (8) فى (ب) يدعو أهل النار أهل الجنة، وأهل الجنة أهل النار. (9) سورة الكهف آية 5. (10) فى الإتحاف: 288: قرأ ابن محيصن والحسن: «كبرت كلمة» بالرفع على الفاعلية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 «كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ» «1» ، فهذا شاهدٌ لمن أضاف، والمعنى فِي تقدم القلب وَتأخره وَاحد وَالله أعلم. قَالَ: سمعت بعض العرب يرجّل شعره يوم كل جمعة، يريد: كل يوم جمعة، والمعنى واحد. وقوله: لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) (أَسْبابَ السَّماواتِ) «2» فَأَطَّلِعَ (37) . بالرفع، يردّه عَلَى قوله: «أبلغُ» . وَمن جعله جوابًا لِلَعَلّى نصبه، وَقَدْ قَرَأَ بِهِ «3» بعض القراء «4» قَالَ: وأنشدني بعض العرب: علَّ صروفَ الدَّهر أَوْ دولاتها ... يدللنا «5» اللَّمَّةَ من لَمَّاتها فتستريحَ النفسُ من زَفْراتها «6» فنصب عَلَى الجواب بلعلّ. وقوله: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها (46) . رفعت (النار) بما عاد من ذكرها فِي عليها، ولو رفَعْتها بما رفعْتَ بِهِ سُوءُ الْعَذابِ (45) كَانَ صوابًا، ولو نصبت عَلَى أنها وقعت [164/ 1] بين راجع [من] «7» ذكرها، وبين كلام يتصل بما قبلها كَانَ صوابا، ومثله: «قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا» «8» . وقوله: غُدُوًّا وَعَشِيًّا (46) . ليس فِي الآخرة غدو ولا عشي، ولكنه مقادير عشيات الدنيا وغدوها. وقوله: «9» [وَ] يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ (46) .   (1) انظر البحر المحيط 7/ 378، وفى المصاحف للسجستانى قراءة عبد الله: «يطبع الله على كل قلب متكبر جبار» (المصاحف: 70) (2) ما بين قوسين سقط فى ب، ح، ش. (3، 9) سقط فى ب. (4) قرأ حفص «فأطلع» بنصب العين بتقدير «أن» بعد الأمر فى «ابن لى» ، وقيل: فى جواب الترجّى فى لعلى حملا على التمني على مذهب الكوفيين. (5) ورد هذا الشاهد فى شرح شواهد المغني ص 155 طبعة المطبعة البهية بمصر هكذا: لعل صروفَ الدَّهر أَوْ دولاتِها ... يُدلْنَنَا اللَّمَّة من لماتها واللام فى لعل زيادة من الناسخ وفى لسان العرب مادة «علل» على صروفَ الدَّهر أَوْ دولاتِها ... يُدلْنَنَا اللَّمَّة من لماتها وفى مادة «لمم» من اللسان: تديلنا اللمة من لماتها [إدارة التراث] [ ..... ] (6) انظر شرح شواهد المغني 1/ 454، وقد جاء فيه: أنشده الفراء ولم يعزه إلى أحد، وعلّ: أصله لعلّ. (7) سقط فى ب، ش. (8) سورة الحج الآية: 72. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 همز الألف يَحيى بْن وثاب وأهل الحجاز «1» ، وخففها عاصم والحسن فقرأ «وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ» ونصبها هنا آل فرعون «2» عَلَى النداء: ادخلوا يا آل فرعون أشد العذاب، وفي «3» المسألة الأولى توقَّع عليهم «أَدْخِلُوا» . وقوله: إِنَّا كُلٌّ فِيها (48) . رَفَعْتَ «4» (كلّ) بفيها، ولم تجعله نعتًا لإنّا، ولو نصبته «5» عَلَى ذَلِكَ، وجعلت خبر إِنا [فيها] «6» ، ومثله: «قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ» «7» ترفع (كلّه لله) ، وتنصبها عَلَى هَذَا التفسير. قوله «8» : «وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ» (51) . قرأت القراء بالياء يعني: يقوم بالتذكير «9» ، ولو قَرَأَ قارئ: ويوم تقوم «10» كَانَ صوابًا لأن الأشهاد جمع، والجمع من المذكر يؤنث فعله ويذكر إِذا تقدم. العرب تَقُولُ: ذهبت [الرجال، وذهب الرجال. وقوله: إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبالِغِيهِ (56) . يريد: تكبروا] «11» أن يؤمنوا بما جاء بِهِ محمد صلى الله عليه ما هُمْ ببالغي ذَلِكَ: بنائلي ما أرادوا. وقوله: ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً (67) .   (1) قرأ ابن كثير وأبو عمرو، وابن عامر وأبو بكر بوصل همزة ادخلوا، وضم الخاء أمرا من دخل الثلاثي، والواو ضمير آل فرعون، ونصب آل على النداء، والابتداء بهمزة مضمومة، وافقهم ابن محيض واليزيدي والحسن والباقون بقطع الهمزة المفتوحة فى الحالين، وكسر الخاء أمر للخزنة من أدخل رباعيا معدّى لاثنين، وهما: آل، وأشد (الإتحاف: 379) وانظر البحر المحيط 7/ 468) . (2) فى ب، ش ونصب آل فرعون ها هنا. (3) فى ب: وهى. (4) فى ح، ش: ارتفعت. (5) فى ب: نصبتها. (6) فى ب، ش: فى فيها وحذف جواب (لو) للعلم به. (7) سورة آل عمران آية 154. (8) فى ب: وحدثنا محمد بن الجهم، قال: حدثنا الفراء: قوله عز وجل. (9) فى البحر المحيط 7/ 470: قرأ الجمهور يقوم بالياء. (10) قرأ ابن هرمز وإسماعيل والمنقري عن أبى عمرو بتاء التأنيث الجماعة (البحر المحيط 7/ 470) . (11) ما بين المعقوفتين ساقط فى كل من ح، ش. [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 وفي حرف «1» عَبْد اللَّه «ومنكم من يكون شيوخا» فوحدّ فِعل مَن، ثُمَّ رجع إلى الشيوخ فنوى بمن الجمع، ولو قَالَ: شيخا لتوحيد من في اللفظ كَانَ صوابًا. وقوله: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ (71) . [ترفع السلاسل والأغلال، ولو نصبت السلاسل وقلت «2» : يسحبون «3» ، تريد «4» ] يَسْحَبونَ سَلاسلَهم فِي جهنم. وذكر الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قال: [وهم] «5» فِي السلاسل يُسْحَبون، فلا يجوز خفض «6» السلاسل، والخافض مضمر ولكن لو أنّ متوهما قَالَ: إِنما المعنى إِذ أعناقهم في الأغلال وفي السلاسل يسحبون جاز الخفض فِي السلاسل عَلَى هَذَا المذهب، ومثله مما رُدّ إلى المعنى قول الشَّاعِر: قَدْ سالم الحياتِ مِنْهُ القدَما ... الأفعوان والشُّجاعَ الشجعما «7» فنصب الشجاع، والحيات قبل ذَلِكَ مرفوعة لَأنَّ المعنى: قَدْ سالمت رجله الحيات وسالمتها، فلما احتاج إلى نصب القافية جعل الفعل من القدم واقعًا عَلَى الحيات. [164/ ب] ومن سورة السجدة قوله عزَّ وجلَّ: كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا (3) . تنصب [قرآنا] «8» عَلَى الفعل، أي: فصلت آياته كذلك، ويكون نصبًا عَلَى القطع لَأن الكلام   (1) فى ب: وفى قراءة. (2) فى ب: فقلت. (3) أي: لكان صوابا، وانظر فى الاحتجاج لهذه القراءة المحتسب 2/ 244. (4) ما بين المعقوفتين ساقط فى كل من ب، ح، ش. (5) سقط فى ش. (6) سقط فى ش لفظ خفض. (7) هو من أرجوزة لأبى حيان الفقعسي، وقيل: لمساور بن هند العبسي. وبه جزم الترمذي والبطليوسي، وقيل: للعجاج ... (شرح شواهد المغني 2/ 973) ، وانظر تفسير الطبري 24/ 50، واللسان مادة شجع: (8) زيادة من ح، ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 تام عند قوله: (آياته) «1» . ولو كَانَ رفعا عَلَى أَنَّهُ من نعت الكتاب كَانَ صَوَابًا. كما قَالَ فِي موضع آخر: «كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ» «2» ، وكذلك قوله: «بَشِيراً وَنَذِيراً «3» » فيه «4» ما فِي: «قُرْآناً عَرَبِيًّا» . وقوله: وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ (5) . يَقُولُ: بيننا وبينك فُرقة فِي ديننا، فاعمل فِي هلاكنا إننا عاملون فِي ذَلِكَ منك، وَيُقَال: فاعمل بما تعلم من دينك فإننا عاملون بديننا. وقوله: لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ (7) . والزكاة «5» فِي هَذَا الموضع: أن قريشًا كانت تطعم الحاج وتسقيهم، فحرَمُوا ذَلِكَ من آمن بمحمد صلى الله عليه فنزل هَذَا فيهم، ثُمَّ قَالَ: وفيهم أعظم من هَذَا كفرهم بالآخرة. وقوله: وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها (10) وفى قراءة عَبْد اللَّه: وقسم فيها أقواتها «6» ، جعل فِي هَذِهِ «7» ما ليس فِي هَذِهِ ليتعايشوا ويتجروا. وقوله: سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10) نصبها «8» عاصم وحمزة، وخفضها الْحَسَن «9» ، فجعلها من نعت الأيام، وإن شئت من نعت   (1) جاء فى تفسير النسفي: نصب: «قرآنا عربيا. على الاختصاص والمدح، أي أريد بهذا الكتاب المفصل قرآنا من صفته: كيت وكيت، أو على الحال أي فصلت آياته فى حال كونه قرآنا عربيا تفسير النسفي 3/ 264، وانظر تفسير الطبري 24/ 53. (2) سورة ص: آية 29. (3) قرأ زيد بن على: «بشير ونذير» برفعهما على الصفة لكتاب، أو على خبر مبتدأ محذوف (البحر المحيط 7/ 483) وانظر تفسير الطبري 24/ 53. (4) سقط (فيه) فى ح، ش. (5) سقط فى ح، ش لفظ (الزكاة) . (6) انظر الطبري 24/ 57. [ ..... ] (7) زاد فى ب بعد هذه الأولى كلمة البلدة بين السطور. (8) فى كل من ب، ح، ش نصبا العوام عاصم وحمزة. (9) قرأ الجمهور «سواء» بالنصب على الحال، وأبو جعفر بالرفع أي: هو سواء، وزيد بن على والحسن وابن أبى اسحق وعمرو بن عبيد، وعيسى، ويعقوب بالخفض نعتا لأربعة أيام (البحر المحيط 7/ 486، وانظر الإتحاف: 380) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 الأربعة، ومن نصبها جعلها متصلة بالَأقوات، وَقَدْ ترفع كأنه ابتداء، كأنه قَالَ: ذَلِكَ سواء للسائلين، يَقُولُ لمن أراد علمه. وقوله: فَقَضاهُنَّ (12) . يقول: خلقهن، وأحكمهن. وقوله: قالَتا أَتَيْنا (11) . جعل السموات والَأرضين كالثَّنتين كقوله: «وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما» «1» ولم يقل: [وما] «2» بينهن، ولو كَانَ كان «3» صوابا. وقوله: أَتَيْنا طائِعِينَ (11) . ولم يقل: طائعتين، ولا طائعاتٍ. ذُهب «4» بِهِ إلى السموات ومن فيهن، وَقَدْ يجوز: أن تقولا، وإن كانتا اثنَتين: أتينا طائعين، فيكونان كالرجال لمّا تكلمتا. وقوله: وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها (12) . يَقُولُ: جعل فِي كل سماء ملائكة فذلك أمرها. وقوله: إِذْ جاءَتْهُمُ [165/ 1] الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ (14) . أَتَت الرسل آباءهم، ومن كَانَ قبلهم ومن خلفهم يَقُولُ: وجاءتهم أنفسهم رسل من بعد أولئك الرسل، فتكون الهاء والميم فِي (خلفهم) للرسل، وتكون لهم تجعل من خلفهم لما معهم. وقوله: رِيحاً صَرْصَراً (16) . باردة تُحْرق [كما تحرق] «5» النار. وقوله: فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ (16) .   (1) سورة الحجر الآية 85، وسورة الأنبياء الآية 16. (2) زيادة من ب. (3) سقط فى ح لفظ كان (4) فى ش ذهب. (5) ما بين المعقوفتين ساقط فى ح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 العوام عَلَى تثقيلها لكسر الحاء، وَقَدْ خفف بعض أهل المدينة: (نحسات) «1» . قال: [وقد سمعت بعض العرب ينشد: أبلغْ جذاما ولخما أن إخوتهم ... طيا وبهراء قوم نصرهم نِحس] «2» . وهذا «3» لمن ثقلَ، ومن خفّف بناه علِي قوله: «فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ» «4» . وقوله: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ (17) . القراءة برفع ثمود، قرأ بذلك عاصم، وأهل المدينة والأعمش. إلا أن الْأَعْمَش كَانَ «5» يجري ثمود فِي كل القرآن إلا قوله: «وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ» ، فإنه كَانَ لا ينون، لَأنّ كتابه بغير ألف. ومن أجراها جعلها اسمًا لرجل أَوْ لجبل، ومن لم يجرها جعلها اسمًا للُأمة التي هِيَ منها قَالَ: وسمعت بعض العرب يَقُولُ: تترك بني أسد وهم فصحاء، فلم يُجْر أسدَ، وما أردت بِهِ القبيلة من الأسماء التي تجرى فلا تحرها، وإجراؤها أجود فِي العربية مثلَ قولك: جاءتك تميمٌ بأسرها، وقيس بأسرها، فهذا مما يُجْرَى، ولا يُجْرى مثل التفسير فِي ثمود وأسد. وكان الحسن يقرأ: «وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ» بنصب «6» ، وهو وجه، والرفع أجود مِنْهُ، لأنَّ أمّا تطلب الأسماء، وتمتنع من الأَفعال، فهي بمنزلة الصلة للاسم، ولو كانت أمّا حرفا يلي الاسم إِذَا شئت، والفعل إِذَا شئت كَانَ الرفع والنصب معتدلين مثل قوله: «وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ» «7» ، ألا ترى أنّ الواو تكون مع الفعل، ومع الاسم؟ فتقول: عَبْدُ اللَّه ضربته وزيدًا تركته لأنك تَقُولُ: وتركتُ زيدًا، فتصلح فِي الفعل الواو كما صلحت فِي الاسم، ولا تَقُولُ: أمّا ضربتَ فعبد اللَّه «8» ، كما تَقُولُ: أمّا عَبْد اللَّه فضربت، ومن أجاز النصب وهو يرى هذه العلة [165/ ب] فإنه يقول:   (1) جاء فى تفسير الطبري: قرأ عامة قراء الأمصار غير نافع وأبى عمر وفى أيام نحسات بكسر الحاء، وقرأ نافع وأبو عمر ونحسات بسكون الحاء، وكان أبو عمرو فيما ذكر لنا عنه يحتج لتسكينه الحاء بقبوله «يوم نحس مستمر» تفسير الطبري 24/ 60. (2) ما بين المعقوفتين سقط فى ش. وفى تفسير الطبري ورد البيت: طيا وبهزا (وهو تصحيف) وانظر البحر المحيط 7/ 481. (3) فى ب، ش فهذا. (4) سورة القمر الآية: 19. (5) ساقط فى ح: «إلا أن الأعمش كان. (6) وهى قراءة ابن اسحق أيضا (انظر تفسير الطبري ح 24/ 61) . [ ..... ] (7) سورة يس الآية 39. (8) ضبط (ب) أما ضربت فعبد الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 خِلْقَةُ ما نصب الأسماءَ أن يسبقها لا أن تسبقه «1» . وكل صواب. وقوله: فَهَدَيْناهُمْ (17) . يَقُولُ: دللناهم عَلَى مذهب الخير، ومذهب الشر، كقوله: «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ» «2» . الخير، والشر «3» . [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ، حَدَّثَنَا «4» مُحَمَّدٌ قَالَ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ عنْ زِيَادِ بْن عِلاقَةَ عنْ أَبِي عمارة عنْ عليّ بْن أَبِي طَالِب أنه قال فى قوله: «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ» : الخير، والشر. قَالَ أَبُو زكريا: وكذلك قوله: «إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً» «5» . والهدى عَلَى وجه آخر الَّذِي هُوَ الإرشاد بمنزلة قولك: أسعدناه، من ذَلِكَ. قوله: «أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ» «6» فِي كَثِير من القرآن. وقوله: فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) . فهي من وزعتَ، ومعنى وزعتُه: حبسته وكففته، وجاء فِي التفسير: يحبس أولهم عَلَى آخرهم حَتَّى يدخلوا النار. قَالَ: وسمعت بعض العرب يَقُولُ: لأبعثن عليكم «7» من يزَعُكُم ويُحْكِمُكُم من الْحَكمَة التي للدابة «8» . قَالَ: وأنشدني أَبوْ ثَرْوان الْعُكْلِيُّ: فإنكما «9» إن تحكمِاني وترسلا ... عليّ غُواة الناس إيب وتضلعا «10»   (1) فى الأصل: لا أن يسبقه، تحريف وفى (ش) لأن أن تسبقه وهو خطأ. (2) سورة البلد الآية 10. (3) سقط فى ح، ش: الخير والشر. (4) ما بين المعقوفتين زيادة فى ح، ش. (5) سورة الإنسان الآية 3. (6) سورة الأنعام الآية 90. (7) في ب، ش إليكم. (8) حكمة اللجام: ما أحاط بحنكي الدابة، وفى الصحاح: بالحنك، سميّت بذلك لأنها تمنعه من الجري الشديد، وفى الحديث: وأنا آخذ بحكمة فرسه. أي بلجامه (اللسان مادة حكم) . (9) فى (ح) بحد كما. (10) في (ش) وتضلفها وهو خطأ من الكاتب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 فهذا من ذَلِكَ، إيب: من أبَيْتُ وآبى. وقوله: سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ (20) . الجلد هاهنا- والله أعلم- الذَّكر، وهو ما كنى عَنْهُ «1» كما قال: «وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا «2» » ، يريد: النكاح. وكما قَالَ: «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ» «3» ، والغائط: الصحراء، والمراد من ذَلِكَ: أَوْ قضى أحد منكم حاجةً. وقوله: وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ (22) . يَقُولُ: لم تكونوا تخافون أن تشهد عليكم جوارحكم فتستتروا منها، ولم تكونوا لتقدروا عَلَى الاستتار «4» ، ويكون عَلَى التعبير: أي لم تكونوا تستترون منها. وقوله: وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ (22) . فِي «5» قراءة عَبْد اللَّه مكان (وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ) ، ولكن زعمتم «6» ، والزعم، والظن فِي معنى واحد، وَقَدْ يختلفان. وقوله: وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ (23) . «ذلكم» فِي موضع رفع «7» بالظن، وجعلت «أرداكم» فِي موضع نصب، كأنك قلت: ذلكم ظنكم مرديا لكم. وَقَدْ يجوز أن تجعل الإرداءَ هُوَ الرافع فِي قول من قَالَ: هَذَا عَبْد اللَّه قائم [166/ 1] يريد: عَبْد اللَّه هَذَا قائم، وهو مستكره، ويكون أرداكم مستأنفا لو ظهر اسما لكان رفعا مثل قوله فِي لقمان: «الم، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ، هُدىً وَرَحْمَةً» «8» ، قد قرأها حمزة كذلك «9» ،   (1) فى ب، ح ما كنى الله عنه. (2) البقرة آية 235. [ ..... ] (3) المائدة آية 6. (4) زاد فى ب، ح، ش: منها. (5) في ب، ش: وفى. (6) كذا في المصاحف للسجستانى ص: 85. (7) في ب، ح: رفع رفعته. (8) الآيات: 1، 2، 3. (9) وهى أيضا قراءة: الأعمش، وطلحة، وقنبل خبر مبتدأ محذوف، أو خبر بعد خبر (البحر المحيط 7/ 183) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 وفي قراءة عَبْد اللَّه «1» : «أَأَلِدُ وأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخٌ «2» » ، وفي قَ: «هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ» «3» كل هَذَا عَلَى الاستئناف ولو نويت الوصل كَانَ نصبا، قَالَ: وأنشدني بعضهم: مَنْ يك ذا بتّ فهذا بتّى ... مقيّظ مصيّف مُشَتِّي جمعته من نعجات ست «4» وقوله: وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ (25) . من أمر الآخرة، فقالوا: لا جنة، وَلا نار، ولا بعث، ولا حساب، وما خلفهم من أمر الدنيا فزينوا لهم اللذات، وجمع الأموال، وترك النفقات فِي وجوه البر، فهذا ما خلفهم، وبذلك جاء التفسير «5» ، وَقَدْ يكون ما بين أيديهم ما هُمْ فِيهِ من أمر الدنيا، وما خلفهم من أمر الآخرة. وقوله: وَالْغَوْا فِيهِ (26) . قاله كفّار قريش، قَالَ لهم أَبُو جهل: إذا تلا محمد صلى الله عليه القرآن فالغوا فِيهِ الغَطوا، لعله يبدّل أَوْ ينسى فتغلبوه. وقوله: ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ، ثم قال: لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ (28) . وهي النار بعينها، وذلك صواب لو قلت: لأهل الكوفة منها دار صالحة، والدار هي الكوفة، وحسن حين قلت [بالدار] «6» والكوفة هِيَ «7» والدار فاختلف لفظاهما، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «ذَلِكَ جزاء أعداءِ اللَّه «8» النار دار الخلد» «9» فهذا بيّن لا شيء فِيهِ، لأن الدار هِيَ النار. وقوله: رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ (29) .   (1) جاء فى البحر المحيط (5/ 244) : قرأ ابن مسعود، وهو فى مصحفه، والأعمش: «شيخ» بالرفع، وجوزوا فيه، وفى «بعلى» أن يكونا خبرين، كقولهم: هذا حلو حامض، وأن يكون بعلى خبرا، وشيخ خبر مبتدأ محذوف. (2) سورة هود الآية 72. (3) الآية 23. (4) ينسب لرؤبة بن العجاج، وهو من شواهد سيبويه 1/ 258 وانظر شرح ابن عقيل 1/ 223. (5) كذا فى تفسير الطبري: 24/ 64. (6) زيادة من ب. (7) سقط فى ش لفظ (هى) . [ ..... ] (8) لم يثبت فى ح، ش: (ذلك جزاء أعداء الله النار) . (9) انظر الطبري 24/ 65. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 يُقال: إن الَّذِي أضلهم من الجن إبليس [و] «1» من الإنس قابيل الَّذِي قتل أخاه يَقُولُ: هُوَ أول من سنّ الضلالة من الإنس. وقوله: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ (30) . عند الممات يبشرونهم بالجنة، وفي قراءتنا «ألّا تخافوا» «2» ، وفي قراءة عَبْد اللَّه: «لا تخافوا» «3» بغير أَنْ عَلَى مذهب الحكاية. وقوله: وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا (35) . يريد ما يلّقى دفع السيئة بالحسنة «4» إلّا مَن هُوَ صابر، أَوْ ذو حظ عظيم، فأنَّثها «5» لتأنيث الكلمة، ولو أراد الكلام [فذكر] «6» كَانَ صوابًا. وقوله: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ (36) . يَقُولُ: يصدنّك عنْ أمرنا إياك يدفع بالحسنة السيئة «7» فاستعذ بالله تعّوذ بِهِ. وقوله: لا تَسْجُدُوا «8» لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ (37) . خَلَقَ الشمس والقمر والليل والنهار، وتأنيثهن فِي قوله: «خلقهن» [166/ ب] لأن كل ذكر من غير النَّاس وشبههم فهو فِي جمعه مؤنث تَقُولُ: مرّ بي أثواب فابتعتهن، وكانت لي مساجد فهدمتهن وبنيتهن يبنى «9» [على] «10» هذا. وقوله: اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ (39) . زاد ريعْها، وربَت، أي: أنها تنتفخ، ثُمَّ تصدّع عن النبات.   (1) زيادة من ب، ح، ش. (2) وهى قراءة الجمهور. (3) بمعنى نتنزل عليهم قائلة: لا تخافوا ولا تحزنوا (تفسير الطبري 24/ 67) . (4) فى ح: دفع السيئة الحسنة. (5) فى (ا) فا؟؟؟، والتصويب من ب، ح. (6) زيادة من ب، ح. (7) كذا فى ب: وفى الأصل: بدفع الحسنة السيئة. (8) فى (ا) ألا تسجدوا وهو خطأ من الناسخ. (9) فى ش بيتا وهو خطأ. (10) الزيادة من ب، ح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 وقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ (41) . يُقال: أَيْنَ جواب إِنَّ؟ فإن شئت جعلته «أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ» . وإن شئت كان فى قوله: «وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ» (41) «لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ (42) » ، فيكون جوابه معلومًا فيترك، وكأنه أعربُ الوجهين [وأشبهه بما جاء فِي القرآن. وقوله: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ (42) ، يَقُولُ: التوراة والإنجيل لا تكذبه وهي [من] «1» بين يديه «ولا من خلفه» ، يَقُولُ: لا ينزل بعده كتاب بكذبه] «2» . وقوله: مَا يُقالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ (43) . جزع (صلى الله عليه) من تكذيبهم إياه، فأنزل اللَّه جل وعز عَلَيْهِ «3» : ما يُقال لَكَ من التكذيب إلا كما كذب الرسل من «4» قبلك: قَرَأَ الْأَعْمَش وعاصم «5» : «أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ» (44) . استفهما، وسكنا العين، وجاء التفسير: أيكون «6» هَذَا الرَّسُول عربيًا والكتاب أعجمي؟ «7» وقرأ «8» الْحَسَن بغير استفهام «9» : أعجمي وعربي، كأنه جعله من قيلهم، يعني الكفَرة «10» ، أي: هلَّا فصلت آياته منها عربي يعرفه العربي، وعجمي يفهمه العجمي، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ: «قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ» (44) . وقرأها بعضهم «11» : «أَعَجَمِيٌّ وعربي» يستفهم وينسبه إلى العجم.   (1) زيادة من ب. (2) ما بين المعقوفتين مطموس فى (ا) ونقل من النسخة ش لوحة 171 وب لوحة 17. [ ..... ] (3) سقط فى ب لفظ عليه. (4) سقط في ب لفظ من. (5) وهى قراءة قالون وأبى عمرو وأبى جعفر بهمزتين على الاستفهام (انظر الاتحاف 381) . (6) فى (ا) ان يكون. (7) فى ب، ح: قال وقرأ. (8) فى ش وقال الحسن. (9) وهى رواية قنبل وهشام ورويس (انظر النشر 1/ 366) وهى أيضا قراءة أبى الأسود وآخرين (انظر المحتسب 2/ 247) . (10) العبارة فى ح، ش من قيل الكفرة. (11) هو عمرو بن ميمون (المحتسب 2/ 248) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 وقوله: وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى (44) . حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ «1» قَالَ: وَحَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ [أبو الأحوص و] «2» مندل عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنَ قَتَّةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ: عَمٍ «3» . وقوله: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (44) . تَقُولُ للرجل الَّذِي لا يفهم قولك: أنت تنادى من بعيد، تقول للفَهِم: إنك لتأخذ الشيء من قريب. وجاء فِي التفسير: كأنما «4» ينادون [من السماء] «5» فلا يسمعون «6» . وقوله: وَما تَخْرُجُ مِنْ ثمرة «7» من أكمامها (47) . قشر الكفرّاة «8» كِمّ، وقرأها أهل الحجاز «9» : «وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ» «10» . وقوله: قالُوا آذَنَّاكَ (47) . هَذَا من قول الآلهة التي كانوا يعبدونها فِي الدنيا. قَالُوا: أعلمناك ما منا من شهيد بما قَالُوا. وقوله: لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ (49) . وفى «11» قراءة عبد الله: «من دعاء بالخير» «12» . وقوله: فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (51) يَقُولُ: ذو دعاء كَثِير إن وصفته بالطول والعرض فصواب:   (1) فى ب: حدثنا محمد قال. (2) ما بين المعقوفتين زيادة من ب، ح، ش. (3) انظر تفسير الطبري 24/ 73، وهى أيضا قراءة ابن الزبير، ومعاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص (البحر المحيط 7/ 502) . (4) فى (ا) كانوا. (5) ما بين المعقوفتين زيادة فى ب. [ ..... ] (6) انظر اللسان مادة بعد. وانظر تفسير النسفي 3/ 279. (7) كذا فى كل النسخ، وفى قراءة حفص «من ثمرات» . (8) الكفراة بالضم وتشديد الراء وفتح الفاء وضمها: وعاء الطلع وقشره الأعلى (اللسان مادة كفر) . (9) أبو جعفر ونافع، وقرأها كذلك ابن عامر وابن مقسم انظر المحيط 7/ 504. (10) وقرأته قراء الكوفة «من ثمرة» على لفظ الواحدة (تفسير الطبري 25/ 2) . (11) كذا فى ب، ش، وفى الأصل: فى قراءة. (12) فى البحر المحيط 7/ 504: قرأ عبد الله: «من دعاء بالخير» بباء داخلة على الخير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 وقوله: [167/ 1] أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ (53) . [أَنَّهُ إن شئت جعلتَ أنَّ فِي موضع خفض عَلَى التكرير: أَوْ لم يكف بربك بأنه عَلَى كل شيء شهيد، وإن شئتَ جعلته رفعا عَلَى قولك: أَوْ لم يكف بربك] «1» شهادته عَلَى كل شيء، والرفع أحبّ إلىّ. ومن سورة عسق قوله عز وجل: عسق «2» . ذكر عَنِ ابْنِ عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: حم سق، ولا يجعل فيها عينا، ويقول: السين كل فرقة تكون، والقاف كل جماعة تكون. قال الفراء: [و] «3» رأيتها فِي بعض مصاحف (عَبْد اللَّه) «حم سق» «4» كما قَالَ ابْنُ عَبَّاس. وقوله: كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ (3) . (حم عسق) يُقال: إنها أوحيت إلى كل نبي، كما أوحيت إلى محمد صلى الله عليه. قَالَ ابن عَبَّاس: وبها كَانَ عليّ بْن أَبِي طَالِب يعلم الفتن. وَقَدْ قَرَأَ بعضهم: «كذلك يوحى» ، لا يُسَمِّي فاعلَه «5» ، ثُمَّ ترفع «6» اللَّه العزيز الحكيم يرد الفعل إِلَيْه. كما قَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمي «وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ» «7» ثم قال: (شركاؤهم) «8» أي زينه «9»   (1) ما بين المعقوفتين ساقط فى ش. (2) وهى قراءة الأعمش عن ابن مسعود (انظر المحتسب 2/ 249) . (3) الزيادة من ب، ح، ش. (4) انظر الطبري 25/ 5. (5) هى قراءة مجاهد وابن كثير وأبى عمرو (البحر المحيط 7/ 508) و (الاتحاف 382) . (6) فى ح، ش يرفع. (7) سورة الأنعام آية 137. [ ..... ] (8) وهى قراءة الحسن البصري وآخرين، وهكذا خرجه سيبويه (البحر المحيط 4/ 229) . (9) فى ب، ح، ش: زين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 لهم شركاؤهم ومثله قول من قرأ: «يُسَبِّحُ لَهُ «1» فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ» «2» ثم تقول «3» : (رجال) فترفع «4» يريد: يسبح له رجال. وقوله: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها (7) وأمّ القرى: مكة ومن حولها من العرب «وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ» . معناه: وتنذرهم يوم الجمع، ومثله قوله: «إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ» «5» معناه: يخوفكم أولياءه. وقوله: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) . رفع بالاستئناف كقولك: رأيت الناس شقي وسعيد، ولو كان فريقا في الجنة، وفريقا في السعير كان صوابا، والرفع أجود في العربية. وقوله: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً (11) . يقول: جعل لكل شيء من الأنعام زوجا ليكثروا ولتكثروا. وقوله «6» : يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ (11) معنى فيه: أي به، والله أعلم. وقوله: فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ (15) ، أي فلهذا القرآن ومثله كثير في القرآن «7» ، قد ذكرناه، هذا فى موضع ذلك، وذلك في موضع هذا، والمعنى: فإلى ذلك فادع. كما تقول [167/ ب] دعوت إلى فلان، ودعوت لفلان. وقوله: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (23) . ذكر: أن الأنصار جمعت للنبي صلى الله عليه- نفقة يستعين بها على ما ينوبه في أصحابه، فأتوا بها النبي- صلى الله عليه-، فقالوا: إن الله عز وجل قد هدانا بك، وأنت ابن   (1) وهى قراءة ابن عامر والبحتري عن حفص ومحبوب عن أبى عمرو (البحر المحيط 6/ 458) . (2) سورة النور آية 36. (3) فى ب يقول. (4) فى ب، ش فيرفع. (5) سورة آل عمران آية 175. (6) فى ب، ح، ش معنى قوله. (7) قوله: ومثله كثير فى القرآن، ساقط فى ح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 أختنا فاستعن بهذه النفقة على ما ينوبك، فلم يقبلها، وأنزل الله في ذلك: قل لهم «1» لا أسألكم على الرسالة أجرا إلا المودة في قرابتي بكم. وقال ابن عباس: «لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» في قرابتي من قريش. وقوله: وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ (24) . ليس بمردود على «يختم» ، فيكون مجزوما «2» ، هو مستأنف في موضع رفع، وإن لم تكن فيه واو في الكتاب، ومثله مما حذفت منه الواو «3» وهو في موضع رفع قوله: «وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ» «4» وقوله: «سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ» «5» . وقوله: وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) . ذكر العباد، ثم قال: (ويعلم ما تفعلون) كأنه خاطبهم، والعوام يقرءونها بالياء «6» . حدثنا الفراء «7» قال: حدثني قيس عن رجل قد سماه عن بكير بن الأخنس عن أبيه قال: قرأت من الليل: «ويعلم ما تفعلون» فلم أدر أأقول: يفعلون أم تفعلون؟ فغدوت إلى عبد الله بن مسعود لأسأله عن ذلك، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، رجل ألم بامرأة في شبيبة، ثم تفرقا وتابا، أيحل له أن يتزوجها؟ قال، فقال عبد الله رافعا صوته: «وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ، وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ» (25) . قال الفراء: وكذلك قرأها علقمة «8» بن قيس وإبراهيم ويحيى بن وثاب «9» وذكر عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ: أَنَّهُ قَرَأَ كذلك بالتاء.   (1) سقط فى ح، ش لفظ لهم. (2) فى ب، ح، ش جزما. (3) سقط فى ح لفظ الواو. (4) سورة الاسراء الآية 11. (5) سورة العلق الآية 18. [ ..... ] (6) قرأ حفص وحمزة والكسائي بالتاء، ووافقهم الحسن والأعمش، والباقون بالياء (الاتحاف 383) . (7) زاد فى ح، ش: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ. (8) هو علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك أبو شبل النخعي الفقيه الأكبر، ولد فى حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وأخذ القرآن عن ابن مسعود، وسمع عن على وعمر وأبى الدرداء وعائشة، وعرض عليه أبو اسحق السبيعي، ويحيى ابن وثاب، كان أشبه الناس بابن مسعود سمتا وهديا وعلما مات سنة اثنتين وستين (طبقات القراء 1/ 516) . (9) هو يحيى بن وثاب الأسدى مولاهم الكوفي تابعي ثقة كبير من العباد والأعلام، روى عن ابن عمر وابن عباس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 وقوله: وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا [وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ] «1» (26) . يكون الَّذِينَ فِي موضع نصب بمعنى: ويجيب اللَّه الَّذِينَ آمنوا، وَقَدْ جاء فِي التنزيل: «فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ» «2» ، والمعنى، والله أعلم: فأجابهم ربهم، إلّا أنك إِذَا قلت: استجاب أدخلت اللام فِي المفعول بِهِ، وإذا قلت: أجاب حذفت اللام، ويكون استجابهم بمعنى: استجاب لهم، كما قَالَ: «وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ» «3» المعنى، والله أعلم: وإذا كالوا لهم أو وزنوا لهم، يُخْسرون ويكون الَّذِينَ- فِي موضع رفع يجعل الفعل لهم أي: الذين آمنوا يستجيبون لله ويزيدهم اللَّه عَلَى إجابتهم والتصديق من فضله. وقوله: خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ [168/ 1] فِيهِما مِنْ دابَّةٍ (29) . أراد: وما بث فِي الأرض دون السماء، بذلك جاء فِي التفسير ومثله مما ثنى ومعناه واحد قوله: «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ» «4» وإنما يخرج من الملح دون العذاب. وقوله: وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) ويعلَمَ الَّذِينَ مردودة عَلَى الجزم إلا أَنَّهُ صُرف والجزم إِذا صُرف عَنْهُ معطوفُه نصب كقول الشَّاعِر: فإن يهلِك أَبُو قابوسَ يهِلِك ... ربيعُ الناسِ والبلدُ الحرامُ ونُمسكَ بعده بذناب عَيْشٍ ... أجبِّ الظهرِ ليس لَهُ سَنام «5» والرفع جائز فِي المنصوب عَلَى الصرف «6» . وَقَدْ قَرَأَ بذلك قوم فرفعوا «7» : «وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ» (35) ومثله مما استؤنف فرفع   وحدث عنه عاصم، وكان مقرىء أهل الكوفة فى زمانه مات سنة ثلاث ومائة (طبقات القراء 2/ 380) . (1) زيادة فى ب، ح. (2) سورة آل عمران الآية 195. (3) سورة المطففين الآية 3. (4) سورة الرحمن الآية 22. (5) الخزانة 4/ 95، والبيتان للنابغة الذبياني، وقبلهما بيت يخاطب فيه عصاما حاجب النعمان بن المنذر، وهو: ألم أقسم عليك لتخبرنى ... أمحمول على النعش الهمام (الديوان، وابن عقيل 3/ 101) . (6) انظر كلاما فى الصرف على مذهب الكوفيين فى البحر المحيط 7/ 521. (7) هم نافع وابن عامر وأبو جعفر قرءوا برفع الميم على القطع والاستئناف بجملة فعلية، والباقون بنصبها. (الإتحاف 381) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 قوله: «ثُمَّ «1» يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ» فِي براءة ولو جزم ويعلمُ- جازم كان مصيبا وقوله: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كبير «2» الإثم (37) . قرأه يَحيى بْن وثاب «كبير» «3» : وفسر عَنِ ابْنِ عَبَّاس: أن كبير الإثم هُوَ الشرك فهذا موافق لمن قَرَأَ: كبير [الإثم] «4» بالتوحيد وقرأ العوام: «كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ» . فيجعلون كبائر كأنه شيء عام، وهو فِي الأصل واحد، وكأني أستحبّ لمن قَرَأَ: كبائر أن يخفض الفواحش لتكون الكبائر مضافةً إلى مجموع إِذ كانت جمعًا قَالَ: وما سمعت أحدًا من القراء خفض الفواحش. وقوله «5» : وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) . نزلت خاصة فِي أَبِي بَكْر الصديق (رحمه اللَّه «6» ) ، وذلك: أن رجلًا من الأنصار وقع بِهِ عند رَسُول اللَّه فسبّه، فلم يردد عَلَيْهِ أَبُو بَكْر ولم يَنْهَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه الْأَنْصَارِيّ فأقبل عَلَيْهِ أَبُو بَكْر فرد عَلَيْهِ، فقام النبي- صلى الله عليه- كالمغضب واتبعه أَبُو بَكْر فَقَالَ: يا رَسُول اللَّه، ما صنعتَ بي أشدّ عليّ مما صنع بي: سبني فلم تَنْهَهُ، ورددتُ عَلَيْهِ فقمت كالمغضب، فَقَالَ النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ-: كَانَ الملك يرد عَلَيْهِ إِذَا سكتَّ، فلما رددتَ عَلَيْهِ رجع الملك، فوثبتُ معه فنزلت هذه الآية. وفسرها شريك عَنِ الْأَعْمَش عنْ إِبْرَاهِيم في قوله: «وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ» ، قالوا» : كانوا يكرهون أن بذلوا أنفسهم للفساق فيجترئوا عليهم. وقوله: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ [168/ ب] فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) نزلت أيضًا فِي أَبِي بَكْر. وقوله: يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ (45) .   (1) فى ب، ش ويتوب، وهو خطأ، والآية فى سورة التوبة: 27. (2) فى ش كبائر. [ ..... ] (3) اختلف فى «كبير الإثم» هنا، وفى النجم، فحمزة والكسائي وخلف «كبير» بكسر الباء بلا ألف ولا همز بوزن قدير، والباقون بفتح الباء، وألف بعدها ثم همزة مكسورة فيما جمع كبيرة (الإتحاف 384) . (4) زيادة من ب. (5) سقط فى ب، ح، ش. (6) فى ب رحمة الله عليه. (7) فى ب، ش قال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 قال بعضهم: يُخفونه من الذل الذي بهم، وقال بعضهم: نظروا إلى النار بقلوبهم، وَلم يروها بأعينهم لأنهم يحشرون عميًا. وقوله «1» : وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ (48) . وإنما ذكر قبلهم الإنسان مفردًا، والإنسان يكون واحدًا، وفي معنى جمع فردّ الهاء والميم على التأويل، ومثل قوله: «وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً «2» » يراد به: كل الناس، ولذلك جاز فيه الاستثناء وهو موحّد في اللفظ كقول الله «إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا «3» » ، ومثله: «وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ «4» » ثم قال: «لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ» وإنما ذكر ملكا لأنه في تأويل جمع. وقوله: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً (49) . محضًا لا ذكور فيهن، وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذكور محضا لا إناث فيهم، أو يزوجهم يقول: يجعل بعضهم بنين، ويجعل بعضهم بنات ذلك التزويج في هذا الموضع. والعرب تقول: له بنون شِطْرة «5» إذا كان نصفهم ذكورًا، ونصفهم إناثًا، ومعنى هذا- والله أعلم- كمعنى ما في كتاب الله. وقوله: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً (51) . كما كان النبي صلى الله عليه يرى فِي منامه، ويُلْهَمُه، أَوْ مِنْ وَرَاءِ حجاب، كما كلّم مُوسَى من وراء حجاب، أَوْ يرسل رسُولًا ملكًا [من ملائكته «6» ] فيوحى بإذنه، ويكلم النَّبِيّ بما يشاء اللَّه «7» [وذلك «8» فِي قوله: «أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا» (51) الرفع والنصب أجود. قَالَ الفراء: رفع نافع المدينيّ، ونصبت العوام] ومن رفع «يرسل» «9» قَالَ: «فيوحي» مجزومة الياء «10» .   (1) فى اوقال (2) النساء الآية 28. (3) العصر الآيتان 2، 3. (4) النجم الآية 26 (5) اللسان مادة شطر: (6) سقط فى ش عبارة: من ملائكته. (7) فى ش بما شاء. (8) ما بين المعقوفتين ساقط فى ش. (9) قرأ نافع وأهل المدينة: «أو يرسل رسولا فيوحى» بالرفع (البحر المحيط 7/ 527) والباقون بنصبهما (الاتحاف 384) [ ..... ] (10) فى ش مجذومة خطأ من الناسخ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 وقوله: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ، وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً (52) . يعني التنزيل، وقال بعضهم: أراد القرآن والإيمان، وجاز أن يَقُولُ «1» : جعلناه لاثنين لأن الفعل فِي كثرة أسمائه يضبطه الفعل، ألا ترى أنك تَقُولُ: إقبالك وَإِدبارك يغمني، وهما اثنان فهذا من ذلك. ومن سورة الزخرف قوله عزَّ وجلَّ: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ (5) . قَرَأَ الْأَعْمَش: «إن كنتم» بالكسر، وقرأ عاصم والحسن «2» : «ان كنتم» بفتح (أن) [169/ 1] ، كأنهم أرادوا شيئًا ماضيًا، وأنت تَقُولُ فِي الكلام: أأسُبَّك أن حرمتني؟ تريد إذ حرمتني، وتكسر إِذا أردت أأسبك إن حرمتني «3» ، ومثله: «وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ» «4» تكسر (إن) وتفتح «5» . ومثله: «فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ» «6» «إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا» «7» ، و «إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا» «8» ، والعرب تنشد قول الفرزدق. أتجزع إن أذنا قُتَيْبَة حزتا ... جهارًا، ولم تجزع لقتل ابْنُ خازم؟ «9»   (1) فى ب، ش: أن تقول: (2) اختلف فى «ان كنتم» فنافع وحمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف بكسر الهمزة على أنها شرطية، وإن كان إسرافهم محققا على سبيل المجاز، وجوابه مقدر يفسره: أفتضرب أي إن أسرفت نترككم. وافقهم الحسن والأعمش، والباقون بالفتح على العلة مفعولا لأجله أي: لأن كنتم (الاتحاف 384) . (3) فى ب إن تحرمنى. (4) سورة المائدة آية 2. (5) ابن كثير وأبو عمرو بكسر الهمزة على أنها شرطية، والباقون بالفتح على أنها علة للشنآن (الاتحاف 198) . (6) الكهف الآية 6. (7) سقط فى ح: إن لم يؤمنوا. (8) فى ش: ولم يؤمنوا. (9) انظر الخزانة 3/ 655 وفى شرح شواهد المغني 1/ 86. تغضب بدل تجزع فى الشطرين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 وَأنشدوني: أتجزع أن بان الخليط المودّع ... وحبل الصَّفَا من عزة المتقطع؟ «1» وفي كل واحد من البيتين ما فِي صاحبه من الكسر والفتح، وَالعرب تَقُولُ: قَدْ أضربت عنك، وَضربت عنك إِذا أردت بِهِ: تركتك، وَأعرضت عنك. وقوله: لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ (13) . يَقُولُ القائل: كيف قَالَ: «عَلَى ظهوره» ، فأضاف الظهور إلى واحد؟ يُقال لَهُ: إن ذَلِكَ الواحد فِي معنى جمع بمنزلة الجند والجيش والجميع، فإن قَالَ: فهلا قلت: لتستووا عَلَى ظهره «2» ، فجعلت الظهر واحدًا إِذَا أضفته إلى واحد؟ قلت: إن الواحد فِيهِ معنى الجمع، فرددت الظهور «3» إلى المعنى ولم تقل: ظهره، فيكون كالواحد الَّذِي معناه ولفظه واحد، فكذلك تقول: قد كثرت نساء الجند، وقلت: ورفع الجند أعينه ولا تقل «4» عينه. وكذلك كل ما أضفت إِلَيْه من الأسماء الموضوعة، فأَخْرِجها عَلَى الجمع، فإذا أضفت إِلَيْه اسما فِي معنى فعل جاز جمعه وتوحيده مثل قولك: رفع الجند صوته وأصواته أجود، وجاز هَذَا لأن الفعل لا صورة لَهُ فِي الاثنين إلا كصورته فِي الواحد. وقوله: وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) . مطيقين، تَقُولُ «5» للرجل: قَدْ أقرنتَ لهذا أي أطقتَه، وصرتَ لَهُ قرِنا. وقوله: ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا (17) . الفعل للوجه، فلذلك نصبت الفعل، ولو جعلت «ظلّ» للرجل رفعت الوجه والمسود، فقلت: ظل وجهه مسودّ وهو كظيم.   (1) انظر معانى القرآن 2/ 134 وفى ش: أتجزع بأن الخليط، وهو خطأ. (2) فى ش: لتستروا ظهوره، تصحيف. (3) فى ش الظهر، تحريف. (4) فى (ب) ولا يقال، وفى ش ولم تقل. [ ..... ] (5) فى (ا) يقول: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 وقوله «1» : أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ (18) . يريد الإناث، يَقُولُ: خصصتم الرَّحْمَن بالبنات، وأنتم هكذا إِذَا ولد لأحدكم بِنْت أصابه ما وصف، فأما قوله: «أومن» فكأنه قَالَ: ومن لا ينشأ «2» إلّا فِي الحلية وهو فِي الخصام غير مبين، يَقُولُ: لا يبلغ من الحجة ما يبلغ الرجل، وفى قراءة عبد الله: «أومن لا ينشّؤا إلّا فى الحلية» ، فإن شئت [169/ ب] جعلت «مَن» فِي موضع رفع «3» عَلَى الاستئناف، وإن شئت نصبتها «4» عَلَى إِضمار فعل يجعلون ونحوه، وإن رددتها عَلَى أول الكلام على قوله: «وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ» خفضتها [وإن شئت نصبتها] «5» ، وقرأ يَحْيَى بْن وثاب وأصحاب عَبْد اللَّه والحسن الْبَصْرِيّ: «يُنَشَّأُ» ، وقرأ عاصم وأهلُ الحجاز: يَنْشَأُ «6» فِي الحلية: وقوله: عِبادُ الرَّحْمنِ (19) . قرأها عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود وعلقمة، وأصحاب عَبْد اللَّه: «عباد الرَّحْمَن» ، وذكر [عنْ] «7» عُمَر (رحمه اللَّه) أَنَّهُ قرأها: «عند الرَّحْمَن» ، وكذلك عاصم، وأهل الحجاز» ، وكأنهم أخذوا «9» ذَلِكَ من قوله: «إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ» «10» ، وكل صواب. وقوله «11» : أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ (19) .   (1) فى ب، ش: ثم قال. (2) فى ش: ومن لا تنشأ. (3) فى ح: جعلتها فى موضع رفع. (4) فى ش: جعلتها. (5) التكملة من ب، ح، ش. (6) جاء فى الاتحاف (385) : واختلف فى «ينشأ» فحفص وحمزة والكسائي وخلف بضم الياء وفتح النون، وتشديد الشين مضارع نشأ. وعن الحسن: «يناشوا» بضم الياء والألف بعد النون، وتخفيف الشين مبنيا للمفعول، والباقون بفتح الياء وسكون النون وتخفيف الشين من نشأ لازم مبنى للفاعل. (7) سقط (عن) فى ح، ش. (8) جاء فى البحر المحيط (8/ 10) : قرأ عمر بن الخطاب والحسن ونافع (عند الرحمن) ظرفا، وقرأ عبد الله وابن عباس وابن جبير وباقى السبعة (عباد الرحمن) ، جمع عبد لقوله: (بل عباد مكرمون) . وقرأ الأعمش: وعباد الرحمن جمعا وبالنصب حكاها ابن خالويه. (9) فى ح، ش: اتخذوا. (10) الأعراف الآية: 206. (11) سقط فى ب، ح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 نصب الألف من «أشهدوا» عاصم، والأعمش، ورفعها أهل الحجاز عَلَى تأويل: أُشْهدوا خلقهم لأنه لم يسم فاعله، والمعنى واحد. قرءوا بغير همز يريدون الاستفهام «1» قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه: كذا قَالَ الفراء. وقوله: بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ (22) . قرأها القراء بضم الأَلِفِ من «أُمّة» ، وكسرها مجاهد، وعمر بْن عَبْد العزيز «2» ، وكأن الإمّة مثل السنة والملة، وكأن الإمّة الطريقة: والمصدر من أممت القوم، فإن العرب تَقُولُ: ما أحسن إمته وعمّته وجِلْسته إِذَا كَانَ مصدرًا، والإمة أيضا الملك والنعيم. قَالَ عدي: ثُمَّ بعد الفلاح والملك والإمّة ... وارثهم هناك القبورُ «3» فكأنه أراد إمامة الملك ونعيمه. وقوله: وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) ومُقْتَدُونَ (23) . رُفعتا ولو كانتا نصبا لجاز ذَلِكَ لأنّ الوقوف يحسن دونهما، فتقول للرجل: قدمت ونحن بالأثر متبعين ومتبعون. وقوله: إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) . العرب تَقُولُ: نَحْنُ منك البراء والخلا، والواحد والاثنان والجميع من المؤنث والمذكر يُقال فِيهِ: براء لأنه مصدر، ولو قال: (برىء) لقيل فِي الاثنين: بريئان، وفي القوم: بريئون وبرءاء، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «إنَّني برى مِمَّا تَعْبُدُون» «4» ولو قرأها قارئ كَانَ صوابا موافقا لقراءتنا «5» لأن العرب تكتب: يستهزىء يستهزأ فيجعلون الهمزة مكتوبة بالألف فِي كل حالاتها. يكتبون شيء شيأ ومثله كَثِير في مصاحف عبد الله، وفى مصحفنا: ويهيىء لكم، ويهيأ بالألف.   (1) جاء فى المحتسب 2/ 254: أشهدوا بغير استفهام قراءة الزهري. وانظر بقية كلامه هناك. (2) قرأ الجمهور «أمة» بضم الهمزة وقرأ عمر بن عبد العزيز ومجاهد وقتادة والجحدري بكسر الهمزة وهى. الطريقة الحسنة لغة فى الأمة بالضم، قاله الجوهري. وقرأ ابن عباس أمة بفتح الهمزة أي على قصد وحال (البحر المحيط 8/ 11) . [ ..... ] (3) انظر الأغانى 2/ 97 واللسان 12/ 23 مادة أمم. (4) برىء بكسر الراء بعدها ياء فهمزة لغة نجد، ويثنى ويجمع، ويؤنث، والجمهور: إننى براء (الإتحاف 385) ، وهى لغة العالية (البحر المحيط 8- 11) . (5) فى ب، ح، ش ولو قرأها قارئ لكان موافقا لقراءتنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 وقوله: [170/ 1] وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ (28) . اسم الْإِسْلَام، يَقُولُ لازمة لمن اتبعه، وكان من وَلَدِه، لعل أهل مكَّة يتبعون هَذَا الدين إِذَا كانوا من ولد إِبْرَاهِيم صَلَّى الله عليه، فذلك قوله: «لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» إلى دينك ودين إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّهُ عليهما. وقوله: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) . ومعناه: عَلَى أحد رجلين عنَى نفسه، وأبا مَسْعُود الثقفي، وقال هَذَا الوليدُ بْن المغيرة المخزومي، والقريتان: مكَّة والطائف. وقوله: وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ (32) . فرفعنا المولى فوق عبده، وجعلنا بعضهم يسبي بعضا، فيكون العبد والذي يُسْبَى مسخَّرين لمن فوقهما. وقوله: لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا (32) ، و «سخريّا» وهما واحد هاهنا وفي: «قَدْ أَفْلَحَ» «1» ، وفي ص- سواء «2» الكسر فيهن والضم لغتان «3» . وقوله: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً (33) . أن فِي موضع رفع. وقوله لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ (33) . إن شئت جعلت اللام مكررة فِي لبيوتهم، كما قال: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ» «4» ، وإن شئت جعلت اللامين مختلفتين كأنّ الثانية فِي معنى عَلَى كأنه قَالَ: لجعلنا لهم عَلَى بيوتهم سقفًا، وتقول للرجل فِي وجهه: جعلت لَكَ لقومك الأعطية، أي جعلته من أجلك لهم.   (1) فى قوله تعالى: «فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا» الآية 110. (2) فى قوله تعالى: «أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ» الآية 63. (3) قرأ الجمهور «سخريا» بضم السين، وعمرو بن ميمون، وابن محيصن، وابن أبى ليلى، وأبو رجاء، وابن عامر بكسرها (البحر المحيط 8/ 13) . (4) سورة البقرة الآية 217. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 و (السُّقُف) قرأها عاصم والأعمش والحسن «سُقُفًا» وإن شئت جعلت واحدها سقيفة، وإن شئت جعلت سقوفا، فتكون «1» جمع الجمع كما قَالَ الشَّاعِر: حَتَّى إِذَا بلت حلاقيم الحُلُق «2» ... أهوى لأدْنى فقرة عَلَى شفق ومثله قراءة من قَرَأَ «كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ» «3» ، وهو جمع «4» ، وواحده ثمار، وكقول من قَرَأَ: «فَرُهُنٌ «5» مَقْبوضَة» «6» واحدها رهان ورهون. وقرأ مجاهد وبعض أهل الحجاز «سَقْفًا» كالواحد مخفف لأن السَّقف مذهب الجماع «7» . وقوله: وَزُخْرُفاً (35) . وهو الذهب، وجاء فِي التفسير نجعلها لهم من فضة ومن زخرف، فإذا ألقيت من الزخرف نصبته عَلَى الفعل توقعه عَلَيْهِ أي وزخرفا، تجعل ذَلِكَ لهم مِنْهُ، وقال آخرون: ونجعل لهم مَعَ ذَلِكَ ذهبا وغنى مقصور «8» فهو أشبه «9» الوجهين بالصواب. وقوله: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ (36) . يريد: ومن يعرض عَنْهُ، ومن قرأها: «ومن يَعْشَ عنْ» يريد «10» : يَعْمَ عَنْهُ. وقوله: وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ (37) . يريد الشيطان وهو فى [170/ ب] مذهب جمع، وإن كَانَ قَدْ لفظ بِهِ واحدا يَقُولُ: وإن الشياطين ليصدونهم عَنِ السبيل ويحسبون هم «11» أنهم مهتدون.   (1) فى ب، ش: فيكون. (2) فى ش: الخلق. (3) سورة الأنعام آية 141. (4) قرأ من ثمرة. بضم الثاء والميم حمزة والكسائي وخلف (الإتحاف 216) . (5) قرأ ابن كثير وأبو عمرو بضم الراء والهاء من غير ألف جمع (الإتحاف 167) . (6) سورة البقرة 283. (7) فى ب، ش: يذهب مذهب الجماع. [ ..... ] (8) سقط فى ب، ح لفظ (مقصور) . (9) فى ب، ش: وهو. (10) جاء فى تفسير الطبري ح 25، ص 39: وقد تأوله بعضهم بمعنى: ومن يعم، ومن تأول ذلك كذلك فيجب أن تكون قراءته «ومن يعش» بفتح الشين، (وهى قراءة يحيى بن سلام البصري كما فى البحر المحيط 8/ 16) . (11) رسمت فى ش: يحسبونهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 وقوله: حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ «1» (38) . فيقال: (جاءنا) لأحدهما، وجاءنا الإنسي وقرينه، فقرأها جاءانا بالتثنية عاصم والسُّلَمي والحسن وقرأها أصحاب عبد الله يحيى بن وثاب وإبراهيم بن يزيد النخعي (جاءنا) على التوحيد «2» ، وهو ما «3» يكفي واحده من اثنيه، ومثله قراءة من قرأ (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ «4» ، يقول: ينبذ هو وماله، (ولَيُنْبَذَنَّ) والمعنى واحد. وقوله: يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ (38) . يريد: ما بين مشرق الشتاء ومشرق الصيف، ويقال: إنه أراد المشرق والمغرب «5» : فقال المشرقين، وهو أشبه الوجهين بالصواب لأن العرب قد تجمع الاسمين على تسمية أشهرهما، فيقال: قد جاءك الزهدمان، وإنما أحدهما زهدم «6» ، قال «7» الشاعر: أخذنا بآفاق السماء عليكمُ ... لنا قمراها والنجوم الطوالع» يريد: الشمس والقمر «9» . وقال الآخر: قسموا البلاد فما بها لمقيلهم ... تضغيث مفتصل يباع فصيله «10» فقرى العراق مسير يوم واحد ... فالبصرتان فواسط تكميله يريد: البصرة والكوفة.   (1) لم يثبت فى ح، ش (بعد المشرقين) . (2) جاء فى الاتحاف 386: واختلف فى «جاءنا» فنافع وابن كثير وابن عامر وأبو بكر وأبو جعفر بألف بعد الهمزة على التثنية، وهما العاشى وقرينه، وافقهم ابن محيصن، والباقون بغير ألف والضمير يعود على لفظ من وهو العاشى. (3) فى ب، ح مما. (4) سورة الهمزة الآية 4، وجاء فى تفسير الطبري 30/ 163: وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ: «كلا لينبذان فى الحطمة» ، يعنى هذا الهمزة اللمزة وما له فثناه لذلك. (5) سقط فى ب. (6) الزهدمان: أخوان من بنى عبس، قال ابن الكلبي: هما زهدم وقيس ابنا حزن ابن وهب بن عوير ... وهما اللذان أدركا حاجب بن زرارة يوم جبلة ليأسراء فغلبهما عليه مالك ذو الرقيبة القشيري ... وهناك معان أخرى لهما (انظر اللسان مادة زهدم) . (7) فى ب، ش وقال. (8) البيت للفرزدق انظر الكامل 1/ 143، وتفسير القرطبي 16/ 91. (9) ساقط فى ش: يريد الشمس والقمر. (10) البيت الثاني ساقط فى ش والمفتصل: الذي يفتصل المولود، أي يفطمه. [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 قال، وأنشدنى رجل من طيىء: فبصرة الأزد منا، والعراق لنا ... والموصلان ومنا مصر فالحرم يريد: الجزيرة، والموصل. وقوله: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (39) . يقول: لن ينفعكم اشتراككم يعني [الشيطان] «1» وقرينه. وأنكم في موضع رفع. وقوله: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ (44) . لَشَرف لك ولقومك، يعني: القرآن والدين، وسوف تسألون عن الشكر عليه. وقوله «2» : وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ (45) . يقول القائل: وكيف أمر أن يسأل «3» رسلا قد مضوا؟ ففيه وجهان: أحدهما: أن يسأل أهل التوراة والإنجيل، فإنهم إنما يخبرونه عن كتب الرسل التي جاءوا بها، فإذا [سأل] «4» الكتب فكأنه سأل الأنبياء «5» . وقال «6» بعضهم: إنه سيسرى بك يا محمد فتلقى الأنبياء فسلهم عن ذلك، فلم يشكك صلى الله عليه ولم يسلهم «7» . وقوله [171/ ا] : أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) . قال: (يُعبدَون) للآلهة، ولم يقل: تعبد «8» ولا يُعْبَدن، وذلك أن الآلهة تُكلَّم ويدعى لها وتعظَّم، فأُجريت مُجرى الملوك والأمراء وما أشبههم.   (1) زيادة من ب، ح، ش. (2) سقط فى ب، ش. (3) فى ب يسل، تحريف. (4) سقط فى ح، ش. (5) فى البحر المحيط 8/ 18 قال الفراء: هم إنما يخبرونه عن كتب الرسل فإذا سألهم فكأنه سأل الرسل. (6) فى (ا) وقد بعضهم وهو خطأ (7) فى ش ولم يسألهم. (8) فى (ا) يعبد، تحريف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 وقوله: وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها (48) . يريد: من الآية التي مضت قبلها. وقوله: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ (52) . من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله، وإن شئت رددته على قوله: «أَلَيْسَ لى ملك مصر» (51) . [حدثنا محمد قال] «1» حدثنا الفراء قال: وقد أخبرني بعض المشيخة أظنه الكسائي: أنه بلغه أن بعض القراء قرأ: «أَمَا أنا خير» ، وقال لي هذا الشيخ: لو حفظت الأثر فيه لقرأت به، وهو جيد في المعنى «2» . وقوله: فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أساورة من ذهب (53) . يريد: فهلا ألقي عليه أساورة من ذهب «3» ، قرأها يحيى بن وثاب «أساورة من ذهب» «4» ، وأهل المدينة، وذكر عَنِ الحسن: (أَسْوِرَةٌ) «5» ، وكل صواب. ومن قرأ: «أساورة» ، جعل واحدها إسوارا، ومن قرأ: «أَسْوِرَةٌ» فواحدها سوار، وقد تكون الأساورة جمع أسورة كما يقال في جمع: الأسقية: أساقي «6» ، وفي جمع الأَكرُع: أكارع «7» . وقوله: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ (54) يريد: استفزهم. وقوله: فَلَمَّا آسَفُونا (55) يريد: أغضبونا.   (1) زيادة فى ب. (2) قال الطبري فى تفسيره (ح 25/ 44) تعليقا على هذه القراءة: ولو كانت هذه القراءة قراءة مستفيضة فى قراءة الأمصار لكانت صحيحة، وك معناها حسنا غير أنها خلاف ما عليه قراء الأمصار فلا أستجيز القراءة بها. (3) سقط فى ح، ش: من ذهب. (4) سقط فى ا، ح، ش: من ذهب. (5) قال فى الإتحاف ص: 386: واختلف فى أسورة، فحفص ويعقوب بسكون السين بلا ألف جمع سوار كأخمرة وخمار، وافقهما الحسن وهو جمع قلة، وعن المطرعى بفتح السين وألف ورفع الراء من غير تاء. والباقون كذلك لكن بفتح الراء وبتاء التأنيث على جعل جمع الجمع كأسقية وأساقى، أو جمع أساور بمعنى سوار والأصل أساوير عوض عن الياء تاء التأنيث كزنادقة. (6) فى ب: الأساقى: [ ..... ] (7) فى ب: الأكارع. وواحد الأكرع كراع. وهو من الإنسان: ما دون الركية من مقدم الساق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 وقوله: فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً (56) . [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «1» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي القاسم بن مَعْن عَن الْأَعْمَش عَن يَحْيَى بْن وثاب أَنَّهُ قرأها: (سُلُفا) مضمومة مثقلة، وزعم القاسم [ابن معن] «2» أَنَّهُ سَمِعَ واحدها سليف، والعوام بعد يقرءون: (سلف) «3» . [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ] «4» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عيينة أن الأعرج قرأها: (فجعلناهم سُلُفا) كأن واحدته سُلفة من النَّاس أي قطعة من النَّاس مثل أمّة «5» . وقوله مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) . [حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «6» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر بْن عياش عنْ عاصم: أَنَّهُ ترك يَصُدون من قراءة أَبِي عَبْد الرَّحْمَن، وقرأ يصِدون. (قَالَ الْفَرَّاءُ) «7» ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنِي عَاصِمٌ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ أَبِي يحيى: أن ابن عباس [171/ ب] قرأ: (يصدون) أي: يضجون يَعِجِّونَ «8» . وفي حديث آخر: أن ابْنُ عَبَّاس لقي ابْنُ أخي عُبَيْد بْن عمير «9» فَقَالَ: ان ابن عمك «10» لعربى   (1) ما بين المعقوفتين زيادة فى ش. (2) الزيادة من ب، ح، ش. (3) جاء فى تفسير الطبري 8/ 23. قرأ الجمهور «سلفا» .. وقرأ أبو عبد الله وأصحابه وآخرون منهم حمزة والكسائي: «سلفا» جمع سليف وهو الفريق. (4) ما بين الحاصرتين زيادة من ح، ش. (5) قريب من هذا جاء فى تفسير الطبري. 8/ 23 (6) ما بين الحاصرتين زيادة فى ب. (7) سقط (قال الفراء) فى ح، ش وفى ب: وقال وسمعت الفراء. (8) جاء فى تفسير الطبري: 25/ 46: اختلف الفراء فى قراءة قوله: يصدون، فقرأته عامة قراء المدينة وجماعة من قراء الكوفة «يصدون» بضم الصاد، وقرأ ذلك بعض قراء الكوفة والبصرة «يصدون» بكسر الصاد. (9) هو عبيد بن عمير بن قتادة أبو عاصم الليثي المكي العاص ذكر ثابت البناني أنه قص على عهد عمر رضى الله عنه، وردت عنه الرواية فى حروف القرآن، وروى عن عمر بن الخطاب، وأبى بن كعب، وروى عنه مجاهد وعطاء وعمرو بن دينار. قال مسلم: ولد فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم، قال مجاهد: كنا نفخر على الناس بأربعة: بفقيهنا، وبقارئنا، وبقاضينا، ومؤذننا.. ففقيهنا: ابن عباس، وقارثنا عبد الله بن السائب، وقاضينا عبيد بن عمير، ومؤذننا أبو محذورة، مات سنة أربع وسبعين (طبقات القراء 1/ 496) . (10) فى ح، ش: أن عمك، سقط. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 فما لَهُ يلحن فِي قوله: (إِذَا قومك مِنْهُ يصُدون) إنَّما هِيَ يصِدون، العرب تَقُولُ: يصِد ويصُد «1» مثل: يشِد ويشُد، وينِم وينُم من النميم. يصدون مِنْهُ وعنه سواء. وقوله: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ (61) وفي قراءة أُبَيّ: «وَإِنَّهُ لذكر للساعة» ، وَقَدْ روى عَنِ ابْنِ عَبَّاس: «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ «2» لِلسَّاعَةِ» و (عِلْمٌ) جميعًا، وكلٌّ صواب متقارب فِي المعنى. وقوله: يَا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ «3» (68) . وهي في قراءة أهل المدينة: «يا عبادي» . بإثبات الياء، والكلام وقراءة العوام على حذف الياء. وقوله: وَأَكْوابٍ (71) . والكوب: المستدير الرأس الذي لا أذن له، قال عدي: خيرٌ لها إن خشيت حجرة ... من ربِّها زيدِ بن أيوبِ متكئا تصفق أبوابه ... يَسِقي عليه العبد بالكوب وقوله: تَشْتَهِي الأَنْفُس (71) ، وفي مصاحف «4» أهل المدينة: تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ» . وقوله: لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) فى العذاب. وفى قراءة عبد الله: (وهم فيها مبلسون) ، ذهب إلى جهنم، والمبلس: القانط اليائس من النجاة «6» . وقوله: وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) . جعلت (هم) هاهنا عمادًا، فنصب الظالمين، ومن جعلها اسمًا رفع، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: (ولكن كانُوا هم الظّالمون) .   (1) هما لغتان مثل يعرشون. وينمون (القرطبي 16/ 103) وانظر اللسان مادة صذد. (2) لعلم وهى أيضا قراءة أبى هريرة وقتادة ومالك بن دينار والضحاك أي أمارة (القرطبي 16/ 105) . (3) لم يثبت فى ب، ح، ش: (عليكم اليوم) . [ ..... ] (4) فى ح ش مصحف. (5) قرأ أهل المدينة وابن عامر وأهل الشام: تشتهيه، والباقون تشتهى: أي تشتهيه تقول: الذي ضربت زيد أي الذي ضربته زيد (القرطبي 16/ 114) . (6) والساكت من الحزن أو الخوف، والانكسار (اللسان) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 وقوله: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً (79) . يريد: أبرموا أمرًا ينجيهم من عذابنا عند أنفسهم، فإنا مبرمون معذبوهم. وقوله: وَقِيلِهِ يَا رَبِّ (88) . خفضها عاصم والسلمي وحمزة وبعض أصحاب عبد الله، ونصبها أهل المدينة والحسن فيما أعلم «1» فمن خفضها قال: «عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ» وعلم «قيله يا رب» . ومن نصبها أضمر معها قولا، كأنه قال: وقال قوله، وشكا شكواه إلى ربه وهى فى إحدى القراءتين [172/ ا] . قال الفراء «2» : «3» لا أعلمها إلا في قراءة أبي، لأني رأيتها في بعض مصاحف عبد الله [على] «4» وقيله، ونصبها أيضًا يجوز «5» من قوله: «نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ» ، ونسمع قيله، ولو قال قائل: وقيلُه رفعا كان جائزا، كما تقول: ونداؤه هذه الكلمة: يا رب، ثم قال: «فَاصْفَحْ عَنْهُمْ» ، فوصله بدعائه كأنه من قوله وهو من أمر الله أمره أن يصفح، أمره بهذا قبل أن يؤمر بقتالهم. وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) . رفع سلام بضمير عليكم وما أشبهه، ولو كان: وقل سلامًا كان صوابًا، كما قال: «قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ» «6» .   (1) قرأها السلمى وابن وثاب والأعمش «وقيله» بالخفض، وخرج على أنه عطف على الساعة أو على أنها واو القسم، والجواب محذوف أي لينصرن أو لأفعلن بهم ما أشاء. وقرأ الأعرج وأبو قلابة ومجاهد والحسن وقتادة ومسلم بن جندب: «وقيله» بالرفع، وخرج على أنه معطوف على «عِلْمُ السَّاعَةِ» على حذف مضاف، أي: وعلم قيله حذف، وأقيم المضاف إليه مقامه. والزمخشري تعليق على هذا الرأى (انظر البحر المحيط 8/ 30) . (2) فى ب: وقال قال الفراء. (3) فى ح، ش «ولا» . (4) الزيادة من ب، ح، ش. (5) فى ب، ش يجوز أيضا. (6) سورة هود الآية 69. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 ومن سورة الدخان قوله عز وجل: يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) . أَمْراً (5) هو منصوب بقوله: يفرق، على معنى يفرق كل أمر فرقَا وأمرا «1» وكذلك. قوله: رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ (6) ، يفرق ذلك رحمة من ربك، ويجوز أن تنصب الرحمة بوقوع مرسلين عليها، تجعل الرحمة هى النبي صلّى الله عليه. وقوله: رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (7) . «2» خفضها الْأَعْمَش وأصحابه، ورفعها أهل المدينة، وَقَدْ «3» خفضها الْحَسَن أيضًا عَلَى أن تكون تابعة لربك رب السموات. ومن رفع «4» جعله تابعًا لقوله: «إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» ، ورفع أيضًا آخر «5» عَلَى الاستئناف كما قَالَ: «وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ» «6» . وقوله: تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ «7» هذا عَذابٌ (11) . كان النبي صلّى الله عليه دعا عليهم، فَقَالَ: اللهم أشدد وطأتك عَلَى مضمر، اللهم سنين كَسِنيِ يُوسف، فأصابهم جوعٌ، حتّى أكلوا العظام «8» والميتة، فكانوا يرون فيما بينهم وبين السماء دخانا.   (1) فى نصب «أمرا» أوجه: أحدها: هو مفعول منذرين، كقوله: لينذر بأسا شديدا. والثاني: هو مفعول له، العامل فيه: أنزلناه، أو منذرين، أو يفرق. والثالث: هو حال من الضمير فى حكيم، أو من أمر لأنه قد وصف (ثم انظر العكبري فى إعراب القرآن 2/ 120) (2، 3) ساقط فى ح. (4) عاصم وحمزة والكسائي يخفضونها بدلا من ربك، أو صفة، وافقهم ابن محيصن والحسن. والباقون بالرفع على إضمار مبتدأ أي هو رب، أو مبتدأ خبره: لا إله إلا هو (الإتحاف 388) . (5) فى ش ورفع آخر أيضا. (6) سورة النبأ آية 37. [ ..... ] (7) لم يثبت (يغشى الناس) فى غير الأصل. (8) فى (ج) الطعام وهو تحريف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 وقوله: يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (11) . يراد بِهِ ذَلِكَ عذاب، وَيُقَال: إن النَّاس كانوا يقولون: هَذَا الدخان عذاب. وقوله: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (15) . يُقال: عائدون إلى شرككم، وَيُقَال: عائدون إلى عذاب الآخرة. وقوله: يَوْمَ نَبْطِشُ (16) . يعنى: يوم بدر، وهى البطشة الكبرى. [172/ ب] وقوله: رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) . أي عَلَى ربه كريم «1» ، ويكون كريم من قومه «2» لأنَّه قَالَ «3» : ما بعث نبي إلا وهو فِي شرف «4» قومه. وقوله: أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ (18) . يَقُولُ: ادفعوهم إليَّ، أرسلوهم معي، وهو قوله: «فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ» . ويقال: أن أدّوا إلىّ يا عباد اللَّه، والمسألة الأولى نصب فيها العباد بأدوا. وقوله: أَنْ تَرْجُمُونِ (20) . الرجم هاهنا: القتل وقوله: وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) . يَقُولُ: فاتركون لا عليّ، ولا لي وقوله: فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ «5» قَوْمٌ (22) . تفتح (أنَّ) ، ولو أضمرت القول فكسرتها لكان صوابا.   (1) سقط فى ح، ش. (2) فى ب من قوله (3) فى ح: قل. (4) فى ب: سرا والسرا بفتح السين: الشرف، والفعل ككرم ودعا. (5) فى ب: قومى، والقراءة (قوم) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 وقوله: وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً (24) . يَقُولُ: ساكنًا، قَالَ: وأنشدني أَبُو ثروان: كأنما أهلُ حجر ينظرون مَتى ... يَرَونَني خارجًا طير تَنَادِيد «1» طيرٌ رأَتْ بازيًا نَضْخُ «2» الدماء بِهِ ... أَوْ أمةٌ «3» خرجَتْ رهوًا «4» إلى عيد وقوله: وَمَقامٍ كَرِيمٍ (26) . يقال: منازل حسنة، ويقال: المنابر. [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «5» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي أبو شعيب عن منصور ابن المعتمر عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير في قوله: «فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ» (29) قال: يبكي على المؤمن من الأرض مصلَاه، ويبكي عليه من السماء مصعد عمله. قال الفراء: وكذلك ذكره حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس «6» . وقوله: مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (30) وفي حرف عبد الله: «مِنْ عَذَابِ المُهين» «7» . وهذا مما أضيف إلى نفسه لاختلاف الاسمين مثل قوله: وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ «8» مثل قوله: «9» «وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «وَذَلِكَ الدينُ القَيِّمة» «10» .   (1) فى هامش ب متفرقة. وانظر اللسان ح 3/ 42. (2) فى ح، ش: نضح بالحاء المهملة، والنضخ: الأثر. (3) فى ش: وأمة، وهو تحريف. (4) فى هامش (ا) رهوا، أي على سكون، وفى هامش ب: رهوا ساكنة على رسل. (5) زيادة فى ش. (6) في ح، ش: عن عباس، سقط. (7) جاء فى البحر المحيط 8/ 37: وقرأ عبد الله: «من عذاب المهين» ، وهو من إضافة الموصوف إلى صفته، كبقلة الحمقاء. [ ..... ] (8) سورة يوسف الآية 109. (9) فى ح، ومثل له: «ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» . وفى ش: ومثل قوله: «ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» سورة البينة الآية 5. (10) جاء فى تفسير الطبري: وأضيف الدين إلى القيمة، والدين هو القيم، وهو من نعته لاختلاف لفظيهما، وهى فى قراءة عبد الله فيما أرى فيما ذكر لنا: وذلك الدين القيمة. فأنث القيمة، لأنه جعل صفة للملة كأنه قيل: وذلك الملة القيمة هون اليهودية والنصرانية ح 30/ 145. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 وقوله: وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (33) . يريد: نعم مبينّة، منها: أن أنجاهم من آل فرعون، وظللهم بالغمام، وأنزل عليهم المنَّ والسلوى، وهو كما تَقُولُ للرجل: إن بلائي عندك لحسن، وَقَدْ قيل فيهما: إن البلاء عذاب، وكلٌّ صواب. وقوله: فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (36) . يخاطبون النبي- صلى الله عليه- وحده، وهو كقوله: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ» «1» فِي كَثِير من كلام العرب، أن تجمع العرب فعل الواحد، مِنْهُ قول اللَّه عزَّ وجل: «قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ» «2» . وقوله: إِلَّا بِالْحَقِّ (39) . يريد: للحق. وقوله: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) . يريد: الأولين والآخرين، ولو نصب (ميقاتهم) لكان صوابًا يجعل «3» اليوم صفة، قَالَ: أنشدني بعضهم: لو كنت أعلم أنّ آخر عهدكم «4» ... يوم الرحيل فعلت «5» ما لم أفعل فنصب: يوم الرحيل، عَلَى أَنَّهُ صفة «6» . وقوله: إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ (42) . فإن المؤمنين يشفّع بعضهم فِي بعض، فإِن شئت فاجعل- من- فِي موضع رفع، كأنك قلت: لا يقوم أحد إلا فلان، وإن شئت جعلته نصبًا عَلَى الاستثناء والانقطاع عنْ أول الكلام تريد: اللهم إلَّا من رحمت.   (1) سورة الطلاق الآية: 1 (2) سورة المؤمنون الآية: 99. (3) فى ب: فجعل. (4) فى ش عهدهم. (5) سقط (فعلت) فى ش. (6) فى ش فصه، وهو خطأ من الناسخ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 وقوله: طَعامُ الْأَثِيمِ (44) . يريد: الفاجر. وقوله: كَالْمُهْلِ تَغْلِي (45) قرأها كَثِير من أصحاب عَبْد اللَّه: «تغلى» ، وَقَدْ ذُكرت عنْ عَبْد اللَّه، وقرأها أهل المدينة كذلك، وقرأها الْحَسَن «يَغْلِي» «1» . جعلها للطعام أَوْ للمهل، ومن أنثها ذهب إلى تأنيث الشجرة. ومثله قوله: «أَمَنَةً نُعاساً» «2» تغشى ويغشى فالتذكير للنعاس، والتأنيث للأمَنَة، ومثله: «أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ تُمْنَى» «3» التأنيث للنطفة، والتذكير من المنى. وقوله: فَاعْتِلُوهُ (47) . قرأها بالكسر عاصم والأعمش، وقرأها أهل المدينة: «فَاعْتِلُوهُ» . بضم التاء «4» . وقوله: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) . قرأها القراء بكسر الألف حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا «5» الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ عَنْ حُجْرٍ «6» عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «7» عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: «ذُقْ إِنَّكَ» بِفَتْحِ الْأَلِفِ «8» . وَالْمَعْنَى فِي فَتْحِهَا: ذُقْ بِهَذَا الْقَوْلِ الَّذِي قُلْتَهُ فِي الدُّنْيَا، وَمَنْ كَسَرَ حَكَى قوله، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ لقى النبي- صلّى الله عليه- قال: فأخذه النبي صلّى الله عليه فَهَزَّهُ، ثُمَّ قَالَ [لَهُ] «9» : أَوْلَى لَكَ يَا أَبَا جَهْلٍ أَوْلَى «10» فَأَنْزَلَهَا «11» اللَّهُ كَمَا قَالَهَا النبي صلّى الله   (1) جاء فى الاتحاف (388) : واختلف فى «تغلى» . فابن كثير وحفص ورويس بالياء على التذكير، وفاعله يعود إلى الطعام، والباقون بالتأنيث، والضمير للشجرة. (2) سورة آل عمران الآية: 154. (3) سورة القيامة الآية 37. (4) قال الأزهرى: وهما لغتان فصيحتان. (5) الزيادة من ب. [ ..... ] (6) سقط فى ح، وفى ش: حدثنى شيخ حجر. (7) فى ب سمعت الحسن بن على رحمهما الله. (8) جاء فى الاتحاف 389: واختلف فى «ذق أنك» . فالكسائى بفتح الهمزة على العلة، أي لأنك. وافقه الحسن، والباقون بكسرها على الاستئناف المفيد للعلة فيتحدان، أو محكى بالقول المقدر، أي: اعتلوه، وقولوا له: كيت وكيت. (9) زيادة من ب. (10) سقط فى ج، ش. (11) فى ب فأنزل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 عليه. ورد عليه أبو جهل، فقال: [و] «1» الله مَا تَقْدِرُ أَنْتَ وَلَا رَبُّكَ عَلَيَّ، إِنِّي لَأَكْرَمُ أَهْلِ الْوَادِي عَلَى قَوْمِهِ، وَأَعَزُّهُمْ فَنَزَلَتْ كَمَا قَالَهَا قَالَ: فَمَعْنَاهُ- فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ أعلم-: انه توبيخ أي [173/ ب] ذُقْ فَإِنَّكَ كَرِيمٌ كَمَا زَعَمْتُ. وَلَسْتَ كَذَلِكَ. وقوله: فِي مَقامٍ أَمِينٍ (51) . قرأها الْحَسَن والْأَعْمَش وعاصم: (مَقامٍ) ، وقرأها أهل المدينة (فِي مُقام) بضم الميم «2» . والمَقام بفتح الميم أجود فى العربية لأن المكان، والمُقام: الإقامة وكلٌّ صواب. وقوله: وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) وفي قراءة عَبْد اللَّه: «وَأَمْدَدْناهُمْ بِعِيسٍ عين» ، والعيساء: البيضاء. والحوراء كذلك. وقوله: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى (56) . يَقُولُ القائل: كيف استثنى موتًا فِي الدنيا قَدْ مضى من موت فِي الآخرة، فهذا مثل قوله: «وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ» «3» . فإلا فِي هَذَا الموضع بمنزلة سوى، كأنه قَالَ: لا تنكحوا، لا تفعلوا سوى ما قَدْ فعل آباؤكم، كذلك قوله: «لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ» . سوى الموتة الأولى، ومثله: «خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شاءَ رَبُّكَ» «4» «5» أي سوى ما شاء ربك «6» لهم من الزيادة عَلَى مقدار الدنيا من الخلود. وأنت قائل فِي الكلام: لَكَ عندي ألفٌ إلَّا ما لَك من قِبَل فلان، ومعناه: سوى مالك عليّ من قِبَل فلان، وإلا تكون عَلَى أنها حطٌّ مما قبلها وزيادة عليها فما ذكرناه لَكَ من هَذِهِ الآيات فهو زيادة عَلَى ما قبل إلا، والحط مما قبلَ إلا قولُك: هَؤُلَاءِ ألفٌ إلَّا مائةً «7» فمعنى هَذِهِ ألف ينقصون مائة. وقوله: وَوَقاهُمْ «8» عَذابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا (57) . أي فعله تفضلا مِنْهُ، وهو ممَّا لو جاء رفعا لكان صوابًا أي: ذلك فضل من ربك.   (1) كذا فى ح، ش، وفى ا، ب. الله بنصب لفظ الجلالة. (2) جاء فى البحر المحيط 8/ 40: وقرأ عبد الله بن عمر، وزيد بن على، وأبو جعفر، وشيبة، والأعرج، والحسن، وقتادة، ونافع، وابن عامر «فى مقام» بضم الميم. وأبو رجاء وعيسى ويحيى والأعمش وباقى السبعة بفتحها. (3) سورة النساء الآية 22. (4) سورة هود الآية 107. (5، 6) ساقط فى ش. (7) فى (ا) : هو ألف إلا مائة، وما أثبتناه من ب، ح، ش، وهو أبين. (8) في ش: «وقاهم» ، والقراءة: «ووقاهم» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 ومن سورة الجاثية قوله عزَّ وجلَّ: وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ (4) . يَقُولُ: فِي خَلَقَ الآدميين وسواهم من كل ذي روح «1» آيات. تقرأ: الآيات بالخفض عَلَى تأويل النصب. يرد عَلَى قوله: «إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ» . ويقوّى الخفض فيها «2» أنها فِي قراءة عَبْد اللَّه: (لآيات) . وفي قراءة أُبي: لآيات لآياتٍ لآيَاتٍ «3» ثلاثهن. والرفع قراءة النَّاس عَلَى الاستئناف فيما بعد أن، والعرب تَقُولُ: إن لي عليك مالًا، وعلى أخيك مال كَثِير. فينصبون الثَّاني ويرفعونه. وفي قراءة عَبْد اللَّه: «وفي اختلافِ اللّيل والنهارِ» . فهذا يقوي خفض الاختلاف، ولو رفعه رافع فَقَالَ: واختلاف الليل والنهار آيَاتٌ أيضًا يجعل الاختلاف آياتٍ، ولم نسمعه من أحد من القراء قَالَ: ولو رفع رافع الآيات، وفيها اللام كَانَ صوابًا. قَالَ: أنشدني الكِسَائِيّ: إنّ الخلافة بعدهم لذميمة ... وخلائف طرف لمما أحقر «4» فجاء باللام، وإنما هِيَ جواب لأنّ، وَقد رفع لأن الكلام مبني عَلَى تأويل إنّ. وقوله: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا (14) . معناه فِي الأصل حكاية بمنزلة الأمر، كقولك: قل للذين آمنوا اغفروا فإذا ظهر الأمر مصرحًا فهو مجزوم لأنَّه أمر، وإذا كَانَ عَلَى الخبر مثل قوله: «قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا» ، «وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا «5» ) و «قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ «6» » ، فهذا مجزوم بالتشبيه بالجزاء والشرط   (1) فى ب: من كل ذى زوج أو روح، وفى ش: من كل ذوى روح. [ ..... ] (2) في ب: ويقوى الخفض أنها. (3) الثالثة فى قوله بعد آية (وفى خلقكم) : (واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض من بعد موتها وتصريف الرياح آيات) . (4) فى (ا) أخفر. (5) سورة الإسراء الآية 53. (6) سورة إبراهيم الآية 31. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 كأنه قولك: قم «1» تصب خيرًا، وليس كذلك «2» ، ولكن العرب إِذَا خرج الكلام فِي مثال غيره وهو مقارب لَهُ عرّبوه بتعريبه، فهذا من ذلك، وَقَدْ ذكرناه فِي غير موضع، ونزلت قوله: «قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ» فِي المشركين قبل أن يؤمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتال أهل مكَّة. وقوله: لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) قرأها يَحيى بْن وثاب: لنجزى بالنون «3» ، وقرأها النَّاس بعد «لِيَجْزِيَ قَوْماً» » بالياء وهما سواء بمنزلة قوله: «وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ» «5» ، «وَقَدْ خلقناك من قبل» «6» وَقَدْ قَرَأَ بعض القراء فيما ذُكر لي: ليُجزَى قَوْمًا، وهو فِي الظاهر لحن، فإن كَانَ أضمر فِي «يجزي» فعلا يقع بِهِ الرفع كما تَقُولُ: أُعطِيَ ثوبا ليُجزى ذَلِكَ الجزاء قوما فهو وجه. وقوله: عَلى شَرِيعَةٍ (18) . عَلَى دين وملة ومنْهاج كل ذَلِكَ يقال «7» . وقوله: وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) . ترفع اللَّه، وهو وجه الإعراب إِذَا جاء الاسم بعد إنَّ، وخبر فارفعه كَانَ معه فعل أَوْ لم يكن. فأما الَّذِي لا فعل معه فقوله: «أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ» «8» وأمّا الَّذِي معه فعل فقوله جل وعز: «وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ» «9» .   (1) فى (ا) ثم، والتصويب عن ب، ح، ش. (2) في (ب) كذاك. (3) جاء فى الإتحاف 390: واختلف فى «لنجزى قوما» فنافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب بالياء مبقيا للفاعل، أي: ليجزى الله، وافقهم اليزيدي والحسن والأعمش. وقرأ أبو جعفر بالياء المضمومة، وفتح الزاى مبنيا للمفعول مع نصب قوما. والباقون بنون العظمة مفتوحة مبنيا للفاعل. (4) لم يثبت فى ح، ش: (ليجزى قوما) . (5) سورة مريم الآية 9. (6) وهى قراءة حمزة والكسائي بنون مفتوحة، وألف على لفظ الجمع، وافقهم الأعمش. والباقون بالتاء المضمومة بلا ألف على التوحيد (الإتحاف 298 وانظر النشر 2/ 317) . (7) انظر اللسان مادة شرع. (8) سورة التوبة الآية 3. (9) سورة الجاثية الآية 19. [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 وقوله: وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها (32) ترفع الساعة وهو وجه الكلام، وإن نصبتها فصواب، قَرَأَ بذلك حمزة الزيات «1» ، وفي قراءة عَبْد اللَّه: «وَإذَا قِيلَ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حقُّ وإن السَّاعةَ لا رَيْبَ فيها» «2» ، فقد عرفت الوجهين، وفسّرا «3» فى غير هذا الموضع. وقوله: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ (21) الاجتراح: الاقتراف، والاكتساب. وقوله: سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ «4» 21) تنصب سواء، وترفعه، والمحيا والممات فِي موضع رفع بمنزلة قوله: رَأَيْت القومَ سواء صغارهم وكبارهم [174/ ب] ، تنصب سواء لأنك تجعله فعلا لما عاد عَلَى النَّاس من ذكرهم، وما عاد عَلَى القوم وجميع الأسماء بذكرهم، وَقَدْ تقدم فعله، فاجعل الفعل معربًا بالاسم الأول. تَقُولُ: مررت بقوم سواء صغارهم وكبارهم «5» ، ورأيت قوما سواء صغارهم وكبارهم «6» . وكذلك الرفع- وربما جعلت العرب: (سواءً) فِي مذهب اسم بمنزلة حسبك، فيقولون: رَأَيْت قوما سواء صغارهم وكبارهم، فيكون كقولك: مررت برجل حسبك أخوه «7» ولو جعلت مكان سواء مستوٍ لم ترفع، ولكن تجعله متبعا لما قبله، مخالفا لسواء لأن مستويا من صفة القوم، ولأن سواء- كالمصدر، والمصدر اسم. ولو نصبت: المحيا والممات- كَانَ وجها تريد أن تجعلهم سواء فِي محياهم ومماتهم. وَقوله: وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً (23) .   (1) جاء فى إعراب القرآن العكبري (2/ 122) قوله تعالى: «وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها» يقرأ بالرفع على الابتداء وما بعده الخبر، وقيل: هو معطوف على موضع إن، وما عملت فيه، ويقرأ بالنصب عطفا على اسم إن. (2) انظر المصاحف للسجستانى ص: 70. (3) فى ش وفسر. (4) لم يثبت فى ب: (ومماتهم) . (5، 6) سقط فى ح. (7) فى ب، ح، ش: حسبك أبوه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 قرأها «1» يَحيى بْن وَثاب (غَشْوَة) «2» بفتح الغين، وَلا يلحق «3» فيها ألفا، وَقرأها النَّاس (غِشاوَة) «4» ، كأن غشاوَة «5» اسم، وَكأن غشوة «6» شيء غشيها فِي وَقعة واحدة، مثل: الرجفة، وَالرحمة، وَالمرَّة. وقوله: نَمُوتُ وَنَحْيا (24) . يَقُولُ القائل: كيف قَالَ: نموت ونحيا، وهم مكذبون «7» بالبعث؟ فإنما أراد نموت، ويأتي بعدنا أبناؤنا، فجعل فعل أبنائهم كفعلهم، وهو فِي العربية كَثِير. وقوله: وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ (24) . يقولون: إلّا طول الدهر، ومرور الأيام والليالي والشهور والسنين. وفي قراءة عَبْد اللَّه: «وما يُهْلِكُنا إلّا دَهْرٌ» ، كأنه: إلّا دهر يمر. وقوله: وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً 28. يريد: «8» كلّ أهل دين جاثية يَقُولُ: «9» مجتمعة للحساب، ثُمَّ قَالَ: «كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا» (28) . يَقُولُ إلى حسابها، وهو من قول اللَّه: «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ» «10» و «بشماله» «11» . وقوله: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) . الاستنساخ «12» : أن الملكين يرفعان عمل الرجل صغيرهِ وكبيره، فيثبت الله من عمله ما كان   (1) فى (ا) وقرأها. (2) فى ب عسوة بفتح العين، وهو تصحيف. (3) فى ب ولم يلحق. (4) جاء فى الاتحاف 390: واختلف فى «غشاوة» ، فحمزة والكسائي وخلف بفتح الغين وسكون الشين بلا ألف، وافقهم الأعمش، وعنه أيضا كسر الغين، والباقون بكسر الغين وفتح الشين وألف بعدها لغتان. (5) سقط فى ح: كأن غشاوة. (6) فى ب عشوة، تصحيف. (7) فى ب يكذبون. (8، 9) ساقط فى ح. [ ..... ] (10) سورة الانشقاق الآية 7، وسورة الحاقة الآية 19. (11) سورة الحاقة الآية 25. (12) فى ا، ح، ش: والاستنساخ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 لَهُ ثواب أَوْ عقاب، ويطرحَ مِنْهُ اللغو الَّذِي لا ثواب فِيهِ ولا عقاب، كقولك: هلُمَّ، وتعال، واذهب، فذلك الاستنساخ. وقوله: وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ (31) . أضمر القول فيقال: أفلم، ومثله: «فَأَمَّا «1» الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ» «2» معناه، فيقال: أكفرتم، والله أعلم. وذلك أنّ أما لا بد لها من أن تجاب بالفاء، ولكنها سقطت لما سقط الفعل الَّذِي أضمر. وقوله «3» : وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ (34) . نترككم فِي النار كما نسيتم لقاء يومكم هَذَا، يَقُولُ: كما تركتم العمل للقاء يومكم هَذَا. وقوله: فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) . يَقُولُ: لا يراجعون الكلام بعد دخولهم النار. [175/ ا] ومن سورة الأحقاف قوله عزَّ وجلَّ: أَرَأَيْتُمْ «4» مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، ثم قال: أَرُونِي ماذا خَلَقُوا (4) ولم يقل: خلقت، ولا خلقن لأنَّه إنَّما أراد الأصنام، فجعل فعلهم كفعل النَّاس وأشباههم لأن الأصنام تُكلّم وتُعبد وتعتاد «5» وتعظم كما تعظم «6» الأمراء وأشباههم، فذهب بها إلى مثل النَّاس. وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْد اللَّه [بْن مَسْعُود] «7» : مَن تعبدون من دون اللَّه، فجعلها (مَن) ، فهذا تصريح بشبه النَّاس فِي الفعل وفي الاسم. وفي قراءة عَبْد اللَّه «8» : أريتكم، وعامة ما فِي قراءته من قول اللَّه أريت،   (1) وردت فى ب، ح، ش «وأمّا» ، تحريف. (2) سورة آل عمران الآية 106. (3) سقط فى ب: «وقوله» . (4) فى ش: أريتم. (5) سقط فى ش: وتعتاد. (6) سقط فى ح: كما تعظم. (7) الزيادة من ب. (8) فى ب: عند الله، هو تصحيف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 وأريتم فهي «1» فِي قراءة عَبْد اللَّه بالكاف، حَتَّى إن فِي قراءته: «أرَيتْك الَّذِي يُكذِّب بالدين» » . وقوله: أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ (4) . قرأها العوامّ: «أثارة» ، وقرأها بعضهم قَالَ: قَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن «3» فيما أعلم «4» و «أثْرةً» «5» خفيفة. وَقَدْ ذكر عنْ بعض القراء «أثَره» «6» . والمعنى فيهن كلهن: بقية من علم، أَوْ شيء مأثور من كتب الأولين. فمن قَرَأَ «أثارة» فهو كالمصدر مثل قولك «7» : السماحة، والشجاعة. ومن قَرَأَ «أثَرة» فإنه بناه عَلَى الأثر، كما قيل: قَتَرة «8» . ومن قَرَأَ «أَثْرة» كأن أراد «9» مثل قوله: «إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ» «10» ، والرّجفة. وقوله: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ (5) . عنى «11» ب (من) الأصنام، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «ما لا يستجيب لَهُ» ، فهذا مما ذكرت لَكَ فِي: من، وما. وقوله: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ (9) . يَقُولُ: لم أكن أول من بُعث، قَدْ بعث قبلى أنبياء كثير «12» . وقوله: وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ (9) . نزلت فِي أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وذلك أنهم شكوا إِلَيْه ما يلقون من أهل مكة قبل أن يؤمر   (1) فى ا، ب وهى والتصحيح من ش. (2) سورة الماعون الآية 1. (3) فى ش قال: قرأها أبو عبد الرحمن، وفى ب وقرأها بعضهم قال: ولا أعلمه إلا أبا عبد الرحمن. [ ..... ] (4) ضرب على: فيما أعلم فى ب. (5) فى ش أثرة. (6) فى (ا) أثرة بسكون الثاء فى الأولى والثانية، تحريف. (7) فى اقوله. (8) القترة: الغبرة. (9) فى ب، ش فكأنه أراد. (10) سورة الصافات: 10. (11) فى (ب) يعنى. (12) (ب) كثيرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 بقتالهم، فقال النبي صلّى الله عليه: إني قَدْ رَأَيْت فِي منامي أني أهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء، فاستبشَروا بذلك، ثُمَّ إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك فقالوا للنبى صلّى الله عليه: ما نرى تأويل ما قلت، وَقَدِ اشتد علينا الأذى؟ فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ: «قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ» أَخرُج إلى الموضع الَّذِي أُريته فِي منامي أم لا؟ ثُمَّ قَالَ لهم: إنَّما هُوَ شيء أُريته فِي منامي، وما أتبع إلا ما يوحى إليَّ. يَقُولُ: لم يوح إليَّ ما أخبرتكم بِهِ، ولو كَانَ وحيا لم يقل صلّى الله عليه: «وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ» . وقوله: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ (10) . شهد رَجُل من اليهود عَلَى مثل ما شهد عليه عبد الله بن سلام [175/ ب] من التصديق «1» بالنبي صلى الله عليه وأنَّه موصوف فِي التوراة، فآمن ذَلِكَ الرجل واستكبرتم. وقوله: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ (11) . لمّا أسلمت: مزينة، وجهينة، وأسلم، وغفَار، قالت بنو عامر بن صعصعة وغطفانُ، وأشجع وأسد: لو كان هذا خيرا ما سبقنا إليه رعاة الْبَهْمِ. «2» ، فهذا تأويل قوله: «لَوْ كانَ خَيْراً مَا سَبَقُونا إِلَيْهِ» . وقوله: وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا (12) . وفي قراءة عَبْد اللَّه: مصدق لما بين يديه لسانا عربيا، فنَصْبُه فِي قراءتنا عَلَى تأويل قراءة عَبْد اللَّه، أي هَذَا القرآن يصدق التوراة عربيًا مبينًا، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه يكون [نصبًا] «3» من مصدق. عَلَى ما فسرت لَكَ، ويكون قطعا من الهاء فى بين يديه. وقوله عز وجل: لتنذر الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (12) . البشرى: تكون رفعا ونصبًا، الرفع عَلَى: وهذا كتاب مصدق وبشرى، والنصب عَلَى «4» لتنذر الَّذِينَ ظلموا وتبشر، فإذا أسقطت تبشر، ووضعت فِي موضعه بشرى أو بشارة نصبت،   (1) في ب، ح، ش للتصديق، وعبارة الأصول أقوم. (2) فى (ا) ما سبقونا إليه رعاة إليهم، وإليهم تحريف، وفى ش ما سبقونا إليه رعاة البهم، والتصويب عن ب والبهم: أولاد الضأن والمعز والبقر، جمع بهمة بفتح وسكون. (3) زيادة من ب، ح، وفى ش يكون منصوبا. (4) سقط فى (ا) لفظ على. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 ومثله فِي الكلام: أعوذ بالله منك، وسقيا لفلان، كأنه قَالَ: وسقي اللَّه فلانًا، وجئت لأكرمك وزيارة لَكَ وقضاء لحقك، معناه: لأزورك وأقضي حقك، فنصبت الزيارة والقضاء بفعل مضمر. وقوله: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً (15) . قرأها أهل الكوفة بالألف، وكذلك هِيَ فِي مصاحفهم، وأهل المدينة وأهل البصرة يقرءون: (حُسْنًا) «1» وكذلك هِيَ فِي مصاحفهم، ومعناهما واحد والله أعلم. وقوله: حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً (15) . وفي قراءة عَبْد اللَّه: حتّى إِذَا استوى وبلغ أشده «2» وبلغ أربعين سنة، والمعنى فِيهِ، كالمعنى فِي قراءتنا لأنَّه جائز فِي العربية أن تقول: لمَّا ولد لَكَ وأدركت مدرك الرجال عققت وفعلت، والإدراك قبل الولادة، وَيُقَال: إن الأشدها هنا هُوَ الأربعون «3» . وسمعت بعض المشيخة يذكر بإسناد لَهُ فِي الأشد: ثلاث وثلاثون، وفي الاستواء: أربعون. وسمعت أن الأشد فِي غير هذا الموضع: ثمانى عشرة. والأول أشبه بالصواب لأن الأربعين أقرب فِي النسق إلى ثلاث وثلاثين ومنها إلى ثماني عشرة ألا ترى أنك تَقُولُ: أخذت عامة المال أَوْ كلَّه، فيكون أحسن من أن تَقُولُ: أخذت «4» أقلّ المال أَوْ كلّه. ومثله قوله: «إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ» «5» ، فبعض ذا قريب من بعض، فهذا سبيل كلام العرب [176/ ا] ، والثاني يعنى ثمانى عشرة، [و] «6» لو ضم إلى الأربعين كَانَ وجها. وقوله: أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ (15) . نزلت هَذِهِ الآية: فِي أَبِي بَكْر الصديق رحمه الله.   (1) جاء فى الاتحاف (391) : واختلف فى حسنا، فعاصم وحمزة والكسائي وخلف: إحسانا، وافقهم الأعمش، والباقون بضم الحاء وسكون السين بلا همز ولا ألف (وانظر الطبري 26/ 10) . [ ..... ] (2) بلغ الرجل أشده إذا اكتهل (ابن سيده) ونقله اللسان. (3) وقال الزجاج هو من نحو سبع عشرة إلى الأربعين، وقال مرة هو ما بين الثلاثين والأربعين (اللسان: شدد) . (4) فى ش أخذ. (5) سورة المزمل الآية 20. (6) فى ب: لو، سقط. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 [حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «1» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِ حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَنَزِيُّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس قال: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى قوله: «أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ «2» » إِلَى آخِرِ الآيَةِ «3» . وقرأ يَحيى بْن وثاب، وذُكرت عنْ بعض أصحاب عَبْد اللَّه: «نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ» بالنون. وقراءة «4» العوام: «يُتقبل «5» عَنْهُمْ أحسن ما عملوا ويُتجاوز عنْ سيئاتهم» بالياء وضمها «6» ، ولو قرئت «تُتَقَبَّلُ عَنْهُمْ [أحسن ما عملوا] «7» وتُتجاوز» كان صوابا. وقوله: وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي «8» (16) . كقولك: وعدا صدقا، أضيف إلى نفسه، وما كَانَ من مصدر فِي معنى حقا فهو نصب معرفة كَانَ أَوْ نكرة، مثل قوله فِي يونس: «وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا» «9» . وقوله: وَالَّذِي «10» قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما (17) . ذُكِرَ أَنَّهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر قَالَ هَذَا القول قبل أن يسلم: (أُفٍّ لكما) قذرا لكما «11» أتعدانني أن أخرج من القبر؟ واجتمعت القراء عَلَى (أخرج) بضم الألف لم يسم فاعله، وَلَوْ قرئت: أن أَخْرُجَ بفتح الألف كَانَ صوابًا. وقوله: وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ (17) .   (1) الزيادة من ب. (2) لم تثبت (أحسن) سقط فى ح، ش. (3) فى ب: أولئك الذين نتقبل عنهم. إلى آخر الآية: أحسن. (4) فى ب: وقرأه. (5، 6) لم يثبت فى ح. (7) التكملة من ب، ش. (8) لم يثبت (الذي) فى غير ب. (9) سورة يونس آية 4. (10) لم يثبت (الذي) فى ا. [ ..... ] (11) الأف: الوسخ الذي حول الظفر، وقيل: الأفّ وسخ الأذن، يقال ذلك عند استقذار الشيء، ثم استعمل ذلك عند كل شىء يضجر منه، ويتأذى به (اللسان: أفف) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 ويقولان: «وَيْلَكَ آمِنْ» . القول مضمر يعنى: أبابكر رحمه اللَّه وامرأته. وقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ «1» حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ (18) . لم تنزل فى عبد الرحمن بْن أَبِي بَكْر، ولكن عَبْد الرَّحْمَن قَالَ: ابعثوا [لي] «2» جُدْعان بْن عَمْرو، وعثمان بْن عَمْرو- وهما من أجداده- حَتَّى أسألهما «3» عما يقول محمد صلّى الله عليه- أحق أم باطل؟ فأنزل اللَّه: «أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ» . يعنى: جدعان، وعثمان. وقوله: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ (20) قرأها الْأَعْمَش وعاصم ونافع الْمَدَنِيّ بغير استفهام، وقرأها الحسن وأبو جعفر المدني بالاستفهام: «أَذْهَبْتُمْ» «4» ، والعرب تستفهم «5» «6» بالتوبيخ ولا تستفهم «7» فيقولون: ذَهَبْتَ ففعلت وفعلت «8» ، ويقولون: أذَهَبْتَ ففعلت وفعلت، وكلٌّ صواب «9» . وقوله: إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ (21) . أحقاف الرمل، واحدها: حِقفٌ، والحِقفُ: الرملة المستطيلة المرتفعة إلى فوق. وقوله: وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ (21) . قبله «10» ومن خلفه من بعده، وهى [176/ ب] فِي قراءة عَبْد اللَّه «من بين يديه ومن بعده» . وقوله: فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ (24) .   (1) سقط لم يثبت فى (ا) . (2) كذا فى (ا، ب) وفى ح، ش إلىّ. (3) فى ب أسلهما، تحريف. (4) فى ش أذهبتم، سقط. (5) فى ش تستفتح، تحريف. (6، 7) ساقط فى ح. (8) سقطت فى ش: (وفعلت) . (9) قرأ بالاستفهام الساقط أداته نافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي (الاتحاف 392) وقرأ قتادة ومجاهد وابن وثاب وأبو جعفر والأعرج وابن كثير بهمزة بعدها مدة مطولة، وابن عامر بهمزتين حققهما ابن ذكوان، وليّن الثانية هشام وابن كثير في رواية. (البحر المحيط 8/ 63) . (10) كذا فى النسخ والأرجح أنها محرفة عن: (قوله) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 طمعوا أن يكون سحابَ مطرٍ، فقالوا: هَذَا الَّذِي وعدْتَنا، هَذَا والله الغيث والخير، قَالَ اللَّه قل لهم: بل هُوَ ما استعجلتم بِهِ من العذاب. وفي قراءة عَبْد اللَّه: قل [بل] «1» ما استعجلتم بِهِ هِيَ ريح فيها عذاب أليم. وهو، وَهي «2» فِي هَذَا الموضع بمنزلة قوله: «مِنْ مَنى تُمْنَى» وَ «يُمْنى» «3» . من قَالَ: «هُوَ» . ذهب إلى العذاب، ومَن قَالَ: «هِيَ» ذهب إلى الريح. وقوله: فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ (25) . قرأها الْأَعْمَش وَعاصم وَحمزة «لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ» «4» . قَالَ الفراء: وقرأها عليّ بْن أَبِي طالب، رحمه الله. [حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «5» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخُرَسَانِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: «لا تَرَى إلا مساكنهم» . [حدثنا محمد قال] «6» حدثنا «7» الفراء قال و «8» حدثنى الكسائي عنْ قطر بْن خليفة عنْ مجاهد أَنَّهُ قَرَأَ: «فأصبحوا لا تَرَى إلا مساكنهم» . قَالَ: وَقرأ الحسنُ: «فأصبحوا لا تُرى إلا مساكنُهم» وفيه قبح فِي العربية لان العرب إِذَا جعلت فِعل المؤنث قبل إِلا ذَكَّروه، فقالوا: لم يقم إلا جاريُتَك، وما قام إِلا جاريتك، ولا يكادون يقولون: ما قامت إِلا جاريتك، وذلك أن المتروك أحد، فأحد إِذَا كانت لمؤنث أَوْ مذكر ففعلهما مذكر. ألا ترى أنك تَقُولُ: إن قام أحد منهن فاضرِبه، وَلا تقل: إن قامت إلا مستكرهَا، وَهو عَلَى ذَلِكَ جائز. قَالَ أنشدني المفضل: ونارنا لم تر نارا مِثْلُها ... قَدْ عِلِمت ذاكَ معدً أكرما «9» فأنث فعل (مثل) لأنه للنار، وأجود الكلام أن تقول: مارئى إلا مثلها.   (1) سقط في ح، ش. (2) فى ب، ح، ش: وهى وهو. (3) سورة القيامة الآية 37. (4) قرأ عاصم وحمزة ويعقوب وخلف بياء من تحت مضمومة بالبناء للمفعول، مساكنهم بالرفع نائب فاعل، وافقهم الأعمش، وعن الحسن بضم التاء من فوق مبنيا للمفعول مساكنهم بالرفع، وعن المطوعى يرى كعاصم مسكنهم بالتوحيد والرفع. والباقون بفتح التاء، مساكنهم بالنصب مفعولا به. [ ..... ] (5، 6) الزيادة من ب. (7، 8) ساقط فى ح، ش. (9) انظر ابن عقيل 2/ 107. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 وقوله: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ (26) . يقول: فى الذي لم نمكنكم فيه، و (إن) . بمنزلة ما فِي الجحد. وقوله: وَحاقَ بِهِمْ (26) . وهو فِي كلام العرب: عَادَ عليهم، وَجاء فِي التفسير: أحاط بهم، ونزل بهم «1» . وقوله: وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (28) . ويقرأ أَفَكُهُم، وأَفَكَهُم. «2» . فأمّا الإفك والَأفك فبمنزلة قولك: الحِذرُ وَالحذَر، والنِّجْس وَالنَّجَس. وأمَّا من قَالَ: أَفكَهُم فإنه يجعل الهاء وَالميم فِي موضع نصب يَقُولُ: ذَلِكَ صرفهم عَنِ الْإِيمَان «3» وكذبهم، كما قَالَ عزَّ وجلَّ: «يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ» «4» أي: يصرف عَنْهُ مَن صُرِف. وقوله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ «5» بِقادِرٍ (33) . دخلت الباء للم، والعرب تدخلها مَعَ الجحود إِذَا كانت رافعة لما قبلها، وَيدخلونها إِذَا وقع عليها فعل يحتاج «6» إلى اسمين مثل قولك: ما أظنك بقائم، وما أظن أنك بقائم [177/ ا] وَما كنت بقائم، فإذا خلَّفْتَ «7» الباء نصبت الَّذِي كانت فِيهِ «8» بما يعمل «9» فِيهِ من الفعل، ولو ألقيت الباء من قادر فِي هَذَا الموضع رفعه لأنه خبر لأن. قَالَ «10» وأنشدنى بعضهم:   (1) نقل اللسان عن الفراء فى قوله عز وجل: «وَحاقَ بِهِمْ» : فى كلام العرب: عاد عليهم ما استهزءوا به. (2) قرأ الجمهور: إفكهم، وابن عباس فى رواية بفتح الهمزة، وقرأ ابن عباس أيضا، وابن الزبير وأبو عياض وعكرمة ومجاهد أفكهم بثلاث فتحات أي صرفهم. وأبو عياض وعكرمة أيضا كذلك إلا أنهما شددا الفاء للتكثير. وابن الزبير أيضا، وابن عباس فيما ذكر ابن خالويه آفكهم أي جعلهم يأفكون (البحر المحيط 8/ 66) . (3) فى ح، ش عن الإسلام (4) سورة الذاريات: 9. (5) «وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ» لم يثبت فى جميع النسخ، والتصويب من المصحف. (6) فى ش محتاج. (7) هكذا وردت فى (ب) ، وفى (ا) جعلت، وفى ح أخلعت وفى ش خلعت. (8) سقط فى ش. (9) فى ب مما يعمل. (10) لم تثبت فى ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 فما رَجعت بخائبةٍ رِكابٌ ... حكيمُ بنُ المسيِّب مُنتهاها «1» فأدخل الباء فِي فعلٍ لو ألقيت مِنْهُ نصب بالفعل لا بالباء يقاس عَلَى هَذَا وَما أشبهه. وَقَدْ ذكر عنْ بعض القراء أنه قرأ: (يقدر) «2» مكان (بقادر) : كما قَرَأَ حمزة: «وَما أنتَ تهدي العمى» «3» . وَقراءة العوام: «بِهادِي الْعُمْيِ» . وقوله: أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ (34) . فِيهِ قول مضمر يُقال: أليس هَذَا بالحق بلاغٌ، أي: هَذَا بلاغ رفع بالاستئناف. ومن سورة محمّد صلّى الله عليه وسلم قوله عز وجل: فَضَرْبَ الرِّقابِ (4) . نصب عَلَى الأمر، وَالذي نصب بِهِ مضمر، وَكذلك كل أمر أظهرتَ فِيهِ الأسماء، وَتركت الأفعال فانصب فِيهِ الأسماء، وَذكر: أَنَّهُ أدبٌ من الله وتعليم للمؤمنين للقتال «4» . وقوله: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ «5» وَإِمَّا فِداءً (4) . مَنْصُوب «6» أيضًا عَلَى فعل مضمر، فإمّا أن تمنُّوا، وَإما أن تفدوا «7» فالمن: أن تترك الأسير بغير فداء، وَالفداء: أن يفديَ «8» المأسورُ نفسه. وقوله: حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها (4) . آثامها «9» وَشركها حَتَّى لا يبقى إِلّا مُسْلِم، أَوْ مسالم. وَالهاء التي فِي أوزارها تكون للحرب   (1) انظر مغنى اللبيب 1: 94. [ ..... ] (2) قرأ يعقوب: يقدر بياء مثناة تحت مفتوحة، وإسكان القاف بلا ألف (الاتحاف 392) . (3) سورة النمل الآية 81 وسورة الروم 53 وانظر الاتحاف 339. (4) فى ب، ج، ش القتال. (5) فى ح: مناو إما، سقط. (6) فى ش فمنصوب. (7، 8) سقط فى ح. (9) فى (ا) أثاما وفى (ش) أثامها وكل تحريف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 وَأنت تعني: أوزار أهلها، وَتكون لأهل الشرك خاصةً، كقولك: حَتَّى تنفي الحرب أوزار المشركين. وقوله: ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ (4) بملائكة غيركم، وَيُقَال: بغير قتال، ولكن ليبلو بعضكم ببعض، المؤمن بالكافر، والكافر بالمؤمن. وقوله: والذين قَاتَلُوا فِي سبيل اللهِ (4) قرأها الْأَعْمَش وعاصم وزيد بن ثابت «1» [حدثنا محمد] «2» حدثنا الفراء قال: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ [عَطَاءٍ عَنْ أَبِي] «3» عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: قَاتَلُوا «4» ، وَقَرَأَهَا الْحَسَنُ: قُتِّلُوا «5» مُشَدَّدَةً، وَقَدْ خَفَّفَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: قُتِلُوا مُخَفَّفٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ «6» صَوَابٌ. وقوله: وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (6) يعرفون منازلهم إِذَا دخلوها، حَتَّى يكون أحدهم أعرف بمنزلة فِي الجنة مِنْهُ بمنزله إِذَا رجع من الجمعة. وقوله: فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (8) كأنه قَالَ: فأتعسهم اللَّه وأضل أعمالهم لأنّ الدعاء قَدْ يجري مجرى الأمر والنهي، ألا ترى أنّ أضل فعل، وأنها مردودة عَلَى التعس، وهو اسم لأن فيه معنى أتعسهم، وكذلك قوله: «حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا» مردودة [177/ ب] على أمر مضمر ناصب لضرب «7» الرقاب.   (1) قرأ الجمهور قاتلوا بفتح القاف والتاء بغير ألف، وقتادة والأعرج والأعمش وأبو عمرو وحفص: قتلوا مبنيا للمفعول، والتاء خفيفة، وزيد بن ثابت والحسن وأبو رجاء وعيسى والجحدري أيضا كذلك (البحر المحيط 8/ 75) . وعن الحسن بفتح القاف وتشديد التاء بلا ألف (قتّلوا) الاتحاف 393. (2) الزيادة من ب. (3) كذا فى ب وفى (ح) عن عطاء عن عبد الرحمن، وفى (ش) عن عطاء بن أبى عبد الرحمن. (4) لم يثبت فى ش: (قاتلوا) . (5) فى ح، ش: والذين قتّلوا. (6) لم يثبت فى ح، ش: ذلك. (7) فى ش بضرب، تحريف. [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 وقوله: كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ (9) كرهوا القرآن وسخطوه. وقوله: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (10) يَقُولُ: لأهل مكَّة أمثال ما أصاب قوم لوط وعاد وثمود «1» وعيدٌ من الله. وقوله: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا (11) يريد: وَلِيّ الَّذِينَ آمنوا، وكذلك هِيَ فِي قراءة عَبْد اللَّه «ذَلِكَ بأن اللَّه ولِيّ الَّذِينَ آمنوا» وهي مثل التي «2» فِي المائدة فى قراءتنا: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» «3» ، ومعناهما واحد، والله أعلم. وقوله: وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (12) . ترفع النار بالمثوى، ولو نصبت المثوى، ورفعت النار باللام التي فِي (لهم) كَانَ وجها. وقوله: مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ (13) . يريد: التي أخرجك أهلها إلى المدينة، ولو كَانَ من قريتك التي أخرجوك كَانَ وجها، كما قال: «فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ «4» » ، فَقَالَ: (قائلون) ، وفي أول الكلمة: (فجاءها) . وقوله: فَلا ناصِرَ لَهُمْ (13) . جاء فِي التفسير: فلم يكن لهم ناصر حين أهلكناهم، فهذا وجه، وَقَدْ يجوز إضمار كَانَ، وإن كنت قَدْ نصبت الناصر بالتبرية، ويكون: أهلكناهم فلا ناصر لهم الآن من عذاب اللَّه. وقوله: أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (14) ولم يقل: واتبع هواه، وذلك أنّ من تكون فِي معنى واحد وجميع، فرُدّت أهواؤهم عَلَى المعنى، ومثله: «وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ» «5» ، وفي موضع آخر: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ» «6» ، وَفِي موضع آخر: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ» «7» .   (1) فى ب وعادا وثمودا. (2) فى (ا) وهى التي (3) لم يثبت في ح، ش: (ورسوله) ، والآية فى سورة المائدة: 55، وكرر فى قراءة عبد الله السابقة، ولم تثبت فى ب، ح، ش. (4) سورة الأعراف: 4. (5) سورة الأنبياء الآية 82. (6) سورة الأنعام الآية 25. (7) سورة يونس الآية 42. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 وقوله: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ (15) . [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ:] «1» حدثنا الفراء قال: أخبرني حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاس قَالَ: مثل «2» الجنة، أمثال الجنة، صفات الجنة. قَالَ ابْنُ عباس: وكذلك قرأها عليّ بْن أَبِي طَالِب: أمثال. وقوله: مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ (15) . غير متغير، غير آجن. وقوله: وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ (15) لم يخرج من ضروع الإبل ولا الغنم برغوته. وقوله «3» : وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (15) . اللذة مخفوضة، وهي الخمر بعينها، وإن شئت جعلتها تابعة للَأنهار، وأنهارٌ لذةٌ، وإن شئت نصبتها عَلَى يتلذذ بها لذة، كما تَقُولُ: هَذَا لَكَ هبةً وشبهه، ثُمَّ قَالَ: «كَمَنْ هُوَ خالِدٌ» لم يقل: أمن كَانَ فِي هَذَا كَمَن هُوَ خَالِد فِي النار؟ ولكنه فِيهِ ذلك المعنى فَبُني عَلَيْهِ. وقوله: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ (16) . يعنى خطبتك فى الجمعة [178/ ا] فلا يستمعون ولا يعون [حَتَّى] «4» إِذَا انصرفوا، وخرج النَّاس قَالُوا للمسلمين: مَاذَا قَالَ آنِفًا، يعنون النبي صلّى الله عليه استهزاءً منهم. قَالَ اللَّه عزَّ وجلَّ: «أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ» «5» .   (1) الزيادة من ح، ش. (2) جاء فى اللسان مادة مثل: قال ابن سيده: وقوله عز من قائل «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ» قال الليث: مثلها هو الخبر عنها وقال أبو اسحق: معناه صفة الجنة، وردّ ذلك أبو على قال: لأن المثل الصفة غير معروف في كلام العرب، إنما معناه التمثيل ... وقال المبرد فى المقتضب فى قوله: «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ» التقدير: فيما يتلى عليكم مثل الجنة ثم فيها وفيها: قال: ومن قال إن معناه صفة الجنة فقد أخطأ لأن (مثل) لا يوضع فى موضع صفة. وانظر المقتضب 3/ 225. (3) سقط فى ب. (4) زيادة من ب، وش تستقيم بها العبارة. (5) سورة النحل 108 ومحمد 16. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 وقوله وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً (17) . زادهم «1» استهزاؤهم هدى، وآتاهم اللَّه تقواهم، يُقال: أثابهم ثواب تقواهم، وَيُقَال: ألهمهم تقواهم، وَيُقَال: آتاهم تقواهم من المنسوخ إِذَا نزل الناسخ. وقوله: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها (18) . (أن) مفتوحة فى القراءة كلها. حدثنا الفراء قال: وحدثني أَبُو جَعْفَر الرؤاسي قَالَ: قلت لأبي عَمْرو بْن العلاء: ما هَذِهِ الفاء التي فى قوله: «فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها» ؟ قَالَ: جواب للجزاء. قَالَ: قلت: أَنْها (أَنْ تأتيهم) مفتوحة؟ قَالَ: فَقَالَ: مُعَاذِ اللَّه إنَّما هِيَ (إِنْ تَأْتِهِمْ) . قَالَ الفراء: فظننت أَنَّهُ أخذها عنْ أهل مكَّة لأنَّه عليهم قَرَأَ، وهي أيضًا فِي بعض مصاحف الكوفيين: تأتهم بسينة واحدة «2» ، ولم يقرأ بها «3» أحد منهم، وهو من المكرّر: هَلْ ينظرون إلا الساعة، هَلْ ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة. والدليل عَلَى ذَلِكَ أن التي فِي الزخرف فِي قراءة عَبْد اللَّه: «هَلْ يَنْظُرونَ إِلّا أنْ تَأْتيهم الساعةُ» «4» ومثله: «وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ» «5» لولا أن تطَئوهم فإن فِي موضع رفع عند الفتح، وأن فى الزخرف- وهاهنا نصب «6» مردودة عَلَى الساعة، والجزم جائز تجعل: هل ينظرون إلا الساعة مكتفيًا، ثُمَّ تبتدئ: إن تأتهم، وتجيئها بالفاء عَلَى الجزاء، «7» والجزم جائز «8» . وقوله: فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (18) . «ذكراهم» فِي موضع رفع بلهم، والمعنى: فإني «9» لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة؟ ومثله: «يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى» «10» أي: ليس ينفعه ذكره، ولا ندامته.   (1) كذا فى النسخ، وأراها تحريف (اهتداؤهم) . (2) كذا فى جميع النسخ وقد تكون بسنة. [ ..... ] (3) فى (ح) ولم يقرأها. (4) الزخرف الآية 66. (5) سورة الفتح الآية 25. (6) فى ب كتب فوق قوله هاهنا نصب: مردودة يعنى فى سورة محمد صلّى الله عليه. (7، 8) ساقط فى ح، ش. (9) فى ش: فأين. (10) سورة الفجر الآية 23. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 وقوله: فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ (20) . وفي قراءة عَبْد اللَّه: سُورةٌ مُحْدَثةٌ. كَانَ المسلمون إِذَا نزلت الآية فيها القتال. وذِكْره شق عليهم وتواقعوا أن تنسخ، فذلك قوله: «لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ «1» » (13) أي هلّا أنزلت سوى هَذِهِ، فإذا نزلت «2» وَقَدْ أُمروا فيها بالقتال كرهوها، قَالَ اللَّه: (فأولى لهم) لمن كرهها، ثُمَّ وصف قولهم قبل أن تنزَّل: سَمِعَ وطاعة، قَدْ يقولون: سَمِعَ وطاعة، فإذا نزل الأمر كرهوه «3» ، فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لكان خيرا لهم، فالطاعة مرفوعة فِي كلام العرب إِذَا قيل لهم: افعلوا كذا وكذا، فثقل عليهم أَوْ لم يثقل قالوا: سمع وطاعة. [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «4» : حدثنا الفراء قال: أخبرني حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاس قَالَ: قَالَ اللَّه عزَّ وجل: (فأولى) ثُمَّ قَالَ لَهُمْ للذِين آمنوا مِنْهم طَاعَةٌ وقول معروف، فصارت: فأولى وعيدًا لمن كرهها، واستأنف الطاعة بلهم، والأول عندنا كلام العرب، وقول الكلبي هَذَا غير مردود. وقوله: [178/ ب] فَهَلْ عَسَيْتُمْ (22) . قرأها العوام بنصب السين «5» ، وقرأها نافع الْمَدَنِيّ: فهل عَسِيتُم، بكسر السين «6» ، ولو كانت كذلك لقال: عَسى [فِي موضع عسى] . «7» ولعلها لغة نادرة، وربما اجترأت العرب عَلَى تغيير بعض اللغة إِذَا كَانَ الفعل لا يناله قَدْ. قَالُوا: لُسْتُم يُريدون «8» لستُمِ، ثُمَّ يقولون: لَيْسَ وَلَيْسُوا سواء، لأنَّه فعل لا يتصرف ليس لَهُ يفعل «9» وكذلك «10» عسى ليس لَهُ يفعل «11» فلعله اجترى عَلَيْهِ كما اجترى عَلَى لستم.   (1) فى جميع النسخ: لولا أنزلت، وهى فى المصحف، كما أثبتناها، ولم نعثر على قراءة فيها (أنزلت) . (2) فى ش: فإذا أنزلت. (3) فى (ا) فإذا نزلت الأمر كرهوها، والتصويب من ب، ح، ش. (4) الزيادة من ش. (5) انظر الاتحاف ص 394 وتفسير الطبري ح 6 ص 33. (6) وجّه أبو على الفارسي قراءة نافع: فهل عسيتم بكسر السين قال: لأنهم قد قالوا: هو عس بذلك، وما اعساه، وأعس به، فقوله: عس يقوى عسيتم، ألا ترى أن عس كحر وشج، وقد جاء فعل وفعل فى نحو: وترى الزند، وورى، فكذلك عسيتم وعسيتم. لسان العرب مادة عسى. (7) التكملة من ب، ح، ش. [ ..... ] (8) فى (ا) تريدون. (9) لم يثبت فى ح، ش: ليس له يفعل. (10، 11) من ب، ح، ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 وقوله: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ» ... إن توليتم أمور النَّاس أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ، وَتُقَطِّعُوا أرحامكم، وَيُقَال: ولعلكم «1» إن انصرفتم عنْ مُحَمَّد صَلَّى الله عليه، وتوليتم عَنْهُ أن تصيروا إلى أمركم الأول من قطيعة الرحم والكفر والفساد. وقوله: الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ (25) . زين لهم وأملي لهم اللَّه، وكذلك قرأها الْأَعْمَش وعاصم، وَذُكِرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُود وزيد بْن ثابت (رحمهم اللَّه) أنهم قرءوها كذلك بفتح الألف. وذُكر عنْ مجاهد أَنَّهُ قرأها: (وَأُمْلَى لهم) مرسلة الياء، يخبر اللَّه جل وعز عنْ نفسه، وقرأ بعض أهل المدينة: وأُملى لهم بنصب الياء وضم الألف، يجعله فعلا لم يسمّ فاعله، والمعنى متقارب «2» . وقوله: إِسْرارَهُمْ (26) . قرأها النَّاس: أَسرارهم: جمع سر، وقرأها يَحيى بْن وثاب وحده: إسرارهم بكسر الألف، واتبعه الأعمش وحمزة والكسائي «3» ، وهو مصدر، ومثله: «وَأَدْبارَ السُّجُودِ» «4» . وقوله: أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (29) يقول: أن لن يبدى الله عداوتهم وبغضهم لمحمد صلى الله عليه. وقوله: وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ (30) . يريد: لعرفناكهم، تقول «5» للرجل: قد أريتك كذا وكذا، ومعناه عرفتكه وعلمتكه، ومثله: «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ» ، فِي نحو القول، وفي معنى القول. وقوله: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ (35)   (1) فى ح، ش فلعلكم. (2) انظر الطبري 26- 34 والاتحاف 394 وفى البحر المحيط: 8/ 83: (3) انظر الطبري 26- 34 والاتحاف 394، وقد قرأ الجمهور بفتح الهمزة وابن وثاب وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي وحفص بكسرها، وهو مصدر قالوا ذلك سرا فيما بينهم، وأفشاه الله عليهم. (4) سورة ق الآية 40، وكرر فى ب، ش: وأدبار السجود. (5) فى ب، ش. وأنت تقول ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 كلاهما مجزومتان «1» بالنهى: لا تهنوا ولا تدعوا، وَقَدْ يكون منصوبًا عَلَى الصرف يَقُولُ: لا تدعوا إلى السلم، وهو الصلح، وأنتم الأعلون، أنتم الغالبون آخر الأمر لكم. وقوله: وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (35) . من وترت الرجل إِذَا قتلت «2» لَهُ قتيلًا، أَوْ أخذت «3» لَهُ مالًا فقد وترته. وجاء فِي الحديث: (من فاتته العصر فكأنما وتر أهله وماله «4» ) «5» قَالَ الفراء، وبعض الفقهاء يَقُولُ: أوتر، والصواب وتر «6» . وقوله: إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ (37) . أي يجهدكم تبخلوا ويخرج أضغانكم، ويخرج ذَلِكَ البخل «7» عداوتكم، ويكون يخرج الله أضغناكم. «8» أحفيت الرجل: أجهدته «9» . ومن سورة الفتح قوله: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) . كَانَ فتح وفيه قتال [قليل] «10» مراماة بالحجارة، فالفتح «11» قَدْ يكون صلحًا، ويكون أخذ الشيء عنوة، ويكون القتال إنما [179/ ا] أريد به يوم الحديبية.   (1) فى ب: كليهما مجزومان، وكليهما تحريف، وفى ش: كلاهما مجزومان. (2) فى ش: قلت، وهو تحريف. (3) فى ش: وأخذت. (4) الموطأ: 11، 12، وروايته: (الذي تفوته العصر، كأنما وتر أهله وماله) . (5، 6) زيادة فى ج، ش. (7) فى ش أضغانكم بعد كلمة البخل. [ ..... ] (8، 9) سقط فى ح، ش. (10) زيادة من ب، ح، ش. (11) فى ش: والفتح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 وقوله: دائِرَةُ السَّوْءِ (6) . مثل قولك: رجل السّوء، ودائرة السوء: العذاب، والسّوء أفشى فِي اللغة «1» وأكثر، وقلما تَقُولُ «2» العرب: دائرة السّوء. وقوله «3» : إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً (8) ثم قال: لِتُؤْمِنُوا (9) . ومعناه: ليؤمن بك من آمن، ولو قيل: ليؤمنوا لأن المؤمن غير المخاطَب، فيكون المعنى: إنا أرسلناك ليؤمنوا بك، والمعنى فى الأول يراد بِهِ مثل هَذَا، وإن كَانَ كالمخاطب لأنك تَقُولُ للقوم: قَدْ فعلتم وليسوا بفاعلين كلهم، أي فعلَ بعضكم، فهذا دليل عَلَى ذلك. وقوله: وَتُعَزِّرُوهُ (9) . تنصروه بالسيف كذلك ذكره عَنِ الكلبي. وقوله: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (10) بالوفاء والعهد «4» . وقوله: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ (11) . الَّذِينَ تخلفوا عَنِ الحديبية: شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا، وهم «5» أعراب: أسلم، وجهينة، ومزينة، وغِفَار- ظنوا أن لن ينقلب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه، فتخلفوا. وقوله: إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا (11) . ضم يَحيى بْن وثاب وحده الضاد، ونصبها عاصم، وأهل المدينة والحسن «ضَرًّا» «6» . وقوله: أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً «7» (12) وفى قراءة عهد اللَّه: «إلى أهلهم» بغير ياء، والأهل جمع وواحد.   (1) فى ب، ح، ش أفشى فى القراءة. (2) فى ش يقول. (3) سقط فى ش: وقوله. (4) فى ب، ش بالعهد. (5) فى ش: ومنهم. (6) اختلف فى «ضرا» ، فحمزة والكسائي وخلف بضم الضاد، وافقهم الأعمش، والباقون بفتحها، لغتان كالضّعف، والضّعف (الاتحاف 396) وانظر المصاحف للسجستانى: 71. (7) لم يثبت فى ح، ش: أبدا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 وقوله: وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (12) . [حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] : «1» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْبُورُ فِي لُغَةِ أَزْدِ عُمَانَ: الْفَاسِدُ، وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا، قَوْمًا فَاسِدِينَ، وَالْبُورُ فِي كَلامِ الْعَرَبِ: لا شَيْءَ «2» يُقَالُ «3» : أَصْبَحَتْ أَعْمَالُهُمْ بُورًا، وَمَسَاكِنُهُمْ قُبُورًا. وقوله عزَّ وجلَّ: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها (15) . يعني خيبر لأن الله فتحها عَلَى رسوله من فوره من الحديبية، فقالوا ذَلِكَ لرسول اللَّه: ذرنا نتبعك، قَالَ: نعم عَلَى ألّا يُسْهَم لكم، فإن «4» خرجتم عَلَى ذا فاخرجوا فقالوا للمسلمين: ما هَذَا لكم ما فعلتموه بنا إلا حسدا؟ قَالَ المسلمون: كذلكم قَالَ اللَّه لنا من قبل أن تقولوا. وقوله: يُرِيدُون أَنْ يُبِدَّلُوا كلِمَ اللَّهِ (15) . قرأها يَحيى (كَلِم) وحده، والقراء بعدُ (كَلامَ اللَّهِ) بألف «5» ، والكلام مصدرٌ، والكلمُ جمع الكلمة والمعنى فِي قوله: «يريدون أن يبدلوا كلم اللَّه» «6» : طمعوا أن يأذن لهم فيبدِّل كلام اللَّه، ثُمَّ قيل: إن كنتم إنَّما ترغبون فِي الغزو والجهاد لا فِي الغنائم، فستدعون غدا إلى أهل اليمامة إلى قوم أولى بأس شديد- بني حنيفة أتباع مسيلمة- هَذَا من تفسير الكلبي. وقوله: تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ (16) . وفي إحدى القراءتين: أَوْ يُسْلِموا. والمعنى: تقاتلونهم أبدًا حَتَّى يسلموا، وإلّا أن يسلموا تقاتلونهم، أو يكون [179/ ب] منهم الْإِسْلَام. وقوله: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ (17) فى ترك الغزو إلى آخر الآية.   (1) ما بين الحاصرتين زيادة فى ب. (2) جاء فى اللسان: بور: قال الفراء فى قوله: «وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً» قال: البور مصدر يكون واحدا وجمعا، يقال: أصبحت منازلهم بورًا، أي: لا شيء فيها، وكذلك أعمال الكفار تبطل. (3) سقط فى ش. (4) في ح، ش قال، تحريف. [ ..... ] (5) اختلف فى مد «كلام الله» فحمزة والكسائي وخلف بكسر اللام بلا ألف جمع كلمة اسم جنس، وافقهم الأعمش، والباقون بفتح اللام وألف بعدها على جعله اسما للجملة. الاتحاف: 396 وانظر البحر المحيط: 8/ 94 والمصاحف: 71. (6) فى ش: كلام الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 وقوله: تَحْتَ الشَّجَرَةِ (18) كانت سَمُرةً «1» . وقوله: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ (18) . كان النبي صلّى الله عليه أُرِيَ فِي منامه أَنَّهُ يدخل مكَّة، فلما لم يتهيأ لَهُ «2» ذَلِكَ، وصالح أهل مكَّة عَلَى أن يخلوها «3» لَهُ ثلاثًا من العام المقبل دخل المسلمين أمر عظيم، فَقَالَ لهم النبي صلّى الله عليه: إنَّما كانت رؤيا أُريتُها، ولم تكن وحيًا من السماء، فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السكينة عليهم. والسكينة: الطمأنينة والوقار إلى ما أخبرهم بِهِ النَّبِيّ صلّى الله عليه: أنها إلى العام المقبل، وذلك قوله: «فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا» من تأخير تأويل الرؤيا. وقوله: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها (20) مما يكون بعد اليوم فعجل «4» لكم هَذِهِ: خيبر. وقوله: وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ. (20) كانت أسد وغطفان مَعَ أهل خيبر عَلَى رسول الله صلّى الله عليه، فقصدهم «5» النبي صلى الله عليه، فصالحوه، فكفوا، وخلّوا بينه وبين أهل خيبر، فذلك قوله: «وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ» . وقوله: وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها (21) . فارس- قَدْ أحاط اللَّه بها، أحاط لكم بها أن يفتحها لكم. وقوله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ، وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ (24) . هَذَا لأهل «6» الحديبية، لا لأهل خيبر. وقوله: وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً (25) محبوسا.   (1) السمرة واحدة السمر، وهو شجر من العضاة، والعضاة: كل شجر يعظم وله شوك. (2) سقط فى ب، ح، ش. (3) فى (ا) يحدّوا له. (4) فى ش فجعل، تحريف. (5) فى ش لهم. (6) فى ش أهل، تحريف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 وقوله: أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ (25) منحره، أي: صدوا الهدى «1» . وقوله: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ (25) . كَانَ مسلمون بمكة، فَقَالَ: لولا أن تقتلوهم، وأنتم لا تعرفونهم فتصيبكم منهم معرة، يريد: الدية، ثُمَّ قَالَ اللَّه جل وعز: «لَوْ تَزَيَّلُوا» لو تميّز «2» وخلَص «3» الكفار من المؤمنين، لأنزل اللَّه بهم القتل والعذاب. وقوله: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ (26) . حموا أنفا أن يَدخلها عليهم رَسُول اللَّه صلّى الله عليه، فأنزل الله سكينته يَقُولُ: أذهب اللَّه عَنِ المؤمنين أن يَدخلهم ما دخل أولئك من الحمية، فيعصوا اللَّه ورسوله «4» . وقوله: كَلِمَةَ التَّقْوى (26) لا إله إلا الله. وقوله: كانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها (26) . ورأيتها فِي مصحف الحارث بْن سويد التيمي من أصحاب عَبْد اللَّه، «وكانوا أهلها وأحق بها» وهو تقديم وتأخير، وكان مصحفه دفن أيام الحجاج. وقوله: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ [180/ ا] الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (27) . وفي قراءة عَبْد اللَّه: لا تخافون مكان آمنين، «مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ» ، ولو قيل: محلقون ومقصرون أي بعضكم «5» محلقون وبعضكم «6» مقصرون لكان صوابًا [كما] «7» قَالَ الشَّاعِر: وغودر البقل ملوى ومحصود وقوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ (28) . يُقال: لا تذهب الدنيا حَتَّى يَغلب الْإِسْلَام عَلَى أهل كل دين، أَوْ يؤدوا إليهم الجزية، فذلك قوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ.   (1) فى ش والهدى، تحريف. (2) سقط فى ش: لو تميزوا. (3) فى (ا) وعلم. (4) زاد فى ح، ش بعد قوله ورسوله: يقال: فلان حمى أنفه إذا أنف من الشيء. (5، 6) فى (ا) بعضهم. (7) زيادة فى ب، ح، ش. [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 وقوله: تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً (29) . فى الصلاة. وقوله: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ. (29) وهي الصفرة من السهر بالليل. وقوله: ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ (29) . وفي «1» الإنجيل: أيضًا كمثلهم فِي القرآن، وَيُقَال: ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ «2» وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ، كزرع أخرج شطأه، وشطؤه «3» : السنبل تُنبت الحبة عشرًا وثمانيًا وسبعًا، فيقوى بعضه ببعض، فذلك قوله: (فآزره) فأعانه وقواه فاستغلظ [ذَلِكَ] «4» فاستوى، ولو كانت واحدة لم تقم عَلَى ساق، وهو مَثَل ضربه اللَّه عزَّ وجل للنبى صلّى الله عليه إذ «5» خرج وحده ثُمَّ قوّاه بأصحابه، كما قوّى الحبة بما نبت منها. آزرت، أُؤازره، مؤازرة: قوّيته، وعاونته، وهي المؤازرة. ومن سورة الحجرات قوله جل وعز: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا (1) . اتفق عليها «6» القراء، ولو قَرَأَ قارئ: (لا تقدموا) لكان صوابًا يُقال: قَدَمت «7» فِي كذا وكذا، وتقدَّمت. وقوله عزَّ وجلَّ: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ (2) «8» وفي قراءة عَبْد اللَّه «بأصواتكم» «9» ، ومثله فِي الكلام: تكلم كلامًا حسنًا، وتكلم بكلام حسن.   (1، 2) ساقط فى ش. (3) سقط فى ش. (4) زيادة فى ب، ح، ش. (5) فى ش: إذا، تحريف. (6) فى ش عليه. (7) فى (ا) قدّمت. (8، 9) ساقط فى ح، والعبارة فى ش: وفى قراءة عبد الله: «لا رفعوا بأصواتكم» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 وقوله: «1» وَلا تَجْهَرُوا لَهُ «2» بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ (2) : يَقُولُ: لا تقولوا: يا مُحَمَّد، ولكن قولوا: يا نبي اللَّه- يا رَسُول اللَّه، يا أبا القاسم. وقوله: أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ (2) . معناه: لا تحبطُ وفيه الجزم والرفع إِذَا وضعت (لا) مكان (أن) ، وَقَدْ فُسر فِي غير موضع، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: فتحبطَ أعمالكم، وهو دليل عَلَى جواز الجزم فِيهِ. وقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى (3) . أخلصها للتقوى كما يمتحن الذهب بالنار، فيخرج جيده، ويسقط خبثه. وقوله: مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ (4) . وجه الكلام أن تضم الحاءَ والجيم، وبعض العرب يَقُولُ: الحُجَرات والرُّكَبات «3» وكل جمع كأن يُقال فِي ثلاثةٍ إلى عشرةٍ: غرف، وحجر «4» ، فإذا جمعته بالتاء نصبت ثانية، فالرفع «5» [180/ ب] أجودُ من ذَلِكَ. وقوله: أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) . أتاه وفد بني تميم فِي الظهيرة، وَهو راقد صلّى الله عليه، فجعلوا ينادون: يا مُحَمَّد، اخرج إلينا، فاستيقظ فخرج، فنزل: «إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ» إلى آخر الآية، وَأذِن بعد ذَلِكَ لهم فقام شاعرهم، وشاعر المسلمين «6» ، وخطيب منهم، وخطيب المسلمين، فعلت أصواتهم بالتفاخر، فأنزل اللَّه جل وَعز فِيهِ «7» : «لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ» (2) . وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ «8» بِنَبَإٍ فتثبتوا «9» (6)   (1) فى: ش: لا تجهروا بالقول، سقط. (2) سقط في ش خطأ. (3) فى (ا) أو الركبات. وفى ح، ش: والنكبات، تحريف. (4) فى ش: حجر وغرف. (5) فى ب: والرفع. (6) فى ش: وشاعر المسلمون، تحريف. (7) سقط فى (ا) . [ ..... ] (8) فى (ح) : جاءكم بنبإ، سقط. (9) فى ش: فتبينوا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 «1» قراءة أصحاب عَبْد اللَّه، ورأيتها فِي مصحف عَبْد اللَّه منقوطة بالثاء، وَقراءة النَّاس: (فَتَبَيَّنُوا) «2» ومعناهما متقارب لأن قوله: (فَتَبَيَّنُوا) أمهلوا حَتَّى تعرفوا، وَهذا معنى «3» تثبتوا «4» . وَإنما كَانَ ذَلِكَ أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بعث عاملًا عَلَى بني المصطلق ليأخذ «5» صدقاتهم، فلما توجه إليهم تلقوه ليعظموه، فظن أنهم يريدون قتاله، فرجع إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه فَقَالَ: إنهم قاتلوني، وَمنعوني أداء ما عليهم فبينما «6» هُمْ كذلك وَقَدْ غضب النَّبِيّ صَلَّى الله عليه قدم عَلَيْهِ «7» وَفد بني المصطلق فقالوا: أردنا تعظيم رَسُول «8» رَسُول اللَّه، وَأداء الحق إِلَيْه، فاتهمهم رسول الله صلّى الله عليه ولم يصدقهم فأنزل الله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فتثبتوا» إلى آخر الآية، وَالآية التي بعدها. وقوله: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا (9) . ولم يقل: اقتتلتا، وهى فى قراءة عبد الله: فخذوا بينهم. مكان فأصلحوا بينهم، وفى قراءته: حتى يفيئوا «9» إلى أمر الله فإن فاءوا فخذوا بينهم. وقوله: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (10) . ولم يقل: بين «10» إخوتكم، وَلا إخوانكم، وَلو قيل ذَلِكَ كَانَ صوابًا. وَنزلت فِي رهط عَبْد اللَّه بْن أَبِي، ورَهط عَبْد اللَّه بْن رواحة الْأَنْصَارِيّ، فمر رَسُول اللَّه صَلَّى الله عليه عَلَى حِمار فوقف عَلَى عَبْد اللَّه بْن أَبِي فِي مجلس قومه، فراث حمار رَسُول اللَّه، فوضع عَبْد اللَّه يده عَلَى أنفه وَقال: إليك حمارك فقد آذاني، فَقَالَ لَهُ ابْنُ روَاحة: أَلِحِمارِ رَسُول اللَّه تَقُولُ هَذَا؟ فو الله لهو أطيب عِرضا منك وَمن أبيك، فغضب قوم هَذَا، وَقوم هَذَا، حَتَّى اقتتلوا بالأيدي وَالنعال، فنزلت هذه الآية.   (1، 2) ساقط فى ش. (3) فى ش: يعنى. (4) قراءة حمزة والكسائي وخلف «فتثبتوا» ، وقراءة الباقين: «فتبينوا» (الإتحاف 397) . (5) فى ش ليأخذوا، تحريف. (6) فى ش فبينا. (7) فى ب عليهم. (8) سقطت فى ش. (9) كذا فى ح، ش وفى الأصل: تفيئوا، وبقية العبارة تشير إلى يفيئوا. (10) ساقطة فى ب، ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 وقوله: فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي (9) التي لا تقبل الصلح، فأصلح النَّبِيّ صَلَّى الله عليه بينهم «1» . وقوله: لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ (11) . نزلت فِي أن ثابت بْن قيس الْأَنْصَارِيّ كَانَ ثقيل السمع، فكان يدنو من النَّبِيّ صلّى الله عليه ليسمع حديثه، فجاء بعد ما قضي ركعة من الفجر، وَقد أخذ النَّاس أماكنهم من رَسُول اللَّه فجعل «2» يتخطى وَيقول: تفسحوا حَتَّى انتهى إلى رَجُل دون النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه، فَقَالَ: تفسح، فَقَالَ لَهُ الرجل: قَدْ أصبت مكانًا فاقعد، فلما أسفر قَالَ: من الرجل؟ قَالَ: فلان بْن فلان، قَالَ: أنت «3» ابْنُ هَنَةٍ لأمٍّ لَهُ، قَدْ كَانَ يعير بها فشق على الرجل، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ: «لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه فيما أعلم: عسوا أن يكونوا خيرًا منهم «4» ، ولا نساء من نساء عسَين أن يكنَّ خيرًا منهن. ونزل أيضًا فِي هذه القصة: [181/ ا] «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً» (12) والشعوب أكبر من القبائل، والقبائل أكبر من الأفخاذ (لتعارفوا) : ليعرف بعضكم بعضا فِي النسب (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ) مكسورة لم يقع عليها التعارف، وهي قراءة «5» عَبْد اللَّه: لتعارفوا بينكم، وخيركم عند اللَّه أتقاكم فَقَالَ «6» ثابت: والله لا أفاخر رجلًا فِي حسبه أبدا. وقوله: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ (11) . لا يَعب بعضكم بعضًا، ولا تنابزوا بالألقاب: كَانَ الرجل يَقُولُ للرجل من اليهود وَقَدْ أسلم: يا يهودي! فنُهوا عنْ ذَلِكَ وَقال فيه: «بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ» ومن فتح: أن   (1، 2، 4) سقط فى ش. (3) فى ب آنت. (5) فى ب، ش: وهى فى قراءة. [ ..... ] (6) فى ش: قال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 أكرمكم فكأنه قَالَ: لتعارفوا أن الكريم المتقِي «1» ، ولو كَانَ «2» كذلك لكانت: لتعرفوا أن أكرمكم، وجاز: لتعارفوا ليعرِّف بعضكم بعضًا أن أكرمكم عند الله أتقاكم. وقوله: وَلا تَجَسَّسُوا (12) . القُراء مجتمعون عَلَى الجيم نزلت خاصة «3» فِي «4» سلمان، وكانوا نالوا منه «5» . وقوله: فَكَرِهْتُمُوهُ (12) . قال لهم النبي صلّى الله عليه: أكان أحدكم آكلًا لحم أخيه بعد موته؟ قَالُوا: لا! قَالَ. فإِن الغيبة أكل لحمه، وهو أن تَقُولُ ما فِيهِ، وإذا قلت ما ليس فِيهِ فهو البَهْت «6» ليست بغيبة «7» فكرهتموه أي فقد كرهتموه «8» ، فلا تفعلوه. ومن قَرَأَ: فكُرِّهتموه «9» يَقُولُ: قَدْ «10» بُغِّض إليكم «11» والمعنى واللَّه أعلم- واحد، وهو بمنزلة قولك: مات الرجل وأُميت. وقوله: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا (14) . فهذه نزلت فى أعاريب بني أسد قدموا عَلَى «12» النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه المدينة بعيالاتهم طمعًا فِي الصدقة، فجعلوا يروحون ويغدون، ويقولون: أعطنا فإنا أتيناك بالعيال والأثقال، وجاءتك العرب عَلَى ظهور رواحلها فأنزل اللَّه جل وعز «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا» (17) (وأن) فِي موضع نصب لأنها فِي قراءة عَبْد اللَّه: يمنون عليك إِسلامهم، ولو جعلتَ: يَمُنُّون عَلَيْك لأنْ أسْلَمُوا، فإذا ألقيت اللام كان نصبا مخالفا للنصب الأول.   (1) فى ش: التقوى، تحريف. (2) فى ش: كانت. (3) فى ح، ش: نزلت أيضا خاصة. (4، 5) زيادة من ب. (6) البهت والبهيتة: الكذب. (7، 8) ساقط فى ح. (9) فى ش: كرهتموه. (10) فى ش: فقد. (11) فكرهتموه، قراءة أبى سعيد الخدري، وأبى حيرة، وقد رواها الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم. (البحر المحيط 8/ 115) . (12) فى ش إلى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 وقوله: أَنْ هَداكُمْ (17) ، وفى قراءة عبد الله: إذ هداكم. ف (أن) فِي موضع نصب لا بوقع الفعل، ولكن بسقوط الصفة. وقوله: لا يَلِتْكُمْ (14) . لا ينقصكم، ولا يظلمكم من أعمالكم شيئًا، وهى من لات يليت، والقراء مجمعون «1» عليها، وَقَدْ قَرَأَ بعضهم: لا يَأْلِتْكم «2» ، ولست «3» أشتهيها لأنها بغير ألف كتبت فى المصاحف، وليس هذا بموضع يجوز فيه سقوط الهمز ألا ترى قوله: (يأتون) «4» ، و (يأمرون) «5» ، و (يأكلون) «6» لم تلق الألف فِي شيء مِنْهُ لأنها ساكنة، وإنما تلقى الهمزة إِذَا سكن ما قبلها، فإذا «7» سكنت هِيَ تعني «8» الهمزة ثبتت فلم تسقط، وإنما اجترأ عَلَى قراءتها «يألتكم» أَنَّهُ وجد «وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ» «9» فى موضع، فأخذ ذا من ذَلِكَ فالقرآن 1» يأتي باللغتين المختلفتين ألا ترى قوله: (تملى عليه) «11» . وهو فى موضع آخر: «فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ» «12» . ولم تحمل إحداهما عَلَى الأخرى فتتفقا ولات يليت، وألتَ يألِتُ لغتان [قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الجهم بْن إِبْرَاهِيم السِّمَّرِيّ قَالَ حَدَّثَنَا الفراء] «13» .   (1) فى ب، ش: مجتمعون. (2) قرأ الجمهور: (لا يلتكم) : من لات يليت، وهى لغة الحجاز (البحر المحيط 8/ 117) وقرأ الحسن والأعرج وأبو عمرو (لا يألتكم) ، من ألت وهى لغة غطفان وأسد (البحر المحيط 8/ 117) . (3) سقط فى ح. [ ..... ] (4) فى مواضع من القرآن الكريم: سورة التوبة آية 54، والاسراء آية 88 والكهف آية 15 ... (5) كما فى آل عمران: الآيات 21، 104، 114 والنساء الآية 37 والحديد الآية 24. (6) فى مواضع من القرآن مثلا: البقرة آية 174، 275 والنساء آية 10. (7) فى ح: وإذا. (8) فى ش يعنى. (9) سورة الطور: 21. (10) فى ب: والقرآن. (11) سورة الفرقان الآية 5. (12) سورة البقرة الآية 282. (13) ما بين الحاصرتين زيادة فى ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 ومن سورة ق والقرآن المجيد قوله عز وجل: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) . قاف: فيها المعنى الذي أقسم به [181/ ب] ذكر أنها قُضى والله كما قيل فِي حُمَّ: قُضى والله، وحُمَّ والله: أي قضى. وَيُقَال: إن (قاف) جبل محيط بالأرض، «1» فإن يكن كذلك فكأنه فِي موضع رفع، أي هو (قاف والله) ، وكان [ينبغي] «2» لرفعه أن يظهر لأنَّه «3» اسم وليس بهجاء، فلعل القاف وحدها ذكرت من اسمه كما قَالَ الشَّاعِر: قلنا لها: قفي، فقالت: قاف «4» ذكرت القاف أرادت القاف من الوقوف «5» ، أي «6» : إنى واقفة. وقوله إِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً (3) . كلام لم يظهر قبله ما يكون هَذَا جوابًا لَهُ، ولكن معناه مضمر «7» ، إنَّما كان- والله- أعلم: «ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ» لتبعثن «8» . بعد الموت، فقالوا: أنبعث إِذَا كُنَّا ترابا؟ فجحدوا البعث   (1، 3) ما بين الرقمين (1- 1) سقط فى ش: ونص العبارة فى ش: فإن لم يكن اسم وليس بهجاء ... إلخ. (2) الزيادة من ب. (4) هو للوليد بن عقبة بن أبى معيط أخى عثمان (رضى الله عنه) لأمه، وكان يتولى الكوفة فاتهم بشرب الخمر، فكتب إليه الخليفة يأمره بالشخوص إليه، فخرج فى جماعة، ونزل الوليد يسوق بهم، فقال: قلت لها: قفى، فقالت: قاف ... لا تحسبينا قد نسينا الإيجاف والنشوات من معتق صاف ... وعزف قينات علينا عزاف والإيجاف: العدو، وهو أيضا: الحمل عليه (انظر المحتسب 2/ 204 والخصائص 1/ 30) . (5) فى ح، ش: الوقف. [ ..... ] (6) سقط فى ب. (7) فى (ا) مضمرا، تحريف. (8) فى ب ليبعثن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 ثم قالوا «1» : (ذلك رجع بعيد) (3) . جحدوه أصلا [و] «2» قوله: (بعيد) كما تقول للرجل يخطىء فِي المسألة: لقد ذهبت مذهبًا بعيدًا من الصواب: أي أخطأت. وقوله: قَدْ عَلِمْنا مَا تَنْقُصُ «3» الْأَرْضُ مِنْهُمْ (4) ما «4» تأكل منهم. وقوله: فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) . فى ضلال. وقوله: ما لَها مِنْ فُرُوجٍ (6) . ليس فيها خلل ولا صدع. وقوله: وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) . والحب هُوَ الحصيد، وهو مما أضيف إلى نفسه مثل قوله: «إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ» «5» ، ومثله: «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» (16) . والحبلِ هُوَ الوريد بعينه أضيف إلى نفسه لاختلاف لفظ اسميه، والوريد: عرق بين الحلقوم والعلباوين «6» . وقوله: وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ (10) . طوال، يقال: قد بسق طولا، فهن طوال النخل. وقوله: لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) . يعني: الكفُرَّى «7» ما كَانَ فِي أكمامه وهو «8» نضيد، أي منضود بعضه، فوق بعض، فإذا خرج من «9» أكمامه فليس بنضيد.   (1) فى ش: قال تحريف. (2) زيادة فى ب، ش. (3) فى ش: ينقص: تحريف. (4) سقط فى ح، ش. (5) سورة الواقعة: 95. (6) جاء فى اللسان: العلباء: ممدود، عصب العنق، قال الأزهرى: الغليظ خاصة، وهما علباوان يمينا وشمالا بينهما منبت العنق. (7) الكفرى: وعاء الطلع وقشره الأعلى. (8) فى ب، ش: فهو. (9) فى ش: فى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 وقوله: أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ (15) . يَقُولُ: كيف نعيا عندهم بالبعث ولم نعي بخلقهم أولًا؟ ثُمَّ قَالَ: «بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ» ، أي هُمْ فِي ضلال وشك. وقوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ (16) . الهاء لما، وَقَدْ يكون ما توسوس أن تجعل الهاء للرجل الَّذِي توسوس بِهِ- تريد- توسوس إِلَيْه وتحدثه. وقوله: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) . يقال «1» : قعيد، «2» ولم يقل: قعيدان «3» . حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَعِيدٌ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ يُرِيدُ- قَعُودٌ، فَجَعَلَ الْقَعِيدَ جَمْعًا، كَمَا تَجْعَلَ الرَّسُولَ لِلْقَوْمِ وَالاثْنَيْنِ «4» . قال الله تعالى: ِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ» «5» لموسى وأخيه، وقال الشَّاعِر: ألِكْني إليها، وخيرُ الرسو ... ل أعلَمُهم بنواحيِ الْخَبَرْ «6» فجعل الرَّسُول للجمع، فهذا وجه، وإن شئت جعلت القعيد واحدًا اكتفى بِهِ من صاحبه، كما قَالَ الشَّاعِر: نَحْنُ بما عندنا، وأنت بما ... عندك راض، والرأي مختلف «7» ومثله قول الفرزدق: إنّي ضمنت لمن أتاني ما جَنَى ... وأبي، «8» وكان وكنت غير غدور «9»   (1) سقط فى ش. (2، 3) ساقط فى ب، ح، ش. وجاءت العبارة بعد الآية مباشرة فى ش هكذا: ولم يقل قعيدون. [ ..... ] (4) فى ش: للاثنين، تحريف وفى ب وللاثنين. (5) سورة الشعراء الآية 16. (6) انظر معانى القرآن 2/ 180، وتفسير القرطبي 17/ 10 واللسان (رسل) . (7) انظر معانى القرآن 2/ 363، وإعراب القرآن 2/ 611، وتفسير الطبري 17/ 10. (8) سقط فى ش. (9) فى ب، ش غدوّر، ولم يقل غدورين. وانظر معانى القرآن 2/ 363 ونسب في كتاب سيبويه إلى الفرزدق 1/ 38. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 وَلم يقل: غدورين. وقوله. وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ (19) وفي قراءة عبد الله: سكرة الحق بالموت «1» ، فإن شئت أردت (بالحق) أَنَّهُ اللَّه عزَّ وجلَّ، وإن شئت جعلت السكرة هِيَ الموت، أضفتها إلى نفسها كأنك قلت: جاءت السكرة الحقّ بالموت، وقوله: «سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ» يَقُولُ: بالحق الذي قَدْ كَانَ غير متبين لهم من أمر «2» الآخرة، ويكون الحق هُوَ الموت، أي جاءت سكرة الموت بحقيقة الموت. وقوله: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) . يَقُولُ: قَدْ كنت تُكذب، فأنت اليوم عالم نافذ البصر، والبصر هاهنا: هو العلم ليس بالعين. [182/ ا] وقوله: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) . العرب تأمر الواحد والقوم بما يؤمر بِهِ الاثنان، فيقولون للرجل: قوما عنا، وسمعت بعضهم: ويحكَ! ارحلاها وازجراها «3» ، وأنشدني بعضهم: فقلت لصاحبي لا تحبسانا «4» ... بنزع أصوله، واجتزَّ «5» شيحا «6» قَالَ: ويروى: واجدزّ «7» يريد: واجتز، قَالَ: وأنشدني أَبُو ثروان: وإن تزجراني يا ابْنُ عفان أنزجر ... وإن تدعاني أَحْمِ عرضًا ممنَّعًا «8» ونرى أن ذَلِكَ منهم أن الرجل أدنى أعوانه فِي إبله وغنمه اثنان، وكذلك الرِّفقة، أدنى ما يكونون «9» ثلاثة، فجرى كلام الواحد عَلَى «10» صاحبيه، ألا ترى الشعراء أكثر شيء قيلا: يا صاحبىّ، يا خليلى، فقال امرؤ القيس:   (1) انظر تفسير الطبري 26/ 91 وقد وردت خطأ فى الطبري حيث قال: قراءة عبد الله بن مسعود «وجاءت سكرة الموت بالحق» ، وليست كذلك وإنما هى سكرة الحق بالموت والمحتسب: 2/ 283. (2) سقط فى ح. (3) أوردها القرطبي فى تفسيره: ويلك ارحلاها وازجراها. (تفسير القرطبي 17/ 16) . (4) ش: لا تحسبانا. (5) فى ح: واحتز. (6) فى ا، ش: شيخا. (7) وهى كذلك فى ش. (8) يروى: فإن. انظر تفسير القرطبي 17/ 16، والمخصص 2: 5 [ ..... ] (9) فى ب: ما يكون. (10) فى ش: عن، تحريف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 خليليّ، مرّا بِي عَلَى أم جندب ... نُقضِّي لبانات الفؤاد المعذب «1» ثُمَّ قَالَ: ألَمْ تَرَ أنى كلما جئت طارقًا ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيب فَقَالَ: ألم تر، فرجع إلى الواحد، وأول كلامه اثنان، قَالَ: وأنشدني آخر: خليليّ قوما فى عطالة فانظرا ... أنارًا «2» ترى من نحو بابَيْن «3» أَوْ برقا وبعضهم: أنارا نرى. وقوله: ما أَطْغَيْتُهُ يقوله «4» الملَك الَّذِي كَانَ يكتب السيئات للكافر، وذلك أن الكافر قَالَ: كَانَ يعجلني عَنِ التوبة، فَقَالَ: ما أطغيته «5» يا رب، ولكن كَانَ ضالًا. قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: «مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ» (29) . أي: ما يُكْذَب عندي لعلمه عزَّ وجلَّ بغيب ذَلِكَ. وقوله: هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ (33) . إن شئت جعلت (مَن) خفضا تابعة لقوله: (لكُلّ) ، وإن شئت استأنفتها فكانت رفعا يراد بها الجزاء. من خشي الرَّحْمَن بالغيب قيل له: ادخل الجنة، و (ادخلوها) جواب للجزاء أضمرتَ «6» قبله القول وجعلته فعلًا للجميع لأن مَن تكون فِي مذهب الجميع. وقوله: فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ (36) . قراءة القراء يَقُولُ: خرّقوا البلاد فساروا فيها، فهل كَانَ لهم من الموت «7» من محيص؟ أضمرت كَانَ هاهنا كما قَالَ: «وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ» «8» ، والمعنى: فلم يكن لهم ناصر عند إهلاكهم «9» . ومن قرأ: (فنقّبوا)   (1) انظر الخزانة 3/ 284. (2) فى (ا) أثرا، تحريف. (3) فى ب: أم ورواية اللسان من ذى أبانين وجاء باللسان: قال الأزهرى: ورأيت بالسودة من ديارات بنى سعد جبلا منيفا يقال له: عطالة، وهو الذي قال فيه القائل، وأورد البيت. (4) فى ا، ب يقول. (5) فى ش: ما اصطفيته، تحريف. (6) فى ش: ضمرت، تحريف. (7) سقط فى ح، ش: من الموت. (8) سورة محمد الآية: 13. (9) فى ش: هلاكهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 فِي البلاد، فكسر القاف «1» فإنه كالوعيد. أي: اذهبوا فِي البلاد فجيئوا واذهبوا. وقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ (37) . يَقُولُ: لمن كَانَ لَهُ عقل «2» ، وهذا «3» جائز فى العربية أن تقول: مالك قلب «4» وما قلبك معك، وأين ذهب قلبك؟ تريد العقل لكل ذَلِكَ. وقوله: أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ (37) . يَقُولُ: أَوْ ألقى سمعه إلى كتاب اللَّه وهو شهيد، أي شاهد ليس بغائب. وقوله: وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (37) . يقول: من إعياء، وذلك أن يهود أهل المدينة قَالُوا: ابتدأ خلق السموات والأرض يوم لأحد، وفرغ يوم الجمعة، فاستراح يوم السبت «5» ، فأنزل اللَّه: «وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ» إكذابًا لقولهم «6» ، وقرأها أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السلمي: من «7» لَغوب «8» بفتح اللام وهي شاذة. وقوله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (40) . وإدبار. من قرأ: وأدبار جمعه «9» عَلَى دُبُر وأدبار، وهما الركعتان بعد المغرب، جاء ذلك عن على ابن أبى طالب أنه قال، [182/ ب] وأدبار السجود: الركعتان بعد المغرب، (وإِدْبارَ النُّجومِ) «10» . الركعتان (قبل الفجر) وكان عاصم يفتح هَذِهِ التي فِي قاف، وبكسر التي فِي الطور، وتكسران جميعا، وتنصبان جميعا جائزان «11» .   (1) هى قراء يحيى بن يعمر. (تفسير الطبري ح 26/ 99) . وهى أيضا قراءة ابن عباس، وأبى العالية، ونصر بن سيار، وأبى حيوة، والأصمعى عن أبى عمرو (تفسير البحر المحيط 8/ 129) . (2) فى ش: قلب. (3، 4) سقط فى ح، ش. [ ..... ] (5) سقط فى ب، ح، ش: يوم السبت. (6) فى ب، ح، ش: لهم. (7) فى ش: السلمى لغوب. (8) وهى قراءة على، وطلحة، ويعقوب (البحر المحيط 8/ 129) ، وانظر (المحتسب 2/ 285) . (9) أي جمعه على أنه دبر وأدبار. (10) سورة الطور الآية 49. (11) اختلف القراء فى قراءة قوله: «وإدبار السجود» ، فقرأته عامة قراء الحجاز والكوفة سوى عاصم والكسائي: وإدبار السجود بكسر الألف، وقرأه عاصم، والكسائي، وأبو عمرو: وأدبار بفتح الألف. (وانظر الاتحاف: 397) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 وقوله: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (41) . يُقال: إن جبريل عَلَيْهِ السَّلام يأتي بيت المقدس فينادي بالحشر، فذلك قوله: «مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ» . وقوله: يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً (44) . إلى المحشر وتُشقَق، والمعنى واحد مثل: مات الرجل وأميت. وقوله: وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ (45) . يَقُولُ: لست عليهم بمسلَّط، جعل الجبار فِي موضع السلطان من الجَبْريّة، قَالَ أنشدني المفضل: ويوم الحَزن إذ حشَدَت مَعدٌّ ... وكان الناسُ إلا نَحْنُ دينا عصينا عزمةَ الجبار حَتَّى ... صبحنا «1» الجوفَ ألفا مُعْلمينا «2» «3» أراد بالجبار: المنذر لولايته «4» . وقال الكلبي بإسناده: لستَ عَلَيْهِمْ بَجَبّار «5» يقول: لم تبعث «6» لتجُبرهم عَلَى الْإِسْلَام والهدى إنَّما بعثت «7» مُذَكِّرًا فذكّر، وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم. والعرب لا تَقُولُ: فعّال من أفعلت، لا يقولون: هَذَا خَرّاج ولا دَخّال، يريدون مُدْخِل ولا مُخرِج من أدخلت وأخرجت، إنَّما يقولون: دخال من دخلت، وفعّال من فعلت. وَقَدْ قَالَتِ العرب: درّاك من أدركت، وهو شاذ، فإن حملت الجبار على هذا المعنى فهو «8» وجه. وَقَدْ سمعت بعض العرب يَقُولُ: جبره عَلَى الأمر يريد: أجبره، فالجبار من هَذِهِ اللغة صحيح يراد بِهِ «9» : يقهرهم ويجبرهم.   (1) فى ش: صحنا، تحريف. (2) لم أعثر فى نسخة المفضليات التي لدى على هذين البيتين. (3، 4) ساقط فى ح، ش. (5) فى ش: لست عليهم بجنا، تحريف. (6) فى ش: لا تبعث، تحريف. (7) فى ح: بعث، تحريف. (8) فى ش: وهو، تحريف. [ ..... ] (9) فى ش: ويريد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 وقوله: هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) . رفعتَ العتيد عَلَى أن جعلته خبرًا صلته لما، وإن شئت جعلته مستأنفًا «1» عَلَى مثل قوله: «هَذَا بَعْلِي شَيْخٌ» «2» ولو كَانَ نصبًا كان صوابا لأن (هذا، وما) - معرفتان، فيقطع العتيد منهما «3» . ومن سورة والذاريات قوله عز وجل: وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (1) . يعنى: الرياح، «فَالْحامِلاتِ وِقْراً» (2) ، يعنى: السحاب لحملها الماء. «فَالْجارِياتِ يُسْراً» (3) ، وهى السفن تجرى ميسّرة «فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً» (4) : الملائكة تأتي بأمر مختلف: جبريل صاحب الغلظة، وميكائيل صاحب الرحمة، وملك الموت يأتي بالموت، فتلك قسمة الأمور «4» . وقوله: وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (7) . الحُبك: تكسُّر كل «5» شيء، كالرملة إِذَا مرت بها الريح الساكنة، والماء القائم إِذَا مرت بِهِ «6» الريح، والدرع درع الحديد لها حُبُك أيضًا، والشَّعرة الجَعدة تكسُّرُها حبك، وواحد الحبك: حِباك، وحَبِيكة. وقوله: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ «7» مُخْتَلِفٍ (8) .   (1) جاء فى تفسير الزمخشري: عتيد بالرفع بدل، أو خبر بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف (انظر تفسير الزمخشري سورة ق) ، وقرأ الجمهور عتيد بالرفع وعبد الله بالنصب على الحال (البحر المحيط 8/ 126) . (2) سورة هود الآية 72. (3) جاء فى النسخة (ا) بعد سورة ق: ومن سورة الذاريات: هو في الجزء التاسع والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على نبى الرحمة محمد الهاشمي وعلى آله وسلّم كثيرا: (4) فى ش: فذا قسمة الأمر، وفى ب: فتلك قسمة الأمر. (5) فى ش: وكل، تحريف. (6) فى ح، ش: بها، تحريف. (7) فى ش: خلق تحريف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 جواب للقسم، والقول المختلف: تكذيب بعضهم بالقرآن وبمحمد، وإيمان بعضهم. وقوله: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) . يريد: يُصرف عَنِ القرآن والإيمان من صُرف كما قال: «أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا» «1» يَقُولُ: لتصرفنا عنْ آلهتنا، وتصُدَّنا. وقوله: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) . يَقُولُ: لُعن «2» الكذابون الَّذِينَ قَالُوا: مُحَمَّد صَلَّى الله عليه: مجنون، شاعر، كذاب، ساحر. خرّصوا ما لا علم لهم به. وقوله: يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) . مَتَى يوم الدين؟ قَالَ اللَّه: «يَوْمُ الدِّينِ، يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ» وإنما نصبت (يومَ هُمْ) لأنك أضفته إلى شيئين، وإذا أضيف اليوم والليلة إلى اسم لَهُ فعل، فارتفعا نصب اليوم، وإن كَانَ فِي موضع خفض أَوْ رفع، وإذا أضيف إلى فَعَل أَوْ يفعَل أَوْ إِذَا كَانَ كذلك ورفعه فِي موضع الرفع، وخفضه فِي موضع الخفض يجوز، فلو قيل: يَوْمَ هُمْ على النار يفتنون فرفع يوم لكان وجها، ولم يقرأ بِهِ أحد من القراء. وقوله يُفْتَنُونَ (13) يحرقون ويعذبون بالنار. وقوله: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ (14) يَقُولُ «3» : ذوقوا «4» عذابكم الَّذِي كنتم بِهِ تستعجلون فى الدنيا. وقوله: آخِذِينَ (16) «وفاكهين» «5» . نصبتا على القطع، ولو كانتا [184/ ب] رفعا كَانَ صوابًا، ورفعهما عَلَى أن تكونا خبرا، ورفع آخر أيضا على الاستئناف.   (1) سورة الأحقاف: 22. (2) سقط فى: ش: (3، 4) سقط فى ح، ش. (5) فى ب: فكهين سورة الطور آية 18. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 وقوله: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) . إن شئت جعلت ما فِي موضع رفع، وكان المعنى: كانوا قليلًا هجوعهم. والهجوع: النوم. وإن شئت جعلت ما صلة لا موضع لها، ونصبت قليلًا بيهجعون. أردت: كانوا يهجعون قليلًا من الليل. وقوله: وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) يُصَلون. وقوله: وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) . فأمَّا السائل فالطوّاف عَلَى الأبواب، وأمَّا المحروم فالمحارَفُ «1» أَوِ الَّذِي لا سهم لَهُ فِي الغنائم. وقوله: وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) . فآيات الأرض جبالها، واختلاف نباتها وأنهارها، والخلق الَّذِينَ «2» فيها. وقوله: وَفِي أَنْفُسِكُمْ (21) . آيات أيضًا إن أحدكم يأكل ويشرب فِي مدخل واحد، ويُخْرِج من موضعين، ثُمَّ عنّفهم فقال: (أفلا تبصرون) ؟ وقوله: فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ (23) . أقسم عزَّ وجلَّ بنفسه: أن الَّذِي قلت لكم لَحق مثل ما أنكم تنطقون. وَقَدْ يَقُولُ القائل: كيف اجتمعت ما، وأنّ وقد يكتفي بإحداهما من الأخرى؟ وفيه وجهان: أحدهما «3» : أن العرب تجمع بين الشيئين من الأسماء والأدوات إِذَا اختلف لفظهما، فمن الأَسماء قول الشَّاعِر: من النّفر اللائي الَّذِينَ إِذَا هُم ... يَهاب اللئامُ حلقةَ البابِ قَعْقَعوا «4» فجمع بين اللائي والذين، وأحدهما مجزىء من الآخر. وأما فى الأدوات فقوله:   (1) المحارف: الذي ليس له فى الإسلام سهم، وقيل: هو الرجل الذي لا يكون له مال إلا ذهب (تفسير الطبري 26/ 11) . (2) فى ش: الذي. [ ..... ] (3) فى ش: أن أحدهما، زيادة لا مكان لها. (4) الخزانة: 3/ 529، وفيها: (اعتزوا) بدل (هم) فى الشطر الأول، و (هاب الرجال) بدل (يهاب اللئام) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 ما إنْ رَأَيْتُ ولا سَمعتُ بِهِ ... كاليوم طالى أينق جرب «1» فجمع بين ما، وبين إن، وهما جحدان أحدهما يجزي من الآخر. وأمّا الوجه الآخر، فإن المعنى لو أفرد بما لكان كأنّ المنطق فِي نفسه حق لا كذب: ولم يُرَد بِهِ ذَلِكَ. إنَّما أرادوا أَنَّهُ لحق كما حقٌّ أن الآدمي ناطق. ألا ترى أن قولك أحقٌّ منطقك معناه: أحقٌّ هُوَ أم كذب؟ وأن قولك: أحقّ أنك تنطق؟ معناه: أللانسان «2» النطق لا لغيره. فأدخلتَ أنَّ ليُفرَق بها بين المعنيين، وهذا أعجب الوجهين إليَّ. وَقَدْ رفع عاصم والأعمش (مثلَ) ونصبها أهل الحجاز والحسن «3» ، فمن رفعها جعلها نعتا للحق ومن نصبها جعلها فِي مذهب المصدر كقولك: إنه لحق حقا. وإن العرب لتنصبها إِذَا رفع بها الاسم فيقولون: مثلَ من عبد الله؟ ويقولون: عبد الله [185/ ا] مثلَك، وأنت مثلَه. وعلة النصب فيها أن الكاف قَدْ تكون داخلة عليها فتُنصب إِذَا ألقيت الكاف. فإن قَالَ قائل: أفيجوز أن تَقُولُ: زيدٌ الأسدَ شدةً، فتنصب الأسد إِذَا ألقيت الكاف؟ قلت: لا وذلك أن مثلَ تؤدى عَنِ الكاف والأسدُ لا يؤدي عَنْهَا ألا ترى قول الشَّاعِر: وزعتُ بكالهراوة أعوجِيٍّ ... إِذَا وَنتِ الرِّكاب جرى وثابا «4» أن الكاف قَدْ أجزأت من مثل، وأن العرب تجمع بينهما فيقولون: زَيْد كمثلك، وقال اللَّه جل وعز: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ «5» وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» «6» ، واجتماعهما دليل عَلَى أن معناهما واحد كما أخبرتك فى ما وإن ولا وغيره.   (1) الأغانى فى ترجمة الخنساء، وانظر شرح شواهد المعنى، وفيه: (بمثله) بدل (به) ، و (هانى) بدل (طالى) وهو لدريد بن الصمة يصف الخنساء، وقد رآها تهنأ بعيرا أجرب. (شرح شواهد المغني 2/ 955) . (2) فى ش: الإنسان. (3) قرأ أبو بكر، وحمزة، والكسائي، وخلف بالرفع صفة لحق، وافقهم الأعمش (الاتحاف 399) ، والباقون- باقى السعة- والجمهور بالنصب. (البحر المحيط: 8/ 136) . (4) وزعت: كففت، أعوجى: منسوب إلى أعوج، وهو فرس كريم تنسب إليه الخيل الكرام. اللسان (ثوب) وسر صناعة الإعراب: 287. (5) فى ش: كمثله وهو، سقط. (6) سورة الشورى الآية: 11. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 وقوله: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (24) . لم يكن عَلِمه النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ- حتى أنزله «1» الله عليه «2» . وقوله: الْمُكْرَمِينَ (24) . أكرمهم بالعمل الَّذِي قرّبه. وقوله: قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) . «3» رفع بضمير: أنتم قوم منكرون «4» . وهذا يقوله إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلام للملائكة. وقوله: فَراغَ إِلى أَهْلِهِ (26) . رجع إليهم، والروغ وإن كَانَ عَلَى هَذَا المعنى فإنه لا يُنطق بِهِ حَتَّى يكون صاحبه مُخْفيًا لذهابه [أَوْ مجيئه] «5» ألا ترى أنك لا تَقُولُ: قَدْ راغ أهل مكَّة، وأنت تريد رجعوا أَوْ صدروا؟ فلو أخفى راجع رجوعه حسنت فِيهِ: راغ ويروغ «6» . وقوله: وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) . إِذَا كبر، وكان بعض مشيختنا يَقُولُ: إِذا كان العلم منتظرا [لمن] «7» يوصف بِهِ قلت فِي العليم إِذَا لم يعلم: إنه لعالم عنْ قليل وفاقِه، وفي السيد: سائد «8» ، والكريم: كارم. والذي قَالَ حسن، وهذا كلام عربي حسن، قَدْ قاله اللَّه فى عليم «9» ، وحليم «10» ، وميت «11» .   (1) فى ب، ح، ش أنزل. (2) لم يثبت فى ش: عليه. (3، 4) بهامش ا. وقد ورد فى الصلب فى باقى النسخ. (5) التكملة من ب، ح، ش. (6) لم يثبت فى ح: ويروغ. (7) فى (ا) : لم، تحريف. [ ..... ] (8) فى ش: سيد، تحريف. (9) كما فى قوله: «وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ» . (10) كما فى قوله: «فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ» . (الصافات الآية 101) . (11) كما فى قوله: «إِنَّكَ مَيِّتٌ، وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ» الزمر الآية 30. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 وكان المشيخة يقولون للذي لما «1» يَمُت وسيموت: هو مائت عنْ قليل، وقول اللَّه عزَّ وجلَّ أصوب من قيلهم، وقال الشَّاعِر فيما احتجوا بِهِ: كريم كصفو الماء ليس بباخل ... بشيء، ولا مهد ملاما لباخل يريد: بخيل، فجعله باخل لأنَّه لم يبخل بعد. وقوله: فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ (29) . فى صيحة، ولم تقبل من موضع إلى موضع إنَّما هُوَ، كقولك: أقبل يشتمني، أخذ فِي شتمي «2» فذكروا «3» أن الصيحة: أوَّه، وقال بعضهم: كانت يا ويلتا. وقوله: فَصَكَّتْ وَجْهَها (29) . هكذا أي جمعت أصابعها، فضربت جبهتها، «وَقالَتْ: عَجُوزٌ عَقِيمٌ» (29) أتلد عجوز عقيم؟ ورفعت بالضمير بتلد. وقوله: وَتَرَكْنا فِيها آيَةً (37) . معناه: تركناها آية وأنت قائل للسماء فيها «4» آية، وأنت تريد هِيَ الآية بعينها. وقوله: هُوَ مُلِيمٌ (40) . أتى باللائمة وَقَدْ ألام، وقوله: «لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ «5» وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ» «6» هم الآيات «7» وفعلهم. وقوله: فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ (39) «8» . يُقال: تولى أي أعرض عَنِ الذكْرٍ بقوته فِي نفسه، ويقالُ: فتولى برُكنه بمن معه لأنّهم قوّته.   (1) فى ح، ش: أمّا. (2) سقط فى ش: أخذ فى شتمى. (3) فى ش: فذكر، تحريف. (4) فى ا: فيه، تحريف. (5) فى ش: كان لكم فى يوسف، تحريف. (6) سورة يوسف الآية: 7 (7) كذا فى ش: وفى ب: وفعلهم. (8) ما يلى ذلك من النسخة (ب) ص 54/ ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 وقوله عز وجل تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) . كَانَ ذَلِكَ الحينُ ثلاثة أيام. وقوله عزَّ وجل: كَالرَّمِيمِ (42) . والرميمُ: نباتُ الأرضِ إِذا يَبِسَ ودَبسَ فهو رَمِيمٌ. وقوله تبارك وتعالى: فأخذتهم الصَّعقَةُ (44) . قرأها العوام [الصَّاعِقَةُ] «1» بالألف. قال حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: وَحَدَّثَنِي «2» قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ عَنْ عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ قَرَأَ (الصَّعْقَةُ) بِغَيْرِ أَلِفٍ «3» ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وقوله عزَّ وجلَّ: فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ (45) . يَقُولُ: فما قاموا لها ولو كانت: فما استطاعُوا من إقامةٍ لكان صَوَابًا. وطرحُ الألفِ منها، كقوله جلّ وعز: «وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً» ولو كانت- إنباتًا- كَانَ صَوَابًا. وقوله جل ذكره: وَقَوْمَ نُوحٍ (46) . نصبها القراء [55/ ا] إلّا الأعمشَ وأصحابه، فإنهم خفضوها «4» لأنها فِي قراءةِ عَبْد اللهِ فيما أعلم: وفي قوم نوح. ومن نصبها فعلى وجهين: أخذتهم الصعقة، وأخذت قوم نوح.   (1) التكملة من ح،، ش. (2) فى ش: وحدث. [ ..... ] (3) جاء فى الاتحاف (399) : واختلف فى: الصعقة فالكسائى بحذف الألف، وسكون العين على إرادة الصوت الذي يصحب الصاعقة، والباقون: بالألف بعد الصاد وكسر العين على إرادة النار النازلة من السماء العقوبة. (وانظر البحر المحيط 8/ 141) . (4) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: وقوم بالجر عطفا على ما تقدّم أي: وفى قوم نوح، وهى قراءة عبد الله. وقرأ باقى السبعة وأبو عمرو فى رواية بالنصب (البحر المحيط 8/ 141) . وقرئت بالرفع على الابتداء والخبر ما بعده، أو على تقدير أهلكوا (إعراب القرآن 2/ 129) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 وإن شئت: أهلكناهم، وأهلكنا قومَ نوح. ووجه آخرُ «1» ليسَ بأبغَضَ إليَّ «2» من هذين الوجهين: أن تُضمر فعلا- واذكر لهم قوم نوح، كما قَالَ عزَّ وجلَّ «وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ «3» » «وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ «4» » فِي كَثِير من القرآن معناه: أنبئهم واذكر لهم الأنبياء وأخبارهم. وقوله عزَّ وجلَّ: بِأَيْدٍ (47) بقوّة. وقوله عز وجل: وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) . أي إنا لذو وسَعَةٍ لخَلْقِنا. وكذلك قوله جل ذكره: «عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ» «5» . وقوله تبارك وتعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ (49) . الزَّوجان من جميع الحيوانِ: الذكَرُ والُأنثى، ومِن سوى ذَلِكَ: اختلافُ ألوان النبات، وطُعومِ الثمار، وبعضٌ حلوٌ، وبعضٌ حامضٌ، فذانِك زوجان. وقوله تبارك وتعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ (50) . معناه: فرُّوا «6» إِلَيْه إلى طاعتهِ من معصيته. وقوله تبارك وتعالى أَتَواصَوْا بِهِ (53) . معناه: أتواصى به [55/ ب] أهلُ مكةَ، وَالُأمم الماضيةُ، إذْ قَالُوا لَكَ كما قَالَتِ «7» الأمَمُ لرُسلها. وقوله تبارك وتعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) . إلا ليوحِّدوني، وَهذه «8» خاصّةُ يقولُ: وَما خلقت أهلَ السعادةِ من الفريقين إلا ليُوحِّدُوني. وَقال بعضُهم: خلقَهم ليفعلوا فَفَعل بعضُهم وَترك بعضٌ، وَليس فِيهِ لأهلِ الْقَدَرِ حُجَّةٌ، وَقد فُسِّرَ. وقوله تبارك وتعالى: مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ (57) .   (1، 2) سقط فى ش. (3) سورة العنكبوت، الآية 16. (4) سورة الأنبياء، الآية 76. (5) سورة البقرة: 236. (6) فى ش: ففروا. (7) فى ب: قالته. (8) فى ش: وفى هذه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 يَقُولُ: ما أريدُ منهم أن يرزقوا أنفسهم، «وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ» (57) أن يطعموا أحدًا من خلقي «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ» (58) . قَرَأَ يَحيى بْن وَثاب (المتين) بالخفض جعله من نعتِ- القوةِ، وَإن كانت أُنثى فِي اللفظ، فإنَّهُ ذهب إلى الحبل وَإلى الشيء المْفتولِ. أنشدني بعض العربِ: لكل دَهْرٍ قَدْ لبست أثوبا ... من ريطة واليمنة المعصّبا «1» فجعل المعصّب نعتا لليمنة، وهي مؤنثة في اللفظ لأن اليمنة ضربٌ وَصِنْفٌ من الثيابِ: الوَشي، فذهبَ إِلَيْه. وقرأ «2» النَّاس- (المتينُ) رفعٌ من صِفَةِ الله تبارك وتعالى. وقوله [56/ ا] عز وجل: فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً (59) . والذنوب فِي كلام العرب: الدَّلْوُ العظيمة «3» وَلكن العربَ تذهَبُ بها إلى النَّصِيب وَالحظِّ. وَبذلِكَ أتى التفسيرُ: فإنَّ للذين ظَلموا حظًّا من العذابِ، كما نزَلَ بالذين من قبلهم، وقال الشاعرُ: لنَا ذَنوبٌ وَلكمْ ذَنوبُ ... فإنْ أبيتمْ فلنا القليب «4» والذنوب: يذكّر، ويؤنّث.   (1) رواية القرطبي قال: وأنشد الفراء: لكل دهر قد لبست أثؤبا ... حتى اكتسى الرأس قناعا أشيبا من ريطة، واليمنة المعصبا (2) فى ح: قرأ. (3) فى ش: العظيم. (4) انظر البحر المحيط 8/ 132، والقليب: البئر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 ومن سورة- والطور وقوله عز وجل: وَالطُّورِ (1) . أقسمَ بِهِ وَهُوَ الجَبلُ الَّذِي بمَدْيَنَ الَّذِي كلّمَ اللَّهُ جلَّ وَعزَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام عنده نكليما. وقوله تبارك وتعالى: فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) . والرَّقُّ: الصحائفُ التي تُخْرَجُ إلى بني آدَمَ، فآخِذٌ كتابَه بيمينةِ، وآخِذٌ كتابَه بشمالِه. وقوله تبارك وتعالى: وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) . بيت كان آدم صلّى الله عليه بناه فرُفِع أيام الطوفانِ، وهو فِي السماء السادسَةِ بحيال الكعبةِ. وقوله عزَّ وجلَّ: وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) . كَانَ عليّ بْن أَبِي طَالِب رحمه اللَّه يَقُولُ: مسجورٌ بالنار، والمسجورُ فِي كلام العرب: المَمْلوء. وقوله تبارك وتعالى: يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (9) . تدورُ بما فيها وتسيرُ الجبال عنْ وجه الأرض: فتستوي هِيَ والأرضُ. وقوله عزَّ وجلَّ: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ (13) . يُدفعون، وكذلِكَ قوله «فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ» «1» . وقوله تبارك وتعالى: فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ (18) . «2» مُعْجَبِينَ بما آتاهم ربُّهم «3» . وقوله تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ «4» ذُرِّيَّتُهُمْ (21) : قرأها عَبْدُ اللَّه بْن مَسْعُود: (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) . (ألحقنا بهم ذرّيّتهم) (21) على التوحيد.   (1) سورة الماعون الآية 2. [ ..... ] (2، 3) ساقط فى ش. (4) فى ش: وأتبعناهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 قال حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: حدثني قيسُ والمفضلُ الضبي عَنِ الْأَعْمَش عنْ إبراهيم، فأما المفضّل فقال عن علقمة عنْ عَبْدِ اللَّهِ، وقالَ قيسٌ عنْ رَجُل عن عبد الله قَالَ: قَرَأَ رَجُل عَلَى عبدِ اللَّه «وَالَّذِينَ آمنوا واتّبعهم ذرّيّاتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرّيّاتهم» . قَالَ: فجعل عَبْدُ اللَّه يقرؤها بالتوحيد. قَالَ: حَتَّى ردَّدَها «1» عَلَيْهِ نحوًا من عشرين مرةً لا يَقُولُ ليسَ كما يَقُولُ «2» وقرأها الحسنُ: كلتيهما بالجمع، وقرأ بعض أهل الحجاز، الأولى بالتوحيد، والثانية بالجمع «3» ، ومعنى قوله: (اتّبعتهم ذريتهم) يُقالُ: إِذَا دَخَلَ أهلُ الجنةِ «4» الجنة فإن كان الوالد أرفَع درجة «5» من ابنه رُفِع ابنُه إِلَيْه، وإن كان الولد أرفع رفع والده إليه «6» : [57/ ا] وقوله عز وجل: وَما أَلَتْناهُمْ (21) : الألْتُ: النقصُ، وفيه لغةٌ أخرى: (وما لتناهم «7» من عَمِلهم من شيء) ، وكذلِكَ هِيَ فِي قراءة عَبْد اللَّه، وأبي بْن كعب قَالَ الشاعرُ: أبلغْ بني ثُعَلٍ عنِّي مُغَلغَلة ... جَهْدَ الرسالةِ لا أَلْتًا ولا كِذِبا «8» يَقُولُ: لا نقصانٌ، ولا زيادةٌ، وقالَ الآخَرُ: وليلةٍ ذات نَدى سَرَيتُ ... ولم يَلتْني عنْ سُرَاها لَيْتُ «9»   (1) فى ش: ردّها. (2) فى ش: تقول، ويبدو أن (لا) مزيدة تحريفا، أو أن فى العبارة سقطا، والأصل: لا يزال يقول. (3) قرأ عامة قراء المدينة: واتبعتهم ذريتهم على التوحيد بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم على الجمع، وقرأته قراء الكوفة. واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم كلتيهما (على التوحيد) . وقرأ بعض قراء البصرة، وهو أبو عمرو: وأتبعنا ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم (انظر الاتحاف 400 والطبري 27/ 15) . (4) سقط فى ح. (5) فى ش: من درجة، تحريف. (6) فى ح، ش إليه أبوه. (7) اختلف فى «ألتناهم» فابن كثير بكسر اللام، من ألت يألت كعلم يعلم، وافقه ابن محيصن. وروى ابن شنبوذ إسقاط الهمزة، واللفظ بلام مكسورة كبعناهم، يقال لأنه يليته كباعه يبيعه (الإتحاف 400، 401) (8) نسبه فى المحتسب للحطيئة، وروايته فى الشطر الأول: أبلغ لديك بنى سعد مغلغة ويروى: سراة مكان لديك، ومغلغلة: رسالة تغلغل حتى تصل إليهم انظر الديوان: 135 والمحتسب 2/ 290 (9) نسبة فى المحتسب لرؤبة، ولم نعثر عليه فى ديوانه ولا ديوان العجاج، (وانظر المحتسب 2/ 291) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 واللَّيْتُ هاهُنا مصدر «1» لم يَثْننِي عَنْهَا نَقْصٌ بي ولا عَجْزٌ عَنْهَا. وقوله تبارك وتعالى: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ (28) . إنَّه «2» قرأها عاصم والأعمشُ، والحسنُ- (إنه) - بكسرِ الألفِ، وقرأها أَبُو جَعْفَر الْمَدَنِيّ ونافع- (أَنَّهُ) ، فمن: كسرَ استأنفَ، ومَن نصَبَ أراد: كُنَّا ندعوه بأنه بَرٌّ رحِيمٌ، وهو وجه حسنٌ. قَالَ الفراء: الكسائيُّ يفتحُ (أَنَّهُ) ، وأنا أكسِرُ. وإِنما قلتُ: حسنٌ لأن الكِسَائِيّ قرأه. وقوله تبارك وتعالى: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) . أوجاعَ الدَّهر، فيشغل عنكم، ويتفرّقُ أصحابهُ أَوْ عُمْر آبائه، فإنَّا قد عرفنا أعمارَهم. وقوله تبارك وتعالى: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا (32) الأحلامُ فِي هَذَا الموضع: العقولُ والألبابُ. وقوله عز وجل: الْمُصَيْطِرُونَ (37) و «لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ» «3» . [57/ ب] كتابتها بالصاد، والقراءة بالسين والصاد. وقرأ الكسائي بالسين ومثله: بصطة، وبسطة- كُتب بعضُها بالصادِ، وبعضُها بالسين. والقراءة بالسين فِي بَسَطة، ويَبْسُط- وكل ذَلِكَ أحسْبُه قَالَ صواب «4» . قَالَ [قَالَ «5» ] الفراء: كُتِبَ فِي المصاحف فِي البقرة- بَسْطةً، وفي الأعرافِ بصطةً بالصاد وسائر القرآنِ كُتبَ- بالسين. وقوله عزَّ وجلَّ: حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ (45) بالألف، وَقَدْ قَرَأَ بعضُهم (يَلْقَوْا) «6» وَالملاقاة أعرَبُ وكلّ حسن.   (1) سقط فى ح، ش. (2) لم يثبت فى ش: إنه. (3) سورة الغاشية الآية: 22 وفى ا، ش: وما أنت عليهم بمصيطر، وهو خطأ. [ ..... ] (4) قرأ الجمهور بالصاد، وقرأ هشام وقنبل وحفص بخلاف عنه بالسين (البحر المحيط 8/ 152) . (5) سقط فى ح، ش. (6) قرأ أبو جعفر بفتح الياء والقاف وسكون اللام بينهما بلا ألف: يلقوا، مضارع لقى، وافقه ابن محيصن، والباقون بضم الياء، وفتح اللام ثم ألف، وضم القاف يلاقوا، من الملاقاة، وافقهم ابن محيصن فى الطور (انظر الإتحاف 387) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 وقوله عز وجل: فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) قرأها عاصم، وَالأعمشُ (يَصعقون) [وأهلُ الحجاز (يُصعقون) ] «1» وَقرأها أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلميُّ (يَصعقون) بفتح الياء- مثل الْأَعْمَش «2» . وَالعربُ تَقُولُ: صُعِق الرجُلُ، وَصَعق- وَسُعِد، وَسَعِدَ لغاتٌ كلُّها صوابٌ «3» . ومن سورة النجم قوله تبارك وتعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) . أقسم- تبارك وَتعالى- بالقرآن، لأنّه كانَ يَنْزِلُ نجومًا «4» الآية وَالآيتانِ، وَكانَ بين أوَّلِ نزولِه وآخره عشرون سنة. حدثنا [58/ ا] محمد بن الجهم قال: حدثنا الفراء: وَحَدَّثَنِي الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فِي قوله: «فَلَا أُقْسِمُ بِمَوْقِعِ النُّجُومِ» «5» قَالَ: هُوَ مُحْكَمُ الْقُرْآنِ. قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد «6» أَبُو زكريا يعني: الَّذِي لم يُنسَخ. وقوله تبارك وتعالى: إِذا هَوى. نزل، وَقد ذُكر: أَنَّهُ كوكب «7» إِذَا غَرَبَ. وقوله جل وعز: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ (2) .   (1) ما بين الحاصرتين سقط فى ح، ش. (2) قرأ الجمهور: يصعقون بفتح الياء، وقرأ عاصم: بضم الياء (تفسير الطبري 27/ 19) وقرأ السلمى بضم الياء وكسر العين من أصعق رباعيا (البحر المحيط 8/ 153) . (3) فى اللسان: صعق الرجل وصعق، وفى حديث الحسن: ينتظر بالمصعوق ثلاثا ما لم يخافوا عليه نتنا هو المغشى عليه أو الذي يموت فجأة. لا يعجل دفنه. (4) فى ش: نجوم، وهو تحريف. (5) سورة الواقعة الآية: 75، وقوله: (بموقع) قراءة الكسائي وخلف، وقراءة الباقين (بمواقع) . (6) سقط فى ح، ش. (7) فى ح، ش الكوكب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 جواب لقوله: «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى» . وقوله عز وجل: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) . يَقُولُ: ما يَقُولُ هَذَا القرآنَ برأيه إنّما هُوَ وَحيٌ، وذلك: أن قريشًا قَالُوا: إنَّما يَقُولُ القرآنَ من تلقائه، فنزل تكذيبُهم. وقوله عز وجل: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) . أراد جبريل- صلى الله عليه- «ذُو مِرَّةٍ» (6) من نعْتِ شديد «1» القوى. وقوله عز وجل: فَاسْتَوى (6) استوى هُوَ «2» وَجبريل بالأفق الأعلى لمَّا أُسري بِهِ، وَهو مَطلع الشمس الأعلى، فأضَمر الاسمَ فِي- استَوى، وَرَدَّ عَلَيْهِ هُوَ، وَأكثرُ كلام العرب أن يقولوا: استوى هُوَ وَأبوه- وَلا يكادُون يقولون: - استوى وَأبوه، وَهو جائز، لأن فِي الفعل مضمرًا: أنشدني بعضُهم: ألم تَر أن النّبْعَ يُخلقُ عُودُه ... وَلا يستوي والخِرْوَعُ المتقصّف «3» [58/ ب] وقَالَ اللَّه تبارك وَتعالى- وَهو أصدق قيلا- «أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا» «4» فَردَّ الآباء عَلَى المضمر فِي «كُنا» إلَّا أَنَّهُ حسن لما حيلَ بينهما بالتُّراب. وَالكلامُ: أئذا كنا تُرابًا نحنُ وآباؤنا. وقوله عزَّ وجل: ثُمَّ دَنا (8) . يعنى: جبريل صلّى الله عليه، دنا من محمد صلّى الله عليه حتَّى كَانَ قابَ قوسين عَرَبيَّتينِ أَوْ أدنى: فَأَوْحى (10) يعنى: جبريل عليه السلام «إِلى عَبْدِهِ» : (10) إلى محمد صلّى الله عليه عبد الله: «ما أَوْحى» (10) . وقوله تبارك وتعالى فَتَدَلَّى (8) كأن المعنى: ثُمَّ تدَلَّى فدَنا، وَلكنه جائز إِذَا كَانَ معنى الفعلين وَاحدًا أَوْ كالواحِدِ قدمتَ أيهما شئت، فقلتَ: قَدْ دنا فقرُبَ، وقرُبَ فدَنا وشتمني فأساء، وأساء فشَتَمَنيِ، وقَالَ الباطِلَ لأن الشتم، والإساءة شىء واحد.   (1) سقط فى ح، ش. (2) فى ش: وهو جبريل. (3) يخلق: يملس. والمتقصف: المتكسر وفى أساس البلاغة (قصف) ، وتفسير القرطبي: 17: 85: يصلب مكان يخلق (4) سورة النمل الآية: 67. [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 وكذلك قوله: «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ» «1» . والمعنى- والله أعلم- انشق القمرُ واقتربت الساعةُ، والمعنى واحدٌ. وقوله عزَّ وجلَّ: مَا كَذَبَ الْفُؤادُ (11) . فؤاد محمد- صلى الله عليه- «ما رأى» ، يقول: قد صدقه فؤاده الذي رأى، و «كذّب» يُقرأ بالتشديد والتخفيف. خففها عاصم، والأعمش، وشيبة، ونافع المدنيان [59/ ا] وشدَّدَها «2» الحسنُ البصريُّ، وأبو جَعْفَر الْمَدَنِيّ. وكأن من قَالَ: كَذبَ يُريدُ: أن الفؤاد لم يكذّب الَّذِي رَأَى، ولكن جعلَه حقًا صِدْقًا وَقَدْ يجوز أن يُريد: ما كذَّب صاحبَه الَّذِي رَأَى. ومن خفف قَالَ: ما كذب الَّذِي رَأَى، ولكنه «3» صدَقَهُ. وقوله عزَّ وجلَّ: أفتمرونه (12) . أي: أفتجحدونه «4» . حدثنا «5» أبو العباس قال: حَدَّثَنَا «6» مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: حدثني قيس بنُ الربيع عنْ مُغِيرَة عنْ إبراهيم قال: «أفتمرونه» - أفتجحدونه، «أَفَتُمارُونَهُ» -: أفتجادلونه [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي] «7» حَدَّثَنَا هُشَيْم عنْ مُغِيرَة عنْ إِبْرَاهِيم أنه قرأها: «أفتمرونه» . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: حَدَّثَنَا قيسٌ عنْ عَبْد الملك بْن الأبجر عَنِ الشَّعْبِيّ عنْ مسروق أَنَّهُ قَرَأَ: «أفَتَمرُونَه» وعن شُريح أَنَّهُ قَرَأَ: «أَفَتُمارُونَهُ» . وهي قراءة العوامِّ وأهل المدينة، وعاصم بْن أَبِي النَّجودِ والحسنِ. وقوله عزَّ وجلَّ: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (13) .   (1) سورة القمر الآية: 1. (2) فى ش: وشدها. (3) فى ش: ولكن. (4) وقوله (أفتمرونه) قراءة حمزة والكسائي ومن وافقهما، والباقون يقرءون (أفتمارونه) انظر الإتحاف: 248. (5، 6) ساقط فى ح، ش. (7) ما بين الحاصرتين زيادة من ح، ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 يَقُولُ: مَرةً أخرى. وقوله تبارك وتعالى: عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (15) . حدثنا محمد بن الجهم قال: [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا] «1» الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي حِبانُ عنْ أَبِي إِسْحَاق الشيباني قَالَ: سُئِلَ زِرُّ بنُ حُبَيْش، وأنا أسمَعُ: عندها جَنَّةُ المأوى، أَوْ جَنَةُ المأوى، فَقَالَ: جنة من الجنان. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: وحدثنى بعض المشيخة [59/ ب] عَنِ الْعَرْزَمِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: جَنَّةٌ مِنَ الْجِنَانِ. قَالَ: وقَالَ الفراء: وَقَدْ ذُكر عنْ بعضهم: جَنَّةُ الْمَأْوى يُريدُ: أجَنَّه، وهي شاذة «2» ، وهي: الجنة التي فيها أرواحُ الشهداء. وقوله تبارك وتعالى: ما زاغَ الْبَصَرُ (17) . بصر محمد صلّى الله عليه ما زاغ بقلبِه يمينًا وشِمالًا ولا طغى ولا جاوز ما رَأَى. وقوله عزَّ وجلَّ: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) . قرأها الناسُ بالتخفيف فِي لفظِ قوله: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ «3» -. وفي وَزْنِ- شاةٍ، وكان الكسائيُّ يَقِفُ عليها بالهاء أفرأيتم اللّأه. [185/ ب] «4» قَالَ وقَالَ «5» الفراء. وأنا أقفُ عَلَى التاء. [حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ] «6» قَالَ: وَحَدَّثَنِي القاسمُ بْن مَعْنٍ «7» عنْ مَنْصُور بْن المعتمر عن مجاهد قال:   (1) ما بين الحاصرتين زيادة فى ج، ش. (2) قرأ جنّه المأوى» بالهاء على (عليه السلام) ، وابن الزبير بخلاف، وأبو هريرة وأنس بخلاف، وأبو الدرداء، وزر بن حبيش، وقتادة، ومحمد بن كعب. قال أبو الفتح (ابن جنى) : يقال: جنّ عليه الليل، وأجنّه الليل، وقالوا أيضا: جنّه، بغير همز، ولا حرف جر، وانظر المحتسب ح 2/ 293. (3) سورة ص الآية: 3. (4) من هنا رجع إلى النسخة (ا) . (5) زيادة فى ب، ش. (6) ما بين الحاصرتين زيادة من ب. (7) فى ش: معين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 كان رجلا «1» يلتّ لهم السّويق، وقرأها: اللّات والعزى فشدّد التاء. [حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] : «2» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عن ابن عباس قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ التُّجَّارِ يَلُتُّ السَّوِيقَ لهم عند اللّات وهو- الصّنم وببيعه فسميّت «3» بِذَلِكَ الرَّجُلَ، وَكَانَ صَنَمًا- لِثَقِيفٍ، وَكَانَتِ الْعُزَّى سُمْرَةً- لِغَطَفَانَ يَعْبُدُونَهَا. وقوله: وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (20) . كانت مناة صخرة لهذيل، وخزاعة يعبدونها. [حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] «4» : حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى الْعُزَّى لِيَقْطَعَهَا قَالَ: فَفَعَلَ وَهُوَ يَقُولُ: يَا عُزَّ كُفْرَانَكِ لَا سُبْحَانَكِ ... إِنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ أَهَانَكِ وقوله: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21) . لأنهم قَالُوا: هَذِهِ الأصنام والملائكةُ بنات اللَّه، فَقَالَ: «أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى» (22) جَائِرة. والقراء جميعًا لم يَهمِزُوا- ضِيزي، ومنَ العَرب من يَقُولُ: قِسْمَة «5» ضَيْزَى، وبعضُهُم يَقُولُ: قِسْمة ضَأزَى، وضُؤزَى بالهَمْز، ولم يقرأ بها أحدٌ نَعْلَمهُ وَضِيزَى: فُعْلَى. وإن رأيتَ أولها مَكْسُورًا هِيَ مثل قولهم: بيضٌ، وعِينٌ- كَانَ أولُها مَضْمُومًا فَكَرِهُوا أن يُتركَ عَلَى ضَمَّتِه، فيقالُ: بُوضٌ، وعُونٌ. والواحِدةٌ: بَيضاء، وعَيناء: فَكَسرُوا أولَها ليكُون بالياء ويتألف الْجَمْعُ والاثنان والواحدَة «6» .   (1) فى ش: رجل، وهو تحريف. [ ..... ] (2) ما بين الحاصرتين زيادة من ب. (3) فى ش: فسمّى، وفى (ا) فتسميت، تحريف. (4) ما بين الحاصرتين زيادة من ب. (5) سقط فى ح، ش (6) فى ح: الواحد، وفى ش: الوالد وهو خطأ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 كذلك كرهُوا أن يَقولوا: ضُوزَى، فتصيرُ وَاوًا، وهي من الياء، وإنّما قضيتُ عَلَى أوّلها بالضّم لأنّ النّعوت للمؤنّث تأتى إمّا: بَفتْح وإمَّا «1» بِضَمٍّ: فالمفتُوح «2» : سَكْرى «3» ، عَطْشى والمضمومُ: الأُنثى، والحُبْلى فإذا كانَ اسمًا ليس بنعتٍ كُسِرَ أوله كقوله: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى «4» ) ، الذِّكرى اسم لِذلكَ كسرتْ، وليَستْ بنَعْتٍ، وكذلِكَ (الشِّعْرَى) كُسرَ أولها لأنها اسمٌ ليست بنعتٍ. وحَكَى الكِسائيِ عنْ عِيسَى: ضِيزَى. وقوله: أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى (24) ما اشتهى. وقوله: فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (25) ثوابهما. وقوله: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ: ثم قال لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً (26) . فَجَمعَ، وإنّما ذَكَرَ مَلَكًا واحدًا، وذلِكَ أن (كَمْ) تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أرادَ جمعًا، والعَربُ تذْهَب بأحد وبالواحد «5» إلى الجمع فِي المعنى يقولونَ: هَلِ اختصمَ أحدٌ اليومَ. والاختصامُ لا يَكُونُ إلا للاثنين، فما زادَ. وَقَدْ قَالَ اللَّه عزَّ وجلَّ: (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ منهم «6» ) ، فبيْنَ لا تَقعُ «7» إلّا عَلَى الاثنين فما زادَ. وقوله: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ «8» مما دل عَلَى أن أحدًا يَكُونُ للجمع وللواحد. و [معنى] «9» قوله: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ. مما «10» تعبُدونه وتزعمون أنهم بناتُ اللَّه لا تغنى شفاعتهم عنكم شيئا «11» .   (1) فى ش: أو. (2) فى ش: والمفتوح. (3) فى ش: كشرى وهو خطأ من الناسخ. (4) سورة الذاريات: الآية: 55. (5) فى ش: والواحد. (6) سورة البقرة الآية: 136. (7) فى ش لا يقع. (8) سورة الحاقة الآية: 47. (9) زيادة من ب، ح، ش. [ ..... ] (10، 11) مطموس فى (ا) ومنقول من ب، ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 وقوله: وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (28) . من عذاب اللَّه فِي الآخرة. وقوله: ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ (30) [186/ ا] . صغّر بهم [يَقُولُ] «1» ذَلِكَ قدْر عُقُولهم، ومَبْلَغُ عِلْمِهم حينَ آثروا الدنيا عَلَى الآخرة، وَيُقَالُ: ذَلِكَ مَبلَغهمُ منَ العلم أن جَعَلُوا الملائكةَ، والأصنامَ بنات اللَّهِ. وقوله: يَجْتَنِبُونَ كَبِيرَ «2» الْإِثْمِ (32) . قرأها يَحيى، وأصحابُ عَبْد اللهِ «3» ، وذكروا: أَنَّهُ الشِّرك. وقوله: إِلَّا اللَّمَمَ (32) . يَقُولُ: إلّا المتقاربَ من صغير الذنُوب، وسمعت العرب تَقُولُ: ضَرَبَهُ ما لَممَ القتل، (ما) صِلَةٌ يُريدُ: ضربَه ضَرْبًا مُتَقاربًا لِلْقَتْل، وسمعت من آخر: ألَمَّ «4» يفْعَلُ- فِي مَعْنى- كادَ يفَعلُ «5» . وذكر الكلَبيّ بإسناده: أنّها النظرَةُ عنْ «6» غير تعمُّدٍ، فهيَ لَممٌ وهي مغفورةٌ، فإن أعادَ النظَرَ فليس بلَمَمٍ هُوَ ذَنبٌ وقوله: إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (32) . يُرِيدُ: أنشأ أباكُم آدمَ «7» من الأرض «8» . وقوله: وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ (32) . يَقُولُ: هُوَ أعلمُ بكم أوّلًا وآخرًا فلا تزكوّا أنفسكم لا يقولنّ أحدكم: عملت كذا، أَوْ فعْلتُ كذا، هُوَ أعْلَمُ بمَن اتقى.   (1) زيادة (من ش) . (2) فى ش: كبائر. (3) قرأها بالتوحيد أيضا حمزة والكسائي وخلف، والباقون بفتح الباء ثم ألف فهمزة على الجمع. (الإتحاف 383 و 403) . (4) فى ش: لم. (5) نقل اللسان كلام الفراء فى تفسير اللمم. انظر مادة لمم. (6) فى اللسان. من مكان عن. (7، 8) ساقط فى ح، ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 وقوله: أَكْدى (34) . أي: أعطى قليلًا، ثُمَّ أمسكَ عَنِ النفقة. «أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى» (35) حالةَ فِي الآخرة، ثُمَّ قال: «أَمْ «1» لَمْ يُنَبَّأْ» (36) المعنى: ألم. «وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى» (37) : بَلّغَ- أنْ «2» ليست تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى، لا تحتمل الوازرة ذنب غيرها. وقوله: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (42) . قراءة «3» الناس- (وأنّ) ، ولو قرىء إنّ «4» بالكسر على الاستئناف كان صوابا. [حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] «5» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: حدثني الحسنُ بْن عياشٍ عَنِ الْأَعْمَش عنْ إِبْرَاهِيم عنْ علقمة بْن قيس: أَنَّهُ قَرَأَ ما فِي النجم، وما فِي الجنّ، (وأنّ) بفتح «6» إنّ. [حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] حَدَّثَنَا «7» - الْفَرَّاءُ قال: حدثني قيسٌ عَنِ الْأَعْمَش عنْ إِبْرَاهِيم عنْ علقمة بمثلِ ذَلِكَ «8» . وقوله: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (43) . أضحَك أهلَ «9» الجنة بدخول الجنة، وأبكَى أهلَ النار بدخول النار. وَالْعَرَبُ تقوله فِي كلامها إِذَا عِيب عَلَى أحدهم الجَزَع والبكاء يَقُولُ: إنّ اللَّه أضحكَ، وأبكى. يذهبونَ بِهِ إلى أفاعيل أهل الدنيا.   (1) أم: لم نثبت في ح. (2) فى (ب) أي مكان أن، تحريف. (3) فى ب: قرأه. (4) فى ش: وإنّ. (5) زيادة من ب، وفى ح، ش: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حدثنا الفراء ... إلخ. (6) يريد: (وأنه تعالى) وما بعدها فى هذه السورة إلى: (وأنا منا المسلمون) ، وفتح الهمزة قراءة ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي وقراءة أبى جعفر فى (وأنه تعالى) ، (وأنه كان يقول) ، (وأنه كان رجال) ، وقراءة الباقين بكسر الهمزة. الإتحاف: 262. [ ..... ] (7) فى ش: قال الفراء حدثنى ... إلخ. (8) فى ب، ش: بمثل هذا. (9) فى ش: هو، تحريف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 وقوله: وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى (48) . رضّى الفقير بما أغناه به (وأقنى) من القنية والنشب. وقوله: رَبُّ الشِّعْرى (49) . الكوْكب «1» الَّذِي يَطلعُ بعد الجوزاء. وقوله: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (50) . قَرَأَ الْأَعْمَشُ وعاصمٌ (عادًا) يخفضان النونَ، وذكرَ القاسم بْن معن: أنّ الْأَعْمَشَ قَرَأَ (عادَ لُولى) ، فجزمّ النونَ، ولم يهمز (الأولى) . وهي قراءةُ أهل المدينة: جَزمُوا النونَ لمّا تحرّكَت اللّام، وخفضَها مَن خفضَها لأن البناء عَلَى جزم اللام التي مَع الألف فِي- الأولى «2» والعربُ تَقُولُ: قمْ لآن، وَقُمِ الآن، وصُمِ الاثنين وَصُمْ لثنين عَلَى ما فسرتُ لَكَ. وقوله عاداً الْأُولى. «3» بغير [186/ ب] «4» هَمْز: قومُ «5» هُودٍ خاصةً بقَيتْ مِنْهم بقيةُ نجوامع لُوطٍ، فسُمّي أصحابُ هودٍ عادًا «6» الأولى. وقوله: وَثَمُودَ فَما أَبْقى (51) . ورأيتها بعض مصاحف «7» عَبْد اللَّه (وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى) بغير ألفٍ «8» وهي تجرى فِي النصب فِي كل التنزيل إلّا قوله: (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مبصرة) «9» فإِنّ هَذِهِ ليس فيها ألفٌ فَتُرِك إجراؤهَا.   (1) فى (ا) فى الكواكب. (2) قرأ: عاد لولى بإدغام التنوين في اللام بعد نقل حركة الهمزة إليها وصلا نافع، وأبو عمرو، وأبو جعفر ويعقوب. والباقون وهم: ابن كثير، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف بكسر التنوين، وسكون اللام، وتخفيف الهمزة من غير نقل فكسر التنوين لالتقاء الساكنين وصلا والابتداء بهمزة الوصل (الإتحاف 403، 404) (3، 4) سقط فى ح، ش. (5) فى ح، ش، هم قوم. (6) زيادة فى ح، ش. (7) كتبت كلمة «بعض» فى (ا) بين السطرين، وجاء فى هذه النسخة: فى بعض مصحف. (8) قرأ: وثمود. بغير تنوين عاصم وحمزة ويعقوب، والباقون بالتنوين (الإتحاف 404) . وانظر المصاحف للسجستانى: 71. (9) لم تثبت (مبصرة) فى ح، ش، والآية فى الإسراء: 59 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 وقوله: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (53) . يُريدُ: وأهوى المؤتفكةَ لأنّ جبريلَ- عَلَيْهِ السَّلام- احتمل قَريات قَوْمِ لُوط حتَّى رفعها إلى السماء، ثُمَّ أهْوَاها وأتبعَهمُ اللَّه بالحجارةَ، فذلك قوله: (فغشّاها ما غشّى) من الحِجارة. وقوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (55) . يَقُولُ: فبأيّ نِعَم رَبِّكَ تكذبُ أنها ليست منه، وكذلك قوله: (فتماروا بالنّذر) «1» . وقوله: هذا نَذِيرٌ (56) . يعنى: محمدا صلّى الله عليه. «مِنَ النُّذُرِ الْأُولى» (56) يَقُولُ القائلُ: كيفَ قَالَ لمُحمدٍ: من النذُر الأولى، وهو آخِرهُم؟، فهذا فِي الكلام كما تَقُولُ: هَذَا واحدٌ من بَني آدم وإن كَانَ آخرهُم أَوْ أولهمُ، ويقالُ: هَذَا نَذيرٌ من النُّذرِ الأُولَى فِي اللّوح المحفوظ. وقوله: أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) قَرُبَت القيامة. وقوله: لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (58) . يقول: ليس بعلمها كاشفٌ دونَ اللَّه- أي لا يعلمُ عِلمَها غيرُ ربيِّ، وتأنيثُ (الكاشفة) كقولِكَ: ما لِفلانٍ باقية. أي بقاء والعافية والعاقبة «2» ، وليس له ناهَيةٌ، كل هَذَا فِي معنى المصدر. وقوله: وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (61) لاهون.   (1) سورة القمر الآية: 36. (2) سقط فى ح، ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 ومن سورة القمر قوله عزّ وجلّ: وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) ذُكرَ: أَنَّهُ انشقَّ، وأَنَّ عَبْدَ اللَّه بْن مَسْعُودٍ رَأَى «1» حراء «2» من بَيْن فِلقتيه فلقتى القمر. وقوله: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً. يعنى القمر يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) . أي: سيبطلُ ويذهَبُ. وقَالَ بَعْضهم: سِحْر يُشبهُ بعضه بعضا. وقوله: وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) . سيقر قرار تكذيبهم، وقرارُ قولِ المصدّقينَ حتَّى يعرفوا حقيقته «3» بالعقاب والثواب. وقوله: مُزْدَجَرٌ (4) منتهىّ. وقوله: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ (5) . مرفوعٌ عَلَى الردّ عَلَى (مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) ، و (ما) فِي موضع رفع، ولو رفعته عَلَى الاستئناف كأنّك تُفَسِّرُ بِهِ (ما) لكانَ صوابًا، ولو نُصبَ عَلَى القطع لأنّهُ نكرَة، وما معرفة كانَ صوابًا. ومثله فِي رَفْعه: (هذا ما لدىّ عتيد) «4» ولو كان (عتيد) منصوبًا كَانَ صوابًا. «5» وقوله: فَما تُغْنِ النُّذُرُ «6» (5) .   (1) سقط في ح. [ ..... ] (2) فى ح جزاء مكان حراء تحريف. (3) فى ش: بحقيقته. (4) سورة ق الآية 23. (5) قوله: كان صوابا، لأن «هذا» و «ما» معرفتان، فيقطع العتيد منهما. كمن قرأ: هذا بعلى شيخا انظر الآية 23 من سورة ق فيما سبق. (6) رسمت فى ا، ب: تغنى، ورسم المصحف: تغن بحذف الياء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 إن شئت جعلتَ (ما) جحدًا تُريدُ: ليْسَت تُغني عَنْهم النذُرُ، «1» وإن شئتَ جعلتها فِي موضع أي- كأنكَ قلتَ. فأيّ شيء تُغني النذر «2» . [187/ ا] وقوله: خَاشِعًا أبْصَارُهُمْ (7) . إِذَا تقدَّمَ الفِعلُ قبل اسمٍ مؤنثٍ، وهُوَ لَهُ أَوْ قبل جمع مؤنثٍ مثل: الأبصارِ، والأعمار وما أشبَهَهَا- جَازَ تأنيثُ الْفِعْلِ وتذكيرهُ وَجَمْعُهُ، وَقَدْ أتى بذلك فِي هَذَا الحرف، فقرأهُ ابْنُ عَبَّاس (خاشعًا) . [حدثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] «3» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وحدثنى هشيم وأبو معاوية عن وائل ابن دَاوُدَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عباس أنّه قرأها (خاشعا) . [حدثنى مُحَمَّدٌ قَالَ] «4» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي هُشيمٌ عنْ عوفٍ الأعرابي عَنِ الْحَسَن وأبي رجاء العطارديّ أن أحدَهُما قَالَ: (خاشعًا) والآخر (خُشَّعاً) . قَالَ الفراء: وهي فِي قراءة عَبْد اللَّهِ (خاشِعةً أبصارُهُم) «5» . وقراءة النَّاس بَعْدُ (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ) «6» . وَقَدْ قَالَ الشاعرُ: وشَبابٍ حَسنٍ أوجُهُهُمْ ... من إياد بْن نزار بْن مَعَدْ «7» وقَالَ الآخرُ. يرمي الفِجاجَ بها الركبانُ مُعترضًا ... أعناق بزّلها مرخى لها الجدل «8»   (1، 2) ساقط فى ح، ش. (3، 4) زيادة فى ب. (5) انظر قراءة عبد الله: خاشعة أبصارهم، فى المصاحف للسجستانى ص: 72. (6) جاء فى تفسير الطبري: واختلفت القراء فى قوله: خاشعا أبصارهم فقرأ ذلك عامة قراء المدينة وبعض المكيين والكوفيين: خشعا بضم الخاء وتشديد الشين بمعنى خاشع، وقرأه عامة قراء الكوفة وبعض البصريين: خاشعا أبصارهم بالألف على التوحيد (الطبري 27/ 48) . (7) البيت للحرث بن دوس الأنصاري، ويروى لأبى دؤاد الأنصاري (انظر تفسير القرطبي 17/ 129) (والبحر 8/ 175) وفى ح: وشهاب مكان وشباب، تحريف. وفى ش: إياد نزار، سقط. (8) انظر البحر المحيط 8/ 175 واختلاف الرواية فيه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 قَالَ الفراء: الجدُلُ: جَمْعُ الجَديلِ، وهُوَ الزمَامُ، فلو قَالَ: مُعترضاتٍ، أَوْ مُعترضةً لكان صوابًا، مرخاة ومرخيات. وقوله: مُهْطِعِينَ (8) . ناظِرينَ قِبلَ الداع. وقوله: وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) . زُجِرَ بالشتم، وازْدُجِر افْتعل من زَجَرْتُ، وإذا «1» كانَ الحرف أولهُ زايٌ صارتْ تاء الافِتعال فِيهِ دالًا مِنْ ذَلِكَ: زُجِرَ، وازْدُجِرَ، ومُزْدَجَرٌ، ومن ذَلِكَ: المُزْدَلِفُ ويزدادُ هِيَ من الفِعل يفتعل فقس عليه ماورد. وقوله: فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) . أرادَ الماءين: ماء الأرض، وماء السماء، ولا يجوز التقاء إلا لاسمين، فما زاد، وإنما جَازَ فِي الماء، لأن الماء يَكُونُ جمعًا وواحدا. وقوله: عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ. قُدر «2» فِي أمّ الكتاب. وَيُقَال: قَدْ «3» قُدِرَ أَن الماءين كان مقدَارُهُما واحدًا. وَيُقَال: «4» قَدْ قُدرَ «5» لِما أرادَ اللهُ من تعذيبهم. وقوله: وَحَمَلْناهُ (13) . حَملْنا نُوحًا عَلَى ذاتِ ألواحٍ يعني: السفينة، (ودسر) (13) مَسامِيرُ السفينة، وشُرُطُها التي تُشَد بها. وقوله: جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (14) .   (1) فى ش: وإن. (2) سقط فى ب، ح، ش. (3) سقط فى ش. [ ..... ] (4، 5) سقط فى ح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 أي: جُحِدَ. يَقُولُ: فَعلنا بِهِ وبهم ما فعلنا جزاء لمَا صُنِع بنوحٍ وأصحابه، فَقَالَ: لِمَنْ «1» يُريدُ الْقَوْمَ، وفيه مَعْنَى ما. ألا تَرى أنَّك تقولُ: غُرّقوا لنوحٍ ولِما صُنعَ بنُوح، والمعنى واحد. وقوله: وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً (15) . يَقُولُ: أبقيناهَا من بعد نُوح آيةً. وقوله: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) . المعني: مُذتكر، وإذا قلتَ: مُفْتعلٌ فيما أوّلهُ ذالٌ صارت الذالُ وتاءُ الافتعال دالًا مُشدَّدة وبعض بنى أسد يقولون: مذكر، فيغنبون الذّال فتصير ذالا مشددة. [حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] : «2» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: و «3» حدثنى الْكِسَائِيُّ-[وَكَانَ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُهُ إِلَّا صَدُوقًا] «4» - عَنْ إِسْرَائِيلَ وَالْقَرْزِمِيِّ عَن أَبِي إِسْحَاقَ عَن الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قُلْنَا لِعَبْدِ اللَّهِ: فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ، أَوْ مُدَّكِرٍ، فَقَالَ: أَقْرَأَنِي رسول الله [187/ ب] صلى الله عليه: (مُدَّكِرٍ) بِالدَّالِ. وقوله: فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (16) . النذر هاهنا مصدر معناه: فكيف كان إنذارى، ومثله (عذرا ونذرا) «5» (15) يخفُفانِ ويثقلان كما قَالَ «إِلى شَيْءٍ «6» نُكُرٍ» فثقل فى «اقْتَرَبَتِ» وخفف فى سورة النساء القصرَى «7» فقيل «نُكْرًا» . «8» وقوله: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ «9» (17) .   (1) فى ح: لما. (2) زيادة فى ب، وفى ح، ش،: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ ... (3) سقط فى ش. (4) ما بين الحاصرتين زيادة فى ح، ش. (5) إشارة إلى قوله تعالى فى سورة المرسلات: 5، 6 (فالملقيات ذكرا، عذرا أو نذرا) . (6) سقط فى ح. (7) سورة النساء القصرى هى سورة الطلاق، كما فى بصائر ذوى التمييز: 1: 469، و (نكرا) فى الآية 8 من هذه السورة. (8، 9) فى هامش ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 يقول «1» : هوّناه ولولا ذلك ما أطاق العبادُ أن يتكلمُوا بكلام اللَّه. وَيُقَال «2» : وَلَقَدْ يسرنا القرآن للذكر: للحفظ، فليس من كتاب بحفظ ظاهرًا غيرُه. وقوله: فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) . استمر عليهم بنحوسته. وقوله: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ (20) . أسَافلُهَا. مُنقَعِرٌ المصُرَّعُ منَ النخل وقوله: إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) . أرادَ بالسُّعُر: العَنَاء لِلعَذاب: وقوله: كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) . قرأ مجاهد وحده: الأشر. [حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ:] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: وحدثني سُفْيَان بْن عيينَة عنْ رجلٍ عنْ مجاهد أنه قرأ (سيعلمون) بالياء كذا قال سفيان غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) وهو بمنزلة قولك فِي الكلام: رَجُل حَذِر، وحذر، وفطن، وفطن «3» وعجل، وعجل «4» . [حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] «5» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ الْفَضْلِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَرَأَ: سَيَعْلَمُونَ غَدًا- بِالْيَاءِ. وقوله: وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ (28) . للناقة يوم، ولهم يوم، فَقَالَ: بينهم وبين الناقة. وقوله: كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) . يحتضره أهله ومن يستحقه. وقوله: فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) . الَّذِي يحتظرُ عَلَى هشيمه «6» ، وقرأ الْحَسَن وحده: كهشيم «7» المحتظَر، فتح الظاء فأضاف الهشيم إلى   (1، 2) فى هامش ش. (3، 4) ب: بين حذر وفطن. (5) زيادة فى ب. (6) فى ش هشيميه. (7) سقط فى ح، ش. [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 المحتظَر، وهو كما قَالَ: «إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ «1» الْيَقِينِ» ، والحق هُوَ اليقين، وكما قَالَ: «وَلَدارُ الْآخِرَةِ «2» خَيْرٌ» فأضاف الدار إلى الآخرة، وهي الآخرة، والهشيم: الشجر إذا يبس. وقوله: نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (34) . سحر هاهنا يجري لأنَّه نكرة، كقولك: نجيناهم بليلٍ، فإذا ألقت مِنْهُ العرب الباء لم يجروه، فقالوا: فعلت هَذَا سحر يا هَذَا، وكأنهم فِي تركهم إجراءه أنّ كلامهم كَانَ فِيهِ بالألف واللام، فجرى عَلَى ذَلِكَ، فلما حذفت الألف واللام، وفيه نيتهما لم يصرف. كلام العرب أن يقولوا: مازال عندنا هذا السحر، لا يكادون يقولون غيره. وقوله: فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (36) . كذّبوا بما قَالَ لهم. وقوله: وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) : العرب تجري: غدوة، وبكرة، وَلا تجريهما وأكثر «3» الكلام فِي غدوة ترك الإجراء وأكثره فِي بكرة أن تُجرَى. قَالَ: سمعت «4» بعضهم يَقُولُ: أتيته بكرةَ باكرًا، فمن لم يجرها جعلها معرفة لأنها اسم تكون أبدًا فِي وَقت واحد بمنزلة أمسِ وغدٍ، وأكثر ما تجري العرب غدوة إِذَا قرنت «5» بعشية، فيقولون: إني لآتيك غدوةَ وَعشيةً، وَبعضهم غدوةً وعشيةً، ومنهم من لا يجرى عشية [188/ ا] لكثرة ما صحبت غدوةَ. وقوله: عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) . يَقُولُ: عذابٌ حق. وقوله: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ (43)   (1) سورة الواقعة الآية: 95. (2) سورة يوسف الآية: 109. (3) فى ح: وأكبر، تحريف. (4) فى ب، ش: وسمعت. (5) فى ش: قربت وهو تصحيف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 يقول: أكفاركم يأهل مكَّة خير من هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أصابهم العذاب أم لكم براءة فِي الزبر؟ يَقُولُ: أم عندكم براءة من العذاب، ثُمَّ قَالَ: أم يقولون: أي أيقولون: نَحْنُ جميع كَثِير منتصر، فقال الله: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ» (45) وهذا يوم بدر. وقَالَ: الدبر فوحّد، ولم يقل: الأدبار، وكلّ جائز، صواب أن تَقُولُ: ضربْنا منهم الرءوس والأعين، وضربنا منهم الرأس واليد، وهو كما تَقُولُ: إنه لكثير الدينار والدرهم، تريد الدنانير والدراهم «1» . وقوله: وَالسَّاعَةُ أَدْهى «2» وَأَمَرُّ (46) . يَقُولُ: أشد «3» عليهم من عذاب يوم بدر، وَأمرُّ من المرارة. وقوله: يَوْمَ «4» يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ (48) . وفي قراءة عَبْد اللَّه «يوم يسحبون إلى النار عَلَى وجوههم» . وقوله: ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) . سقر: اسم من أسماء جهنم لا يجري، وكل اسم كان لمؤنث فيه الهاء أو ليس فيه الهاء فهو لا يجري «5» إلا أسماءً «6» مخصوصة خفت فأجريت، وترك بعضهم إجراءها، وهي: هند، ودعد، وجُمل، ورئم، تُجري ولا تُجرى. فمن لم يُجرها قَالَ: كل مؤنث فحظه ألا يجري، لان فِيهِ معنى الهاء، وإن لم تظهر ألا ترى أنك إِذَا حقّرتها وصغرتها قلت: هنيدة، ودعيدة، ومن أجراها قَالَ: خفت لسكون الأوسط مِنْها، وأسقطت الهاء، فلم تظهر فخفّفت فجرت. وقوله: وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ (50) . «7» أي: مرة واحدة «8» هَذَا للساعة كلمح خطفة.   (1) فى ب، ش: الدراهم والدنانير. (2) فى ش: أهو، تحريف. (3) فى ح، ش: امتد، تحريف. (4) سقط «يوم» فى ح، وسقط «يوم يسحبون» فى ش. (5) فى ش: فهو لا يجوز، تحريف. (6) فى ب: إلا اسما. (7، 8) سقط فى ح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 وقوله «1» : وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53) . يريد: كل صغير من الذنوب أَوْ كبير فهو مكتوب. وقوله: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) . معناه: أنهار، وهو فِي مذهبه كقوله: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ» (45) . وزعم الكِسَائِيّ أَنَّهُ سَمِعَ العرب يقولون: أتينا فلانًا فكنّا فِي لحمةٍ ونبيذة فوحد «2» ومعناه الكثير. وَيُقَال: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ» فِي ضياء وسعة، وسمعت بعض العرب ينشد «3» : إن تك ليليا فإني نَهِرُ ... مَتَى أرى الصبح فلا أنتظرُ «4» «5» ومعنى نهر: صاحب نهار «6» وقد روى «وما أمرنا إلّا وحدة» بالنصب وكأنه أضمر فعلا ينصب بِهِ الواحدة، كما تَقُولُ للرجل: ما أنت إلا ثيابَك مرة، وَدابتك مرة، وَرأسك مرة أي: «7» تتعاهد ذاك. وقَالَ الكِسَائِيّ: سمعت العرب تَقُولُ: إنَّما العامري عِمَّتَه، أي: ليس يتعاهد من لباسه إلا العمة، قَالَ الفراء: وَلا أشتهي نصبها فى القراءة.   (1، 2) مثبتة فى ح، ش. (3) استشهد به القرطبي، نقلا عن الفراء، ولم ينسبه؟ [ ..... ] (4) ورواية الطبري: متى أتى الصبح مكان متى أرى ... ؟ (5، 6) سقط فى ح، ش. (7) سقط فى ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 ومن سورة الرحمن قوله عز وجل: بِحُسْبانٍ (5) . حساب ومنازل [188/ ب] للشمس والقمر لا يعدوانها. وقوله: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ «1» (6) . النجم: ما نجم مثل: العشب، وَالبقل وشبهه. والشجر: ما قام عَلَى ساق. ثُمَّ قَالَ: يسجدان، وسجودهما: أنهما يستقبلان الشمس إِذَا طلعت، ثُمَّ يميلان معها حتَّى ينكسر الفيء، والعرب إِذَا جمعت الجمعين من غير النَّاس مثل: السدر، والنخل جعلوا فعلهما واحدًا، فيقولون: الشاء والنعم قَدْ أقبل، وَالنخل والسدر قَدِ ارتوى، فهذا أكثر كلامهم، وتثنيته جائزة. قَالَ الكِسَائِيّ: سمعت العرب تَقُولُ: مرت بنا غنمان سودان «2» وَسود. قَالَ الفراء: وسود أجود من سودان لأنَّه نعت تأتي عَلَى الاثنين، فإذا «3» كَانَ أحد الاثنين مؤنثًا مثل: الشاء والإبل قَالُوا: الشاء والإبل مقبلة لأن الشاء ذكر، والإبل أنثى، ولو قلت: مقبلان لجاز، ولو قلت: مقبلتان تذهب إلى تأنيث الشاء مَعَ تأنيث الإبل كَانَ صوابًا، إلا أن التوحيد أكثر وأجود. فإذا قلت: هَؤُلَاءِ قومك وإبلهم قَدْ أقبلوا ذهبت بالفعل إلى النَّاس خاصة لأن الفعل لهم، وهم الَّذِينَ يقبلون بالإبل، ولو أردت إقبال هَؤُلَاءِ وهؤلاء لجاز- قَدْ أقبلوا لأن النَّاس إِذَا خالطهم شيء من البهائم، صار فعلهم كفعل النَّاس كما قَالَ: «وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ» «4» فصارت الناقة بمنزلة الناس.   (1) زيادة فى ب. (2) فى ح: «سوان «تحريف. (3) فى (ا) : إذا. (4) سورة القمر الآية: 28. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 ومنه قول اللَّه عزَّ وجلَّ: «فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ» «1» ، و «مَنْ» إنَّما تكون للناس، فلما فسَّرهم وقد كانوا اجتمعوا فى قوله: «وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ» «2» فسرهم بتفسير النَّاس. وقوله: وَالسَّماءَ رَفَعَها فوق الأرض وَوَضَعَ الْمِيزانَ (7) . فِي الأرض وهو العدل. وفي قراءة عَبْد اللَّه: وخَفْض الميزان، والخفض والوضع متقاربان فِي المعنى. وقوله: أَلَّا تَطْغَوْا (8) . وفي قراءة عَبْد اللَّه: لا تطغوا بغير أن فِي الوزن وأقيموا اللسان. وقوله: أَلَّا تَطْغَوْا إن شئت جعلتها مجزومة بنية النهي، وإن شئت جعلتها منصوبة بأن، كما قَالَ اللَّه: «إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ» «3» وأن تكون- (تطغوا) فِي موضع جزم أحبُّ إليَّ لأن بعدها أمرا. وقوله: وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ (9) . وقوله: وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (10) . لجميع الخلق. وقوله: وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (12) . خفضها الْأَعْمَش، ورفعها النَّاس «4» . فمن خفض أراد: ذو العصف وذو الريحان، ومن رفع الريحان جعله تابعا لذو. و «5» العصف، فيما ذكروا: بقل الزرع لان العرب تَقُولُ: خرجنا نعصف الزرع إِذَا قطعوا مِنْهُ شيئًا قبل أن يدرك فذلك العصف، والريحان هُوَ رزقه، والحب هُوَ الَّذِي يؤكل مِنْهُ. والريحان فى كلام العرب:   (1، 2) سورة النور الآية: 45، و (خالق) قراءة حمزة والكسائي، كما فى الإتحاف: 169. (3) سورة الأنعام الآية: 14. (4) جاء فى الإتحاف: 405- واختلف فى «وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ» : فابن عامر بالنصب فى الثلاثة على إضمار فعل أي أخص، أو خلق أو عطفا على الأرض، وذا صفة الحب. وقرأ حمزة والكسائي وخلف برفع الأولين: أعنى الحب، وذو. وجرّ الريحان عطفا على العصف وافقهم الأعمش، والباقون بالرفع فى الثلاثة عطفا على المرفوع قبله. أي: فيما فاكهة، وفيما الحب، وذو صفة. (5) سقط فى ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 الرزق، ويقولون: خرجنا نطلب ريحان اللَّه. الرزق عندهم «1» ، وقَالَ بعضهم: ذو العصف المأكول من الحب، والريحان: الصحيح الَّذِي «2» لم يؤكل. ولو قَرَأَ قارئ: «والحبّ ذا العصف والريحانَ» لكان جائزًا، أي: خَلَقَ ذا وذا، وهي فِي مصاحف أهل الشام: والحبّ ذا «3» العصف، وَلم نَسْمَع بها قارئا، كما أن فِي بعض مصاحف أهل الكوفة: «والجار ذا القربى» «4» [189/ ا] ولم يقرأ بِهِ أحد، وربما كتب الحرف على جهة واحدة، وهو فِي ذَلِكَ يقرأ بالوجوه. وبلغني: إن كتاب عليّ بْن أَبِي طَالِب رحمه اللَّه كَانَ مكتوبًا: هَذَا كتاب من عليّ بْن أَبُو طَالِب كتابها: أَبُو. فِي كل الجهات، وهي تعرب فِي الكلام إِذَا قرئت. وقوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (13) . وإنما ذكر فِي أول الكلام: الإِنسان ففي ذَلِكَ وجهان: أحدهما: أن العرب تخاطب الواحد بفعل الاثنين، فيقال: ارحلاها، ازجراها يا غلام. والوجه الآخر: أن الذِّكر أريد فِي الْإِنْسَان والجان، فجرى لهما من أول السُّورة إلى آخرها. وقوله: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (14) . وهو طين خُلط برمل، فصلصل كما يصلصل الفخار، وَيُقَال: من صلصال منتن يريدون بِهِ: صلّ، فيقال: صلصال كما يُقال: صرّ الباب عند الإغلاق، وصرصر. والعرب تردد اللام فِي التضعيف فيقال: كركرت الرجلَ يريدون: كررْته وكبكبته، «5» يريدون: كببته «6» . وسمعت بعض العرب يَقُولُ: أتيت فلانًا فبشبش بي من البشاشة، وإنما فعلوا ذَلِكَ كراهية اجتماع ثلاثة أحرف من جنس واحد.   (1) فى ب: رزق عندهم. (2) سقط فى ش. (3) فى ح: والحب ذو. [ ..... ] (4) النساء الآية 36. (5، 6) سقط فى ح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 وقوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (15) . والمارج: نار دون الحجاب- فيما ذكر الكلبي- منها «1» هَذِهِ الصواعق، ويُرى جلد السماء منها. وقوله: «رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ» (17) . اجتمع القراء عَلَى رفعه، ولو خفض يعني فِي الإعراب عَلَى قوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا، ربّ المشرقين كَانَ صوابًا. والمشرقان: مشرق الشتاء، ومشرق الصيف، وكذلك المغربان. وقوله: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ (19) . يَقُولُ «2» : أرسلهما ثُمَّ يلتقيان بعد. وقوله: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ (20) . حاجز لا يبغيان: لا يبغي العذب عَلَى الملح فيكونا عذبا، ولا يبغي الملح عَلَى العذب فيكونا ملحا وقوله: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (22) . وإنما يخرج من الملح دون العذب. واللؤلؤ: العظام، والمرجان: ما صغر من اللؤلؤ. وقوله: وَلَهُ الْجَوارِ «3» المنشئآت (24) . قَرَأَ «4» عاصم ويحيى بْن وَثاب: (المنشِئات) بكسر الشين، يجعلن اللاتي يُقبلن وَيدبرن فِي قراءة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود (الْمُنْشَآتُ) ، وَكذلك قرأها الْحَسَن وأهل الحجاز بفتح الشين يجعلونهن مفعولًا بهن أقبل بهن وأدبر. وقوله: كَالْأَعْلامِ (24) . كالجبال شبه السفينة بالجبل، وكل جبل إذا طال فهو علم.   (1) فى ح، ش: فيها، تحريف. (2) فى ش: البحرين: يلتقيان. (3) فى ب، ح، ش: الجواري. ورسم المصحف من غير ياء. (4) فى ب، ح: قرأها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 وقوله: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ (27) . هَذِهِ، والتي فِي آخرها ذي «1» - كلتاهما فِي قراءة عَبْد اللَّه- ذي- تخفضان «2» فِي الإعراب لأنهما من صفة ربك تبارك وتعالى، وهي فِي قراءتنا: «وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ [ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ] «3» » [ذو] «4» تكون من صفة وجه ربنا «5» - تبارك وتعالى. وقوله: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) غير مهموز. قال: وسألت الفراء [189/ ب] عنْ (شان) فَقَالَ: أَهمِزه فِي كل القرآن إلّا فى سورة الرَّحْمَن، لأنَّه مَعَ آيات غير مهموزات، وشأنه [فِي كل يوم أن يميت ميتًا، ويولد مولودًا، ويغنى ذا، ويفقر ذا فيما لا يحصى من الفعل] «6» . وقوله: سنفرغ لكم أَيُّهَ الثَّقَلانِ (31) . [حدثنا أبو العباس قال «7» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: حدثني أَبُو إسرائيل قَالَ: سمعت طلحة بن مصرّف يقرأ: «سَيَفرغُ لكم» «8» ويحيى بْن وثاب كذلك والقراء بعد: «سَنَفْرُغُ لَكُمْ «وبعضهم [يقرأ «سيُفرغ لكم» ] «9» وهذا من اللَّه وعيد لأنَّه عزَّ وجلَّ لا يشغله شيء عنْ شيء، وأنت قائل للرجل الَّذِي لا شغل لَهُ: قَدْ فرغت لي، قَدْ فرغت لشتمي. أي: قَدْ أخذت فِيهِ، وأقبلت عَلَيْهِ. وقوله: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا (33) ولم يقل: إن استطعتما، ولو كَانَ لكان صوابا، كما قال: (يرسل عليكما) ، ولم يقل:   (1) سقط فى ح، ش. (2) فى ش: يخفضان. (3) مثبت فى ب. (4) زيادة من ش. (5) فى ح، ش: ربك تعالى. (6) ورد فى النسخة ب: بعد قوله: غير مهموز ... وقبل قوله: قال: وسألت الفراء ... (7) زيادة فى ح: (8) فى ش: سنفرغ. [ ..... ] (9) سقط فى ح، ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 عليكم شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران، فثني فِي: عليكما، وفي: تنتصران لِلَّفظ، والجمعُ عَلَى المعنى. والنحاس: يرفع، ولو خفض كَانَ صوابًا يراد: من نار ومن نحاس. والشواظ: النار المحضة. والنحاس: الدخان. أنشدني بعضهم: يضيء كضوء سراج السلي ... ط لم يجعل اللَّه مِنْهُ نحاسا «1» قَالَ الفراء: قَالَ لي أعرابي من بني سليم: السليط: دهن السنام، وليس لَهُ دخان إِذَا استصبح بِهِ. وسمعت أَنَّهُ الخَلّ وهو دهن السمسم. وسمعت أَنَّهُ الزيت. والزيت أصوب فيما أرى. وقرأ الْحَسَن: (شِواظ) بكسر الشين كما يُقال للصوار من البقر صِوار وصُوَار. وقوله: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (37) أراد بالوردة الفَرس، الوردةُ تكون فِي الربيع وردة إلى الصفرة، فإذا اشتد البرد كانت وردة حمراء، فإذا كَانَ بعد ذَلِكَ كانت وردة إلى الغُبْرة، فشبه تلوّن السماء بتلون الوردة من الخيل، وشبهت الوردة فِي اختلاف ألوانها بالدهن واختلاف ألوانه. وَيُقَال: إن الدهان الأديم «2» الأحمر. وقوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (39) والمعني: لا يسأل إنس عنْ ذنبه، ولا جان عنْ ذنبه لأنهم يعرفون بسيماهم كما وصف اللَّه: فالكافر «3» يعرف بسواد وجهه، وزرقة عينه، والمؤمن أغر محجل من أثر وضوئه وقوله: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: هَذِهِ جهنم «4» التي كنتما بها تكذبان، تصليانها لا تموتان فيها ولا تحييان تطوفان. وقوله: يَطُوفُونَ «5» بَيْنَها (44)   (1) البيت للنابغة الديوان انظر تفسير الطبري 27/ 74 والقرطبي 17/ 172 وفى ب، ح، ش فيه مكان منه. (3) فى ح، ش: الكافر. (2، 4) سقط فى: ح. (5) فى ب: بطوفان سهو من الناسخ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 بين عذاب جهنم وبين الحميم إِذَا عطشوا، والآني: الَّذِي قَدِ انتهت شدّة حره. وقوله: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (46) ذكر المفسرون: أنهما بستاتان من بساتين الجنة، وَقَدْ يكون فِي العربية: جنة تثنيها العرب فِي أشعارها أنشدني بعضهم: ومَهْمَين قَذَفَين مَرْتَين ... قطعته [بالَأمِّ] لا بالسَّمْتين «1» يريد: مهمها وسمتا واحدا، وأنشدني آخر: يسعى بكيداء ولهذمين ... قَدْ جعل الأرطاة جنتين وذلك أن الشعر لَهُ قواف يقيمها الزيادة والنقصان، فيحتمل ما لا يحتمله الكلام. قَالَ الفراء: الكيداء: القوس، وَيُقَال: لهذِم ولهذَم لغتان، وهو السهم. وقوله: مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ (54) الإستبرق: ما غلظ من الديباج، وَقَدْ تكون البطانة: ظهارة، والظهارة بطانة فِي كلام العرب، وذلك أن كل واحد منهما [190/ ا] قَدْ يكون وجهًا، وَقَدْ تَقُولُ العرب: هَذَا ظهر السماء، وهذا بطن السماء لظاهرها الَّذِي تراه. قَالَ: وأخبرني بعض فصحاء المحدثين عَنِ ابْنِ الزُبَيْر يعيب قتلة عثمان رحمه اللَّه فَقَالَ: خرجوا عَلَيْهِ كاللصوص من وراء القرية، فقتلهم اللَّه كلّ قتلة، ونجا من نجا منهم تحت بطون الكواكب. يريد: هربوا ليلًا، فجعل ظهور الكواكب بطونًا، وذلك جائز عَلَى ما أخبرتك بِهِ. وقوله: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ [إِنْسٌ] «2» (56) قرأت القراء كلهم بكسر الميم في يطمثهن. حدثنا الفراء قال: وحدثنى رجل عن أبى اسحق   (1) فى القرطبي: بالسمت لا بالسمتين- لخطام المجاشعي، ويروى البيت الثاني: جبتهما بالنعت لا بالنعتين والقذف: البعيد من الأرض. والموت: الأرض لا ماء فيها ولا نبات. الكتاب: 1: 241، والخزانة: 1: 376، وشرح شواهد الشافية: 60، 94. (2) التكملة من ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 قَالَ: كنت أصلي خلف أصحاب عليّ، وأصحاب عَبْد اللَّه فأسمعهم يقرءون (لم يطمُثهن) برفع الميم. وكان الكِسَائِيّ يقرأ: واحدة برفع الميم، والأخرى بكسر الميم لئلا يخرج من هذين الأثرين وهما: لم «1» يطمِثهن «2» ، لم يفتضضهن (قَالَ وطمثها أي: نكحها» ، وذلك لحال «4» الدم «5» ) وقوله: مُدْهامَّتانِ (64) يَقُولُ: خضراوان إلى السواد من الري. وقوله: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) . يَقُولُ بعض المفسرين: ليس الرمان ولا النخل بفاكهة، وَقَدْ ذهبوا مذهبًا، ولكن العرب تجعل ذَلِكَ فاكهة. فإن قلت: فكيف أعيد النخل والرمان إن كانا من الفاكهة؟ قلت: ذَلِكَ كقوله: «حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى» «6» . وَقَدْ أمرهم بالمحافظة عَلَى كل الصلوات، ثُمَّ أعاد العصر تشديدًا لها، كذلك أعيد النخل والرمان ترغيبًا لأهل الجنة، ومثله قوله فِي الحج: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» . «7» ثُمَّ قَالَ: «وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ» . وَقَدْ ذكرهم فِي أول الكلمة فِي قوله: «مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» ، وَقَدْ قَالَ بعض المفسرين: إنَّما أراد بقوله: «مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» الملائكة، ثُمَّ ذكر النَّاس بعدهم. وقوله: فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (70) .   (1) سقط فى ش. (2) فى الإتحاف: 406 قرأ الكسائي بضم الميم فى الأول فقط، فيما رواه كثير من الأئمة عنه، وروى الآخرون كسر الأول. وضم الثاني عن أبى الحارث. وروى بعضهم عن أبى الحارث الكسر فيهما معا. وروى بعضهم عنه ضمهما. وروى ابن مجاهد بالضم والكسر فيما، لا يبالى كيف يقرؤهما. وروى الأكثرون التخيير فى أحدهما عن الكسائي من روايتيه بمعنى أنه إذا ضم الأول كسر الثاني، وإذا كسر الأول ضم الثاني. هذا وقد ذكرت (لم يطمثهن) الأخرى فى الآية 74 من هذه السورة. (3) فى (ا) يقال: طمثها إذا نكحها. (4) فى ش: لحام خطأ من الناسخ. (5) ورد ما بين القوسين فى هامش النسختين ا، ب. (6) سورة البقرة الآية: 238. (7) سورة الحج الآية: 18. [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 رجع إلى الجنان الأربع: جنتان، وجنتان، فَقَالَ: فيهن، والعربُ تَقُولُ: أعطني الْخَيْرَة منهن، والخِيَرَة منهن، والخيرة منهن، ولو قَرَأَ قارئ: الخَيراتُ، أَوِ الخيرات كانتا صوابًا. وقوله: حُورٌ مَقْصُوراتٌ (72) . قُصرن عَن أزواجهن، أي حُبِسنَ، فلا يُرِدْنَ غيرهم، ولا يطمحن «1» إلى سواهم، والعرب تسمي الحَجَلة المقصورة، والقصورة، ويسمون المقصورة من النساء: قصورة: وقَالَ الشَّاعِر «2» : لعمري لقد حببتِ كلَّ قَصورة ... إليَّ وما تدري بذاك القصائر عَنَيْتُ قصوراتِ الحجال ولم أرِد ... قصارَ الخُطا، شرُّ النساء البحاتر «3» والبهاتر، وهما جميعًا القصيرتان، والرجل يقال له: بحتر، وبحترى، وبحترة، وبحترية. وقوله: مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ (76) . ذكروا أنها رياض الجنة، وقَالَ بعضهم: هِيَ المخاد «4» ، «وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ» (76) الطنافس الثخان. [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «5» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُعَاذِ بْن مُسْلِم بن أَبِي سادة قَالَ: كان [190/ ب] جارك زهير القرقبى يقرأ: متكئين على رفارف خضر وعباقري حسان. قَالَ: الرفارف «6» - قَدْ يكون صوابًا، وأمَّا العباقري فلا لأن ألف الجماع لا يكون بعدها أربعة أحرف، ولا ثلاثة صحاح.   (1) فى ش: لا يطحن، تحريف. (2) هو كثيّر عزة، وقد أوردهما ابن سيده فى المخصص: 12: 96، والقرطبي فى تفسيره؟ كما يلى: وأنت التي حببت كلّ قصيرة ... إلىّ وما تدرى بذاك القصائر عنيت قصيرات الحجال، ولم أرِد ... قصارَ الخُطا، شرُّ النساء البحاتر وفى البحر المحيط: ولم تشعر مكان: وما تدرى. (3) البحاتر: جمع بحترة، بضم الباء، القصيرة المجتمعة الخلق. (4) فى الأصل: المحابس، ولا معنى لها هنا، والتصحيح من مفردات القرآن للراغب الأصفهانى؟. (5) الزيادة من ش. (6) فى ب، ش: فالرفارف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 ومن سورة الواقعة قوله عز وجل: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2) . يَقُولُ: ليس لها مردودة ولا رد، فالكاذبة «1» هاهنا مصدر مثل: العاقبة، والعافية. قَالَ: وقَالَ لي أَبُو ثروان فِي كلامه: إن بني نمير ليس لحدهم مكذوبة «2» ، يريد: تكذيب، ثُمَّ قَالَ: (خَافِضَةٌ رافعة) عَلَى الاستئناف: أي الواقعة يومئذ خافضة لقومٍ إلى النار، ورافعة لقوم إلى الجنة، ولو قرأ قارئ: خافضة رافعة يريد «3» إِذَا وقعت وقعت خافضة لقوم. رافعةً لآخرين، ولكنه يقبح «4» لأن العرب لا تَقُولُ: «5» إذا أتيتى زائرًا حتَّى يقولوا «6» : إِذَا «7» أتيتني فأتني زائرًا أَوِ ائتني زائرًا، ولكنه حسن فِي الواقعة لأنّ النصب قبله آية يحسن عليها السكوت، فحسن الضمير فِي المستأنف. وقوله: إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) . إِذَا زلزلت حتَّى ينهدم كل بناء عَلَى وجه الأرض. وقوله: وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) . صارت كالدقيق، وذلك قوله: (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ) «8» ، وسمعت العرب تنشد: لا تخبزا خبزا وبسّا بسّا ... ملسا بذود الحلس ملسا «9»   (1) الكاذبة فى قوله: ليس لوقعتها كاذبة، أي ليس لها مثوبة ولا رجعة ولا ارتداد (تفسير الطبري 27/ 86) (2) فى ج، ش: مكذبة. (3) سقط فى ش. (4) فى ح، ش: قبح. (5، 6) سقط فى ش. (7) إذا: سقط فى (ا) . (8) سيرت- النبأ: 20. (9) روى البيت الثاني بروايات مختلفة، ففى المخصص (7: 127) : ملسا يذوذ الحدسى ملسا وفى تفسير الطبري (27: 87) : مدودا محلسا، مكان بذود الحلسى. والبيت فى تفسير القرطبي (17: 196) : ولا تطيلا بمناخ حبسا [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 والحُمسِ [أيضًا] «1» والبسيسة عندهم الدقيق، أَوِ «2» السويق يُلَت، ويتخذ زادًا. وقوله: وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (7) ثُمَّ فسرهم فَقَالَ: فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (8) . عجّب نبيّه منهم فَقَالَ: ما أصحاب الميمنة؟ أي «3» شيء هُمْ؟ وهم أصحاب اليمين، وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (9) ، عجبه أيضا منهم، وهم أصحاب الشمال، ثم قال: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) . فهذا الصنف الثالث، فإن شئت رفعت السابقين بالسابقين الثانية وهم المهاجرون، وكل من سبق إلى نبي من الأنبياء «4» فهو مِنْ هَؤُلَاءِ، فإذا رفعت أحدهما بالآخر، كقولك الأول السابق، وإن شئت جعلت الثانية تشديدًا للأولى، ورفعتْ بقوله: أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) . وقوله: عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) . موضونة: منسوجة، وإنما سمت العرب وضين الناقة وضينا «5» لأنه منسوج، وَقَدْ سمعت بعض العرب يَقُولُ: فإذا الآجر موضون «6» بعضه عَلَى بعض يريد: مُشْرَج، [قَالَ الفراء: الوضين الحِزام «7» ] . وقوله: وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (17) . يُقال: إنهم عَلَى سن واحدة لا يتغيرون، والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط: إنه   ويبدو أن رواية المخصص محرفة، وقد يؤيد ذلك ما نقله عن مناسبة الرجز إذ يقول: قال أبو على: قال لى أبو بكر هذا يخاطب سارقين. يقول: لا تصعدا للخبز فتعتقلا، ولكن اتخذا البسيسة. وملست الناقة: تقدمت، وملست بها. والذوذ: ثلاثة أبعرة إلى العشرة، وقيل أكثر من ذلك. فكأن ما سرقه اللصان، كان أبعرة، وكأن الحلسى أو الحمسى صاحبها. ومن معانى الحلس. بالتحريك: الكبير من الناس، فكأن الحلسى نسبة إليه. ولم نعثر على معنى مناسب لكلمة (مدودا) فى رواية الطبري. والأرجح أنه محرفة أيضا. وزاد فى المخصص بعد الشاهد: من غدوة حتى كأن الشمسا ... ... بالأفق الغربي تطلى ورسا. (1) سقط فى ب، ح، ش. (2) فى ش: والسويق، تحريف. (3) فى ش: أي: أي شىء هم؟ (4) فى ش: فهم. (5) زاد فى ش بعد (وضينا) : قال الفراء: وهو حزام الناقة وضنيا، فاضطربت العبارة. (6) وضن فلان الحجر والآجر بعضه على بعض: إذا أشرجه: أي شدة، فهو موضون. (7) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 لمخلّد، وإذا لم تذهب أسنانه عَنِ «1» الكبر قيل أيضًا: إنه لمخلد «2» ، وَيُقَال: مخلّدون مقرّطون، ويقال: مسوّرون. [191/ ا] وقوله: بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ (18) . والكوب: ما لا أذن لَهُ ولا عروة لَهُ. والأباريق: ذوات الآذان والعرا. وقوله: لا يُصَدَّعُونَ عَنْها (19) عن الخمر وَلا يُنْزِفُونَ (19) أي: لا تذهب عقولهم. يقال للرجل إذا سكر قَدْ نُزِف «3» عقله، وإذا ذهب دمه وغشى عَلَيْهِ أَوْ مات قيل: منزوف. ومن قَرَأَ: «يُنْزِفُونَ» : يَقُولُ: لا تفنى خمرهم، والعرب تقول للقوم إذا فنى زادهم: قَدْ أنْزَفُوا وأقتروا «4» ، وأنفضوا، وأرمَلوا، وأملقوا. وقوله: وَحُورٌ عِينٌ (22) . خفضها أصحاب عَبْد اللَّه وهو وجه العربية، وإن كَانَ أكثر القراء عَلَى الرفع لأنهم هابوا أن يجعلوا الحور العين يطاف بهن، فرفعوا عَلَى قولك: ولهم حور عين، أَوْ عندهم حور عين. والخفض عَلَى أن تتبع آخر الكلام بأوله، وإن لم يحسن فِي آخره ما حسن فِي أوله، أنشدني بعض العرب: إِذَا ما الغانيات بَرَزْنَ يَوْمًا ... وزَجَجن الحواجب والعيونا «5» فالعَين لا تزجج إنَّما تكحَّل، فردَّها عَلَى الحواجب لأن المعنى يعرف، وَأنشدني آخر: ولقيتُ زوجك فِي الوغى ... متقلدًا سيفًا ورمحًا «6» والرمح لا يتقلد، فردّه عَلَى السيف وقَالَ آخر: تسمع للأحشاء مِنْهُ لغطًا ... ولليدين جُسْأَةً وبَدَدَا «7»   (1) فى ش على. (2) فى ا، ب: مخلد. (3) فى ح: قد طرف عقله. (4) فى ش: واقتربوا، تحريف. (5) البيت للراعى النميري. وانظر شرح شواهد المغني: 2: 775، 776 والدرر اللوامع: 1: 191. (6) يروى الشطر الأول هكذا: يا ليت زوجك قد غدا انظر الخصائص: 2: 431. [ ..... ] (7) يروى (الأجواف) مكان الأحشاء، وجمعها على إرادة جوانب الجوف. والجسأة: اليبس والتصلب. الخصائص: 2: 432. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 وأنشدني بعض بني دبير: عَلَفْتُهَا تِبْنًا وماءً باردًا ... حتَّى شَتَتْ هَمَّالةً عيناها «1» والماء لا يعتلف إنَّما يُشرب، فجعله تابعًا للتبن، وَقَدْ كان ينبغي لمن قَرَأَ: وحورٌ عين لأنهن- زعم- لا يطاف بهن أن يَقُولُ: «وَفاكِهَةٍ وَلَحْمِ طَيْرٍ» لان الفاكهة واللحم لا يطاف بهما- ليس يطاف إلَّا بالخمر وحدها ففي ذَلِكَ بيان لأن الخفض وجه الكلام. وفي قراءة أَبِي بْن كعب: وحورًا عينًا «2» أراد الفعل الَّذِي تجده فِي مثل هَذَا من الكلام كقول الشَّاعِر: جئني بِمثل بني بَدْرٍ لقومهم ... أَوْ مثلَ أسرة منظور بْن سيار «3» وقوله: إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً (26) . إن شئت جعلت السَّلام تابعًا للقيل، وهو هو، وإن شئت أردت- إلّا قيل سلام سلام، فإذا نونت نصبت، لأن الفعل واقع عَلَيْهِ، ولو كان مرفوعا- قيلا سلامٌ سلامٌ لكان جائزًا. وأنشدني بعض العرب وهو العقيلي: فقلنا السَّلام فاتقت من أميرها ... فما كَانَ إلا ومؤها بالحواجب «4» أراد حكاية المبتدى بالسلام، وسمع الكِسَائِيّ العرب يقولون: التقينا فقلنا: سلام سلام، ثُمَّ تفرقنا أراد. قُلْنَا: سلام عليكم فردوا علينا. وقوله: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ «5» (28) . لا شوك فيه. وقوله: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) . ذكر الكلبي: أَنَّهُ الموز، وَيُقَال: هُوَ الطلح الذي تعرفون.   (1) يروى قبل صدره: لما حططت الرحل عنبا واردا انظر الخزانة: 1: 499. (2) على معنى: ويزوجون حورا عينا، كما فى المحتسب: 2 309. (3) البيت لجرير يخاطب الفرزدق. الديوان: 312، والكتاب: 1: 48، 86، والمحتسب: 2: 78 (4) اقتصر فى المخصص: 13: 155 على العجز. (5) فى ش: مخضوض، تحريف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 وقوله: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) . لا شمس فِيهِ كظل ما بين طلوع [191/ ب] الفجر إلى أن تطلع الشمس. وقوله: وَماءٍ مَسْكُوبٍ (31) . جار غير منقطع. وقوله: وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (33) . «1» لا تجيء فِي حين وتنقطع فِي حين، هِيَ أبدًا دائمة وَلا ممنوعة كما يمنع أهل الجنان فواكههم. وقوله: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) . بعضها فوق بعض. وقوله: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (35) . يَقُولُ: أنشأنا الصَّبية والعجوز، فجعلناهن أترابًا أبناء ثلاث وثلاثين. وقوله: عُرُباً (37) . واحدهن: عَروب، وهي المتحببة إلى زوجها الغَنِجة. حدثنا الفراء قال «2» وحدثني شيخ عَنِ الْأَعْمَش قَالَ: كنتُ أسمعهم يقرءون «3» : «عُرُباً أَتْراباً» بالتخفيف «4» ، وهو مثل قولك: الرسْل والكتب فِي لغة تميم وبكر بالتخفيف «5» ولتثقيل وجه القراءة، لأن كلّ فعول أَوْ فعيل أَوْ فِعال جمع عَلَى هَذَا المثال، فهو مثقّل مذكرًا كَانَ أَوْ مؤنثًا، والقراء «6» عَلَى ذلك «7» . وقوله: لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (38) .   (1) فى ب: يقول لا تجىء. (2) فى ش: قال الفراء: وحدثنى وفى ب: أخبرنا محمد بن الجهم قال ... (3) فى ح، ش يقولون. (4) فى ش: التخفيف، سقط. (5) سقط فى ب. (6) فى (ا) والقراءة. (7) قرأها بسكون الراء أبو بكر وحمزة وخلف. (الإتحاف: 408) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 أي: هذا لأصحاب اليمين. وقوله هاهنا: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40) . وَقَدْ قَالَ فِي أول السُّورة: «ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ» (14) : وذكروا أن أصحاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكوا وشق عليهم. قوله: « «1» وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ «2» » ، فأنزل اللَّه جل وعز هَذِهِ «ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَثُلَّةٌ «3» مِنَ الْآخِرِينَ» . ورفعها عَلَى الاستئناف، وإن شئت جعلتها مرفوعة، تقول: ولأصحاب اليمين ثلتان: ثلة من هَؤُلَاءِ، «4» وثلة من هَؤُلَاءِ «5» ، والمعنى: هم فرقتان: فرقة من هَؤُلَاءِ، وفرقة من هؤلاء. وقوله: وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) . واليحموم: الدخان الأسود «6» . وقوله: لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (44) . وجه الكلام أن يكون خفضًا متبعًا لما قبله، ومثله: «زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ «7» » . وكذلك: «وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ» «8» ، ولو رفعت ما بعد لا لكان صوابًا من كلام العرب، أنشدني بعضهم «9» : وتُريكَ وجهًا كالصحيفةِ، لا ... ظمآنُ مختلجٌ، ولا جَهْمُ كعقيلةِ الدُّرِّ استضاءَ بها ... محراب عرْش عزيزها العُجْمُ وقَالَ آخر: ولقد أبيت من الفتاة بمنزلٍ ... فأبيت لا زان ولا محروم «10»   (1، 2) سقط فى ح. [ ..... ] (3) فى ش: وثلاثة، تحريف. (4، 5) سقط فى ش. (6) فى ش: الأشد، تحريف. (7) سورة النور الآية: 35. (8) سورة الواقعة: الآيتان 32، 33. (9) هما للمخبل: اللسان مادة خلج. وانظر المفضليات 1/ 115. (10) انظر الخزانة 2/ 553. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 يستأنفون بلا، فإذا ألقوها لم يكن إلّا أن تتبع أول الكلام بآخره «1» ، والعرب تجعل الكريم تابعًا لكل شيء نفت عَنْهُ فعلا تنوي بِهِ الذم، يُقال: أسمينٌ هَذَا؟ فتقول: ما هُوَ بسمين «2» ولا كريم، وما هَذِهِ الدار بواسعة ولا كريمة. وقوله: إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (45) . متنعمين فِي الدنيا. وقوله: وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) . الشرك: هُوَ الحنث العظيم. وقوله: «لَآكِلُونَ [192/ 1] مِنْ شَجَرٍ» (52) . وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: الآكلون «3» من شجرة من زقوم، فمعنى شجر وشجرة وَاحد، لأنك إِذَا قلت «4» : أخذت من الشاء، فإن نويت واحدة أَوْ أكثر من ذَلِكَ فهو جائز. ثم قال: فَمالِؤُنَ مِنْهَا (53) . من الشجرة، ولو قَالَ: فمالئون مِنْهُ «5» إذ لم يذكر الشجرة كَانَ صوابًا يذهب إلى الشجر فِي مِنْهُ «6» ، وتؤنث الشجر، فيكون منها كناية عَنِ الشجر، والشجر تؤنث «7» ويذكر مثل الثمر. وقوله فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) . إن شئت كان على الشجر، وإن شئت فعلى الأكل. وقوله «8» : فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ «9» (55) . «10» حدثنا الفراء قال «11» : حَدَّثَنِي الْكِسَائِيُّ «12» عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ يقال له: يحيى بن سعيد   (1) في ب، كتب بين الأسطر، فوق قوله بآخره ما يأتى: وقال فى قوله: لا بارد ولا كريم. (2) فى ش: سمين، تحريف. (3) سقط فى ش. (4) فى ب: لأنك تقول. (5، 6) سقط فى ش. (7) فى ش: يؤنث. وفى (ب) : والشجر تؤنث وتذكر. (8، 9) سقط فى ب. [ ..... ] (10، 11) سقط فى ش. وفى ب مكانه: قال حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ. (12) فى ج حدثنا الكسائي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 الْأُمَوِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ جُرَيْجٍ يَقْرَأُ: «فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ» بِالْفَتْحِ، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِجَعْفَرِ ابن محمد قال: فقال: أو ليست كذاك؟ أَمَا بَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه بعث بديل ابن وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ إِلَى أَهْلِ مِنًى، فَقَالَ: إِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشَرْبٍ وَبِعَالٍ. «1» قَالَ الْفَرَّاءُ: الْبِعَالُ: النِّكَاحُ، وَسَائِرُ الْقُرَّاءِ يَرْفَعُونَ الشِّينَ: «فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ» و «الْهِيمِ» : الإبل التي يصيبها داء فلا تَروَى من الماء، واحدها: أهيم، والأنثى: هيماء. ومن العرب من يَقُولُ: هائم، وَالأنثى «2» هائمة، ثُمَّ يجمعونه عَلَى هيم، كما قَالُوا: عائط «3» وعيط، وَحائل وحُول، وهو فِي المعنى: حائل حُول إلا أن الضمة تركت فِي هيم لئلا تصير الياء واوا. وَيقال «4» : إن الهيم الرمل. يَقُولُ: يشرب أهل النار كما تشرب السِّهْلة «5» قَالَ قَالَ الفراء: الرملة بعينها السهلة، وهي سهلة وسهلة. وقوله: أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (58) . يعني: النّطَف إِذَا قذفت فِي أرحام النساء. وقوله: أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ (59) . تخلقون تلك النطف أم نَحْنُ الخالقون. وَقَدْ يُقال للرجل: مَنى وأمنى، ومَذي وأمذى، فأمنى أكثر من منى، ومذي [أكثر من أمذى] «6» . وقوله: أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ «7» (64) . أي: تنبتونه. وقوله: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) . تتعجبون مما نزل بكم فِي زرعكم، وَيُقَال: معنى تفكهون: تندمون.   (1) فى ب: قال قال الفراء. (2) فى ش: واللأنثى. (3) العائط: التي لم تحمل سنين من غير عقم. (4) فى ش: فيقال: (5) السّهلة: رمل خشن ليس بالدقاق الناعم. يقول عز وجل: يشرب أهل النار، كما تشرب السهلة- اللسان: سهل وهيم. (6) سقط فى ح (7) فى ش تزرعون، تحريف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 وقوله: إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) . يُقال: إنا لمعذَّبون، وَيُقَال: إنا لمُولَع بنا وهو من قيلهم. وقوله: لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً (70) . وهو الملح المر الشديد المرارة من الماء. وقوله: نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (73) . يعني [منفعة] «1» للمسافرين إذا نزلوا بالأرض [القِيِّ يعنى:] «2» القفر «3» . وقوله: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ «4» النُّجُومِ (75) . حدثنا الفراء «5» قال: وَحَدَّثَنِي «6» أَبُو لَيْلَى السِّجِسْتَانِيُّ عَنْ أَبِي جَرِيرٍ قَاضِي سجستانى قَالَ: قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ «فَلا أُقْسِمُ بِمَوْقِعِ النُّجُومِ» وَالْقُرَّاءُ جَمِيعًا عَلَى: مَوَاقِعِ. حدثنا الفراء «7» قال: حَدَّثَنِي الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ «8» إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فيما أعلم شك الفراء [192/ ب] قَالَ: فَلَا أُقْسِمُ بِمَوْقِعِ النُّجُومِ، قَالَ: بِمُحْكَمِ الْقُرْآنِ، وَكَانَ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه نُجُومًا. وقوله: وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) يدل عَلَى أَنَّهُ القرآن. وَيُقَال: فلا أقسم بموقع النجوم، بمسقط النجوم إِذَا سقطن. وقوله: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) . حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ «9» قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لا يمسّ ذلك   (1) سقط فى ب، ح، ش. (2) سقط فى ش، ح. (3) جاء فى الطبري: القىّ: القفر من الأرض، أبدلوا الواو ياء طلبا للخفة، وكسروا القاف لمجاورتها الياء. (4) موقع بلفظ الإفراد قراءة حمزة والكسائي، كما فى الإتحاف: 252. (5 و 7) فى ش: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حدثنا الفراء ... [ ..... ] (6) فى ش: حدثنى. (8) فى ش: ورفعه. (9) فى ب: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ إِلا الْمُطَهَّرُونَ يَقُولُ: الْمَلائِكَةُ الَّذِينَ طُهِّرُوا مِنَ الشِّرْكِ. وَيُقَالُ: لا يَمَسَّهُ: لا يَجِدُ طَعْمَهُ وَنَفْعَهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ مَنْ آمَنَ به. وقوله: أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) مكذبون وكافرون، كلّ قَدْ سمعته. وقوله: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) . جاء فِي الأثر: تجعلون رزقكم: شكركم «1» ، وهو فِي العربية حسن أن تَقُولُ: جعلت زيارتي إياك أنك استخففت بي، فيكون المعنى: جعلت ثواب الزيارة- الجفاء. كذلك جعلتم شكر الرزق- التكذيب «2» . وقوله: فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) يعني: النَّفْس عند الموت وقوله: وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) يعني: أهل الميت عنده. ينظرون إِلَيْه. والعرب تخاطب القوم بالفعل كأنهم أصحابه، وإنما يراد بِهِ بعضهم: غائبًا كَانَ أَوْ شاهدًا، فهذا من ذَلِكَ كقولك للقوم: أنتم قتلتم فلانًا، وإنما قتله الواحد الغائب. ألا ترى أنك قد تَقُولُ لأهل المسجد لو آذوا رجلًا بالازدحام: اتقوا اللَّه، فإنكم تؤذون المسلمين، فيكون صوابًا. وإنما تعظ غير الفاعل فِي كَثِير من الكلام، وَيُقَال: أَيْنَ جواب (فلولا) الأولى، وجواب التي بعدها؟ والجواب فِي ذَلِكَ: أنهما أجيبا بجواب واحد وهو ترجعونها، وربما أعادتِ العرب الحرفين ومعناهما «3» واحد. فهذا من ذَلِكَ، ومنه «4» : «فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ «5» » . أجيبا بجواب واحد وهما جزاءان، ومن ذَلِكَ قوله: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تحسبنّهم «6»   (1) فى ح، ش: شرككم، وهو تحريف. (2) عن ابن عباس أنه كان يقرأ: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون، ثم قال: ما مطر الناس ليلة قط إلّا أصبح بعض الناس مشركين، يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا ... قال: فكان ذلك منهم كفرا بما أنعم عليهم (تفسير الطبري: 27/ 107) . (3) فى ش: معناهما. (4) فى ش: وقوله. (5) سورة البقرة الآية: 38. (6) سورة آل عمران: 188. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 وقوله: «أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ «1» » وَقَدْ فسَّر فِي غير هَذَا الموضوع «2» . وقوله: غَيْرَ مَدِينِينَ (86) مملوكين، وسمعت: مجزيين. وقوله: فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) من أهل جنة عدن. «فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ» (89) . حدثنا الفراء «3» قال: وَحَدَّثَنِي شَيْخٌ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ «4» عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النبي صلّى الله عليه أنه قال: «فَرَوْحٌ «5» وَرَيْحانٌ» وَقِرَاءَةُ «6» الْحَسَنِ كَذَلِكَ، وَالْأَعْمَشِ وَعَاصِمٍ وَالسُّلَمِيِّ وَأَهْلِ المدينة وسائر القراء (فروح) ، أَيْ: فَرَوْحٌ فِي الْقَبْرِ، وَمَنْ قَرَأَ (فَرُوحٌ) يَقُولُ: حَيَاةٌ لَا مَوْتَ فِيهَا، (وَرَيْحَانٌ) : رِزْقٌ. وقوله: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (91) . أي: فذلك مسلّم لَكَ أنك من أصحاب اليمين، وألقيت أَنْ «7» وهو معناها «8» كما تَقُولُ: أنت مصدّق مسافر عنْ قليل إِذَا كَانَ قد قَالَ: إني مسافر عنْ قليل. وكذلك تجد معناه: أنت مصدق أنك مسافر، ومعناه «9» : فسلام لَكَ أنت من أصحاب اليمين. وقد يكون كالدعاء لَهُ، كقولك: فسقيا «10» لَكَ من الرجال، وإن رفعت السلامَ فهو دعاء. والله أعلم بصوابه.   (1) سورة (المؤمنون) الآية: 35. (2) انظر الجزء الثاني من معانى القرآن ص: 234، 235. (3) فى ش: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حدثنا الفراء. (4) هو حماد بن سلمة بن دينار أبو سلمة البصري الإمام الكبير، روى القراءة عرضا عن عاصم وابن كثير، وروى عنه الحروف حرمى بن عمارة، وحجاج بن المنهال، وقد انفرد برواية بعض الحروف عن ابن كثير مات سنة 167 هـ (طبقات القراء 1/ 258) . (5) ورويت أيضا عن أبى عمرو وابن عباس (الإتحاف 409) . [ ..... ] (6) فى (ب) وقرأه. (7، 8) سقط فى ش. (9) فى ش فمعناه: وفى ب: معناه. (10) فى ح، ش: سقيا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 [193/ ا] ومن سورة الحديد قوله عز وجل: هُوَ الْأَوَّلُ (3) . يريد: قبل كل شيء. «وَالْآخِرُ» (3) بعد كل شىء. «وَالظَّاهِرُ» (3) على كل شىء علما، وكذلك «الْباطِنُ» (3) عَلَى «1» كل شيء «2» علما. وقوله: وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ (7) مملّكين فِيهِ، وهو رزقه وعطيته. القراء جميعًا على: «وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ» (8) ولو قرئت: وَقَدْ أُخِذَ ميثاقكم «3» . لكان صوابًا «4» . وقوله: فَيُضاعِفَهُ لَهُ (11) : يقرأ «5» بالرفع والنصب «6» : فمن رفعه جعل الفاء عطفًا ليست بجواب «7» كقولك: من ذا الَّذِي يحسن ويجمل «8» ؟ ومن نصب جعله جوابًا للاستفهام، والعرب تصل (مَن) فِي الاستفهام ب (ذا) حتَّى تصير كالحرف الواحد. ورأيتها فِي بعض مصاحف عَبْد اللَّه: منذا متصلة فِي الكتاب، كما وصل فِي كتابنا وكتاب عَبْد اللَّه «يا بن أمّ» . «9» وقوله: يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ (12) أي: يضيء بين أيديهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، والباء فِي «بِأَيْمانِهِمْ» فِي معنى فِي، وكذلك: عن. وقوله: بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ (12) . ترفع البشرى، والجنات، ولو نويت بالبشرى النصبَ توقع عليها تبشير الملائكة، كأنه قيل لهم: أبشروا ببشراكم، ثُمَّ تنصب جناتٍ، توقع البشرى عليها.   (1، 2) سقط فى ح، ش. (3) أخذ ميثاقكم كرر فى ح مرتين. (4) وهى قراءة أبى عمرو واليزيدي والحسن (الإتحاف: 409) . (5) فى ش: تقرأ. (6) الرفع قراءة نافع، وأبى عمرو، وحمزة، والكسائي، وخلف، وقرأ عاصم بالنصب (الإتحاف: 410) (7) سقط فى (ا) والزيادة من ب، ح، ش. (8) فى ش: فيجمل. (9) من قوله تعالى فى سورة طه 94: الَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 وإن شئت نصبتها عَلَى القطع لأنها نكرة من نعتِ معرفةٍ، ولو رفعتَ البشرى باليوم كقولك: اليوم بشراكم اليوم سروركم، ثم تنصب الجنات «1» عَلَى القطع، ويكون فِي هَذَا المعنى رفع اليوم ونصبه كما قَالَ الشَّاعِر: زَعم البوارِحُ أنَّ رِحلتنا غدا ... وبذاك خبرنا الغُدافُ الأسود «2» وقوله: ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ (12) وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «ذَلِكَ الفوز العظيم» بغير هُوَ. وفي قراءتنا «ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» : كما كَانَ فِي قراءتنا «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ» «3» (24) وفي كتاب أهل المدينة: «فإن اللَّه الغني الحميد» «4» . وقوله: لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا (13) وقرأها يَحيى بْن وثاب والأعمش وحمزة (أَنْظِرُونا) . من أنظرت، وسائر القراء على (انظرونا) بتخفيف الألف «5» ، ومعنى: انظرُونا. انتظِرونا، ومعنى أنظِرونا، أخرونا كما قال: «أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» «6» ، وَقَدْ تَقُولُ العرب: «انظِرْني» «7» وهم يريدون: انتظرني «8» تقويةٌ لقراءة يَحيى، قَالَ الشَّاعِر: أبا هندٍ فلا تَعْجَلْ علينا ... وأَنْظِرنا نُخبِرْك اليقِينا «9» فمعنى هذه: انتظرنا قليلا نخبرك لأنه ليس هاهنا تأخير، إنَّما هُوَ استماع «10» كقولك للرجل: اسمع مني حتَّى أخبرك: وقوله: قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ (13) .   (1) فى ش: ثم نصبت على القطع. (2) البيت للنابغة انظر اللسان مادة: قوا وشرح المعلقات السبع للزوزنى: 187، والغداف: غراب القيظ الضخم. وفى ب، ش يخبرنا مكان خبرنا. [ ..... ] (3) وفى المصحف المكي: «فإن الله الغنى الحميد» النشر: 1/ 11. (4) فى ش: فإن الله هو الغنى الحميد. وهو خطأ وسيذكر ما يدل على ذلك فى ص: 136 الآية. (5) التخفيف قراءة طلحة، وزيد بن على (البحر المحيط 8/ 221) . (6) سورة الأعراف: الآية 14. (7، 8) سقط فى ش. (9) البيت لعمرو بن كلثوم. انظر تفسير الطبري 27/ 224، شرح المعلقات للزوزنى: 122. (10) فى ش: استمعا مع تحريف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 قَالَ المؤمنون للكافرين: ارجعوا إلى الموضع الَّذِي أخذنا منه [193/ ب] النور، فالتمسوا النور مِنْهُ، فلما رجعوا ضرب اللَّه عزَّ وجلَّ بينهم: بين المؤمنين والكفار بسور، وهو السور الَّذِي يكون عَلَيْهِ أهل الأعراف. وقوله: لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ الجنة، وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (13) النار، وفي قراءة عَبْد اللَّه: ظاهره من تلقائه العذاب. وقوله: يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ (14) على دينكم فى الدنيا، فقال المؤمنون: «بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ» (14) إلى آخر الآية. وقوله: فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ (15) . القراء عَلَى الياء، وَقَدْ قَالَ بعض أهل الحجاز [لا] «1» تؤخذ «2» والفدية مشتقة من الفداء، فإذا تقدم الفعل قبل «3» الفدية والشفاعة والصيحة والبينة وما أشبه ذَلِكَ، فإنك «4» مؤنث فعله وتذكّره «5» ، قَدْ جاء الكتاب بكل ذَلِكَ. وقوله عز وجل: مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ (15) أي: هِيَ أولى بكم. وقوله: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ (16) . وفي يأن لغات: من العرب من يَقُولُ: ألم يأن لك، وأ لم يئن لَكَ مثل: يَعِنْ، ومنهم من يَقُولُ: أَلم يَنَلْ لَكَ باللام، ومنهم من يَقُولُ: أَلم يُنلْ لَكَ، وأَحسنهن التي أَتى بها القرآن وقوله: وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ (16) . قرأها عاصم، وبعض أهل المدينة (نَزَّلَ) مشددة «6» ، وقرأها «7» بعضهم: «وما «8» نَزَلَ» مخففة وفي قراءة عَبْد اللَّه: وما أنزل «9» من الحق، فهذا قوة لمن قرأ: نزّل.   (1 و 8) سقط فى ش. (2) العبارة فى ح: تؤخذ لفدية، تحريف. (3) سقط في ح. (4) في ش: فإن تؤنث فعله ويذكره، تحريف. (5) قرأ الجمهور لا يؤخذ، وقرأ أبو جعفر والحسن وابن أبى إسحق والأعرج وابن عامر وهرون عن أبى عمرو بالتاء لتأنيث الفدية. البحر المحيط 8/ 222. (6) وهى قراءة الجمهور (البحر المحيط 8/ 223) . (7) هما نافع وحفص. وقرأ الجحدري وأبو جعفر والأعمش وأبو عمرو فى رواية عنه مبنيا للمفعول مشددا، وعبد الله: أنزل بهمزة النقل مبنيا للفاعل (البحر المحيط: 8/ 223) . [ ..... ] (9) في ح: وما نزل، وهو تحريف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 وقوله: وَلا يَكُونُوا «1» (16) . فِي موضع نصب، معناه: ألم يأنِ لهم أن تخشع قلوبهم، وألا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب، ولو كان جزمًا كَانَ صوابًا عَلَى النهى «2» . وقوله: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ (18) . قرأها عاصم: إنّ المصَدِّقين والمصَدِّقات بالتخفيف للصاد، يريد: الَّذِينَ صدّقوا اللَّه ورسوله، وقرأها آخرون: إِن «3» المصَّدقين يريدون: المتصدقين بالتشديد، وهي فِي قراءة أُبّي: إن المتصدقين والمتصدقات بتاءٍ ظاهرة «4» ، فهذه «5» قوة لمن قَرَأَ إن المصّدّقين «6» بالتشديد «7» . وقوله: أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ (19) انقطع الكلام عند صفة الصديقين. ثُمَّ قَالَ: «وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ» (19) يعني: النبيين لهم أجرهم ونورهم، فرفعتَ الصديقين بهم، ورفعت الشهداء بقوله: «لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ» (19) . وقوله: وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ (20) . ذكر ما فى الدنيا، وأنه على ما «8» وصف، وأمَّا الآخرة فإنها إما عذاب، وإما جنةً، والواو فِيهِ واو بمنزلة واحدة كقولك: ضع الصدقة فِي كل يتيم وأرملة، وإن قلت: فِي كل يتيم أَوْ أرملة، فالمعنى واحد والله أعلم. وقوله: مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ (22) . أي ما أصاب الآدمي فِي الأرض من مصيبة مثل: ذهاب المال، والشدة، والجوع، والخوف   (1) في (ا) ولا تكونوا. (2) في (ا) كالنهى. (3) سقط فى ب. (4) وهذا هو أصل الكلمة. (5) سقط فى ح. (6) في ح. المتصدقين تحريف. (7) قرأ ابن كثير وأبو بكر بتخفيف الصاد من التصديق، أي صدقوا الرسول صلّى الله عليه وسلم، وافقهما بن محيصن، والباقون بالتشديد فيهما من تصدق أعنى الصداقة، والأصل: المتصدقين والمتصدقات، أدغم التاء فى الصاد (الإتحاف 410) . (8) سقطت الواو في ح، ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 «وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ» الموت فِي الولد، وغير الولد، والأمراض «1» «إِلَّا فِي كِتابٍ» يعني: فِي العلم الأول، مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرأَ تلك النفس أي: «2» نخلقها، إِنَّ ذَلِكَ على الله يسير، ثُمَّ «3» يَقُولُ: إن حفظ ذَلِكَ من جميع [194/ ا] الخلق عَلَى اللَّه يسير، ثُمَّ أدّب عباده، فَقَالَ: هَذَا «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فاتَكُمْ» . أي: لا تحزنوا «4» : «وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ» (23) ، ومن قرأ: بما أتاكم بغير مد يجعل الفعل- لما «5» . وقوله: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ (24) . هَذِهِ اليهود بخلت حسدًا أن تُظهِر «6» صفة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسدًا للِإسلام لأنَّه يُذهب ملكهم. وقوله: وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24) . وفي قراءة أهل المدينة بغير- هُوَ- «7» دليل عَلَى ذَلِكَ. وقوله: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ (25) . ذكر أن اللَّه عزَّ وجلَّ أنزل: القلاة والكلْبَتين والمِطرقة. قَالَ «8» الفراء: القلاة: السَّندان. وقوله: فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ (25) . يريد: السلاح للقتال، ومنافع للناس «9» مثل: السكين، والفأس، والمز «10» وما أشبه ذَلِكَ. وقوله: النُّبُوَّةَ (26) . وفي مصحف عَبْد اللَّه بالياء بياءين: النَّبييّة بياءين والهمزة فِي كتابه تثبت بالألف فِي كل نوع،   (1) في ح: والأرض، تحريف. (2) فى ش: أن، تحريف. (3) سقط في ب، ش. (4) في ح، ش: وقال: ولا تفرحوا. (5) هى قراءة أبى عمرو والحسن، والباقين بالمد من الإيتاء أي بما أعطاكم الله إياه. (الإتحاف: 411) . [ ..... ] (6) في ش:: أن يظهروا. (7) فى مصاحف أهل المدينة فإن الله الغنى الحميد (البحر المحيط 1/ 398) . (8) مكررة فى ب. (9) فى القرطبي: عن ابن عباس، نزل آدم من الجنة ومعه من الحديد خمسة أشياء من آلة الحدادين: السّندان، والكلبتان، والميقعة، والمطرقة، والإبرة. (10) كذا فى النسخ ولعلها المسن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 فلو كانت همزة لأثبَتت بالألف، ولو كانت الفعولة لكانت بالواو، ولا تخلو أن تكون مصدر النبأ «1» أو النبيّة مصدرًا فنسبت «2» إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والعرب تَقُولُ: فعَل ذَلِكَ «3» فِي غُلوميته، وفي غلومته «4» ، وفي غلاميته، وسمع الكِسَائِيّ العرب تَقُولُ: فعل ذلك فِي وليديته يريد: وهو وليد أي: مولود، فما جاءك من مصدر لاسم موضوع، فلك فِيهِ: الفُعولة، والفُعولية، وأن تجعله منسوبًا عَلَى صورة الاسم، من ذَلِكَ أن تقول: عبد بين العبودية، والعبودة والعبدية «5» ، فقس عَلَى هَذَا. وقوله: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ (28) الكفل: الحظ، وهو فِي الأصل ما يكتفل به الراكب فيحبسه ويحفظه عَنِ «6» السقوط، يَقُولُ: يحصنكم الكِفل من عذاب اللَّه، كما يحصّن هَذَا الراكب الكفلُ من السقوط. وقوله: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ (29) وفى قراءة عبد الله: لكى يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون، والعرب تجعل لا صلة فِي كل كلام دخل «7» فِي آخره جحد، أَوْ فِي أوله جحد غير مصرح، فهذا مما دخل آخره الجحد، فجعلت (لا) فِي أوله صلة. وأمَّا الجحد السابق الَّذِي لم يصرح بِهِ «8» فقوله عزَّ وجلَّ: «ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ» «9» .   (1) فى ح: مصدرا للنبأ. (2) في ب: مصدر نسبت، وفي ش: مصدرا نسبت. (3) فى ش: ذاك. (4) في ح: غلومية، تحريف. (5) سقط فى ح، ش. (6) فى ش: على، تحريف. (7) فى ش: داخل. (8) سقط فى ح. (9) سورة الأعراف الآية: 12. [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 وقوله: «وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ» «1» وقوله: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ» «2» وفي الحرام معنى الجحد والمنع، وفي قوله: (وَما يُشْعِرُكُمْ) فلذلك جعلت (لا) بعده صلة معناها السقوط من الكلام. ومن سورة المجادلة قوله عزَّ وجلَّ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها (1) . نزلت في امْرَأَة يُقال لها: خولة ابْنَة ثعلبة، وزوجها أوس بْن الصامت الْأَنْصَارِيّ. قَالَ لها [194/ ب] إن لم أفعل كذا وكذا قبل أن تخرجي من البيت فأنت عليّ كظهر أمي، فأتت خولة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ تشكو، فقالت: إن أوس بْن الصامت تزوجني شابة غنية، ثُمَّ قَالَ لي كذا وكذا وَقَدْ ندم، فهل من عذر؟ فَقَالَ رَسُول الله صلّى الله عليه: ما عندي فِي أمرك شيء، وأنزل اللَّه الآيات فيها، فَقَالَ عزَّ وجلَّ: (قَدْ سَمِعَ الله) ، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: (قَدْ يسمع اللَّه) ، «والله قَدْ يسمع تحاوركما» ، وفي قراءة عَبْد اللَّه: «قول التي تحاورك «3» فِي زوجها» حتَّى ذكر الكفّارة فِي الظهار، فصارت عامة. وقوله: الّذين يظهرون (2) . قرأها يَحيى والأعمش وحمزة (يُظاهِرُونَ) «4» ، وقرأها بعض أهل الحجاز كذلك، وقرأها الْحَسَن ونافع «يظَّهَّرُون» فشدد «5» ، ولا يجعل فيها ألفًا، وقرأها عاصم «6» وأبو عبد الرحمن السلمى «7»   (1) سورة الأنعام الآية: 109. (2) سورة الأنبياء الآية 95. وقرأها ابن عباس: وحرم. وقرأ أبو بكر، وحمزة، والكسائي، وافقهم الأعمش. حرام. انظر معانى القرآن 2/ 211. (3) فى ش: تجاورك وهو تصحيف. (4) وهى قراءة ابن عامر، والكسائي، وأبى جعفر وخلف (الإتحاف: 411) . (5) وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو ويعقوب (الإتحاف: 411) . (6، 7) فى ب، ش: عاصم والسلمى أبو عبد الرحمن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 (يُظاهرون) يرفعان اليَاءَ، ويثبتان الألف، ولا يشددان، ولا يجوز فِيهِ التشديد إِذَا قلت: (يُظَاهِرُونَ) وهي فِي قراءة أبيّ: يتظاهرون من نسائهم قوة لقراءة أصحاب عَبْد اللَّه. وقوله: مَا هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ (2) الأمهات فِي موضع نصب لما ألقيت منها الباء نصبت، كما قال فى سورة يوسف: «ما هذا «1» بَشَراً» «2» إنما كانت فى كلام أهل الحجاز: ما هَذَا ببشر فلما ألقيت الباء «3» ترك فيها أثر سقوط الباء وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه «ما هن بأمهاتهم» «4» ، وأهل نجد إِذَا ألقوا الباء رفعوا، فقالوا «ما هَذَا «5» بشر» ، «ما هن أمهاتهم» «6» . أنشدني بعض العرب: رِكابُ حُسَيْلٍ آخرَ الصيفِ بُدَّن ... ونَاقةُ عَمْرو ما يُحَلُّ «7» لَهَا رَحْلُ ويزعمُ حِسْلٌ «8» أَنَّهُ فَرْع قومِهِ ... وما أنت فرع يا حسيل ولا أصل وقوله: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا (3) يصلح فيها فى العربية: ثم يعودون إلى ما قالوا، وفيما قَالُوا. يريد: يرجعون عما قَالُوا، وَقَدْ يجوز فِي العربية أن تَقُولُ: إن عاد لما فعل، يريد إن فعله مرة أخرى، ويجوز: إن عاد لما فعل: إن نقض ما فعل، وهو كما تَقُولُ: حلف أن يضربك فيكون معناه: حلف لا يضربك وحلف ليضربنك. وقوله: كُبِتُوا (5) . غيظوا وأحزِنُوا يوم الخندق «كَما كُبِتَ «9» الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» يريد: من قاتل الأنبياء من قبلهم.   (1) ما هذا مكررة فى ش. (2) سورة يوسف الآية 31. (3 و 5) سقط فى ش. (4) فى ش: بأمهاتكم، تحريف. (6) لرفع لغة تميم، وقرأ به عاصم فى رواية المفضل عنه (البحر المحيط 8/ 232) . (7) فى ش: يحمل خطأ. (8) فى ش: حسيل. (9) فى ش كتب وهو تصحيف. [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 وقوله: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى (7) . القراء على الياء فى يكون، وقرأها بعضهم «1» : ما تكون لتأنيث: النجوى. وقوله: ثَلاثَةٍ (7) . إن شئت خفضتها عَلَى أنها من نعت النجوى، وإن شئت أضفت النجوى إليها، ولو نصبت عَلَى أنها فعل لكان- كَانَ صوابًا «2» . وقوله: وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ (7) . وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «ولا أربعة إلَّا هُوَ خامسُهم» لأن المعنى غير مضمور لَهُ، فكفى ذكر بعض العدد من بعض. وقوله: وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ (7) موضع: أدنى، وأكثر. خفض لاتباعه: الثلاثة، والخمسة، ولو رفعه رافع كَانَ صوابًا «3» ، كما قيل: «مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ» «4» ، كأنه قَالَ: ما لكُم إله غيره. [206/ 1] وقوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى (8) نزلت فِي اليهود والمنافقين، وكانوا إِذَا قاعدوا مسلمًا قَدْ غزا لَهُ قريب فِي بعض سرايا رسول الله صلى الله عليه تناجى الاثنان من اليهود والمنافقين بما يوقع فِي قلب المسلم أن صاحبه قَدْ قتل، أَوْ أصيب، فيحزن لذلك، فنهوا عَنِ النجوى. وَقَدْ قَالَ اللَّه: إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ (10) وقوله: وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ (8) .   (1) وهى قراءة أبى جعفر، وأبى حيوة، وشيبة (البحر المحيط 8/ 234) . (2) قرأ ابن أبى عبلة بالنصب على الحال. وقال الزمخشري أو على تأويل نجوى بمتناجين ونصبها من المستكن فيه. (انظر تفسير الزمخشري 2: 441 والبحر المحيط 8/ 235) . (3) وهى قراءة الحسن، وابن أبى إسحق، والأعمش، وأبى حيوة، وسلام، ويعقوب. (البحر المحيط 8/ 236) . (4) سورة الأعراف الآية 59، 65، 73، 85. وهود فى الآيات: 50، 61، 84، والمؤمنون 23، 32 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 قراءة العوام بالألف، وقرأها يَحيى بْن وثاب: وينتجون «1» ، وفي قراءة عَبْد اللَّه: إِذَا انْتجَيْتُمْ «2» فلا تنتجوا. وقوله: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ (8) كانت اليهود تأتي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، فيقولون «3» : السام عليك، فيقول لهم «4» : وعليكم، فيقولون: لو «5» كَانَ مُحَمَّد نبيًا لا ستجيب لَهُ فينا لأنّ السام: الموت، فذلك قوله: «لَوْلا «6» يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ» : أي: هلَّا «7» . وقوله: إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا (11) . قرأها النَّاس: تفَسَّحُوا «8» ، وقرأ «9» الْحَسَن: تفاسحوا «10» ، وقرأ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن: فِي المجالِس «11» ، وتفاسحوا، وتفسَّحوا متقاربان مثل: تظاهرون، وتظَّهرون، وتعاهدته وتعهدَّته، راءيت ورأيت، ولا تُصاعر وَلا تُصعِّر «12» . وقوله: وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا (11) . قَرَأَ النَّاس بكسر الشين، وأهل الحجاز يرفعونها «13» ، وهما لغتان كقولك: يَعْكِفُونَ ويَعْكُفُون «14» ، ويعرِشون، ويعرُشون «15» ،   (1) وهى أيضا قراءة حمزة وطلحة والأعمش مضارع انتجى (البحر المحيط 8/ 236) وانظر ص 382 من الجزء الأول معانى القرآن. (2) فى (ا) انتجعتم، تحريف. (3) فى ب: يقول، تحريف. (4) زيادة فى ح، ش. (5) سقط فى ح. (6) فى ح، ش لو يعذبنا، تحريف. (7) فى ح، ش فهلا. (8) سقط فى ش، وكتبت بين السطور فى ب. (9) فى ب، ش قرأها. (10) وهى قراءة قتادة وعيسى (البحر المحيط 8/ 36) . [ ..... ] (11) وهى قراءة عاصم والحسن (انظر الإتحاف 412) . (12) سورة لقمان الآية 18. (13) وهى قراءة نافع وابن عامر وحفص وأبى بكر وأبى جعفر (الاتحاف: 412) . (14) من قوله تعالى: فأنوا على قوم يعكفون على أصنام لهم. الأعراف: 138 وهى فى ش ويكفون. تحريف. (15) من قوله تعالى: وما كانوا يعرشون. الأعراف 137. ومن الشجر ومما يعرشون. النحل 68. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً (12) كانوا قَدْ أُمروا أن يتصدقوا قبل أن يكلموا رسول الله صلّى الله عليه- بالدرهم ونحوه، فثقُل ذَلِكَ عليهم، وقلَّ كلامهم رسول الله صلّى الله عليه بخلا بالصدقة، فقال الله: «أَأَشْفَقْتُمْ» (13) أي: أبخلتم أن تتصدقوا، فإذا فعلتم فَأَقِيمُوا الصلاة وآتوا الزكاة فنسخت الزكاة ذلك الدرهم. وقوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً (14) نزلت فِي المنافقين كانوا يوالون اليهود «مَا هُمْ مِنْكُمْ» من المسلمين، «وَلا مِنْهُمْ» عَلَى دين المنافقين هُمْ يهود. وقوله: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ (19) غلب عليهم. وقوله: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي (21) الكتاب: يجرى مجرى القول، تدخل فِيهِ أن، وتستقبل بجواب اليمين لأنك تجد الكتاب قولا فِي المعنى كُنى عَنْهُ بالكتاب، كما يكفى عن القول: بالزعم، والنداء، والصياح، وشبهه. [206/ ب] وقوله: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (22) نزلت فِي حاطب بْن أَبِي بلتعة، وذلك أَنَّهُ كتب إلى أهل مكَّة: أن النَّبِيّ صلّى الله عليه يريد أن يغزوكم فاستعدوا لمّا أراد رَسُول الله صلّى الله عليه افتتاح مكَّة، فأتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بذلك الوحي، فَقَالَ لَهُ «1» : ما دعاك إلى ما فعلت؟ قَالَ: أحببت أن أتقرب إلى أهل مكَّة لمكان «2» عيالي فيهم، ولم يكن عنْ عيالي ذابُّ هناك، فأنزل اللَّه هَذِهِ الآية. الجماعة من أهل الكوفة والبصرة والحجاز عَلَى: كَتَبَ فِي قُلُوبِهِم، وقَرأ بعضهم: كُتِبَ «3»   (1، 2) زيادة من ب، ح، ش. (3) وهى قراءة أبى حيوة والمفضل عن عاصم: (البحر المحيط 8/ 239) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 ومن سورة الحشر قوله عزَّ وجلَّ: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ (2) هؤلاء بنو النضير: كانوا قَدْ عاقدوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه عَلَى ألا يكونوا معه، ولا عَلَيْهِ، فلما نُكب المسلمون يوم أُحد غُدروا، وركب حُيَيّ بْن أخطب إلى أَبِي سُفْيَان وَأصحابه من أهل مكَّة، فتعاقدوا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه، وأتاه الوحي بذلك، فَقَالَ للمسلمين: أُمرت بقتل حيي، فانتدب لَهُ طائفة من المسلمين فقتلوه، وغدا عليهم النبي صلّى الله عليه، فتحصنوا فِي دورهم، وجعلوا ينقبون الدار إلى التي هِيَ أحصن منها، ويرمون النَّبِيّ صَلَّى الله عليه بالحجارة التي يخرجون منها، وجعل المسلمون يهدمون دورهم ليتسع موضع القتال، فذلك قوله [عزَّ وجل] : «يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ» واجتمع القراء على (يخربون) إِلا أبا عَبْد الرَّحْمَن السُّلَميّ، فإنه قَرَأَ (يخرّبون) «1» ، كأنَّ يخرّبون: يهدّمون، ويخُرْبِون- بالتخفيف: يخرجون «2» منها يتركونها، ألا ترى أنهم كانوا ينقبون الدار فيعظونها؟ فهذا معنى: (يُخْرِبون) والذين قَالُوا (يخرّبون) ذهبوا إلى التهديم الَّذِي كَانَ المسلمون يفعلونه، وكل صواب. والاجتماع من قراءة القراءِ أحب إليَّ. [وقوله تبارك وتعالى: «فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصارِ (2) : يا أولي العقول، وَيُقَال: يا أولي الأبصار: يا من عاين ذَلِكَ بعينه «3» ] . وقوله: لِأَوَّلِ الْحَشْرِ (2) : [هُمْ] «4» أول من أجلى عنْ جزيرة العرب، وهي الحجاز. وقوله: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ (5) .   (1) وقرأ بالتشديد أيضا قتادة، والجحدري ومجاهد وأبو حيوة وعيسى وأبو عمرو (البحر المحيط 8/ 243) . (2) فى ش: يخربون، تحريف. (3) ما بين الحاصرتين زيادة فى ب، ح. (4) زيادة فى ب، ح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أمر النبي صلّى الله عليه بِقَطْعِ النَّخْلِ كُلِّهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ، يَعْنِي: يَوْمَ بَنِي النَّضِيرِ إِلَّا الْعَجْوَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ النَّخْلِ سِوَى الْعَجْوَةِ، هُوَ «1» اللَّيِّنُ. قَالَ الفراء: واحدته: لِينة، وفي قراءة عَبْد اللَّه: «ما قطعتم من لِينَةٍ ولا تركتم قُوَّمًا عَلَى أصوله إلا بإذن اللَّه» ، يقول: إلا بأمر الله. وقوله: أصوله «2» (5) ذهب إلى الجمع فِي اللين كُلِّه، ومن قَالَ: أُصُولها- ذهب إلى تأنيث النخل لأنَّه يذكر ويؤنث. وقوله: فَما أَوْجَفْتُمْ [196/ ا] عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ (6) . كان النبي صلّى الله» عليه قَدْ أحرز «3» غنيمة بني النَّضِير وقُريظة وفَدَك، فَقَالَ لَهُ الرؤساء: خذ صفيَّك «4» من هَذِهِ، وأفردنا بالربع «5» ، فجاء التفسير: إن هَذِهِ قُرًى لم يقاتلوا «6» عليها بخيل، ولم يسيروا» إليها عَلَى الإبل إنَّما مشيتم إليها عَلَى أرجلكم، وكان بينها وبين المدينة ميلان، فجعلها النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ لقوم من المهاجرين، كانوا محتاجين وشهدوا بدرًا، ثُمَّ قَالَ: «مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى» (7) . هَذِهِ الثلاث، فهو لله وللرسول خالص. ثُمَّ قال: «وَلِذِي الْقُرْبى» (7) . لقرابة رسول الله صلّى الله عليه «وَالْيَتامى» . يتامى المسلمين عامة، وفيها يتامى بني عَبْد المطلب «وَالْمَساكِينِ» مساكين المسلمين ليس فيها مساكين بني عَبْد المطلب.   (1) فى (ا) وهو، والتصحيح من ب، ح، ش. (2) سقط فى ح. (3) فى ش أحذر، تحريف. [ ..... ] (4) الصفي من الغنيمة: ما يختاره الرئيس لنفسه قبل القسمة. (5) فى ش بالرفع، تحريف. (6) فى ش: تقالموا. (7) فى ش: يستروا، تحريف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 ثُمَّ قَالَ: كَيْ لا يَكُونَ ذَلِكَ الفيء دُولة بين الأغنياء- الرؤساء- يُعمل بِهِ كما كَانَ «1» يعمل فِي الجاهلية، ونزل فِي الرؤساء: «وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» (7) فرضُوا. والدُّولة: قرأها «2» النَّاس برفع الدال إلا السُّلَميّ- فيما أعلم- فإنه قَرَأَ: دولة: بالفتح، وليس هَذَا للدَّولة بموضع إنَّما الدُّولة فِي الجيشين يَهزم هَذَا هَذَا، ثُمَّ يُهزمَ الهازم، فتقول: قَدْ رجعت الدولة عَلَى هَؤُلَاءِ، كأنها المرة «3» ، وَالدُّولة فِي المِلْك والسنن التي تغيَّر «4» وتبدّل عَلَى الدهر، فتلك الدُّولة «5» . وَقَدْ قَرَأَ بعض العرب: (دولةٌ) ، وأكثرهم نصبها «6» وبعضهم: يكون، وبعضهم: تكون «7» . وقوله: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ (9) يعني: الأنصار، يحبون من هاجر إليهم لما أُعطيَ المهاجرون ما قسم لهم النَّبِيّ صَلَّى الله عليه من فيء بني النضير لم يأمن عَلَى غيرهم أن يحسدهم إذ لم يقسمْ لهم. فقال النبي صلّى الله عليه للأنصار: إن شئتم قسمتم لهم من دوركم وأموالكم، وقسمت لكم كما قسمت لهم، وإما أن يكون لهم القِسم، ولكم دياركم وأموالكم، فقالوا: لا، بل تقسم لهم من ديارنا وأموالنا ولا نشاركهم فِي القَسم، فأنزل اللَّه جل وعز هَذِهِ الآيات ثناء عَلَى الأنصار، فقال: «يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ» (9) يعنى المهاجرين: «وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ» (9) الآية. وفى قراءة عبد الله: «وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ» (10) يعني المهاجرين: يقولون ربَّنا اغفِرْ لنا ولإخواننا «8» الَّذِينَ تبوءوا الْإِيمَان من قبل، وألّف بين قلوبنا، ولا تجعل فيها غَمَرا «9» للذين آمنوا.   (1) الزيادة من ب، ح، ش. (2) فى ح: قرأ. (3) فى ش: المرأة، تحريف. (4) فى ح، التي لا تغير وتبدّل. (5) قال ابن جنى فى المحتسب: 2/ 316: منهم من لا يفصل بين الدّولة والدّولة: ومنهم من يفصل فيقول: الدّولة فى السلك، والدّولة فى السلك. (6) قرأ هشام بالتذكير مع النصب. وأبو جعفر وعن هشام: تكون بتاء التأنيث دولة بالرفع على أنّ كان تامة (الإتحاف 413) . (7) قرأ بالتاء عبد الله وأبو جعفر وهشام، والجمهور بالياء (البحر المحيط 8/ 245) . (8) لا، مكررة فى ش خطأ. (9) كذا فى ب، ح، ش، والغمر، بالتحريك: الحقه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 وقوله: لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ (13) يَقُولُ: أنتم يا معشر المسلمين أهيب فِي صدورهم [يعني بني النضير] «1» من عذاب اللَّه عندهم، وذلك أن بني النضير كانوا ذوي بأس، فقذف اللَّه فِي قلوبهم الرعب من المسلمين، ونزل فِي ذَلِكَ: «بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ» (14) ليقوى المسلمون عليهم (تحسبهم) يعنى: بنى النضير جميعا، وقلوبهم مختلفة، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: وقلوبهم أشت، أي: أشد اختلافًا. وقوله: أَوْ «2» مِنْ وَراءِ جُدُرٍ (14) قرأ ابن عباس: جدار، وسائر القراء: جدر عَلَى الجمع «3» . وقوله: فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما «4» فِي النَّارِ خالِدَيْنِ (17) وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: فكان عاقبتُهما «5» أنهما خالدان فى النار، وفى [196/ ب] قراءتنا «خالِدَيْنِ فِيها» نصب، ولا أشتهي الرفع، وإن كَانَ يجوز وذلك أن الصفة قَدْ عادت عَلَى النار مرتين، والمعنى للخلود، فإذا رَأَيْت الفعل بين صفتين قَدْ عادت إحداهما عَلَى موضع الأخرى نصبت الفعل، فهذا من ذَلِكَ، ومثله فِي الكلام قولك: مررت برجل عَلَى بابه متحملا بِهِ، ومثله قول الشَّاعِر: والزعفران على ترائبها ... شرقا بِهِ اللباتُ والنحْرُ «6» لأن الترائب «7» هِيَ اللبات هاهنا، فعادت الصفة باسمها الَّذِي وقعت عَلَيْهِ أولا، فإذا اختلف الصفتان: جاز الرفع والنصب على حسن. من ذَلِكَ قولك: عَبْد اللَّه فِي الدار راغبٌ فيك. ألا ترى أن (فِي) التي فِي الدار مخالفة (لفي) التي تكون فِي الرغبة والحجة «8» ما يعرف به النصب   (1) زيادة من ب، وقد كتبت فيها بين السطور. [ ..... ] (2) فى ش ولا أو، تحريف. (3) قرأ أبو عمرو وابن كثير وكثير من المكيين جدار بالألف وكسر الجيم (البحر المحيط 8/ 249) ، وافقهما اليزيدي (الاتحاف: 413) . وقرأ كثير من المكيين وهرون عن ابن كثير: جدر، بفتح الجيم، وسكون الدال لغة اليمن (البحر المحيط 8/ 249) ، وعن الحسن، ضم الجيم، وسكون الدال مع حذف الألف، وهى قراءة أبى رجاء وأبى حيوة (المحتسب 2/ 316) ، والباقون بضم الجيم والدال على الجمع (الاتحاف 414) . (4، 5) سقط فى ش. (6) أورده فى البحر المحيط، ولم ينسبه، والرواية فيه: شرقت به مكان: شرقابه (البحر المحيط 8/ 453) . (7) فى ح، ش: التراب، تحريف. (8) فى الأصل: ومخنة ولعلها: ومحجة، والتصويب عن تفسير الطبري (28/ 52) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 من الرفع. ألا ترى الصفة الآخرة تتقدم قبل الأولى، إلّا أنك تَقُولُ: هَذَا أخوك فِي يده درهم قابضًا عَلَيْهِ، فلو قلت: هَذَا أخوك قابضًا عَلَيْهِ فِي يده درهم [لم يجز] «1» . وأنت تَقُولُ: هَذَا رَجُل فِي يده درهم قائمٌ إلى زَيْد. ألا ترى أنك تَقُولُ: هَذَا رَجُل قائم إلى زَيْد فِي يده درهم، فهذا يدل عَلَى المنصوب إِذَا امتنع تقديم الآخر، ويدل عَلَى الرفع إِذَا سهل تقديم الآخر. وقوله: لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ (20) وفي قراءة عَبْد اللَّه: ولا أصحاب النار «2» ، ولا صلةٌ إِذَا كَانَ فِي أول الكلام جحد، ووصل بلا من آخره. و «3» أنشد فِي بعض بني كلاب. إرادة ألّا يجمع اللَّه بيننا ... ولا بينها أخرى الليالي الغوابر «4» معناه: إرادة ألا يجمع اللَّه بيننا وبينها، فوصل بلا. ومن سورة الممتحنة قوله عز وجل: تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ (1) دخول الباء فِي: المودة، وسقوطها سواء، هَذَا بمنزلة قولك: أظن أنك قائم، وأظن [بأنك] «5» قائم، وأريد بأن تذهب، وأريد بأن تقوم. وقد قال الله جلّ وعز: «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ» «6» فأدخل الباء، والمعنى: ومن يرد فِيهِ إلحادًا. أنشدني أَبُو الجراح: فلمّا رَجَت بالشُّرب هَزّلها العصا ... شحيح له عند الإزاء نهيم «7»   (1) سقط فى ش. (2) فى ح: وأصحاب الجنة مكان ولا أصحاب النار، وهو تحريف. (3) فى غير ح: أنشد. (4) لم أعثر على قائله. (5) سقط فى ح. (6) سورة الحج الآية: 25. (7) الإزاء: مصب الماء فى الحوض، أو حجر أو جلد أو جله يوضع على فم الحوض. والنهيم: صوت يشبه الأنثيين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 معناه: فلما رجت أن تشرب. ونزلت هَذِهِ السُّورة فِي حاطب بْن أَبِي بلتعة، لما أراد رسول الله صلّى الله عليه أن يغزو أهل مكَّة، قدمت عَلَيْهِ امْرَأَة من موالي بني المطلب، فوصلها المسلمون، فلما أرادت الرجوع أتاها حاطب بْن أَبِي بلتعة، فَقَالَ: إني معطيك عشرة دنانير، وكاسيك بردا عَلَى أن تبلغي أهل مكَّة كتابًا، فكتب معها، ومضت تريد مكَّة، فنزل جبريل عَلَى النبي صلّى الله عليهما «1» بالخبر، فأرسل عليًّا والزبير فِي إثرها، فَقَالَ: إن دفعت إليكما الكتاب [وإلا فاضربا] «2» [197/ ا] عنقها فلحقاها، فقالت: تنحيا عني، فإني أعلم أنكما لن تصدقاني حتَّى تفتشاني، قَالَ: فأخَذَت الكتاب، فجعلته بين قرنين من قرونها، ففتشاها، فلم يريا شيئًا، فانصرفا راجعين، فَقَالَ عليّ للزبير: ماذا صنعنا؟ يخبرنا «3» رسول الله أن معها كتابا ونصدقها؟ فكرّا عليها «4» ، فقالا: لتخرِجِنَّ كتابك «5» أَوْ لنضربن عنقك، فلما رأت الجد أخرجت الكتاب. وكان فِيهِ: من حاطب بْن أَبِي بلتعة إلى أهل مكَّة: أما بعد، فإن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يريد إن يغزوكم، فخذوا حذركم مَعَ أشياء كتب «6» بها، فدعا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه بحاطب، فأقرّ لَهُ، وقَالَ: حملني عَلَى ذَلِكَ أن أهلي بمكة وليس من أصحابك [أحد] «7» إلا وله «8» بمكة من يذب عنْ أهله، فأحببت أن أتقرّب إليهم ليحفظونى فِي عيالي، ولقد علمت أن لن ينفعهم كتابي، وأن اللَّه بالغ فيهم أمره، فَقَالَ عمر بن الخطاب: دعنى فأضرب عنقه، قَالَ: فسكت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وما يدريك لعل اللَّه قَدْ «9» نظر إلى أهل بدر فَقَالَ: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. قَالَ الفراء: حدثني بهذا حبان بإسناده.   (1) فى ب: فنزل جبريل صلّى الله عليه على النبي صلّى الله عليه. [ ..... ] (2) التكملة من ح. (3) سقط فى ح. (4) كذا فى ح، وفى (ا) عليه، تحريف. (5) فى ش: الكتاب. (6) فى ش: كنت وهو تصحيف. (7) زيادة من ش يتطلبها الأسلوب. (8) فى ش: له. (9) فى ا: لعل الله نظر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 وقوله: تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ (1) . مِن صلة الأولياء، كقولك: لا تتخذنّه رجلًا تلقي «1» إِلَيْه كلّ ما عندك. وقوله: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا (1) . إن آمنتم ولإن آمنتم، ثُمَّ قَالَ عزَّ وجلَّ: «إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي» (1) فلا تتخذوهم أولياء. وقوله: يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ (3) . قرأها يَحيى بْن وثاب: يُفصِّل. «2» بينكم، قَالَ: وكذلك يقرأ أَبُو زكريا، وقرأها عاصم والحسن يَفْصل «3» ، وقرأها أهل المدينة: يُفْصَل. وقوله قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (4) . يعنى حاطبا، «فِيهِمْ» فى إبراهيم. يقول: فى فعل إبراهيم، والذين معه إذ تبروءا من قومهم. يَقُولُ: ألا تأسيت يا حاطب بإبراهيم فتبرأ من أهلك كما برىء إِبْرَاهِيم؟ ثُمَّ قَالَ: «إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ» أي: قَدْ كانت لكم أسوة فِي أفاعيلهم إلّا فى قول إبراهيم: لأستغفرن فإِنه ليس لكم فِيهِ أسوة. وقوله: إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ (4) . إن تركت الهمز من برآء أشرت إليه بصدرك، فقلت: بُرَاء. «4» وقَالَ «5» الفراء: مدّة، وإشارة إلى الهمز، وليس يضبط إلّا بالسمع،   (1) فى ش: يلقى. (2) فى ش: يفصّل، وفى ب، ح: يفصّل. (3) قرا نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر: يفصّل. مبنيا للمفعول. وقرأ ابن عامر: يفصّل بالصاد مشددة مبنيا للمفعول. وقرأ عاصم ويعقوب: يفصل: بفتح الياء، وإسكان الفاء وكسر الصاد مخففة مبنيا للفاعل. وقرأ حمزة والكسائي وخلف: يفصّل، بضم الياء وفتح الفاء وكسر الصاد المشددة مبينا للفاعل. (الاتحاف 414) . (4) كذا فى ح، وفى غيرها برا، والأول الوجه، ففى اللسان: حكى الفراء فى جمعه (برىء) : براء غير مصروف على حذف إحدى الهمزتين. وفى المحتسب (2: 319) بعد أن أورد قول الحارث بن حلزة: فإنا من حربهم لبراء قال الفراء: أراد برآء، فحذف الهمزة التي هى لام تخفيفا، فأخذ هذا الموضع من أبى الحسن فى قوله: إن أشياء أصلها أشيياء، ومذهبه هذا يوجب ترك صرف براء، لأنها عنده همزة التأنيث. (5) فى ش: قال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 [ولم «1» يجرها «2» ] . ومن العرب من يَقُولُ: إنا براء منكم، فيجرى، ولو قرئت كذلك كان وجها. وقوله: رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا (4) . أي: فقولوا هَذَا القول أنتم، وَيُقَال: إنه من قيل «3» إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلام وقومه. وقوله «4» : لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً (5) . لا تظهَرنّ علينا الكفار فيروا أنهم عَلَى حق، وأنّا عَلَى باطل. وقوله: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً (7) . يقول: عسى أن ترجع عدواة بينكم إلى المودة، فتزوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه أمّ حبيبة بِنْت أَبِي سُفْيَان، فكانت المصاهرة مودة. وقوله: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ (8) . هَؤُلَاءِ خزاعة كانوا عاقدوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه ألا [197/ ب] يقاتلوه، ولا يخرجوه، فأمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه ببرهم، والوفاء لهم إلى مدة أجلهم، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ «5» قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ» (9) أن تنصروهم، يعني الباقين من أهل مكَّة. وقوله: إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ (10) . يعني: فاستحلفوهن، وذلك أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه لما صالح أهل مكَّة بالحديبية فلما ختم الكتاب خرجت إِلَيْه سُبَيْعة بِنْت الحارث الأسلمية مُسْلِمَةً، فجاء زوجها فقال: ردَّها عليّ فإِن ذَلِكَ فِي الشرط لنا عليك، وَهذه طينة الكتاب لم تجفف، فنزلت هَذِهِ الآية «فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ» (10)   (1، 2) مقدمه على: وقال الفراء. [ ..... ] (3) فى ح: من قبل، تحريف. (4) فى ب: قوله. (5) فى الأصل «إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ.. أَنْ تَوَلَّوْهُمْ» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 فاستحلفها رسول الله صلّى الله عليه: ما أخرجكِ إلينا إلا الحرص عَلَى الْإِسْلَام «1» والرغبة فيه «2» ، ولا أخرجك حدث أحدثتِه، ولا بغض لزوجك، فحلفتْ، وأعطى رسول الله صلّى الله عليه زوجها مهرها، ونزل التنزيل: «وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» (10) من كانت لَهُ امْرَأَة بمكة أبت أن تُسلم فقد انقطعت العصمة فيما بينها وبين زوجها، ومن خرج إلى المسلمين من نسائهم مُسْلمةً، فقد انقطعت عصمتها من زوجها الكافر، وللمسلمين أن يتزوجوها بغير عدة. وقوله: وَسْئَلُوا «3» ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا «4» ما أَنْفَقُوا (10) . يَقُولُ: اسألوا «5» أهل مكَّة أن يردوا عليكم مهور النساء اللاتي يخرجن إليهم منكم مرتدات «6» ، وليسألوا مهور من خرج إليكم من نسائهم. وقوله: وَلا تُمْسِكُوا (10) . قرأها يَحيى بْن وثاب والأعمش وحمزة مخففة، وقرأها الحسن: تمسّكوا «7» ، ومعناه متقارب. والعرب تقول: أمسكت بك، ومسكت بك، وتمسّكت بك «8» . وقوله: وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ (11) أعجزكم. وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «وَإِن فاتكم أحد مِنْ أَزْوَاجِكُمْ» ، وأحدٌ يصلح فِي موضع- شيء، وشيء يصلح فِي موضع أحد «9» فِي النَّاس، فإذا كانت شيء فِي غير النَّاس، لم يصلح أحد فِي موضعها. وقوله: وَإِنْ فاتَكُمْ (11) : يَقُولُ: أعجزكم إن ذهبت امْرَأَة فلحقت بأهل مكَّة كافرة، وليس بينكم وبينهم عهد فعاقبتم، يَقُولُ: فغنمتم، فأعطوا زوجها مهرها من الغنيمة قبل الخمس.   (1، 2) زيادة فى ح. (3) فى ا، ب: وسلوا. (4) فى ب: وليسلوا، ولا نعرف قراءة بالتخفيف فى الكلمتين. (5) فى ب، ح: سلوا. (6) فى ش: من ندات وهو تحريف، وفيها: وليسألوكم. (7) زاد فى ب، ح، ش: وقرأها بعضهم تمسكوا، وضبطت تمسكوا بضبط قراءة الحسن، وهو تكرار. (8) فى ش: به. (9) سقط فى ح، ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 [حدثنا محمد بن الجهم] «1» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنِ الْأَعْمَش عنْ أَبِي الضحى عنْ مسروق أَنَّهُ قَرَأَ: «فَعاقَبْتُمْ» ، وفسرها: فغنمتم، وقرأها «2» حميد الأعرج: فعقّبتم مشددة «3» ، وهي كقولك: تصعّر، وتصاعر فِي حروف قَدْ أنبأتك بها فِي تآخي «4» : فعلت، وفاعلت. وَقوله: وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ (12) . قرأها السّلمى وحده: ولا يقتّلن «5» أولادهن، وذكر أن النبي صلّى الله عليه لَمَّا افْتَتَحَ مَكَّةَ قَعَدَ عَلَى الصَّفَا وَإِلَى جَنْبِهِ عُمَرُ، فَجَاءَهُ النِّسَاءُ يُبَايِعْنَهُ وَفِيهِنَّ هِنْدُ بِنْتُ «6» عُتْبَةَ، فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه: «لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً» يَقُولُ: لَا تَعْبُدْنَ «7» الْأَوْثَانَ، وَلَا تَسْرِقْنَ، وَلَا تَزْنِينَ. قَالَتْ هِنْدٌ: وَهَلْ تَزْنِي الْحُرَّةُ؟ قَالَ: فَضَحِكَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا، لَعَمْرِي «8» مَا تَزْنِي الْحُرَّةُ. قَالَ: فَلَمَّا قَالَ «9» : لَا تَقْتُلْنَ أَوْلَادَكُنَّ «10» ، هَذَا فِيمَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَئِدُونَ، فَبُويِعُوا عَلَى أَلَّا يَفْعَلُوا، فَقَالَتْ هِنْدٌ: قَدْ ربيناهم صغارا، وقتلتموهم كِبَارًا «11» . وقوله: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ (12) . كانت المرأة تلتقط المولود، فتقول لزوجها: هَذَا ولدي منك. فذلك البهتان المفترى [198/ ا] . وقوله: لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ (13) . يَقُولُ: من نعيم الآخرة وثوابها، كما يئس الكفار من أهل «12» القبور، يَقُولُ: علموا ألا نعيم لهم فِي الدنيا، وَقَدْ ماتوا ودخلوا القبور. وَيُقَال: كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ القبور: من ثواب الآخرة ونعيمها.   (1) زيادة فى ب. (2) فى ش: فقرأها. (3) وهى قراءة علقمة والنخعي (تفسير القرطبي 18/ 69) . [ ..... ] (4) فى ش: أتاخى، تحريف. (5) وهى قراءة على والحسن أيضا (انظر البحر المحيط 8/ 258) . (6) فى ش: ابنة. (7) فى ش: لا تعبدون، تحريف. (8) سقط فى ح، ش. (9) فى ش: ولا. (10) فى ح: أولادهن. (11) انظر نصّ هذه المراجعة فى (تفسير القرطبي: 18/ 73) . (12) فى ح: أصحاب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 ومن سورة الصف قوله عزَّ وجلَّ: لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) . كَانَ المسلمون يقولون: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى اللَّه لأتيناه، ولو ذهبَتْ فِيهِ أنفسنا وأموالنا، فلما كانت وقعة «1» أحد فتولوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» حتَّى شُجّ وكسرت رباعِيَتُه فَقَالَ: «لِمَ «3» تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ» «4» لذلك. ثُمَّ قَالَ: «كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ [أَنْ تَقُولُوا» (3) فأن فِي موضع رفع لأن (كَبُر) بمنزلة قولك: بئس رجلًا أخوك، وقوله: كَبُرَ مَقْتًا عند الله] «5» : أضمر فِي كبر اسما «6» يكون مرفوعًا. وأمَّا قوله «كَبُرَتْ كَلِمَةً» «7» فإن الْحَسَن قرأها رفعًا «8» ، لأنَّه لم يضمر شيئًا، وجعل الفعل للكلمة، ومن نصب أضمر «9» فِي كبرت اسمًا ينوي بِهِ الرفع. وقوله: كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4) بالرصاص، حثهم عَلَى القتال. وقوله: وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ (8) . قرأها يَحيى أَوِ «10» الْأَعْمَش شك الفراء: «وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ» «11» بالإضافة، ونونها أهل الحجاز: متمٌّ نورَه. وكلٌّ صواب. وقوله: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ (11) .   (1) فى ب، ح، ش: كان يوم. (2) فى ب: النبي. (3، 4) سقط فى ح. (5) ما بين الحاصرتين ساقط فى ش. (6) فى ش: اسم. [ ..... ] (7) سورة الكهف الآية: 5. (8) وهى أيضا قراءة ابن محيصن (الاتحاف 288) . (9) النصب قراءة الجمهور. (10) سقط فى ح، ش. (11) وهى قراءة ابن كثير وحفص وحمزة والكسائي وخلف (الإتحاف 415) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 وفي قراءة «1» عَبْد اللَّه: آمنوا «2» ، فلو قيل فِي قراءتنا: أن تؤمنوا لأنه ترجمة للتجارة. وإذا «3» فسرْت الاسم الماضي بفعل جاز فِيهِ أن وطرحها تَقُولُ للرجل: هَلْ لَكَ فِي خير تقوم بنا إلى المسجد فنصلي، وإن قلت: أن تقوم إلى المسجد كَانَ صوابًا. ومثله «4» مما فسر ما قبله عَلَى وجهين قوله: «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ» «5» : أنّا، وإنا «6» ، فمن قال: أنا هاهنا فهو الَّذِي يدخل (أنْ) «7» فِي يقوم، «8» ومن قَالَ: إنا فهو الَّذِي يلقى (أنْ) من تقوم، ومثله: «عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا» «9» و (إنَّا) «10» . وقوله: يَغْفِرْ لَكُمْ (12) . جزمت فِي «11» قراءتنا فِي هَلْ «12» . وفي قراءة عَبْد اللَّه للَأمر الظاهر، لقوله: (آمِنوا) ، وتأويل: هَلْ أدلكم أمر أيضًا فِي المعنى، كقولك للرجل: هَلْ أنت ساكت؟ معناه: اسكت، والله أعلم. وقوله: وَأُخْرى تُحِبُّونَها (13) . فِي موضع رفع أي: ولكم أخرى فِي العاجل مَعَ ثواب الآخرة، ثُمَّ قَالَ: «نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ» : مفسّر للأخرى، ولو كَانَ نصرًا من اللَّه، لكان صوابًا، ولو قيل: وآخر تحبونه يريد: الفتح، والنصر- كَانَ صوابًا. وقوله: كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ (14) .   (1، 2) سقط فى ب. (3) فى ش: وإن. (4) سقط فى ح، ش. (5) سورة عبس الآية: 24. (6) قرأها عاصم وحمزة والكسائي وخلف بفتح الهمزة فى الحالين على تقدير لام العلة، وافقهم الأعمش. وقرأ رويس بفتحها فى الوصل فقط، والباقون بكسرها مطلقا (الاتحاف 433) . (7) فى ش أي، تحريف. (8) فى ش تقوم. (9) سورة النمل الآية 51. (10) قرأها عاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف بفتح الهمزة على تقدير حرف الجر، وكان تامة، وعاقبة فاعلها، وكيف. حال. وافقهم الأعمش والحسن والباقون بكسرها على الاستئناف (الإتحاف 328) . [ ..... ] (11) فى ش: إلى تحريف. (12) فى ب، ح: لعل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 قرأها عاصم بْن أَبِي النَّجود مضافًا «1» ، وقرأها أهل المدينة: أنصارًا اللَّه. «2» ، يفردون الأنصار، ولا يضيفونها، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: أنتم أنصار الله. [198/ ب] ومن سورة الجمعة قوله عزَّ وجلَّ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ (3) . يُقال: إنهم ممن لم يسلم عَلَى عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه، ثُمَّ أسلم، وَيُقَال: هُمُ الَّذِينَ يأتون من بعد. (وآخرين) فِي موضع خفض بعث فِي الأميين وفي آخرين منهم. ولو جعلتها نصبا بقوله: «وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ» ويعلم آخرين فينصب «3» عَلَى الرد عَلَى الهاء فِي: يزكيهم، ويعلمهم «4» . وقوله: كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً (5) . يحمل من صلة الحمار لأنَّه فِي مذهب نكرة، فلو «5» جعلت مكان يحمل حاملًا لقلت: كمثل الحمار حاملًا أسفارًا. وفي قراءة عَبْد اللَّه: كمثل حمار يحمل أسفارًا. والسِّفْر واحد الأسفار، وهي الكتب العظام. شبه اليهود، ومن لم يسلم إِذ لم ينتفعوا بالتوراة والإنجيل. وهما دليلان على النبي صلّى الله- عليه- بالحمار الَّذِي يحمل كتب العلم ولا يدري ما عَلَيْهِ. وقوله: قُلْ «6» إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ (8) . أدخلت العرب الفاء فِي خبر (إنّ) لأنها وقعت عَلَى الَّذِي، والذي حرف يوصل، فالعرب تدخل الفاء فِي كل «7» خبرٍ كَانَ اسمه مما يوصل مثل: من، والذي وإلقاؤها صواب «8» ، وهي فِي   (1) فى ش: مضافة. (2) هى قراءة ابن كثير وأبى عمرو ونافع (تفسير القرطبي 18/ 89) . (3) فى ش: فتنصب. (4) أي لكان صوابا، واقتصر العكبري فى إعراب القرآن على الوجه الأول (إعراب القرآن 2/ 138) . (5) فى ش: ولو. (6) سقط فى ب: إن الموت. (7) سقط فى ش. (8) فى ح، ش: سواء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 قراءة عَبْد اللَّه: «إن الموتَ الَّذِي تفرُّون مِنْهُ ملاقيكُم» ، ومن أدخل الفاء ذهب بالذي إلى تأويل الجزاء إِذَا احتاجت إلى أن توصل، ومن ألقى الفاء فهو عَلَى القياس لأنك تَقُولُ: إن أخاك قائم، ولا تَقُولُ: إن أخاك فقائم. ولو قلت: إن ضاربك فظالم كَانَ جائزًا لأن تأويل: إن ضاربك، كقولك: إن من يضربك فظالم، فقس عَلَى هَذَا الاسم المفرد الَّذِي فِيهِ تأويل الجزاء فأدخل لَهُ الفاء. وقَالَ «1» بعض المفسرين: إن الموت هُوَ الَّذِي تفرون مِنْهُ «2» ، فجعل الَّذِي فِي موضع الخبر للموت. ثُمَّ قَالَ: ففروا «3» أولًا تفروا فإنه ملاقيكم. ولا تجد هَذَا محتملًا فِي العربية والله أعلم بصواب ذَلِكَ. وقوله: مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (9) . خفضها الْأَعْمَش فَقَالَ: الجمعة «4» ، وثقلها عاصم وأهل الحجاز، وفيها لغة «5» : جَمَعَة، وهي لغة لبني عقيل «6» لو قرىء بها كَانَ صوابًا. والذين قَالُوا: الجمعة: ذهبوا «7» بها إلى صفة اليوم أَنَّهُ يوم جُمَعَة كما تَقُولُ: رَجُل ضُحَكة للذي يُكثر الضحك. وقوله: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ (9) . وفي قراءة عَبْد اللَّه: «فامضوا إلى ذكر اللَّه» «8» ، والمضي والسعي والذهاب فِي معنى واحد لأنك تَقُولُ للرجل: هُوَ يسعى فِي الأرض يبتغي من فضل اللَّه، وليس «9» هَذَا باشتداد. وَقَدْ قَالَ بعض الأئمة: لو قرأتها: «فَاسْعَوْا» لاشتددت يَقُولُ «10» : لأسرعت، والعرب تجعل السعي أسرع من المضي، والقول فيها القول الأول.   (1) فى ش: قال. (2، 3) سقط فى ش. (4) وهى أيضا قراءة عبد الله بن الزبير (تفسير القرطبي 18/ 97) (5) فى ش: لغلة، تحريف. [ ..... ] (6) وقيل إنها لغة النبي صلّى الله عليه وسلم (تفسير القرطبي 18/ 97) . (7) سقط فى ب، ح، ش. (8) وهى أيضا قراءة على وعمر وابن عباس وأبى وابن عمر، وابن الزبير وأبى العالية والسلمى ومسروق وطاوس وسالم بن عبد الله وطلحة بخلاف (المحتسب 2/ 321) . (9) فى ح، ش: فليس. (10) فى ش: لقول، تحريف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 وقوله تبارك وتعالى وَذَرُوا الْبَيْعَ (9) . إِذَا [أمر بترك البيع فقد] «1» أمر بترك الشراء لأن المشترِي والبيِّع يقع عليهما البيِّعان، فإذا أذن المؤذن «2» من يوم الجمعة حرم البيع والشراء [199/ ا] . وقوله: فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (10) . هَذَا: إِذْنٌ، وإباحةٌ، من شاء باع، ومن شاء لزم المسجد. وقوله: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها (11) . فجعل الهاء للتجارة دون «3» اللهو، وَفِي قراءة عَبْد اللَّه: «وَإِذَا رأوا «4» لَهْوًا أَوْ تجارة انفضوا إليها» . وذكروا أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ [عليه] «5» كَانَ يخطب يوم الجمعة، فقدم دِحْيَة الكلبي بتجارة من الشام فيها كل ما يحتاج إِلَيْه النَّاس، فضرب بالطبل «6» ليؤذن النَّاس بقدومه فخرج جميع النَّاس إِلَيْه إلّا ثمانية نفر، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ «وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً» يعني: التجارة التي قدِم بها، «أَوْ لَهْواً» : يعني: الضرب بالطبل. ولو قيل: انفضوا إِلَيْه، يريد: اللهو كان صوابا، كما قال: «وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً» «7» ولم يقل: بها. ولو قيل: بهما، وانفضوا إليهما كما قَالَ: «إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما» «8» ، كَانَ صوابًا وأجود من ذَلِكَ فِي العربية أن تجعل الراجع من الذكر للآخرِ من الاسمين وما بعد ذا فهو جائز. وإنما اختير فِي انفضوا إليها- فِي قراءتنا وقراءة عَبْد اللَّه لأن التجارة كانت أهم إليهم، وهم بها أسرٌ منهم بضرب «9» الطبل لأن الطبل إنَّما دل عليها، فالمعنى كُلِّه لها.   (1) سقط فى ح. (2) فى ح: فإذا أذن من. (3) سقط فى ح. (4) سقط فى ش. (5) زيادة يقتضيها المقام. (6) فى ش: الطبل. (7) سورة النساء الآية: 112. (8) سورة النساء الآية: 135. (9) فى ب، ح، ش: بصوت. [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 ومن سورة المنافقين قوله عزَّ وجلَّ: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1) . يَقُولُ القائل: قَدْ شهدوا للنبي صَلَّى اللَّهُ عليه، فقالوا: «وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ» فكيف كذَّبهم اللَّه؟. يُقال: إنَّما أكذبَ «1» ضميرهم لأنهم أضمروا النفاق، فكما لم يَقبل إيمانهم وَقَدْ أظهروه، فكذلك جعلهم كاذبين لأنهم أضمروا غير ما أظهروا. وقوله: وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ (4) . من العرب من يجزم بإذا، فيقول: إِذَا تقم أقمْ، أنشدني بعضهم: وإذا نطاوِعْ أمرَ سادتِنا ... لا يَثْنِنا جُبن ولا بُخْلُ وقَالَ آخر «2» : واستغْنِ ما أغناك ربُّك بالغِنى ... وإذا تُصبْك خصاصةٌ فتجمَّل «3» وأكثر الكلام فيها الرفع لأنها تكون فِي مذهب الصفة، ألا ترى أنك تَقُولُ: الرُّطب [إِذَا اشتد الحر، تريد فِي ذَلِكَ الوقت. فلما كانت فِي موضع صفة كانت صلة للفعل] «4» الَّذِي يكون قبلها، أَوْ بعد الَّذِي يليها، كذلك قَالَ الشَّاعِر: وإذا تكون شديدةٌ أُدْعَى لها ... وإذا يحاسُ الْحَيْسُ يُدْعَى جُندُبُ «5» وقوله: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ (4) . خفف الْأَعْمَش «6» ، وثقل إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر الْمَدَنِيّ عنْ أصحابه وعاصم، فمن ثقل فكأنه جمع   (1) فى ش أذكر، تحريف. (2) فى ش الآخر. (3) هو العبد قيس بن خفاف (انظر المفضليات 2/ 185) والأصمعيات 269. وفى (ح) «فتحمل» مكان «فتجمل» (4) سقط فى ح، ش. (5) الخزانة 1/ 243. (6) وهى قراءة قنبل وأبى عمرو والكسائي والبراء بن عازب، واختيار أبى عبيد (تفسير القرطبي 18/ 125) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 خشبة خشابا، ثم جمعه [199/ ب] فثقل، كما قَالَ «1» : ثمار وَثُمُرٌ. وإن شئت جمعته، وهو خشبة على خُشُب، فخففت وثقلت، كما قَالُوا: البدَنة، والبُدْن والبدن «2» ، والأكم والأُكْم. والعرب تجمع بعض ما هُوَ عَلَى صورة خشبة أرى عَلَى فُعْل من ذَلِكَ: أجمة وأُجْم، وبَدَنة وبُدْن، وأكَمة وأُكْم. ومن ذَلِكَ [من] «3» المعتل: ساحة وسُوح، وساق وسُوق، وعائة وعُون، ولابة «4» ولُوب، وقارة «5» وقور، وحياة وحي، قال العجاج: ولو ترى إذا الحياة حِيّ «6» وكان ينبغي أن يكون: حُوَى، فكسر أولها لئلا تتبدل الياء واوا، كما قَالُوا: بيض وعِين. وقوله: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ (4) . جبنا وخوفا، ثم قال: «هُمُ الْعَدُوُّ» ، ولم يقل: هُمُ الأعداء، وكل ذَلِكَ صواب. وقوله: لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ (5) . حركوها استهزاء بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعائه. وقرأ بعض أهل المدينة: «لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ» بالتخفيف «7» . وقوله: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ (7) . كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزاة من غزواته، فالتقى رَجُل من المسلمين يُقال لَهُ: جِعال «8» وآخر [من المنافقين عَلَى الماء فازدحما عَلَيْهِ، فلطمه جعال] «9» ، فأبصره عَبْد اللَّه بْن أَبِي، فغضب، وقَالَ «10» : ما أدخلنا هَؤُلَاءِ القوم دارنا إلّا لنُلطمَ ما لهم؟ وكلهم الله إلى جعال، وذوى جعال «11» !،   (1) فى ش: قالوا. (2) سقط فى ح، ش. (3) زيادة من ش تقيم العبارة. (4) اللابة: الحرة. (5) القارة: الجبيل، أو الصخرة العظيمة. (6) يروى وقد مكان ولو. انظر أراجيز العرب: 175. واللسان (حى) ، والحي: الحياة. (7) التخفيف قراءة نافع. تفسير القرطبي 18/ 127 وروح؟ (الاتحاف 416) (8) فى تفسير القرطبي اسمه جهجاه (القرطبي 18/ 127) . [ ..... ] (9) سقط فى ح، ش. (10) فى ب: فقال. (11) كان جعال من فقراء المهاجرين، فهذا قوله: وكلهم الله ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 ثُمَّ قَالَ: إنكم لو منعتم أصحاب هَذَا الرجل الطعام لتفرقوا عَنْهُ، وانفضوا، فذلك قوله: «هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا (7) ثُمَّ قَالَ عَبْد اللَّه بْن أَبِي: «لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» وسمعها «1» زَيْد بْن أرقم، فأخبر بها النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزل القرآن: «وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ» (8) ، ويجوز فِي القراءة: «لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» «2» كأنك قلت: ليخرجن العزيز منها ذليلًا، وقرأ بعضهم: لنُخْرِجَن الأعزَّ منها الأذل «3» أي: لنخِرجن الأعزَّ فِي نفسه ذليلًا «4» . وقوله: فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) . يُقال: كيف جزم (وأكن) ، وهي مردودة عَلَى فعل منصوب؟ فالجواب فِي ذَلِكَ أن- الفاء- لو لم تكن فِي فأصدق كانت مجزومة، فلما رددت (وأكن) ، - ردّت عَلَى تأويل الفعل لو لم تكن فِيهِ الفاء، ومَن أثبت الواو ردَّه عَلَى الفعل الظاهر فنصبه، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه، «وأكونَ من الصالحين» «5» . وَقد يجوز «6» نصبها فِي قراءتنا، وإن لم تكن فيها الواو لأن العربَ قَدْ تسقط الواو فِي بعض الهجاء، كما أسقطوا الألف من سليمن وأشباهه، ورأيت فى بعض مصاحف عبد الله: فقولا: فقلا بغير واو.   (1) فى ح: وسمعنا، تحريف (2) فى البحر المحيط: قرىء مبنيا للمفعول، وبالياء. الأعز مرفوع به. الأذل نصبا على الحال. (البحر المحيط 8/ 274) . (3) هى قراءة الحسن وابن أبى عبلة، بنصب الأعز والأذل. (4) فالأعز مفعول والأذل حال. (البحر المحيط 8/ 274) . (5) وهى قراءة أبى عمرو وابن محيصن ومجاهد (تفسير القرطبي 18/ 131) والحسن وابن جبير وأبى رجاء وابن أبى اسحق ومالك بن دينار والأعمش (البحر المحيط 8/ 275) . (6) سقط فى ح، ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 ومن سورة التغابن قوله جل وعز: «مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» (11) . يريد: إلا بأمر اللَّه، «وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ» [عند المصيبة فيقول: إنا لله وإنا إِلَيْه راجعون، وَيُقَال: يهد قلبه] «1» إِذَا ابتُلي صبر، وإذا أُنعم عَلَيْهِ شكر، وإذا ظُلِمَ غفر، فذلك قوله يهد قلبه [200/ ا] . وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ (14) . نزلت لما أمِر النَّاس بالهجرة من مكَّة إلى المدينة، فكان الرجل إِذَا أراد أن يهاجر تعلقت بِهِ امرأته وولده، فقالوا: أَيْنَ تضعنا «2» ، ولمن تتركنا؟ فيرحمهم، ويقيم متخلفًا عَنِ الهجرة، فذلك قوله: «فَاحْذَرُوهُمْ» أي: لا تطيعوهم فِي التخلف. وقوله: وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا (14) . نزلت فِي أولاد الَّذِينَ هاجروا، ولم يطيعوا عيالاتهم لأنهم قَالُوا لهم عند فراقهم للهجرة: لئن لم تتبعونا لا ننفق عليكم، فلحقوهم بعد بالمدينة، فلم ينفقوا عليهم، حتَّى سألوا رَسُول اللَّه صلّى الله عليه فنزل: وإن تعفوا وتصفحوا، وتنفقوا عليهم، فرخص لهم فِي الإنفاق عليهم. وقوله: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ (16) . يُقال: من أدَّى الزكاة فقد وُقِيَ شح نفسه، وبعض القراء قَدْ قَرَأَ: «ومَنْ يُوقَ شِحَّ نَفْسِه» ، بكسر الشين «3» ، ورفَعها الأغلب فِي قراءة.   (1) ساقط فى ش. (2) فى ش، تضعن، تحريف. (3) وهى قراءة أبى حيوة وابن أبى عبلة (البحر المحيط 8/ 247) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 ومن سورة النساء القصرى «1» وهى: سورة الطلاق قوله عز وجل: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ (1) . فينبغي للرجل إِذَا أراد أن يطلق امرأته للعدة أمهلها حتَّى تحيض حيضة، ثُمَّ يطلقها، فإِذا حاضت حيضة بعد الطلاق طلقها أخرى، فإن حاضت بعد التطليقتين طلقها ثالثة، فهذا طلاق العدة، وَقَدْ بانت مِنْهُ، فلا تحل لَهُ حتَّى تنكح زوجًا غيره. وطلاق السنة: أن يطلقها طاهرًا فِي غير جماع، ثُمَّ يدعها حتَّى تحيض ثلاث حيضات، فإذا فعل ذَلِكَ بانت مِنْهُ، ولم يَحلّ لَهُ نكاحها إلا بمهر جديد، ولا رجعة له عليها. قوله: «2» وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ (1) الحيض وقوله: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ (1) . التي طُلّقن «3» فيها، ولا يَخرجن من قِبَلِ أنفسهن «إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ» ، فَقَالَ بعضهم: إلّا أن يأتين بفاحشة [إلا أن تُحدِث حدًّا فَتُخْرَجَ ليقام عليها، وقَالَ بعضهم: إلا أن يأتين بفاحشة] «4» إلا أن يعصين فيخرُجن، فخروجها «5» فاحشة بينة. وقوله: فَأَمْسِكُوهُنَّ (2) . يَقُولُ فِي التطليقة الباقية بمعروف أَوْ سرحوهن بمعروف، قَالَ: والمعروف: الإِحسان. وقوله: لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1) .   (1) هذا اسم آخر لسورة الطلاق: وكذا سماها ابن مسعود أخرجه البخاري وغيره: (الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى: 69) وانظر بصائر ذوى التمييز: 2/ 469. (2) سقط فى ب. [ ..... ] (3) فى ح: تطلقن، تحريف. (4) ما بين القوسين ساقط فى ح. (5) فى ش: فخروجهن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 هَذِهِ الرجعة فِي التطليقتين. وقوله: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ (2) . إِذَا حاضت حيضة بعد التطليقتين إلى أن تحيض الثالثة، ولا تغتسل «1» ، فله رجعتها مالم تغتسل من الحيضة الثالثة. وقوله: بالِغُ أَمْرِهِ (3) . القراء جميعًا عَلَى التنوين. ولو قرئت: بالغ أمره [على الإضافة «2» ] لكان صوابا «3» ، ولو قرىء: بالغ أمره بالرفع لجاز «4» . وقوله: [200/ ب] وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ (4) . يَقُولُ: إن شككتم فلم تدروا ما عدتها، فذكروا: أن مُعاذ بْن جبل سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: قَدْ عرفنا «5» عدة التي تحيض، فما عدة الكبيرة التي قد يئست؟ فنزل «فَعِدَّتُهُنَّ «6» ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ» فقام رَجُل فَقَالَ: يا رَسُول اللَّه! فما عدة الصغيرة التي لم تحض؟ فَقَالَ: وَاللَّائِي «7» لم يحضن بمنزلة الكبيرة التي قَدْ يئست عدتها: ثلاثة أشهر. فقام آخر فَقَالَ: فالحوامل «8» ما عدتهن؟ فنزل: «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» (4) فإذا وضعت الحامل «9» ذا بطئها حلّت للأزواج، وإن كَانَ زوجها الميت عَلَى السرير لم يدفن. وقوله: مِنْ وُجْدِكُمْ (6) . يَقُولُ: عَلَى قدر ما يجد أحدكم فإن كَانَ موسّعًا وسَّع عليها فِي: المسكن، والنفقة وإن كَانَ مُقْتِرًا (10) فعلى قدر ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: «وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ   (1) فى ش: يحيض الثالثة ولا يغتسل، وهو تحريف. (2) الزيادة من ب. بين السطور. (3) وهى قراءة عاصم وحفص والمفضل وأبان وجبلة وجماعة عن أبى عمرو (البحر المحيط 8/ 283) . (4) وهى قراءة داود بن أبى هند (تفسير القرطبى 18/ 161 والمحتسب 2/ 324) . (5) فى ش: ما وهو خطأ. (6) فى ش: فنزل ثلاثة أشهر. (7) فى ب، ش: اللائى. (8) فى (ا) : الحوامل، تحريف. (9) فى ح: مقبرا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 حَمْلَهُنَّ» (6) ينفق عليها من نصيب ما فى بطئها، ثُمَّ قَالَ: «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» أجر الرضاع. وقوله: وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ (6) يَقُولُ: لا تضارّ المرأةُ زوجها، ولا يضرّ «1» بها، وقد أجمع «2» القراء على رفع الواو من: «وُجْدِكُمْ» «3» ، وعلى رفع القاف من «قُدِرَ» «4» [وتخفيفها] «5» ولو قرءوا: قدِّر «6» كَانَ صوابًا. ولو قرءوا مِنْ «وُجْدِكُمْ» «7» كَانَ صوابًا لأنها لغة لبني تميم. وقوله: فَحاسَبْناها حِساباً [شَدِيداً (8) . فى الآخرة] «8» ، «وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً» (8) فِي الدنيا، وهو مقدّم ومؤخر، ثُمَّ قَالَ: «فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها» من عذاب الدنيا «وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً» (9) النارَ وعذابَها. وقوله: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً» (10) رَسُولًا (11) نزلت فِي الكتاب بنصب الرَّسُول، وَهو وجه العربية، ولو «9» كانت رسولٌ بالرفع كَانَ صوابًا لأن الذكر رأس آية، والاستئناف بعد الآيات حسن. ومثله قوله: «التَّائِبُونَ» «10» وقبلها: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» ، فلما قال: «وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» «11» استؤنف بالرفع، ومثله: «وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ، صُمٌّ بُكْمٌ» «12» ، ومثله: «ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ» ثم قال: «فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ» «13» ، وهو نكرة من صفة معرفة، فاستؤنف بالرفع، لأنه بعد آية.   (1) فى ش: يضار. (2) فى ش: ولقد اجتمع. [ ..... ] (3) فى ب: من وجد. (4) قرأ الجمهور «قدر» مخففا. (البحر المحيط 8/ 286) (5) زيادة فى ب، ح، ش. (6) هى قراءة ابن أبى عبلة. (7) هى قراءة الأعرج والزهري (القرطبي 18/ 168) . (8) سقط فى ج، ش (9) فى ح، ش: فلو. (10) التوبة 112. (11) التوبة 111. (12) البقرة الآيتان: 17، 18 (13) البروج: الآية 16 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 وقوله: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ (12) . خلق سبعا، ولو قرئت: «مِثْلَهُنَّ» إذ لم يظهر الفعل كَانَ صوابًا «1» . تَقُولُ فِي الكلام: رَأَيْت لأخيك إبلا، ولوالدك شاء كَثِير «2» ، إِذَا لم يظهر الفعل. قَالَ يعني الآخِر «3» جاز: الرفع، والنصب إِذَا كَانَ مَعَ الآخر صفة رافعة فقس عَلَيْهِ إن شاء اللَّه. ومن سورة المحرّم «4» قوله جلّ وعز. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ (1) . نَزَلَتْ فِي مَارِيَّةَ الْقِبْطِيَّةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه يَجْعَلُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ يَوْمًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَائِشَةَ زَارَتْهَا حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ، فَخَلا بَيْتُهَا، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه إِلَى مَارِيَّةَ الْقِبْطِيَّةِ، وَكَانَتْ «5» مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه فِي مَنْزِلِ حَفْصَةَ، وَجَاءَتْ حَفْصَةُ إِلَى مَنْزِلِهَا فَإِذَا السِّتْرُ مُرْخًى، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَتَكْتُمِينَ عَلَيَّ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ يَعْنِي مَارِيَّةَ، وَأُخْبِرُكِ: أَنَّ أَبَاكِ وَأَبَا بَكْرٍ سَيَمْلِكَانِ مِنْ بَعْدِي، فَأَخْبَرَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ الْخَبَرَ، وَنَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَدَعَا حَفْصَةَ فَقَالَ: مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا فَعَلْتِ؟ قَالَتْ لَهُ: وَمَنْ أَخْبَرَكَ أَنِّي قُلْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ؟ قَالَ: «نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ» ثُمَّ طَلَّقَ حَفْصَةَ تَطْلِيقَةً، وَاعْتَزَلَ نِسَاءَهُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا. ونزل عليه: «لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ» مِنْ نِكَاحِ مَارِيَّةَ، ثُمَّ قَالَ: «قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ «6» تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ» (2) يَعْنِي: كَفَّارَةَ أَيْمَانِكُمْ، فَأَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَبَةً، وَعَادَ إِلَى مَارِيَّةَ.   (1) قرأ (مثلهن) بالرفع المفضل عن عاصم وعصمة عن أبى بكر. (البحر المحيط: 8: 287) . (2) فى ش: شيئا تحريف. (3) فى ش: فى الآخر. [ ..... ] (4) الأرجح أن (المحرم) تحريف المتحرم، فهى سورة التحريم والمتحرم، كما فى ح، ش، وبصائر ذوى التمييز: 1: 471، وفى الإتقان (2: 69) أنها تسمى أيضا: (لم تحرم) . (5) فى ح ش: فكانت. (6) فى ش: الله تحلة، سقط. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 قال [الفراء] «1» : حَدَّثَنِي بِهَذَا التَّفْسِيرِ حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ قَالَ: «عَرَّفَ بَعْضَهُ» [يَقُولُ: عَرَّفَ حَفْصَةَ] «2» بَعْضَ الْحَدِيثِ وَتَرَكَ بَعْضًا، وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ «عرف» «3» خفيفة «4» . [حدثنا محمد بن الجهم] «5» حدثنا الفراء قال: حدثني مُحَمَّد بْن الفضل المروزي عنْ عطاء عنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السلمي «عَرَف» خفيفة. حدثنا «6» الفراء، وحدثني شيخ من بني أسد يعني الكِسَائِيّ عنْ نعيم عنْ «7» أَبِي عَمْرو عنْ عطاء عنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن قَالَ: كَانَ إِذَا قرأ عليه الرجل: «عرّف بعضه» بالتشديد حصبه بالحصباء «8» ، وَكأن الَّذِينَ يقولون: عرَف خفيفة يريدون: غضب من ذَلِكَ وَجازى عَلَيْهِ، كما تَقُولُ للرجل يسيء إليك: أما والله لأعرفن «9» لَكَ ذَلِكَ، وَقَدْ لعمري جازى حفصة بطلاقها، وهو وجه حسن، [وذكر عَنِ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ قَرَأَ] «10» عرف بالتخفيف «11» كأبي عَبْد الرحمن. وقوله: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ (4) . يعني: عَائِشَةَ وحفصة، وذلك: أن عَائِشَةَ قَالَتْ: يا رَسُول اللَّه، أما يوم غيري فتتمه «12» ، وأمَّا يومي فتفعل فِيهِ ما فعلت؟ فنزل: إن تتوبا إلى الله من تعاونكما عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم «فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما» زاغت ومالت وإن تظاهرا عليه» تعاونا عليه، قرأها عاصم والأعمش بالتخفيف،   (1) زيادة من ح ش. (2) سقط فى ح ش. (3) وهى أيضا قراءة الكسائي (الاتحاف 419) وعلى وطلحة بن مصرّف، والحسن، وقتادة، والكلبي والأعمش عن أبى بكر (تفسير القرطبي: 18/ 187) . (4 و 7) سقط فى ش. (5) زيادة من ب، وفى ش: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حدثنا الفراء: (6) فى ب ش: قال. (8) فى ا، ش بالحصى. (9) فى ش: لأعرفك تحريف. (10) فى ح، ش كما يأتى: وقد ذكر أن الحسن البصري قرأ. (11) فى ح، ش: بالتخفيف عرف. (12) فى ب: فتتممه. [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 وقرأها أهل الحجاز: «تظَّاهرا» بالتشديد «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ» : وليه عليكما «وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» مثلُ أَبِي بَكْر وعمر الَّذِينَ ليس فيهم نفاق، ثُمَّ قَالَ: «وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ «1» ذلِكَ ظَهِيرٌ» بعد أولئك، يريد أعوان، ولم يقل: ظهراء، ولو قال قائل «2» : إن ظهيرًا «3» لجبريل، ولصالح المؤمنين، والملائكة «4» - كَانَ صوابًا، ولكنه حسن أن يجعل الظهير للملائكة خاصة، لقوله: (والملائكة) بعد نصرة هَؤُلَاءِ ظهير. وأما قوله: «وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» فإنه موحد فِي مذهب الجميع «5» ، كما تَقُولُ: لا يأتيني إلا سائس «6» الحرب، فمن كَانَ ذا «7» سياسة للحرب فقد أمر بالمجيء واحدًا كَانَ «8» أَوْ أكثر مِنْهُ، ومثله «9» : «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما» «10» ، هذا عامّ [201/ ب] وليس بواحد ولا اثنين، وكذلك قوله: «وَاللَّذَانِ يأتيانها منكم فآذوهما «11» ، وكذلك: «إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ» «12» ، و «إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً» «13» ، فِي كَثِير من القرآن يؤدي معنى الواحد عَنِ الجمع «14» . وقرأ عاصم والْأَعْمَش: «أَنْ يُبْدِلَهُ» بالتخفيف، وقرأ أهل الحجاز: «أَنْ يُبْدِلَهُ» [بالتشديد] «15» وكلّ صواب: أبدلت، وبدّلت. وقوله: سائِحاتٍ (5) . هنّ الصائمات، قَالَ: ونرى أن الصائم إنَّما سمّي سائحًا لأن السائح لا زاد معه، وإنما يأكل حيث يجد، فكأنه أخذ من ذلك «16» والله أعلم.   (1) فى ش: والملائكة ذلك، سقط (2) فى ب: ولو قال إن سقط. (3) فى ش: ظهير، تحريف. (4) فى ش: وصالح المؤمنين وللملائكة، تحريف. (5) فى ش: جمع. (6) فى ش: السايس. (7) فى ش: فرا خطأ. (8) سقط فى (ا) . (9) فى ش: ومنه. (10) سورة المائدة الآية 38. (11) سورة النساء الآية: 16. (12) سورة العصر الآية: 2. (13) سورة المعارج الآية: 19. (14) فى ش الجميع. [ ..... ] (15) التكملة من ب بين السطرين. (16) فى ب: ذاك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 والعرب تَقُولُ للفَرس إِذَا كَانَ قائمًا عَلَى غير علف: صائم، وذلك أن لَهُ قُوتَيْن [قُوتًا غدوة] «1» وقوتًا عشية فشبه بتسحر الآدمي وإفطاره. وقوله: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ (6) . علِّموا أهليكم ما يدفعون بِهِ المعاصي، علموهم ذلك. وقوله: تَوْبَةً نَصُوحاً (8) . قرأها بفتح النون أهلُ المدينة والْأَعْمَش، وذكر عنْ عاصم والحسن «نَصُوحاً» ، بضم النون، وكأن الَّذِينَ قَالُوا: «نَصُوحاً» أرادوا المصدر مثل: قُعودًا، والذين قَالُوا: «نَصُوحاً» جعلوه «2» من صفة التوبة، ومعناها: يحدّث نفسه إِذا تاب من ذَلِكَ الذنب ألّا يعود إِلَيْه أبدًا. وقوله: يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا (8) . لا يقوله كل من دخل الجنة، إنَّما يقوله أدناهم منزلة وذلك: أن السابقين فيما ذكر يمرون كالبرق عَلَى الصراط، وبعضهم كالريح، وبعضهم كالفرس الجواد، وبعضهم حَبْوًا وَزحفًا، فأولئك «3» الَّذِينَ يقولون: «رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا» حتّى ننجو. ولو قَرَأَ قارئ: «وَيُدْخِلَكُمْ «4» » جزمًا لكان وجهًا لأن الجواب فِي عسى فيضمر فِي عسى- الفاء، وينوي بالدخول أن يكون معطوفًا عَلَى موقع الفاء، ولم يقرأ بِهِ أحدٌ «5» ، ومثله: «فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ» «6» . ومثله قول الشَّاعِر: فأبلوني بليتكُم لعلي ... أصالحكم، واستدرجْ نَوِيَّا «7» فجزم [لأنَّه نوى الرد عَلَى لعلى] «8» .   (1) سقط فى ش. (2) فى ش: جعلوا تحريف. (3) فى ش: أولئك. (4) قبلها: «تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ» . (5) قرأ به ابن أبى عبلة (تفسير القرطبي: 18/ 20) . (6) المنافقون: 10 (7) البيت لأبى دواد. أبلونى: أحسنوا صنيعكم إلى. والبلية: اسم منه. أستدرج: أرجع أدراجى. نوى: نواى، والنوى: الوجه الذي يقصد. انظر الخصائص: 1/ 176. (8) سقط فى ح ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 وقوله: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا (10) . هَذَا مثل أريد بِهِ عَائِشَةَ، وحفصة فضرب لهما المثل، فَقَالَ: لم ينفع امْرَأَة نوح وامرأة لوط إيمانُ زوجيهما، ولم يضر «1» زوجيهما نفاقُهما، فكذلك لا ينفعكما نُبوة النَّبِيّ- صَلَّى الله عليه- لو لم تؤمنا، ولا يضره ذنوبكما، ثُمَّ قال: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ» فأمرهما أن تكونا «2» : كآسية، وكمريم ابنة عمران «3» التي أحصنت فرجها. والفرج هاهنا: جيب درعها، وذكر: أن جبريل- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفخ فِي جيبها، وكل ما كَانَ فِي الدرع من خَرْق أَوْ غيره يقع عَلَيْهِ اسم الفرج. قَالَ الله تَعَالى: «وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ» «4» يعني السماء من فطور ولا صدوع. ومن سورة الملك قوله عزَّ وجلَّ: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) لم يوقع البلوى عَلَى أيّ لآن فيما بين [أي، وبين البلوى] «5» إضمار فعل، كما تَقُولُ فِي الكلام: بلوتكم لأنظر أيُّكم أطوع، فكذلك، فأعمل فيما تراه قبل، أي مما يحسن فِيهِ إضمار النظر فِي [قولك: اعلم أيّهم ذهب] «6» [202/ ا] وشبهه، وكذلك قوله: «سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ» «7» يريد «8» : سلهم ثُمَّ انظر أيهم يكفل بذلك، وَقَدْ يصلح مكان النظر القولُ فِي قولك: اعلم أيهم ذهب «9» لأنَّه يأتيهم فيقول. أيكم ذهب؟ فهذا شأن هَذَا الباب، وَقَدْ «10» فسر فى غير   (1) فى ب، ح، ش: يضرر. (2) كذا فى ش، وفى غيرها يكونا، تحريف. (3) فى ش: بنت. (4) سورة ق الآية 6، وفى ش: وما لنا، تحريف. [ ..... ] (5) فى ح، ش: بين البلوى، وبين أي. (6) سقط فى ب، ح، ش. (7) سورة القلم الآية 40. (8) زيادة من ح، ش. (9) فى ح: ذنب، تحريف. (10) سقط فى ح، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 هَذَا الموضع. ولو قلت: اضرب أيّهم ذهب. لكان نصبًا لأن الضرب لا يحتمل أن يضمر «1» فِيهِ النظر، كما احتمله العلم والسؤال والبلوى. وقوله: مَا تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ «2» (3) [حدثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ «3» ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الجعفي عن أبى إسحق: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَرَأَ. «مِنْ تفوّت» . حدثنا محمد بن الجهم، حدثنا الفراء قال: وحدثني حِبان عَنِ الْأَعْمَش عنْ إِبْرَاهِيم عنْ علقمة: أَنَّهُ قَرَأَ: «تفوّت» «4» وهي قراءة يَحيى «5» ، وأصحاب عَبْد اللَّه، وأهل المدينة وعاصم «6» . وأهل البصرة يقرءون: «تَفاوُتٍ» وهما «7» بمنزلةٍ واحدة، كما قَالَ «8» : «ولا تُصَاعِرْ، وتُصَعِّرْ» «9» وتعهّدت فلانًا وتعاهدته، والتفاوت: الاختلاف، أي: هَلْ ترى فِي خلقه من اختلاف، ثم قال: فارجع البصر، وليس قبله فعل مذكور، فيكون الرجوع عَلَى ذَلِكَ الفعل، لأنَّه قَالَ: ما ترى، فكأنه قَالَ: انظر، ثُمَّ ارجع، وأمَّا الفطور فالصدوع والشقوق. وقوله: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً (4) . يريد: صاغرًا، وهو حسير كليل، كما يحسَر البعيرُ والإبلُ إِذَا قوّمت «10» عنْ هزال وكلال فهي الحسرى، وواحدها: حسير. وقوله: تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ (8) تقطع عليهم غيظا. وقوله: فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ (11) .   (1) فى ش: يضرب، تحريف. (2) فى ش: تفوت، وسيأتى أنها قراءة. (3) زيادة من ب، وفى ح، ش: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ... (4) وهى أيضا قراءة حمزة والكسائي، وهما لغتان: مثل التعاهد والتعهد، والتحمل والتحامل، (تفسير القرطبي 18/ 208) . (5) وفى ح: وهى فى قراءة يحيى. (6) وهى قراءة حمزة والكسائي، ووافقهما الأعمش. (الاتحاف 420) (7) فى ش: فهما. (8) فى ش: يقال. [ ..... ] (9) فى ش: لا تصاعر، ولا تصعّر. (10) كذا فى النسخ، ولم نتبين لها وجها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 ولم يقل: «بذنوبهم» لأنّ فِي الذنب فعلا، وكل واحد أضفته إلى قوم بعد أن يكون فعلا أدّى عن جمع أفاعيلهم» ، ألا ترى أنك تَقُولُ: قَدْ أذنب القوم إذنابًا، ففي معنى إذناب: ذنوب، وكذلك تَقُولُ: خرجَتْ أعطيته النَّاس وعطاء النَّاس فالمعني واحد والله أعلم. وقوله: فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (11) . اجتمعوا عَلَى تخفيف السُّحْق، ولو قرئت: فسُحُقًا كانت لغة حسنة «2» . وقوله: فَامْشُوا فِي مَناكِبِها (15) فى جوانبها. وقوله: أَأَمِنْتُمْ «3» (16) يجوز فِيهِ أن تجعل بين «4» الألفين ألفا غير مهموزة «5» ، كما يُقال: أأنتم «6» ، أإِذَا مِتْنا «7» كذلك، فافعل بكل همزتين تحركتا فزد بَيْنَهُما مدة، وهى من لغة بني تميم. وقوله: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ (22) . تَقُولُ: قَدْ أكبَّ الرجل: إِذَا كَانَ فعله غير واقع عَلَى أحد، فإذا وقع الفعل أسقطت الألف، فتقول: قَدْ كبّه اللَّه لوجهه، وكببتُه أَنَا لوجهه. وقوله: وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) . يريد: تَدْعُونَ، وهو مثل قوله: تَذْكُرون، وتَذَّكّرون، وتخبرون وتختبرون، والمعنى واحد والله أعلم. وَقَدْ قَرَأَ بعض القراء: ما تَدَّخِرُونَ، يريد «8» : تدّخرون «9» ، فلو قَرَأَ قارئ: «هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ» «10» كان صوابا.   (1) فى ح،، ش: أقاويلهم. (2) قرأ الكسائي وأبو جعفر: فسحقا بضم الحاء. ورويت عن على. والباقون بإسكانها. وهما لغتان مثل: السّحمت، والرّعب (تفسير القرطبي 18/ 213) . (3) فى ش: أمنتم، تحريف. (4) سقط فى ش. (5) فى ح: غير مهموز. (6) سورة المنازعات: 24. (7) سورة الرعد الآية 5. (8) فى ح: ويريد. (9) سورة آل عمران 49. (10) قرأ يعقوب بسكون الدال مخففة من الدعاء أي تطلبون وتستعجلون، وافقه الحسن، ورواها الأصمعى عن نافع (الإتحاف 420) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 وقوله: فسيعلمون (29) . قراءة العوامّ «فَسَتَعْلَمُونَ» «1» بالتاء. [حدثنا محمد بن الجهم «2» قال: سمعت الفراء «3» وذكر محمد بن الفضل [202/ ب] عن عطاء عن أبي عبد الرحمن عن على (رحمه الله) فسيعلمون بالياء، وكل صواب. وقوله: إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً (30) . العرب تَقُولُ: ماء غور، وبئر غور، وماءان غور، ولا يثنون ولا يجمعون: لا يقولون: ماءان غوران، ولا مياه أغوار، وهو بمنزلة: الزَّوْر يُقال: هَؤُلَاءِ زور فلان، وهؤلاء ضيف فلان، ومعناه: هَؤُلَاءِ أضيافه، وزواره. وذلك أَنَّهُ مصدر فأُجرى عَلَى مثل قولهم: قوم عدل، وقوم رضا ومقنع «4» . ومن سورة القلم قوله عز وجل: ن وَالْقَلَمِ (1) . تخفى النون الآخرة «5» ، وتظهرها، وإظهارها أعجب إليَّ لأنها هجاء، والهجاء كالموقوف عَلَيْهِ وإن «6» اتصل، ومن أخفاها «7» بني عَلَى الاتصال. وَقَدْ قرأت القراء بالوجهين كَانَ الْأَعْمَش وحمزة يبينانها، وبعضهم يترك التبيان «8» . وقوله: وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) .   (1) فى ش. فتعلمون، تحريف. (2) الزيادة من ب. [ ..... ] (3) فى ح: قال الفراء وذكر إلخ. (4) قوم مقنع: مرضيون. (5) سقط فى ش. (6، 7) فى ش: بناء. (8) أدغم ن فى واو: والقلم- ورش، والبزي، وابن ذكوان، وعاصم بخلف عنهم، وهشام، والكسائي، ويعقوب، وخلف عن نفسه وافقهم ابن محيصن والشنبوذى. والباقون بالإظهار (الاتحاف 421) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 مقطوع، والعرب تَقُولُ: ضعُفت مُنَّتِي عَنِ السفر، وَيُقَال للضّعيف: المنينُ، وهذا من ذَلِكَ، والله أعلم. وقوله: وَإِنَّكَ «1» لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) أي: «2» دين عظيم. وقوله: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بأيّكم المفتون (6) . المفتون هاهنا بمعنى: الجنون، وهو فِي مذهب الفتون، كما قالوا: ليس له معقول رأى، وإن شئت جعلته بأيكم: فِي أيكم أي: فِي أي الفريقين المجنون، فهو حينئذ اسم ليس «3» بمصدر. وقوله: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ (9) . يُقال: ودوا لو تلينُ فِي دينك، فيلينون فِي دينهم، وقَالَ بعضهم: لو تكفر فيكفرون، أي: فيتبعونك عَلَى الكفر. وقوله: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) . المهين «4» ، هاهنا: الفاجر. والهماز: الذي يهمز الناس. وقوله: مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) نميم ونميمة من كلام العرب. وقوله: عُتُلٍّ (13) . فِي هَذَا الموضع «5» هُوَ الشديد الخصومة بالباطل، والزنيم: الملصق بالقوم، وليس منهم وهو: الدعي. وقوله: أَنْ «6» كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (14) . قرأها الْحَسَن الْبَصْرِيّ وأبو جَعْفَر الْمَدَنِيّ بالاستفهام. «أأن كَانَ» ، وبعضهم. «أَنْ كانَ» بألف واحدة بغير استفهام، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: ولا تطع كلّ حلّاف مهين أن كَانَ: لا تطعه أنْ كَانَ- لِأنْ كان ذامال.   (1) فى ب، ح، ش على. (2، 3، 4) : سقط فى ش. (5) فى ب: وهو، تحريف. (6) فى ا: أأن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 ومن قرأ «1» : أأن كان ذامال وبنين، فإنه وبّخه: ألأن كان ذامال وبنين تطيعه؟ وإن شئت قلت: ألِأَن كَانَ ذامال وبنين، إِذَا تليت عَلَيْهِ آياتنا قَالَ: أساطير الأولين. وكلٌّ حسن. وقوله: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) . أي: سنسمه سِمَة أهل النار، أي سنسوّد وجهه، فهو وإن كَانَ الخرطوم قَدْ خص بالسمة «2» فإِنه «3» فِي مذهب الوجه [لأن بعض الوجه] «4» يؤدّى عنْ بعض. والعرب تَقُولُ: أما والله لأسمنّك وسمًا لا يفارقك. تريد «5» : الأنفَ، وأنشدني بعضهم: لَأعْلِطَنَّكَ وَسْمًا لا يفارقه ... كما يُحَزّ بِحُمى المِيسمِ البَحرُ «6» فَقَالَ: الميسم ولم يذكر الأنف، لأنه موضع السمة، والبحر: البعير إذا أصابه البحر، هوداء يأخذ البعير فيوسم لذلك. وقوله: بَلَوْناهُمْ (17) . بلونا أهل مكة كما يلونا أصحاب الجنة، وهم قوم من أهل اليمن كَانَ لرجل منهم زرع، ونخل، وكرم، وكان يترك للمساكين من زرعه ما أخطأه المنجل، ومن النخل ما سقط عَلَى البسط، ومن الكرم ما أخطأه القطاف. كَانَ ذَلِكَ يرتفع إلى شيء كَثِير، ويعيش فِيهِ اليتامى والأرامل والمساكين فمات الرجل، وله بنون ثلاثة فقالوا: كَانَ أبونا يفعل ذَلِكَ، والمال كَثِير، والعيال قليل، فأمَّا إِذ «7» كثر العيال، وقلّ المال فإنا ندع «8» ذَلِكَ، ثُمَّ تآمروا «9» أن يصرموا   (1) فى ش: قال. (2) فى ش: السمة. (3) سقط فى ش. (4) سقط فى ح. (5) فى ش: يريدون. [ ..... ] (6) علط البعير: وسمه بالعلاط، بكسر العين. وهو سمة فى عرض عنق البعير والناقة. والبحر بفتحتين: أن يلهج البعير بالماء، فيكثر منه حتى يصيبه منه داء، فيكوى فى مواضع فيبرأ، بحر كفرح. والبيت فى اللسان (بحر) غير منسوب. (7) فى ش: فإذا كثر، وفى (ا) إذا، وكل تحريف. (8) كذا فى ب، ح، ش وفى ا: لا، تحريف. (9) فى ا- يأمرو، تحريف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 فِي سَدَف: «1» فِي ظلمة- باقية من الليل لئلا يبقى للمساكين شيء، فسلط اللَّه عَلَى مالهم نارا فأحرقته، فغدوا على مالهم ليصرموه، فلم يروا شيئًا إلا سوادًا فقالوا: «إِنَّا لَضَالُّونَ» ، ما هَذَا بمالنا، ثُمَّ قَالَ بعضهم: بل هو مالنا حرمناه «2» بما صنعنا بالأرامل والمساكين، وكانوا قَدْ أقسموا ليصر منها «3» أول الصباح، ولم يستثنوا: لم يقولوا: إن شاء الله، فقال أخ لهم أو سطهم، أعدلهم قولًا: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ؟ فالتسبيح هاهنا فِي معنى الاستثناء «4» ، وهو كَقوله: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إذا نسيت) «5» . وقوله: فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ [مِنْ رَبِّكَ (19) . لا يكون الطائف] «6» إِلَّا ليلا، ولا يكون نهارًا، وَقَدْ تكلم «7» بِهِ العرب، فيقولون: أطفت بِهِ نهارًا وليس موضعه بالنهار، ولكنه بمنزلة قولك: لو ترك القطا ليلا لنام «8» لأنَّ القطا لا يسري ليلًا، قَالَ أنشدني أَبُو الجراح العقيلي: أطفت بها نهارًا غير ليلٍ ... وألهى ربَّها طلبُ الرّخال «9» والرَّخِل [: ولد الضأن إذا كان أنثى] «10» . وقوله: فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) . كالليل المسود. وقوله: فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ (24) . وفى قراءة عبد الله: «لا يَدْخُلَنَّهَا» ، بغير أن، لأنّ التخافت قول، والقول حكاية، فإذا لم   (1) فى ح: من. (2) كذا فى ش وفى ا، ب، ح: حرمنا. (3) فى ح: لنصر منها. (4) فى اللسان: وقوله: ألم أقل لكم لولا تسبحون أي تستثنون، وفى الاستثناء تعظيم الله، والإقرار بأنه لا يشاء أحد إلا أن يشاء الله، فوضع لتنزيه الله موضع الاستثناء. (5) سورة الكهف: 24. (6) ساقط فى ح. (7) فى ح، ش تتكلم (8) مثل يضرب لمن حمل على مكروه من غير إرادته، قالته حذام بنت الريان: مجمع الأمثال 2: 110. (9) الرخال جمع رخل ككتف، ويجمع أيضا على أرخمل. (10) سقط فى ح، ش. [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 يظهر القول جازت «أن» وسقوطها، كما قَالَ اللَّه: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» «1» ولم يقل: أنّ للذّكر، ولو كَانَ صوابًا. وقوله: وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ «2» (25) . على جدّ وقدرة فى أنفسهم [203/ ب] والحرد أيضًا: القصد، كما يَقُولُ الرجل للرجل «3» : قَدْ أقبلت قِبلك، وقصدت قصدك، وحَرَدْتُ حَردك، وأَنشدني بعضهم: وجاء سيلٌ كَانَ من أمر «4» اللَّه ... يحرِد حَرْدَ الجنة المُغِلَّه يريد «5» : يقصد قصدها. وقوله: فَأَقْبَلَ «6» بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30) . يَقُولُ بعضهم لبعض: أنت الَّذِي دللتنا، وأشرت علينا بما فعلنا. ويقول الآخر: بل أنت فعلت ذَلِكَ «7» ، فذلك تلاومهم. وقوله: أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ (39) . القراء عَلَى رفع «بالِغَةٌ» إلّا الْحَسَن، فإنه نصبها عَلَى مذهب المصدر، كقولك: حقًا، والبالغُ فِي مذهب الحق يُقال: جيِّد بالغ، كأنه قَالَ: جيّد حقًا قَدْ بلغ حقيقة الجودة، وهو مذهب جيد «8» وقرأه العوام «9» ، أن تكون البالغة من نعت الْإِيمَان أحب إليَّ، كقولك ينتهي بكم «10» إلى يوم القيامة إيمان علينا «11» بأنَّ لكم ما تحكمون، فلما كانت اللام فى جواب إنّ كسرتها، ويقال:   (1) سورة النساء: 11. (2) فى ح، ش: وغدوا على حرد. (3) سقط فى ش. (4) سقط فى ح، ش. والبيت بدونها غير مستقيم الوزن. ويروى (أقبل) مكان (وجاء) والألف التي قبل هاء لفظ الجلالة مخلة للوزن: اللسان (حرد) ، والكشاف: 2: 481. (5) فى ح: ويريد، تحريف. (6) فى ا، ب، ش وأقبل، تحريف. (7) زيادة من ح. (8) فى ح، ش وهو فى مذهب جيد. (9) فى ش، وقراءة العامة. (10) فى ج: ينتهى إلى (11) سقط فى ح، ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 أئن لكم ما تحكمون «1» بالاستفهام، وهو عَلَى ذلك المعنى بمنزلة قوله: «أَإِذا كُنَّا تُراباً «2» » «أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ «3» » . وقوله: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (40) . يريد: كفيل، وَيُقَال لَهُ: الحميل والقبيل، والصبير، والزعيم فِي كلام العرب: الضامن والمتكلم عَنْهُمْ، والقائم بأمرهم: وقوله: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ (41) . وفي قراءة عَبْد اللَّه: «أم لهم شرك فليأتوا بشركهم» . والشّرك، والشركاء فِي معنى واحد، تَقُولُ: فِي هَذَا الأمر شِرْك، وفيه شركاء. وقوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ (42) . القراء مجتمعون على رفع الياء [حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «4» ] قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي سفيان عن عمرو ابن دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ: «يَوْمَ تَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ» يُرِيدُ: الْقِيَامَةَ وَالسَّاعَةَ لِشِدَّتِهَا قَالَ. وأنشدني بعض العرب لجد أَبِي طرفة. كشف لهم عنْ ساقها ... وبدا من الشرِّ البراحُ «5» وقوله: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ (44) . معنى فذرني «6» ومن يكذب أي: كِلْهم إليَّ، وأنت تَقُولُ للرجل: لو تركتك ورأيك ما أفلحت،: أي: لو وكلتك إلى رأيك لم تفلح، وكذلك قوله: «ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً «7» » ، و (من) فِي موضع نصب، فإذا قلت: قَدْ تُرِكتَ ورأيَك، وخُليت ورأيك نصبت الرأي لأن المعنى: لو ترِكتَ إلى رأيك، فنصبت الثَّاني لحسن هَذَا المعنى فِيهِ، ولأنّ الاسم قبله متصل بفعل.   (1) فى ب وج: إن لكم بدون همزة الاستفهام: أي هل. (2) سورة الرعد: 5. (3) النازعات الآية 10. [ ..... ] (4) الزيادة من ب، وفى ش: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حدثنا الفراء: - (5) البيت لسعد بن مالك جد طرفة بن العبد وانظر ديوان الحماسة 1/ 198، والخصائص 3/ 252 والمحتسب 2/ 326. وفى رواية القرطبي (18: 248) وبدا من الشر الصّراح. والرواية مضطربة البحر المحيط: 8/ 316. (6) فى ح: ذرنى. (7) سورة المدثر: 11. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 فإذا قَالَتِ العرب: لو تركت أنت ورأيُك، رفعوا بقوة: أنت، إذ ظهرت غير متصلة بالفعل. وكذلك يقولون: لو ترك عَبْد اللَّه والأسدُ لأكله، فإِن كنوا عنْ عَبْد اللَّه، فقالوا: لو ترك والأسدَ أكله، نصبوا لأن الاسم لم يظهر، فإن قَالُوا: لو ترك هُوَ والأسد، آثروا الرفع فِي الأسد، ويجوز فِي هَذَا ما يجوز فِي هَذَا إلا أن كلام [204/ ا] العرب عَلَى ما أنبأتك «1» بِهِ إلا قولَهم: قَدْ ترك بعضُ القوم وبعض، يؤثرون فِي هَذَا الإتباعَ لأن بعضَ وبعضٌ لما اتفقتا فِي المعنى والتسمية اختير فيهما الإتباع والنصب فِي الثانية غير ممتنع. وقوله: أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) . يَقُولُ: أعندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون «2» مِنْهُ، ويجادلونك بذلك. وقوله: وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ (48) . كيونس صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: لا تضجر بهم كما ضجر يونس حتَّى هرب من أصحابه فألقى نفسه فِي البحر «3» حتَّى التقمه الحوت. وقوله: لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ (49) . حين نبذ- وهو مذموم، ولكنه نبد عير مذموم، «فَاجْتَباهُ رَبُّهُ» (50) . وفي قراءة عَبْد اللَّه: «لولا أن تداركته «4» » ، وذلك مثل قوله: «وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ «5» » «وَأَخَذَتِ» «6» فِي موضع آخر لأن النعمة اسم مؤنث مشتق من فعل، ولك فِي فعله إِذَا تقدم التذكير والتأنيث. وقوله: لَنُبِذَ بِالْعَراءِ (49) . العراء الأرض. [حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ «7» ] .   (1) سقط فى ش. (2) فى ح: يكتتبون. (3) سقط فى ب، ش. (4) وهى قراءة ابن عباس أيضا (تفسير القرطبي 18/ 253) . (5) سورة هود الآية 67. (6) سورة هود الآية 94. (7) ما بين الحاصرتين زيادة فى ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 وَقوله: وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ (51) . قَرَأَهَا عَاصِمٌ وَالْأَعْمَشُ: (لَيُزْلِقُونَكَ) بِضَمِّ الْيَاءِ، مَنْ أزلقت، وقرأها أهل المدينة: (ليزلقونك) بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ زَلَقْتُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلَّذِي يَحْلِقُ الرَّأْسَ: قَدْ زَلَقَهُ وَأَزْلَقَهُ. وَقَرَأَهَا ابْنُ عباس: «ليزهقونك بأبصارهم «1» » [حدثنا محمد «3» قال: سمعت الفراء قال] «2» : حَدَّثَنَا بِذَلِكَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْد اللَّه «4» بْن مَسْعُود كَذَلِكَ بِالْهَاءِ: «لَيُزْهِقُونَكَ» ، أَيْ: لَيُلْقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَانَ الْمَالَ، أَيْ: يُصِيبُهُ بِالْعَيْنِ تَجَوَّعَ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَتَعَرَّضُ لِذَلِكَ الْمَالَ «5» فَيَقُولُ: تَاللَّهِ «6» مَالًا أَكْثَرَ وَلَا أَحْسَنَ [يَعْنِي مَا رَأَيْتُ أَكْثَرَ «7» ] فَتَسْقُطُ مِنْهُ «8» الْأَبَاعِرُ، فَأَرَادُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ حُجَجِهِ، وَنَظَرُوا إِلَيْه لِيَعِينُوهُ، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ لَمَجْنُونٌ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ» (52) . وَيُقَال: (وَإِنْ كَادُوا لَيُزْلِقُونَكَ) أَيْ: لَيَرْمُونَ بِكَ عَنْ مَوْضِعِكَ، وَيُزِيلُونَكَ عَنْهُ بِأَبْصَارِهِمْ، كَمَا تَقُولُ: كَادَ يَصْرَعُنِي بِشِدَّةِ نَظَرِهِ، وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرٌ، كَمَا تَقُولُ: أَزْهَقْتُ السَّهْمَ فزهق. ومن سورة الحاقة قوله عز وجل: الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) . والحاقة [204/ ب] : القيامة، سميت بذلك لأن فيها الثواب والجزاء، والعرب تَقُولُ: لما عرفت الحقة مني هربت، والحاقة. وهما فى معنى واحد.   (1) وهى قراءة الأعمش وأبى وائل ومجاهد (تفسير القرطبي 18/ 255) . (2) سقط فى ش. (3) زيادة من ب. [ ..... ] (4، 5) سقط فى ح، ش. (6) العبارة مضطربة فى النسخ، ويبدو أن فيها سقطا. والأصل: تالله لم أر كاليوم مالا ... وانظر الكشاف: 2: 484. (7) ما بين الحاصرتين زيادة من ب. (8) فى ب به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 وَالحاقة: مرفوعة بما تعجبت مِنْهُ «1» من ذكرها، كقولك: الحاقة ماهى؟ والثانية: راجعة عَلَى الأولى. وكذلك قوله: «وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ «2» » و «الْقارِعَةُ، مَا الْقارِعَةُ «3» » معناه: أي شيء القارعة؟ [فما فِي موضع رفع بالقارعة الثانية، والأولى مرفوعة بجملتها، والقارعة] «4» : القيامة أيضًا. وقوله: سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً (7) . والحسوم: التّباع إذا تتابع الشيء فلم ينقطع أوله عنْ آخره، قيل فِيهِ: حسوم، وإنما أُخذ- والله أعلم- من حسم الداء إِذَا كُوى صاحبهُ لأنَّه يكوى «5» بمكواةٍ، ثُمَّ يتابع ذَلِكَ عَلَيْهِ. وقوله: فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (8) . من بقاءٍ، وَيُقَال: هَلْ ترى منهم «6» باقيًا؟، وكل ذَلِكَ فِي العربية جائز حسن. وقوله: وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ (9) . قرأها «7» عاصم والْأَعْمَش وأهل المدينة: (ومن قَبله) ، وقرأ طلحة بْن مصرِّف والحسن، أَوْ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن- شكّ الفراء-: (ومن قِبَلهُ) ، بكسر القاف «8» . وهي فِي قراءة أبيّ: (وجاءَ فِرْعَوْنُ ومَن مَعَه) ، وفي قراءة أَبِي مُوسَى الأشعري: «ومن تِلْقَاءه «9» » ، وهما شاهدان لمن كسر القاف لأنهما كقولك: جاء فرعون وأصحابه. ومن قَالَ: ومن قَبْلَهُ: أراد الأمم العاصين قبله. وقوله: وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (9) . الَّذِينَ ائتفكوا بخطئهم. وقوله: فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (10) .   (1) سقط فى ح. (2) سورة الواقعة: 27. (3) سورة القارعة: 1، 2. (4) ساقط فى ح، ش. (5) فى ا- يكون، تحريف. (6) فى ب: فيهم (7) فى ح: قرأ. (8) وقرأ أيضا أبو عمرو والكسائي: ومن قبله بكسر القاف وفتح الباء (القرطبي 18/ 261) . (9) انظر المصاحف للسجستانى 104. P والقرطبي 18/ 262. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 أخذة زائدة، كما تَقُولُ: أربيتَ إِذَا أخذ أكثر مما أعطاه من الذهب والفضة، فتقول «1» : قَدْ أربيت فَرَبا رِباك. وقوله: لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً (12) لنجعل السفينة لكم تذكرة: عظة. وقوله: وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (12) يَقُولُ: لتحفظها كل أذن لتكون عظة لمن يأتي «2» بعد. وقوله: وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا (14) ولم يقل: فد ككن لأنه جعل الجبال كالواحد «3» وكما قال: (أن السّموات والأرض كانت «4» رتقا) ولم يقل: كنّ رتقا، ولو قيل فِي ذَلِكَ: وحملت الأرض والجبال فدكَّت لكان صوابًا لأن الجبال والأرض كالشيء الواحد وقوله: دَكَّةً واحِدَةً (14) ودكُّها: زلزلتها. وقوله: وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (16) وَهْيُهَا: تشققها «5» . وقوله: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (17) يُقال: ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة. وقوله: لا يخفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (18) قرأها يَحيى بْن وثاب بالياء، وقرأها النَّاس بعد- بالتاء- (لا تَخْفى) ، وكلٌّ صواب، وهو مثل قوله: «وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ «6» » . وأخذت.   (1) فى ش: فيقول. [ ..... ] (2) فى ب، ج، ش: من بعد. (3) فى ح، ش كالواحدة. (4) سورة الأنبياء الآية 30. (5) وفى تفسير القرطبي: 18/ 265- واهية أي: ضعيفة، يقال: وهى البناء يهى وهيا فهو واه إذا ضعف جدا، ويقال: كلام واه أي ضعيف. (6) سورة هود الآية 67. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 وقوله: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (19) نزلت فِي أَبِي سَلَمة بْن عَبْد الأسد، كَانَ مؤمنًا، وكان أخوه الأسود «1» كافرًا، فنزل فيه: «وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ» (25) وقوله: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (20) أي: علمت، وهو من علم مالا يعايَن، وَقَدْ فسِّر ذَلِكَ فِي غير موضع. وقوله: فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21) فيها الرضاء، والعرب [216/ ا] تَقُولُ: هَذَا ليل نائم، وسر كاتم، وماء دافق، فيجعلونه فاعلًا، وهو مفعول فِي الأصل، وذلك: أنهم يريدون وجه المدح أَوِ الذم «2» ، فيقولون ذَلِكَ لا عَلَى بناء الفعل، ولو كَانَ فعلًا مصرحًا لم يُقَلْ ذَلِكَ فِيهِ، لأنَّه لا يجوز أن تَقُولُ للضارب: مضروب، ولا للمضروب «3» : ضارب لأنَّه لا مدح فِيهِ ولا ذم. وقوله: يَا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (27) يَقُولُ: ليت الموتة الأولى التي متها لم أُحيَ بعدها. وقوله: ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (32) ذكر أنها تدخل «4» فِي دبر الكافر، فتخرج من رأسه، فذلك سلكه فيها. والمعنى: ثم اسلكوا فِيهِ سلسلة، ولكن العرب تَقُولُ: أدخلت رأسي فِي القلنسوة، وأدخلتها فِي رأسي، والخاتَم يُقال: الخاتم لا يدخل فِي يدي، واليد هِيَ التي فِيهِ تدخل «5» من قول الفراء. قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه [مُحَمَّد بْن الجهم «6» ] : والخف مثل ذَلِكَ، فاستجازوا ذَلِكَ لأنَّ معناه لا يُشكل عَلَى أحد، فاستخفوا من ذَلِكَ ما جرى على ألسنتهم.   (1) فى ش: أخوه الأسود أراه ابن عبد الأسد، وهى زيادة لا حاجة إليها. وفى ب، ح: أخوه الأسود ابن عبد الأسد. (2) فى ش: والذم. (3) فى (ا) لمضروب، وفى ح، ش للمضرب، تحريف. (4) فى (ا) يدخل، تحريف. (5) كذا فى ح، ش. (6) زيادة فى ح، ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 وقوله: وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) يُقال: إنه ما يسيل «1» من صديد أهل النار. وقوله: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) يقول: لو أن محمدا صلى الله عليه تقوّل علينا ما لم يؤمر بِهِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ، بالقوة والقدرة. وقوله: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47) . أحد يكون للجميع «2» وللواحد، وذكر الْأَعْمَش فِي حديث عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لم تَحل الغنائم لأحد سُودِ الرءوس إلّا لنبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فجعل: أحدًا فِي موضع جمع. وقَالَ اللَّه جل وعز: «لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ «3» » فهذا جمع لأنّ بين- لا يقع إلّا على اثنين فما زاد. ومن سورة سأل سائل قوله: سَأَلَ سائِلٌ (1) . دعا داعٍ بعذاب واقع، وهو: النضر [بْن الحارث] «4» بْن كَلدةَ، قَالَ: اللهم إن كَانَ ما يَقُولُ مُحَمَّد هُوَ الحق من عندك فأمطرْ علينا حجارة من السماء، أَوِ ائتنا بعذاب أليم، فأُسر يوم بدر، فقتل صبرا هو وعقبة. وقوله: بِعَذابٍ واقِعٍ (1) . يريد: للكافرين، والواقع من نعت العذاب. واللام «5» التي فِي الكافرين دخلت للعذاب لا للواقع.   (1) فى ح: ما يسل، تحريف. (2) فى ش: للجمع. (3) البقرة الآية: 136. [ ..... ] (4) زيادة من ب، ح. (5) فى (ا) وأما اللام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 وقوله: ذِي الْمَعارِجِ (3) . من صفة اللَّه عزَّ وجلَّ لأن الملائكة تعرُج إلى اللَّه عزَّ وجلَّ، فوصف نفسه بذلك. وقوله: فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) . يَقُولُ: لو صعد غير الملائكة لصعدوا فِي قدر خمسين ألف سنة، وأمَّا (يَعْرُجُ) ، فالقراء مجتمعون عَلَى التاء، وذكر بعض المشيخة عنْ زهير عن أبى إسحق الهمداني قَالَ: قَرَأَ عَبْد اللَّه «يعرج» بالياء «1» وقَالَ الْأَعْمَش: ما سمعت أحدًا يقرؤها إلا بالتاء. وكلٌّ صواب. وقوله: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) . يريد «2» : البعث، ونراه نَحْنُ قريبًا «3» لأن كلّ ما هو «4» آت: قريب. وقوله: وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10) . لا يَسْأَل ذو قرابة عنْ قرابته «5» ، ولكنهم يعرّفونهم [بالبناء للمجهول «6» ] ساعة، ثُمَّ لا تعارف بعد تلك «7» الساعة، وَقَدْ قَرَأَ بعضهم: (ولا يُسْأَلُ حَميمٌ حَمِيمًا «8» ) لا يُقال لحميم «9» : أَيْنَ حميمك؟ ولست أشتهي ذَلِكَ لأنَّه مخالف للتفسير، ولأن القراء «10» مجتمعون على (يسأل) . وقوله: وَفَصِيلَتِهِ (13) هِيَ أصغر آبائه الَّذِي إِلَيْه ينتمي. وقوله: ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) أي: ينجيه الافتداء من عذاب اللَّه. قَالَ الله عز وجل: «كَلَّا» أي: لا ينجيه ذَلِكَ، ثُمَّ ابتدأ، فَقَالَ: «إِنَّها لَظى» (15) ولظى: اسم من أسماء جهنم فلذلك لم يجره.   (1) وهى أيضا قراءة الكسائي (الاتحاف 423) والسلمى (القرطبي 18/ 281) . (2) فى ب، ح يرون. (3) فى ش: ونراه قريبا نحن. (4) سقط فى ش. (5) فى (ا) قرابة. (6) زيادة من ا. (7) فى ش: بعد ذلك (8) وهى قراءة شيبة والبزي عن عاصم (القرطبي 18/ 285 وأبى جعفر 423) ونصب (حميما) على نزع الحافض (عن) : الإتحاف: 423 (9) فى ش: للحميم (10) فى (ا) : ولا القراء، سقط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 وقوله: نَزَّاعَةً لِلشَّوى (16) . مرفوع عَلَى قولك: إنها لظى، إنها نزاعة للشوى، وإن شئت جعلت الهاء عمادًا، فرفعت «1» لظى بنزاعة، ونزّاعة بلظى كما تَقُولُ فِي الكلام: إنّه جاريتك فارهة، وإنها جاريتُك فارهة. والهاء فِي الوجهين عماد. والشَّوَى: اليدان، والرجلان، وجلدة الرأس يُقال لها: شواة، وما كَانَ غير مقتَل فهو شوًى. وقوله: تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) . تَقُولُ للكافر: يا كافر إليَّ، يا منافق إليَّ، فتدعو كل واحد «2» باسمه. وقوله: وَجَمَعَ فَأَوْعى (18) . بقول: جمع فأوعى، جعله فِي وعاء، فلم يؤد مِنْهُ زكاة، ولم يصل رحمًا. وقوله: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) . والهلوع: الضجور وصفته كما قَالَ اللَّه: «إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً» (20) «وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً» (21) فهذه صفة الهلوع، وَيُقَال مِنْهُ: هِلع يهلَع هلَعًا مثل «3» : جزِع يجزع جزعًا، ثُمَّ قَالَ: «إِلَّا الْمُصَلِّينَ» (22) فاستثنى المصلين من الْإِنْسَان، لأن الْإِنْسَان فِي مذهب جمع، كما قَالَ اللَّه جل وعز: «إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا «4» » . وقوله: حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) . الزكاة وقَالَ بعضهم: لا، بل سوى الزكاة. وقوله: إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ (30) . يَقُولُ القائل: هَلْ يجوز فِي الكلام أن تَقُولُ: مررت بالقوم إلَّا بزيد، تريد: إلَّا أني لم أمرر «5» بزيد؟ قلت: لا يجوز هَذَا، والذي فِي كتاب اللَّه صواب جيد   (1) فى ح: فرفت بإسقاط العين، تحريف (2) فى ب: أحد [ ..... ] (3) سقط فى ب. (4) سورة الإنسان الآيتان 2، 3. (5) فى (ا) أمر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 لأن أول الكلام «1» فِيهِ كالنهي إذ ذُكِر: «والّذين هم لفروجهم حافظون» (29) يَقُولُ: فلا يلامون «2» إلّا عَلَى غير أزواجهم، فجرى الكلام عَلَى ملومين التي فِي آخره. ومثله أن تَقُولُ للرجل: اصنع ما شئت إِلا [عَلَى] «3» قتل النفس، فإنك معذب، أَوْ فِي «4» قتل النفس، فمعناه «5» إلا أنك معذب فِي قتل النفس. وقوله: وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ [37) . والعزون: الحلق، الجماعات كانوا «6» يجتمعون حول النَّبِيّ صلى الله عليه فيقولون: لئن دخل هَؤُلَاءِ الجنة- كما يَقُولُ محمد صلى الله عليه- لندخلنها قبلهم، وليكونن لنا فيها أكثر مما لهم، فأنزل اللَّه: «أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ» (38) . قَرَأَ النَّاس: «أن يُدخَل» لا يسّمى فاعِلُه [217/ ا] وقرأ الْحَسَن: «أَنْ يُدْخَلَ «7» » ، جعل لَهُ الفعل، ثُمَّ بَيَّنَ اللَّه عزَّ وجلَّ فَقَالَ: ولم يحتقرونهم، وَقَدْ خَلَقْناهم جميعًا «مِمَّا يَعْلَمُونَ» من تراب؟. وقوله: إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) . الإيفاض: الإسراع. وقَالَ الشَّاعِر «8» : لأنْعتنْ نعامةً ميفاضًا ... خَرْجاءَ ظلت تطلبُ الإضاضَا قَالَ: الخرجاء فِي اللون، فإذا رُقِّعَ القميص الأبيض برقعةٍ حمراء فهو أخرج، تطلب الإضاضا: أي تطلب موضعًا تدخل فِيهِ، وتلجأ إِلَيْه. قَرَأَ الْأَعْمَش وعاصم: «إلى نَصْبٍ» إلى شيء مَنْصُوب يستبقون إِلَيْه. وقرأ «9» زَيْد بْن ثابت: «إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ» «10» فكأن النُّصبَ الآلهة التي كانت تعبد [من دون اللَّه] «11» وكلٌّ صواب، «12» ، وهو واحد، والجمع: أنصاب.   (1) كذا فى ح، ش وفى سواهما (الكتاب) ، وما أثبتناه أوضح. (2) فى ش: يلومون، تحريف. (3) التكملة من ب، ح. (4) فى ب: وفى. (5) فى ش: ومعناه. (6) التصحيح من ح، وفى الأصل: ا- كان. (7) وهى أيضا قراءة طلحة بن مصرف، والأعرج، ورواه المفضل عن عاصم (تفسير القرطبي 18/ 294) . (8) لم أعثر على قائله. (وفى الطبري 29: 89 تغدو مكان ظلت) (9) سقط فى ح. (10) سقط فى ح، ش. (11) التكملة من ب. [ ..... ] (12) قراءة: نصب كسقف وسقف أو جمع نصاب ككتاب وكتب هى قراءة ابن عامر وحفص (الإتحاف 424) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 ومن سورة نوح عليه السلام قوله عز وجل: أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ (1) . أي: أرسلناه بالإنذار. (أن) : فِي موضع نصب لأنك أسقطت منها الخافض. ولو كانت إنا أرسلنا نوحًا إلى قومه «1» أنذر قومك- بغير أن لأن الإرسال قول فِي الأصل، وهي، فِي قراءة عَبْد اللَّه كذلك بغير أن. وقوله: وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى (4) . مسمّى عندكم تعرفونه لا يميتكم غرقًا ولا حرقًا «2» ولا قتلا، وليس فِي هَذَا حجة لأهل القدر لأنَّه إنَّما «3» أراد مسمّى عندكم، ومثله: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ «4» ) عندكم فِي معرفتكم. وقوله: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ «5» (4) . [من قَدْ تكون] «6» لجميع ما وقعت عَلَيْهِ، ولبعضه. فأمَّا البعض فقولك: اشتريت من عبيدك، وأمَّا الجميع فقولك: رَوِيت من مائك، فإذا كانت فِي موضع جمع فكأنّ مِنْ: عنْ كما تَقُولُ: اشتكيت من ماء شربته، [وعن ماء شربته] «7» كأنه فِي الكلام: يغفر لكم عنْ أذنابكم «8» ، ومن أذنابكم. وقوله: لَيْلًا وَنَهاراً (5) . أي: دعوتهم بكل جهة سرّا وعلانية.   (1) زاد فى ش ان بين «قومه» و «أنذر» ، والكلام على حذفها، وحذف جواب لو للعلم به. (2) سقط فى ح. (3) سقط فى ب. (4) سورة الروم الآية: 27. (5) هذا الجزء من الآية قبل (ويؤخركم إلى أجل مسمى) المذكور آنفا. (6) سقط فى ح، ش. (7) سقط فى ح. (8) كذا فى النسخ، ولا يعرف جمع ذنب بمعنى إثم على أذناب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 وقوله: وَأَصَرُّوا (7) . أي: سكتوا على شركهم، (واستكبروا) (7) عن الإيمان. وقوله: وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ (12) . كانت السنون الشدائد قَدْ ألحت عليهم، وذهبت بأموالهم لا نقطاع المطر عَنْهُمْ، وانقطع الولد من نسائهم، فَقَالَ: «وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ» . وقوله: مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (13) . أي: لا تخافون لله عظمة. وقوله: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (14) . نطفةً، ثُمَّ علقةً، ثُمَّ مضغةً، ثُمَّ عظمًا. وقوله: سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (15) . إن شئت نصبت الطباق [217/ ب] عَلَى الفعل أي: خلقهن مطابِقاتٍ، وإن شئت جعلته من نعت السّبع لا عَلَى الفعل، ولو كَانَ سبع سمواتٍ طباقٍ بالخفض كَانَ وجها جيدًا كما تقرأ: «ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ «1» » ، و «خضرٌ» . وقوله: وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً (16) . ذكر: أن الشمس يضيء ظهرُها لما يليها من السموات، ووجهها يضيء لأهل الأرض. وكذلك القمر، والمعنى: جعلَ الشمس والقمر نورًا فِي السموات والأرض. وقوله: سُبُلًا فِجاجاً (20) . طرقا، واحدها: فج، وهى الطرق الواسعة. [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «2» ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي هُشَيْم عَن مُغِيرَة عنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قرأ: ماله وولده «3» (21) .   (1) فيكون (خضر) نعتا (لسندس) ، من نعت المفرد بالجمع، وأجيب بأن السندس (اسم جنس) ، وقيل: جمع سندسة، أما رفع خضر فعلى النعت لثياب. وانظر الإتحاف: 429. (2) زيادة من ش. (3) قرأ أهل المدينة والشام وعاصم (وولده) ، بفتح الواو واللام، والباقون بضم الواو وسكون اللام، وهى لغة فى الولد. تفسير القرطبي: 18: 306. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 وقوله: وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (22) . الكُبَّار: الكبير، والعرب تَقُولُ كُبَار «1» . ويقولون: رَجُل حُسَّان جُمَّال بالتشديد. وحُسَان جُمَال بالتخفيف فِي كثير من أشباهه. وقوله: وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً (23) . هَذِهِ آلهة كَانَ إبليس جعلها لهم. وَقَدِ اختلف القراء فِي وَدَّ، فقرأ أهل المدينة: (وُدًّا) بالضم، وقرأ الْأَعْمَش وعاصم «2» : (وَدًّا) بالفتح. ولم يجروا: (يغوث، ويعوق) لان فيها ياء زائدة. وما كَانَ من الأسماء معرفة فِيهِ ياء أَوْ تاء أَوْ ألف فلا يُجرى. من ذَلِكَ: يَمِلك، ويزيد، ويعَمر، وتغلب، وأحمد. هَذِهِ لا تُجرى لما زاد فيها. ولو أجريت لكثرة التسمية كَانَ صوابًا، ولو أجريت أيضًا كأنه يُنْوى بِهِ النكرةُ كَانَ أيضًا صوابًا. وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا ويَغوثًا ويَعَوقًا ونَسْرًا» بالألف، «وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً» يَقُولُ: هَذِهِ الأصنام قَدْ ضل بها قوم كَثِير. ولو قيل: وَقَدْ أضلّت كثيرًا، أَوْ أضللن «3» : كان صوابا. وقوله: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ (25) . العرب تجعل (ما) صلة فيما ينوي بِهِ مذهب الجزاء، كأنك قلت: مِن «4» خطيئاتهم ما أغرقوا. وكذلك رأيتُها فِي مصحف عَبْد اللَّه، فتأخرها دليل عَلَى مذهب الجزاء، ومثلها فِي مصحف عَبْد اللَّه: «أيَّ الأجلينَ مَا قضَيْت فَلَا عُدْوَانَ عَلَيّ «5» » ألا ترى أنك تَقُولُ: حيثما تكن أكن، ومهما تقل أقلْ. ومن ذلك: (أيّا ما تدعو فله الأسماء الحسنى «6» ) وصل الجزاء بما، فإذا كَانَ استفهامًا لمْ   (1) فى اللسان عن ابن سيده: أن الكبار والكبار كلاهما المفرط فى الكبر، نقيض الصغر. (2) فى ش: عاصم والأعمش. [ ..... ] (3) فى ب: وأضللن، وفى ش: أو أضللت، تحريف. (4) فى ش: مما، تحريف. (5) سورة القصص الآية: 28. (6) سورة الاسراء الآية 110. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 يصلوه بما يقولون: كيف تصنع؟ وأين تذهب؟ إِذَا كَانَ استفهامًا لم يوصل «1» بما، وإذا كَانَ جزاء وُصِل وتُرِك الوصل. وقوله: دَيَّاراً (26) . وهو من دُرت، ولكنه فيْعال من الدوران، كما قَرَأَ عُمَر بْن الخطاب «اللَّهُ لَا إلهَ إلَّا هُوَ الحَيُّ القَيّامُ «2» » ، وهو من قمت. وقوله: إِلَّا تَباراً (28) : ضلالا. ومن سورة الجن قوله: عز وجل: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ (1) . القراء مجتمعون [218/ ا] على (أوحى) وقرأها جوّية الأسدى «3» : (قل أوحى إلىّ) من وحيت، فهمز الواو لأنها انضمت كما قَالَ: (وَإِذَا الرُّسُلُ أقّتت «4» ) . وقوله: اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ (1) . ذكر: أن الشياطين لما رُجمت وحُرِست منها السماء قَالَ إبليس: هَذَا نبيٌّ قَدْ حدث، فبث جنوده فِي الآفاق، وبعث تسعة منهم من اليمن إلى مكَّة، فأتوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ببطن نخلة «5» قائمًا يصلي ويتلو القرآن، فأعجبهم ورقّوا لَهُ، وأسلموا، فكان من قولهم ما قَدْ قصّة الله فى هذه السورة.   (1) فى ح: لم تصل بما. (2) سورة البقرة الآية: 255. (3) فى ح، ش: جوية بن عبد الواحد الأسدى إن شاء الله. (4) سورة المرسلات الآية: 11. (5) بطن نخلة: فى معجم البلدان (1: 449) : بطن نخل، جمع نخلة: قرية قريبة من المدينة على طريق البصرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 وَقَدِ اجتمع القراء عَلَى كسر «إنا» فِي قوله: «فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً» ، واختلفوا فيما بعد ذَلِكَ، فقرءوا: وإنّا، وأَنَّا «1» إلى آخر السُّورة، وكسروا بعضًا، وفتحوا بعضًا. [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ «2» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] : حدثنا الفراء قال: فحدثنى الْحَسَن بن عيَّاش أخو أبي بَكْر بْن عياش، وقيس عَنِ الْأَعْمَش عنْ إِبْرَاهِيم عنْ علقمة بْن قيس أَنَّهُ قَرَأَ ما فِي الجنِّ، والنجم: (وأنا) ، بالفتح «3» . قَالَ الفراء: وكان يَحيى وإبراهيم وأصحاب عَبْد اللَّه كذلك يقرءون. وفتح نافع الْمَدَنِيّ، وكسر الْحَسَن ومجاهد، وأكثر أهل المدينة إلا أنهم نصبوا: «وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ» (18) [حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ «4» :] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُوحِيَ إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ اقْتِصَاصِ أَمْرِ الجن: «وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا» (18) . وكان [عاصم بكسر ما كَانَ] «5» من قول الجن، ويفتح ما كَانَ من الوحي. فأمَّا الَّذِينَ فتحوا كلها فإنهم ردّوا «أن» فى كل السورة على قوله: فآمنا به، وآمنا بكل ذَلِكَ، ففتحت «أن» لوقوع الْإِيمَان عليها، وأنت مَعَ ذَلِكَ تجد الْإِيمَان يحسن فِي بعض ما فتح، ويقبح فِي بعض، ولا يمنعك «6» ذَلِكَ من إمضائهن عَلَى الفتح، فإن الذي يقبح من ظهور الْإِيمَان قَدْ يحسن فِيهِ فعلٌ مضارعٌ للإيمان يوجب فتح أنَّ كما قَالَتِ العرب. إِذَا ما الغانيات بَرَزْنَ يَوْمًا ... وزَجَجن الحَواجبَ والعُيونا «7» فنصب العيون باتباعها «8» الحواجب، وهي لا تزجج إنما تكحّل، فأضمر لها الكحل،   (1) جاء فى الإتحاف: 425: واختلف فى همز «وَأَنَّهُ تَعالى» وما بعده إلى قوله سبحانه «وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ» وجملته اثنا عشر فابن عامر وحفص وحمزة والكسائي وخلف بفتح الهمزة فيهن عطفا على مرفوع أوحى ... وقرأ أبو جعفر بالفتح فى ثلاثة منها، وهى: «وأنه تعالى، وأنه كان يقول، وأنه كان رجال» جمعا بين اللغتين. وافقهم الحسن والأعمش والباقون بالكسر فيها كلها عطفا على قوله: (إِنَّا سَمِعْنا) . (2) زيادة فى ش. (3) ما فى النجم (وأن) ، الآيات 39 وما بعدها. (4) زيادة فى ب. (5) سقط فى ح. [ ..... ] (6) فى ح، ش: فلا تمنعك تحريف (7) سبق تخريج البيت انظر ص 136 من هذا الجزء. (8) فى ش: باتباعنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 وكذلك يضمر «1» فِي الموضع الَّذِي لا يحسن فِيهِ آمنَّا، ويحسن: صدقنا، وألهمنا، وشهدنا، ويقوّى النصب قوله: «وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ» (16) فينبغي لمن كسر أن يحذف (أنْ) من (لو) لأنّ (أنْ) إِذَا خففت لم تكن فِي حكايةٍ، ألا ترى أنك تَقُولُ: أقول لو فعلتَ لفعلتُ، ولا تدخِل «2» (أنْ) . وأمَّا الَّذِينَ كسروا كلها فهم فِي ذَلِكَ يقولون: «وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا» فكأنهم أضمروا يمينًا مَعَ لو، وَقطعوها عَنِ النسق عَلَى أول الكلام «3» ، فقالوا: والله إن لو استقاموا. وَالعرب تدخل أن فِي هَذَا الموضع مَعَ اليمين وتحذفها، قَالَ الشَّاعِر: فأقسمُ لو شَيْء أتانا رَسولُه ... سواكَ، ولكن لم نجد لَكَ مدفَعا «4» وأنشدني آخر: أمَا واللهِ أنْ لو كنتَ حُرًّا ... وما بِالحرِّ أنتَ ولا العتيقِ» ومن كسر كلها ونصب: «وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ» خصَّه بالوحي، وجعل: وأنْ لو مضمرة فيها [اليمين عَلَى ما وصفت لَكَ «6» . «7» وقوله تبارك وتعالى: وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا (3) . [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ «8» :] حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إسرائيل عَنِ الحكم عنْ مجاهد فى قوله: «وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا» قَالَ: جلال ربنا. وقوله جل وعز: وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (5) .   (1) سقط فى ش. (2) فى ش: تدخلن. (3) فى ش: الكتاب. (4) لم أعثر على قائله. (5) استشهد به فى المغني على زيادة (أن) : 1: 30 وورد فى تفسير القرطبي (19/ 17) ولم ينسب إلى قائله فى الموضعين. (6) سقط فى ا. (7) يبدأ من هنا النقل من النسخة ب، لأنه ليس فى (ا) (8) زيادة فى ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 الظن هاهنا: شك. وقوله تبارك وتعالى: وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ «1» اللَّهَ فِي الْأَرْضِ (12) . عَلَى اليقين علمنا. وَقَدْ قَرَأَ بعض القراء: «أَنْ لَنْ تَقُولَ «2» الْإِنْسُ وَالْجِنُّ» ولست أسميه. وقوله عزَّ وجلَّ: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ (9) . إذ بعث محمد صلى الله عليه يجد لَهُ شهابًا رصدًا قَدْ أرصد بِهِ لَهُ ليرجمه. وقوله عزَّ وجلَّ: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ (10) . هَذَا من قول كفرةِ الجن قَالُوا: ما ندري ألخير يراد بهم «3» فُعِلَ هَذَا أم لشر؟ يعني: رجم الشياطين بالكواكب. وقوله عزَّ وجل: كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (11) . كُنَّا فرقا مختلفةً أهواؤنا، والطريقة طريقة «4» الرجُل، ويقال أيضا [109/ ا] للقوم هُمْ طريقة قومهم إِذَا كانوا رؤساءهم، والواحد أيضًا: طريقة قومه، وكذلك يُقال للواحد: هَذَا نظورةُ قومه للذين ينظرون إِلَيْه «5» منهم، وبعض العرب يَقُولُ: نظيرة قومه، ويجمعان جميعًا: نظائر. وقوله عزَّ وجلَّ: فَلا يَخافُ بَخْساً (13) لا يُنْقَص من ثواب عمله وَلا رَهَقاً (13) . ولا ظلما. وقوله عز وجل: وَمِنَّا الْقاسِطُونَ (14) وهم: الجائرون الكفار، والمقسطون: العادلون المسلمون وقوله عزَّ وجلَّ: فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (14) يَقُولُ: أمّوا الهدى واتبعوه. وقوله عزَّ وجلَّ: وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ (16) : على طريقة الكفر «6» «لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً»   (1) سقط فى ش. (2) هى قراءة الحسن والجحدري ويعقوب وابن أبى بكرة بخلاف المحتسب 2/ 333 وانظر البحر المحيط 8/ 348. (3) فى ش: يريد. [ ..... ] (4) سقط فى ح. (5) فى ش: ينظر، تحريف. (6) أي: لو كفر من أسلم من الناس، لأسقيناهم إملاء لهم واستدراجا، واستعارة الاستقامة للكفر قلقة لا تناسب (البحر المحيط 8/ 352) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 يكون زيادة فِي أموالهم ومواشيهم، ومثلها قوله: «وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ «1» » يَقُولُ: نفعل ذَلِكَ بهم ليكون فتنة عليهم فِي الدنيا، وزيادة فِي عذاب الآخرة. وقوله عزَّ وجلَّ: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (17) . نزّلت «2» فِي وليد بْن المغيرة المخزومي، وذكروا أن الصَّعَدَ: صخرة ملساء فِي جهنم يكلَّف صعودها، فإذا انتهى إلى أعلاها حَدَر إلى جهنم، فكان ذلك دأبه، ومثلها فى سورة المدثر: (سأرهقه صعودا) «3» : وقوله عزَّ وجلَّ: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا (18) فلا تشركوا فيها صنما ولا شيئا مما يعبد، وَيُقَال: هَذِهِ المساجد، وَيُقَال: وَأَنَّ المساجد لله. يريد: مساجدَ الرجلِ: ما يسجد عَلَيْهِ من: جبهته، ويديه، وركبتيه، وصدور قدميه. وقوله عزَّ وجلَّ: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ (19) يريد: النبي صلى الله عليه ليلة أتاه الجن ببطن نخلة. «كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ [109/ ب] لِبَداً» (19) كادوا يركبون النبي صلّى الله عليه رغبةً فِي القرآن، وشهوة لَهُ. وقرأ بعضهم «4» : «لِبَداً «5» » والمعنى فيهما- والله أعلم- واحد، يُقال: لُبدَةٌ، ولِبدة. ومن قَرَأَ: «لِبَداً» «6» فإنه أراد أن يجعلها من صفة الرجال، كقولك: رُكّعًا، وركوعا [، وسجّدا، وسجودا] «7» .   (1) سورة الزخرف الآية: 33. (2) فى ح، ش: أنزلت. (3) الآية 17. (4) فى ش: بعض القراء. (5) قرأ مجاهد، وابن محيصن، وابن عامر بخلاف عنه بضم اللام جمع: لبدة، وعن ابن محيصن أيضا تسكين الباء وضم اللام: لبدا. وقرأ الحسن، والجحدري، وأبو حيوة، وجماعة عن أبى عمرو بضمتين جمع: لبد كرهن ورهن، أو جمع لبود كصبور (البحر المحيط 8/ 353) . (6) هى قراءة الحسن، والجحدري بخلاف عنهما (البحر المحيط 8/ 353) . (7) سقط فى ح، ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 وقوله عز وجل: قال إنّما ادعوا ربّى (20) قرأ الأعمش وعاصم «1» : «قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي» وقرأ عامة أهل المدينة كذلك، وبعضهم: (قَالَ) ، وبعضهم: (قل) . [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ «2» :] حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّهُ قَرَأَهَا: (قَالَ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي) . اجتمع القراء على: لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا (1) بنصب الضاد، ولم يرفع أحد منهم. وقوله عزَّ وجلَّ: وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) ملجأ ولا سربًا الجأ إِلَيْه. وقوله عزَّ وجل: إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ (23) يكون استثناء من قوله: «لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً إلا أن أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ» . وفيها وجه آخر: قل إني لن يجيرنى من اللَّه أحد إنْ لم أبلغْ رسالته، فيكون نصب «3» البلاغ من إضمار فعل من الجزاءِ كقولك للرجل: إلا قيامًا فقعودًا، وإلا عطاء فردًا جميلًا [أي ألا تفعل إلا عطاء فردًا جميلًا] «4» فتكون لا منفصلة من إن- وهو وجه حسن، والعرب تَقُولُ: إن لا مال اليوم فلا مال أبدًا- يجعلون «5» (لا) عَلَى وجه التبرئة، ويرفعون أيضًا عَلَى ذَلِكَ المعنى، ومن نصب بالنون فعلى إضمار فعل، أنشدني بعض العرب: فإن لا مَال أعطيه فإني ... صديق من غُدو أَوْ رَواح «6» وقوله عزَّ وجلَّ: إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ (27) فإنه يطلعه على [110/ ا] غيبه.   (1) وهى أيضا قراءة حمزة وأبى عمرو بخلاف عنه (البحر المحيط 8/ 353) . (2) زيادة فى ش. (3) كذا فى ش، وفى غيرها: فتكون بنصب، تحريف. (4) سقط فى ح، ش. [ ..... ] (5) فى ش تجعلون، تصحيف. (6) لم أعثر على قائله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 وقوله عزَّ وجلَّ: يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27) ذكروا أن جبريل- صلى الله عليه- كَانَ إِذَا نزل بالرسالة إلى النَّبِيّ صَلَّى الله عليه نزلت معه ملائكة من كل سماء يحفظونه من استماع الجن الوحيَ ليسترقوه، فيلقوه إلى كهنتهم، فيسبقوا بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، فذلك الرَّصَد من بين يديه ومن خلفه، ثم قال جل وعز: «لِيَعْلَمَ» (28) يعنى محمدا صلّى الله عليه «أن قد أبلغوا رسالات ربّهم» (28) يعني جبريل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ بعضهم: هو محمد صلّى الله عليه، أي: يعلم مُحَمَّد أَنَّهُ قَدْ «1» أبلغ رسالة ربه. وَقَدْ قَرَأَ بعضهم «2» : «لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا» يريد: لتعلم الجنّ والإنس أن الرسلَ قَدْ أبلغت لا هُمْ بما رجوا «3» من استراق السمع. ومن سورة المُزَّمّل «4» اجتمع القراء عَلَى تشديد: المُزَّمِّل، والمُدَّثِّر، والمزمّل: الَّذِي قَدْ تزمّل بثيابه، وتهيأ للصلاة، وهو رسول الله صلّى الله عليه. وقوله عزَّ وجلَّ: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) . يريد: الثلث الآخِر، ثُمَّ قَالَ: «نِصْفَهُ» (3) . والمعنى: أَوْ نصفه، ثُمَّ رخص لَهُ فَقَالَ: «أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا» (3) من النصف إلى الثلث أَوْ زد «5» عَلَى النصف إلى الثلثين، وكان هذا قبل أن تفرض «6» الصلوات الخمس، فلما فرضت الصلاة «7» نسخَتْ هَذَا، كما نَسَخَتِ الزكاةُ كلَّ صدقة، وشهر رمضان كلَّ صوم. وقوله عزَّ وجلَّ: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) .   (1) فى ح: أي لمحمد أنه قد. (2) هى قراءة ابن عباس، وزيد بن على (البحر المحيط 8/ 357) . (3) فى ح: رجعو، تحريف. (4) سورة المزمل بأكملها ليست فى النسخة (ا) ، وهى منقولة من النسخة ب. (5) فى ش: أو زد عليه. (6) فى ب: يفرض. (7) فى ش: الصلوات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 يَقُولُ: اقرأه عَلَى هِينتك ترسلا. وقوله عزَّ وجل: سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) . أي: ليس بالخفيف ولا السَّفْساف لأنَّه كلام ربنا تبارك وتعالى. وقوله عزَّ وجلَّ. إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً «1» (6) . يقول: هى أثبت قياما. «وأقوم [110/ ب] قيلا» (6) يَقُولُ: إن النهار يضطرب فِيهِ النَّاس، ويتقلبون فِيهِ للمعاش، والليل أخلى للقلب، فجعله أقوم قيلا. وقَالَ بعضهم. إن ناشئة الليل هِيَ أشد عَلَى المصلي من صلاة النهار لان الليل للنوم، فَقَالَ: هِيَ، وإن كانت أشد وطئًا فهي أقوم قيلا، وَقَدِ اجتمع القراء عَلَى نصب الواو من وطئًا [وقرا بعضهم: «هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً» قَالَ] «2» : قَالَ الفراء: أكتب وطئًا بلا ألف «3» [وقرأ بعضهم: هِيَ أشد وِطَاء] «4» فكسر الواو ومده يريد: اشد «5» علاجًا ومعالجة ومواطأة. وأمّا الوطء فلا وِطء لم نروه عنْ أحد من القراء. وقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا (7) . يَقُولُ: لَكَ فِي النهار ما يقضي حوائجك. وَقَدْ قَرَأَ بعضهم «6» : «سبخا» بالخاء، والتسبيخ: توسعة «7» الصوف والقطن وما أشبهه، يُقال: سبِّخي قطنك. قَالَ أَبُو الفضل «8» : سمعت أبا عَبْد اللَّه يقول «9» : حضر أبو زياد الكلابي مجلس الفراء فى هذا اليوم، فسأله الفراء عنْ هَذَا الحرف فَقَالَ: أهل باديتنا يقولون: اللهم سبّخ عنه للمريض والملسوع ونحوه.   (1) فى ش: وطاء، وسيأتى أنها قراءة، فلا محل لها هنا. (2) ساقط من ش، و (وطئا) بكسر الواو وسكون الطاء وقصر الهمزة قراءة قتادة وشبل عن أهل مكة، كما فى البحر: 8/ 363. (3) بلا ألف، أي: قبل الهمزة للفرق بينها وبين القراءة التي تليها. (4) هى قراءة أبى عمرو وابن عامر. انظر البحر المحيط: 8/ 363. (5) ساقط فى ح. [ ..... ] (6) يعنى ابن يعمر وعكرمة وابن أبى عبلة، كما فى البحر: 8/ 363. (7) توسعة الصوف: تنفيشه. (8) فى ح، ش: أبو العباس. (9) سقط (يقول) فى ح، ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 وقوله عز وجل: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) . أخْلِص لله «1» إخلاصًا، وَيُقَال للعابد إِذَا ترك كل شيء، وأقبل عَلَى العبادة: قَدْ تبتل، أي: قطع كل شيء إلا أمر اللَّه وطاعته. وقوله عز وجل: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ (9) . خفضها عاصم والْأَعْمَش، ورفعها أهل الحجاز، والرفع يحسن إِذَا انفصلت الآية من الآية، ومثله: «وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ، اللَّهَ رَبَّكُمْ» «2» [111/ ا] فِي هذين الموضعين «3» يحسن الاستئناف والاتباع. وقوله عز وجل: فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) . كفيلا بما وعدك. وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا (14) . والكثيب: الرمل، والمهيل: الَّذِي تحرك «4» أسفله فينهال عليك من أعلاه، والمهيل: المفعول، والعرب تَقُولُ: مهيل ومهيول، ومكيد ومكيود «5» ، قَالَ الشَّاعِر «6» : وناهزُوا البيعَ من تِرْعِيَّةٍ رَهِقٍ ... مُستَأْرَبٍ، عَضَّه السُّلطانُ مَديُونُ قَالَ، قَالَ الفراء: المستأرَب الَّذِي قَدْ أُخذ بآرابه، وَقَدْ أُرِّب. وقوله عزَّ وجلَّ: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً (17) . معناه: فكيف تتقون يوما يجعل «7» الولدان شيبا إن كفرتم، وكذلك هِيَ فِي قراءة عبد الله سواء.   (1) فى ح، ش إليه. (2) الآيتان 125، 126 من سورة الصافات قرأ، (الله) بالنصب حفص وحمزة والكسائي وقرأ الباقون بالرفع، كما فى الإتحاف: (3) فى ح، ش: فى مثل هذا الموضع. (4) كذا فى ش، وفى ب، ح: يحرك، وما أثبتناه أنسب. (5) فى ح، ش: مكيل ومكيول. (6) البيت فى اللسان (أرب) : وفيه بعد تفسير المستأرب: وفى نسخة: مستأرب بكسر الراء قال: هكذا أنشده محمد بن أحمد المفجع. أي أخذه الدين من كل ناحية. والمناهزة فى البيع: انتهاز الفرصة. وناهزوا البيع: أي بادروه. والرهق: الذي به خفة وحدة. وقيل: الرهق: السفه وهو بمعنى السفيه. وعضه السلطان: أي أرهقه وأعجله وضيق عليه الأمر. والترعية: الذي يجيد رعى الإبل ... (7) فى ب: تجعل، تصحيف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 وقوله «1» عز وجل: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ (18) . بذلك اليوم، والسماء تذكر وتؤنث، فهى هاهنا فِي وجه التذكير، قَالَ الشَّاعِر: فلو رَفع السماء إِلَيْه قومًا ... لحقنا بالنجومِ مَعَ السحابِ «2» وقوله عز وجل: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (19) . طريقا ووجهة إلى اللَّه. وقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ (20) . قرأها عاصم والْأَعْمَش بالنصب، وقرأها أهل المدينة والحسن البصري بالخفض، فمر خفض أراد: تقوم [أقل من الثلثين] «3» . وأقل من النصف. ومن الثلث. ومن نصب أراد: تقوم أدنى من الثلثين، فيقوم «4» النصف أَوِ الثلث «5» ، وهو أشبه بالصواب، لأنَّه قَالَ: أقل من الثلثين، ثُمَّ ذكر تفسير القلة لا تفسير أقل من القلة. ألا ترى أنك تقول للرجل: لى عليك أقل من ألف درهم ثمانى مائة أَوْ تسع مائة، كأنه أوجه فِي المعنى من أن تفسر «6» - قلة- أخرى [111/ ب] وكلّ صواب. وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ (20) كان النبي صلّى الله عليه، وطائفة من المسلمين يقومون الليل قبل أن تفرض الصلاة، فشق «7» ذَلِكَ عليهم، فنزلت الرخصة. وَقَدْ يجوز أن يخفض النصف، وينصب الثلث لتأويل «8» قوم: أنّ صلاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه انتهت إلى ثلث الليل، فقالوا: «9»   (1) كذا فى ش: وفى ب، ح، فقوله، وما أثبتناه هو المعتاد فى مثل هذا الموطن. (2) فى تفسير القرطبي 19/ 51: قال أبو عمرو بن العلاء: لم يقل: منفطرة لأن مجازها السقف، نقول: هذا سماء البيت، ثم أورد البيت، ولم ينسبه وفيه: لحقنا بالسماء وبالسحاب ورواية البيت فى (البحر المحيط 8/ 365) . فلو رفع السماء إليه قوم ... لحقنا بالسماء وبالسحاب (3) سقط فى ح. [ ..... ] (4) فى ش فتقوم. (5) فى ش: النصف والثلث، والأشبه (أو) . (6) فى ش: يفسر. (7) فى ح: فيشق. (8) فى ش: لتأول. (9) فى ش: فقال، وهو تحريف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ الثلثين، ومن النصف، ولا تنقص من الثلث، وهو وجه شاذ لم يقرأ بِهِ أحد. وأهل القراءة الذين يُتَّبعون أعلم بالتأويل من المحدثين. وَقَدْ يجوز، وهو عندي: يريد: الثلث. وقوله عزَّ وجلَّ: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ (20) . أن لن تحفظوا مواقيت الليل «فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ» (20) . المائة فما زاد. وَقَدْ ذكروا «1» : أَنَّهُ من قَرَأَ عشر آيات لم يكتب من الغافلين، وكل شيء أحياه «2» المصلي من الليل فهو «3» ناشئة. وقوله عز وجل: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ (20) يعنى: المفروضة. ومن سورة المدّثّر قوله تبارك وتعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) . يعني: المتدثر بثيابه لينامَ. وقوله عزَّ وجل: قُمْ فَأَنْذِرْ (2) . يريد: قم فصلّ، ومرْ بالصلاة. وقوله تبارك وتعالى: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4) . يَقُولُ: لا تكن غادرا فتدنس ثيابك، فإن الغادر دنِس الثياب، وَيُقَال: وثيابك فطهر، وعملك فأصلح. وقَالَ بعضهم: وثيابك فطهر: قصر «4» ، فإن تقصير الثياب طُهْرة «5» . فقوله عزَّ وجلَّ: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) . كسره «6» عاصم والْأَعْمَش والحسن، ورفعه السلمي ومجاهد وأهل المدينة فقرءوا: «وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ»   (1) فى ش: ذكر. (2) فى ش: أحصاه. (3) فى ح: فهى، تحريف. (4) فى ش: فقصر (5) الطهرة: اسم من التطهير وفى ح، ش طهر (6) كسره: يريد راء الرجز، والرفع أيضا وهى قراءة حفص وأبى جعفر ويعقوب، وافقهم ابن محيصن والحسن. (الإتحاف 427) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 وفسر مجاهد: والرجز: الأوثان، وفسره الكلبي: الرجز: العذاب، ونرى أنهما لغتان، وأن المعنى فيهما [112/ ا] واحد. وقوله عزَّ وجلَّ: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) . يَقُولُ: لا تُعط فِي الدنيا شيئًا لتصيب أكثر مِنْهُ، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «وَلا تَمْنُنْ أَنْ تَسْتَكْثِرَ» فهذا شاهد عَلَى الرفع فى «تَسْتَكْثِرُ» ولو جزمه جازم على هذا المعنى كان صوابًا «1» ، والرفع وجه القراءة والعمل. وقوله عزَّ وجل: فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) . يُقال: إنها أول النفختين. وقوله عزَّ وجلَّ: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) . [الوحيد «2» ] فِيهِ وجهان، قَالَ بعضهم: ذرني ومن خلقته وحدي، وقَالَ آخرون: خلقته وحده لا مال له ولا بنين، وهو أجمع الوجهين. وقوله تبارك وتعالى: وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (12) : قال الكلبي: العروض والذهب والفضة، [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ:» ] حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي قيس عنْ إِبْرَاهِيم بْن المهاجر عنْ مجاهد فِي قوله: (وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُوداً) ، قَالَ: ألف دينار، ونرى أن الممدود جُعل غاية للعدد لأن الألف غايةُ العدد، يرجع فِي أول العدد من الألف. ومثله قول العرب: لَكَ عَلَى ألف أقدع، أي: غاية العدد. وقوله: وَبَنِينَ شُهُوداً (13) كَانَ لَهُ عشرة بنين لا يغيبون عنْ عينيه «4» فِي تجارة ولا عمل، والوحيد: الوليد بْن المغيرة المخزومي. وقوله: إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) .   (1) الجزم قراءة الحسن. المحتسب: 2: 237. (2) التكملة من ح، ش. [ ..... ] (3) الزيادة من ش. (4) فى ب: عينه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 فذكروا أَنَّهُ جمع رؤساء أهل مكَّة فَقَالَ: إن الموسم قددنا، وَقَدْ فشا أمر هَذَا الرجل فِي النَّاس، ما أنتم قائلون فِيهِ للناس؟ قَالُوا: نقول: مجنون. قَالَ: إذًا يؤتي فيكلّم، فيُرى عاقلًا صحيحًا، فيكذبوكم، قَالُوا: نقول: شاعر. قَالَ: فهم عرب قَدْ رووا الأشعار وعرفوها، وكلام مُحَمَّد لا يُشْبِهُ الشِّعرَ، قَالُوا: نقول: كاهن، قَالَ: فقد عرفوا الكهنة [112/ ب] ، وسألوهم، وهم لا يقولون: يكون كذا وكذا إن شاء اللَّه، ومحمد لا يَقُولُ لكم شيئًا إلا قَالَ: إن شاء اللَّه، ثُمَّ قام، فقالوا: صبأ الوليد. يريدون أسلم الوليد. فَقَالَ ابْنُ أخيه أَبُو جهل: أَنَا أكفيكم أمره، فأتاه فَقَالَ: إن قريشًا تزعم أنك قَدْ صبوت «1» وهم يريدون: أن يجمعوا لَكَ مالًا يكفيك مما تريد أن تأكل من فضول أصحاب محمد- صلّى الله عليه- فَقَالَ: ويحك! والله ما يَشبعون، فكيف ألتمس فضولهم مَعَ أني أكثر قريش مالًا؟ ولكني فكرت فِي أمر مُحَمَّد «2» - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ-، وماذا نَرُد عَلَى العرب إِذَا سألتنا، فقد عزمْت عَلَى أن أقول: ساحر. فهذا تفسير قوله: «إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ» القول فى محمد صلّى الله عليه. وقوله: فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) . قتل «3» أي: لُعن، وكذلك: «قاتَلَهُمُ اللَّهُ «4» » و «قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ «5» » ، ذكِر أنهن اللعن. وقوله: ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) . ذكروا: أَنَّهُ مرَّ عَلَى طائفة من المسلمين فِي المسجد الحرام، فقالوا: هَلْ لَكَ إلى الْإِسْلَام يا أبا المغيرة؟ فَقَالَ: ما صاحبكم إلا ساحر، وما قوله إلَّا السحر تعلَّمه من مسيلمة الكذاب، ومن سحرة بابل، ثُمَّ قَالَ «6» : ولَّى عَنْهُمْ مستكبرًا قَدْ عبَس وجهه وبسر: كلح مستكبرا عن «7»   (1) كذا فى النسخ، كأنه ملت وفتنت. (2) فى ح، ش: فى محمد. (3) التكملة من ح، ش. (4) سورة التوبة الآية: 30. (5) سورة عبس الآية: 17. (6) فى ب: قال ثم. (7) فى ش: على. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 الْإِيمَان، فذلك قوله: إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) يأثره «1» عنْ «2» أهل بابل. قَالَ اللَّه جل وعز: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) . وهي اسم من أسماء جهنم، فلذلك لم يجز، وكذلك «لَظى» . وقوله: لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) . مردود عَلَى سقر بنية التكرير، كما قَالَ: «ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [113/ ا] فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ «3» » وكما قَالَ فِي قراءة عَبْد اللَّه: «وَهذا بَعْلِي شَيْخاً «4» » ولو كَانَ «لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ» كَانَ صوابًا. كما قَالَ: «إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيراً لِلْبَشَرِ» (36) . وفي قراءة أَبِي: «نذِيرٌ لِلْبشَر» وكل صواب. وقوله: لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) . تسوِّد البشرة بإحراقها. وقوله: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (30) . فإن العرب تنصب ما بين أحد عشر إلى تسعة عشر فِي الخفض والرفع، ومنهم من يخفف العين فِي تسعة عشر، فيجزم العين فِي الذُّكران، ولا يخففها فِي: ثلاث عشرة إلى تسع عشرة «5» لأنهم إنَّما خفضوا فِي المذكر لكثرة الحركات. فأما المؤنث، فإن الشين من عشْرة ساكنة، فلم يخففوا العين منها فيلتقي ساكنان. وكذلك: اثنا عشر فِي الذكران لا يخفف العين «6» لأن الألف من: اثنا عشر ساكنة فلا يسكن بعدها آخر فيلتقي ساكنان، وَقَدْ قَالَ بعض كفار أهل مكَّة وهو أَبُو جهل: وما تسعة عشر؟ الرجل منا يطبق «7» الواحد فيكفه عَنِ النَّاس. وقال رجل من بنى جمح   (1) سقط فى ح. (2) فى ش على، تحريف. (3) سورة البروج الآية 16. (4) سورة هود الآية: 72. (5) فى ش: تسعة عشر، تحريف. [ ..... ] (6) فى ش: لا يخفف. (7) سقط فى ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 كَانَ يُكنى: أبا الأشدين «1» : أَنَا أكفيكم سبعة عشر، واكفوني اثنين فأنزل اللَّه: «وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً» (31) ، أي: فمن يطيق الملائكة؟ ثم قال: «وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ» فى القلة «إِلَّا فِتْنَةً» (31) على الذين كفروا ليقولوا ما قَالُوا، ثُمَّ قَالَ: «لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» (31) يقينًا إلى يقينهم لأن عدة الخزنة لجهنم فى كتابهم: تسعة عشر، «وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً» (31) لأنها فِي كتاب أهل الكتاب كذلك. وقوله: وَاللَّيْلِ [113/ ا] إِذْ أَدْبَرَ (33) . قرأها ابن عباس: «والليل [113/ ا] إذَا دَبر» ومجاهد وبعض أهل المدينة كذلك «2» وقرأها كَثِير من النَّاس «وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ» : [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: «3» ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي بذلك مُحَمَّد بْن الفضل عنْ عطاء عنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن عنْ زَيْد أَنَّهُ قراها: «وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ» وهي فِي قراءة عبد الله: «والليل إذا أدبر» . وقرأها الْحَسَن كذلك: «إِذَا أدبر» كقول عبد الله. [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا «4» مُحَمَّدٌ] قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي «5» قَيْسٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ عَنْ رَجُلٍ- لا أَعْلَمُهُ إِلا الأَغَرَّ- عَنِ ابْنِ عباس أنه قرأ: «والليل إذا دبر» . وقال: إنما أدبر ظهر البعير [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «6» ] قَالَ حدثنا الفراء قال: وَحَدَّثَنَا قَيْسٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ «أَدْبَرَ» [قَالَ الْفَرَّاءُ: مَا أَرَى أَبَا عَطِيَّةَ إِلَّا الْوَادِعِيَّ بَلْ هُوَ هُوَ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ قَيْسٍ إِذْ، وَلا أَرَاهُمَا إِلا لُغَتَيْنِ «7» ] . يُقَالُ: دَبَرَ النَّهَارُ وَالشِّتَاءُ وَالصَّيْفُ وَأَدْبَرَ. وَكَذَلِكَ: قَبَلَ وَأَقْبَلَ، فَإِذَا قَالُوا: أَقْبَلَ الرَّاكِبُ وَأَدْبَرَ لَمْ يَقُولُوهُ إِلا بِأَلِفٍ، وَإِنَّهُمَا فِي الْمَعْنَى عِنْدِي لَوَاحِدٌ، لا أُبْعِدُ أَنْ يَأْتِيَ فِي الرَّجُلِ مَا أُتِيَ فى الأزمنة.   (1) كذا فى النسخ، وفى الكشاف (2: 504) : أبو الأشد بن أسعد بن كلدة الجمحي، وكان شديد البطش (2) فى الإتحاف (427) . اختلف فى «والليل إذا أدبر» ، فنافع وحفص وحمزة ويعقوب وخلف بإسكان الذال ظرفا لما مضى من الزمان، أدبر بهمزة مفتوحة، ودال ساكنة على وزن أكرم، وافقهم ابن محيصن والحسن. والباقون بفتح الذال ظرفا لما يستقبل، وبفتح دال دبر على وزن ضرب. لغتان بمعنى، يقال: دبر الليل وأدبر. (3، 4) ما بين الحاصرتين زيادة من ش. (5) فى ش: حدثنى. (6، 7) ما بين الحاصرتين من ح، ش، والعبارة فى ب مضطربة وبها سقط. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 وقوله: نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36) . كَانَ بعض النحويين يَقُولُ: إن نصبت قوله: «نذيرا» من أول السورة يا محمد قم نذيرًا للبشر «1» ، وليس ذَلِكَ بشيء وَالله أعلم لأنّ الكلام قَدْ حدث بَيْنَهُما شيء مِنْهُ كَثِير، ورفعه فِي قراءة أَبِيّ ينفي هَذَا المعنى. ونصبه «2» من قوله: «إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ نَذِيراً» تقطعه من المعرفة لأن «إحدى الكبر» معرفةٌ فقطعته مِنْهُ، ويكون نصبه عَلَى أن تجعل النذير إنذارًا من قوله: «لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ [113/ ب] » (28) لواحة [تخبر بهذا عنْ جهنم إنذارًا «3» ] للبشر، والنذير قَدْ يكون بمعنى: الإنذار. قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: «كَيْفَ نَذِيرِ «4» » و «فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ «5» » يريد: إنذاري، وإنكاري. وقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) . الهاء «6» كناية عنْ جهنم. وقوله: إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) . قال الكلبي: هم أهل «7» الجنة [حدثنا أبو العباس قال «8» ] حدثنا الفراء قال: وَحَدَّثَنِي «9» الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورِ «10» بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنِ الْمِنْهَالِ رَفَعَهُ إِلَى عَلِيٍّ قَالَ: «إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ» قَالَ: هُمُ الْوِلْدَانُ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِالصَّوَابِ لأَنَّ الولدان لَمْ يَكْتَسِبُوا مَا يَرْتَهِنُونَ بِهِ وَفِي قوله: «يَتَساءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ» (42) مَا يُقَوِّي أَنَّهُمُ الْوِلْدَانُ لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الذنوب، فسألوا: «ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ» .   (1) كذا فى النسخ، وفى العبارة غموض، يوضحه قول الكشاف عن المراد بها: «وقيل: هو متصل بأول السورة، يعنى: قم نذيرا، وهو من بدع التفاسير» . الكشاف: 2: 505، ويمكن أن يقدر جواب إن. (2) كذا فى ش، وفى غيرها: نصبها. ولفظ ش: أنسب. (3) ما بين الحاصرتين زيادة من ح، ش. (4) سورة الملك الآية: 17 فى الأصل «فكيف كان نذير» . (5) سورة الملك الآية: 18، واجتزأ فى ح بلفظ (نكير) . (6) سقط فى ش. (7) فى ش: أصحاب. [ ..... ] (8) زيادة فى ش. (9) فى ش: حدثنى. (10) المنصور بن المعتمر هو أبو عتاب السلمى الكوفي، عرض القرآن على الأعمش، وروى عن إبراهيم النخعي، ومجاهد. وعرض عليه حمزة، وروى عنه سفيان الثوري وشعبة ت 133 (طبقات القراء 2/ 314) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 وقوله: كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) . قرأها عاصم والْأَعْمَش: «مُسْتَنْفِرَةٌ» بالكسر، وقرأها أهل الحجاز «مُسْتَنْفِرَةٌ» بفتح «1» الفاء «2» وهما جميعًا كثيرتان فِي كلام العرب، قَالَ الشَّاعِر «3» : أمْسِكْ حِمارَكُ إنَّهُ مُسْتنفِرٌ ... فِي إثرِ أحْمِرَةٍ عَمْدنَ لِغُرّب والقسورة يُقال: إنها الرماة، وقَالَ الكلبي بإسناده: هُوَ الأسد. [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ «4» ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: «5» حَدَّثَنِي أَبُو الأحوص عنْ سَعِيد بْن مسروق أَبِي سُفْيَان الثوري عنْ عكرمة قَالَ: قيل لَهُ: القسورة، الأسد بلسان الحبشة، فَقَالَ: القسورة، الرماة، والأسد بلسان الحبشة: عنبسة. وقوله: بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (52) . قَالَتْ كفار قريش للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [114/ ا] : كَانَ الرجل يذنب فِي بني إسرائيل، فيصبح ذنبه مكتوبًا فِي رقعة، فما بالنا لا نرى ذَلِكَ؟ فَقَالَ اللَّه عزَّ وجلَّ: «بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً» . وقوله: إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) . يعني هَذَا القرآن، ولو قيل: «إِنَّها تَذْكِرَةٌ «6» » لكان صوابًا، كما قَالَ فِي عبس، فمن قَالَ: (إنها) أراد السُّورة، ومن قَالَ: (إنه) أراد القرآن.   (1) سقط فى ش. (2) قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر بفتح الفاء، أي: منفرة مذعورة (الإتحاف: 427) . (3) غرب: جبل دون الشام فى بلاد بنى كلب، وعنده عين ماء يقال لها: الغربّه والغربّه، وقد أورد القرطبي البيت- فى تفسيره- ولم ينسبه (19/ 89) ، ورواية البحر المحيط: عهدن العرب، تحريف (البحر المحيط 8/ 380) (4) الزيادة من ش. (5) سقط فى ش: حدثنى. (6) الآية: 11. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 ومن سورة القيامة «1» قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه [: سمعت الفراء يقول: وقوله] «2» : لا أُقْسِمُ (1) كَانَ كَثِير من النحويين يقولون «3» : (لا) صلة «4» قَالَ الفراء: ولا يبتدأ بجحد، ثُمَّ يجعل صلة يراد بِهِ الطرح لأن هَذَا الوجاز لم يعرف خبر فِيهِ جحد من خبر لا جحد فِيهِ. ولكن القرآن جاء بالرد عَلَى الَّذِينَ أنكروا: البعث، والجنة، والنار، فجاء الإقسام بالرد عليهم فِي كَثِير من الكلام المبتدأ مِنْهُ، وغير المبتدأ: كقولك فِي الكلام: لا والله لا أفعل ذاك جعلوا (لا) وإن رأيتها مبتدأة ردًّا لكلامٍ قَدْ «5» كَانَ مضي، فلو ألقيت (لا) مما ينوي «6» بِهِ الجواب لم يكن بين اليمين التي تكون جوابًا، واليمين التي تستأنف فرق. ألا ترى أنك تَقُولُ مبتدئًا: والله إن الرَّسُول لحق، فإذا قلت: لا والله إن الرَّسُول لحق، فكأنك أكذبت قومًا أنكروه، فهذه جهة (لا) مَعَ الإقسام، وجميع الأَيْمان فِي كل موضع ترى فِيهِ (لا) مبتدأ بها، وهو كَثِير فِي الكلام. وكان بعض من لم يعرف هذه الجهة فيما ترى «7» [115/ ا] يقرأ «لأقسم «8» بيوم القيامة «9» » ذكر عَنِ الْحَسَن يجعلها (لاما) دخلت عَلَى أقسم، وهو صواب لان العرب تَقُولُ: لأحلف بالله ليكونن «10» كذا وكذا، يجعلونه (لاما) بغير معنى (لا) . وقوله عز وجل: وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)   (1) من أول سورة القيامة إلى آخر القرآن الكريم اعتمد فيه على النسخة ب إذ هو ليس فى ا. (2) ساقط فى ح، ش. (3) فى ح، ش: يقول. (4) فى ش: يقولون صلة، سقط. (5) فى ح، ش: لكلام كان. [ ..... ] (6) فى ح، ش: بنوا. (7) فى ش: نرى. (8) فى ح: لا أقسم، تحريف. (9) هى قراءة الحسن، وقد روى عنه بغير ألف فيما جميعا، والألف فيهما جميعا (المحتسب 2/ 341) . (10) فى ش: لتكونن، تصحيف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 ليس من نفس بَرّة ولا فاجرة إلّا وهي تلوم نفسها إن كانت عملت خيرًا قالت: هلا ازددت وإن كانت عملت سوءا «1» قالت: ليتني قصرت! ليتني لم أفعل! وقوله عزَّ وجلَّ: بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (4) جاء فِي التفسير: بلى «2» نقدر عَلَى أن نسوي بنانه، أي: أن نجعل «3» أصابعه مصمّتة غير مفصلة كخف البعير، فَقَالَ «4» : بلى قادرين عَلَى أن نعيد أصغر العظام كما كانت، وقوله: «قادِرِينَ» نصبت عَلَى الخروج من «نَجْمَعَ» ، كأنك قلت فِي الكلام: أتحسب أن لن نقوي عليك، بلى قادرين عَلَى أقوى منك. يريد: بلى نقوى قادرين، بلى نقوى مقتدرين عَلَى أكثر من ذا. ولو كانت رفعًا عَلَى الاستئناف، كأنه قَالَ: بلى نَحْنُ قادرون عَلَى أكثر من ذا- كَانَ صوابًا. وقول النَّاس: بلى نقدر، فلما صرفت إلى قادرين نصبت- خطأٌ لأن الفعل لا ينصب بتحويله من يفعل إلى فاعل. ألا ترى أنك تَقُولُ: أتقوم إلينا فإن حولتها إلى فاعل قلت: أقائم، وكان خطأ أن تَقُولُ: أقائمًا أنت إلينا؟ وَقَدْ كانوا يحتجون بقول الفرزدق: عَلَى قسَمٍ لا أشتم الدهر مسلما ... ولا خارجًا مِن فيَّ زورُ كلام «5» فقالوا: إنَّما أراد: لا أشتم، ولا يخرج، فلما صرفها إلى خارج نصبها، وإنما نصب لأنه أراد: عاهدتُ ربي لا شاتمًا أحدًا، ولا خارجًا من فِيّ زور كلام. وقوله: لا أشتم فى موضع نصب [115/ ب] . وقوله عز وجل: لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (5) . [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «6» ] قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي قيس عَن أَبِي حَصين عَن سَعِيد بْن جُبَير «7» فِي قوله: «بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ» قَالَ: يَقُولُ: سوف أتوب [سوف أتوب] «8» . وقَالَ الكلبي: يكثر الذنوب، ويؤخر التوبة.   (1) فى ش: سواء، تحريف. (2) فى ح: بل، بدون: نقدر، وفى ش: بل، تحريف. (3) فى: ح أي نجعل. (4) فى ش: ويقال، تحريف. (5) انظر ديوان الفرزدق. والكتاب: 1: 173، وشرح شواهد الشافية: 72 (6) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش. (7) هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدى الوالبي مولاهم أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله الكوفي التابعي الجليل والإمام الكبير. عرض على عبد الله بن عباس، عرض عليه أبو عمرو بن العلاء، والمنهال بن عمرو. قتله الحجاج بواسط شهيدا فى سنة خمس وتسعين (طبقات القراء 1/ 305) . (8) سقط فى ح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 وقوله عز وجل: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) قرأها الْأَعْمَش وعاصم والحسن وبعضُ أهل المدينة (بَرِق) بكسر الراء، وقرأها نافع الْمَدَنِيّ «فإذ «1» بَرَق البصر» بفتح الراء من البريق «2» : شخص، لمن فتح، وقوله «بَرق» : فزع، أنشدني بعض العرب: نعانى حنانة طُوبالةً ... تُسَفُّ يَبيسًا من العِشْرِقِ فنفسَك فَانْعَ ولا تَنْعَنِي ... وداوِ الْكُلُومَ ولا تَبْرَقِ «3» فَتح الراءَ أي: لا تفزع من هول الجراح التي بك، كذلك يبرق البصر يوم القيامة. ومن قَرَأَ «بَرِقَ» يَقُولُ: فتح عينيه، وبرق بصره أيضا لذلك. وقوله عز وجل: وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) . ذهب ضوءُه. وقوله عزَّ وجلَّ: وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) . [وفي قراءة عَبْد اللَّه «4» ] وجمع بين الشمس والقمر يريد: فِي ذهاب ضوئها أيضًا فلا ضوء لهذا ولا لهذه. فمعناه: جمع بَيْنَهُما «5» فِي ذهاب الضوء كما تَقُولُ: هَذَا يوم يستوي فِيهِ الأعمى والبصير أي: يكونان فِيهِ أعميين جميعًا. [وَيُقَال: جمعًا] «6» كالثورين العقيرين فِي النار. وإنما قَالَ: جُمِع ولم يقل: جمعت لهذا لأن المعنى: جمع بَيْنَهُما فهذا وجه، وإن شئت جعلتهما جميعًا فِي مذهب ثورين. فكأنك قلت: جمِع النوران، جُمِع الضياءان، وهو قول الكسائي: وقد كان قوم   (1) فى ح، ش: نافع المدني برق. [ ..... ] (2) وهى أيضا قراءة أبان عن عاصم. معناه: لمع بصره من شدة شخوصه فتراه لا يطرف، قال مجاهد وغيره: هذا عند الموت. وقال الحسن: هذا يوم القيامة. (تفسير القرطبي 19/ 95) . (3) الشعر لطرفة- كما فى اللسان مادة برق 215. والطوبالة: النعجة لقبه بها، ولا يقال للكبش: طوبال، ونصب طوبالة على الذم له كأنه قال: أعنى: طوبالة ... والعشرق: شجر ينفرش على الأرض عريض الورق، ليس له شوك. وانظر ديوان الشاعرة 218 (4) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش. (5) كذا فى ش وفى ب، ح: بينها، تصحيف. (6) سقط فى ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 يقولون: إنَّما ذكرنا فعل الشمس لأنها لا تنفرد بجُمع حتَّى يشركَها غيرها، فلما شاركها مذكر كَانَ القول فيهما جُمِعا، ولم «1» يجر جمعتا، فقيل لهم: كيف تقولون الشمس [116/ ا] جُمعَ والقمر؟ فقالوا: جُمِعت، ورجعوا عنْ ذَلِكَ القول. وقوله عز وجل: أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) . قرأه [الناس المفر] «2» بفتح الفاء [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ» ] وقال: حدثنا الفراء، قال: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَلَمَةَ «4» بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ: «أَيْنَ الْمَفَرُّ» وَقَالَ: إِنَّمَا الْمَفَرُّ مَفَرُّ الدَّابَّةِ حَيْثُ تَفِرُّ، وَهُمَا لُغَتَانِ: الْمَفِرُّ وَالْمَفَرُّ «5» ، وَالْمَدِبُّ وَالْمَدَبُّ. وَمَا كَانَ يَفْعِلُ فِيهِ مَكْسُورًا مِثْلَ: يَدِبُّ، وَيَفِرُّ، وَيَصِحُّ، فَالْعَرَبُ تَقُولُ: مَفِرٌّ وَمِفَرٌّ، وَمَصِحٌّ وَمَصَحٌّ، وَمَدِبٌّ وَمَدَبٌّ. أنشدني بعضهم: كأن بقَايا الأثر فوقَ متونه ... مدَب الدَّبي فوق النقا وهو سارِح «6» ينشدونه: مَدَب، وهو أكثر من مَدِب. وَيُقَال: جاء عَلَى مَدَب السيل، [ومدِب السيل] «7» ، وما فِي قميصه مَصِح ولا مَصَحٌّ. وقوله عزَّ وجلَّ: كَلَّا لا وَزَرَ (11) . والوزر: الملجأ. وقوله عز وجل: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ (13) . يريد: ما أسلف من عمله، وما أخر من سنة تركها يعمل بها من بعده، فإن سن «8» سنة حسنة   (1) كذا فى ش وفى ب، ح: لم يجر. (2) سقط فى ش. (3) ما بين الحاصرتين زيادة من ش. (4) كذا فى ش، وفى ب، ح: عن، تصحيف. انظر ميزان الاعتدال: 4: 381. (5) المفسّر: قراءة الجمهور، والمفسّر، قراءة مجاهد والحسن وقتادة (تفسير القرطبي 19/ 98) . (6) الدّبى: الجراد قبل أن يطير، وعن أبى عبيدة: الجراد أول ما يكون سرو وهو أبيض، فإذا تحرك واسود فهو دبى قبل أن تنبت أجنحته. والنقا: الكثيب من الرمل. ورد البيت فى تفسير الطبري 19: 98 غير منسوب، وفيه: فوق البنا مكان: فوق النقا. وهو تصحيف. (7) سقط فى ش. (8) فى ش: سن حسنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 كَانَ لَهُ مثل أجر من يعمل بها من غير أن يُنتقصوا، وإن كانت سنة سيئة عذب عليها، ولم ينقص من عذاب من عمل بها شيئًا. وقوله عزَّ وجلَّ: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) . يَقُولُ: عَلَى الْإِنْسَان من نفسه رقباء يشهدون عَلَيْهِ بعمله: اليدان، والرجلان، والعينان، والذكر، قَالَ الشَّاعِر: كأنَّ عَلَى ذي الظن عينًا بصيرةً ... بمقعده أو منظر هو ناظره يحاذر حتى يحسب الناس كلّهم ... من الخوف لا تخفي عليهم سرائره «1» وقوله عزَّ وجلَّ: وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (15) . جاء فِي التفسير: ولو أرخى ستورة، وجاء: وإن اعتذر فعليه من يكذب عذره. وقوله [116/ ب] عز وجل: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ (16) . كَانَ جبريل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نزل بالوحي على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقرآن قَرَأَ بعضه فِي نفسه قبل أن يستتمه خوفًا أن ينساه، فقيل لَهُ «لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ» فى قلبك «وَقُرْآنَهُ» وقراءته، أي: أن جبريل عَلَيْهِ السَّلام سيعيده عليك. وقوله عزَّ وجلَّ: فَإِذا قَرَأْناهُ [فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ] «2» 18) . إِذَا قرأه عليك جبريل «3» عَلَيْهِ السَّلام «فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ» ، والقراءة والقرآن مصدران، كما تَقُولُ: راجحٌ بَين الرجحان والرجوح. والمعرفة والعرفان، والطواف والطوفان. وقوله عزَّ وجلَّ: كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (20) . وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) . رويت عنْ عليّ بْن أَبِي طَالِب، رحمه اللَّه: «بَلْ تُحِبُّونَ، وَتَذَرُونَ» بالتاء، وقرأها كَثِير: «بل يحبون» «4» بالياء، والقرآن يأتي عَلَى أن يخاطب المنزل عليهم أحيانًا، وحينا يُجعلون كالغَيَب،   (1) رواية القرطبي: العقل مكان الظن فى الشطر الأول من البيت الأول (انظر تفسير القرطبي 19/ 100) . [ ..... ] (2) الزيادة من ح، ش. (3) سقط فى ح، ش. (4) هى قراءة مجاهد والحسن وقتادة والجحدري وابن كثير وأبى عمر وبياء الغيبة فيهما (البحر المحيط/ 3887) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 كقوله: «حَتَّى إِذا «1» كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ «2» » . وقوله عزَّ وجلَّ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (22) . مشرقة بالنعيم «3» . «وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ» (24) كالحة. وقوله عزَّ وجلَّ: تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (25) . والفاقرة: الداهية، وَقَدْ جاءت أسماء القيامة، والعذاب بمعاني الدواهي وأسمائها. وقوله عزَّ وجلَّ: كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (26) . يَقُولُ: إِذَا بلغت نَفْس الرجل عند الموت تراقيه، وقال من حوله: «من راق؟» هَلْ [من «4» ] مداو؟ هَلْ «5» من راق؟ وظن الرجل «أَنَّهُ الْفِراقُ» ، علم: أَنَّهُ الفراق، وَيُقَال: هَلْ من راق إن ملَك الموت يكون معه ملائكة، فإذا أفاظ «6» [117/ ا] الميت نفسه، قَالَ بعضهم لبعض: أيكم يرقَى بها؟ من رقيت أي: صمدت. وقوله عز وجل: وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) . أتاه أولُ شدة أمر «7» الآخرة، وأشد آخر أمر الدنيا، فذلك قوله: «وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ» ، وَيُقَال: التفت ساقاه، كما يُقال للمرأة إِذَا التصقت فخذاها: هِيَ لَفّاء. وقوله عزَّ وجلَّ: يَتَمَطَّى (33) . يتبختر لأن الظهر هُوَ المَطَا، فيلوي ظهره تبخترًا وهذه خاصة فِي «8» أبي جهل. وقوله عز وجل: مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (37) .   (1) سقط خطأ فى ش. (2) سورة يونس، الآية 22. (3) فى ح، ش كالنعيم، تحريف. (4) الزيادة. من ش (5) فى ش: وهل. (6) أفاظ نفسه: أخرجها ولفظ آخر أنفاسها. (7) فى ش: آخر، تحريف. (8) فى ش: إلى، تحريف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 بالياء والتاء «1» . من قال: يمنى، فهو للمنى، وتُمنى للنطفة. وكلٌّ صوابٌ، قرأه أصحاب عَبْد اللَّه بالتاء. وبعض أهل المدينة [أيضًا] «2» بالتاء. وقوله عزَّ وجلَّ: أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (40) . تظهر الياءين، وتُكسر الأولى، وتجزم الحاء. وإن كسرت الحاء ونقلت إليها إعراب الياء الأولى التي تليها كَانَ صوابًا، كما قَالَ الشَّاعِر: وكأنها بين النساءِ سَبيِكةٌ ... تَمْشِي بِسُدَّةِ بَيْتها فتعىّ «3» أراد: فتعيا «4» . ومن سورة الْإِنْسَان قوله تبارك وتعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ (1) . معناه: قَدْ أتى عَلَى الْإِنْسَان حين من الدهر. «وهل» قَدْ «5» تكون جحدًا، وتكون خبرًا. فهذا من الخبر لأنك قد تقول: فهل وعظتك؟ فهل أعطيتك؟ تقرره «6» بأنك قَدْ أعطيته ووعظته. والجحد أن تَقُولُ: وهل يقدر واحد عَلَى مثل هَذَا؟. وقوله تبارك وتعالى: لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) . يريد: كَانَ شيئًا، ولم يكن مذكورًا. وذلك من حين خلقه اللَّه من طين إلى أن نفخ فِيهِ الروح. وقوله عزَّ وجلَّ: أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ (2) .   (1) قرأ الجمهور: تمنى، وابن محيصن والجحدري وسلام ويعقوب وحفص وأبو عمرو بخلاف عنه بالياء (البحر المحيط 8/ 391) . (2) زيادة من ح، ش. (3) انظر الدرر اللوامع: 1: 31. السبيكة: القطعة المذوّبة من الذهب أو الفضة. والسدّة: الفناء، جاء فى البحر المحيط: قال ابن خالويه: لا يجيز أهل البصرة: سيبويه وأصحابه- ادغام: يحيى، قالوا: لسكون الياء الثانية، ولا يعتدون بالفتحة فى الياء، لأنه حركة إعراب غير لازمة. وأمّا الفراء فاحتج بهذا البيت: تمشى بسدة بيتها فتعىّ، يريد فتعيا (البحر المحيط 8/ 391) [ ..... ] (4) كذا فى النسخ والأشبه أن تكون فتعى مضارع أعيا، فتكون مطابقة: ليحيى. (5) فى ش: وهل تكون. (6) كذا فى ش: وفى ب، ح: تقدره، تصحيف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 الأمشاج: الأخلاط، ماء الرجل، وماء المرأة، والدم، والعلقة، ويقال للشىء من هذا إذا [117/ ب] خلط: مشيج كقولك: خليط، وممشوج، كقولك: مخلوط. وقوله: نَبْتَلِيهِ (2) والمعنى والله أعلم: جعلناه سميعًا بصيرًا لنبتليه، فهذه مقدَّمة معناها التأخير. إنَّما المعنى: خلقناه وجعلناه سميعًا بصيرًا لنبتليه. وقوله تبارك وتعالى: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ (3) . وإلى السبيل، وللسبيل. كل ذَلِكَ جائز فِي كلام العرب. يَقُولُ: هديناه: عرّفناه السبيل، شكر أو كفر، و (إما) هاهنا تكون جزاء، أي: إن شكر وإن كفر، وتكون عَلَى (إما) التي مثل قوله: «إِمَّا «1» يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ «2» » فكأنه قَالَ: خلقناه شقيًا أَوْ سعيدًا. وقوله عز وجل: سلاسلا وأغلالا (4) . كتبت «سَلاسِلَ» بالألف، وأجراها بعض «3» القراء لمكان الألف التي فِي آخرها. ولم يجر «4» بعضهم. وقَالَ الَّذِي لم يجر «5» : العرب تثبت فيما لا يجري الألف فِي النصب، فإذا وصلوا حذفوا الألف، وكلٌّ صواب. ومثل ذَلِكَ قوله: «كانَتْ قَوارِيرَا» (15) أثبتت الألف فِي الأولى لأنها رأس آية، والأخرى ليست بآية. فكان «6» ثباتُ الألف فِي الأولى أقوى لهذه الحجة، وكذلك رأيتها فِي مصحف عَبْد اللَّه، وقرأ بها أهل البصرة، وكتبوها فِي مصاحفهم كذلك. وأهل الكوفة والمدينة يثبتون الألف فيهما جميعًا، وكأنهم استوحشوا أن يكتب حرف واحد في معنًى نصب بكتابين مختلفين. فإن شئت أجريتهما جميعًا، وإن شئت لم تجرهما «7» ، وإن شئت أجريت الأولى لمكان الألف فِي كتاب أهل البصرة. ولم تجر الثانية إذ «8» لم يكن فيها الألف. وقوله عزَّ وجلَّ: يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) .   (1) فى ش: وإما، تحريف. (2) التوبة، الآية 106. (3) منهم نافع والكسائي، كما فى الإتحاف. (4) هم غير نافع والكسائي ومن وافقهما. (5) فى ش: لم يجر تحريف. (6) فى ش: فكأن، تصحيف. (7) فى ش: لم يجرهما، تصحيف. (8) كذا فى ش: وفى ب، ح: إذا، وإذا أثبت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 يُقال: إنها عين تسمى الكافور، وَقَدْ تكون «1» كَانَ مزاجها كالكافور لطيب ريحه، فلا تكون حينئذ اسما، والعرب [118/ ا] تجعل النصب فِي أي هذين الحرفين أحبوا. قَالَ حسان: كأنَّ خبيئَةً من بيت رأْسٍ ... يكونُ مِزاجُها عَسلٌ وماءٌ «2» وهو أبين فِي المعنى: أن تجعل الفعل فِي المزاج، وإن كَانَ معرفة، وكل صواب. تَقُولُ: كَانَ سيدَهم أبوك، وكان سيدُهم أباك. والوجه أن تَقُولُ: كَانَ سيدَهم أبوك لأن الأب اسم ثابت والسيد صفة من الصفات. وقوله عزَّ وجلَّ: عَيْناً (6) . إن شئت جعلتها تابعة للكافور كالمفسَّرة، وإن شئت نصبتها عَلَى القطع من الهاء فِي «مِزاجُها» . وقوله عز وجل: يَشْرَبُ بِها (6) ، و «يشربها» . سواء فِي المعنى، وكأن يشرب بها: يَروَى بها. وينقَع. وأمَّا يشربونها فبّين، وَقَدْ أنشدني بعضهم «3» : شَرِبْنَ بِمَاءِ البحرِ ثُمَّ تَرَفَّعتْ ... مَتى لُججٍ خَضْرٍ لَهُنَّ نئيجُ ومثله: إنه ليتكلم بكلام حسن، ويتكلم كلامًا حسنًا. وقوله عزَّ وجلَّ: يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) . أيها أحب الرجل من أهل الجنة فجرها لنفسه. وقوله عز وجل: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ (7) .   (1) فى ش: يكون. (2) الخبيئة: المصونة، المضنون بها لنفاستها. وبيت رأس: موضع بالأردن مشهور بالخمر. ويروى البيت: كان سبيئة، وهى كذلك فى ديوانه؟ والسبيئة: الخمر، سميت بذلك. لأنها تستبأ أي: تشترى لتشرب، ولا يقال ذلك إلّا فى الخمر. انظر الكتاب. 1: 23، والمحتسب: 1: 279. (3) لأبى ذؤيب الهذلي يصف السحابات. والباء فى بماء بمعنى من، ومتى: معناها «فى» فى لغة هذيل. ونئيج أي سريع مع صوت. ديوان الشاعر: 51، و (تفسير القرطبي: 19/ 124) . [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 هَذِهِ من صفاتهم فِي الدنيا، كأن فيها إضمار كَانَ: كانوا يوفون بالنذر. وقوله عزَّ وجل: وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) . ممتد البلاء، والعرب تَقُولُ: استطار الصدع فِي القارورة وشبهها، واستطال. وقوله عزَّ وجلَّ: عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) . والقمطرير: الشديد، يُقال: يوم قمطرير، ويوم قماطر، أنشدني بعضهم: بَنِي عمِّنا، هَلْ تذكُرونَ بَلاءنا ... علَيكُمْ إِذَا ما كَانَ يومٌ قُمَاطِرُ «1» وقوله عز وجل: مُتَّكِئِينَ فِيها (13) . منصوبة كالقطع. وإن شئت جعلته تابعًا للجنة، كأنك قلت: جزاؤهم جنة متكئين فيها. وقوله عز وجل ذكره: وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها (14) . يكون نصبًا عَلَى ذَلِكَ: جزاؤهم جنة متكئين فيها، ودانيةً ظلالها. وإن شئت جعلت: الدانية تابعة للمتكئين عَلَى سبيل القطع الَّذِي قَدْ يكون رفعا على [118/ ب] الاستئناف. فيجوز مثل قوله: «وَهذا بَعْلِي شَيْخاً» «2» «وشيخٌ» ، وهي فِي قراءة أبي: «ودانٍ عليهم ظلالها» فهذا مستأنف فِي موضع رفع، وفي قراءة عبد الله: «ودانيا عليهم ظلالها» «3» ، وتذكير الداني وتأنيثه كقوله: «خاشعا أبصارهم» «4» فى موضع، وفى موضع «خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ» «5» . وَقَدْ تكون الدانيةُ منصوبة عَلَى مثل قول العرب: عند فلان جاريةٌ جميلةٌ، وشابةً بعد طريةً، يعترضون بالمدح اعتراضًا، فلا ينوون بِهِ النسق عَلَى ما قبله، وكأنهم يضمرون مَعَ هَذِهِ الواو فعلا تكون بِهِ النصب فِي إحدى القراءتين: «وحورًا عينًا» «6» . أنشدني بعضهم: ويأوي إلى نسوة عاطلاتٍ ... وشُعثا مراضيعَ مثل السعاليِ «7»   (1) (البيت فى تفسير الطبري: 29/ 211، والقرطبي: 19/ 133) (2) سورة هود، الآية 72. (3) وهى أيضا قراءة الأعمش، وهو كقوله: خاشعا أبصارهم (البحر المحيط 8/ 396) (4) سورة القمر: 7، و (خاشعا) قراءة أبى عمرو وحمزة والكسائي ومن وافقهم، والباقون يقرءونها (خشّعا) الإتحاف 250. (5) سورة القلم، الآية: 43. (6) فى قراءة أبى، وعبد الله أي: يزوجون حورا عينا (المحتسب، 2/ 309 والبحر المحيط 8/ 206) (7) البيت لأمية بن عائذ الهذلي، ويروى: له نسوة عاطلات الصدو ... عوج مراضيع مثل السّعالى ورواية اللسان: ويأوى إلى نسوة عطّل. والسعالى: جمع سعلاة، وهى: الغول أو سحرة الجن، تشبه بها المرأة لقبحها، ديوان الهذليين: 2: 184. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 بالنصب يعني: وشعثا، والخفض أكثر. وقوله عزَّ وجل: وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا (14) . يجتني أهل الجنة الثمرة قيامًا وقعودًا، وعلى «1» كل حال لا كلفة فيها. وقوله عزَّ وجل: كانَتْ قَوارِيرَا (15) . يَقُولُ: كانت كصفاء القوارير، وبياض الفضة، فاجتمع فيها صفاء القوارير، وبياض الفضة. وقوله عزَّ وجل: قَدَّرُوها (16) . قدروا الكأس عَلَى رِي أحدهم لا فضل فيه ولا عجز عن ريه، وهو ألذ الشراب. وَقَدْ رَوى بعضهم عَنِ الشَّعْبِيّ: (قَدِّروها تَقْدِيرًا) «2» . والمعنى واحد، والله أعلم، قدّرت لهم، وقدروا لها سواء. وقوله: كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا (17) . إنَّما تسمى الكأس إِذَا كَانَ فيها الشراب، فإذا لم يكن فيها الخمر لم يقع عليها اسم الكأس. وسمعت بعض العرب يَقُولُ للطبق الَّذِي يُهدى عَلَيْهِ الهدية: هُوَ المِهْدَى، ما دامت عليه الهدية، فإذا كان [119/ ا] فارغًا رجع إلى اسمه إن كَانَ طبقًا أَوْ خوانًا، أَوْ غير ذَلِكَ. وقوله عزَّ وجل: زَنْجَبِيلًا (17) عَيْناً (18) . ذكر أن الزنجبيل هُوَ العين، وأن الزنجبيل اسم لها، وفيها من التفسير ما فِي الكافور. وقوله عز وجل: تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) . ذكروا أن السلسبيل اسم للعين، وذكر أَنَّهُ صفة للماء لسلسلته وعذوبته، ونرى أَنَّهُ لو كَانَ اسمًا للعين لكان ترك الإجراء فِيهِ أكثر، ولم نر أحدا من القراء ترك إجراءها وهو جائز فِي العربية، كما كَانَ في قراءة عبد الله: «ولا تذرن ودا ولا سُوَاعًا ولا يَغُوثًا ويَعُوقًا «3» » بالألف. وكما قال:   (1) فى ش: على. (2) وهى قراءة عبيد بن عمير، وابن سيرين (تفسير القرطبي: 19/ 141) ، وكذلك، على وابن عباس والسلمى، وقتادة، وزيد بن على، والجحدري، وأبو حيوة، والأصمعى عن أبى عمرو (البحر المحيط 8/ 397) . (3) سورة نوح، الآية: 23. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 «سلاسلا» ، و «قواريرا» بالألف، فأجروا ما لا يجرى، وليس بخطأ، لأن العرب تجرى ما لا يجرى فِي الشعر، فلو كَانَ خطأ ما أدخلوه فِي أشعارهم، قَالَ متمم بْن نويرة: فما وجد أظآرٍ ثلاثٍ روائمٍ ... رأين مَجَرًّا من حُوارٍ ومصْرعًا «1» فأجرى روائم، وهي مما لا يجرى «2» فيما لا أحصيه فِي أشعارهم. وقوله عز وجل: مُخَلَّدُونَ (19) . يَقُولُ: محلّون مُسَورون، وَيُقَال: مُقَرطون، وَيُقَال: مخلدون دائم شبابهم لا يتغيرون عنْ تلك السن، وهو أشبهها بالصواب- والله أعلم- وذلك أن العرب إِذَا كبر الرجل، وثبت سواد شعره قيل: إنه لمخلد، وكذلك يُقال إِذَا كبر ونبتت لَهُ أسنانه وأضراسه قيل: إنه لمخلد ثابت الحال. كذلك الوُلدانُ ثابتة أسنانهم. وقوله عزَّ وجلَّ: وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً (20) . يقال «3» : إذا رأيت ما ثمّ رأيت نعيما، وصلح إضمار (ما) كما قيل: «لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ «4» » . والمعنى: ما بينكم، والله أعلم. وَيُقَال: إذا رأيت [119/ ب] ثُمَّ، يريد: إِذَا نظرت، ثُمَّ إِذَا رميت ببصرك هناك رَأَيْت نعيمًا. وقوله عزَّ وجلَّ: عالِيَهُمْ «5» ثِيابُ سُندُسٍ (21) . نصبها أَبُو عَبْد الرَّحْمَن وعاصم والحسن الْبَصْرِيّ، جعلوها كالصفة فوقهم «6» . والعرب تقول:   (1) فى ب: من خوار، تصحيف. ورواية البيت فى المفضليات: وما وجد أظآر ثلاث روائم ... أصبن مجرا من ... إلخ والأظآر: جمع ظئر، وهى العاطفة على غير ولدها المرضعة له من الناس والإبل، والروائم: جمع رائم، وهن المحبات اللائي يعطفن على الرضيع. الحوار: ولد الناقة، المجر والمصرع: مصدران من: الجر والصرع، انظر اللسان، مادة ظأر و (المفضليات 2/ 70) . (2) فى ش: مما يجرى، سقط. (3) فى ش: فقال. (4) سورة الأنعام: الآية 94. [ ..... ] (5) فى ش: عليم، خطأ. (6) عبارة القرطبي: قال الفراء: هو كقولهم فوقهم، والعرب تقول: قومك داخل الدار على الظرف لأنه محل (القرطبي 19/ 146) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 قومك داخل الدار، فينصبون داخل الدار «1» لأنَّه مَحَل، فعاليهم من ذَلِكَ. وَقَدْ قَرَأَ أهل الحجاز وحمزة: «عالِيَهُمْ» بإرسال الياء، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «عاليتُهم ثيابُ سُنْدُسٍ» بالتاء. وهي حجةٌ لمن أرسل اليَاءَ وسكنها. وَقَدِ اختلف القراء فِي: الخضر والسندس، فخفضهما يَحيى بن وثاب أراد أن يجعل الخضر من صفة السندس ويكسر «2» على الإستبرق ثياب سندس، وثياب إستبرق، وقد «3» رفع الْحَسَن الحرفين جميعًا «4» . فجعل الخضر من صفة الثياب، ورفع الاستبرق بالرد عَلَى الثياب، ورفع بعضهم الخضر، وخفض الاستبرق «5» ورفع [الاستبرق] «6» وخفض الخضر «7» ، وكل ذَلِكَ صواب. والله محمود. وقوله عز وجل: شَراباً طَهُوراً (21) . يَقُولُ: طهور ليس بنجس كما كَانَ «8» فِي الدنيا مذكورًا «9» بالنجاسة. وقوله عزَّ وجلَّ: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) . (و) هاهنا بمنزلة (لا) ، وأو فى الجحد والاستفهام والجزاء تكون فِي معنى (لا) فهذا من ذَلِكَ. وقَالَ الشَّاعِر «10» : لا وَجْدُ ثَكْلَى كما وَجِدْتُ وَلا ... وَجْدُ عَجُولٍ أَضَلَّهَا رُبَعُ أَوْ وَجْدُ شيخٍ أصَلَّ ناقتَهُ ... يَوْمَ توافَى الحجيجُ فاندفعُوا   (1) ساقطة فى ش، وكتبت كلمة الدار بين الأسطر فى ب. (2) سقط فى ش. (3) سقط فى ش وكتبت بين الأسطر فى ب. (4) وهى قراءة نافع وحفص (تفسير القرطبي 19/ 146) . (5) قراءة ابن عامر، وأبى عمرو ويعقوب «خضر رفعا نعت للثياب، وإستبرق بالخفض نعت للسندس، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لجودة معناه، لأن الخضر أحسن ما كانت نعتا للثياب فهى مرفوعة وأحسن ما عطف الإستبرق على السندس عطف جنس على جنس، والمعنى: عاليهم ثياب خضر من سندس وإستبرق أي من هذين النوعين (تفسير القرطبي 19/ 146) . (6) سقط فى ش. (7) وهى قراءة ابن محيصن، وابن كثير، وأبى بكر عن عاصم: خضر بالجر على نعت السندس، وإستبرق بالرفع نسقا على الثياب، ومعناه: عاليهم ثياب سندس، وإستبرق. (تفسير القرطبي 19/ 146) . (8) فى ب كانت، تحريف. (9) فى ش مذكورة تحريف. (10) هو مالك بن عمرو (انظر الكامل للمبرد: 2/ 86) والعجول من النساء والإبل: الواله التي فقدت ولدها. سميت بذلك لعجلتها فى جيئتها وذهابها جزعا. وهى هنا الناقة. والربع كمضر: الفصيل ينتج فى الربيع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 [أراد: ولا وجد شيخ] «1» وَقَدْ يكون فِي العربية: لا تطيعن منهم من أثم أَوْ كفر. فيكون المعنى فى (أو) قريبا من معنى (الواو) . كقولك للرجل: لأعطينك سَألت، أَوْ سكتَّ. معناه: لأعطينك عَلَى كل حال. وقوله [120/ ا] عز وجل: وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ (28) . والأسر الخَلْق. تَقُولُ: لقد» أُسِر هَذَا الرجل أحسنُ الأسر، كقولك: خُلِقَ «3» أحْسَن الخَلْق. وقوله عز وجل: إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ (29) . يَقُولُ: هَذِهِ السُّورة تذكرة وعظة. «فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا» (29) وِجهة وطريقًا إلى الخير. وقوله عزَّ وجلَّ: وَما تَشاؤُنَ (30) . جواب لقوله: «فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا» . ثُمَّ أخبرهم أن الأمر ليس إليهم، فَقَالَ: (وما «4» تشاءون) ذلك السبيل (إلا أن يشاء الله) لكم، وفي قراءة عَبْد الله (وَمَا تَشَاءُونَ إلا أن «5» يشاء الله) والمعنى «6» فِي (ما) و (أن) متقارب. وقوله عز وجل: وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ (31) . نصبت الظالمين «7» لأن الواو فى لها تصير كالظرف لأعدّ. ولو كانت رفعًا كَانَ صوابا، كما قال: «وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ «8» » بغير همز «9» ، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه:   (1) سقط فى ش. (2) فى ش: تقول: أسر. [ ..... ] (3) سقط فى ش. (4) فى ش: فما، تحريف. (5) كذا فى ش: وفى ب، ح إلا ما، تحريف. (6) كذا فى ش، وفى ب، ح: المعنى. (7) والظالمين: منصوب بفعل محذوف تقديره: ويعذب الظالمين، وفسره الفعل المذكور، وكان النصب أحسن، لأن المعطوف عليه قد عمل فيه الفعل (إعراب القرآن 147) (8) سورة الشعراء، الآية: 224. (9) بغير همز: أى قيل (والشعراء) على الاستفهام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 «وللظالمين أعد لهم» فكرر «1» اللام فِي (الظالمين) وفي (لهم) ، وربما فعلت العرب ذَلِكَ. أنشدني بعضهم «2» : أقول لها إِذَا سَأَلت طلاقًا ... إلامَ تسارعين إلى فراقي وأنشدني بعضهم: فأصبحْنَ لا يَسلنهُ عنْ بما بِهِ ... أصعَّد فِي غاوي الهوى أم تصوبَّا «3» ؟ فكرر الباء مرتين. فلو قَالَ: لا يسلنه عما بِهِ، كَانَ أبين وأجود. ولكن الشَّاعِر ربما زاد ونقص ليكمل الشعر. ولو وجهت قول اللَّه تبارك وتعالى: «عَمَّ يَتَساءَلُونَ، عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ «4» » إلى هَذَا الوجه كَانَ صوابًا فِي العربية. وله وجه آخر يراد: عم يتساءلون يا مُحَمَّد!؟ ثُمَّ أخبر، فَقَالَ: يتساءلون عَنِ النبإ العظيم. ومثل هذا قوله فى المرسلات: «لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ «5» » تعجبا، ثم قال: «لِيَوْمِ «6» الْفَصْلِ» أي: أجلت ليوم الفصل. ومن سورة المرسلات [120/ ب] قوله عز وجل: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (1) . يُقال: هِيَ الملائكة، وأمَّا قوله: (عرفا) فيقال: أُرْسِلَتْ بالمعروف، وَيُقَال: تتابعت كعرف الفرس، والعرب تَقُولُ: تركتُ النَّاس إلى فلان عُرفا واحدًا، إِذَا توجهوا إِلَيْه فأكثروا. وقوله عزَّ وجلَّ: فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (2) . وهى الرياح.   (1) فى ش: فكر، سقط. (2) لم أعثر على قائله. (3) انظر الخزانة 4/ 162، والدرر اللوامع: 2: 14، 212 والرواية فى الموضعين: لا يسألنه، وعلو مكان غاوى، وعلو أبين وأولى. (4) سورة النبأ: الآية 1، 2. (5) الآيتان 12، 13. (6) فى ش: اليوم، سقط وتحريف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 وقوله عز وجل: وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (3) . وهي: الرياح التي تأتي بالمطر. وقوله عزَّ وجل: فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (4) . وهي: الملائكة، تنزل بالفرْق، بالوحي ما بين الحلال والحرام وبتفصيله «1» ، وهي أيضًا. «فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً» (5) . هى: الملائكة تلقى الذكر إلي الأنبياء. وقوله عزَّ وجلَّ: عُذْراً أَوْ نُذْراً (6) . خففه الْأَعْمَش، وثقل «2» عاصم: (النُّذر) وحده. وَأهل الحجاز والحسن يثقلون عذرًا أَوْ نذرًا «3» . وهو مصدر مخففا كان أو مثقلا. ونصب عذرًا أَوْ نذرًا أي: أرسلت بما أرسلت بِهِ إعذارًا من اللَّه وَإنذارًا. وقوله عز وجل: فَإِذَا «4» النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) . ذهب ضوءها. وقوله عزَّ وجلَّ: وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) . اجتمع القراء عَلَى همزها، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «وقِّتت» «5» بالواو، وقرأها «6» أَبُو جَعْفَر الْمَدَنِيّ: «وُقِتت» بالواو خفيفة «7» ، وإنما همزتْ لأن الواو إِذَا كانت أَوَّل حرف وضمت همزت، من ذَلِكَ قولك: صَلّى القوم أُحدانا. وأنشدني بعضهم:   (1) فى ش: وبتفضيله وهو تصحيف. [ ..... ] (2) فى ش: وثقله، تحريف. (3) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص «أَوْ نُذْراً» بإسكان الذال، وجميع السبعة على إسكان ذال «عُذْراً» سوى ما رواه الجعفي والأعمش عن أبى بكر عن عاصم أنه ضم الذال، وروى ذلك عن ابن عباس والحسن وغيرهما (تفسير القرطبي 19/ 156) . (4) فى ب: وإذا وهو مخالف للمصحف. (5) اختلف فى: «أُقِّتَتْ» فأبو عمرو بواو مضمومة مع تشديد القاف على الأصل لأنه من الوقت، والهمز بدل من الواو، وافقه اليزيدي (الاتحاف 430) . (6) فى ش: قرأها. (7) وهى قراءة شيبة والأعرج (انظر تفسير القرطبي 19/ 158) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 يَحُلّ أحَيْدَه، ويُقالُ: بَعْلٌ ... ومثلُ تموُّلٍ مِنْهُ افتقارُ «1» ويقولون: هَذِهِ أجوه حسان- بالهمز، وذلك لأن ضمة الواو ثقيلة، كما كَانَ كسر الياء ثقيلا. وقوله عز وجل: أُقِّتَتْ (11) . جمعت لوقتها يوم القيامة [121/ ا] . وقوله عز وجل: لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) . يعجب العباد من ذَلِكَ اليوم ثُمَّ قَالَ: «لِيَوْمِ الْفَصْلِ» (13) . وقوله عز وجل: أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17) . بالرفع. وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «ألم نهلك الأولين وسنتبعهم الآخرين» ، فهذا دليل عَلَى أنها مستأنفة لا مردودة عَلَى (نهلك) ، ولو جزَمت عَلَى: ألم نقدّر إهلاك الأولين، وإتباعهم الآخرين- كَانَ وجهًا جيدًا بالجزم «2» لأنّ التقدير يصلح للماضي، وللمستقبل. وقوله عز وجل: فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (23) . ذكر عنْ عليّ بْن أَبِي طَالِب رحمه اللَّه، وعن أَبِي «3» عَبْد الرَّحْمَن السلمي: أنهما شدَّدا، وخففها الْأَعْمَش وعاصم «4» . ولا تبعدن أن يكون المعنى فِي التشديد والتخفيف واحدًا لأن العرب قَدْ تَقُولُ: قدِّر عَلَيْهِ الموتُ، وقدّر عَلَيْهِ رزقه، وقُدِر عَلَيْهِ بالتخفيف والتشديد، وَقَدِ احتج الَّذِينَ خففوا فقالوا: لو كَانَ كذلك لكانت: فنعم المقدّرون. وَقَدْ يجمع العرب بين اللغتين، قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: «فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً «5» » (4) ، وقال الأعشى:   (1) فى النسخ: أحيد، والأرجح أنها تحريف (الأخيذ) ، وهو الأسير. والتمول: اقتناء المال. (2) قرأ بالجزم الأعرج، قال ابن جنى، ويحتمل جزمه أمرين: أحدهما: أن يكون أراد معنى قراءة الجماعة «نُتْبِعُهُمُ» بالرفع فأسكن العين استثقالا توالى الحركات. والآخر: أن يكون جزما فيعطفه على قوله: نهلك، فيجرى مجرى قولك: ألم تزرنى ثم أعطك.. (المحتسب 2/ 346) (3) سقطت فى ب. (4) وقرأ نافع والكسائي وأبو جعفر بتشديد الدال من التقدير، وافقهم الحسن والباقون بالتخفيف من القدرة (الاتحاف 430) . (5) سورة الطارق، الآية: 17. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 وأنْكرتْني، وما كَانَ الَّذِي نَكِرتْ ... من الحوادثِ إلَّا الشيبَ والصَّلَعا «1» وقوله عزَّ وجلَّ: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (25) أَحْياءً وَأَمْواتاً (26) . تكفتهم أحياء عَلَى ظهرها فِي بيوتهم ومنازلهم، وتكفتهم أمواتًا فِي بَطنها، أي: تحفظهم وتحرزهم. ونصبك الأحياءَ والأموات بوقوع الكفات عَلَيْهِ، كأنك قلت: ألم نجعل الأرض كفاتَ أحياءٍ، وأمواتٍ، فإذا نونت نصبت- كما يقرأ من قَرَأَ: «أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيماً» «2» ، وكما يقرأ: «فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ «3» » ، ومثله: «فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ «4» » [121/ ب] . وقوله عزَّ وجلَّ: إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30) . يُقال: إنه يخرج لسانٌ من النار، فيحيط بهم كالسرادق ثُمَّ يتشعب مِنْهُ ثلاث شعب من دخان فيظلهم، حتَّى يفرغ من حسابهم إلى النار. وقوله عز وجل: كَالْقَصْرِ (32) يريد: القصر من قصور مياه العرب، وتوحيده وجمعه عربيان، قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ «5» » ، معناه: الأدبار، وكأن القرآن نزل عَلَى ما يَستحب العرب من موافقة المقاطع، ألا ترى أَنَّهُ قال: «إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ «6» » ، فثقل فى (اقتربت) لأن آياتها مثقلة، قَالَ: «فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً «7» » . فاجتمع القراء عَلَى تثقيل الأول، وتخفيف هَذَا، ومثله: «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ «8» » ، وقال: «جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً «9» » فأجريت رءوس الآيات على هذه المجاري، وهو أكثر من أن «10» يضبطه الكتاب، ولكنك تكتفى بهذا منه إن شاء الله.   (1) من قصيدة فى مدح: هوذة بن على الجعفي، الديوان: 101. (2) الآيتان: 14، 15 من سورة البلد. (3) سورة المائدة، الآية 95. [ ..... ] (4) سورة البقرة، الآية 184. وقد وردت الآية فيما بين أيدينا من النسخ «أو فدية» وهو خطأ. (5) سورة القمر، الآية: 45. (6) سورة القمر، الآية: 6. (7) سورة الطلاق: الآية: 8. (8) سورة الرحمن: الآية: 5. (9) سورة النبأ: الآية: 36. (10) فى ش: من يضبطه، سقط. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 وَيُقَال: كالقَصَر «1» كأصول النخل، ولست أشتهي ذَلِكَ لأنها مَعَ آيات مخففة، ومع أن «2» الجَمَلَ إنما شبه بالقصر، ألا ترى قوله جل وعز: «كأنّه جمالات صُفْرٌ» ، والصّفر: سود الإبل، لا ترى أسوَدَ من الإبل إلّا وهو مشرب بصفرة، فلذلك سمتِ العربُ سودَ الإبل: صفرا، كما سَمُّوا الظبَّاء: أُدْمًا لما يعلوها من الظلمة فِي بياضها، وَقَدِ اختلف «3» القراء فِي «جمالات» فقرأ عبد الله «4» بن مسعود وأصحابه: «جِمالَتٌ» «5» . قال: [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ «6» ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْفَضْلِ عنْ عَطَاءٍ عنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَرْفَعُهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رَحِمَهُ اللَّهُ) أَنَّهُ قَرَأَ: «جِمَالاتٌ» وَهُوَ أَحَبُّ الْوَجْهَيْنِ إِلَيَّ لأَنَّ الْجِمَالَ أَكْثَرُ مِنَ الْجِمَالَةِ فِي كَلامِ الْعَرَبِ. وَهِيَ تَجَوُّزٌ، كَمَا يُقَالُ «7» : حَجَرٌ وَحِجَارَةٌ، وَذَكَرٌ وَذِكَارَةٌ إِلا أَنَّ الأَوَّلَ أَكْثَرَ، فَإِذَا قُلْتَ: جِمَالاتٌ، فَوَاحِدُهَا: جِمَالٌ، مِثْلَ مَا قَالُوا: رِجَالٌ وَرِجَالاتٌ، وَبُيُوتٌ وَبُيُوتَاتٌ، فَقَدْ «8» يَجُوزُ أَنْ تَجْعَلَ وَاحِدَ الْجِمَالاتِ جِمَالَةً، [وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ: جُمَالاتٌ «9» ] ، فَقَدْ تَكُونُ «10» مِنَ الشَّيْءِ الْمُجْمَلِ، وَقَدْ تَكُونُ جُمَالاتٌ جَمْعًا مِنْ جَمْعِ الْجِمَالِ. كَمَا قَالُوا: الرَّخِلُ وَالرُّخَالُ، وَالرِّخَالُ. وقوله عزَّ وجلَّ: هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (35) . اجتمعت القراء عَلَى رفع اليوم «11» ، ولو نُصب لكان «12» جائزا على جهتين: إحداهما- أن   (1) رواها أبو حاتم: كالقصر: القاف والصاد مفتوحتان- عن ابن عباس وسعيد بن جبير (المحتسب 2/ 346) . وفى البخاري عن ابن عباس: «تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ» قال: كنا نرفع الخشب بقصر ثلاثة أذرع أو أقل، فترفعه للشتاء فنسميه القصر. (تفسير الطبري: 9/ 163) . (2) فى ش: ومن أن، تحريف. (3) فى ش: اختلفت. (4) فى ش: فقرأ ابن مسعود. (5) وقرأ حفص وحمزة والكسائي «جِمالَتٌ» ، وبقية السبعة «جمالات» (تفسير القرطبي: 19/ 165) (6) ما بين الحاصرتين، زيادة فى ش. (7) فى ش: تقول. [ ..... ] (8) فى ش: وقد. (9) ما بين الحاصرتين فى هامش ب. (10) فى ش: يكون. (11) روى يحيى بن سلطان عن أبى بكر عن عاصم: «هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ» بالنصب، ورويت عن ابن هرمز وغيره (تفسير القرطبي: 19/ 166) . (12) فى ش: نصبت كان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 العرب إذا أضافت اليوم والليلة إلى فعلَ أَوْ يفعل، أَوْ كلمة مجملةٍ لا خفض فيها نصبوا اليوم فِي موضع الخفض والرفع، فهذا وجه. والآخر: أن تجعل هَذَا فِي معنى: فِعلٍ مجَملٍ من «لا يَنْطِقُونَ «1» » - وعيدُ اللَّه وثوابه- فكأنك قلت: هَذَا الشأن فِي يومِ لا ينطقون. والوجه الأول أجود، والرفع أكثر في كلام العرب. ومعنى قوله: هَذَا «2» يَوْمُ لا ينطقون «3» ولا يعتذرون فِي بعض الساعات «4» فِي ذَلِكَ اليوم. وذلك فِي هَذَا النوع بيّن. تقول فِي الكلام: آتيك يوم يقدُم أبوك، ويوم تقدَم، والمعنى ساعة يقدم «5» وليس باليوم كُلِّه ولو كَانَ يومًا كلّه فِي المعنى لما جاز فِي الكلام إضافته إلى فعل، ولا إلى يفعَل، ولا إلى كلام مجمل، مثل قولك: آتيتك حين الحجاجُ أميرٌ. وإنما استجازت العربُ: أتيتك يوم مات فلان، وآتيك يوم يقدم فلان لأنهم يريدون: أتيتك إذ قدم، وإذا يقدَم فإذ وإذا لا تطلبان الأسماء، وإنما تطلبان الفعل. فلما كَانَ اليوم والليلة وجميع المواقيت فِي معناهما أضيفا إلى فعلَ ويفعَلُ وإلى الاسم المخبر عَنْهُ، كقول الشَّاعِر: [122/ ب] أزمان من يرد الصنيعة يصطنع ... مِننًا، ومن يرد الزهادة يزهد «6» وقوله عز وجل: وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) . نويت بالفاء أن يكون «7» نسقًا عَلَى ما قبلها، واختير ذَلِكَ لأن الآيات بالنون، فلو قيل: فيعتذروا لم يوافق الآيات. وَقَدْ قَالَ اللَّه جل وعز: «لَا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا «8» » بالنصب، وكلٌّ صواب. مثله: «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ «9» » و (فيضاعفَه) ، قَالَ، قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه: كذا كَانَ يقرأ الكِسَائِيّ، والفراء، وحمزة، (فيضاعفهُ) «10» .   (1) سقط فى ش، وهى فى هامش ب. (2) سقط فى ش. (3) مكررة فى ش. (4) فى ش: ساعات ذلك اليوم، تصحيف. (5) كذا فى ش، وفى ب،، ح: تقدم تصحيف. (6) فى ش: فينا مكان مننا (7) فى ش: تكون. (8) سورة فاطر الآية: 36. (9) سورة البقرة الآية: 245. [ ..... ] (10) وقرأ ابن عامر، وعاصم، ويعقوب: «فيضاعفه» (الإتحاف 159) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 وقوله: جل وعز فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) . إن كَانَ عندكم حيلة، فاحتالوا لأنفسكم. وقوله تبارك وتعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (48) . يَقُولُ: إِذَا أُمروا بالصلاة لم يصلوا. ومن سورة عم يتساءلون قوله عزَّ وجلَّ: عَمَّ يَتَساءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ العظيم (2) يُقال: عنْ أي شيء يتساءلون؟ يعني: قريشًا، ثُمَّ قَالَ لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يتساءلون عَنِ النبأ العظيم، يعني: القرآن. ويقال: عم يتحدث «1» بِهِ قريش فِي القرآن. ثُمَّ أجابَ، فصارت: عم يتساءلون، كأنها [فِي معنى] «2» : لأي شيء يتساءلون عَنِ القرآن، ثُمَّ إنه أخبر فقال: «الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ» (3) بين مصدّق ومكذّب، فذلك «3» اختلافهم. واجتمعت القراء على الياء فى قوله: «كَلَّا سَيَعْلَمُونَ» (4) . وقرأ الْحَسَن وحده: «كلا ستعلمون» وهو صواب. وهو مثل قوله- وإن لم يكن قبله قول-: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ «4» » وسيغلبون «5» . وقوله: ثَجَّاجاً كالعَزَاليِ «6» : وقوله عزَّ وجلَّ: وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (19) . مثل: «إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ «7» » «وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ «8» » معناه واحد، والله أعلم. بذلك جاء التفسير.   (1) فى ش: تتحدث. (2) زيادة من ش. (3) فى ش: فكذلك، تحريف. (4) سورة آل عمران الآية 12. (5) فى ش: سيغلبون وستغلبون. (6) العزالي، جمع عزلاء، وهى: مصب الماء من الراوية. (7) الانشقاق الآية: 1. (8) المرسلات الآية: 9. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 [123/ ا] وقوله عز وجل: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (23) . حدّثت عَنِ الْأَعْمَش أَنَّهُ قَالَ: بلغنا عنْ علقمة أَنَّهُ قَرَأَ «لَبِثين «1» » وهي قراءة «2» أصحاب عَبْد الله. والناس بعد يقرءون: (لابثين) ، وهو أجود الوجهين لأن (لابثين) إِذَا كانت فِي موضع تقع فتنصب كانت بالألف، مثل: الطامع، والباخل عنْ قليل. واللّبِثُ: البطيء، وهو جائز، كما يُقال: رَجُل طمِعٌ وطامع. ولو قلت: هَذَا طِمعٌ فيما قبلك كَانَ جائزًا، وقَالَ لبيد: أوْ مِسْحَلٌ عَملٌ عضادةَ سَمْحَجٍ ... بسَرَاتِها نَدَبٌ لَهُ وكُلومُ «3» فأوقع عمل عَلَى العضادة، ولو كانت عاملًا كَانَ أبين فِي العربية، وكذلك إِذَا قلت للرجل: ضرّابٌ، وضروبٌ فلا توقعنهما عَلَى شيء لأنهما مدح، فإذا احتاج الشَّاعِر إلى إيقاعهما فَعَل، أنشدني بعضهم: وبالفأسِ ضَرّابٌ رءوس الكرانفِ واحدها: كِرنافة، وهي أصول السقف. ويقال: الْحُقْبُ ثمانون سنة، والسنة ثلاثمائة وستون يومًا، اليوم منها ألف سنة من عدد أهل الدنيا «4» . وقوله عزَّ وجلَّ: لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (24) . [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ «5» ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لا يذقون فِيهَا بَرْدَ الشَّرَابِ وَلا الشَّرَابَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا يذقون فِيهَا بَرْدًا، يُرِيدُ: نَوْمًا، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَإِنَّ النَّوْمَ لَيُبْرِدُ صَاحِبَهُ. وَإِنَّ الْعَطْشَانَ لَيَنَامَ فَيُبْرِدُ بالنوم.   (1) ممن قرأ بها زيد بن على وابن وثاب وعمرو بن ميمون وعمرو بن شر حبيل وطلحة والأعمش وحمزة وقتيبة (البحر المحيط 8/ 413) . (2) فى ش: وهى فى قراءة (3) المسحل: الفحل من الحمر، وسحيله: صوته، عضادة: جانب. السمجح: الأتان الطويلة الظهر، سراتها: أعلى ظهرها. ندب: خدوش وآثار. وكلوم: جراحات من عضه إياها. والبيت فى ديوان لبيد: 125 وقبله: حرف أضربها السفار كأنها ... بعد الكلال مسدم محجوم وفيه سنق مكان عمل، والسنق: الذي كره الأكل من الشبع. والبيت من شواهد سيبويه: 1 57 وفيه شنج مكان شنق، ومعناه: ملازم. والسمحج: الطويلة على وجه الأرض (4) أورد اللسان؟ كلام الفراء هنا، وزاد بعد قوله: من عدد أهل الدنيا ما يأتى: قول الفراء. وليس هذا مما يدل على غاية كما يظن بعض الناس وإنما يدل على الغاية التوقيت، خمسة أحقاب أو عشرة أحقاب، والمعنى: أنهم يلبثون فيها أحقابا، كلما مضى حقب تبعه حقب آخر. (5) زيادة من ش. [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 وقوله [عز وجل: جَزاءً وِفاقاً (36) . وفقًا لأعمالهم] «1» . وقوله عزَّ وجلَّ: وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (28) . خففها عليّ بْن أَبِي طَالِب رحمه اللَّه: «كِذَّاباً» ، وثقلها عاصم والْأَعْمَش وأهل المدينة والحسن الْبَصْرِيّ. وهي لغة يمانية فصيحة يقولون: كذبت به كذّابا، وخرّقت القميص خرّاقا، وكل فعّلت فمصدره فِعّال فِي لغتهم مشدد، قَالَ لى أعرابى منهم [123/ ب] : عَلَى المروة: آلحلقُ أحب إليك أم القِصَّار؟ يستفتيني «2» . وأنشدني بعض بني كلاب: لقدْ طالَ ما ثَبَّطْتَنيِ عنْ صَحابتيِ ... وعن حِوَجٍ قِضَّاؤها من شِفائيا «3» وكان الكِسَائِيّ يخفف: «لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً» (35) لأنها ليست بمقيدة بفعل يصيرها مصدرًا. ويشدّد: «وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً» (28) لأن كذبوا يقيدّ الكِذابَ بالمصدر «4» ، والذي قَالَ حسن. ومعناه: لا يسمعون فيها لغوا. يَقُولُ: باطلًا، ولا كذابًا لا يكذب بعضهم بعضا. وقوله عز وجل: رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (37) . يخفض فِي لفظ الإعراب، ويرفع، وكذلك: «الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً» (37) يرفع «الرَّحْمَنُ» ويخفض فِي الإعراب. والرفع فِيهِ أكثر. قال والفراء يخفض: (ربّ) ، ويرفع «الرحمن» «5» .   (1) سقط فى ش. (2) فى اللسان: قال الفراء: قلت لأعرابى يمنى: آلتصار أحب إليك أم الحلق؟ يريد: التقصير أحب إليك أم حلق الرأس؟ اهـ وعبارة قال لى هنا تدل على أن السائل ليس الفراء. (3) الرواية فى البحر المحيط 8/ 414: حاجة مكان: حوج. (4) فى ش: المصدر، تحريف. (5) قرأ عبد الله وابن أبى إسحق والأعمش وابن محيصن وابن عامر وعاصم: رب، والرحمن بالجر، والأعرج، وأبو جعفر، وشيبة، وأبو عمرو، والحرميان برفعهما.. وقرأ: ربّ بالجر، والرحمن بالرفع الحسن وابن وثاب والأعمش وابن محيصن بخلاف عنهما فى الجر على البدل من ربك، والرحمن صفة أو بدل من رب أو عطف بيان (البحر المحيط 8/ 415) وانظر إعراب القرآن للعكبرى 2/ 149. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 ومن سورة النازعات قوله عز وجل: وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (1) إلى آخر الآيات. ذكر أنها الملائكة، وأنّ النزع نزعُ الأنفس من صدور الكفار، وهو كقولك: والنازعات إغراقًا، كما يُغرِق النازِع فِي القوس، ومثله: «وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً» (2) . يُقال: إنها تقبض نفس المؤمن كما يُنْشطُ «1» العقال مِن البعير، والذي سمعت من العرب أن يقولوا: أنشَطتُ وكأنما أُنشِطَ من عقال، وربطها: نشطها، فإذا ربطتَ الحبلَ فِي يد البعير فأنت ناشط، وإذا حللته فقد أنشطته، وأنت منشط. وقوله عزَّ وجلَّ: وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (3) . الملائكة أيضًا، جعل نزولها من السماء كالسباحة. والعرب تقول للفرس الجواد [124/ ا] إنه لسابح «2» : إِذَا مرَّ يتمطى «3» . وقوله عزَّ وجل: فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (4) . وهي الملائكة تسبق الشياطين «4» بالوحي إلى الأنبياء إِذ كَانَت الشياطين تسترق السمع. وقوله عزَّ وجل: فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (5) . هِيَ الملائكة أيضًا «5» ، تنزل بالحلال والحرام فذلك تدبيرها، وهو إلى اللَّه جل وعز، ولكن لما نزلت بِهِ سميت بذلك، كما قَالَ عزَّ وجلَّ: (نزل به الرّوح الأمين «6» ) ، وكما قال: (فإنه نزّله على قلبك «7» ) ، يعني: جبريل عَلَيْهِ السَّلام نزّله عَلَى قلب محمد صلّى الله عليهما وسلم، والله الذي   (1) ينشط العقال: ينزع، من قولهم: نشط الدلو: نزعها بلا بكرة. (2) يقال: إنه لسابح، إذا مرّ يسرع. (3) يتمطى: يجد فى السير. (4) فى ش: تسبق الملائكة، تكرار. (5) فى ش: وهى أيضا الملائكة. (6) سورة الشعراء الآية: 19. (7) سورة البقرة الآية: 97. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 أنزله، ويسأل السائل: أَيْنَ جواب القسم فِي النازعات؟ فهو مما ترك جوابهُ لمعرفة السامعين، المعنى وكأنه لو ظهر كَانَ: لتبعثُنّ، ولتحاسبُنّ ويدل عَلَى ذَلِكَ قولهم: إِذَا كُنَّا عظامًا ناخرة «1» ألا [ترى أَنَّهُ كالجواب لقوله: لتبعثن إذ قَالُوا: إِذَا كُنَّا عظامًا نخرة نبعث] «2» . وقوله عز وجل: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) وهى: النفخة الأولى «تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ» (7) وهى: النفخة الثانية. وقوله: أَإِذا «3» كُنَّا عِظاماً ناخرة (11) حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخطاب يقرأ: «إذا كنّا عظاما ناخرة» «4» ، حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي الْكِسَائي عَن مُحَمَّد بْن الْفَضْلِ عنْ عطاء عنْ أَبِي عبد الرحمن عن علي رحمه الله أنه قرأ «نَخِرَةً» ، وَزَعَمَ فِي إِسْنَادِهِ هَذَا: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قرأها «نَخِرَةً» [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ «5» ] قَالَ: وَحَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّيْمِيُّ أَبُو سَعِيدٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ شَرِيكٌ: قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ. «عِظَامًا نَاخِرَةً» وَقَالَ [مُحَمَّدٌ] «6» بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ [قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ.] «7» يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: مَا بَالُ صِبْيَانٍ يَقْرَءُونَ: (نَخِرَةً) ، وإنما هى (ناخرة) [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ «8» ] حدثنا الفراء [124/ ب] قال: وَحَدَّثَنِي مِنْدَلٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ: (نَاخِرَةً) . وَقَرَأَ أَهْلُ المدينة والحسن: (نخرة) ، و (ناخرة) «9» أَجْوَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ، لأَنَّ الآيَاتِ بِالأَلِفِ. ألا ترى أن (ناخرة) مع (الحافرة) و (الساهرة) أشبه بمجىء التنزيل، و (الناخرة) و (النخرة) سواء فى المعنى بمنزلة   (1) (إذا) بغير استفهام قراءة نافع وابن عامر والكسائي، كما فى الإتحاف: 267، وفى ش: نبعث، بعد ناخرة. (2) سقط فى ش. [ ..... ] (3) فى ب: إذا. (4) سقط فى ش من قوله: حدثنا الفراء إلى هنا. (5) ما بين القوسين زيادة من ش. (6) سقط فى ش. (7) سقط فى ش. (8) ما بين الحاصرتين زيادة من ش. (9) سقط فى ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 الطَّامِعِ وَالطَّمِعِ، وَالْبَاخِلِ وَالْبَخِلِ. وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُ المفسرين بينهما، فقال: (النخرة) : البالية، و (الناخرة) : العظم المجوف الَّذِي تَمُرُّ فِيهِ الرِّيحُ فَيَنْخَرُ. وقوله عزَّ وجل: الْحافِرَةِ (10) . يُقال: إلى أمرنا الأول إلى الحياة، والعرب تَقُولُ: أتيت فلانًا ثُمَّ رجعت عَلَى حافرتي، أي رجعت إلى حيث جئت. ومن ذَلِكَ قول العرب: النقد عند الحافرة «1» . معناه: إِذَا قَالَ: قَدْ بعتُك رجعتُ عَلَيْهِ بالثمن، وهما فِي المعنى واحد. وبعضهم: النقد عند الحافر. قَالَ: وسألت عَنْهُ بعض العرب، فقال: النقد عند الحافر، يريد: عند حافر الفرس، وكأن هَذَا المثل جرى فِي الخيل. وقَالَ بعضهم: الحافرة الأرض التي تحفر فيها قبورهم فسماها: الحافرة. والمعنى: المحفورة. كما قيل: ماء دافق، يريد: مدفوق. وقوله عزَّ وجلَّ: فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14) . وهو وجه الأرض، كأنها سميت بهذا الاسم، لأن فيها الحيوان: نومهم، وسهرهم [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «2» ] قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: (السَّاهِرَةُ) : الأَرْضُ، وَأَنْشَدَ: فَفِيهَا لَحْمُ سَاهِرَةٍ وَبَحْرٍ ... وَمَا فَاهُوا بِهِ لَهُمُ مُقِيمُ «3» وقوله عزَّ وجل: طُوىً (16) . هُوَ واد بين المدينة ومصر «4» ، فمن أجراه قَالَ: هُوَ ذكرٌ سمينا به ذكرا، فهذا سبيل ما يُجْرى «5» ، ومن لم يجره جعله معدولا [125/ ا] عن جهته. كما قال: رأيت عمر، وذفر، ومضر لم تصرف   (1) قيل: كانوا لنفاسة الفرس عندهم، ونفاستهم بها- لا يبيعونها إلّا، بالنقد، فقالوا: النقد عند الحافر، أي عند بيع ذات الحافر، ومن قال: عند الحافرة ... فاعلة من الحفر لأن الفرس بشدة دوسها تحفر الأرض (انظر اللسان مادة حفر، والأمثال للميدانى: 2: 264) . (2) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش. (3) البيت لأمية بن أبى الصلت. والرواية فى كل من: القرطبي، 19 197، والبحر المحيط 8/ 417: وفيها مكان ففيها، وصدر البيت فى الديوان: 54 وفرائد القلائد: 132 فلا لغو ولا تأثيم فيها. (4) فى معجم البلدان: هو موضع بالشام عند الطور. (5) كذا فى النسخ، وسياق الكلام يوجب (من) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 لأنها معدولة عنْ جهتها، كأن عُمَر كَانَ عامرًا، وزفر زافرًا، وطوى طاوٍ، ولم نجد اسمًا من الياء والواو عدل عنْ جهته غير طوى، فالِإجراء فِيهِ أحب إليَّ: إذ لم أجد فِي المعدول نظيرًا. وقوله عزَّ وجل: فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (25) . إحدى الكلمتين قوله: «مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي «1» » والأخرى قوله: «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى» (24) . وقوله جل وعز: فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى. أي: أخذه اللَّه أخذًا نكالًا للآخرة والأولى. وقوله تبارك وتعالى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ (27) . يعني: أهل مكَّة ثُمَّ «2» وصف صفة السماء، فَقَالَ: بناها. وقوله عزَّ وجلَّ: وَأَغْطَشَ لَيْلَها. (29) أظلم ليلها. وقوله جل وعز: وَأَخْرَجَ ضُحاها (29) . ضوءها ونهارها. وقوله تبارك وتعالى: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (30) . يجوز نصب الأرض ورفعها «3» . والنصب أكثر فِي قراءة القراء، وهو مثل قوله: «وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ» «4» ، مَعَ نظائر كثيرة فِي القرآن. وقوله عزَّ وجل: مَتاعاً لَكُمْ (33) ، خَلَقَ ذَلِكَ منفعة لكم، ومتعة لكم، ولو كانت متاع لكم كَانَ صوابًا، مثل ما قَالُوا: «لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ» «5» ، وكما قَالَ: «مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» «6» وهو عَلَى الاستئناف يُضْمَر لَهُ ما يرفعه،   (1) سورة القصص الآية: 38. (2) سقط فى ش. [ ..... ] (3) قرأ الجمهور: والأرض والجبال بنصبهما، وقرأ الحسن، وأبو حيوة، وعمرو بن عبيد، وابن أبى عبلة، وأبو السمال برفعهما (البحر المحيط 8/ 423) . (4) سورة يس الآية: 38. (5) سورة الأحقاف الآية: 35. (6) سورة النحل الآية: 117. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 وقوله عز وجل: فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ (34) وهي القيامة تطم عَلَى كل شيء، يُقال: تَطِمُ وتطُمُّ لغتان، وقوله تبارك وتعالى، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39) . مأوى «1» أهل هَذِهِ الصفة، وكذلك قوله: «فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى» (41) . مأوى من وصفناه بما وصفناه بِهِ من خوف ربه ونهيه [125/ ب] نفسه عنْ هواها. وقوله عزَّ وجلَّ: أَيَّانَ مُرْساها (42) . يَقُولُ القائل: إنَّما الإرساء للسفينة والجبال، وما أشبههن، فكيف وصفت الساعةُ بالإرساءِ؟ قلت: هِيَ بمنزلة السفينة إِذَا كانت جارية فرست، ورسوّها قيامها، وليس قيامها كقيام القائم عَلَى رجلِه ونحوه، إنَّما هُوَ كقولك: قَدْ قام العدل، وقام الحق، أي: ظهر وثبت. وقوله عزَّ وجل: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (45) . أضاف عاصم والْأَعْمَش، ونوّن طلحة بْن مصرف وبعض أهل المدينة، فقالوا: «مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها «2» » ، وكلّ صواب و «3» هو مثل قوله: «بالِغُ أَمْرِهِ» ، و «بالِغُ أَمْرِهِ» «4» و «مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ» و «مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ» «5» مَعَ نظائر لَهُ فِي القرآن. وقوله تبارك وتعالى: «إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها» (46) . يقول القائل: وهل للعشى ضحا؟ إنما الضحى لصدر النهار، فهذا بيّن ظاهر من كلام العرب أن يقولوا: آتيك العشية أَوْ غداتها، وآتيك «6» الغداة أَوْ عشيتها. تكون العشية فِي معنى: آخرِ، والغداة فِي معنى: أول، أنشدني بعض بنى عقيل:   (1) سقط فى ش. (2) قرأ: منذر بالتنوين- عمر بن عبد العزيز، وأبو جعفر، وشيبة، وخالد الحذاء، وابن هرمز، وعيسى وطلحة، وابن محيصن. (البحر المحيط 8/ 424) وقرأ العامة بالإضافة غير منون (القرطبي 19/ 210) . (3) كذا فى ش، وفى ب، ح: هو. (4) سورة الطلاق الآية: 3. (5) سورة الأنفال الآية: 18. (6) فى ش: أو آتيك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 نَحْنُ صبحنا عامرًا فِي دارها ... عشية الهلال أَوْ سَرارِها أراد عشية الهلال أَوْ عشية سَرار العشية، فهذا أسد «1» من آتيك الغداة أو عشيتها «2» ومن سورة عبس [126/ ا] قوله عزَّ وجلَّ: عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) ذَلِكَ عَبْد اللَّه بْن أم مكتوم وكانت أم مكتوم أم أَبِيهِ آتى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده نفر من أشراف قريش ليسأله عنْ بعض ما ينتفع بِهِ، فكرِه رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقطع كلامه فأنزل اللَّه تبارك وتعالى، «عَبَسَ وَتَوَلَّى» ، يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم، «أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى» ، لأن جاءه الأعمى. ثم قال جل وعز: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى «3» (3) بما أراد أن يتعلَّمه من عِلْمِك، فعطف النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنُ أم مكتوم، وأكرمه بعد هذه الآية حتَّى استخلفه عَلَى الصلاة، وَقَدِ اجتمع القراء عَلَى: «فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى» (4) بالرفع، ولو كَانَ نصبًا «4» عَلَى جواب الفاء للعل- كَانَ صوابًا. أنشدني بعضهم «5» علَّ صروفَ الدَّهر أَوْ دولاتِها ... يُدلْنَنَا اللَّمَّةَ من لَمَّاتها فتستريحَ النفسُ من زَفْراتها ... وتُنْقعَ الغلَّةُ من غلاتها   (1) كذا فى ب، وفى ش: أشد، وما أثبتناها أرجح. (2) ورد تعليق الفراء على هذه الآية فى تفسير القرطبي (19: 210) نقلا عنه، ولكن بعبارة يخالف آخرها أولها، وروى الشاهد، وبين بيتيه جردا تعادى طرفى نهارها فانظره هناك. (3) فى ب، ش: «لعله أن يزكى» وهو خطأ. (4) قرأ الجمهور بالرفع: فتنفعه، أو يذكر، وقرأ عاصم فى المشهور، والأعرج، وأبو حيوة، وابن أبى عبلة- بنصبهما (البحر المحيط: 8/ 427) . [ ..... ] (5) فى شرح شواهد المغني 1/ 454: أنشده الفراء ولم يعزه إلى أحد، ومثله فى شرح شواهد الشافية: 129. وعل: أصله لعل، وصروف الدهر: حوادثه ونوائبه، ويدلننا الله: من أدالنا الله من عدونا إدالة، وهى: الغلبة يقال: أدلنى على فلان وانصرني عليه. واللّمة: الشدة.. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 و «1» قد قَرَأَ بعضهم: «أأن جاءَه الأعمى» «2» بهمزتين مفتوحتين، أي: أن جاءَه عبس، وهو «3» مثل قوله: «أأَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ «4» » . وقوله عزَّ وجل، فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) . ولو قرأ قارئٌ: «تَصَدَّى» «5» كان صوابًا. وقوله عز وجل: كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11) . هَذِهِ السُّورة تذكرة، وإن شئت جعلت الهاء عمادا لتأنيث التذكرة. «فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ «6» » (12) ذكر القرآن رجع «7» التذكير إلى الوحي. «فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ» (13) . لأنها نزلت من اللوح «8» المحفوظ مرفوعة عند ربك هنالك مطهرة، لا يمسها إلا المطهرون، وهذا مثل قوله: «فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً «9» » . جعل [126/ ب] الملائكة والصحف مطهرة لان الصحف يقع عليها التطهير، فجعل التطهير لمن حملها أيضًا. وقوله عز وجل: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) . وهم الملائكة، واحدهم سافر، والعرب تَقُولُ: سفرت بين القوم إِذَا أصلحت بينهم، فجعلت الملائكة إِذَا نزلت بوحي اللَّه تبارك وتعالى وتأديبه كالسفير الَّذِي يصلح بين القوم، قَالَ «10» الشَّاعِر وما أدعُ السِّفارةَ بينَ قومي ... وما أمْشي يغشّ إن مشيت «11»   (1، 4) ورد فى ش قبل قوله: وقد اجتمع القراء على: «فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى» والآية فى سورة القلم: 14. (2) قرأ الجمهور «أن» بهمزة واحدة ومدة بعدها وبعض القراء بهمزتين محققتين (البحر المحيط 8/ 427) . (3) فى ش وهل. (5) قراءة العامة: «تَصَدَّى» بالتخفيف، على طرح التاء الثانية تخفيفا، وقرأ نافع وابن محيصن بالتشديد على الإدغام القرطبي (19/ 214) (6) سقط فى ش. (7) فى ش: ثم رجع. (8) كذا فى ش. (9) سورة النازعات الآية: 5 (10) فى ش: وقال. (11) ورد فى القرطبي 19/ 216 ولم ينسبه، وفيه (فما) مكان (وما) - فى صدر البيت-، وفيه: (ولا) مكان، (وما) فى عجزه. وفى البحر المحيط 8/ 425: (فما) مكان (وما) فى صدر البيت، وما أسعى مكان: (وما أمشى) فى عجزه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 والبررة: الواحد منهم فِي قياس العربية بار لأن العرب لا تَقُولُ: فَعَلة يَنْوُونَ بِهِ الجمع إلا والواحد مِنْهُ فاعل مثل: كافر وكفرة، وفاجر فجرة. فهذا الحكم عَلَى واحده بار، والذي تَقُولُ العرب: رَجُل بَرّ، وامرأة برة، ثُمَّ جمع عَلَى تأويل فاعل، كما قَالُوا: قوم خَيَرَة بَرَرَة. سمعتها من بعض «1» العرب، وواحد الخَيرَة: خيّر، والبررة: برٌّ. ومثله: قوم سَراةٌ، واحدهم: سِرى. كَانَ ينبغي أن يكون ساريًا. والعرب إِذَا جمعت: ساريًا جمعوه بضم أوله فقالوا: سُراة وغُزاة. فكأنهم إذ قَالُوا: سُرَاة: كرهوا أن يضموا أوله. فيكون الواحد كأنه سارٍ، فأرادوا أن يفرقوا بفتحة أول سراة بين: السرىّ والساري. وقوله عز وجل: ما أَكْفَرَهُ (17) يكون تعجبًا، ويكون: ما الَّذِي أكفره؟. وبهذا الوجه الآخر جاء التفسير، ثُمَّ عجّبه، فَقَالَ: «مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ» (18) ثم [127/ ا] فسّر فقال: «مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ» (19) أطورا نطفة، ثُمَّ علقة إلى آخر خلقِه، وشقيًا أَوْ سعيدًا، وذكرًا أَوْ أنثى. وقوله عزَّ وجل: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ «2» (20) معناه: ثُمَّ يسره للسبيلِ، ومثله: «إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ» ، أي: أعلمناه طريق الخير، وطريق الشر. وقوله عز وجل: ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) جعله مقبورا، ولم يجعله ممن يُلْقَى للسباع والطير، ولا ممن يلقى فِي النواويس، كأن القبر مما أكرم المسلم بِهِ، ولم يقل: فقبره لأنّ القابر هُوَ الدافن بيده، والمُقبِر: اللَّه تبارك وتعالى لأنه صيره ذا قبر، وليس فعله كفعل الآدمي. والعرب تَقُولُ: بترتُ ذنب البعير، والله أبتره. وعضبت قرن الثور، والله أعضبه، وطردت فلانًا عني، والله أطرده «3» صيّره طريدًا، ولو قَالَ قائل: فقبره، أَوْ قَالَ فِي الآدمي: أقبره إِذَا وجهه لجهته صلح، وكان صوابًا ألا ترى أنك تَقُولُ: قتل فلان أخاه، فيقول الآخر: اللَّه قتله. والعرب تَقُولُ: هَذِهِ كلمة مُقتلة مُخيفة إِذَا كانت من قالها قُتِل قيلت هكذا، ولو قيل فيها: قاتلة خائفة كَانَ صوابًا، كما تَقُولُ: هَذَا الداء قاتِلك.   (1) كرر فى ش: بعض. (2) سورة الإنسان الآية: 3. (3) كذا فى ش، وفى ب، ح: وصيره، تحريف. [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 وقوله تبارك وتعالى: كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) لم يقض بعض ما أمره. وقوله عزَّ وجل: أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (25) قَرَأَ الْأَعْمَش وعاصم (أَنَا) «1» يجعلانها فِي موضع خفض أي: فلينظر إلى صبِّنَا الماء إلى أن صَبَبْنا، وفعلنا وفعلنا. وقرأ أهل الحجاز والحسن الْبَصْرِيّ: (إنا) «2» يخبر عنْ صفة الطعام بالاستئناف، وكلٌّ حسن، وكذلك قوله جل وعز: «فَانْظُرْ كَيْفَ [127/ ب] كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ «3» » ، و «إنا دمرناهم «4» . وَقَدْ يكون موضع «أَنَا» هاهنا فى (عبس) إِذَا فتحتْ رفعًا كأنه استأنف فَقَالَ: طعامُه، صَبُّنا الماء، وإنباتُنا كذا وكذا. وقوله تبارك وتعالى: حَبًّا (27) . الحب: كل الحبوب: الحنطة والشعير، وما سواهما. والقضب: الرَّطبة، وأهل مكَّة يسمون القتَّ: القضب. والحدائق: كل بستان كَانَ عَلَيْهِ حائط فهو حديقة. وما لم يكن عَلَيْهِ حائط لم يُقَلْ: حديقة. والغُلْب: ما غلظ من النخل. والأبّ: ما تأكله الأنعام. كذلك قَالَ ابْنُ عَبَّاس. وقوله تبارك وتعالى: مَتاعاً لَكُمْ (32) أي: خلقناه متعةً لكم ومنفعة. ولو كَانَ رفعًا جاز عَلَى ما فسرنا. وقوله عزَّ وجل: الصَّاخَّةُ (33) : القيامة. وقوله عزَّ وجلَّ: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) . يفر عنْ أخيه: من، وعن فِيهِ سواء. وقوله عزَّ وجلَّ: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) . أي: يشغله عنْ قرابته، وَقَدْ قَرَأَ بعض القراء: «يعنيه» «5» وهى شاذة.   (1) وهى قراءة الأعرج، وابن وثاب، والكوفيين، ورويس. (البحر المحيط: 8/ 429) . (2) وهى أيضا قراءة الجمهور (البحر المحيط: 8/ 429) . (3) سورة النمل الآية: 51. (4) فى ش: وإنا دمرناهم. (5) هى قراءة ابن محيصن، قال ابن جنى: وهذه قراءة حسنة إلا أن التي عليها الجماعة أقوى معنى، وذلك أن الإنسان قد يعنيه الشيء، ولا يغنيه عن غيره (المحتسب: 2/ 353) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 وقوله تبارك وتعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) . مشرقة مضيئة، وإذا ألقت المرأة نقابها، أَوْ برقعها قيل: سفرت فهي سافرٌ، ولا يُقال: أسفرت. وقوله عز وجل: تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (41) . ويجوز فِي الكلام: قَتْرة بجزم التاء. ولم يقرأ بها أحد «1» . ومن سورة إذا الشمس كورت قوله عز وجل: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) ذهب ضوءها. وقوله تبارك وتعالى: [128/ ا] وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) . أي: انتثرت وقعت عَلَى وجه الأرض. وقوله جل وعز: وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (4) . والعشار: لُقُح الإبل عطلها أهلها لاشتغالهم بأنفسهم. وقوله عز وجل: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) . [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «2» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي أبو الأحوص سلام ابن سليم عن سعيد بْن مسروق عنْ عكرمة قَالَ: حشرها: موتها. وقوله عز وجل: وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (6) . أفضى بعضها إلى بعض، فصارت بحرًا واحدًا. وقوله جل وعز: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) . [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «3» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي أبو الأحوص سلام ابن سليم عَن سَعِيد بْن مسروق أَبِي سُفْيَان عَن عكرمة فِي قوله: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ قال:   (1) قرأ بها ابن أبى عبلة (البحر المحيط: 8/ 430) . (2، 3) ما بين الحاصرتين زيادة من ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 يقرن الرجل بقرينه الصالح فِي الدنيا فِي الجنة، ويقرن الرجل الَّذِي كَانَ يعمل العمل السيّء بصاحبه الَّذِي كَانَ يعينه عَلَى ذَلِكَ فِي النار، فذلك تزويج الأنفس. قَالَ الفراء: وسمعت «1» بعض العرب يَقُولُ: زوجت إبلي، ونهى اللَّه أن يقرن بين اثنين، وذلك أن يقرن البعير بالبعير فيعتلفان معا، ويرحلان معا. [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «2» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ أبيه «3» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ غُرَابٍ عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عباس أنه قرأ: «وإذا الموؤدة سألت «4» » (8) «بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» (9) وقال: هى «5» التي تسأل ولا تسأل وقد يجوز أن يقرأ: «بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» ، وَالْمَعْنَى: بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلْتُ. كَمَا تَقُولُ فِي الْكَلامِ: عَبْدَ اللَّهِ بِأَيِّ ذَنْبِ ضُرِبَ، وَبِأَيِّ ذَنْبٍ ضُرِبْتُ. وَقَدْ مرّ لَهُ نظائر من الحكاية، من ذلك [128/ ب] قول عنترة: الشاتِمي عِرضي ولم أشتمها ... والناذرين إِذَا لقيتهما دمي «6» والمعنى: أنهما كانا يقولان: إِذَا لقينا عنترة لنقتلنه. فجرى الكلام فِي شعره عَلَى هَذَا المعنى. واللفظ مختلف، وكذلك قوله رَجُلانِ من ضَبَّةَ أَخبرانا ... إِنَّا رأينا رجلًا عريانًا «7» والمعنى: أخبرانا أنهما، ولكنه جرى عَلَى مذهب القول، كما يَقُولُ «8» : قَالَ عَبْد الله: إنه إنه لذاهب «9» وإني ذاهب «10» ، والذهاب لَهُ فِي الوجهين جميعًا.   (1) فى ش: سمعت. (2) سقط فى ش. (3) سقط فى ش. (4) وكذلك هو فى مصحف أبى (تفسير القرطبي: 19/ 234) ، وهى أيضا قراءة ابن مسعود وعلى وجابر ابن زيد ومجاهد (البحر المحيط: 8/ 433) . (5) فى ش: وقال التي تسأل وقد. (6) الشاتماه: هما: ابنا ضمضم: هرم، وحصين اللذان قتل عنترة أباهما، فكانا يتوعدانه. وفى رواية: إذا لم القهما (انظر ص: 343) من مختارات الشعر الجاهلى. وص: 154 من شرح ديوان عنترة. (7) انظر المحتسب: 1/ 109 والخصائص: 2/ 338. [ ..... ] (8) فى ش: تقول. (9) فى ش: ذاهب. (10) فى ش لذاهب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 ومن قرأ: «وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ» (8) ففيه وجهان: سئلت: فقيل لها: «بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» (9) ثم يجوز قتلت. كما جاز فِي المسألة الأولى، ويكون سئلت: سئل عَنْهَا الَّذِينَ وأدُوها. كأنك قلت: طلبتْ منهم، فقيل: أَيْنَ أولادُكم؟ وبأي ذنب قتلتموهم؟ وكل الوجوه حسن بيّن إلّا أن الأكثر (سئلت) فهو أحبُّها إلي. وقوله عزَّ وجلَّ: وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) . شدّدها يَحيى بْن وثاب، وأصحابه، وخففها آخرون من أهل المدينة «1» وغيرهم. وكلٌّ صواب، قَالَ الله جل وعز «صُحُفاً مُنَشَّرَةً «2» » ، فهذا شاهد لمن شدّد، ومنشورة عربي، والتشديد فِيهِ والتخفيف لكثرته، وأنَّه جمع كما تَقُولُ: مررت بكباش مذبّحة، ومذبوحةٍ، فإذا كَانَ واحدًا لم يجز إلا التخفيف، كما تَقُولُ: رَجُل مقتول، ولا تَقُولُ: مُقَتَّلٌ. وقوله جل وعز وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (11) . نزعت وطويت، وفى [129/ ا] قراءة عَبْد اللَّه: «قشطت» بالقاف، وهما لغتان، والعرب تَقُولُ: القافور «3» والكافور، والقَفُّ والْكَفُّ- إِذَا تقارب الحرفان فِي المخرج تعاقبًا فِي اللغات: كما يقال: جدف وجدث، تعاقبت الفاء الثاء فى كثير من الكلام، كما قيل: الأثافى والأثاثى «4» ، وثوب فُرْقبي وثُرقبي «5» ، ووقعوا فِي عاثورِ شَرّ، وعافور شر «6» . وقوله عزَّ وجلَّ: وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) . خففها الْأَعْمَش وأصحابه، وشددها الآخرون «7» . وقوله تبارك وتعالى: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (14) جواب لقوله «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» (1) ولما بعدها، «وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ» (13) قربت.   (1) قرأ بالتخفيف جماعة منهم: أبو رجاء وقتادة والحسن والأعرج وشيبة وأبو جعفر ونافع وابن عامر وعاصم (البحر المحيط 8/ 434) . (2) سورة المدثر: 52. (3) ونقدمت قراءة عبد الله: «قافورا» فى «كافُوراً» . (البحر المحيط 8/ 434) . (4) الأثافى: جمع أثفية، وهى الحجر الذي توضع عليه القدر. (5) الثرقبية والفرقبية: ثياب كتان بيض وقيل: من ثياب مصر، يقال: ثوب ثرقبى وفرقبى. (6) العاثور: ما عثر به، وقعوا فى عاثور شر، أي: فى اختلاط من شر وشدة. (7) منهم نافع وابن ذكوان وحفص وأبو بكر (الإتحاف: 434) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 وقوله عز وجل: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) . وهي النجوم الخمسة تَخنُس فِي مجراها، ترجع وتكنِس: تستتر كما تكنس الظباء فِي المغار، وهو الكنِاسُ. والخمسة: بَهرام، وزُحَل، وعُطارد، والزُّهَرة، والمشترى. وقَالَ الكلبي: البِرْجيس: يعني المشترى. وقوله عز وجل: وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (17) . اجتمع المفسرون: عَلَى أن معنى «عَسْعَسَ» : أدبر، وكان بعض أصحابنا يزعم أن عسعس: دنا من أوله وأظلم، وكان أَبُو البلاد النحوي ينشد فِيهِ «1» عَسْعسَ حتَّى لو يشاءُ أدّنا ... كان له من ضوئه مقبس يريد: إذ دنا، ثُمَّ يلقى همزة إذ «2» ، ويُدغم الذال فِي الدال، وكانوا يرون أن هَذَا البيت مصنوع. وقوله: وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (18) . إِذَا ارتفع النهار، فهو تنفس الصبح. وقوله عز وجل: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) . يعني: جبريل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وعلى جميع الأنبياء. وقوله: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بظنين [129/ ب] (24) . [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ «3» ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي قيس بن الربيع عن عاصم ابن أَبِي النجود عنْ زر بْن حبيش قَالَ: أنتم تقرءون: (بِضَنِينٍ) ببخيل، ونحن نقرأ (بظنين) «4» بِمتَهم. وقرأ عاصم وأهل الحجاز وزيد بن ثابت (بِضَنِينٍ) وهو حسن، يَقُولُ: يأتيه غيب السماء، وهو منفوس «5» فيه فلا يضن به عنكم، فلو كَانَ مكان: عَلَى- عنْ- صلح أَوِ الباء   (1) البيت منسوب فى تفسير القرطبي 19/ 237 إلى امرئ القيس، وقد رجعت إلى ديوانه فلم أجده هناك. ورواية القرطبي: «كان لنا من ناره» مكان: «كان له من ضوئه» . ورواية اللسان متفقة هى ورواية الفراء. (2) سقط فى ش. (3) ما بين الحاصرتين زيادة من ش. (4) وهى قراءة ابن كثير، وأبى عمرو، والكسائي، ورويس. (الإتحاف: 434) [ ..... ] (5) فى النسخ منفوش، والتصويب من اللسان، نقلا عن الفراء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 كما تقول: ما هو بضنين بالغيب. والذين قالوا: بظنين. احتجوا بأن على تقوى «1» قوهم، كما تَقُولُ: ما أنت عَلَى فلان بمتهم، وتقول: ما هو عَلَى الغيب بظنين: بضعيف، يَقُولُ: هُوَ محتمل لَهُ، والعرب تَقُولُ للرجل الضعيف أَوِ الشيء القليل: هُوَ ظنون. سمعت بعض قضاعة يَقُولُ: ربما دلّك عَلَى الرأي الظنون، يريد: الضعيف من الرجال، فإن يكن معنى ظنين: ضعيفًا، فهو كما قيل: ماءٌ شريب، وشروب، وقرونى، وقرينى، وسمعت: قرونى وقرينى، وقرونتى وقرينتي «2» - إلا أنّ الوجه ألّا تدخِل الهاء. وناقة طعوم وطعيم، وهي التي» بين الغثّة والسمينة. وقوله عز وجل: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) ؟ العرب تَقُولُ: إلى أَيْنَ تذهب؟ وأينَ تذهب؟ ويقولون: ذهبت الشامَ، وذهبت السوق، وانطلقت الشام، وانطلقت السوق، وخرجت الشام- سمعناه فِي هَذِهِ الأحرف الثلاثة: خرجت، وانطلقت، وذهبت. وقَالَ الكِسَائِيّ: سمعت العرب تَقُولُ: انطُلِقَ بِهِ الفورَ، فتنصب عَلَى معنى إلقاء الصفة، وأنشدني بعض بني عُقَيل «4» : تَصيحُ بنا حَنيفةُ إذ رأتنا ... وأيّ الأرضِ تذهبُ للصِّياح يريد: إلى أي الأرض تذهب [130/ ا] واستجازوا فِي هَؤُلَاءِ الأحرف إلقاءَ (إلى) لكثرة استعمالهم إياها. ومن سورة إذا السماء انفطرت قوله عز وجل: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (1) : انشقت. وقوله عز وجل: وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) . خرج ما فِي بطنها من الذهب والفضة، وخرج الموتى بعد ذَلِكَ، وهو «5» من أشراط الساعة: أن تخرج الأرضُ أفلاذَ كبدها من ذهبها وفضتها. قَالَ الفراء: الأفلاذ القِطَعُ من الكبد المشرح والمشرحة «6» ، الواحد فلذ، وفلذة.   (1) فى ش: يقوى. (2) وقرونى وقرينى، وقرونتى وقرينتى، وهى النفس والعزيمة. (3) فى ش: وهى بين. (4) نقل القرطبي فى تفسيره، ما حكاه الفراء عن العرب هنا، ثم أورد البيت وجعل «بالصياح» مكان «للصياح» (تفسير القرطبي: 19/ 142) . (5) سقط فى ش. (6) من هامش ب، وصلب ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 وقوله تبارك وتعالى: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ من عملها وَأَخَّرَتْ (5) . وما أخرت: ما سنت من سنة حسنة، أَوْ سيئة فعُمل بها. وجواب: «إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ» (1) قوله: «عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ» . وقوله جل وعز: الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) . قرأها الْأَعْمَش وعاصم: «فَعَدَلَكَ» مخففة «1» . وقرأها أهل الحجاز: «فَعَدَلَكَ» مشددة. فمن قرأها بالتخفيف فوجهه والله أعلم: فصرفكَ إلى أيِّ صورةٍ شاءَ إما: حَسَنٌ، أَوْ قَبيحٌ، أَوْ طويل، أَوْ قصير. قال: [حدثنا «2» الفراء قال] «3» : وحدثني بعض المشيخة عنْ ليثٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيح أَنَّهُ قَالَ: فِي صورة عمٍّ فِي صورة أبٍ، فِي صورة بعض القرابات تشبيهًا. ومن قَرَأَ: «فَعَدَلَكَ» مشددة، فإنه أراد- والله أعلم: جعلك معتدلا معدّل الخلق، وهو أعجب الوجهين إليَّ، وأَجودُهما فِي العربية لأنك تَقُولُ: فِي أي صورة ما شاء ركبك، فتجعل- فِي- للتركيب أقوى فِي العربية من أن يكون «4» فى للعدل [130/ ب] لأنك تَقُولُ: عَدَلتك إلى كذا وكذا، وصرفتك إلى كذا وكذا، أجود من أن تَقُولُ: عدلتك فِيه، وصَرفتك فِيهِ. وقوله جل وعز: كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) . بالتاء، وقرأ بعض أهل المدينة بالياءِ «5» ، وبعضهم بالتاءِ، والْأَعْمَشُ وعاصمٌ بالتاء، والتاء أحسنُ الوجهين لقوله: «وَإِنَّ عَلَيْكُمْ» ولم يقل: عليهم. وقوله جل وعز: وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (16) : يَقُولُ: إِذَا دخلوها فليسوا بمخْرَجين منها. اجتمع القراء عَلَى نصب «يَوْمَ لا تَمْلِكُ» (19) والرفع   (1) وهى أيضا قراءة حمزة والكسائي وخلف، وافقهم الحسن والأعمش (الإتحاف 434) . (2) فى ش: قال الفراء: وحدثنى. (3) زيادة فى ش. (4) فى ش: تكون. (5) ممن قرأ بالياء: أبو جعفر والحسن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 جائز لو قرىء بِهِ «1» . زعم الكِسَائِيّ: أن العرب تُؤْثر الرفعَ إِذَا أضافوا اليوم إلى يفعل، وتفعلُ، وأفعلُ، ونفعلُ فيقولون: هَذَا يومُ نفعلُ ذاك، وأفعل ذاك، ونفعلُ ذاك. فإذا قَالُوا: هَذَا يومَ فعلتَ، فأضافوا يوم إلى فعلتُ أَوْ إلى إذْ «2» آثروا النصب، وأنشدونا: عَلَى حينِ عاتبتُ المشيبَ عَلَى الصِّبا ... وقلتُ أَلَمَّا تَصْحُ والشَّيبُ وازِعُ؟ «3» وتجوز «4» فِي اليَاءِ والتاء ما يجوز فِي فعلت، والأكثر ما فسّر الكِسَائِيّ. ومن سورة المطففين قوله عز وجل: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) . نزلت أَوَّل قدوم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ إلى المدينة، فكان أهلها إِذَا ابْتاعوا كَيْلًا أَوْ وزنًا استوفَوْا وأفرطوا. وإذا باعوا كيلًا أو وزنا نقصوا فنزلت «وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ» فانتهَوْا، فهم أَوْ فِي النَّاس «5» كيْلًا إلى يومهم هَذَا. [قَالَ] «6» قَالَ الفراء: ذُكرَ أن «وَيْلٌ» وادٍ فِي جهنم، والويل الَّذِي نعرف «7» . وقوله عز وجل: وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ [131/ ا] وَزَنُوهُمْ «8» (3) الهاء فِي موضع نصب، تَقُولُ: قَدْ كِلتك طعامًا كثيرًا، وكِلتني مثله. تريد: كِلْتَ لي،   (1) قرأ بالنصب زيد بن على والحسن وأبو جعفر وشيبة والأعرج وباقى السبعة (البحر المحيط 8/ 437) بإضمار يدانون (تفسير الزمخشري 4/ 193) وقرأ بالرفع ابن أبى إسحق، وعيسى، وابن جندب وابن كثير وأبو عمرو (البحر المحيط 8/ 437) ، وأجاز الزمخشري فيه أن يكون بدلا مما قبله أو على: هو يوم لا تملك (تفسير الزمخشري 4/ 193) . (2) فى ش: وإلى إذ. [ ..... ] (3) فى ش: وأنشدوا، والبيت للنابغة، ورواية الديوان: ألمّا أصح مكان ألمّا تصح وازع: زاجر. (الكتاب: 1: 369) . (4) فى ش: ويجوز. (5) عبارة القرطبي التي نقلها عن الفراء: فهم من أوفى الناس (تفسير القرطبي 19/ 250) . (6) سقط فى ش. (7) أي: العذاب والهلاك. (8) فى جميع النسخ ورد الكلام عن الآية 3 قبل الآية 2. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 وكِلْتُ لَكَ، وسمعت أعرابية تَقُولُ: إِذَا صَدَرَ النَّاس أتينا التاجر، فيكيلنا الْمُدَّ والمُدَّين إلى الموسم المقبل، فهذا شاهد، وهو من كلام أهل الحجاز، ومن جاورهم من قيس. وقوله عز وجل: اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ (2) . يريد: اكتالوا من الناس، وهما تعتقبان: على ومِن- في هذا الموضع لأنه حقّ عليه فإذا قال: اكتلتُ عليك، فكأنه قال: أخذتُ ما عليك، وإذا قال: اكتلت منك، فهو كقولك: استوفيت منك. وقوله عز وجل: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ (6) . هو تفسير اليوم المخفوض لمّا ألقي اللام من الثاني ردّه إلى «مَبْعُوثُونَ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ» فلو خفضت يومَ بالرَّد على اليوم الأوَّلِ كان صوابًا. وقد تكونُ في موضع خفض «1» إلَّا أنها أضيفت إلى يفعلُ، فنصبت إذ أضيفت إلى غير محضٍ «2» ، ولو رفع على ذلك «يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ» كما قَالَ الشَّاعِر: فَكُنْتُ كذي رِجْلين: رَجُل صحيحة ... وأخرى رمَى فيها الزَّمانُ فَشَلَّتِ «3» . وقوله عز وجل: وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (8) . ذكروا أنها الصخرة التي تحت الأرض، ونرى أنه صفة من صفاتها لأنه لو كان لها اسما لم يجر. وإن قلت: أجريته لأنى ذهبت بالصخرة إلى أَنَّها الحجر الَّذِي فِيهِ الكتاب كَانَ وجهًا. وقوله عزَّ وجلَّ: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) . يَقُولُ: كثرت المعاصي والذنوب منهم، فأَحاطت بقلوبهم فذلك الرَّين عليها. وجاء فِي الحديث: أن عمر «4» بن الخطاب رحمه الله، قال للأسيفع «5» أصبَح قدرِين بِهِ. يَقُولُ: قَدْ أحاط بماله [131/ ب] ، الدين وأنشدنى بعض العرب «6» :   (1) فى الكشاف (2: 531) : وقرىء بالجر بدلا من (يوم عظيم) . (2) فى ش: مخفوض. (3) البيت لكثير عزة، والرفع على القطع، وهو وجه جائز مع الجر على البدل. (الكتاب 1: 215) وانظر (الخزانة 2/ 276) . (4) هذه رواية ش، وبقية النسخ: «أن فى عن عمر» ش: أن عمر قال. (5) أسيفع جهينة، روى أن عمر خطب فقال: ألا إن الأسيفع أسيفع جهينة قد رضى من دينه وأمانته، بأن يقال: سبق الحاج فادّان معرضا، وأصبح قدرين به (اللسان مادة: رين) . (6) فى اللسان: أنشده ابن الأعرابى 13/ 193، والرواية فيه: ضحيت حتّى أظهرت ورين بي ... ورين بالسّاقى الذي كان معى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 لم ترو حتَّى هجرت ورين بي يقول: حتَّى غُلبتُ من الإعياء، كذلك غلبَةُ الدَّيْنِ، وغلبةُ الذنوبِ. وقوله عزَّ وجلَّ: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) . يَقُولُ القائل: كيف جمعت (عِلِّيون) بالنون، وهذا من جمع الرجال فإن «1» العرب إِذَا جمعت جمعًا لا يذهبون فِيهِ إلى أن لَهُ بناءً من واحد واثنين، فقالوه فِي المؤنث، والمذكر بالنون، فمن ذَلِكَ هَذَا، وهو شيء فوق شىء غير معروف واحده ولا أثناه. وسمعت بعضَ العرب يَقُولُ: أَطْعَمَنَا مرقة مَرَقَيْن «2» يريد: اللحم إِذَا طبخت بمرق. قَالَ، [وقَالَ الفراء مرة أخرى: طبخت بماء] «3» واحد. قَالَ الشَّاعِر: قَدْ رَوِيَتْ إلا الدُّهَيْدِهِينَا ... قُليَصِّاتٍ وأُبَيْكِرينَا «4» فجمع بالنون لأنَّه أراد: العدد الَّذِي لا يُحَدُّ، وكذلك قول الشَّاعِر: فأصبحت المذَاهِبُ قَدْ أذاعت ... بِهَا الإعصار بعد الوابلينا «5» أراد: المطر بعد المطر غير محدود. ونرى أن قول العرب: عشرون، وثلاثون إذ جعل للنساء وللرجال من العدد الَّذِي يشبه هَذَا النوع، وكذلك عليّون: ارتفاعٌ بعد ارتفاع وكأنه لا غاية لَهُ. وقوله عزَّ وجلَّ: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24)   (1) عبارة القرطبي فى المسألة نقلا عن الفراء هى: «والعرب إذا جمعت جمعا، ولم يكن له بناء من واحده، ولا تثنيته، قالوا فى المذكر والمؤنث بالنون» (تفسير القرطبي 19/ 263) . (2) عبارة اللسان نقلا عن الفراء: سمعت بعض العرب يقول: أطعمنا فلان مرقة مرقين يريد: اللحم إذا طبخ، ثم طبخ لحم آخر بذلك الماء. [ ..... ] (3) ساقط فى ش. (4) الدهداء: صغار الإبل: جمع الدهداء بالواو والنون، وحذف الياء من الدهيديهينا للضرورة (اللسان نقلا عن ابن سيده) . وجاء فى اللسان: البكر من الإبل بمنزلة الفتى من الناس، والبكرة بمنزلة الإنسان، والقلوص بمنزلة الجارية، ويجمع البكر على أبكر، قال الجوهري: وقد صغره الراجز وجمعه بالياء والنون فقال: وأورد البيت- والبيت غير منسوب- فى اللسان- وروايته فى مادة (دهده) متفقة وما جاء هنا.. وجاء رواية فى مادة بكر: شربت مكان رويت (اللسان) وانظر (الخزانة 3/ 408) . (5) رواه المخصص غير منسوب، وفيه: فإن شئت جعلت الوابلين: الرجال الممدوحين، وصفهم بالوبل سعة عطاياهم، وإن شئت جعلته وبلا بعد وبل، فكان جمعا لم يقصد به قصد كثرة ولا قلة (المخصص: 9: 114) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 يَقُولُ. بريق النعيم ونداه، والقراء مجتمعون عَلَى (تعرف) إلا أبا جَعْفَر الْمَدَنِيّ فإنه قَرَأَ: «تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ «1» » و «يُعْرَفُ» أيضًا يجوز لأنّ النَّضْرةَ اسمٌ مؤنثٌ مأخوذ من فعلٍ وتذكير فعله قبله [132/ ا] وتأنيثه جائزان. مثل قوله: «وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا «2» الصَّيْحَةُ» وفى موضع آخر. «وَأَخَذَتِ «3» » . وقوله عزَّ وجلَّ: خَاتَمة مِسْكٌ (26) . [قرأ الحسنُ وأهل الحجاز وعاصم والأعمش «خِتامُهُ مِسْكٌ «4» » . حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا «5» مُحَمَّدٌ قال: حدثنا الفراء قال: [و] «6» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ «7» عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيِّ أنه قرأ «خاتمه مسك» [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ] قال: «8» حدثنا الفراء قال: [و] «9» حدثنى أبو الأحوص عن أشعث بن أبى الشعناء المحاربي قال: قرأ علقمة بن قيس «خاتَمُهُ مِسْكٌ» «10» . وقال: أما رأيت المرأة تَقُولُ للعطّار: اجْعل لي خاتمهُ مِسْكَا تريد: آخره، والخاتم والختام متقاربان فِي المعنى، إلا أن الخاتم: الاسم، والختام: المصدر، قَالَ الفرزدق: فَبتْنَ جنابَتيَّ مُصرَّعَاتٍ ... وَبِتُّ أفضّ أغلاق الختام «11» ومثل الخاتم، والختام قولك للرجل: هُوَ كريم الطابع، والطباع، وتفسيره: أن أحدهم إِذَا شرب وجد آخر كأسه ريح المسك. وقوله عز وجل: وَمِزاجُهُ (27)   (1) وهى أيضا قراءة يعقوب وشيبة وابن إسحاق، كما فى القرطبي: 19/ 265. (2) سورة هود: 67، 94 على الترتيب. (3، 4) سقط فى ش: من قرأ الحسن إلى مسك. (5) فى ش حدثنى. (6، 8) سقط فى ش. (7) عطاء بن السائب: هو أبو زيد الثقفي الكوفي أحد الأعلام، أخذ القراءة عرضا عن أبى عبد الرحمن السلمى، وأدرك عليا. روى عنه شعبة بن الحجاج، وأبو بكر بن عياش، وجعفر بن سليمان، ومسح على رأسه، ودعا له بالبركة. مات سنة ست وثلاثين ومائة (طبقات الفراء: 1/ 513) . (9) سقط فى ش. (10) وهى أيضا قراءة الكسائي (الإتحاف: 435) ، وعلى وعلقمة وشقيق والضحاك وطاووس (القرطبي 19/ 265) . (11) الديوان: 252، ونقل اللسان عبارة الفراء هنا (مادة ختم) ، وأورد البيت بروايته عن الفرزدق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 مزاج الرحيق «مِنْ تَسْنِيمٍ» (27) من ماء يتنزل عليهم من مَعالٍ. فَقَالَ: (من تسنيم، عينا) تتسنمهم عينا فتنصب (عينا) عَلَى جهتين: إحداهما أن تنوِي من تسنيم عينٍ، فإذا نونت نصبت. كما قَرَأَ من قَرَأَ: «أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيماً «1» » ، وكما قَالَ: «أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً، أَحْياءً وَأَمْواتاً «2» » ، وكما قَالَ من قَالَ: «فَجَزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ «3» » والوجه الآخر: أن تَنْوِيَ من ماء سُنِّم عينا. كقولك: رفع عينا يشرب بها، وإن [لم] «4» يكن التسنيم اسمًا للماء فالعين نكرة، والتسنيم معرفة، وإن كَانَ اسمًا للماء فالعين معرفة «5» ، فخرجت أيضًا نصبًا. وقوله جل وعز: فاكهين (31) : معجبين، وقد قرىء: «فَكِهِينَ «6» » وكلّ صواب مثل: طمع وطامع. ومن سورة إِذَا السماء انشقت قوله عزَّ وجلَّ: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (1) . تشقق بالغمام. وقوله عز وجل: [132/ ب] وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (2) . سمعت «7» وحق لها ذلك. وقال بعض المفسرين: جواب «إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ» قوله: «وَأَذِنَتْ» ونرى أَنَّهُ رَأَى ارتآه المفسر، وشبهه بقول الله تبارك وتعالى: «حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها «8» » لأنا لم نَسْمَع جوابًا بالواو فِي «إذ» مبتدأة، ولا قبلها كلام، ولا فِي «إِذا» إِذَا ابتدئت، وإنما تجيب العرب بالواو فِي قوله: حتَّى إِذَا كَانَ، و «فلما أن كان» لم يجاوزوا ذلك.   (1) سورة البلد:: 14، 15. (2) سورة المرسلات الآيتان: 25، 26. [ ..... ] (3) سورة المائدة: الآية 95. (4) زيادة من اللسان نقلا عن الفراء، وبها يتضح المعنى. (5) كذا فى اللسان، وفى النسخ نكرة، تحريف. (6) هذه قراءة حفص وأبى جعفر وابن عامر فى إحدى روايتيه. (الإتحاف: 435) . (7) سقط فى ش. (8) سورة الزمر الآية: 73، هذا على أن واو (وفتحت) زائدة. ويجوز أن تكون أصلية والجواب محذوف، لأنه فى صفة ثواب أهل الجنة: فدل بحذفه على أنه شىء لا يحيط به الوصف. وانظر (الكشاف: 2: 307) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: «حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، وَاقْتَرَبَ «1» » بالواو، ومعناه: اقترب. والله أعلم. وَقَدْ فسرناه فِي غير هَذَا الموضع. وقوله عزَّ وجلَّ: وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) . بسطت ومُدِّدت كما يمدّد «2» الأديم العكاظي «3» والجواب فى: «إِذَا «4» السَّماءُ انْشَقَّتْ» ، وفى «وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ» كالمتروك لأنَّ المعنى معروف قَدْ تردّد فِي القرآن معناه فعرف. وإن شئت كَانَ جوابه: يا أيها الإنسان «5» . كقول القائل: إِذَا كَانَ كذا وكذا فيأيها النَّاس ترون ما عملتم من خير أَوْ شر. تجعل يا أيها الْإِنْسَان «6» هُوَ الجواب، وتضمر فِيهِ الفاء، وَقَدْ فسِّر جواب: إِذَا السماء- فيما يلقى الْإِنْسَان من ثواب وَعقاب- وكأن المعنى: ترى الثواب والعقاب إذا انشقت السماء. وقوله عز وجل: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (10) . يُقال: إن إيمانهم تُغل إلى أعناقهم، وتكون شمائلهم وراءَ ظهورهم. وقوله عزَّ وجلَّ: فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (11) . الثبور «7» أن يقول: وا ثبوراه، وا ويلاه، والعرب تَقُولُ: فلان يدعو لَهفَة «8» إِذَا قَالَ: وا لهفاه. وقوله: وَيَصْلى سَعِيراً (12) . قَرَأَ الْأَعْمَش وعاصم: «وَيَصْلى» ، وَقَرَأَ الْحَسَن والسلمي وبعض أهل المدينة: «وَيَصْلى» «9» وقوله: «ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ «10» » .   (1) سورة الأنبياء الآيتان: 96، 97. (2) فى ش: ومدّت كما يمد. (3) أديم عكاظى منسوب إلى عكاظ، وهو مما حمل إلى عكاظ فبيع بها. (4) سقط فى ش. (5، 6) فى ش: الناس. (7) سقط فى ش. (8) يقال: نادى لهفه، إذا قال: يا لهفى. (9) قرأ بها الحرميان، وابن عامر والكسائي. (الإتحاف: 436) . [ ..... ] (10) الحاقة الآية: 31 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 يشهد للتشديد لمن قَرَأَ «وَيَصْلى» ، و «يَصْلَى» أيضًا جائز لقول اللَّه عزَّ وجلَّ: «يَصْلَوْنَها «1» » ، و «يَصْلاها «2» » . وكل صواب واسع «3» [133/ ا] . وقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلى (15) . أن لن يعود إلينا إلى الآخرة. بلى ليحورَنَّ، ثُمَّ استأنف فَقَالَ: «إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً» (15) . وقوله عز وجل: فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) . والشفق: الحمرة التي فِي المغرب من الشمس [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: «4» ] حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي يَحْيَى عنْ حُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن ضُمَيرة عنْ أَبِيهِ عنْ جَدّه رفعه قَالَ: «5» الشفق: الحمرة. قَالَ الفراء: وكان بعض الفقهاء يَقُولُ: الشفق: البياض لأنّ الحمرة تذهب إِذَا أظلمت، وإنما الشفق: البياض الَّذِي إِذَا ذهب صُلِّيت العشاء الآخرة، والله أعلم بصواب ذَلِكَ. وسمعت بعض العرب يَقُولُ: عَلَيْهِ ثوبٌ مصبوغ كأنه الشفق، وكأن أحمر، فهذا شاهد للحمرة. وقوله عزَّ وجلَّ: وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (17) : وما جمع. وقوله تبارك وتعالى: وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) . اتساقه: امتلاؤه ثلاث عشرة إلى ست عشرة فيهن اتساقه. وقوله عزَّ وجلَّ: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (19) . [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: «6» ] حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي قيس بْن الربيع عنْ أَبِي إِسْحَاق: أن مسروقًا قَرَأَ: «لتركَبنَّ يا مُحَمَّد حالًا بعد حال» وذُكر عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ: «لَتَرْكَبُنَّ» وفسر «لَتَرْكَبُنَّ» السماء حالا بعد حال. [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: «7» ] ، حدثنا الفراء قال: و «8» حدثنى سفيان بن عيينة   (1) سورة إبراهيم الآية: 29، وسورة ص: الآية 56، وسورة المجادلة الآية: 8. (2) سورة الإسراء الآية: 18، وسورة الليل الآية: 15. (3) سقط فى ش. (4) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش. (5) فى ش: فقال. (6) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش. (7) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش. (8) فى ش: حدثنى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 عَنْ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ: «لَتَرْكَبُنَّ» «1» وَفَسَّرَ: لَتَصِيرَنَّ الأُمُورُ حَالا بَعْدَ حَالٍ لِلشِّدَّةِ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: وَقَعَ فِي بَنَاتِ طَبَقٍ، إِذَا وَقَعَ فِي الأَمْرِ الشَّدِيدِ «2» ، فَقَدْ قَرَأَ هَؤُلاءِ: «لَتَرْكَبُنَّ» وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفْسِيرِ. وَقَرَأَ أَهْلُ المدينة وكثير من الناس: «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً» يَعْنِي: النَّاسَ عَامَّةً! وَالتَّفْسِيرُ: الشِّدَّةُ «3» وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الأَوَّلِ: لَتَرْكَبَنَّ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ سَمَاءً بَعْدَ سَمَاءٍ، وَقُرِئَتْ: «لَيَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ» وَمَعَانِيهِمَا مَعْرُوفَةٌ، «لَتَرْكَبُنَّ» ، كَأَنَّهُ خَاطَبَهُمْ، «وَلَيَرْكَبُنَّ» «4» أَخْبَرَ عنهم. وقوله عز وجل: بِما يُوعُونَ (23) . الإيعاء:، ما يجمعون فِي صدورهم من التكذيب والإثم. والوعي لو «5» قيل: وَالله أعلم بما يوعون [133/ ب] لكَان صوابًا، ولكنه لا يستقيم فِي القراءَة. ومن سورة البروج قوله عز وجل: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1) . اختلفوا فى البروج، فقالوا: هِيَ النجوم، وقالوا: هِيَ البروج التي تجرى فيها الشمس والكواكب المعروفة: اثنا عشر برجًا، وَقالوا: هِيَ قصور فِي السماء، والله أعلم بصواب ذلك. وقوله جل وعز: وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) . ذكروا أنه القيامة، «وَشاهِدٍ» (3) يوم الجمعة، «وَمَشْهُودٍ» (3) يوم عرفة، وَيقال: الشاهد أيضًا يوم القيامة، فكأنه قَالَ: واليوْم الموعوْد وَالشاهد، فيجعلُ «6» الشاهد من صلة الموعود، يتبعه فى خفضه.   (1) «لتركبن» ، وهى قراءة أبى عمرو، وأبى العالية، ومسروق، وأبى وائل، ومجاهد، والنخعي، والشعبي، وابن كثير، وحمزة، والكسائي (تفسير القرطبي: 19/ 278) (2) بنات طبق: الدواهي، ويقال للداهية: إحدى بنات طبق، ويقال للدواهى: بنات طبق، ويروى: أن أصلها الحية، أي: أنها استدارت حتى صارت مثل الطبق. (3) فى ش: الشديد، تحريف. (4) التصحيح من ش، وفى ب: وليركبو. (5) فى ش: ولو، تحريف. [ ..... ] (6) فى ش: فتجعل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 وقوله جل وعز: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4) . يقال في التفسير: إن جواب القسم في قوله: «قُتِلَ» ، كما كان جواب «وَالشَّمْسِ وَضُحاها «1» » فى قوله! «قَدْ أَفْلَحَ «2» » : هذا في التفسير، ولم نجد العرب تدع القسم بغير لام يُسْتَقْبَلُ بها أو «لا» أو «إن» أو «ما» فإن يكن كذلك فكأنه مما ترك فيه الجواب: ثم استؤنف موضع الجواب بالخبر، كما قيل: يا أيها الإنسان في كثير من الكلام. وقوله جل وعز: أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4) . كَانَ ملك خدّ لقوم أخاديد فِي الأرض، ثُمَّ جمع فيها الحطب، وألهب فيها النيران، فأحرق بها قومًا وقعد الَّذِينَ حفروها حولها، فرفع اللَّه النار إلى الكفرة الَّذِينَ حفروها فأحرقتهم، ونجا منها المؤمنون، فذلك قوله عزَّ وجل: «فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ» (10) فى الآخرة «وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ» (10) فِي الدنيا. وَيُقَال: إنها أحرقت من فيها، ونجا الَّذِينَ فوقها. واحتج قائل هَذَا بقوله: «وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ» (7) ، والقول الأول أشبه بالصواب، وذلك لقوله: «فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ، وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ» ولقوله فى صفة الذين آمنوا «ذلِكَ [134/ ا] الْفَوْزُ الْكَبِيرُ» (11) يَقُولُ: فازوا من عذاب الكفار، وعذاب الآخرة، فأكْبِر بِهِ فوزًا. وقوله عزَّ وجلَّ: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4) . يَقُولُ: قتلتهم النار، ولو قرئت: «النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ» ، بالرفع كَانَ صوابًا «3» ، وقرأ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمي: «وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ «4» » رفع الشركاء بإعادة الفعل: زينه «5» لهم شركاؤهم. كذلك قوله: «قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ» قتلتهم النار ذات الوقود. ومن خفض: «النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ» وهي فِي قراءة «6» العوام- جعل النار هى الأخدود إذ كانت النار فيها كأنه قَالَ: قتل أصحاب النار ذات الوقود.   (1، 2) سورة الشمس: 1، 9. (3) قرأ بالرفع: أشهب العقيل، وأبو السّمال العدوى، وابن السميفع أي: أحرقتهم النار ذات الوقود (تفسير القرطبي 19/ 287) . (4) سورة الأنعام الآية: 137. (5) فى ش: زين. (6) فى ش: وهى قراءة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 وقوله عز وجل: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) . خفضه يَحيى وأصحابه. وبعضهم رفعه جعله من صفة اللَّه تبارك وتعالى. وخفْضُه من صفة العرش، كما قال: «بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ» (21) فوصف القرآن بالمَجَادة. وكذلك قوله: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) . من خفض جعله من صفة اللوح «1» ، ومن رفع جعله للقرآن، وَقَدْ رفع المحفوظ شَيْبَة، وأبو جعفر المدنيان «2» . ومن سورة الطارق قوله عز وجل: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (1) . الطارق: النجم لأنَّه يطلع بالليل، وما أتاك ليلًا فهو طارق، ثم فسره فَقَالَ: «النَّجْمُ الثَّاقِبُ» (3) والثاقب: المضيء، والعرب تَقُولُ: أثقب نارك- للموقِد، وَيُقَال: إن الثاقب: هُوَ «3» النجم الَّذِي يُقال لَهُ: زحل. والثاقب: الَّذِي قَدِ ارتفع عَلَى النجوم. والعرب تَقُولُ للطائر إِذَا لحق ببطن السماء ارتفاعًا: قَدْ ثقب. كل ذَلِكَ جاء «4» فِي التفسير. وقوله عزَّ وجلَّ: لَمَّا عَلَيْها (4) . قرأها العوام «لَمَّا» ، وخففها بعضهم. الكِسَائِيّ كَانَ يخففها، ولا نعرف جهة التثقيل، ونرى أنها لغة فِي هذيل، يجعلون إلّا مَعَ إنِ المخففة (لمّا) . ولا يجاوزون «5» ذَلِكَ. كأنه قَالَ: ما كل نفس إلا عليها [134/ ب] حافظ.   (1) وهى قراءة الجمهور. (2) وقرأ أيضا «مَحْفُوظٍ» بالرفع الأعرج، وزيد بن على وابن محيصن ونافع بخلاف عنه (البحر المحيط 8/ 453) (3) فى ش: هذا. (4) فى ش: قد جاء. (5) فى ش: ولا يجوزون، وهو تحريف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 ومن خفف قَالَ: إنَّما هِيَ لام جواب لإن، (وما) التي بعدها صلة كقوله: «فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ «1» » يَقُولُ: فلا يكون فِي (ما) وهي «2» صلة تشديد. وقوله عز وجل: عَلَيْها حافِظٌ (4) : الحافظ من اللَّه عزَّ وجلَّ يحفظها، حتَّى يُسلمها إلى المقادير. وقوله عزَّ وجلَّ: مِنْ ماءٍ دافِقٍ (6) . أهل الحجاز أفعل لهذا من غيرهم، أن يجعلوا المفعول فاعلًا إِذَا كَانَ فِي مذهب نعت، كقول العرب: هَذَا سرٌّ كاتم، وهمٌّ ناصبٌ، وَلَيْلٌ نائمٌ، وعيشةٌ راضيةٌ. وأعان عَلَى ذَلِكَ أنها توافق رءوس الآيات التي هنّ «3» معهن. وقوله عزَّ وجلَّ: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (7) . يريد: من الصلب [والترائب] «4» وهو جائز أن تَقُولُ للشيئين: ليخرجن «5» من بين هذين خير كثير ومن هذين. [والصلب] «6» : صلب الرجل، والترائب: ما اكتنف لَبّاتِ المرأة مما يقع عَلَيْهِ القلائد. وقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (8) . إنه عَلَى رد الْإِنْسَان بعد الموت لقادر. [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ:] «7» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مندل عنْ ليث عنْ مجاهد قَالَ: إنه عَلَى رد الماء إلى الإِحليل لقادر. وقوله جل وعز: وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (11) . تبتدئ بالمطر، ثُمَّ ترجع بِهِ فِي كل عام. وقوله عزَّ وجلَّ: وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (12) . تتصدع بالنبات.   (1) سورة النساء الآية: 155 وسورة المائدة: 13. (2) فى ش: وهى فى صلة، تحريف. (3) فى ش: هى. [ ..... ] (4، 6) سقط فى ش. (5) تصحيح فى هامش ش. (7) زيادة من ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 ومن سورة الأعلى قوله عز وجل: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ (1) ، و «بِاسْمِ رَبِّكَ «1» » . كل ذَلِكَ قَدْ جاء وهو من كلام العرب. وقوله عزَّ وجلَّ: وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3) . قدّر خلقْه فهدى الذكر لَمَأتى الأنثى من البهائم. وَيُقَال: قدّر فهدى وأضل، فاكتفى من ذكر الضلال بذكر الهدى لكثرة ما يكون معه. والقراء مجتمعون عَلَى تشديد (قدّر) . وكان أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السلمي يقرأ: قَدَر مخففة «2» ، ويرون أنها من قراءة عليّ بْن أَبِي طالب (رحمه الله) [135/ ا] والتشديد أحب إليَّ لاجتماع القراء عَلَيْهِ. وقوله عز وجل: فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (5) . إِذَا صار النبت يبيسًا فهو غثاء. والأحوى: الَّذِي قَدِ اسودّ عَنِ العتق «3» ويكون أيضًا: أخرج المرعى أحوى، فجعله غثاء، فيكون مؤخَّرًا معناه التقديم. وقوله عزَّ وجلَّ: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (6) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ (7) . لم يشأ أن ينسى شيئًا، وهو كقوله: «خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ «4» » ولا يشاء. وأنت قائل فِي الكلام: لأعطينك كل ما سَأَلت إلَّا ما شئتُ، وإلَّا أن أشاءَ أن أمنعَك، والنية ألا تمنعه، وعلى هَذَا مجاري الْإِيمَان يستثنى فيها. ونية الحالف التمام. وقوله تبارك وتعالى: يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) يتجنب الذكرى فلا يذكر. وقوله جل وعز: النَّارَ الْكُبْرى (12) هى السفلى من أطباق النار.   (1) فى سورة الواقعة الآيتان: 74، 96: «فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ» وفى سورة الحاقة: الآية: 52. (2) وقرأ بالتخفيف أيضا الكسائي من القدرة، أو من التقدير والموازنة (البحر المحيط: 8/ 458) . (3) عبارة اللسان مادة: حوى، نقلا عن الفراء: الأحوى: الذي قد اسود من القدم والعتق. (4) سورة هود: الآيتان 107، 108. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 وقوله عزَّ وجلَّ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) عمِل بالخير وتصدق، وَيُقَال: قَدْ أفلح من تزكى: تصدق قبل خروجه يوم العيد. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) شهد الصلاة مَعَ الْإِمَام. وقوله عزَّ وجلَّ: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (16) اجتمع القراء عَلَى التاء، وهي فِي قراءة أبيّ: «بَلْ أَنْتُمْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ» تحقيقًا لمن قَرَأَ بالتاءِ «1» . وَقَدْ قَرَأَ بعض القراء: «بَلْ يُؤْثِرُونَ «2» » . وقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (18) يَقُولُ: مَن ذكر اسم ربه فصلى وعمل بالخير، فهو فِي الصحف الأولى كما هُوَ فى القرآن. ومن سورة الغاشية [تصلى، وتُصْلَى «3» ] (4) قراءتان. وقوله عزَّ وجلَّ: لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) وهو نبت يُقال لَهُ: الشِّبْرِق، وأهل الحجاز يسمونه الضريع إِذَا يبس، وهو «4» سم. وقوله عزَّ وجلَّ: لا يُسْمَعُ فِيها لاغِيَةً «5» (11) : حالفة عَلَى كذب، وقرأ عاصم والْأَعْمَش وبعض القراء: «لا تَسْمَعُ» بالتاء، وقرأ بعض أهل   (1) فى ش: على التاء. (2) قرأ بها عبد الله وأبو رجاء والحسن والجحدري وأبو حيوة وغيرهم. (البحر المحيط: 8/ 460) . (3) قوله: تصلى تصلى بعد سورة الأعلى، وأول سورة الغاشية. (4) فى ش: فهو. (5) قال فى الإتحاف (270) : «واختلف فى (لا يسمع فيها لاغية) : فنافع بالتاء من فوق مضمومة بالبناء للمفعول (لاغية) بالرفع على النيابة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس بياء من تحت مضمومة بالبناء للمفعول أيضا (لاغية) بالرفع، على ما تقدم، والباقون بفتح التاء من فوق ونصب (لاغِيَةً) على المفعولية» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 المدينة: «لا يُسمع فيها لاغيةٌ» : ولو قرئت: «لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً» وكأنه للقراءة موافق لأن رءوس الآيات أكثرها بالرفع «1» . وقوله عزَّ وجل: فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) يُقال: مرفوعة مرتفعة: رفعت لهم، أشرفت، وَيُقَال: مخبوءة «2» رفعت لهم. وقوله عزَّ وجلَّ: وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) بعضها إلى جنب بعض، وهي الوسائد واحدها: نُمْرُقة. قَالَ: وسمعت بعض كلب يَقُولُ: نِمْرِقة [بِكسر النون والراء] «3» . وقوله عزَّ وجلَّ: وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) هِيَ: الطنافس التي لها خَمْل رقيق (مَبْثُوثَةٌ) : كثيرة. وقوله عزَّ وجلَّ: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) عجّبهم من حمل الإبل أنها تحمل وِقرها باركة ثُمَّ تنهض بِهِ، وليس شيء من الدواب يطيق ذَلِكَ إلّا البعير. وقوله عزَّ وجل: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بمسيطر (22) بمسلّط، والكتاب (بِمُصَيْطِرٍ) ، و (الْمُصَيْطِرُونَ «4» ) : بالصاد والقراءة بالسين «5» ، ولو قرئت بالصاد كَانَ مَعَ الكتاب وكان صوابًا. وقوله عزَّ وجلَّ: إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) تكون مستثنيًا من الكلام الَّذِي كَانَ التذكير يقع عَلَيْهِ وإن لم يُذكَر، كما تَقُولُ فِي الكلام: اذهب فعِظ وذكِّر، وعُمّ إلا من لا تطمع فِيهِ، ويكون أن تجعل: (من تولّى وكفر) منقطعا   (1) فى ش: الرفع. (2) فى ش: مخبوة. [ ..... ] (3) مزيد بين السطور فى ب، وساقط فى ش. (4) سورة الطور الآية: 37. (5) قرأ بالسين هشام، واختلف عن قنبل وابن ذكوان وحفص (الإتحاف: 438) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 عما قبله. كما تَقُولُ فِي الكلام: قعدنا نتحدث ونتذاكر الخبر إلّا أن كثيرًا من النَّاس لا يرغب، فهذا المنقطع. وتعرف المنقطع من الاستثناء بِحُسْن إن فِي المستثنى فإذا كَانَ الاستثناء محضًا متصلًا لم يحسن فِيهِ إن. ألا ترى أنك تَقُولُ: عندي مائةٌ إلّا درهما، فلا تدخل إن هاهنا فهذا كاف من ذكر غيره. وَقَدْ يَقُول بعض القراء وأهل العلم: إن (إلا) بمنزلة لكن، وذاك منهم تفسير للمعنى، فإمَّا أن تصلح (إلّا) مكان لكن فلا ألا ترى أنك تَقُولُ: ما قام عَبْد اللَّه ولكن زَيْد فَتُظْهِرُ الْوَاوَ، وتحذفها. ولا تَقُولُ: ما قام عَبْد اللَّه إلا زَيْد، إلّا أن تنويَ: ما قام إلا زَيْد لتكرير «1» أَوَّل الكلام. سئل الفراء [136/ ا] عنْ (إيّابَهم «2» ) (25) فَقَالَ: لا يجوز عَلَى جهة من الجهات. ومن سورة الفجر قوله عز وجل: وَالْفَجْرِ (1) وَلَيالٍ عَشْرٍ (2) . [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ «3» ] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي قيس بن الربيع عن أبى إسحق عَنِ الأسود بْن يزيد فِي قوله: «وَالْفَجْرِ» قال: هو «4» فجركم هذا. «وَلَيالٍ عَشْرٍ» قال: عشر الأضحى. «وَالشَّفْعِ» (3) يوم الأضحى، و «الْوَتْرِ» (3) يوم عرفة. [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «5» قَالَ] : حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي شيخ عن عبد الملك ابن أَبِي سليمان عنْ عطاء قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: الوتر والشفع «6» : خلقه.   (1) فى ش: بتكرير. (2) قرأ «إِيابَهُمْ» بتشديد الياء أبو جعفر. قيل مصدر أيّب على وزن فيعل كبيطر يبيطر ... والباقون بالتخفيف مصدر: آب يؤوب إيابا رجع، كقام يقوم قياما (الإتحاف: 438) . (3) زيادة من ش. (4) سقط فى ش. (5) زيادة من ش. (6) كذا فى النسخ بتقديم الوتر، كأنه لا يريد التلاوة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 قال حدثنا الفراء قال «1» : وَحَدَّثَنِي شَيْخٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْوَتْرُ آدَمُ، شُفِعَ بِزَوْجَتِهِ. وقد اختلف [القراء] «2» فى الوتر: فَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: الْوِتْرِ مَكْسُورَةُ الْوَاوِ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ «3» ، وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَعَاصِمٌ [وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ] «4» «الْوَتْرِ» بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَهِيَ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ «5» . وقوله عزَّ وجلَّ: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (4) . ذكروا أنها ليلة المزدلفة، وَقَدْ قَرَأَ القراءُ: «يَسرى» بإثبات الياء، و «يَسْرِ» بحذفها «6» ، وحذفها أحب إليَّ لمشاكلتها رءوس الآيات، ولأن العرب قَدْ تحذف الياء، وتكتفي بكسر ما قبلها منها، أنشدني بعضُهم. كفاكَ كفٌّ ما تُليق دِرْهمًا ... جُودًا، وأخرى تُعطِ بالسيف الدِّما «7» وأنشدني آخر: ليس تخفى يسارتي قَدْر يومٍ ... ولقد تُخْفِ شِيمتي إعساري «8» وقوله عزَّ وجلَّ: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) . لذي عقلِ: لذي سِتْر، وكله يرجع إلى أمر واحد من العقل، والعرب تَقُولُ: إنه لذو حجر إِذَا كَانَ قاهرًا لنفسه ضابطًا لها، كأنه أخذ من قولك: حجرت عَلَى الرجل. وقوله جل وعز [136/ ب] إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (7) . لم يجر القراء (إرم) لأنها فيما ذكروا اسم بلدة، وذكر الكلبي بإسناده أن (إرم) سام بن نوح، فإن كان هكذا اسما فإنما ترك إجراؤه لأنه كالعجمى. و (إرم) تابعة لعاد، و (العماد) : أنهم كانوا أهل عَمَد ينتقلون إلى الكلأ حيث كان، ثم يرجعون إلى منازلهم:   (1) فى ش: قال: حدثنا الفراء وحدثنى. (2، 4) سقط فى ش. (3) وهى أيضا قراءة حمزة والكسائي وخلف. وافقهم الحسن والأعمش (الإتحاف: 438) . (5) والكسر لغة تميم (لسان العرب) . (6) قرأ الجمهور: «يَسْرِ» بحذف الياء وصلا ووقفا، وابن كثير بإثباتها فيهما، ونافع وابن عمرو بخلاف عنه بياء فى الوصل، وبحذفهما فى الوقف. (البحر المحيط 8/ 468) . [ ..... ] (7) أورده فى اللسان ولم ينسبه. مادة ليق. وانظر (الخصائص 3/ 90، 133، وأمالى ابن الشجري 2/ 72) . ومعنى: ما تليق: ما تحبس وتمسك. يصفه بالكرم والشجاعة. (8) رواه اللسان كما هنا ولم ينسبه، وفى ب: قدرتهم مكان قدر يوم، وهو تحريف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 وقوله عز وجل: جابُوا الصَّخْرَ (9) خرقوا الصخر، فاتخذوه بيوتًا. وقوله عزَّ وجلَّ: وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (10) . كَانَ إِذَا غضب عَلَى الرجل مدّه بين أربعة أوتاد حتَّى يموت معذبًا، وكذلك فعل بامرأته آسية ابْنَة مزاحم، فسمى بهذا لذلك. وقوله جل وعز: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (13) . هَذِهِ كلمة تقولها العرب لكل نوع من العذاب، تُدخل فِيهِ السوط. جرى بِهِ الكلام والمثل. ونرى «1» ذَلِكَ: أن السوط من عذابهم الَّذِي يعذبون بِهِ، فجرى لكل عذاب إذ كَانَ فِيهِ عندهم غاية العذاب. وقوله تبارك وتعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (14) . يَقُولُ: إِلَيْه المصير «2» . وقوله جل وعز: فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ (16) . خفف عاصم والْأَعْمَش وعامة القراء، وقرأ نافع [أ] وأبو جَعْفَر: (فقدّر) مشددة «3» ، يريد (فقتّر) وكلٌّ صواب. وقوله عز وجل: كَلَّا (17) لم يكن ينبغي لَهُ أن يكون هكذا، ولكن يحمده عَلَى الأمرين: عَلَى الغنى والفقر. وقوله عزَّ وجلَّ: وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (18) قَرَأَ الْأَعْمَش وعاصم بالألف وفتح التاء، وقرأ أهل المدينة: «ولا تَحُضُون» ، وقرأ الْحَسَن الْبَصْرِيّ «4» : «ويُحضون، ويأكلون «5» » ، وَقَدْ قَرَأَ بعضهم: «تَحَاضُّونَ «6» » برفع التاء، وكل صواب. كأن «تَحَاضُّونَ» تحافظون، وكأن، «تُحضون» تأمرون بإطعامه «7» ، وكأنَّ تَحاضُّون: يحض بعضكم «8» [137/ ا] بعضا.   (1) فى ش: ويرى. (2) هكذا بالأصول. وسار أهل التفاسير على غير هذا الرأى، أنظر مثلا: «الجامع لأحكام القرآن» 20: 68 و «جامع البيان للطبرى 30: 181» . (3) قرأ بالتشديد ابن عامر وأبو جعفر، والباقون بتخفيفها. لغتان (الإتحاف: 438) . (4) زيادة فى ش. (5) من قوله: (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ) وهى قراءة مجاهد وأبى رجاء وقتادة والجحدري وأبى عمرو (البحر المحيط 8/ 471) . (6) روى عن الكسائي والسلمى، وهو تفاعلون من الحض وهو الحث (تفسير القرطبي 20/ 53) . (7) فى ش بإطعام. (8) فى ش: بعضهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 وقوله عز وجل: أَكْلًا لَمًّا (19) أكلا شديدا «وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا» (20) كثيرًا. وقوله عزَّ وجلَّ: يَقُولُ «1» يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (24) لآخرتي التي فيها الحياة والخلود. وقوله عزَّ وجل: فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (25) قَرَأَ عاصم والْأَعْمَش وأهل المدينة: «لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ، وَلا يُوثِقُ» بالكسر جميعا. وقرأ بذلك حَمْزَةُ [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ] «2» قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ: «فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ، وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ» بِالْفَتْحِ «3» . وَقَالَ [أَبُو عَبْدِ اللَّهِ «4» ] مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَهَّابِ الْخَفَّافَ «5» بِهَذَا الْإِسْنَادِ مثله [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ] «6» . قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُلَيْمَانَ أَبِي الرَّبِيعِ «7» عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ: «لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ، وَلا يُوثِقُ» بِالْكَسْرِ، فَمَنْ كَسَرَ أَرَادَ: فَيَوْمَئِذٍ لا يعذّب عذاب الله أحد، ومن قال: «يُعَذِّبُ» بالفتح فهو أيضا على ذلك الوجه: لا يعذّب أحد فى الدنيا كعذاب اللَّهِ يَوْمَئِذٍ. وَكَذَلِكَ الْوَجْهُ الأَوَّلُ، لا تَرَى أَحَدًا يُعَذِّبُ فِي الدُّنْيَا كَعَذَابِ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ. وقد وجّهه بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ رَجُلٌ مُسَمًّى لا يُعَذَّبُ كعذابه أحد. وقوله عز وجل: «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) . بالإيمان والمصدِّقة بالثواب والبعث «ارْجِعِي» (28) تَقُولُ لهم الملائكة إذا أعطوا كتبهم   (1) زيادة فى ش. (2، 6) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش. (3) قرأ الجمهور: لا يعذب ولا يوثق مبنيين للفاعل. وقرأ بهما مبنيين للمفعول ابن سيرين وابن أبى إسحق والكسائي ويعقوب وروى عن أبى عمرو (البحر 8/ 472) . (4) فى ش: وقال محمد بن الجهم. [ ..... ] (5) هو عبد الوهاب بن عطاء بن مسلم أبو نصر الحفاف العجلى البصري، ثم البغدادي ثقة مشهور، روى القراءة عن أبى عمرو ... مات ببغداد سنة 204 (طبقات الفراء 1/ 479) . (7) هو سليمان بن مسلم بن جمّاز أبو الربيع الزهري مولاهم، المدني، مقرىء جليل ضابط، عرض على أبى جعفر وشيبة، ثم عرض على نافع، وقرأ بحرف أبى جعفر ونافع. عرض عليه إسماعيل بن جعفر، وقتيبة بن مهران، مات بعد السبعين ومائة فيما أحسب (ابن الجزري فى طبقات القراء 1/ 315) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 بأيمانهم «ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ» إلى ما أعد اللَّه لَكَ من الثواب. وقد يكون أن يقولوا لهم هَذَا القول ينوون: ارجعوا من الدنيا إلى هذا المرجع. وأنت تقول للرجل: ممن أنت؟ فيقول: مضرى. فتقول: كن تميميا، أو قيسيا. أي: أنت من أحد هذين. فيكون «1» «كن» [صلة] «2» كذلك الرجوع [137/ ب] يكون [صلة] «3» لأنه قَدْ صار إلى القيامة، فكأن الأمر بمعنى الخبر، كأنه قَالَ: أيتها النفس أنت راضية مرضية. وقرأ ابْنُ عَبَّاس وحده: «فادخلي فِي عبدي «4» ، وادخلي جنتي» والعوام (فِي عِبادِي) . ومن سورة البلد وقوله عز وجل: أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً (6) . اللبد: الكثير. قَالَ بعضهم واحدته: لُبدة، ولُبَد جماع. وجعله بعضهم عَلَى جهة: قُثَم، وحُطَم واحدًا، وهو فِي الوجهين جميعا الكثير. وقرأ أَبُو جَعْفَر الْمَدَنِيّ. «مالًا لُبَداً» «5» مشددة مثل رُكّع، فكأنه أراد: مال لا بِدٌ، ومالان لابدان، وأموالٌ لبَّد. والأموال والمال قَدْ يكونان معنى واحد. وقوله عزَّ وجلَّ: وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (2) . يقول: هُوَ حلال لَكَ أحله يوم فتح مكَّة لم يحل قبله، ولن يحل بعده. وقوله عز وجل: وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (3) . أَقسم بآدم وولده، وصلحت (ما) للناس، ومثله: «وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى «6» » وهو الخالق الذكر والأنثى ومثله «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ «7» » ، ولم يقل: من طاب. وكذلك: «وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ «8» » كل هَذَا جائز فِي العربية. وَقَدْ   (1) فى ش: فيكون. (2، 3) سقط فى ش. (4) وقرأ (عبدى) أيضا: عكرمة والضحاك ومجاهد وأبو جعفر، وأبو صالح والكلبي. (البحر المحيط 8/ 472) (5) وعنه وعن زيد بن على بسكون الباء: لبدا، ومجاهد وابن أبى الزناد بضمهما (البحر المحيط: 8/ 476) . وقد قدم المؤلف هنا الكلام عن الآية 6 على الآية 2. (6) سورة الليل الآية: 3. (7) سورة النساء الآية: 3. (8) سورة النساء الآية: 22. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 تكون: (ما) وما بعدها فِي «1» معنى مصدر، كقوله: «وَالسَّماءِ وَما بَناها «2» » ، «وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها «3» » ، كأنه قَالَ: والسماء وبنائها ونفس وتسويتها. ووالد وولادته، وخلقه الذكر والأنثى، فأينما وجّهته فصواب. وقوله عزَّ وجلَّ: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (4) . يَقُولُ: منتصبا معتدلًا، وَيُقَال: خَلَقَ فِي كبد، إنه خَلَقَ يعالج ويكابد أمر الدنيا وأمر الآخرة، [138/ ا] ونزلت فِي رَجُل من بني جمح كَانَ يكنى: أبا الأشدين، وكان يجعل «4» تحت قدميه الأديم العكاظي، ثُمَّ يأمر العشرة فيجتذبونه من تحت قدميه فيتمزق «5» الأديم. ولم تزل قدماه. فَقَالَ اللَّه تبارك وتعالى: «أَيَحْسَبُ» (5) لشدته «أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ» (5) والله قادر عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: يَقُولُ: أنفقت مالًا كثيرًا فِي عداوة محمد صلّى الله عليه وهو كاذب، فَقَالَ اللَّه تبارك وتعالى: «أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ» (7) فِي إنفاقه. وقوله عزَّ وجلَّ: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (10) . النجدان: سبيل الخير، وسبيل الشر. قال: [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ] «6» حَدَّثَنَا الفراء قال: [حدثنا الْكِسَائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ] «7» وَحَدَّثَنِي قَيْسٌ عنْ زِيَادِ بْن عِلاقَةَ عنْ أَبِي عُمَارَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قوله جَلَّ وَعَزَّ: «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ» قَالَ: الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. وقوله عزَّ وجلَّ: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) . ولم يُضَم إلى قوله: [فلا أقتحم] كلام آخر فيه (لا) لان العرب لا تكاد تفرد (لا) في الكلام حتى يعيدوها عليه في كلام آخر، كما قال عز وجل: «فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى «8» » و «لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ «9» » ، وهو مما كان في آخره معناه، فاكتفى بواحدة من   (1) فى ش: من معنى. (2) سورة الشمس الآية: 5. (3) سورة الشمس الآية: 7. (4) فى ش: يضع. (5) فى ش: فيمزق. [ ..... ] (6، 7) ما بين الحاصرتين زيادة من ش. (8) سورة القيامة، الآية: 31. (9) سورة يونس، الآية: 62. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 أخرى. ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بشيئين، فقال: «فَكُّ رَقَبَةٍ، أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ» ، ثم كان [من الَّذِينَ آمنوا «1» ] ففسرها بثلاثة أشياء، فكأنه كان «2» في أول الكلام، فلا فعل ذا ولا ذا ولا ذا «3» . وقد قرأ العوام: «فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعامٌ «4» » (14) ، وقرأ الحسن البصري: «فَكُّ رَقَبَةٍ» وكذلك علي بن أبى طالب [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «5» ] قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي «6» مُحَمَّد بْن الفضل المروزي عنْ عطاء عنْ أبي عبد الرحمن عن علي أنه قرأها: «فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ «7» » وهو أشبه الوجهين بصحيح العربية لأن الإطعام: اسم، وينبغي أن يرد عَلَى الاسم «8» اسم مثله، فلو قيل: ثم إن كان أشكل للإطعام، والفك، فاخترنا: فَكَّ رقبةً لقوله: «ثُمَّ كانَ» ، والوجه الآخر جائز تضمر فيه (أن) ، وتلقى [138/ ب] فيكون مثل قول الشاعر «9» : ألا أيها ذا الزَّاجِري أحْضُرَ الوغى ... وأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هَلْ أنتَ مُخْلِدِي ألا ترى أن ظهور (أن) فِي آخر الكلام يدل: عَلَى أنها معطوفة عَلَى أخرى مثلها فِي أول الكلام وَقَدْ حذفها. وقوله عزَّ وجلَّ: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) . ذي مجاعة، ولو كانت «ذا مسغبة» تجعلها من صفة اليتيم، كأنه قَالَ: أَوْ أطعم فِي يَوْم يتيمًا ذا مسغبة أَوْ مسكينًا [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «10» ] قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي «11» حبّان   (1) ما بين الحاصرتين زيادة من ش. (2) فى ش، قال. (3) هذه رواية: ش. (4) وهو اختيار أبى عبيد، وأبى حاتم، لأنه تفسير لقوله تعالى: «وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ» ؟ ثم أخبره فقال: «فَكُّ رَقَبَةٍ، أَوْ إِطْعامٌ» ، والمعنى: اقتحام العقبة: فك رقبة أو إطعام (تفسير القرطبي 20/ 70) (5) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش. (6) فى ش: حدثنى. (7) وبها قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: أيضا (تفسير القرطبي: 20/ 70) . (8) فى ش: على اسم مثله. (9) لطرفة فى معلقته، وأحضر بالنصب بأن المحذوفة على مذهب الكوفيين، والبصريون يروونه بالرفع (الإنصاف: 327) وانظر (الخزانة 1/ 57 و 3/ 594، 625) . (10) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش. (11) فى ش: حدثنى. [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ مَرَّ بِمِسْكِينٍ لاصِقٍ بِالتُّرَابِ حَاجَةً، فَقَالَ: هَذَا الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ» (16) «وَالْمُوصَدَةُ» (20) : تُهْمَزُ وَلا تُهْمَزُ، وَهِيَ: الْمُطْبَقَةُ. ومن سورة الشمس وضحاها وقوله عز وجل: وَالشَّمْسِ وَضُحاها (1) ضحاها: نهارها، وكذلك قوله: «وَالضُّحى «1» » هُوَ النهار كُلِّه بكسرِ «2» الضحى: من ضحاها، وكل الآيات التي تشاكلها، وإن كَانَ أصل بعضها بالواو. من ذلك: تلاها، وصحاها، ودحاها لما ابتدئت السُّورة بحروف الياء والكسر اتّبَعها ما هو من الواو، ولو كان الابتداء للواو «3» لجاز فتح ذَلِكَ كُلِّه. وكان حمزة يفتح ما كان من الواو، ويكسر ما كَانَ من الياء، وذلك من قلة البصر بمجاري كلام العرب، فإذا انفرد جنس الواو فتحته، وإذا انفرد جنس الياء، فأنت فِيهِ بالخيار إن فتحت وإن كسرت فصواب. وقوله عز وجل: وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (2) قال الفراء: أنا أكسر كلّا [139/ ا] ، يريد اتبعها يعني اتبع «4» الشمس، ويقال: إذا تلاها فأخذ من ضوئها، وأنت قائل في الكلام: اتبعت قول أبي حنيفة، وأخذت بقول أبي حنيفة، والاتباع والتلوُّ سواء. وقوله عز وجل: وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها (3) : جلى الظلمة، فجاز الكناية عَنِ الظلمة ولم تُذْكر لأنّ معناها معروف، ألا ترى أنك تقول: أصبَحت باردةً، وأمست باردة، وَهبت شَمالًا، فكنى عن مؤنثات لم يجر لهن ذكر لأن معناها «5» معروف. وقوله عز وجل: فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) عرفها سبيل الخير، وسبيل الشر، وهو مثل قوله: «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ «6» » .   (1) سورة الضحى: الآية: 1. (2) فى ش: تكسر، والمراد تميل ألف الضحى. (3) سقط فى ش. (4) فى ش: يعنى: الشمس. (5) فى ش: معناهن. (6) سورة البلد الآية: 10. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 وقوله عز وجل: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) يقول: قد أفلحت نفس زكَّاها الله، وقد خابت نفس دسّاها، ويقال: قد أفلح من زكّى نفسَه بالطاعة والصدقة، وقد خاب من دسَّى نفسه، فأخملها بترك الصدقة والطاعة، ونرى- والله أعلم- أنّ دساها من: دسّسْت، بُدّلَت بعض سيناتها ياء، كما قالوا: تظنيت من: الظن، وتقضيت يريدون: تقضضتُ من: تقضّض [البازي،] «1» وخرجت أتلعّى: ألتمس اللّعاع أرعاه. والعرب تبدل في المشدد الحرف منه بالياء «2» والواو «3» من ذلك ما ذكرنا لك، وسمعت بعض بني عقيل ينشد: يشبو بها نشجانه [من النشيج «4» ] هذا «5» آخر بيت، يريد: [يَشُب] «6» : يظهر، يقال: الخمار الأسود [يشب] «7» لون [البيضاء] «8» فجعلها واوا، وقد سمعته في غير ذلك، ويقال: دويّه وداويّه، ويقال: أما فلان فصالح وأيما، ومن ذلك قولهم: دينار أصله دِنّار، يدل على ذلك جمعهم إياه دنانير، ولم يقولوا: ديانير، وديوان كان أصله: دِوّان لجمعهم إياه: دواوين [139/ ب] ، وديباج: ديابيج، وقيراط: قراريط، كأنه كان قِرّاط، ونرى أن دسّاها دسسها لأن البخيل يخفي منزله وماله، وأن الآخر يبرز منزله على الأشراف والروابي، لئلا يستتر عَنِ الضيفان، ومن أراده، وكل صواب. وقوله: بِطَغْواها (11) أراد بطغيانها إلّا أن الطغوى أشكلُ برءوس الآيات فاختير لذلك. ألا ترى أَنَّهُ قَالَ: «وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ «9» .» ومعناه آخر دعائهم، وكذلك «دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ «10» » ودعاؤهم فيها هذا.   (1) سقط فى ش، واللعاع، كغراب: نبت ناعم فى أول ما يبدو. وفى النسخ بالياء والصواب بدون باء. (2، 3) فى ش بالواو ومن. (4) سقط فى ش: من النشيج. (5) فى ش: وهذا. (6، 8) سقط فى ش. (7) فى اللسان: وشب لون المرأة خمار أسود لبسته أي: زاد فى بياضها ولونها فحسّنها لأنّ الضدّ يزيد فى ضده ويبدى ما خفى منه (وانظر ناج العروس) . (9، 10) سورة يونس الآية: 10. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 وقوله عز وجل: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (12) يُقال: إنهما كانا اثنين فلان ابْنُ دهر، والآخر قدار «1» ، ولم يقل: أشقياها، وذلك جائز لو أتى لأن العرب إِذَا [أضافت] «2» أفعل التي يمدحون بها وتدخل فيها (من) إلى أسماء وحدوها فِي موضع الاثنين والمؤنث والجمع، فيقولون للاثنين: هذان أفضل النَّاس، وهذان خير النَّاس، ويثنون أيضًا، أنشدني فِي تثنيته أَبُو القمقام الأسَدي: ألا بكرَ النَّاعِي بِخيرَيْ بنى أسد ... بعمرِو بْن مسعودٍ، وبالسَّيِّدِ الصَّمَدْ فإِنْ تَسَلُوني بالبيانِ فإنَّه ... أَبُو مَعْقِل لا حيَّ عَنْهُ، ولَا حَدَدْ «3» قَالَ الفراء: أي لا يكفي عَنْهُ حيٌّ، أي لا يُقال: حيَّ عَلَى فلان سواه، ولا حدد: أي لا يحد عَنْهُ لا يحرم، وأنشدني آخر فِي التوحيد، وهو يلوم ابنين لَهُ: يا أخبثَ الناسِ كل النَّاس قَدْ علموا ... لو تستطيعانِ كُنَّا مِثْل مِعْضاد «4» فوحَّد، ولم يقل: يا أخبثي، وكل صواب، ومن وحَّد فِي الاثنين قَالَ فِي الأنثى أيضًا: هِيَ أشقى القوم، ومن ثنى قَالَ: هِيَ شُقْيا النسوة عَلَى فُعْلَى. وأنشدني المفضل الضبي: غَبَقْتُك عُظْمَاها سَنَامًا أَوِ انبرى ... برزقك براق المتون أريب «5» وقوله عزَّ وجلَّ: فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ (13) نصبت الناقة عَلَى التحذير حذرهم إياها، وكل تحذير فهو نصب [140/ ا] ولو رفع عَلَى «6» ضمير: هَذِهِ ناقة اللَّه، فإِن العرب قَدْ ترفعه، وفيه معنى التحذير، ألا ترى أن «7» العرب تقول: هذا   (1) هو قدار بن سالف. [ ..... ] (2) سقط فى ش. (3) ورد البيت الأول فى الصحاح (خير) منسوبا إلى سيرة ابن عمرو الأسدى، وفى الأغانى: 19: 88 إلى نادبة بنى أسد. والمقصود بالسيد الصمد: خالد بن نضلة، وكان هو وعمرو بن مسعود نديمين للمنذر بن السماء، فراجعاه بعض القول على سكره، فغضب، فأمر بقتلهما. (4) المعضاد من السيوف: الممتهن فى قطع الشجر ... وهو كذلك سيف يكون مع القصابين تقطع به العظام (اللسان) . (5) حلب عظمى نوقه سناما فسقاه لبنها عشيا. (6) سقط فى ش. (7) فى ش: ألا ترى العرب نقول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 العدوُّ هَذَا العدوُّ فاهربوا، وفيه تحذير، وهذا الليل فارتحلوا، فلو قَرَأَ «1» قارئ بالرفع كَانَ مصيبًا أنشدني بعضهم: إن قومًا منهم عميرٌ وأشباهُ ... عُمَيْرٍ ومنْهُم السَّفَّاحُ لجديرون بالوفاءِ إِذَا قا ... ل أَخو النجدة: السلاحُ السلاحُ «2» فرفع، وفيه الأمر بلباس السلاح. وقوله عزَّ وجلَّ: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها (14) . يَقُولُ القائل: كيف كذبوه فعقروها؟ ونرى أن الكلام أن يُقال: فعقروها فكذبوه، فيكون التكذيب بعد العقر. وقد يكون عَلَى ما ظنّ، لأنك تَقُولُ: قتلوا رسولهم فكذبوه، أي: كفى بالقتل تكذيبًا، فهذا وجه، ويكون فكذبوه كلمة مكتفى بها، ويكون قوله: (فعقروها) جوابا لقوله: (إذ انبعث أشقاها) ، فعقروها. وكذلك جاء التفسير. ويكون مقدمًا وَمؤخرًا لأن العقر وقع بالتكذيب، وإذا وقع الفعلان معا جاز تقديم أيهما شئت. من ذَلِكَ: أعطيتَ فأحْسنت، وإن قلت: أحسنت فأعطيت كَانَ بذلك المعنى لأن الإعطاء هُوَ الإحسان، والإحسان هُوَ الإعطاء، كذلك العقر: هُوَ التكذيب. فقدمتَ ما شئتَ وأخرت الآخر. ويقول القائل: كيف قَالَ: فكذبوه ولم يكذبوه قبل ذَلِكَ إذ رضوا بأن يكون للناقة شِربٌ ولهم شِرب فجاء فِي التفسير: أنهم كانوا أقرُّوا بهذا غير مصدقين له: وقوله عز وجل: فَدَمْدَمَ (14) . أرجف بهم. «فَسَوَّاها» (14) عليهم. ويقال: فسوّاها: سوّى الأمة، أنزل العذاب بصغيرها وكبيرها بمعنى سوَّى بينهم. وقوله عزَّ وجلَّ: وَلا يَخافُ عُقْباها (15) . أهل المدينة يقرءون: «فلا يخاف عقباها «3» » بالفاء، وكذلك هى فى مصاحفهم، وأهل   (1) فى ش: قرأها. (2) ورد البيتان فى الجزء الأول من معانى القرآن 1/ 188 وفى الخصائص: لابن جنى 3/ 102، والدرر اللوامع: 1: 146، ولم ينسبا إلى قائلهما. (3) سقط فى ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 الكوفة «1» والبصرة: «وَلا يَخافُ عُقْباها» بالواو «2» والواو فى التفسير أجود [140/ ب] لأنَّه جاء: عقرها ولم يخف عاقبة عقرها، فالواو هاهنا أجود، وَيُقَال: لا يخاف عقباها. لا يخاف اللَّه أن ترجع وتعقب بعد إهلاكه، فالفاء بهذا المعنى أجود من الواو وكل صواب. ومن سورة الليل قوله عز وجل: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (3) . هِيَ فِي قراءة عَبْد اللَّه «والذكرِ والأنثى» فلو خفض خافض فِي قراءتنا «الذَّكَرَ وَالْأُنْثى «3» » يجعل «وَما خَلَقَ» كأنه قَالَ: والذي «4» خَلَقَ من الذكر والأنثى، وقرأه العوام عَلَى نصبها، يريدون: وخلقه الذكر والأنثى. وقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) . هَذَا جواب القسم، وقوله: «لَشَتَّى» يَقُولُ: لمختلف، نزلت فِي أَبِي بَكْر بْن أَبِي قحافة رحمه اللَّه، وفي أَبِي سُفْيَان، وذلك أن أبابكر الصديق رَضِي اللَّه عَنْهُ اشترى تسعة رجال كانوا فِي أيدي المشركين من ماله يريد بِهِ اللَّه تبارك وتعالى فانزل اللَّه جل وعز فِيهِ ذَلِكَ: «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى» (5) «وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى» (6) أبو بكر «فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى» (7) للعود إلى العمل الصالح. وقوله عز وجل: وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (9) : بثواب الجنة: أَنَّهُ لا ثواب. وقوله: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (10) . يَقُولُ: قَدْ خَلَقَ عَلَى أَنَّهُ شقي ممنوع من الخير، ويقول القائل: فكيف قَالَ: «فَسَنُيَسِّرُهُ   (1) فى ش: وأهل البصرة. (2) قرأ نافع وابن عامر: فلا بالفاء. والباقون بالواو. روى ابن وهب، وابن القاسم عن مالك قالا: أخرج إلينا مالك مصحفا لجده، وزعم: أنه كتبه فى أيام عثمان ابن عفان حين كتب المصاحف، وفيه: «وَلا يَخافُ» بالواو، وكذا هى فى مصاحف أهل مكة والعراقيين بالواو، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم اتباعا لمصاحفهم (القرطبي: 20/ 80) . (3) قرأ الكسائي: بخفضهما على أنه بدل من محل ما خلق بمعنى: وما خلقه الله، أي: ومخلوق الله الذكر والأنثى (تفسير الزمخشري: 4/ 217) . (4) كذا فى ش، وفى ب، ح: اللذين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 للعسرى» فهل فِي العسرى تيسير؟ فيقال فِي هَذَا فى إجازته بمنزلة قول الله تبارك الله وتعالى: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ «1» » . والبشارة فِي الأصل عَلَى المفرح والسار فإذا جمعت «2» فِي كلامين: هَذَا خير، وهذا شر جاز التيسير فيهما جميعًا. وقوله عزَّ وجلَّ: فَسَنُيَسِّرُهُ سنهيئه. والعرب تَقُولُ: قَدْ يسّرَت الغنم إِذَا ولدت وتهيأت للولادة: وقَالَ الشَّاعِر «3» : هما سيدانا يزعمان وإنما ... يسوداننا أن يسَّرت غنماهما وقوله [141/ ا] عز وجل: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (12) . يَقُولُ: من سلك الهدى فعلى اللَّه سبيله، ومثله قوله: «وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ «4» » يَقُولُ: من أراد اللَّهَ فهو عَلَى السبيل القاصد، وَيُقَال: إن علينا للهدى والِإضلال، فترك الإضلال كما قال: «سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ «5» » ، وهي تقي الحرّ والبرد. وقوله جل وعز: وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (13) . لثواب هَذِهِ، وثواب هَذِهِ. وقوله تبارك وتعالى: فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (14) . معناه: تتلظى فهي فِي موضع رفع، ولو كانت عَلَى معنى فعل ماض لكانت: فأنذرتكم نارا تلظّت. [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «6» ] قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سفيان بن عيينة «7»   (1) سورة التوبة الآية 3. [ ..... ] (2) فى ش: اجتمع. (3) هو أبو أسيّدة الدّبيرىّ، وقبل هذا البيت: إنّ لنا شيخين لا ينفعاننا ... غنيّين، لا يجدى علينا غناهما ومعنى البيت كما فى اللسان: «ليس فيهما من السيادة إلا كونهما قد يسرت غنماهما» والعرب: تَقُولُ: قَدْ يسّرَت الغنم إِذَا ولدت وتهيأت للولادة. ويسرت الغنم: كثرت وكثر لبنها ونسلها، - (اللسان مادة يسر) وانظر (تهذيب الألفاظ: 135، والحيوان: 6/ 65، 66) . (4) سورة النحل الآية: 9. (5) سورة النحل الآية: 81. (6) ما بين الحاصرتين زيادة من ش. (7) هو سفيان بن عيينة بن أبى عمران ميمون أبو محمد الهلالي الكوفي ثم المكي الأعور الإمام المشهور، ولد سنة سبع ومائة، وعرض القرآن على حميد بن قيس الأعرج، وعبد الله بن كثير، وثقه الكسائي، توفى سنة 198، ويقال: إنه حج ثمانين حجة. (طبقات القراء 1/ 308) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 عنْ عَمْرو بْن دينار قَالَ، «فاتت عبيدَ بْن عمير ركعةٌ من المغرب، فقام يقضيها فسمعته يقرأ: «فَأَنْذَرْتُكُمْ نارًا تَتَلَظّى «1» » : قَالَ الفراء ورأيتُها فِي مصحف عَبْد اللَّه: «تتلظّى» بتاءين. وقوله عزَّ وجلَّ: لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15) . إلا من كَانَ شقيًا فِي علم اللَّه. وقوله عز وجل: الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) . لم يكن كذّب بردٍّ ظاهر، ولكنه قصّر عما أمِر بِهِ من الطاعة، فجُعل تكذيبًا، كما تَقُولُ: لقي فلان العدو فكذب إِذَا نكَل ورجع. قَالَ الفراء: وسمعت أبا ثَرْوان يَقُولُ: إنّ بني نمير ليس لجدهم «2» مكذوبة. يَقُولُ: إِذَا لَقُوا صدقوا القتال ولم يرجعوا، وكذلك قول اللَّه تبارك وتعالى: «لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ «3» » يَقُولُ: هِيَ حق. وقوله عزَّ وجلَّ: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) أَبُو بَكْر. وقوله عزَّ وجلَّ: وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (19) . يَقُولُ: لم ينفق «4» نفقته مكافأة ليد أحد عنده، ولكن أنفقها ابتغاء وجه ربه، فإلّا فِي هَذَا الموضع بمعنى (لكن) وقد يجوز أن تجعل الفعل فِي المكافأة «5» مستقبلًا، فتقول: ولم يُرد مما «6» أنفق مكافأةً من أحد. ويكون موقع اللام التي فِي أحدٍ- فِي الهاء التي [141/ ب] خفضتها عنده، فكأنك قلت: وماله عند أحد فيما أنفق من نعمة يلتمس ثوابها، وكلا الوجهين حسن، قَالَ الفراء: ما أدري أي الوجهين أحسن، وَقَدْ تضع العرب الحرف فِي غير موضعه إِذَا كَانَ المعنى معروفًا وَقَدْ قَالَ الشَّاعِر «7» . لقد خفت حَتَّى ما تزيدُ مخافتي ... عَلَى وعلٍ فِي ذي المكاره عاقل   (1) وكذلك قرأ ابن الزبير، وزيد بن على، وطلحة، وسفيان بن عيينة. (البحر المحيط 8/ 484) . (2) وفى الأصول: «لحرهم» والتصويب من «القرطبى: جامع البيان 20: 87» . (3) سورة الواقعة الآية: 2. (4) فى ش: لم يكن ينفق. (5) فى ش: المكافآت. (6) فى ش: بما. (7) البيت للنابغة الذبياني، وقد استشهد به القرطبي فى الجزء (2: 81) والجزء (20: 227) فليرجع إليه هناك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 والمعنى: حَتَّى ما تزيد مخافة (وعلٍ) عَلَى مخافتي، ومثله من غير المخفوض قول الراجز «1» : إن سراجًا لكريم مفخره ... تَحْلَى بِهِ الْعَيْنُ إِذَا ما تجهره [قَالَ] «2» الفراء: حلِيت بعيني، وحلوت [فى صدرى] «3» والمعنى: تحلى بالعين إِذَا ما تجهره، ونصبُ الابتغاء من جهتين: من أن تجعل فيها نية إنفاقه ما ينفق إلا ابتغاء وجه ربه. والآخر عَلَى اختلاف ما قَبْلَ إلّا وما بعدها والعرب تَقُولُ: ما فِي الدار أحد إلّا أكلبًا وأحمرةً، وهي لغة لأهل الحجاز، ويتبعون آخر الكلام أوله «4» فيرفعون فِي الرفع، وقَالَ الشَّاعِر «5» فِي ذَلِكَ. وبلدةٍ ليس بها أنيس ... إلّا اليعافير وإلّا العيس فرفع، ولو رفع (إلا ابتغاء «6» وجه ربه) رافع لم يكن خطأ لأنك لو ألقيت من: من النعمة لقلت «7» : ما لأحد عنده نعمةٌ تجزى إلا ابتغاء، فيكون الرفع عَلَى اتباع المعنى، كما تَقُولُ: ما أتاني من أحد إلّا أبوك. ومن سورة الضحى قوله عزَّ وجلَّ: وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2) . فأمَّا الضحى فالنهار كُلِّه، والليل إِذَا سجى: إِذَا أظلم وركد في طوله، كما تَقُولُ: بحر ساج، وليل ساج، إِذَا ركد وسكن وأظلم. وقوله عز وجل: ما وَدَّعَكَ [142/ ا] رَبُّكَ وَما قَلى (3) . نزلت فِي احتباس الوحي عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمس عشرة [ليلة] «8» ، فَقَالَ المشركون: قَدْ ودّع مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربُّه، أَوْ قلاه التابع الَّذِي يكون معه، فأنزل اللَّه جلّ وعزّ: «مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ» يا محمد، «وَما قَلى» يريد: وما قلاك، فألقيت الكاف، كما يَقُولُ «9» : قد أعطيتك وأحسنت   (1) لم أعثر على القائل [ ..... ] (2، 3) سقط فى ش. (4) سقط فى ش. (5) هو عامر بن الحارث الملقب: بجران العود. شاعر نميرى. الخزانة 4/ 197. وفى ش: فيه، تحريف. (6) قرأ ابن وثاب بالرفع على البدل فى موضع نعمة لأنه رفع، وهى لغة تميم (البحر المحيط 8/ 484) . (7) سقط فى ش. (8) ما بين الحاصرتين اضافة يقتضيها السياق. (9) فى ش: تقول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 ومعناهُ: أحسنت إليك، فتكتفي بالكاف الأولى من إعادة الأخرى، ولأن رءوس الآيات بالياء، فاجتمع ذَلِكَ فِيهِ. وقوله عزَّ وجلَّ: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (5) . وهي «1» فِي قراءة عَبْد اللَّه: «ولسيعطيك [ربك فترضى «2» ] » والمعنى واحد، إلا أن (سوف) كثرت فِي الكلام، وعرِف موضعها، فترك منها الفاء والواو، والحرف إذا كثر فربما فعل به ذلك، كما قيل: أيش تقول، وكما قيل: قم لاباك، وقم لا بشانئك، يريدون: لا أبا لك، ولا أبا لشانئك، وَقَدْ سمعت بيتًا حذفت الفاء فِيهِ من كيف، قَالَ الشَّاعِر «3» : من طالبين لِبُعران لنا رفضت ... كيلا يحسون من بعراننا أثرًا أراد: كيف لا يحسون؟، وهذا لذلك. وقوله عزَّ وجلَّ: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6) . يَقُولُ: كنت فِي حجر أَبِي طَالِب، فجعل لك مأوى، وأغناك عَنْهُ، ولم يك غنى عنْ «4» كثرة مال، ولكنّ اللَّه رضّاه بما آتاه. وقوله عز وجل: فَأَغْنى (8) و «فَآوى» يراد به (فأغناك) و (فآواك) فجرى عَلَى طرح الكاف لمشاكلة رءوس الآيات. ولأنّ المعنى معروف. وقوله عزَّ وجلَّ: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (7) . يريد: فِي قوم ضلال فهداك «5» «وَوَجَدَكَ عائِلًا» (8) : فقيرًا، ورأيتها فِي مصاحف عَبْد اللَّه «عديما» ، و [المعنى واحد] «6» . وقوله عزَّ وجلَّ: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9) . فتذهب بحقه لضعفه، وهي فِي مصحف عَبْد اللَّه «فلا تكهر «7» » ، وسمعتها من أعرابي من بنى أسد قرأها علىّ.   (1) سقط فى ش: هى. (2) ما بين الحاصرتين زيادة من ش. (3) انظر: الخزانة: 3/ 195. (4) فى ش: ولم يكن غنى من. (5) فى ش: فهدى. (6) سقط فى ش. (7) وبها قرأ ابن مسعود، وإبراهيم التيمي. وهى لغة بمعنى قراءة الجمهور (البحر المحيط 8/ 486) . [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 وقوله عزَّ وجلَّ: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10) . السائل على [142/ ب] الباب يَقُولُ: إمّا «1» أعطيته، وإمّا رددته ردًّا لينا. وقوله تبارك وتعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) . فكان القرآن أعظم نعمة اللَّه عَلَيْهِ، فكان يقرؤه ويحدث بِهِ، وبغيره من نعمه. ومن سورة ألم نشرح قوله عزَّ وجلَّ: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) . نلين لك قلبك. «وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ» (2) ، يَقُولُ: إثم الجاهلية، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «وحللنا عنك وِقْرك «2» » ، يَقُولُ: من الذنوب. وقوله عز وجل: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (4) . لا أُذكر إلَّا ذُكِرتَ معي. وقوله عزَّ وجل: الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) . فِي تفسير الكلبي: الَّذِي أثقل ظهرك، يعني: الوِزر. وقوله عزَّ وجلَّ: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) . وفي قراءة عَبْد اللَّه: مرةً واحدةً ليست بمكررة. قال حدثنا الفراء، وقال «3» : وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لا يَغْلِبُ يُسْرَيْنِ عُسْرٌ وَاحِدٌ. وقوله عزَّ وجلَّ: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) . إِذَا فرغت من صلاتك، فانصب إلى ربك «4» فِي الدعاء وارغب. قَالَ الفراء: فانصب من النّصب.   (1) سقط فى ش. (2) انظر المحتسب 2/ 367. (3) فى ش: قال. (4) فى ش: الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ] «1» قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: [وَحَدَّثَنِي] «2» قيس بْن الربيع عنْ أَبِي حصين، قَالَ: مرّ شريح برجلين يصطرعان، فَقَالَ: ليس بهذا أُمِرَ الفارغ «3» ، إنَّما قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: «فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ، وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ» ، فكأنه فِي قول شريح: إِذَا فرغ الفارغ من الصلاة أو غيرها. ومن سورة التين «4» قوله عز وجل: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) . قَالَ ابْنُ عَبَّاس: هُوَ تينكم هَذَا وزيتونكم، وَيُقَال: إنهما جبلان بالشام، وقَالَ مرة أخرى: مسجدان بالشام، أحدهما الَّذِي كلّم اللَّه تبارك وتعالى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ. قال الفراء: وسمعت [143/ ا] رجلًا من أهل الشام وكان صاحب تفسير قال: التين جبال ما بين حلوان إلى همدان، والزيتون: جبال «5» الشام، «وَطُورِ سِينِينَ» (2) : جبل. وقوله عزَّ وجلَّ: وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) . مكَّة، يريد: الآمِن، والعرب تَقُولُ للآمن. الأمين، قَالَ الشَّاعِر «6» : ألم تعْلمي يا أسْم ويْحكِ أنني ... حَلفتُ يمينًا لا أخون أميني؟ يريد آمني. وقوله عزَّ وجلَّ: فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) . يَقُولُ: إنا لنبلغ بالآدمي أحسن تقويمه، وهو اعتداله واستواء شبابه، وهو أحسن ما يكون، ثُمَّ نرده بعد ذَلِكَ إلى أرذل العمر، وهو وإن كَانَ واحدًا، فإنه يراد بِهِ نفعل ذا بكثير من الناس، وقد   (1) سقط فى ش. (2) فى ش: حدثنى (3) عبارة القرطبي ج 20: 109 قال ابن العربي: «روى عن شريح أنه مر بقوم يلعبون يوم عيد فقال ما بهذا أمر الشارع» (4) فى ش: والتين. (5) وكذا فى معجم البلدان لياقوت. (6) نقله القرطبي عن الفراء 20/ 113 ولم ينسبه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 تَقُولُ العرب «1» : أنْفَق فلان ماله عَلَى فلان، وإنما أنفق بعضه، وهو كَثِير فِي التنزيل من ذَلِكَ قوله فِي أَبِي بَكْر: «الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى «2» » لم يُرد كل ماله إنَّما أراد بعضه. ويقال: «ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ» (5) . إلى النار ثُمَّ استثنى فَقَالَ: «إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا» استثناء «3» من الْإِنْسَان: لأنّ معنى الْإِنْسَان: الكثير. ومثله: «إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا «4» » وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه «أسفل السافلين «5» » ، ولو كانت: أسفل سافل لكان «6» صوابًا لأنّ لفظ الْإِنْسَان. واحدٌ، فقيل: «سافِلِينَ» عَلَى الجمع لأن الْإِنْسَان فِي معنى جمع، وأنت تَقُولُ: هَذَا أفضل قائم، ولا تقول: هَذَا أفضل قائمين لأنك تضمر لواحد، فإذا كَانَ الواحد غير مقصود «7» لَهُ رجع اسمه بالتوحيد وبالجمع كقوله «وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ «8» » وقَالَ فِي عَسَقَ: «وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ «9» » فردّ الْإِنْسَان عَلَى جمع، ورد تصبهم عَلَى الإنسان للذى أنبأتك بِهِ. وقوله عزَّ وجلَّ: فَما يُكَذِّبُكَ [143/ ب] (7) . يَقُولُ: فما الَّذِي يكذبك بأن النَّاس يدانون بأعمالهم، كأنه قَالَ، فمن يقدر عَلَى تكذيبك بالثواب والعقاب بعد ما تبين لَهُ من خلقنا الإنسان على ما وصفنا.   (1) فى ب: العربي. (2) سورة الليل الآية: 18. (3) سقط فى ش. (4) سورة العصر: 2، 3. [ ..... ] (5) انظر البحر المحيط: (8/ 490) . (6) فى ش: كان. (7) فى الأصل: «مصمود» وظاهره أنه خطأ، والتصويب من (الطبري: 30- 246) (8) سورة الزمر الآية: 33. (9) سورة الشورى الآية: 48. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 ومن سورة اقرأ باسم ربك قوله عزَّ وجلَّ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) . هَذَا أول ما أنزل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى الله عليه من القرآن. وقوله عزَّ وجلَّ: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) . [قيل: من علق] «1» ، وإنما هِيَ علقةٌ، لأنّ الْإِنْسَان فِي معنى جمع، فذهب بالعلق إلى الجمع لمشاكلة رءوس الآيات. وقوله عزَّ وجلَّ: أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (7) . ولم يقل: أن رَأَى نفسه والعرب إِذَا أوقعت فلا يكتفي «2» باسم واحد عَلَى أنفسها، أَوْ أوقعته من غيرها عَلَى نفسه جعلوا موضع المكني نفسه، فيقولون: قتلتَ نفسك، ولا يقولون: قتلتَك قتلته «3» ، ويقولون «4» : قتل نفسَه، وقتلتُ نفسي، فإذا كَانَ الفعل يريد: اسمًا وخبرًا طرحوا النفس فقالوا: مَتَى تراك خارجًا، ومتى تظنك خارجًا؟ وقوله عز وجل: «أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى» من ذَلِكَ. وقوله جل وعز: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (9) عَبْداً إِذا صَلَّى، (10) . نزلَت فِي أَبِي جهل: كَانَ يأتي رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مصلّاه، فيؤذيه وينهاه، فَقَالَ اللَّه تبارك وتعالى، «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى، عَبْداً إِذا صَلَّى» ؟ يعني النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ «5» قَالَ جل وعز: أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) . وفيه عربية، مثله من الكلام لو قيل: أرأيت الَّذِي ينهى عبدًا إِذَا صلّى وهو كاذب متولٍّ عَنِ الذكر؟ أي: فما أعجب من «6» ذا.   (1) سقط فى ش. (2) فى ش: وقعت فعلا يكتفى، وكلا الفعلين مصحف. (3) كذا فى ش، وفى ب، ح: قتله، تصحيف. (4) فى ش: حتى يقولوا. (5) سقط فى ش. (6) فى ش: عن، تصحيف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 ثُمَّ قَالَ: وَيْلَهُ!، أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (14) . يعني: أبا جهل، ثُمَّ قال: «كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ [144/ ا] لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ» (15) . ناصيته: مقدم رأسه، أي: لَنَهْصرنها، لنأخذن «1» بها لنقمئنّه «2» ولنذلّنه، ويقال: لنأخذن بالناصية إلى النار، كما قَالَ جلّ وعز، «فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ «3» » ، فيُلقَون فِي النار، وَيُقَال: لنسوّدَنَّ وجهه، فكفَتِ الناصية من الوجه لأنها فِي مقدّم الوجه. وقوله عز وجل: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (17) قومه. والعرب تَقُولُ: النادي يشهدون عليك، والمجلس، يجعلون: الناديَ، والمجلس، والمشهد، والشاهد- القوم قوم الرجل، قَالَ الشَّاعِر «4» . لهمْ مجلِسْ صُهبُ السِّبَالِ أذِلَّةٌ ... سواسيةٌ أحرارُها وعبيدُها أي: هُمْ سواء. وقوله عز وجل: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (15) ناصِيَةٍ (16) . عَلَى التكرير، كما قَالَ: «إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِراطِ اللَّهِ «5» » المعرفة تُرد عَلَى النكرة بالتكرير، والنكرة عَلَى المعرفة، ومن نصب (ناصيةً) جعله فعلًا للمعرفة وهي جائزة فِي القراءة «6» . وقوله عزَّ وجلَّ: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ، (17) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (18) .   (1) فى ش: ليأخذن، تصحيف. (2) لنقمئنه: لنذلنه. (3) سورة الرحمن الآية: 41. [ ..... ] (4) نسبه القرطبي فى تفسيره 20/ 127 لجرير ولم أجده فى ديوانه. وهو لذى الرمة؟ لا لجرير:. صهب: جمع أصهب. أحمر. والسبال: الشعر الذي عن يمين الشفة العليا وشمالها. (5) سورة الشورى الآيتان: 52، 53. (6) قرأ الجمهور: «ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ» بجر الثلاثة على أن ناصية بدل نكرة من معرفة (البحر المحيط 8/ 295) وحسن إبدال النكرة من المعرفة لما نعتت النكرة (إعراب القرآن 2/ 156) . وقرأ أبو حيوة، وابن أبى عبلة وزيد بن على بنصب الثلاثة على الشتم، والكسائي فى رواية برفعها، أي: هى ناصية كاذبة خاطئة (البحر المحيط 8/ 495) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 فهم أقوى وهم يعملون بالأيدي والأرجل، والناقة قَدْ تَزْبِن الحالب وتركضه برجلها. وقَالَ الكِسَائِيّ: بأَخَرة واحد الزبانية زِبْنِيٌّ «1» وكان قبل ذَلِكَ يَقُولُ: لم أسمع لها بواحد، ولست أدري أقياسًا مِنْهُ أَوْ سماعًا. وفي قراءة عَبْد اللَّه: «كَلَّا لَئِن لَمْ يَنتَهِ لِأَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ» ، وفيها: «فَلْيَدْعُ إِليّ نَادِيَه فسأدعو الزّبانية» . ومن سورة القدر قوله عزَّ وجلَّ: وَما أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) . كل ما كَانَ فِي القرآن من قوله: «وَما أَدْراكَ» فقد أدراه، وما كَانَ من قوله: «وَما يُدْرِيكَ» فلم يدره. وقوله عزَّ وجلَّ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) . [144/ ب] يَقُولُ: العمل فِي ليلة القدر خير من العمل فِي ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. وليلة- القدر- فيما ذكر حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابن عباس فِي كل شهر رمضان. وقوله عزَّ وجلَّ: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها (4) يُقال: إن جبريل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينزل ومعه الملائكة، فلا يَلْقون مؤمنًا ولا مؤمنة إلا سلّموا عليه، [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «2» ] قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس أنه كان يقرأ: «من كلّ امرى (4) سَلَامٌ» ، (5) فَهَذَا مُوَافِقٌ لِتَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ، وَلَمْ يَقْرَأْ به أحد غير ابن عباس «3» . وقول العوام: انقطع الكلام عند قوله: «مِنْ كُلِّ أَمْرٍ» ، ثُمَّ استأنف فَقَالَ: «سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» و (المطلِع) كسره يَحيى بْن وثاب وحدَه «4» ، وقرأه العوام بفتح اللام (مطلع) .   (1) فى اللسان (زين) : وقال الزجاج: واحدهم: زبنية. (2) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش. (3) هى أيضا قراءة عكرمة والكلبي (المحتسب 2/ 368) . (4) قرأ به أيضا أبو رجاء والأعمش وابن وثاب وطلحة وابن محيصن والكسائي وأبو عمرو بخلاف عنه. فقيل: هما مصدران فى لغة بنى تميم، وقيل: المصدر بالفتح، وموضع الطلوع بالكسر عند أهل الحجاز (البحر المحيط 8/ 497) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 وقول العوام أقوى فِي قياس العربية لأن المطلَع بالفتح هُوَ: الطلوع، والمطِلع: المشرق، والموضع الَّذِي تطلع مِنْهُ إلّا أن العرب يقولون: طلعت الشمس مطلعا فيكسرون. وهم يريدون: المصدر، كما تقول: أكرمتك كرامة، فتجتزىء بالاسم من المصدر. وكذلك قولك: أعطيتك عطاء اجتزى فيه بالاسم من المصدر. ومن سورة لم يكن قوله عزَّ وجلَّ: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) . يعني: النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «لَمْ يَكُنِ المُشْرِكُون وَأَهْلُ الكِتابِ مُنْفَكِّين» . فقد اختَلف التفسير، فقيل: لم يكونوا منفكين منتهين حتى [145/ ا] تأتيهم البينة. يعني: بعثه مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والقرآن. وقَالَ آخرون: لم يكونوا تاركين لصفة مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى كتابهم: أَنَّهُ نبيٌ حتَّى ظهر، فلما ظهر تفرقوا واختلفوا، ويصدّق ذَلِكَ. قوله عزَّ وجلَّ: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَقَدْ يكون الانفكاك عَلَى جهةِ يُزال، ويكون عَلَى الانفكاك الَّذِي تعرفه، فإِذا كانت عَلَى جهة يَزال فلا بد لها من فعل، وأن يكون معها جحد، فتقول: ما انفككت أذكرك، تريد: ما زلت أذكرك، فإِذا كانت عَلَى غير معنى: يزال، قلت: قَدِ انفككت منك، وانفك الشيء من الشيء، فيكون بلا جحد، وبلا فعل، وَقَدْ قَالَ ذو الرمة: قلائص لا تنفك إلّا مُناخة ... عَلَى الخسف أَوْ ترمي بها بلدًا قفرا «1» فلم يدخل فيها إلا (إِلا) وهو ينوي بها التمام وخلاف: يزال، لأنك لا تَقُولُ: ما زلت إلا قائمًا.   (1) روى (حراجيج) مكان (قلائص) . وحراجيج جمع: حرجوج، بضم فسكون، وهى الناقة السمينة الطويلة على وجه الأرض، أو الشديدة. ديوان الشاعر: 173، والكتاب: 1: 428، وتفسير القرطبي: 20: 141 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 وقوله عزّ وجلّ: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ (2) . نكرة استؤنف عَلَى البينة، وهي معرفة، كما قَالَ: «ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ، فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ «1» » وهي فِي قراءة أَبِي: «رَسُولًا مِنَ اللَّهِ» بالنصب عَلَى الانقطاع من البيِّنة. وقوله تبارك وتعالى: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ (5) . العرب تجعل اللام فِي موضع (أن) فِي الأمر والإرادة كثيرًا من ذَلِكَ قول اللَّهِ تبارك وتعالى: «يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ «2» » ، و «يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا «3» » . وقَالَ فِي الأمر فِي غير موضع من التنزيل، «وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ «4» » وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه، «وَمَا أُمِرُوا إلّا أن يعبدوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ» وفي قراءة عَبْد اللَّه: «ذَلِكَ الدين القيمة «5» » (5) وفي قراءتنا «وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» وهو [145/ ب] مما يضاف إلى نفسه لاختلاف لفظيه. وَقَدْ فسر فِي غير موضع. وقوله جل وعز: أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) . البرية غير مهموز، إلا أن بعض أهل الحجاز همزها «6» كأنه أخذها من قول اللَّه جل وعز برأكم، وبرأ الخلق، «7» ، ومن لم يهمزها فقد تكون من هَذَا المعنى. ثُمَّ اجتمعوا عَلَى ترك همزها كما اجتمعوا عَلَى: يَرَى وتَرى ونرى «8» وإن أخذِتْ من البَرَى كانت غير مهموزة، والبرى: التراب سمعت العرب تَقُولُ: بفيه «9» البري، وحمّى خيبري، وشرُّ ما يرى «10» [فإنه خيسرى «11» ] .   (1) سورة البروج الآيتان: 15، 16. (2) سورة النساء الآية: 26. (3) سورة الصف الآية: 8. (4) سورة الأنعام الآية: 71. (5) على أن الهاء فى هذه القراءة للمبالغة، أو على أن المراد بالدين: الملة كقوله: ما هذه الصوت؟ يريد ما هذه الصيحة (البحر المحيط 8/ 499) . ورواية القرطبي ج 20: 144 وفى حرف عبد الله «وذلك الدين القيم» (6، 7) ليس فى كتاب الله: برأكم، ولا برأ الخلق. وعبارة ش: كأنه أخذها من قول الله: برأ وبرأ الخلق. وفى اللسان: مادة «برأ» قال الفراء: هى من برأ الله الخلق، أي: خلقهم. [ ..... ] (8) سقط من ش. (9) مثلها فى اللسان، وفى ب: بفيل، وفى ش: بعتك وكل تحريف. (10) فى اللسان: يقال: عليه الدبرى، وحمى خيبرى مادة (خبر) . وفى مادة خسر من اللسان: وفى بعض الأسجاع: بفيه البري، وحمّى خيبري، وشرُّ ما يرى، فإنه خيسرى، والخيسرى: الخاسر. (11) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 ومن سورة الزلزلة قوله عزَّ وجلَّ! إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (1) . الزّلزال مصدر، قال [حدثنا الفراء قال] «1» ، وحدثني مُحَمَّد بْن مروان قَالَ: قلت: للكلبي: أرأيت قوله: «إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها» فقال: هذا بمنزلة قوله: «وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً «2» » قَالَ الفراء، فأضيف المصدر إلى صاحبه وأنت قائل فِي الكلام: لأعطينَّك عطيتك، وأنت تريد عطية، ولكن قرّبه من الجواز موافقة رءوس الآيات التي جاءت بعدها. والزِّلزال بالكسر: المصدر والزَّلزال بالفتح: الاسم. كذلك القَعقاع الَّذِي يقعقع- الاسم، والقِعقاع المصدر. والوَسواس «3» : الشيطان وما وسوس إليك [أو حدثك، فهو اسم] «4» والوِسواس المصدر. وقوله عَزَّ وجَلَّ: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (2) . لفظتْ ما فيها من ذهب أَوْ فضة أَوْ ميّت. وقوله جل وعز: وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (3) . الإنسان، يعنى به هاهنا: الكافر قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: «يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها» (4) . تخبر بما عمل [146/ ا] عليها من حسن أو سيىء. وقوله عزَّ وجلَّ: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (5) . يَقُولُ: تحدِّث أخبارها بوحي اللَّه تبارك وتعالى، وإذنه لها، ثم قال: «لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ» (6) فهي- فيما جاء بِهِ التفسير- متأخرة، وهذا موضعها. اعترض بينهما   (1) سقط من ش. (2) سورة نوح الآية: 18. (3) فى هامش ب عند قوله: والقعقاع، المصدر: «والوسواس، المصدر. (4) سقط فى ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 «يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً» (6) ، مقدم معناه التأخير. اجتمع القراء عَلَى (لِيُرَوْا) ، ولو قرئت: (لِيَرَوْا) كَانَ صوابًا «1» . وفي قراءة عبد الله مكان (تحدّث) ، (تنبّىء) ، وكتابها (تنبّأ) بالألف. «يَرَهُ» (7) تجزم الهاء وترفع «2» . ومن سورة العاديات قوله عز وجل: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (1) . قَالَ ابْنُ عَبَّاس: هِيَ الخيلُ، والضبيح: أصوات أنفاسها إذا عدون. قال: حدثنا [الفراء قال] «3» : حدثني بذلك حِبَّان بإسناده عَنِ ابْنِ عَبَّاس. وقوله عز وجل: فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (2) . أورت النار بحوافرها، فهي نار الحُباحب. قَالَ الكلبي بإسناده: وكان الحباحب من أحياء العرب، وكان من أبخل النَّاس، فبلغ بِهِ البخل، أَنَّهُ كَانَ لا يوقد نارًا إلَّا بليل، فإذا انتبه منتبه ليقتبس منها «4» أطفأها، فكذلك ما أورت الخيل من النار لا ينتفع بها، كما لا ينتفع بنار الحباحب. وقوله عز وجل: فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (3) . أغارت الخيل صبحا، وإنما كانت سريَّة بعثها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بني كنانة، فأبطأ عَلَيْهِ خبرها، فنزل عَلَيْهِ الوحي بخبرها فِي العاديات، وكان عليّ بْن أَبِي طَالِب رحمه اللَّه يَقُولُ: هِيَ الإبلُ، وذهب إلى وقعة بدر، وقَالَ: ما كَانَ معنا يومئذ إلا فرس عَلَيْهِ المقداد بْن الأسود. وقوله عزَّ وجلَّ: فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (4) . والنقع: الغبار، ويقال: التراب.   (1) قرأ: ليروا: الحسن والأعرج وقتادة وحماد بن سلمة والزهري وأبو حيوة وعيسى ونافع فى رواية (البحر 8/ 501) . (2) قرأ (يره) معا بإسكان الهاء هشام وابن وردان من طريق النهرواني عن ابن شبيب، وقرأهما بالاختلاس يعقوب ... والباقون بالإشباع. الإتحاف: 273. (3) سقط فى ش. (4) فى ش: بها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 وقوله عز وجل: بِهِ نَقْعاً «1» يريد [146/ ب] : بالوادي، ولم يذكره قبل ذَلِكَ، وهو جائز لأن الغبار لا يثار إِلّا من موضع وإن لم يذكر، وإذا عرف اسم الشيء كُني عَنْهُ وإن لم يَجْرِ لَهُ ذكر. قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ «2» » ، يعنى: القرآن، وهو مستأنف سورة، وما استئنافه فِي سورة إلّا كذكره فِي آية قَدْ جرى ذكره فيما قبلها، كقوله: «حم، وَالْكِتابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْناهُ «3» » ، وقَالَ اللَّه تبارك وتعالى: «إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ «4» » يريد: الشمس ولم يجر لها «5» ذكر. وقوله عز وجل: فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (5) . اجتمعوا عَلَى تخفيف (فوسطن) ، ولو قرئت «فَوَسَطْنَ» كَانَ صوابًا «6» لأن العرب تَقُولُ: وسَطت الشيء، ووسّطته وتوسَّطته، بمعنى واحد. وقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) . قَالَ الكلبي وزعم «7» أنها فِي لغة كندة وحضرموت: «لَكَنُودٌ» : لَكفور بالنعمة. وقَالَ الْحَسَن: «إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ» قَالَ: لَوّام لربه يُعد المسيئات، وينسى النعم. وقوله عزَّ وجلَّ: وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (7) . يَقُولُ: وإن اللَّه عَلَى ذَلِكَ لشهيد. وقوله تبارك وتعالى: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) . قَدِ اختلف فِي هَذَا قَالَ الكلبي بإسناده: لشديد: لبخيل، وقَالَ آخر: وَإِنَّهُ لحب الخير لقويٌّ، والخير: المال. ونرى والله أعلم- أن المعنى: وَإِنَّهُ لِلْخير لشديد الحب، والخير: المال،   (1) سقط فى ش. (2) سورة القدر الآية 1. [ ..... ] (3) سورة الدخان الآيات: 1، 2، 3. (4) سورة ص الآية 32. (5) كذا فى ش: وفى ب، ح: له. (6) هى قراءة على بن أبى طالب، وابن أبى ليلى، وقتادة (المحتسب: 2/ 370) . (7) فى ش: زعم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 وكأن الكلمة لما تقدم فيها الحب، وكان موضعه أن يضاف إِلَيْه شديد حذف الحب من آخره لمّا جرى ذكره فِي أوله، ولرءوس الآيات، ومثله فى سورة إِبْرَاهِيم: «أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ «1» » والعصُوف لا يكون للَأيام إنَّما يكون للريح [147/ ا] فلما جرى ذكر الريح قبل اليوم طرحت من آخره، كأنه قيل: فِي يَوْم عاصف الريح. وقوله عزَّ وجلَّ: أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (9) . رأيتها فِي مصحف عَبْد اللَّه: «إِذَا بحث ما فِي القبور «2» » ، وسمعت بعض أعراب بني أسد، وقرأها فَقَالَ: «بحثر» «3» وهما لغتان: بحثر، وبعثر. وقوله عزَّ وجلَّ: وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) بُيّن. وقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11) . وهي «4» فِي قراءة عبد اللَّه: «بأنه يومئذ بهم خبير «5» » ومن سورة القارعة قوله عزَّ وجلَّ: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (4) . يريد: كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضًا، كذلك النَّاس يومئذ يجول بعضهم فِي بعض. وقوله عز وجل: كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) وفي قراءة عَبْد اللَّه: «كالصوف المنفوش» وذكِر: أن صُوَر الجبال تسّير عَلَى الأرض، وهي فى صور الجبال كالهباء.   (1) سورة إبراهيم الآية: 18. (2) وقرأ بها أيضا الأسود بن زيد (البحر 8/ 505) . (3) وقرأ بها عبد الله بن مسعود (البحر 8/ 505) . (4) سقط من ش. (5) يروى: أن الحجاج قرأ هذه السورة على المنبر يحضهم على الغزو فجرى على لسانه: «إِنَّ رَبَّهُمْ» بفتح الألف، ثم استدركها فقال: «لَخَبِيرٌ» بغير لام. (تفسير القرطبي 20/ 163) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 وقوله عز وجل: كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ. لأن ألوانها مختلفة، كألوان العهن. وقوله عزَّ وجل: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (6) . ووزنه، والعرب تَقُولُ: هَلْ لَكَ فِي درهم بميزان درهمك ووزن درهمك، ويقولون: داري بميزان دارك ووزن دارك، وقَالَ الشَّاعِر: قَدْ كنتُ قبلَ لقائِكم ذا مِرَّةٍ ... عندي لكلٍ مخاصم ميزانه «1» يريد: عندي وزن كلامه ونقضه. وقوله جل وعز: فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (9) . صارت مأواه، كما تؤوي المرأة ابنها، فجعلها إِذ لا مأوى لَهُ غيرها أمًّا لَهُ. ومن سورة التكاثر قوله عز وجل: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) . نزلت فى حيين من قريش تفاخروا: أيهم أكثر عددًا؟ وهما: بنو عَبْد مناف وبنو سهم فكثرت [147/ ب] بنو عَبْد مناف بني سهم، فَقَالَت بنو سهم: إن البغي أهلكنا فِي الجاهلية، فعادّونا بالأحياء وَالأموات فكثَرتهم بنو سهم، فأنزل اللَّه عز وجل: «أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ» حتَّى ذكرتم الأموات، ثُمَّ قَالَ لهم: «كَلَّا» (3) ليس الأمر عَلَى ما أنتم [عَلَيْهِ «2» ] ، وقَالَ: [ «سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ] «3» » (4) . والكلمة قَدْ تكررها العرب عَلَى التغليظ والتخويف، فهذا من ذاك. وقوله عزَّ وجلَّ: عِلْمَ الْيَقِينِ (5) . مثل قوله: «إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ «4» » ، المعنى فيه: لو تعلمون علما يقينا.   (1) فى تفسير القرطبي: 20/ 166: وقيل: إن الموازين الحجج والدلائل، قاله عبد العزيز بن يحيى، واستشهد بقول الشاعر: قد كنت قبل لقائكم ..... البيت. (2) زيادة فى ش. (3) اضطربت العبارة التي بين الرقمين فى ش. (4) سورة الواقعة: 95. [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 وقوله عز وجل: لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) . «ثُمَّ لَتَرَوُنَّها» (7) مرتين من التغليظ أيضًا. «لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ» (7) عينًا لستم عَنْهَا بغائبين، فهذه قراءة العوام أهل المدينة، وأهل الكوفة وأهل «1» البصرة بفتح التاء من الحرفين. [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ «2» ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْفَضْلِ عنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَرَأَ «لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ، ثُمَّ لَتَرَوُنَّها» ، بِضَمِّ التَّاءِ الأُولَى، وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ «3» . وَالأَوَّلُ أَشْبَهُ بِكَلامِ الْعَرَبِ، لأَنَّهُ تَغْلِيظٌ، فَلا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ لَفْظُهُ، أَلا تَرَى قوله: «سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ» ؟ وقوله عز وجل: «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً «4» » . ومن التغليظ قوله فى سورة: «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ «5» » مكرر، كرر فيها وهو معنى واحد، ولو رفعت التاء فِي الثَّانية، كما رفعت الأولى كَانَ وجهًا جيدًا. وقوله عزَّ وجلَّ: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) . قَالَ «6» : إنه الأمن والصحة. وَذَكَرَ الْكَلْبِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا فِي أَمْرٍ فَرَجَعُوا جِيَاعًا، فَدَخَلُوا عَلَى رجل من الأنصار، فأصابوا تمرا وماءا بَارِدًا، فَلَمَّا خَرَجُوا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا إِنَّكُمْ سَتُسْأَلُونَ عَنْ هَذِهِ وَعَنْ هَذَا فَقَالُوا: فَمَا شُكْرُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَقُولُوا: الْحَمْدُ لله [148/ ا] . وَذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: أنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «7» (ثَلَاثٌ لَا يُسْأَلُ عَنْهُنَّ الْمُسْلِمُ: طَعَامٌ يُقِيمُ صُلْبَهُ، وَثَوْبٌ يُوَارِي عورته، وبيت يكنه من الحر والبرد) .   (1) سقط من ش. (2) ما بين الحاصرتين زيادة من ش. (3) هى قراءة الكسائي وابن عامر، من أريته الشيء، أي: تحشرون إليها فترونها. (القرطبي 20/ 174) . (4) سورة الشرح: 6، 7 وأول الآية الأولى: (فإن) بالفاء. (5) سورة الكافرون الآيتان: 1، 2. (6) فى ش: يقال. (7) فى تفسير القرطبي 20/ 176: هذا الحديث بنص آخر رواه أبو نعيم الحافظ عن أبى عسيب مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وفيه الثلاث التي لا يسأل عنهن المسلم: (كسرة يسد بها جوعته، أو ثوب يستر به عورته، أو جحر يأوى فيه من الحر والقر) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 ومن سورة العصر قوله عز وجل: وَالْعَصْرِ (1) . هُوَ الدهر أقسم بِهِ. وقوله عزَّ وجلَّ: لَفِي خُسْرٍ (2) . لفي عقوبة بذنوبه، وأن يخسر أهله، ومنزله فى الجنة. ومن سورة الهمزة قوله عزَّ وجلَّ: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) . وإنما نزلت فِي رَجُل واحد كَانَ يهمز الناس، ويلمِزهم: يغتابهم ويعيبهم، وهذا جائز فِي العربية أن تذكر الشيء العام وأنت تقصد «1» قصد واحد من هذا وأنت قائل فِي الكلام عند قول الرجل: لا أزورك أبدًا، فتقول أنت: كل من لم يزرني فلست بزائره، وأنت تريد الجواب «2» ، وتقصد قصده، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «وَيْلٌ لِلْهُمَزَةِ اللُّمَزَةِ» . وقوله عز وجل: الَّذِي جَمَعَ مالًا (2) . ثقّل «3» : جمّع. الْأَعْمَش وأبو جَعْفَر الْمَدَنِيّ، وخففها عاصم ونافع والحسن البصري «4» ،   (1) زاد فى ش: به. (2) فى ش: تريد به الجواب. (3) فى ش: وثقّل الأعمش، سقط. (4) اختلف فى «جمع» فابن عامر وحمزة والكسائي وأبو جعفر وروح وخلف بتشديد الميم على المبالغة، وافقهم الأعمش، والباقون بتخفيفها. الإتحاف: 443. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 واجتمعوا جميعا على (وعدّده) بالتشديد، يريدون: أحصاه. وقرأها الْحَسَن: «وَعَدَّدَهُ» خفيفة «1» فَقَالَ بعضهم فيمن خفف: جمَع مالًا وأحصى عدده، مخففة «2» يريد: عشيرته. وقوله عزَّ وجلَّ: يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3) يريد: يخلده وأنت «3» قائل للرجل: أتحسب أنّ مالك أنجاك من عذاب اللَّه؟ ما أنجاك من عذابه إلّا الطاعة، وأنت تعني: ما ينجيك. ومن ذَلِكَ قولك للرجل يعمل الذنب الموُبق: دخل والله النار، والمعنى: وجبت لَهُ النار. وقوله عزَّ وجلَّ: لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) . قرأها العوام: «لَيُنْبَذَنَّ» على التوحيد، وقرأها الحسن البصري وحده [148/ ب] «لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ» يريد: الرجل وماله، والحطمة: اسم من أسماء النار، كقوله: جهنم، وسقر، ولظى. فلو ألقيت منها الألف واللام إِذ كانت اسمًا لم يَجرِ. وقوله عزَّ وجلَّ: تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) . يَقُولُ: يبلغ ألمها الأفئدة، والاطلاع والبلوغ قَدْ يكونان بمعنى واحد. العرب تَقُولُ: مَتَى طلعتَ أرضنا، وطلعت أرضى، أي: بلغت. وقوله جل وعز: مُؤْصَدَةٌ (8) . وهي المطبَقة، تهمز ولا تهمز. وقوله عزَّ وجل: فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9) . [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ «4» ] قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر الْمَدَنِيّ قَالَ: كَانَ أصحابنا يقرءون: (فِي عَمَد) بالنصب، وكذلك الْحَسَن. وحدثني «5» . بِهِ الكِسَائِيّ عنْ سُلَيْمَان بْن أرقم عن الحسن: (فى عمد) .   (1) قراءة الجمهور: «وَعَدَّدَهُ» بشد الدال الأولى، أي: أحصاه وحافظ عليه (البحر 8/ 510) ، «وَعَدَّدَهُ» بتخفيف الدال الأولى أي: وجمع عدد ذلك المال (الاتحاف: 443) . (2) جاء فى هامش ب عند كلمة مخففة: خفيفة، وجمع قد يكون فى مذهب: حفظ. وقال الكلبي بإسناده: جمع مالا وعدده. (3) فى ش: وأنت للرجل سقط. [ ..... ] (4) ما بين الحاصرتين زيادة من ش. (5) فى ش: حدثنى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ] «1» قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي قيس بن الربيع عن أبى اسحق عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ السَّلُولِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَرَأَهَا: «فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ» «2» . [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ] «3» قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْفَضْلِ عنْ عَطَاءٍ عنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمَا قَرَآ: «فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ» . قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالْعُمُدُ، وَالْعَمَدُ جَمْعَانِ لِلْعَمُودِ، مِثْلُ: الأَدِيمِ، وَالأُدُمِ، وَالأَدَمِ. وَالإِهَابِ «4» ، وَالأُهُبِ، وَالأَهَبِ، وَالْقَضِيمِ وَالْقَضَمِ وَالْقُضُمِ «5» وَيُقَالُ: إِنَّهَا عُمُدٌ من نار. ومن سورة الفيل قوله عزَّ وجلَّ: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (1) . يَقُولُ: ألم تُخبرَ عَنِ الحبشة، وكانوا غزوا البيت وأهلَ مكَّة، فلما كانوا بذي المجاز مروا براعٍ لعبد المطلب فاستاقوا إبله، فركب دابته وجاء إلى مكَّة، فصرخ بصراخ الفزع ثُمَّ أخبرهم الخبر، فجال عَبْد المطلب فِي متن فرسه ثُمَّ لحقهم، فَقَالَ لَهُ رجلان من كندة وحضرموت: ارجع [149/ 1] ، وكانا صديقين لَهُ، فَقَالَ: والله لا أبرح «6» حتَّى آخذ إبلي، أَوْ أُوخَذَ معها، فقالوا لَأصْحمة رئيس الحبشة: أرددها عَلَيْهِ فإنك آخذها غدوة، فرجع بإبله، وأخبر أهل مكَّة الخبر «7» ، فمكثوا أيامًا لا يرون شيئًا، فعاد عَبْد المطلب إلى مكانهم فإِذا هُمْ كما قال الله تبارك وتعالى: «كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ» قَدْ بعث اللَّه تبارك وتعالى عليهم طيرًا فِي مناقيرها الحجارة كبعر الغنم، فكان الطائر يرسل الحجر فلا يخطىء رأس صاحبه، فيخرج من دبره فقتلتهم جميعًا، فأخذ عبد المطلب من   (1، 3) ما بين الحاصرتين زيادة من ش. (2) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم: «فِي عَمَدٍ» ، بضم العين والميم جمع: عمود. وكذلك عمد أيضا. (القرطبي 20/ 186) . (4) سقط فى ب. (5) سقط من ش، ومن معانى القضيم: العيبة. (6) فى ش: لا أرجع. (7) العبارة فى ش مضطربة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 الصفراء والبيضاء يعني: الذهب والفضة ما شاء، ثُمَّ رجع إلى أهل مكَّة فأخبرهم، فخرجوا إلى عسكرهم فانتهبوا ما فيه. ويقال: «سِجِّيلٍ» (4) كالآجر مطبوخ من طين «1» ، فَقَالَ الكلبي: حدثني أَبُو صالح قَالَ: رَأَيْت فِي بيت «2» أم هانىء بِنْت أَبِي طَالِب، نحوًا من قفيز من تلك الحجارة سودا مخططة بحمرة. وقوله عزَّ وجل: كَعَصْفٍ (5) . والعصف: أطراف الزرع قبل أن يدرك ويسنبل. وقوله عز وجل: أَبابِيلَ (3) . لا واحد لها مثل: الشماطيط «3» ، والعباديد «4» ، والشعارير «5» كل هَذَا لا يفرد لَهُ واحد، وزعم لي الرؤاسي وكان ثقة مأمونًا: أَنَّهُ سَمِعَ واحدها: إِبَّالة [لا ياء فيها] «6» . ولقد سمعت من العرب من يقول: «ضغاث عَلَى إبَّالة» «7» يريدون: خِصب عَلَى خِصب. وأمّا الإيبالة: فهي الفضلة تكون عَلَى حمل الحمار أَوِ البعير من العلف، وهو مثل الخِصبِ عَلَى الخصب، وحمل فوق حمل، فلو قَالَ قائل: واحد الأبابيل إيبالة كَانَ صوابًا «8» ، كما قَالُوا: دينار دنانير. وَقَدْ قَالَ بعض النحويين، وهو الكِسَائِيّ: كنت أسمع النحويين يقولون: أبوك مثل العجّول «9» والعجاجيل.   (1) فى ش: من طين مطبوخ. (2) سقط فى ش. (3) الشماطيط: القطع المتفرقة، يقال: جاءت الخيل شماطيط، أي: متفرقة إرسالا، وذهب القوم شماطيط وشماليل إذا تفرقوا.. وواحد الشماطيط: شمطاط وشمطوط. (4) العباديد، والعبابيد: الخيل المتفرقة فى ذهابها ومجيئها، ولا يقع إلّا فى جماعة، ولا يقال للواحد: عبدن. (5) الشعارير: لعبة للصبيان لا يفرد، يقال: لعبنا الشعارير، وهذا لعب الشعارير. (6) سقط فى ش. [ ..... ] (7) الإبالة: الحزمة من الحطب، والضغث: قبضة من حشيش مختلطة الرطب باليابس. وهو مثل معناه: بلية على أخرى. (مجمع الأمثال) : 2: 283. (8) عبارة القرطبي 20/ 198 نقلا عن الفراء: ولو قال قائل: إيبال كان صوابا مثل: دينار ودنانير. (9) العجول، كسنور: ولد البقرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 ومن سورة قريش قوله عز وجل: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) . يَقُولُ القائل: كيف ابتدئ الكلام بلام خافضة ليس بعدها شيء يرتفع «1» بها؟ فالقول فى ذلك على وجهين. قال بعضهم: [149/ ب] كانت موصلة بألم تر كيف فعل ربك، وذلك أَنَّهُ ذكَّر أهل مكَّة عظيم النعمة عليهم فيما صنع بالحبشة، ثُمَّ قَالَ: «لِإِيلافِ قُرَيْشٍ» أيضًا، كأنه قَالَ: ذَلِكَ إلى نعمته عليهم فِي رحلة الشتاء والصيف، فتقول: نعمة إلى نعمة ونعمة لنعمة سواء فِي «2» المعنى. وَيُقَال: إنه تبارك وتعالى عجَّب نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اعجب يا مُحَمَّد لنعم اللَّه تبارك وتعالى عَلَى قريش فِي إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، ثُمَّ قَالَ: فلا يتشاغلُن بذلك عنْ إتباعك وعن الْإِيمَان بالله. َلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ» (3) «والإيلاف» قَرَأَ عاصم والْأَعْمَش بالياء بعد الهمزة، وقرأه بعض أهل المدينة «إلفهم» مقصورة فى الحرفين جميعًا، وقرأ بعض القراء: (إلْفِهم) . وكل صواب «3» . ولم يختلفوا فِي نصب الرحلة بإيقاع الإيلاف عليها، ولو خفضها خافض بجعل الرحلة هِيَ الإيلاف كقولك: العجبُ لرحلتهم شتاء وصيفًا. ولو نصب، إيلافَهم، أَوْ إلفَهم عَلَى أن تجعله مصدرًا ولا تكرُّه عَلَى أول الكلام كَانَ صوابًا كأنك قلت: العجب لدخولك دخولا دارنا. يكون «4» الإيلاف وهو مضاف مثل هَذَا المعنى كما قال: «إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها «5» » .   (1) كذا فى ش: وفى ب، ح: ترتفع تصحيف. (2) سقط فى ش: سواء المعنى. (3) اختلف فى «إلافهم» : فأبو جعفر بهمزة مكسورة بلا ياء كقراءة ابن عامر فى الأولى، فهو مصدر ألف ثلاثيا، والباقون بالهمزة وياء ساكنة بعدها، فكلهم على إثبات الياء فى الثاني غير أبى جعفر (الإتحاف: 444) . وقد جمع القراءات المروية هنا من قال: زعمتم أن إخوتكم قريش ... لهم إلف، وليس لكم آلاف (تفسير الزمخشري 4/ 235) . (4) فى ش: فيكون. (5) سورة الزلزلة الآية: 1. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 وقوله عز وجل: أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ (4) . بعد «1» السنين التي أصابتهم، فأكلوا الجيف والميتة، فأخصبت الشام فحملوا إلى الأبطح، فأخصبت اليمن فُحمِلت إلى جُدَّةَ. يَقُولُ: فقد أتاهم اللَّه بالرزق من جهتين وكفاهم الرحلتين، فإن اتبعوك ولزموا البيت كفاهم اللَّه الرحلتين أيضا كما كفاهم. وقوله عزَّ وجلَّ: وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) . يُقال: إنها بلدة آمنة، وَيُقَال: من الخوف: من الجذام، فكفوا ذَلِكَ، فلم يكن بها حينئذ جذام. وكانت رحلة الشتاء [150/ ا] إلى الشام، ورحلة الصيف إلى اليمن. ومن قَرَأَ: «إلفهم» فقد يكون مِن: يُؤلَفون، وأجود من ذَلِكَ أن يكون من [يألفون رحلة الشتاء ورحلة الصيف. والإيلاف «2» ] من: يؤلِفون، أي: أنهم يهيئون ويجهزون. ومن سورة الدين قوله عزَّ وجلَّ: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) . وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «أرأيتك الَّذِي» ، والكاف صلة تكون ولا تكون «3» ، والمعنى واحد. وقوله عز وجل: يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) . من دععت وهو يُدعّ: يدفعه عنْ حقه، ويظلمه. وكذلك: «يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ «4» » . وقوله عز وجل: وَلا يَحُضُّ (3) . أي: لا يحافظ عَلَى إطعام المسكين ولا يأمر به.   (1) فى ش: يعنى. (2) ما بين الحاصرتين فى هامش ب لا فى الأصل. (3) فى ش: يكون ولا يكون. (4) سورة الطور الآية: 13. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 وقوله عز وجل: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) يعني: المنافقين «الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ» يقول: لاهون كذلك فسّرها ابْنُ عَبَّاس، وكذلك رأيتها فِي قراءة عَبْد اللَّه. فقوله «1» عزَّ وجلَّ: الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (6) . إن أبصرهم النَّاس صلّوا، وإن لم يرهم أحد تركوا الصلاة. «وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ» (7) قال: وحدثنا الفراء قال: [وحدثنى] «2» حبّان بإسناده قال: «الْماعُونَ» : المعروف كُلِّه حتَّى ذكر: القصعة، والقدر، والفأس. [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «3» قال: حدثنا الفراء قال: [وحدثنى] «4» . قيس ابن الرَّبِيعِ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ على قال: «الْماعُونَ» : الزكاة. [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «5» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمِثْلِهِ قَالَ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ: الْمَاعُونُ: هُوَ الْمَاءُ، وَأَنْشَدَنِي فِيهِ: يَمُجُّ صَبِيرُهُ الْمَاعُونَ صَبًّا «6» قَالَ الْفَرَّاءُ: وَلَسْتُ أَحْفَظُ أَوَّلَهُ الصَّبِيرُ: السَّحَابُ. ومن سورة الكوثر قوله عز وجل: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) . قَالَ ابْنُ عَبَّاس: هُوَ الخير الكثير. ومنه القرآن. [حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «7» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: [وَحَدَّثَنِي] «8» مندل بن على   (1) فى ش: وقوله. (2) سقط فى ش: وحدثنا الفراء قال حدثنى. [ ..... ] (3، 5، 7) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش. (4، 8) سقط فى ش: حدثنى. (6) لم أعثر على قائله، وقد نقله القرطبي فى تفسيره (20/ 214) ولم ينسبه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 العنزي بإسناد رفعه إلى عَائِشَةَ قَالَتْ «1» : «الْكَوْثَرَ» نهر فِي الجنة. فمن أحب أن يسمع صوته فليدخل أصبعيه فِي أذنيه. وقوله عزَّ وجل: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) . يُقال: فصل لربك يَوْم العيد، ثُمَّ انحر. [حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمدقال] «2» حدثنا الفراء قال: وحدثنى قيس عن يزيد بن يزيد ابن جَابِرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ فِيهَا: النَّحْرُ أَخْذُكَ شِمَالَكَ بِيَمِينِكَ فِي الصَّلاةِ، وَقَالَ «3» : «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ بِنَحْرِكَ، وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ: مَنَازِلُنَا تَتَنَاحَرُ [هَذَا بِنَحْرِ هَذَا] «4» أَيْ: قُبَالَتُهُ. وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ بَنِي أَسَدٍ: أَبَا حَكَمٍ هَا أَنْتَ عَمُّ مُجَالِدٍ ... وَسَيِّدُ أَهْلِ الأَبْطُحِ الْمُتَنَاحِرِ «5» فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ يَنْحَرُ بَعْضُهُ بَعْضًا. وقوله عز وجل: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) . كانوا يقولون: الرجل إِذَا لم يكن لَهُ ولد ذكر- أبتر-[150/ ب] أي: يموت فلا يكون لَهُ ذِكر. فقالها بعض قريش للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال الله تبارك وتعالى: «إِنَّ شانِئَكَ» مبغضك، وعدوّك هُوَ الأبتر الَّذِي لا ذكر لَهُ بعمل خير، وأمَّا أنت فقد جعلت ذكرك مَعَ ذكرى، فذلك قوله: «وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ «6» » .   (1) فى ش: قال. (2) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش. (3) فى ش: وقوله، وفى النسخة الأخرى من ش: ويقال. (4) سقط فى ش. (5) نقله اللسان (نحر) عن الفراء، ولم ينسبه إلى القائل من بنى أسد، ورواية اللسان. (هل أنت) مكان (ها أنت) وفى تفسير القرطبي: 20/ 219 (ما أنت) مكان (ها أنت) . (6) سورة الشرح: 4. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 ومن سورة الكافرين قوله عزَّ وجلَّ: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) : قَالُوا للعباس بْن عَبْد المطلب عم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قل لابن أخيك يستلم صنما من أصنامنا فنتبعه، فأخبره بذلك العباس، فأتاهم النبي- صلى الله عليه- وهم فِي حلقة فاقترأ عَلَيْهِم هَذِهِ السُّورة فيئسوا مِنْهُ وآذوه، وهذا قبل أن يؤمر بقتالهم، ثم قال: «لَكُمْ دِينُكُمْ» : الكفر، «وَلِيَ دِينِ» (6) الْإِسْلَام. ولم يقل: ديني لأن الآيات بالنون فحذفت الياء، كما قَالَ: «فَهُوَ يَهْدِينِ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ «1» » . ومن سورة الفتح قوله «2» : إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) . يعني: فتح مكَّة «وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً» (2) . يَقُولُ: ورأيت الأحياء يسلم الحي بأسره، وقبل ذَلِكَ إنَّما يسلم الرجل بعد الرجل. وقوله عز وجلّ: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ (3) . يَقُولُ: فصلّ. وذكروا أَنَّهُ قَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين نزلت هَذِهِ السُّورة: نُعيَتْ إلىّ نفسى.   (1) سورة الشعراء: الآيتان 78، 79. (2) سقط فى ب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 ومن سورة أبى لهب قوله عزَّ وجلَّ: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ (1) . ذكروا أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام عَلَى المروة، فقال: يا آل غالب، فاجتمعت إِلَيْه، ثُمَّ قَالَ: يا آل لؤي، فانصرف ولد غالب سوى لؤي، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ حتَّى انتهى إلى قصي. فَقَالَ أَبُو لهب: فهذه قصي قَدْ أتتك فما لهم عندك؟ فقال: إن اللَّه تبارك وتعالى قَدْ أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فقد أبلغتكم، فَقَالَ أَبُو لهب: أما دعوتنا إلَّا لهذا؟ تبًّا لَكَ، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ» وفى قراءة عبد الله: «وقد تب» فالأول: دعاء، والثاني: خبر. قَالَ الفراء: «تَبَّ» : خسر، كما تَقُولُ للرجل: أهلكك اللَّه، وَقَدْ أهلكك، أو تقول: جعلك الله صالحا، وقد جعلك. وقوله عز وجل: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) ، ترفع الحمّالةُ وتنصب «1» ، فمن رفعها فعلى جهتين: يَقُولُ: سيصلى نار جهنم هُوَ وامرأته حمالةُ الحطب تجعله من نعتها، والرفع الآخر وامرأتهُ حمالةُ الحطب، تريد: وامرأته حمالة الحطب فِي النار، فيكون فى جيدها هُوَ الرافع، وإن شئت رفعتها بالحمالة، كأنك قلت: ما أغنى عَنْهُ ماله وامرأته هكذا. وأما النصب فعلى جهتين: إحداهما [151/ ا] أن تجعل الحمالة قطعًا لأنها نكرة ألا ترى أنك تَقُولُ: وامرأته الحمالة الحطب «2» ، فإذا ألقيت الألف واللام كانت نكرة، ولم يستقم أن تنعت معرفة بنكرة. والوجه الآخر: أن تشتمها بحملها الحطب، فيكون نصبها عَلَى الذم، كما قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيّد المرسلين سمعها الكِسَائِيّ من العرب. وَقَدْ ذكرنا [مثله] «3» فى غير موضع.   (1) حمالة بالرفع قراءة الجمهور على أن يكون خبرا، وامرأته مبتدأ، ويكون فى جيدها حبل من مسد جملة فى موضع الحال من المضمر فى حمالة، أو خبرا ثانيا، أو يكون حمالة الحطب نعتا لامرأته، والخبر فى جيدها حبل من مسد، فيوقف على هذا- على ذات لهب. وقرأ عاصم حمالة بالنصب على الذم، كأنها اشتهرت بذلك فجاءت الصفة للذم لا للتخصيص كقوله تعالى: «مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا» (القرطبي 20/ 240) . (2) فى ش: الحطب. (3) زيادة من ش يطلبها الأسلوب. [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 وفي قراءة عَبْد اللَّه: «وامرأته حمالةً للحطب» نكرة منصوبة، وكانت تنمُ بين النَّاس، فذلك حملها الحطب يَقُولُ: تُحرِّش بين النَّاس، وتوقد بينهم العداوة. وقوله جل وعز: فِي جِيدِها: فى عنقها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) . وهي: السلسلة التي فِي النار، وَيُقَال: من مسد: هو ليف المقل «1» . ومن سورة الإخلاص قوله عزَّ وجلَّ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) . سألوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما ربك؟ أيأكل أم يشرب؟ أم من ذَهب أم من فضة؟ فأنزل اللَّه جل وعز: «قُلْ هُوَ اللَّهُ» . ثُمَّ قَالُوا: فما هُوَ؟ فَقَالَ: «أَحَدٌ» . وهذا من صفاته: أَنَّهُ واحد، وأحد «2» وإن كَانَ نكرة. قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه: يعني فِي اللفظ، فإنه مرفوع بالاستئناف كقوله: «هَذا بَعْلِي شَيْخٌ «3» » . وَقَدْ قَالَ الكِسَائِيّ فِيهِ قولا لا أراه شيئًا. قَالَ: هُوَ عماد. مثل قوله: «إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ «4» » . فجعل «أَحَدٌ «5» » مرفوعًا بالله، وجعل هُوَ «6» بمنزلة الهاء فِي (أَنَّهُ) ، ولا يكون العمادُ مستأنفًا بِهِ حتَّى يكون قبله إن أَوْ بعض أخواتها، أَوْ كَانَ أَوِ الظن. قوله عز وجل: كُفُواً أَحَدٌ (4) . يثقل ويخفف «7» ، وإِذا كَانَ فعل النكرة بعدها أتبعها فِي كَانَ وأخواتها فتقول: [لم يكن لعبد اللَّه أحد نظير، فإذا قدمت النظير نصبوه، ولم يختلفوا فِيهِ، فقالوا] «8» : لم يكن لعبد الله نظيرا أحد. وذلك أَنَّهُ إِذَا كَانَ بعدها فقد اتبع الاسم فِي رفعه، فإذا تقدم فلم يكن قبله شىء   (1) المقل: حمل الدّوم، واحدته مقلة، والدّوم شجرة تشبه النخلة فى حالاتها (اللسان) . (2) فى ش: واحد أحدا. (3) سورة هود الآية: 73. (4) سورة النمل الآية: 9 (5) فى ش: أحدا. (6) سقط فى ش. (7) خفف (أسكن الفاء) حمزة، ويعقوب، وخلف، وثقّل (ضم الفاء) الباقون، لغتان (الإتحاف 445) . (8) سقط فى ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 يتبعه رجع إلى فعل كَانَ فنصب. والذي قرأ «أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ «1» » بحذف النون من (أحد) يَقُولُ: النون نون الإعراب إِذَا استقبلتها الألف واللام حذفت. وكذلك إِذَا استقبلها ساكن، فربما حذفت وليس بالوجه قَدْ قرأت القراء: «وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ «2» » ، و «عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ «3» » . والتنوين أجود، وأنشدني بعضهم: لَتجِدّني بالأميرِ بَرّا ... وَبالقناة مِدْعَسا مكرّا إذا غطيف السُّلَميُّ فَرَّا «4» وأنشدني آخر «5» : كيْفَ نَومي عَلَى الفراشِ ولَمَّا ... تشملِ الشامَ غارةٌ شعواءُ تُذْهل الشيخَ عَن بَنيهِ وَتُبْدِي ... عَن خِدَامِ العَقِيلةُ العذراء أراد عَن خدامٍ العقيلةُ العذراء، وليس قولهم عن خدام [عقيلة] «6» عذراء بشىء.   (1) قرأ بحذف التنوين جماعة منهم زيد بن على، ونصر بن عاصم، وابن سيرين، والحسن، وابن أبى اسحق، والأصمعى (البحر المحيط: 8/ 528) . (2) التوبة الآية: 30. (3) انظر معانى القرآن 43111. (4) المدعس: المطاعن، والمكر: الذي يكر فى الحرب ولا يفر. واقتصر فى المخصص 6: 89 على البيتين الأول والثاني ولم ينسبهما. (5) لعبيد الله بن قيس الرقيات من قصيدة يمدح فيها مصعب بن الزبير، ويفتخر بقريش، ويريد بالغارة على الشام الغارة على عبد الملك بن مروان. والخدام: جمع واحده الخدمة، وهى الخلخال. ورواية الديوان؟ براها مكان خدام، والبرى جمع واحده البرة فى وزان كرة- الخلخال أيضا. (اللسان مادة: شعا- ومعانى القرآن 1/ 432) (6) زيادة فى ش. [ ..... ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 ومن سورة الفلق [151/ ب] قوله عزَّ وجلَّ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) . الفلق: الصبح، يُقال: هُوَ أبين من فلق الصبح، وفرَق الصبح. وكان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اشتكى شكوًا شديدًا «1» فكان يومًا بين النائم واليقظان، فأتاه ملكان فَقَالَ أحدهما: ما علّته؟» فَقَالَ الآخر: بِهِ طبٌّ فِي بئر تحت صخرة فيها، فانتبه النَّبِيّ صلّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبعث عمار بْن ياسر فِي نفر إلى البئر، فاستخرج السحر، وكان وترًا فِيهِ إحدى عشرة عقدة، فجعلوا كلما حلوا عقدة وجد راحة حتَّى حلت العقد، فكأنه أُنشِط من عقال، وأمر أن يتعوذ بهاتين السورتين، وهما إحدى عشرة آية عَلَى عدد العقد. وكان الَّذِي سحره لبيد بْن أعصم. وقوله عزَّ وجلَّ: وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (3) . والغاسق: الليل «إِذا وَقَبَ» إِذَا دخل فِي كل شيء وأظلم، وَيُقَال: غسق وأغسق. وقوله عزَّ وجلَّ: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (4) . وهن السواحر ينفثن سحرهن. ومِنْ شَرِّ «3» حاسدٍ إذا حسد، يعنى: الذي سحره لبيدا.   (1) سقط فى ش. (2) طب: سحر. (3) سقط فى ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 ومن سورة الناس قوله «1» عز وجل: مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4) . إبليس يوسوس فِي صدر الْإِنْسَان «2» ، فإذا ذكر اللَّه عزَّ وجلَّ خنس. وقوله عزَّ وجلَّ: يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) . فالناس هاهنا قَدْ وقعت عَلَى الجنة «3» وعلى النَّاس كقولك: يوسوس فِي صدور النَّاس: جنتهم وناسهم، وَقَدْ قَالَ بعض العرب وهو يحدّث: جاء قوم من الجن فوقفوا، فقيل: من أنتم؟ فقالوا: أناس من الجن وَقَدْ قَالَ اللَّه جل وعز: (أنّه استمع نفر من الجن «4» ) فجعل النفر من الجن كما جعلهم من النَّاس، فَقَالَ «5» جل وعز: «وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ «6» » فسمّى الرجال من الجن والأنس والله أعلم. [تمّ كتاب المعاني، وذاك من الله وحده لا شريك له والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على محمد وآله وسلم «7» ] [تمت هذه النسخة المباركة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، وصلّى الله على من لا نبى بعده محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين آمين «8» ] .   (1) فى ش: وقوله. (2) فى ش: صدور الناس. (3) فى ش: الجن. (4) سورة الجن الآية: 1. (5) فى ش: وقال. (6) سورة الجن: 6. (7) ما بين هاتين الحاصرتين آخر النسخة ب. (8) ما بين هاتين الحاصرتين آخر ما جاء فى النسخة ش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 فهرس الجزء الثالث من معانى القرآن للفراء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 سورة المؤمن ص س قوله عزَّ وَجَلَّ: «غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ» / 5/ 3 قوله تعالى: «وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ» / 5/ 9 والقراءات فى «بِرَسُولِهِمْ» قوله تعالى: «وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ» / 5/ 11 والقراءات فى «جَنَّاتِ» قوله تعالى: «وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ» / 5/ 13 وإعراب «مَنْ» فى قوله: «وَمَنْ صَلَحَ» قوله تعالى: «يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ» / 6/ 1 وبيان أن اللام فى «لَمَقْتُ» بمنزلة أنّ فى كل كلام ضارع القول قوله تعالى: «يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ» / 6/ 6- تفسير «الرُّوحَ» فى هذه الآية-لماذا سمّى اليوم «يَوْمَ التَّلاقِ» قوله تعالى: «يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ» / 6/ 9 وإعراب «هُمْ» معنى «الآزفة» / 6/ 11 قوله تعالى: «كاظِمِينَ» / 6/ 13 والكلام فى إعرابها قوله تعالى: «مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ» / 6/ 19- معنى «يُطاعُ» - معنى «خائِنَةَ الْأَعْيُنِ» فى قوله تعالى: «يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ» / 7/ 1 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 ص/ ص قوله تعالى: «أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ» / 7/ 5 وأوجه القراءات فيه قوله تعالى: «وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ» / 7/ 11- واختلاف القراء فى قراءة «التَّنادِ» - ومعنى «التناد» والآثار الواردة فى ذلك تفسير قوله تعالى: «كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ» / 8/ 10 مناظرته بقوله تعالى: «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ» قوله تعالى: «عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ» / 8/ 14 والقراءات فيه قوله تعالى: «لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ» / 9/ 4- وإعراب «فَأَطَّلِعَ» . - واختلاف القراء فيه. قوله تعالى: «النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها» / 9/ 10 وجواز الرفع والنصب فى «النار» ووجه ذلك تفسير قوله تعالى: «غُدُوًّا وَعَشِيًّا» / 9/ 14 قوله تعالى: «وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ» / 9/ 16 والقراءات فى هذه الآية، وتوجيهها قوله تعالى: «إِنَّا كُلٌّ فِيها» / 10/ 4 وأوجه إعراب قوله: «كلّ» قوله تعالى: «وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ» / 10/ 7 وأوجه القراءات فى «يقوم» تفسير قوله تعالى: «إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ» / 10/ 11 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 قوله تعالى: «ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً» / 10/ 14 قوله تعالى: «إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ» / 11/ 3 وتوجيه الرفع والنصب فى «والسلاسل» سورة السجدة قوله تعالى: «كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا» / 11/ 15 وتوجيه الرفع والنصب فى «قرآنا ... » معنى «حجاب» فى قوله تعالى: «وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ» / 12/ 4 معنى الزكاة فى قوله تعالى: «لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ» / 12/ 7 قوله تعالى: «وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها» / 12/ 10 قوله تعالى: «سَواءً لِلسَّائِلِينَ» / 12/ 12 وتوجيه النصب والرفع والخفض فى كلمة «سواء» معنى «فقضاهن» من قوله تعالى: «فَقَضاهُنَّ» / 13/ 3 قوله تعالى: «قالَتا أَتَيْنا» / 13/ 5 وجعله السموات والأرضين كالثنتين قوله تعالى: «أَتَيْنا طائِعِينَ» / 13/ 8 وكلام فى الجمع فى «طائعين» قوله تعالى: «وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها» / 13/ 11 ومعنى «أمرها» قوله تعالى: «إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ» / 13/ 13 وكلام فى عود الضمير «ومن خلفهم» قوله تعالى: «رِيحاً صَرْصَراً» / 13/ 16 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 ومعنى «صرصرا» قوله تعالى: «فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ» / 13/ 18 والاستشهاد للتخفيف والتثقيل فى «نحسات» قوله تعالى: «وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ» / 14/ 5- وتوجيه إعراب «ثمود» - واختلاف القراء فيه قوله تعالى: «فَهَدَيْناهُمْ» / 15/ 2 وكلام فى معنى الهدى قوله تعالى: «فَهُمْ يُوزَعُونَ» / 15/ 10 والاستشهاد لمعنى «يوزعون» قوله تعالى: «سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ» / 16/ 2 ومعنى «جلودهم» فى هذه الآية تفسير قوله تعالى: «وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ» / 16/ 6 قوله تعالى: «وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ» / 16/ 9 وتقرير أنّ الزعم والظن فى معنى واحد وقد يختلفان قوله تعالى: «وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ» / 16/ 12 وكلام فى إعراب هذه الآية. قوله تعالى: «وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ» / 17/ 5 ومعنى «ما بين أيديهم وما خلفهم» تفسير قوله تعالى: «وَالْغَوْا فِيهِ» / 17/ 9 قوله تعالى: «ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ» وقوله «لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ» / 17/ 12 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 معنى «دار الخلد» وضرب أمثلة موضحة. قوله تعالى: «رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ» / 17/ 16 وأول من سنّ الضلالة من الإنس. قوله تعالى: «تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا» / 18/ 3 ومتى تتنزل عليهم الملائكة. القراءات فى «ألّا تخافوا» قوله تعالى: «وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا» / 18/ 6 وعلام يعود الضمير فى «يلقاها» ؟ تفسير قوله تعالى: «وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ» / 18/ 9 قوله تعالى: «لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ» / 18/ 11 ووجه التأنيث فى قوله: «خَلَقَهُنَّ» معنى قوله تعالى: «اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ» / 18/ 15 قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ» / 19/ 1 وسؤال عن جواب «إنّ» تفسير قوله تعالى: «لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ» / 19/ 5 قوله تعالى: «مَا يُقالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ» / 19/ 7 وتسلية الله للرسول صلّى الله عليه وسلم قوله تعالى: «ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ» / 19/ 10 والقراءات بالاستفهام، وغير الاستفهام وتفسير ذلك قوله تعالى: «وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى» / 20/ 1 والقراءات فى «عمى» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 تفسير قوله تعالى: «أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ» / 20/ 4 ومعنى قوله: «يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ» قوله تعالى: «وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها» / 20/ 7 والقراءات فى «ثمرات» ومعنى الأكمام قوله تعالى: «قالُوا آذَنَّاكَ» / 20/ 9 وعلام يعود الضمير فى «قالُوا» قوله تعالى: «لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ» / 20/ 11 وقراءة عبد الله بن مسعود لقوله تعالى: «مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ» قوله تعالى: «فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ» / 20/ 13وماذا يراد بالدعاء العريض؟ قوله تعالى: «أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» / 21/ 1 والأوجه الإعرابية فى قوله تعالى: «أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» سورة عسق قوله تعالى: «عسق» وقراءة ابن عباس، ورسمها فى بعض المصاحف/ 21/ 7 قوله تعالى: «كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ» / 21/ 11 والقراءات فى قوله: «يُوحِي» ، ونظائره فى القرآن الكريم قوله تعالى: «لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها» / 22/ 3 والمراد بأم القرى. قوله تعالى: «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» / 22/ 6 والأوجه الإعرابية الجائزة فيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 قوله تعالى: «جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً» / 22/ 9 وبيان الحكمة فى ذلك قوله تعالى: «يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ» ومعنى فيه/ 22/ 11 قوله تعالى: «فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ» / 22/ 12 «وعلام تعود الإشارة فى قوله: «فَلِذلِكَ» قوله تعالى: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» / 22/ 15 وموقف كريم للأنصار قوله تعالى: «وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ» / 23/ 4 وإعراب قوله: «وَيَمْحُ» قوله تعالى: «وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ» / 23/ 8 والاحتجاج للقراءة بالتاء فى «تفعلون» قوله تعالى: «وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» / 24/ 1 وموضع «الذين» من الإعراب، وشرح ذلك قوله تعالى: «وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ» / 24/ 8 والمراد: ما بث فى الأرض دون السماء، وتوضيح ذلك قوله تعالى: «وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ ... » / 24/ 12 وأوجه القراءات فى «ويعلم» والاحتجاج لها قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ» / 25/ 3 وأوجه القراءات فى «كبائر الإثم» قوله تعالى: «وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ» / 25/ 8 ونزول هذه الآية فى أبى بكر الصديق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 قوله تعالى: «وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ» / 25/ 16 ونزولها فى أبى بكر معنى قوله تعالى: «يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ» / 25/ 18 قوله تعالى: «وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ» / 26/ 3 وعود الضمير جمعا على الإنسان لأنه فى معنى جمع قوله تعالى: «يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً» / 26/ 8 وشرح معنى قول العرب: له بنون شطرة تفسير قوله تعالى: «وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ/ 26/ 12 حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ» إعراب كل من «يرسل» و «فيوحى» قوله تعالى: «مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً» / 27/ 1 سورة الزخرف قوله تعالى: «أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ» / 27/ 7 وتوجيه القراءات فى «أن» وإيراد نظائر لذلك من القرآن الكريم والشعر قوله تعالى: «لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ» / 28/ 5 والإجابة عن الاستفهام: كيف قال: على ظهور، فأضاف الظهور إلى الواحد معنى «مقرنين» فى قوله تعالى: «وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ» / 28/ 14 قوله تعالى: «ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا» / 28/ 16 وكلام فى إعرابه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 قوله تعالى: «أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ» / 29/ 1 وتفسيره، وموضع «من» من الإعراب قوله تعالى: «عِبادُ الرَّحْمنِ» / 29/ 9 والقراءات فى «عباد» وتوجيهها قوله تعالى: «أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ» / 29/ 13 والقراءات فيه وتوجيهها قوله تعالى: «بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ» / 30/ 4 والقراءات فى «أمة» والاحتجاج لها قوله تعالى: «وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ» آية 22/ 30/ 10 «وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ» آية 23 وما تجيزه الصنعة الإعرابية فى كل من «مهتدون» و «مقتدون» قوله تعالى: «إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ» / 30/ 13 وكلام فى كتابة العرب الهمزة بالألف فى كل حالاتها تفسير قوله تعالى: «وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» / 31/ 1 تفسير قوله تعالى: «لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» / 31/ 5 معنى قوله تعالى: «وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ» / 31/ 8 قوله تعالى: «لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا» والقراءات فى «سخريا» / 31/ 11 قوله تعالى: «وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً» وإعراب المصدر فيه/ 31/ 13 قوله تعالى: «لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً» / 31/ 15 ومعنى اللام فى قوله «لبيوتهم» ، والقراءات فى «سقفا» / 32/ 1 قوله تعالى: «وَزُخْرُفاً» ومعناه/ 32/ 7 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 قوله تعالى: «وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ» / 32/ 11 والقراءات فى «يعش» والمعنى على كل قراءة قوله تعالى: «وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ» / 32/ 13 وبيان أن الشيطان فى معنى الجمع، وإن كان قد لفظ به واحدا قوله تعالى: «حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ» / 33/ 1- أوجه القراءات فى «جاءنا» - والمراد ب- «المشرقين» والشواهد على ذلك تفسير قوله تعالى: «وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ» / 34/ 4 وموضع «أنكم» تفسير قوله تعالى: «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ» ومعنى الذكر/ 34/ 6 قوله تعالى: «وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ» / 34/ 8 وكيف أمر أن يسأل رسلا قد مضوا؟ قوله تعالى: «أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ» / 34/ 15 ولم يقل: تعبد، ولا تعبدون قوله تعالى: «وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها» / 35/ 1 والمراد: من أختها قوله تعالى: «أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ» / 35/ 3 ودليل على أن القراءة سنة وأثر قوله تعالى: «فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ» / 35/ 9 والقراءة فى «أسورة» قوله تعالى: «فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ» ومعنى استخف/ 35/ 14 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 قوله تعالى: «فَلَمَّا آسَفُونا» ومعنى «آسفونا» / 35/ 15 قوله تعالى: «فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً» والقراءة فى «سلفا» / 36/ 1 قوله تعالى: «مِنْهُ يَصِدُّونَ» والقراءة فى «يصدون» / 36/ 7 قوله تعالى: «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ» وقراءة ابن عباس/ 37/ 3 قوله تعالى: «يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ» / 37/ 5 والقراءة بحذف الياء وإثباتها فى «عباد» قوله تعالى: «وَأَكْوابٍ» ومعنى الكوب والاستشهاد عليه/ 37/ 7 قوله تعالى: «تشتهى الأنفس» ورسم الآية فى مصاحف أهل المدينة/ 37/ 11 قوله تعالى: «لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ» وقراءة عبد الله بن مسعود/ 37/ 12 ومعنى المبلس قوله تعالى: «وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ» / 37/ 15 وإعراب الضمير: «هم» فى قوله: «كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ» تفسير قوله تعالى: «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً» / 38/ 1 قوله تعالى: «وَقِيلِهِ يا رَبِّ» / 38/ 3 واختلاف القراء فى «قيله» ، والاحتجاج لكل قراءة قوله تعالى: «وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» / 38/ 11 إعراب «سلام» ، وما يجوز فيه من أوجه الإعراب سورة الدخان قوله عز وجل: «يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً» / 39/ 3 والناصب لقوله: «أمرا» قوله تعالى: «رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ» وإعراب: «رحمة» / 39/ 5 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 قوله تعالى: «رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» / 39/ 7 واختلاف القراء فى «رب» ، وتوجيه كل قراءة قوله تعالى: «تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذابٌ» / 39/ 12 والمناسبة التي نزلت فيها هذه الآية وتفسير قوله تعالى: «يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ» / 40/ 1 قوله تعالى: «إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ» / 40/ 3 أي: إلى شرككم أو عذاب الآخرة/ 40/ 5 قوله تعالى: «يَوْمَ نَبْطِشُ» وبيان أن هذا اليوم هو يوم بدر/ 40/ 5 قوله تعالى: «رَسُولٌ كَرِيمٌ» وبيان وجه الكرامة هنا/ 40/ 7 قوله تعالى: «أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ» ومعنى أدّوا إلى/ 40/ 10 قوله تعالى: «أَنْ تَرْجُمُونِ» ومعنى الرجم هنا/ 40/ 13 قوله تعالى: «وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ» ومعنى قوله: «فاعتزلون» / 40/ 15 قوله تعالى: «فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ» ووجه فتح همزه «أنّ» وكسرها/ 40/ 17 قوله تعالى: «وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً» ومعنى «رهوا» / 41/ 1 والاستشهاد على هذا المعنى بالشعر معنى قوله تعالى: «وَمَقامٍ كَرِيمٍ» / 41/ 5 وحديث: (يبكي على المؤمن من الأرض مصلَاه، ويبكي عليه من السماء مصعد عمله) قوله تعالى: «مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ» وقراءة عبد الله/ 41/ 11 قوله تعالى: «وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ» والمراد بالبلاء/ 42/ 1 قوله تعالى: «فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» وبيان أن الخطاب/ 42/ 5 النبي صلّى الله عليه وسلّم وحده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 معنى قوله تعالى: «إِلَّا بِالْحَقِّ» / 42/ 9 قوله تعالى: «إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ» / 42/ 11 والمراد ب «أجمعين» وإعراب «ميقاتهم» وتوجيه هذا الإعراب قوله تعالى: «إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ» وموضع «من» من الإعراب/ 42/ 16 قوله تعالى: «طَعامُ الْأَثِيمِ» والمراد بالأثيم/ 43/ 1 قوله تعالى: «كالمهل تغلى» والقراءات فى «تغلى» / 43/ 4 قوله تعالى: «فَاعْتِلُوهُ» والقراءة فى «فاعتلوه» / 43/ 9 قوله تعالى: «ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ» وسبب نزول هذه الآية/ 43/ 11 قوله تعالى: «فِي مَقامٍ أَمِينٍ» والقراءات فى «مقام» / 44/ 4 قوله تعالى: «وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ» وقراءة عبد الله، ومعنى الحور/ 44/ 7 قوله تعالى: «لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى» / 44/ 9 والإجابة عن السؤال: كيف استثنى موتًا فِي الدنيا قَدْ مضى من موت فى الآخرة؟ قوله تعالى: «وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ فَضْلًا» / 44/ 18 والأوجه الجائزة فى إعراب «فضلا» سورة الجاثية قوله تعالى: «وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ» / 45/ 3 وتوجيه القراءات فى «آيات» قوله تعالى: «وفِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ» وفيه دليل على أن القراءة سنة متبعة/ 45/ 9 قوله تعالى: «قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا» وكلام فى إعراب «يغفروا» / 45/ 14 قوله تعالى: «لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» والقراءات فى «ليجزى» / 46/ 5 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 قوله تعالى: «عَلى شَرِيعَةٍ» ومعنى شريعة/ 46/ 10 قوله تعالى: «وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ» / 46/ 12 قوله تعالى: «وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها» / 47/ 1 والقراءات فى قوله: «والساعة» قوله تعالى: «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ» ومعنى الاجتراح/ 47/ 5 قوله تعالى: «سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ» وتوجيه النصب والرفع فى سواء/ 47/ 7 قوله تعالى: «وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً» والقراءات فى «غشاوة» / 47/ 17 قوله تعالى: «نَمُوتُ وَنَحْيا» / 48/ 4 والإجابة عن السؤال: كيف قَالَ: نموت ونحيا وهم مكذبون بالبعث؟ قوله تعالى: «وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ» ، ومعنى الدهر، وقراءة عبد الله/ 48/ 7 قوله تعالى: «وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً» والمراد بكل أمة/ 48/ 10 قوله تعالى: «إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ» ومعنى الاستنساخ/ 48/ 14 قوله تعالى: «وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ» وإضمار القول قبل: «أفلم» / 49/ 3 قوله تعالى: «وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ» ومعنى النسيان/ 49/ 7 قوله تعالى: «فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ» / 49/ 9 والمراد بقوله: «ولا هم يستعتبون» سورة الأحقاف قوله تعالى: «أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» ثم قال: «أَرُونِي ماذا خَلَقُوا» / 49/ 13 ولم يقل: خلقت، أو خلقن، وقراءة عبد الله بن مسعود فى: «من تعبدون» وقراءته فى «أرأيتم» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 قوله تعالى: «أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ» والقراءة فى «أثارة» / 50/ 2 والمعنى على كل قراءة قوله تعالى: «وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ» / 50/ 9 والمراد بمن فى قوله تعالى: «من لا يستجيب» وقراءة عبد الله: «ما لا يستجيب» تفسير قوله تعالى: «قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ» / 50/ 12 قوله تعالى: «وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ» ونزولها فى أصحاب/ 50/ 14 رسول الله لمّا شكوا ما يلقون من أهل مكة تفسير قوله تعالى: «وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ» / 51/ 7 قوله تعالى: «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ» / 51/ 10 والمناسبة التي نزلت فيها هذه الآية قوله تعالى: «وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا» / 51/ 13 والقراءات فى «مصدق» قوله عزَّ وجلَّ: «لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ» / 51/ 17 وإعراب «وبشرى» قوله عز وجل: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً» / 52/ 3 ورسم «إحسانا» فى مصاحف أهل الكوفة، وأهل المدينة قوله تعالى: «حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً» / 52/ 6 وقراءة عبد الله بن مسعود، وأقوال فى معنى الأشد قوله تعالى: «أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ» / 52/ 16 ونزول هَذِهِ الآية فِي أَبِي بَكْر الصديق (رحمه الله) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 قوله تعالى: «أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ» / 53/ 2 والقراءة فى «نتقبل» ، «ونتجاوز» قوله تعالى: «وَعْدَ الصِّدْقِ» وقاعدة: ما كَانَ من مصدر/ 53/ 7 فِي معنى «حقا» فهو نصب قوله تعالى: «وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ ... » / 53/ 10 وأنه (عبد الرحمن بن أبى بكر) الذي قال هذا القول قبل أن يسلم ومعنى «أف لكما» قوله تعالى. «وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ» / 53/ 15 القول مضمر قبل: «ويلك» وبيان أن المستغيثين هما: أبو بكر (رحمه الله) وامرأته قوله تعالى: «أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ» / 54/ 2 ومناسبة ذلك قوله تعالى: «أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ» وأوجه القراءة فى «أذهبتم» / 54/ 6 قوله تعالى: «إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ» ومعنى الأحقاف وواحدها/ 54/ 10 قوله تعالى: «وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ» / 54/ 12 معنى: من بين يديه. وقراءة عبد الله فى هذه الآية قوله تعالى: «فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ» / 54/ 14 وطمعهم فى أن يكون سحاب مطر قوله تعالى: «بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ» وقراءة عبد الله بن مسعود/ 55/ 2 قوله تعالى: «فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ» / 55/ 5 والقراءة فى «لا يرى» وبيان أن العرب إِذَا جعلت فِعل المؤنث قبل إِلا ذكروه فقالوا: لم يقم إلا جاريتك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 قوله تعالى: «وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ» / 56/ 1 وبيان أن «أنّ» بمنزلة «ما» فى الجحد معنى حاق فى قوله تعالى: «وَحاقَ بِهِمْ» / 56/ 3 قوله تعالى: «وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ» / 56/ 5 وأوجه القراءات فى «إفكهم» قوله تعالى: «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ/ 56/ 10 وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ» وبيان لدخول الباء مع الجحود والقراءات فى قوله «بقادر» قوله تعالى: «أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ» وإضمار القول فيه/ 57/ 5 سورة محمد صلّى الله عليه وسلّم قوله تعالى: «فَضَرْبَ الرِّقابِ» / 57/ 9 وبيان أن كل أمر أظهرتَ فِيهِ الأسماء، وَتركت الأفعال، فانصب فيه الأسماء قوله تعالى: «فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً» وبيان لكل من المنّ والفداء/ 57/ 12 قوله تعالى: «حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها» ومعنى أوزارها/ 57/ 12 وعلام يعود الضمير فى أوزارها قوله تعالى: «ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ» / 58/ 3 ومعنى قوله: «لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ» وقوله: «بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ» قوله تعالى: «وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» / 58/ 6 وبيان أوجه القراءة فى قوله: «قاتلوا» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 تفسير قوله تعالى: «وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ» / 58/ 10 قوله تعالى: «فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ» / 58/ 14 وبيان أن الدعاء قد يجرى مجرى الأمر والنهى قوله تعالى: «كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ» / 59/ 1 تفسير قوله تعالى: «دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها» / 59/ 2 المراد بقوله تعالى: «ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا» / 59/ 4 وقراءة عبد الله قوله تعالى: «وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ» / 59/ 7 وإعراب قوله: «النار مثوى» قوله تعالى: «مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ» / 59/ 9 والمراد منه تفسير قوله تعالى: «فَلا ناصِرَ لَهُمْ» ووجه النصب فى «ناصر» / 59/ 12 قوله تعالى: «أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ» / 59/ 15 وبيان أنّ «من» تكون فِي معنى واحد. وجميع قوله تعالى: «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ» / 60/ 1 وتفسير ابن عباس لقوله: «مثل الجنة» وقراءة على بن أبى طالب لها قوله تعالى: «مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ» ومعنى «غير آسن» / 60/ 6 تفسير قوله تعالى: «وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ» / 60/ 8 قوله تعالى: «وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ» / 60/ 10 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 والأوجه الإعرابية الجائزة فى كلمة «لذة» تفسير قوله تعالى: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ» / 60/ 14 تفسير قوله تعالى: «وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ» / 61/ 1 قوله تعالى: «فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها» / 61/ 1 وحديث بين أبى جعفر الرواسي وأبى عمرو بن العلاء حول الفاء فى قوله: «فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها» معنى قوله تعالى: «فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ» / 61/ 15 وإعراب ذكراهم قوله تعالى: «فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ» وقراءة عبد الله بن مسعود/ 62/ 1 وبيان ما فى القتال من مشقة قوله تعالى: «فَأَوْلى لَهُمْ طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ» / 62/ 10 وتفسير ابن عباس لهذه الآية قوله تعالى: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ» القراءات فى «عسيتم» / 62/ 13 بفتح السين وكسرها، وبيان أن عسى فى عسى لغة نادرة. ثم تفسير الآية قوله تعالى: «الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ» / 63/ 4 ومعنى «سوّل» وبيان القراءات فيها وفى قوله: «وأملى لهم» قوله تعالى: «إِسْرارَهُمْ» والقراءات فيه/ 63/ 9 تفسير قوله تعالى: «أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ» / 63/ 12 قوله تعالى: «وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ» ومعنى «لأريناكهم» / 63/ 14 قوله تعالى: «فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ» وبيان أن النصر/ 63/ 17 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 آخر الأمر للمؤمنين. وإعراب لا تهنوا وتدعوا قوله تعالى: «وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ» ومعنى «يتركم» / 64/ 3 قوله تعالى: «إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ» / 64/ 7 ومعنى يحفكم ويخرج أضغانكم سورة الفتح قوله تعالى: «إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً» والمراد بالفتح/ 64/ 12 قوله تعالى: «دائِرَةُ السَّوْءِ» والسّوء لغة قليلة/ 65/ 1 قوله تعالى: «إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً» ثم قال: «لتؤمنوا» / 65/ 4 ومعناه على الخطاب والغيبة معنى قوله تعالى: «وَتُعَزِّرُوهُ» / 65/ 8 معنى قوله تعالى: «يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» / 65/ 10 قوله تعالى: «سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ» / 65/ 11 وعن أىّ شىء تخلفوا؟ ومن هم؟ وما سبب تخلفهم؟ قوله تعالى: «إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا» والقراءات فى «ضرا» / 65/ 14 قوله تعالى: «أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً» / 65/ 16 وأوجه القراءة «فى أهليهم» قوله تعالى: «وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً» / 66/ 1 معنى البور فى لغة أزد عمان، وفى كلام العرب قوله تعالى: «سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها» / 66/ 5 والمراد: مغانم خيبر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 قوله تعالى: «يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ» / 66/ 9 وأوجه القراءة فى «كلام» وتفسير الآية قوله تعالى: «تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ» / 66/ 14 والقراءات فى «أو يسلمون» تفسير قوله تعالى: «لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ» / 66/ 17 قوله تعالى: «تَحْتَ الشَّجَرَةِ» والمراد بالشجرة/ 67/ 1 قوله تعالى: «فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ» / 67/ 2 وفيه كلام حول الرؤيا التي أريها الرسول فى منامه أنه يدخل الكعبة قوله تعالى: «وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ» / 67/ 8 يريد: خيبر قوله تعالى: «وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ» / 67/ 10 والمراد بالناس: أسد وغطفان كانوا مع أهل خيبر، ثم صالحوا النبي وكفوا تفسير قوله تعالى: «وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها» / 67/ 15 قوله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ» / 67/ 16 وأنه لأهل الحديبية قوله تعالى: «أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ» والمراد بمحله/ 68/ 1 قوله تعالى: «وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ ... » / 68/ 2 والمراد «بالمعرة» و «لو تزيلوا» تفسير قوله تعالى: «إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ» / 68/ 6 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 المراد بكلمة «التقوى» فى قوله تعالى: «كَلِمَةَ التَّقْوى» / 68/ 9 قوله تعالى: «كانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها» / 68/ 10 قوله تعالى: «لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ» / 68/ 13 وقراءة عبد الله بن مسعود قوله تعالى: «مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ» / 68/ 14 والأوجه الإعرابية الجائزة فى «محلقين، ومقصرين» معنى قوله تعالى: «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ» / 68/ 17 قوله تعالى: «تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً» / 69/ 1 قوله تعالى: «سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ» والمراد «بسيماهم» / 69/ 2 قوله تعالى: «ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ» / 69/ 3 قوله تعالى: «كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ» / 69/ 5 ومعنى «شطأه- آزره» وبيان أن ذلك مَثَل ضربه اللَّه عزَّ وجلَّ للنبي صَلَّى الله عليه وسلّم سورة الحجرات قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا» / 69/ 12 ودليل على أن القراءات سنة متبعة قوله تعالى: «لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ» وإشارة إلى قراءة عبد الله/ 69/ 15 تفسير قوله تعالى: «وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ» / 70/ 1 قوله تعالى: «أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ» وإشارة إلى إعرابه لو وضعت (لا) / 70/ 3 مكان (أن) وقراءة عبد الله بن مسعود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 تفسير قوله تعالى: «أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى» / 70/ 6 قوله تعالى: «مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ» وما تقوله العرب فى هذا الجمع/ 70/ 8 قوله تعالى: «أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ» وقصة هذه الآية/ 70/ 12 قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا» / 70/ 17 والقراءات فى «فتبيّنوا» . وسبب نزول هذه الآية قوله تعالى: «وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا» وقراءة عبد الله بن مسعود/ 71/ 9 تفسير قوله تعالى: «فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ» والمناسبة التي نزلت فيها/ 71/ 12 هذه الآية قوله تعالى: «فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي» ومعنى «تبغى» / 72/ 1 قوله تعالى: «لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ» والقصة التي نزلت فيها هذه الآية/ 72/ 3 قوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً» / 72/ 11 ومعنى الشعوب والقبائل. وتفسير إن أكرمكم عند الله أتقاكم وإشارة إلى قراءة عبد الله بن مسعود تفسير قوله تعالى: «وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ» / 72/ 15 قوله تعالى: «وَلا تَجَسَّسُوا» واجتماع القراء على الجيم/ 73/ 3 ونزول هذه الآية فى سلمان قوله تعالى: «فَكَرِهْتُمُوهُ» والفرق بين الغيبة والبهت/ 73/ 5 وأوجه القراءة فى «فكرهتموه» قوله تعالى: «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا» / 73/ 11 وقصة هذه الآية قوله تعالى: «أَنْ هَداكُمْ» وقراءة عبد الله/ 74/ 1 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 معنى قوله تعالى: «لا يَلِتْكُمْ» وأوجه القراءة فيها، والسبب فى أن الفراء/ 74/ 3 لا يشتهى قراءة بعضهم (لا يألتكم) سورة ق والقرآن المجيد قوله تعالى: «ق، وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ» ومعنى ق/ 75/ 3 قوله تعالى: «أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً» وفيه إنكار للبعث وجحد له/ 75/ 13 قوله تعالى: «ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ» ومعنى «بعيد» / 76/ 1 قوله تعالى: «قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ» ومعنى/ 76/ 3 «ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ» معنى قوله تعالى: «فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ» / 76/ 4 تفسير قوله تعالى: «ما لَها مِنْ فُرُوجٍ» / 76/ 6 قوله تعالى: «وَحَبَّ الْحَصِيدِ» وهو مما أضيف إلى نفسه/ 76/ 8 فالحب هو الحصيد قوله تعالى: «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» وتفسير «حَبْلِ الْوَرِيدِ» / 76/ 10 قوله تعالى: «وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ» ومعنى «باسِقاتٍ» / 76/ 13 قوله تعالى: «لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ» ومعنى «نَضِيدٌ» / 76/ 15 تفسير قوله تعالى: «أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ» / 77/ 1 قوله تعالى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ» / 77/ 4 وبيان عود الضمير فى «به» قوله تعالى: «عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ» / 77/ 7 وكلام فى «قَعِيدٌ» وأنه قد يراد به الواحد والاثنان والجمع وله نظائر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 قوله تعالى: «وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ» ، والمراد بالحق والسّكرة/ 78/ 2 قوله تعالى: «فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ» والمراد بالبصر/ 78/ 7 قوله تعالى: «أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ» ، وكلام فى أن العرب/ 78/ 9 تأمر الواحد والقوم بما يؤمر بِهِ الاثنان، والاستشهاد على ذلك قوله تعالى: «ما أَطْغَيْتُهُ» وتفسيره/ 79/ 7 قوله تعالى: «هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ» / 79/ 10 وموضع من فى قوله: «مَنْ خَشِيَ» قوله تعالى: «فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ» وأوجه القراءة فى «فَنَقَّبُوا» / 79/ 14 قوله تعالى: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ» والمراد بالقلب/ 80/ 2 تفسير قوله تعالى: «أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ» / 80/ 5 قوله تعالى: «وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ» وفيه تكذيب لقول اليهود/ 80/ 7 وقراءة شاذة لأبى عبد الرحمن السلمى قوله تعالى: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ» / 80/ 11 وبيان المعنى وأوجه القراءات فى «وَأَدْبارَ» تفسير قوله تعالى: «وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ» / 81/ 1 تفسير قوله تعالى: «يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً» وما يجوز فى تشقق/ 81/ 4 قوله تعالى: «وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ» وتفسير الكلبي/ 81/ 6 وبيان أن العرب لا تشتقّ «فعّال» من أفعلت قوله تعالى: «هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ» وتوجيه القراءات فى «عَتِيدٌ» / 82/ 1 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 سورة الذاريات معنى قوله تعالى: «وَالذَّارِياتِ ذَرْواً» / 82/ 6 معنى قوله تعالى: «فَالْحامِلاتِ وِقْراً» / 82/ 7 تفسير قوله تعالى: «فَالْجارِياتِ يُسْراً فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً» / 82/ 8 معنى «الْحُبُكِ» فى قوله تعالى: «وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ» / 82/ 11 جواب القسم قوله تعالى: «إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ» ومعنى القول المختلف/ 82/ 15 قوله تعالى: «يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ» ومعنى «يُؤْفَكُ» / 83/ 2 قوله تعالى: «قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ» ومعنى الخراصون/ 83/ 5 قوله تعالى: «يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ» / 83/ 8 وسبب النصب فى «يَوْمَ هُمْ» ، وفى الآية دليل على أنّ القراءة سنّة معنى قوله تعالى: «يُفْتَنُونَ» / 83/ 14 تفسير قوله تعالى: «ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ» / 83/ 15 قوله تعالى: «آخِذِينَ» و «فاكِهِينَ» وإعرابهما/ 83/ 17 تفسير قوله تعالى: «كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ» وإعراب (ما) / 84/ 1 معنى قوله تعالى: «وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» / 84/ 5 قوله تعالى: «وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ» ومعنى كل/ 84/ 6 من السائل والمحروم قوله تعالى: «وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ» وبيان للآيات التي فى الأرض قوله تعالى: «وَفِي أَنْفُسِكُمْ» وبيان للآيات التي فى الأنفس/ 84/ 10 قوله تعالى: «فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ» وفيه جواب عن سؤال/ 84/ 13 كيف اجتمعت «ما» ، و «أنّ» فى قوله «مثل ما أنكم» وقد يكتفى بإحداهما عن الأخرى» ؟ وإيراد الشواهد على ذلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 إعراب «مثل» فى قوله تعالى: «مِثْلَ ما أَنَّكُمْ» والقراءات فيها. قوله تعالى: «هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ» / 86/ 1 معنى قوله تعالى: «الْمُكْرَمِينَ» / 86/ 3 قوله تعالى: «قَوْمٌ مُنْكَرُونَ» والرافع لكلمة «قَوْمٌ» / 86/ 5 قوله تعالى: «فَراغَ إِلى أَهْلِهِ» ولطيفة فى استعمال: راغ/ 86/ 8 قوله تعالى: «وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ» واستعمال عليم وعالم/ 86/ 12 قوله تعالى: «فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ» ومعنى صرّة/ 87/ 5 قوله تعالى: «فَصَكَّتْ وَجْهَها» ومعنى صكّت/ 87/ 8 معنى قوله تعالى: «وَتَرَكْنا فِيها آيَةً» / 87/ 11 معنى قوله تعالى: َ هُوَ مُلِيمٌ» / 87/ 13 قوله تعالى: «فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ» والمراد بالركن/ 87/ 16 قوله عز وجل: «تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ» ومدّة التمتع/ 88/ 1 معنى الرميم فى قوله تعالى: «كَالرَّمِيمِ» / 88/ 3 قوله تعالى: «فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ» والقراءات فى «الصَّاعِقَةُ» / 88/ 5 تفسير قوله تعالى: «فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ» / 88/ 9 وبيان أنّ «قِيامٍ» فى معنى إقامة قوله تعالى: «وَقَوْمَ نُوحٍ» وتوجيه النصب والخفض فى «قَوْمَ» / 88/ 13 معنى قوله: «بِأَيْدٍ» / 89/ 5 قوله تعالى: «وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ» ومعناه/ 89/ 6 قوله تعالى: «وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ» ومعنى الزوجين/ 89/ 8 فى الحيوان وما سواه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 معنى قوله تعالى: «فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ» / 89/ 11 معنى قوله تعالى: «أَتَواصَوْا بِهِ» / 89/ 13 تفسير قوله تعالى: «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» / 89/ 15 تفسير قوله تعالى: «ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ/ 89/ 18 إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ» / 90/ 1 وأوجه القراءة فى «الْمَتِينُ» والاحتجاج لها/ 90/ 3 قوله تعالى: «فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً» ومعنى كلمة الذنوب فى كلام العرب سورة والطور قوله تعالى: «وَالطُّورِ» . ومعناه، ولماذا أقسم الله به/ 91/ 2 قوله تعالى: «فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ» تفسير الرّق/ 91/ 4 قوله تعالى: «وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ» ومعناه/ 91/ 6 تفسير «الْمَسْجُورِ» فى قوله تعالى: «وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ» / 91/ 10 تفسير قوله تعالى: «يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً» / 91/ 10 معنى «يُدَعُّونَ» فى قوله تعالى: «يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ» / 91/ 12 معنى «فاكِهِينَ» فى قوله تعالى: «فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ» / 91/ 15 قوله تعالى: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ» / 91/ 16 وأوجه القراءات فى «ذُرِّيَّتُهُمْ» ومعنى قوله تعالى: «وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ» / 92/ 6 قوله تعالى: «وَما أَلَتْناهُمْ» ومعنى «الألت» والاستشهاد عليه/ 92/ 8 قوله تعالى: «إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ» / 93/ 2 وتوجيه القراءات فى «إِنَّهُ» وفيه إشارة إلى توقير الفراء للكسائى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 قوله تعالى: «نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ» ومعنى «رَيْبَ الْمَنُونِ» / 93/ 7 المراد بالأحلام فى قوله تعالى: «أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا» / 93/ 9 قوله تعالى: «الْمُصَيْطِرُونَ» والقراءة فيه/ 93/ 17 قوله تعالى: «فِيهِ يُصْعَقُونَ» وأوجه القراءة فيه، واللغات فى صعق الرجل/ 94/ 1 سورة النجم قوله تعالى: «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى» وقد يراد بالنجم القرآن/ 94/ 6 تفسير قوله تعالى: «إِذا هَوى» / 94/ 13 قوله تعالى: «ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ» وإنه جواب القسم تفسير قوله تعالى: «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى» / 95/ 2 قوله تعالى: «عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى» والمراد بشديد القوى/ 95/ 5 قوله تعالى: «فَاسْتَوى» وتقرير أن أكثر كلام العرب أن يقولوا: / 95/ 7 استوى هُوَ وَأبوه قوله تعالى: «ثُمَّ دَنا» والمراد به: جبريل/ 95/ 14 تفسير قوله تعالى: «فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى» / 95/ 16 المعنى فى قوله تعالى: «ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى» / 95/ 18 قوله تعالى: «ما كَذَبَ الْفُؤادُ» وأوجه القراءة فى «كَذَبَ» / 96/ 3 والمعنى على كل قراءة معنى قوله عز وجل: «أَفَتُمارُونَهُ» وأوجه القراءة فيه/ 96/ 10 قوله عز وجل: «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى» ومعنى «نَزْلَةً» / 96/ 19 قوله تعالى: «عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى» ومعنى «جَنَّةُ الْمَأْوى» / 97/ 2 تفسير قوله تعالى: «ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى» / 97/ 10 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 قوله تعالى: «أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى» وأوجه القراءة فى «اللَّاتَ وَالْعُزَّى» / 98/ 6 ومعنى: اللات، والعزّى، ومناة وقوله تعالى: «أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى» / 98/ 12 ومعنى «قِسْمَةٌ ضِيزى» واللغات فى ضيزى، وبيان أن النعوت التي على وزن فعلى للمؤنث تأتى إمّا بالفتح وإما بالضم قوله تعالى: «أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى» وتفسير «ما تَمَنَّى» / 99/ 7 وقوله تعالى: «فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى» أي ثوابها/ 99/ 8 قوله تعالى: «وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ» ثم قال: «لا تُغْنِي/ 99/ 9 شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً» وفيه أن العرب تذْهَب بأحد وبالواحد إلى الجمع فِي المعنى والتدليل على ذلك ثم تفسير «كَمْ مِنْ مَلَكٍ» قوله تعالى: «وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً» أي من عذاب الله/ 100/ 1 فى الآخرة تفسير قوله تعالى: «ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ» / 100/ 3 معنى «كَبائِرَ الْإِثْمِ» فى قوله تعالى: «يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ» والقراءة فى «كبير» / 100/ 6 قوله تعالى: «إِلَّا اللَّمَمَ» ومعنى «اللَّمَمَ» / 100/ 8 وقولهم: «ألمّ يفعل فى كاد يفعل معنى قوله تعالى: «إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ» / 100/ 14 معنى قوله تعالى: «وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ» / 100/ 16 معنى قوله تعالى: «فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ» / 100/ 17 معنى قوله تعالى: «أَكْدى» / 101/ 1 تفسير قوله تعالى: «أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ/ 101/ 1 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 مُوسى وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى» قوله تعالى: «وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى» والقراءات فى «وَأَنَّ» / 101/ 12 قوله تعالى: «وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى» وما يقوله العرب إذا عيب على أحدهم البكاء والجزع معنى قوله تعالى: «وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى» / 102/ 1 المراد بقوله تعالى: «رَبُّ الشِّعْرى» / 102/ 2 قوله تعالى: «وَأَنَّهُ أَهْلَكَ- عاداً الْأُولى» والقراءات فى «عاداً الْأُولى» / 102/ 3 قوله تعالى: «وَثَمُودَ فَما أَبْقى» ورسمها فى مصحف عبد الله/ 102/ 11 تفسير قوله تعالى: «وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى» وصلته بقوله تعالى: «فَغَشَّاها/ 103/ 1 ما غَشَّى» معنى قوله تعالى: «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى» / 103/ 5 المراد بقوله تعالى: «هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى» والإجابة عن سؤال: / 103/ 7 كيفَ قَالَ لمُحمدٍ: «مِنَ النُّذُرِ الْأُولى» وهو آخرهم؟ معنى «أَزِفَتِ الْآزِفَةُ» / 103/ 11 تفسير قوله تعالى: «لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ» / 103/ 12 معنى «سامِدُونَ» فى قوله تعالى: «وَأَنْتُمْ سامِدُونَ» / 103/ 16 سورة القمر تفسير قوله تعالى: «وَانْشَقَّ الْقَمَرُ» / 104/ 4 قوله تعالى: «وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ» والمراد/ 104/ 6 بالآية. ومعنى «سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ» معنى قوله تعالى: «وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ» / 104/ 9 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 معنى قوله تعالى: «مُزْدَجَرٌ» / 104/ 11 قوله تعالى: «حِكْمَةٌ بالِغَةٌ» وإعرابه/ 104/ 12 قوله تعالى: «فَما تُغْنِ النُّذُرُ» وإعراب (ما) / 104/ 16 قوله تعالى: «خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ» وأوجه القراءة فى «خاشعا» وإيراد/ 105/ 3 الشواهد على هذه الأوجه معنى قوله تعالى: «مُهْطِعِينَ» / 106/ 3 قوله تعالى: «وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ» وتصريف «وَازْدُجِرَ» / 106/ 4 تفسير قوله تعالى: «فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ» / 106/ 8 تفسير قوله تعالى: «وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ» / 106/ 10 تفسير قوله تعالى: «جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ» / 106/ 17 تفسير قوله تعالى: «وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ» / 107/ 4 وتصريف مدّكر قوله تعالى: «فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ» وبيان أن النذر/ 107/ 13 هنا مصدر تفسير قوله تعالى: «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ» / 107/ 17 معنى قوله تعالى: «فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ» / 108/ 3 قوله تعالى: «كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ» ومعنى الأعجاز. والمنقعر/ 108/ 4 قوله تعالى: «إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ» والمراد بالسعر/ 108/ 5 قوله تعالى: «كَذَّابٌ أَشِرٌ» وأوجه القراءة فى «أَشِرٌ» / 108/ 6 قوله تعالى: «وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ» / 108/ 12 قوله تعالى: «كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ» ومعنى «مُحْتَضَرٌ» / 108/ 14 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 قوله تعالى: «فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ» والقراءات فى «الْمُحْتَظِرِ» / 108/ 15 قوله تعالى: «نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ» وسبب صرف سحر فى كلام العرب/ 109/ 3 قوله تعالى: «فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ» وتفسيره/ 109/ 8 قوله تعالى: «وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ» وسنن العرب/ 109/ 9 فى صرف: غدوة، وبكرة معنى قوله تعالى: «عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ» / 109/ 16 تفسير قوله تعالى: «أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ» / 109/ 18 تفسير قوله تعالى: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ» / 110/ 3 تفسير قوله تعالى: «وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ» / 110/ 7 قوله تعالى: «يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ» وقراءة عبد الله/ 110/ 9 قوله تعالى: «ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ» ومعنى «سَقَرَ» ، ثم قاعدة/ 110/ 11 صرفية فى منع الأسماء المؤنثة من الصرف تفسير قوله تعالى: «وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ» ومعنى «واحِدَةٌ» / 110/ 17 تفسير قوله تعالى: «وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ» / 111/ 1 قوله تعالى: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ» ومعنى الجنات والنهر/ 111/ 3 قوله تعالى: «وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ» والقراءات فى «واحِدَةٌ» / 111/ 8 سورة الرحمن قوله تعالى: «بِحُسْبانٍ» ومعناه/ 112/ 3 تفسير قوله تعالى: «وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ» وبيان: / 112/ 3 1- أن العرب إذا جمعت الجمعين من غير الناس جعلوا فعلهما واحدا فى أكثر كلامهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 2- أن النَّاس إِذَا خالطهم شيء من البهائم صار فعلهم كفعل الناس قوله تعالى: «وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ» والمقصود بالميزان، / 113/ 4 وقراءة عبد الله بن مسعود قوله تعالى: «أَلَّا تَطْغَوْا» وإعرابه/ 113/ 6 قوله تعالى: «وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ» / 113/ 11 قوله تعالى: «وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ» ومعنى الأنام/ 113/ 12 قوله تعالى: «وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ» وأوجه القراءات فى «وَالْحَبُّ/ 113/ 13 ذُو الْعَصْفِ» ومعنى كل من: العصف، والريحان فى كلام العرب، وفى كلام الفراء على هذه الآية دليل على أن القراءة سنة وإشارة إلى رسم الحروف فى الصدر الأول من الإسلام/ 114/ 6 قوله تعالى: «خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ» ومعنى الصلصال/ 114/ 14 وبيان أن العرب تردد اللام فى التضعيف قوله تعالى: «مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ» ومعنى: المارج/ 115/ 1 قوله تعالى: «رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ» واجتماع القراء على الرفع فى «رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ» ومعنى المشرقين والمغربين قوله: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ» ومعناه/ 115/ 8 قوله تعالى: «بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ» ومعناه/ 115/ 9 قوله تعالى: «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ» والفرق بين اللؤلؤ والمرجان/ 115/ 11 قوله تعالى: «وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ» واختلاف القراء فى «المنشئات» / 115/ 13 والمعنى على كل قراءة معنى قوله تعالى: «كَالْأَعْلامِ» / 115/ 17 قوله تعالى: «وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ» وأوجه القراءات فى «ذُو الْجَلالِ» / 116/ 1 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 تفسير قوله تعالى: «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ» ولماذا لا يهمز الفراء/ 116/ 5 «شَأْنٍ» فى الرحمن؟ قوله تعالى: «سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ» وأوجه القراءة فى «سَنَفْرُغُ» / 116/ 9 وتفسير الآية قوله تعالى: «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ/ 116/ 15 أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... إلى قوله تعالى: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ» قوله: إن استطعتم، ولم يقل: إن استطعتما، كما قال: يرسل عليكما، ولم يقل: يرسل عليكم ومنى الشواظ، والنحاس والقراءة فى «شُواظٌ» قوله تعالى: «فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ» والمراد بالوردة/ 117/ 9 قوله تعالى: «فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ» ومعناه/ 117/ 13 قوله تعالى: «هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ» وقراءة عبد الله/ 117/ 16 ابن مسعود معنى قوله تعالى: «يَطُوفُونَ بَيْنَها» / 117/ 19 قوله تعالى: «وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ» والمراد بالجنتين، وبيان/ 118/ 2 أن الشعر لَهُ قواف يقيمها الزيادة والنقصان، فيحتمل ما لا يحتمله الكلام قوله تعالى: «مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ» ومعنى الإستبرق، / 118/ 10 وبطائنها. وبيان أنه قد تكون البطانة ظهارة، وقد تكون الظهارة بطانة فى كلام العرب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 وقوله تعالى: «لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ» وأوجه القراءة فى «لَمْ يَطْمِثْهُنَّ» / 118/ 17 ومعناه قوله تعالى: «مُدْهامَّتانِ» معناه/ 119/ 4 قوله تعالى: «فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ» وإجابة عن السؤال: كيف أعيد النخل والرمان إن كانا من الفاكهة؟ وأمثلة تشبه ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: «فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ» وعود الضمير فى «فِيهِنَّ» / 119/ 15 قوله تعالى: «حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ» ومعنى «مَقْصُوراتٌ» والشواهد/ 120/ 3 على ذلك قوله تعالى: «مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ» ومعنى (الرفرف) وأوجه القراءة/ 120/ 10 فيه سورة الواقعة قوله تعالى: «لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ» ومعنى «كاذِبَةٌ» / 121/ 3 قوله تعالى: «خافِضَةٌ رافِعَةٌ» معناه، وإعرابه/ 121/ 6 تفسير قوله تعالى: «إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا» / 121/ 11 قوله تعالى: «وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا» معنى «بُسَّتِ» ، والاستشهاد عليه/ 121/ 13 قوله تعالى: «وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ/ 122/ 2 الْمَيْمَنَةِ» وتفسير الأزواج الثلاثة ومعنى (السابقون) قوله تعالى: «عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ» ومعنى «مَوْضُونَةٍ» ، والاستشهاد بما سمع/ 122/ 9 عن العرب قوله تعالى: «وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ» ومعنى «مُخَلَّدُونَ» / 122/ 13 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 قوله تعالى: «بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ» ومعنى الأكواب، والأباريق/ 123/ 3 قوله تعالى: «لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ» ومعناه، وأوجه القراءة/ 123/ 5 فى «يُنْزِفُونَ» . قوله تعالى: «وَحُورٌ عِينٌ» وأوجه القراءات فيه والشواهد على ذلك/ 123/ 9 قوله تعالى: «إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً» وإعراب «سَلاماً» / 124/ 8 قوله تعالى: «فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ» ومعنى «مَخْضُودٍ» / 124/ 15 قوله تعالى: «وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ» ومعنى الطلح/ 124/ 17 قوله تعالى: «وَظِلٍّ مَمْدُودٍ» ومعناه/ 125/ 1 قوله تعالى: «وَماءٍ مَسْكُوبٍ» ومعناه/ 125/ 3 تفسير قوله تعالى: «وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ» / 125/ 5 قوله تعالى: «وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ» ومعناه/ 125/ 7 تفسير قوله تعالى: «إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً» / 125/ 9 قوله تعالى: «عُرُباً» ومفرده، ومعناه، والأوجه الجائزة فيه/ 125/ 11 قوله تعالى: «لِأَصْحابِ الْيَمِينِ» / 125/ 17 قوله تعالى: «ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ» وإعراب «ثُلَّةٌ» / 126/ 2 قوله تعالى: «وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ» ومعنى اليحموم/ 126/ 8 قوله تعالى: «لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ» وكلام فى إعرابه واعراب نظائره/ 126/ 10 قوله تعالى: «إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ» ومعنى «مُتْرَفِينَ» / 127/ 4 قوله تعالى: «وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ» ومعنى «الْحِنْثِ الْعَظِيمِ» / 127/ 6 قوله تعالى: «لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ» وأوجه القراءة فى «لَآكِلُونَ» / 127/ 8 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 قوله تعالى: «فَمالِؤُنَ مِنْهَا» وبيان أن الشجر تؤنث وتذكر/ 127/ 11 قوله تعالى: «فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ» وعلام يعود الضمير/ 127/ 14 فى «عَلَيْهِ» قوله تعالى: «فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ» والقراءات فى «شُرْبَ» ومعنى «الْهِيمِ» / 127/ 16 تفسير قوله تعالى: «أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ» واللغات فى معنى: منى ومذى/ 128/ 10 قوله تعالى: «أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ» ومعنى «تَزْرَعُونَهُ» / 128/ 15 قوله تعالى: «فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ» ومعنى «تَفَكَّهُونَ» / 128/ 17 قوله تعالى: «إِنَّا لَمُغْرَمُونَ» ومعنى مغرمون/ 129/ 1 قوله تعالى: «لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً» ومعنى الأجاج/ 129/ 3 تفسير قوله تعالى: «نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ» / 129/ 5 قوله تعالى: «فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ» والقراءات فى مواقع ومعناه/ 129/ 7 قوله تعالى: «وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ» / 129/ 13 قوله تعالى: «لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» ومعناه/ 129/ 15 قوله تعالى: «أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ» ومعنى «مُدْهِنُونَ» / 130/ 3 تفسير قوله تعالى: «وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ» / 130/ 4 قوله تعالى: «فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ» ومعناه/ 130/ 7 قوله تعالى: «وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ» وبيان أن العرب تخاطب القوم/ 130/ 9 بالفعل كأنهم أصحابه، وإنما يراد بعضهم. إجابة عن السؤال، أين جواب «لولا» فى قوله: «فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ» وجواب التي بعدها قوله تعالى: «غَيْرَ مَدِينِينَ» ومعناه/ 131/ 3 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 قوله تعالى: «فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ» ومعناه/ 131/ 4 قوله تعالى: «فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ» وأوجه القراءات فى «فَرَوْحٌ» / 131/ 5 قوله تعالى: «فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ» ومعناه/ 131/ 10 سورة الحديد معنى قوله تعالى: «هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ» / 132/ 3 قوله تعالى: «وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ» ومعنى «مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ» / 132/ 6 قوله تعالى: «وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ» وأوجه القراءات فى «أَخَذَ مِيثاقَكُمْ» / 132/ 8 قوله تعالى: «فَيُضاعِفَهُ لَهُ» وأوجه القراءات فيه، وإشارة إلى رسم/ 132/ 9 بعض الكلمات فى بعض المصاحف تفسير قوله تعالى: «يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ» / 132/ 14 قوله تعالى: «بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ» وتوجيه الرفع والنصب فى «بُشْراكُمُ» / 132/ 16 و «جَنَّاتٌ» قوله تعالى: «ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» وإشارة إلى قراءة الفراء، وقراءة/ 133/ 6 أهل المدينة قوله تعالى: «لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا» وأوجه القراءات فى «انْظُرُونا» / 133/ 9 قوله تعالى: «قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ» وتفسيره/ 133/ 16 قوله تعالى: «لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ» / 134/ 4 والمراد بالرحمة والعذاب، وذكر قراءة عبد الله بن مسعود قوله تعالى: «يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ» وتفسيره/ 134/ 6 قوله تعالى: «فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ» والقراءات فى «لا يُؤْخَذُ» / 134/ 8 وقاعدة فى تأنيث الفعل وتذكيره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 قوله تعالى: «مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ» ومعنى «هِيَ مَوْلاكُمْ» / 134/ 12 قوله تعالى: «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ» واللغات فى «يَأْنِ» / 134/ 14 قوله تعالى: «وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ» والقراءات فى «نَزَلَ» / 134/ 16 قوله تعالى: «وَلا يَكُونُوا» وإعرابه/ 135/ 1 قوله تعالى: «إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ» والقراءات فيه/ 135/ 4 قوله تعالى: «أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ» / 135/ 8 قوله تعالى: «وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ» والمراد بالشهداء/ 135/ 9 قوله تعالى: «وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ» / 135/ 11 وتفسيره قوله تعالى: «ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ» تفسيره/ 135/ 15 قوله تعالى: «الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ» وأن المقصود بهم/ 136/ 6 اليهود قوله تعالى: «وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ» / 136/ 9 قوله تعالى: «وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ» وتفسيره/ 136/ 11 قوله تعالى: «النُّبُوَّةَ» وتنبيه أن الهمزة فى مصحف عبد الله بن مسعود/ 136/ 15 تثبت بالألف فى جميع حالاتها. ووزن «النُّبُوَّةَ» قوله تعالى: «يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ» وأصل معنى الكفل/ 137/ 7 قوله تعالى: «لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ» وبيان أن العرب تجعل (لا) صلة/ 137/ 10- أي زائدة- فِي كل كلام دخل فِي آخره جحد أو فى أوله جحد غير مصرح وضرب أمثلة على هذا من القرآن الكريم فى: قوله تعالى: «وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ» / 138/ 1 وقوله تعالى: «وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ» / 138/ 2 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 سورة المجادلة قوله تعالى: «قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها» / 138/ 7 وسبب نزول هذه الآية، وقراءة عبد الله فى «قَدْ سَمِعَ» و «تُجادِلُكَ» قوله تعالى: «الَّذِينَ يُظاهِرُونَ» والقراءات فى «يظهرون» / 138/ 15 قوله تعالى: «ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ» والإشارة إلى لغة أهل الحجاز/ 139/ 3 وأهل نجد قوله تعالى: «ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا» وما يصلح فى العربية فى قوله «لِما قالُوا» / 139/ 11 قوله تعالى: «كُبِتُوا» ومعناه/ 139/ 16 قوله تعالى: «ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى» والقراءات فى «يَكُونُ» / 140/ 1 قوله تعالى: «ثَلاثَةٍ» وأوجه القراءات فيه/ 140/ 3 قوله تعالى: «وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ» وقراءة ابن مسعود فيه/ 140/ 6 قوله تعالى: «وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ» وإعراب «أَدْنى» / 140/ 9 قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى» وفيمن نزلت/ 140/ 12 قوله تعالى: «وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ» وأوجه القراءة فى «يَتَناجَوْنَ» / 140/ 17 قوله تعالى: «وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ» والمناسبة التي قيلت/ 141/ 3 فيها هذه الآية قوله تعالى: «إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا» وأوجه القراءة فى «تَفَسَّحُوا» / 141/ 7 وله نظائر. قوله تعالى: «وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا» وأوجه القراءة فى «انْشُزُوا» / 141/ 11 وله نظائر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 تفسير قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ/ 142/ 1 يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً» قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً» والمناسبة التي نزلت فيها/ 142/ 6 هذه الآية قوله تعالى: «اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ» ومعنى «اسْتَحْوَذَ» / 142/ 9 قوله تعالى: «كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي» وجريان الكتاب مجرى القول/ 142/ 11 قوله تعالى: «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» والمناسبة التي نزلت فيها هذه/ 142/ 14 الآية، والقراءات فى «كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ» / 142/ 19 سورة الحشر قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ» / 143/ 3 وقصة هذه الآية قوله تعالى: «يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ» والقراءة/ 143/ 10 فى «يُخْرِبُونَ» قوله تعالى: «فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ» ومعنى «الْأَبْصارِ» / 143/ 15 قوله تعالى: «لِأَوَّلِ الْحَشْرِ» ومعناه/ 143/ 17 تفسير قوله تعالى: «ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ» / 143/ 19 قوله تعالى: «أصوله» وتذكير الضمير فيه، وتأنيثه/ 144/ 6 قوله تعالى: «فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ» وتفسيره، / 144/ 9 وقصة هذه الآية، قوله تعالى: «مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى» والمراد بأهل القرى/ 144/ 14 قوله تعالى: «وَلِذِي الْقُرْبى» والمقصود بذي القربى، واليتامى، / 144/ 16 والمساكين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 قوله تعالى: «كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً» ومعناه، والقراءات فى «دُولَةً» / 145/ 1 قوله تعالى: «وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ» والثناء على الأنصار/ 145/ 8 والمناسبة التي قيلت فيها هذه الآية قوله تعالى: «وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ» والمراد به. / 145/ 15 وقراءة عبد الله قوله تعالى: «لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ» وتفسيره، وبيان/ 146/ 1 أن المسلمين أهيب فى صدور اليهود من بنى النضير- من عذاب الله قوله تعالى: «أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ» والقراءات فى «جُدُرٍ» / 146/ 6 قوله تعالى: «فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ» وقراءة عبد الله/ 146/ 8 وجواز الرفع والنصب فى «خالِدَيْنِ» . والاحتجاج لذلك قوله تعالى: «لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ» وقراءة عبد الله/ 146/ 5 فى قوله تعالى «لا يَسْتَوِي» وقاعدة فى زيادة (لا) سورة الممتحنة قوله تعالى: «تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ» وبيان أن دخول الباء فى «المودة» وسقوطها/ 147/ 12 سواء، والاستشهاد على ذلك من القرآن الكريم والشعر. وقصة نزول سورة الممتحنة. ونبذة من كتاب حاطب بْن أَبِي بلتعة إلى أهل مكَّة يحذرهم غزو الرسول. وإعراب «تُلْقُونَ/ 149/ 1 إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ» تفسير قوله تعالى: «يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا» / 149/ 3 قوله تعالى: «إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي» وجواب (إن) / 149/ 4 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 قوله تعالى: «يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ» والقراءات فى قوله تعالى/ 149/ 5 «يَفْصِلُ» قوله تعالى: «قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» وتفسيره/ 149/ 7 قوله تعالى: «إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ» واللغات فى براء، وصرفها وعدمه/ 149/ 11 قوله تعالى: «رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا» وبيانه/ 150/ 2 قوله تعالى: «لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً» وتفسيره/ 150/ 4 قوله تعالى: «عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً» / 150/ 6 وتفسيره وبيان أن المصاهرة مودّة قوله تعالى: «لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ» وفيه الأمر/ 150/ 9 ببرّ خزاعة. والوفاء لهم قوله تعالى: «إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ/ 150/ 17 مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ» والمراد به قوله تعالى: «إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ» ومعنى «فَامْتَحِنُوهُنَّ» / 150/ 14 وسبب نزول هذه الآية قوله تعالى: «وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» وتفسيره، والقراءة فى: / 151/ 3 «وَلا تُمْسِكُوا» قوله تعالى: «وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا» وتفسيره/ 151/ 7 قوله تعالى: «وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ» وتفسيره، وقراءة عبد الله، وبيان/ 151/ 16 أن «أحد» يصلح فِي موضع شيء، وشيء يصلح فِي موضع أحد ... قوله تعالى: «فَعاقَبْتُمْ» معناه، والقراءة فيه، وبيان أنّ فعّلت وفاعلت/ 152/ 1 تتآخيان فى بعض الكلمات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 قوله تعالى: «وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ» وأوجه القراءة فى «وَلا يَقْتُلْنَ» ، 152/ 4 وموقف لهند بنت عتبة فى مبايعة النبي (ص) قوله تعالى: «وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ» وبيان/ 152/ 11 البهتان المفترى قوله تعالى: «لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ» / 152/ 13 وتفسيره سورة الصف قوله تعالى: «لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ» والمناسبة التي نزلت فيها هذه الآية/ 153/ 3 وتعرض لإعراب كلمة فى قوله تعالى: «كَبُرَتْ كَلِمَةً» قوله تعالى: «كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ» وفيه حث على القتال/ 153/ 11 قوله تعالى: «وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ» والقراءات فى «مُتِمُّ نُورِهِ» / 153/ 12 قوله تعالى: «هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ» / 153/ 15 وشرح للقاعدة: إذا فسرت الاسم الماضي- يريد السابق- بفعل جاز فيه أن وطرحها، وإشارة إلى قراءة عبد الله فى «تُؤْمِنُونَ» / 154/ 1 قوله تعالى: «يَغْفِرْ لَكُمْ» وسبب الجزم فى «يَغْفِرْ» / 154/ 7 قوله تعالى: «وَأُخْرى تُحِبُّونَها» وإعرابه، وتفسير «أُخْرى» / 154/ 11 قوله تعالى: «نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ» والأوجه الإعرابية الجائزة فى «نَصْرٌ» قوله تعالى: «كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ» والقراءات فى «أَنْصارَ اللَّهِ» / 154/ 15 سورة الجمعة قوله تعالى: «وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ» تفسيره، وإعراب «آخَرِينَ» / 155/ 5 قوله تعالى: «كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً» وتشبيه اليهود ومن لم يسلم إِذ لم ينتفعوا بالتوراة والإنجيل، فى قوله تعالى: «كَمَثَلِ الْحِمارِ» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 قوله تعالى: «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ» وكلام/ 155/ 15 فى سبب دخول الفاء فى خبر إنّ قوله تعالى: «مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» والقراءة بالتثقيل والتخفيف/ 156/ 9 فى «الْجُمُعَةِ» قوله تعالى: «فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ» والقراءات فى قوله: «فَاسْعَوْا» / 156/ 13 وهل هناك فرق بين السعى والمضي؟ قوله تعالى: «وَذَرُوا الْبَيْعَ» وتفسيره/ 157/ 1 قوله تعالى: «فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ» وتفسيره/ 157/ 4 قوله تعالى: «وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها» والمناسبة/ 157/ 6 التي نزلت فيها هذه الآية، وكلام فى عود الضمير على اسمين معطوفين أحدهما مذكر، والآخر مؤنث سورة المنافقين تفسير قوله تعالى: «وَاللَّهُ يَشْهَدُ» وإجابة عن السؤال: / 158/ 3 كيف كذبهم الله وقد شهدوا للنبى؟ قوله تعالى: «وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ» وبيان أن بعض العرب/ 158/ 8 يجزم بإذا، وأكثر الكلام فيها الرفع، وتعليل ذلك، والاستشهاد عليه قوله تعالى: «كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ» والقراءات فى «خُشُبٌ» بالتخفيف/ 158/ 17 والتثقيل، والتعليل لذلك، والاستشهاد عليه قوله تعالى: «يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ» وتفسيره/ 159/ 9 قوله تعالى: «هُمُ الْعَدُوُّ» وبيان أن العدو والأعداء سواء/ 159/ 10 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 قوله تعالى: «لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ» معناه، والقراءة بالتخفيف والتثقيل/ 159/ 11 فى «لَوَّوْا» قوله تعالى: «هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ» وقصة/ 158/ 13 هذه الآية، والمناسبة التي نزلت فيها، والقراءات فى قوله: «لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» قوله تعالى: «فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ» وكيف جزم «أَكُنْ» وهى/ 160/ 7 مردودة- أي معطوفة- على فعل منصوب؟ والقراءة فى «وَأَكُنْ» وتعليلها سورة التغابن قوله تعالى: «مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» ومعنى «بِإِذْنِ اللَّهِ» / 161/ 3 تفسير قوله تعالى: «وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ» / 161/ 4 قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ/ 161/ 6 فَاحْذَرُوهُمْ» وسبب نزول هذه الآية قوله تعالى: «وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا» وفيمن نزل/ 161/ 10 قوله تعالى: «وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ» وكيف يوقى المرء شح نفسه، والقراءات فى «شُحَّ» سورة النساء القصرى (سورة الطلاق) قوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» / 162/ 4 وتفسيره، وبيان لكل من: طلاق العدة، وطلاق السنة قوله تعالى: «وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ» والمراد بالعدة/ 162/ 10 قوله تعالى: «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ» وتفسيره/ 162/ 11 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 قوله تعالى: «فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ» والمراد بقوله: «بِمَعْرُوفٍ» / 162/ 15 قوله تعالى: «لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً» وتفسيره/ 162/ 17 قوله تعالى: «فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ» وتفسيره/ 163/ 2 قوله تعالى: «بالِغُ أَمْرِهِ» والقراءات فيه/ 163/ 5 قوله تعالى: «وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ» / 163/ 8 وتفسيره وبيان عدة الكبيرة التي يئست، وعدة الصغيرة التي لم تحض، وعدة الحامل قوله تعالى: «مِنْ وُجْدِكُمْ» وتفسيره/ 163/ 15 قوله تعالى: «وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» / 163/ 17 فإن أرضعن لكم فآتوهنّ أجورهنّ» وتفسيره قوله تعالى: «وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ» وتفسيره/ 164/ 3 والقراءات فى: لا تضارّ، ووجدكم، وقدر، وإشارة إلى لغة لبنى تميم/ 164/ 4 قوله تعالى: «فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً» ... وتفسيره/ 164/ 7 قوله تعالى: «فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً» وتفسيره/ 164/ 9 قوله تعالى: «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا» وما يجوز فى إعراب/ 164/ 10 «رَسُولًا» وإيراد نظائر له فى القرآن الكريم قوله تعالى: «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ» والقراءات/ 165/ 1 فى «مِثْلَهُنَّ» والاحتجاج لها سورة التحريم قوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ» وبيان المناسبة التي/ 165/ 7 نزلت فيها هذه الآيات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 قوله تعالى: «قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ» ومعنى «تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ» / 165/ 15 قوله تعالى: «عَرَّفَ بَعْضَهُ» والقراءة بالتثقيل والتخفيف فى «عَرَّفَ» / 166/ 2 والاحتجاج للتخفيف قوله تعالى: «إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ» تفسيره، وبيان المناسبة التي نزلت فيها/ 166/ 11 هذه الآية، والقراءة بالتثقيل والتخفيف فى «تَظاهَرا» قوله تعالى: «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ/ 167/ 1 ظَهِيرٌ» وبيان أن الواحد يؤدى معنى الجمع، والاستشهاد على ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: «أَنْ يُبْدِلَهُ» والقراءة فيه بالتخفيف والتثقيل. / 167/ 11 قوله تعالى: «سائِحاتٍ» والمراد به، ولم سمّى الصائم سائحا فى رأى الفراء/ 167/ 13 ولماذا تقول العرب للفَرس إِذَا كَانَ قائمًا عَلَى غير علف- صائم؟ / 168/ 1 قوله تعالى: «قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ» وتفسيره/ 168/ 3 قوله تعالى: «تَوْبَةً نَصُوحاً» والقراءات فى «نَصُوحاً» ، والتعليل لكل قراءة/ 168/ 5 قوله تعالى: «يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا» وتفسيره/ 168/ 9 قوله تعالى: «وَيُدْخِلَكُمْ» ووجه الجزم فيه ومناظرته بنظائر من القرآن/ 168/ 13 الكريم وشواهد من الشّعر قوله تعالى: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا» وتفسيره والمراد بالمثل هنا/ 169/ 1 قوله تعالى: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ» وتفسيره/ 169/ 4 قوله تعالى: «وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ» ومعنى الفرج هنا/ 169/ 7 سورة الملك قوله تعالى: «لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» وبيان أن «أَيُّكُمْ» ليست/ 169/ 11 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 معمولة «لِيَبْلُوَكُمْ» ، وإنما هى معمولة لفعل محذوف. ضرب أمثلة لتوضيح ذلك قوله تعالى: «مَا تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ» وأوجه القراءات فى/ 170/ 3 «تَفاوُتٍ» ، وبيان أن التفاوت والتفوت لغتان كالتصاعد والتصعد، والتعاهد والتعهد، ومعنى التفاوت قوله تعالى: «يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً» وتفسيره/ 170/ 12 قوله تعالى: «تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ» ومعنى تميّز/ 170/ 15 قوله تعالى: «فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ» ومعناه، وقاعدة لغوية لتوضيح ما رآه/ 170/ 16 الفراء فى هذا المعنى قوله تعالى: «فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ» والقراءات فى «سحقا» / 171/ 4 قوله تعالى: «فَامْشُوا فِي مَناكِبِها» ومعنى «مَناكِبِها» / 171/ 6 قوله تعالى: «أَأَمِنْتُمْ» وما يجوز فى الهمز هنا وإشارة إلى لغة بنى تميم/ 171/ 7 قوله تعالى: «أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ» وبيان أن الفعل كب متعد/ 171/ 9 وأكب لازم قوله تعالى: «وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ» وأوجه القراءة فى «تَدَّعُونَ» / 171/ 12 قوله تعالى: «فَسَتَعْلَمُونَ» والقراءة بالتاء والياء فيه/ 171/ 1 قوله تعالى: «إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً» وبيان أن الغور هنا لا يثنى/ 172/ 5 ولا يجمع سورة القلم قوله تعالى: «ن وَالْقَلَمِ» والقراءة بالأدغام والإظهار فى النون/ 172/ 12 قوله تعالى: «وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ» ومعنى «مَمْنُونٍ» / 172/ 16 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 قوله تعالى: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» ومعنى «خُلُقٍ عَظِيمٍ» / 173/ 3 قوله تعالى: «فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ» ومعنى المفتون/ 173/ 4 قوله تعالى: «وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ» ومعنى «وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ» / 173/ 7 قوله تعالى: «وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ» ومعنى «مَهِينٍ وهَمَّازٍ» / 173/ 10 قوله تعالى: «مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ» وإشارة إلى أن بنميم ونميمة/ 173/ 11 من كلام العرب قوله تعالى: «عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ» ومعنى «عُتُلٍّ» «وزَنِيمٍ» / 173/ 14 قوله تعالى: «أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ» والقراءة بالاستفهام وغيره/ 173/ 16 قوله تعالى: «سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ» والمراد منه والاستشهاد عليه/ 174/ 3 من كلام العرب قوله تعالى: «بَلَوْناهُمْ» وقصة أصحاب الجنة/ 174/ 10 قوله تعالى: «فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ» فى كلام فى وقت الطائف/ 175/ 7 والاستشهاد عليه قوله تعالى: «فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ» ومعنى الصّريم/ 175/ 13 قوله تعالى: «فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ» / 175/ 14 والقراءة فى «أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا» قوله تعالى: «وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ» ومعنى الحرد والاستشهاد/ 176/ 3 على هذا المعنى قوله تعالى: «فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ» ومعنى تلاومهم/ 176/ 8 قوله تعالى: «أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ» والقراءة فى «بالِغَةٌ» ، وإعرابها/ 176/ 11 قوله تعالى: «سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ» ومعنى (زعيم) فى كلام العرب/ 177/ 3 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 قوله تعالى: «أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ» والقراءات/ 177/ 6 فى «شركائهم» قوله تعالى: «يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ» والقراءات فى «يكشف» ، / 177/ 9 والمراد باليوم فى هذه الآية، مع الاستشهاد قوله تعالى: «فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ» ومعنى: «فَذَرْنِي» / 177/ 14 والمراد ب «مَنْ يُكَذِّبُ» ، وتوجيه إعراب «مَنْ» فى هذه الآية، وإعراب أساليب مشابهة قوله تعالى: «أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ» والمقصود بالغيب/ 178/ 7 قوله تعالى: «وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ» وتفسيره، وبيان صاحب/ 178/ 9 الحوت قوله تعالى: «لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ» وأوجه القراءة فى قوله: / 178/ 12 «تَدارَكَهُ» ، وتعليلها قوله تعالى: «لَنُبِذَ بِالْعَراءِ» ومعنى العراء/ 178/ 17 قوله تعالى: «وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ» وأوجه/ 179/ 1 القراءة فى «لَيُزْلِقُونَكَ» وبيان عادة العرب إذا أراد أحدهم أن يصيب المال بالعين، ومعنى «لَيُزْلِقُونَكَ» سورة الحاقة قوله تعالى: «الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ» معنى الحاقة، وبيان أن الحقّة والحاقة/ 179/ 15 بمعنى، وإعراب «الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ» ، ونظائرها. قوله تعالى: «سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً» ومعنى/ 180/ 5 الحسوم واشتقاقه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 قوله تعالى: «فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ» وتفسيره/ 180/ 8 قوله تعالى: «وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ» وأوجه القراءات فى «قَبْلَهُ» والمعنى/ 180/ 10 على كل قراءة قوله تعالى: «وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ» ومعناه/ 180/ 16 قوله تعالى: «فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً» ومعنى «أَخْذَةً رابِيَةً» / 180/ 18 قوله تعالى: «لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً» وتفسيره/ 181/ 3 قوله تعالى: «وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ» ومعناه/ 181/ 4 قوله تعالى: «وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً» ولماذا/ 181/ 6 لم يقل: فدككن، ومعنى الدك قوله تعالى: «وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ» ومعنى الوهي/ 181/ 12 قوله تعالى: «وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ» والمقصود/ 181/ 13 بثمانية. قوله تعالى: «لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ» والقراءة فى «يخفى» / 181/ 15 قوله تعالى: «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ» وفيمن نزل/ 182/ 3 قوله تعالى: «وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ» وفيمن نزل/ 182/ 2 قوله تعالى: «إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ» ومعنى «ظَنَنْتُ» / 182/ 4 قوله تعالى: «فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ» وبيان أن من سنن العرب أن يجعلوا/ 182/ 6 ما هو مفعول فاعلا عند إرادة المدح أو الذم قوله تعالى: «يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ» ومعناه/ 182/ 11 قوله تعالى: «ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ» ومعنى: / 182/ 13 «فَاسْلُكُوهُ» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 قوله تعالى: «وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ» ومعنى الغسلين/ 183/ 1 قوله تعالى: «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ» وتفسيره/ 183/ 2 قوله تعالى: «لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ» ومعنى اليمين/ 183/ 3 قوله تعالى: «فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ» وبيان أن «أَحَدٍ» / 183/ 4 يكون للجمع وللواحد والاستشهاد على ذلك سورة سأل سائل قوله تعالى: «سَأَلَ سائِلٌ» ومن السائل/ 183/ 11 قوله تعالى: «بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ» ومتعلق الجار والمجرور/ 183/ 15 فى «لِلْكافِرينَ» قوله تعالى: «ذِي الْمَعارِجِ» وبيان أنه صفة لله/ 184/ 1 قوله تعالى: «تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ/ 184/ 3 سَنَةٍ» ومعناه والقراءات فى تعرج قوله تعالى: «إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً» وتفسيره/ 184/ 7 قوله تعالى: «وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً» والقراءات فى «يَسْئَلُ» ، والمعنى/ 184/ 9 على كل قراءة، وبيان أن الفراء يكره القراءة التي تخالف الإجماع قوله تعالى: «وَفَصِيلَتِهِ» ومعناه/ 184/ 13 قوله تعالى: «ثُمَّ يُنْجِيهِ كَلَّا» ومعناه/ 184/ 14 قوله تعالى: «إِنَّها لَظى» ومعنى لظى، والسبب فى منعها من الصرف/ 184/ 15 قوله تعالى: «نَزَّاعَةً لِلشَّوى» إعراب نزاعة ولظى، ومعنى الشوى/ 185/ 1 قوله تعالى: «تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى» وتفسيره/ 185/ 6 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 قوله تعالى: «وَجَمَعَ فَأَوْعى» ومعنى «فَأَوْعى» / 185/ 8 قوله تعالى: «إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً» ومعنى «هَلُوعاً» ، وبيان/ 185/ 10 أن الإنسان فى معنى الجمع قوله تعالى: «حَقٌّ مَعْلُومٌ» ومعناه/ 185/ 15 قوله تعالى: «إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ» ، وهل يجوز أن تقول: مررت/ 185/ 17 بالقوم إلّا بزيد؟ وصلة هذا بأسلوب الآية قوله تعالى: «وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ» ومعنى «عِزِينَ» / 186/ 5 قوله تعالى: «أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ» وتفسيره وأوجه/ 186/ 8 القراءات فى يدخل قوله تعالى: «إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ» ومعنى «يُوفِضُونَ» والقراءات/ 186/ 11 فى نصب، والمعنى على كل قراءة سورة نوح عليه السلام قوله تعالى: «أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ» ومعناه، وإعرابه، والقراءات فيه/ 187/ 3 قوله تعالى: «وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» ومعناه/ 187/ 7 قوله تعالى: «يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ» وبيان من تكون لجميع ما وقعت/ 187/ 11 عليه ولبعضه قوله تعالى: «لَيْلًا وَنَهاراً» وتفسيره/ 187/ 16 قوله تعالى: «وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا» ومعناه/ 188/ 1 قوله تعالى: «وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ» ومعناه والمناسبة التي نزل فيها/ 188/ 3 قوله تعالى: «ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً» / 188/ 6 قوله تعالى: «وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً» ومعنى الأطوار/ 188/ 7 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 قوله تعالى: «سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً» وإعراب «طِباقاً» / 188/ 9 قوله تعالى: «وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً» وتفسيره/ 188/ 13 قوله تعالى: «سُبُلًا فِجاجاً» ومعناه/ 188/ 16 قوله تعالى: «مالُهُ وَوَلَدُهُ» والقراءات فى «وَلَدُهُ» / 188/ 19 قوله تعالى: «وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً» ومعناه/ 189/ 1 قوله تعالى: «وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً» ومعنى ود وسواع، والقراءات/ 189/ 4 فى كل من ود، ويغوث، ولم منع كل من «يَغُوثَ» و «يَعُوقَ» من الصرف؟ ومتى يصرف كل منهما؟ قوله تعالى: «مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ» ومعناه، وبيان أن العرب تجعل ما زائدة/ 189/ 14 فيما نوى به الجزاء، وشرح لهذه القاعدة، والتمثيل لها بهذه الآية، وإيراد نظائر لها من كتاب الله قوله تعالى: «دَيَّاراً» واشتقاقه/ 190/ 3 قوله تعالى: «إِلَّا تَباراً» ومعناه/ 190/ 6 سورة الجن قوله تعالى: «أُوحِيَ إِلَيَّ» والقراءات فى «أُوحِيَ» / 190/ 9 قوله تعالى: «اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ» وقصة استماع الجن للرسول/ 190/ 12 صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: «فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً» ومذاهب القراء فيما ورد/ 191/ 1 من لفظ «إِنَّا» فى هذه السورة قوله تعالى: «وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا» ومذاهب القراء فى «أَنَّ» / 191/ 8 والتعليل لأوجه القراءات المختلفة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 ص/ س قوله تعالى: «وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا» ومعنى «جَدُّ» / 192/ 13 قوله تعالى: «وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ» ومعنى الظن، وأوجه القراءة فى «أَنْ لَنْ تَقُولَ» / 193/ 2 قوله تعالى: «فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ» وتفسيره/ 193/ 5 قوله تعالى: «وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ» وتفسيره/ 193/ 8 قوله تعالى: «كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً» وتفسيره/ 193/ 10 قوله تعالى: «فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً» وتفسيره/ 193/ 14 قوله تعالى: «وَمِنَّا الْقاسِطُونَ» والفرق بين القاسطين، والمقسطين/ 193/ 16 قوله تعالى: «فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً» ومعنى «رَشَداً» / 193/ 17 قوله تعالى: «وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ» وتفسيره/ 193/ 19 قوله تعالى: «وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً» وفيمن/ 194/ 4 نزلت ومعنى الصعد قوله تعالى: «وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا» ومعنى «الْمَساجِدَ» / 194/ 8 قوله تعالى: «وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً» / 194 وتفسيره ومعنى «لِبَداً» ، وأوجه القراءات فيه قوله تعالى: «قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي» وأوجه القراءات فيه/ 195/ 1 قوله تعالى: «لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا» وإجماع القراء على «ضَرًّا» بالفتح. / 195/ 7 قوله تعالى: «وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً» ومعنى «مُلْتَحَداً» / 195/ 8 قوله تعالى: «إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ» وإعراب «بَلاغاً» والأوجه الجائزة فيه/ 195/ 10 قوله تعالى: «يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً» والمقام الذي تتحدث/ 196/ 1 عنه هذه الآية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 ص/ س قوله تعالى: «لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ» والقراءات/ 196/ 7 فى ليعلم والمعنى على كل قراءة سورة المزمل قوله تعالى: «الْمُزَّمِّلُ» وإجماع القراء على التشديد ومعناه/ 196/ 10 قوله تعالى: «قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا» وتفسيره/ 196/ 12 قوله تعالى: «سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا» وتفسيره/ 197/ 2 قوله تعالى: «إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً» وتفسيره، وأوجه القراءات/ 197/ 4 فى «وَطْئاً» والمعنى على كل قراءة قوله تعالى: «إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا» ومعنى «سَبْحاً» ، / 197/ 12 وأوجه القراءة فيه قوله تعالى: «وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا» وتفسيره/ 198/ 1 قوله تعالى: «رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» وإعراب «رَبُّ» / 198/ 4 قوله تعالى: «فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا» ومعنى «وَكِيلًا» / 198/ 8 قوله تعالى: «وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا» ومعنى «كَثِيباً مَهِيلًا» / 198/ 10 قوله تعالى: «فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً» وتفسيره/ 198/ 15 قوله تعالى: «السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ» وبيان أن السماء تذكر وتؤنث/ 199/ 1 قوله تعالى: «فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا» ومعنى «سَبِيلًا» / 199/ 4 قوله تعالى: «إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ» معناه، وأوجه القراءة فى «نِصْفَهُ وَثُلُثَهُ» / 199/ 6 قوله تعالى: «وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ» والمناسبة التي نزلت فيها/ 199/ 13 قوله تعالى: «عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ» ومعنى «لَنْ تُحْصُوهُ» / 200/ 4 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 ص/ س قوله تعالى: «وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ» والمراد بالصلاة/ 200/ 7 سورة المدثر قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ» ومعنى «الْمُدَّثِّرُ» / 200/ 9 قوله تعالى: «قُمْ فَأَنْذِرْ» ومعناه/ 11 قوله تعالى: «وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ» والقراءات فى «الرُّجْزَ» ومعناه/ 200/ 16 قوله تعالى: «وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ» وتفسير والقراءات فى «تَسْتَكْثِرُ» / 201/ 3 قوله تعالى: «فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ» ومعناه/ 201/ 7 قوله تعالى: «ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً» ومعنى «وَحِيداً» / 201/ 9 قوله تعالى: «وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً» ومعنى المال الممدود/ 201/ 12 قوله تعالى: «وَبَنِينَ شُهُوداً» ومعناه/ 201/ 17 قوله تعالى: «إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ» وقصة تفكيره وتقديره/ 201/ 20 قوله تعالى: «فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ» ومعنى «فَقُتِلَ» / 202/ 12 قوله تعالى: «ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ» وقصة هذه الآية/ 202/ 15 قوله تعالى: «سَأُصْلِيهِ سَقَرَ» ومعنى «سَقَرَ» وعلة منعه من الصرف/ 203/ 2 قوله تعالى: «لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ» وإعراب لوّاحة ومعناها/ 203/ 4 قوله تعالى: «عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ» ومذاهب العرب فى الأعداد ما بين/ 203/ 11 أحد عشر إلى تسعة عشر، والحال التي نزلت فيها هذه الآية قوله تعالى: «وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ» والقراءات فى «إِذْ أَدْبَرَ» ، والمعنى على كل/ 204/ 6 قراءة قوله تعالى: «نَذِيراً لِلْبَشَرِ» وإعراب «نَذِيراً» / 205/ 1 قوله تعالى: «إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ» وعلام يعود الضمير فى «إِنَّها» وتفسيره، / 205/ 9 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 ص/ س قوله تعالى: «إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ» وتفسيره والاستشهاد على/ 205/ 11 التفسير بقوله: «يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ» قوله تعالى: «كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ» وتفسيره، والقراءات فى/ 206/ 1 «مُسْتَنْفِرَةٌ» قوله تعالى: «بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً» / 206/ 9 وتفسيره قوله تعالى: «إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ» والمراد بالتذكرة/ 206/ 13 سورة القيامة قوله تعالى: «لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ» وكلام النحاة فى «لا أُقْسِمُ» / 207/ 3 وأوجه القراءات فيه قوله تعالى: «وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ» وتفسيره/ 207/ 15 قوله تعالى: «بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ» وتفسيره/ 208/ 3 وسبب نصب «قادِرِينَ» قوله تعالى: «لِيَفْجُرَ أَمامَهُ» وتفسيره/ 208/ 15 قوله تعالى: «فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ» وأوجه القراءة فى «بَرِقَ» / 209/ 1 والمعنى على كل قراءة قوله تعالى: «وَخَسَفَ» وتفسيره/ 209/ 9 قوله تعالى: «وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ» وأقوال فى تفسيره/ 209/ 11 قوله تعالى: «أَيْنَ الْمَفَرُّ» وأوجه القراءة فيه والاستشهاد على هذه الأوجه/ 210/ 4 قوله تعالى: «كَلَّا لا وَزَرَ» ومعنى الوزر/ 210/ 13 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 قوله تعالى: «يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ» وتفسيره/ 210/ 15 قوله تعالى: «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ» وتفسيره/ 211/ 3 قوله تعالى: «وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ» ومعناه/ 211/ 8 قوله تعالى: «لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ» والحال التي نزل فيها/ 211/ 10 قوله تعالى: «فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ» ومعناه/ 211/ 14 قوله تعالى: «كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ» وأوجه القراءة/ 211/ 17 فى «تُحِبُّونَ» ، «وَتَذَرُونَ» قوله تعالى: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ» والقراءة فى «ناضِرَةٌ» / 212/ 2 قوله تعالى: «وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ» ومعنى «باسِرَةٌ» / 212/ 3 قوله تعالى: «تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ» ومعنى «فاقِرَةٌ» / 212/ 4 قوله تعالى: «كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ» ومعناه/ 212/ 6 قوله تعالى: «وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ» ومعناه/ 212/ 11 قوله تعالى: «يَتَمَطَّى» ومعناه وفيمن نزل/ 212/ 14 قوله تعالى: «مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى» وأوجه القراءة فى «يُمْنى» / 212/ 16 قوله عز وجل: «أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى» وما يجوز فى النطق بالفعل «يحى» / 213/ 3 سورة الإنسان قوله تعالى: «هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ» ومعناه، والمراد/ 213/ 9 من الاستفهام فيه قوله تعالى: «لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً» وتفسيره/ 213/ 13 قوله تعالى: «أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ» ومعنى الأمشاج. وبيان أن نبتليه/ 213/ 15 مقدمة من تأخير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 ص/ س قوله تعالى: «إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً» وبيان أن هدى يتعدى/ 214/ 5 بنفسه وباللام وبإلى ... ومعنى كل من «هَدَيْناهُ» «وَإِمَّا» . قوله تعالى: «سَلاسِلَ وَأَغْلالًا» وأوجه القراءة فى «سَلاسِلَ» / 214/ 9 قوله تعالى: «كانَتْ قَوارِيرَا» ورسم أهل البصرة وأهل الكوفة والمدينة/ 214/ 12 لقوارير قوله تعالى: «يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً» ومعناه والأوجه/ 215/ 18 الجائزة فى إعراب: «كانَ مِزاجُها كافُوراً» قوله تعالى: «عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ» وإعراب «عَيْناً» وبيان أن/ 215/ 7 يشرب تتعدى بنفسها وبالباء وإيراد الشواهد على ذلك قوله تعالى: «يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً» وتفسيره/ 215/ 15 قوله تعالى: «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ» وبيان أن ذلك صفة من صفاتهم فى الدنيا/ 215/ 17 قوله تعالى: «وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً» ومعنى «مُسْتَطِيراً» / 216/ 2 قوله تعالى: «عَبُوساً قَمْطَرِيراً» ومعنى «قمطرير» واللغات الجائزة فيه/ 216/ 4 مع إيراد الشواهد على ذلك قوله تعالى: «مُتَّكِئِينَ فِيها» وإعرابه/ 216/ 7 قوله تعالى: «وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها» وإعراب «دانِيَةً» وقراءة عبد الله/ 216/ 8 قوله تعالى: «وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا» ومعناه/ 217/ 2 قوله تعالى: «كانَتْ قَوارِيرَا» ومعناه/ 217/ 4 قوله تعالى: «قَدَّرُوها» ومعناه/ 217/ 6 قوله تعالى: «كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا عَيْناً» ومعنى الكأس ومتى/ 217/ 10 تسمى بذلك، والمراد بالزنجبيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 ص/ س قوله تعالى: «تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا» وإشارة إلى أن القراءة سنة متبعة، / 217/ 16 قوله تعالى: «مُخَلَّدُونَ» ومعناه/ 218/ 5 قوله تعالى: «وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً» ومعناه وبيان أن (ما) مضمرة/ 218/ 10 هنا قبل (ثمّ) قوله تعالى: «عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ» وأوجه القراءة فى «عالِيَهُمْ» / 218/ 14 واختلاف القراء فى «سُندُسٍ» و «خُضْرٌ» قوله تعالى: «شَراباً طَهُوراً» ومعنى طهور/ 219/ 8 قوله تعالى: «وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً» وبيان أن (أو) هنا بمنزلة (لا) / 219/ 10 قوله تعالى: «وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ» ومعنى الأسر/ 220/ 4 قوله تعالى: «إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ» ومعناه/ 220/ 7 قوله تعالى: «فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا» ومعنى «سَبِيلًا» / 220/ 8 قوله تعالى: «وَما تَشاؤُنَ» وبيان أنه جواب لقوله تعالى: «فَمَنْ شاءَ/ 220/ 10 اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا» قوله تعالى: «وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ» وبيان الأوجه الإعرابية فى «الظَّالِمِينَ» / 220/ 14 وقراءة عبد الله. والاحتجاج لقراءته بما جاء فى كلام العرب قوله تعالى: «لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ» وأن المراد بالاستفهام هنا التعجب/ 221/ 9 سورة المرسلات قوله تعالى: «وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً» ومعنى كل من المرسلات، وعرفا/ 221/ 13 قوله تعالى: «فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً» ومعنى العاصفات/ 221/ 16 قوله تعالى: «وَالنَّاشِراتِ نَشْراً» ومعنى الناشرات/ 222/ 1 قوله تعالى: «فَالْفارِقاتِ فَرْقاً» ومعنى الفارقات/ 222/ 3 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 ص/ س قوله تعالى: «فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً» ومعنى الملقيات/ 222/ 5 قوله تعالى: «عُذْراً أَوْ نُذْراً» إعرابه والقراءة بالتخفيف والتثقيل/ 222/ 7 قوله تعالى: «فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ» ومعنى «طُمِسَتْ» / 222/ 11 قوله تعالى: «وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ» وأوجه القراءة فى «أُقِّتَتْ» والاحتجاج لها، / 222/ 13 ومعنى: «أُقِّتَتْ» قوله تعالى: «لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ» ومعنى الاستفهام فيه/ 223/ 5 قوله تعالى: (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ» وقراءة عبد الله، / 223/ 7 والأوجه الإعرابية الجائزة فى «نُتْبِعُهُمُ» قوله تعالى: «فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ» والقراءة بالتخفيف والتشديد فى/ 223/ 11 قوله «فَقَدَرْنا» قوله تعالى: «أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً» ومعنى «كِفاتاً» / 224/ 2 قوله تعالى: «إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ» تفسيره/ 224/ 7 قوله تعالى: «كَالْقَصْرِ» وبيان أن معناه الجمع، وإيراد الشواهد على ذلك/ 224/ 10 وبيان أن الفراء لا يشتهى قراءة كالقصر قوله تعالى: «كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ» وبيان معنى الصفر، وأوجه القراءة/ 225/ 2 فى جمالة وجمالات قوله تعالى: «هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ» والأوجه الإعرابية، الجائزة فى «يَوْمُ» ، / 225/ 13 ومعنى «يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ» وكلام فى إضافة «يَوْمُ» إلى ما بعده قوله تعالى: «وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» والأوجه الإعرابية الجائزة فى/ 226/ 12 «فَيَعْتَذِرُونَ» قوله تعالى: «فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ» وتفسيره/ 227/ 1 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 ص/ س قوله تعالى: «وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ» ومعناه/ 227/ 3 سورة عم يتساءلون قوله تعالى: «عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ» وتفسيره/ 227/ 7 قوله تعالى: «الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ» ومعنى الاختلاف/ 227/ 10 قوله تعالى: «كَلَّا سَيَعْلَمُونَ» وقراءة الحسن/ 227/ 12 قوله تعالى: «ثَجَّاجاً» ومعناه/ 227/ 14 قوله تعالى: «وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً» ونظير معناه فى القرآن الكريم/ 227/ 15 قوله تعالى: «لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً» وأوجه القراءة فى «لابِثِينَ» ومعناه وتفسير/ 228/ 1 الأحقاف قوله تعالى: «لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً» ومعنى البرد/ 228/ 13 قوله تعالى: «جَزاءً وِفاقاً» ومعنى «وِفاقاً» / 229/ 1 قوله تعالى: «وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً» والقراءة بالتخفيف والتثقيل/ 229/ 3 «كِذَّاباً» وإشارة إلى لغة يمانية فى التثقيل قوله تعالى: «رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» والأوجه الإعرابية الجائزة فى/ 229/ 14 «رَبِّ» وتنظيره بكلمة «الرَّحْمنِ» فى قوله تعالى: «الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً» سورة النازعات قوله تعالى: «وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً» وتفسيره/ 230/ 3 قوله تعالى: «وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً» والمراد منه/ 230/ 5 قوله تعالى: «وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً» ومعناه/ 230/ 9 قوله تعالى: «فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً» والمراد بالسابقات/ 230/ 12 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 ص/ س ومعنى التدبير فى قوله تعالى: «فَالْمُدَبِّراتِ» وجواب عن سؤال: أين جواب القسم فى النازعات؟! قوله تعالى: «يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ» والمراد بكل/ 231/ 4 من الراجفة والرادفة قوله تعالى: «أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً» وأوجه القراءة فى «نَخِرَةً» وتفريق/ 231/ 6 بعض المفسرين بين معنى «ناخرة، ونَخِرَةً» قوله تعالى: «الْحافِرَةِ» والمراد به/ 232/ 3 قوله تعالى: «فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ» والمراد بالساهرة والاستشهاد على معناه/ 232/ 10 قوله تعالى: «طُوىً» والمراد به، ووجه صرفه أو منعه من الصرف/ 232/ 15 قوله تعالى: «نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى» وبيان كل من الآخرة، والأولى/ 233/ 3 وتفسيره قوله تعالى: «أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها» والمخاطب بهذه الآية/ 233/ 8 قوله تعالى: «وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها» ومعناه/ 233/ 10 و 11 قوله تعالى: «وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها» والأوجه الإعرابية الجائزة فى/ 233/ 12 «الْأَرْضَ» ونظائره فى القرآن الكريم قوله تعالى: «مَتاعاً لَكُمْ» وإعرابه/ 233/ 15 قوله تعالى: «فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ» ومعنى «الطَّامَّةُ» / 234/ 1 قوله تعالى: «فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى» وبيان «الْمَأْوى» / 234/ 3 قوله تعالى: «أَيَّانَ مُرْساها» ومعنى الرّسو والإجابة عن السؤال: كيف/ 234/ 6 وصفت الساعة بالإرساء؟ قوله تعالى: «إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها» وأوجه القراءة فى «مُنْذِرُ» ، وإيراد/ 234/ 10 نظائر لها من القرآن الكريم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 ص/ س قوله تعالى: «إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها» وإجابة عن السؤال: / 234/ 14 هل للعشى ضحا؟ سورة عبس قوله تعالى: «عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى» وقصة نزول هذه الآية/ 235/ 5 قوله تعالى: «وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى» ومعناه/ 235/ 10 قوله تعالى: «أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى» والأوجه الإعرابية الجائزة فى/ 235/ 12 «فَتَنْفَعَهُ» قوله تعالى: «أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى» وأوجه القراءة فى «أَنْ» / 236/ 1 قوله تعالى: «فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى» وأوجه القراءة فى «تَصَدَّى» / 236/ 3 قوله تعالى: «كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ» وكلام فى الضمير فى «إِنَّها» / 236/ 5 قوله تعالى: «فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ» ومرجع الضمير فى «ذَكَرَهُ» / 236/ 7 قوله تعالى: «فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ» وسبب تكريم الصحف/ 236/ 9 قوله تعالى: «بِأَيْدِي سَفَرَةٍ» ومعنى «سَفَرَةٍ» / 236/ 13 قوله تعالى: «بَرَرَةٍ» وكلام فى جمع فعله، ومفرده/ 237/ 1 قوله تعالى: «ما أَكْفَرَهُ» وبيان أن «ما» قد تكون للتعجب، وقد تكون/ 237/ 8 للاستفهام قوله تعالى: «ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ» ومعناه/ 237/ 12 قوله تعالى: «ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ» ومعناه، والفرق فى المعنى بين/ 237/ 15 (فقبره وأقبره) قوله تعالى: «كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ» ومعناه/ 238/ 1 قوله تعالى: «أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا» وأوجه القراءة فى «أَنَّا» والمعنى على كل وجه/ 238/ 3 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 ص/ س قوله تعالى: «حَبًّا» وتفسيره والمراد بكل من القضب، والغلب، والأبّ/ 238/ 9 قوله تعالى: «مَتاعاً لَكُمْ» والأوجه الإعرابية الجائزة فى «مَتاعاً» / 238/ 13 قوله تعالى: «الصَّاخَّةُ» وتفسيره/ 238/ 15 قوله تعالى: «يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ» وبيان أن من أخيه، وعن أخيه سواء/ 238/ 16 قوله تعالى: «لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ» ومعنى «يُغْنِيهِ» ، / 238/ 18 والقراءة الشاذة: يعنيه قوله تعالى: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ» ومعنى «مُسْفِرَةٌ» ، والفرق بين مسفرة» / 239/ 1 وسافرة قوله تعالى: «تَرْهَقُها قَتَرَةٌ» وما يجوز فى قراءة «قَتَرَةٌ» / 239/ 4 سورة إذا الشمس كورت قوله تعالى: «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» ومعنى «كُوِّرَتْ» / 239/ 8 قوله تعالى: «وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ» ومعنى «انْكَدَرَتْ» / 239/ 9 قوله تعالى: «وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ» وتفسيره/ 239/ 11 قوله تعالى: «وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ» ومعنى «حُشِرَتْ» / 239/ 13 قوله تعالى: «وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ» ومعنى «سُجِّرَتْ» / 239/ 16 قوله تعالى: «وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ» ومعناه/ 239/ 18 قوله تعالى: «وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» وتفسيره، وأوجه القراءة فيه/ 240/ 7 قوله تعالى: «وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ» والقراءة بالتخفيف والتثقيل/ 241/ 5 فى «نُشِرَتْ» والاحتجاج لكل قراءة قوله تعالى: «وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ» واللغات فى «كُشِطَتْ» ، وبيان قاعدة/ 241/ 10 إِذَا تقارب الحرفان فِي المخرج تعاقبًا فِي اللغات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 قوله تعالى: «وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ» وأوجه القراءة فى «سُعِّرَتْ» / 241/ 15 قوله تعالى: «عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ» وبيان أنه جواب للشرط فى قوله: / 241/ 18 «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» . قوله تعالى: «وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ» ومعنى «أُزْلِفَتْ» / 241/ 19 قوله تعالى: «فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ» ومعنى كل من: الخنس/ 242/ 1 والكنس قوله تعالى: «وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ» وتفسيره/ 242/ 5 قوله تعالى: «وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ» ومعنى تنفس الصبح/ 242/ 11 قوله تعالى: «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ» والمقصود بالرسول الكريم/ 242/ 13 قوله تعالى: «وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ» وأوجه القراءة فى «بظنين» ، والمعنى/ 242/ 15 على كل قراءة، والاحتجاج لها قوله تعالى: «فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ» واستجازة العرب إلقاء، «إلى» فى: ذهب، وخرج/ 243/ 7 وانطلق لكثرة استعمالهم إياها سورة إذا السماء انفطرت قوله تعالى: «إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ» ومعنى «انْفَطَرَتْ» / 243/ 17 قوله تعالى: «وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ» ومعنى «بُعْثِرَتْ» ، وكلام فى علامات/ 243/ 18 الساعة قوله تعالى: «عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ» وتفسيره/ 244/ 1 قوله تعالى: «الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ» والقراءة بالتخفيف والتثقيل فى/ 244/ 4 «فَعَدَلَكَ» ، وتوجيه كل قراءة، وبيان أن التثقيل أعجب الوجهين إلى الفراء وأجودهما فى العربية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 قوله تعالى: «كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ» وأوجه القراءة فى «تُكَذِّبُونَ» ، / 244/ 14 وبيان أن القراءة بالتاء فى «تُكَذِّبُونَ» أحسن الوجهين إلى الفراء قوله تعالى: «وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ» ومعناه/ 244/ 17 قوله تعالى: «يَوْمَ لا تَمْلِكُ» والقراءة بالنصب والرفع فى كلمة «يَوْمَ» ، / 244/ 18 وبيان أن العرب تُؤْثر الرفعَ إِذَا أضافوا اليوم إلى (يفعل، وتفعل، وأفعل) فإذا قالوا: هذا يوم فعلت آثروا النصب سورة المطففين قوله تعالى: «وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ» والمناسبة التي نزل فيها، ومعنى كلمة «وَيْلٌ» / 245/ 8 قوله تعالى: «وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ» وبيان ما يقول أهل الحجاز/ 245/ 12 وما جاورهم من قيس قوله تعالى: «اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ» ومعناه، وبيان أنّ من وعلى تعتقبان/ 246/ 3 فى هذا الموضع قوله تعالى: «يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ» والقراءات فى «يَوْمَ» وتوجيه كل قراءة، / 246/ 7 قوله تعالى: «وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ» ومعنى كلمة «سِجِّينٌ» / 246/ 13 قوله تعالى: «كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ» ومعنى الرّين على/ 146/ 16 قلوبهم، ومعنى: فلان أصبح قد رين به قوله تعالى: «كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ» وبيان أن العرب إِذَا جمعت/ 247/ 1 جمعًا لا يذهبون فِيهِ إلى أن له بناء من واحد أو اثنين، فقالوه فى المؤنث والمذكر بالنون- مثل «عِلِّيِّينَ» ونظائر له قوله تعالى: «تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ» ومعنى «نَضْرَةَ النَّعِيمِ» ، / 247/ 15 والقراءة فى «تَعْرِفُ» وتوجيه كل قراءة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 قوله تعالى: «خِتامُهُ مِسْكٌ» والقراءة فيه، وتوجيه كل قراءة/ 248/ 5 قوله تعالى: «وَمِزاجُهُ» وعود الضمير فيه/ 249/ 1 قوله تعالى: «مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْناً» ومعنى «تَسْنِيمٍ» ، وسبب نصب «عَيْناً» / 249/ 1 قوله تعالى: «فَكِهِينَ» ومعناه، القراءة فيه/ 249/ 8 سورة إذا السماء انشقت قوله تعالى: «إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ» وتفسيره/ 249/ 11 قوله تعالى: «وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ» وتفسيره، وكلام فى جواب «إِذَا» / 249/ 13 قوله تعالى: «وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ» ورأى آخر فى جواب إذا فى قوله تعالى: / 250/ 3 «إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ» «وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ» قوله تعالى: «وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ» وتفسيره/ 250/ 10 قوله تعالى: «فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً» ومعنى الثبور، ومعنى قول العرب: «فلان/ 250/ 12 يدعو لهفة» قوله تعالى: «وَيَصْلى سَعِيراً» والقراءة فيه، والاحتجاج لها/ 250/ 15 قوله تعالى: «إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ بَلى» وتفسيره/ 251/ 3 قوله تعالى: «فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ» ومعنى الشفق/ 251/ 6 قوله تعالى: «وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ» ومعناه/ 251/ 12 قوله تعالى: «وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ» ومعنى الاتساق/ 251/ 13 قوله تعالى: «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ» والقراءات فيه، والمعنى على كل/ 251/ 19 قراءة قوله تعالى: «بِما يُوعُونَ» ومعناه/ 252/ 7 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 سورة البروج قوله تعالى: «وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ» ومعنى «الْبُرُوجِ» / 252/ 12 قوله تعالى: «وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ» والمراد به/ 252/ 15 قوله تعالى: «وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ» ومعناه/ 252/ 16 قوله تعالى: «قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ» وكلام فى جواب القسم هنا، / 253/ 1 وقصة أصحاب الأخدود قوله تعالى: «النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ» والأوجه الإعرابية الجائزة فى «النَّارِ» / 253/ 16 قوله تعالى: «وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ» وبيان المعذب بالحريق/ 253/ 11 قوله تعالى: «ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ» والقراءة فى لفظ «الْمَجِيدُ» ووجه الإعراب على كل قراءة/ 254/ 1 قوله تعالى: «فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ» والقراءة فى «مَحْفُوظٍ» / 254/ 5 سورة الطارق قوله تعالى: «وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ» ومعنى «الطَّارِقِ» / 254/ 10 قوله تعالى: «النَّجْمُ الثَّاقِبُ» ومعنى «الثَّاقِبُ» ، ومعنى قول العرب للطائر/ 254/ 12 قد ثقب قوله تعالى: «لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ» تفسيره وأوجه القراءة فى «لَمَّا» ، وبيان/ 254/ 15 أن التثقيل لغة هذيل قوله تعالى: «مِنْ ماءٍ دافِقٍ» وبيان أن أهل الحجاز يجعلون المفعول فاعلًا/ 254/ 5 إِذَا كَانَ فِي مذهب نعت، تقول العرب: هذا سر كاتم، وهم ناصب ... إلخ قوله تعالى: «يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ» ومعنى كل من الصلب/ 254/ 9 والترائب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 قوله تعالى: «إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ» وتفسيره/ 254/ 13 قوله تعالى: «وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ» ومعنى «ذاتِ الْبُرُوجِ» / 254/ 17 قوله تعالى: «وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ» ومعنى قوله: «ذاتِ الصَّدْعِ» / 254/ 19 سورة الأعلى قوله تعالى: «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ» وبيان أن سبّح هنا يتعدى بنفسه وبالباء/ 256/ 2 قوله تعالى: «وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى» وتفسيره، وأوجه القراءة فى «قَدَّرَ» / 256/ 5 قوله تعالى: «فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى» ومعنى «غُثاءً أَحْوى» / 256/ 10 قوله تعالى: «سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ» وتفسيره/ 256/ 13 قوله تعالى: َ يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى» ومعناه/ 256/ 17 قوله تعالى: «النَّارَ الْكُبْرى» وتفسيره/ 256/ 19 قوله تعالى: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى» وتفسيره/ 257/ 1 قوله تعالى: «وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى» وتفسيره/ 257/ 3 قوله تعالى: «بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا» وأوجه القراءة فى «تُؤْثِرُونَ» 257/ 5 قوله تعالى: «إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى» وتفسيره/ 257/ 8 سورة الغاشية قوله تعالى: «تَصْلى» والقراءة فيه/ 257/ 12 قوله تعالى: «لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ» ومعنى «ضَرِيعٍ» / 257/ 13 قوله تعالى: «لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً» ومعنى «لاغِيَةً» وأوجه القراءة/ 257/ 15 فى «لا تَسْمَعُ» قوله تعالى: «فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ» ومعناه/ 258/ 3 قوله تعالى: «وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ» ومعنى مصفوفة ونمرقه، واللغات فيه/ 258/ 5 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 قوله تعالى: «وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ» ومعناه/ 258/ 8 قوله تعالى: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» وسر التعجب من خلق/ 258/ 10 الإبل قوله تعالى: «لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ» والقراءة فى قوله: «بمسيطر» ، ومعناه/ 258/ 13 قوله تعالى: «إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ» وبيان أن الاستثناء هنا منقطع، وكلام/ 258/ 16 فى كيفية معرفة المنقطع من الاستثناء قوله تعالى: «إِيابَهُمْ» والقراءة فيه/ 259/ 10 سورة الفجر قوله تعالى: «وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ» ومعناه وأوجه القراءة/ 259/ 13 فى «الْوَتْرِ» قوله تعالى: «وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ» والمقصود بالليل. واختلاف القراء فى «يَسْرِ» / 260/ 5 وبيان أن العرب قد تحذف الياء فى نحو «يَسْرِ» وتكتفى بكسر ما قبلها، والشواهد على ذلك قوله تعالى: «هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ» ومعنى الحجر/ 260/ 12 قوله تعالى: «إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ» والسبب فى ترك التنوين فى «إِرَمَ» ومعنى/ 260/ 15 «ذاتِ الْعِمادِ» قوله تعالى: «جابُوا الصَّخْرَ» وتفسيره/ 261/ 1 قوله تعالى: «وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ» وتفسيره/ 261/ 2 قوله تعالى: «فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ» وبيان أن العرب تدخل/ 261/ 5 السوط لكل نوع من العذاب قوله تعالى: «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ» ومعناه/ 261/ 9 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 قوله تعالى: «فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ» وأوجه القراءة فى «فَقَدَرَ» / 261/ 10 قوله تعالى: «كَلَّا» ومعناه/ 261/ 13 قوله تعالى: «وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ» وأوجه القراءة/ 261/ 15 فى «تَحَاضُّونَ» والمعنى على كل قراءة قوله تعالى: «أَكْلًا لَمًّا» ومعناه/ 262/ 1 قوله تعالى: «يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي» والمقصود بقوله «لِحَياتِي» / 262/ 3 قوله تعالى: «فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ» واختلاف القراء/ 262/ 5 فى: «يُعَذِّبُ، ويُوثِقُ» قوله تعالى: «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ» وبما يكون اطمئنان النفس/ 262/ 16 قوله تعالى: «ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ» وبيان أن الأمر قد يكون هنا بمعنى الخبر/ 263/ 1 قوله تعالى: «فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي» وقراءة ابن عباس فيه/ 263/ 6 سورة البلد قوله تعالى: «أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً» وأوجه القراءة فى «لبد» / 263/ 9 قوله تعالى: «وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ» ومعنى «وَأَنْتَ حِلٌّ» / 263/ 14 قوله تعالى: «وَوالِدٍ وَما وَلَدَ» وبيان أن «ما» تصلح للناس وشواهد/ 263/ 16 قرآنية على ذلك، وقد تكون «ما» هنا فى معنى المصدر قوله تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ» وبيان من نزلت فيه هذه الآية/ 264/ 4 قوله تعالى: «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ» ومعنى «النَّجْدَيْنِ» / 264/ 11 قوله تعالى: «فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ» وبيان أن العرب لا تكاد تفرد «لا» / 264/ 16 في الكلام، حتى يعيدوها عليه فى كلام آخر، وتأويل الآية على حسب هذه القاعدة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 قوله تعالى: «فَكُّ رَقَبَةٍ» واختلاف القراء فيه، وترجيح الفراء قراءة/ 265/ 4 «فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ» وسبب ذلك قوله تعالى: «أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ» ومعنى مسغبة، وما يجوز/ 265/ 13 فى إعراب «ذِي مَسْغَبَةٍ» قوله تعالى: «الموصدة» ومعناه وبيان أنه يهمز ولا يهمز/ 266/ 2 سورة الشمس وضحاها قوله تعالى: «وَالشَّمْسِ وَضُحاها» ومعنى «الضُّحى» ، والقراءة بالفتح/ 266/ 5 والكسر (الإمالة) قوله تعالى: «وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها» وإعرابه/ 266/ 11 قوله تعالى: «وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها» ومعنى «جَلَّاها» / 266/ 14 قوله تعالى: «فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها» وتفسير «فَأَلْهَمَها» / 266/ 18 قوله تعالى: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها» وتفسيره/ 267/ 1 قوله تعالى: «وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها» وبيان أنّ «دَسَّاها» من دسّسْت، بُدّلَت/ 267/ 3 بعض سيناتها ياء، ولذلك نظائر قوله تعالى: «بِطَغْواها» وتصريفه، ومعناه/ 267/ 14 قوله تعالى: «إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها» وكلام فى أفعل التفضيل المضاف/ 268/ 1 إلى معرفة قوله تعالى: «فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ» وإعراب «ناقَةَ اللَّهِ» وبيان ان كلّ/ 268/ 15 تحذير فهو نصب، والعرب قد ترفعه والاستشهاد على ذلك قوله تعالى: «فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها» وبيان أنه إذا وقع الفعلان معا جاز تقديم/ 269/ 5 أيهما شئت كأن يقول: أعطيت فأحسنت أو أحسنت فأعطيت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 قوله تعالى: «فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها» ومعنى كل من «فَدَمْدَمَ» / 269/ 16 و «فَسَوَّاها» قوله تعالى: «وَلا يَخافُ عُقْباها» وقراءة كل من أهل المدينة، وأهل الكوفة/ 269/ 19 والبصرة، وبيان أي القراءتين أرجح فى رأى الفراء سورة الليل قوله تعالى: «وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى» وأوجه القراءة فيه/ 270/ 6 قوله تعالى: «إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى» ومعنى «لَشَتَّى» ، وفيمن نزلت هذه الآية/ 270/ 10 قوله تعالى: «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى» وبيان أنه أبو بكر/ 270/ 13 قوله تعالى: «وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى» وبيان أنه أبو سفيان/ 270/ 15 قوله تعالى: «فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى» ومعناه، وبيان أنه قَدْ خَلَقَ عَلَى أَنَّهُ شقي/ 270/ 17 ممنوع من الخير قوله تعالى: «إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى» ومعناه/ 271/ 7 قوله تعالى: «وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى» وتفسيره/ 271/ 11 قوله تعالى: «فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى» ومعنى «تَلَظَّى» وتعريفه/ 271/ 13 قوله تعالى: «لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى» ومعناه/ 272/ 3 قوله تعالى: «الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى» ومعنى التكذيب هنا/ 272/ 5 قوله تعالى: «وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى» والمراد بالأتقى/ 272/ 10 قوله تعالى: «وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى» وتفسيره، وبيان أن العرب/ 272/ 11 قد تضع الحرف فِي غير موضعه إِذَا كَانَ المعنى معروفا، والشواهد على ذلك قوله تعالى: «إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى» والأوجه الجائزة فى إعراب «ابْتِغاءَ» / 273/ 4 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 سورة الضحى قوله تعالى: «وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى» ومعنى كل من «الضُّحى» / 273/ 13 و «سَجى» قوله تعالى: «ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى» والمناسبة التي نزلت فيها هذه/ 273/ 17 الآية قوله تعالى: «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى» وأوجه القراءة فى «وَلَسَوْفَ» / 274/ 3 يعطيك» ومعناه، وتوضيح ذلك قوله تعالى: «أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى» وتفسيره/ 274/ 10 قوله تعالى: «فَأَغْنى» وبيان أن أصله: فأغناك، وسبب طرح الكاف/ 274/ 13 قوله تعالى: «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى وَوَجَدَكَ عائِلًا» ومعنى «ضَالًّا» و «عائِلًا» / 274/ 15 قوله تعالى: «فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ» والقراءات فى «تَقْهَرْ» / 274/ 18 قوله تعالى: «وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ» وتفسيره/ 275/ 1 قوله تعالى: «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ» وبيان أن القرآن أعظم نعمة الله/ 275/ 3 على رسوله سورة ألم نشرح قوله تعالى: «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ» وتفسيره/ 275/ 7 قوله تعالى: «وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ» ومعناه/ 275/ 11 قوله تعالى: «الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ» وتفسير الكلبي له/ 275/ 13 قوله تعالى: «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً» وبيان قراءة عبد الله له/ 275/ 15 قوله تعالى: «فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ» وتفسيره/ 275/ 18 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 سورة التين قوله تعالى: «وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ» والمراد به/ 276/ 7 قوله تعالى: «وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ» والمراد به، وبيان أن العرب تقول للآمن: / 276/ 12 الأمين. قوله تعالى: «فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» ومعناه/ 276/ 16 قوله تعالى: «ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا» وكلام فى استثناء/ 277/ 3 الجمع من الواحد قوله تعالى: «فَما يُكَذِّبُكَ» وتفسيره/ 277/ 12 سورة اقرأ باسم ربك قوله تعالى: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ» وبيان أنه أول ما نزل/ 278/ 3 من القرآن قوله تعالى: «خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ» والسبب فى استعمال الجمع فى «عَلَقٍ» / 278/ 5 قوله تعالى: «أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى» وبيان أن معنى «رَآهُ» رأى نفسه، وشرح/ 278/ 8 ذلك الأسلوب من كلام العرب قوله تعالى: «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى» وفيمن نزلت هذه الآية/ 278/ 13 قوله تعالى: «أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى» وبيان ما فيه من التهديد والوعيد/ 279/ 1 قوله تعالى: «كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ» والمراد به/ 279/ 2 قوله تعالى: «فَلْيَدْعُ نادِيَهُ» ومعنى «نادِيَهُ» / 279/ 6 قوله تعالى: «لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ» وأوجه القراءة فى «ناصية» ، وإعرابها/ 279/ 11 قوله تعالى: «فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ» ومعنى زبانية وواحده/ 279/ 15 وبيان قراءة عبد الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 سورة القدر قوله تعالى: «وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ» والفرق بين ما أدراك، وما يدريك/ 280/ 8 قوله تعالى: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» وتفسيره/ 280/ 11 قوله تعالى: «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها» وتفسيره/ 280/ 14 قوله تعالى: «مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» وأوجه القراءة/ 280/ 21 فى «كُلِّ أَمْرٍ» و «مَطْلَعِ» سورة لم يكن قوله تعالى: «لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ» الآية وإيراد/ 281/ 6 أكثر من وجه فى تفسيره قوله تعالى: «وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» الآية وكلام/ 281/ 14 فى استعمال مادة الانفكاك قوله تعالى: «رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ» وقراءة أبى/ 282/ 2 قوله تعالى: «وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ» الآية، وبيان أن العرب/ 282/ 4 تجعل اللام فِي موضع (أن) فِي الأمر والإرادة كثيرا، وقراءة عبد الله قوله تعالى: «أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» وأوجه القراءة فى «الْبَرِيَّةِ» / 282/ 10 سورة الزلزلة قوله تعالى: «إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها» وبيان المصدر والاسم فى زلزال/ 283/ 3 قوله تعالى: «وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها» ومعناه/ 283/ 11 قوله تعالى: «وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها» / 283/ 14 قوله تعالى: «بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها» وتفسيره/ 283/ 16 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 قوله تعالى: «لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ» وتفسيره وأوجه القراءة فى «لِيُرَوْا» / 283/ 17 قوله تعالى: «يَرَهُ» وجواز ضم الهاء وإسكانها فيه/ 284/ 3 سورة العاديات قوله تعالى: «وَالْعادِياتِ ضَبْحاً» وتفسير ابن عباس له/ 284/ 6 قوله تعالى: «فَالْمُورِياتِ قَدْحاً» وتفسيره، وكلام فى: نار الحباحب/ 284/ 9 قوله تعالى: «فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً» والمناسبة التي قيلت فيها هذه الآية/ 284/ 13 قوله تعالى: «فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً» ومعنى النقع وعلام يعود الضمير/ 285/ 1 فى «بِهِ» قوله تعالى: «فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً» والقراءة فى «فَوَسَطْنَ» / 285/ 7 قوله تعالى: «إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ» وبيان معنى «لَكَنُودٌ» / 285/ 10 قوله تعالى: «وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ» وعلام يعود الضمير فى «إِنَّهُ» / 285/ 13 قوله تعالى: «وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ» وروايات فى معنى «لَشَدِيدٌ» / 285/ 15 قوله تعالى: «أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ» ورسم «بُعْثِرَ» / 286/ 5 فى مصحف عبد الله، واللغات فى «بُعْثِرَ» قوله تعالى: «وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ» ومعنى «حُصِّلَ» / 286/ 8 قوله تعالى: «إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ» وقراءة عبد الله/ 286/ 9 سورة القارعة قوله تعالى: «يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ» والمراد منه/ 286/ 13 قوله تعالى: «كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ» ومعناه، وقراءة عبد الله بن مسعود/ 286/ 15 قوله تعالى: «فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ» والمراد بموازينه/ 287/ 3 قوله تعالى: «فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ» ومعناه/ 287/ 8 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 سورة التكاثر قوله تعالى: «أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ» وسبب نزولها/ 287/ 12 قوله تعالى: «كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ» ومعنى «كَلَّا» ، / 287/ 12 وبيان أن العرب قد تكرر الكلمة على التغليظ والتخويف قوله تعالى: «عِلْمَ الْيَقِينِ» والمعنى فيه/ 287/ 19 قوله تعالى: «لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها» ومعناه وأوجه القراءة فيه/ 288/ 1 قوله تعالى: «ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ» والمراد «بالنعيم» والاستشهاد/ 288/ 11 على المعنى بالحديث الشريف سورة العصر قوله تعالى: «وَالْعَصْرِ» والمراد به/ 289/ 3 قوله تعالى: «لَفِي خُسْرٍ» وتفسيره/ 289/ 5 سورة الهمزة قوله تعالى: «وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ» ومن نزلت فيه هذه الآية، وبيان/ 289/ 9 أنه يجوز فى العربية ذكر الشيء العام ويراد به واحد، وإشارة إلى قراءة عبد الله قوله تعالى: «الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ» والقراءة بالتخفيف والتثقيل/ 289/ 15 فى جمع- وعدده قوله تعالى: «يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ» وبيان أن المراد بأخلده. / 290/ 3 يخلده قوله تعالى: «لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ» وأوجه القراءة فى «لَيُنْبَذَنَّ» / 290/ 7 قوله تعالى: «تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ» وتفسيره، / 290/ 11 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 قوله تعالى: «مُؤْصَدَةٌ» والمراد به، والقراءة فيه/ 290/ 14 قوله تعالى: «فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ» وأوجه القراءة فى «عَمَدٍ» / 290/ 16 سورة الفيل قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ» وتفسيره، وقصة هذه الآية/ 291/ 9 قوله تعالى: «سِجِّيلٍ» ومعناه/ 292/ 3 قوله تعالى: «كَعَصْفٍ» والمراد به/ 292/ 5 قوله تعالى: «أَبابِيلَ» وتصريفه/ 292/ 7 سورة قريش قوله تعالى: «لِإِيلافِ قُرَيْشٍ» وجواب عن السؤال: كيف ابتدئ الكلام/ 293/ 3 بلام خافضة ليس بعدها شىء يرتفع بها؟ وأوجه القراءة فى «لِإِيلافِ» ، والمعنى على كل قراءة قوله تعالى: «أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ» وتفسيره/ 294/ 1 قوله تعالى: «وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ» وتفسيره/ 294/ 5 سورة الدين قوله تعالى: «أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ» وقراءة عبد الله بن مسعود/ 294/ 12 قوله تعالى: «يَدُعُّ الْيَتِيمَ» ومعناه. / 294/ 16 قوله تعالى: «وَلا يَحُضُّ» وتفسيره/ 294/ 19 قوله تعالى: «فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ» والمراد بالمصلين/ 295/ 1 قوله تعالى: «الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ» وتفسير ابن عباس لقوله/ 295/ 2 «ساهُونَ» ، وقراءة عبد الله قوله تعالى: «الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ» وتفسير «يُراؤُنَ» / 295/ 4 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 قوله تعالى: «وَيَمْنَعُونَ» والمراد بالماعون/ 295/ 5 سورة الكوثر قوله تعالى: «إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ» والمراد بالكوثر/ 295/ 17 قوله تعالى: «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» وتفسيره/ 296/ 3 قوله تعالى: «إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» وتفسيره/ 296/ 11 سورة الكافرين قوله تعالى: «لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ» والمناسبة التي نزلت فيها هذه الآية/ 297/ 3 قوله تعالى: «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ» ولماذا حذف الياء فلم يقل: دينى؟ / 297/ 7 سورة الفتح قوله تعالى: «إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ» والمراد بالفتح/ 297/ 10 قوله تعالى: «وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً» وتفسيره/ 297/ 12 قوله تعالى: «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ» والمراد بقوله: فسبّح/ 297/ 14 سورة أبى لهب قوله تعالى: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ» وقصة هذه الآية، وقراءة عبد الله/ 298/ 3 والمعنى على كل قراءة، وتفسير القراء لقوله: «وَتَبَّ» قوله تعالى: «وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ» والأوجه الاعرابية الجائزة/ 298/ 11 فى «حَمَّالَةَ» والمعنى على كل وجه.، وقراءة عبد الله بن مسعود قوله تعالى: «فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ» ومعنى «جِيدِها» ومن «مَسَدٍ» / 299/ 3 سورة الإخلاص قوله تعالى: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» وقصة هذه الآية، وكلام فى الضمير: «هُوَ» / 299/ 6 قوله تعالى: «كُفُواً أَحَدٌ» والقراءة بالتخفيف والتثقيل فى قوله: «كُفُواً» / 299/ 15 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 وأوجه القراءة فيه والاستشهاد على كل وجه من القرآن الكريم والشعر سورة الفلق قوله تعالى: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ» والمراد بالفلق، وقصة هذه الآية/ 301/ 3 قوله تعالى: «وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ» والمراد بكل من: الغاسق، / 301/ 9 والوقب قوله تعالى: «وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ» وتفسيره/ 301/ 11 سورة الناس قوله تعالى: «مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ» والمراد بالوسواس الخناس/ 302/ 3 قوله تعالى: «يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ» وتفسير/ 302/ 5 وقوع الناس على الجنة وعلى الناس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389