الكتاب: أدب الطفولة بين القرآن الكريم والسنة الشريفة المؤلف: علي علي صبح الناشر: - الطبعة: - عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- أدب الطفولة بين القرآن الكريم والسنة الشريفة علي علي صبح الكتاب: أدب الطفولة بين القرآن الكريم والسنة الشريفة المؤلف: علي علي صبح الناشر: - الطبعة: - عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] مقدمة ... أدب الطفولة بين القرآن الكريم والسنة الشريفة: تقديم: منهج الإسلام في تربية الطفل وتأديبه هو تشريع من الله عز وجل يقوم على اليقين والعلم والشمول والثبات، قال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} ولم ينطلق من نظريات بشرية قاصرة، تقوم على الظن والفرض والتخمين فتتلاشى يوما بعد يوما، قال تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} لأن منهج الإسلام وسلوكه في تهذيب الطفل شرعه مبدع الفطرة الإنسانية: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} 1. لذلك تلاءم الإسلام مع العقل البشري والوجدان الإنساني والشكل الحضاري في كل بيئة وعصر، مهما بلغت البشرية من الكمال في العقل والفكر واتزان العاطفة والوجدان، وتعادل الروحية والمادية على السواء، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} 2، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وبلغ القرآن الكريم المثل الأعلى في البلاغة والإعجاز في تصوير منهج الإسلام وتعاليم الشريعة ومكارم الأخلاق السامية إلى حد يعجز عنه البشر، مهما أوتوا من العلم ودقة المنهج، ومهما انتهوا إلى السمو الفني والأدبي والتفوق الإنساني والحضاري. لذلك لا تجد منهجا اهتم ببناء الطفل بناء كاملا مثل منهج الشريعة الإسلامية، ولا تجد دينا اعتنى بتكوينه تكوينا صحيحا مثل دين الإسلام، ولا تجد حضارة عملت على تهذيبه تهذيبا أخلاقيا ساميا مثل حضارة الإسلام، وذلك من خلال مجتمعه الصغير "الأسرة" ومجتمعه الكبير "   1 سورة الروم: 30. 2 سورة المائدة: 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 الأمة الإسلامية". واتخذ الإسلام في تحقيق ذلك منهجا وسلوكا طريقين: أحدهما: تهذيب النفس وتأديبها، وتقويم اللسان وبلاغته، والسمو بالعاطفة، والرقي بالوجدان والمشاعر وإثراء الخواطر، وتعميق الأفكار، وغير ذلك مما يغرسه وينميه أدب القرآن الكريم وبلاغته التي وصلت إلى حد الإعجاز في التصوير القرآني {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} 1، وقال تعالى أيضا: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} 2. ومما يرقى به أيضا أدب الحديث النبوي الشريف الذي خص الله عز وجل نبيه بجوامع الكلم: "أوتيت جوامع الكلم" لأنه أدبه ربه فأحسن تأديبه، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 3، وقال أيضا: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} 4. ثانيهما: اهتمت شريعة الإسلام بتأديب الطفل وتهذيبه والسمو به في عاطفته ووجدانه وعقله وفكره وسلوكه وتربيته على مراحل كثيرة ومتنوعة، لا تقتصر على مراحل وجوده فحسب، بل اهتمت به قبل وجوده في مرحلة العدم وقبل أن يكون جنينا في بطن أمه، من مرحلة الخطبة والاختيار، ثم بعد الزواج وقبل أن تحمل الأم به، ثم أثناء الحمل وهو جنين وحسن استقباله حين الوضع، وفي تمام الأسبوع الأول من الولادة، وفي أثناء الرضاعة، وفي الحضانة، وفي مرحلة التعليم، ومرحلة الشباب، ومرحلة المراهقة، ومرحلة النضج، ومرحلة الرجولة، ثم   1 سورة الشعراء: 192-195. 2 سورة الإسراء: 88. 3 سورة القلم: 4. 4 سورة النجم: 3-5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 مرحلة العرفان بالجميل، وذلك كله من خلال أدب القرآن الكريم، والتصوير القرآني البديع، وأدب النبوة وبلاغة الحديث الشريف، حتى بلغ أدب الطفل المسلم الغاية في المنهج والسلوك والتنويع والثراء، والقوة والإبداع والإقناع والتأثير، قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} 1 وقال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} 2.   1 سورة التين: 4. 2 سورة الأعلى: 1-3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 أدب الإسلام للطفل فطرة وعبادة مدخل ... أدب الإسلام للطفل فطرة وعبادة: يهذب الإسلام الطفل منذ مراحله المبكرة بأدب سامٍ، يوقظ فيه كل حين الفطرة المستقيمة، والخليقة الخالصة النقية، التي تفضل بها الله عز وجل على خلقه في إبداعاته، حين يتلو أو يسمع قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30] ، فيسلك المنهج القويم {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 1-3] ، ويميز بين الطيب والخبيث والهدى والفجور {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7: 10] ، لتختار من النجدين طريق الخير لا طريق الشر {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ، وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ، وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 8-10] ، فأقرت النفس البشرية بذلك إيمانا بربها وخالقها {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172] ، لذلك حث القرآن الكريم في أدبه المعجز العباد على الطريق المستقيم والهدى، والوقاية من الضلال والعذاب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6] ، كما حث النبي -صلى الله عليه وسلم- في أدب بليغ يتردد صداه في جوانب النفس وحنايا الوجدان: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" أخرجه البخاري 410/ 1، ورغب في مخالطة الأخيار، ونهى عن مجالسة الأشرار "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" رواه أبو داود والترمذي والحاكم، وقال أيضا: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثبابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة" رواه مسلم 4/ 2026، وقال أيضا: "لا تصاحب إلا مؤمنا ولا تأكل إلا مع تقي" رواه أبو داود في 5/ 167، والترمذي برقم 2397، لذلك قال تعالى: {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا} [النساء: 27] ، {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 38] ، {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [النجم: 29] ، {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: 27-29] ويقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه: فلا تصاحب أخا الجهل ... وإياك وإياه فكم من جاهل أردى ... حليما حين آخاه يقاسي المرء بالمرء ... إذا ما المرء ماشاه وللشيء من الشيء ... مقاييس وأشباه وللقلب على القلب ... دليل حين يلقاه1 أدب الرحمة بالطفل عبادة وسلوك تربوي: إذا عاش الطفل في أسرة تفيض بالحب والرحمة، وفي مجتمع يلفه بالشفقة والعطف والحنان، ينشأ متأدبا بآداب الرحمة متذوقا لأساليب الحب والجمال والخير والحق، فيشب الطفل عاشقا للرحمة والمحبة متخذا صورها الجميلة في قوله ومنهجه وسلوكه، لأن أدب الإسلام في جميع صوره حث عليها منذ الصغر على أنها عبادة وطاعة، ومنهجا وسلوكا، فقد صور القرآن الكريم الرحمة بما يعجز عنه البشر، فلم تخل سورة من تصوير قرآني لها تهتز لها العاطفة، وتبعث فيها الحرارة والصدق والدفء، وتغمر الوجدان فتحييه بالإيمان والإخلاص، والحب والمودة، فأصبح مفتاح كل سورة {بسم الله الرحمن الرحيم} ، لأن الله عز وجل {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 133] ، ورحمته وسعت كل شيء {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ} [الأنعام: 147] ، وجعل آية الزواج وثمرتها العجيبة المودة والرحمة في السكن والولد {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] . وفي الحديث الشريف يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن رب العزة: "لما خلق الرحم قال تعالى: أنا الرحمن وأنت الرحم شققت اسمك من اسمي، فمن وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته" 2، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-   1 الديوان، تحقيق د. محمد عبد المنعم خفاجي. 2 بصائر ذوي التمييز 3/ 53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 قال: "إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة؟ قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك"، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "فاقرءوا إن شئتم" {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} " أخرجه البخاري 10/ 532، وقد حثت الأحاديث الشريفة على الرحمة بالبنين والبنات وتأديبهم بآدابها البليغة وصورها الأدبية الجميلة، التي تفتح لها منافذ الإدارك في النفس، وفي رواية أبي سعيد الخدري قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من عال ثلاث بنات فأدبهن ورحمهن وأحسن إليهن فله الجنة" رواه الإمام أحمد 3/ 98 وفي رواية جابر بن عبد الله قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من كان له ثلاث بنات يؤدبهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة ألبتة" فقال رجل من القوم: وثنتين يا رسول الله؟ قال: "وثنتين" رواه البخاري في الأدب المفرد، وفي رواية أخرى: "وواحدة". وعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم" أخرجه ابن ماجه 291/ 2 وروى عبد الله بن عمر قال: "أدب ابنك فإنك مسئول عنه، ماذا أدبته؟ وماذا علمته"؟ 1 وعنه أيضا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع ومسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته" متفق عليه.. البخاري 718/ 2. وحث الإسلام الكبير على الرحمة بالطفل لضعفه وقلة حيلته، فإذا امتلأت قلوب الأطفال بصور الرحمة الجميلة وأدبها المهذب شبوا قادرين على النهوض بأمة الإسلام، لتكون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46] ، ومن الباقيات الصالحات رعايتهم.   1 تحفة المودود في أحكام المولود: ابن القيم ص153. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 وتأديبهم، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21] ، وروى أبو هريرة قال: "قبل -صلى الله عليه وسلم- الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: "من لا يرحم لا يرحم" أخرجه البخاري 426/ 10، وقال أبو قتادة -رضي الله عنه: "خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه فصلى إذا ركع وضعها وإذا رفع رفعها" أخرجه البخاري 426/ 10، وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وضع صبيا في حجره يحنكه فبال عليه فدعا بماء فأتبعه، أخرجه البخاري 433/ 10، وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الأولى ثم خرج إلى أهله وخرجت معه، فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا، قال: وأما أنا مسح خدي فوجدت ليده بردا وريحا كأنما أخرجها من جؤنة عطار" أخرجه مسلم 1814/ 4، "وجؤنة العطار: وعاء يعد فيه الطيب". وعن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن بن علي علي فخذه الآخر ثم يضمهما ثم يقول: "اللهم ارحمهما فإني أرحمهما" أخرجه البخاري 434/ 10، وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إبراهيم مسترضعا في عوالي المدينة وكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت وأنه ليدخن وكان ظئره قينا، فيأخذه فيقبله ثم يرجع" أخرجه مسلم 1808/ 4، "والظئر: زوج المرضعة، وقينا: حدادا" وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طائفة من النهار، لا يكلمني ولا أكلمه، حتى جاء سوق بني قينقاع ثم انصرف حتى أتى خباء فاطمة فقال: "أثم لكع، أثم لكع" "الصغير" يعني حسنا، فظننا أنه إنما تحبسه أمه لأن تغسله وتلبسه سخابا "قلادة الأطفال"، فلم يلبث أن جاء يسعى حتى اعتنق كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 واحد منهما صاحبه فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أحبه وأحبب من يحبه" أخرجه مسلم 1782/ 4، وعن يعلى بن مرة أنه قال: خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعينا إلى طعام، فإذا حسين يلعب في الطريق، فأسرع النبي -صلى الله عليه وسلم- أمام القوم ثم بسط يديه فجعل الغلام يفر هنا وهنا ويضاحكه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى أخذه، فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى في رأسه، ثم اعتنقه، ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "الحسين مني وأنا من الحسين، أحب الله حسينا، الحسين سبط من الأسباط" أخرجه البخاري 459/ 1. عن أم خالد بنت سعيد قالت: "أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أبي وعلي قميص أصفر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "سنه، سنه" قال عبد الله وهي بالحبشية: حسنة، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة، فزجرني أبي قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "دعها"، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أبلي وأخلقي" دعا لها باستهلاك ثياب كثيرة، قال عبد الله: فبقيت حتى ذكر.. يعني من بقائها "أخرجه البخاري 425/ 10 وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير -قال أحبه قال كان فطيما- قال: فكان إذا جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا أبا عمير، ما فعل النغير بك"؟ قال: فكان يلعب به" أخرجه البخاري 426/ 10، وقال أبو هريرة: "سمعت أذناي، وبصرت عيناي هاتان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيديه جميعا بكفي الحسن والحسين وقدميه على قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ارق"، فرقي الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "افتح فاك"، ثم قال: "اللهم أحبه، فإني أحبه" أخرجه البخاري 348/ 1، وقال الطبراني: قال عليه الصلاة والسلام: "خير بيت في المسلمين يبيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه، أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" وجاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يشكو قسوة قلبه، فقال له: "أتحب أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 وأطعمه من طعامك يلين قلبك، وتدرك حاجتك" كنز العمال 173/ 3. ومن القيم الخلقية في الأدب الإسلامي أدب العدالة بين الأطفال، فلا يضارون بصور الظلم وأنواعه من الأسرة أو من المجتمع مما يترك أثرا بناء على تهذيب نفسه وفي رقة مشاعره وعمارة وجدانه، فيشب على المحبة والمودة والتعاطف والتعاون، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} ، {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} ، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} ، {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} ، {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} ، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} ، ولقد أنقذ الخضر وموسى عليهما السلام حق اليتيمين من مجتمعهما الظالم الشحيح {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف: 82] هذا ما يجب على المجتمع من رفع الظلم عن المسلم وعن الطفل الضعيف وإرساء العدالة الاجتماعية بينهم، وأما موقف الأسرة من ذلك فقد قال تعالى فيها: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} إلى قوله {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 9-11] ، في تصوير قرآني معجز، وكذلك في ضرب مثلين متقابلين، أحدهما يور المنفق على أهله وغيرهم ابتغاء مرضاة الله عز وجل ولا يكون ذلك إلا بالعدل، والآخر لا يؤدي ذلك في تصوير قرآني يهز أعماق الكبير ووجدان الصغير، فالأول كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين، والآخر كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا، ثم يزيد الآخر توضيحا وتفصيلا وبلاغة وإعجازا فيقول تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 263-271] . والأحاديث الشريفة البليغة التي وردت في ذلك كثيرة وهي عامة للأطفال وغيرهم، لكنني سأقتصر على بعض ما يخص الصغار لعدم الإطالة، قال عامر: "سمعت النعمان بن بشير -رضي الله عنه- وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة لأبي: لا أرضى حتى يشهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، قال: "أعطيت سائر ولدك مثل هذا"؟، قال: لا، قال: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"، قال: فرجع فرد عطية "أخرجه البخاري 211/ 5، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل - وكلتا يديه يمين - الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا" أخرجه مسلم 1458/ 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 تلاوة الأطفال للقرآن وسماعه تأديب وتربية وتعليم : قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "أدبني ربي فأحسن تأديبي" لأنه تأدب بأدب القرآن وتخلق بأخلاق القرآن، فقراءة القرآن وسماعه أو حفظه يعرب اللسان ويهذبه فيكون أعظم بيانا وفصاحة وبلاغة وأدبا: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} ، ويرقى بالعاطفة فتتسم بالصدق والإخلاص في الإيمان، ويعمر الوحدان بالمشاعر الرقيقة والأحاسيس المرهفة، ويقوم العقل والفكر بقيمه السامية وأخلاقه وتشريعاته الزاكية، وبذلك تتحقق للإنسان السعادة في الدنيا والآخرة، فحينما حفظ الأطفال سورا قصارا بعد وفاة أبيهم رفع الله العذاب عنه في قبره، فقد سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أمهم وزوج المعذب في قبره عما صنعت بعد دفنه، لذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" وقال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106] ، {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 29-30] ، {مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 27] ، وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائتي آية كتب من القانتين، ومن قرأ أربعمائة آية كتب من الحافظين، ومن قرأ ستمائة آية كتب من الخاشعين، ومن قرأ ثمانمائة آية كتب من المخبتين، ومن قرأ ألف آية أصبح له قنطار، والقنطار مائتا أوقية، والأوقية خير مما بين السماء والأرض، أو قال: خير مما طلعت عليه الشمس، ومن قرأ ألفي آية كان من الموجبين" "أي وجبت له الجنة" رواه الطبراني، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده" رواه مسلم وغيره. وحينما عظم الله عز وجل ثواب القرآن في الدنيا بما تقدم ذكره من قيم السعادة فيها، وفي الآخرة بأعظم وأخلد أنواع السعادة برضوان الله عز وجل لمن قرأه وعمل به، فشفعه فيه وأدخله الجنة -فإنما يحث المؤمن على دوام قراءته وتعليمه لأهله وأولاده ورعيته، فهو مسئول عنهم، وعن الإنفاق على تعليمهم القرآن وعلومه، كما دلت الآيات السابقة في أدب قرآن معجز، والأحاديث الشريفة في بلاغتها الجامعة في أدب نبوي سام، يترك ذلك أثره البليغ والسريع في تأديب الأطفال وتربيتهم إذا ما تعلموها أو قرءوها في مراحل تعليمهم، وبالإضافة إلى ما سبق ما رواه جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "القرآن شافع مشفع، وماحل به مصدق، من جعله أمامه قادة إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار" رواه ابن حبان، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها" رواه أبو داود وغيره، وما رواه معاذ بن أنس الجهني -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قرأ: قل هو الله أحد حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة" فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: إنا نستكثر يا رسول الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذا الله أكثر وأطيب" رواه أحمد، وما رواه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قرأ القرآن فاستظهره فأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار" رواه ابن ماجه والترمذي، وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت" رواه الطبراني وابن حبان. لذلك حرص عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- الذي دعا له الرسول بدعوته المشهورة ووصاه بوصيته المشهورة التي سنذكرها في مقامها هنا، فقد حرص أن يقرأ المحكم ولم يتجاوز عشر سنين، فقال: "توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم" مما جعل أطفال المسلمين يتدافعون لحفظ كتاب الله عز وجل وتعلمه حتى ضاقت المساجد بالصبيان، فاضطر الضحاك بن مزاحم -معلم الصبيان ومؤدبهم- إلى أن يطوف على حمار ليشرف على طلاب مكتبه الذين بلغ عددهم ثلاثة آلاف صبي، وكان لا يأخذ أجرا على عمله1. ولهذا أصبح الأزهر الشريف أعظم جامعة وأقدمها في العالم قاطبة لتخرجه علماء أجلاء ينشرون الإسلام وعلومه في بقاع العالم، لأنهم كانوا يحفظون القرآن الكريم في مراحل الطفولة المبكرة، ويتأدبون بأدبه السامي وبلاغته المعجزة، وكذلك الحديث الشريف. ومما يضطر الأطفال إلى تأديبهم بأدب القرآن والسنة الشريفة أن   1 منهج التربية النبوية للطفل: محمد سويد ص113. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 الإسلام أوجب على الوالدين أن يرعى أولاده الأطفال منذ سبع سنين على سبيل الوجوب والإلزام بتعليمهم الصلاة وأن يعينهم على أدائها، وأن يضربهم عليها إذا ما بلغوا عشر سنين وانصرفوا عنه، قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 123] وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع" رواه أبو داود، وعن أبي ثرية سبرة ابن معبد الجهني -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "علموا الصبي الصلاة لسبع سنين واضربوه عليها ابن عشر سنين" رواه أبو داود والترمذي، وفي حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة -رضي الله عنه: "يا أبا هريرة، مر أهلك بالصلاة فإن الله يأتيك بالرزق من حيث لا تحتسب"، لأن اعتياد الصلاة وتكرارها في اليوم خمس مرات تؤدبهم بما تهدف إليه من قيم أخلاقية كثيرة، وما تشتمل عليه من القرآن والذكر، فتؤدبهم عن طريق حفظ فاتحة الكتاب وترديدها، وحفظ كثير من السور القرآنية وبعض الآيات التي تعقب الفاتحة في الصلاة، وعن طريق سماع القرآن الكريم من الإمام في الصلاة الجهرية، وعن طريق سماع الخطبة في صلاة الجمعة، وهي فن أدبي من فنون النثر الفني، وما اشتملت عليه من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة وأدب الصحابة والتابعين والحكم والأمثال والندوات والدروس التي تلقى في المسجد أثناء مصاحبة الطفل لوالده، أو حضوره بنفسه للمشاركة في صلاة الجماعة أو صلاة الجمعة والعيدين بعد أن يعتاد على الصلاة وحده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- للغلام عبد الله بن عباس: ومن الدروس التي كان يلقيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- للأطفال وصيته لابن عمه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- فيما رواه ابن عباس نفسه إذ قال: "كنت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما فقال: "يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف" رواه الترمذي 667/ 4 وزاد أحمد وغيره: "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا". هذه الوصية النبوية الشريفة تعد لوحة أدبية فنية غنية الألوان والظلال، زاخرة بالقيم الخلقية والقيم الفنية في أدب الأطفال، تحمل طابعين أدبيين، ووجهين إبداعيين، أحدهما: إبداع المصطفى الأدبي الزاخر بقيم خلقية وقيم فنية في تأديب الأطفال، وثانيهما: نموذج أدبي رفيع المستوى، ومثل أعلى في البلاغة البشرية يسير على نهجه أدب الأطفال سواء من إبداعاتهم أو إبداع الأدباء لهم، لأن هذه الوصية تميزت بقيم كثيرة في أدب الأطفال، ومن أهمها: 1- مجالسة الأطفال للكبار، ليحرصوا على التعلم منهم ويستنيروا بمعارفهم ويقتدون بهم في سلوكهم، فقد لازم ابن عباس خير البشر وسار خلفه تأدبا وتقديرا وتوقيرا لمكانة الأستاذ الأول والمعلم الأكبر -صلى الله عليه وسلم. 2- تلقى ابن عباس -رضي الله عنهما- الوصية من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليعمل بها هو وأمثاله من الغلمان والشباب، لأن العبرة بعموم اللفظ والوصية لا بخصوص السبب. 3- تخصيص ابن عباس -رضي الله عنهما- بهذه الوصية من بين الغلمان فيه دلالة على نجابته، ورجاحة عقله، فقد صدقت نبوءة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في خصوصيته، فصار حبر الأمة ورائد التأويل والتفسير لكتاب الله عز وجل، ويتميز برجاحة العقل في الحوار، وقوة الحجة ونصاعة الرأي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 4- تعبير الرسول -صلى الله عليه وسلم- في افتتاح الوصية بقول: "يا غلام"، وفي رواية "يا غلامي" يوحي بحرارة العطف وعميق الحب والحنان، كما يشير إلى قرب منزلته وشدة حرصه عليه، مما يعين على فتح منافذ الإدراك الكثيرة في النفس من عاطفة ووجدان ومشاعر وخواطر وأحاسيس فيكون أكثر إقبالا على الوصية وأعظم قبولا لها. 5- يتميز أسلوب الرسول -صلى الله عليه وسلم- هنا بالرقة، وتصويره الأدبي بالقرب والتيسير، حيث يقول: "إني أعلمك كلمات" أي يسيرات معدودات، مما يعين على تحريك الانتباه وتفتح القلب، فيستقر مغزاه في القلب والعقل معا. 6- بلغ التعبير الأدبي الغاية في تصوير الطاعة لله عز وجل والالتزام بالمحافظة على حدوده مما يستحق عليه الجزاء الأوفى من ربه، فيتحقق المراد ويطمئن القلب في ثقة وإقدام وذلك في قوله: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك". 7- أن يغرس في نفوس الأطفال الاعتداد بأنفسهم وعدم التواكل أو الاعتماد على البشر، لأنهم لا يدفعون عن أنفسهم الضرر، ولا يجلبون لأنفسهم النفع، فكيف يكون ذلك لغيرهم، بل يجب الاستعانة بخالق البشر والخلق جميعا، فهو وحده النافع أو الضار، وقد قضى الله عز وجل بذلك منذ الأزل "فقد رفعت الأقلام وجفت الصحف" وذلك في تصوير أدبي من جوامع الكلم، يتزاحم بالقيم الكثيرة والمعاني الغزيرة من الإيجاز في الأسلوب وقلة الألفاظ، فلا زالت الوصية تثير كثيرا من القيم الخلقية والفنية الخالدة في تأدب الأطفال والسمو بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وصية لقمان لابنه : ومن وصايا القرآن الكريم التي أعجزت الفصحاء في بلاغتها وأثرها الإيجابي في النفس في تربية الأطفال وتأديبهم بأدب القرآن الكريم وتجاوبهم مع أخلاقه الخالدة: وصية لقمان لابنه وهو يعظه، فهي درس خلقي وأدبي رباني لا زال يعطي لأطفال كل عصر ما يتناسب مع حضارته ومعطياته، ولكل جيل ما يهيئه ويعده إعدادا قويا وصالحا يتجاوب مع هذه الحضارة وتلك المعطيات الحية، بخلود القرآن الكريم، وازدهار حضارته وأصالة قيمه الخلقية والبلاغية، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ، وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ، يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 13-19] . في هذا التصوير القرآني المعجز في بيان بلاغي أخاذ، يرسي قيما خلقية وتشريعية لعلاقة النشء مع ربه في قضية التوحيد وعدم الشرك بالله، وعلاقة النشء مع نفسه وعلاقته مع والديه وأسرته، وعلاقته مع مخلوقات الله، كما توضح علاقة الأب بأبنائه منذ المراحل الأولى في حياته، فهو مسئول عن رعيته يرعاهم ويرشدهم بأسلوب يفيض رقة وعطفا وحنانا ويخاطب به العاطفة والعقل والمشاعر والوجدان، في بناء جسد قوي وتهذيب للروح صافية نقية في توازن واتزان بينهما على السواء، وبذلك تصلح الأسرة لتكون خلية حية وقوية في تشكيل المجتمع الإسلامي قويا عزيز الجانب، فيسمو بحضارة الإسلام المتجددة في كل عصر ولكل جيل، لذلك احتوت الوصية على معالم رئيسية في بناء الطفل وتكوينه على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 أسس قوية تجمع بين هذه العلاقات المختلفة: 1- تصور الوصية قضية التوحيد وإخلاص العقيدة لله وحده لا شريك له، فالشرك بالله ظلم عظيم وجرم كبير. 2- تصور الوصية ما يجب على الأطفال من البر والطاعة في غير معصية للوالدين، ومصاحبتهما بالمعروف، مهما اختلفت أحوالهما وعلاقتهما عرفانا بالجميل وإنصافا لأصحاب الفضل عليهم. 3- الحرص على طاعة الله وتوحيده وطاعة الوالدين والبر بهما في الحياة كلها، فلا يهمل ذلك أو يغفل عنه، لأنه محاسب على ذلك عندما يرجع إلى ربه؛ فالله وحده خلقه وأماته وأعاده إليه ليحاسبه على تفريطه وعصيانه. 4- تصور الوصية مراقبة الله له في كل حين وإحاطته بكل شيء، ليغرس في نفسه منذ المراحل الأولى للطفولة غريزة المراقبة والحضور والخوف، والتدبر والتفكير العميق، والاهتمام والعزيمة الصادقة، والمتابعة والتواصل، وذلك في تصوير تهتز له العاطفة، ويمتلأ به الوجدان والقلب رهبة ورغبة {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} . 5- تنمية القيم والعلاقات الاجتماعية التي تحييها وتجددها: أداء الصلاة ومواصلة الصبر في المعاملة مهما كانت الشدائد والعقبات، والحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليؤدي الطفل دوره الفاعل في بناء نفسه، ولا يقصر في تقدم مجتمعه ورفعته. 6- تصور الوصية قيما خلقية سامية يتعامل بها مع المجتمع من حوله فلا يؤدي مشاعرهم، فيصدر عنه ما يكرهونه أو يفرق وحدتهم ويفسد المودة بينهم، فتنفره من الكبر والخيلاء والإعجاب بالنفس وهتك الحرمات والخوض في أعراض الناس وتلويث البيئة بالأفعال القبيحة والصور المنفرة والأصوات المزعجة وذلك في صور يهتز لها الوجدان وينخلع منها القلب وتتفق مع الفطرة والعقل جميعا {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ... } . 7- تؤكد الوصية أن القيم الإنسانية والخلقية بما يتفق مع فطرة الإنسان في كل عصر ولكل الأجيال، فما أوصى به لقمان في الماضي البعيد أقره الإسلام، ولا زال يقره ويحث عليه في الحياة الدنيا؛ لأنها قيم ثابتة وحية ترتبط بوجود الإنسان وحياته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 أدب الإسلام في استئذان الأطفال : حث الإسلام على إفشاء السلام وتبادل التحية بصفة عامة لإشاعة السلام والأمن، ونشر المحبة، والتعاون على البر والتقوى، لا الإثم والعدوان، قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 61] ، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ، إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [الذاريات: 24،25] ، وعن كلدة بن الحنبل -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فدخلت عليه ولم أسلم فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "ارجع فقل السلام عليكم أأدخل" رواه أبو داود والترمذي. وكذلك الإستئذان في الدخول على الآخرين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [النور: 27-31] . وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الاستئذان من أجل البصر" رواه البخاري ومسلم، وقال تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61] ، عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 -صلى الله عليه وسلم: "يا بني إذا دخلت بيتك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك" رواه الترمذي، وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك وإلا فارجع" رواه البخاري ومسلم، هكذا حث الإسلام على أدب إفشاء السلام وتبادل التحية بين الناس، مؤكدا على أن يبدأ به الصغير على الكبير توقيرا له وعرفانا بفضل الله عليه. لكن أدب استئذان الأبناء والأطفال في الدخول على آبائهم وأمهاتهم داخل البيوت وعلى غيرهم من باب أولى، فقد صوره القرآن الكريم تصويرا بلاغيا معجزا ليحدده في أوقات ثلاث فقط، وما عداها فمجاله مفتوح غير مقيد به في غير ذلك من الأوقات، لأن هذه الأوقات الثلاثة يجنح الإنسان فيها إلى عدم المكاشفة ويميل إلى التكتم والراحة ويتخفف من ثيابه، ويفضي إلى نفسه بأسرار لا يحب أن يتطلع عليها غيره أو يستغرق في التأمل والتدبر أو في النوم، فيكره أن يزعجه أحد بالدخول ولو ابنه، ليتجدد نشاطه بعد ذلك، ويعيد إلى الجسد طاقاته وحيويته، فيباشر أعماله في دأب ونشاط، لذلك كان من الواجب على الأطفال أن يتأدبوا بأدب الإسلام ويتخلقوا بخلق القرآن الكريم والسنة الشريفة، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 58-59] ، وهذه القيم الحضارية -التي أدب بها القرآن الكريم والسنة الشريفة- أدب رباني أبهر العقول وباتت مبهورة بهذا التشريع السماوي الذي يتفق مع الأدب الجم، والذوق الرفيع، والرقي الإنساني وسمو المبادئ الإنسانية التي اصطفى بها الله عز وجل هذه الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس، فيعم الخير والبركة على من ألقى السلام والتحية وآنس الاستئذان، وعلى من رد التحية والسلام وسمح بالدخول: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} "يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك"، "رجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله"، ومن كان الله ضامنه وكفيله فلن يتعرض للأذى مطلقا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 أدب القصة القرآنية والنبوية للأطفال : تسيطر القصة بعناصرها الفنية، ويرغبون فيها أكثر من الأجناس الأدبية الأخرى، فيستغرقوا فيها حتى النهاية، ربما في جلسة واحدة مهما طالت؛ وذلك لبنائها الفني المحكم، الذي يعتمد على تطور الأحداث وفاعلية الحركة، وحيوية عناصر التشويق والإثارة، وتوقع الحلول، والخروج من الأزمة. لذلك تعامل بها القرآن الكريم مع أهل الكفر والعناد في مكة غالبا، لينفذ إلى أعماقهم من جميع منافذ الإدراك في النفس لئلا يكون لهم حجة بعد قصص الرسل وغيرها، فهم في عنادهم أشبه بالأطفال في قلة حيلتهم، وضعف موارد التلقي والاستيعاب عندهم، لذلك غلبت القصة على التنزيل في مكة المكرمة. وقد ضربت القصة القرآنية المثل الأعلى في الإثارة والتشويق، وجلال التعبير، ومثالية القيم الخلقية، فانبهرت بها عقول الأطفال وأخذت بتلابيب عواطفهم، واستجابت لها وجداناتهم تأثرا واقتناعا، وخاصة القصص التي تثير فيهم مراحل طفولتهم المبكرة، وقد وصلت أحداث مراحلها إلى الإعجاز، الذي فوق طاقة البشر: مثل قصة طفولة موسى عليه السلام وإلقائه في اليم، ونجاته على يد عدوه اللدود فرعون، ليصير ولدا حميما له في معية أسرته، كما جاء في سورة القصص وغيرها، قال تعالى: {نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، إِنَّ فِرْعَوْنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ، وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ، وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ، فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ .... } الآيات إلى آخر سورة القصص. إن قصص القرآن لا تحتاج منا إلى تعليق أو توضيح للأطفال أو لغيرهم، لأن الإعجاز فيها جعل القرآن كله يفهمه الجاهل والعالم والطفل والشاب والشيخ مصداقا لقوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54] ، {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} [الفرقان: 50] ، وكذلك قصة يوسف وإخوته مع أبيهم يعقوب عليهم السلام، قصة صراع الأبناء مع الآباء والأخوة مع بعضهم، صراع بين الحق والباطل، وبين الخير والشر في قصة كاملة جاءت في صورة كاملة وهي سورة يوسف عليه السلام، نحيل القارئ إليها، فقد وصف القرآن الكريم قصصه بقوله في مفتتح السورة: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ، إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ، قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} الآيات إلى آخر سورة يوسف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وكذلك قصة مريم وابنها عيسى عليهما السلام في سورة مريم وفي غيرها من السور الكثيرة، وقصة زكريا ويحيى عليهما السلام، وقصة إسماعيل مع أبيه إبراهيم -عليهما السلام- والرؤيا، وغيرها من القصص الكثيرة التي جاءت في القرآن الكريم. أما القصة في الحديث النبوي الشريف فكانت مصدرا ثانيا من مصادر الأدب الإسلامي في تربية الأطفال وتأديبهم بأدب النبوة، فقد جاءت متنوعة تعتمد على الإثارة والتشويق وأحيانا تنتهي الأزمة فيها بخوارق العادات، وكانت لونا بديعا من ألوان الدعوة الإسلامية فهي تدعو إلى تثبيت العقيدة، وتفسير القرآن وتنفر من الشر وتحذر من الباطل وتحض على الخير، وتدعو إلى الحق، وتحث على الفضيلة وتنفر من الرذيلة وتحبب الطاعة، وتكره الكفر والفسوق والعصيان، فيترك ذلك أثره في عاطفة الأطفال، فتنفرهم من الشر والقبيح وتغريهم بمحبة الخير والحق، وقد وردت في الأسانيد الستة وغيرها قصص كثيرة؛ منها قصة أصحاب الغار "أخرجها البخاري 526/ 4"، وقصة الأبرص والأقرع والأعمى "أخرجها مسلم 97/ 18"، وقصة الذي يدور في النار " صحيح مسلم 118/18" وقصة إبراهيم وآزر "أخرجها البخاري 169/ 4"، وقصة الكفل "أخرجها أحمد بن حنبل رقم الحديث 4517" وقصة المستلف ألف دينار "أخرجها البخاري 125/ 12" وقصة الغلام والساحر، فعن صهيب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "فيمن كان قبلكم ملك وكان له ساحر، فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إلي غلاما أعلمه السحر، فبعث إليه غلاما يعلمه، فكان في طريقه إذا سلك راهب قعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه فشكا ذلك إلى الراهب وقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر، فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال: اليوم أعلم أن الساحر أفضل أم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الراهب أفضل؟ فأخذ حجرا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمشي الناس، فرماها فقتلها ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب: أي بني؛ أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس الملك، وكان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما ها هنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحدا وإنما يشفي الله، فإن أنت قد دعوت الله شفاك، فآمن بالله فشفاه الله، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ فقال: ربي، فقال: أولك رب غيري؟ فقال: ربي وربك الله، فأخذه، فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فجيء بالغلام فقال له الملك: أي بني بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل، وتفعل، وتفعل، فقال: إني لا وإنما يشفي الله، فأخذه، ولم يزل يعذبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب وقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فأتى بالمنشار، فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام فقال له: ارجع عن دينك، فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال لهم: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه، فذهبوا به وصعدوا به إلى الجبل، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور وتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقتلوه فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله، فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع، ثم خذ سهما من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: بسم الله رب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 الغلام، ثم ارمني فإنك إن فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد ثم صلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: بسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات فقال الناس: آمنا برب الغلام، فأتى الملك، فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس، فأمر بالأخدود في أفواه السكك وأضرم فيها النار فقال: من لم يرجع عن دينه فاحموه فيها، أو قيل له: اقتحم، حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق" أخرجه مسلم 130/ 18. واجتمعت في هذه القصة عناصر الإثارة والتشويق وسرد الأحداث في نمو وتطور وتشابك حتى تصل إلى العقدة والأزمة، التي تدفع القارئ إلى البحث عن الحل والانفراج منها في شوق ولهفة، وإذا بالأقدار تتدخل لكي يأتي الحل فيها كرامة تجري على أيدي عباد الله الصالحين. ومن خلال العرض الأدبي تظهر أهداف القصة السامية وتتحدد فيها معالم القيم الخلقية والإنسانية التي تستثيرها القصة في عاطفة الأطفال، وتحرك مشاعرهم نحوها بالإعجاب والحب والدفاع والسلوك السيئ فيتأدبون بأخلاقها وينشدون قيمها ويبدعون في أعمالهم الأدبية على مثالها أو يجندون أنفسهم للدعوة بمنهجها الفني والإسلامي، وقد سبق أن أوجزنا الجانب الفني، وهذه هي القيم الخلقية بإيجاز أيضا: 1- التمسك بالعقيدة الصحيحة وهي الإيمان بالله عز وجل وحده لا شريك له. 2- انتصار العقيدة الصحيحة، ليحقق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره الكافرون، وذلك حين آمن الناس جميعا برب الغلام على الرغم من أنف الملك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 3- التحلي بأخلاق الصدق ولو أدى ذلك إلى العنف والشدة والقسوة، فإن الله سيتولى عباده الصادقين، وينتصر للصدق وأهله الذين يدافعون عنه بصدق وإخلاص. 4- التحذير من الشر والتنفير من الباطل والترغيب في الخير والحث على الحق. 5- السعي في سبيل تحقيق الغاية الشريفة والوصول إلى المقصد النبيل. 6- أن حاشية الظلم والشرك ومصاحبة الأشرار تجر عليهم الخيبة، فيستحقوا الجزاء الوخيم والعذاب الأليم في الدنيا والآخرة. 7- الصراع بين جنود الشيطان وجند الله عز وجل لا يخلو منه عصر مما يدفع الأطفال إلى التمسك بالمبادئ السامية، والعقيدة الصحيحة، للانتصار بها على حزب الشيطان {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} . 8- حث الأطفال على التعليم النافع، وتحصيل المعارف والعلوم، التي تعين على طاعة الله عز وجل، وتنصر الحق وتحث على الخير، وتحارب الشر والباطل. 9- الإيمان الصادق بأن الله عز وجل يؤيد عباده الصالحين ويدافع عنهم {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} . 10- الإيمان بما جاء به الإسلام والنبي -صلى الله عليه وسلم- بأن المعجزة للأنبياء والرسل، ولم يبق منها بعد خاتم الأنبياء إلا الكرامة للصالحين من عباد الله عز وجل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 مراحل الطفولة في الأدب القرآني والنبوي ... مراحل الطفولة في الأدب القرآن والنبوي: أولا: مرحلة العدم أثناء الخطبة الزوجية اهتم الإسلام بالطفل قبل وجوده في أثناء الخطبة ومرحلة الاختيار بأن يرضى كل منهما عن الآخر، وليس الرضا للرغبة والمحبة فحسب، وإنما مراعاة نجابة الأولاد الأصحاء الأقوياء الصالحين، فهم ثمرة الحياة الزوجية الناضجة، والزهرة اليانعة الفواحة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس" فالأصل الطيب والنسب الطاهر والخلق الفاضل يكون نتاجها كذلك، قال تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور: 26] ، {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} ، لذلك كان الأساس في اختيار الدين والخلق أولا، فإذا اتفقت بقية الصفات أو بعضها معه تكون نافلة وزيادة، وقد وضح الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذلك: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" البخاري ومسلم، وخير النساء: "التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره" رواه النسائي وأحمد بن حنبل، ويؤكد على الدين والخلق بقوله أيضا: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" وقال تعالى: {الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] ، {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221] ، {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] ، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] ، "الدنيا متاع المرأة الصالحة" رواه مسلم 883/ 2. بعد الزواج مباشرة: وهي مرحلة الحب والتوافق، والمودة والرحمة، ليكون الزوجين معا قدوة حسنة وصالحة، ولا يتم ذلك إلا بتحقيق هذه الأسس: السكن والأمن والاستقرار، قال تعالى: {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} والحب والسعادة والتوافق والترابط: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} ، والمودة والرحمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} ، وأن تظهر لزوجها في أكمل صورة خلقا وخلقا "التي تسره إذا نظر إليها، وتطيعه فيما أمر ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره"، وحسن المعاشرة {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} في سور كثيرة والحرص على العمل الصالح: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} والاعتزال أثناء الحيض لعدم التعرض للأمراض للزوج والجنين: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] ، وبتحقيق هذه الأسس تكون ثمرة الزواج النشء القوي الصحيح الصالح، الذي يرث عن أبويه هذه الصفات، وتلك الأخلاق الفاضلة الكريمة. الطفل الجنين وعند الولادة: تعهد الإسلام الجنين وهو في بطن أمه بالتغذية والحفظ والرعاية من النطفة حتى يصير خلقا آخر في أحسن تقويم، فتبارك الله أحسن الخالقين، فحرم إجهاضه أو سقوطه أو إزهاق روحه ورفع عن أمه المشقة، فرخص لها الإفطار في رمضان، وأمر الزوج بالإنفاق عليها حسب طاقته، قال تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] ، كما حث الإسلام على حسن استقبال الطفل ساعة الولادة، فتستقبله القابلة وهي على ذكر دائم لله تعالى البارئ المصور، ثم يشم ويقبل ساعة ولادته ويكون أول ما يتلقاه سمعه في الدنيا هو ذكر الله عز وجل فيؤذن له في أذنه اليمنى، ويتردد أذان الإقامة في أذنه اليسرى حينذاك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 مرحلة الرضاعة والغذاء: أوجب الإسلام الرضاعة على الأسرة، وأولى بها الأم، فهي أعظم عونا وأشد عطفا وحنانا، وأشمل رعاية وحفظا، فإن لم يتيسر ذلك اختير له أجود المرضعات من النساء المتفرغات لذلك، فيجب على الأسرة الإنفاق على الرضاعة والتطبيب والحفظ والسكن، كما في قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى، لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 6: 7] ، وقال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 233] . الأسبوع الأول من الولادة: يظل الجنين في بطن أمه تسعة أشهر هادئا مستقرا في ظلمات ثلاث: ظلمة البطن، والرحم، والمشيمة، حتى يخرج بعد الولادة إلى صخب الحياة وضجيجها، قال تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [الزمر: 6] ، وعلى الأسرة في الأسبوع الأول الهدوء والسكينة وخفض الأصوات حتى لا يفزع الطفل، ثم يختار له أحسن الأسماء وأجملها وقعا وتأثيرا في النفس وأعذبها في النطق، وأحلاها على اللسان، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 "خير الأسماء ما عبد وحمد"، وقال أيضا: "تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة" أخرجه أبو داود والنسائي وإذا كان كذلك فالشرع يحث على تغيير الاسم القبيح أو ما فيه مخالفة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن زينب كان اسمها برة، فقيل تزكي نفسها، فسماها رسول الله -صلى الله عليه وسلم: زينب "أخرجه البخاري 1948/ 4"، امتثالا لقوله الله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} ، ثم تذبح العقيقة في اليوم السابع لإطعام الأقارب والجيران والفقراء شكرا لله تعالى على نعمة الإنجاب بأولاد يسبحون الله عز وجل ويعبدونه، وهو خير عمل يخلد صاحبه بعد موته ما جاء في الحديث الشريف: "أو ولد صالح يدعو له"، وإنهم زينة الحياة الدنيا كما قال الله عز وجل: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 47] . مرحلة الحضانة: وهي أهم مراحل التربية والتأديب للأطفال، فيحاط الطفل بالعطف والحنان، والرقة والحب، وتتجاوب المشاعر بين الطفل وأمه بالوجدان الصادق والعاطفة الدافئة، وهذا الجانب الروحي والمعنوي لا يقل شأنا عن الغذاء بل منهما معا، ليكون الطفل خلقا سويا في أحسن تقويم كما قال الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} ، وأولى الأسرة بالحضانة هي الأم لتوافر الرقة والعطف والحنان عندها، وحث على أحقيتها قال -صلى الله عليه وسلم: "أنت أحق به ما لم تنكحي"، ولذلك قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: "ريحها وشمها ولطفها خير له منك". مرحلة التربية والتعليم: يولد الطفل على الفطرة مجردا من مكتسبات العقل والوجدان والشعور، ثم يأخذ في رصد ما حوله عن طريق منافذ الإدراك المختلفة، قال تعالى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 : {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78] وحث الوالدين على رعاية الأولاد وتربيتهم ووقايتهم من الهلاك في الدنيا والآخرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6] ، وأول ما يتلقاه الطفل أن ينطق بصيغة التوحيد "لا إله الله محمد رسول الله" سبع مرات وأن يتعلم قوله تعالى سبع مرات: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} أخرجه أحمد بن حنبل 334/ 4، وتنمى في نفس الطفل غرائز الخوف والمراقبة والمحبة والتدبر في ملكوت الله عز وجل، وترويضه على الصلاة لسبع سنين، وتتعلم البنات أخلاق الاحتشام والحياء وحدود الزينة واللباس والحجاب وعدم التبرج: {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: 32-33] ، {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59] ، وأن يقرأ عليهن سورة النور لمعرفة ما فيها من أحكام تخصها، ثم يرغب الراعي أولاده في التعليم: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} ، {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة: 129] ، قال أبو الدرداء: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاء بما يطلب، وإن العالم يستغفر له من في السموات والأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم، من أخذه أخذ بحظ وافر"، وقال أيضا "طلب العلم فريضة على كل مسلم" متفق عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 مرحلة الشباب: حين يبلغ الصبي خمسة عشر عاما وتحيض الأنثى يصل الشباب إلى مرحلة النضج والبلوغ والرشد والتكليف لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ.." فما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، قال تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 13-14] ، ويتدبر الشاب وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عباس، ووصية لقمان لابنه السابقتين وغيرها ليكون شابا قويا يصارع هوى نفسه وشيطانه، فيصير صالحا ينشأ في عبادة الله: "وشاب نشأ في عبادة الله" الحديث للبخاري. مرحلة المراهقة: وتعد من أخطر مراحل الشباب التي يمر بها لما يقع فيها من الصراع بين هوى النفس والشيطان وبين القيم الإسلامية التي تضبط سلوكه ومقاومة الرغبة الجنسية وضبطها؛ حتى لا يهبط بشرف الإنسانية وكرامتها إلى الحيوانية والشهوة الجارفة، فيعالج ذلك بالتقوى أو الزواج إن كان قادرا وإن لم يستطع فالصوم له وجاء، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" كما يقاوم ذلك بمواصلة السعي والعمل، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15] ، وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97] ، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "من بات كالا من عمله أمسى مغفورا له"، وقال أيضا: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"، وأن يشغل نفسه بالعبادة وبالمساجد في أوقات الصلوات مع المسلمين في صلاة الجماعة فيكون مع السبعة الذين يظلهم الله في ظله: "وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا ليه وافترقا عليه" وبهذا ينتصر على هوى نفسه وعلى شيطانه، ويقضي على الفراغ الذي تبتلعه الشهوات والنزوات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 أثر القرآن والسنة في تأديب الطفل شعرا ونثرا : وتأثر شعر الأطفال بالقرآن والسنة في عصر الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم- فهذه أسماء بنت أبي بكر الصديق ترقص عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهم: أبيض كالسيف الحسام الإبريق ... بين الحواري وبين الصديق ظني به ورب ظني تحقيق ... والله أهل الفضل وأهل التوفيق أن يحكم الخطبة يعيي المسليق ... ويفرج الكربة في ساعة الضيق إذا نبت بالحقل الحماليق ... الخيل تعدو زيما برازيق1 ويقول الزبير بن العوام وهو يرقص ابنه عبد الله -رضي الله عنهما: أبيض من آل أبي عتيق ... مبارك من ولد الصديق ألذه كما ألذ ريقي2 ويقول علي كرم الله وجهه -رضي الله عنه: ابني إن الذكر فيه مواعظ ... فمن الذي بعظاته يتأدب فاقرأ كتاب الله جهدك واتله ... فيمن يقوم به هناك وينصب بتفكر وتخشع وتقرب ... إن المقرب عنده المتقرب واعبد إلهك ذا المعارج مخلصا ... وانصت إلى الأمثال فيما تضرب وإذا مررت بآية وعظية ... تصف العذاب فقف ودمعك يسكب وإذا مررت بآية في ذكرها ... وصف الوسيلة والنعيم المعجب فاسأل إلهك بالإنابة مخلصا ... دار الخلود سؤال من يتقرب3   1 أنباء نجباء الأبناء: محمد بن ظفر ص85. 2 البيان والتبيين: الجاحظ 100/ 1. 3 ديوان علي كرم الله وجهه: تحقيق د. محمد عبد المنعم خفاجي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 ويقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقد كتب إلى الأمصار: أما بعد فعلموا أولادكم السباحة والفروسية ورووهم ما سار من المثل وحسن من الشعر، وقال1: قد ينفع الأدب الأحداث في مهل ... وليس ينفع بعد الكبرة الأدب إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ... ولن تلين إذا قومتها الخشب ويوصي الأعشى ابنه فيقول2: سأوصي بصيرا إن دنوت من البلى ... وكل امرئ يوما سيصبح فانيا فذا الشنء اشنأه وذا الود فأجزه ... على وده أو زد عليه العلانيا وإن تقى الرحمن لا شيء مثله ... فصبرا إذا تلقى السحاق الغراثيا وربك لا تشرك به إن شركه ... يحط من الخيرات تلك البواقيا بل الله فاعبد لا شريك له ... يكن لك فيما تكدح اليوم راعيا وإياك والميتات لا تقربنها ... كفى بكلام الله عن ذاك ناهيا ولا تعدن الناس ما لست منجزا ... ولا تشتمن جارا لطيفا مصافيا ولا تزهدن في وصل أهل قرابة ... ولا تكن سبعا في العشيرة عاديا وإن امرؤ أسدى إليك أمانة ... فأوف بها إن مت سميت وافيا وهذه وصية عبدة بن الطيب لبنيه عندما هرم وضعف: ابني إني كبرت وقد رابني ... بعدي وفي لمصلح مستمتع ونصيحة في الصدر صادرة لكم ... ما دمت أبصر في الرجال وأسمع أوصيكم بتقى الإله فإنه ... يعطي الرغائب من يشاء ويمنع وببر إليكم طاعة أمره ... إن الأبر من البنين الأطوع إن الكبير إذا عصاه أهله ... ضاقت يداه بأمره ما يصنع ودعوا الضغينة لا تكن من شأنكم ... إن الضغائن للقرابة توضع1   1 المفضليات: للضبي 384/ 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 ويقول حطان بن علي وهو يحرص على رعاية بناته: أنزلني الدهر على حكمه ... من شامخ عال إلى خفض وغالني الدهر بوفر الغنى ... فليس لي مال سوى عرضي أبكاني الدهر ويا ربما ... أضحكني الدهر بما يرضى ولولا بنات كزغب القطا ... رددن من بعض إلى بعض لكان لي مضطرب واسع ... في الأرض ذات الطول والعرض وإنما أولادنا بديننا ... أكبادنا تمشي على الأرض لو هبت الريح على بعضهم ... لامتنعت عيني من الغمض1 وهكذا اهتم شعر الصحابة والتابعين بتأديب الأطفال ورعايتهم مما يضيق عنه هذا البحث والمقام، وأما النثر الفني فقد كان مساحته أكثر وأعمق وأعظم عندهن، وأكثر تأثرا بالقرآن الكريم والسنة الشريفة، وسنقتصر على شواهد قليلة للاستدلال بها -فقط- على اهتمام أدبنا العربي القديم بالأطفال دفعا للاتهام الموجه إليه من الباحثين المحدثين. ومما رواه ابن سلام أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- استعمل رجلا على عمل، فرأى هذا الرجل سيدنا عمر يقبل صبيا له، فقال له: تقبله وأنت أمير المؤمنين، لو كنت أنا ما قبلته، فقال سيدنا عمر -رضي الله عنه: فما ذنبي إن كان الله نزع من قلبك الرحمة، إن الله لا يرحم من عباده إلا الرحماء، ثم نزعه عن عمله وعلل لعزله بقوله: أنت لا ترحم ولدك فكيف ترحم الناس2. ويقول عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده3: "ليكن أول ما تبدأ به من إصلاحك بني إصلاحك نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت، علمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه فيملوه، ولا تتركهم منه فيهجروه، ثم   1 شاعر إسلامي: ديوان الحماسة لأبي تمام 101/ 1، وعيون الأخبار لابن قتيبة 95/ 2. 2 كنز العمال: 853/ 16. 3 البيان والتبيين: الجاحظ 73/ 2، وعيون الأخبار: ابن قتيبة 563/ 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 روهم من الشعر أعفه ومن الحديث أشرفه، ولا تخرجهم من علم إلى غيره، حتى يحكموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم، وعلمهم سير الحكماء وأخلاق الأدباء، وجنبهم محادثة النساء، وتهددهم بي، وأدبهم دوني، وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء، ولا تتكل على عذري، فإني قد اتكلت على كفايتك، وزد في تأديبهم أزدك في بري إن شاء الله". ويقول عبد الملك بن مروان لمؤدب ولده: "علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم السلفة فإنهم أسوأ الناس رعة "ورعا"، وأقلهم أدبا، وجنبهم الحشم فإنهم لهم مفسدة، وأحف شعورهم تغلظ رقابهم، وأطعمهم اللحم يقووا، وعلمهم الشعر يمجدوا وينجدوا، وإذا احتجت أن تتناولهم بأدب فليكن في ذلك ستر، ولا يعلم به أحد من الغاشية فيهونوا عليه"1. وهكذا فالنماذج الفنية في النثر الأدبي كثيرة لا حصر لها، ولكني أختمها بنموذج للإمام أبي حامد الغزالي2، وهذه بعض الفقرات من فصل كامل في تربية الطفل وتأديبه: "اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها، والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفسية ساذجة، خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه فإن عود الخير وعمله نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه ... ومهما كان الأدب يصونه عن نار الدنيا فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى، وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قرناء السوء، ولا يعوده التنعم،   1 عيون الأخبار: ابن قتيبة 654/ 2. 2 إحياء علوم الدين من الأجزاء من 3-8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ولا يحبب إليه الزينة وأسباب الرفاهية، فيضيع عمره في طلبها إذا كبر فيهلك هلاك الأبد.. ينبغي أن يراقبه من أول أمره، فلا يستعمل في حضانته إلا امرأة صالحة متدينة تأكل الحلال فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه.. وأول ما يغلب عليه من الصفات شره الطعام، فينبغي أن يؤدب مثل: ألا يأخذ الطعام إلا بيمينه وأن يقول عليه بسم الله عند أخذه، وأن يأكل مما يليه، وألا يبادر بالطعام قبل غيره، وألا يحدق النظر إليه ولا إلى من يأكل، وألا يسرع في الأكل، وأن يجود المضغ، وألا يوالي بين اللقم، ولا يلطخ يده ولا ثوبه.. وينبغي أن يعود ألا يبصق في مجلسه ولا يتمخط، ولا يتثاءب بحضرة غيره، ولا يستدبر غيره، ولا يضع رجلا على رجل، ولا يضع كفه تحت ذقنه، ولا يعمد رأسه بساعده، فإن ذلك دليل الكسل ... ويعلم كيفية الجلوس، ويمنع كثرة الكلام، ويبين له أن ذلك يدل على الوقاحة وأنه فعل أبناء اللئام، ويعود في بعض النهار على المشي والحركة والرياضة، حتى لا يغلب عليه الكسل، ويعود ألا يكشف أطرافه، ولا يسرع المشي، ولا يرخي يديه، بل يضمها إلى صدره، ويمنع أن يفتخر على أقرانه بشيء مما يملكه والداه، وبشيء من مطامعه وملابسه أو لوحة ودواته، بل يعود التواضع والإكرام لكل من عاشره، والتلطف في الكلام معهم ... " وغيره مما لا يحتاج إلى تعليق. وهكذا في فصل كامل يحتاج إلى بحث مستقل في أدب الأطفال عند أبي حامد الغزالي، وكذلك الأمر عند غيره من الأدباء والنقاد في تراثنا العربي والإسلامي العظيم الذي يضم حضارة الإسلام في تأديب الأطفال ورعايتهم وتربيتهم. أ. د. علي علي صبح أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر الشريف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 من المصادر والمراجع : بالإضافة إلى ما ذكر في الهامش: 1- صحيح البخاري. 2- صحيح مسلم. 3- سنن أبي داود. 4- سنن الترمذي. 5- سنن النسائي. 6- سنن ابن ماجه. 7- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال لعلاء الدين المتقي. 8- منهج التربية الإسلامية، محمد قطب. 9- خلق المسلم، للغزالي المعاصر. 10- إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي. 11- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر. 12- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر. 13- تهذيب الأخلاق لابن مسكويه. 14- الخلق الكامل، محمد أحمد جاد المولي. 15- دستور الأخلاق في القرآن الكريم، د. محمد عبد الله دراز. 16- فقه السنة، السيد سابق. 17- المحاسن والمساوئ، البيهقي. 18- الهداية الإسلامية، محمد الخضر حسين. 19- أدب الأطفال في ضوء الإسلام، د. نجيب الكيلاني. 20- أدب الأطفال فنونه ووسائطه، د. هادي الهيتي. 21- أصول التربية الإسلامية وأساليبها، عبد الرحمن النحلاوي. 22- أدب الأطفال، د. أحمد حنورة. 23- أدب الأطفال تربية ومسئولية، محمد حسن بريغش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 24- الأدب القصصي عند العربي د. موسى سليمان. 25- الأسرة في الإسلام، د. مصطفى عبد الواحد. 26- أنباء نجباء الإسلام، محمد بن ظفر. 27- قصص العرب، محمد أحمد جاد المولى. 28- في أدب الأطفال، د. علي الحديدي. 29- القصة في التربية، د. عبد العزيز عبد المجيد. 30- أدب الطفل العربي، د. حسن شحاته. 31- دواوين الشعراء المذكورة في الهامش. 32- المصادر القديمة المذكورة في الهامش. 33- ديوان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، د. محمد عبد المنعم خفاجي. 34- خلود الإسلام، د. محمد عبد المنعم خفاجي. 35- القرآن الكريم معجزة العصور، د. خفاجي، علي صبح، د. عبد العزيز شرف. 36- الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق، د. علي علي صبح، ثلاثة أجزاء، مكتبة الأزهر للتراث، القاهرة، الأزهر 1998. 37- البناء الفني للصورة الأدبية في الشعر، د. علي علي صبح، المكتبة السابقة. 38- الأدب الإسلامي الصوفي حتى نهاية القرن الرابع الهجري، د. علي علي صبح، المكتبة السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38